التوحيد للماتريدي

أبو منصور المَاتُرِيدي

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الحمدلله الَّذِي كل حمد حمد بِهِ من دونه فراجع بِالْحَقِيقَةِ إِلَيْهِ حمدا يوافي نعمه ويكافئ من يَده ويبلغ رِضَاهُ ونسأله أَن يصلى على من ختم بِهِ الرسَالَة وعَلى إخوانه من الْمُرْسلين وعَلى أوليائه أَجْمَعِينَ ونستعصم بِهِ من الزلل ونرغب إِلَيْهِ فِيمَا يكرمنا من القَوْل وَالْعَمَل إبِْطَال التَّقْلِيد وَوُجُوب معرفَة الدّين بِالدَّلِيلِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أما بعد فَإنَّا وجدنَا النَّاس مختلفي الْمذَاهب فِي النَّحْل فِي الدّين متفقين على إختلافهم فِي الدّين على كلمة وَاحِدَة أَن الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حق وَالَّذِي عَلَيْهِ غَيره بَاطِل على اتِّفَاق جُمْلَتهمْ من أَن كلا مِنْهُم لَهُ سلف يُقَلّد فَثَبت أَن التَّقْلِيد لَيْسَ مِمَّا يعْذر صَاحبه لإصابة مثله ضِدّه على أَنه لَيْسَ فِيهِ سوى كَثْرَة الْعدَد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لأحد مِمَّن ينتهى القَوْل إِلَيْهِ حجَّة عقل يعلم بهَا صَدَقَة فِيمَا يدعى وبرهان يقهر المنصفين على إِصَابَته الْحق فَمن إِلَيْهِ مرجعه فِي الدّين بِمَا يُوجب تَحْقِيقه عَنهُ فَهُوَ المحق وعَلى كل وَاحِد مِنْهُم معرفَة الْحق فِيمَا يدين هُوَ بِهِ كَأَن الَّذِي دَان بِهِ هُوَ مَعَ

السمع والعقل هما أصل ما يعرف به الدين

أَدِلَّة صدقه وَشَهَادَة الْحق لَهُ قد حصرهم إِذْ مُنْتَهى حجج كل مِنْهُم مَا يضْطَر التَّسْلِيم لَهُ لَو ظفر بهَا وَقد ظَهرت لمن ذكرت وَلَا يجوز ظُهُور مثلهَا لضده فِي الدّين لما يتناقض حجج مَا غلبت حججه وَأظْهر تمويه أَسبَاب الشّبَه فِي غَيره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعَظِيم السّمع وَالْعقل هما أصل مَا يعرف بِهِ الدّين ثمَّ أصل مَا يعرف بِهِ الدّين إِذْ لابد أَن يكون لهَذَا الْخلق دين يلْزمهُم الإجتماع عَلَيْهِ وأصل يلْزمهُم الْفَزع إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا السّمع وَالْآخر الْعقل وَأما السّمع فَمَا لَا يَخْلُو بشر من انتحاله مذهبا يعْتَمد عَلَيْهِ وَيَدْعُو غَيره إِلَيْهِ حَتَّى شاركهم فِي ذَلِك أَصْحَاب الشكوك والتجاهل فضلا عَن الَّذِي يقر بِوُجُود الْأَشْيَاء وتحقيقها على ذَلِك جرت سياسة مُلُوك الأَرْض من سيرة كل مِنْهُم مَا راموا تَسْوِيَة أُمُورهم عَلَيْهِ وتأليف مَا بَين قُلُوب رعيتهم بِهِ وَكَذَلِكَ أَمر الَّذين ادعوا الرسَالَة وَالْحكمَة وَمن قَامَ بتدبير أَنْوَاع الصِّنَاعَة وَبِاللَّهِ المعونة والنجاة وَأما الْعقل فَهُوَ أَن كَون هَذَا الْعَالم للفناء خَاصَّة لَيْسَ بحكمة وَخُرُوج كل ذِي عقل فعله عَن طَرِيق الْحِكْمَة قَبِيح عَنهُ فَلَا يحْتَمل أَن يكون الْعَالم الَّذِي الْعقل مِنْهُ جُزْء مؤسسا على غير الْحِكْمَة أَو مجعولا عَبَثا

وَإِذا ثَبت ذَلِك دلّ أَن إنْشَاء الْعَالم للبقاء لَا للفناء ثمَّ كَانَ الْعَالم بِأَصْلِهِ مَبْنِيا على طبائع مُخْتَلفَة ووجوه متضادة وبخاصة الَّذِي هُوَ مَقْصُود من حَيْثُ الْعقل الَّذِي يجمع بَين الْمُجْتَمع وَيفرق بَين الَّذِي حَقه التَّفْرِيق وَهُوَ الَّذِي سمته الْحُكَمَاء الْعَالم الصَّغِير فَهُوَ على أهواء مُخْتَلفَة وطبائع مُتَشَتِّتَة وشهوات ركبت فيهم غالبة لَو تركُوا وَمَا عَلَيْهِ جبلوا لتنازعوا فِي تجاذب الْمَنَافِع وأنواع الْعِزّ والشرف وَالْملك وَالسُّلْطَان فيعقب ذَلِك التباغض ثمَّ التقاتل وَفِي ذَلِك التفاني وَالْفساد الَّذِي لَو أَمر كَون الْعَالم لَهُ لبطلت الْحِكْمَة فِي كَونه مَعَ مَا جعل الْبشر وَجَمِيع الْحَيَوَان غير مُحْتَمل للبقاء إِلَّا بالأغذية وَمَا بِهِ قوام أبدانهم إِلَى المدد الَّتِي جعلت لَهُم فَلَو لم يرد بتكوينهم سوى فنائهم لم يحْتَمل إنْشَاء مَا بِهِ بقاؤهم وَإِذ ثَبت ذَا لَا بُد من أصل يؤلف بَينهم ويكفهم عَن التَّنَازُع والتباين الَّذِي لَدَيْهِ الْهَلَاك والفناء فَلَزِمَ طلب أصل يجمعهُمْ عَلَيْهِ لغاية مَا احْتمل وسعهم الْوُقُوف عَلَيْهِ على أَن الأحق فِي ذَلِك إِذْ علم بحاجة كل مِمَّن يُشَاهد وضرورة كل من المعاين أَن لَهُم مُدبرا عَالما بأحوالهم وَبِمَا عَلَيْهِ بقاؤهم وَأَنه جبلهم على الْحَاجَات لَا يدعهم وَمَا هم عَلَيْهِ من الْجَهْل وَغَلَبَة الْأَهْوَاء مَعَ مَا لَهُم من الْحَاجة فِي معرفَة مَا بِهِ معاشهم وبقاؤهم دون أَن يُقيم لَهُم من يدلهم على ذَلِك ويعرفهم ذَلِك وَلَا بُد من أَن يَجْعَل لَهُ دَلِيلا وبرهانا يعلمُونَ خصوصه بِالَّذِي خصّه بِهِ من الْإِمَامَة

لَهُم وأحوجهم إِلَيْهِ فِيمَا عَلَيْهِ أَمرهم فَيكون فِي ذَلِك مَا بَينا من صدق من يَنْتَهِي قَوْله إِلَى قَول من دلّ عَلَيْهِ الْعَالم بِأَمْر الْعَالم أَنه هُوَ الَّذِي جعله المفزع لَهُم وَالْمُعْتَمد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ اخْتلف فِي الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا يعلم الْمصَالح وَالْحق والمحاسن من أضدادها فَمنهمْ من يَقُول هُوَ مَا يَقع فِي قلب كل مِنْهُم حسنه لزمَه التَّمَسُّك بِهِ وَمِنْهُم من يَقُول يعجز الْبشر عَن الْإِحَاطَة بِالسَّبَبِ وَلَكِن يتَمَسَّك بِمَا ألهم لما يكون ذَلِك مِمَّن لَهُ تَدْبِير الْعَالم قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وهما بعيدان من أَن يَكُونَا من أَسبَاب الْمعرفَة لِأَن وُجُوه التضاد والتناقض فِي الْأَدْيَان بَين ثمَّ عِنْد كل وَاحِد مِنْهُم أَنه المحق ومحال أَن يكون سَبَب الْحق يعْمل هَذَا الْعَمَل لما تصور الْبَاطِل بِنَفس صُورَة الْحق فمحال الثِّقَة بِمن ظهر كذبه كل هَذَا الظُّهُور مَعَ مَا كَانَ مُعْتَقدًا لمَذْهَب بإعتقاد الْحق بِمَا ذكرت عِنْد ضِدّه وَفِي إلهامه أَنه مُبْطل وَلم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا دَلِيل غير الَّذِي لآخر فِي خطابه وَذَلِكَ نوع مَا لَا يدْفع الإختلاف والتضاد اللَّذين بهما التفاني وعَلى ذَلِك يبطل إِعْلَام الْقرعَة فِيمَا يعجز عَنهُ ذُو الْعقل وَلم يَجْعَل فِي الحكم الْجَبْر على الرِّضَا إِذْ هِيَ تخرج مُخْتَلفا وَكَذَلِكَ أَمر الْقَائِف فَلم يجز أَن يَكُونَا سببى الْحق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

السبل الموصلة إلى العلم هي العيان والأخبار والنظر

السبل الموصلة إِلَى الْعلم هِيَ العيان وَالْأَخْبَار وَالنَّظَر قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ السَّبِيل الَّتِي يُوصل بهَا الى الْعلم بحقائق الْأَشْيَاء العيان وَالْأَخْبَار وَالنَّظَر فالعيان مَا يَقع عَلَيْهِ الْحَواس وَهُوَ الأَصْل الَّذِي لَدَيْهِ الْعلم الَّذِي لَا ضد لَهُ من الْجَهْل فَمن قَالَ بضده من الْجَهْل فَهُوَ الَّذِي يُسمى منكره كل سامع مكابرا تأبى طبيعة الْبَهَائِم أَن يكون ذَلِك رتبتها إِذْ أكل مِنْهَا يعلم مَا بِهِ بَقَاؤُهَا وفناؤها وَمَا يتلذذ بِهِ ويتألم وَصَاحب هَذَا يُنكر ذَلِك وَأجْمع أَن لَا يناظر مَعَ من كَانَ ذَلِك قَوْله إِذْ لَا يثبت إِنْكَاره وَلَا حُضُوره بِنَفسِهِ والمناظرة فِي مائية الشَّيْء أَو هستيته وَهُوَ لَهما وللدفع جَمِيعًا دَافع وَلكنه يمازج فَيُقَال لَهُ تعلم بأنك تنفى فَإِن قَالَ لَا بَطل نَفْيه وَإِن قَالَ نعم أثبت نَفْيه فَيصير بِمَا يدْفع دافعا لدفعه ويؤلم بالألم الشَّديد من قطع الْجَوَارِح ليَدع تعنته إِذْ نَحن نعلم أَنه يعلم العيان إِذْ هُوَ علم الضَّرُورَة وَلكنه بقوله مُتَعَنتًا وَحقّ مثله مَا ذكرت ليجزع ويضجر فيقابل بتعنت مثله فينهتك لَدَيْهِ ستره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَخْبَار نَوْعَانِ من أنكر جملَته لحق بالفريق الأول لِأَنَّهُ أنكر إِنْكَاره إِذْ إِنْكَاره خبر فَيصير مُنْكرا عِنْد إِنْكَاره إِنْكَاره مَعَ مَا فِيهِ جهل نسبه وإسمه ومائيته وَاسم جوهره وَاسم كل شَيْء فَيجب بِهِ جهل محسوس وعجزه عَن أَن يخبر عَن شَيْء عاينه إِذا خبر بِهِ فَكيف يبلغ هُوَ إِلَى الْعلم بِمَا يبلغهُ مِمَّا غَابَ عَنهُ أَو مَتى يعلم مَا بِهِ معاشه وغذاؤه وكل ذَلِك يصل

إِلَيْهِ بالْخبر مَعَ مَا فِيهِ الكفران بعظيم نعم الله عَلَيْهِ وبأصل مَا حمد هُوَ بِهِ وَبِمَا فضل بِهِ على الْبَهَائِم من النُّطْق بِالسَّمْعِ وَذَلِكَ نِهَايَة المكابرة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ لَا يُوصل بهما إِلَى إِدْرَاك المحاسن والمساوئ الَّتِي لَا يعْمل الْعُقُول على الْإِحَاطَة بهَا إِلَّا بإستعمال الألسن بالتكلم بهَا وإدناء السّمع إِلَيْهَا وَحقّ مناظرة هَذَا وَإِن كَانَت مناظرته سفها فيمازج أَيْضا فَنَقُول لَهُ عِنْد إِنْكَاره الْخَبَر مَا تَقول فَإِن عَاد إِلَيْهِ فَاعْلَم أَنه قبل خبرك حَيْثُ عَاد إِلَى قَوْله وَهُوَ استعادتك الْخَبَر وَإِن لم يعد إِلَيْهِ كفيت شَره وحمدت الله وضحكت مِنْهُ وَمثله لمن يُنكر العيان تَقول لَهُ مَا تَقول فَإِن عَاد إِلَيْهِ ظهر لَك أَنه يُعلمهُ وَلكنه يتعنت وَإِن لم يعد إِلَيْهِ كفيت شَره وشكرت الله تَعَالَى على مَا ألهمك أَو تضربه وتؤلم فَإِنَّهُ لَا يقدر أَن يضجر أَو يقابلك بالعتاب لما لَا يحْتَمل ذَلِك إِلَّا بِتَسْمِيَة فعلك وَذَلِكَ يعرف بالْخبر وَقد أنكرهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِذْ قد لزم قبُول الْأَخْبَار بضرورة الْعقل لزم قبُول أَخْبَار الرُّسُل إِذْ لَا خبر أظهر صدقا من خبرهم بِمَا مَعَهم من الْآيَات الْمُوَضّحَة صدقهم إِذْ لَا يُوجد خبر يطمئن إِلَيْهِ الْقلب مِمَّا بَينا من المعارف الَّتِي يصير مُنكر ذَلِك مُتَعَنتًا بضرورة الْعقل أوضح صدقا من أَخْبَار الرُّسُل صلوَات الله عَلَيْهِم فَمن أنكر ذَلِك فَهُوَ أَحَق من يقْضى عَلَيْهِ بالتعنت والمكابرة ثمَّ الْأَخْبَار الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْنَا من الرُّسُل تَنْتَهِي على ألسن من يحْتَمل مِنْهُم الْغَلَط وَالْكذب إِذْ لَيْسَ مَعَهم دَلِيل الصدْق وَلَا برهَان الْعِصْمَة فَحق مثله النّظر فِيهِ فَإِن كَانَ مثله مِمَّا لَا يُوجد

كذبا قطّ فَهُوَ الَّذِي من انْتهى إِلَيْهِ مثله لزمَه حق شُهُود القَوْل مِمَّن اتَّضَح الْبُرْهَان على عصمته وَذَلِكَ وصف خبر الْمُتَوَاتر إِن كلا مِنْهُم وَإِن لم يقم دَلِيل على عصمته فَإِن الْخَبَر مِنْهُم إِذا بلغ ذَلِك الْحَد ظهر صدقه وَثبتت عصمَة مثله على الْكَذِب وَإِن أمكن خلاف ذَلِك فِي كل على الْإِشَارَة وَهَكَذَا القَوْل فِيمَا طَرِيقه الإجتهاد وَإِن احْتمل خطأ كل على الإنفراد والغلط فَإِنَّهُم لم يتفقوا بِمن يوفقهم لذَلِك ليظْهر حَقه إِذْ الآراء لَا تُؤدِّي إِلَيْهِ بعد اخْتِلَاف الْأَهْوَاء وتفرق الهمم لذات ذِي الرَّأْي دون لطف الْعَزِيز الحميد الَّذِي يملك إِظْهَار حَقه وعصمة خلقه فِيمَا شَاءَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَخبر آخر لَا يبلغ هَذَا الْقدر فِي إِيجَاب الْعلم وَالشَّهَادَة بِأَنَّهُ الْحق عَن نَبِي الرَّحْمَة فَيجب الْعَمَل بِهِ وَالتّرْك بالإجتهاد وَالنَّظَر فِي أَحْوَال الروَاة وَالظَّاهِر مِمَّا ظهر حَقه وجوازه فِي السّمع الَّذِي قد أحيط ثمَّ يعْمل بِمَا يغلب عَلَيْهِ الْوَجْه وَإِن احْتمل الْغَلَط إِذْ رُبمَا يعْمل بِهِ فِي علم الْحس الَّذِي هُوَ أرفع طرق الْعلم بِضعْف الْحَواس وببعد المحسوس ولطفه على أَن ترك الْعَمَل بِهِ وَالْعَمَل جَمِيعًا لَا يرجع فِيهِ إِلَى الْإِحَاطَة وَإِلَى أَيهمَا مَال كَانَ فِي ذَلِك إِعْرَاض عَن حق الْخَبَر فَلذَلِك لزم القَوْل فِيهِ بالإجتهاد بِالْوَجْهَيْنِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل فِي لُزُوم القَوْل بِعلم النّظر وُجُوه أَحدهمَا الإضطرار إِلَيْهِ فِي علم الْحس وَالْخَبَر وَذَلِكَ فِيمَا يبعد من الْحَواس أَو يلطف وَفِيمَا يرد من الْخَبَر أَنه فِي نوع مَا يحْتَمل الْغَلَط أَولا ثمَّ آيَات الرُّسُل وتمويهات السَّحَرَة وَغَيرهم فِي التَّمْيِيز بَينهَا وَفِي تعرف الْآيَات بِمَا يتَأَمَّل فِيهَا من قوى الْبشر وأحوال الْآتِي بهَا

ليظْهر الْحق بنوره وَالْبَاطِل بظلمته وعَلى ذَلِك دلّ الله بِالَّذِي ثَبت بالأدلة المعجزة أَنه مِنْهُ من نَحْو الْقُرْآن الَّذِي عجز الْإِنْس وَالْجِنّ أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ مَعَ الْأَمر بِهِ بقوله {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق} إِلَى آخر السُّورَة وَقَوله {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل} وَقَوله {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَقَوله {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} وَغير ذَلِك مِمَّا رغب فِي النّظر وألزم الإعتبار وَأمر بالتفكر والتدبر وَأخْبر أَن ذَلِك يوقفهم على الْحق وَيبين لَهُم الطَّرِيق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا لَيْسَ لمن يُنكر النّظر على دَفعه دَلِيل سوى النّظر فَدلَّ ذَلِك على لُزُوم النّظر بِمَا بِهِ دَفعه مَعَ مَا لَا بُد من معرفَة مَا فِي الْخلق من الْحِكْمَة إِذْ لَا يجوز فعل مثله عَبَثا وَمَا فِيهِ من الدّلَالَة على من أنشأه أَو على كَونه بِنَفسِهِ أَو حدث أَو قدم وكل ذَلِك مِمَّا لَا سَبِيل إِلَى الْعلم بِهِ إِلَّا بِالنّظرِ على أَن الْبشر خص بِملك تَدْبِير الْخَلَائق والمحنة فِيهَا وَطلب الْأَصْلَح لَهُم فِي الْعُقُول وَاخْتِيَار المحاسن فِي ذَلِك وإتقاء مضادة ذَلِك وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة ذَلِك إِلَّا بإستعمال الْعُقُول بِالنّظرِ فِي الْأَشْيَاء على أَن مفزع الْكل عِنْد النوائب وَاعْتِرَاض الشّبَه إِلَى النّظر فِي ذَلِك والتأمل فَدلَّ أَنه يدل على الْحَقَائِق ويوصل بِهِ إِلَيْهَا على نَحْو الْفَزع عِنْد اشْتِبَاه اللَّوْن إِلَى الْبَصَر وَالصَّوْت إِلَى السّمع وَكَذَا كل شَيْء إِلَى الحاسة الَّتِي بهَا دركها فَمثله النّظر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن محَاسِن الْأَشْيَاء ومساويها وَمَا قبح من الْأَفْعَال وَمَا حسن مِنْهَا فَإِنَّمَا نِهَايَة الْعلم بعد وُقُوع الْحَواس عَلَيْهَا وورود الْأَخْبَار فِيهَا إِذا أُرِيد تَقْرِير كل جِهَة من ذَلِك فِي الْعُقُول والكشف عَن وُجُوه مَا لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَر فِيهَا وعَلى ذَلِك أَمر المكاسب الضارة والنافعة على أَن الْبشر جبل

الدليل على حدث الأعيان

على طبيعة وعقل وَمَا يُحسنهُ الْعقل غير الَّذِي ترغب فِيهِ الطبيعة وَمَا يقبحه غير الَّذِي ينفر عَنهُ الطَّبْع أَو يكون بَينهمَا مُخَالفَة مرّة وموافقة ثَانِيًا لَا بُد من النّظر فِي كل أَمر والتأمل ليعلم حَقِيقَة أَنه فِي أَي فن وَنَوع مِمَّا ذكرنَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الدَّلِيل على حدث الْأَعْيَان قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله الدَّلِيل على حدث الْأَعْيَان هُوَ شَهَادَة الْوُجُوه الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرنَا من سبل الْعلم بالأشياء فَأَما الْخَبَر فَمَا ثَبت عَن الله تَعَالَى من وَجه يعجز الْبشر عَن دَلِيل مثله لأحد إِنَّه أخبر أَنه خَالق كل شَيْء وبديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَن لَهُ ملك مَا فِيهِنَّ وَقد بَينا لُزُوم القَوْل بالْخبر وَلَيْسَ أحد من الْأَحْيَاء ادّعى لنَفسِهِ الْقدَم أَو أَشَارَ إِلَى معنى يدل على فدمه بل لَو قَالَ لعرف كذبه هُوَ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا كل من حَضَره بِمَا رَأَوْهُ صَغِيرا وَيذكر ابتداؤه أَيْضا لذَلِك لزم القَوْل بِحَدَث الْأَحْيَاء ثمَّ الْأَمْوَات تَحت تَدْبِير الْأَحْيَاء فهم أَحَق بِالْحَدَثِ وَالله الْمُوفق وَعلم الْحس وَهُوَ أَن كل عين من الْأَعْيَان يحس محاطا بِالضَّرُورَةِ مَبْنِيا بِالْحَاجةِ والقدم هُوَ شَرط الْغِنَا لِأَنَّهُ يسْتَغْنى بقدمه عَن غَيره والضرورة وَالْحَاجة يحوجانه إِلَى غَيره فَلَزِمَ بِهِ حَدثهُ وَأَيْضًا أَن كل شَيْء جَاهِل يَبْدُو حَاله عَاجز عَن إصْلَاح مَا يفْسد مِنْهُ فِي الْحَال الَّتِي هُوَ فِيهَا مَوْصُوف بالكمال فِي الْقُوَّة وَالْعلم إِذا كَانَ ذَلِك حَيا وَلَو كَانَ مَيتا فسلطان الْحَيّ عَلَيْهِ جَار ثَبت

أَنه لم يكن وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِغَيْرِهِ وَإِذا ثَبت الْغَيْر لزم الْحَدث إِذْ الْقدَم يمْنَع الْكَوْن لغيره وَأَيْضًا أَن كل محسوس لَا يَخْلُو عَن إجتماع طبائع مُخْتَلفَة ومتضادة مِمَّا حَقّهَا التنافر والتباعد لأنفسها ثَبت إجتماعها بغَيْرهَا وَفِي ذَلِك حَدثهُ وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن الْعَالم ذُو أَجزَاء وأبعاض وَيعلم أَكثر أَبْعَاضه أَنه حَادث بعد أَن لم يكن وَيعلم نماؤه وإتساعه وَكبره لزم ذَلِك فِي كُله إِذْ لَا يصير إجتماع أَجزَاء متناهية غير متناهية وَأَيْضًا أَن مِنْهُ طيب وخبيث وصغير وكبير وَحسن وقبيح وَنور وظلمة وَهَذِه آيَات التَّغَيُّر والزوال وَفِي التَّغَيُّر والزوال فنَاء وهلاك إِذْ مَعْلُوم أَن الإجتماع يُؤَكد ويقوى ويعظم دَلِيله النشر وَأَنه إِذا تفرق بَطل ذَلِك فَثَبت أَن ذَلِك آيَة الفناء وَمَا احْتمل الفناء لم يجز كَونه بِنَفسِهِ وَيلْزم أَيْضا إحتمال الإبتداء وَلَيْسَ لقَوْل من يَقُول يغيب عَن الْأَبْصَار وَلَا يفنى معنى لما علم الْعَالم بالبصر لَا بالدلائل وَبِه يدعى الْقدَم فقد زَالَ ذَلِك مَعَ مَا أَنا بَينا من وهنه وَلَا فرق بَين حَيَاة تفنى وَبَين ذَاته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك طَرِيق علم الإستدلال مَعَ مَا أَنه لَا يَخْلُو الْجِسْم من حَرَكَة أَو سُكُون وَلَيْسَ لَهَا الإجتماع فيزول من جملَة أوقاته نصف الْحَرَكَة وَنصف السّكُون وكل ذِي نصف متناه على أَنَّهُمَا إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقدَم لزم حدث أحد الْوَجْهَيْنِ ويبطلانه أَن يكون مُحدثا فِي الْأَزَل لزم فِي الآخر وَفِي ذَلِك حدث مَا لَا يَخْلُو عَنهُ وَأَيْضًا أَن كل جسم لَا يَخْلُو عَن سُكُون دَائِم أَو حَرَكَة دائمة أَو هما وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا مَدْفُوع إِلَيْهِ مسخر بِهِ ومجعول لمنافع غير وَإِذا كَانَ ذَلِك وصف جَوَاهِر الْعَالم الَّتِي لَا تُوصَف بِالْحَيَاةِ ثَبت أَنَّهَا محدثة إِذْ هِيَ لَا على مَا هِيَ بِنَفسِهَا وَلَكِن على تسخيرها وتذليلها وإستعمالها فِي حوائج غَيرهَا وَإِذا ثَبت ذَلِك فِي أصل

الْجَوَاهِر والأحياء الَّذين هم فِيهَا وَبهَا نقر وننتفع وهم مجبولون عَن الْحَاجَات وَالْمَنَافِع أَحَق بذلك وَالله الْمُوفق وَدَلِيل آخر أَن الْعَالم لَا يَخْلُو من أَن يكون قَدِيما على مَا عَلَيْهِ أَحْوَاله من إجتماع وتفرق وحركة وَسُكُون وخبيث وَطيب وَحسن وقبيح وَزِيَادَة ونقصان وَهن حوادث بالحس وَالْعقل إِذْ لَا يجوز إجتماع الضدين فَثَبت التَّعَاقُب وَفِيه الْحَدث وَجَمِيع الْحَوَادِث تَحت الْكَوْن بعد أَن لم تكن فَكَذَلِك مَا لَا يَخْلُو عَنَّا وَلَا يسبقها أَو كَانَ إنْشَاء عَن أصل لَا بِهَذِهِ الصّفة أَو انْتقل إِلَيْهَا بإعتراضها فِيهِ فَإِن كَانَ ذَلِك ثَبت أَن هَذَا الْعَالم حَادث وَبَطل قَول من يُنكر الْحُدُوث وَإِن كَانَ غير هَذَا فَإِن كَانَ الأول هُوَ المنشئ لَهُ فَهُوَ قَوْلنَا هُوَ الْبَارِي وسموه هيولى وَإِن كَانَ على الإنتقال إِلَيْهِ فَذهب الأول وَصَارَ هَذَا غَيره فَهَذَا مُحدث بِمَا لم يكن هُوَ الأول وَالْأول مُحدث بِمَا هلك لما انْتقل إِلَى الثَّانِي مَعَ مَا لَا يكون شَيْء من شَيْء من أَن يكون مستجنا فِيهِ فَيظْهر أَو مُحدثا فِيهِ فيتولد وَيخرج أَو يتْلف الأول فَيكون الثَّانِي فَالْأول كَالْوَلَدِ وَالشَّيْء الْمَوْضُوع فِي الْوِعَاء ومحال كَون أَضْعَاف مَا فِيهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ لذَلِك يبطل القَوْل بِكَوْن الْإِنْسَان من النُّطْفَة وَالشَّجر فِي الْحبّ وعَلى ذَلِك من يَقُول بالبروز بِالْقُوَّةِ مَعَ مَا كَانَ فِي ذَلِك إِيجَاب حدث ذَاته لِأَن الْقُوَّة عَلَيْهِ غَيره إِذْ هُوَ وجد بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ أَو تلف الأول نَحْو النُّطْفَة ثمَّ النَّسمَة وَنَحْو ذَلِك فَيصير الأول هَالكا حَتَّى لَا يبْقى لَهُ الْأَثر وَالثَّانِي حَادِثا حَتَّى لم يبْق من الأول فِيهِ أثر وَفِي ذَلِك حدث الأول وَالثَّانِي فَإِن قَالَ قَائِل إِذا جَازَ عنْدكُمْ بَقَاء الْأَعْيَان فِي الْآخِرَة بِمَا لَا يبْقى لم لَا جَازَ قدمهَا بِمَا لَا يتَقَدَّم قيل لوجوه أَحدهَا للتناقض وَهُوَ أَن معنى الْحَدث هُوَ الْكَوْن بعد ان لم يكن فَمن لَا يسْبقهُ فَفِيهِ حَقِيقَة فَالْقَوْل فِيهِ بالقدم ينْقضه وَمعنى الْبَقَاء

هُوَ الْكَوْن فِي مُسْتَأْنف الْوَقْت مَعَه غير أَو لَا لذَلِك اخْتلفَا وَالثَّانِي أَن القَوْل بِالَّذِي ذكرت من الْبَقَاء إِنَّمَا هُوَ سَمْعِي فإمَّا أَن تسلم لي ذَلِك فَيجب حدث الْأَعْيَان لما بِهِ عَرفْنَاهُ أَو لَا تسلم فَيبْطل حجاجه بالسمعي على الْإِنْكَار بِهِ وَالله الْمُسْتَعَان وَأَيْضًا إِن الشَّيْء إِذا لم يكن إِلَّا بِغَيْر يتقدمه وَذَلِكَ شَرط كل الأغيار فَيبْطل كَون الْجَمِيع وَلَا كَذَلِك أَمر الْبَقَاء أَلا يرى أَن من قَالَ لآخر لَا تَأْكُل شَيْئا حَتَّى تَأْكُل غَيره وَكَذَا كل غير فِيهِ ذَلِك الشَّرْط فبقى أبدا غير آكل وَلَو قَالَ كلما أكلت لقْمَة فَكل أُخْرَى فَهُوَ يبْقى أبدا فِي الْأكل فَمثله الأول وعَلى ذَلِك أَمر تضَاعف الْحساب إِنَّه إِذا لم يَجْعَل لَهُ ابْتِدَاء مِنْهُ يبْدَأ لَا يجوز وجود شَيْء مِنْهُ بتة وَإِذا حصل الْبِدَايَة يجوز أَن يبْقى فِيهِ فِيمَا يزِيد ثمَّ يزِيد دَائِما وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا يذكر أَوَائِل الْحساب فِي كل عدد إِذْ بِهِ بلغ ذَلِك وَلَا يذكر نهايتها لذَلِك اخْتلفَا وَأَيْضًا أَنا لَو توهمنا أَن لَا جسم وَأَنه يجوز وجود عرض قبل عرض لم يجز وجود شَيْء مِنْهُ إِذْ لم يَجْعَل لَهُ أولية وإبتداء وَيجوز الْوُجُود أبدا بِلَا نِهَايَة لَهُ فَمثله مَا لَا يَخْلُو عَنهُ من الْأَعْرَاض وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن كل حَرَكَة أَو إجتماع نشِير إِلَيْهِ هُوَ نِهَايَة مَا مضى من ذَلِك النَّوْع فمحال وجود نِهَايَة الْمَاضِي بِلَا إبتداء لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن قد يُوصف جسم بِالْبَقَاءِ مَعَ بَقَاء وَاحِد وَإِن كَانَ ذَلِك الْبَقَاء لَا يبْقى وَلَا يُوصف جسم مَعَ حدث وَاحِد لَا يَخْلُو بِالْعدمِ عَنهُ فَكَذَلِك مَا كثر مِنْهُ على أَن حُدُوث الْبَقَاء فِي الْجِسْم هُوَ سَبَب إبقائه ويدوم بَقَاؤُهُ على دوَام

تتَابع الْبَقَاء فِيهِ وَلَا يجوز أَن يكون سَبَب قدم الْجِسْم حُدُوث عرض فِيهِ فَصَارَ هُوَ عديله وقرينه فَلذَلِك لَا يتقدمه وَالله الْمُوفق وعارض بعض من يَقُول بِهَذَا لما لَا يُوجد الشَّيْء بِلَا لون ثمَّ لَا يجب أَن يكون لونا وَذَلِكَ لَا معنى لَهُ لما أَن الْحَدث هُوَ وصف الْكَوْن بعد أَن لم يكن فَإِذا وجد غَيره غير مُفَارقَة وَفِيه هَذَا الْوَصْف لزمَه هَذَا الحكم وَلَيْسَ اللَّوْن بلون لِمَعْنى يُوجد فِي المتلون بِهِ لذَلِك اخْتلفَا لَكِن جملَة الْجِسْم إِذْ لَا يَخْلُو من الألوان فَلَا يسبقها وَلَكِن يسْبق وَاحِدًا فواحدا وَكَذَلِكَ أَمر الإحداث وَمن قَالَ لَا يعلم صنع شَيْء لَا من شَيْء فَهُوَ الْمُقدر بالموجود حسا والمعارف نَفسهَا خَارِجَة عَن الْحس وَكَذَلِكَ القَوْل بيجوز وَلَا يجوز وَكَذَلِكَ مَا يدعى من التَّفَرُّق لَا الْهَلَاك لَا نعرفه بالحس ثمَّ قَالَ بِهِ فَمثله مَا نَحن فِيهِ مَعَ مَا كَانَ فِيهِ عقل وَسمع وبصر وروح وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يدرى مِم صنع فَذَلِك يمنعهُ القَوْل بِمَا قَالَ وَأَيْضًا إِنَّه إِذا يكن أحد يخبرنا عَن قدمه أَو كَانَ أزليا من جَوْهَر الْعَالم فَلَا وَجه للْعلم بِهِ إِلَّا بالإستدلال ثمَّ لَا نعلم كِتَابَة بِلَا كَاتب وَلَا تفَرقا إِلَّا بمفرق وَكَذَلِكَ الإجتماع وَكَذَلِكَ السّكُون وَالْحَرَكَة فَيلْزم فِي جملَة الْعَالم ذَلِك إِذْ هُوَ مؤلف مفرق بل الأعجوبة فِي تأليف الْعَالم أرفع فَهُوَ أَحَق أَن لَا يتفرق وَلَا يجْتَمع إِلَّا بِغَيْرِهِ ثمَّ كل مَا فِي الشَّاهِد من التَّأْلِيف وَالْكِتَابَة يكون أحدث مِمَّن بِهِ كَانَ فَمثله جَمِيع الْعَالم إِذْ هُوَ فِي معنى مَا ذكرت وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَلَو تكلّف الإستقصاء فِي مثل هَذَا ليخرج عَن طوق الْبشر إِذْ مَا من شَيْء مِمَّا يحس أَو يسمع بِهِ من أَجزَاء الْعَالم إِلَّا وَدلَالَة حَدثهُ ظَاهِرَة من جَهله بإبتداء حَاله وبإصلاح مَا يفْسد أَو ينشيء مثله وعجزه عَمَّا بِهِ حفظ نَفسه أَو تقليبه عَن جوهره مَعَ مَا فِيهِ الْخَبيث والقبيح والذليل والمهان الَّذِي لَوْلَا تَدْبِير غَيره فِيهِ مَا احْتمل أَن يكون كَذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

ثمَّ مَعْلُوم أَن تكون الْحَرَكَة والسكون والإجتماع والتفرق غير الْجِسْم إِذْ قد يكون جسما مُتَفَرقًا يجْتَمع ومتحركا يسكن فَلَو كَانَ لنَفسِهِ يكون كَذَلِك لم يكن ليحتمل مضادات الْأَحْوَال على بَقَاء الْجِسْم بِحَالهِ وعَلى هَذَا يخرج الفناء والبقاء إِذْ قد يُوجد غير بَاقٍ وَلَا فان فِي أَوْقَات فَيلْزم أَن يكون غَيره وَكَذَلِكَ من أَرَادَ بَقَاء الشَّيْء أَو فناءه يقْصد إِلَى غير الْوَجْه الَّذِي يقْصد بِالْآخرِ ثَبت أَنَّهُمَا غيران يحلان وَكثير من الْمُعْتَزلَة يَقُولُونَ بِهَذَا فِي الأول ويأبون فِي الْبَقَاء والفناء مَعَ مَا يبطل قَوْلهم إِذْ كَانَ مُخْتَلفا بِنَفسِهِ فِي إحتمال ذَلِك وَلَو جَازَ ذَلِك وَجَاز بَقَاء الْأَجْسَام بأنفسها لجَاز كَونهَا لَا بِغَيْر على أَن هَذَا بالمعتزلة أولى لأَنهم لَا يجْعَلُونَ من الله إِلَى جملَة الْعَالم غير الْعَالم بِهِ كَانَ الْعَالم إِذْ الْإِرَادَة يجعلونها من الْعَالم وَالْفِعْل كَذَلِك وذاته كَانَ مَوْجُودا عِنْدهم وَلم يكن الْعَالم وَلم يحدث شَيْء سوى كَون الْعَالم فَإِذا كَانَ بِنَفسِهِ وَبِه يبْقى وَفِي ذَلِك فَسَاد التَّوْحِيد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قد ثَبت التغاير وَاخْتلف أهل الْكَلَام فِي مائية اسْم ذَلِك فَمنهمْ من يُسَمِّيه عرضا وَمِنْهُم من يُسَمِّيه صفة وَحقّ هَذِه الْمَسْأَلَة التَّسْلِيم لما يجْرِي الإصطلاح بِهِ لما يُرَاد بِالتَّسْمِيَةِ والتعريف وإفهام المُرَاد فَأَي شَيْء يعْمل ذَلِك كفى وَلَا يعرف الإسم بِالْعقلِ وَالْقِيَاس كَذَلِك قَوْلنَا فِي تخطئة قَول الكعبي إِنَّه لما ثَبت أَنه لَيْسَ بجسم بَان أَنه عرض

الدليل على أن للعالم محدثا

قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَإِنَّمَا يجب ذَلِك إِذا سلم أَن مَا سوى الْجِسْم من الْخلق عرض وَفِي كتاب الله تَسْمِيَة الْعرض على إِرَادَة أعين الْأَشْيَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} وَقَوله {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا} فعلى هَذَا تَسْمِيَة ذَلِك صفة أقرب إِلَى الْأَسْمَاء الإسلامية وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الدَّلِيل على أَن للْعَالم مُحدثا قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ الدَّلِيل على أَن للْعَالم مُحدثا أَنه ثَبت حَدثهُ بِمَا بَينا وَبِمَا لَا يُوجد شَيْء مِنْهُ فِي الشَّاهِد يجْتَمع بِنَفسِهِ وَيفرق ثَبت أَن ذَلِك كَانَ بِغَيْرِهِ وَالله الْمُوفق وَالثَّانِي أَن الْعَالم لَو كَانَ بِنَفسِهِ لم يكن وقتا أَحَق بِهِ من وَقت وَلَا حَال أولى بِهِ من حَال وَلَا صفة أليق بِهِ من صفة وَإِذا كَانَ على أَوْقَات وأحوال وصفات مُخْتَلفَة ثَبت أَنه لم يكن بِهِ وَلَو كَانَ لجَاز أَن يكون كل شَيْء لنَفسِهِ أحوالا هِيَ أحسن الْأَحْوَال وَالصِّفَات وَخَيرهَا فَيبْطل بِهِ الشرور والقبائح فَدلَّ وجود ذَلِك على كَونه بِغَيْرِهِ وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن الْعَالم نَوْعَانِ حَيّ وميت وكل حَيّ جَاهِل بإبتدائه عَاجز عَن إنْشَاء مثله وَإِصْلَاح مَا فسد مِنْهُ وَقت قوته وكماله فَثَبت أَنه كَانَ بِغَيْرِهِ وَالْمَيِّت أَحَق بذلك وَأَيْضًا أَن الْعَالم لَا يَخْلُو كل عين مِنْهُ إِلَى مَا يحْتَملهُ من الْأَعْرَاض قهرا وَمَا اعْتَرَضَهُ من الْأَعْرَاض لَا قيام لَهَا وَلَا وجود دونه فَثَبت بذلك دُخُول كل وَاحِد مِنْهُمَا تَحت حَاجَة الآخر فَيبْطل أَن يكون بِنَفسِهِ مُحْتَاجا إِلَى غير بِهِ يُوجد وَيقوم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا أَن كل عين مَا اجْتمع فِيهِ الطبائع المتضادة الَّتِي من طبعها التنافر لم يجز أَن يكون بِنَفسِهِ يجْتَمع ثَبت أَن لَهُ جَامعا وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن كل عين مُحْتَاج إِلَى آخر بِهِ يقوم وَيبقى من الأغذية وَغَيرهَا مِمَّا لَا يحْتَمل أَن يبلغ علمه مَا بِهِ بَقَاؤُهُ أَو كَيفَ يسْتَخْرج ذَلِك ويكتسب فَثَبت أَنه بعليم حَكِيم لَا بِنَفسِهِ وَبِاللَّهِ النجَاة والعصمة وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ بِنَفسِهِ لَكَانَ يبْقى بِهِ وَيكون على حد وَاحِد فَلَمَّا لم يملك دلّ على أَنه كَانَ بِغَيْرِهِ وَأَيْضًا لَا يَخْلُو كَونه بِنَفسِهِ من أَن كَانَ بعد الْوُجُود فَيبْطل كَونه بِهِ لما كَانَ مَوْجُودا بِغَيْرِهِ أَو قبله وَمَا هُوَ قبله كَيفَ يُوجد نَفسه مَعَ مَا لَو كَانَ بِهِ قبل الْوُجُود لتوهم أَن لايوجد فَيكون عديما فَاعِلا وَذَلِكَ محَال وَيشْهد لما ذكرنَا أَمر الْبناء وَالْكِتَابَة والسفن أَنه لَا يجوز كَونهَا إِلَّا بفاعل مَوْجُود فَمثله مَا نَحن فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وأصل ذَلِك أَنه لَا يعاني مِنْهُ شَيْء إِلَّا فِيهِ حِكْمَة عَجِيبَة وَدلَالَة بديعة مِمَّا يعجز الْحُكَمَاء عَن إِدْرَاك مَا ئيته وَكَيْفِيَّة خُرُوجه على مَا خرج وَعلم كل أحد مِنْهُم بقصور على مَا عِنْده من الْحِكْمَة وَالْعلم عَن إِدْرَاك كنه ذَلِك فَهَذِهِ الضَّرُورَة وَغَيرهَا دلَالَة حِكْمَة مبدعها وخالقها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه لَو جَازَ أَن يكون الْعَالم يبْدَأ من قبل نَفسه بمره لجائز أَن يذهب كُله بِمرَّة فَإِذا لم يكن بل كَانَ على الإختلاف حَتَّى لم يكن تخْتَلف عَلَيْهِ الْأَحْوَال إِلَّا بالأغيار نَحْو حَيّ يَمُوت ومتفرق يجْتَمع وصغير يكبر وخبيث يطيب أبدا يتَغَيَّر بأغيار تحدث فعلى ذَلِك جملَته لَا يحْتَمل أَن يكون لَا بِغَيْرِهِ وَلَو جَازَ ذَا لجَاز أَن تَتَغَيَّر ألوان الثَّوْب بِنَفسِهِ لَا بأصباغ أَو السَّفِينَة تصير

مسألة محدث العالم واحد

على مَا هِيَ عَلَيْهَا بذاتها فَإِذا لم تكن وَلَا بُد من عليم ينشئها قدير بِهِ يكون فَكَذَلِك مَا نَحن فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَيبعد أَيْضا كَون الْعَالم بِنَفسِهِ بِمَا فِيهِ من دلَالَة الْعلم بِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ ومحال وجود مثله بعاجز جَاهِل فَكيف بالمعدوم الفاني وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَدلَالَة كَون الْعَالم لَا من شَيْء هِيَ حدوثها وَقد بَينا ذَلِك مَسْأَلَة مُحدث الْعَالم وَاحِد قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالدّلَالَة أَن مُحدث الْعَالم وَاحِد لَا أَكثر السّمع وَالْعقل وَشَهَادَة الْعَالم بالخلقة فَأَما السّمع فَهُوَ اتِّفَاق القَوْل على إختلافهم على الْوَاحِد إِذْ من يَقُول بِالْأَكْثَرِ يَقُول بِهِ على أَن الْوَاحِد اسْم لإبتداء الْعدَد وَاسم للعظمة وَالسُّلْطَان والرفعة وَالْفضل كَمَا يُقَال فلَان وَاحِد الزَّمَان ومنقطع القرين فِي الرّفْعَة وَالْفضل والجلال وَمَا جَاوز ذَلِك لَا يحْتَمل غير الْعدَد والأعداد لَا نِهَايَة لَهَا من حَيْثُ الْعدَد وَفِي تَحْقِيق مَا يعد يخرج عَن النِّهَايَة الْعدَد فَيجب أَن يكون الْعَالم غير متناه إِذْ لَو كَانَ من كل مِنْهُم شَيْء وَاحِد فَيخرج الْجُمْلَة عَن التناهي بِخُرُوج الْمُحدثين وَذَلِكَ بعيد ثمَّ مَا من عدد يشار إِلَيْهِ إِلَّا وَأمكن من الدَّعْوَى أَن يُزَاد عَلَيْهِ وَينْقص مِنْهُ فَلم يجب القَوْل بِشَيْء لما لَا حَقِيقَة لذَلِك بِحَق الْعدَد لَا يُشَارك فِيهِ غَيره لذَلِك بَطل القَوْل بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَبعد فَإِنَّهُ لم يذكر عَن غير الْإِلَه الَّذِي يعرفهُ أهل التَّوْحِيد دَعْوَى الإلهية وَالْإِشَارَة إِلَى أثر فعل مِنْهُ يدل على ربوبيته وَلَا وجد فِي شَيْء معنى أمكن إِخْرَاجه عَن حمله وَلَا بعث رسلًا بِالْآيَاتِ الَّتِي تقهر الْعُقُول ويبهر لَهَا فَتثبت أَن القَوْل بذلك خيال ووسواس وَأَيْضًا مَجِيء الرُّسُل بِالْآيَاتِ الَّتِي يضْطَر من شَهِدَهَا أَنَّهَا فعل من لَو كَانَ مَعَه شريك ليمنعهم عَن إظهارها إِذْ بذلك إبِْطَال ربوبيتهم وألوهيتهم فَإِذا لم يُوجد وَلَا منعُوا عَن ذَلِك مَعَ كَثْرَة المكابرين لَهُم والعاندين مِمَّن لَو أَحبُّوا وجود الإبصار لَهُم فِي إِظْهَار آياتهم لوجدوا فَثَبت أَن ذَلِك إِنَّمَا سلم للرسل لما لم يكن الْإِلَه الْحق والخالق لِلْخلقِ غير الْوَاحِد القهار الَّذِي قهر كل متعنت مكابر عَن التمويه فضلا من التَّحْقِيق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ دلَالَة الْعقل أَنه لَو كَانَ أَكثر من وَاحِد مَا احْتمل وجود الْعَالم إِلَّا بالإصطلاح وَفِي ذَلِك فَسَاد الربوبية وَمعنى آخر أَن كل شَيْء يُرِيد اُحْدُ مِمَّن ينْسب إِلَيْهِ إثْبَاته يُرِيد الآخر نَفْيه وَمَا يُرِيد أَحدهمَا إيجاده يُرِيد الآخر إعدامه وَكَذَلِكَ فِي الْإِبْقَاء والإفناء وَفِي ذَلِك تنَاقض وتناف فَدلَّ الْوُجُود على مُحدث الْعَالم وَاحِد تَدْبيره مَعَ مَا كَانَ الْأَمر الْمُعْتَاد بَين الْمُلُوك بذل الوسع مِنْهُم فِي قهر أشكالهم ليَكُون الْملك للقاهر وَمنع كل مِنْهُم غَيره عَن إِنْفَاذ حكمه وَإِظْهَار سُلْطَانه مَا اسْتَطَاعَ فَإذْ لم يكن بل نفذ سُلْطَان الْعَزِيز الْحَكِيم ثَبت أَنه الْوَاحِد وَهَذَا تَأْوِيل قَوْله {قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا} وَالْأول على مَا أودع قَوْله {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه لأظهر الآخر حكمته وَفصل فعله من فعل

الله الْحق ليعلم بِهِ قدرته وسلطانه فَإذْ لم يفعل بَان أَن الله المتوحد بالإلهية والمتفرد بالربوبية وَذَلِكَ معنى قَوْله {وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق} وَكَذَلِكَ قَوْله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} ثمَّ وَجه الإصطلاح يدل على الْعَجز وَالْجهل مَعَ مَا لَو كَانَ كَذَلِك لم يكن الْأَمر لوَاحِد فِي نسبه الْخلق وتحقيقه لَهُ إِلَّا من حَيْثُ يقهرهم ويدخلهم تَحت قدرته وصنعه وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه لَا يَخْلُو من أَن يقدر على فعل يسره من الآخر أَو لَا وَكَذَلِكَ الله سُبْحَانَهُ مِنْهُ فَإِن قدرا جَمِيعًا ملك كل وَاحِد مِنْهُمَا تجهيل الآخر وَفِي ذَلِك زَوَال الربوبية وَإِن لم يقدرا عجز كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْعجز يسْقط الألوهية أَو قدر أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ الرب وَالْآخر مربوب مَعَ مَا كَانَ علم الْغَيْب علم الربوبية فَمن لَيْسَ لَهُ فَهُوَ مربوب ثمَّ لَا يَخْلُو أَيْضا من قدرَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على غَيره فِي منع مَا يروم الْفِعْل بِغَيْرِهِ ويريده أَولا فَيكون فيهمَا إِمْكَان خُرُوج كل عَن الْقُدْرَة وَتَحْقِيق عجز وَذَلِكَ يسْقط الربوبية أَو يقدر الْوَاحِد خَاصَّة فَيكون هُوَ الرب سُبْحَانَهُ وَأما دلَالَة الإستدلال بالخلق فَهُوَ أَنه لَو كَانَ أَكثر من وَاحِد لتقلب فيهم التَّدْبِير نَحْو أَن تحول الْأَزْمِنَة من الشتَاء والصيف أَو تحول خُرُوج الْإِنْزَال وينعها أَو تَقْدِير السَّمَاء وَالْأَرْض أَو تسيير الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم أَو أغذية الْخلق أَو تَدْبِير معاش جَوَاهِر الْحَيَوَان فَإذْ دَار كُله على مَسْلَك وَاحِد وَنَوع من التَّدْبِير وإنساق ذَلِك على سنَن وَاحِد لَا يتم بمدبرين لذَلِك لزم القَوْل بِالْوَاحِدِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالثَّانِي أَن الْأَجْنَاس على اختلافها وتباعد مَا بَينهَا من نَحْو السَّمَاء وَالْأَرْض وأطراف الأَرْض وَجعل أرزاق أَهلهَا مُتَّصِلَة بالمنافع حَتَّى كَانَ كل أَنْوَاع

الْخَارِج من الأَرْض يكون بِأَسْبَاب السَّمَاء وحاجات كل أهل الْبلدَانِ منتشرة فِي جَمِيع الْأَطْرَاف ومعاش الْبشر مجعول فِي أَنْوَاع المكاسب على هَذَا أَمر الْجَمِيع فَلَو كَانَ ذَلِك لعدد لم يحْتَمل أَن ترجع مَنَافِعهَا إِلَى من لَهُ الْعَالم من الْخلق على اخْتِلَاف الْعَالم ثَبت أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد وعَلى مَا ذكرت الْأَوْقَات من اللَّيْل وَالنَّهَار والساعات وَدخُول بعض فِي بعض على قدر الْحَاجَات وَهَذَا وَالله أعلم معنى قَوْله {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} فَهَذَا مَعَ مَا جعلت الْأَجْسَام وَهِي الْأَعْيَان على جِهَات سِتّ ثَبت أَن مُدبر كل على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس وَاحِد حَتَّى جمع الْكل تَحت معنى وَاحِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّالِث أَنه لَا يُوجد جَوْهَر وَاحِد يرجع بجوهره إِلَى معنى وَاحِد من الضَّرَر أَو النَّفْع أَو الْخَبيث أَو الطّيب أَو النِّعْمَة أَو الْبلَاء بل كل شَيْء يُوصف بالخبث فَهُوَ يصير طيبا من وَجه غير من لَهُ خبث وَكَذَلِكَ سَائِر الصِّفَات وعَلى ذَلِك أَحْوَال الْأَشْيَاء إِنَّهَا لَيست على نفع بِكُل حَال أَو ضَرَر بِكُل حَال ثَبت أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد حَتَّى جمع فِي كل وُجُوه المضار وَالْمَنَافِع وَلم يَجْعَل شَيْئا ذَا نوع ليعلم أَنه عَن أصل يرجع إِلَى جوهره أَو عَن تَدْبِير عدد يفعل كل جِهَة فيتناقض بِمَا تفرد كل بالجهة الَّتِي هِيَ مِنْهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الْأَعْيَان ترَاهَا تَحت حد الْأَجْسَام كلهَا وَهِي مجتمعة على طبائع متضادة حَقّهَا التنافر والتباعد بِمَا بَينهَا من التعادي الَّذِي لَو توهم تَركهَا وطباعها لَكَانَ فِي ذَلِك فَسَاد الْكل فَثَبت أَن مُدبر الْجَمِيع بَينهَا وَاحِد يجمعهُمْ باللطف وَيحبس ضَرَر كل عَن غَيره بالحكمة العجيبة الَّتِي لَا تبلغها الأوهام وَلَو كَانَ لعدد لجرى فِيهَا حق الإختلاف والتضاد على مَا عَلَيْهِ إِرَادَة الفاعلين من السِّرّ بغيرهم وبصنع غَيرهم ليتبين صنعه وَبِاللَّهِ النجَاة وَأمكن الْجمع بَين الحرفين فِي جَمِيع مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الإعتبار من الْإِشَارَة إِلَى الدّلَالَة إِنَّهَا تخرج على النّظر إِلَى الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال فالأحوال هِيَ أَن يَكُونُوا

فِي جَمِيع مَعَاني الربوبية سَوَاء فَيكون فِي ذَلِك تدافع وتمانع مَعَ مَا كَانَ ذَلِك صفة فَرد سموهُ عددا أَو تخْتَلف فَيكون الأتم لَهَا أَحَق بالربوبية وَأما الْأَفْعَال فَمَا ذكرت من اتساق جَمِيع الْعَالم مَعَ تنَاقض الطبائع وتضادها صَارَت كَأَنَّهَا أشكال فِي قوام بعض بِبَعْض وَكَون بعض لبَعض عونا وناصرا فِي الْبَقَاء وَإِن كَانُوا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكرت ثَبت أَن ذَلِك التألف مَعَ التضاد لَا يحْتَمل إِلَّا بمدبر حَكِيم عليم لطيف لَا يُنَازع فِي التَّدْبِير وَلَا يُخَالف فِي التَّقْدِير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِذا ثَبت القَوْل بوحدانية الله تَعَالَى والألوهية لَهُ لَا على جِهَة وحدانية الْعدَد إِذْ كل وَاحِد فِي الْعدَد لَهُ نصف وأجزاء لزم القَوْل بتعاليه عَن الْأَشْبَاه والأضداد إِذْ فِي إِثْبَات الضِّدّ نفى إلهيته وَفِي التشابه نفى وحدانيته إِذْ الْخلق كلهم تَحت إسم الأشكال والأضداد وهما علما احْتِمَال الفناء والعدم وَنفى التَّوْحِيد عَن الْخلق وَالله وَاحِد لَا شَبيه لَهُ دَائِم قَائِم لَا ضد لَهُ وَلَا ند وَهَذَا تَأْوِيل قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء} وأصل ذَلِك أَن كل ذِي مثل وَاقع تَحت الْعدَد فَيكون أَقَله أثنين وكل ذِي ضد تَحت الفناء إِذْ يهْلك ضِدّه وعَلى ذَلِك كل شَيْء سواهُ لَهُ ضد يفنى بِهِ وشكل يعد لَهُ وَيصير بِهِ زوجا فحاصل تَأْوِيل قَوْله وَاحِد أَي فِي العظمة والكبرياء وَفِي الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان وَوَاحِد بالتوحد عَن الْأَشْبَاه والأضداد وَلذَلِك بَطل القَوْل فِيهِ بالجسم وَالْعرض إِذْ هما تَأْوِيلا الْأَشْيَاء وَإِذ ثَبت ذَا بَطل تَقْدِير جَمِيع مَا يُضَاف إِلَيْهِ من الْخلق ويوصف بِهِ من الصِّفَات بِمَا يفهم مِنْهُ لَو أضيف إِلَى الْخلق وَوصف بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَفِي ذَلِك ظُهُور تعنت المشبهة وَذَلِكَ سَبَب إلحاد من ألحد أَنه ظن بِهِ مَا احتمله الشَّاهِد فَمنهمْ من جعله أحد الْأَعْيَان وَأنكر الصَّانِع للْعَالم وأدعى أَنه على مَا عَلَيْهِ فِي الْأَزَل وَمِنْهُم من صيره مُحْتملا للحوادث وَأنكر حَدثهُ

وَزعم أَن غَيره حوادث اعترضت بقوته وهم أَصْحَاب الهيولي والمسلمون لَزِمَهُم القَوْل بهستيته ضَرُورَة فَقَالُوا وَنَفَوْا عَنهُ جَمِيع مَا احْتمل غَيره إِذْ احْتمل غَيره التَّفَاضُل فِي الذوات والإختلاف فِي الصِّفَات أَو احْتمل غَيره الإستحالة والتغير بِمَا يتَمَكَّن فِيهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَإِن كَانَ بعض ذَلِك ثوابت فَهُوَ نوع الْمُحْتَمل لذَلِك على أَن ثباته بالتسخير على مَا هُوَ عَلَيْهِ من دوَام الْحَرَكَة أَو السّكُون أَو بإحتمال التضاد الَّذِي هُوَ آفَة الْمَوْجُود بِمَا فِيهِ إحتمال الفناء وَوُجُود الْأَشْبَاه لَهُ ليبطل عَنهُ صفة الْكَمَال والتمام أَو تمكن النِّهَايَة لَهُ وَالْحَد الَّذِي يتَوَهَّم مَعَه الأتم والأنقص والأوفر والأقصر فَهَذِهِ الْوُجُوه من آيَات حدث الْعَالم وأدلة محدثة فَلَو كَانَ لمحدثه مِمَّا بِهِ عرف حدث الْعَالم وَأَن لَهُ مُحدثا ليلحقه من ذَلِك الْوَجْه مَا لحق غَيره وَفِيه فَسَاد الْعَالم وشهادته على مُحدث حَكِيم عليم متعال عَن الْأَشْبَاه والأضداد مَعَ مَا كَانَ كل غير لَهُ حدث من جَمِيع الْوُجُوه فَلَو كَانَ لشَيْء مِنْهُ شبه يسْقط عَنهُ من ذَلِك الْقدَم أَو عَن غَيره الْحَدث وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن الشّبَه من كل جِهَة فِي الْخلق مُمْتَنع لما يصير وَاحِدًا وَإِنَّمَا يكون فِي جِهَة دون جِهَة فَلَو وصف بالشبه بِغَيْرِهِ بِجِهَة فَيصير من ذَلِك الْوَجْه كَأحد الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَيْسَ فِي إِثْبَات الْأَسْمَاء وَتَحْقِيق الصِّفَات تشابه لنفى حقائق مَا فِي الْخلق عَنهُ كالهستية والثبات وَلَكِن الْأَسْمَاء لما لم يحْتَمل التَّعْرِيف وَلَا تَحْقِيق الذَّات بِحَق الربوبية إِلَّا بذلك إِذْ لَا وَجه لمعْرِفَة غَائِب إِلَّا بِدلَالَة الشَّاهِد ثمَّ إِذا أُرِيد الْوَصْف بالعلو والجلال فَذَلِك طَرِيق الْمعرفَة فِي الشَّاهِد وَإِمْكَان القَوْل إِذْ لَا يحْتَمل وسعنا الْعرْفَان بِالتَّسْمِيَةِ بِغَيْر الَّذِي شاهدنا وَلَا الْإِشَارَة إِلَى مَا لَا نَأْخُذ من الْحس وَحقّ العيان لَو احْتمل وسعنا ذَلِك لقلنا ذَلِك

لَكنا اردنا بِهِ مَا يسْقط الشّبَه من قَوْلنَا عَالم لَا كالعلماء وَهَذَا النَّوْع فِي كل مَا نُسَمِّيه بِهِ وَنصفه وَالله الْمُوفق مَعَ مَا كَانَ التشابه الَّذِي تقدره أوهامنا لَيْسَ عَن قَول اللِّسَان نقدره بل بِمَا كُنَّا نَعْرِف الشّبَه بَين الذاتين والفعلين فَإلَى ذَلِك يرجع وَهَهُنَا عِنْد التَّسْمِيَة وَذَلِكَ يحققه لَو لم يكن لَهما اسْم عرفا بِهِ وَوصف وَصفا بِهِ فَإِذا كَانَ الله سُبْحَانَهُ فِيمَا اعتقدنا وحدانيته اعتقدنا غير شَبيه بالمعروفين فِي تَسْمِيَة الْآحَاد لم يلْزمنَا التَّسْمِيَة بِمَا تعرفنا مَا لَوْلَا الإسم لم يجب التَّشْبِيه بالإسم لذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن من نفى الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من الفلسفة لم يقل بالتعطيل وكل مُثبت مَعْنَاهُ فِي التَّحْقِيق نفى التعطيل ثمَّ لم يجب بِهِ التشابه فَمثله فِي الْأَسْمَاء وَإِذا لم يحققوا فَمَا يَقُولُونَ لَو قيل لَهُم مَا تَعْبدُونَ وَإِلَى مَاذَا تدعون وَبِأَيِّ دين تدينون وَمن أَمركُم ونهاكم عَمَّا تنهون وتؤمرون وَمن بِهِ بَدْء الْعَالم الْعلوِي والسفلي وبمن كَانَ أولية الْأَشْيَاء ليرجعوا إِلَى معنى يقرب إِلَى الْفَهم أَو يلْحقُوا بمنكري حدث الْعَالم ويبطلوا قَوْلهم فِي الأول إِنَّه الْعقل أَو الأَصْل السَّابِق أَو الروحاني الأول أَو مَا قَالُوا فِي ذَلِك وَفِي ذَلِك اخْتِيَار الْحيرَة والتمسك بِالْجَهْلِ وَدفع مَا يعرف غير الْعَالم بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر طرفا من الشّبَه الَّتِي اعْترض من استحوذ عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَصَرفه بهَا عَمَّا ظهر من الْبَيَان ليعلم أَن الَّذِي بَعثه على مَا اخْتَار خدعة نَفسه بتسويل عدوه وَذَلِكَ لَا بتقصير من الله فِي نصب الْبُرْهَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَنَقُول سَوَّلَ الشَّيْطَان لمنكر العيان بِمَا قد يخرج على غير الَّذِي حَسبه

المتأمل فِيهِ ليصده عَن عبَادَة الرَّحْمَن المؤوف بَصَره أَو الَّذِي تنازعه نَفسه فِي الْمَنَام أَو الَّذِي يبعد عَنهُ أَو يدق عَن الْإِحَاطَة ثمَّ لم يعْمل عَلَيْهِ كيد الشَّيْطَان فِي الصّرْف عَن الملاذ وكف النَّفس عَن الشَّهَوَات ويوقيه من الْجَوَاهِر المؤذية وصون النَّفس عَن اقتحام النيرَان والبحار وَلَو كَانَ عَن حَقِيقَة جهل ينْطق لَكَانَ لَا بَقَاء لَهُ لما يقتحم المهالك وَيمْتَنع عَن تنَاول الأغذية فَثَبت أَن الَّذِي دَعَا إِلَى مَا يَقُوله حب اللَّذَّات والميل إِلَى الشَّهَوَات مَعَ مَا فِي الَّذِي ذكر من اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَتبين الْخلاف دَلِيل كَاف على أَنه قد علم العيان حَيْثُ أخبر عَن الْخلاف لما ذكر من الحسبان وَعِنْدنَا أَن ذَلِك بِمَعْنى العيان إِن المؤوف وَفِي حَال الْمَنَام والبعد والدقة لَا يصل إِلَى حقائق الْأَشْيَاء وَعند الإرتفاع يصل فَذَلِك الَّذِي أوجب من الإختلاف هُوَ حق العيان لم يجز أَن يُنكره وعَلى مثله قَول مثبتي العيان ومنكري الْخَبَر بِمَا قد يظْهر فِيهِ الْكَذِب بعد أَن ينتشر بِهِ القَوْل ثمَّ قد قيل الْإِخْبَار فِي العيان اللذيذة والجواهر الشهية فِي الإنتفاع مِمَّا لَوْلَا الْإِخْبَار عَمَّا فِيهِ من اللَّذَّة مَا احْتمل عَاقل المخاطرة بِنَفسِهِ من الإمتحان وَكَذَلِكَ اتقاء المضار من غير أَن سبق مِنْهُم الإمتحان فَمَا نالوا إِلَّا بالإخبار وعَلى ذَلِك المكاسب والحيل والحذر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يرجع مَنَافِع ذَلِك إِلَى أبدانهم ودنياهم وَكَذَلِكَ المضار فَثَبت أَن الَّذِي بعث هَذَا إِلَى التَّكْذِيب مَا فِي القَوْل بِهِ من إِثْبَات الحرمات وكف النَّفس عَن الشَّهَوَات فَيصير السَّبَب الَّذِي بِهِ خدع الشَّيْطَان هَذَا الصِّنْف هُوَ السَّبَب الَّذِي خدع الصِّنْف الأول مَعَ مَا يُوجد ذَلِك فِي العيان من الْوَجْه الَّذِي بَينا وَلم يمْنَع هَؤُلَاءِ القَوْل بِهِ فَمثله فِي الأول لِأَنَّهُ يظْهر الْكَذِب فِي الْإِخْبَار بِمَا اعْترض الْمخبر من الْآفَات الَّتِي تحملهم عَلَيْهِ

مسألة

وَبعد فقد ظهر صدق كثير من الْأَخْبَار فَلم يكن أحد الْوَجْهَيْنِ بِهِ أولى من الآخر إِلَّا بِدَلِيل يُوضح وَالله الْمُوفق وَقد يُعَامل بالمعاملة الوحشة وَضرب مِمَّا يُؤْذِيه ويؤلمه حَتَّى يضْطَر إِلَى القَوْل بِمَا لَا يحْتَمل مَعْرفَته إِلَّا بالْخبر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى مثله قَول المقرين بِعلم العيان وَالْخَبَر المنكرين لعلم الإستدلال على عقله لوجوه الْمَنَافِع فِي الدُّنْيَا ولعواقب مأمولة لَيْسَ عِنْده علم من جِهَة العيان وَالْخَبَر وَإِنَّمَا ذَلِك بالإستدلال وَمَا فِي ذَلِك من ظنون الْإِصَابَة وَكَذَا معرفَة صدق الْإِخْبَار وَكذبه مَعَ مَا يُقَال لَهُ فِي كل شَيْء يعلم مِمَّا لَيْسَ فِيهِ علم الْحس بِمَ علمت ذَلِك فَإِن قَالَ بالْخبر يسْأَل عَن معرفَة صدقه وَكذبه وَتدْخل ذَلِك فِي جَمِيع الملاذ والمضار مِمَّا يتقى وَيُؤْتى مَعَ مَا كَانَت الضَّرُورَة تلْزم النّظر بِمَا عاين وَسمع ليعلم منشأ الْعَالم أَو حَدثهُ وَقدمه وَبعد فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء يمْنَع الإستدلال لَهُ خبر فِي الْمَنْع أَو عيان فَكَأَنَّهُ بالإستدلال يمْنَع القَوْل بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن معرفَة إِنْسَان أَو نَار أَو شَيْء بِالَّذِي شوهد مرّة لَا يخرج إِلَّا على الإستدلال بِالَّذِي عرف وَلَو لم يدله للزمه أَن لَا يُعَامل أحدا قطّ ثمَّ لَا يقبل تَعْلِيم أحد لِأَنَّهُ لَا دَلِيل عِنْده يعلم أَنه من وَيجوز أَن يُوجد بِخَبَرِهِ أَو لَا ثَبت أَن كل ذَلِك إستدلال وَهُوَ لَازم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة فِي دلَالَة الشَّاهِد على الْغَائِب قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ اخْتلف فِي وَجه دلَالَة الشَّاهِد على الْغَائِب فَمنهمْ من يَقُول على مثله إِذْ هُوَ أصل للَّذي غَابَ عَنهُ وَلَا يُخَالف الأَصْل

فَرعه مَعَ مَا كَانَ طَرِيق معرفَة الْغَائِب الشَّاهِد وَقِيَاس الشَّيْء نَظِيره فبه أثبتوا قدم الْعَالم إِذْ الشَّاهِد يدل على مثله فَصَارَ الْغَائِب بِهِ عَالما أَيْضا ثمَّ هُوَ يدل فِي كل وَقت على مثله قبله وَفِي ذَلِك إِيجَاب الْقدَم للْكُلّ وَمِنْهُم من يَقُول مَا من وَقت يتَوَهَّم فِيهِ ابْتِدَاء الْعَالم إِلَّا وَقد يتَوَهَّم قبله فَيبْطل لَهُ الْغَايَة وَمِنْهُم من يَقُول يدل على الْمثل وَالْخلاف ودلالته على الْخلاف أوضح لِأَن من شَاهد شَيْئا من الْعَالم يدله على حَدثهُ أَو قدمه وَقدمه وحدثه لَيْسَ هُوَ مثلهمَا وَلَا نظيرهما ثمَّ يدله على محدثه أَو كَون بِنَفسِهِ وهما خِلَافه ثمَّ يدله على حِكْمَة فَاعله وسفهه وإختياره وطبعه وكل ذَلِك خلاف لما شَاهده وَلَا يدله على أَن لَهُ مثلا إِذْ لَو كَانَ يدله لَكَانَ يجب أَن يتَوَهَّم كل من عاين نَفسه أَن يكون كل الْعَالم مثله وَذَلِكَ بعيد فَثَبت أَن الْجَوْهَر لَا يُحَقّق رُؤْيَة مثله غَائِبا ويحقق أحد الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا لَكِن إِذا عرفت كَيْفيَّة الْمشَاهد إِذا أخْبرت بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّة لغَائِب علمت أَنه مثله لَا أَن ذَلِك يُحَقّق الْمثل وَقد يجوز أَن يدل على مثله بِهَذَا الْوَجْه وَبِمَا عرف يعْنى الْجِسْم وَالنَّار فَيعرف كل جسم ونار وَإِن لم يشهده وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا زعم من الأَصْل وَالْفرع فمقلوب لما كَانَ الْقَدِيم والقدم وَلم يكن مَا بِهِ إستدلال فَلذَلِك لم يجب جعله فرعا لهَذَا بل هُوَ الأَصْل لكَون هَذَا بِهِ ثمَّ كل كَائِن بِغَيْرِهِ من طَرِيق الْعقل خَارج عَن جوهره فِي الشَّاهِد كالبناء وَالْكِتَابَة وكل أَنْوَاع الْأَفْعَال والأقوال الَّتِي هِيَ أغيار لمن كن بهم لم يجز أَن يلحقهم بالجوهر وَالصّفة فَمثله الَّذِي بِهِ الْعَالم على أَنه جَازَ فِي الشَّاهِد إِثْبَات مَا لَا يدْرك وَلَا يحاط بِهِ نَحْو السّمع وَالْبَصَر وَالروح وَالْعقل والهوى وَنَحْو ذَلِك وَمَا يدْرك نَحْو الْأَجْسَام الكثيفة فَلَو كَانَت هِيَ قديمَة الأَصْل فَيجب أَن يكون كل نوع يتَوَلَّد وَيحدث من جوهره الْعقل من الْعقل وَكَذَلِكَ الْبَصَر والسمع وَمَعْلُوم الإختلاف بَين كل جَوْهَر والمتولد

مِنْهُ فِي ذَلِك فَلَزِمَ الْكَوْن وَالْحَدَث إِن كَانَ مُخْتَلفا وَفِي تثبيت الإختلاف بطلَان أَن يكون الَّذِي فِي وصف الْقدَم عَالما أَو على مَا عَلَيْهِ صفته وَفِي ذَلِك إِثْبَات حدث الْعَالم بِمن لَيْسَ كمثله وَبعد فَإِن الْكِتَابَة تدل على الْكَاتِب وَمن لَا يدل على كيفيته أَو مثله لَا يجوز أَن يكون ملكا أَو بشرا أَو جنا فَتكون الْكِتَابَة غير دَالَّة على مائية الْكَاتِب وكيفيته وَلَا على مثلهَا وَهِي تدل على كَاتب مَا فَمثله الْعَالم بِمَا فِيهِ يدل على مُحدث مَا لَا يدل على كيفيته ومائيته وَكَذَلِكَ الْبناء والنسخ والنجر والصناعات لذَلِك لزم الْقيَاس فِي إِثْبَات صانع الْعَالم بالعالم بِمَا فِيهِ من الْعَجَائِب والأشياء الَّتِي لَا يحْتَمل كَونهَا إِلَّا بِحَكِيم عليم وَلَا يجب بِهِ تعرف الْكَيْفِيَّة لَهُ والمائية وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل أَن دلَالَة الْعَالم مُخْتَلفَة على اخْتِلَاف جهاته دلّ احْتِمَاله الإستحالة والزوال وإجتماع الأضداد فِي عين فِي حَال على حَدثهُ ثمَّ دلّ جَهله بمباديه وعجزه عَن إصْلَاح مَا فسد مِنْهُ أَنه لم يكن بِنَفسِهِ ثمَّ دلّ اجْتِمَاع الْأَحْوَال المتضادة وإتساق جَوَاهِر الْخلق على الإستقامة على أَن مُدبر الْكل ومحدثه وَاحِد وَيدل أَيْضا اتساقه وإستقامته وَحفظ الأضداد فِي عين على قدرَة مدبره وحكمته وَعلمه فاختلفت جِهَات الدّلَالَة فِيمَا عَلَيْهِ دلالات العيان فَصَارَ دَلِيل إِثْبَات الْمُحدث عجز الْمُحدث وَدَلِيل علمه لما اتسق جَهله بِنَفسِهِ فَصَارَ وجود الدّلَالَة بِهِ على الْخلاف لَا الْوِفَاق وأصل آخر أَيْضا أَن الضروريات والحاجات هِيَ الَّتِي دلّت على غير فَلم يجز أَن يحْتَمل مَا أحتمل هُوَ لما يحوج إِلَى غير ثمَّ ذَلِك إِلَى آخر إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَذَلِكَ فَاسد وَالله أعلم

أقاويل من يدعى قدم العالم

أقاويل من يدعى قدم الْعَالم قَالَ أَبُو مَنْصُور تمّ ذكر أقاويل من يدعى قدم الْعَالم على مَا عَلَيْهِ من كَون شَيْء من شَيْء إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ بِلَا منشئ بِمَا كَذَلِك شهده وَالشَّاهِد دَلِيل الْغَائِب فَيلْزم ذَلِك فِي الَّذِي غَابَ لِأَنَّهُ لَو جَازَ إِيجَاب خلاف العيان بالعيان لجَاز إِيجَاب إِنْسَان وجسم بِخِلَاف الْمَعْقُول على أَن فِيهِ إِيجَاب الْخُرُوج من التَّصَوُّر فِي الْوَهم والتقدر فِي الْعقل وَذَلِكَ آيَة النفى فَمثله اعْتِقَاد شَيْء لَا من شَيْء نَحْو الْأَوْقَات إِنَّهَا تقع تباعا وَقد اعتبرها بِمَا لَا وَقت يتَوَهَّم كَونه إِلَّا وَأمكن توهم ذَلِك قبله إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَاعْتبر أَيْضا بِجَوَاز الْبَقَاء بِمَا لَا يبْقى وَمِنْهُم من يَقُول يكون شَيْء بِشَيْء إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ بمنشيء حَكِيم وجعلوه عِلّة كَون الْعَالم ومحال كَون الْعلَّة وَلَا مَعْلُول مَعَ مَا لَا يَخْلُو من لَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ والجود فِي الْقدَم وَذَلِكَ آيَة الْعَجز وَالْحَاجة أَو يُوصف فَيجب الْمَقْدُور عَلَيْهِ وإفاضة الْجُود على كل شَيْء وَمَا ذكر من التَّوَهُّم لَهُم أَيْضا وَمِنْهُم من يَقُول بقدم الطينة وَهِي الأَصْل وَحدث الصَّنْعَة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَقَوله بقدم الطينة لما ذكرنَا من رفع كَون شَيْء لَا عَن شَيْء ثمَّ كَانَ كل شَيْء حدث عَن شَيْء حدث عِنْد انقلاب الأول وهلاكه نَحْو مَا يحدث من النُّطْفَة والبيضة وَمِنْهُم من جعل حَدثهُ بعوارض حلت بالطينة فَانْقَلَبت على مَا عَلَيْهِ الطبائع من الإعتدال والإختلاف وَمِنْهُم من جعل حَدثهُ بالباري وَمِنْهُم من قَالَ بِالْأَصْلِ وَسَماهُ هيولي قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فجملة مَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ دفع مَا لَا

يتَصَوَّر فِي الْوَهم وَلَا يتَمَثَّل فِي النَّفس إِذْ كَذَلِك وجد لم يحْتَمل قُلُوبهم إِيجَاب خِلَافه فَيُقَال أيتصور فِي أوهامكم دفع مَا لَا يتَمَثَّل فِي النَّفس فَإِن قَالَ نعم كَابر لمشاركتنا إِيَّاه فِي ذِي الصُّور وَلَيْسَ يتَصَوَّر دَفعه هَذَا فِي أوهامنا وَإِن قَالَ لَا بل تَقْدِيره فَيُقَال لَهُ مَتى يتَصَوَّر فِي الْوَهم قدم الشَّيْء أَو بَقَاؤُهُ بعد التَّفَرُّق وَأَن يصير بِحَيْثُ لَا يَأْخُذهُ الْبَصَر وَقد يَقُول بذلك كُله وَمَعَ ذَلِك فِي الْأَنْفس مَا لَا يتَمَثَّل فِي الْأَنْفس من السّمع وَالْبَصَر وَجرى قوى جَوْهَر وَاحِد من الطَّعَام وتولد قُوَّة الْجَوَاهِر الْمُخْتَلفَة بِهِ كالسمع وَالْبَصَر والفهم وَالْيَد وَالرجل وَغَيرهَا مِمَّا يُنكر مثله فِي تِلْكَ الْجُمْلَة بالأدلة ثمَّ يُقَال لَهُ لَا يعدو كَون الشَّيْء من الشَّيْء من أَن يكون مستجنا فِيهِ فَظهر ومحال أَن يكون الْإِنْسَان بكليته وَالشَّجر بكليته مَعَ مَا يُثمر فِي ذَلِك الأَصْل أَو جَمِيع الْبشر بجوهرهم يكونُونَ فِي أصل المَاء الَّذِي كَانَ فِي صلب فيسع الشَّيْء الْوَاحِد مَا لَا يُحْصى من الْأَضْعَاف وَذَلِكَ مِمَّا لَا يحْتَمل تمثله فِي نفس صَحِيحَة وَلَا يصبر عَلَيْهِ عقل سليم وَذَلِكَ يبطل قَوْله كَون الشَّيْء من الشَّيْء لِأَنَّهُ بكليته لم يكن من النُّطْفَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يدعى كَونه فِي الأغذية لِأَنَّهُ يبلغ فِي وقتا فِي الْعظم لَا يزْدَاد الْبَتَّةَ وَتلك الأغذية كلهَا مَوْجُودَة أَو فِيهَا زِيَادَة بالجوهر وَكم من جَوْهَر يسمن وَآخر يَأْكُل ذَلِك عمره فَلَا يظْهر وَترى التوت وورقه يَأْكُلهُ نعم فَيخرج من كل غير الَّذِي يخرج من غَيره وَكَذَلِكَ التَّمْر وَغَيره فَهَذَا يبين أَن ذَلِك لَيْسَ

بِعَمَل الأغذية على أَن الأغذية هن موَات لَا يحْتَمل أَن تصير كَذَلِك إِلَّا بتدبير مُدبر عليم لَا أَن اسْتَفَادَ ذَلِك الْمَعْنى من غَيره بِلَا تَدْبِير وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بِالَّذِي قُلْنَا أَو إِن كَانَ حدث شَيْء مِنْهُ أَو بعضه لَا أَن كَانَ فِي شَيْء مِمَّا ذكر فَيجب القَوْل بِحَدَث الْعَالم بِمَا لزم فِي بعضه ثمَّ يُقَال لَهُم إِذْ كل مشَاهد ذُو نِهَايَة وجعلتموه دَلِيل الْعَالم لم لَا كَانَ الْكل كَذَلِك وَإِلَّا لَو جَازَ كَون شَيْء مِنْهُ متناه وَجُمْلَته لَا لم لَا جَازَ كَون شَيْء مِنْهُ عَن شَيْء وَجُمْلَته لَا وَكَذَلِكَ نرى بعضه لبعضه مَكَانا وَلَا يحْتَمل جملَته الْمَكَان لزوَال الْحمل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي ذَلِك لُزُوم الْحَدث وَمَا ذكرنَا من الْبَقَاء قد بَيناهُ فِيمَا تقدم وَمَا ذكر من التَّوَهُّم فَكَذَلِك مَا من وَقت يتَوَهَّم إِلَّا وَأمكن توهم كَونه من بعد فَيجب بِهِ حَدثهُ مَعَ مَا إِذا لم يَجْعَل لأوليته وَقت يبطل كُله وَبعد فَإِنَّهُ لَو جَازَ إخلاء الْعَالم أَو أَصله عَمَّا يحْتَمل من الْحَوَادِث لجَاز أَيْضا قلب كل مَعْقُول من جَوَاز حَيّ وميت فِي حَال فَثَبت حدث الْكُلية بِمَا لَا يَخْلُو عَنهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمَا ذكر من الْخُرُوج عَن الْمَعْقُول بِمَا لَا يتَصَوَّر فِي الْوَهم فقد بَينا وَبعد فَإِن ذَلِك عقل خص بِهِ من لَا عقل لَهُ لِأَنَّهُ طلب معرفَة مَا لَيْسَ طَرِيقه الْحس بالحس فَهُوَ كمن يُرِيد أَن يُمَيّز بَين الْأَصْوَات بالبصر وَبَين الألوان بِالسَّمْعِ وَكَذَا كل مَعْرُوف بحس أحب أَن يعقل ذَلِك بِغَيْرِهِ فيقصر عَنهُ عقله فَمثله مَا كَانَ طَرِيق الْعلم بِهِ غير الْحَواس فَأَرَادَ الْوُصُول إِلَيْهِ بهَا لم يَسعهُ عقله وَهَذَا الْجَواب جَوَاب لقَوْله أَيْضا كَون شَيْء من غير شَيْء خَارج من الْمَعْقُول وللأمرين جَوَاب آخر وَهُوَ أَن يُقَال يعْنى بالتصور فِي الْوَهم الْوُجُود بالأدلة

فَهُوَ لَازم وَلَا نقُول بِمَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِك وَإِن أردْت الْمِثَال جلّ رَبنَا عَن ذَلِك بل هُوَ الْجَاعِل لكل ذِي الْمِثَال مثلا وَهُوَ منشئ ذَلِك وَدَلِيل حدث الْعَالم إِحَالَة كَون حَيَاة فِي ميت لِأَنَّهُ بِهِ يحيى ثَبت أَن حَيَاة الْأَشْيَاء حدث فَكَذَلِك مَوتهَا إِذْ قد يكون بعد الْحَيَاة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقَوله الْبَارِي عِلّة الْعَالم إِن أَرَادَ بِهِ كَون الْمَصْنُوع بِهِ بالطبع فَهُوَ محَال لِأَنَّهُ طَرِيق الإضطرار وَمن ذَلِك وَصفه لَا يحْتَمل بِهِ كَون الْعَالم على أَن الْعَالم مُحدث مُخْتَلف وَمن كَون الشَّيْء بِهِ بالطبع فَهُوَ ذُو نوع وَإِن أَرَادَ بِهِ أَنه يحدثه فَذَلِك مُسْتَقِيم وتسميته عِلّة فَاسِدَة وَذَلِكَ الْمَعْنى يُوجب كَون الشَّيْء بعد أَن لم يكن لأوجه أَحدهَا التَّنَاقُض إِذْ الْعَدَم يُوجد فَتَقَع الْحَاجة إِلَى من يوجده فَثَبت أَن فِي ذَلِك وجوب كَونه حَادِثا وَالثَّانِي كَون كُلية الْعَالم بِهِ وَمَعْلُوم كَون الْحَادِث بعد أَن لم يكن وَالله أعلم وَالثَّالِث أَن فِي ذَلِك وجود الإجتماع مَعَ التَّفَرُّق وَالْحَرَكَة مَعَ السّكُون والحياة مَعَ الْمَوْت وَفِي ذَلِك تنَاقض وتناف ثَبت أَنه كَانَ على التَّتَابُع بِالْأولِ وَالثَّانِي وَنَحْوه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَنحن نقُول بِأَنَّهُ عز وَجل لم يزل عَالما قَادِرًا فَاعِلا جوادا على الْوُجُوه الَّتِي تصح فِي الْعقل وَيقوم مَعَه التَّدْبِير إِنَّه لم يزل كَذَلِك ليَكُون بِفِعْلِهِ كل شَيْء يكون فِي وَقت كَونه بِوَجْه يَصح عَنهُ دفع الْوَصْف بالغنا عَن التكوين والإمتناع عَن وُقُوع الْقُدْرَة عَلَيْهِ والغنا بِنَفسِهِ فِي الْوُجُود عَن الْبَارِي وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَذَلِكَ مَعْلُوم فِي الشَّاهِد فِي الْعلم والإرادة بأَشْيَاء لَيست بكائنة لتَكون فَمثله عندنَا الْقُدْرَة والإرادة والجود وَمَا ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَمَا ذكر من التَّوَهُّم فَإِنَّهُ قد يتَوَهَّم فِي كل شيخ فِي أول مَا شاخ بقدمه وَلم يجب بِهِ الْوَصْف فِي الْأَزَل وَكَذَا فِي كل حَرَكَة وَسُكُون وتفرق وإجتماع فَإِن قلت ذَا محَال فَمثله كَون الْحَدث فِي الْأَزَل محَال وَالله الْمُوفق ثمَّ زعم من يَقُول بالإثنين الظلمَة والنور بقدم الْعَالم وأحق من يَأْبَى ذَلِك من يَقُول بِهَذَا إِذْ من قَوْلهم إنَّهُمَا كَانَا متباينين فامتزجا فَكَانَ الْعَالم من امتزاجهما وَمَعْلُوم أَن الإمتزاج كَانَ حَادِثا إِذْ التباين كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم وَلم يَكُونَا يلقبان بالعالم إِلَّا أَن يَقُولُوا النُّور والظلمة جوهران اخْتلفَا كَانَا فِي الأَصْل بمكانهما فَكَانَ مَكَان النُّور نور كُله وَخير وَمَكَان الظلمَة ظلمَة كلهَا وَشر فَيبْطل القَوْل بقدم الْعَالم الممتزج وبخاصة قَول الماني حَيْثُ زعم أَن النُّور لما رأى الظلمَة قدحت فِيهِ ومازجت بِهِ أحدث هَذَا الْعَالم ليتخلص بذلك أَجزَاء النُّور من أَجزَاء الظلمَة فَصَارَ الْعَالم على هَذَا القَوْل بعد الإمتزاج الْمُحدث مكون بعد الْمُحدث قَدِيما وَذَلِكَ هُوَ التجاهل فأوجبوا عجز النُّور وَقت كَونه فِي سُلْطَانه بِجَمِيعِ أعوانه من الْخيرَات وأنصاره من الْحَسَنَات حَيْثُ لم يقدر على الإمتناع من قدح الظلمَة وَأحد أحزابه عَنهُ وجهلوه بِوَقْت الْقدح فِيهِ ليتخلص مِنْهُ ثمَّ زَعَمُوا أَنه أحدث هَذَا الْعَالم ليخلص أجزاءه مِنْهُ بعد أَن صَار فِي وثاقها هَيْهَات مَا أبعدهم عَن ذَلِك وَمَا أَجْهَل من يقدمونه ويجعلون لَهُ كل خير وَأول كل خير وَعلم وَقد جهل مَا ذكر وَعظم كل خير بِقُوَّة وَقد عجز

من حفظه فِي أقوى أَحْوَاله ثمَّ إِذْ كَانَ هُوَ المنشيء للْعَالم كَيفَ صَار أَكثر الْعَالم شرا فَهُوَ إِذن فعل الشَّرّ ليتخلص بِهِ من وثاق الشَّرّ فَكَأَنَّهُ أعَان الشَّرّ والظلمة إِذْ هُوَ عمل ذَلِك ثمَّ قد زَاد من أَجْزَائِهِ فِي أَجزَاء النُّور بإحداث الْعَالم فِي أَجزَاء الْعَالم فازداد لَهُ حبسا وهلاكا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَاخْتلفت الثنوية فِي الإمتزاج فَمنهمْ من يَجعله للظلمة لكِنهمْ اخْتلفُوا فَمنهمْ من يُحَقّق لَهُ الْفِعْل وَمِنْهُم من يَأْبَى ذَلِك وَيَرَاهُ كالمنتشر بالطبع وَهِي كثيفة ستارة والنور رَقِيق دراك فَيَقَع فِيهَا فَوَقع الإمتزاج بذلك وَمِنْهُم من يَجْعَل ذَلِك للنور لكنه كُله هذيان مَا يدريهم ذَلِك وَالْأَصْل فِيهِ أَن الظلمَة والنور فِي احْتِمَال التَّغَيُّر والإستحالة وإحتمال التجزئة والتبعيض وَالْحسن والقبح وَالطّيب والخبيث وكل شَيْء سَوَاء فَإِن كَانَا يرجعان إِلَى أَجزَاء الْعَالم فهما يحدثان بحدثه ويفنيان بفنائه ثمَّ لَا يجوز أَن يكون لوَاحِد مِنْهُمَا ألوهيته لظُهُور الْعَجز وَالْجهل بهما والعالم هُوَ دَلِيل قوى عليم حَكِيم فهما فِي تِلْكَ الْجُمْلَة وَبعد إِذْ لم يكن وَاحِد مِنْهُمَا قدر أَن ينشيء فعلا يدل عَلَيْهِ ثَبت أَنَّهُمَا مفعولان لَا فاعلان وَمِمَّا يبين أَنَّهُمَا فعل لوَاحِد مَا لَيْسَ فِي الْعَالم شَيْء بجوهره خير حَتَّى لَا يكون مِنْهُ شَرّ فِي وَجه أبدا وَلَا شَرّ لَا يكون مِنْهُ خير فِي وَجه أبدا ثَبت أَن إِنْكَار مثله عَن الْوَاحِد غير مُمكن ثمَّ الأَصْل أَن الإمتزاج لَا يَخْلُو من أَن يكون شرا أَو خيرا فَإِن كَانَ خيرا لَا يَخْلُو من أَن يكون من الظلمَة فَيكون مِنْهَا الْخَيْر وَبَطل قَوْلهم بالإثنين من حَيْثُ لَا يكون من الشَّرّ خير وَلَا من الْخَيْر شَرّ وَإِن كَانَ شرا فقد شَاركهُ الْخَيْر فِي الْقبُول فَصَارَ شرا وَإِن كَانَ ذَلِك من النُّور فالوجهان قائمان فِيهِ مَعَ مَا إِذْ كَانَا غير ممتزجين فامتزجا لَا يَخْلُو امتزاجهما من أَن يكون بأنفسهما فيكونان ممتزجين بالجوهر متباينين بِهِ وَذَلِكَ متناقض وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن

يَكُونَا متحركين بأنفسهما ساكنين حيين ميتين قَاعِدين قَائِمين مَعَ مَا يفْسد أَن يكون التباين لنَفسِهِ يَقع ثمَّ امتزاج بِمَا كَانَ بِهِ التباين أَلا ترى أَن الْأَحْوَال الَّتِي تَتَغَيَّر بالأعيان لم يجز وجودهَا إِلَّا بِغَيْر فَكَذَلِك التباين والإمتزاج فَثَبت أَنَّهُمَا بِغَيْرِهِمَا امتزجا وبغيرهما كَانَا متباينين وَذَلِكَ يُوجب حَدثهمَا وَبعد فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بِحرْمَة الذَّبَائِح وأحق من يحل هم إِذْ بهَا التَّفْرِيق بَين الْجَسَد المظلم وَبَين الرّوح المضيء وَبَين النُّور الْجَلِيّ والظلمة الستارة وَبِذَلِك وصفوا النُّور بِأَنَّهُ رَقِيق دراك وبالروح ذَلِك لَا بالظلمة فَيجب بِهِ حل الذّبْح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَصله أَنهم يُنكرُونَ الشَّرّ من جَوْهَر الْخَيْر وَالْخَيْر من جَوْهَر الشَّرّ هَذَا الَّذِي حملهمْ على القَوْل بِاثْنَيْنِ ثمَّ قد أثبتوا الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ وَبِمَا هُوَ عِنْدهم مَعْصِيّة فَلَو كَانَ من غير الَّذِي مِنْهُ الْقَتْل فقد كذب وَهُوَ شَرّ وَلَو كَانَ مِنْهُ فقد صدق بِالْإِقْرَارِ بالمعصية ثَبت أَن الْعَجز عَن إِدْرَاك الْحِكْمَة فِي خلق الشَّرّ لَا يضْطَر إِلَى القَوْل بِاثْنَيْنِ لما فِيهِ تَحْقِيقه أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنهم أَحَق الْخلق فِي الإمتناع عَن النُّطْق بالحكمة أَو طلب الْعلم لِأَن قَوْلهم إِن جَوْهَر النُّور لَا يجِئ مِنْهُ شَرّ قطّ وَالْجهل شَرّ فَإِن كَانَ من ذَلِك الْجَوْهَر فَهُوَ عَالم بجوهره حَكِيم بِهِ لَا يحْتَمل الْجَهْل وَلَا السَّفه والتعلم وَطلب الْحِكْمَة حق الْجُهَّال بهما وَإِن كَانَ من جَوْهَر الشَّرّ فَإِنَّهُ لَا ينجع فِيهِ لِأَنَّهُ بجوهره لَا يقبل وَلَا يحْتَمل الْخَيْر وَإِذا كَانَ كَذَلِك بطلت مناظرتهم ودعواهم الْحِكْمَة وَالْعلم لِأَن مناظرتهم فِي ذَلِك لَو كَانَت مَعَ جَوْهَر النُّور كَانَ هُوَ عَالما قبل المناظرة فَلَا معنى لَهَا وَلَو كَانَت مَعَ جَوْهَر الظلمَة كَانَ غير قَابل وَلَا

مستمع لَهُ فَهُوَ عَبث فَلَا بُد من تَحْقِيق الْجَهْل وَالْعلم فِي جَوْهَر كل مِنْهُمَا ليَصِح ذَلِك الْمَعْنى وَفِي ذَلِك جمع الْأَمريْنِ فِي أَحدهمَا وَذَلِكَ الْمَعْنى ألزمهم القَوْل بِاثْنَيْنِ فَبَطل بحمدالله وَالْأَصْل فِيهِ أَن التَّكَلُّم مِنْهُم بالحكمة لَا يعدو إِمَّا أَن تكلمُوا بجوهرهم وَهُوَ يعلم فَيخرج مخرج الْعَبَث أَو يجهله المكلم وإيهما كَانَ فَفِيهِ ثبات الْأَمريْنِ من وَاحِد أَو من غير جوهره فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَيْضا من قبُول أَو عَبث وَأيهمَا كَانَ فَفِي ذَلِك مَا قُلْنَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُقَال لَهُم إِذْ القَوْل بِأَن لَا يجوز أَن يكون وَاحِد يَجِيء مِنْهُ خير وَشر وَمن هَذَا قَوْله كَيفَ كَانَ مِنْهُمَا الْعَالم الَّذِي كل وَاحِد مِنْهُم هَذَا وَصفه فينتقض عَلَيْهِمَا فعلهمَا مَا لذَلِك ادّعى لَهما ذَلِك أَتَرَى سفها أعظم مِمَّا عملاهما بأنفسهما أَو جهلا أبين من ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن قَالَ قَائِلهمْ كَيفَ زعمتم أَنه يجوز أَن يكون من الْحَكِيم يَجِيء فعل السَّفه قُلْنَا هَذَا لَا يَجِيء مِمَّن هُوَ حَكِيم بِذَاتِهِ إِنَّمَا يَجِيء مِمَّن يجهل كَمَا قُلْتُمْ فِي النُّور من الْجَهْل بِعَمَل الظلمَة وَنَحْو ذَلِك فَأَما الله سُبْحَانَهُ يتعالى عَن ذَلِك لَكِن قد يجوز أَن يكون فعل حِكْمَة لَا يبلغهَا عقل الْبشر وَإِلَّا فَهُوَ يجل عَن ذَلِك وَمَا الْحِكْمَة إِلَّا الْإِصَابَة فِي أَن يوضع كل شَيْء مَوْضِعه وَيُعْطى كل ذِي حَظّ حَظه وَلَا يبخس بِأحد حَقه وَإِنَّمَا أَبى من يظنّ بِاللَّه أَو بِمَا يضيف إِلَيْهِ الموحدون ذَلِك لجهلهم بحدود الْحِكْمَة ومبلغ الحظوظ وإيجابهم الْحُقُوق لمن لَيست لَهُم وسنذكره إِن شَاءَ الله فِي مَوضِع هُوَ أملك بِهِ من هَذَا

مسألة

مَسْأَلَة لَا يجوز إِطْلَاق لفظ الْجِسْم على الله تَعَالَى قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ القَوْل بالجسم يخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا فِي مائية الْجِسْم فِي الشَّاهِد أَنه اسْم ذِي الْجِهَات أَو اسْم مُحْتَمل النهايات أَو اسْم ذِي الأبعاد الثَّلَاثَة فَغير جَائِز القَوْل بِهِ فِي الله سُبْحَانَهُ على تَحْقِيق ذَلِك لما هِيَ أَدِلَّة الْخلق وإمارة الْحَدث إِذْ ذَلِك معنى الْأَجْزَاء وَالْحُدُود الَّتِي هن آيَات الْحَدث وَقد بَينا أَن لَيْسَ كمثله شَيْء وَفِي ذَلِك إِيجَاب جعله كأكثر الْأَشْيَاء وَإِن كَانَ على التَّسْمِيَة بِهِ بِلَا تَحْقِيق مَا ذكرنَا خرج الإسم عَن الْمَعْرُوف بِهِ فَبَطل تعرف ذَلِك من جِهَة الْعقل والإستدلال وَحقه السّمع عَن الله إِن الْجِسْم لَيْسَ من أَسْمَائِهِ وَلم يرد عَنهُ وَلَا عَن أحد مِمَّن أذن لأحد تَقْلِيده فَالْقَوْل بِهِ لَا يسع وَلَو وسع بالنحت من غير دَلِيل حسي أَو سَمْعِي أَو عَقْلِي لوسع القَوْل بالجسد والشخص وكل ذَلِك مستنكر بِالسَّمْعِ وليسع القَوْل بِكُل مَا يُسمى بِهِ الْخلق وَذَلِكَ فَاسد وَثَانِيهمَا أَن يكون الْجِسْم لَيست لَهُ مائية تعرف سوى الْإِثْبَات فَيجوز القَوْل بِهِ لَو لم يُرَاد بِهِ غَيره لكنه لَا أحد يَجْعَل الْجِسْم من أَسمَاء الْإِثْبَات إِذْ لَا يُسمى بِهِ الْأَعْرَاض وَالصِّفَات على احتمالهما اسْم الْإِثْبَات لذَلِك بَطل القَوْل بِهِ

يجوز إطلاق لفظ الشيء على الله

فَإِن عورضنا باسم الْفَاعِل أَو الْعَالم وَنَحْو ذَلِك قيل لَهُ جوابان أَحدهمَا أَنا لَو لم نعقل معنى هَذَا لَكَانَ يجوز التَّسْمِيَة بِهِ بِمَا ثَبت فِي السّمع وَلم يثبت فِي الأول لذَلِك اخْتلفَا وَالثَّانِي أَن معنى الْفَاعِل والعالم كَانَ معقولا فِي الشَّاهِد وَلَيْسَ ذَلِك من أَدِلَّة الْحَدث وَلَا مِمَّا فِي الْمَعْرُوف من مَعْنَاهُ دَلِيله وَقد احْتمل وصف الله بِهِ لذَلِك لزم القَوْل بِهِ على نفي الشّبَه شبه الْخلق عَنهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَإِن قيل لم لَا قلت بِأَنَّهُ بِمَا سمى بِهِ فَاعِلا كَانَ جسما وَكَذَلِكَ الْقَادِر والعالم إِذْ لَا أحد فِي الشَّاهِد سمى بِهِ إِلَّا وَهُوَ جسم قيل لَا سمى بذلك فِي الشَّاهِد لِأَنَّهُ جسم لوجودنا أجساما لَا تسمى بِهِ فَلذَلِك لم يلْزم بِهِ القَوْل على أَنا بَينا الْوُجُوه الَّتِي أحقت التَّسْمِيَة بِمَا سمى من السّمع وَالْعبْرَة ولسنا نجد ذَلِك فِي الَّذِي عَارض بِهِ وَلَو جَازَ لنا ليجوز الآخر أَيْضا أَن يقابلنا بِمثلِهِ فِي الْجَسَد والشخص وَنَحْو ذَلِك مَعَ مَا كَانَ اسْم الْجِسْم غير وَاقع فِي الشَّاهِد على مَا لَا يحْتَمل التجزئة والتبعيض من نَحْو الْعرض وَالْفِعْل وَالْحَرَكَة والسكون ثَبت أَنه اسْم ذِي الْأَجْزَاء كالطويل والعريض والمؤلف وَلَو لم يبطل القَوْل بالمؤلف لما يدل ظَاهره على فعل بِهِ إِذْ لَو بَطل ليبطل القَوْل بموجود بِذَاتِهِ فِي الْأَزَل وَلَو كَانَ كَذَلِك ليجوز القَوْل بطويل وجسد ولون وَطعم وَنَحْو ذَلِك لما لَيْسَ الظَّاهِر إِلَّا ذَلِك فَإِذا لم يجز لما فِي الْحَقِيقَة إِيجَابه وَإِن لم يكن فِي اللَّفْظ دَلِيله فَمثله فِي الْجِسْم وَالله الْمُوفق يجوز إِطْلَاق لفظ الشَّيْء على الله فَإِن قيل إِذْ قُلْتُمْ شَيْء لَا كالأشياء لم لَا قُلْتُمْ جسم لَا كالأجسام

قيل لَهُ لِأَن السَّبَب الَّذِي ألزمنا القَوْل بالشَّيْء لم يُوجد فِي الْجِسْم لذَلِك لم نقل وَبعد فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو فِيمَا يُرِيد إلزامنا من القَوْل بالجسمية من أَن يلْزمنَا بقولنَا بالشَّيْء فَوَجَدنَا أَكثر الْأَشْيَاء وَهِي الْأَعْرَاض وَالصِّفَات من غير لُزُوم القَوْل فِيهَا بالجسمية يمْنَع ذَلِك وَإِن كَانَ يُرِيد بقولنَا لَا كالأشياء فَلَيْسَ هُوَ حرف الْإِثْبَات ليدل على مائية الْمُثبت فَلَا وَجه لهَذَا السُّؤَال وَهُوَ كمن يَقُول إِذْ جَازَ أَن يكون شَيْئا لَا كالأشياء لم لَا جَازَ أَن يكون إنْسَانا لَا كالناس قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فجواب مثله أَن يُقَال لِأَنَّهُ لَيْسَ بجسم فَيُقَال جسم لَا كالأجسام وَلَيْسَ هَذَا النَّوْع بمعارضة إِنَّمَا هُوَ محاكمة وَنحن لَا نملك إِيجَاد الْإِلَه حَتَّى نقابل بِمثل هَذَا فَيُقَال لنا إِذْ جعلتم ذَا لم لَا جعلتم ذَا بل يتعالى عَن الْجعل على جِهَة بل يُوصف بِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْمُعَارضَة عِنْد التَّحْصِيل تنَاقض لِأَنَّهُ قَالَ إِذْ قُلْتُمْ شَيْء لَا كالأشياء لم لَا قُلْتُمْ جسم لَا كالأجسام فَإِذا قُلْنَا جسم يصير قَوْلنَا شَيْء لَا كالأشياء هُوَ شَيْء لَا كبعض الْأَشْيَاء إِذْ الْجِسْم أحد قسمي الْأَشْيَاء وَفِي ذَلِك بطلَان القَوْل بجسم لَا كالأجسام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ معنى قَوْلنَا شَيْء لَا كالأشياء هُوَ إِسْقَاط مائية الْأَشْيَاء وَهِي نَوْعَانِ عين وَهُوَ جسم وَصفَة وَهِي عرض فَيجب بِهِ إِسْقَاط مائية الْأَعْيَان وَهُوَ الْجِسْم وَالصِّفَات وَهِي الْأَعْرَاض فَإِذا أزلنا ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي هُوَ جسم من الْأَعْيَان أبطلنا الإسم الَّذِي هُوَ لذَلِك الْمَعْنى كَمَا إِذا أزلنا معنى التَّشْبِيه من الْإِثْبَات وَنفى التعطيل أبطلنا القَوْل بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَلنَا فِي القَوْل بالشَّيْء عباراتان إِحْدَاهمَا أَن يَجْعَل الشَّيْء اسْما والموافقة فِي الْأَسْمَاء لَا توجب التشابه لما قد يسْتَعْمل فِي مَوضِع نفى الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى نَحْو أَن يُقَال فلَان وَاحِد عصره وَوَاحِد قومه على نفى أَن يكون لَهُ فيهم نَظِير أَو شَبيه من الْوَجْه الَّذِي أُرِيد وَإِن كَانُوا جَمِيعًا فِي تَسْمِيَة الْوَاحِد شُرَكَاء وَلَو كَانَت الْمُوَافقَة فِي الإسم توجب التشابه لَا يحْتَمل اسْتِعْمَاله فِي مَوضِع إِرَادَة نفى الْمُوَافقَة وَكَذَلِكَ نجد قَول كفر وَإِسْلَام على تَحْقِيق الإسم لكل وَاحِد مِنْهَا والموافقة من حَيْثُ القَوْل وَلَكِن الْمَعْنى متناقض وَكَذَا ذَلِك فِي الحركات وَالْأَفْعَال وَنَحْو ذَلِك وَدَلِيل إِثْبَات القَوْل بالشَّيْء وَجْهَان أَحدهمَا السّمع من قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَلَو لم يكن هُوَ شَيْئا لم ينف عَنهُ شيئية الْأَشْيَاء باسم الشيئية إِذْ الشَّيْء فِي التَّحْقِيق خلاف مَا لَا يحْتَمل القَوْل بالشَّيْء وَكَذَلِكَ قَوْله {قل أَي شَيْء أكبر شَهَادَة قل الله شَهِيد} فَلَو لم يكن يَقع عَلَيْهِ اسْم الشَّيْء لَكَانَ لَا يحْتَمل تضمنه ذَلِك القَوْل حَتَّى ينْسب إِلَيْهِ وَأما الْعقل فَهُوَ أَن الشيئية اسْم الْإِثْبَات لَا غير فِي الْعرف إِذْ القَوْل بِلَا شَيْء نفى إِذا لم يرد بِهِ التصغير فَثَبت أَنه اسْم الْإِثْبَات وَنفى التعطيل فَإِن كَانَ قوم لَا يعْرفُونَ أَن معنى الشَّيْء الْإِثْبَات وَالْخُرُوج من التعطيل يتقى عَن ذَلِك بَينهم كَرَاهَة أَن يعْتَقد قُلُوبهم معنى مَكْرُوها وَيَقُولُونَ بالهستية فَإِنَّهُ أوضح فِي معنى الْإِثْبَات وَإِن كَانَا وَاحِدًا عِنْد أهل الْعلم بِهَذَا اللِّسَان

مَعَ مَا كَانَ القَوْل بِلَا شَيْء يسْتَعْمل فِي نفى الْحَقِيقَة أَو تَصْغِير الثَّابِت فَثَبت أَن القَوْل بالشَّيْء إِنَّمَا هُوَ فِي إِثْبَات الذَّات وتعظيمه وَالله حقيق لذَلِك وَالْقَوْل بِلَا جسم لَا يُوجب وَاحِدًا مِنْهُمَا فَكَذَلِك القَوْل بالجسم لَيْسَ فِيهِ تثبيت وَاحِد مِمَّا يحمد وجوده أَو يعظم لذَلِك اخْتلفَا وعَلى ذَلِك القَوْل بِلَا عَالم وَلَا قَادر اسْم ينفى العظمة والجلال فَمثله فِي الْعَالم والقادر إِيجَاب الْوَصْف بالعظمة والجلال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَإِنَّهُ فِي الشَّاهِد لَا يفهم من قَول الرجل شَيْء مائية الذَّات وَلَا من قَوْله عَالم وقادر الصّفة وَإِنَّمَا يفهم من الأول الْوُجُود والهستية وَمن الثَّانِي أَنه مَوْصُوف لَا أَن فِيهِ بَيَان مائية الذَّات كَقَوْل الرجل جسم إِنَّه ذكر مائية أَنه ذُو أبعاد أَو ذُو جِهَات أَو مُحْتَمل للنهايات وقابل للأعراض وَكَذَا ذَا فِي الْإِنْسَان وَسَائِر الْأَعْيَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن القَوْل بِهَذَا كُله وَاجِب بِمَا ثَبت فِي السّمع التَّسْمِيَة بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ أَبُو مَنْصُور وَالْأَصْل فِي حرف التَّوْحِيد أَن ابتداءه تَشْبِيه وإنتهاءه تَوْحِيد دفعت إِلَى ذَلِك الضَّرُورَة إِذْ بالمدرك الْمَفْهُوم يسْتَدلّ على مَا قصرت الأفهام من إِدْرَاك مَا عَن الأوهام نَحْو مَا يدْرك ثَوَاب الْآخِرَة وعقابها بلذات الدُّنْيَا والأذيات الَّتِي فِيهَا وَكَذَا وصف الله تَعَالَى بالمدرك من خلقه للدلالة والعبارة فَقيل عَالم وقادر وَنَحْو ذَلِك إِذْ فِي الْإِمْسَاك عَن ذَلِك تَعْطِيل وَفِي تَحْقِيق الْمَعْنى الْمَوْجُود فِي خلقه تَشْبِيه فوصل بِهِ لَا كالعلماء وَنَحْوه ليجعل نفى التَّشْبِيه ضمن الْإِثْبَات فَهَذَا فِيمَا ألزمت ضَرُورَة الْعقل القَوْل بِهِ والسمع جَمِيعًا فَأَما مَا لَا سمع فِيهِ وَلَا فِي الْعقل إحتماله فالتسمية بِهِ جرْأَة عَظِيمَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَجَوَاب آخر أَن الشَّيْء لَيْسَ باسم لِأَن لكل اسْم خاصيه إِذا ذكرت أعلمت مائية الشَّيْء نَحْو أَن يُقَال مَا الْجِسْم فَنَقُول مَا لَهُ أبعاد ثَلَاثَة وَمَا الْإِنْسَان فنذكره حَده الْمَعْرُوف فِي الشَّاهِد من الْحَيّ النَّاطِق الْمَيِّت أَي الْمُحْتَمل لذَلِك وَكَذَلِكَ كل جَوْهَر لَهُ حد يذكر باسم الخاصية لَهُ وعَلى ذَلِك عَالم قَادر لَا يذكر خاصيته بِحرف يحد ذَاته أَو يعلم مائيته إِنَّمَا يذكر ارْتِفَاع الْجفَاء عَنهُ وَتَأْتِي الْأَشْيَاء لَهُ وَلَا تذكر مائية ذَاته فَجَائِز القَوْل بذلك وَلَيْسَ فِي ذَلِك حرف التَّشْبِيه فِي مائية الذَّات فخشي أَن يفهم غيرية الْعلم وَالْقُدْرَة كَمَا هما فِي الشَّاهِد فَقيل لَا كَغَيْرِهِ مِمَّن ذكر ليعلم أَنه بِذَاتِهِ عَالم لَا بِغَيْرِهِ قَادر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَسُئِلَ وَاحِد عَن معنى الْوَاحِد قَالَ ينْصَرف على أَرْبَعَة كل لَا يحْتَمل التَّضْعِيف وجزء لَا يحْتَمل التنصيف وَالَّذِي بَينهمَا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ كارتفاعه عَمَّا لَا يتنصف وانحطاطه عَمَّا لَا يتضعف إِذْ لاشيء وَرَاء الْكل وَالرَّابِع هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الثَّلَاثَة هُوَ وَلَا هُوَ هُوَ أخْفى من هُوَ وَالَّذِي انخرس عَنهُ اللِّسَان وَانْقطع دونه الْبَيَان وانحسرت عَنهُ الأوهام وحارت فِيهِ الأفهام فَذَلِك الله رب الْعَالمين وَمن أحب أَن يَقُول فِي الله بالجسم على التحقق مِمَّا بَينا من مَعَاني الْأَجْسَام الَّتِي هِيَ مَحل الْأَعْرَاض المحتملة للنهايات وَنَحْو ذَلِك يجب أَن يكلم فِي مَعَاني خلق الْأَجْسَام الْمُشَاهدَة إِن أمكن تثبيته من كل جِهَة من جهاته من حَيْثُ تِلْكَ الْجِهَة فَالْقَوْل بِهِ فِي الله محَال فَاسد لِأَنَّهُ وصف لَهُ بِمَا قَامَ دَلِيل حَدثهُ وَإِن كَانَ لَا يتهيأ إِيجَابه فحقه التَّسْمِيَة وَإِن ثَبت قيل بِهِ وَإِلَّا لَا وَلَا وَقُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة

مَسْأَلَة فِي صفة الله تَعَالَى قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ الْوَصْف لله بِأَنَّهُ قَادر عَالم حَيّ كريم جواد وَالتَّسْمِيَة بهَا حق من السّمع وَالْعقل جَمِيعًا فالسمع مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَسَائِر كتب الله وسمى بِالَّذِي ذكرت الرُّسُل وَالْخَلَائِق كل مِنْهُم إِلَّا أَن قوما وجهوا تِلْكَ الْأَسْمَاء إِلَى غَيره ظنا مِنْهُم أَن فِي إِثْبَات الإسم تشابها بَينه وَبَين كل مُسَمّى وَلَو كَانَ بِهِ ذَلِك لَكَانَ بنفى التعطيل ذَلِك وبنفيه أَيْضا تشابه بَينه وَبَين مَا لَا يدْخل تَحت إسم وَهُوَ مَا لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن قد بَينا بعد التشابه لموافقة الإسم فَهُوَ مُسَمّى بِمَا سمى بِهِ نَفسه مَوْصُوف بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَالْعقل يُوجب ذَلِك لِأَن الله سُبْحَانَهُ إِذْ ثَبت عَنهُ مُخْتَلف الْخلق بجوهره وَصِفَاته دلّ أَن فعله لَيْسَ بِفعل الطباع بل هُوَ فعل الإختيار وَأَيْضًا أَن اتساق الْفِعْل المتوالي بِلَا فَسَاد يظْهر وَلَا خُرُوج عَن طَرِيق الْحِكْمَة يثبت كَون الْمَفْعُول بالإختيار من الْفَاعِل فَثَبت أَن الْخلق كَانَ بِفِعْلِهِ حَقِيقَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى إِذْ أنشأ شَيْء ثمَّ أفناه وَفِيه أَيْضا مَا قد أَعَادَهُ نَحْو اللَّيْل وَالنَّهَار ثَبت أَن فعله بالإختيار إِذْ تحقق بِهِ صَلَاح مَا قد أفْسدهُ وإعادة مَا قد أفناه وإيجاد الْمَعْدُوم وإعدام الْمَوْجُود فَثَبت أَن طَرِيق ذَلِك الإختيار إِذْ من كَانَ الَّذِي مِنْهُ يكون بالطبع لَا يجِئ مِنْهُ نفى مَا يُوجد وإيجاد مَا يعدمه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا إِنَّا قد بَينا حدث الْعَالم لَا من شَيْء وَذَلِكَ نوع مَا لَا يبلغهُ إِلَّا فعل من هُوَ فِي غَايَة معنى الإختيار وَمَا يكون بالطبع فحقه الإضطرار ومحال أَن يكون من يبلغ شَأْنه إِلَى إنْشَاء الْأَشْيَاء لَا من شَيْء ثمَّ يكون ذَلِك بالطبع مَعَ مَا كَانَ وُقُوع الشَّيْء بالطبع هُوَ تَحت قهر آخر وَجعله بِحَيْثُ يسْقط عَنهُ الْإِمْكَان وَذَلِكَ آيَة الْحَدث وأمارة الضعْف جلّ رَبنَا عَن ذَلِك وَتَعَالَى مَعَ مَا جرى التعارف المتوارث من الْخلق بالدعوات والتضرع إِلَى الله تَعَالَى بالفرج وَأَنه قهر كَذَا وَنصر كَذَا وأعان فلَانا وخذل فلَانا وَأَن كل ذِي قُوَّة يفعل بِقُوَّة أَنْشَأَهَا وَلَا ينَال شَيْء من ذَلِك بالمضطر وَلَا يرغب فِيهِ دلّ ذَلِك على أَن الْعَالم بإختياره فَإِذا ثَبت الإختيار ثبتَتْ لَهُ الْقُدْرَة على الْخلق والإرادة لكَونه على مَا هُوَ عَلَيْهِ لِأَن من لَا قدرَة لَهُ يخرج الَّذِي يكون مِنْهُ مضطربا فَاسِدا وَلَا يملك الشَّيْء وضده فَثَبت أَن مَا كَانَ مِنْهُ بقدرة كَانَ وإختيار وَذَلِكَ أَمَارَات الْفِعْل الْحَقِيقِيَّة فِي الشَّاهِد الَّذِي هُوَ أصل للْعلم بالغائب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى مَا ذكرنَا من تواصل الْفِعْل أَعنِي الْوَاقِع بِهِ بِالْفِعْلِ وتتابع محكما متقنا هُوَ الدَّلِيل أَنه كَانَ فعله على الْعلم بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه إِذْ خرج كل الْجَوَاهِر الَّتِي لَا يمْتَحن فِي مصَالح الممتحنين وَخلق كل شَيْء أُرِيد بِهِ الْبَقَاء مَعَ خلق مَا بِهِ بَقَاؤُهُ علم أَنه كَانَ بِمن يعلم كَيْفيَّة كل شَيْء وَحَاجته وَمَا بِهِ القوام والمعاش وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله سُبْحَانَهُ خلق الْخلق خلقا دلّ على حَدثهُ وعَلى أَن لَهُ مُحدثا وعَلى وحدانية محدثه فلولا أَن علم بالخلق يعلم أَنه إِذا خلق على مَا خلق كَانَ فِيهِ دَلِيل الْعلم بِهِ وبخلقه لَا يحْتَمل أَن يخرج على ذَلِك خلقه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وعَلى ذَلِك مجئ الرُّسُل بِالْأَمر الَّذِي لَو اتبعُوا وَعمِلُوا بِمَا جَاءُوا بِهِ مَا احْتمل الْخلاف وَلَا التَّفْرِيق وَلَا الْفساد لَوْلَا علمه أمكنة مُتَفَرِّقَة كَذَلِك قَول من قَالَ كَانَ الله وَلَا خلق ثمَّ كَانَ الْخلق بِلَا تكوين هُوَ غير الْخلق كَقَوْل من ذكر بِلَا غير الْمُضَاف إِلَيْهِ الْعَالم وَالله الْمُوفق على أَن قَوْله قَول من نسب إِلَى الطبائع والأغذية أَحَق إِذْ فِي ذَلِك إِثْبَات أَمر كَانَ بِهِ غَيرهَا من قَول من يَجْعَل الْخلق لله بعد أَن لم يكن بِلَا شَيْء من الله سوى كَون الْخلق فَيكون للنسبة مِنْهُم تَحْقِيق وَلَيْسَ من هَؤُلَاءِ تَحْقِيق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الشَّاهِد قَادر غير مَمْنُوع لَا فعل لَهُ وقادر على الْكَلَام لَا كَلَام لَهُ وَالشَّاهِد هُوَ دَلِيل الْغَائِب فَلَزِمَ ذَلِك فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَعَ مَا قد يُوصف الْخلق بِالْفَسَادِ وَالشَّر والقبح وَالسوء فَلَو كَانَ لذاته فعل الله لَكَانَ بذلك كُله مَوْصُوفا مُسَمّى فَيُقَال مُفسد شرير قَبِيح الْفِعْل سيء الْعَمَل فَإِذا كَانَ الْوَصْف بِهَذَا وَالتَّسْمِيَة كفرا ثَبت أَن الَّذِي سمى بِهِ وَوصف هُوَ غير هَذَا وَبِاللَّهِ النجَاة على ذَلِك الولاد وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْكَسْب لَو كَانَ فِي الْحَقِيقَة لَهُ لسمى بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى إِذْ لم يجز مِنْهُ الْفِعْل فِي الأَصْل ثمَّ جَازَ فإمَّا أَن يكون لَا يجوز لنَفسِهِ فَيجب أَن يكون كَذَلِك أبدا أَو لغيره وَهُوَ الَّذِي عَنهُ السُّؤَال وَإِذ ثَبت أَنه لَا لنَفسِهِ يجوز غير فَاعل فَهُوَ لنَفسِهِ فَاعل وَالله الْمُوفق وَقَالَ بعض من يزْعم أَن الْخلق هُوَ فعل الله فِي الْحَقِيقَة إِنَّه كَالصَّلَاةِ وَهِي فعل فِي الْحَقِيقَة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَذَلِكَ وهم إِذْ ذَلِك اسْم هُوَ اسْم لفعله فِي الْحَقِيقَة ثمَّ لم يدل على أَن الْخلق هُوَ فِي الْحَقِيقَة فعله ليسلم لَهُ على أَنا قد بَينا من حق التَّسْمِيَة بِهِ مَا يبين إِحَالَة ذَلِك

فَإِن قيل إِذْ وصف الله بالتكوين فِي الْأَزَل لم لَا كَانَ المكون قيل لما كَون ليَكُون الْأَشْيَاء على مَا تكون وَذَلِكَ نَحْو القَوْل بِالْقُدْرَةِ على الْأَشْيَاء والإرادة لَهَا وَالْعلم بهَا ليَكُون كل شَيْء فِي وقته وَالْحَدَث على الَّذِي يكون لَا على الْعلم بِهِ وَإِن كَانَ الَّذِي يكون من بعد فِي حد الْكَائِن من غير تغير الْعلم بِهِ وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ وَالْأَصْل أَن الله تَعَالَى إِذا أطلق الْوَصْف لَهُ وصف بِمَا يُوصف من الْفِعْل وَالْعلم وَنَحْوه يلْزم الْوَصْف بِهِ فِي الْأَزَل وَإِذا ذكر مَعَه الَّذِي هُوَ تَحت وَصفه بِهِ من الْمَعْلُوم والمقدور عَلَيْهِ وَالْمرَاد والمكون يذكر فِيهِ أَوْقَات تِلْكَ الْأَشْيَاء لِئَلَّا يتَوَهَّم قدم تِلْكَ الْأَشْيَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه دَلِيل الأول مَا سبق لَهُ الْوَصْف وَدَلِيل الثَّانِي أَنه إِذا لم يذكر وَقت الْمَفْعُول بِهِ يُومِئ قدم الْمَفْعُول أَو الْجَهْل بِهِ فِي غير وقته وَكَذَلِكَ الْعَجز لِأَنَّهُ إِذا قيل هُوَ مكون للساعة يُومِئ أَنه كَون ليَكُون فِي هَذِه السَّاعَة وَكَذَلِكَ الْعلم بِهِ وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ والإرادة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ولفعل الْقِيَامَة والفناء معنى آخر إِن السَّائِل عَنْهَا إِن أَرَادَ أَنه يفعل السَّاعَة لَا يَخْلُو من أَن يُرِيد جعل هَذِه السَّاعَة وقتا للقيامة أَو لتكوين الله الْقِيَامَة فَالْأول محَال لما لَيست كَذَلِك وَالثَّانِي فَاسد لما فِيهِ جعل الْوَقْت للتكوين وَذَلِكَ أَمارَة الْحَدث فَإِن قيل فِي التكوين وَلَا مكون إِثْبَات الْعَجز قيل إِنَّمَا يكون ذَلِك لَو كَانَ التكوين ليَكُون لوقت فَلم يكن وَكَذَلِكَ فِي الْإِرَادَة وَالْعلم بِهِ إِذا لم يكن جهل وإضطرار فَأَما ليَكُون للْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ فَلَا على مَا بَينا من الْعلم وعَلى ذَلِك السّمع وَالْبَصَر وَالْكَرم والجود إِنَّه مَوْصُوف بهَا فِي الْأَزَل وَإِن كَانَ مَا يسمع ويبصر وَمَا ذكر حَادث وعَلى ذَلِك جرى الْحُدُوث وَلَا بُد من ذكر الْوَقْت للمسموع عِنْد ذكر الْأَمريْنِ فَمثله الأول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَالْأَصْل أَن الَّذِي لَا يعدو الْوَاقِع بِفِعْلِهِ وَقت الْوَصْف لَهُ بِالْفِعْلِ وصف عجز وَالَّذِي يعدوه وَيَقَع عِنْده وصف قدرَة كمن يكون مِنْهُ فعل الشَّيْء وضده المتمكن مِنْهُ أَنه أتم من جِهَة فعله وَكَذَلِكَ من لَا يعدو (و) فعله حيزه هُوَ دون من يَقع فعله فِي كل حيّز كَذَلِك وصف الله بِالَّذِي ذكرت إِذْ هُوَ وصف التَّمام مَعَ مَا لَا يَقع فعل العَبْد لغير وقته لِأَنَّهُ عَن شغله بِالْفِعْلِ يكون وبالآلات وَالله سُبْحَانَهُ بِنَفسِهِ يفعل وَذَلِكَ كَمَا علم سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ وَقدر بِذَاتِهِ وكل من سواهُ بِغَيْر الَّذِي (ذكرت) لَوْلَا ذَلِك لما قَامَ بِهِ فعل واللله هُوَ ينشيء من لَا شَيْء لذَلِك بَطل التَّقْدِير بِالَّذِي قَالُوا وعَلى مثل مَا ذكرت أَمر الْقُدْرَة والإرادة وَجَمِيع مَا بَينا وَدَلِيل آخر أَنه يُوجد من العَبْد الْفِعْل الْمُتَوَلد يَقع الْفَرَاغ بعده بأوقات كالرمى والجنايات يسْتَحق اسْم الْقَاتِل والجاني والمصيب بعد انْقِضَاء حَقِيقَة فعله فَمثله مُسْتَقِيم من الله وَإِن كَانَ لَا يُوصف فعله بالطباع والتولد لما أَن خُرُوج أحد الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّاهِد لم يمْنَع من تَحْقِيق الْفِعْل فَمثله فِي الْغَائِب وَإِن لم يكن من ذَلِك الْوَجْه على مَا بَينا من إِثْبَات شَيْء لَيْسَ بجسم على جَوَاز القَوْل فِي الله بالشَّيْء وَإِن لم يكن عرضا وكل شَيْء فِي الشَّاهِد غير جسم فَهُوَ عرض بِحَق الْوُجُود لَا أَن ذَلِك اسْمه فَمثله الأول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن الَّذِي قَالُوا أَمارَة الْعَجز إِذْ لَا يقدر العَبْد على مَا لَا يتَحَقَّق مَفْعُوله مَعَه كَمَا لَا يقدر عَلَيْهِ دون اسْتِعْمَال نَفسه بِالتَّحْرِيكِ والتسكين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة

وَبعد فَإِنَّهُ لَا أحد أَبى القَوْل بِأَنَّهُ مَأْمُور منهى فِي وقته من غير مجئ أَمر فِي هَذَا الْوَقْت وَكَذَلِكَ الْوَعْد والوعيد فَيصير بالمنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ للْحَال مَأْمُورا مَنْهِيّا مَا يُنكر أَن يكون للْحَال كَائِنا بالتكوين فِي الْأَزَل وَكَذَلِكَ الله سُبْحَانَهُ يُوصف بِكُل كَائِن أَنه عَالم بِهِ كَائِنا وَإِن كَانَ يُوصف من قبل بِعِلْمِهِ والكون وَالْحَدَث كُله على الْكَائِن دونه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق على أَن معنى التكوين وَإِن كَانَ لَا يبلغهُ فهم الْبشر لأمكن الْأَدَاء بأيسر قَول يحْتَملهُ من القَوْل ب كن كل شَيْء على مَا علم أَنه يكون فَيكون بِهِ مكونا كل شَيْء على مَا عَلَيْهِ كَونه فِي وَقت كَونه من غير تكْرَار وَفِيه يدْخل الْأَمر كُله والنهى والوعد والوعيد وَيصير إِخْبَارًا عَن كَائِن وَعَما يكون على اخْتِلَاف أَحْوَال الكائنات بأوقاتها وأمكنتها أبدا لَكِن وسع الْخلق لَا يحْتَمل دَرك التكوين الَّذِي لَا يشغل وَلَا يتعب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَهَذَا بَاب لَو استقصى فِيهِ لشغل عَن بُلُوغ النِّهَايَة عَن الْمَقْصُود وَنَرْجُو أَن يكون فِيمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ مقنع لذى اللب والفهم مَسْأَلَة آراء الكعبي فِي صِفَات الذَّات وصفات الْفِعْل وَالرَّدّ عَلَيْهَا وَنَذْكُر بعض مَا ذكر الكعبي لِتَعْلَمُوا مبلغه فِي معرفَة الله وَالْعلم بِهِ فَيكون فِي ذَلِك الْإِحَاطَة بمبلغ مَذْهَب الإعتزال إِذْ هُوَ عِنْدهم إِمَام أهل الأَرْض وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

قَالَ مَا احْتمل اخْتِلَاف الْحَال والشخص فَهُوَ صفة الْفِعْل نَحْو القَوْل يرْزق فلَانا وَيرْحَم فِي حَال وَلَا يرحم فِي حَال وَكَذَلِكَ الْكَلَام وَمثله فِي الْأَشْخَاص وَمثله فِي الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة لَا يحْتَمل فَهُوَ صفة الذَّات وَقَالَ كل مَا يَقع عَلَيْهِ الْقُدْرَة فَهُوَ صفة الْفِعْل نَحْو الرَّحْمَة وَالْكَلَام وَمَا لَا يَقع عَلَيْهِ فَهُوَ صفة الذَّات نَحْو أَن لَا يُقَال أيقدر أَن يعلم أَو لَا ثمَّ يسْأَل عَن صفة الذَّات أَنه لم لَا يجب الْوَصْف بضده قَالَ لِأَنَّهُ يرجع إِلَى ذَاته وذاته غير مُخْتَلف وَذَلِكَ يُوجب الإختلاف ثمَّ قَالَ وَإِذا كَانَ ذَاته غير مُخْتَلف لم يجز الإختلاف ثمَّ مَا بقيت نَفسه كالشيء الَّذِي يجب لعِلَّة يَدُوم بدوامها قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمن قَوْله أَن لَيْسَ لله فِي الْحَقِيقَة صفة وَإِنَّمَا هُوَ وصف الواصف لَهُ أَو تَسْمِيَة الْمُسَمّى وَقد وجد الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فِي وصف الواصفين أَنى وصفوه بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة وَالْفِعْل على غير اخْتِلَاف من حَيْثُ الْوَصْف ثمَّ سمى هُوَ فِي الْحَقِيقَة عَالما خَالِقًا قَادِرًا فِي التَّحْقِيق فَلَا وَجه لتعريفه من حَيْثُ وصف إِذْ حقيقتهما ترجع إِلَى مَا فِيهِ الْوِفَاق ثمَّ قد يُقَال سمع دُعَاء فلَان وَلم يسمع دُعَاء فلَان وَيَقُول الرجل مَا علم الله ذَلِك مني وَيَقُول علم مني فِي وَقت كَذَا وَلم يعلم مني فِي وَقت كَذَا ثمَّ لم يجب بِهِ أَن السّمع وَالْعلم لَا يكونَانِ من صِفَات الذَّات فَمَا منع كَذَلِك فِي التكليم وَالرَّحْمَة فَإِن قَالَ يُرِيد نفى الْمَعْلُوم والمسموع قيل لَهُ كَذَلِك فِي الأول يُرِيد نفى فِرْعَوْن من بره وإكرامه بِذكر نفى الْكَلَام وَهُوَ شَيْء يُرِيد بِهِ بره وَذَلِكَ مَعْرُوف مِمَّا بشر الْمُؤمنِينَ بالْكلَام وأيأس الْكفَّار وَذَلِكَ عندنَا على ذَلِك

وَبعد فَإِن الْمَسْأَلَة سَاقِطَة لِأَنَّهُ علق الحكم بِجَوَاز القَوْل وَقد بَينا الْمَسْأَلَة قد عرفنَا بِمَا سبق أَن لَا يجوز أَن يُوصف الله بحادث وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز الْوَصْف بمصلح ومفسد وَخير وشرير وَذَلِكَ بَاطِل فَثَبت أَنه لَا بِمَا ظن وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن كل غير الصَّوْت لَا يتَكَلَّم فِيهِ بتسميع وَجَائِز أَن يتَكَلَّم فِيهِ بِعلم ثمَّ لم يجب التَّفْرِيق بَينهمَا بالإختلاف فِي حرف الْإِثْبَات وَلم يُوجب فِي ذَاته إختلافا فَمَا منع كَذَلِك فِي حق النفى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه لَا يجوز وصفى الله تَعَالَى بنفى الْعدْل ثمَّ لم يقل هُوَ صفة الذَّات عِنْدهم ثَبت أَن تَقْدِيره فَاسد ثمَّ يُقَال لَهُ تعنى بِصفة الْفِعْل الْفِعْل نَفسه وَهُوَ الْخلق أهوَ عنْدك فعل أَو غَيره فَإِن قَالَ الْخلق قيل لم قلت إِن الْخلق صفة وَهُوَ صفة من إِذْ لَا صفة إِلَّا لموصوف فَإِن قَالَ هُوَ صفة الله أعظم القَوْل بِأَن يَجْعَل الْخلق لله صفة والخلق فَسَاد وقبيح وضرورة وَعجز وأنجاس وخبائث وكل بِصفتِهِ مَوْصُوف وَهَذِه الْأَوْصَاف مِمَّا يَأْبَى كل من لَهُ عقل أَن يُوصف بهَا فَكيف يُوصف بهَا الله وَإِن قَالَ غير الْخلق لزمَه القَوْل أَن المُرَاد أَن صفته هِيَ فعل وَقد بَينا ذَلِك تَعَالَى الله عَن الْوَصْف بخلقه فَثَبت أَن صفته الَّتِي هِيَ الْفِعْل هِيَ صفة ذَاته

وَكَذَلِكَ يُقَال الله خَالق رَحْمَن رَحِيم فَإِنَّمَا سمى بِهِ ذَاته فَمثله صفة الْفِعْل أَي الْفِعْل وتوصف بِهِ ذَاته وَذَلِكَ كَمَا يُقَال كَلَام حِكْمَة وَصدق وَكذب على أَنه كَذَلِك وَهُوَ صفة لصَاحبه فَمثله يُضَاف إِلَى الله وَبعد فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ قَوْلك رَحْمَة ومغفرة صفة للْفِعْل ولعنة وَشتم أَيْضا عنْدك صفة الْفِعْل فَمَا الْفِعْل الَّذِي سمى رَحْمَة ولعنة حَتَّى يُوصف الله بِهِ فَإِن قَالَ جنَّة ونار وَقبُول ورد وَنَحْو ذَلِك بَطل قَوْله فِي الْمسَائِل الَّتِي ذكر فِي الْأَصْلَح وَالتَّعْدِيل والتجوير إِن الله رَحِيم لَا يفعل بعباده ذَلِك وكل ذَلِك مِمَّا فعل بعباده وَإِن أثبت معنى سوى ذَلِك فصارا غير خلقه بهما يُوصف على أَن قَوْله يشْتم كَلَام قَبِيح لَا يُوصف الله بِهِ ثمَّ يُقَال لَهُ لم اعْتبرت بِالَّذِي ذكرت فِي صفة الذَّات وَالْفِعْل وَقد رَأَيْت صِفَات الذَّات مُخْتَلفَة فِي الإستعمال من وَجه الْإِثْبَات نَحْو أَن يُقَال بِالْعلمِ فِي أَشْيَاء لَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ فِيهَا وبالقدرة على أَشْيَاء لَا يُوصف بِالسَّمْعِ فِيهَا وبالرؤية فِي أَشْيَاء لَا يُوصف بِالْكَرمِ فِيهَا وبالجود وبالحكمة فِي أَشْيَاء لَا يُوصف بِالسَّمْعِ لَهَا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يكثر الإختلاف بِهِ لم يجب بهَا الْفرق بل هُوَ الْمَوْصُوف بهَا فِي الْأَزَل لم لَا قلت كَذَلِك فِي جَمِيع مَا يُوصف بِهِ إِذْ هُوَ يتعالى عَن الإستحالة وَالْفساد إنَّهُمَا آيتان للْحَدَث أمارتان للكون بعد أَن لم يكن وَأَيْضًا يُقَال لَهُ رَأَيْت الْخلق أقساما يُسمى الله عنْدك بِبَعْض الْخلق وَلَا يُسمى بِبَعْض ثمَّ لم يدل على اخْتِلَاف فِي حق الصّفة مَا منع كَذَلِك فِي أَمر الصِّفَات وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ قَوْله مَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ من صِفَات الذَّات فَهُوَ عِنْد خَصمه لَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ على شَيْء من صِفَاته إِلَّا على مجَاز اللُّغَة من إِرَادَة الْمَفْعُول فِي ذَلِك كَمَا يُسمى مَا يفعل بِالْأَمر أمرا وَنَحْو ذَلِك

وَبعد فَإنَّا قد بَينا اخْتِلَاف أَحْوَال الصِّفَات فِي التوسيع والتضييق فِي أَشْيَاء على الإتفاق فِي أَنَّهَا صِفَات الذَّات فلنقل فِيمَا ذكر كَذَلِك ثمَّ من مذْهبه أَن الله تَعَالَى كَانَ غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَقدر على أَن يَجْعَل ذَاته خَالِقًا رحمانا وَيجوز أَن نعْبد الرَّحْمَن الْخَالِق فَيكون على قَوْله قدر على أَن يَجْعَل لِلْخلقِ معبودا وَذَلِكَ اسْم تقع عَلَيْهِ الْقُدْرَة فَيصير فِي الْحَقِيقَة يعبد غير الله وَهُوَ أَيْضا من وَجه هَذِه الْأَسْمَاء مُحدث من حَيْثُ كَانَت مِمَّا تقع عَلَيْهِ الْقُدْرَة ثمَّ يُقَال لَهُ أيقدر الله أَن لايخلق الْخلق فَإِن قَالَ لَا صيره خَالِقًا بِالضَّرُورَةِ أَو بِنَفسِهِ وَبَطل قَوْله وَإِن قَالَ يقدر فَيلْزمهُ أَن يَجْعَل غير الْمَخْلُوق خلقا بِوُقُوع الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك إِثْبَات قدم الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاحْتج فِي حدث الْكَلَام بِذكر الْإِتْيَان والمجئ وَهُوَ من ذَلِك الْوَجْه مُحدث وَقد بَينا أَن الله تَعَالَى إِذْ وصف بالْكلَام على تعاليه عَن إحتمال التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي صفة الْكَلَام وَالْفِعْل وَمَا ذكرت على أَن الله قد أضَاف المجئ إِلَى نَفسه ثمَّ لم يجب أَنه حدث بل صرف إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية فَمثله الأول وَكَذَلِكَ وَجب صرف الْإِتْيَان إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية لَا إِلَى مَا عرف بِهِ الْخلق من التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي حَقِيقَة الْفِعْل وَالْكَلَام على مَا قَالَ إِبْرَاهِيم {لَا أحب الآفلين} وَمن يكون على حَال ثمَّ على أُخْرَى فَهُوَ من الآفلين بالتحقيق وَالله أعلم

وَاحْتج بِمَا يحفظ وَقد يحفظ الله وَقد يكون ذَلِك على حفظ حُدُوده وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكَلَام وَمَا يُضَاف إِلَى الله من الْكَلَام بَين الْخلق فَهُوَ مجَاز على الْمُوَافقَة بِمَا يعرف بِهِ الْكَلَام الَّذِي هُوَ صفته وَذَلِكَ كَمَا ذكرنَا من المجئ وَغَيره والعهد وَنصر الرب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُحَقّق ذَلِك الْمَعْنى لذاته فَمثله الْقُرْآن وَقد احْتج بأنواع هُوَ من ذَلِك الْوَجْه مُحدث مَخْلُوق من النّسخ والسور والآيات وَنَحْو ذَلِك وَمن ذَلِك الْوَجْه لَا يُوصف الله بِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَنه لَو قيل هُوَ صفة الذَّات كَالْعلمِ فَزعم أَنه لَا يَقُول لَهُ علم فِي الْحَقِيقَة قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَمَا قَالَه فَاسد لِأَنَّهُ عورض بقوله صفة الذَّات فَلْيقل بِهِ كَمَا قلت فِي الْعَالم بِلَا حَقِيقَة وَكَذَا السّمع وَنَحْوه وَنحن قد بَينا بِحَمْد الله مَا يكفى ذَا الْعقل دونه ثمَّ عَارض الْكَلَام بِالْفِعْلِ وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد خَصمه ثمَّ عَارض بِمَا لَا يَخْلُو فِي الشَّاهِد من يجوز مِنْهُ الْكَلَام يجوز مِنْهُ خرس أَو سكُوت وَقد أَخطَأ فِي السُّؤَال إِنَّمَا هُوَ من عجز أَو سكُوت وعارض بِالْفِعْلِ وَهُوَ كَذَلِك عِنْد الْخصم مَعَ مَا ذكر فِيهِ الْفِعْل وَالتّرْك وَمَا التّرْك إِلَّا الْفِعْل لَكِن الْحيرَة تعْمل بِهِ مَا ذكر ثمَّ عَارض بِالصَّبِيِّ أَنه لَيْسَ بأخرس وَقد بَينا أَنه يعجز عَن ذَلِك مَعَ مَا كَانَ من عظم الْجُزْئِيَّة أَن لَا يجد لنَفسِهِ مثلا يعرف بِهِ الرب إِلَّا الصّبيان والمجانين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأجَاب لما عورض بِمَا لَا يَخْلُو الْقَادِر مِمَّا لَهُ الْقُدْرَة من فعل وَكَلَام بِهِ فِي

حَال حُدُوث الْقُدْرَة من فعل وَذَلِكَ جهل الْمُعْتَزلَة جعله دَلِيلا فبورك لَهُ فِي توحيده الَّذِي ذَلِك دَلِيله قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الْوَصْف بالْكلَام وَالْعلم وَالْفِعْل الْحَمد عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ وصف بِالْبَرَاءَةِ من الْآفَات والتعالى عَن الْعُيُوب وَهُوَ كَذَلِك فِي الْأَزَل مَعَ مَا لَو كَانَ بِغَيْرِهِ خَالِقًا رحمانا متكلما يجوز أَن يصير لَا كَذَلِك وَالْقَوْل بيا من لَيْسَ برحمن وَلَا رَحِيم وَلَا خَالق قَول ذمّ وإلحاق بِغَيْرِهِ من الْخَلَائق ثَبت أَنه بِذَاتِهِ رَحْمَن رَحِيم خَالق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنه لَو كَانَ يُسمى بِمَا يحل فِي غَيره ليجب أَن يُسمى بِكُل شَيْء يحل فِي غَيره مَعَ مَا لَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن يكون أحد يحْتَمل مثله فِي الشَّاهِد وَفِي امْتنَاع ذَلِك فِي مُحْتَمل التَّغَيُّر وصف لَهُ بالعلو عَن ذَلِك وَالله الْمُوفق ثمَّ قَالَ يُرِيد بِصِفَات أَن لَا يثبت ثمَّة غير وَلم يرد أَنَّهَا ذَاته بل كل صفة لقديم أَو حَدِيث فَهِيَ غَيره وَهِي قَول أَو كتاب وصفات الله هِيَ قَوْلنَا الَّذِي نصفه أَو قَوْله وَكتابه وهما محدثان قَالَ أَبُو مَنْصُور رَضِي الله عَنهُ ذكرت جملَة قَوْله الَّذِي بِهِ ختم مَسْأَلته لِتَعْلَمُوا مبلغ علمه بِاللَّه ثمَّ بِالصِّفَاتِ مرّة قَالَ لَا يثبت ثمَّة غير وَلَا يُرِيد أَنَّهَا هُوَ فَإِذا لم يرد بِالصِّفَاتِ هُوَ وَلَا غَيره أما يعلم أَنه قَول أهل الْإِثْبَات ثمَّ قَالَ هُوَ قَوْلنَا فقولنا هِيَ لَيست غَيره حَتَّى نقُول لَيْسَ ثمَّة غير ثمَّ ذكر أَن صِفَات الله هِيَ مَا ذكر وَقَالَ هِيَ صِفَات الذَّات فَإِذا مَا ذكر هِيَ صِفَات الذَّات وَهُوَ لم يزل بهَا مَوْصُوفا وَهِي أغيار لَهُ جلّ رَبنَا عَمَّا يصفه المبطلون

ثمَّ قَالَ فَإِن قيل لم لَا جعلتم الرَّحْمَة صفة فِي الْحَقِيقَة دون أَن يَقُول رَحِيم فَزعم أَن رَحِيم صفة دون الرَّحْمَة إِذْ كل من فعل صفة الشَّيْء فقد وَصفه كمن يشْتم آخر أَو يسوده أَنه شَتمه وسوده فَكَذَلِك خلق الرَّحْمَة وَلَا يجوز أَن يُوصف بهَا إِذْ خلقهَا حَتَّى يَقُول إِنِّي رَحِيم فبذلك علمنَا أَن الصّفة قَوْله إِنَّه رَحِيم قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله مَا أعرف هَذَا التائه بِالصِّفَاتِ حَتَّى يشرع فِي تَفْسِير صِفَات الله جلّ الله عَن مثل هَذَا المتحير الخيال وَتَعَالَى وَلَو كَانَت الصّفة فِي الْحَقِيقَة وصف الواصف ليبطل قَول الْخلق بِأَن الْخلق أَعْيَان وصفات وَيبْطل قَوْله فِي الإجتماع والتفرق وَالْحَرَكَة والسكون الَّتِي لَا تَخْلُو الْأَعْيَان عَنْهَا فِي إِثْبَات حديها إِذْ هِيَ تَخْلُو عَن وصف واصف لَهَا فَثَبت أَنَّهَا صِفَات تلْزم الْأَعْيَان لَا مَا ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نتم هذاالنوع من حماقته لتحمدوا الله معاشر إخْوَانِي على مَا أكْرمكُم الله بمعرفته ولتعلموا عَظِيم مقت الله على من زعم أَنه قد استوعب جَمِيع مَا عِنْد الله من الْمصَالح لَهُ فِي الدّين حَتَّى لَو أَرَادَ الله أَن يزِيد لَهُ شَيْئا لَا يملكهُ مِمَّا بِهِ صَلَاحه لَا يقدر عَلَيْهِ بل بِهِ يفْسد لتتبينوا أَنه جعل خذلانه صلاحا فِي الدّين وإضلاله نعْمَة من نعم الرب جلّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لم نقل إِن الله إِذا خلق الْحمرَة فِي الثَّوْب أَنه جعل لَهُ صفة وَلَو كَانَت الْحمرَة صفة لَهُ جَازَ أَن يُقَال إِذْ خلقهَا الله وصف الثَّوْب بهَا وَمثله فِي الْحَرَكَة السّكُون وَكَذَا من يكْتب إِلَى آخر يصف طوله يجوز أَن يُقَال وَصفه لنا فِي كِتَابه زعم أَن هَذَا وَاضح

ثمَّ قَالَ إِنَّا لَا ننكر جَوَاز إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحمرَة صفة الْأَحْمَر وَالرَّحْمَة صفة الْفِعْل لَكِن على الْمجَاز والحقيقة مَا ذكرت ثمَّ عورض بِأَنَّهُ يجوز إِذا أَن يكون للصفة صفة قَالَ نعم بِمَعْنى أَنَّهَا تُوصَف لَكِن ذَلِك إِنَّمَا يُوجد مَا دَامَ الواصف بِهِ قَائِلا فَإِذا أمسك لَا قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله تأملوا عَظِيم منزلَة الْمُعْتَزلَة بِهَذَا الَّذِي هَذَا مبلغ علمه بِالصّفةِ والموصوف وَالْمجَاز والحقيقة مِمَّا لَو قرن بِهِ أَجْهَل أهل تَوْحِيد الله لاستعظمه ثمَّ يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة فيوردهم المورد الَّذِي هَذَا وصف سَبيله نسْأَل الله الْعِصْمَة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله الأَصْل أَن الله عز وَجل قد ثَبت وَصفه بالْكلَام بِحجَّة السّمع وَالْعقل فالسمع قَوْله {وكلم الله مُوسَى تكليما} ذكره بِالْمَصْدَرِ مَعَ غير تمانع بَين الْخلق بِكَلَام الله وَقد وجد الإتفاق على أَنه مُتَكَلم وَأَن لَهُ كلَاما فِي الْحَقِيقَة وَإِن اخْتلفت الآراء فِي مائيته وَلَا أنكر على الَّذين قَالُوا {لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله} إِلَّا بِوَصْف التكبر وَالْجهل بِمَنْزِلَة أنفسهم وَكَذَلِكَ قَوْله {وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله} وَأما الْعقل إِن كل عَالم قَادر لَا يتَكَلَّم فَعَن آفَة يكون من عجز أَو منع وَالله عَنهُ متعال ثَبت أَنه مُتَكَلم على أَن الَّذِي لَا يتَكَلَّم فِي الشَّاهِد إِنَّمَا لَا يتَكَلَّم بِالْمَعْنَى الَّذِي لايسمع وَلَا يبصر من الآفة وَالله منزه عَن الْمَعْنى الَّذِي يقتضى الصمم والعمى وَكَذَلِكَ الْبكم وَهُوَ أولى إِذْ هُوَ أجل مَا يحمد بِهِ

فِي الشَّاهِد وَبِه ينْفَصل الْبشر من سَائِر الْحَيَوَان مَعَ مَا كَانَ كل مُحْتَمل الْكَلَام فَعَن عجز لَا يتَكَلَّم أَو عَن سكُوت ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون على تَقْدِير كَلَام غَيره فَيكون فِيهِ تشابه وَدلّ قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء} على نفى الشّبَه لَهُ فِي الصّفة والذات وأيد ذَا قَوْله {خلقُوا كخلقه} دلّ أَن شبه الْفِعْل يُوجب التشابه مَعَ القَوْل أَن الْخلق لَو اجْتمع لَا يأْتونَ بِمثلِهِ فَانْتفى الشّبَه إِذْ فِيهِ تماثل فَثَبت لَهُ الخلافية لكَلَام الْخلق جَمِيعًا على مَا ثَبت لذاته مَعَ مَا لم يمْتَحن جَمِيع كَلَام الْخلق ليدرك مُنْتَهى مَعَانِيه وَقد ذكر كَلَام النَّمْل والهدهد وتسبيح الْجبَال وَغَيرهَا مِمَّا لَا يفهم شَيْء من ذَلِك بالحروف الْمُعْجَمَة وَلَا على الْمَفْهُوم من كَلَام الْبشر وَإِذ ثَبت أَن من الْكَلَام مَا لَا يبلغ تَقْدِيره وسع الْخلق وَلَا يبلغهُ فهم فَمن أحب تَقْدِير كَلَام الرب بذلك فَهُوَ مُغفل وَكَذَلِكَ فعله تَعَالَى خَارج عَن وصف فعل الْخلق وَفِي ثُبُوت الخلافية من جَمِيع الْوُجُوه نفى الحدثية لما بِهِ يَقع الْوِفَاق وَبَطل معنى الْأَعْرَاض والتفرق والإجتماع وَالْحَد والغاية وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان إِذْ ذَلِك وصف كَلَام الْخلق وَالله الْمُوفق ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون غَيره فيزول عَنهُ مَا ذكرنَا من الآفة بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ علم الْحَاجة وأمارة الْحَدث أَو لَيْسَ غَيره فَيكون بِنَفسِهِ متكلما قَادِرًا عَالما وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَيجوز القَوْل بِمَا يسمع من الْخلق كَلَام الله على الْمُوَافقَة كَمَا يُقَال فِي الرسائل والقصائد والأقاويل دَلِيله أَن ذَلِك خلق من الْخلق وَلَا يحْتَمل أَن

يكون الله بِذَاتِهِ متكلما مَعَ مَا لَا يَخْلُو أَن يكون المسموع عرضا فمحال كَونه فِي مكانين وَكَذَلِكَ الْجِسْم أَو لَا هما فمحال كَونه فِي مَكَان وَعَن الْمَكَان يسمع فَثَبت أَن وَجه الْإِضَافَة إِلَيْهِ على مَا ذكرنَا مَعَ مَا يجوز أَن يسمعنا الله كَلَامه بِمَا لَيْسَ بِكَلَامِهِ كَمَا أسمع كل منا الآخر كَلَامه وَإِن لم يكن ذَلِك بِعَيْنِه كَلَامه وكما أعلمنَا قدرته وَعلمه وربوبيته بخلقه وَإِن لم يكن هُوَ هُوَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل هَل أسمع الله كَلَامه مُوسَى حَيْثُ قَالَ {وكلم الله مُوسَى تكليما} قيل أسمعهُ بِلِسَان مُوسَى وبحروف خلقهَا وَصَوت أنشأه فَهُوَ أسمعهُ مَا لَيْسَ بمخلوق وَالْقَوْل بِالْوَقْفِ يخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يُقَال لَيْسَ هُوَ الله وَلَا غَيره فَيكون وَقفا عَن علم وَهُوَ حق على مَا ثَبت فِي الْعلم وَالْقُدْرَة وَالثَّانِي أَن يكون لَا يعلم أخلق هُوَ أَو غَيره فَإِنَّهُ بعيد لما لَا يَخْلُو من أَن يذهب مَذْهَب التَّقْلِيد وَأكْثر الْقَوْم على نفى ذَلِك بل أجمع على لُزُوم الْعلم أَنه الْخلق أَو غَيره وَبعد فَإِنَّهُ لَا يعدو من أَن يعلم أَنه بِذَاتِهِ مُتَكَلم فَيكون بِمَعْنى مَا ذكرت أَو لَا بِذَاتِهِ فَهُوَ غَيره وكل الأغيار لله خلق على مَا روى فِيهِ سمع أَو لَا ثَبت أَن القَوْل بالغيرية لله يُوجب الْحَدث وَالْحَدَث والخلق إِذْ هُوَ مِنْهُ أَو لَا يعلم أَنه بِذَاتِهِ مُتَكَلم أَو لَا فَيكون الْوَقْف وَقفا للْجَهْل بِهِ فَحق مثله التَّعَلُّم لِأَنَّهُ لَا دَلِيل دَفعه إِلَى ذَلِك القَوْل ليَتَكَلَّم فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْجَهْل أَو أَن يكون الْوَقْف بِمَا لَا يعلم مُرَاد السَّائِل فِيهِ أَنه مَا يعْنى بِكَلَام الله وَالْقُرْآن أهوَ هَذَا المتبعض المتجزئ أَو الَّذِي لَا يُوصف بِشَيْء من ذَلِك وَذَلِكَ على الْوَصْف الَّذِي بَينا فَهُوَ حق أَن لَا يُجيب لأحد يسْأَله عَن كَلَام مُتَوَجّه حَتَّى يعلم مَا يُرِيد بِهِ وَالله أعلم

مسألة

مَسْأَلَة مناقشة قَول الكعبي فِي أَن أَفعَال الله بِاخْتِيَار وَقَالَ الكعبي أَفعَال الله بِاخْتِيَار لِأَن المطبوع يكون فعله نوعا قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَمَا قَالَه حسن وَذَلِكَ مَذْهَب أهل التَّوْحِيد لكنه لَا معنى لَهُ على مذْهبه لما يُقَال الْخلق اخْتِيَاره أَو غَيره وَكَذَلِكَ مَا يُقَال فِي أَفعاله فَإِن قَالَ اخْتِيَاره فَمَعْنَى أَفعاله إِذا اخْتِيَاره فَالْقَوْل بِأَن أَفعَال الله بِاخْتِيَار خطأ بل هُوَ اخْتِيَار وَلَا غير هُنَالك ليقال الَّذِي قَالَ وَإِن قَالَ غير فإمَّا أَن يكون فعله فَيجب أَن يكون بِاخْتِيَار إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَذَلِكَ محَال لِأَن الْخلق متناه أَو هُوَ فعل بِلَا اخْتِيَار فَيبْطل قَوْله وَذَلِكَ يلْزم من يصف الله بالإرادة فِي الْأَزَل وَهِي اخْتِيَار كَون شَيْء فِي وقته ثمَّ الدّلَالَة عندنَا على الأختيار خُرُوج الْخلق على تفَاوت مائيته على مَا فِيهِ من الْحِكْمَة وَالدّلَالَة على وحدانية الله فَدلَّ ذَلِك على اخْتِيَار كَون كل شَيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ من يَقُول بِخُرُوج الْخلق على مَا عَلَيْهِ بالطبائع والأغذية وَمن يَقُول ذَلِك عمل النَّجْم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَمن يَقُول ذَلِك بدوران الْفلك وَمن يَقُول فِي التوالد بتدبير الْآبَاء والأمهات يرجع كُله إِلَى كَون شَيْء بِشَيْء إِذا لم يثبت لَهُ أولية يبطل بالأدلة الَّتِي مر ذكرهَا وَإِذا ثَبت لَهُ أَو لكل جنس من ذَلِك أولية ثمَّ اسْتَحَالَ كَونه بِنَفسِهِ لما يُوجد نَفسه إِمَّا حِين عَدمه وَذَلِكَ محَال أَن يُوجد عديما مَعَ مَا إِذْ رَجَعَ إِلَيْهِ تَدْبِير كل شَيْء لَا يحْتَمل أَن يبلغهُ

العديم فَإِنَّهُ لَو جَازَ أَن يُوجد نَفسه لجَاز فِي ذَلِك الْوَقْت أَن يعدمه وَذَلِكَ متناقض أَو بعد الْوُجُود فَثَبت الْوُجُود بِغَيْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأَيْضًا أَن جَمِيع مَا يذكر إِنَّمَا هُوَ نوع الْموَات إِلَّا من ذكر من الْآبَاء والأمهات مِمَّا يعلمُونَ أَن تدبيرهم لَا يبلغ مبادي الْأَوْلَاد وَأَنَّهُمْ يكونُونَ على غير مَا يأملون وَأَنَّهُمْ لَو فسدوا لَا يُمكن إصلاحهم وَأَن وسعهم لَا يبلغ مَا استتر من الْأَشْيَاء فضلا من تقديرها هُنَالك وَغير ذَلِك من الْوُجُوه الَّتِي يبطل كَون ذَلِك بهم وَنَوع الْموَات غير عَالم بِمَا فِيهِ من الْمَنَافِع وَلَا بِالَّذِي يحْتَمل مِنْهُم منع ذَلِك ثَبت أَن الَّذِي يكون بالإغتذاء وبالطبائع إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فيهم بِجعْل حَكِيم عليم جعل كل شَيْء على مَا عَلَيْهِ من النَّفْع وَالضَّرَر على أَنه فِي الْحَيَوَان معَان لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا وصف آثَار ذَلِك من نَحْو السّمع وَالْبَصَر وبخاصة فِي الْبشر من نَحْو النُّطْق والميز وَالْوُقُوف على أَشْيَاء مَعَ مَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْأَحْوَال غير كَائِن وَلَا يربى إِلَّا بأغذية الْآبَاء والأمهات ثمَّ لم يُؤثر ذَلِك فيهم فَكيف فِي الْأَوْلَاد وَبعد فَإِن كل شَيْء لَهُ حد إِذا بلغ ذَلِك الْحَد لَا يزْدَاد لَهُ طول وَلَا عرض وَلَا سمع وَلَا بصر وَلَا عقل بل يَأْخُذ كل شَيْء من ذَلِك بالإنتقاص على قيام الأغذية ودوام التربية عقل أَن ذَلِك كَذَلِك لَا بِمَا ذكر وَلَكِن بِمن هُوَ عَالم بِذَاتِهِ حَتَّى لَا يعزب عَنهُ شَيْء قَادر بِنَفسِهِ فَلَا يعجزه شَيْء جلّ ثَنَاؤُهُ وَأَيْضًا أَنه مَا من شَيْء مِمَّا ذكر من أَنْوَاع الْجَوَاهِر إِلَّا وَقد يحْتَمل الْإِفْسَاد والإصلاح جَمِيعًا وَذَلِكَ أَيْضا كُله متضاد متدافع لَا يحْتَمل الإجتماع للتعاون ثَبت أَنَّهَا كَانَت على مَا عَلَيْهِ بغَيْرهَا إِذْ كل شَيْء على جِهَة بِنَفسِهِ لَا يحْتَمل التَّغَيُّر مَا دَامَت نَفسه وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة وَأَيْضًا أَن كل حَيّ فِيمَا يعاين مبْنى على الْحَاجَات والشهوات الَّتِي تغلبهم

وتقهرهم وَلَوْلَا ذَلِك مَا احتاجوا إِلَى الأغذية ثمَّ كَانَت هِيَ أسبابا عِنْد وجودهَا للغنا لم يحْتَمل أَن يكون مِنْهَا تهيج الشَّهَوَات وحدوث الْحَاجَات وَلَا يجوز أَن تكون لأنفسها شهوات وحاجات لأوجه أَحدهَا أَن الْقيام بِالذَّاتِ دون الْغَيْر دَلِيل الْغِنَا لَا يجوز أَن يصير حَاجَة وَلِأَن مَا كَانَ لذاته على جِهَة لَا يحْتَمل زَوَاله وَقد يَقع لَهَا الْغِنَا بِالْغَيْر أَو للإحالة أَن يكون الشَّيْء من حَيْثُ نَفسه محوجا إِلَى غير بل إِذا أحْوج إِلَى غير من حَيْثُ نَفسه بدوم الْحَاجة مَا بقيت نَفسه فَثَبت أَن هُنَالك غير أنشأهم على الْحَاجَات وَركب فيهم الشَّهَوَات ثمَّ أنشأ لَهُم مَا بِهِ الْغِنَا وَقَضَاء الشَّهَوَات فَيكون بِمَا أُرِيد بِهِ نفى الْمُدبر الْعَالم تثبيته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا لَا يُوجد شَيْء من أَعْيَان الْعَالم وصفاتها إِلَّا مسخرا مذللا بِمَا لَوْلَا ذَلِك كَانَ أَهْون عَلَيْهِ وألذ نَحْو الْقَرار الدَّائِم وَالسير المتتابع مِمَّا كَانَ بِهِ معاش أحد وَمَا لَهُ المعاش فَصَارَ الْعَالم بكليته بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرت وَلَا يجوز أَن يكون المسخر الْمُذَلل بِملك التَّدْبِير حَتَّى يكون بِهِ غنى الْغَيْر وقيامه وَلَا يملك إِزَالَة الذلة عَن نَفسه والسخرة ثَبت أَن لكل ذَلِك مُدبرا عليما علم وُجُوه حاجاتهم وغناهم فخلقهم على ذَلِك مَعَ مَا أحْوج بَعْضنَا إِلَى بعض فِي الْقيام والبقاء على جهل كل مِنْهُم بِالْوَجْهِ الَّذِي أحْوج إِلَى غَيره وعجزه عَن صرف وَجه الْحَاجة عَن نَفسه ثَبت أَن لذَلِك كُله مُدبرا عليما على تَدْبيره جرى أَمرهم وَبعد لَو خلى بَين أَعقل الْخلق وأعظمهم تدبيرا وَبَين تَقْدِير أَحْوَاله وأفعاله من الزَّمَان وَالْمَكَان فِيمَا لطف مِنْهَا لما احْتمل وسعهم فَمن دونه أَحَق ثمَّ لَا يملك أحد مِنْهُم صرف قهر الزَّمَان عَن نَفسه وَلَا إحاطة الْمَكَان ثَبت أَن الْعَالم على مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يجوز كَونه بِهِ دون خَارج من مَعْنَاهُ فِي إحاطة الْحَاجة بِهِ بل بِالْقيامِ بِذَاتِهِ عَالما قَادِرًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ من يَقُول بقدم طِينَة الْعَالم فَأَما إِن كَانَت من جَوْهَر هَذِه الْمعَانِي فيلحقها

مَا يلْحق الْعَالم وَيظْهر جوهرها عجزها وحاجاتها وهما دَلِيلا حدث الْعَالم وَكَونه بِغَيْرِهِ فَيلْزم فِيهَا مَا يلْزم فِي غَيرهَا أَو كَانَت خَارِجَة من هَذَا الْجَوْهَر غنية قَوِيَّة لَا تمسها الْحَاجَات وَلَا يعترضها الشَّهَوَات الباعثة على الْحِيَل المفزعة إِلَى غير بِهِ تَأمل غناها وقوتها فَأَما إِن كَانَ الْعَالم بهَا بِأَن اعترضت بهَا الْعَوَارِض وانقلبت بجوهرها عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ فَصَارَت إِلَى هَذِه الْحَاجَات والشهوات فَصَارَت بجوهرها مُحْتَملَة لكل حَاجَة مُحْتَملَة لكل شَهْوَة متمكنة للإستحالة والتغير فَيبْطل عَنْهَا جَمِيع أَوْصَاف الْغنى وَالْقُوَّة وَصَارَت أصل الْحَاجَات وَأم الشَّهَوَات فَلَزِمَ إنصراف تدبيرها إِلَى حَكِيم عليم على مَا لزم ذَلِك فِي جَمِيع الْعَالم أَو كَانَت هِيَ بِحَالِهَا لَكِن الْعَالم كَانَ فِيهَا بِقُوَّة ظهر بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ هُوَ قَول أَصْحَاب الهيولي ثمَّ دلّ تلف جَمِيع مَا فِي الْعَالم من كَون شَيْء فِي شَيْء بِالْقُوَّةِ إِذا خرج مِنْهُ بِالْفِعْلِ نَحْو مَا يَقُولُونَ من كَون النَّسمَة فِي النُّطْفَة وكل حَيَوَان فِي النطف أَو الْبيض والعصف فِي الْحبّ وَالشَّجر فِي النواة وَكَذَلِكَ كل الْجَوَاهِر وَمثله عِنْدهم الْبَقَاء فِي الأغذية والنماء وَنَحْو ذَلِك فَيجب أَن يكون أَمر الطينة الَّتِي قَالُوا بهَا وَأمر الهيولى كَذَلِك إِذْ هما الأَصْل لجَمِيع الْعَالم وَكَذَلِكَ يلْزم القرامطة فِي قَوْلهم إِن الْمُبْدع الأول فِيهِ جَمِيع الْعَالم مبروزا

تستمد مِنْهُ النَّفس الْكل فيمد الهيولى وَمِنْه تركيب الْعَالم أَن يتْلف الأول إِذْ هَذَا حق كل شَيْء فِي شَيْء بِالْقُوَّةِ يظْهر بِالْفِعْلِ وَقد صيروا جَمِيعًا الْوُجُود للْحَال دَلِيل الأولية لَكِن الأول جَوْهَر الْكل وَالثَّانِي جَوْهَر الْجُزْء وَقد صَار جَوْهَر الْكل مَعْرُوفا بجوهر الْجُزْء إِذْ لَيْسَ مِمَّا يبلغهُ أحد بالحس وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَإِذا ثَبت هَذَا ثَبت جَمِيع مَا بَينا من الْحَوَادِث والحاجات الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّة للْحَدَث لذَلِك الأَصْل إِذْ صَار مُحْتملا للتلف والفناء وَذَلِكَ أَيْضا يلْزم القرامطة يجعلونه أبديا وَإِن كَانُوا يَقُولُونَ كَانَ بعد أَن لم يكن بالإبداع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَدَلِيل الْجَهْل مِمَّن فِيهِ مَا فِيهِ بِالْقُوَّةِ بأحوال مَا فِيهِ وَمن فِيهِ وَمَا يكون مِنْهُ كَمَا ذكرت من جهل النطف والحبوب وَغَيرهَا فَيلْزم كَذَلِك فِي الهيولى والطينة وَمَا قَالُوا وَلزِمَ أَن لَيْسَ لما قَالُوا تَدْبِير وَلَا كَانَ شَيْء من ذَلِك بِهِ وَلَكِن إِن كَانَ فَهُوَ بِمن علم مَا يكون فَيجْعَل أَصله مبروزا فِيهِ بِالْقُوَّةِ يظْهر بِالْفِعْلِ بِمَا جعل لَهُ من الْموَاد والأمكنة الَّتِي بهَا تنمو فِي ذَلِك القَوْل بِالتَّوْحِيدِ وَأَنه منشئ ذَلِك كُله ليَكُون بِهِ كل شَيْء يكون على مَا قَالُوا أَو أَن يكون مُحدثا لكل شَيْء يكون أبدا على مَا يَشَاء أَن يكون من أصُول وإبتداء أَو كَيفَ شَاءَ على مَا يَقُوله أهل التَّوْحِيد وَإِذ الله سُبْحَانَهُ قَادر على إنْشَاء أصل فِيهِ كل شَيْء مبروزا هُوَ قَادر على إبتداء كل شَيْء كَمَا شَاءَ من غير بروز بِالْقُوَّةِ وَلَا خُرُوج بِالْفِعْلِ وَلَكِن بالتقدير والتكوين وَإِن زَعَمُوا أَن الْأَشْيَاء كَانَت فِي الأَصْل مستجنة بجوهرها فَيظْهر بِالْفِعْلِ فَهِيَ أَيْضا ترجع إِلَى مَا قُلْنَا لِأَن ذَلِك قَوْلهم فِي النطف والحبوب مَعَ مَا فِي هَذَا مِمَّا فِي الْعقل دَفعه بِمَا لَا يحْتَمل تمكن أَضْعَاف الشَّيْء بجوهره فِيهِ للتناقض وَالْفساد وَتَكْذيب العيان

مسألة

أَو أَن يكون ذَلِك الأَصْل الَّذِي سموهُ طِينَة أَو هيولى أَو مبدعا أَو نفس الْكل يملك إنْشَاء الْعَالم لَا بِأَن كَانَ فِيهِ وَلَكِن بِالْفِعْلِ والتكوين على مَا شَاءَ كَيفَ شَاءَ لَا مرد لحكمه وَلَا نقيض على تَدْبيره فَهُوَ قَول أهل التَّوْحِيد لكِنهمْ سموا بأسماء غير الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَسمَاء منشئ الْعَالم عِنْد أهل التَّوْحِيد ومبدعه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة فِي أَسمَاء الله عز وَجل قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله القَوْل فِي أَسمَاء الله عز وَجل عندنَا على أَقسَام فِي مَفْهُوم اللُّغَة قسم مِنْهَا يرجع إِلَى تسميتنا لَهُ بهَا وَهن أغيار لِأَن قَوْلنَا عليم غير قَوْلنَا قدير وعَلى هَذَا المروى إِن لله تَعَالَى كَذَا وَكَذَا إسما وَذَلِكَ نَحْو مَا ذكر من خلق كَذَا وَكَذَا رَحْمَة لَا أَنه كَانَ رحِيما بِتِلْكَ الرَّحْمَة المخلوقة إِذْ لَا يحْتَمل أَن يكون فِي أول خلقه غير رَحِيم أَو كَانَ كَذَلِك غير رَحِيم حَتَّى خلق تِلْكَ الرَّحْمَة وَجعل وَاحِدَة بَين خلقه وَلَكِن بِمَا كَانَت برحمته سميت بِهِ وَكَذَلِكَ اسْم الْجنَّة والمطر وَنَحْوه وعَلى ذَلِك قيل فِي الْعبارَات هِيَ أمره وَإِنَّمَا كَانَت بِهِ لَا أَنَّهَا هُوَ وَمثله يتَكَلَّم بِعِلْمِهِ وَقدرته على إِرَادَة معلومه ومقدوره إِذْ ذَلِك سَببه فَمثله الأول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي يرجع مَعْنَاهُ إِلَى ذَاته مِمَّا عجز الْخلق عَن الْوُقُوف على مُرَاد ذَاته إِلَّا بِهِ وَإِن كَانَ يتعالى عَن الْحُرُوف الَّتِي بهَا يفهم وَذَلِكَ أَيْضا يخْتَلف بإختلاف الألسن على إِرَادَة حَقِيقَة ذَاته بِهِ وَذَلِكَ نَحْو الْوَاحِد الله الرَّحْمَن الْمَوْجُود وَالْقَدِيم والمعبود وَنَحْو ذَلِك وَالثَّالِث يرجع إِلَى الإشتقاق عَن الصِّفَات من نَحْو الْعَالم الْقَادِر مِمَّا لَو كَانَت

فِي التَّحْقِيق غَيره لاحتمل التبديل ولصارت التَّسْمِيَة على غير تَحْقِيق الْمَعْنى الْمَفْهُوم ولجازت تَسْمِيَته بِكُل مَا يُسمى غَيره إِذا لم يرد تَحْقِيق الْمَفْهُوم من مَعْنَاهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا يسْأَل من يَجْعَل هَذِه الْأَسْمَاء حَادِثَة ثمَّ لَا تحقق لله علما فِي الْأَزَل إِذْ كَيفَ كَانَ أمره قبل الْخلق أَكَانَ يعلم ذَاته أَو مَا يفعل أَو لَا وَكَذَلِكَ أَكَانَ يعلم ذَاته شَيْئا أَو لَا يعلمهَا فَإِن كَانَ لَا يعلمهَا فَهُوَ إِذا جَاهِل حَتَّى أحدث الْعلم لَهُ فَصَارَ بِهِ عَالما وَإِن كَانَ يعلمهَا فَإِذا بِعلم ذَاته عَالما أَو لَا فَإِن كَانَ بِعلم ذَاته عَالما فَلَزِمَ القَوْل بِهَذَا الإسم فِي الْأَزَل وَفِي غيرية الإسم فَسَاد التَّوْحِيد وَالْأَصْل على قَول منكري الصِّفَات إِذْ لم يكن لَهُ هَذَا الإسم وَلم يكن لَهُ صفة هِيَ علم يعلم ذَاته فِي الْأَزَل يجب مَا قَالَه جهم بنفى الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وحدثها فَيكون غير عَالم وَلَا قَادر ثمَّ علم جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى ثمَّ يسْأَل كَيفَ كَانَ إِن علم أَنه كَانَ كَذَلِك فِي الْأَزَل فَيلْزمهُ الإسم كَذَلِك أَو علم أَنه لم يكن فيلحقه إسم الْجَهْل وَهُوَ بقَوْلهمْ لَازم لِأَن تَأْوِيل الْعَالم عِنْدهم نفى الْجَهْل فَإِذا لم يكن عَالما فِي الْقَدِيم فَهُوَ إِذا عِنْد ذَلِك كَانَ جَاهِلا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بِمَ يكلم فِي الْعلم إِذْ لم يكن حَتَّى كَانَ إِن حدث فَيجب ذَلِك فِي كل شَيْء مَعَ مَا يُقَال كَيفَ حدث بِهِ وَلم يكن لَهُ قدرَة أَو بِغَيْرِهِ فَيبْطل بِهِ توحيدهم

مسألة بيان العرش

ثمَّ يُقَال لَهُ فِي الْفَصْل الَّذِي ذكرت إِنَّه كَانَ يعلم ذَاته قبل الْخلق أَو لم يكن لَهُ علم فِي الْحَقِيقَة كَيفَ كَانَ يعلم ذَاته فَإِن كَانَ بِعلم ذَاته عَالما بَطل قَوْله بِحَدَث الإسم وَإِن قَالَ غير عَالم وَلَا قَادر عَلَيْهِ دخل عَلَيْهِ جَمِيع مَا ذكرت مَعَ إِحَالَة الْوَصْف لَهُ بِالْعلمِ بِهِ فِي الْأَزَل مَعَ فَسَاد مَا بَينا فِي الْحَدث وَإِن قَالَ من بعد بِغَيْرِهِ رَآهُ مِمَّن يعْتَرض فِيهِ الْعَوَارِض بِهِ تكون الْعَالم وَفِي ذَلِك مُوَافقَة الدهرية فِي الطينة وَأَصْحَاب الهيولي والثنوية فِي كَون الْعَالم بإعتراض الْعَوَارِض فِي الأَصْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَهَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ مَسْأَلَة الصِّفَات فِي التَّحْقِيق وَقد بَينا ذَلِك مَسْأَلَة بَيَان الْعَرْش قَالَ أَبُو مَنْصُور رَضِي الله عَنهُ ثمَّ اخْتلف أهل الْإِسْلَام فِي القَوْل بِالْمَكَانِ فَمنهمْ من زعم أَنه يُوصف بِأَنَّهُ على الْعَرْش مستو وَالْعرش عِنْدهم السرير الْمَحْمُول بِالْمَلَائِكَةِ المحفوف بهم {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} وَقَوله {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} وَقَوله {الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله} وَاحْتَجُّوا لِلْقَوْلِ بِهِ بقوله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}

وَيرْفَع النَّاس إِلَى السَّمَاء بالدعوات أَيْديهم وَمَا يأملون من الْخيرَات وَيَقُولُونَ هُوَ صَار إِلَيْهِ بعد أَن لم يكن لقَوْله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَمِنْهُم من يَقُول هُوَ بِكُل مَكَان بقوله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون} وَقَوله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض} وظنوا أَن القَوْل بِأَنَّهُ فِي مَكَان دون مَكَان يُوجب الْحَد وكل ذى حد مقصر عَمَّا هُوَ أعظم مِنْهُ وَذَلِكَ عيب وَآفَة وَفِي ذَلِك إِيجَاب الْحَاجة إِلَى الْمَكَان مَعَ مَا فِيهِ إِيجَاب الْحَد إِذْ لَا يحْتَمل أَن يكون أعظم من الْمَكَان لما هُوَ سخف فِي الْمُتَعَارف أَن يخْتَار اُحْدُ مَكَانا لَا يَسعهُ فَيصير حد الْمَكَان حَده جلّ رَبنَا عَن ذَلِك وَتَعَالَى وَمِنْهُم من قَالَ بنفى الْوَصْف بِالْمَكَانِ وَكَذَلِكَ بالأمكنة كلهَا إِلَّا على مجَاز اللُّغَة بِمَعْنى الْحَافِظ لَهَا والقائم بهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَجُمْلَة ذَلِك أَن إِضَافَة كُلية الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وإضافته عز وَجل إِلَيْهَا يخرج مخرج الْوَصْف لَهُ بالعلو والرفعة ومخرج التَّعْظِيم لَهُ والجلال كَقَوْلِه {لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَه الْخلق {رب الْعَالمين} وَفَوق كل شَيْء وَنَحْوه وَإِضَافَة الْخَاص إِلَيْهِ يخرج

مخرج الإختصاص لَهُ بالكرامة والمنزلة والتفضيل لَهُ على من هُوَ بجوهره نَحْو قَوْله {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} وَقَوله {وَأَن الْمَسَاجِد لله} {نَاقَة الله} بَيت الله وَغير ذَلِك وَلَا يخرج شَيْء من ذَلِك على مثل الْمَفْهُوم من إِضَافَة الْخلق بَعضهم إِلَى بعض لَا قطع إحتمال مثله فِي الْخلق إِذْ قد تخرج أَيْضا إِضَافَة التَّخْصِيص مخرج التَّفْضِيل والعموم مخرج فضل السُّلْطَان وَالْولَايَة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله الأَصْل فِيهِ أَن الله سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَا مَكَان وَجَائِز ارْتِفَاع الْأَمْكِنَة وبقاؤه على مَا كَانَ فَهُوَ على مَا كَانَ وَكَانَ على مَا عَلَيْهِ الْآن جلّ عَن التَّغَيُّر والزوال والإستحالة والبطلان إِذْ ذَلِك أَمَارَات الْحَدث الَّتِي بهَا عرف حدث الْعَالم وَدلَالَة إحتمال الفناء إِذْ لَا فرق بَين الزَّوَال من حَال إِلَى حَال ليعلم أَن حَاله الأولى لم تكن لذاته إِذْ لَا يحْتَمل زَوَال مَا لزم ذَاته وَبَين أَنَّهَا لَيست لذاته لما احْتمل هُوَ قبُول الْأَعْرَاض وانتقال الْأَحْوَال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن فِي تَحْقِيق الْمَكَان لَهُ وَالْوَصْف لَهُ بِذَاتِهِ فِي كل مَكَان تَمْكِين الْحَاجة لَهُ إِلَى مَا بِهِ قراره على مثل جَمِيع الْأَجْسَام والأعراض الَّتِي قَامَت بالأمكنة وفيهَا تقلبت وقرت على خُرُوج جُمْلَتهَا عَن الْوَصْف بِالْمَكَانِ فَمن أَنْشَأَهَا وَأمْسك كليتها لَا بمَكَان يتعالى عَن الْحَاجة إِلَى مَكَان أَو الْوَصْف بِمَا عَلَيْهِ الْعَالم أَن كليته لَا فِي مَكَان وَأَنه بجزئياته فِي الْمَكَان ثمَّ إِن الله تَعَالَى لَو جعل فِي مَكَان لجعل بِحَق الْجُزْئِيَّة من الْعَالم وَذَلِكَ أثر النُّقْصَان بل لما استقام قيام جَمِيع الْعَالم لَا بالأمكنة للجملة فقيمه على ذَلِك أَحَق وَأولى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ القَوْل بالكون على الْعَرْش وَهُوَ مَوضِع بِمَعْنى كَونه بِذَاتِهِ أَو فِي كل الْأَمْكِنَة لَا يعدو من إحاطة ذَلِك بِهِ أَو الإستواء بِهِ أَو مجاوزته عَنهُ وإحاطته بِهِ فَإِن كَانَ الأول فَهُوَ إِذا مَحْدُود بِهِ محاط مَنْقُوص عَن الْخلق إِذْ هُوَ دونه وَلَو جَازَ الْوَصْف لَهُ بِذَاتِهِ بِمَا يُحِيط بِهِ من الْأَمْكِنَة لجَاز بِمَا يُحِيط بِهِ من الْأَوْقَات فَيصير متناهيا بِذَاتِهِ مقصرا عَن خلقه وَإِن كَانَ على الْوَجْه الثَّانِي فَلَو زيد على الْخلق لَا ينقص أَيْضا وَفِيه مَا فِي الأول وَإِن كَانَ على الْوَجْه الثَّالِث فَهُوَ الْأَمر الْمَكْرُوه الدَّال على الْحَاجة وعَلى التَّقْصِير من أَن ينشئ مَا لَا يفضل عَنهُ مَعَ مَا يذم ذَا من فعل الْمُلُوك أَن لَا يفضل عَنْهُم من المعامد شَيْئا وَبعد فَإِن فِي ذَلِك تجزئة بِمَا كَانَ بعضه فِي ذِي أبعاض وَبَعضه يفضل عَن ذَلِك وَذَلِكَ كُله وصف الْخَلَائق وَالله يتعالى عَن ذَلِك وَبعد فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الإرتفاع إِلَى مَا يَعْلُو من الْمَكَان للجلوس أَو الْقيام شرف وَلَا علو وَلَا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يَعْلُو السطوح أَو الْجبَال إِنَّه لَا يسْتَحق الرّفْعَة على من دونه عِنْد إستواء الْجَوْهَر فَلَا يجوز صرف تَأْوِيل الْآيَة إِلَيْهِ مَعَ مَا فِيهَا ذكر العظمة والجلال إِذْ ذكر فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فدلك على تَعْظِيم الْعَرْش أَي شَيْء كَانَ من نور أَو جَوْهَر لَا يبلغهُ علم الْخلق وَقد روى عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وصف الشَّمْس أَن جِبْرِيل يَأْتِيهَا بكف من ضوء الْعَرْش فيلبسها كَمَا يلبس أحدكُم قَمِيصه كل يَوْم تطلع وَذكر فِي الْقَمَر كفا من نور الْعَرْش فإضافة الإستواء إِلَيْهِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا على تَعْظِيمه بِمَا ذكره على أثر ذكر سُلْطَانه فِي ربوبيته وخلقه مَا ذكر وَالثَّانِي على تَخْصِيصه بِالذكر بِمَا هُوَ أعظم الْخلق وأجله على الْمَعْرُوف من إِضَافَة الْأُمُور الْعَظِيمَة إِلَى أعظم الْأَشْيَاء كَمَا يُقَال تمّ لفُلَان ملك بلد كَذَا واستوى

على مَوضِع كَذَا لَا على خُصُوص ذَلِك فِي الْحق وَلَكِن مَعْلُوم أَن من لَهُ ملك ذَلِك فَمَا دونه أَحَق وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} بِمَا صَارَت لَهُ أم الْقرى وأيس الَّذين كفرُوا من دينهم وَكَذَا مَا ذكر من إرْسَال الرُّسُل إِلَى الفراعنه وَإِلَى أم الْقرى لَا يتخصص ذَلِك وَلَكِن بِذكر عظم الْأَمر فَمثله أَمر الْعَرْش وَهُوَ كَقَوْلِه {أكَابِر مجرميها} وَقَوله {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} على لُحُوق غير بهم وَيحْتَمل أَن يكون على المنفى بِوَصْف الْمَكَان إِذْ هُوَ أَعلَى الْأَمْكِنَة عِنْد الْخلق وَلَا تقدر الْعُقُول فَوْقه شَيْئا فَأَشَارَ إِلَيْهِ ليعلم علوه عَن الْأَمْكِنَة وتعاليه عَن الْحَاجة وعَلى ذَلِك قَوْله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} والنجوى لَيْسَ من نوع مَا يُضَاف إِلَى الْمَكَان وَلَكِن يُضَاف إِلَى الْأَفْرَاد فَأخْبر بعلوه عَن الْأَمْكِنَة وتعاليه عَن أَن يخفى عَلَيْهِ شَيْء ثمَّ بقدرته بقوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} أَي بالسلطان وَالْقُوَّة وبألوهيته فِي الْبِقَاع كلهَا لِأَنَّهَا أمكنة الْعِبَادَة وَبِقَوْلِهِ {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه} وَيملك كل شَيْء بقوله {لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ثمَّ بعلوه وجلاله بقوله {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} وَقَوله {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم}

وَقَوله {وَهُوَ على كل شَيْء قدير} فَجمع فِي هَذِه الأحرف مَا فرق فِي تِلْكَ ليعلم أَنه بِكُل مَا سمى بِهِ وَوصف كَانَ ذَلِك لَهُ بِذَاتِهِ لَا بِشَيْء من خلقه وَكَذَلِكَ عزه وشرفه ومجده جلّ ثَنَاؤُهُ عَن الْأَشْبَاه وَلَا إِلَه غَيره وَقَالَ بَعضهم يُرِيد بالعرش الْملك إِذْ هُوَ اسْم مَا ارْتَفع من الْأَشْيَاء وَعلا حَتَّى سمى بِهِ السطوح ورؤوس الْأَشْجَار والإستواء قيل فِيهِ بأوجه ثَلَاثَة أَحدهَا الإستيلاء كَمَا يُقَال اسْتَوَى فلَان على كورة كَذَا بِمَعْنى استولى عَلَيْهَا وَالثَّانِي الْعُلُوّ والإرتفاع كَقَوْلِه {فَإِذا استويت أَنْت وَمن مَعَك على الْفلك} وَالثَّالِث التَّمام كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلما بلغ أشده واستوى} وَقد قيل بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِك وَجه بعض أهل الْأَدَب قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} بِمَعْنى خلق على التَّمْثِيل بِفعل الْخلق فِيمَا يَتْلُو فعلهم أَن يكون بِالْقَصْدِ وَإِن كَانَ لَا يُقَال لَهُ قصد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّاعِر ... ظَنَنْت أَن عرشك لَا يَزُول وَلَا يُغير ... وَقَالَ آخر ... إِذا مَا بنوا مَرْوَان ثلث عروشهم ... وأودوا كَمَا أودت إياد وحمير ... وَقَالَ النَّابِغَة ... عروش تفانوا بعد عز وَأَنَّهُمْ ... هووا بعد مَا نالوا السَّلامَة والغنى ...

وَقَالَ آخر ... بعد ابْن جَفْنَة وَابْن ماثل عَرْشه ... والحاربين تؤملون فلاحا ... قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ الْوَجْه فِي ذَلِك لَو كَانَ على الإستيلاء وَالْعرش الْملك إِنَّه مستول على جَمِيع خلقه وعَلى هَذَا التَّأْوِيل الْمَحْمُول غير هَذَا يدل على الْأَمريْنِ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} بِمَعْنى الْملك الْعَظِيم وَفِيه إِثْبَات عروش غَيره فَذَلِك يحْتَمل مَا يحمل ويحف بِهِ الْمَلَائِكَة وَالله الْمُوفق وَأما على التَّمام والعلو فَهُوَ أَن الله تَعَالَى قَالَ {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى قَوْله {فقضاهن سبع سماوات} فَأخْبر بِخلق مَا ذكر فِي سِتَّة أَيَّام على التفاريق ثمَّ أجملها فِي مَوضِع فَقَالَ {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} بِمَعْنى خلق الممتحن من خلق الأَرْض وَالسَّمَاوَات فبهم ظهر تَمام الْملك وَعلا وارتفع إِذْ هم المقصودون من خلق مَا بَينا فبذلك تمّ معنى الْملك وَعلا إِذا وصل إِلَى الَّذين لَهُم وَقد قيل ذَا فِي خلق الْبشر خَاصَّة بقوله {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض} وَقَوله {وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار} وَقَوله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} وَذكر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن الْبشر خلق

الْيَوْم السَّابِع فِيهِ التَّمام والعلو إِذْ خلق لَهُم كل شَيْء وهم لعبادة الله وَلحق بهم الْجِنّ بقوله {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} لَكِن الْمَقْصُود الْبشر إِذْ تسخير مَا ذكرت كُله لَهُم ثمَّ بِمَا يرجع إِلَى منافعهم وَالله الْمُوفق قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَأما الأَصْل عندنَا فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى قَالَ {لَيْسَ كمثله شَيْء} فنفى عَن نَفسه شبه خلقه وَقد بَينا أَنه فِي فعله وَصفته متعال عَن الْأَشْبَاه فَيجب القَوْل بالرحمن على الْعَرْش اسْتَوَى على مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيل وَثَبت ذَلِك فِي الْعقل ثمَّ لَا نقطع تَأْوِيله على شَيْء لاحْتِمَاله غَيره مِمَّا ذكرنَا وإحتماله أَيْضا مَا لم يبلغنَا مِمَّا يعلم أَنه غير مُحْتَمل شبه الْخلق ونؤمن بِمَا اراد الله بِهِ وَكَذَلِكَ فِي كل أَمر ثَبت التَّنْزِيل فِيهِ نَحْو الرُّؤْيَة وَغير ذَلِك يجب نفى الشّبَه عَنهُ وَالْإِيمَان بِمَا أَرَادَهُ من غير تَحْقِيق على شَيْء دون شَيْء وَالله الْمُوفق الأَصْل فِي هَذَا أَن الْأَمر يضيق على السَّامع بِمَا يقدره من الْمَفْهُوم عَن الْخلق فِي الْوُجُود وَإِذ لزم القَوْل فِي الله بالتعالى عَن الْأَشْبَاه ذاتا وفعلا لم يجز أَن يفهم من الْإِضَافَة إِلَيْهِ الْمَفْهُوم من غَيره فِي الْوُجُود مَعَ مَا كَانَ الْوُقُوف على الْمَعْنى يصرف إِلَيْهِ الْكَلَام فِي الْخلق بِمَا هُوَ علمه بِهِ قبل سمع ذَلِك الْكَلَام وَالله سُبْحَانَهُ عرف قبل سمع ذَلِك الْكَلَام على غير الَّذِي عرف عَلَيْهِ الْخلق لم يجز صرف التَّأْوِيل إِلَى مَا فهمه من الْخلق إِذْ سَببه الْعلم الْمُتَقَدّم مِنْهُ على إحتمال ذَلِك الْمَعْنى معنى قد يفهم من الشَّاهِد من على وَمن الْعَرْش وَمن الإستواء معَان مُخْتَلفَة لم يجز صرف ذَلِك إِلَى أوحش وَجه وثمة لأحسن ذَلِك مساغ مَعَ مَا كَانَ الله يمْتَحن بِالْوُقُوفِ فِي أَشْيَاء كَمَا جَاءَ من نعوت الْوَعْد والوعيد وَمَا

جَاءَ من الْحُرُوف الْمُقطعَة وَغير ذَلِك مِمَّا يُؤمن الْمَرْء أَن يكون ذَا مِمَّا المحنة فِيهِ الْوَقْف لَا الْقطع وَالله أعلم وَقَالَ الكعبي مرّة لَا يجوز أَن يكون الله عز وَجل يحويه مَكَان لما كَانَ وَلَا مَكَان لم يجز أَن يحدث لَهُ حَاجَة إِلَى الْمَكَان إِذْ خلقه لما لَا يجوز عَلَيْهِ التَّغَيُّر ثمَّ قَالَ هُوَ فِي كل مَكَان على معنى أَنه عَالم بِهِ حَافظ لَهُ كَمَا يُقَال فلَان فِي بِنَاء الدَّار أَي فِي فعله قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَمَا قَالَ بِأَنَّهُ لَا يحويه مَكَان بِمَا كَانَ وَلَا مَكَان حق إِذْ ذَلِك تغير وَالْقَوْل بِالْحَاجةِ لَا يَقُوله خَصمه فتعليق الدّفع بِهِ خطأ ثمَّ هُوَ يزْعم أَنه كَانَ غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَلَا مُتَكَلم ثمَّ صَار كَذَلِك بعد أَن لم يكن ثَبت بِهِ التَّغَيُّر بل التَّغَيُّر فِي الْمَكَان من حَيْثُ أَن يصير الْمَرْء فِي مَكَان لم يكن فِيهِ بِلَا تغير نَحْو أَن يتَّخذ لَهُ مَكَان يُحِيط بِهِ وَلَا يجوز أَن يُوجد تغير من حَيْثُ لَا تغير فِي ذَات الْفَاعِل فِي الشَّاهِد وَإِذ منع القَوْل بِهَذَا فِي الْمَكَان فَهُوَ فِي الْفِعْل أولى إِذْ يكون التَّغَيُّر فِيهِ أَشد وَأولى مَعَ مَا لَا يكون أحد فِي الشَّاهِد فَاعِلا بِلَا تغير يَعْتَرِضهُ وَجَائِز كَونه فِي مَكَان وَهُوَ الَّذِي فِيهِ خلق لَا تغير لذَلِك كَانَ معنى التَّغَيُّر فِي الْفِعْل أَشد وَالله الْمُوفق ثمَّ الْعجب فِي قَوْله هُوَ فِي كل مَكَان بِمَعْنى الْعَالم والعالم اسْم ذَاته وَهُوَ بِذَاتِهِ عِنْده لَيْسَ فِي مَكَان وَلَا تحقق لله علما ليبلغ الْمَكَان الَّذِي قَالَ هُوَ فِيهِ تأملوا لتفهموا تناقضه فِي القَوْل ثمَّ زعم أَنه يحفظه مرّة وَمرَّة أَنه يَفْعَله وَحفظه وَفعله فِي الْأَمْكِنَة لَيْسَ غير الْأَمْكِنَة فَصَارَ حَاصِل قَوْله الله فِي كل مَكَان فِي الْأَمْكِنَة وَذَلِكَ خلف من القَوْل بل هُوَ عَالم بالأمكنة كلهَا قبل كَونهَا وَبعد كَونهَا وَالله الْمُوفق قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَأما رفع الْأَيْدِي إِلَى السَّمَاء فعلى الْعِبَادَة

وَللَّه أَن يتعبد عباده بِمَا شَاءَ ويوجههم إِلَى حَيْثُ شَاءَ وَإِن ظن من يظنّ أَن رفع الْأَبْصَار إِلَى السَّمَاء لِأَن الله من ذَلِك الْوَجْه إِنَّمَا هُوَ كظن من يزْعم أَنه إِلَى جِهَة أَسْفَل الأَرْض بِمَا يضع عَلَيْهَا وَجهه مُتَوَجها فِي الصَّلَاة وَنَحْوهَا وكظن من يزْعم أَنه فِي شَرق الأَرْض وغربها بِمَا يتَوَجَّه إِلَى ذَلِك فِي الصَّلَاة أَو نَحْو مَكَّة لِخُرُوجِهِ إِلَى الْحَج وَفِي المشاعر بالسعي فِيهَا ضَالَّة أَو نَاحيَة الْعَدو ويقصدون قصد من يغلب على شَيْء يستنفد مِنْهُ جلّ الله عَن ذَلِك ثمَّ الله سُبْحَانَهُ إِذْ لَيْسَ وَجه أقرب إِلَيْهِ من وَجه وَلَا أَحَق أَن يُعلمهُ من وَجه وَلَا فِي وسع الْخلق وَجه الْوُصُول إِلَيْهِ من وَجه دون وَجه وَلَا طمع الْعُقُول بِمَا هُوَ عَالم بِذَاتِهِ غنى عَن عبَادَة خلقه فعبدهم لأَنْفُسِهِمْ أَن يقومُوا بشكر نعمه لَهُ المحنة كَيفَ شَاءَ لَا يسْبق إِلَى وهم أحد الْوُصُول إِلَيْهِ فِي جِهَة دون جِهَة إِلَّا من يعرف الله حق الْمعرفَة وَقد بَينا فِيمَا تقدم وصف قربه وَذَلِكَ بالإجابة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} وبالنصر والمعونه كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} والتقرب إِلَى الْمنزلَة وَالْمحل كَقَوْلِه تَعَالَى {واسجد واقترب} وَمَا روى أَن من تقرب إِلَيّ شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا إِلَى آخر ذَلِك وَقَوله {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} وَفِي الْكلأ وَالْحِفْظ كَقَوْلِه {وَرَبك على كل شَيْء حفيظ} {وَهُوَ على كل شَيْء وَكيل} وَقَوله {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت}

مسألة رؤية الله

وبالعلم بقوله {يعلم سركم وجهركم} وَغير ذَلِك فعلى مثل بعض هَذِه الْوُجُوه المجئ والذهاب وَالْقعُود مَعَ مَا كَانَ مجئ الْأَجْسَام يفهم مِنْهُ الإنتقال ثمَّ مَجِيء الْحق يفهم مِنْهُ الظُّهُور كَقَوْلِه {قل جَاءَ الْحق} وعَلى ذَلِك ذهَاب الْبَاطِل بُطْلَانه وَذَهَاب الْجِسْم إنتقاله فَهَذَا مَحل الْمَجِيء والذهاب فِي الْمَعْرُوف من الْأَعْرَاض والأجسام وَالله يتعالى عَن الْمَعْنيين جَمِيعًا لم يجز أَن يفهم من الْمُضَاف إِلَيْهِ ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه للمسألة عبارَة أُخْرَى إِنَّه مَا من جِهَة وَلَا حَالَة إِلَّا لله على عباده فِيهَا نعم لَا تحصى فَجعل عَلَيْهِم بهَا وفيهَا عبادات كَمَا جعل فِي الْجَوَارِح وَالْأَمْوَال بهَا لَهُ فيهمَا من النعم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن السَّمَاء هِيَ مَحل ومهبط الْوَحْي وَمِنْهَا أصُول بَرَكَات الدُّنْيَا فَرفع إِلَيْهَا الْبَصَر لذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة رُؤْيَة الله قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله القَوْل فِي رُؤْيَة الرب عز وَجل عندنَا لَازم وَحقّ من غير إِدْرَاك وَلَا تَفْسِير فَأَما الدَّلِيل على الرُّؤْيَة فَقَوله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} وَلَو كَانَ لَا يرى لم يكن لنفى الْإِدْرَاك حِكْمَة إِذْ يدْرك غَيره بِغَيْر رُؤْيَة فموضع نفى الْإِدْرَاك وَغَيره من الْخلق لَا يدْرك إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ لَا معنى لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَالثَّانِي قَول مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} وَلَو كَانَ لَا يجوز الرُّؤْيَة لَكَانَ ذَلِك السُّؤَال مِنْهُ جهل بربه وَمن يجهله لَا يحْتَمل أَن يكون موضعا لرسالته أَمينا على وحيه وَبعد فَإِن الله تَعَالَى لم يَنْهَهُ وَلَا أيأسه وَبِدُون ذَلِك نهى نوحًا وعاتب آدم وَغَيرهمَا من الرُّسُل وَذَلِكَ لَو كَانَ لَا يجوز يبلغ الْكفْر ثمَّ قَالَ {فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني} فَإِن قيل لَعَلَّه سَأَلَ آيَة يعلم بهَا قيل لَا يحْتَمل ذَلِك لوجوه أَحدهَا أَنه قَالَ {لن تراني} وَقد أرَاهُ وَأَيْضًا إِن طلب الْآيَات يخرج مخرج التعنت أَو قد أرَاهُ الْآيَات وَذَلِكَ تعنت الْكَفَرَة أَنهم لَا يزالون يطْلبُونَ الْآيَات وَإِن كَانَت الْكِفَايَة قد ثبتَتْ فَمثله ذَلِك وَأَيْضًا أَنه قَالَ {فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني} وَالْآيَة الَّتِي يسْتَقرّ مَعهَا الْجَبَل دون الْآيَة الَّتِي لَا يسْتَقرّ مَعهَا ثَبت أَنه لم يرد بذلك الْآيَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا مُحَاجَّة إِبْرَاهِيم قومه فِي النُّجُوم وَمَا ذكر بالأفول والغيبة وَلم يحاجهم بِأَن لَا يحب رَبًّا يرى وَلَكِن حاجهم بِأَن لَا يحب رَبًّا يأفل إِذْ هُوَ دَلِيل عدم الدَّوَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} ثمَّ لَا يحْتَمل ذَلِك الإنتظار لأوجه أَحدهَا أَن الْآخِرَة لَيست لوقت الإنتظار إِنَّمَا هِيَ الدُّنْيَا هِيَ دَار الْوُقُوع والوجود إِلَّا وَقت الْفَزع وَقيل إِنَّهُم يعاينوا فِي أنفسهم مَا لَهُ حق الْوُقُوع وَالثَّانِي قَوْله {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} وَذَلِكَ وُقُوع الثَّوَاب وَالثَّالِث قَوْله {إِلَى رَبهَا ناظرة} و {إِلَى} حرف يسْتَعْمل فِي النّظر إِلَى الشَّيْء لَا فِي الإنتظار وَالرَّابِع أَن القَوْل بِهِ يخرج مخرج الْبشَارَة تَعْظِيم مَا نالوا من النعم والإنتظار لَيْسَ مِنْهُ مَعَ مَا كَانَ الصّرْف عَن حَقِيقَة الْمَفْهُوم قَضَاء على الله فَيلْزم القَوْل بِالنّظرِ إِلَى الله كَمَا قَالَ على نفى جَمِيع مَعَاني الشّبَه عَن الله سُبْحَانَهُ على مثل مَا أضيف إِلَيْهِ من الْكَلَام وَالْفِعْل وَالْقُدْرَة والإرادة يجب الْوَصْف بِهِ على نفى جَمِيع مَعَاني الشّبَه وَكَذَلِكَ القَوْل بالهستية فَمن زعم أَن الله تَعَالَى لَا يقدر أَن يكرم أحدا بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ يقدر بِالرُّؤْيَةِ الَّتِي فهمها من الْخلق وَإِن كَانَ القَوْل بالرحمن على الْعَرْش اسْتَوَى وَغير ذَلِك من الْآيَات لَا يجب دَفعهَا بِالْعرضِ على الْمَفْهُوم من الْخلق بل يُحَقّق ذَلِك على نفى الشّبَه فَمثله خبر الرُّؤْيَة وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} وَجَاء فِي غير خبر النّظر إِلَى الله وَقد يحْتَمل غير ذَلِك مِمَّا جَاءَ فِيهِ التَّفْسِير لكنه لَوْلَا أَن القَوْل بِالرُّؤْيَةِ كَانَ أمرا ظَاهرا لم يحْتَمل صرف ظَاهر لم يَجِيء فِيهَا إِلَيْهَا وَيدْفَع بِهِ الْخَبَر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا مَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير خبر أَنه قَالَ

سَتَرَوْنَ ربكُم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَا تضَامون وَسُئِلَ هَل رَأَيْت رَبك فَقَالَ بقلبي قيل فَلم يُنكر على السَّائِل السُّؤَال وَقد علم السَّائِل أَن رُؤْيَة الْقلب هِيَ الْعلم وَأَنه قد علمه وَأَنه لم يسْأَل عَن ذَلِك وَقد حذر الله عز وَجل الْمُؤمنِينَ عَن السُّؤَال عَن أَشْيَاء قد كفوا عَنْهَا بقوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} فَكيف يحْتَمل أَن يكون السُّؤَال عَن مثله بحي وَذَلِكَ كفر فِي الْحَقِيقَة عِنْد قوم ثمَّ لَا ينهاهم عَن ذَلِك وَلَا يوبخهم فِي ذَلِك بل يلين القَوْل فِي ذَلِك وَيرى أَن ذَلِك لَيْسَ ببديع وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى وعد أَن يجزى أحسن مِمَّا عمِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا شَيْء أحسن من التَّوْحِيد وَأَرْفَع قدرا من الْإِيمَان بِهِ إِذْ هُوَ المستحسن بالعقول وَالثَّوَاب الْمَوْعُود من جَوْهَر الْجنَّة حسنه حسن الطَّبْع وَذَلِكَ دون حسن الْعقل إِذْ لَا يجوز أَن يكون شَيْء حسنا فِي الْعُقُول لَا يستحسنه ذُو عقل وَجَائِز مَا استحسنه الطَّبْع أَن يكون طبع لَا يتلذذ بِهِ كطبع الْمَلَائِكَة وَمثله فِي الْعقُوبَة لذَلِك لزم القَوْل بِالرُّؤْيَةِ لتَكون كَرَامَة تبلغ فِي الْجَلالَة مَا أكْرمُوا بِهِ وَهُوَ أَن يصير لَهُم المعبود بِالْغَيْبِ شُهُودًا كَا صَار الْمَطْلُوب من الثَّوَاب حضورا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن كلا يجمع على الْعلم بِاللَّه فِي الْآخِرَة الْعلم الَّذِي لَا يَعْتَرِيه الوسواس وَذَلِكَ علم العيان لَا علم الإستدلال وَكثر الْآيَات لَا تحقق علم الْحق الَّذِي لَا يعتري ذَلِك دَلِيله قَوْله {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} وَمَا ذكر من استعانة الْكَفَرَة بالتكذيب فِي الْآخِرَة وإنكار الرُّسُل وَقَوْلهمْ لم نمكث إِلَّا سَاعَة من النَّهَار وَغير ذَلِك وَبعد فَإِنَّهُ إِذْ لَا يجوز أَن يصير علم العيان نَحْو علم الإستدلال لم يجز أَن يصير علم الإستدلال نَحْو علم العيان فَثَبت أَن الرُّؤْيَة توجب ذَلِك

وَبعد فَإِن فِي ذَلِك الْعلم يستوى الْكَافِر وَالْمُؤمن والبشارة بِالرُّؤْيَةِ خص بهَا الْمُؤمن وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَا نقُول بالإدراك لقَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} فقد امتدح بِهِ بنفى الْإِدْرَاك لَا يَنْفِي الرُّؤْيَة وَهُوَ كَقَوْلِه {وَلَا يحيطون بِهِ علما} كَانَ فِي ذَلِك إِيجَاب الْعلم وَنفى الْإِحَاطَة فَمثله فِي حق الْإِدْرَاك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأَيْضًا إِن الْإِدْرَاك إِنَّمَا هُوَ الْإِحَاطَة بالمحدود وَالله يتعالى عَن وصف الْحَد إِذْ هُوَ نِهَايَة وتقصير عَمَّا هُوَ أَعلَى مِنْهُ على أَنه واحدي الذَّات وَالْحَد وصف الْمُتَّصِل الْأَجْزَاء حَتَّى يَنْقَضِي مَعَ إِحَالَة القَوْل بِالْحَدِّ أَو كَانَ وَلَا مَا يحد أَو بِهِ يحد فَهُوَ على ذَلِك لَا يتَغَيَّر على أَن لكل شَيْء حدا يدْرك بسبيله نَحْو الطّعْم واللون والذوق والرائحة وَغير ذَلِك من حُدُود خاصية الْأَشْيَاء جعل الله لكل شَيْء من ذَلِك وَجها يدْرك بِهِ ويحاط بِهِ حَتَّى الْعُقُول والأعراض فَأخْبر الله أَنه لَيْسَ بِذِي حُدُود وجهات هِيَ طرف إِدْرَاكه بالأسباب الْمَوْضُوعَة لتِلْك الْجِهَات وعَلى ذَلِك القَوْل بِالرُّؤْيَةِ وَالْعلم جَمِيعًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن القَوْل بِالرُّؤْيَةِ يَقع على وُجُوه لَا يعلم حَقِيقَة كل وَجه من ذَلِك إِلَّا بِالْعلمِ بذلك الْوَجْه حَتَّى إِذا عبر عَنهُ بِالرُّؤْيَةِ صرف إِلَى ذَلِك وَمَا لَا يعرف لَهُ الْوَجْه بِدُونِ ذكر الرُّؤْيَة لزم الْوَقْف فِي مائيتها على تحقيقها وَأما الْإِدْرَاك إِنَّمَا هُوَ معنى الْوُقُوف على حُدُود الشَّيْء أَلا ترى أَن الظل فِي التَّحْقِيق يرى لكنه لَا يدْرك إِلَّا بالشمس وَإِلَّا كَانَ مرئيا على مَا يرى لوقت تسبح الشَّمْس وَلَكِن لَا يدْرك بِالرُّؤْيَةِ إِلَّا بِمَا يتَبَيَّن لَهُ الْحَد وَكَذَلِكَ ضوء النَّهَار يرى لَكِن حَده لَا يعرف بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ الظلمَة لِأَن طرفها لَا يرى فيدرك ويحاط بِهِ وبالحدود يدْرك الشَّيْء وَإِن كَانَ يرى لَا بِهِ وَلذَلِك ضرب الْمثل

بالقمر أَنه لَا يعرف وَحده وَلَا سعته ليوقف ويحاط بِهِ وَيرى بِيَقِين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل فِيهِ القَوْل بذلك على قدر مَا جَاءَ وَنفى كل معنى من مَعَاني الْخلق وَلَا يُفَسر لما لم يَجِيء فِي ذَلِك تَفْسِير وَالله الْمُوفق ثمَّ احْتج الكعبي بِأَنَّهُ الْإِدْرَاك وَقد بَينا ذَلِك ثمَّ زعم أَن الْعلم بالغائب إِذْ لم يخرج عَن الْوُجُوه الَّتِي بهَا يعلم فَكَذَلِك لَا يرى إِلَّا بالوجوه الَّتِي بهَا يرى من المباينة للمرئى وَلما حل فِيهِ المرئى بالمسافة والمقابلة وإيصال الْهَوَاء والصغر وَعدم الصغر والبعد وَلَو جَازَت الرُّؤْيَة بِخِلَاف هَذَا لجَاز الْعلم بِهِ وَقَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَقد أَخطَأ فِي هَذَا الْفَصْل بِوُجُوه أَحدهَا أَنه قدر بِرُؤْيَة جوهره وَقد علم أَن غير جوهره جَوَاهِر يرَوْنَ من الْوَجْه الَّذِي لَا يقدر على الْإِحَاطَة بجوهره فضلا عَن إِدْرَاك بَصَره نَحْو الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَغَيرهم مِمَّا يروننا من حَيْثُ لَا نراهم والجثة الصَّغِيرَة نَحْو البق والبعوض وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يرى لما لَو توهم ذَلِك الْبَصَر لما احْتمل الْإِدْرَاك وَيرى الْملك الَّذِي يكْتب جَمِيع أفعالنا وَيسمع جَمِيع أقوالنا على مَا إِذا أردنَا تَقْدِير ذَلِك بِمَا عَلَيْهِ جبلنا للَزِمَ إِنْكَار ذَلِك كُله وَذَلِكَ عَظِيم وَكَذَلِكَ مَا ذكر من نطق الْجُلُود والجوارح وَغَيرهَا مِمَّا لَو امتحن بِمِثْلِهَا أَمر الشَّاهِد لوجد عَظِيما وَبعد فَإِنَّهُ فِي الشَّاهِد يفصل بَين الْبَصَر فِي الرُّؤْيَة والتمييز على قدر تفاوتهما بِمَا اعتراهما من الْحجب مِمَّا لَو قَابل أَحدهمَا حَال الآخر على حَالَته وجده مستنكرا وَإِذا كَانَ كَذَلِك بَطل التَّقْدِير بِالَّذِي ذكر وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَنه فِي الشَّاهِد بِكُل أَسبَاب الْعلم لَا يعلم غير الْعرض والجسم ثمَّ جَاءَ من الْعلم بالغائب خَارِجا مِنْهُ فَمثله الرُّؤْيَة وَالله أعلم

وَالثَّالِث مَا بَينا من رُؤْيَة الظل والظلمة والنور من غير شَيْء من تِلْكَ الْوُجُوه وَالرَّابِع أَنه قد يجوز وجود تِلْكَ الْمعَانِي كلهَا مَعَ عدم الرُّؤْيَة إِمَّا بحجب أَو جَوْهَر فَجَاز تَحْقِيق الرُّؤْيَة على نفي تِلْكَ الْمعَانِي نَحْو مَا أُجِيب الْقَائِل بالجسم عِنْد معارضته بالفاعل والعالم أَنه جسم لَا كَذَلِك فَيجوز وجود ذَلِك وَلَا جسم فَمثله فِي الرُّؤْيَة على أَن الْبعد الَّذِي يحجبنا والدقة يجوز أَن يبلغهُ بصر غَيرنَا فَصَارَ ارْتِفَاع الرُّؤْيَة بالحجاب فَإِذا ارْتَفع جَازَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن الَّذِي يَقُوله تَقْدِير بِرُؤْيَة الْأَجْسَام وَلم يمْتَحن بَصَره بِغَيْر الْأَجْسَام والأعراض أَن كَيفَ سَبِيل الرُّؤْيَة لَهُ وَبعد فَإِن كل جسم يرى وَإِن كَانَ الدقة والبعد يحجبان فَيجوز إرتفاعهما عَن بصر غَيره فَيرى علما مَا يرى ملك الْمَوْت من بأطراف الأَرْض ووسطها مِمَّا لَو اعْتبر ذَلِك ببصر الْبشر لما احْتمل الْإِدْرَاك فَثَبت أَن الَّذِي قدر بِهِ لَيْسَ هُوَ سَبَب تَعْرِيف مَا يبصر وَلَكِن سَبَب تَعْرِيف مَا يحجب بِهِ الْبَصَر فَإِذا ارْتَفع رأى مَعَ مَا كَانَ المنفى رُؤْيَته لذاته عرض وَإِلَّا فَكل جسم يرى فَإِن لزم إِنْكَار الرُّؤْيَة لما لَيْسَ بجسم أَو لما لَا يرى إِلَّا بِمَا ذكر ليلزم الْإِقْرَار بِهِ لِأَن الَّذِي لَا يرى لذاته هُوَ الْعرض وَإِلَّا فَكل عين يرى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعارض بِأَمْر الدُّنْيَا وَلَا يُحَال ذَلِك وَلَكِن يسْقط المحنة وَيرْفَع الكلفة وَالدُّنْيَا لَهما خلقت ثمَّ ذكر فِي أَمر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن ذَلِك على علم الْإِحَاطَة بِالْآيَاتِ وَقد بَينا فَسَاد ذَلِك وَمَا ذَلِك بلغ الْعلم بِالَّذِي يسْأَل وَهُوَ رَسُول بعث إِلَى مَا بِهِ نجاة الْخلق وَذَلِكَ لَا يكون بِغَيْر الممتحن إِذْ هُوَ تَبْلِيغ الرسَالَة وَالدُّعَاء

إِلَى الْعِبَادَة وَهِي محنة بل سَأَلَ الرُّؤْيَة ليجل قدره وليعرف عَظِيم مَحَله عِنْد الله أَو أَن يكون الله أمره بِهِ ليعلم الْحلق جَوَاز ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ اسْتدلَّ بِأَنَّهُ لم ير من يعقل إِنَّمَا أرى الْجَبَل والجبل لَا يعقل ليعلمه وليراه فَيُقَال لَهُ وَلَو كَانَت آيَة فالجبل لَا يَرَاهَا وَلَا يعقل وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالآية إِذا صَار اندكاك الْجَبَل لَا أَن أرَاهُ الْآيَة ليندك بهَا وَفِي هَذَا آيَة قد أرى مُوسَى الْآيَة وَهُوَ اندكاك الْجَبَل وَالله تَعَالَى يَقُول {لن تراني} وَحَمَلته على الْآيَة وَقد رَآهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ سَأَلَ نَفسه عَن معنى تَوْبَته وَلَا يسْأَل عَنهُ فَزعم أَنه لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه علم بِمَا أرَاهُ من الْأَدِلَّة أَن ذَلِك صَغِيرَة تَابَ عَنْهَا وَالثَّانِي على الْعَادة فِي الْخلق من تجديدها عِنْد الْأَهْوَال بِلَا حُدُوث ذَنْب قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَو كَانَ صَغِيرَة لَكَانَ أولى من تَركه إِلَى أَن يعلم بالأدلة وَهِي فِي الْأَعْلَام فِي غير حَال الْإِغْمَاء أَحَق مِنْهَا فِي حَال الْإِغْمَاء وَالثَّانِي يَصح ذَلِك عِنْد معاينته الهول لَا عِنْد سكونه وإبداله بالأمن والإفاقة وَذَلِكَ وَقت معاينته عَصَاهُ يَهْتَز فولى مُدبرا أَحَق وَالله الْمُوفق لكنه يحْتَمل أَن يكون إِذْ قَالَ لَهُ لن تراني وَكَانَ عِنْده جَوَاز الرُّؤْيَة فِي الشَّاهِد وإحتمال وَسعه ذَلِك بِمَا وعد الله لَهُ فِي الْآخِرَة رَجَعَ عَمَّا كَانَ عِنْده وآمن بِالَّذِي قَالَ {لن تراني} وَإِن كَانَ فِي أصل إيمَانه دَاخِلا على نَحْو إِحْدَاث الْمُؤمنِينَ الْإِيمَان بِكُل آيَة ينزل وَبِكُل فَرِيضَة تتجدد وَإِن كَانُوا فِي الْجُمْلَة مُؤمنين بِالْكُلِّ وَالله الْمُوفق وَقد بَينا مَا قَالَ فِي قَوْله {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي الْكَلَام أَنه إِذا كَانَ على أَمر مَعْهُود أَو يقرن بِهِ الْمَقْصُود إِلَيْهِ صرف عَن حَقِيقَته وَإِلَّا لَا نَحْو قَوْله

{ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} و {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك} وَأَصله أَن من قَالَ رَأَيْت فلَانا أَو نظرت إِلَى فلَان لم يحْتَمل غير ذَاته وَإِذا قَالَ رَأَيْته يَقُول كَذَا وَيفْعل كَذَا أَنه لَا يُرِيد بِهِ رُؤْيَة ذَاته فَمثله أَمر قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِه الْآيَة ثمَّ الأَصْل أَن من تَأمل الَّذِي ذكر عرف أَنه مشبهي النحله لِأَنَّهُ لم يذكر الْمَعْنى الَّذِي لَهُ يجب أَن تكون الرُّؤْيَة بِتِلْكَ الشَّرَائِط إِنَّمَا أخبر أَنه كَذَلِك وجد وَهُوَ قَول الْمُشبه إِنَّه وجد كل فَاعل فِي الشَّاهِد جسما وَكَذَا كل عَالم فَيجب مثله فِي الْغَائِب ثمَّ ذكر معنى رُؤْيَة الْجِسْم وَلم يذكر معنى رُؤْيَة غير الْجِسْم حَتَّى يكون لَهُ دَلِيلا وَبعد فَإِنَّهُ نفى بالدقة والبعد وهما زائلان عَن الله سُبْحَانَهُ ثمَّ احْتج بامتداح الله بقوله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} وَقَالَ لَا يجوز أَن يَزُول فَمثله عَلَيْهِ فِي قَوْله {خَالق كل شَيْء} وَقَوله {وَهُوَ على كل شَيْء قدير} فَلَا يجوز أَن يَزُول ثمَّ قد وصف الله بِالرُّؤْيَةِ على إِسْقَاط مَا ذكر فَثَبت أَن ذَلِك طَرِيق لَا يُؤَدِّي على كنه مَا بِهِ الرُّؤْيَة فَإِن قيل كَيفَ يرى قيل بِلَا كَيفَ إِذْ الْكَيْفِيَّة تكون لذى صُورَة بل يرى بِلَا وصف قيام وقعود وإتكاء وَتعلق وإتصال وانفصال ومقابلة ومدابرة وقصير وطويل وَنور وظلمة وَسَاكن ومتحرك ومماس ومباين وخارج وداخل وَلَا معنى يَأْخُذهُ الْوَهم أَو يقدره الْعقل لتعاليه عَن ذَلِك

شيئية المعدوم عند المعتزلة والإجابة عنها

شيئية الْمَعْدُوم عِنْد الْمُعْتَزلَة والإجابة عَنْهَا قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله ثمَّ نذْكر طرفا مِمَّا يدل الْعَاقِل على مَذْهَب الإعتزال فِي أُصُوله ومضاهاتهم أهل الْأَدْيَان ليعلم المتأمل أَن مذاهبهم نتيجة مذاهبهم قَالَت الْمُعْتَزلَة الْمَعْدُوم أَشْيَاء وشيئية الْأَشْيَاء لَيست بِاللَّه وَبِاللَّهِ إخْرَاجهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَعَلَيْهِم فِي ذَلِك تَحْقِيق الْأَشْيَاء فِي الْأَزَل لَكِنَّهَا مَعْدُومَة ثمَّ وجدت من بعد وَفِي تَقْدِيمهَا نفى التَّوْحِيد لما كَانَت الْأَشْيَاء بعد مَعْدُومَة فاختلفا فِي الْخُرُوج والظهور وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْقدَم أَشْيَاء مَعْدُومَة فصيروا مَعَ الله أغيارا فِي الْأَزَل وَذَلِكَ نقض للتوحيد وَفِيمَا قَالُوا قدم الْعَالم لِأَنَّهُ الْأَشْيَاء سوى الله والمعدوم أَشْيَاء سواهُ لم يزل وَفِي ذَلِك مُخَالفَة جَمِيع الْمُوَحِّدين فِي إنْشَاء الله تَعَالَى الْأَشْيَاء من لَا شَيْء وعَلى قَوْلهم إِنَّمَا هُوَ إنْشَاء بِمَعْنى الإيجاد وَإِلَّا فَهِيَ أَشْيَاء قبل الْإِنْشَاء وَالله الْمُوفق فَقَوْل من يَقُول من الدهرية بالباري على أَنه لم يزل صانع الْأَشْيَاء لتَكون فِي الْأَزَل أقرب من قَول هَؤُلَاءِ وَفِيمَا قَالُوا أَيْضا إِيجَاب مُوَافقَة الدهرية فِي قَوْلهم طِينَة الْعَالم قديمَة وَكَذَلِكَ قَول أَصْحَاب الهيولي أَن حدثت الْأَعْرَاض فَظهر بهَا الْعَالم وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ يجْعَلُونَ الْأَشْيَاء بالشيئية غير حادثه ثمَّ وجدت مَعَ مَا فِي ذَلِك من أَن الله لم يكن خَالِقًا وَلَا منشئا كَمَا كَانَت الْأَشْيَاء لَا مَوْجُودَة فَوجدت وَالله سُبْحَانَهُ كَانَ بِذَاتِهِ غير فَاعل ثمَّ ظهر بِخلق الْخلق أَو كَانَ غير خَالق ثمَّ وجد خَالِقًا وَالله الْمُوفق وَقَوْلهمْ إِن الله كَانَ بِذَاتِهِ وَلم يكن الْعَالم وَلَا شَيْء مِنْهُ ثمَّ كَانَ الْعَالم من غير أَن كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ معنى بِهِ كَانَ لِأَن الْإِرَادَة عِنْدهم هِيَ الْعَالم وَكَذَلِكَ التكوين

فَكَانَ الْعَالم لَا معنى مِنْهُ إِلَيْهِ بِهِ كَانَ ثمَّ صيروه دَلِيلا عَلَيْهِ على القَوْل بِمَا ذكرت فَأَما إِن كذبُوا بجعله دَلِيلا وبقولهم أَن لم يكن مِنْهُ غير كَونه بعد أَن لم يكن ومذهبهم أَن الْعلم بِكَوْن شَيْء لَا يُوجب تكوينه والقدم لَا يُوجب كَونه بِهِ وَلَيْسَ من الله عِنْدهم إِلَّا هذَيْن لَا يُوجب وَاحِد مِنْهُمَا كَونه فأوجبوا كَون الْعَالم لَا بِأحد على مَا قَالَ الْقَائِلُونَ بقدم الْعَالم إِذْ كَانَ لَا بِغَيْرِهِ فضاهوا بقَوْلهمْ هَذَا قَول أُولَئِكَ إِلَّا أَن أُولَئِكَ ألزم للْقِيَاس إِذْ لما كَانَ الْعَالم لَا بِغَيْرِهِ جَعَلُوهُ أزليا وَهَؤُلَاء جَعَلُوهُ من الْوَجْه الَّذِي بَينا لَا بِغَيْرِهِ حَادِثا ثمَّ أعجب مِنْهُ أَن جعلُوا الْعَالم خَالِقًا وَنَفسه مخلوقة وجعلوه صانعا وَنَفسه مصنوعة فَصَارَ الْعَالم عَالما لَا بصنع لغيره فِيهِ ثمَّ ألزم نَفسه كل اسْم دنئ وكل اسْم سنى لَو قلب اسْم الْعَالم لَكَانَ أعذر وَلَكِن ذَا آيَة عواقب السوء وَأَيْضًا من مضاهاتهم فِي هَذَا قَول الثنوية إِن الْأَشْيَاء كَانَت مَعْدُومَة ثمَّ وجدت من غير أَن كَانَت بِهِ ثمَّ إيجادها غير خُرُوجهَا من الْعَدَم وَقَالَت الثنوية كَانَ النُّور والظلمة متباينين فامتزجا فَكَانَ هَذَا الْعَالم من غير أَن كَانَ ثمَّ تبَاين غيرا وامتزاج غير فَصَارَ الْعَالم عَالما بِنَفسِهِ بعد أَن لم يكن عَالما إِذْ لَا غير هُنَالك أوجب ذَلِك وَكَذَا قَول الْمُعْتَزلَة على مَا ذكرنَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه واستدلت الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم على حدث الْعَالم بِمَا لَا يَخْلُو عَن مُحدث وَلم يكن دليلهم على ذَلِك سوى وجود الْعَالم فأوجبوا حَدثهُ وَقَالُوا ذَلِك بمحدث ثمَّ

قَالَت الْمُعْتَزلَة فِي الله سُبْحَانَهُ إِنَّه كَانَ غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَلَا رَحِيم وَهُوَ الْيَوْم كَذَلِك فصيروه فِي أول أَحْوَاله مَا وَقع لِلْخلقِ بِهِ الْعلم غير خَال عَن الْحَوَادِث كالعالم الَّذِي وجدوه بالحس غير خَال عَنْهَا فَصَارَ السَّبَب الَّذِي عرفُوا حدث الْعَالم بِهِ هُوَ الَّذِي بِهِ عرفُوا حدث الْخَالِق الرَّحْمَن وَالله قديم لم يزل ثمَّ بعد هَذَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه إِذا لزم القَوْل فِي جملَة الْعَالم بِالْحَدَثِ وَإِن لم نشهده بوجودنا مَا شَهِدنَا مِنْهُ غير خَال من الإحداث للَزِمَ ذَلِك فِي الصَّانِع الْخَالِق لوجودنا لَهُ مَا بِهِ نُسَمِّيه حَدثا وَالثَّانِي أَنه قد وَجب قدم ذَاته مَعَ مَا لَا يعلم وجوده إِلَّا بحوادث لم لَا وَجب القَوْل بقدم جملَة الْعَالم وَإِن كَانَ غير خَال عَن الْحَوَادِث وَبعد فَإِن معرفَة إحتمال الْحَوَادِث فِيمَا لَا يحسن من الْعَالم بِمَا أضيف إِلَيْهِ من الإجتماع والإفتراق والتحرك والسكون فَالله على قَوْلهم يُضَاف إِلَيْهِ الرَّحْمَة والصنع والأبداع والإعادة وكل هَذَا عِنْدهم حوادث فَيجب القَوْل فِيهِ بِمَا يجب فِي الْعَالم وَيكون لمن هُوَ بِهَذَا الْوَصْف خَالق صانع خَارج من ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَت الْمُعْتَزلَة كَانَ الله سُبْحَانَهُ ثمَّ حدث مِنْهُ إِرَادَة كَانَ بهَا الْعَالم من غير أَن كَانَ مِنْهُ إِيَّاهَا إِحْدَاث أَو إِرَادَة أَو لَهَا اخْتِيَار إِذْ لَا غير لَهَا سوى ذَاته وَقد كَانَ ذَاك قبلهَا وَكَذَلِكَ قَالَت الْمَجُوس أَن كَانَ الله سُبْحَانَهُ فَحدثت فكرة رَدِيئَة كَانَ مِنْهَا الشَّيْطَان وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِهِ كل شَرّ فَسَمت الْمَجُوس تِلْكَ فكرة وسمتها الْمُعْتَزلَة إِرَادَة واختيارا وَكَانَ حدوثها لَا بِاخْتِيَار وَإِرَادَة فَهِيَ بالفكرة أشبه ثمَّ لم تكن هِيَ غير الشَّرّ وَلَا الْإِرَادَة عِنْد الْمُعْتَزلَة غير الْعَالم فَهَذَا وَالله أعلم

معنى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه الْأمة وَبعد فَإِن الْعَالم عِنْدهم إِذْ لَا يَخْلُو عَن إجتماع وافتراق وَزَوَال وقرار وَهَذِه أَحْوَال احْتمل كَونهَا بِغَيْر الله على مَا يكون من إجتماع آجر السفن والبنيان وَالْكِتَابَة وَنَحْوهَا وَكَذَلِكَ التَّفْرِيق وعَلى مَا كَانَ سير الشَّمْس وَالْقَمَر وحركات الْخلق وسكونهم وَلَا عَالم بِدُونِ وجود هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الأعرض والأجسام وَكَانَ ذَلِك جملَة يحْتَمل الْكَوْن بِاللَّه وبالخلق فَكَانَ الْعَالم جملَة يحْتَمل الْكَوْن بِاللَّه وبالخلق فَكَانَ الْعَالم جملَة بِعَدَد وَذَلِكَ قَول الزَّنَادِقَة بإثنين وَأَصْحَاب الطبائع والنجوم بِأَكْثَرَ من إثنين وَبعد فَإِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ لم يقم على قَوْلهم حجَّة إحداثه سوى الْعَالم وَلَا حجَّة قدمه ثمَّ لم يفصل بَين الْأَعْرَاض الَّتِي هِيَ صنع غَيره وَبَين الَّتِي هِيَ صنعه لِأَن الإجتماع والزوال وَنَحْو ذَلِك قد يُوجد فِي العيان وَلَا يرى لَهُ الْجَامِع المحرك وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لغيره لَا لَهُ وَإِن لم يعاين إِذْ هُوَ نَظِير مَا يعاين مِنْهُ فَصَارَ ذَلِك كَقَوْل الثنوية وَأَصْحَاب الطبائع تكون الْأَشْيَاء بهَا من غير أَن أَقَامَ كل مِنْهَا دَلِيل صنعه مِمَّا يفصل بِهِ من صنع غَيره وَذَلِكَ آيَة الْعَجز وَالْمعْنَى الَّذِي احْتج الله بِهِ على كَون الْعَالم بكليته بِهِ إِذْ قَالَ {إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق} فعلى قَوْلهم فَالله تَعَالَى أَيْضا لم يذهب بِمَا خلق لِأَنَّهُ لم يَجْعَل عَلَيْهِ علما وَبعد فَإِن الْأَجْسَام اللطيفة إِذا توهمت تفرقها أَجزَاء مِمَّا لَا يتجزى كل جُزْء مِنْهَا امْتنع ذَلِك عَن الْإِدْرَاك بالحس ليؤدي إِلَى الْعقل وَقد يتهيأ جمعهَا بِغَيْر

الله على قدر لطف الْجَوَاهِر وكثافتها فَصَارَت حجج الله على دَرك الْأَجْسَام فعل غَيره فِي الْإِمْكَان وَلم يبين الله تَعَالَى الْخلق بِمَا يعلمُونَ بِهِ أَنه مِنْهُ بِدَلِيل يدْفع الْإِمْكَان من غَيره ليقرر كَونه مِنْهُ فِيمَا أحسهم فَكيف فِيمَا غيب عَنْهُم فضهى بِهِ من ذكرت من الثنوية وَغَيرهم أَنه لم يَجْعَل أحد مِنْهُم على فعله دَلِيلا إِذْ مَا من شَرّ إِلَّا وَأمكن أَن يكون ذَلِك خيرا لأحد وَكَذَا فِي الْجَوَاهِر من الْحَرَارَة والبرودة إِلَى آخر مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ الطبائع وَكَذَلِكَ النُّجُوم السيارة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَاسْتدلَّ أهل التَّوْحِيد على نفى قَول الثنوية بحرفين أَحدهمَا بقدرة كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَن يسد شَيْئا عَن الآخر وَيقدر أَن يفعل مَا لَا يُعلمهُ الآخر حَتَّى إِذا قَالُوا نعم جهلوهما أَو أَحدهمَا وَإِن قَالُوا لَا عجزوهما وَالْجهل وَالْعجز يسقطان الربوبية وَالثَّانِي أَن مَا أَرَادَ هَذَا إثْبَاته يُرِيد الآخر نَفْيه فيتناقض فَدلَّ الْوُجُود على كَون الْوَاحِد ثمَّ من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة أَن العَبْد يقدر على فعل خَارج مِمَّا علم الله أَن يكون إِذْ كل من هُوَ فِي علم الله أَن يكون كَافِرًا يقدر على أَن يكون مُؤمنا وَحَقِيقَة كَونه خُرُوج عَن علمه فَأوجب ذَلِك للْعَبد قدرَة إسرار الْفِعْل عَن الله ثمَّ لم ينف وحدانيته فَكَذَلِك لَو كَانَ ثمَّة إِلَه آخر فَهَذَا لتعلم أَن مَذْهَبهم عِنْد التَّحْصِيل مَذْهَب الزَّنَادِقَة إِذْ الَّذِي بِهِ ثَبت التَّوْحِيد هُوَ الَّذِي ينْقض المذهبين جَمِيعًا وَالله الْمُوفق والحرف الثَّانِي يثبتون للْعَبد قدرَة فِي نفى جَمِيع تَدْبيره من التوالد وَدفع وعيده من قَوْله {لأملأن جَهَنَّم} ويثبتون فعل جَمِيع الْكَفَرَة والأبالسة بِغَيْر الَّذِي يُرِيد الله كَونه بل هُوَ يُرِيد أَن لَا يكون ويبذل فِي منع ذَلِك كل مَا فِي خزائنه حَتَّى لَو أَرَادَ أَن يزِيد فِيهِ شَيْئا لم يقدر عَلَيْهِ ثمَّ لم يمْنَع القَوْل بالإله وَقَامَ الْخلق على

مَا فِي علمه قِيَامه وَكَونه فَكَذَلِك فِي أَمر الْعَالم وَهُوَ يُوضح مَا أَخْبَرتك أَن مَذْهَبهم ينْتج مَذْهَب أهل الدَّهْر والزنادقة لَا مَذْهَب أهل الْإِسْلَام وَالله الْمُوفق وَمذهب الزَّنَادِقَة أَن الْعَالم كَانَ فعل اثْنَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا فِي فعل آخر صنع وَلَا تَدْبِير وَلَا قدرَة وَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ينْفَرد بِنَوْع من الْفِعْل من الشَّرّ وَالْخَيْر لَا يقدر عَلَيْهِ الآخر وَكَذَلِكَ مَذْهَب الْمَجُوس وعَلى مَذْهَب الإعتزال أَن العَبْد لَهُ قدرَة على نوع من الْفِعْل وَهُوَ الْكسْب وللمعبود نوع وَهُوَ الإيجاد وَلَيْسَ لله على مَا للْعَبد قدره وَلَا صنع وَلَا للْعَبد على مَا لله وعَلى هذَيْن الْأَمريْنِ دَار تَدْبِير الْعَالم فضهوا بِهِ من ذكرت فِي التَّحْصِيل ثمَّ ازْدَادَ مَذْهَب هَؤُلَاءِ قبحا من حَيْثُ جعلُوا مِنْهُ قدرَة على مَا للْعَبد من السّكُون وَالْحَرَكَة فَلَمَّا أقدر الله العَبْد عَلَيْهِمَا ذهبت عَنهُ الْقُدْرَة وَلَا نرى الثنوية تزيل قدرَة وَاحِد مِنْهُمَا بالتمكين من الآخر ليعلم معنى الْقُدْرَة فِي الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الربوبية عِنْد الثنوية أَحَق أَن يكون بِنَفسِهِ مِنْهُ عِنْد الْمُعْتَزلَة وَفِي ذَلِك إِزَالَة الْقُدْرَة لله أَن يكون بِذَاتِهِ وَهُوَ أقبح قَول وَالثَّانِي كذبهمْ إِذْ ثبتوا للْعَبد فِي نوع فعله جَمِيع مَا ثبتوا للصانع وَلم يثبتوا لَهُ اسْم الألوهية الَّذِي عرف الله بِهِ من فعل الْإِنْشَاء وَكَذَلِكَ اسْم الْخَالِق مَعَ مَا كَانَت الْمُعْتَزلَة يزِيدُونَ فِي رُتْبَة قدرَة العَبْد الْقَادِر على قدرَة الله لأَنهم يَقُولُونَ إِن الله لَا يقدر بالموعود أَن يكون وَبِمَا كَانَ الْوَفَاء فعله مَعَ الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ وَذَلِكَ نَحْو مَا ضرب لعبيده مدَدا وَلَهُم أرزاقا قدرهَا لَهُم ثمَّ يجِئ عبد فيقتله قبل اسْتِيفَائه مدَّته وإنجازه وعده على بَقَاء قدرته وَالله تَعَالَى لَا يقدر على منع العَبْد مِمَّا هُوَ فعله يُرِيد الْوَفَاء بِهِ على غير منع الْقُدْرَة عَنهُ فَصَارَت قدرَة العَبْد أعظم ومشيئة أنفذ جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن هَذَا الْوَصْف والثنوية تزْعم أَن النُّور وَقع فِي حبس الظلمَة ووثاقها من الْوَجْه الَّذِي هم بِهِ الصّلاح وَدفع شَرها عَن جوهره وَكَذَلِكَ الظلمَة على قَول من يَجْعَل ابْتِدَاء

الْقدح مِنْهَا فَأَخْطَأَ جَمِيعًا لما خرج فعلهَا على خلاف مَا أَرَادَا وَصَارَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي جِهَة من يَد الآخر فلزمهم القَوْل فِي النُّور بالْخَطَأ وبالجهل وَالْعجز أما الْخَطَأ فَلَمَّا لم يكن عاقبته على مَا أَرَادَ وَالْجهل لما لم يكن علم أَنه يبْقى فِي وثاق عدوه وَأما الْعَجز هُوَ أَنه فِي جهد الْخَلَاص وتدبيره فَلم يتهيأ لَهُ وَكَذَلِكَ قَول الْمُعْتَزلَة إِن الله لم يقو كَافِر وَلَا أحدا إِلَّا ليطيعه وَلَا ملك أحدا شَيْئا إِلَّا ليشكر وَلَا خلق أحدا إِلَّا ليخضع لَهُ وَكَذَلِكَ يُرِيد وَله فعل مَا فعل وَلَو كَانَ مِنْهُ غير هَذَا كَانَ يكون سَفِيها ظَالِما ثمَّ لم يكن بِجَمِيعِ مَا أعْطى أعداءه مَا أَرَادَ وَله أخطاء وَذَلِكَ الْخَطَأ الْمَعْرُوف أَن لَا يخرج الْأَمر على مَا يُريدهُ ثمَّ الْقُدْرَة على مَا لم لَو فعل لَكَانَ خَارِجا عَن علمه ثمَّ ثَبت من الْفِعْل فِيمَا بعد هُوَ فعل الله فِي الْمَنْع مِنْهُ فَأوجب قَوْلهم مضاهاة من ذكرت بِكُل وُجُوه المذمة قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَأنْكرت الزَّنَادِقَة قَول شَيْء يحدث لَا من شَيْء لما لَا يتَصَوَّر مثله فِي الْوَهم وَكَذَلِكَ المشبهة فِي قَوْلهم بالجسم وَأنْكرت الْمُعْتَزلَة خلق أَفعَال الْعباد لما لَيْسَ بقائم فِي الْعُقُول وَلَا متوهم فِي الأوهام وَزَعَمت الْقَدَرِيَّة أَن الله لَا يدع الْغَايَة من الْخَيْر الَّذِي يقدر عَلَيْهِ إِلَّا فعله وَكَذَلِكَ قَول الزَّنَادِقَة أَنه يفعل غَايَة الْخَيْر وَأَن خَالق الشَّرّ غَيره وَكَذَلِكَ قَول الْقَدَرِيَّة أَن الله لَا يقدر على شَيْء مَوْجُود من الشَّرّ وَأَنه كُله فعل الْعباد وَيَقُول الْمُعْتَزلَة إِن الله لَا يُرِيد كَون الشَّرّ لأحد وَمن أحد ويريده الشَّيْطَان ثمَّ يكون ذَلِك وَإِن لم يكن مَا يُريدهُ الله كَمَا قَالَت الزَّنَادِقَة فِي كَون ذَلِك من الشَّيْطَان وخالق الشَّرّ وَإِن لم يردهُ الله

مسألة الوصف لله والتسمية لا يوجبان التشابه

مَسْأَلَة الْوَصْف لله وَالتَّسْمِيَة لَا يوجبان التشابه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أنكر قوم أَن يكون صفة لله ذاتية يُوصف بهَا أَو إسم ذاتي يعرف بِهِ وظنوا ان ذَلِك يُوجب التشابه إِذْ لَهُ اسْم كَمَا كَانَ لغيره وَقَالُوا وَإِذ لم يجز أَن يكون لَهُ مُوَافقَة فِي شَيْء من جملَة الْخلق على الْإِشَارَة إِلَيْهِ كَانَ أَدِلَّة تَحْقِيق الْمُوَافقَة بالإسم الَّذِي لكل شَيْء أَحْرَى وَلِهَذَا أَنْكَرُوا القَوْل بالشَّيْء والعالم والقادر وضربوا لَهُ الْمثل بِأَن القَوْل لَهُ وَفِيه بِالْمَكَانِ إِذْ يُوجب التَّشْبِيه وَالْحَد فَهُوَ بِكُل مَكَان كَذَلِك إِذْ للأمكنة نِهَايَة فالوصف بهَا وبالواحد مِنْهَا وَاحِد فَمثله الأول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأما الأَصْل عندنَا أَن لله أَسمَاء ذاتية يُسمى بهَا نَحْو قَوْله الرَّحْمَن وصفات ذاتية بهَا يُوصف نَحْو الْعلم بالأشياء وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا لَكِن الْوَصْف لَهُ منا والإسم إِنَّمَا هُوَ بِمَا يحْتَملهُ وسعنا وتبلغه عبارتنا بِالضَّرُورَةِ إِذْ سَبِيل ذَلِك إِنَّمَا هُوَ عَن الْمَعْرُوف فِي الشَّاهِد وَذَلِكَ يُوجب التشابه فِي القَوْل إِذْ عَن مَعْرُوف بِهِ فِي الشَّاهِد قدر وَلَكِن الضَّرُورَة أطلقت لنا على نفى الْمَفْهُوم من الشَّاهِد لينفى بِهِ الشّبَه ونسميه بِالَّذِي ذكرت ضَرُورَة وَلَو احْتمل وسعنا التَّسْمِيَة بِمَا لَا يُسمى بِهِ غَيرنَا نُسَمِّيه لكنه إِذْ كَانَ الشَّاهِد دَلِيله وَبِه يجب مَعْرفَته فَمِنْهُ قدر اسْمه على مَا يقرب من الْفَهم بِمَا يُرِيد بِهِ وَإِن كَانَ الله يتعالى عَن أَن يكون لَهُ مِثَال أَو شبه أَلا ترى أَن الْعبارَة الَّتِي بهَا نُسَمِّيه عَالما قَادِرًا فِي الألسن مُخْتَلفَة من غير أَن كَانَ ثمَّة اخْتِلَاف فيدلك أَن الْأَسْمَاء الَّتِي نُسَمِّيه بهَا عِبَارَات عَمَّا

يقرب إِلَى الأفهام لَا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة أسماؤه وَلما تَأْخُذ الْقُلُوب مِنْهَا مَعَاني يتعالى عَنْهَا قرن بِالتَّسْمِيَةِ حرف نفى فَجعل التَّوْحِيد إِثْبَات ذَات فِي ضمن نفي ونفيا فِي ضمن إِثْبَات على مَا فسرت وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ الدَّلِيل على مَا قُلْنَا مَجِيء الرُّسُل والكتب السماوية بهَا وَلَو كَانَ فِي التَّسْمِيَة بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل تَشْبِيه لكانوا سَبَب نقض التَّوْحِيد وهم جَمِيعًا دعوا إِلَى عبَادَة الْوَاحِد وَإِلَى معرفَة وحدانية الْبَارِي لم يجز أَن يكون ذَلِك مِمَّا يُحَقّق الْعدَد وَيثبت الْمُوَافقَة لِلْخلقِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَكِن لما احتملت تِلْكَ الْأَسْمَاء خُرُوج الْمُسَمّى بهَا عَن المعروفين من المسمين بهَا جَازَ مجيهم بهَا مَعَ قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء} لينفى بِهِ شيئية الْأَشْيَاء من الإدراكات البسيطة وَهِي الْأَعْرَاض وَالصِّفَات والأعيان المركبة وَهِي الْأَجْسَام وَبِاللَّهِ المعونة وَبعد فَإنَّا لما وجدنَا جَمِيع مَا يعاين من الْعَالم مُضْطَرّا عَاجِزا عَن تَدْبِير نَفسه جَاهِلا ببدء حَاله وبمقدار الْأَخْذ فِي كل أَحْوَال من الزَّمَان وَالْمَكَان فِيهِ يتقلب وَبِه بِكَوْن مجتمعا فِي الأضداد الَّتِي هِيَ بِحَق الطباع متنافرة عقل أَنه لَا كَانَ بِنَفسِهِ وعقل أَن الَّذِي دبره وَقدره كَانَ لَهُ بِهِ علم وَعَلِيهِ قدرَة إِذْ خرج على إحتمال الأتفاق لذاته وَلَا على دلَالَة قُوَّة لَهُ بِنَفسِهِ وَعلم بِحَالهِ فَلَا بُد من تَحْقِيق الْمَعْنى الَّذِي فِي الشَّاهِد دَلِيله إِذْ لاوجه لمعرفته إِلَّا بِهِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ ذَلِك بتدبير من دونه فإليه يرجع الْأَمر الأول وَفِي ذَلِك كُله مَا ذكرنَا وَقَالَت الباطنية وهم الَّذين يصرفون الْمَذْكُور من الْأَسْمَاء إِلَى الْمُبْدع الأول وَالثَّانِي نَحْو الْعقل وَالنَّفس ويجعلون كل الْعَالم مبروزا فِي الْعقل تستمد مِنْهُ النَّفس

فيمد الهيولي يَقُولُونَ كَانَ الْعقل بالإبداع والإبداع علته مبروز فِيهِ كل شَيْء يكون ومحال أَن يبرزه بالإبداع من لم يعلم مَا يكون أَو من لَا يقدر على أَن يبرزه أَو من لَا يُرِيد أَن يكون مبروزا فَيخرج الإبداع مِنْهُ خُرُوج فعل ذِي طبع من حَيْثُ لَا يشْعر بِهِ وَلَا يُعلمهُ وَلَا يُوصف بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيكون الله تَعَالَى عِنْده فِي نفى الصِّفَات عَنهُ والأسماء كَرَاهِيَة التَّشْبِيه يصير فِي حد التعطيل وَيصير بِحَيْثُ لَا شَيْء عَلَيْهِ بِدَلِيل وَيحصل القَوْل مِنْهُ على التَّقْلِيد وَذَلِكَ بعيد وَالله الْمُوفق مَعَ مَا يُقَال {الله} إسمه أَو هُوَ اسْم غَيره فَيرجع فِي الْحَقِيقَة إِلَى أَنه اسْم الْعقل والرحمن اسْم النَّفس وعَلى هَذَا مَذْهَبهم وأبوا الإسم كَرَاهَة التَّشْبِيه ثمَّ جعلُوا المعبود باسم الْإِلَه والرحمن والرحيم أغيارا لَا يُحْصى عَددهمْ وأجزاء يصعب احصاؤهم فَكَأَن الرُّسُل جَاءُوا عِنْدهم بِعبَادة الْعدَد لَا بِالتَّوْحِيدِ وَالله الْمُسْتَعَان ثمَّ يُقَال لَهُم عِنْد قَوْلهم لَيْسَ لَهُ اسْم مَا تعنون بقولكم لَيْسَ لَهُ اسْم ذاتي وَلَا صفة ذاتية فَلَا يَجدونَ السَّبِيل إِلَى أَن يعبروا عَن أنفسهم بِمَا قَالُوا لَيْسَ لَهُ اسْم وَيبْطل جُمْلَتهمْ الَّذِي قَالُوا الله الَّذِي لَيْسَ لَهُ اسْم ذاتي ثمَّ زَعَمُوا أَن لَهُ اسْما من غَيره نَحْو الْمُبْدع بإبداع هُوَ عِلّة لمبدع هُوَ العال لَا الْمَعْلُول وَلَا عِلّة لِأَن كل مَعْلُول يجوز أَن يصير عِلّة محَال فَيُقَال لَهُ إِذْ جعل اسْمه عَن غَيره أَكَانَ مَا حقق لَهُ غَيره ذَلِك الإسم أَو سمى بِهِ فَإِن قَالَ لَا لَهُ أَن يُسَمِّيه مَا شَاءَ من الأغيار وَالْعلَّة والمعلول إِذْ بِغَيْرِهِ اسْتحق لِأَنَّهُ كَذَلِك يَقُول كَانَ وَلَا عِلّة وَلَا مَعْلُول فَإِذا هُوَ قَول كَانَ بِحَق الْمجَاز لَا بِالْحَقِيقَةِ بِالضَّرُورَةِ فَأوجب هَذَا الإسم لَهُ غَيره من غير أَن كَانَ مِنْهُ مَا اسْتوْجبَ فَإِن قَالَ كَانَ مِنْهُ الإبداع قيل كَانَ مِنْهُ الإبداع بعد أَن لم يكن حَتَّى حقق لَهُ الإسم بِأَن كَانَ بِهِ من أَي وَجه حَتَّى

بسم الله الرحمن الرحيم

أوجب لَهُ الإسم فَيلْزم جعله بإبداع إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَذَلِكَ محَال وَلَا يَقُول بِهِ فَيجب أَن يكون الإبداع بِذَاتِهِ فَيكون لم يزل مبدعا وَفِي ذَلِك كُله وجوب الإسم الذاتي لَهُ بِالضَّرُورَةِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ الأَصْل عندنَا أَن الإسم الْمُطلق لَا يحْتَمل تحقق التَّشْبِيه لما وجد كل متضاد فِي الشَّاهِد تَحت الإسم نَحْو الْحَيَاة وَالْمَوْت والنور والظلمة وَالشَّر وَالْخَيْر وَالْكفْر وَالْإِيمَان لكل إسم على حِدة فَلَو كَانَ بالإسم الْمُطلق تشابه لَكَانَ لَا تضَاد يعلم وَلَا إختلاف بالإسماء ثَبت أَنَّهَا جعلت لما يُرَاد من الإختلاف والإتفاق الَّذِي لَا يعلم حَقِيقَة ذَلِك لَو لم يكن لَهُ اسْم وَلَو كَانَ بموافقة الإسم عِنْد نفى الْمَعْنى الَّذِي لَهُ الْمَعْلُول من الْمُسَمّى تشابه فِي الشَّاهِد لَكَانَ لَو لم يسم للْعَالم الْعُلُوّ والسفلي والمبدع الأول وَالثَّانِي ولكان بَين من زَعَمُوا أَن لَهُ إسما وَبَين غَيره مُوَافقَة فِي نفى الإسم مَعَ جَمِيع الْأَشْيَاء على أَنه يجد فِي القَوْل بِوَاحِد الْخلق نفى التَّشْبِيه وَإِن كَانَ من حَيْثُ اسْم الْآحَاد اجْتِمَاع وَبعد فَإِن الإبداع عِنْده عِلّة وَلَا يُوصف بالشَّيْء لما كَانَ بِهِ الْأَشْيَاء والأعراض كلهَا لَا تُوصَف بعالم وَلَا قَادر وَلَا نَحْو ذَلِك فَلَو كَانَ فِي إِثْبَات الإسم تشابه لَكَانَ فِي نفى ذَلِك كَذَلِك من الْوَجْه الَّذِي ذكرت وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اخْتِلَاف النَّاس فِي جَوَاب سُؤال السَّائِل لم خلق الله الْخلق الْحَمد لله الَّذِي لَا غَايَة لما يسْتَحق من الشُّكْر والمحامد على مَا لدينا من جزيل المنن وعظيم العوائد وإياه نسْأَل التَّوْفِيق لأهدى سبل المراشد قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله اخْتلف النَّاس فِي جَوَاب سُؤال السَّائِل لم خلق الله الْخلق قَالَ قوم السُّؤَال فَاسد لَا يسْأَل عَن ذَلِك إِذْ الله سُبْحَانَهُ حَكِيم

لم يزل عليم غنى فعله لَا يحْتَمل الْخُرُوج عَن الْحِكْمَة إِذْ يخرج الْفِعْل عَنْهَا لجهل بهَا أَو لما يخَاف فَوت نفع لَو حفظ طَرِيق الْحِكْمَة فَإِذا كَانَ الله سُبْحَانَهُ عليما لَا يجهل غَنِيا لَا يمسهُ حَاجَة ينْتَفع بدفعها بَطل أَن يخرج فعله عَن جِهَة الْحِكْمَة وسؤال لم لَيست فِيهِ الْحِكْمَة وَلذَلِك نفى الله عز وَجل توهم اللّعب عَن فعله فَقَالَ {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} إِلَى قَوْله {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وَالْحق الويل بِمن يظنّ بِهِ الْحَاجة أَو فِي فعله السَّفه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ قوم من الْمُعْتَزلَة رأى الْأَصْلَح كَذَلِك فَفعل وَلَا يسْأَل عَن فعله الْأَصْلَح قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَهَذَا كَلَام لَا يَخْلُو من أَن يُرَاد بالأصلح الْحِكْمَة فَهُوَ الأول وَإِن أَرَادَ بِهِ معنى سواهُ فَإِن القَوْل فِي معرفَة الْأَصْلَح كَهُوَ فِي أَنه لم فعل سَوَاء مَعَ مَا يسْأَل عَن شَرط الْأَصْلَح لَهُ فِي الْفِعْل من أَيْن يجب على أَن أَحَق النَّاس بالإستحياء من هَذَا اللَّفْظ هم إِذْ لَيْسَ من شَيْء يَجْعَل شرطا للأصلح إِلَّا وَأمكن أَن يكون ذَلِك بِعَيْنِه شرطا للْفَسَاد وَيكون بِهِ أعظم الْفساد وَلَا يجوز أَن يكون شَيْء حِكْمَة يصير سفها لِأَن تَأْوِيل الْأَصْلَح أَن يكون أصلح لغيره وَقد يكون بِهِ الْفساد عِنْدهم وَتَأْويل الْحِكْمَة الْإِصَابَة وَهُوَ وضع كل شَيْء مَوْضِعه وَذَلِكَ معنى الْعدْل وَلَا يخرج فعله عَن ذَلِك وَقَالَ إِن الله خَالق بِذَاتِهِ إِذْ هُوَ اسْم الْمَدْح وَالْعَظَمَة ومحال أَن يكون الله سُبْحَانَهُ يسْتَحقّهُ بِغَيْرِهِ لما فِيهِ إِيجَاب النَّفْع لَهُ وَمن ذَلِك وصف فعله فَهُوَ مُحْتَاج وَإِذ قد ثَبت أَنه خَالق بِذَاتِهِ لم يجز أَن لَا يكون خَالِقًا البته وَالسُّؤَال عَن اللم محَال كالسؤال عَن لم قدر وَلم علم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ قوم إِذْ هُوَ جواد كريم لزم الْوَصْف بإفاضته الْجُود فَلَا بُد من خلق

يكون بخلقه واهبا مفيضا جوده عَلَيْهِ وَهُوَ قَادر وقدرة لَا تحقق الْفِعْل البته ضائعة فَلذَلِك خلق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ قوم السُّؤَال محَال لما يُوجب تقدم عِلّة لما يخلق وَالْعلَّة إِمَّا أَن يكون خلقا فالسؤال عَنْهَا هُوَ السُّؤَال عَن جملَة أَو لَا يكون فَيكون غير إِلَه فِي الْأَزَل بل خلق بِأَن فعل الْخلق بِذَاتِهِ على مَا مر بَيَانه وَالله الْمُوفق وَقَالَ قوم السُّؤَال لَا يعدو معَان إِمَّا أَن نقُول لم خلق هَذَا الْعَالم دون أَن يخلق غَيره فَيكون هَذَا السُّؤَال فِيهِ كَهُوَ فِي هَذَا وَكَذَلِكَ فِي قَوْله لم لَا خلق الْخلق ليَكُون قبل الْوَقْت الَّذِي كَانَ على أَن الْخلق لَيْسَ هُوَ غير الْوَقْت بل هُوَ إِخْبَار عَن كَونه يصير كَونه وقتا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَو يسْأَل عَن حَقِيقَة هَذَا الْعَالم فَيكون سُؤَاله مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لم أسأَل وَلم عقلت أَن أسأَل وَلم لَا كنت غير عَاقل وَذَلِكَ فَاسد لِأَنَّهُ فِي منع نَفسه عَن السُّؤَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ قوم خلق الْعَالم لعلل يكون مِنْهَا وفيهَا وَمَا بعْدهَا وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْقُول من جَمِيع الْحُكَمَاء أَنه لمقاصد يعقب الصَّنِيع وَكَذَا كل فَاعل لَا يعلم عواقب فعله أَنه لماذا يَفْعَله فَهُوَ غير حَكِيم ثمَّ اخْتلف فِي الْمَعْنى الَّذِي لَهُ خلق من يَقُول خلق جلّ الْعَالم للممتحن فِيهِ إِذْ ظُهُور الْحِكْمَة فيهم وَكَذَلِكَ فيهم يظْهر الْعُلُوّ وَالسُّلْطَان والجلال والرفعة وبهم تظهر الْحِكْمَة والسفه فهم المقصودون من الْخلق وَغَيرهم من الْخَلَائق خلقُوا لَهُم لمنافع لَهُم وللإمتحان بهَا وللدلالة وَسَخِرُوا لَهُم والممتحنون خلقُوا لِلْعِبَادَةِ أَو لأَنْفُسِهِمْ ليسعوا لعواقب يحْمَدُونَ عَلَيْهَا ويذمون إِلَيْهِم يَقع ذَلِك وضرورة جلّ خالقهم عَن الْوَجْهَيْنِ

إِذْ هم الَّذين خلقُوا مُحْتَاجين ركب فيهم مَا عرفُوا بِهِ حوائجهم وَمَا يقومُونَ فِي قَضَائهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ قوم لم يخلق الْكل لعِلَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاء الْكل شَيْء يكون ذَلِك عِلّة وَخلق الْبَعْض لعِلَّة وَذَلِكَ كَمَا لم يخلق الْكل فِي مَكَان لِأَن الْمَكَان فِي الْكل وَخلق بَعْضًا لبَعض وعَلى هَذَا الْأَمر التوالد ثمَّ الْجَزَاء والمحنة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ الْحُسَيْن فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال إِنَّه خلق لأسباب يكثر مِنْهَا دلَالَة وَحجَّة ثمَّ عِبْرَة وعظمة ثمَّ نعْمَة وَرَحْمَة ثمَّ غذَاء وقوام ومتصرفا فِي الْحَوَائِج وَمِنْه مَا خلق نعْمَة لأحد بلية على آخر قَالَ وَلَو خلق ابْتِدَاء الْخلق للْمصَالح وَالْمَنَافِع لَا غير لم يكن يجوز تَقْدِيم شَيْء وَلَا تَأْخِيره وَلَا خلق شَيْء قبل خلق الممتحن وَلَا قلب أمرا من حَال إِلَى حَال وَلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَإِذ خلق الله من الْخَلَائق مَا لَا يُحِيط بهم الأوهام واستترت عَن نصْرَة الْأَنَام ثَبت أَن الْأَمر لَيْسَ على ذَلِك لكنه فِي وضع الْأَشْيَاء موضعهَا وَصرف الْأُمُور من النَّفْع إِلَى الضَّرَر وَالضَّرَر إِلَى النَّفْع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَجُمْلَة هَذَا الْفَصْل أَنه على قَوْلهم إِذْ لم يكن لَهُ غير الَّذِي فعل لم يكن شَيْء من فعله مفضلا إِذْ هُوَ أبقى بِكُل فعله صفة الْجور وَلَا كَانَ لما يَفْعَله مُخْتَارًا لَهُ إِذْ لَو كَانَ مِنْهُ غير ذَلِك كَانَ مُفْسِدا وَكَانَ عَن جعل الْإِصْلَاح فِي غَيره عَاجِزا وَذَلِكَ هُوَ النِّهَايَة من صفة الذَّم وَالله الْمُوفق وَلَو كَانَ لَا يجوز لَهُ غير الَّذِي فعل لَكَانَ بِفِعْلِهِ مُنْتَفعا وَيصير هُوَ إِلَيْهِ مُحْتَاجا ليحمد بِهِ ويثنى عَلَيْهِ إِذْ من لَا يسْتَحق حمدا وَلَا مدحا إِلَّا بِغَيْرِهِ فَهُوَ إِلَيْهِ مُحْتَاج فِي أَن يحِق لَهُ الثَّنَاء وَبِه منتفع إِذْ من قَوْلهم إِن فعله غَيره وَلم

يكن لَهُ تَركه ولاغير الَّذِي فعله إِذْ غَيره يحط رتبته ويسفهه فَثَبت بِمَا فعل النَّفْع وَهُوَ غَيره عِنْدهم وَهَذِه صفة الْحَاجة فِي عرف الْعُقُول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ القَوْل بِالْأَمر والنهى وَالتَّرْغِيب والترهيب مَعَ مَا يقدم مِنْهُ الْكَافِي من ذَلِك الَّذِي ذكره الْحُسَيْن أَن الله خلق خلقا مذللا بالتأديب عَارِفًا بالنفع والضر مستدلا بِالَّذِي شهد من الْحجَّة على الَّذِي غَابَ لم يجز أَن لَا يفْرض الْمعرفَة وَلَا يحضر عَلَيْهِ الْجَهْل فَيكون فِيهِ إِبَاحَة الْكَذِب وكل ذميم مَعَ مَا كَانَ لمن خلقه نعم عَلَيْهِ فِي الْخلقَة وشكر النِّعْمَة لَازم فِي الْعقل فاستاده ثمَّ الْوَعْد والوعيد فِي التَّرْغِيب بتعظيمه والترحيب عَن الإستخفاف بِهِ ثمَّ إِذْ كرمه بفنون كل الْكَرم فعلى ذَلِك ثَوَابه لَا أمد لَهُ وَإِذ كَانَ الْكفْر غَايَة فِي الْعِصْيَان فَكَذَلِك عُقُوبَته وَأَيْضًا أَن الْإِيمَان تَصْدِيق بِمَا لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا نَفاذ وَالْكفْر تَكْذِيب بِمَا لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا نَفاذ فعلى ذَلِك جزاؤهما وَلِهَذَا يجوز الْعَفو عَمَّا دون الْكفْر لِأَنَّهُ لَيْسَ بجحد لما لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَدَلِيل الْأَمر عندنَا والنهى معرفَة الْآمِر والناهي إِذْ خص الله الْبشر من بَين الْبَهَائِم فِي تعرف ذَلِك لم يحْتَمل إهمالهم عَن ذَلِك كَمَا لَا يحْتَمل شَيْء مِمَّا فِيهِ النَّفْع إهماله عَنهُ وَبِمَا فِي الْعقل حسن كل حسن وقبح كل قَبِيح ثمَّ فِي الْفِعْل يقبح فعل الْقَبِيح وَيحسن فعل الْحسن فَلَزِمَ الْأَمر والنهى لما كَانَ مَا بِهِ الْأَمر والنهى وَلِأَن الله خلق خلقا يدل على وحدانيته وحكمته فَلم يجز إخلاء الْخلق عَن معرفَة ذَلِك فَيصير خلقه عَبَثا وَلما فِي رفع الكلفة زَوَال الْخلقَة إِذْ حصلت للفناء وكل بَان شَيْئا للنقض لَا غير فَهُوَ عابث غير حَكِيم ثمَّ الْوَعْد والوعيد للترغيب والترهيب إِذْ لَوْلَا ذَلِك يذهب نفع الإئتمار وضرر الْعِصْيَان وَلم يكن لمن خلق فِي فعلهم نفع فَإِذا لم يكن للمؤتمر نفع وَلَا للعاصي ضَرَر يبطل معنى الْأَمر والنهى إِذْ لَيْسَ لنفع الْآمِر والناهي فَلذَلِك لزم الْوَعْد والوعيد فِي الْحِكْمَة مَعَ مَا فِي الْأَمر والنهى

مجاهدة النَّفس وَحملهَا على مَا يكرههُ الطَّبْع وَالَّذِي يكرههُ تنفر عَنهُ النَّفس فَلَا يجد الممتحن على قهره وَصَرفه إِلَى مَا يُريدهُ وَيُؤمر بِهِ سَبِيلا إِلَّا إِحْضَار الْوَعْد والوعيد حَتَّى إِذا رأى ذَلِك سهل عَلَيْهِ ترك الملاذ وَهَان عَلَيْهِ تحمل الْمُؤَن الْعِظَام وَبعد فَإِن الْبشر خلق خلقا قبح عَلَيْهِ فعل الَّذِي لَا يَقْصِدهُ بِهِ نفع العواقب أَو لاتتقي بِهِ ضَرَر العواقب فَلَا بُد أَن يَجْعَل لأعماله ذَلِك وَذَلِكَ حق الْوَعْد والوعيد وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يستوى عواقب الْعَدو وَالْوَلِيّ وعَلى مَا تَفَاوتا هما بِحَيْثُ الإختيار والإيثار يجب تفَاوت عواقبهما وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقد أمكن أَن نجْعَل الثَّوَاب كُله فضلا إِذْ قد سبق من الله من النعم مَا اسْتحق الشُّكْر عَلَيْهِ بعامة مَا احْتمل الوسع فَيكون الثَّوَاب فضلا من الله ثمَّ كَذَلِك المضاعفة فِي ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} فَذكر فِي السَّيئَة مَا توجبه الْحِكْمَة من الْجَزَاء وضاعف فِي الثَّوَاب على مَا تحتمله الأفضال إِذْ ذَلِك أَصله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَهَذَا فِيمَا احتمله عقولنا مِمَّا يلْزم الْأَمر والنهى وَمَعَ مَا كَانَ فِيمَا جَاءَ بهما الرُّسُل عَن الله دَلِيل كَاف يلْزم القَوْل بِعظم الْحِكْمَة لَهما لَو قصرت عقولنا عَن الْوُقُوف على ذَلِك مَعَ مَا فِي الْعقل إِذا ترك اسْتِعْمَاله كَسَائِر الْجَوَارِح لم يحْتَمل تعطيلها عَن الْمَنَافِع الَّتِي هِيَ سَببهَا فَمثله الْعقل مَعَ مَا كَانَ الَّذِي ذكرت فِي سَائِر الْجَوَارِح هُوَ حق الْفِعْل أَيْضا وإشارته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة في التوحيد من عرف نفسه عرف ربه

مَسْأَلَة فِي التَّوْحِيد من عرف نَفسه عرف ربه فَإِن قَالَ قَائِل أجمع أَن من عرف نَفسه عرف ربه لكِنهمْ اخْتلفُوا فِي وَجه الْمعرفَة فَقَالَت الثنوية لما عرف إشتمال نَفسه على الْخَيْر وَالشَّر عرف أَن لكل جِهَة مِنْهُ رَبًّا وَالْيَهُود صيرته وَاحِد جُزْء وَقَالَت المشبهة هُوَ جسم إِذْ فِي الشَّاهِد تكون معرفَة النَّفس للجسم وَقَالَ جهم إِذْ عرف أَنه كَانَ بعد أَن لم يكن وَهُوَ شَيْء جسم عَالم سميع بَصِير علم أَن كل مَا كَانَ لَهُ ذَلِك الإسم فَهُوَ حدث وربه الَّذِي أنشأه لَا يحْتَمل أَن يكون حَدثا وَعِنْدنَا أَن من عرف نَفسه عرف ربه لما يعرفهَا بِالْجَهْلِ مِمَّا احتملته هِيَ من السّمع وَالْبَصَر وَغَيرهمَا من الْأَعْرَاض وَكَذَلِكَ بإصلاح مَا فسد مِنْهَا وبقدر مَا تَأْخُذ هِيَ من الزَّمَان وَالْمَكَان وبأنواع حاجات ترد عَلَيْهَا لَا يعرف مأتاها وَلَا حَقِيقَة مَا بِهِ زَوَالهَا فَهَذَا شَأْنه مَعَ مَا يشْهد زَوَالهَا بِمَا شهد من نَفسه فَعلمه بِمَا مضى من أحوالها من أول مَا كَانَت إِلَى الْحَال الَّتِي هُوَ فِيهَا مَعَ الْعلم فِيمَا يخْتَلف عَلَيْهَا من الْأَحْوَال إِلَى وَقت قِيَامهَا مِنْهُ أبعد وَعَن تصور ذَلِك فِي وهمه أعْسر وَعَن إحتمال إحاطة عقله بِهِ أعجز علم بضرورة أَنه لم يدبر أَمر نَفسه على ماهي عَلَيْهَا بل لَو كَانَ الْأَمر إِلَيْهِ لدبرها على مَا يعلم جَمِيع ذَلِك إِذْ لَو كَانَت ثمَّة قدرَة على شَيْء من ذَلِك لم يكن ليدفع إِلَى الْجَهْل الَّذِي ثَبت ثمَّ إِلَى الْعَجز فِيمَا أخْبرت من دفع الْحَاجَات عَن نَفسه وَإِصْلَاح مَا فسد مِنْهَا فَيعلم عِنْد ذَلِك إِذْ هُوَ أملك الْخَلَائق تدبيرا فِيمَا يحس وَأَعْلَاهُمْ إدراكا لحقائق مَا يلقى وأسرعهم وقوفا على مَا يعلم وَيذكر من الْأُمُور فَيعلم

خُرُوجه من تَدْبِير نَفسه فِي التكوين والإفناء والإبقاء ثمَّ من إبداء جَمِيع المحسوسين إِذْ هم تَحت تَدْبيره كالمتحيرين فِي حَوَائِجه وَيعلم بِأَن مثله على مَا عَلَيْهِ من الإحتمال وَالْوُقُوف على الْأُمُور والإدراك للأسباب لَا يكون إِلَّا بِمن هُوَ خَارج من جَمِيع الْمعَانِي الَّتِي عَلَيْهَا نَفسه وفيهَا تقلبها فَيعلم أَنه بِقَادِر لَا يعجز وعالم لَا يجهل وجبار لَا يُنَازع فِي تَدْبيره فَيعرف أَنه جلّ وَعلا لَا يُشبههُ شَيْء من ذَلِك وَلَا معنى إِذْ من الْوَجْه الَّذِي يُشبههُ يُوجب مَا أوجب فِيهِ من حدث أَو قدم أَو تَدْبِير غير فِيهِ وَكَذَلِكَ جَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ بَينهَا مُوَافقَة فِي الْحَاجَات وأنواع الْعَجز والصنف ثمَّ فِي الحدثية من كل الْوُجُوه فَيجب بِهَذَا أَن يعرف أَنه خلاف لَهُ بِكُل الْجِهَات والجهات لَهُ لَا لمدبره فَيكون فِي ذَلِك تَعْرِيف الرب بِمَا هُوَ أَهله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى هَذَا يبطل قَول جهم إِنَّه لم يكن عَالما قَادِرًا ثمَّ صَار كَذَلِك وَقَول من يَقُول لم يكن فَاعِلا متكلما ثمَّ صَار كَذَلِك إِذْ مكنوا فِيهِ تغير الْجِهَات وَالْأَحْوَال الَّتِي هِيَ سَبَب معرفَة العَبْد نَفسه خلقا وحدثا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبِمَا ذكرت من إِمْكَان قبُول الْأَحْوَال اخْتِيَارا وإحتماله الصِّفَات العليه من نَحْو الْعلم وَالْقُدْرَة والحياة والسمع وَالْبَصَر مَا يُوضح كَونه بالصانع الْعَلِيم لَا بالطبائع الَّتِي هِيَ عاجزة عَن الإختيار وجاهلة بالأحوال وَكَذَلِكَ جَمِيع الأغذية وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ بإحتماله الْخَيْر وَالشَّر ومختلف الْأَحْوَال دَلِيل صرف تَدْبيره إِلَى من لَا يُوصف بالإحتمال وَلَا بمختلف الْأَحْوَال ليَكُون كل شَيْء على مَا عَلَيْهِ تَقْدِيره لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ قوم من عرف نَفسه الْخفية عرف ربه وَنَفسه الْخفية هِيَ الكيان

مسألة معنى القول بان الله شيء

المجعول لصلاح الْأُمُور وإحتمال الْمَعَالِي وَملك تَدْبِير الْخَلَائق ودرك الخفيات من الْأُمُور بالفكر وَالنَّظَر فِي الْأَسْبَاب زما قَالُوهُ حسن وَقد يَقع بِمَا ذكرت فِي معرفَة الصَّانِع كِفَايَة عَن دَرك الْخَفي بِمَا وصل خفى من أَحْوَاله وَوصل الى الْعلم بِمَا استتر وَظهر بالأسباب وَبِه يعرف مَا خفى مِنْهُ سمى نفسا أَو لَا وَظهر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة معنى القَوْل بَان الله شَيْء ثمَّ الشَّيْء إِثْبَات لَا غير وَإِثْبَات عَن الهستية إِذْ لَا شَيْء نفى فَيعلم بِأَن الله سُبْحَانَهُ شَيْء لَا نفى عَن نَفسه أَنه شَيْء إِذْ ينفى عَامَّة أَحْوَال نَفسه وَيعلمهَا من غير أَن ينفى شيئيتها فَصَارَ يعرف ربه لَا من الْوَجْه الَّذِي يعرف أَنه شَيْء لذَلِك لم تمنع مَعْرفَته بشيئية نَفسه الْمعرفَة بربه أَنه شَيْء إِذْ لَا شيئية دلته على الرب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما الْجِسْم فَهُوَ اسْم لكل مَحْدُود وَالشَّيْء إِثْبَات لَا غير وَفِي وجود الْعَالم على مَا عَلَيْهِ دَلِيل الْإِثْبَات لذَلِك قيل بالشَّيْء وَفِيه إِذْ هُوَ متناه لَا من حَيْثُ الشيئية بل من حَيْثُ الْحَد دَلِيل نفى الْحَد عَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ إِلَّا أَن يُرَاد بِالْحَدِّ الوحدانية والربوبية فَهُوَ كَذَلِك وحرف الْحَد سَاقِط لِأَنَّهُ يغلب فِي الدّلَالَة على نِهَايَة الشَّيْء من طَرِيق الْعرض وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتعالى عَن ذَلِك وَذَلِكَ معنى الْجِسْم فِي الشَّاهِد وَفِيه أَيْضا إِيجَاب الْجِهَات الْمُحْتَمل كل جِهَة أَن يكون أطول مِنْهَا وَأعْرض وأقصر فَلذَلِك بَطل القَوْل بذلك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الهوية فِي الشَّاهِد كِنَايَة عَن الْوُجُود وتأويله نفى الْعَدَم عَنهُ وَالله تَعَالَى لم يزل وَلَا يزَال بِلَا تغير وَلَا زَوَال وَلَا انْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَلَا تحرّك وَلَا قَرَار إِذْ هُوَ وصف اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَمن تخْتَلف الْأَحْوَال عَلَيْهِ فَهُوَ غير مفارق لَهَا وَمن لَا يُفَارق الْأَحْوَال وَهن أَحْدَاث فَيجب بهَا الْوَصْف بالإحداث وَفِي ذَلِك سُقُوط الوحدانية ثمَّ الْقدَم ثمَّ جرى لتدبير الْغَيْر عَلَيْهِ إِذْ حَال من الْأَحْوَال لَو كَانَت لذاته لم يجز تغيرها مَا دَامَت ذَاته فَثَبت بذلك الْغَيْر لتغير الْأَحْوَال عَلَيْهِ وبنقله من حَال إِلَى حَال وَذَلِكَ دَلِيل تعاليه عَن الْوَصْف بِالْمَكَانِ إِذْ قد ثَبت أَن كَانَ وَلَا مَكَان وَلَيْسَ فِي الْإِضَافَة إِلَى أَنه على الْعَرْش اسْتَوَى تثبيت مَكَان كَمَا لم يكن فِي قَوْله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَقَوله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم} ذَلِك على أَن القَوْل بِالْمَكَانِ لَيْسَ من نوع التَّعْظِيم والتبجيل بل الْأَمْكِنَة إِنَّمَا شرفت بِهِ وتفاوتت أقدارها بتفضيله مَكَانا على مَكَان يَجعله مَخْصُوصًا لأخيار خلقه أَو لما جعل لعبادته وتعظيمه فِيهِ فَأَما أَن يكون أحد تعلو رتبته بِالْمَكَانِ من مُلُوك الأَرْض أَو الأخيار فَلَيْسَ بِهِ فَكيف بِالْملكِ الْجَبَّار الَّذِي مَا ارْتَفع قدر مَكَان وَلَا جلّ خطره إِلَّا بِهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك بَطل أَن يكون فِي الْإِضَافَة تَعْظِيمه ثمَّ يكون فِيمَا بعد ذَلِك للْحَاجة وَهُوَ يتعالى عَنْهَا فَلذَلِك لم يجب بقوله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} معنى الْكَوْن فِي الْمَكَان إِذْ ذَلِك الْحَرْف يعبر بِهِ عَن الْعُلُوّ والجلال ومحال مثله لَهُ بخلقه فَثَبت أَن ذَلِك من الْوَجْه الَّذِي يسْتَحقّهُ بِذَاتِهِ من الْعُلُوّ والرفعة وَمَا هُوَ بِذَاتِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَانَ كَذَلِك وَلَا خلق لم يجز الْوَصْف لَهُ بالخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مَعَ مَا يكون ذَلِك الإعتقاد عَن علم تقدم بِحَال من يُضَاف إِلَيْهِ ذَلِك فِي الشَّاهِد قبل الْإِضَافَة من الإحتمال ثمَّ الله سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَا مَكَان وعَلى ذَلِك اعْتِقَاد الْأَنَام لم يجز أَن يتَغَيَّر الْفَهم عَن الْإِضَافَة عَمَّا كَانَ من قبل وَإِلَيْهِ ينْصَرف الْفَهم عَن الْإِضَافَة إِلَى خلقه على أَن تَخْصِيص إضافات الْأَشْيَاء إِلَى الله فِي الشَّاهِد يخرج مخرج التَّعْظِيم لَهَا بِمَا جعل فِيهَا من الْأُمُور المرضية وَالْأَحْوَال المحمودة فَمَا بَال الْعَرْش من بَين ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك يفْسد قَول من يصفه بِكُل مَكَان إِذْ لَا فرق بَين مَكَان وَاحِد مَخْصُوص يُضَاف إِلَيْهِ وَبَين الْجُمْلَة بل الْفَرد فِي بَيَان تَعْظِيمه أولى إِذْ فِي ذَلِك تَخْصِيص ذَلِك الشَّيْء بِالذكر وَفِي الذّكر تشريف وتكريم فَيرجع إِلَى ذكر علو ذَلِك الشَّيْء وَفِي الْإِرْسَال وَجمع الْكل إِلَى تَخْصِيصه وَحَقِيقَته صفة الله كَمَا يُقَال رب كل شَيْء وإله كل شَيْء على تَعْظِيم الرب وتبجيله وَإِذا قيل رب مُحَمَّد وإله إِبْرَاهِيم فَإِنَّمَا يقْصد قصد تشريفهما وتعظيمهما فَقِيَاس ذَلِك أَن تكون الْإِضَافَة إِلَى الْعَرْش توجب تَعْظِيم الْعَرْش وتكريمه وَإِلَى كل الْأَمْكِنَة توجب وصف الله بهَا وَذَلِكَ قَبِيح إِذْ لم يكن يُوصف بِهِ فِي الْأَزَل وَلَا يُوصف شَيْء بِالْقربِ إِلَى الله من طَرِيق الْمسَافَة والمساحة وَلَا هُوَ بِالْقربِ إِلَى شَيْء من ذَلِك الْوَجْه إِذْ ذَلِك جِهَة الْحُدُود وَالتَّقْدِير بالأمكنة وَقد كَانَ وَلَا مَكَان فَهُوَ على مَا كَانَ يتعالى عَن الزَّمَان وَالْمَكَان إِذْ إِلَيْهِمَا ترجع حُدُود الْأَشْيَاء ونهايتها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة في أسماء الله

مَسْأَلَة فِي أَسمَاء الله وَقَول الرجل قد يكنى بِهِ عَن اسْمه كَقَوْل فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين قَالَ {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَقَول الله لمُوسَى {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي} فجواب الأول أَن يُقَال وَقد يكون مَا هُوَ مَا صفته فَجَوَابه سميع بَصِير وَمَا هُوَ أَي مِمَّا يعرف لَهُ مائية فِي الْخلق فَهُوَ يتعالى عَن الْمِثَال وَمَا هُوَ يحْتَمل مَا فعله فَجَوَابه خلق الْخلق وَوضع كل شَيْء مَوْضِعه وَذَلِكَ حكمته وَقد يحْتَمل مَا هُوَ أَي مِمَّن هُوَ فَهُوَ يتعالى عَن أَن يكون من شَيْء بل هُوَ مكون الْأَشْيَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالسُّؤَال عَن الْكَيْفِيَّة يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا طلب الْمِثَال لَهُ أَن يكون مثلا لشَيْء من الْأَشْيَاء وَالله وَاحِد يجل عَن الْأَشْبَاه وَيحْتَمل كَيفَ صفته فَجَوَابه مثل الأول أَن لَيْسَ لصفته كَيفَ إِذْ هُوَ طلب الْمِثَال وَهُوَ يتعالى عَن الشّبَه بِالذَّاتِ وَالصّفة إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ أيوصف هُوَ قيل بلَى بِمَا وصف بِهِ نَفسه من الرَّحْمَة وَالْعلم وَالْقُدْرَة وَقَول الْقَائِل أَيْن هُوَ سُؤال عَن مَكَان وَقد بَينا أَنه يتعالى عَن ذَلِك وَلَا يُوصف الله سُبْحَانَهُ بالإتصال بالأشياء وَلَا الإنفصال وَلَا بالحلول فِيهَا وَلَا بِالْخرُوجِ مِنْهَا من جِهَة الْمسَافَة على مَا هُوَ لِأَن الله تَعَالَى كَانَ وَلَا غَيره فمحال انْتِقَاله مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لما مر بَيَانه وعَلى التَّفْسِير بِالْخرُوجِ من صِفَات الْخلق وَشبهه يجوز وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

الحكمة في خلق الجواهر الضارة

ويوصف بِالْقربِ من طَرِيق العون والنصر وَمن جِهَة التشريف والتخصيص وَمن جِهَته الرَّحْمَة وَالْإِحْسَان وَمن جِهَة التَّوْفِيق والإرشاد وَهَذَا النَّوْع لِأَن وصف هَذَا كُله وصف ذاتي جَائِز أَن يُقَال لم يزل رحِيما بأوليائه محبا لَهُم لوقت كَونهم لَهُ أَوْلِيَاء مبغضا لأعدائه على ذَلِك وَأما الْوُجُوه هِيَ حَقِيقَة تِلْكَ الصِّفَات يحققها غَيره لَا أَنه بِذَاتِهِ يُوصف فَإِنَّهُ فَاسد لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون لَهُ مدح وتمجيد وتعظيم فَيكون لَهُ ذَلِك بِغَيْرِهِ فَيصير بخلقه الْخلق ممدوحا مُنْتَفعا وَهُوَ الْغنى بِنَفسِهِ يتعالى أَن يكون لَهُ بِأحد مدح أَو نفع فَلذَلِك لَا يُوصف بذلك جلّ جَلَاله ثمَّ القَوْل بِفِعْلِهِ أَنه لَا يجوز أَن يكون مَفْعُوله لما لَا يعرف ذَلِك فِي الشَّاهِد وَلما يُوصف بِهِ وَلَا يُوصف بِغَيْرِهِ وَلما بَينا أَن الْوَصْف بِغَيْرِهِ يُوجب الْحَاجة إِلَيْهِ ويوصف بِهِ فِي الْأَزَل لما بَينا من إِحَالَة التَّغَيُّر والزوال وَلما لَو جَازَ الْوَصْف بِمَا هُوَ حَال فِي غَيره لجَاز الْوَصْف بِكُل شَيْء من خلقه وَذَلِكَ مُمْتَنع وَقد بَينا هَذَا فِيمَا تقدم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْحِكْمَة فِي خلق الْجَوَاهِر الضارة قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله الْحِكْمَة فِي خلق الْحَيَّات والجواهر الضارة وَإِن كَانَت الْعُقُول تقصر عَن بُلُوغ كنه حِكْمَة الربوبية على مَا سبق القَوْل فِي لُزُوم الْحِكْمَة لكل شَيْء من الْوَجْه الَّذِي خلقه الله وَإِن لم يعرف مائيتها يكون من وُجُوه المحنة بالضار والنافع الْحَاضِرين ليعلم بهما لَذَّة الثَّوَاب على الطَّاعَة وألم الْعقَاب على الْمعْصِيَة إِذْ الْخلق جبلوا على قصد العواقب فِي الْأَفْعَال فَجعل لَهَا مِثَالا من العيان لتتصور الْمَوْعُود فِي الأوهام فيسهل بِهِ السَّبِيل وَالله الْمُوفق وَالثَّانِي أَن المحنة هِيَ تحمل الْمُؤْنَة الَّتِي تسهل وتصعب على الْبدن بِالنّظرِ والفكر وَالنَّاس فِي تكلّف النّظر والفكر يَخْتَلِفُونَ لِأَنَّهُ لَيست لَهما مَنْفَعَة حَاضِرَة

وَبِهِمَا الشّغل عَن اللَّذَّات والشهوات وَتحمل مثله على الْبدن عسير وَفِي التَّقْصِير فيهمَا اخْتِلَاف وتفرق وَذَلِكَ يعقب المعاداة والمجادلة وَفِي الْمُوَافقَة مولاة ومسالمة فَجعل الله تَعَالَى لَهُم فِيمَا خلق لَهُم شَبيه الْأَعْدَاء بِمَا فِيهَا من المضار وَمِثَال الْأَوْلِيَاء بِمَا فِيهَا من الْمَنَافِع ليَكُون بشرهم زاجرا لَهُم على اعتياد كَيْفيَّة معاملات الْأَعْدَاء والأولياء حَتَّى إِذا بلغُوا بمثلهم فِي جوهرهم عرفُوا كيفيته من الحذر وَالتَّأَهُّب والمعونة والنصر وعَلى ذَلِك يُؤمر الصّبيان عِنْد احْتِمَال وسعهم الْعِبَادَات والأخلاق المحمودة للإعتياد ليسهل سَبِيل ذَلِك عَلَيْهِم وَقت التَّكْلِيف فَمثله فِي خلق مَا ذكر وَالله أعلم وَأَيْضًا أَن الْخلق على اخْتِلَاف جوهرهم فِي المضار وَالْمَنَافِع جعلهم الله فِي الدّلَالَة على مُدبر لَهُم حَكِيم عليم وعَلى وحدانيته كجوهر وَاحِد فِي الإتفاق من جِهَة الدّلَالَة وَالشَّهَادَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَيكون فِي ذَلِك بَيَان عَجِيب حكمته أَن جمع بَين الضار والنافع وَالْخَيْر وَالشَّر على تناقضهما فِي الدّلَالَة على وحدانيته وَالشَّهَادَة بربوبيته وَاحِدًا وَأَيْضًا إِنَّه خلق ذَلِك ليذل بِهِ الْجَبَابِرَة والملوك فيعلو بذلك ضعفهم وَلِئَلَّا يغتروا بِكَثْرَة الْحَوَاشِي والجنود فيتعدوا حُدُود الله بِمَا يرَوْنَ من سُلْطَان فِي قدرته تسليط من يَشَاء على من يَشَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وليعلم من تَأمل خلقه على جَوْهَر الضَّرَر والنفع على غناهُ وتعاليه عَن أَن تمسه الْحَاجَات لِأَن من ذَلِك وَصفه فَإِنَّمَا يخرج فعله على وُجُوه تَنْفَع وَلَا تضر وليعلم قدرته على مَا يَشَاء مَعَ مَا لَا يُشَاهد من الْجَوَاهِر الضارة إِلَّا وَفِيه مَنَافِع تعجز الْخَلَائق عَن الْإِحَاطَة بكنهها من ذَلِك النَّار مَعَ مَا فِيهَا من الإحراق فَفِيهَا من إصْلَاح الأغذية وَالْمَاء يجوز أَن يكون بِهِ حَيَاة كل ذِي روح وهلاكه

إختلاف الفرق في العالم

وَكَذَلِكَ كل جَوْهَر مر أَو سم إِلَّا فِيهِ دَوَاء للداء المعضل ليعلم النَّاظر أَن القَوْل بِالشَّرِّ بالجوهر وَالْخَيْر خطأ بَاطِل بل كل جَوْهَر مِنْهُ ضرّ ونفع فَيكون فِي ذَلِك أعظم آيَات التَّوْحِيد مَعَ مَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْقُدْرَة التَّامَّة على ملك مَا يضر وينفع ليرجو وَيخَاف وَمن لَا يكون كَذَلِك لَا يتم الْأَمر بِهِ لِأَنَّهُ لَا يرهب مِنْهُ وَلَا يرغب فِيمَا عِنْده وَقد يغلبه من لَهُ الْأَمْرَانِ أَيْضا وَالثَّانِي ليتم العبر وليصح الْأَمر والنهى فَيكون للنَّظَر والفكر مجَال فِي الْأَمريْنِ وَلِأَنَّهُمَا عظة بهما وعبرة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه إختلاف الْفرق فِي الْعَالم نبتدأ الْحَمد لله الْعلي الحميد ونتوجه إِلَيْهِ بالشكر لَهُ والتمجيد على مَا أيدنا بِهِ من التسديد ونرغب إِلَيْهِ فِي العون على مَا قصدنا لَهُ والتأييد فَإِنَّهُ على كل شَيْء شَهِيد ونسأله أَن يصلى على مُحَمَّد أفضل مَا صلى على أحد من خِيَار خلقه وَأَن يُعْطِيهِ سؤله وَأَن يلحقنا بِهِ بجوده فَإِنَّهُ غنى كريم قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أما بعد فَإِنِّي تَأَمَّلت وَجه اخْتِلَاف الْبشر فِي الْعَالم بعد ظُهُور آيَات حَدثهُ وأدلة جرى تَدْبِير غَيره عَلَيْهِ إِذْ مَا من شَيْء من جَوْهَر الْعَالم وأركانه إِلَّا وَهُوَ بجوهره يشْهد بِأَنَّهُ مُدبر مفطور وَأَنه مُضْطَر إِلَى عليم بأحواله غنى بِملك حَوَائِجه حَكِيم يضع كل شَيْء مَوْضِعه لِئَلَّا يتناقض فيتبدد وَأَنه لَا يحْتَمل بجوهره أَن يرجع إِلَى عدد من المدبرين بِمَا لَدَيْهِ تمكن الإختلاف الَّذِي عِنْده يُرِيد كل أَن يظْهر سُلْطَانه ويغلب ملكه ويقهر كل من نازعه وَفِي ذَلِك التفاني وَالْفساد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لوَاحِد مِنْهُم فضل قُوَّة أَو نصر يخضع لَهُ الْجَمِيع فَيصير كل خاضعا لَهُ ذليلا بِمَعْنى كل جَوْهَر من جَوَاهِر الْعَالم فِي خُرُوجه على مَشِيئَة غَيره وجريه عَلَيْهِ سُلْطَانه وَهُوَ

الْمَعْنى الَّذِي هُوَ دَلِيل مُدبر الْعَالم عليم حَكِيم ليقوم بِهِ هُوَ وَيتم وَيخرج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود إِذْ الأعجوبة فِي ابْتِدَاء كَونه إِلَى من يعلم كَيْفيَّة إنْشَاء الْأَشْيَاء لَيست بِدُونِ الأعجوبة فِي دَوَامه وقيامه على مَا هُوَ عَلَيْهِ بل كَانَت أظهر وَالْحَاجة فِي ذَلِك إِلَى غَيره أعظم إِذْ هُوَ عَن تَدْبِير نَفسه أعجز وَأَسْبَاب آجاله لَهُ بِهِ أعظم مَعَ مَا فِي كل براهين كَونه بعد أَن لم يكن أيبن إِذْ كل ذِي عقل وبصر لَعَلَّه يذكر ابتداءه أَو تقلبه من أَحْوَال تقدّمت من الصغر واللطافة مِمَّا إِذا لم يَجْعَل لتِلْك الْجُمْلَة ابْتِدَاء يبطل كَونه ثمَّ احْتِمَال كل الوهن والضعف إِلَى أَن يتلاشى وَيبْطل مِمَّا يضطره إِلَى الْعلم بِكَوْنِهِ بعد أَن لم يكن وَإِن كَانَ ذَا أَمر من يملك التَّدْبِير وَيعلم بالأحوال فالموات هُوَ الَّتِي تَحت تَدْبِير الْأَحْيَاء يَنْتَفِعُونَ بِهِ من حَيْثُ لَا يشْعر بذلك أَحَق بذلك ثمَّ دلّ كَون الْأَمْوَات على مَا للأحياء بهَا الإستمتاع على أَن الَّذِي دبرهَا هُوَ الَّذِي دبر الْأَحْيَاء إِذْ جعلهَا مستمتعا لَهُم بهَا صَلَاحهمْ فَرَأَيْت الشُّبْهَة اعترضت الْبشر من بعد مَا بَينا مِمَّا يجب أَن يكون بِهِ دفع الشُّبْهَة لمن تصح من أوجه ثَلَاثَة أَحدهَا التَّقْلِيد بِمن ألفت نَفسه بِهِ ومالت إِلَيْهِ فَترك التفكر فِي الْأَدِلَّة وَأَقْبل على أماني النَّفس ثِقَة بهم أَو رَغْبَة فِي صحبتهم والوصول بهم إِلَى شهوات النَّفس أَو أتهاما لآرائهم أَن تهيء بهم إِلَى رشد أَو إنعامهم وَغَيره من أَسبَاب الشَّقَاء حَتَّى يبلغ بهم العياذ بشره النَّفس وَسُوء عاداتها وَالثَّانِي نظر إِلَى الْوُجُود مِمَّا يَقع تَحت الْحَواس فَوَجَدَهُ يتقلب من حَال إِلَى حَال بالمواد والأغذية وتولد بعض عَن تعض وظنوا أَن كَون الْأَشْيَاء لَا عَن شَيْء وَالْفُرُوع لَا عَن أصل محَال وجوده لأَنهم لم يعاينوا ذَلِك وَالشَّاهِد عِنْدهم هُوَ دَلِيل الْغَائِب ثمَّ تفَرقُوا فَمنهمْ من يَقُول على هَذَا أَمر الْعَالم فِي الْأَزَل

لكِنهمْ اخْتلفُوا فَمنهمْ من يَجعله كَذَلِك على مَا بَينا من غير أَن يكون لَهُ صنع وعَلى هَذَا يخرج مَذْهَب أَصْحَاب الطبائع إِن التَّفَاوُت والإختلاف على اخْتِلَاف الطبائع وتفاصيلها وسماها قوم هيولي والتفاوت فِي الَّذِي ذكرت على مِثَال الأصباغ إِنَّهَا تخرج على ألوان مُخْتَلفَة بتفاوت المزاج واعتداله وعَلى ذَلِك جعلُوا جَوْهَر الْبشر من اعْتِدَال الطبائع وَالدَّوَاب من اضطرابه وعَلى هَذَا كل شَيْء وَمِنْهُم من يرى أَصله الْأَرْبَع من الطبائع وَلَكِن لكل جَوْهَر أصلا والطبائع دخيلة فِيهَا وَمِنْهُم من يَجعله كَذَلِك بالطبائع وَيَقُول هُوَ وَاحِد ويجعله عِلّة لكَون الْعَالم فَيُوجب قدمه بِوُجُودِهِ وَيذْهب فِي إِثْبَات الصَّانِع إِلَى اتساق الْأَشْيَاء واتقانها إِذْ ذَلِك لَا يكون إِلَّا بمدبر عليم إِذْ الطَّبْع لَا يرجع إِلَى قدرَة وَبِه صَلَاح الْأَشْيَاء فَقَالُوا بالصانع ثمَّ إِذْ هُوَ كَانَ فِي الْأَزَل فأوجبوا كَون الْعَالم فِي الْأَزَل على نَحْو اقتران الْأَشْيَاء بعللها على أَنه إِذْ كَانَ الْعَالم مواهبه ونعمه وَأَنه قَادر بِذَاتِهِ فَثَبت وجوده وَكَرمه بِذَاتِهِ فَيلْزم كَون الَّذِي كرمه يُوجِبهُ وَقدرته توجده وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا الْعَالم كَانَ عَن أصل حدثت الصَّنْعَة فِيهِ لكِنهمْ اخْتلفُوا فَمنهمْ من يَجْعَل أصلة طِينَة أحدث الْبَارِي مِنْهَا هَذَا الْعَالم وَقوم يجعلونه النُّجُوم وَالشَّمْس بِمَا كن يجرين دائبات وبجريهن نشوء الْعَالم ويجعلون للجرى ابْتِدَاء بإحالة كَون شَيْء بِشَيْء إِلَى مَا لَا أول لَهُ وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا تعترض فِيهَا الْأَعْرَاض فَمن ذَلِك تولد الْعَالم يسمونه من قبل هيولي ويصفونه على مَا يصف أهل التَّوْحِيد الصَّانِع ثمَّ أبطلوا ذَلِك بإحتمال قبُول الْأَعْرَاض وتغيره من حَال إِلَى حَال

وَمِنْهُم من يَقُول أَصله اثْنَان نور وظلمة من النُّور كل خير ونفع وَمن الظلمَة كل شَرّ وضار لَكِن مِنْهُم من يَقُول كَانَا متباينين فامتزجا على مَا مر بَيَانه وعَلى قَول أَصْحَاب الهيولي والطينة يجب أَن يَكُونَا وَاحِدًا فتفرقا إِذْ هُوَ الأَصْل فصارا أصلا للشر وَالْخَيْر فبالتفريق عمل كل عمله على أَن عَامَّة هَؤُلَاءِ يجْعَلُونَ كَون الْعَالم بالطبيعة لَا بِالْفِعْلِ وَالثَّالِث الإعتبار بالمعاني فَقَالُوا إِنَّا نجد الْعَالم اشْتَمَل على نفع وضر وعَلى خير وَشر ثمَّ فِي الْعرف أَن فَاعل الْخَيْر مَحْمُود وَمن ينفع غَيره رَحِيم حَكِيم وَأَن فَاعل الشَّرّ مَذْمُوم وَمن يضر غَيره قَاس سَفِيه لم يجز أَن يجِئ من الله الَّذِي هُوَ حَكِيم رَحِيم فعل الشَّرّ أَو الضَّرَر بِأحد وَمثله فِي الشَّاهِد وَلَا لَهُ السَّفه والقساوة وَهَذَا مِمَّا ينْتَفع بِهِ أَو يدْفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكيف لمن لَا ينْتَفع بِشَيْء وَلَا يضرّهُ شَيْء على قَوْلهم إِن الْحَكِيم فِي الشَّاهِد من يجر بِفِعْلِهِ النَّفْع بِهِ وَالضَّرَر فَأَما من يضر غَيره بِلَا نفع لَهُ فَلَيْسَ هُوَ بِحَكِيم فَقَالُوا هَذَا باخْتلَاف الأَصْل الَّذِي مِنْهُ الْعَالم ليرْجع كل مَوْجُود فِيهِ إِلَى أَصله من خير أَو شَرّ أَو كَانَ وَاحِدًا فِيهِ الجوهران فتفرقا فَكَانَ من كل مَا يكون من مثله أَو بِمَا اعترضت فِيهِ الْأَعْرَاض اخْتلف فَرجع إِلَى هَذَا قَول الدهرية الْمُنكرَة للصانع والمثبتة جَمِيعًا لعدد فَسَمت الثنوية لقَولهم الْخَيْر بجوهره نور وَالشَّر ظلمَة وَالْمَجُوس سموا الْخَيْر الله وَالشَّر الشَّيْطَان قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَو أنعم هَؤُلَاءِ الْفرق النّظر فِيمَا تقدم من ذكر الْأَدِلَّة لعلموا قُصُور عُقُولهمْ عَن الْوُقُوف على الْحِكْمَة البشرية فضلا عَن أَن يحيطوا بحكمة الربوبية مَعَ مَا فِيمَا إِلَيْهِ صَارُوا فِي الإختيار منع لَهُم عَن دَعْوَى

معرفَة حَقِيقَة الْحِكْمَة والسفه إِذْ من مَذْهَبهم أَن لَا يرَوْنَ بجوهر الشَّرّ إِلَّا الشَّرّ وبجوهر الْخَيْر إِلَّا الْخَيْر ثمَّ لَا يدْرِي فِيمَا سموهُ سفها أَو حِكْمَة إِنَّه فعل الشَّرّ أَو فعل الْخَيْر وكل الْإِنْسَان عِنْدهم مشوب من الْأَمريْنِ يرى بِكُل وَاحِد خلاف مَا يرى بِالْآخرِ فَلَعَلَّهُ رأى الْحِكْمَة سفها والسفه حِكْمَة ثمَّ لَا يوثق بقوله لِأَنَّهُ خير فَهُوَ من جَوْهَر الظلمَة كذب كُله وَمن جَوْهَر النُّور صدق كُله فَلَا يدْرِي بِأَيّ جوهرين ينْطق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِذْ لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا قدرَة على الضَّرَر وَلَا للأخر قدرَة على النَّفْع فَانْقَطع مَوضِع الرَّجَاء وَالْخَوْف جَمِيعًا فَيذْهب مَنْفَعَة معرفَة الْحِكْمَة والسفه ثمَّ إِذْ كَانَ كل وَاحِد من الجوهرين يعْمل بالطبع فوقوع الْعلم بالحكمة إِذا محَال والسفه بالطبع وَالْحكمَة هِيَ وضع كل شَيْء مَوْضِعه والسفه وضع كل شَيْء فِي غير مَوْضِعه ومحال وصف ذِي طبع بِهِ إِذْ هُوَ اخْتِيَار والنور عِنْدهم لَا يعلم مَا السَّفه فيحذره وَلَا الظلمَة تعلم مَا الْحِكْمَة وَالْجهل بمائية الشَّيْء وبالوضع لَهُ شَرّ فَصَارَ جَوْهَر النُّور عِنْدهم هُوَ الَّذِي اجْتمع فِيهِ الْعلم وَالْجهل ثمَّ الْقُدْرَة وَالْعجز بِمَا لَا يقدر على صرف السَّفه عَن نَفسه وَلَا يمْنَع الظلمَة عَن الضَّرَر بِهِ فَصَارَ جَوْهَر الْخَيْر عِنْدهم مشوبا بِالشَّرِّ وجوهر الظلمَة لَا خير فِيهِ فَلَزِمَ على قَوْلهم غَلَبَة الشَّرّ على الْخَيْر وَالَّذِي هُوَ خير لم يعرف الشَّرّ والسفه فَكيف يعرف هَذَا الَّذِي يُولد عَن جَوْهَر الْخَيْر بعد غَلَبَة الشَّرّ عَلَيْهِ الْخَيْر وَالشَّر على أَن كل ذِي طبع مقهور إِذْ لَا يملك صرف مَا يُوجِبهُ الطَّبْع وَإِيجَاب الْخلاف وَفِي ذَلِك إِيجَاب قاهر يَجْعَل ذَا شرا بالطبع وَهَذَا خيرا وَلَو رد ذَا إِلَى اثْنَيْنِ كَانَ فيهمَا مَا فِي هذَيْن نَحْو التسخين والتبريد أَنه يكون بِمن جعله كَذَلِك وَفِي ذَلِك إِيجَاب القَوْل بِالْوَاحِدِ وَمن يَقُول بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا خَالق قَادر فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو كل وَاحِد مِنْهُمَا من أَن يعلم الْوَجْه الَّذِي يمْنَع الآخر عَن عمله أَو لايقدر عَلَيْهِ أَو لَا فَإِن لم يعلم وَلم

يقدر اجْتمع فِي النُّور الْجَهْل وَالْعجز وَفِي ذَلِك بطلَان السَّبَب الَّذِي لَهُ قَالُوا بإثنين وَإِن علم وَقدر ثمَّ لم يعْمل فِي الْمَنْع لحقه وصف الشَّرّ ثمَّ لَا يَخْلُو النُّور من أَن يعادي الظلمَة أَو لَا وَيُحب تَشَاغُله أَو لَا فَإِن كَانَ لَا يعادي وَيُحب فَذَلِك شَرّ لِأَن ترك عَدَاوَة الْعَدو والمحبة لَهُ شَرّ وَإِن كَانَ يعاديه ويبغضه فالعداوة والبغض شَرّ فِي الْمَعْرُوف من الشَّاهِد فَإِن قَالَ ذَلِك فِي الشَّاهِد لثُبُوت الْآفَات فَمثله فِي جَمِيع مَا أنكر من الْحِكْمَة فِي خلق النَّوْعَيْنِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنه لَا بُد من الْإِقْرَار بِعلم بعد الْجَهْل فِي الشَّاهِد وبالإحسان بعد الْإِسَاءَة وبالندم بعد ذَنْب وبالإقرار بالإساءة بعد الْعقل وَكَذَلِكَ باعتقاد شَيْء حَقًا بعد أَن اعتقده بَاطِلا للوجود فِي الشَّاهِد فَأَما أَن نجْعَل الْأَمريْنِ من النُّور فَيكون مِنْهُ الْجَهْل والإساءة والذنب والسفه وكل شَيْء فَبَطل قَوْله بالإثنين لهَذَا الْوَجْه أَو نجْعَل الْإِسَاءَة والسفه وَالْجهل من الظلمَة وَالْإِقْرَار وَالْإِحْسَان والندامة من النُّور فَيكون ذَلِك كذبا وتحزبا وإهتماما وكل ذَلِك عِنْده من فعل الظلمَة فقد أثْبته للنور ثمَّ الْإِقْرَار بِمَا لم يكن كذب وسفه وَإِمَّا أَن يَكُونَا من الظلمَة فَيكون مِنْهَا خير وَشر وَأَيْضًا أَن النُّور لَا يَخْلُو من أَن يهتم للشر يحل بأوليائه ويحزن عَلَيْهِ أَو لَا فَإِن اهتم وحزن بَطل قَوْله هُوَ كُله لَذَّة وسرور وَإِن لم يحزن بَطل قَوْله فِي فعل الشَّرّ وَالضَّرَر إِنَّه الْقَسْوَة والشدة لَا الرَّحْمَة وَذَلِكَ فِي القَوْل بإثنين بِمَ يُقَال لَهُ التحرك بعد السّكُون أَو لَا وَيُرِيد شَيْئا ثمَّ ينفر عَنهُ وَيُحب أمرا ثمَّ يبغضه ويكلم فِي هَذَا بِمثل الَّذِي ذكرت فِي الْفَصْل الأول وَالله الْمُوفق فَإِن زعمت الثنوية فِي جَمِيع مَا عَارَضنَا من اخْتِلَاف الْأَحْوَال وتضادها أَن ذَلِك كَذَلِك فِي الشَّاهِد لشوائب الْآفَات من الظلمَة فِي جَوْهَر النُّور فَيرى الشَّيْء بِغَيْر صورته وَبهَا يَقع التَّوَاتُر للْعلم بالأشياء قيل فَمَا يبعد أَن يكون قَوْلك كَذَا لَيْسَ

بحكمة وَلَا رَحْمَة بل هُوَ سفه وقسوة إِنَّمَا كَانَ مِنْك لما شابك من آفَات الظلمَة فمنعك أَن ترى كل شَيْء بجوهره وَصورته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الله سُبْحَانَهُ إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَيْهِ بِذَاتِهِ لَا يعجزه شَيْء الْغنى بِنَفسِهِ لَا يحوجه شَيْء الْعَلِيم بِذَاتِهِ لَا يجوز أَن يجهل شَيْئا الْحَكِيم بِذَاتِهِ لَا يجوز الْخَطَأ مِنْهُ فِي الْفِعْل بَطل أَن يكون فِي خلقه تفَاوت تتناقض لَدَيْهِ الشَّهَادَة يتضاد فِيهِ التَّدْبِير وَلزِمَ القَوْل بِكُل مَا لَا تبلغه عقولنا بدرك الْحِكْمَة بعد أَن ثَبت أَنه منشئه ومحدثه أَن نعلم أَن فِيهِ حِكْمَة بليغة لم يبلغهَا على مَا لَا يعلم أَن كل حاسة من حواسنا جعلت لدرك مَا تقع هِيَ عَلَيْهِ وَإِن كَانَت تقصر رُبمَا عَن الْإِحَاطَة وتجيء حاسة أُخْرَى فتحيط بِهِ فَمثله الْعقل إِذْ هُوَ مَخْلُوق مَحْدُود لَا يُجَاوز الْحَد الَّذِي جعل لَهُ مَعَ مَا كَانَ مَوْجُودا فِيهِ قبح كل شَيْء يظْهر حسنه وَفَسَاد شَيْء يظْهر صَلَاحه فَثَبت أَنه رُبمَا يَعْتَرِيه مَا يمْنَع عَن كنه مَا يَقع عَلَيْهِ من الْحِكْمَة والسفه وَبعد فَإِن تَقْدِير جِهَة الْحِكْمَة مِمَّن هُوَ مُحْتَاج فَقير يحبب إِلَيْهِ حَاجته ويزين فِي عَيْنَيْهِ فقره وَيحسن أَشْيَاء قبيحه بِالْعَادَةِ والإلف وَكَذَلِكَ أضدادها فَإِن من هَذَا وَصفه من الْإِحَاطَة بحكمة الربوبية ولتلك الْآفَات أَيْضا عجز عَن إنْشَاء فعل لَا عَن شَيْء إِذْ هُوَ يتقلب بالجوارح وَيسْتَعْمل الْآلَات فَأنى يكون لمن ذَلِك مَحَله فِي فعله بعد علمه أَنه يعْمل بِقُوَّة أحدثت وَعلم أفيد هُوَ التحكم بِالْعَجزِ وَالْجهل على من هُوَ بِذَاتِهِ قَادر عَالم بِالْعَجزِ عَن مثله وَالْجهل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَلَيْهِم فِي الْفَصْل الأول أَن يُقَال أيا من النُّور والظلمة إِذا آذته بالإنتهاء عَنهُ وينهاه عَن ذَلِك فَإِن قَالَ لَا أقرّ بسفهه إِذْ مثله فعل السَّفِيه فِي الشَّاهِد وَإِن قَالَ نعم كلفه مَا لَا يحْتَمل جوهره عِنْده فَهُوَ سَفِيه أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما أَصْحَاب الطبائع فَإِن الطابع مقهور لَا يقدر على الإمتناع عَمَّا طبع عَلَيْهِ بل يقدر غير كل ذِي طبع أَن يمْنَع إِيَّاه عَن توليده فَثَبت أَن عمله لغيره مَا

يعْمل إِذْ قد يمْنَع بِغَيْرِهِ عَن الْعَمَل وَلَو كَانَ بِنَفسِهِ يعْمل ذَلِك مَا احْتمل مَا دَامَت نَفسه مَعَ مَا إِذْ كَانَ لَا يمْتَنع من عمل ثَبت أَنه مقهور تَحت قاهر عليم ثمَّ كل ذِي طبع لَا يعلم فِي شَيْء بطبعه إِلَّا أَن يكون الآخر مجعولا بِحَيْثُ يقبل ذَلِك نَحْو الشَّيْء الَّذِي يتَأَذَّى لَا يُؤْذِيه الْفِعْل الَّذِي فِي غَيره مؤذ وَكَذَلِكَ المؤلم والملذ وَكَذَلِكَ الأصباغ وَلَيْسَ عمل الطَّبْع أَن يَجْعَل شَيْئا يقبل طبعه ويتأثر بِهِ فَثَبت بِهِ كَون غير الطبائع مَعَ مَا لَو خلى بَين ذِي الطَّبْع وَعَمله لَكَانَ لَا يؤلف وَلَا يصور فَدلَّ وجودهَا على غير ذَلِك أَن لَهَا منشئا وَبعد فَإِنَّهُ لَو خلى بَين الأصباغ وانصباغ الْأَشْيَاء بهَا ليخرج فَاسِدا مسمما وَإِنَّمَا يصلح ذَلِك لحكيم عليم يضع كل شَيْء مَوْضِعه فَمثله أَمر الطبائع وَهُوَ فِي شَأْن الطبائع أَحَق إِذْ هِيَ تتنافر وفيهَا التباعد أَو يقْدَح فِي الْأَشْيَاء بِلَا حد وَفِيه الْفساد فَدلَّ الإتساق وَقيام الْأَعْيَان بهَا على عليم قاهر جمع بَينهَا وقهرها مَعًا مَعَ مَا كَانَ لكل مُجْتَمع الطبائع حَامِل يحملهَا لَيْسَ هُوَ لَهُنَّ فَثَبت بِالضَّرُورَةِ وجودهن وَقد مضى من هَذَا النَّوْع مَا فِيهِ مقنع وَقد نجد الْحَرَارَة ترْتَفع بطبعها والبرودة تنحدر وَقد يَجْتَمِعَانِ فِي جسم فَثَبت أَن ذَلِك لمدبر قاهر عليم وَمن يَقُول بقدم الْأَعْيَان فَوَجَدْنَاهَا غير خَالِيَة عَن الْحَوَادِث لمنع القَوْل بذلك لوجوه أَحدهَا فِي الْقدَم خلاء وَفِي ذَلِك تَكْذِيب شَهَادَة العيان وَالثَّانِي وجود كثير من الْأَعْيَان وابتداؤها لمدد تعد وَهِي من آخر الْجُمْلَة تحْتَمل مَا يحْتَمل الْكل لذَلِك لزم القَوْل وَلم يجز أَن يُقَال كَانَ كامنا فَظهر أَو مُتَفَرقًا فَاجْتمع لما فِيهِ إِثْبَات غير حكم العيان وَإِذا احْتمل ذَلِك وَإِن ارْتَفع عَن الْإِحَاطَة بِهِ احْتمل كَون الْعَالم من لَا شَيْء وَإِن ارْتَفع وجوده عَن توهم الْبشر بِدَلِيل والكمون لَا يحْتَمل لإحالة كَون شَيْء وَاحِد مَكَانا لعشرة مثله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلما لَا يَخْلُو العيان وَصفته من صور ثمَّ لَا يَخْلُو من مُصَور كَسَائِر مَا

مسألة في طرق التوحيد

يحس أَو صفته وَهِي لَا تقوم بِنَفسِهَا وَلَكِن بمقيم فَلَا يحْتَمل الْعَدَم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا كَانَ كل شَيْء يعلم من نَفسه عَجزه وجهله بأحواله وَمَا فِيهِ صَلَاحه فَيكون ذَلِك دَلِيل الْكُلية وَغير ذَلِك من الْأَدِلَّة الَّتِي تقدم ذكرهَا ثمَّ وصف الصَّانِع بِالْقُدْرَةِ فِي الْأَزَل والجود لَازم وَكَذَلِكَ عندنَا بالصنع ليَكُون كل على مَا كَانَ وَيكون أَبَد الآبدين على ارْتِفَاع الْقدَم عَن كل كَائِن بِهِ لِأَنَّهُ نوع الفناء وإحالة معنى التكوين عَنهُ إِذْ هُوَ الْكَوْن نَفسه وعَلى مَا كَانَ مَا لَا تَخْلُو الْأَعْيَان من الْحَوَادِث الَّتِي طريقها الْقُدْرَة وَالْكَرم ثمَّ رجعت إِلَى الْحَوَادِث على مَا يحْتَمل ذَلِك فَمثله الْأَعْيَان وَلَا قُوَّة إِلَّا الله وَلَو كَانَ الْكل قَدِيما لَكَانَ وصف الْقُدْرَة وَالْفِعْل يَزُول عَنهُ فِي الْحَادِث بل كَانَ تكوينه أَن يكون كل شَيْء على مَا علم أَن يكون وَيُرِيد بتكوين لم يزل بِهِ مَوْصُوفا إِذْ هُوَ يتعالى عَن الْحَوَادِث فِيهِ بِمَا يصير بِمَعْنى الْعَالم الَّذِي دلّ إحاطة الْأَحْدَاث بِهِ على حَدثهُ فَمثله الصَّانِع وَالله الْمُوفق مَسْأَلَة فِي طرق التَّوْحِيد قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ القَوْل بِالتَّوْحِيدِ من طرق هُوَ أَن قَول أهل الدَّهْر على اخْتلَافهمْ اتّفق على وَاحِد بادئ أَو قدم طِينَة أَو هيولي وَهُوَ وَاحِد حَتَّى اعترضت فِيهِ الْأَعْرَاض وتغيرت عَن الْحَال الأولى وَقَالَ الثنوية إِن الْحَكِيم الرَّحِيم الْعَلِيم وَاحِد وَإِن معنى الآخر لَيْسَ هُوَ بِمَعْنى الربوبية بل هُوَ ضد مَعْنَاهُ إِذْ هُوَ سفه كُله وَشر

وَأهل الْأَدْيَان يثبتون الْقدَم للْوَاحِد حَتَّى قَالَ قوم بتجسمه من بعد وَقوم إِن لَهُ ابْنا فهم على اخْتلَافهمْ أَجمعُوا على الْوَاحِد وَنَحْو ذَلِك أَنه لَيْسَ بِذِي شَبيه إِذْ محَال ذَلِك إِذْ لم يكن غَيره فَهُوَ على ذَلِك إِذْ الْوَجْه الَّذِي فِيهِ شبه وجود مَا فِي غَيره من الْحَدث وَذَلِكَ بعيد وَهَذَا معنى الْوَاحِد إِنَّه إِذْ هُوَ وَاحِد فِي علوه وجلاله وَوَاحِد الذَّات محَال من أَن يكون لَهُ فِي ذَاته مِثَال إِذْ ذَلِك يسْقط التَّوْحِيد وَقد بَيناهُ وَوَاحِد الصِّفَات يتعالى عَن أَن يشركهُ أحد فِي حقائق مَا وصف بِهِ الْعلم وَالْقُدْرَة والتكوين بل كل وصف من ذَلِك لغيره بِهِ بعد أَن لم يكن ومحال مماثلة الحَدِيث الْقَدِيم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أعْطى جَمِيع الْبشر مِمَّن لَهُ نظر التَّوْحِيد فِي الْجُمْلَة ثمَّ نقض كل فريق مِنْهُم مَا أعْطى فِي الْجُمْلَة بالتفسير إِلَّا فريق من أهل الْإِسْلَام لزموا مَا أَعْطَاهُم الْجَمِيع وَذَلِكَ نَحْو من يَقُول من الدهرية بالباري وَقدم الْبَارِي فَجعل مَعَه جَمِيع الْأَعْيَان فِي الْأَزَل وَفِي ذَلِك إبِْطَال التَّوْحِيد وَمن يَقُول بالطينة والهيولي فيجعلهما وَاحِدًا ثمَّ أتْلفه وَجعل مَا لَا يُحْصى مِنْهُ على الإنتقال والفناء وَمن يَقُول من الثنوية بِالْوَاحِدِ الْعَلِيم فَهُوَ يذهب إِلَى أَنه وَاحِد الْجِنْس إِذْ يَجْعَل جَمِيع الْخيرَات أَجزَاء لَهُ وَذَلِكَ قَول المنانية وَنَحْوهم من الزَّنَادِقَة وَالْمَجُوس فأبطلوا معنى الْوَاحِد بالْقَوْل بالجسم إِذْ هُوَ اسْم مَا يكثر مِنْهُ وَالْيَهُود حققوا لَهُ شبه الْخلق فيكثر بِهِ الْعدَد حَتَّى بلغ قَوْلهم إِلَى حد إِمْكَان الْوَلَد وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ بِالْوَاحِدِ فِي الكيان وَالثَّلَاثَة فِي القنومات منفى عَن كل

قنوم الْجُزْء وَالْحَد وَيَقُولُونَ كَانَ غير مجسم ثمَّ تجسم وَمَعْلُوم أَن الْجِسْم هُوَ صُورَة تتجزأ وتتبعض وَأَصْحَاب الطبائع لم يوجبوا الطبائع لأنفسها تعْمل حَتَّى يكون من يجمع بَينهَا وَيفرق وَذَلِكَ أزلي عِنْدهم وَمن منتحلي التَّوْحِيد الْمُعْتَزلَة يَقُولُونَ بالأشياء فِي الْقدَم وَاسم الْقدَم يَأْخُذ الْأَزَل فَمثله الْأَشْيَاء فَيبْطل على قَوْلهم التَّوْحِيد على مَا بَينا من قَول الدهرية فِي قدم الْعَالم مَعَ مَا كَانَ الله عِنْدهم غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَلَا رَحِيم ثمَّ صَار كَذَلِك يحدث الْأَشْيَاء على مَا قَالَت الثنوية من التباين بِالذَّاتِ ثمَّ الإمتزاج وعَلى مَا قَالَ أَصْحَاب الهيولي والطينة إِنَّه كَانَ وَاحِدًا على جِهَة ثمَّ صَار على تِلْكَ الْحَال بِمَا حدث من الْحَوَادِث لَكِن قَول أُولَئِكَ ألزم بِحَق الْعقل من قَول الْمُعْتَزلَة إِذْ هم ألزموا التَّغَيُّر بحوادث فِي الأَصْل وَهَؤُلَاء بحوادث فِي غَيره وَلَا أحد يتَغَيَّر فِي الشَّاهِد عَمَّا عَلَيْهِ بِمَا لَا يحل بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى هَذَا القَوْل الْحُسَيْن والبرغوث وَغَيرهمَا فِي هَذَا الثَّانِي وَهَؤُلَاء أَيْضا ألزموا التَّغَيُّر بِالْمَكَانِ حَيْثُ قَالُوا كَانَ وَلَا مَكَان ثمَّ هُوَ مَوْصُوف بِكُل مَكَان فألزموا الْوَصْف بالمحدث فَيبْطل معنى التَّوْحِيد والمشبهة يَقُولُونَ لَهُ مِثَال فِي الْخلق فِي الجسمية وَالْحَد وَالنِّهَايَة والحركات والسكون يحققون لَهُ مَا بِهِ عرف حدث الْعَالم ويجعلونه مِثَالا لَهُ جلّ الله عَن ذَلِك

فَحصل قَول فريق بِالتَّوْحِيدِ أَنه واحدي الذَّات إِلَيْهِ حاجات الْآحَاد متعال عَن معنى الْآحَاد عَمَّا يُوجب صفة الْأَعْدَاد ويتمكن فِيهِ صفة التَّغَيُّر والزوال أَو الْحُدُود وَالنِّهَايَة مَوْصُوف بالقدم والتكوين وَالْقُدْرَة جلّ وَعز عَن التَّغَيُّر والزوال وَالْحَمْد لله على كل حَال ثمَّ رَجَعَ اخْتِلَاف الدهرية إِلَى ثَلَاثَة إِلَى تبَاين ثمَّ الإجتماع وَذَلِكَ قَول الزَّنَادِقَة والثنوية وَمن يَقُول بِالنورِ والظلمة وَإِلَى اجْتِمَاع ثمَّ التباين وَذَلِكَ قَول من يَقُول بالطينة والهيولي مَعَ الْجَهْل بهما على القَوْل بالقدم وَيُشبه أَن يكون هَذَا قَول أَصْحَاب الطبائع على أَنه لم يظْهر ذَلِك من قَوْلهم ثمَّ بقدم التَّفَرُّق أَو الإجتماع ويرون مَا عَلَيْهِ الْعَالم عَلَيْهِمَا وعَلى ذَلِك قَول من يَقُول بقدم الْأَعْيَان مَعَ حوادث لَا أول لَهَا وَقَول المفرق بَين الْحَالين ظَاهر التَّنَاقُض لِأَنَّهُ أوجب أحد الْوَجْهَيْنِ لنَفسِهِ من التباين أَو الإجتماع إِذْ ذَلِك وَصفه بالقدم ثمَّ ذهب عَنهُ ذَلِك من غير ذهَاب نَفسه فَبَطل مَا كَانَ عَلَيْهِ مَعَ السَّبَب الَّذِي بِهِ كَانَ وَذَلِكَ وجود عِلّة إِيجَاد الشَّيْء فِي حَال ارتفاعه وَذَلِكَ فَاسد فِي الْعقل مَعَ مَا لَو جَازَ ذَا لجَاز أَن يصير الْقَدِيم حَدِيثا والْحَدِيث قَدِيما وَفِي ذَلِك بطلَان قَوْلهم فِي الْقدَم مَعَ مَا لَو جَازَ وجود مَا ثَبت بِنَفسِهِ زائلا وَمَا زَالَ بِنَفسِهِ ثَابتا لجَاز وجود

مَا وجد بِنَفسِهِ عديما وَعدم مَا عدم بِنَفسِهِ مَوْجُودا وَفِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا كَون الْعَالم بعد أَن لم يكن ووجوده بعد الْعَدَم وَفِي ذَلِك فَسَاد مَذْهَبهم وَوُجُوب القَوْل بِحَدَث الْعَالم بِلَا أصل لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي لَو جَازَ أَن يصير الْمُجْتَمع بِذَاتِهِ مُتَفَرقًا والمتفرق بِذَاتِهِ مجتمعا من غير حدث بِهِ لجَاز كَون الْمُجْتَمع مُتَفَرقًا وَقت كَونه مجتمعا إِذْ ذَاته قَائِم وَذَلِكَ مِمَّا لَا صَبر لِلْعَقْلِ عَلَيْهِ مَعَ مَا يَزُول بِهِ معرفَة الأغيار الْبَتَّةَ إِذْ لَا علم عَلَيْهِ أدل من الَّذِي ذكرت وَفِي ذَلِك جَوَاز جعل الشَّرّ خيرا والظلمة نورا والحي مَيتا والمتحرك سَاكِنا والبارد حارا وَنَحْو ذَلِك من الأضداد وَفِي جَوَاز ذَلِك بطلَان القَوْل بقدم التباين والإجتماع إِذْ كَانَا مَعًا وَفِي ذَلِك فَسَاد القَوْل بالدهر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَنَّهُمَا عِنْد التباين لَا يعدو إِمَّا أَن كَانَا كَذَلِك بالطبع أَو بالإختيار أَو بِأخر يجعلهما كَذَلِك وَكَذَلِكَ الْمُجْتَمع مِنْهُ ثمَّ التباين والإمتزاج لَا يعدوان مَا ذكرنَا فَإِن كَانَا كَذَلِك بالطبع لوَجَبَ أَن يزْدَاد من ذَلِك فِيمَا كَانَ أَصله التباين أَو الإجتماع أَن يزْدَاد مِنْهُ أَلا يرى أَن كل متحرك بالطبع يزْدَاد بحركة وَكَذَا يسْتَحق وَكَذَلِكَ كل جَوْهَر بطبعه يَعْلُو وموضعه فَوق وَمن بطبعه يسفل فمحال لَهما الإجتماع أبدا وَكَذَا هَذَا الْعبْرَة بَين من يَتَحَرَّك من جِهَة الْيَمين مَعَ الَّذِي يَتَحَرَّك إِلَى الْيَسَار وَفِي ذَلِك بطلَان مَا قَالُوا وَإِن كَانَ ذَلِك بالإختيار فَالْقَوْل بِأَن كَانَا على غير مَا عَلَيْهِمَا فَاسد لِأَنَّهُ لَا دَلِيل على تثبت خلاف لما عَلَيْهِ الشَّاهِد أَن يكون الَّذِي اخْتِيَاره التباين يَقع مَعَه اجْتِمَاع أَو الَّذِي اخْتِيَاره الإجتماع يَقع مَعَه تبَاين فَبَطل الإختيار مَعَ فَسَاد قَوْلهم من بَقَاء كل بجوهر الآخر واحتباسه وَتَحْقِيق ذَلِك أَن احتباس الْخَيْر فِي الشَّرّ شَرّ وَلما لَو كَانَ لَهما الإختيار لَكَانَ لَا يَخْلُو كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْقُدْرَة على منع الآخر عَن فعله وَاخْتِيَار ذَلِك وَالْعلم بكيفية ذَلِك فَإِن لم يكن بَطل معنى

الإختيار وَتحقّق فيهمَا جَمِيعًا الْعَجز وَالْجهل وَإِن كَانَ ذَلِك كَذَلِك بَطل الإختلاف عَمَّا كَانَا عَلَيْهِمَا لما بِهِ يصل كل إِلَى مَا يُؤْذِيه ويضره وَبعد فَإِن فِي تَحْقِيق ذَلِك تجهيل كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر وتعجيزه وَفِي ذَلِك إِفْسَاد القَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِن كَانَ ذَلِك بآخر ثَبت حدث التَّفَرُّق والتباين وهما لَا يخلوان مِنْهُ فَلَزِمَ حَدثهمَا وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بِالتَّوْحِيدِ بِمَا أُرِيد بِهِ نَفْيه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمن جهل الْأَمريْنِ جَمِيعًا فقد أقرّ أَن لَا قَول تكلم عَلَيْهِ وَأَنه مِمَّن لَا يحْتَمل عقله الْبَلَاغ إِلَى الْعلم بِهِ وَإِنَّمَا طَرِيقه التَّقْلِيد فأشكل عَلَيْهِ لاخْتِلَاف مَا أدّى إِلَيْهِ فَإِنَّمَا تكلم من عِنْده أَن الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ حق يظْهر عِنْد ذَلِك الْحق ثمَّ إِذْ محَال إجتماع الْأَمريْنِ من حَيْثُ بَينا من التَّنَاقُض فَثَبت أَن الْحق لَو كَانَ فِيمَا يَقُول أهل الدَّهْر فَهُوَ فِي أحد ذَيْنك الْقَوْلَيْنِ وَقد بَينا فسادهما جَمِيعًا وَبِاللَّهِ المعونة قَالَ مُحَمَّد بن شبيب فِي ذَلِك بِمَا كَانَ مَعْنَاهُ عندنَا إِنَّه إِذْ لَا يَخْلُو الْقَائِم على مَا عَلَيْهِ من التضاد والتناقض من أَن يكون كَذَلِك أبدا فَيبْطل كَونه من حَيْثُ لَا يتَوَهَّم كَون شَيْء من الْجُمْلَة إِلَّا أَن يكون شَيْء هُوَ فِيهَا فَيكون مَعَ ذَلِك كل كَائِن مِنْهَا الْمَانِع لكَونه فَيبْطل كمن يَقُول لَا يدْخل أحد هَذِه الدَّار حَتَّى يدخلهَا غَيره إِنَّهَا لَا تحْتَمل دُخُول أحد فِيهَا على وَفَاء الشَّرْط أَو إِن كَانَ عَن تبَاين قد تقدم فَيبْطل الْوُجُود للتضاد إِذْ حَقه التنافر بِمَا تضادا بالطبع وَلَو احْتمل الْخُرُوج عَن طبعهما الَّذِي فِيهِ التضاد والتضاد يُوجب مَا ذكرت بالإختيار لجَاز اخْتِيَار الفناء لَهُ فِي نَفسه وَإِن كَانَ هُوَ بطبعه بَاقٍ وَإِذا بَطل الْوَجْهَانِ ثَبت أَنه كَانَ بعد أَن لم يكن بِمن أحدثه كَذَلِك على مَا فِيهِ الإختلاف والإتفاق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ لَا يجوز أَن يحدث بِلَا مُحدث لما لَا يكون الْعَدَم بِهِ والوجود إِلَّا وَاحِدًا وَلما لَا يعرف صُورَة إِلَّا من مُصَور وَلما تغير الْأَوْقَات من شتاء وصيف وَنَحْو ذَلِك ثَبت أَنه كَانَ كَذَلِك فعورض بِمَا لَو كَانَ فِيمَا كَانَ بِنَفسِهِ يمنعهُ عَن ذَلِك كَونه فِي وَقت دون وَقت لم لَا كَانَ كَذَلِك فِيمَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَزعم أَنه إِذا كَانَ بِغَيْرِهِ تَدْبِير كَونه لَهُ لمصْلحَة فِي الدّين أَو الدُّنْيَا وَفِيمَا كَانَ لَا بِغَيْرِهِ لَيْسَ كَذَلِك لذَلِك اخْتلف الْأَمْرَانِ وَهَذَا الَّذِي يزْعم يُوجب أَنه لَا يجوز أَن يَجْعَل أول الْخلق غير الممتحن حَتَّى يكون لَهُ فِي الَّذِي ذكرنَا وَإِذا جَازَ غَيره بِلَا مصلحَة لذَلِك الْوَقْت دون غَيره لَا معنى لما قَالَ وَقد بَينا نَحن القَوْل بالخلق وإحالة السُّؤَال عَن لم خلق وَلَيْسَ لنا أَن نزعم أَنه لَا يفعل إِلَّا الْأَصْلَح فَيلْزمهُ حق الْفِعْل حَتَّى يلْحقهُ وصف ذمّ إِن أخر أَو قدم بل الله تَعَالَى إِذْ هُوَ حَكِيم لَا يخرج فعله عَن الْحِكْمَة وَأما اعْتِبَار الْأَصْلَح لغيره إِنَّمَا تَقْدِير الْحق عَلَيْهِ لَا تَقْدِير الْفِعْل بِذَاتِهِ ومحال كَون الْحق لغيره عَلَيْهِ وَلَا غير بل السُّؤَال عَن جملَة الْخلق فَالْقَوْل فِي أَنه يخلق لنفع لَهُم أَو صَلَاح لَهُم لَا معنى لَهُ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِم فِيمَا لَا يخلقهم ضَرَر وَلَا فَسَاد فَيكون الْخلق لما ذكر وَالله أعلم ثمَّ فِي الْجُمْلَة لَا يَخْلُو خلق من أَن يكون للمتحن بِهِ نفع وعبره من طَرِيق الإستدلال بِهِ والإعتبار سوى الْمَنَافِع الْأُخَر مِمَّا من الله عَلَيْهِم بهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وأصل صَلَاح العَبْد فِي الدّين إِنَّمَا هُوَ بِفِعْلِهِ وَكَذَلِكَ فَسَاده وَللَّه تَعَالَى بالأسباب الَّتِي بهَا ينَال فعل الصّلاح عَلَيْهِ أعظم المنن وأجزل النعم وَمن فسد فَهُوَ لأغراض عَن الله وإيثاره شَهْوَته على طَاعَته خلى الله بَينه وَبَين مَا اخْتَارَهُ لنَفسِهِ إِذا آثر هَوَاهُ على أمره وشهوته على طَاعَته وَالْفِعْل الَّذِي بَين لَهُ أَنه فعل الْعَدَاوَة على مَا هُوَ الْولَايَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فعورض بِأول خلق خلقه لنَفسِهِ وَلَيْسَ ثمَّة مصلحَة فَزعم أَنه لَيْسَ ثمَّة وَقت ليقال فِيهِ لم لَا خلق قبله وَإِنَّمَا ذَلِك مَتى يكون هُوَ أول وَهُوَ أصلح

فِي التَّدْبِير وَأولى بالحكمة وَمَا هُوَ كَذَلِك فَيخرج السُّؤَال على أَنه لم لَا خلق دونه فِي الْحِكْمَة وَحسن التَّدْبِير قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فَمَا ذكرت من الْوَقْت فَهُوَ مَا يذكر على أَن السُّؤَال فِي مثله سَاقِط لِأَنَّهُ لَا يشار إِلَى وَقت وَإِلَّا لَو كَانَ الْخلق قبل ذَلِك إِلَى مَا لَا يحْتَمل اللِّسَان من عدد الْأَوْقَات مُمكن وَفِي ذَلِك بطلَان السُّؤَال إِلَّا عَن قدمه وَذَلِكَ تنَاقض لإحالة وُقُوع التكوين على الْكَائِن فِي الْقدَم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا ذكر من الْحِكْمَة فَذَلِك حق وَمَا ذكر من الْأَصْلَح لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بِهِ وَمَا قَالَ من دونه أَو مثله فَالْقَوْل بِهِ لَا معنى لَهُ وَللَّه تَعَالَى أَن يفعل الْفِعْل الَّذِي لَا يخرج عَن الْحِكْمَة إِذْ الْخُرُوج عَنهُ يُحَقّق السَّفه وَذَلِكَ يسْقط الربوبية ثمَّ فِي الْحِكْمَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْعدْل وَالثَّانِي الْفضل وَلَيْسَ لما يقدر الله من الأفضال نِهَايَة فيتكلم فِي الشَّيْء بِأَفْضَل مَا يبلغهُ قوته من الْفِعْل مَعَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ الأفضال يخْتَص بِهِ من شَاءَ وَغير جَائِز خُرُوج فعله من الْحِكْمَة لما ذكرت وَكَذَلِكَ معنى الْعدْل إِنَّه وضع كل شَيْء مَوْضِعه لَكِن لَهُ دَرَجَات يُوصف فعل بَعْضهَا إحسانا وأفضالا وَفعل بَعْضهَا عدلا وَحِكْمَة إِذْ هما اسمان عامان لكل مَا للْفَاعِل فعله وَالْأول خَاص من حَيْثُ كَانَ لَهُ تَركه فيفعله منعما محسنا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وسؤال الْقُدْرَة على خلق شَيْء قبل هَذَا الْخلق يخرج على مَا بَيناهُ فِي الْوَقْت وَالله على كل شَيْء قدير ثمَّ عورض بِمَا لم لَا كَانَ لم يزل يحدث الْأَشْيَاء فَأجَاب بِالَّذِي تقدم ذكره من فَسَاد كَون شَيْء قبل شَيْء إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَجَوَاب هَذَا عندنَا أَن يُقَال لَو أردْت بِقَوْلِك لم يزل يحدث الْأَشْيَاء ليَكُون هِيَ لم يزل فَذَلِك محَال لما فِيهِ إِثْبَات قدمهَا وَفِي قدمهَا فَسَاد إحداثها وَإِن أردْت بِهِ الإحداث ليَكُون كل شَيْء من ذَلِك لوقت كَونه فَذَلِك حق إِذْ هُوَ بِذَاتِهِ خَالق لَا بِغَيْرِهِ

ثمَّ نذْكر مَا عَارض مُحَمَّد بن شبيب من أسئلة الْمُلْحِدِينَ فعارض عَن الْوَاحِد الَّذِي يعبده مَا هُوَ وَقد بَينا مَا يُجَاب لَهُ وَهُوَ زعم أَن ذَا يحْتَمل مثل ذَا وَقد بَينا أَن لَا شَبيه لَهُ وَلَا يحْتَمل مَا يشار إِلَيْهِ وَلم نَكُنْ نعرفه بالحواس فنشير إِلَيْهِ وَمَا هُوَ بِمَعْنى يُوجد بالأدلة وَشَهَادَة الْعَالم وَمَا هُوَ مَا اسْمه الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَجَوَاب ذَلِك عندنَا هُوَ الله الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء وَبِهَذَا الْحَرْف نقطع سَبِيل الْعود إِلَى السُّؤَال لِأَنَّهُ يعود إِلَى مَا يتَصَوَّر فِي الْوَهم وَفِي هَذَا نَفْيه إِلَّا من حَيْثُ الْوُجُود بالأدلة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ أجَاب عَن قَوْله أَيْن هُوَ إِنَّه فِي الْأَشْيَاء مُدبر لَهَا لَا على الْحُلُول كَمَا يُقَال فلَان فِي عمله وَقَالَ لَا على إحاطة الْأَشْيَاء بِهِ قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد أَخطَأ فِي الْجَواب بل حَقه أَن يُقَال تسْأَل عَن الْمَكَان وَقد كَانَ وَلَا مَكَان وَهُوَ يتعالى عَن الْوَصْف بالأمكنة بل هُوَ على مَا كَانَ بِلَا تغير وَلَا زَوَال وَالْقَوْل بالكون فِي الْعَمَل إِخْبَار فِي الْمُتَعَارف عَن الْعَمَل الشاغل لَهُ الحابس فِيهِ عَن غَيره وَالله يتعالى عَن هَذَا الْوَصْف ثمَّ أجَاب من سَأَلَهُ إِنَّكُم إِذا نفيتم عَن الله شبه خلقه وَعَن خلقه شبهه فقد شبهتم فَقَالَ ذَلِك نفى وَلَيْسَ فِي النفى تَشْبِيه أَلا ترى أَن من قَالَ مثله فِي السوَاد وَالْبَيَاض من أَنه لَا يشبه أَحدهمَا الآخر إِنَّه لَا يُوجب التشابه وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي الْإِثْبَات وَمَا ذكره حسن وَلَو كَانَ بذلك تشابه لَكَانَ بقوله هَذَا يشبه ذَا إِيجَاب الْخلاف وَفِي ذَلِك قلب الْحَقَائِق وَإِبْطَال الْمجَاز كُله وَجُمْلَته أَن النفى يرفع المنفى عَن الْوَهم وَالْعقل وَإِذا ارْتَفع ذَلِك لم يقدراه والتشابه هُوَ الْوَاقِع تَحت قدر من جَوْهَر أَو صفة أَو حد فَلذَلِك بَطل مَعْنَاهُ وبمثله يُجَاب لمن يزْعم أَنكُمْ إِذا لم تصفوا الله بمَكَان فقد حددتم وَأَن الْحَد

هُوَ نفاية الْمَكَان ومحال نفى تَحْدِيد فِي الْوَصْف بِهِ وَكَذَلِكَ الْأَمْكِنَة بل الْقَائِل بِكُل مَكَان أَو بمَكَان دون مَكَان هُوَ الَّذِي حَده إِذْ أثْبته على مَا أثبت الْمَكَان الْمُضَاف إِلَيْهِ مَا يقدره الْعقل وَالوهم وَعند ذَلِك التَّحْدِيد والتشبيه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ أجَاب لسؤال كَيفَ خلق الله الْخلق إِنَّه لَو أَرَادَ بِهِ المعالجة فِي الْفِعْل فَهُوَ غير جَائِز بل ابتدعه وأحدث عينه بِلَا علاج وَلَو أَرَادَ أَي شَيْء خلق يشار إِلَى الْجَوَاهِر من نَحْو السَّمَاء وَغَيرهَا إِذْ خلق الشَّيْء زعم هُوَ ذَلِك الشَّيْء وَلَو أَرَادَ بِهِ لم خلق فلمنافع الْخلق فِي دينهم وَمَا هُوَ أصلح لَهُم فِيمَا كلفهم وَقَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله جَوَاب هَذَا السُّؤَال دَفعه أَن لَيْسَ لفعله كَيفَ إِذْ كل ذِي كَيفَ هُوَ ذُو أَمْثَال ثمَّ القَوْل فِي كَون خلق الشَّيْء أَنه هُوَ أَو غَيره اخْتِلَاف فَمنهمْ من يَقُول هُوَ هُوَ وَبِه يَقُول وَالسُّؤَال على مذْهبه فَاسد لِأَنَّهُ لَا غير لخلقه فيمثل هُوَ بِهِ وَمِنْهُم من يَقُول خلق الشَّيْء فَهُوَ صفته الَّتِي وصف بهَا فِي الْأَزَل فالسؤال عَن كيفيته هُوَ السُّؤَال عَن كَيْفيَّة ذَاته وَعلمه وَقدرته وَذَلِكَ فَاسد ثمَّ أجَاب من سَأَلَ أَمن شَيْء خلق الْأَشْيَاء أَو من لَا شَيْء فَقَالَ لَا من شَيْء مَعْنَاهُ أَن اخترع الْأَشْيَاء أَي ابتدعها من غير أصل وَهَذَا فِيمَا أخبر من حدث الْأَجْسَام لَكِن مَذْهَب الْمُعْتَزلَة أَن شيئية الْأَشْيَاء لم يكن بِاللَّه بل كَانَ بِهِ وجودهَا فَيكون على قَوْلهم خلق الْأَشْيَاء لَا من شَيْء محَال بل لم يخلق الْأَشْيَاء لكنه أوجد أعيانها عَن الْعَدَم وَهن فِي الْعَدَم أَشْيَاء وَذَلِكَ من مضاهات الدهرية والحمدلله الَّذِي عصمنا عَن ذَلِك وَجَوَابه لسؤال الله غَرِيب إِنَّه خلق لمنافع الْخلق وَسُئِلَ إِنَّه لم خلق قَالَ لمنافع الْخلق وَلم خلق لمنافع الْخلق وَأي حَاجَة كَانَت لِلْخلقِ وَلَا خلق

ليخلق الْخلق لمنافعهم فَلَو جَازَ أَن يُقَال خلق خلقا بِلَا حَاجَة لمنافعهم كَيفَ لَا خلق إِذا لمنافع نَفسه وَإِن لم يكن لَهُ حَاجَة وَهَذَا بقوله أولى لِأَنَّهُ كَانَ غير خَالق وَلَا رَحْمَن وَلَا رَحِيم وَهَذِه أَسمَاء التَّعْظِيم والمدح وَكَأَنَّهُ انْتفع بالخلق عِنْدهم إِذْ لم يكن كَذَلِك بِذَاتِهِ فَصَارَ كَذَلِك بخلقه جلّ الله عَن صِفَات الْحَاجَات وَالْمَنَافِع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَقَوله خلق هُوَ ذَلِك الشَّيْء فَإِذا الشَّيْء بِذَات الله أَو بِذَات نَفسه إِذْ لم يكن من الله إِلَّا ذَاته وَلَا إِلَى الْخلق مِنْهُ سوى الْخلق بِذَاتِهِ فَكيف صَار هُوَ خَالِقًا وَلم يكن مِنْهُ غير الْخلق دون أَن كَانَ الْخلق بِلَا غَيره وَلم لَا كَانَ الْخلق فِي أَن يكون خَالِقًا أَحَق مِنْهُ إِذْ لم يكن مِنْهُ إِلَيْهِ سوى أَن كَانَ هُوَ وَقدم الشَّيْء لَا يُوجب كَون آخر بِهِ إِذا لم يكن مِنْهُ إِلَيْهِ مَا بِهِ يكون فِي الشَّاهِد كَيفَ أوجب ذَلِك فِي الْغَائِب وَقَوله لكيف خلق لم يخلق بالمعالجة وَمَا ذكر كَلَام لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ لم يسْأَل عَمَّا لم يكن بل سُئِلَ عَن كَيْفيَّة فعله فَقَوله لم يعالج لَا معنى لَهُ وَإِذا كَانَ عِنْده أَن خلق الشَّيْء هُوَ ذَلِك الشَّيْء فليذكر إِذا فِي جَوَابه ذَلِك الشَّيْء دون أَن يقسم السُّؤَال ثمَّ يزِيل عَنهُ الْمَفْهُوم من الكيف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأجَاب لمن عَارضه بِأَنَّهُ إِذا لم يزل عليما سميعا بَصيرًا لم لَا قلت إِنَّه لم يزل خَالِقًا فَزعم أَن فِي ذَلِك إِيجَاب الْخلق فِي الْأَزَل ويعنى بلم يزل سميعا نفى الصمم وَنَحْو ذَلِك فِي الْعَالم والبصير وَزعم أَنه يَقُول لم يزل الْخَالِق وَلَا يَقُول خَالِقًا لما ذكر قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَإِن لم يكن فِي قَوْله لم يزل سميعا بَصيرًا عليما إِلَّا أَنه لَيْسَ بجاهل وَلَا أعمى وَلَا أَصمّ فَكَانَ التَّصْرِيح بِهَذَا أولى إِذْ هُوَ أبعد من الشُّبْهَة

إِذْ قد يجوز أَن يُقَال للشَّيْء لَيْسَ بجاهل وَلَا عَاجز وَلَا أَصمّ وَلَا يجب بِهِ الْوَصْف بِقَادِر عَالم سميع بَصِير فَإِذا لم يكن فِي ذَا سوى نفى الَّذِي ذكر فحرف النفى أقرب من حرف يفهم مَا لَا مَنْفَعَة فِي فهمه بل فِيهِ كل ضَرَر وَلَو لم يرد بذلك سوى نفى الأضداد فَلْيقل هُوَ صَحِيح سليم معافى على نفى الأضداد دون تَحْقِيق الَّذِي ذكر فَإِذا لم يجز ذَا بَان أَن الَّذِي زعم من بَيَان حَاصِل الَّذِي ذكر وهم وَبعد فَإِن خُرُوج الْأَفْعَال المتتابعة على حسن النظام والإحكام هِيَ أَدِلَّة الْعلم بهَا وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا لَا أَنَّهَا أَدِلَّة من لَيْسَ بجاهل وَلَا عَاجز إِذْ غير وَاحِد بِمَا وَصفه لَا يكون مِنْهُ فعل البته وَلَا اتساق نَحْو الْأَعْرَاض كلهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنَّهَا أَسمَاء عَن صِفَات تسْقط لسُقُوط الصِّفَات فَإِذا لم تحقق الصِّفَات صيرت الْأَسْمَاء أَسمَاء ألقاب وَإِذا صَارَت كَذَا فَالْقَوْل بِأَنَّهُ لم يزل كَذَا كَلَام لَا معنى لَهُ لإحالة اللقب فِي الْأَزَل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِذْ لم يجب فِي القَوْل بسميع عليم كَون كل مَعْلُوم مَقْدُور عَلَيْهِ مسموع فِي الْأَزَل فَمثله فِي القَوْل بالخالق لَكِن خَالق الْأَشْيَاء ليَكُون على مَا هِيَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ عَالم بهَا كَذَلِك وقادر وَنَحْو ذَلِك وَإِذا كَانَ القَوْل بعالم سميع بَصِير وبالعالم السَّمِيع الْبَصِير وَاحِدًا فَكَذَلِك بخالق والخالق وَاحِد بل الْخَالِق فِي إِيجَاب قدم الْخلق أَحَق لَو كَانَ التَّقْدِير من الملفوظ من خَالق أَلا يرى أَنه على وزن خَالق يُقَال مَالك يَوْم الدّين وخالق كل شَيْء يدْخل فِي ذَلِك كل حَادث وقائم لَيْسَ فِي قَوْله الخاق ذَلِك وَلَا هُوَ يَقُول عَلَيْهِ فِي الْعرف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل أَن الله تَعَالَى إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْعلم بِهِ إِلَّا من طَرِيق دلَالَة الْعَالم عَلَيْهِ بِانْقِطَاع وُجُوه الْوُصُول إِلَى مَعْرفَته من طَرِيق الْحَواس عَلَيْهِ أَو شَهَادَة السّمع ثمَّ الشَّاهِد يدل عَلَيْهِ من وَجه الشَّهَادَة لَهُ بِالصّفةِ لَا من وَجه الشَّهَادَة بِالذَّاتِ إِذْ الْوُجُود بعد أَن لم يكن هُوَ دَلِيل الإيجاد والإحداث

الَّذِي بِهِ يعلم الْمَوْجُود الْمُحدث وَاخْتِلَاف أَحْوَال الشَّاهِد وإجتماع المتضاد فِي الْوَاحِد هُوَ دَلِيل قدرته ونفاذ التَّدْبِير الَّذِي بالمدبر القوى يكون واتساق التَّدْبِير وَعدم التَّفَاوُت فِي الْوَاقِع تَحت الْعقل على كثرته دَلِيل علم الْعقل الَّذِي بِهِ يعلم الْعَالم وَلَا شَيْء فِي المحسوس يدل على ذَات إِذا نفى عَنهُ الصّفة لم يجز القَوْل بِإِثْبَات ذَات غير تَحْقِيق الصِّفَات إِذْ ذَلِك غير طَرِيق شَهَادَة العيان وَكَذَلِكَ شَهَادَة من ثَبت صدقهم بالأدلة جَاءَ بالعليم السَّمِيع الْبَصِير على ذكر الْعلم وَالْقُدْرَة وَنَحْو ذَلِك مَعَ الْعلم أَن هَذِه الْأَسْمَاء من أَسمَاء الصِّفَات ثمَّ إِذْ لم يجز الْوَصْف بِالْمَكَانِ وبالخروج أَو الدُّخُول أَو الإتصال أَو الإنفصال أَو الْبَيْنُونَة أَو نَحْو ذَلِك على نفى أضداد تِلْكَ الْأَحْوَال من غير إِثْبَات تَحْقِيق الملفوظ وَكَذَلِكَ شَأْن الإجتماع والإفتراق والتحرك والسكون لم يجز الَّذِي قَالُوا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله إِذْ ثَبت حدث الْعَالم ومحال كَونه بعد أَن لم يكن على مَا عَلَيْهِ من قيام الْأَوَائِل بالأواخر واتفاق ذَلِك علم أَنه كَانَ عَن علم بِهِ ثمَّ محَال كَون حس بِهِ يعلم وَلَا محسوس أَو قِيَاس وَلَا عِبْرَة ثَبت أَنه عَالم لذاته وَفِيمَا الْعَالم لذات الْعَالم سَوَاء فِي غيبَة الْمَعْلُوم وحضرته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا ذكرت أَنه عرف لَا بالحس وَفِيمَا عرف بِهِ دَلِيل علمه بِهِ إِذْ جعله على وَجه دله عَلَيْهِ ثمَّ لم يحْتَمل أَن يكون علمه بِهِ غَيره لما لم يكن غير حَتَّى أنشأه ثمَّ ذَلِك المنشأ كَانَ دَلِيلا عَلَيْهِ ثَبت أَنه كَانَ قبل كَونه عَالما بِهِ وَلَا غير لَهُ غَيره بِهِ علم ثَبت أَنه عَالم بِذَاتِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَالله الْمُوفق ثمَّ سَأَلَ نَفسه عَن أَشْيَاء لَا معنى للسؤال عَنْهَا إِلَّا عَن التعنت وَحقّ جَوَاب التعنت التَّأْدِيب بِمَا يمنعهُ لَا الإستدلال بالأدلة على نَحْو مَا بَينا من شَأْن

سوفسطائي فَسَأَلَ عَن الله أَنه أَلَيْسَ على كل شَيْء قدير فَأجَاب بنعم فَقَالَ يقدر على إِدْخَال الدُّنْيَا فِي بَيْضَة فَأجَاب بالتناقض لما فِي ذَلِك جعل الْبَيْضَة أوسع مِنْهَا وَقد جعلهَا أضيق مِنْهَا إِذْ هِيَ جُزْء مِنْهَا وَكَذَلِكَ هَذَا التَّأْوِيل فِي الْأَصْغَر والأكبر قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَجَوَابه عندنَا أَنه أَرَادَ بِمَا قَالَ على إبْقَاء الْبَيْضَة بَعْضًا للدنيا فَهُوَ محَال لما فِيهَا انقلاب بعض كلا وكل بَعْضًا بِلَا تغير عَن حَاله وَذَلِكَ تنَاقض وَإِن أَرَادَ بالبيضة وَغير الْبَيْضَة من الدُّنْيَا يَجْعَل فِيهَا فَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يَكُونَا بحالهما فقد أحَال لما ذكر مُحَمَّد بن شبيب وَإِن أَرَادَ بِهِ بذلك تَصْغِير مَا قَالَ أَو توسيع الْبيض حَتَّى يسع فِيهِ مَا وصف فَهُوَ على ذَلِك قَادر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَصَاحب الْكتاب ينتحل نحلة الإعتزال ومذهبهم أَن الله لَا يقدر على خلق فعل بعوض فَمَا فَوْقه من الْجَوَاهِر وَفعل ذَلِك كُله وَاقع تَحت الْقُدْرَة أَو فِي ذَلِك لغيره قدرَة فَأَبَوا تَحْقِيق مَا ادعوا من أَنه قَادر على كل شَيْء فِي أَكثر الْأَشْيَاء الَّتِي هِيَ فِي حد الْإِمْكَان فِي الْعُقُول فمعارضة أمثالهم بالخارج عَن حد الْإِمْكَان فِي الْعُقُول لَا معنى لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ سَأَلَ نَفسه يقدر أَن يخلق مثله قَالَ ذَا محَال لما فِيهِ إِيجَاب مَخْلُوق والمخلوق مُحدث وَهُوَ قديم فَيبْطل أَن يكون مثله لما بِهِ يسْأَل عَن الْقُدْرَة وَهُوَ مثل الأول فِي الأحالة وَأَيْضًا قَالَ فِي ذَلِك إِثْبَات مَصْنُوع وَهُوَ لَا يَخْلُو من أَن يكون جسما فِيهِ آثَار صنعه أَو عرضا لَا يقوم بِنَفسِهِ وَنَفسه يدل على حَدثهُ وَهُوَ لَيْسَ كواحد مِنْهُمَا قَالَ وَأَيْضًا أَن كل مُحدث يحْتَمل الفناء وَهُوَ يتعالى عَن احْتِمَال حُدُوث الفناء لما يصير مَا لَا يجوز عَلَيْهِ الفناء وَمَا لَا يجوز فِي غَيره وَقت على قلب ذَلِك قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمن تَأمل مَا ذكر عرف حيد السَّائِل فِي السُّؤَال عَن سنَن القَوْل فِيمَا لَهُ احْتِمَال التَّمَكُّن فِي الْعُقُول لِأَنَّهُ سَأَلَ يقدر أَن يخلق مثله

وَمن يكون مثله لَا يكون جسما وَلَا عرضا وَلَا مُحدثا وَلَا مُحْتملا للفناء لِأَنَّهُ إِن كَانَ على شَيْء من ذَلِك فَلَا يكون مثله وَبِه سَأَلَ فَكيف يبْقى ذَلِك الَّذِي ذكر وَمَا ذكر هُوَ أبعاض مَا فِي كَون ذَلِك نَفْيه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد قُلْنَا على الْمُعْتَزلَة مَا هُوَ أوضح من ذَلِك مَعَ مَا يلْزمهُم من وَجه آخر وهم أَنهم يصفونَ الله بِالْقُدْرَةِ على الْكَذِب والسفه وَالظُّلم مِمَّا لَو كَانَ شَيْء من ذَلِك ليبطل ربوبيته ثمَّ لم يجز فعله ذَلِك لذَلِك فَلْيقل يقدر على خلق مثله وَلَكِن لَا يفعل لِأَنَّهُ لَيست الأعجوبة فِي جعل الْحَدث قَدِيما وَمَا يحْتَمل الفناء غير فان وَمَا يَقع عَلَيْهِ أثر الصنع غير وَاقع ذَلِك إِلَّا بالأعجوبة فِي جعل الْقَدِيم حَدِيثا وَالْبَاقِي فانيا والحكيم سَفِيها فَإِن استقامت الْقُدْرَة على هَذَا على إِحَالَة الْفِعْل فَمثله الأول على مَذْهَبهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الإحالة على مَذْهَبنَا سهل وَهُوَ أَن الله جلّ جَلَاله محَال دُخُوله تَحت الْقُدْرَة فَالْقَوْل بِإِدْخَال غير تَحت الْقُدْرَة ليصير بهَا مثله دفع المثلية عَنهُ لإحاله دُخُوله تَحت الْقُدْرَة وَالْآخر بهَا يلْحقهُ بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِن شِئْت قلت السُّؤَال متناقض لِأَنَّهُ قَالَ يقدر أَن يخلق مثله وَمثله لَا يكون مخلوقا فَكَأَنَّهُ قَالَ يقدر على مَا لَيْسَ لَهُ مثل من الْخلق قبلي وَأَيْضًا أَن فِي الإحتمال غير مَا هُوَ عَلَيْهِ سُقُوط هويته فَيكون ذَلِك الْغَيْر هُوَ الهو الَّذِي بِهِ يكون هوية الْأَشْيَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل أَن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ثبتَتْ لَهُ الإلهية بِمَا حقق تعاليه عَن الْمثل والشيئية فمحال احْتِمَال مثله لما بِهِ سُقُوط ألوهيته على أَن الْكَلَام متناقض من الْوَجْه الَّذِي يَقُول لِأَنَّهُ يخبر أَن يَجْعَل فصيره مجعولا ومحال كَون مجعول جَاعل على إِزَالَة الْجعل الَّذِي بِهِ كَانَ لما بِهِ زَوَاله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ على قَوْلهم كَانَ غير خَالق فَصَارَ خَالِقًا فقد أدخلهُ من هَذَا الْوَجْه تَحت الْقُدْرَة الَّتِي بهَا صَار خَالِقًا فَكيف يُنكر جَوَاز من لم يكن كَذَلِك فَيصير كَذَلِك بِأَنَّهُ خلقه كَذَلِك كَمَا صَار هُوَ كَذَلِك بِأَن خلق غيرا وَالله الْمُسْتَعَان ثمَّ سُئِلَ عَن الله أَكَانَ قَادِرًا على خلق الْأَشْيَاء قبل خلقهَا زعم أَنه نعم دَلِيله أَن الْعَاجِز مَمْنُوع فَدلَّ وجود الْمُحدث على قدرته وَإِذا كَانَ هُوَ قَادِرًا بِذَاتِهِ لَا بِمَا يعرض من الْقُدْرَة فَهُوَ مَوْصُوف بِالْقُدْرَةِ على الدُّنْيَا وأمثالها مِمَّا لَا يُحْصى قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَيُقَال لَهُ إِذْ هُوَ قَادر بِنَفسِهِ لَا بقدرة يعرض كَيفَ زعمتم أَنه يقدر على خلق جَمِيع حركات الْعباد وسكونهم إِلَى أَن يقدرهم عَلَيْهَا فَإِذا أقدرهم عَلَيْهَا زَالَت قدرته عَلَيْهَا إِلَّا أَن يَأْخُذ الْقُوَّة عَنْهُم فَهَذَا وصف الْقُدْرَة بِالذَّاتِ أَو بالعوارض وَمن ذَلِك وَصفه فَالْقَوْل لَهُ بِقُوَّة لم يظْهر مِنْهُ الْفِعْل محَال وَمَا يحْتَمل زَوَال قدرته فَالْقَوْل بِالْقُدْرَةِ بِذَاتِهِ على مَذْهَبهم محَال وَإِنَّمَا أردْت بِمَا ذكرت من أقاويل الْمُعْتَزلَة وَإِن لم يكن لي إِلَى ذكرهَا حَاجَة ليعلم المتأمل أَن لَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات التَّوْحِيد وَدفع معارضات الملحدة على مَذْهَبهم وَأَن الْحق من القَوْل فِي التَّوْحِيد قَول غَيرهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ زعم أَن كل قَادر سبقت قدرته فعله فَهُوَ وصف من قدر بِغَيْر وَفعله بِغَيْرِهِ فَهُوَ يتَحَوَّل من حَال إِلَى حَال وَتقبل ذَاته الإستحالة والزوال فَأَما الله سُبْحَانَهُ فبنفسه يقدر على الْأَشْيَاء ويفعلها فَمَا يذكرهُ فِي ذَلِك فَاسد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد بَينا فِيمَا تقدم بأبلغ من هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَفِي هَذَا آيَة جعل ذَاته عَالِمَة وَقد بَينا وهمه

ثمَّ سُئِلَ عَن خلقه الْأَشْيَاء إِذْ لم يكن لَهُ فِيهِ نفع وَلَا كَانَ عابئا بِهِ فَزعم أَنه خلق الْعرض على ثَوَاب الْأَبَد وَذَلِكَ حِكْمَة فَيكون فعله لنفع يكون لخلقه لَا لعِلَّة تقدّمت الْخلق وَهُوَ كاتحاد الْبُنيان وأنواع الْأَشْيَاء يحدث من الْعباد قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَقد بَينا نَحن مَا يقتضى هَذَا الْحَرْف من الْجَواب على أَن السُّؤَال عَن الْعلَّة محَال لإحالة أَنه يكن لأحد عَلَيْهِ سُلْطَان أَو يخرج فعله عَن الْحِكْمَة فنسأل عَنهُ وَبعد فَإِن السُّؤَال عَن تعرف حِكْمَة الربوبية وَحقّ ربوبيته علينا مَعْرفَته وَمَعْرِفَة حَقه وَأمره وَالْقِيَام بِمَا علينا من طَاعَته وتعظيمه والإعداد لحق الْجَواب فِي كل مَا يَقُوله ويعلمه وَذَلِكَ يشغلنا عَن طلب الإعتلال لَهُ فِي فعله أَو الإحتجاج بِالْجَوَابِ عَنهُ فِيمَا تعدى السَّائِل طوره وَأعْرض عَمَّا عَلَيْهِ من أعذاره لفعله الَّذِي هُوَ مسئول عَنهُ مجزى بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَوله خلق الْخلق لنفع الْخلق ونفعه مَا ذكر فَإِنَّهُ حيد عَن الْجَواب لِأَنَّهُ سُئِلَ عَن خلق الْأَشْيَاء وَمن ذكر فهم صنف من الْجُمْلَة فَلذَلِك أوجب ذَلِك حيده وعَلى ذَلِك شَأْن الْقَدَرِيَّة فِيمَا يسْأَلُون عَن خلق الْأَفْعَال فيرجعون فِي الْجَواب إِلَى فعل الْكفْر والمعاصي وَذَلِكَ فَاسد لِأَن طَرِيق هَذَا سَمْعِي وَالْأول الَّذِي وصف عَقْلِي قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَصْل عندنَا أَن الله تَعَالَى لم يخلق خلقا إِلَّا وَأثر نعمه عَلَيْهِ ظَاهر وأدلة جوده فِيهِ بَين وَأَنه حكمته بِمَا فِيهِ من دلَالَة وحدانية موجده وبرهان سُلْطَانه ونفاذ مَشِيئَة فِيهِ مُحَقّق وعلامة قدرته وَعلمه بحقائق الْأَشْيَاء غير خَفِي فِي ذَلِك وَالسُّؤَال على أَنَّك لم أَنْعَمت أَو لماذا أظهرت جودك وَلم كَانَت الْحِكْمَة وَلم أَنْت حجَّة وحدانيتك إِلَى آخر مَا ذكر محَال فَاسد لَا يقبله عقل وَلَا يحْتَملهُ وسع لقبحه لذَلِك بَطل هَذَا النَّوْع من السُّؤَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

مسألة دفاع عن العلم والنظر

ثمَّ جَائِز أَن يُقَال إِذْ هُوَ بِذَاتِهِ جواد وبذاته قَادر وبذاته عَالم فجاد بخلقه على خلقه إِذْ هُوَ خلقه إِذْ هُوَ قَادر على أَن يجود وَيظْهر مواهبه وأصل هَذَا السُّؤَال عندنَا فَاسد لِأَنَّهُ يَجْعَل الْفِعْل هُوَ الذَّات وَهُوَ بِهِ مَوْصُوف فِي الْأَزَل وَالسُّؤَال عَن ذَلِك كالسؤال على أَنه لم كَانَ رَبًّا عَالما وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة دفاع عَن الْعلم وَالنَّظَر قَالَ قوم ترك النّظر أسلم لما لَا يَأْمَن النَّاظر بالظفر بِالْحَقِّ ثمَّ فِيهِ فتح بَاب الْحجَّة على نَفسه مِمَّا لَو امْتنع عَنهُ ليأمن العطب من حَيْثُ لَوْلَا هُوَ لم يتخلله السَّبِيل الَّذِي يَظُنّهُ أَو الْبَاطِل ليلزمه حجَّة الله إِذْ بالفكر والبحث إِرَادَة مَا يضْطَر إِلَى الْعلم بِأَن الْحق فِي مَا انْكَشَفَ لَهُ مَعَ اشْتِبَاه خاطر الرَّحْمَن فِي الْأَمر والتحذير من خاطر الشَّيْطَان وَفِي ترك النّظر والبحث أَمن ذَلِك إِذْ لم ينْكَشف لَهُ مَا يلْزمه التَّمْيِيز وَلَا يخْطر بذهنه مَا يَبْعَثهُ على الطّلب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمن ألزم النّظر والبحث فَيَقُول فِي تَركه عطبه لَا محَالة لِأَن لُزُوم النّظر لَيْسَ عقيب نظر تقدمه بل عقيب الَّذِي بِهِ يَقع النّظر والبحث وَهُوَ الْعقل الَّذِي بِهِ يعرف المحاسن والمساوئ وَبِه يعلم فَضله على سَائِر الْحَيَوَان وَبِه يعرف ملك تَدْبِير أَمر الْأَنَام مَعَ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ ذهنه وفطنته تبدده وفناه بِمَا نَالَ من لَذَّة الْحَيَاة وَركبت فِيهِ شَهْوَة الْبَقَاء وعظيم ألم أَسبَاب الفناء لَو اعْتَرَضَهُ فَلَا بُد من الْبَحْث فِي دَرك مَا يلائمه وَيبقى ألذ الْأَشْيَاء وأشهاها عِنْده مِمَّا يَأْبَى عقله المخاطرة بِرُوحِهِ فِي الإمتحان بالأشياء دون تكلّف مَا يطلعه على الضار مِنْهَا فيتقيه والنافع من ذَلِك فيجتلبه إِمَّا بالبحث عَن تعرف من يَثِق بِخَبَرِهِ وبأمر خيانته فِيمَا يدله عَلَيْهِ فيصدر فِي كل ذَلِك عَن رَأْيه أَو أَن يجْهد فِي الإمتحان بِنَفسِهِ بِالْقَلِيلِ الَّذِي

يرِيه عاقبته مِمَّا يُؤمن عَن مثله الْهَلَاك لقلته فَيكون فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا لُزُوم الْبَحْث مَعَ مَا يَدْفَعهُ جَهله بِمَا جبل عَلَيْهِ من الشَّهَوَات وَمَا يَبْعَثهُ عَلَيْهِ نَفسه من الملاذ عَمَّا يُصِيبهُ من الْمَكْرُوه وَمَا يحل بِهِ من الْأَلَم إِلَى النّظر فِي حَال نَفسه إِنَّه بِمَا صَار كَذَلِك أَو هَل كَانَ كَذَلِك فِي الْأَبَد أَو من أَي وَجه صَار كَذَلِك لَا يسلم عَن بعض الخواطر الَّتِي تَمنعهُ عَن ترك النّظر فِي أَحْوَال نَفسه ليعرف بِهِ مباديه وليعلم أَنه لذَلِك بِنَفسِهِ أَو بِمن لَهُ فِي نَفسه تَدْبِير مَعَ مَا لَا بُد من أَن يعرف مَا بِهِ صَلَاحه وفساده وَمَا عَلَيْهِ من النعم وَعنهُ من الدفاع وَفِي كل ذَلِك اضطرار إِلَى النّظر وَلُزُوم الْحجَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَعَ مَا يعلم بِيَقِين أَن هَذَا الَّذِي سَوَّلَ لَهُ ترك النّظر هُوَ خاطر الشَّيْطَان إِذْ ذَلِك عمله ليصده عَن ثَمَرَة عقله ويفزعه لأمانته الَّتِي لَدَيْهَا ينَال الفرصة ويظفر بالبغية دَلِيل ذَلِك أَن اسْتِعْمَال الْعقل بالفكر بالأشياء ليعرف مَا استتر مِنْهَا من المبادئ والنهايات ثمَّ فِيمَا يدله على حدثها ومحدثها يشْغلهُ عَن شهوات النَّفس ليعلم أَن ذَلِك هُوَ صَنِيع الشَّيْطَان على أَنه إِذْ لم يجز إهمال شَيْء من الْجَوَارِح عَن الْمَنَافِع الَّتِي جعلت فِيهَا وَلَا كفها عَن أَعمالهَا بته بل يجب كفها عَن الْوُجُوه الضارة واستعمالها بالوجوه النافعة فالعقل وَالنَّظَر الَّذِي بهما تعرف الْمَنَافِع والمضار أَحَق أَن لَا يهملا مَعَ مَا كَانَ النَّاظر عِنْد وُرُود الخاطر لَا يعدو خِصَالًا ثَلَاثَة إِمَّا أَن يفضى بِهِ نظره إِلَى الْعلم بحدثه وَأَن لَهُ مُحدثا يجْزِيه بِالْإِحْسَانِ ويعاقبه بالإساءة فيجتنب مَا يسخطه وَيقبل على مَا يرضيه فيسعد وينال شرف الدَّاريْنِ أَو يفضى بِهِ إِلَى نفى مَا ذكرنَا فيتمتع بصنوف اللَّذَّات أما الْعقَاب فينتظره فِي الْآخِرَة أَو يفضى بِهِ إِلَى الْعلم باستغلاق بَاب الْعلم بِحَقِيقَة مَا دعى إِلَيْهِ فيستريح قلبه وَيَزُول عَنهُ الوجل الَّذِي يَعْتَرِيه إِذا فزعته الخواطر فَيعلم إِذا انصف أَنه على ربح فِي نظره من كل وَجه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مناقشة ابن شبيب في حدث الأجسام

فَإِن قيل إِذْ جَازَ أَن يَأْمر الله العَبْد فِي عقله بِمَا لَا يفهم لم لَا جَازَ أَن يخاطبه بِمَا لَا يفهمهُ قيل لَا فرق بَينهمَا وَلَا يجوز الْإِطْلَاق عَلَيْهِ بِالَّذِي ذكرت وَمَا من شَيْء يَأْمر الله بِهِ إِمَّا يبْعَث الْعقل عَلَيْهِ أَو بخطاب السّمع إِلَّا وَقد جعل الله لفهم ذَلِك سَبِيلا وَمن قصر فهمه عَن احْتِمَاله فَهُوَ خَارج عَن الْأَمر لَكِن جِهَات الْأُصُول مُخْتَلفَة تعلم هِيَ بِالنّظرِ والفكر أَن ذَلِك من أَي نوع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن قَالَ إِذْ لَا عذر فِي الشَّاهِد للْعَبد أقبل من قَوْله لسَيِّده لم أعلم أَن فعلي يسخطك فأتركه وَلَو علمت ذَلِك لانزجرت مِمَّا فعلت لم لَا كَانَ ذَلِك فِي حِكْمَة الله مَقْبُولًا قيل ذَلِك إِنَّمَا حسن بَيْننَا لارْتِفَاع مَا بِهِ يعرف الْأَمر من الدَّلِيل عَلَيْهِ وَأما الله سُبْحَانَهُ فقد جعل لعَبْدِهِ على الْأَمر بِمَا أمره بِهِ دَلِيلا وحرك ذهنه بالخواطر ونبهه بصنوف العبر فَإِنَّمَا أَتَى من قبل تَركه النّظر وَذَلِكَ فعله فَيصير بِمَا هُوَ معتذرا محجوجا إِذْ بِفِعْلِهِ أعرض عَن ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَأَصله أَن الْعلم بِاللَّه وبأمره عرض لَا يدْرك إِلَّا بالإستدلال وَقد أظهر بِهِ مَا يسْتَدلّ من أَحْوَال نَفسه الَّتِي عَلَيْهَا مَدَاره مَعَ مَا بَينا أَن الضَّرُورَة تبعثه على النّظر وتدفعه إِلَى الْفِكر فِيمَا يرى من أَحْوَاله وأعضائه ومنافعه ومضاره الَّتِي فِي الْجَهْل بهَا عطبه وَفِي الْعلم بهَا صَلَاحه وَفِي صَلَاحه بهَا على علمه بِأَنَّهُ لم يكن دبر مَا ذكرت من أَحْوَال تضطره إِلَى مَعْرفَته وَمن قَامَ هُوَ بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مناقشة ابْن شبيب فِي حدث الْأَجْسَام وَاحْتج مُحَمَّد بن شبيب فِي حدث الْأَجْسَام بِمَا لَا يَخْلُو من سُكُون هُوَ مقَام وحركة هِيَ الظعن وهما محدثان بِمَا يخْتَلف على الْإِثْنَيْنِ الْمَكَان بِمَا تقدم

أَحدهمَا ثَبت أَن قد حدث فِي أَحدهمَا وَلَو سمى ذَلِك مَادَّة فِي أحد الجسمين فَالْقَوْل فِيهَا أَيهَا حدثت وَفِي حُدُوث غير مَا قُلْنَا يعلم بحدوث الزَّوَال وجود الْجِسْم فِي غير مَوضِع ترَاهُ فِي الأول وبهذه الضَّرُورَة الَّتِي أظهرت فِي الْجِسْم من الإنتقال علمنَا الْحَرَكَة الَّتِي لَا تحس إِذْ وجدنَا اخْتِلَاف الْحَال فِي المحسوس وعرفنا باعتماد الشَّيْء فِي الْمَكَان الأول وإنتقاله فِي الْمَكَان الثَّانِي أَن الْمُسَمّى إعتماده فِي الْحَال الأول يصير حَرَكَة ونقلة فِي الْحَالة الثَّانِيَة مِمَّا لَا يُوصف الْحَرَكَة بمناسبة الْجِسْم وَلَا مباينته إِذْ ذَلِك حق الْجِسْم ثمَّ زيد أَحَق من عَمْرو بهَا لِأَن توهم عدم عَمْرو لإنعدامها عَن زيد إِذْ وجد هُوَ فِي غير الْمَكَان الأول وَأجَاب الْمعَارض لَهُ أَن كَيفَ هِيَ إِذْ هِيَ فعلكم وَلم يعرف كَيْفيَّة فعله قبله فَلم استدللتم على الْحَرَكَة بالمقاييس قيل إِنَّمَا يعرف أَن كَيفَ التَّقَدُّم والتأخر الَّذِي هُوَ فعلنَا لَا أَن يعرف غيريتها لنا وَإِنَّمَا أَقَمْنَا الدّلَالَة على الغيرية أَلا ترى أَن قوما أَنْكَرُوا الغيرية للجسم على إِثْبَات القَوْل بالتقدم والتأخر ثمَّ إِذْ ثَبت حدث مَا ذكر والجسم لَا يسْبقهُ ثَبت حَدثهُ قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَهَذِه عبارَة لم يزل أهل التَّوْحِيد يعتزون بهَا لكنه أطنب فِيهَا السُّؤَال وَالْجَوَاب فَذكرت ذَلِك على الْإِيمَاء إِلَى مَا ذكر دون الْبسط ثمَّ عورض بالحركة إِنَّهَا جسم فَقَالَ ذَا لايسأل عَنهُ من يَقُول بقدم الْجِسْم لِأَنَّهَا حدثت بالحس وَقَالَ للإحالة أَن يكون فِي الْمَكَان الأول جسم إِلَّا على التَّدَاخُل وَفِي المداخلة إِيجَاب حَرَكَة أُخْرَى للإنتقال فَيكون غير جسم مَعَ لَو جعلت الثَّانِيَة متداخلة يلْزم تدَاخل الْأَجْسَام بِلَا نِهَايَة وَلَو جَازَ ذَا لجَاز تدَاخل الدُّنْيَا فِي بيضه وَمثله أجَاب فِي التلاقي وَذَلِكَ كُله تَطْوِيل بِلَا نفع وَلَو أنصف لوجد مَا يمنعهُ عَن دَلِيله وَهُوَ قَوْله الْجِسْم فِي أول حَاله لَيْسَ بساكن وَلَا متحرك فأخلاه عَمَّا ذكر وَفِي ذَلِك سبق عَن الَّذِي وصف لَكِن من يَقُول

بقدمه لَا يثبت لَهُ حَال الأولية إِذْ فِي ذَلِك القَوْل بحدثه فَلَزِمَ الَّذِي وصف وَالله الْمُوفق وَاسْتدلَّ على أَن سُكُون الْجِسْم معنى غير الْجِسْم بِمَا يُقَال هُوَ فِي دَار كَذَا لَو لم يكن سوى الْجِسْم وَالدَّار لَكَانَ لَا يكون فِي غَيرهَا بموجود وَالدَّار تُوجد وَهُوَ لَيْسَ بموصوف بالكون فِيهَا قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَهَذَا أَمر ظَاهر لَا يسْأَله أحد إِذْ سكناهُ يَزُول وَقت تحركه من غير زَوَال الجسمية عَنهُ فَثَبت أَنه غير ثمَّ أجَاب من قَالَ لَعَلَّ سكونه مَعَه حَيْثُ كَانَ مَعَ مَا قد يذكر مُدَّة سكونه فِي مَكَان بِزِيَادَة ونقصان ثَبت أَن ثمَّة غير السّكُون الأول وَهَذَا مثل الأول لَا يسْأَل عَنهُ وَجَوَابه مَا بَينا وَالله الْمُسْتَعَان ثمَّ أطنب فِي هَذَا النَّوْع فتركته لما لَا مَنْفَعَة فِيهِ وَفِيمَا قَالَ من دَلِيل غيرية السّكُون وَالْحَرَكَة فِي جَوَاز كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا بَدَلا عَن الآخر وأنهما غيران مَا يبطل قَول كثير من الْمُعْتَزلَة فِي قَوْلهم بالإبقاء بِلَا بَقَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ أجَاب من عَارضه بِمَا كَذَلِك كَانَت الْأَجْسَام غير خَالِيَة عَمَّا ذكرت أبدا فَزعم أَنه لَا يجوز لما لَا يثبت للْكُلّ شَرط الْعَدَم إِلَّا بِوُجُود غير هُوَ فِي ذَلِك وَفِي ذَلِك بطلَان الْوُجُود وَاسْتدلَّ بِمَا سبق ذكره من دُخُول الدَّار مَعَ مَا زعم فِي طير من يطير أَن بَينهمَا ذِرَاع من جِهَة وَاحِدَة طيرانا مستويا لم يحْتَمل أَن يَكُونَا كَذَلِك من غير نِهَايَة لأوليتهما إِذْ ارْتِفَاع النِّهَايَة يُوجب الإجتماع بالإستواء وَقد وجد التَّفَاضُل وَاحْتج بِمَا إِذْ ثَبت تضَاد الْأَشْيَاء من الثّقل والخفة والحرارة والبرودة وَنَحْو ذَلِك وَقد ثَبت فَسَاد الشَّيْء من الشَّيْء إِلَى مَا لَا أول لَهُ ثمَّ كَانَ من طبع المتضاد التنافر وَفِي ذَلِك التباعد وبخاصة إِذْ جعل أَصْحَاب هَذَا

القَوْل إثنين متباينين فامتزجا وَكَانَا متضادين لم يجز لَهما الإجتماع بِمَا ذكر مَعَ مَا كَانَ اخْتِلَافهمَا طباعا وَلَو جَازَ خروجهما عَن الطباع الَّذِي ذكرت لجَاز أَن يسخن الْمبرد ويبرد المسخن وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز فناؤهما ليخرجا من طبع الْبَقَاء وَإِذا بَطل ذَا ثَبت قَول أهل التَّوْحِيد فِي مُدبر عليم ألف بَين ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن القَوْل بِأَكْثَرَ من وَاحِد لايخلو من أَن كل وَاحِد مِنْهُم يملك إفناء غَيره أَو لَا أَو يملك الْوَاحِد خَاصَّة فَإِن كَانَ الأول أَو الثَّانِي لحقهما عجز مَعَ مَا فِيهِ من الْجَهْل بتدبير الإهلاك بالحيل إِن لم يكن بِالْقُوَّةِ وَإِن قدر الْوَاحِد بَطل غَيره لما لَا يتْركهُ يعاديه فِي ملكه وينازعه فِي ربوبيته وَله قدرَة تصفية الْملك لَهُ وَبعد فَإِن الْعَاجِز الْجَاهِل أَحَق أَن يكون عبدا مربوبا دون أَن يكون رَبًّا ملكا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَهَذَا يبطل على من يَقُول بالظلمة والنور لما جهل النُّور حَيْثُ وَقع فِي وثاق الآخر والظلمة حَيْثُ منعت عَن عَملهَا وَهُوَ الشَّرّ فِي الآخر وَمَعَ مَا تَفَرَّقت أجزاؤهما وتشتتت أحوالهما حَتَّى عجز كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يظْهر سُلْطَانه ويستولى على مَاله جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن أَن يكون هَذِه صفته وَأَيْضًا أَن القَوْل من أَصْحَاب الْإِثْنَيْنِ قَول بنهاية كل وَاحِد مِنْهُمَا من جَانب وارتفاعهما من سَائِر الجوانب فَإِن كَانَ الإرتفاع دَلِيل الْقدَم لزم الْحَدث فِي وَجه الْحَد وَإِن لم يكن لزم الْحَدث فِي الْكل مَعَ مَا إِن لم يقدر النُّور على تَخْلِيص جزؤه المتناهي عَن يَد عدوه بالأجزاء الَّتِي لَا تتناهى وَلَا كَانَت تِلْكَ الْأَجْزَاء قدرت على حفظ ذَلِك الْجُزْء من يَديهَا قبل الْوُقُوع فِي وثاقها أَنى يقدر إِذا أَرَادَ بعد الْوُقُوع فِي وثاق الظلمَة والتخليص من قَيده وعَلى قَول من يَجْعَل الْحَواس كلهَا للنور دون الظلمَة وَالْعلم كُله وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا وصف بِهِ الظلمَة مِمَّا

أقاويل الدهرية وبيان فسادها

قَالَه عَلَيْهِ أعمى لَا يبصر عَاجز لَا يقدر ضَعِيف لَا يقوى شَرّ بالطبع لَا بِالْقُوَّةِ فنسأل الله أَن يعصمنا عَن الْعُدُول عَن سَبيله والإبتلاء بشبكة الثنوية فَإِنَّهُ لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا كل اثْنَيْنِ لَا بُد من انْفِرَاد كل بمَكَان إِن كَانَ جسما أَو عرضا فَإِن كَانَ عرضا فمفارقته توجب تلفه وَإِن كَانَ جسما فإمَّا أَن يكون مَكَان كل وَاحِد مِنْهُمَا من جوهره فَلَا يقوم فِي مضادة حَاله كالمائي فِي الْبر والليلي من الْبَصَر بِالنَّهَارِ وَإِن كَانَ من غير جوهره ألف الْخَيْر بِالشَّرِّ وَالشَّر بِالْخَيرِ وَذَلِكَ ينْقض معتمدهم فِي القَوْل بِالْعدَدِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أقاويل الدهرية وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ نذْكر أقاويل الدهرية على مَا ذكره ابْن شبيب وَغَيره ليظْهر مذاهبهم فَإِن ظُهُورهَا أحد أَدِلَّة فَسَادهَا بعد أَن يعلم إتفاقهم فِي قدم طِينَة الْعَالم وإختلافهم فِي قدم الصَّنْعَة وحدثها وَهَذَا جملَة مذاهبهم زعم أَصْحَاب الطبائع أَنَّهُنَّ أَربع حر وَبرد وندوة ويبس وَاخْتلف الْعَالم باخْتلَاف الإمتزاج مِنْهَا واعتدل مَا اعتدل مِنْهَا بإستواء المزاج مِنْهَا وعَلى ذَلِك مجْرى الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَلم يزل يجرى بِمثل الَّذِي يجرى كَمَا ترى لَا أول للأشياء وَسموا حركاتها أعراضا وضربوا لباطلهم هَذَا مثلا من نَحْو الأصباغ كالبياض والحمرة والسواد والخضرة إِنَّهَا عِنْد الإمتزاج على قدر الْكَثْرَة والقلة والرقة والكثافة تخْتَلف ألوانها لَا أَن يكون ثمَّة حَادث لون وَإِن كَانَ رُبمَا يخرج على مَا لَا يعرف أهل هَذِه الألوان أَن ذَلِك مِم خرج فَمثله مَا ذكرُوا من الطبائع قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَمن تَأمل هَذَا القَوْل بِمَا ضربوا لَهُ من الْمثل وجده يثبت قَول أهل التَّوْحِيد لِأَن الأصباغ لأنفسها لَا تمتزج ثمَّ هِيَ لَو

امتزجت لأنفسها خرجت على لون مستسمج مِمَّا عد ذَلِك فِي الْعُقُول فَسَاد للأصباغ فَإِذا مزجها حَكِيم عليم يعلم عواقب ذَلِك المزاج خرج متقنا مستحسنا ثمَّ كَانَ الْعَالم خرج متقنا ثَبت أَن الَّذِي بِهِ كَانَ الْعَالم عليم حَكِيم يعرف عواقب الْأَشْيَاء فأخرجها على ذَلِك وَفِي ذَلِك فَسَاد أَن يكون تِلْكَ الطبائع أَو الطينة أَو ماسموا من الْأَسْمَاء لنَفسهَا صَارَت بِحَيْثُ يكون على مَا عَلَيْهِ يخرج فَثَبت أَن الَّذِي أَنْشَأَهَا كَذَلِك مُدبر حَكِيم وَيجب تكوينها لَا من شَيْء مَعَ مَا كَانَت الألوان كل لون مِنْهَا لَا يُوصف بِشَيْء مِمَّا ذكرُوا من الْحَرَارَة والبرودة إِذْ قد يكون فِي الْأَشْيَاء شَيْء يغلب عَلَيْهِ لون مِنْهَا وَهُوَ حَار وَآخر يغلب عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ مَعَ ذَلِك بَارِد فَثَبت أَنه لم يكن شَيْء من ذَلِك الألوان بِمَا ذكرُوا وَلَا مَا ذكرُوا بهَا وَفِي ذَلِك إِيجَاب غير الَّذِي قَالُوا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَكَذَلِكَ يجد مَا فِيهَا من الطعوم مُخْتَلفَة حَتَّى يكون بلون وَاحِد وطبيعة وَاحِدَة تخرج على نوع من الطّعْم نَحْو الملوحة أَو الحموضة أَو المرارة أَو الطينة الَّتِي لَا يضْرب إِلَى شَيْء من ذَلِك ثَبت أَن ذَلِك كَانَ بتدبير من يملك جعل كل على مَا شَاءَ من غير أَسبَاب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن هَذِه الطبائع لَا يَخْلُو من أَن يكون جَوَاهِر أَو أعراضا فَإِن كَانَت جَوَاهِر صيرت بالأعراض الَّتِي اعترضت فِيهَا على مَا ذكر من الإختلاف وَهِي الإجتماع والإفتراق ولولاهما لَكَانَ كل جَوْهَر من ذَلِك مُتَفَرقًا وَدلّ اخْتِلَاف الْجَوَاهِر مَعَ إجتماع الأخلاط فِيهَا على غَلَبَة الْأَعْرَاض عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تصرفها من حَال إِلَى حَال ثمَّ كَانَت الْأَعْرَاض لأنفسها لَا تقوم وَلَا تقدح فِي الْأَشْيَاء ثَبت أَنَّهَا عملت فِيهَا هَذَا الْعَمَل يمن يعلم أَنَّهَا تعْمل كَذَا وَلم يجز أَن يكون بِعلم أحد ذَلِك إِلَّا بِمن يملك جعل تِلْكَ الْجَوَاهِر يصلح لاحْتِمَال تِلْكَ الْأَعْرَاض ومحال علم مثله إِلَّا بِمن يَجْعَلهَا كَذَلِك وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بِوَاحِد عليم قَادر لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يصعب عَلَيْهِ تكوين مَا يُرِيد كَونه وَإِن كَانَت أعراضا فمحال وجودهَا

لأنفسها وقيامها فَلَزِمَ القَوْل بموجد قديم مَعَ إِيجَاد مَا فِيهِ وَبِه يدْخل فِي حد الْوُجُود على أَن حدث الْأَعْرَاض مِمَّا لَا نمانع فِيهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِنَّهُ مَعْلُوم أَن تِلْكَ الطبائع هِيَ متضادة وَحقّ التضاد التدافع وَفِي ذَلِك تفرق وَفِي التَّفَرُّق تبدد وتفان فَلم يحْتَمل أَن يكون أصُول الْأَشْيَاء لأنفسها كائنة وقائمة مَعَ التَّنَاقُض الَّذِي ذكرت ثَبت أَنَّهَا إِن كَانَت كَانَت بمانع عَن التدافع الَّذِي فِيهِ التبدد وَهُوَ الْجَامِع ببنها بعد التَّفَرُّق القاهر لَهَا وبالجمع كَانَ الْعَالم ثَبت حُدُوثه وَفِي ذَلِك فَسَاد القَوْل بالطبائع لِأَن كَون شَيْء لَا عَن شَيْء لَيْسَ بأبعد فِي الْعُقُول من قيام الشَّيْء مَعَ ضِدّه وَهُوَ مَا ينْقضه ولبعد ذَلِك عَن عُقُولهمْ صَارُوا إِلَى مَا قَالُوا فَإِذا لَزِمَهُم فِيمَا قَالُوا مثل الَّذِي عَنهُ فروا بَطل قَوْلهم وَذهب عذرهمْ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة وَقوم قَالُوا بِمثل ذَلِك إِلَّا أَنهم زَعَمُوا أَن لَيْسَ لأجناس الطبائع عدد يعرفونه وَكلهمْ قَالُوا بقدم الْأَشْيَاء فِي جَمِيع جُمْلَتهَا من مهب الشمَال والجنوب وَالدبور وَالصبَا وَمن أَعْلَاهَا وأسفلها وَزعم قوم من المنجمة أَن النُّجُوم لم تزل تدبر أَمر الْعَالم وَهِي مُتَّصِلَة بِهِ وَمِنْهَا سعد فاختلافه باخْتلَاف مَا اتَّصل بِهِ مِنْهَا كأداة صَاحب الديباج بالخيوط الموصولة من الإبر بِسم بِأَعْلَى أداتها بِمَا يظْهر فِيهِ من الظُّهُور وَغَيره بِرَفْع الْخشب وحفظها فَمثله أَمر النُّجُوم بالعالم تخْتَلف صورته باخْتلَاف تحرّك النُّجُوم وَفِي اختلافها وائتلافها السَّعَادَة والنحس وَهِي لم تزل تتحرك فَيحدث من كل حَرَكَة غير الَّذِي يحدث من غَيرهَا ويتولد ذَلِك وبمثل ذَلِك يَقُولُونَ فِي الْبَيْضَة والدجاجة أَنه يكون ذَلِك بِضَرْب من حركات النُّجُوم كالديباج الَّذِي ذكرت وَزَعَمُوا أَن الْأَجْسَام قديمَة وَهِي غير الْأَعْرَاض والحركات أَعْرَاض تحدث إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهَا وصيروا أَمر جَمِيع الْعَالم أضطرارا بِمَا كَانَ كَذَلِك بالنجوم

والأفلاك من اجْتِمَاع وتفرق فَمثله فِي النُّجُوم نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله أما القَوْل بحركات لَا نِهَايَة لَهَا فقد بَينا فِيمَا تقدم فَسَادهَا مَعَ مَا لَا يشك فِي حَرَكَة انْقَضتْ إِلَّا أَنَّهَا نِهَايَة مَا تقدم من الحركات حَتَّى لَا يكون شَيْء مِمَّا تقدم بعد هَذِه وَإِذا ثَبت نِهَايَة الفناء لَهَا والإنقضاء لم يجز أَن يتناهى الإقتضاء لما لَا يتناهى لَهُ الإبتداء ثَبت لذَلِك الإبتداء وَبعد فَإنَّا رَأينَا الْجَوَاهِر كلهَا فِي رَأْي الْعين مُتَفَاوِتَة الْحُدُود لَا يحْتَمل أَن تكون هِيَ كَذَلِك على غير أَن تكون كَذَلِك إِلَّا عَن أقل متفاوت يظْهر فِي أَكْثَره ذَلِك فَثَبت أَن كَانَ لذَلِك عَن أَصْغَر حَال يكون عَظمَة وكثافته بعد أَن لم يكن ولطف عظمه وكثافته فِي الْكَوْن بعد أَن لم يكن لَا بِشَيْء تقدمه لِأَن فِي التَّقْدِيم إِيجَاب الإستواء وَقد ثَبت التَّفَاوُت فَثَبت أَن الَّذِي تقدم هُوَ حدث بعد أَن لم يكن إِذْ هُوَ فِي معنى مَا هُوَ كَذَلِك مَعَ مَا لَو كَانَت الحركات إِذْ هِيَ مستديرة لَو جعلت مُسْتَقِيمَة من جِهَة ليَكُون بَعْضهَا على أثر بعض وَفِي وجود بَعْضهَا فنَاء الْبَعْض وَلَو وَجب قدم الحركات ليجب قدم فنائها فَتكون فِي الْأَزَل مَعْدُومَة مَوْجُودَة وَذَلِكَ متناقض إِذْ لَا يجوز اجْتِمَاع الْوُجُود والفناء فِي حَال فَكَذَا فِي كل الْأَحْوَال وَفِي ذَلِك لُزُوم الإبتداء مَعَ مَا لَو تفَاوت فِي رَأْي الْعين ذهَاب سرعَة أحد سبق آخر يسيران سيرا مُسْتَقِيمًا لَا يحْتَمل أَن لَا يكون ابْتِدَاء أَحدهمَا قبل ابْتِدَاء الآخر أَو يسير أَحدهمَا أسْرع من الآخر وَفِي رفع النِّهَايَة عَنْهُمَا بطلَان النِّهَايَة بَينهمَا وَفِي بُطْلَانه نقض المحسوس ثَبت لَهما الإبتداء وَكَذَلِكَ هَذَا الْمَعْنى فِي المستدير من الحركات وَالله الْمُوفق وَبِهَذَا كُله ننقض على جَمِيع الْقَائِلين بقدم الْأَعْيَان غير خَارِجَة عَن الْأَعْرَاض وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وبمثله تكلم أَصْحَاب الطبائع

ثمَّ يُقَال لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِمَ عَرَفْتُمْ أَنه كَذَلِك فَإِن أدعوا السّمع فِيهِ عورضوا بِالسَّمْعِ الَّذِي ورد مِمَّن فيهم حجج الصدْق فهم أَحَق أَن يصدقُوا وهم الرُّسُل وَإِن ادعوا العيان والحس أكذبهم علمهمْ بِأَنْفسِهِم إِنَّهُم لَا يذكرُونَ قدمهم وَلَا شهدُوا تَدْبِير النُّجُوم والطبائع وَإِن رجعُوا إِلَى الإستدلال بِمَا عاينوا فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا عاينوا دَلِيل تَدْبِير النُّجُوم وَلَا قدم الطبائع وتولد الْعَالم من امتزاجها بل لَو قلب على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا القَوْل كَانَ أقرب إِلَى الْوُجُود وأحق فِي الإستدلال فَأَما أَمر الطبائع فَإِنَّهُ فِي الْوُجُود إِن كَثْرَة الإضطراب والتحرك تولد الْحَرَارَة فِي نفس المضطرب المتحرك وَكَثْرَة السّكُون والقرار تولد الرُّطُوبَة فَتكون الطبائع هِيَ الْحَادِثَة من أَحْوَال الْعَالم دون أَن يكون الْعَالم هُوَ الْمُتَوَلد عَنْهَا وَهَذَا أقرب إِلَى حق الْحَواس ثمَّ يُقَال أَن اضْطِرَاب الْفلك وتحرك النُّجُوم وَتَقَلُّبهَا على أَحْوَال الإجتماع والتفرق يكون بتقلب أَحْوَال الْأَرْضين وَمَا فِيهَا من أَنْوَاع الْأَشْجَار الْبحار والمياه وجوهر التَّفَرُّق الَّتِي يَعْلُو بخارها أَو هِيَ بجوهرها كالنيران والجواهر الْحَقِيقِيَّة وَبهَا يَنْقَلِب أَمر النُّجُوم وَمَا ذكر فَهَذَا أَحَق إِذْ هُوَ أقرب إِلَى الْعين وَأولى أَن يكون دَلِيلا لما غَابَ عَنَّا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ تكلم هَؤُلَاءِ بِمَا تكلم بِهِ أَصْحَاب الطبائع إِن ذَلِك الصَّانِع إِنَّمَا خرج فعله محكما متقنا بِمَا عِنْده من الْعلم وَله من الْقُدْرَة وَلَوْلَا ذَلِك لما احْتمل مَا ذكرت فَإِنَّهُ بِمَا سبق من التَّدْبِير استقام ذَلِك فَمثله أَمر النُّجُوم لَو كَانَ على مَا يَقُول كَانَ يكون ذَلِك كَذَلِك بتدبير عليم حَكِيم أنشأه على ذَلِك وَلَو كَانَ إِلَيْهَا التَّدْبِير لما يحْتَمل أَن تتعب نَفسهَا بالسير والحركات الدائمة وتؤلمها إِذْ كَذَلِك حَال الْأَحْيَاء فِي الشَّاهِد إِن تِلْكَ الْأَحْوَال تتعبهم وتؤلمهم أَو أَن يكون من الْموَات

فَيكون بتدبير غَيرهَا كَانَ الَّذِي كَانَ على مَا ذكر من قصَّة الديباج على أَنه يعلم أَنه لَو قدر على ذَلِك بِلَا اتعاب نَفسه لاختاره عَلَيْهِ ليعلم أَن كل ذَلِك بتدبير حَكِيم عليم غنى اسْتعْمل جَمِيع مَا ذكر فِيمَا ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِنَّهُ لَو جَازَ القَوْل فِي عالمنا إِنَّه بتدبير من ذكر لجَاز مثله فِيمَن ذكر أَنه كَانَ بتدبير من يعلوه كَذَلِك إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَفِي ذَلِك بطلَان قَوْلهم فِي تَدْبِير النُّجُوم أَو يرجع إِلَى نِهَايَة وَفِي ذَلِك فَسَاد قَوْلهم فِي رفع النِّهَايَة عَن الْأَشْيَاء وَإِيجَاب القَوْل بِوَاحِد إِلَيْهِ يرجع تَدْبِير جَمِيع مَا ذكر وَهُوَ الْعَالم بعواقب الْأُمُور الْمُقدر فِي كل مَا إِلَيْهِ ينتهى على أَن هَؤُلَاءِ قد أقرُّوا بقَوْلهمْ أَن لَيْسَ لَهُم قَول لأَنهم زَعَمُوا أَن لَا اخْتِيَار لَهُم لكِنهمْ مضطرون فِيمَا يَقُولُونَ وَكَذَلِكَ خصومهم فِيمَا يكذبونهم فَيكون ذَلِك التكاذب والتناقض من هَذَا الْمُدبر وَمن ذَلِك تَدْبيره فَهُوَ الْمُفْسد وَمن ذَلِك قدر قَوْله فَهُوَ لم يقل عِنْد نَفسه وَفِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا سُقُوط قَوْله فَيبقى قَول الْمُوَحِّدين وَالثَّانِي إِنْكَاره العيان والإختيار الَّذِي يُعلمهُ كل أحد وكل عَاقل وَمن أنكر العيان الَّذِي يُحِيط بِهِ حسه ثمَّ يدعى غَائِبا لَا يبلغهُ حسه بِالَّذِي أنكر مِمَّا أدْركهُ حسه فَهُوَ بِحَمْد الله مكفى المؤونة حقيق الهجر وَبِاللَّهِ المعونة وَلَو كَانَت الْأَحْوَال مدفوعة إِلَيْهَا لما ترك أحد الْأكل وَالشرب لخوف وَلما أقدم عَلَيْهَا لشَهْوَة وَلما أصَاب لشَيْء من ذَلِك لَذَّة وكل ذَلِك مَوْجُود فِيمَا عَلَيْهِ الطباع حَتَّى كَانَ فِيمَن عظم من ذَلِك أقل مِنْهُ فِيمَن صغر وَلَو كَانَ بالطبيعة أَو اتِّصَال بالنجوم يجب أَن يكون على كل قلب بِهِ وَبعد فَإِن خُرُوج الْأَفْعَال الْمُخْتَلفَة وَأَحْوَالهَا محَال وجودهَا من ذِي طبع كالتبريد والتسخين وَالشَّر وَالْخَيْر فَثَبت أَن لَيْسَ أصل شَيْء مِنْهُ بِذِي طبع وَلَكِن بعليم حَكِيم جعل كل شَيْء على ذَلِك بالخلقة والوجود وَلَو كَانَت الْأَفْعَال بِالدفع لم يُمكن الْفَاعِل الإمتناع كالمدفوع فِي قَفاهُ وَالَّذِي يهوى من فَوق بَيت

والموثوق بالحبال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي الْوُجُود إِن المفلوج يعلم أَنه لَا يمْتَنع عَمَّا تلى وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى وكل ذِي آلَة مؤوفه ثمَّ هُوَ يعلم ارْتِفَاع تِلْكَ الْآفَات والتمكين من الْخلاف لتِلْك الْأَحْوَال ثَبت أَن القَوْل بِالضَّرُورَةِ فِي الْجُمْلَة كذب وَزعم صنف أَن طِينَة الْعَالم كَانَت قديمَة سميت هيولي مَعهَا قُوَّة لم تزل بصفتها وَلَا طول لَهَا وَلَا عرض وَلَا عمق وَلَا وزن وَلَا مساحة وَلَا لون وَلَا طعم وَلَا رَائِحَة وَلَا لين وَلَا خشونة وَلَا حر وَلَا برد وَلَا بلة وَلَا حَرَكَة وَلَا سُكُون وَلَا شَيْء مَعهَا فِي أوليتها من الْأَعْرَاض سميت إِذْ ذَاك هيولي وقلبت الهيولي الْقُوَّة بطباع مِنْهَا لَا بِاخْتِيَار فَحدثت هَذِه الْأَعْرَاض فَسمى جوهرا وَهُوَ جَوْهَر وَاحِد وَهُوَ جَوْهَر الْعَالم والإفتراق والإتفاق إِنَّمَا جَاءَ من قبل الْأَعْرَاض والأعراض لَا تُوصَف بالإختلاف والإتفاق لِأَنَّهُمَا لَا يكونَانِ إِلَّا بِغَيْرِهِمَا وَالْعرض لَا يقوم بِالْعرضِ وَإِنَّمَا يقوم بالجوهر فَاخْتلف بِهِ الْجَوْهَر وَاتفقَ وَذكر أرسطاطاليس وَهُوَ صَاحب هَذَا القَوْل فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الْمنطق عشرَة أَبْوَاب بَاب الْعين كَقَوْلِك إِنْسَان سميت عينه وَبَاب الْمَكَان كَقَوْلِك أَيْن وَالصّفة بِقَوْلِك كَيفَ وَالْوَقْت مَتى وَالْعدَد ب كم والمضاف مِمَّا فِي ذكر الْوَاحِد ذكر الآخر كَالْأَبِ وَالْعَبْد وَالشَّرِيك وَنَحْوه وَذُو كَقَوْلِك ذُو شرف وَذُو أهل وَنَحْو ذَلِك سموهُ بَاب الْجدّة والنصبة كالقيام وَالْقعُود وَالْفَاعِل كَقَوْلِك أكل وَنَحْوه وَالْمَفْعُول كَقَوْلِك مَأْكُول لَا يقدر أحد أَن يذكر مَا يخرج عَن جملَة ذَلِك وَزَعَمُوا فِي الْقُوَّة إِنَّهَا جاهلة تفعل بالطباع وَلَيْسَ بالهيولي حَاجَة إِلَى الْأَعْرَاض

قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَمن تَأمل مَا صَار هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ علم أَنهم أُوتُوا ذَلِك لجهلهم نعم الله فعموا عَن سَبِيل الرشد فضلوا ثمَّ بعثتهم حيرة الضلال إِلَى الإستيناس بِمثل هَذَا الخيال الَّذِي لَا يصير عَلَيْهِ عقل وَلَا يستجلبه هوى وَالله الْمُسْتَعَان وَلَوْلَا ذَلِك مَا الَّذِي كَانَ يعرفهُمْ أَن ابْتِدَاء الْعَالم مَا ذكر ثمَّ اسْمه الَّذِي وصف لَيْسَ فِيهِ ثمَّة مَا ذكر وَعَمله الَّذِي نعت لَيْسَ فِي جَوْهَر الْعَالم دَلِيله وَلَا فِي السّمع احْتِمَاله لكِنهمْ سمعُوا قَول أهل التَّوْحِيد فِي وصف الله بِالَّذِي وصفوا بِهِ الهيولي عِنْدهم وَلم ينْظرُوا فِيمَا ألزمهم القَوْل بِهِ فَرَجَعُوا فنقضوا مَا قد أثبتوه إِذْ صيروا الَّذِي لذاته خَارج عَن احْتِمَال الْأَعْرَاض مُمْتَنع عَن معنى الْجَوَاهِر جوهرا ثمَّ جوهرا ثمَّ جَوَاهِر ثمَّ صَار بِحَيْثُ لم يبْق من أوليته أثر وَمَا بقى مِمَّا انْتهى أَمر الْعَالم من الْقَدِيم والْحَدِيث إِلَّا الْجَوَاهِر والأعراض وَذهب الَّذِي لم يكن بِهَذَا الْوَصْف فَيكون فِي ذَلِك فنَاء الْعَالم بِنَفسِهِ واستحالة الْقَدِيم بِذَاتِهِ بأعراض قهرته وأفنته مِمَّا لَا قيام لَهَا بِنَفسِهَا وَيكون فِي ذَلِك القَوْل بِحَدَث جَمِيع الْعَالم الَّذِي دفعهم عَظِيم هَذَا القَوْل إِلَى ذَلِك الخيال إِذْ كل مَا هُوَ مَأْخُوذ إِنَّمَا هُوَ عرض وجوهر وَلم يكن الأول ثمَّ يبطل قَوْله إِذا سمى نَفسه حكيما ألزم غَيره الصدود عَن رَأْيه وَاتِّبَاع هَوَاهُ بعد قَوْله إِن الأَصْل الَّذِي مِنْهُ كَانَ جَاهِلا سَفِيها وَأَن الْأَعْرَاض هِيَ أغيار ولدتها الْقُوَّة السقيمة الَّتِي لَا حِكْمَة فِيهَا وَلَا علم لَدَيْهَا وَهُوَ أحد أبنائها الَّذِي لم ينل شَيْئا إِلَّا بهَا فَمن أَيْن قدم نَفسه عَلَيْهَا وَإِذا جَازَ كَذَلِك من غير أصل لَهُ بِهِ صَار كَذَلِك فَلْيقل فِي جَمِيع الْعَالم بِمثل الَّذِي قَالَ بِنَفسِهِ ثمَّ لَا يَخْلُو الْقُوَّة الَّتِي هِيَ قلبت الهيولي من أَن يكون لَهَا سُلْطَان عَلَيْهَا بِمَائِهَا قلبتها فَلْيقل هُوَ فِي الله سُبْحَانَهُ أنشأ الهيولي أَو مَا شَاءَ على وَجه

فَيقبل التقليب وَيقوم بِهِ التَّرْكِيب ثمَّ ليسم بِمَا شَاءَ هُوَ على فنَاء مَا قلبه فَإِذا بَطل الأَصْل الَّذِي بِهِ الْعَالم وَهلك مَعَ الإحالة أَن يهْلك الْقَائِم بِذَاتِهِ ليَكُون بهلاكه انقلاب غير وقيامه مَعَ مَا يكون فِي الهيولي تلفهَا فَتَصِير هِيَ بِلَا قُوَّة التقليب فَيكون فِي ذَلِك إبِْطَال الْعَالم وتقلبه من حَال إِلَى حَال دَائِما فَدلَّ وجوده على فَسَاد هَذَا الأَصْل مَعَ مَا فِي الشَّاهِد أَن لَا يُوجد شَيْء يصير بِحَيْثُ يصلح لشَيْء لم يكن يصلح إِلَّا بِحَكِيم يَجعله كَذَلِك فَثَبت أَن ابْتِدَاء الْعَالم إِن صلح أَن يحْتَمل كَون هَذِه الْجَوَاهِر والأعراض كَانَ كَذَلِك كل على جعله كَذَلِك وَبعد فَإِن الْقُوَّة إِذْ هِيَ قلبته بالطبع فَهِيَ غير مُفَارقَة عَنهُ فَمَا بالها خلت عَن عَملهَا فِي الْقدَم وَذُو الطَّبْع لَا يَخْلُو عَن عمله فِي الشَّاهِد على أَن الْأَعْرَاض الَّتِي أحدثت إِمَّا أَن كَانَت فِي الهيولي فَيبْطل قَوْله كَانَت خَالِيَة عَنْهَا حَتَّى حدثت أَو لم يكن فَحدثت من غير شَيْء إِذْ وصف الْقُوَّة بِمَا وصف بِهِ الهيولي وَلم يكن فِيهِ أَعْرَاض فَثَبت أَيْضا كَونهَا لَا عَن شَيْء وَهَذَا الْمَعْنى ألزمهم بالْقَوْل الَّذِي قَالُوا فَبَطل بِحَمْد الله على أَنه أمكن الْقلب عَلَيْهِم فِي كل مَا قَالُوا للقوة أَن يَجْعَل ذَلِك للهيولي فِي الْقُوَّة على أَنَّهَا لَا تَخْلُو من غير أَن يكون غير الهيولي فهما إثنان وَزعم أَن الْكمّ من بَاب الْعدَد فَلم يكن ثمَّة حدث وَقد أوجب هُنَالك أَو هِيَ هيولي فَيبْطل قَوْله هِيَ مَعَ الهيولي أَو هِيَ الَّتِي قلبت الهيولي وَكَأَنَّهَا قلبت نَفسهَا لَا الهيولي مَعَ مَا زعم أَن تِلْكَ الْأَعْرَاض اعترضت فِي الهيولي فحركته وسكنته ودفعته وخفضته من غير أَن كَانَ ثمَّة غير إِلَيْهِ تتحرك أَو فِيهِ يسكن أَو إِلَيْهِ يرْتَفع وينحط وَوُجُود أَمْثَال فَاسد فِيمَا عَنهُ تولده فَهِيَ فِي أَصله أَشد فَسَادًا وَزعم مُحَمَّد بن شبيب أَنه يُسمى الْقُوَّة حَرَكَة وَفِي رِوَايَته أَنَّهَا لَا تُوصَف

بِمَا لَا تُوصَف بِهِ الهيولي وَقد ذكر عَنْهُم الآراء فِي الهيولي فَلَا أَدْرِي أيصح ذَا أَو لَا إِلَّا أَن سمى الْقُوَّة حَرَكَة وَهِي فِيهِ فَيبْطل قَوْله إِن الهيولي لَا يُوصف بحركة إِذْ قد وَصفه بهَا ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون مماسة لَهُ أَو مباينة عَنهُ وَأيهمَا قَالَ فِيهِ إِثْبَات الجسمية والعرضية إِذْ الْبَيْنُونَة والمماسة غر الَّذِي يماس ويباين ثمَّ قَول هَؤُلَاءِ أَن حدثت الْجَوَاهِر من حركات الأَصْل وَكَذَلِكَ قَول المنجمة وَمَعْلُوم وجود جَوَاهِر من علو وسفل من كل جَانب على إِحَالَة تِلْكَ الحركات الْمُخْتَلفَة فَثَبت أَن ذَا بَاطِل وَبِهَذَا الْفَصْل ناقضهم النظام إِنَّه إِذا كَانَ بقلب الْقُوَّة الهيولي سَبَب حُدُوث الْأَعْرَاض ثمَّ هِيَ تخْتَلف كاللون والطعم وَالْحر واللين وَنَحْو ذَلِك فَيحدث ذَلِك كُله فِي وَقت وَاحِد وبحركة إِنَّمَا هِيَ تكون من جِهَة وَاحِدَة فَقيل تكون من جِهَات فَزعم أَن أَكْثَرهَا سِتَّة وَقد يحدث الشَّرّ من اثنى عشر من تِلْكَ الْأَعْرَاض فَثَبت أَن ذَلِك لتقليب الْقُوَّة على أَن التقليب يكون من جِهَة والأعراض تكْثر ثَبت أَن ذَلِك لَيْسَ بِمَا ذكر وعارضهم مُحَمَّد بن شبيب بِمَا الهيولي قبل حُدُوث الْأَعْرَاض لَيست بطويلة والأعراض لَيست بطويلة فَكيف صَارَت عِنْد الْوُجُود طَوِيلَة وَكَذَلِكَ الْعرض وَلَو جَازَ ذَا لجَاز أَن يجمع بَين مَا لَيْسَ يَخْلُو وَمَا لَا يَخْلُو فَيصير خلو وَمثله فِي جَمِيع الْأَعْرَاض كلا سَواد وَلَا سَواد

فَأجَاب عَنْهُم بالنورة والزرنيخ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا على الإنفراد لَا يحرق وَعند الإجتماع يحرق فَيُقَال مَا يبعد أَن يكون أَحدهمَا يحرق لَكِن فِيهِ مَا يمْنَع عَن الإحراق وَفِي الآخر مَا يمْنَع هَذَا الْمَانِع عَن الْمَانِع فيحرق لَا أَن لم يكن فِيهِ إحراق أَو كِلَاهُمَا كَانَا كَذَلِك وَأمر الْأَعْرَاض عنْدك على مَا ذكرنَا ومحال حُلُول الْمَانِع فِيهِ لَو كَانَ طَويلا أَو سوادا وَكَذَا فِي الهيولي لذَلِك اخْتلفَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا عندنَا وَفِيمَا ذكر من النُّجُوم والطبائع أَن لَا يَخْلُو من أَن يرجع فِي ذَلِك إِلَى السّمع وَفِيهِمْ سَماع أهل التَّوْحِيد أثبت لما مَعَهم براهين الصدْق أَو يسْتَدلّ بالحاضر الْمَوْجُود على الْغَائِب فَإِن كَانَ هَذَا طَرِيقه فَيجب إِذْ الْمَوْجُود على حَال وبالوجود اعْتِبَاره أَن يكون الَّذِي بِهِ وجد بِهَذِهِ الصّفة فَيبْطل قَوْلهم فِي حُدُوث الْعَالم بالإمتزاج وبتحرك النُّجُوم وتقليب الْقُوَّة الهيولي والهيولي وَالْقُوَّة جَمِيعًا وَإِن كَانَ على اعْتِبَار معَان فِي الْمَوْجُود يدل عَلَيْهِ فَإِن الأَصْل أَن كل ذِي طبع لَا يتَغَيَّر عَمَّا عَلَيْهِ إِلَى خلاف إِلَّا بمغير حَكِيم أَو سَفِيه لَكِن يظْهر أَمرهمَا بالعواقب فَمثله الأَصْل الَّذِي أشاروا إِلَيْهِ إِنَّه لَا يصير على غير تِلْكَ الْحَال مِمَّا يصلح عواقبه إِلَّا بِحَكِيم إِذْ هِيَ كَذَلِك وَذَلِكَ يبطل أصلهم وَيثبت أَن الأَصْل احْتمل مَا احْتمل يَجْعَل غَيره كَذَلِك وَفِي ذَلِك حَدثهُ بمحدث حَكِيم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأَيْضًا أَن الْمَعْلُوم فِيمَا كَانَ طبعه الإحراق أَنه لَا يحرق إِلَّا المطبوع لاحْتِمَال الإحتراق وَكَذَا التسويد وكل حَال وجوهر ثمَّ لَيْسَ فِي طبع الْمُحْتَمل الرّفْع إِلَى الْقَابِل فِيهِ بالطبع وَلَا فِي طبع المحرق أَن يصير إِلَى من يحْتَمل ذَلِك وَمن أَرَادَ فِي الشَّاهِد ذَلِك لَا يتهيأ لَهُ دون الْعلم بالوجود وَالْجمع بَينهمَا فعلى ذَلِك أَمر ذَلِك الْغَائِب فَيبْطل الَّذِي راموا إثْبَاته وَيصير هُوَ بِمَعْنى مَا هم فِيهِ وَالله الْمُوفق مَعَ مَا إِذا كَانَ جَمِيع تِلْكَ الْأُصُول الَّتِي قالوها هِيَ موَات لَا تَدْبِير لَهُنَّ

مسألة أقاويل السمنية من الدهرية وبيان فسادها

ويعملن بالطبع لَا اخْتِيَار لَهُنَّ لم يجز أَن يكون فِيمَا مِنْهُ وجود بِهِ يحيى عَالما سميعا بَصيرًا قَادِرًا حَيا مَيتا مُحْتملا لجهات ذَلِك خَارِجا من احْتِمَال ذَلِك ثَبت كَون ذَلِك كُله بالمكون الْعَلِيم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة أقاويل السمنية من الدهرية وَبَيَان فَسَادهَا وَقَالَت السمنية من الدهرية مَعَ موافقتهم فِي حُدُوث الْأَشْيَاء فِي الْأَزَل إِن الأَرْض لَا تزَال تهوى سفلا بِمن عَلَيْهَا فَسَأَلَهُمْ عَن ذَلِك النظام فاحتجوا بثقلها والثقيل لَا يُقَاوم الْهَوَاء وَلَا يقوم فِي الجو فعارضهم بِسُرْعَة انحدار الْحجر بثقله إِذا أرسل مَعَ الريشة ثمَّ كَانَت الأَرْض مِنْهُمَا أثقل وَقد أَدْركَاهَا ثمَّ عارضهم بِمَا رَأَوْا الرّيح تحمل الشَّيْء فتصعد بِهِ فِي الْعُلُوّ دون الجوانب فَمَا يدريكم لَو كَانَت تَحت الأَرْض فتحملها بقوتها فَكيف حكمتم بِأَن يهوى دون أَن يصعد ويرتفع وَقد رَأَيْتُمْ مثله وَقطع الْكَلَام على هَذَا وَإِذا كَانَ ذَا حَاصِل المناظرة فَمَا أشبههَا بالملاعبة بل الأَصْل إِذْ كُنَّا نعاين السَّمَاء مُنْذُ عاينها على حَالَة وَاحِدَة وعاينا الأَرْض على ثقلهَا وعَلى مَا كَانَ كل جُزْء من أجوائها لَو أرسل من أَعلَى مَوضِع يبلغهُ الْوَهم لَكَانَ يلْحقهَا دلّ أَن الأَرْض إِذْ قرت على حَال وَكَذَلِكَ السَّمَاء وهما فِي طبيعتهما بطبع الثّقل وَأَن لَا قَرَار لَهما فِي الْهَوَاء ثَبت أَن قرارهما بقوى حَكِيم وَأَنه منشئهما على مَا لَا يُدْرِكهُ الأوهام وَلَا يبلغهُ الْعُقُول وَفِي ذَلِك بطلَان الدَّهْر وفروعه مَعَ مَا كَانَت مناظرة هَؤُلَاءِ عَبَثا أَو طريقها الْبَحْث عَن الْأُمُور الْخفية لتنجلى وَعَن الْوُقُوف على حُدُود الْحِكْمَة وهم جعلُوا الْعَالم على مَا عَلَيْهِ من

مسألة أقاويل السوفسطائية وبيان فسادها

الإختلاف والإتفاق وإختلاف الْجَوَاهِر والأعراض قائمات بالطباع مولدات عَن حركات أَشْيَاء أَو مشوبات بِمَا لَا تَدْبِير لَهَا وَلَا علم وَلَا على حِكْمَة تقدر وَيكون الْبشر أحد هَؤُلَاءِ فمحال أَن يكون عِنْدهم علم أَو حِكْمَة إِلَّا أَن يثبت لغير الَّذِي مِنْهُ الْعَالم فيهم تَدْبِير وَفِي خُرُوج أَعلَى جَوَاهِر الْعَالم عَن طبع مَا بِهِ الْعَالم دَلِيل كَون ذَلِك أَيْضا بِهِ على مَا شَاءَ إنْشَاء خلقه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة أقاويل السوفسطائية وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله قَالَت السوفسطائية لما وجدنَا الْإِنْسَان يعلم شَيْئا ثمَّ يبطل ويجد لَذَّة ثمَّ يَزُول وَيهْلك هوَام الْبر فِي الْبَحْر وَالْبَحْر وَالْبر ويبصر الخفاش بِاللَّيْلِ ويغشى بِالنَّهَارِ ثَبت أَن لَا يَصح علم وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِقَاد لَا غير وَإِن اخْتلف عَن إعتقاد غَيره فَسَأَلَ ابْن شبيب فَقَالَ قَوْلكُم لَا علم بِعلم قُلْتُمْ فقد أثبتم أَو لَا بِعلم لم يكن لكم الدُّعَاء إِلَيْهِ مَعَ مَا علمْتُم أَنكُمْ قُلْتُمْ بِغَيْر علم فَإِن قَالُوا بِالْعلمِ أثبتوا الْعلم وَإِن قَالُوا بِالثَّانِي ألزموا السكت وَذَا مجْرى الْبَاب قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله ومناظرة من يَقُول بِهَذَا الْكَلَام لَا معنى لَهَا لِأَنَّهُ يحصل على أَنه اعْتِقَاد لَا علم فَكل شَيْء يَقُول عِنْد المناظرة فَهُوَ ذَلِك وَإِنَّمَا يناظر مثل من ينفى الْحَقَائِق حَتَّى يرد قَوْله محققا وَكَذَلِكَ بِدَعْوَاهُ وَأما من يَقُول لَيْسَ غير الإعتقاد فَهُوَ أَي شَيْء يَقُول فَإِنَّمَا هُوَ ذَلِك وَإِنَّمَا يُقَابل بِالضَّرْبِ المؤلم وَالْقطع ويعتقد مَا يَعْتَقِدهُ هُوَ فينكر عَلَيْهِ بضده أَو بقوله إِنِّي أعتقد إنكارك إِقْرَارا حَتَّى يَدْفَعهُ الضَّرُورَة إِلَى الْإِقْرَار بِمَا أنكر

مَعَ مَا أَنه اعْتِقَاد لَا غير وَفِي ذَلِك إِثْبَات الإعتقاد فَيبْطل قَوْله بنفى الْعلم بإثباته الإعتقاد وَالله الْمُوفق مَعَ مَا عَارض بأَشْيَاء ظهر لَهُ خِلَافه وَلَو لم يكن علم الْبَتَّةَ بَطل مَا بِهِ يدْفع من ظُهُور الْخلاف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَسَأَلَ مُحَمَّد بن شبيب نَفسه بِمَا يرى الشَّيْء الْوَاحِد شَيْئَيْنِ وَآخر يرى شَيْئا وَاحِدًا فَأَيّهمَا الْحق فَزعم أَن الأول حَسبه كَذَلِك لنظره يبصره من جِهَته يرى بِكُل عين غير الْجِهَة الَّتِي يرى بِالْآخرِ دَلِيله أَنه لَو أَعور لَا يرى قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا وَنَحْوه أَن علم الْحس يخْتَلف بإختلاف أَحْوَال الْحس يعلم ذُو الْحَواس مَا بِهِ من الآفة فَيعلم بِأَن الآفة حجاب فبالحاسة يعلم خلاف الْحَقِيقَة عِنْد الآفة وَحَقِيقَته ممتد ارتفاعها وَذَلِكَ يكون فِي الَّذِي وَقعت عَلَيْهِ الحاسة من لطافة أَو بعد أَو ستر الجو بِمَا يَغْشَاهُ وَمرَّة يكون فِي الْبَصَر وعَلى ذَلِك شَأْن كل حاسة وَذَلِكَ كُله مَعْلُوم بالحواس فَلَا نقيض عَلَيْهِ مَعَ مَا أَنه على هَذَا القَوْل يبطل القَوْل بِالْخِلَافِ وَبِه يحْتَج أَو يثبت فَيبْطل قَوْله بنفى الْحَقِيقَة إِذْ ثَبت الإختلاف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَيعلم الَّذِي يذكر بِالْقربِ مِنْهُ أَو بِالزِّيَادَةِ من الضَّوْء ليعلم حَقِيقَته إِن ضعف بَصَره عَن إِدْرَاكه بالآفة فَفِي مثل هَذِه الْأَحْوَال يظْهر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وجوابنا فِي صَاحب الصَّفْرَاء الَّذِي يجد الْعَسَل مرا هَذَا مَعَ مَا يعلم هُوَ من نَفسه الآفة فِيمَا يجد بِهِ الطّعْم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ ابْن شبيب اخْتلف فِيهِ قَالَ قوم فِي الْعَسَل مرَارَة فَإِذا اتَّصل بِمَا فِي ذائقة فيقوى المرارة فيجده مرا وَقَالَ قوم إِن فِي ذائق صَاحب

الصَّفْرَاء مرَارَة الْمرة الصَّفْرَاء فَلَمَّا اتَّصَلت حلاوة الْعَسَل بالمرة الَّتِي فِي الذائق وتحركت فِي ذائقه وجد حسها كَذَلِك قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الْإِنْسَان إِذا اشْتَمَل على حُدُود وجهات فَكل جِهَة مِنْهُ تقَابل جِهَة من الْمدْرك لَا يدْرك بِتِلْكَ الْجِهَة غير الْجِهَة الَّتِي قابلته فَإِذا اعترضت الآفة فِي جِهَته الَّتِي بهَا يدْرك مقابلها أَو غشى مقابلها شَيْء ستره فَيذْهب مِقْدَار ذَلِك من الْجِهَة ومقابلها فَيكون كالإدراك بِغَيْر الْجِهَة الَّتِي هِيَ لذَلِك النَّوْع من الْإِدْرَاك فَيكون الْأَحْوَال ثَلَاثَة بقلب الْجِهَة لَا يدْرك مِنْهُ شَيْئا الْبَتَّةَ وتقريرها مَعَ ارْتِفَاع السواتر كلهَا فيدرك بِهِ حَقِيقَة الْمدْرك أَو الإختلاط فعلى تفَاوت ذَلِك يتَفَاوَت الدَّرك وكل ذَلِك حق الْحس مَعْلُوم بالحس فَلم يرد فِي علم الْحس اخْتِلَاف الْبَتَّةَ فِي الْحَقِيقَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ تكلّف نوع مَا كلم النظام السمنية مِمَّا لَا يجدي نفعا فَزعم أَن الْحيتَان كَانَ الْغَلَبَة فِي طبائعها الرُّطُوبَة والبرودة فَإِذا صَارَت إِلَى الجدب وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْحَرَارَة واليبوسة غلبتا على الرُّطُوبَة والندوة فأهلكا وَكَذَلِكَ كل متضادين من الطبائع إِذا غلب وَاحِد ضِدّه أهلكه وَكَذَلِكَ أَمر الطَّائِر فِي السَّمَاء وكلب المَاء فَإِنَّهُ أَشد اعتدالا من الْحُوت يعِيش فِي المَاء وَالْبر والخفاش فَإِن بَصَره مسترقة لَيست بالقوية يذهبه ضوء الشَّمْس نَحْو مَا يعشى الرجل إِذا نظر إِلَى عين الشَّمْس فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس ذهب مَا أَضْعَف بَصَره فأبصر فَإِذا اشتدت الظلمَة لَا يبصر وَأما الْأسد فَهُوَ قوي الْبَصَر يبصر بِالنَّهَارِ وَأكْثر مَا يبصر غَيره وَكَذَلِكَ الْمَانِع لَهُ بِاللَّيْلِ أقل مِمَّا يمْنَع غَيره قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَذَلِكَ كُله عَبث بل القَوْل إِنَّه كَذَلِك

خلق وَبِهَذَا الطَّبْع جبل بعض الْجَوَاهِر يطير فِي السَّمَاء وَآخر يسبح فِي المَاء وَالثَّالِث يمشي على وَجه الأَرْض فتكلف الإعتلال لمثل هَذَا تحكم على رب الْعَالمين واعتلال بِمَا لم يُؤذن لَهُ وَلَا لَهُ بِهِ دَرك وَلَيْسَ ذَلِك من نوع مَا ضمن الشَّرْع فِيهِ من تَحْقِيق الْأَعْيَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بِمَا يرى النَّائِم فَيخرج على مَا يرى فَلَعَلَّ أَمر الْيَقظَان على هَذَا أَو مَا يعلم ذَا من ذَا فَزعم أَن الَّذِي يفرق بَين الْأَمريْنِ أَنه يرى مَا لَا يَصح فِي الْعقل فِي حَال النّوم نَحْو أَن يرى نَفسه مَيتا وَالْمَيِّت لَا يعلم أَو يرى رَأسه ملقى فِي حجره وَمثله لَا يحْتَمل رُؤْيَة الْيَقظَان فَإِن قيل كَيفَ يتَوَهَّم النَّائِم الْمحَال وَهُوَ لَا يثبت فِي الْوَهم قيل عِنْد مَا يرى نَفسه فِي الْمَنَام لَا يعتقدها حَيَّة ميتَة وَذَلِكَ هُوَ الْمحَال وَكَذَلِكَ إِذا رأى رَأسه ملقى لَا يتوهمه فِي مكانين وَزعم أَن الْعلم بِصِحَّة مَا فِي الْيَقَظَة وَفَسَاد مَا فِي النّوم اكْتِسَاب دَلِيله مَا ذكرت قَالَ وَقد يرى فِي الْمَنَام مَا يَصح ذَلِك إِنَّمَا بِملك يرِيه أَو بِمَا ذَلِك فِي الأصحاء أَو بعض ذَلِك قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا فِي الأول إِن النَّائِم ذُو آفَة يعرفهَا بِمَا يعلم بِهِ يقظته وَذَلِكَ حق الْحس إِنَّه يرى فِي النّوم مُضْطَرّا وَفِي الْيَقَظَة لَا وَكَذَلِكَ يبْقى ألم مَا يضْرب فِي حَال الْيَقَظَة وَيعرف لَذَّة مَا بِهِ يغتذى وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَين هَؤُلَاءِ فِي هَذِه الْأَحْوَال مَسْأَلَة إِنَّمَا بَيْننَا إِلْزَام حق الْيَقَظَة وتحقيقه بضرورة بِمَا ذكرنَا ثمَّ تغير ذَلِك إِنَّمَا ذَلِك للآفات الَّتِي تعترض وَجُمْلَته أَن الطبيعة أَو النُّجُوم أَو الأغذية لَا يحْتَمل أَن تولد ذَلِك وَلَا فِيهَا مَا يُوجب ذَلِك وَأَن لكل شَيْء من ذَلِك مضرَّة وَمَنْفَعَة وَمَا بِهِ الْغَلَبَة والإعتدال فَلَا يحْتَمل وجود مثله بالطبع وَلَا بِالنَّجْمِ من حَيْثُ خُرُوج ذَلِك على مَا فِيهِ من الْحِكْمَة والإتقان وَمَا يُوجِبهُ الطَّبْع لَا يحْتَمل ذَلِك وَقد مر بَيَان ذَلِك وَالله الْمُوفق

مسألة في صفة أقاويل الثنوية

مَسْأَلَة فِي صفة أقاويل الثنوية أَولا أقاويل المنانية وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله زعمت المنانية أَن الْأَشْيَاء على مَا عَلَيْهِ من امتزاج النُّور والظلمة وَكَانَا متباينين النُّور فِي الْعُلُوّ لَا يتناهى فِي أَربع جِهَات شمال وجنوب وصبا ودبور والظلمة فِي السّفل كَذَلِك وَلها من جِهَة الإلتقاء تناه قبعت الظلمَة على النُّور فامتزجا فَكَانَ الْعَالم من امتزاجهما على قدر الإمتزاج وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا خَمْسَة أَجنَاس حمرَة وَبَيَاض وصفرة وَسَوَاد وخضرة فَكل شَيْء مِمَّا جَاءَ من هَذَا الْجِنْس من جَوْهَر النُّور فَهُوَ خير وَمَا كَانَ من جَوْهَر الظلمَة فَهُوَ شَرّ وَكَذَلِكَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا حواس خمس سمع وبصر وذائق وحاسة الشم واللمس فَمَا أدْرك جَوْهَر النُّور بهَا فَهُوَ خير وَمَا أدْرك جَوْهَر الظلمَة فَهُوَ شَرّ وللنور روح وللظلمة روح وروح الظلمَة يُسمى همامة وَهِي حَيَّة فغلب الْعَالم ليحبس النُّور فِيهَا والنور لَيْسَ بحساس وَمَا كَانَ مِنْهُ يكون بالطبع وَيكون خيرا كُله والهامة حساسة وسيصير كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى حيزه ثمَّ وجد أَعلَى الْأَشْيَاء أصفاها وأسفلها أكدرها وَمن طبعهما الخفة والثقل وَأَمرهمَا على التنافر إِذْ الْخَفِيف يَعْلُو صعدا والثقيل ينحدر سفلا فيمر الدَّهْر إِذْ كَانَا كَذَلِك يتخلصان من وَجه التناهي كَمَا امتزجا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمن تَأمل القَوْل وجده كُله متناقضا من غير أَن يحْتَاج إِلَى تكلّف الدّلَالَة على إبِْطَال القَوْل سوى تَفْسِيره أول شَيْء بِهِ أَنه أَرَاك النِّهَايَة من الْوُجُوه وأثبتها من وَجه فَجعل المتناهي غير المتناهي إِذْ النِّهَايَة حد وَالْحَد قصر عَمَّا هُوَ أعظم مِنْهُ وَذَلِكَ تَدْبِير غَيره فِيهِ وَهُوَ دَلِيل حدث جَانب مِنْهُ وَذَلِكَ جُزْء وبعيد كَون كُلية الْأَجْزَاء المتناهية غير متناهية لِأَن ذَلِك الْمَعْنى يتَمَكَّن فِي كل جُزْء مِنْهَا يتَّصل على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْوُجُوه الَّتِي لَا تتناهى إِمَّا أَن يكون الآخر فِيهَا فَيبْطل قَوْله امتزجا من جَانب بل كَانَا

إِلَّا من جَانب ثمَّ امتزجا وَإِن لم يكن زَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الْأَوْجه الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ للْآخر فَصَارَ من تِلْكَ الْوُجُوه متناهيا وَالله الْمُوفق ثمَّ إِن كَانَ من طبع السُّفْلى التسفل والعلوى الْعُلُوّ وَذَلِكَ معنى التنافر وَإِلَيْهِ مرجع الْعَاقِبَة فَكيف صَار السُّفْلى يذهب صعدا وَذَلِكَ طبع العالي الصافي وَهُوَ معنى الْخَيْر فقد صَار من السُّفْلى الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فَبَطل الْمَعْنى الَّذِي لَهُ لزم القَوْل بإثنين ثمَّ من العلوى النفار إِلَى العلوى وَلم يقم بوفاء ذَلِك وَلَا امْتنع بِهِ عَمَّا كَانَ بجوهر ينحدر حَتَّى ارْتَفع عَلَيْهِ وَخلق الْعَالم بحبسه فَكيف يطمعون أَن ينخلص من يدى الهمامة وَهِي مَعَ ذَلِك حساسة فعاله بالحيل أوثقته وقيدته وحبسته وَلَيْسَت لَهُ قُوَّة يتَخَلَّص بهَا وبطبعه لم يمْتَنع عِنْد التَّخْلِيَة فَكيف يتَخَلَّص بعد الوثاق إِلَّا أَن يَقُول تخلى الهمامة سَبيله فيجعلها فاعلة الْخَيْر وَبعد فَإِن جَوْهَر الظلمَة إِن كَانَ هُوَ رأى النُّور وَهُوَ الَّذِي أيس النُّور ليحبسه فَهُوَ الْمَوْصُوف بِالْعلمِ والرؤية لَا الَّذِي لم يره ليتحصن مِنْهُ وَلم يعلم مَا بِهِ يتَخَلَّص من قهره فَإِذا الْعلم والرؤية والمقدرة والغنى والشرف كُله فِي جَوْهَر الظلمَة والقهر وَالْجهل وَالْعجز والذل والهوان فِي جَوْهَر النُّور فَإِن كَانَ ذَا كُله خيرا وَالْأول كُله شرا فَمَا أبصركم بِالْخَيرِ وَالشَّر وَكَذَلِكَ عنْدكُمْ إِن النُّور فعله طباع والهمامة فعلهَا اخْتِيَار والعالم أنشأه الهمامة بَطل القَوْل بإثنين بل الْعَالم كُله فعل الْوَاحِد لكنه مزج أجزاءه بأجزاء الآخر وَلَو كَانَ الآخر بِمَا يفعل بِهِ وَفِيه يصير آخر لتَحْصِيل القَوْل بالإثنين لَكَانَ كل ذِي طبع هُوَ من بِهِ وَفِيه الْعَالم فَيصير القَوْل بِمَا لَا يُحْصى عدده ثمَّ إِذْ كَانَت

الظلمَة هِيَ الَّتِي بَغت على النُّور ثمَّ تخلص مِنْهَا فَأَما أَن يكون التَّخَلُّص مِنْهُ بالجوهر وَذَلِكَ محَال لِأَنَّهُ لم يمْتَنع مِنْهَا بِهِ مَعَ مَا يُوجب تخلص أَجْزَائِهِ من حبس الهمامة وَلَيْسَ فِيمَا علاهُ مَوضِع يسير إِلَيْهِ مَا انتزع مِنْهَا إِذْ غير هَذَا الْجَانِب غير متناه وَهُوَ التخليص يرجع إِلَى مَا لَا نِهَايَة فَلَا يجد لنَفسِهِ مَوضِع قَرَار فَلَا معنى للتخلص إِلَّا أَن يكون الظلمَة تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا فَيكون دَفعه خيرا إِذْ كَانَ حَبسه شرا مَعَ مَا إِذا دفع أجزاءه وَمَا علا لَيْسَ إِلَّا أجزاؤه فَهُوَ يدْخل بعضه وَلذَلِك نِهَايَة لكنه كَانَ يحْبسهُ فِي جوهره ثمَّ قهر كُلية النُّور فَجعله سجنا لنَفسِهِ يحبس فِيهِ عدوه فَيصير عدوه بجوهره حَبِيسًا لنَفسِهِ وَبعد فَإِن الظلمَة لَيْسَ لَهَا فِي غير وَجه الإمتزاج حد فَهُوَ الى مَاذَا يصير بالتخلص فَهُوَ يبين أَن لَا معنى للتخلص وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله ثمَّ الْعجب من قَوْلهم إِن الْخَيْر كُله فِي الْعَالم من جَوْهَر النُّور فَمن أَيْن يكون مِنْهُ الْخَيْر وَهُوَ المقهور الْمَحْبُوس وَالْفِعْل كُله من الآخر ليحبسه بِهِ فَلَيْسَ من النُّور غير الْبَقَاء فِي سجن الآخر ووثاقه فَمن يجنى مِنْهُ خير إِلَّا أَن يرى ذَلِك من سَائِر الْأَجْزَاء الَّتِي لم تَبْغِ عَلَيْهِ فَيلقى أجزاءه فِي حبس آخر وَذَلِكَ هُوَ الشَّرّ وأنى لملك الْخَيْر وَهُوَ كُله فِي الْخَلَاص وَهُوَ غير مَمْنُوع ثمَّ التَّنَاقُض أَنهم جعلُوا التباين بالجوهر فمحال امتزاجهما وهما بالجوهر متباينين وَذَلِكَ قَائِم بِحَالهِ إِذْ هم يرَوْنَ الإمتزاج غيرا على أَنه يُقَال لَهُم الإمتزاج

أَلَيْسَ بعد أَن لم يكن لَا بُد من بلَى قيل أَكَانَ هُوَ النُّور أَو الظلمَة أَو غَيرهمَا فَإِن قَالَ بالأولين أحَال لِأَنَّهُ أثبت الإمتزاج والتباين لنَفسِهِ وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز وجودهما مَعًا وَهُوَ بَين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إثباتهم الْحَد من حَيْثُ الإلتقاء إِمَّا إِن كَانَا متماسين فِي الْأَزَل أَو غير متماسين فَإِن كَانَا متباينين قَالَ إِن تماسا حَدثا فَحدث الْجُزْء يُوجب الْكل بِحَق الإستدلال بِالشَّاهِدِ على الْغَائِب وَإِن كَانَا متماسين فَلَا بُد من أَن يزْدَاد أَحدهمَا حَتَّى يمتزج بِالْآخرِ أَو يحيد من الآخر حَتَّى يدْخل فِي نَفسه وَأيهمَا كَانَ فَفِيهِ زِيَادَة لم يكن أَو قطع وَإِدْخَال فِي جَوْهَر فَيبْطل القَوْل بِأَنَّهُ غير متناه لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لأجزائه تناه لم يكن للْآخر فِيهِ تدَاخل ليمتزج بِهِ ثَبت أَنه متناه إِذا احْتمل الإمتزاج مَعَ الْبعد أَن تبقى الظلمَة مَعَ كثافتها على النُّور مَعَ رقته فيقتطع مِنْهَا إِذْ كل ممتلئ بِمَا يلطف من الْأَشْيَاء لَا يتَمَكَّن فِيهِ مَا يكثف وَلَو كَانَ ذَلِك من النُّور فقد اكْتسب الشَّرّ وَألقى نَفسه فِي الْحَبْس مَعَ ثبات الكيف جوهرا وَاحِدًا وَإِنَّمَا يحد اللطف المنفذ فِي الكثيف إِذا كَانَ من جَوَاهِر مُخْتَلفَة يبْقى بَينهَا الْفرج وَأما الَّذِي سَبيله مَا ذكر فَلَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِن سبقت بِمَا حدث من الإمتزاج بعد أَن لم يكن فإمَّا أَن كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَو بهما وَفِيه احْتِمَال الْحُدُوث فَمثله الْكل أَو لَيْسَ بهما فَفِي ذَلِك تثبيت ثَالِث أَو لأنفسهما كَانَ فَلَزِمَ نفى التباين أَو تبقى الظلمَة بِنَفسِهَا فَلم يكن ذَلِك الْوَقْت بِأولى مِمَّا قبله وَإِذا لم يحدث فِي الجزئين اللَّذين لم يمتزجا شَيْء وَقد وجد لم لَا كَانَ كَذَلِك فِي الْكل مَعَ مَا لَا يَخْلُو من الإفتراق إِذْ الإمتزاج أَن يكون بالطبع والطبائع لَا تنْقَلب فَيجب أَن يكون أبدا كَذَلِك وَأَطْنَبَ فِي نوع الطبائع لكنه روى أَن

الظلمَة فعاله بِاخْتِيَار فَالْقَوْل فِي الطباع على ذَلِك فَاسد وَأخْبر عَنْهُم تحرّك الظلمَة إِلَى أَن لقِيت النُّور فَدخلت عَلَيْهِ إِن قَالُوا أبدا مَا مر فِي كَلَام الدَّهْر وَإِن قَالُوا بالإبتداء لزم الْحَدث وَالله الْمُوفق ثمَّ تَمام الْجَهْل فِي قَوْلهم يتخلصان بِمَا كَانَ من طبع الثقيل الإنحدار وطبع الْخَفِيف الإرتفاع ثمَّ فِي الإبتداء مَعَ هَذَا الطَّبْع قد امتزجا فلولا أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا على طبع الآخر فِي الثّقل والخفة مَا احْتمل الإمتزاج وَإِذا احْتمل دلّ أَن الطبعين كَانَا فِي كل وَاحِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِذا احْتمل الْوَاحِد الْأَمريْنِ احْتمل الْخَيْر وَالشَّر فَيبْطل الثَّانِي وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن اللَّازِم إِذْ جعلوهما متضادين فِي الطبيعة أَن يجْعَلُوا أَحدهمَا شَأْنه الإمتزاج وَالْآخر الْبَيْنُونَة وَقد غلب أَحدهمَا أَن يكون على ذَلِك ثمَّ من قَوْلهم إنَّهُمَا إِذا تفَرقا لَا يمتزجان من بعد فَمَا أدراهم وَوجدنَا بِالْيَقِينِ لم يؤنس الإجتماع فَكيف وجود تفرق بِجهْد وَمَا يدريهم أَنهم أبدا على تفرق وإجتماع وَكَذَلِكَ فِي الْأَزَل فَيبْطل القَوْل بِالنورِ والظلمة وَبعد فَإِن حكمهم هَذَا عَجِيب لأَنهم لَا يخبرون عَن أَحْوَال كَانَت وَيكون مَا عِنْدهم من جَوْهَر هذَيْن وَلم يكن لَهما علم من قبل بالإمتزاج وَلَا علم بكيفية الْفِرَاق وَالله الْمُوفق ثمَّ يُطَالب على كل فصل مِمَّا قَالُوا من قطع النِّهَايَة وَمَا قَالُوا من ابْتِدَاء الْعَالم دون أَن يكون عَالم على أثر عَالم بِلَا نِهَايَة وَكَذَلِكَ يكون بِالدَّلِيلِ وَكَذَلِكَ

الإمتزاج والإنفصال ليعلموا تعنتهم وَيُقَال لم يعاينوا شَيْئا ممتزج من خير وَشر وَلم يرد لكم خبر يحْتَمل الصدْق فَإِن قَالَ علمنَا بالأدلة أَن شَأْن الْأَشْيَاء التَّفَرُّق وكل شَيْء يرجع إِلَى أصل جوهره قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله يُقَال بل شَأْنهمْ الإجتماع فمنتهى كل على أصل جوهره وَإِذا كَانَ وَقع هَذَا قد اجْتمع فَاجْعَلْ ذَلِك أبدا كَذَلِك وَيُقَال إِذْ التَّفَرُّق تبدد والإجتماع تَأَكد وُقُوعه لم لَا كَانَ شَأْنهمْ الإجتماع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَو جَازَ تثبيت مَا لَا شَاهد لَهُ فِي الشَّاهِد مَعَ كَونه من جوهره لجَاز القَوْل بِفعل الْحَواس على الْمَعْرُوف أَو الدَّرك باضداد مَا بِهِ الدَّرك وعورضوا بقَوْلهمْ لَا يكون من النُّور غير الْخَيْر وَلَا من الظلمَة غير الشَّرّ فَإِذا قتل رجل ثمَّ أقرّ فَإِن كَانَ الْمقر هُوَ الَّذِي قتل وَهُوَ صدق فقد عمل بِهِ الْخَيْر بعد الشَّرّ وَإِن كَانَ الْمقر هُوَ الَّذِي لم يقتل فَهُوَ كذب وَهُوَ شَرّ قد كَانَ مِنْهُ الْخَيْر وَهُوَ ترك الْقَتْل وَكَذَلِكَ من قَوْلهم إِن كل حاسة لَا تدْرك مَا تُدْرِكهُ الْأُخْرَى ثمَّ فِيمَا سمع قَالَ سَمِعت أَو فِيمَا رأى قَالَ رَأَيْت وَمَا قَالَ بِهِ رَأَيْت وَسمعت غير الَّذِي بِهِ سمع وَرَأى وَذَلِكَ جَوَاب بِمَا لم يدْرك وَسُئِلَ عَن سَواد الظلمَة إِذا زيد على سَواد النُّور وَهل زَاد فِي السوَاد شَيْئا فَإِن قَالُوا لَا صيروا مَا كثر هُوَ الَّذِي لم يكثر فَإِن قَالُوا ازْدَادَ قيل أهوَ النُّور أَو الظلمَة أَو غَيرهمَا فَإِن قَالَ بالأولين فازداد النُّور أَو الظلمَة وَذَلِكَ بعيد إِذْ يزْدَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا بالجوهر الآخر وَإِن قَالَ غَيرهمَا أثبت للآمرين غيرا ثمَّ مَا يدريهم أَن لَيْسَ فِي النُّور أَو الظلمَة زِيَادَة على تِلْكَ الْأَجْنَاس الْخَمْسَة وهم لَا يعلمُونَ بِجَمِيعِ أَجزَاء الجنسين بِمَا لَا نِهَايَة لكل وَاحِد فَإِن ادّعى الإستدلال بِالشَّاهِدِ على الْغَائِب أبطل فوله بالتفرق وارتفاع النِّهَايَة لِأَنَّهُ لم يشْهد

ثانيا أقاويل الديصانية وبيان فسادها

ذَلِك فَإِن قَالَ علمنَا بالرسل قيل إِذْ كَانَ الرُّسُل من أَجزَاء النُّور والظلمة مَانِعَة فَمَا يدريكم أَن يكون الظلمَة منعت وسترت أغيارا فيهمَا غير الْخمس فَلم يعلم وَإِن زعم فِي الأول أَنه يدْرك بِكُل حاسة مَا يدْرك بغَيْرهَا فَبَطل قَوْلهم خمس حواس وَحصل على الْوَاحِد ثمَّ مَوْجُود الْعَجز مَعَ السّمع وَكَذَلِكَ سَائِر ذَلِك فَثَبت بِهِ الإختلاف ثمَّ عورض بحواس الظلمَة إِنَّهَا إِذا أدْركْت مَا أدْرك حواس النُّور وكل شَيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ كَيفَ صَار أحد الإدراكين خيرا وَالْآخر شرا ثمَّ عَارض بِالْعَفو عَن الذَّم إِنَّه فعل من فَإِن قَالَ فعل النُّور فَهُوَ نفع عدوه وَذَلِكَ شَرّ وَإِن كَانَت من الظلمَة فقد عَفا فَهُوَ خير وَالْأَصْل إِنَّا نجد فِي الشَّاهِد جَاهِلا يعلم ومخطئا ينْدَم وقائلا يرجع عَن قَوْله فَأَما إِن كَانَ الثَّانِي هُوَ الأول فَيثبت الفعلان المتضادات عَن وَاحِد وَمن غَيره فَثَبت كذب الْخَيْر بالوجوه الثَّلَاثَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثَانِيًا أقاويل الديصانية وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقَول الديصانية مثل قَول المنانية فِي الأَصْل لكِنهمْ قَالُوا النُّور بَيَاض كُله والظلمة سَواد كلهَا والنور حَيّ هُوَ الَّذِي مازج الظلمَة وَهِي ميتَة لما وجد من خشونتها فِي الْجِهَة الَّتِي تَلقاهُ فَأَرَادَ الممازجة ليدبر تدبيرا يلين وَقد يخشن اللين كَمَا يخشن الْحَدِيد عَن الْمِنْشَار إِذا نقل بعض عَن بعض بالمبرد فَإِذا ذهب الشق واستوت أجزاؤه لَان

وَقَالَ بَعضهم لَا بل تأذى بهَا فَدَفعهَا عَن نَفسه فمازجها كمن يبْلى بالوحل إِنَّه إِذا تكلّف الْخُرُوج يزْدَاد فِيهِ ولوجا وَالْحَرَكَة تكون من النُّور والسكون من ضِدّه إِذْ هما متضادان فأوجبوا أصلين نورا وظلمة وفرعين حَرَكَة النُّور وحسه وَسُكُون الظلمَة وَعدم الْحس من غير أَن يبينوا شَيْئا سوى النُّور والظلمة قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله ذكرنَا أقاويلهم لِتَعْلَمُوا مقت الله مِمَّن آثر عداوته وَعدل عَن طَاعَته وَلم يتفكر فِي خلقه بفكر خاضع لَهُ مستغيث بِهِ ليوفقه لدينِهِ وَيفتح عَلَيْهِ بَاب الْحق لَكِن مَال إِلَى الدُّنْيَا ركونا إِلَيْهَا ورغبة فِي شهوات نَفسه فَوكل إِلَى نَفسه وَلم يعصمه من عدوه إِذْ لم يتَضَرَّع إِلَيْهِ وَلَا رغب فِي غير الَّذِي مَال إِلَيْهِ وَبِاللَّهِ نستعين وَالْأَصْل أَن الله عز وَجل يَجْعَل هَلَاك عَبده بِالَّذِي بِهِ يدعى جحوده ويعدل عَن طَاعَته خوفًا عَن أَمر يلْزمه بِأَن يهلكه بلزومه فِيمَا طمع الخلوص عَنهُ فَهَؤُلَاءِ لظنهم أَن الَّذِي يكون مِنْهُ الْخَيْر لَا يحْتَمل كَون الشَّرّ مِنْهُ صَارُوا إِلَى القَوْل بإثنين وبجعل أصل كل غير الَّذِي هُوَ أصل الآخر ثمَّ صيروا الَّذِي هُوَ أصل الْخَيْر عِنْدهم هُوَ النِّهَايَة فِي الشَّرّ وَالَّذِي هُوَ أصل الشَّرّ عِنْدهم هُوَ النِّهَايَة فِي الْخَيْر لِأَن هَؤُلَاءِ صيروا النُّور جَاهِلا بعواقب مَا إِلَيْهِ يصيير حَتَّى كَانَ على أحد الْقَوْلَيْنِ أَرَادَ دفع أَذَاهُ فبقى فِيهِ لَا يعلم أَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وَلَا أَنه يبْقى فِي غَايَة مَا رام دَفعه وَلَا قدر على التَّخَلُّص إِذْ بلَى بِهِ وَالْأول صَار إِلَيْهِ ليلين خشونته وَيدْفَع أَذَاهُ جهلا مِنْهُ أَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وعجزا أَن يتَخَلَّص عَنهُ وَكَذَلِكَ على قَول الماني إِن الظلمَة هِيَ الَّتِي بَغت على النُّور وألقته فِي حَبسهَا وأوثقته بوثاقها حَتَّى مأتاه وَعجز عَن النجَاة وبدوء كل خير وَنِهَايَة الْعلم والإحاطة بِكُل خير وَالْبُلُوغ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فأزالوا الْأَمريْنِ جَمِيعًا عَن النُّور وحققوا للظلمة فصاروا إِلَى نقض جَمِيع مَا بنوا إِن الْخَيْر

165 - كُله لكل ذَلِك فصيروا النُّور خَارِجا عَن أعظم الْخَيْر وَالْآخر عَن أعظم الشَّرّ ثمَّ حققوا الْأَمريْنِ لوَاحِد وَله قَالُوا بالإثنين ليعلم هَلَاك كل فريق بِالَّذِي بِهِ ظن النجَاة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَعَ مَا لَو كَانَ لِذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ يجب القَوْل بالإثنين ليجب القَوْل بالأربع نَحْو الطبائع إِذْ هِيَ متضادة كل يضر الْكل وَلَو كَانَ بِهَذَا يَقُول بالأربع ليجب القَوْل بالست بِمَا لَا يَخْلُو شَيْء قَائِم عَن جِهَات سِتّ وَذَلِكَ يُوجب القَوْل بالسابع لما كَانَ حَامِل تِلْكَ الْجِهَات لَا يُوصف بِجِهَة سابقها أَو بالخمس بِمَا كَانَ الَّذِي فِيهِ إجتماع تِلْكَ الطبائع هُوَ الْخَامِس لَا يُوصف بَحر وَلَا برد وَلَو كَانَ كَمَا تَقول الثنوية ليجب القَوْل بالثالث لما كَانَا وَلم يكن الْعَالم وَلَا خير وَلَا شَرّ ومحال كَون متبائن بِنَفسِهِ ممتزحا بِنَفسِهِ لَا يُوجب الِاجْتِمَاع والتناقض ثَبت كَون ذَلِك بغَيْرهَا وَبِه كَانَ كل خير وَشر فَيبْطل قَوْلهم من حَيْثُ راموا إثْبَاته ثمَّ القَوْل بِالْوَاحِدِ لَا يضْطَر صَاحبه إِلَى القَوْل بآخر بِوَجْه وأصل ذَلِك أَن هَؤُلَاءِ قوم لم تبلغ عُقُولهمْ الْمبلغ الَّذِي يدْرك بِهِ حِكْمَة الربوبية فِي الْأَشْيَاء وظنوا أَن يكون الرب على صفتهمْ من الْحَاجَات والشهوات وَاحْتِمَال الْآفَات وشوائب العاهات فقدروا أَفعاله بِالَّذِي علمُوا الْحِكْمَة بِأَفْعَال أنفسهم وَلَو تأملوا مَا هم فِيهِ من الضرورات السواتر الْمَانِعَة عَن الْإِحَاطَة بالأشياء ثمَّ بمصالح أنفسهم الَّتِي فِي ذَلِك جلّ كدهم وجهدوا لعلموا أَن الْجَهْل هُوَ الَّذِي سدهم عَن إِدْرَاك الْحِكْمَة فِي ذَلِك وأحق النَّاس بِهَذَا هم إِذْ زَعَمُوا أَن الْعَالم إِنَّمَا هُوَ امتزاج النُّور والظلمة فَمَا من جُزْء من أَجزَاء النُّور إِلَّا وَهُوَ مشوب بِجُزْء من أَجزَاء الظلمَة والظلمة هِيَ الساترة ثمَّ هِيَ الْقَاهِرَة للنور فَمَا من خير يُرْجَى بدؤه مِنْهُ إِلَّا والظلمة تقهره وتستره عَن التجلى لأهل الْمَذْهَب فَأنى لَهُم وَالْعلم وَالْوُقُوف على طَرِيق الْحِكْمَة حَتَّى يدعونَ فِي الآخر دَعْوَى بشر

وَالْعجب أَن نورهم مَعَ قِيَامه بِنَفسِهِ وصفائه عَن شوائب الظلمَة لم يعلم مَا عَلَيْهِ الإمتزاج من الضنك والضيق وَمن الْجَهْل وَالْعجز ثمَّ يُرْجَى بِجُزْء مِنْهُ عِنْد خُرُوجه عَن جوهره ووقوعه فِي يدى عدوه أَنه يُطلقهُ على الْحِكْمَة الَّتِي لم يبلغهَا هُوَ عِنْد تَمَامه وأحق من لَا يدعى الْحِكْمَة وَلَا يناظر أَهلهَا وَلَا يشرع فِيهَا التنوى لِأَنَّهُ يرجع إِلَى جوهرين عِنْد نَفسه شَرّ وَخير وَكَذَا كل أحد عِنْده وَأما إِن كَانَ الشَّرْع فِيهَا بجوهر النُّور وَكَذَلِكَ من يكلمهُ فِيهَا فهما عِنْدهم حكيمان لَا يخفى عَلَيْهِمَا شَيْء لَا معنى لكليهما وهما بأنفسهما ذَلِك أَو جَوْهَر الظلمَة ومحال احتمالهما الْحِكْمَة أَو أَحدهمَا جَوْهَر النُّور وَالْآخر هِيَ الظلمَة لَا يحْتَمل ذَا الْجَهْل وَلَا الآخر الْعلم فَيكون التَّكَلُّم عَبَثا لَا معنى لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله ثمَّ الأَصْل أَن من يفعل فعلا لَا ينْتَفع هُوَ بِهِ لهلاكه وفنائه أَنه عائب وَالله سُبْحَانَهُ لم يكن لينْتَفع بِمَا ينشئه لتعاليه عَن الْحَاجَات وغناه بِنَفسِهِ عَن غَيره فَيبْطل أَن يكون فعله لينْتَفع بِهِ هُوَ ثمَّ لَو كَانَ للهلاك لَا غير لَكَانَ لَا معنى لخلقه فَثَبت أَن خلق الْعَالم للعواقب ثمَّ خلق خلائق لم يَجْعَل عِنْدهَا تمييزا وَلَا إدراكا لعواقب الْأَمر ثَبت أَنه خلقهمْ لَا لأَنْفُسِهِمْ وَخلق خلقا يعْرفُونَ ذَلِك وَيطْلبُونَ بِجَمِيعِ صنيعهم نفع العواقب حَتَّى من خرج فعله عَن ذَلِك إِذْ هُوَ مُحْتَاج كل غير حَكِيم فِي فعله فلزمت محبتهم لِئَلَّا يضيع نعم المنشئ فيهم من الْعُقُول الَّتِي يدركون بهَا العواقب وَلِأَنَّهُم لَو تركُوا وتدبيرهم لم يَكُونُوا يرضون من أنفسهم التقلب فِيمَا لَا يُؤثر نفعا وَلَا يعقبه حمدا وَمن تعاطى مِنْهُم مثله فَهُوَ سَفِيه جَاهِل وَإِذا لزم مَا ذكرنَا لزم فِي الْحِكْمَة خلق الضار والنافع وَخلق الْجَوْهَر الْمُحْتَمل للألم واللذة وإنشاء الآلام والملاذ ليعلموا مَا يرغب إِلَيْهِ الْأَنْفس وَمَا تهرب مِنْهُ فيحذرون ويرغبون بِمثلِهِ فِيمَا امتحنوا بِهِ وليعلموا النَّفْع

من الضَّرَر الَّذِي لَوْلَا ذَلِك لم يكن لخلقهم معنى فخلقهم الله على مَا خلق من الإختلاف لهذين السببين ثمَّ بِلُطْفِهِ خلق كل جَوْهَر مُحْتملا للنفع وَالضَّرَر يحل بِهِ لغيره وأوصل مَنْفَعَة كل جَوْهَر بِغَيْرِهِ من الْجَوَاهِر الَّتِي فِيهَا المضار ليعلم الناظرون أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد وَأَنه لَو كَانَ من مُخْتَلف لتدافع الْخلق لِأَن جَوْهَر الْخَيْر إِذْ لَا يجِئ مِنْهُ غير الْخَيْر وَمن جَوْهَر الشَّرّ غير الشَّرّ لَكَانَ صنع كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي بعض صنع الآخر وإفساده مَا يقوم مَعَ مثله عَالم فَدلَّ الإتساق وَتعلق مَنَافِع بعض بِبَعْض على فَسَاد هَذَا على أَنا إِذا لم نقل بِأَن الْكل لوَاحِد لم يحْتَمل القَوْل منا لعدد إِذْ لم يقدر وَاحِد مِنْهُم على أَفْرَاد الَّذِي مِنْهُ باد يدل عَلَيْهِ وَلَا أعلم عَلَيْهِ علما يدل عَلَيْهِ لم يجب بِمثلِهِ حق الْمعرفَة بِهِ وَالْعلم بِحَالَة فَيفْسد الْعلم جَمِيعًا لجهل الأَصْل الَّذِي كل أَنْوَاع الْعلم وفروعه بِهِ مَعَ مَا ينفع أحد الجوهرين يضر الآخر وَفِي ذَلِك يلاقى الضار النافع فَيبْطل بِهِ نفع الْبَتَّةَ لما مَعَه الْمَانِع عَنهُ وَفِي وجود الْعَالم وَمَا فِيهِ لكل مِنْهُم نفع هُوَ الدَّلِيل الْحق على أَن مُدبر ذَلِك كُله وَاحِد لحبس كل ضار عَن عمله من وَجه ضَرَره باللطف لتقبل مَا أَرَادَ من النَّفْع ليصل إِلَى من أَرَادَ نَفعه وَهَكَذَا هَذِه الْقِصَّة فِيمَن أَرَادَ ضَرَره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا أَنه مَعْلُوم أَن الْعُقُول لَيست تركب للْأَكْل وَالشرب مَا لَا عقل لَهُ فِي ذَلِك مَا لَهُ الْعقل وتعظيم مَحل قوم اتَّقوا الْأكل وَالشرب فِي الْقُلُوب وهم الْمَلَائِكَة فَثَبت أَنَّهَا خلقت للعبر وَالنَّظَر لما فِيهِ المحامد والمكارم وَإِذ كَانَ كَذَلِك لزم خلق مُخْتَلف الْجَوَاهِر فِي الْحِكْمَة ليَكُون بطرِيق الْعبْرَة تَاما وَحقّ النّظر وافرا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنه مَعْلُوم فِي الشَّاهِد أَن من يعْمل الْأَمريْنِ جَمِيعًا هُوَ أتم بل لَا يقدر

أحد على إتقاء مَا يضرّهُ إِذا لم يُعلمهُ فعلى ذَلِك خلق الْأَمريْنِ فِي الْحِكْمَة أوجب وَأتم من خلق أَحدهمَا مَعَ مَا فِي ذَلِك من دلَالَة غنى الْفَاعِل وَتَمام قوته وَعلمه بِمَا يَلِيق بِكُل شَيْء أَن يكون عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَو لم يكن لما عَلَيْهِ أهل التَّوْحِيد سوى أَدِلَّة صدق الدعاة إِلَيْهِ والبراهين النيرة مَعَهم وهم الرُّسُل مِمَّا لَا يُوجد شَيْء من ذَلِك لأحد من منكرى الصَّانِع الْوَاحِد لَكَانَ ذَلِك كَافِيا فَكيف وَمَا من شَيْء إِلَّا وَهُوَ بجوهره يشْهد بحدثه وَأَنه حدث لمحدث حَكِيم لَوْلَا تعنت الْمُلْحِدِينَ بِمَا ادعوا من قدم الْأَعْيَان مِمَّا لَا سَبِيل لَهُم فِي الرُّجُوع إِلَيْهِ إِلَّا إِلَى تَقْلِيد من لَيْسَ مَعَه دَلِيل أَو جعله سفهه وَهُوَ عَجزه عَن الْوُقُوف على كَون شَيْء لَا عَن شَيْء دَلِيلا لَهُ وَلَا ريب أَن كلا مِنْهُم يعلم من نَفسه جهلا بأَشْيَاء ثمَّ الْعلم بهَا وعجزا عَن أَشْيَاء ثمَّ قدرته عَلَيْهَا وضرورة إِلَى أَشْيَاء ثمَّ غنى عَنْهَا فَحق من هَذَا وَصفه أَن لَا يَثِق بِرَأْيهِ وَلَا ينفع مَا يرى أَنه من إِشَارَة عقله مَعَ مَا لَا يَخْلُو أَن من رد ذَلِك إِلَى الطبائع الَّتِي لَا تعقل مَا يُولد مِنْهَا وَبهَا وَكَذَلِكَ النُّجُوم أَو إِلَى عدد من الصانعين مِمَّا كَانَ بَدْء أَمرهم الْجَهْل والعمى أَو إِلَى تَقْلِيد أقاويل فِي قدم الْأَشْيَاء على ماهي عَلَيْهِ مِمَّا يتناقض ويتضاد فَأنى لَهُم الْعقل مَعَ هَذِه الْأُصُول المتجاهلة الَّذين هم فروعها أَو الْوُقُوف على حقائق الْأَشْيَاء حَتَّى يدعونَ فِي شَيْء من حِكْمَة أَو سفها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن الَّذِي دعى الثنوية إِلَى إِنْكَار شَيْء من لَا شَيْء خُرُوجه عَن التَّصَوُّر فِي الْعُقُول أَو تقديرهم فِي تعرف الْحِكْمَة فِي الْعقل مَا عاينوا بَينهم وَلَو علمُوا أَن القَوْل بمبادئ الْعَالم على مَا عِنْدهم فِي الْخُرُوج من التَّصَوُّر فِي الْوَهم مثل الَّذِي أَنْكَرُوا أَو خُرُوج مَا مَعَهم من الرّوح وَالْعقل والحواس أَو خُرُوج حكمهم عَن التَّصَوُّر فِي الْوَهم لما أَنْكَرُوا ثمَّ لَو علمُوا أَنهم شهدُوا فعل الضُّعَفَاء الْجُهَّال بِأَنْفسِهِم على مَا علمُوا بالْخبر أَنهم ثمَّ كَانُوا لعلموا أَن الْأَشْيَاء من غير شَيْء

أَحَق أَن تنْسب إِلَيْهِ من بِهِ جملَة الْعَالم ثمَّ لَو علمُوا غناهُ وَقدرته وتعاليه عَن صفة الْخلق لم تضق قُلُوبهم عِنْد قُصُورهَا عَن دَرك الْحِكْمَة فِي خلقه على الله نتوكل وَبِه نستعين وَذكر جَعْفَر بن حَرْب أَنه سَأَلَ ثنويا عَمَّن قتل آخر ظلما ثمَّ اعتذر إِلَيْهِ وَأقر بالإساءة فألزمه أَن الثَّانِي خير وَلَو كَانَ من غَيره جَوْهَر الأول كَانَ كذبا من النُّور وَهُوَ شَرّ فَكتب ذَلِك إِلَى رَئِيس لَهُم فَكتب الرئيس مجيبا إِن ذَلِك كمن ينفح دَابَّته وَيعْتَذر هُوَ فَقَالَ جَعْفَر إِنَّمَا ذَلِك توجع مِنْهُ وَلَو اعتذر فِي الْحَقِيقَة كَانَ جَاهِلا إِلَّا أَن يكون الإعتذار من تقريبه الدَّابَّة إِلَيْهِ فَأسلم الرجل وَحقّ لَهُ أَن يسلم وَمَا ذكر ابْن حَرْب لَازم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْمَسْأَلَة على قَول الْمُعْتَزلَة خطأ إِذْ من مَذْهَبهم أَن لَيْسَ فِي خلق الله شَرّ وَإِنَّمَا سمى شرا بالمجاز فَإِنَّمَا طَرِيق مناظرتهم الثنوية فِي إِزَالَة مَا ظنوه شرا أَن يكون شرا فَأَما أَن يسلمُوا الثنوية ويلزمهم القَوْل بالخالق الْوَاحِد من الْوَجْه الَّذِي يُوجد من غير الله تَعَالَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ويجعلونه على الصَّانِع فيجد القَوْل بنفى ذَلِك فَهُوَ محَال فَاسد لما فِيهِ تثبيت مَعْرفَته وتوحيده يخلق الشَّرّ وَالْخَيْر ثمَّ ينفى أَحدهمَا فِي الْحَقِيقَة رجعت إِلَى قَول الثنوية بِأَن الَّذِي مِنْهُ خلق الشَّرّ فِي الْحَقِيقَة غير الَّذِي مِنْهُ خلق الْخَيْر فَيلْزمهُ التَّوْحِيد بالتثنية وَوجه قَوْلهم فِي هَذَا أَنهم أَنْكَرُوا خلق أَفعَال الْعباد بِمَا فِيهَا السَّيِّئَات والمعاصي والشرور فعورضوا بِخلق الشرور

من الْجَوَاهِر وَأَنه لم يسم بِهِ شريرا وَلَا مسيئا وَلَا إِفْسَاد الْأَشْيَاء مُفْسِدا فَكَذَلِك فِي خلق أَفعَال الشَّرّ وَالْفساد لَا يُسمى بِهِ فَكَانَ من جوابهم أَن الْجَوَاهِر سميت شرا على الْمجَاز لَا على الْحَقِيقَة وَهِي فِي الْحَقِيقَة لَيست بِالشَّرِّ وَأما عندنَا فَنحْن نقُول بِأَن الله جلّ جَلَاله خَالق جَوْهَر الشَّرّ وَالْخَيْر وخالق فعل الْخلق شرا أَو خيرا وَلَا يجوز كَون شَيْء فِي سُلْطَانه لم يخلقه فَيكون لَهُ شريك فِي سُلْطَانه وعديل فِي خلق عالمه جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى ونقول بِأَن خلق الْخلق لَيْسَ هُوَ ذَلِك الْخلق وَكَذَلِكَ فعله وَلَا يُوصف فعله بِالشَّرِّ وَالْخَيْر وَلَا يُوصف بِأَن فعله خير وَشر لِأَنَّهُ مَوْصُوف بِفِعْلِهِ وَلم يقل هُوَ خير وَلَا شرير وَمن فعله ذَلِك فِي الْحَقِيقَة فَهُوَ مُسَمّى بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا يجب فِي الْحِكْمَة خلق الْجَوَاهِر المؤذية والمناظر القبيحة وَخلق الْآفَات فِي الْحَواس أَن الْبشر كلهم قد اعتقدوا شَيْئا غَابَ عَن حواسهم إِمَّا نفى أَو إِثْبَات مِنْهُم من دانوا وَمِنْهُم من تجاهل وَحصل على الشَّهَوَات فَإِذا لم يخلق فِيمَا يَقع على الْحَواس مَا ذكرنَا لم يعرفوا الْقبْح من الْحسن وَلَا المؤذى من النافع وَإِذا لم يعقلوا ذَلِك لم يحْتَمل عُقُولهمْ دَرك الْقَبِيح من الْحسن وَلَا المؤذى من الملذ فخلق كَذَلِك ليمثلوا بِمَا تقع عَلَيْهِ الْحَواس مَا لَا تقع عَلَيْهِ ليصير كل مُعْتَقد غَابَ عَن الْبَصَر على مَا عَلَيْهِ مَعْرُوفا بِمَا يُشَاهِدهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الَّذِي ينْقض على الثنوية على اخْتلَافهمْ اتَّفقُوا فِي جَمِيع مَا ينطقون بِهِ أَنهم بجوهر النُّور ينطقون وَبِه يَتَقَلَّبُونَ فَصَارَ كل الإختلاف بِهِ إِن صدقُوا وَإِن كذبُوا فَصَارَ كل الْكَذِب بِهِ وَإِن صدق بَعضهم وَكذب بعض فَثَبت مِمَّن هُوَ من جَوْهَر الظلمَة تَفْضِيل النُّور حَتَّى اخْتَار الإنتساب إِلَيْهِ دون الظلمَة وتفضيل ذِي الْفضل خير فِي شَهَادَة الْعُقُول يلْزم بطلَان القَوْل بِأَصْل هُوَ شَرّ لَا يجِئ مِنْهُ غَيره وَخير لَا يجِئ مِنْهُ غَيره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثالثا أقاويل المرقيونية وبيان فسادها

ثَالِثا أقاويل المرقيونية وَبَيَان فَسَادهَا والمرقيونية قَالُوا بعلو النُّور وسفول الظلمَة وبمتوسط بَينهمَا لَيْسَ بِنور وَلَا ظلمَة وَهُوَ الْإِنْسَان الحساس الدراك وَالْإِنْسَان عِنْدهم حَيَاة فِي الْبدن وَأَن هَذِه الثَّلَاثَة كَانَت مُتَفَرِّقَة فامتزجت وَأَن كل جنس مِنْهَا يحاذى الَّذِي يَلِيهِ كمحاذاة الشَّمْس الظل نَحْو أَعلَى الْمُتَوَسّط يحاذى النُّور وأسفله الظلمَة والجوهران عِنْد الْأَوَّلين كَذَلِك فِي التحاذى وَقَول الصابئين مثل قَول المنانية إِلَّا أَن بَينهمَا كَمَا زعم ابْن شبيب فرق قَلِيل لَا يحده والمنانية زعمت أَن النُّور يلقى الظلمَة من الشمَال ذَاهِبًا فِي مهب الْجنُوب والظلمة تَلقاهُ فِي مهب الْجنُوب ذَاهِبَة فِي مهب الشمَال وَكَانَا متلاقيين على دُخُول بعض الظلمَة فِيهِ وَلَا يتناهيان من سَائِر الْجِهَات فَتكلم هَؤُلَاءِ بِمثل الَّذِي تكلم الثنوية ثمَّ لَا يَخْلُو الواسط من أَن يكون تَدْبِير كَانَ مِنْهُمَا أَمر الْعَالم أَو على الإجتماع حدث مِنْهُ فَإِن كَانَ بِالتَّدْبِيرِ بَطل الإمتزاج وأنى يَقع وَهُوَ بَين النُّور والظلمة والظلمة من شَأْنهَا التسفل وَمن شَأْن النُّور الْعُلُوّ وَبَينهمَا فاصل يمْنَع إِلَّا أَن يكون بِالتَّدْبِيرِ جمع بَينهمَا وإمتزاج هُوَ بهما فَكَانَ أصل كل شَرّ إِذْ كَانَ من الإمتزاج وَلَوْلَا أَنه مزج بَينهمَا مَا وجد أَحدهمَا سَبِيلا إِلَى الآخر فَيصير الْأَمر إِلَى أَن مُدبر الْخَيْر وَالشَّر وَاحِد وَإِن كَانَا هما غلبا بالطبع وقهرا الواسط حَتَّى امتزجا فَإِذا لم يَنْفَعهُ حسه ودركه إِذْ صَار تَحت قهر ذِي الطَّبْع فكونه واسطا لَا معنى لَهُ أَو حصل الْأَمر على النُّور والظلمة ثمَّ قَالُوا جعلُوا الواسط متناهيا والآخرين غير متناهيين والمتناهي تَحت غير المتناهي لِأَنَّهُ كالمقصر عَن تَمام مَا لَيْسَ بمتناه كالقصير من الطَّوِيل

أقاويل المجوس وبيان فسادها

وَالْإِنْسَان إِن كَانَت الْحَيَاة الَّتِي فِي الْبدن فَهِيَ محسه للبدن مستعملة لَهُ فَيجب أَن يكون الواسط هُوَ الَّذِي لَهُ تَدْبِير العالي والسافل وَهُوَ الْمُسْتَعْمل لَهما فَيصير الْإِلَه فِي الْحَقِيقَة وَاحِدًا أَو يبطل الإمتزاج وَمَا ذكر من الخيال ثمَّ إِشَارَته إِلَى الإمتزاج وَهِي حَيَاته خطأ إِذْ لَا إِنْسَان يعرف تَدْبِير إبتدائه وَلَا أصلح مَا فسد مِنْهُ وَلَا دفع مَا حل بِهِ ثَبت أَن الْمُدبر وَاحِد وَهُوَ غير الَّذِي ذكر وَأَن الَّذِي ذكر تَحت تَدْبِير الْوَاحِد ثمَّ لَا فرق بَين أَن يحدث مزاجا لم يكن لَا عَن أصل هُوَ امتزاج وَبَين أَن يحدث لم يكن لَا عَن أصل الْبَيْنُونَة ثمَّ لَا فرق بَين إِمْكَان تغير قد تمّ إِلَى إحتمال الْحَوَادِث بعد أَن لم تكن كَذَلِك بقدرة قَادر وَبَين أَن يكون الْحَوَادِث بِهِ لَا يقلب الْقَدِيم إِلَى معنى الحَدِيث إِذْ هما جَمِيعًا فِي الْبعد عَن الْبَصَر فِي الْوَهم وَاحِد وَبِاللَّهِ المعونة والنجاة أقاويل الْمَجُوس وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله قَالَت الْمَجُوس أعجب الله حسن خلقه فتخوف مَا يضاده فِيهِ فتفكر فِي ذَلِك فكرة فَحدث مِنْهَا إِبْلِيس وَقَالَ بَعضهم أَصَابَته بعينة فَالْتَفت وَرَاءه فَرَأى إِبْلِيس فَصَالحه على أَن يمهله إِلَى مُدَّة ووادعه على ذَلِك حَتَّى إِذا مَضَت الْمدَّة أهلكه الله فَكَانَ من إِبْلِيس كل شَرّ وَمن الله كل خير وَهَذَا الَّذِي حكوا إِن كَانَ هُوَ قَوْلهم فِي الْحَقِيقَة فهم شَرّ من جَمِيع الثنوية لِأَن الثنوية قَالَت بإثنين لما رَأَوْا خلق الشَّيْء لَا عَن شَيْء غير مُتَصَوّر فِي الْوَهم

عظم عَلَيْهِم القَوْل بِحَدَث الْعَالم لَا عَن شَيْء ثمَّ رَأَوْا الْعَالم مُشْتَمِلًا على خير وَشر مَوْصُوفا كل من فعله الْخَيْر وَالْعدْل بِالصِّفَاتِ المحمودة وَمن فعله الشَّرّ والجور بِالصِّفَاتِ المذمومة استعظموا نسبتهما إِلَى الْوَاحِد فَيكون وَاحِدًا مَحْمُودًا مذموما بِمَا عَلَيْهِ الْعرف فَقَالُوا بإثنين قديمين وَالْمَجُوس قد استجازوا حدث الْعَالم لَا عَن شَيْء وأصل وَإِنَّمَا عظم عِنْدهم وصف من مِنْهُ الْخيرَات بِفعل الشَّرّ لم ألزموه فعل شَرّ الشَّرّ صيروه أمه إِذْ الفكرة الردية شَرّ وَمَا حدث وَهُوَ إِبْلِيس شَرّ وَكَانَ مِنْهُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَهُوَ السَّبَب الَّذِي دعاهم إِلَى القَوْل بإثنين فتناقض قَوْلهم مَعَ مَا لَا يُؤمن مِنْهُ حُدُوث الْفِكر وقتا بعد وَقت فَيكون جَمِيع الشَّرّ بذلك وَإِن أُرِيد إِحَالَة ذَا دلّ وجوده مرّة على دفع الإحالة إِلَّا أَن يَقُول بِالْخَيرِ فَلَعَلَّ بداه عَن الفكرة الَّتِي هِيَ شَرّ على أَنه إِذا وادعه على التّرْك إِلَى تِلْكَ الْمدَّة فَأَما أَن لم يعلم أَنه يعْمل مَا يعْمل بِهِ الشَّرّ وَالْجهل شَرّ فَهُوَ شَرّ آخر أَو علم فَتَركه على مَا علم من الْفساد بِهِ فَذَلِك مِنْهُ الشَّرّ وَمثله إِمَّا أَن يكون علم من قبل مَا يعْمل فكره ففكر على الْعلم بِمَا يكون مِنْهُ وَهُوَ شَرّ وَإِمَّا لم يعلم وَالْجهل شَرّ ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون مِنْهُ وَهُوَ شَرّ وَإِمَّا لم يعلم وَالْجهل شَرّ ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون قَادِرًا على منع إِبْلِيس وقهره أَو لَا فَإِن قدر ثمَّ أمهله ليفسد الْخلق فَهُوَ شَرّ عِنْدهم وَإِن لم يقدر فَلَا يكون الْعَاجِز رب الْعَالمين مَعَ مَا يُقَال ثمَّ علم أَن إِبْلِيس عِنْد الْمدَّة يفى لَهُ بِالَّذِي وعد وَفَاء الْوَعْد خير وَحقّ فَإِذا يكون من الشَّرّ خير ذَلِك مَعَ مَا كَانَ هَذَا لَازِما لَهُ إِنَّه إِذا كَانَ مِمَّن هُوَ أصل الْخَيْر يجِئ الشَّرّ فنعكس عَلَيْهِم ونجعل كل خير من إِبْلِيس وكل شَرّ من غَيره وَبعد فَكيف يَأْمَن بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْوَقْت الَّذِي لم يكن لإبليس غير نَفسه عون وللذي بِهِ

كَانَ كل الْأَشْيَاء أعوان ثمَّ اخْتَلَط خلقه الَّذين هم أعوانه بالذين هم أعوان الله فِي مَنعهم عَن المعونة عَلَيْهِ جلّ الله عَمَّا وَصفه الْمُلْحِدُونَ وَإِن قَالُوا الْمُوَادَعَة كَانَت لبَعض الْمصَالح فَمثله الْهَوَام الضارة والأشياء المؤذية وَبعد فَإِن تخوفه من يضاده يُوجب الْجَهْل بِأَنَّهُ رب كل شَيْء وَكَذَلِكَ إِصَابَة الْعين فَإِذا ضرّ بِهِ الْعين وَمن تقهره الْعين وتزيل قدرته وتدفع علمه فَهُوَ رب بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ خَالق بِغَيْرِهِ فَيلْزم القَوْل فِي معبودهم إِنَّه عبد لَا معبود ثمَّ لَا شَيْء من تِلْكَ الْجَوَاهِر المؤذية إِلَّا وَهِي تَنْفَع خلقا فَلَا تضر وَلَا تؤذي لأنفسها وَلَكِن بمدبر حَكِيم عليم جعلهَا بِحَيْثُ تؤذى أحدا وَتَنْفَع آخر ثَبت أَن القَوْل بإنفراد منشئ الشَّرّ بعيد ثمَّ إِن لم يكن فِي خلق الشَّيْء من غير شَيْء إِلَّا خُرُوجه من وسع الْخلق وارتفاعه عَن التَّصَوُّر فَلَا أحد امْتنع عَن القَوْل بتحقيق مثله لِأَن إنْشَاء الْجِسْم وَكَونه فِي الْأَرْحَام بالطبائع وحدوثه بحركات النُّجُوم أَو خُرُوج الْعَالم عَن هَذَا الطَّبْع وإمتزاج النُّور والظلمة ثمَّ التباين خَارج عَن الْوَجْه الَّذِي ذكر على أَن حَقِيقَة كل شَيْء من تَأمله كَذَلِك نجده لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النُّطْفَة وَلَا فِي جَمِيع الأغذية وَلَا فِي الْأَرْحَام شي من مَعَاني الْبشر ثمَّ مِمَّا لَهُ من الْعقل والسمع وَالنَّظَر فَإِنَّمَا ذَلِك خَارج عَن ذَلِك بِتَقْدِير عليم حَكِيم وَكَذَلِكَ جَمِيع الطبائع الْمُخْتَلفَة أَو جَوَاهِر الْخَيْر وَالشَّر لَو خلى بَينهَا وَبَين عَملهَا مَا ظهر بهَا جَوْهَر وَلَا يُمكن بهَا خلق فَالْقَوْل بالكون بِمثلِهِ أبعد عَن التَّصَوُّر فِي الْعقل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد بَينا وَجه الْحِكْمَة فِي خلق الْجَوَاهِر الْمُخْتَلفَة وَأَن فعل الله لَا يُوصف بذلك وَإِن أَنْشَأَهَا على مَا عَلَيْهِ من قبح الْقَبِيح وَحسن الْحسن هُوَ معنى الْحِكْمَة

وَوضع كل شَيْء مَوْضِعه وَأَن الله تَعَالَى إِذْ لم يخلق لحاجات نَفسه وَإِنَّمَا خلق بِذَاتِهِ إِنَّه خَالق ليَكُون الْخلق الَّذِي ركب فيهم الْعُقُول وجعلهم أهل الْمعرفَة بِالنعَم والبلايا يمْتَحنُونَ بِوَضْع كل شَيْء مَوْضِعه وَالْقِيَام بالشكر لما أنعم عَلَيْهِم بِأَن جعل لَهُم جَمِيع الْخَلَائق على اخْتِلَاف جواهرهم أدله وعبرا ومحنة وإبتلاء بمعاداه جَوَاهِر وموالاة أُخْرَى وليعرفوا كَيْفيَّة الإتقاء وَوجه الحذر وَمَا فِيهِ الرعب ووجوه الْمُبَادرَة فِي ذَلِك للعواقب المحمودة فِي الْعُقُول وإبقاء لمكروهة فِيهَا بِمَا عاينوا من مُخْتَلف الْجَوَاهِر وَالْأَحْوَال فِي حق التَّرْغِيب والترحيب ليَكُون الْوَعْد والوعيد مُقَدرا عَن الْحس والعيان إِذْ ذَلِك طَرِيق المعارف وَبِه يُوصل إِلَى دَرك النهايات وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَو جَازَ إِنْكَار الشَّيْء لَا من شَيْء بِمَا لَا يتَصَوَّر فِي الْوَهم لجَاز لكل مؤوف الحاسة إِنْكَار مَا يدْرك بهَا إِذْ هُوَ غير مدرك إِنْكَار كل غَائِب لم يبلغهُ الحاسة وَفِي ذَلِك نفض الْمَجُوسِيَّة وَغَيرهم إِذْ هم جَمِيعًا اتبعُوا أوائلهم ثمَّ التَّصَوُّر فِي الْوَهم تَقْدِيره مِمَّا تقع عَلَيْهِ الحاسة إِذا ارْتَفَعت فتصور حَال وُقُوع الحاسة فِي وهمه أَو يقدر مثله فِي الْوَهم ثمَّ الله سُبْحَانَهُ لم يعرف من طَرِيق الْحَواس وَلَا لَهُ مِثَال فِي الْمَعْرُوف بَطل التَّقْدِير بِهِ ثمَّ الأَصْل أَن التَّصَوُّر فِي الْوَهم هُوَ علم الْحس أَو فِي علم الْحس دَلِيل لُزُوم الْعلم بِمَا لم يحس وَلِأَن يعرف إِذْ كل ذِي حس جَاهِل بمائية الْحس وكيفيته فَلَزِمَ ذَلِك فِي كل حس هُوَ كَذَلِك

مسألة إثبات الرسالة وبيان الحاجة إليها

فَيجب كَون الْحَواس بِمن يعرف حقائقها وينشئها على مَا يرى أهل الْحَواس أَن الَّذِي أَنْشَأَهَا لَا يحْتَمل إِدْرَاكه بالحواس إِذْ كل ذِي حاسة جَاهِل بِمَا عَلَيْهِ أَحْوَاله وعاجز عَن إحتمال وَسعه مَا فسد مِنْهُ فَأوجب ذَا أَن وَرَاء هَذَا عليم حَكِيم لَا يحْتَمل مَا احْتمل المحسوس إِذْ لَو جَازَ وَاحْتمل لم يحْتَمل كَون المحسوس بِهِ كَمَا لم يحْتَمل بأمثالنا وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة والنجاة مَسْأَلَة إِثْبَات الرسَالَة وَبَيَان الْحَاجة إِلَيْهَا قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله تكلم النَّاس فِي الرسَالَة فأثبتها أَئِمَّة الْهدى وقادة الْخَيْر وحكماء الْبشر وأنكرها من جهل صانعه وَمن أقرّ مِمَّن جهل أمره وَنَهْيه وَمن أقرّ بذلك مِمَّن زعم أَن فِي الْعقل الْغنى عَن الرسَالَة مَعَ مَا أمكن مُقَابلَة آيَات من ادّعى الرسَالَة بصنيع الكهنة والسحرة والمشعبذة وَبعد فَإِنَّهُ يحْتَمل ظُهُور عجز من حضرهم بِمَا لم يكن فِي ذَلِك النَّوْع تكلّف وإجتهاد وَلم يَكُونُوا امتحنوا قوى الْجَمِيع قَالَ الشَّيْخ فنناظر من أنكر الصَّانِع فِي إثْبَاته إِذْ التَّنَازُع فِي إرْسَاله لَا يتَمَكَّن إِلَّا بعد لُزُوم القَوْل بهستيته وثباته مَعَ مَا أمكن الْأَمْرَانِ جَمِيعًا بآيَات الرُّسُل إِذْ هم قوم نشأوا بَين قوم عرفُوا أَحْوَالهم وَقد كَانُوا أدركوا مُنْتَهى وسعهم فَلَمَّا جَاءُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي قهرت عُقُولهمْ مَعَ علمهمْ بِأَن وسعهم لَا يحْتَمل إنْشَاء مثلهَا لزم الْعلم بِصَدقَة فِيمَا أخبر من مرسله وَأَن تِلْكَ الْآيَات مِمَّا أَنْشَأَهَا من يكون رسَالَته من عليم حَكِيم قَادر على إنْشَاء الْأَدِلَّة على إثْبَاته ليعلموه بهَا وَإِن لم يشهدوه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ من أنكر الْأَمر والنهى والوعد والوعيد لم يحصل لإنشاء حِكْمَة وَإِنَّمَا حصل مِنْهُ على الْإِنْشَاء ثمَّ الإفناء ثمَّ مَعْلُوم أَن كل من ذَلِك عَاقِبَة فعله لَيْسَ بِحَكِيم فدلت حِكْمَة صانع الْعَالم بِمَا جعل فِيهِ من الْأَدِلَّة على وحدانيته وعظيم سُلْطَانه على أَنه حَكِيم وَالله الْمُوفق مَعَ مَا كَانَ الله سُبْحَانَهُ إِذْ هُوَ غنى بِذَاتِهِ حَكِيم فِي فعله خلق الْخلق للبقاء إِلَى قدرَة جعلهَا لَهُم ثمَّ لم يَجْعَل الْبَقَاء إِلَّا بالأغذية وَقد حبب إِلَيْهِم الْبَقَاء ودوام الْحَيَاة فَلَو لم يَجْعَل عَلَيْهِم الْأَمر والنهى لبادر كل إِلَى مَا يطْمع فِيهِ من الْبَقَاء ودوام الْحَيَاة مَعَ مَا لَهُ فِيهِ من اللَّذَّة والشهوة ثمَّ يفعل أقرانه بذلك الشَّيْء نَحْو فعله فَيحدث بَينهم التَّنَازُع والتجاذب ويحملهم ذَلِك على التدافع وَفِي ذَلِك خوف الفناء بِمَا بِهِ جعل الْبَقَاء فَلَزِمَ جعل الحرمات والحل وَالْأَمر والنهى بِمَا فِيهِ من الْوَعْد والوعيد ليعلم كل مَا لَهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ فَيسلم من كل عَدَاوَة وَتبقى لَهُ روحه وَمن أنكر الْأَمر والنهى والمحنة ذهب إِلَى معنى المحنة فِي الشَّاهِد إِنَّمَا هُوَ لظُهُور مَا خفى وتجلى مَا استتر وَالْأَمر والنهى لمنفعه ينالها الْآمِر والناهي أَو مَكْرُوه يَدْفَعهُ فَإِذا كَانَ الله غَنِيا بِذَاتِهِ عليما بالسرائر والخفيات ذهب معنى المحنة وَالْأَمر والنهى قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن كَانَ أمره وَنَهْيه ومحنته على مَا يذكر فَإِن فعله لذَلِك لمكروه يدْفع أَو مَحْبُوب يجلب أَو عيب عَنهُ يتخلى وَالله سُبْحَانَهُ أنشأ الْعَالم لَا للَّذي يذكر فَمثله الْأَمر والنهى والمحنة مَعَ مَا كَانَ ذَلِك التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ فعل المحتاجين مِمَّا يَعْلُو درجاتهم وتجل أقدارهم وَلَو فعلوا غير ذَلِك كَانَ عَلَيْهِم فِي فعل ذَلِك ضَرَر عَاجل وَشر آجل فَأَما من هُوَ حَكِيم بِذَاتِهِ غنى فَهُوَ لَا يفعل لنفع وَلَا لدفع الضَّرَر فَمثله الْأَمر والنهى مَعَ مَا

بَينا من إختلاف الممتحنين فِي الْغِنَا وَالْحكمَة لم يجز تَقْدِير أَحدهمَا بِالْآخرِ وَلَا يحْتَمل حَكِيم يفعل الشَّرّ لحكمه الربوبية فتكلفه الَّذِي ذكر خطأ وَبعد فَإِنَّهُ إِذْ جعل الْخلق قسمَيْنِ ضارا ونافعا وَجعل كل جَوْهَر مُحْتملا للألم واللذة لم يحْتَمل أَن يجعلهم كَذَلِك إِلَّا لعواقب يُحَذرهُمْ بهَا ويرغبهم فِيهَا من الْوَعيد بالشدائد والوعد بالملاذ وَبِذَلِك تتمّ الرَّغْبَة والرهبة وَالله الْمُوفق وَبعد فَإذْ خلق الْخلق وَجعل الْبَعْض منافعا لبَعض وَإِن لم يكن لَهُ فِي ذَلِك نفع لغناه وَكَذَلِكَ المضار فَمثله يَأْمر وَينْهى بمنافع بعض بِبَعْض وإتقاء المضار مَعَ مَا يَأْمر بِمَا يَنْفَعهُمْ كَمَا خلقهمْ وَجعل لَهُم ذَلِك وَينْهى عَمَّا يضرهم وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا إِن فِي الْحِكْمَة الْأَمر والنهى إِن الله خلق الْبشر فِي أحسن تَقْوِيم وسخر لَهُم جَمِيع مَا على وَجه الأَرْض وبركاتها وبركات السَّمَاء من غير أَن سبق مِنْهُم مَا خرج ذَلِك مخرج الْمُكَافَأَة أَو مخرج حق قَضَاهُ فَلَا يجوز فِي الْعقل إسداء مثل هَذِه النعم إِلَى مَا لَا يعرفهَا لما فِيهِ تَضْييع وظلم النعم فلزمهم بِهِ معرفَة الْمُنعم ليعلموا من يسْتَحق الْمحبَّة ويستوجب الشُّكْر وَفِي ذَلِك لُزُوم المحنة وَوصل بذلك الْوَعْد والوعيد ليتم الرَّغْبَة والرهبة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَبعد فَإِنَّهُ قد حسن فِي الْعُقُول الصدْق وَالْعدْل وقبح فِيهَا الْجور وَالْكذب فَجعل الْفَرِيق الأول عَظِيما فِي الْقُلُوب كَرِيمًا وَالثَّانِي حَقِيرًا مهينا فَيصير الْعُقُول آمرة بكسب مَا يعلى شرف من رزق مِنْهَا وناهية عَمَّا فِيهِ هُوَ أَن صَاحبهَا فَيجب الْأَمر والنهى بضرورة الْعقل ثمَّ الثَّوَاب ليتم الْكَرَامَة لمن اخْتَار سبلها وَالْقِيَام بوفائها وَالْعِقَاب لمن آثر هَوَاهُ على إِشَارَة الْعقل

وَفِيمَا ذكرنَا لُزُوم القَوْل بالرسل ليدلوهم على معالم الْعدْل والصدق ومضار ضدهما على الْإِشَارَة إِلَى كل شَيْء أشكلت مائيته ليَكُون أَمر الْأَحْوَال للحمد مُوَافقا وَالله الْمُوفق وَبعد فَإِنَّهُ لَا عَاقل فِي الشَّاهِد يرضى إهمال نَفسه عَن التعاهد ينهمك فِي الشَّهَوَات بل كل يجْتَهد على تسويتها على مَا لايضرها وعَلى مَا يحمد عواقبها على مَا فِيهَا من الْجَهْل الَّذِي يعطبه بِمَا بِهِ يَرْجُو نجاته ويضره فِيمَا بِهِ يطْمع نَفعه فَذَلِك يحوجه إِلَى من يعلم عواقب الْأُمُور حَتَّى يروض نَفسه على إشاراته دون أَن يهملها لشهواتها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نرْجِع إِلَى مناظرة من أنكر الرسَالَة للوجوه الَّتِي ذكر هَا بعد إِقْرَاره بِالتَّوْحِيدِ وإيمانه بِالْأَمر والنهى مَعَ مَا فِيمَا ذكرت من أَدِلَّة الْأَمر والنهى مقرونة بِالْحَاجةِ إِلَى الرسَالَة كِفَايَة لمن تصح نَفسه ثمَّ نقُول يجب القَوْل بالرسالة بضرورة الْعقل فِي إِيجَاب الْحَاجة إِلَيْهَا دينا وَدُنْيا ثمَّ فِي إِثْبَات الأفضال من الله إِن كَانَ فِي الْعقل مِنْهُ غنى فَأمر الدُّنْيَا فِيمَا بِهِ أَيْضا قوام الدّين وَنَحْو أَن خلق الْبشر وجعلهم أهل المحنة وَأنْبت لَهُم من الأَرْض بِمَا أنزل من مَاء السَّمَاء أغذية لَهُم وأدوية ثمَّ أنبت مِنْهَا الأدواء والسموم القاتلة ومنح فِي عُقُولهمْ الإمتحان بِأَنْفسِهِم ليعرفوا المؤذى من المغذى لما لَعَلَّ فِيهِ عطب الممتحن وَلَيْسَ فِي الْعُقُول سَبِيل يعرف ذَلِك لزم القَوْل بِمن يطلعه الله على كل جَوْهَر مِنْهَا ليحيى بِمَا يَأْكُلُون أبدانهم ويقيموا بِهِ دينهم ثمَّ فِي الإبتداء لَيْسَ فِي الْعُقُول سَبِيل يعرف الْوُجُوه الَّتِي تنْبت من الزِّرَاعَة وَمَا فِيهَا من التَّدْبِير ثمَّ بعد التَّمام وَالْعلم بجوهر لَا بُد مِمَّن يعلم كَيفَ يَسْتَعْمِلهُ حَتَّى

يصلح للإغتذاء على اخْتِلَاف مَا جعل لصلاح ذَلِك ثمَّ جعل فِي الطَّعَام أَنْوَاع الْأَذَى مِمَّا يدْفع إِلَيْهِ المنتفع إِذا لم يحفظ حَده لِأَنَّهُ مِمَّن يعلم حد ذَلِك ثمَّ دواه إِن ضره بِالْقدرِ الَّذِي بِهِ يدْفع ضَرَره ثمَّ عُلُوم الطِّبّ مَعَ تفَاوت الطبائع وإستعمال السمُوم القاتلة ليعرفوا قدر النافع مِمَّا يقوم مَعَه الْبدن ثمَّ فِي أَنْوَاع الْحَرْف الَّتِي بهَا قوام سترهم وكنهم والوقاية لَهُم من الْحر وَالْبرد ثمَّ فِيهَا خلقت لَهُم من الدَّوَابّ الصعبة مِمَّا لَيْسَ يعلم المتأهل فِيهَا أَنَّهَا لأي مَنْفَعَة خلقت وَلَا أَنَّهَا لمنافعه خلقت أَو لَا وَلَا كَيفَ يروضها إِذْ طبع كل مِنْهَا النفار عَمَّا هِيَ لَهُ حَتَّى تنقاد وتخضع ثمَّ فِي أَنْوَاع التِّجَارَات الَّتِي لَا يقوم لَهُم دين وَلَا دنيا إِلَّا بهَا ثمَّ مَا فرق حوائجهم فِي الْبلدَانِ الَّذِي لَيْسَ فِي طبعهم وَلَا فِي عُقُولهمْ مَا يدلهم أَو يبين لَهُم فِي كل حَاجَة أَنَّهَا أَيْن تطلب ثمَّ فِي معرفَة طرقها إِذْ لَيْسَ فِي الْعقل مَا يدل على مَكَانهَا وَلَا على طرقها ثمَّ فِي تعرف الألسن الَّتِي بهَا قَامَ النَّفس للمعاش وَفهم الْمعَاد ثمَّ نتعرف الْأَسْمَاء الَّتِي لَوْلَا هِيَ مافهمت حَاجَة وَلَا أمكن أحدا معرفَة موضعهَا ثمَّ فِي وُجُوه أَسبَاب التناسل وَفِي معرفَة تربية الصغار ثمَّ فِي الْعلم بتدبير أغذية مَا لَيْسَ يتَطَرَّق ثمَّ بِظُهُور بِعلم الْخلق بَعضهم من بعض جَمِيع مَا ذكرت من الألسن والأسماء والحرف والطب والصناعات كلهَا وطرق الْبلدَانِ ورياضة الدَّوَابّ وَكَيْفِيَّة إستعمالها وَجَمِيع مَا ذكرت هُوَ الدَّلِيل الْبَين أَن أُصُولهَا تَعْلِيم وَإِشَارَة لَا إستخراج الْعُقُول وَالله الْمُوفق فَهَذَا مَعَ الْأَمر الْمَعْرُوف الْمَوْجُود من فزع بعض إِلَى بعض عِنْد النوائب وَمَا يحزنهم من الْأُمُور المهمة للإستعانة برأيهم والصدور عَن مشورتهم بِمَا عِنْدهم فضل فِي الْعَالم ثمَّ تَعْلِيم فنون الْآدَاب ثمَّ قيام كل بِمَا يَسْتَفِيد أَنْوَاع الْعلم من درس الْكتب والإستماع إِلَى الْحُكَمَاء فَدلَّ ذَلِك أَنهم لم يرَوا بعقولهم كِفَايَة عَن الإستعانة وآداء حاجاتهم جَمِيعًا لزم فِي الْعقل الْفَزع إِلَى نَاصح صَدُوق وَذَلِكَ

ظن الْخلق بأولئك إِنَّه وصل إِلَيْهِم الْعُلُوم على ألسن هَؤُلَاءِ فعلى ذَلِك أَمر الدّين وَالدُّنْيَا وعَلى ذَلِك علم السحر يعْتَبر جَوَاهِر الْأَشْيَاء بأنواع المعالجات وعلوم محاربة أَعدَاء الدّين وَالْأَمْوَال كلهَا مستفادة فِي الْأَمر الظَّاهِر من الألسن وَمَا عَنْهَا يُوجد فَأول ذَلِك تَعْلِيم يكون من الْعَلِيم الْحَكِيم ثمَّ مِمَّا يلْزم القَوْل بالرسالة بضرورة الْعقل هُوَ أَنه قد ثَبت حسن معرفَة الْمُنعم وَالشُّكْر لَهُ فِي الْعقل وقبح الْجُحُود لَهُ والكفران بنعمته ثمَّ مَا من شَيْء تقع عَلَيْهِ حاسة من حواسه إِلَّا وَللَّه عَلَيْهِ فِي سَلامَة حاسته وَمَا أدْرك نعم يعجز عَن الْإِحَاطَة بهَا ثمَّ بعد هَذَا لَهُ عبارتان إِحْدَاهمَا تفَاوت إستحقاق المنعمين الشُّكْر وتفاضل أقدار النعم مِمَّا لَا يبلغ علم أحد نهايتها إِلَّا علم من أَنْشَأَهَا فعلى هَذَا لَا يبلغ عقل بِمَا بِهِ تَمام شكرها إِلَّا هُوَ فَيلْزم الْعقل من يخبر عَمَّن مِنْهُ تِلْكَ النعم وَالْأُخْرَى أَن تِلْكَ النعم إِذْ هِيَ تَفَرَّقت على الْحَواس وأصابت كل جارحة مِنْهَا فَلَزِمَ اسْتِعْمَال كل جارحة فِي شكر مَا لَهُ عَلَيْهَا من النعم مَعَ مَا إِذا أردْت أَن تعرف قدرهَا اعْتبر بالمبتلى بالآفة بهَا لعِلَّة يخف عَلَيْهِ بذل الدُّنْيَا ثمَّ كَانَ مَا بِكُل جارحة تُؤدِّي من الشُّكْر لَا يعرف بِالْعقلِ فَيلْزم القَوْل بمخبر يخبر عَن الله وَأَيْضًا إِن الله إِذْ خلق الْبشر خلقا أمكنه إستعمال كل جارحة مِنْهُ بِمَا جعل من اللين بالمفاصل يقبض بهَا ويبسط وَيُعْطى وَيَأْخُذ ويتقلب على مُخْتَلف الْأَحْوَال وينتشر فِي مفترق الْأَفْعَال مِمَّا لَو لم يكن خلقه لاستعمال جَمِيع ذَلِك فِي الْعَادة لجعل فِيهِ وسع الْعَمَل والنفع خَاصَّة كالدواب والطيور فَثَبت أَنه خلق لِلْعِبَادَةِ فَلَا بُد من مُبين مائيتها فِي كل جارحة

ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك مِمَّا يُوجب ضَرُورَة الْعقل الْحَاجة إِلَى الرُّسُل وُجُوه أَحدهَا وجود التَّنَازُع الظَّاهِر بَين الْخلق على إدعاء كل مِنْهُم أَحَق بِالْحَقِّ وَأولى بالإصابة واتفاق أَن لَيْسَ فيهم من يفزع إِلَيْهِ ليحكم بَينهم وَيُرِيهمْ بِمَا بِهِ يتألف قُلُوبهم وتجتمع كلمتهم وَمَعْلُوم أَن التَّنَازُع هُوَ أصل كل فَسَاد ومقدمة كل فنَاء وَذَلِكَ كُله قَبِيح فِي الْعُقُول فقد انْتَهَت عَاقِبَة الْعُقُول إِلَى من يعينها ويردها إِلَى مَا جعلت هِيَ لَهُ من الصّلاح والمعرفة وَمَعْلُوم أَن لَا أحد أعلم بذلك مِمَّن خلقهَا وأنشأها وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل برَسُول نعلم أَنه من عِنْده جَاءَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَدَلِيل آخر إِنَّه مَعْلُوم أَن الْعلمَاء يتفاضلون فِي إِدْرَاك مَا بِهِ مصالحهم فِي أَمر الدّين وَالدُّنْيَا يكون عِنْد وَاحِد من ذَلِك مَا لَيْسَ عِنْد غَيره وَإِذا ثَبت ذَلِك فَلَا ندفع أَن يكون عِنْد الله مِمَّا بِهِ صَلَاح عباده مِمَّا لَيْسَ عِنْد خلقه فيوصلها إِلَيْهِم برسله وَالله الْمعِين وَدَلِيل آخر إِنَّه لَا يَخْلُو الْأَمر من أَن يرجع إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَيْهِ غَفلَة أَو يلْزم على بعض الصُّدُور عَمَّا أرَاهُ غَيره مِمَّن هُوَ أرجح مِنْهُ عقلا فَإِن كَانَ الْحق هُوَ الأول ليجب الْجمع بَين الْعُقُول وَالْقَوْل لكل بالإصابة إِذا قَالَ بِمَا أرَاهُ عقله وَفِي ذَلِك شَهَادَة بِإِصَابَة كل ذِي دين اعْتمد على عقله وَذَلِكَ محَال لتناقض الآراء وَالْقَوْل وَإِن كَانَ الْوَجْه الثَّانِي فَيصير عقله كرسول يَأْتِيهم من عِنْد الله فَيحْتَاج ذَلِك إِلَى دَلِيل يعلمنَا شخصه ثمَّ لَا فصل بَين دَلِيل يقوم بصدقه فِيمَا يخبر عَن الله أَو بِإِصَابَة الْحق فِي كل مَا ينْطق بِهِ عَن عقله وَالله الْمُوفق فَهَذَا مَعَ مَا يعلم أَن الأشغال وازدحامها على الْعُقُول يلبسهَا فَكَذَلِك الهموم وأنواع مَا جبل عَلَيْهِ الْبشر وَكَذَلِكَ أَنْوَاع الْأَلَم وَأَسْبَاب لَا تحصى مِمَّا يشغل الْعُقُول

ويمنعها عَن الْإِحَاطَة بِالْحَقِّ فِي كل لطيف وجليل وَكَذَلِكَ غَلَبَة الشَّهَوَات وَكَثْرَة الْأَمَانِي وَاللَّذَّات فَلذَلِك لَا بُد من رَسُول الله ليبينهم ويدلهم عِنْد الإشتباه على الْحق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد بَينا بِحَمْد الله حَاجَة الْعُقُول للرسل وَالْقَوْل بهم وَعجز الْعُقُول عَن الْإِحَاطَة بِالْكُلِّ وَالْأَصْل فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَن الله تَعَالَى جعل لكل مدرك آلَة بهَا يدْرك ثمَّ هَؤُلَاءِ تحيط ذَاته دون أَسبَاب تتصل بِهِ ثمَّ مَعَ ذَلِك تعترضه آفَات يلْزمه تفاديها بالمؤاذرة لَهُ من الأعوان وَالْحِفْظ لَهُ من الأضداد الَّتِي هِيَ أَعدَاء تمنع ليشهد بِحَق الْإِدْرَاك على الْعلم بِمَنْع الْبعد ذَلِك واللطافة عَن الْعَمَل حق الْعَمَل فعلى ذَلِك الْعقل إِذْ هُوَ سَبَب مَخْلُوق لَهُ حد كَغَيْرِهِ من أَسبَاب الْإِدْرَاك يَعْتَرِضهُ مَا يعْتَرض غَيره مَعَ غموض الْأَشْيَاء وإستغلاقها وَمن مادته النّظر فِي الْأَسْبَاب أَعلَى ذَلِك مِمَّا يسمع من كَلَام الْحُكَمَاء وأحقهم من لَهُ على حكمته برهَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَجه آخر إِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ جعل السَّبَب الَّذِي بِهِ دَرك كل خَارج عَن الْحسن وَجْهَيْن أَحدهمَا الإستدلال بِالَّذِي عاين إِذا اتَّصل الْغَائِب بِالَّذِي عاين كاتصال دُخان بالنَّار وضياء الشَّمْس بهَا وكاتصال أثر الْفِعْل بالفاعل نَحْو الْكِتَابَة والبنيان وَنَحْو ذَلِك وَالثَّانِي الْخَبَر يُنبئ عَن حَال ذَلِك نَحْو الْبلدَانِ النائية وَالْأَحْوَال المتغيرة والأمور النَّازِلَة مَعْرُوف ذَلِك عِنْد جَمِيع الْعُقَلَاء وَبِذَلِك معرفَة الْإِنْسَان الْأَجْنَاس والفصول والأنواع وأنواع الطِّبّ وَاللِّسَان وعلوم الصناعات والحروب وَغير ذَلِك ثمَّ نَعْرِف الْأَمر والنهى والوعد والوعيد فِيمَا لَيْسَ بمحسوس دَلِيله لَا وَجه لإدراكه إِلَّا بالْخبر وَذَلِكَ نَحْو الْمُبَاح والمحظور وَمَا فِيهِ كل

شَيْء من مُخْتَلف الْأَحْوَال فَيلْزم فِي نَحْو هَذَا القَوْل بالْخبر وَفِيه إِيجَاب القَوْل بالرسالة ثمَّ الْأُصُول ثَلَاثَة مُمْتَنع وواجب وواسط وَهُوَ الْمُمكن وعَلى ذَلِك جَمِيع أَمر الْعَالم فَالْوَاجِب فِي الْعقل على جِهَة لَا يجوز مجئ الْخَبَر بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنع ويجئ فِي الْمُمكن إِذْ هُوَ المنقلب من حَال إِلَى حَال وَيَد إِلَى يَد وَملك إِلَى ملك وَفِي ذَلِك لَيْسَ فِي الْعقل إِيجَاب جِهَة وَلَا امْتنَاع من جِهَة فتجيء الرُّسُل بِبَيَان الأولى من ذَلِك فِي كل حَال وَالله الْمُوفق وَمَا ذكر فِي الْآيَات فَإِن لكل من ذَلِك عَلامَة تعلم وَآيَة تظهر مَعَ مَا كَانَت الْمُعَارضَة فَاسِدَة لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون يصدق أحد فِي الْخَبَر فَيكون ذَلِك السُّؤَال عَلَيْهِ أَو لَا يقر بِشَيْء الْبَتَّةَ وَفِي ذَلِك سُقُوط خَبره هَذَا عَن نَفسه مَعَ مَا كَانَت المقابلات بِالْخرُوجِ على غير الْحَقَائِق من طَرِيق العيان أظهر مِمَّا قَالَ ثمَّ لم يجب بِهِ نفى علم العيان كَيفَ وَجب مَا ذكر وَمَا ذكر من غير عصر الرُّسُل فَذَلِك كَلَام فِي قبُول الْأَخْبَار يلْزمه من وَجه يضْطَر إِلَيْهِ فَيبْطل سَعْيه ويناظر فِيمَا قَالَ إِنَّه مِمَّا يحرمه الْعقل من المديح حق لمن ذَلِك علمه مِمَّا يُوجب الْعقل أَو الطبيعة أَن يَجْعَل الْكل مَا حوته نَفسه وَمَا نفرت عَنهُ طَبِيعَته بصده فيقلب الْأَحْكَام عَن حقائقها وَيبين أَنه عَن جهل بِالْعقلِ خرجت قضاياه فَحق مثله أَن يعلم حَقِيقَة الْعقل فَيبْطل بِحكمِهِ ويمقت نَفسه بجهله الْعقل من الْهوى وَالله الْمُوفق ثمَّ لَو كَانَ فِي الْعقل الْغنى عَنهُ لجائز إرْسَال الرُّسُل من طَرِيق الأفضال إِذْ الله مَوْصُوف مَعْرُوف الْإِحْسَان فِيهِ تتقلب عباده وَمَا من نعْمَة لله تَعَالَى إِلَّا وَللَّه تَعَالَى على عباده فضل زينهم وجمالهم نَحْو الْأُذُنَيْنِ والعينين وكل ذِي

عدد فِي الْجَسَد ثمَّ فِي كَثْرَة النعم فِي كَثْرَة مَا أنشأ من دَلَائِل التَّوْحِيد والرسالة وَإِن كَانَ بِدُونِ ذَلِك كِفَايَة ثمَّ بِكَثْرَة الْفَوَاكِه والملاذ وَإِن كَانَ الْقَلِيل من ذَلِك كَافِيا وَبعد لَو كَانَ بِالْعقلِ كِفَايَة فَهُوَ يسده الْحَد فِي ذَلِك والتعاون بأنواع واستشارة أهل النّظر فِيمَا خص الله لَهُم وأزاح عَنْهُم الْإِشْكَال ثمَّ الإجتهاد الوافر لَهُ يبْذل فِيهِ كل مجهود فَكَانَ فِي إرْسَال الرُّسُل تيسير عَلَيْهِم وَتَخْفِيف وَذَلِكَ من عَظِيم المنن فكفران مثله يدل على حمق الرجل وجهله بالمنن حَتَّى عدهَا بلَاء مَعَ مَا للعقول أشغال وللأنفس أهواء يستر الْعُقُول فإرسال الرُّسُل معونه لَهُم وإرشاد وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي جبلت الْعُقُول على حبه مَعَ مَا فِيهِ تذكير وتنبيه وتحذير لوجه التَّقْصِير فَيكون ذَلِك مِمَّا يحث على النّظر وَيَدْعُو إِلَى الْفِكر وإستعمال الْعُقُول وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي جَمِيع أُمُور الدُّنْيَا وسياسات الْملك مَعَ مَا جعل الْهوى منازعا لَهُ وَقد جعل للهوى أعوان من الْأَمَانِي والشهوات وشياطين مزينة لَهَا فَكيف يُنكر جعل أعوان للعقول أحقهم بذلك الرُّسُل وَبعد فَإِن جَمِيع نوازع الْهوى مُشَاهدَة حسية وَجَمِيع أَسبَاب عمل الْحق غَائِبَة إِذْ الْمُذكر هُوَ ذكر الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْأَمر بترك الشَّهَوَات والملاذ وَذَلِكَ أَمر عسير على الطَّبْع والهوى فَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى الإستعانة بِرُؤْيَة من تذكر رُؤْيَتهمْ الْمعَاد ويخبرون عَن المنقلب بِمَا فِيهِ من الْيُسْر والعسر ليصير ذَلِك بِحَق العيان فيسهل على الطَّبْع سهولة مَا يُوَافق الطَّبْع وَالله الْمُوفق وَنَوع آخر من الأَصْل فِي ذَلِك وجود الرُّسُل بِمَا مَعَهم من الْأَدِلَّة والبرهان مِمَّا

يعلم جَمِيع منكري الرُّسُل أَن لَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم دَلِيل يُحَقّق تَكْذِيبه أَو يزِيل عَن نَفسه صفة المتعنتين مَعَ كَثْرَة حيلهم فِي مقابلات أدلتهم وطعنها مرّة بِالسحرِ وبوجوه أُخْرَى ثمَّ مَعَ بذلهم مجهودهم من دنياهم فِي إطفاء نورهم فَلم يرَوا غير الظُّهُور وَالْغَلَبَة حَتَّى أحْوج الله جَمِيع الْأَنَام إِلَى الَّذين يُؤمنُونَ بالرسل على تعرفهم بِمَا علمُوا فِي الْجُمْلَة أَن لَهُم فِي أُمُورهم غنى رَجَاء أَن يصلح أَمرهم فيتفق كلمتهم وعَلى ذَلِك سياسات مُلُوك الدُّنْيَا ثمَّ لَا يقوم رعية لَا تجْعَل فيهم شَرِيعَة يلزمون الْقيام بهَا وأساسا يبنون عَلَيْهِ وَلَا بُد لأمثال ذَلِك من تَدْبِير مِمَّن يعلم أَنه إِذا خلقهمْ جعل لَهُم وَجها يصلحون عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر طرفا مِمَّا ذكره الْوراق فَقَالَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل من الْآيَات المعجزات الَّتِي بِمِثْلِهَا يثبت القَوْل بِالتَّوْحِيدِ إِنَّهُم لم يمتحنوا قوى الْخلق وَلَا وقفُوا على طبائع الْعَالم الَّتِي يستعان بهَا فِي الْأَفْعَال بل لم تبلغ علم أَكْثَرهم فَكيف يعْرفُونَ بذلك مبالغ الْحِيَل وَهل الَّذِي رَأَوْا إِلَّا كلعب أَتَى الْعجب وَهل حدث السحر إِلَّا لجذب حجر المغناطيس الْحَدِيد فَيُقَال لَهُ أبلغت أَنْت الَّذِي ذكرت لتعلم أَنْت الَّذِي قلت طعن أَو تمويه فمهما قَالُوا من شَيْء فَهُوَ لَهُ جَوَاب فِي الأول وَجَوَاب آخر إِنَّه لَو كَانَ فِي جَوْهَر الْعَالم الَّذِي ذكر لم يحْتَمل ظُهُور مَا ذكر من الْحجر لِأَن الْخَاص إِنَّمَا يحفظ بإسمه لما يخرج من الإحتمال لبعد فِي الْآيَات وَتَخْصِيص ذَلِك من جوهره فِي الأعجوبة فَأوجب ذَلِك أمرا مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل خُصُوصا لَهُم ليَكُون لَهُم إِنَّه فِي الْخُرُوج عَن جوهره بِالَّذِي يدعى مَعَ مَا بَينا فِيمَا تقدم أَنه نَشأ بَين قوم

على طبع علمُوا أَن مثله لَا يحْتَمل ذَلِك بجوهر بشر بِالَّذِي جَاءَ بِهِ وَبعد فقد كثر عَنْهُم الْآيَات من أَنْوَاع مَا لَا يحْتَمل ذَلِك بالإطلاع على جَوْهَر الأَرْض إِلَّا أَن يطلعه من علم جواهرها وَفِي ذَلِك الَّذِي ذكر على أَنه مَا من نَبِي صحت نبوته إِلَّا وَقد شهد قومه مِنْهُ من إِعْلَام الصدْق مَا يجب قبُول قَوْله لَوْلَا الْآيَات ثمَّ يُقَال أَنْت مِمَّن تقبل خَبرا فِي الدُّنْيَا فَإِن قَالَ نعم كلف دَلِيلا على صدقه أوضح من أَدِلَّة الرُّسُل وَفِي ذَلِك وجوب القَوْل بِالَّذِي ذكرت وَإِن قَالَ لَا يشْهد عَلَيْهِ الْعقل وكل شَيْء جعله حجَّة بِالْكَذِبِ وعارضه ابْن الروندي إِن أحدا لَو ادّعى طبيعة يحدث بهَا الْكَوَاكِب أَو لَو نَصبه مُقَابل الشَّمْس يذهب ضوؤها أَو إِنَّه إِذا مس الْبَحْر لفظ الْبَحْر جَمِيع مَا فِيهِ وَإِذا مسح بِهِ قدمه لصار فِي الْهَوَاء وارتفع إِلَى السَّمَاء وَيصير سحابا يمطر فَإذْ لزم تَكْذِيب بِمَا ادّعى الْخُرُوج عَن طبائع مَعْرُوفَة فَمثله الأول مَعَ مَا كَانَ المكذب لَيْسَ مَعَه شَيْء وَمَعَ الآخر شَيْء بالظنون يرد وبالإحتمال وَمَا بِهِ قد يُمكن عيب وَالْحجّة ظَاهِرَة فَلَزِمَ القَوْل بِهِ وَاحْتج على الْوراق بِمَا أجمع على موت الْبشر كلهم وَإِن لم يشْهدُوا الْكل بالرسل فَقَالَ فِيهِ الْإِجْمَاع قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَقد علم أَنه لم يشْهد بل لم يبلغ علمه شَيْء وَالثَّانِي أَنه علق دَلِيله فِي ذَلِك بالمحنة وَقد زَالَ وَالثَّالِث إِذْ لَا يبلغ التَّدْبِير ثَبت أَنه قيل بالرسل وَقَالَ فِي قَول الفلسفة إِن تركيب الْحَيَوَان تركيب يَمُوت تأملوا حماقته بعد قَول قوم لَو أدركوه لأدركوه بالرسل ثمَّ يُنكر قَول الرُّسُل مَعَ الْبُرْهَان وَالثَّانِي أَنه لم يمْتَحن عقول جَمِيع الفلاسفة وَلَا هم امتحنوا طبائع الْجَمِيع وَالثَّالِث أَنه لَو كَانَ بالتركيب لما اخْتلف قدر الْحَيَاة وَقَالَ بالطباع إِن النَّفس لَا تطمع

فِي دَفعه وَلَا ترجو الظفر بِهِ فَجَوَابه إِنَّه لم يمْتَحن طبائع الْكل وَالثَّانِي أَنَّهَا سكنت إِلَى هَذَا بالتوارث من قَول الرُّسُل وَالثَّالِث كَذَلِك آيَات الرُّسُل لم يطْمع إِلَّا بعسر إتْيَان مثلهَا وَهِي بِحَيْثُ تحْتَمل الطمع مَعَ مَا كَانَت فِيهَا مَا لَا يطْمع مَعَ التقريع والتحذير وفيهَا مَا لَا يحْتَمل الطمع الْبَتَّةَ نَحْو انْشِقَاق الْقَمَر ثمَّ يُقَال لَهُ تعتقد شَيْئا الْبَتَّةَ فَإِن قَالَ لَا أقرّ أَنه لم يعْتَقد تَكْذِيب من ذكر وَلَا أَنه هُوَ وَلَا هُوَ حَيّ أَو ميت فتكلفه الْأَجْوِبَة والمعارضات خطأ وَإِن قَالَ نعم قيل لَعَلَّك تعتقده بِمَا لم يبلغ قُوَّة دركك وعلمك بالأشياء مبلغ الإحالة إِذْ قد رَأَيْت كثيرا من المعتقدين بَطل اعْتِقَادهم فَلَعَلَّ طبيعتك أرتك ذَلِك الْفساد وَيجوز أَن يكون فِي الطبائع طبيعة نقية يدْرك لذَلِك فِيمَا اعتقدت وَيظْهر جهلك فمهما قَالَ من شَيْء فَهُوَ لَهُ فِي جَمِيع مَا أنكر جَوَاب وَأَصله أَن كل من استخار الْخُرُوج من المعارف والتفوه بِغَيْر الْمَوْجُود فِي الطبائع بِلَا شَيْء سوى أَنه لم يكن أَو لَعَلَّه يكون أبطل سَبِيل تثبيت شَيْء الْبَتَّةَ أَو نَفْيه وَيكون فِي حد الشاكين فِي الْبَيَان كُله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل عندنَا فِي إِعْلَام الرُّسُل وَجْهَان أَحدهمَا ظُهُور أَحْوَالهم على جِهَة يدْفع الْعُقُول عَنْهُم الرِّيبَة وتأبى فيهم توهم الظنة بِمَا صحبوهم فِي الصغر وَالْكبر فوجدوهم ظَاهِرين أصفياء أتقياء بَين أظهر قوم مَا احْتمل التَّسْوِيَة بَينهم بَينهم على ذَلِك وَلَا تربيتهم تبلغ ذَلِك على ظُهُور أَحْوَالهم لَهُم وكونهم بَينهم فِي الْقَرار والإنتشار فَيعلم بإحاطة أَن ذَلِك حفظ من يعلم أَنه يقيمهم مقَاما

شريفا ويجعلهم أُمَنَاء على الْعُيُوب والأسرار وَهَذَا مِمَّا يمِيل إِلَى قبُوله الطبيعة ويستحسن جَمِيع أُمُورهم الْعقل فَيكون الرَّاد عَلَيْهِ يرد بعد الْمعرفَة رد تعنت لَهُ إِمَّا لإلف وَعَادَة على خلاف ذَلِك أَو لشرف ونباهة فِي العاجل أَو لمطامع ومنال وَإِلَّا فَمَا من قلب إِلَّا ويميل إِلَى من دون هَذَا رتبته وَمحله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي مَجِيء الْآيَات الْخَارِجَة عَن طبائع أهل الْبَصَر فِي ذَلِك النَّوْع الممتنعة عَن أَن يطْمع فِي مثلهَا أَو يبلغ بكنهها التَّعَلُّم مَعَ مَا لَو احْتمل أَن يبلغ أحد ذَلِك بالتعلم والإجتهاد فَإِن الرُّسُل بِمَا نشأوا لَا فِي ذَلِك وربوا لَا بِهِ يظْهر أَنهم استفادوه بِاللَّه أكْرمهم بذلك لما يجعلهم أُمَنَاء على وحيه وَلَهُم أَيْضا مَعَاني فاقوا بهَا السَّحَرَة على أَن علم السحر أَصله من السَّمَاء لَكِن النَّاس نسوا أَصله وتوارثوه بالتعلم وَكَذَلِكَ المكاسب والحرف والصناعات كلهَا فَمن أكْرم لَا بِالْوَجْهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقه فِي المعارف علم أَن ذَلِك تَخْصِيص لأمر عَظِيم مَعَ مَا كَانَ مَعَهم معَان يعلم بهَا أَنهم مبعوثون أَحدهَا أَنَّهَا تخرج حَقِيقَة تبقى بِبَقَاء الْخلقَة وَالسحر هُوَ شَيْء يَأْخُذ الْبَصَر ثمَّ يضمحل وَالثَّانِي أَن آيَة الرُّسُل تمنع أَن يدعيها من لَيْسَ برَسُول فيتبقى مَعَه إِن كَانَت فِي جِهَة سحرًا وَمَا كَانَ وَالثَّالِث أَن أُولَئِكَ الَّذين تكلفوا اسْتِخْرَاج الْعَجَائِب بالتعلم فهم قد مالوا إِلَى لَو كَانَ حَقًا لَكَانَ بِهِ غنى عَن عرض الدُّنْيَا فَكَانَ مَعَهم دَلِيل الْكَذِب وَالرَّابِع إِن الرُّسُل حملُوا مَا فِي الْأَنْفس إِنْكَاره ذَلِك من كفها عَن الملاذ والشهوات وحفظها عَن الَّذين بهم عز الدُّنْيَا وشرفها وَدُعَاء أَمْثَالهَا إِلَى ترك ذَلِك لله وَالْخَامِس مخاطرتهم بالأنفس وبذلها فِي وَقت ضعفهم وَقلة أنصارهم من الْخلق والتعرض للجبارين

بتنغيص مَا هم فِيهِ عَلَيْهِم وَإِظْهَار الْقُوَّة لَهُم من عِنْد الْعَزِيز على مَا علمُوا من سوء صنيعهم بالمخالفين لَهُم وبخاصة من يخَافُونَ مِنْهُم تَفْرِيق جمعهم وتشتيت أُمُورهم وَأَيْضًا إِنَّهُم إِلَى مَا فِي الْعُقُول بَيَانه وَفِي سياسات الْملك حسنه وَبِمَا فِي تَوْقِيف الْخلق عَلَيْهِ صَلَاحهمْ دينا وَدُنْيا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنهم لم يقصروا فِي شَيْء دعوا إِلَيْهِ إجتهادا وَلَا روى فِي شَيْء من أُمُورهم هوادة وَلَا عرف فِي شَيْء من أَخْلَاقهم نَكِير وَلَا فِي شَيْء من الْأَسْبَاب الَّتِي بِكُل وَاحِد مِمَّا فِيهَا بعد النَّاس بذلك مَا يُوصف بالتمام من السخاء والشجاعة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَالرَّحْمَة بالخلق والإشفاق عَلَيْهِم وَفِي الزهادة فِي الدُّنْيَا وَتحمل مُؤَن الْخلق وَغير ذَلِك مِمَّا يحِق الْميل إِلَى كل من فِيهِ خصْلَة مِنْهَا والتعظيم لَهُ لمَكَان ذَلِك فَكيف لمن جمع الْخِصَال الْمَعْرُوفَة فِي المكارم مَعَ حسن الْأَدَاء عَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ وَالصَّبْر لَهُ فِيمَا يصيبهم من الْمَكْرُوه مِمَّا لَا يحْتَمل أَن يكون شَيْء من ذَلِك يحْتَمل على تَمْكِين الْخَلَاص بِبَعْض المداهنة وَفِيهِمْ أَيْضا وعد العواقب وَرُجُوع الْأَمر إِلَيْهِم فَخرج الْأَمر على ذَلِك وَفِيهِمْ أَنه لم يذكر عَن أحد نظر إِلَيْهِ بِعَين التبجيل واستمع إِلَيْهِم بالنصح لأَنْفُسِهِمْ إِلَّا أبصروا الْحق فِي مقالتهم وَلَا اتبعهم أحد فخالفهم إِلَّا بعد الْعلم مِنْهُ بإيثاره الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْبَاطِل على الْحق وكل الَّذِي ذكرت كَانَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ غير ذَلِك من الْآيَات الَّتِي دَامَت لَهُ مِمَّا فِيهِ إِظْهَار نبوته وَأَنه خَاتم الْأَنْبِيَاء مِنْهَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تحدى بِهِ جَمِيع الْكَفَرَة أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ وَإِن يعينهم على ذَلِك الْجِنّ وَالْإِنْس فَمَا طمع فِي ذَلِك إِلَّا سَفِيه أخرق هجره قومه لسخفه وَفِيه أَيْضا بَيَان الحكم لجَمِيع النَّوَازِل الَّتِي تحدث إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ليعلم أَنه جَاءَ من عِنْد من يعلم الْغَيْب وَمَا يكون أبدا وَبِمَا جَاءَ لَهُ من البشارات فِي فتح الْبلدَانِ

وإظهاره دينه بَين أهل الْأَدْيَان وَمَا فِيهِ من الإنباء عَمَّا كَانَ مِمَّا يعلم الْخلق أَنه لم يكن اخْتلف إِلَى أحد مِمَّن يعلم ذَلِك وَلَا نظر فِي كتاب قطّ لتبقى لَهُ تِلْكَ الْآيَات مَعَ مَا ذكر شَأْنه فِي الْكتب السماوية حَاج أهل الْكتاب فَلم يُمكنهُم إِنْكَاره إشفافا على أنفسهم بل قد باهلهم مباهلته الْيَهُود بقوله {فتمنوا الْمَوْت} والنصارا بقوله {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} والجميع بقوله {فكيدوني جَمِيعًا ثمَّ لَا تنْظرُون} وإظهاره اشفاقا وإظهاره الْأَمر عَنْهُم والثقة بِاللَّه بقوله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} مَعَ مَا لَهُ آيَات فِي الْخلق وَهُوَ النُّور الَّذِي انْتقل من ظهر إِلَى ظهر حَتَّى خرج هُوَ وَمَا كَانَ من الْخَاتم بَين كَتفيهِ وَمَا وصف بالربعة ثمَّ كَانَ لَا يزاحم طولين إِلَّا فاقهما ثمَّ كَانَ من السَّحَاب الَّذِي يظله قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ ثمَّ كَانَ من شقّ بَطْنه وَغسل مَا فِيهِ مَعْلُوم ذَلِك ورده إِلَى مَوْضِعه ثمَّ كَانَ من هجر عبَادَة الْأَوْثَان فِي صغره مَعَ حرص قومه على ذَلِك وَمَا استقى بِهِ الْعَبَّاس فسقوا ثمَّ مَا وصف من مُعَامَلَته الْكَفَرَة أَنه لم يكن يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلم يكن فحاشا وَلَا صخابا ثمَّ مَا لم يَأْخُذُوا عَلَيْهِ كذبا قطّ وَبِذَلِك وَصفه أعداؤه ثمَّ مَا جَاءَ من الْآيَات الَّتِي لما اخْتلفُوا فِيهِ فعرفوه بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر وَنَحْو ذَلِك فَمَا كَانَ إِلَّا لِكَثْرَة آيَاته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ طعن الْوراق المحتج بِالْقُرْآنِ بأوجه أَحدهَا تفاوتهم فِي البلاغة وَلَعَلَّه تآليف أبلغهم وَالثَّانِي أَن الحروب مَعَه شغلتهم عَن مثله وَالثَّالِث أَنه لم يَكُونُوا أهل نظر وَمَعْرِفَة أَلا ترى أَنهم صدوا عَن الْإِقْرَار مَعَ توفر أَسبَابه عِنْد أَصْحَاب الضَّرُورَة وَعَن النّظر والمعرفة مَعَ أَسبَاب ذَلِك عِنْد أَصْحَاب الإكتساب وَالرَّابِع

خُصُوص وَاحِد بِقُوَّة من بَين الْجَمِيع من غير أَن يُوجب ذَلِك لَهُ شَيْئا فَمثله النُّبُوَّة أَو أَن يكون قدرتهم كَانَت بالفكر والتخيير فَلم يتكلفوا ذَلِك فَأَما الأول فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَا قَالَ يمتنعون عَن ذَلِك بعد الْجهد فَدلَّ تَركهم دونه أَنهم تَرَكُوهُ طباعا وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لم يحْتَمل مثله مِمَّن يَقُول {لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} أَن يكون أحد من الْبشر يبلغ علمه بِاللِّسَانِ ذَلِك وَالثَّالِث أَنه إِذْ نَشأ بَينهم وَمن عِنْدهم عرف اللِّسَان فلولا أَن لَهُ فِي ذَلِك من الله خُصُوصا لم يكن لغيره لَا يحْتَمل أَن يصير بِهَذَا الْمحل وَالرَّابِع قد تكلفوا المجاوبات لأقوام معروفين فِي فن حَتَّى اجتهدوا فِي قصيدة حولا فَلَو كَانَ يحْتَمل وسعهم أَو يرجون الْبلُوغ بطرق مَا احْتمل تَركهم وَفِي ذَلِك تَشْبِيه على الْقَوْم وَقد بذلوا مهجهم ودنياهم فِي إطفاء هَذَا النُّور والفصل الثَّانِي لَا يحْتَمل الَّذِي ذكر لما بذلك غنى لَهُم عَن بذل المهج وَلما أمهلوا قَرِيبا من عشْرين سنة قبل الحروب وَلما فِيهِ تقريع الْجِنّ وَالْإِنْس وَإِنَّمَا حَارب قوم وَبعد فَإِن الْمُحَاربَة لم تمنعهم من محاربات سمعُوا من رَسُول الله كَذَلِك الْقُرْآن لَو احْتمل وسعهم وَالثَّالِث لَو كَانَ كَذَلِك لاستقبلوا بالإنكار وَالدَّفْع كَفعل الْعرف لَا بالخضوع والإمتناع على أَن الْعَرَب أذكى النَّاس عقلا وأشدهم حمية وَقد قَاتلُوا الشُّعَرَاء بالأشعار أَيْضا وَبعد فَإِن التقريع كَانَ بِهِ جَمِيع الْبشر وَالْجِنّ وَقد انْتَشَر أمره وَظهر فِي الْآفَاق وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي حمله على ذَلِك وَمَا جَاءَ بِهِ نَشأ بَينهم وَإِن كَانَ لَهُ معرفَة وَنظر مَعَ نشوئه بَينهم فَذَلِك أَيْضا أَنه لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

أقاويل ابن الروندى في الرسالة وبيان فسادها

وَجَوَاب الرَّابِع أَن الله تَعَالَى إِذا خص أحدا بِقُوَّة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد يمنعهُ عَن دَعْوَى النُّبُوَّة بِاللَّفْظِ كَمَا منع من يظفر بِحجر المغناطيس وَلَو علم أَنه يدعى لَا يُعْطِيهِ وَالثَّانِي أَن لَا أحد فِي شَيْء لَهُ فضل قُوَّة إِلَّا طمع غَيره استتمام ذَلِك أَو عمل ذَلِك النَّوْع بِقدر قوته وَالدَّلِيل مَا يخرج من الطباع وَبعد فَإِنَّهُ لَو كَانَ لَهُ فِي ذَلِك فضل قُوَّة بهَا عمل لَكَانَ لَا يتَمَكَّن نيلها بهم وَلَيْسَت لَهُم إِذْ لَا يُوجد مثل ذَا فِي شَيْء من الْأُمُور دلّ أَن الله جعل فِيهِ ليَكُون آيَة لقَوْله وَسَنذكر جمل هَذِه التأويلات بعد الْفَرَاغ من فصوله وَقَوله على البديهة فقد أمهلوا مَعَ مَا لم يحْتَمل أَن يكون من الْبشر يعلم بِفضل الْقُوَّة مَا تسْأَل عَنهُ وَقد تكلفوا الْأَشْعَار ثمَّ نصب الحروب وَجمع الأعوان وبذل الْأَعْيَان ثمَّ اقتتال الأقران والمبادرات الفظيعة فَلَو كَانَ وهمهم يحْتَمل الْقيام بذلك أيسر عَلَيْهِم ثمَّ قد دعوا إِلَى إتْيَان السُّورَة نَحْو ثَلَاث آيَات لَو احتملها وسع الْبشر لَكَانَ سَاعَة من النَّهَار كَافِيَة لذَلِك أقاويل ابْن الروندى فِي الرسَالَة وَبَيَان فَسَادهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله احْتج ابْن الراندي بِمَا تقدم من الأغذية والسموم فِي إِثْبَات الرسَالَة ثمَّ قَالَ لَا يَخْلُو الْأَمر فِي الْخَبَر إِمَّا أَن لَا يثبت الْبَتَّةَ فَيجب الْجَهْل بِالْأَيَّامِ الْمَاضِيَة والأماكن النائية والوقائع السالفة أَو نقبل التَّوَاتُر وَمَا يضْطَر إِلَيْهَا فجب بِهِ إِخْبَار الرُّسُل وَلَا قُوَّة إلابالله

ثمَّ نذْكر جمل مَا يبين فَسَاد طعنه من وُجُوه الْحجَج بِالْقُرْآنِ إِذْ هِيَ من وُجُوه أَحدهَا بنظمه من غير أَن كَانَ فِيهِ غَرِيب مُبْتَدع يخرج ذَلِك عَن عرف الْعَرَب بل هُوَ بأعذب لفظ وأملح نظم وَقد احتملت الْعَرَب الْمُؤَن الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا وَلَا يحْتَمل ترك الْأَمر الْيَسِير مَعَ التحدي والتقريع مَعَ سَلامَة أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِم وَهِي الْحَيَاة وتبدل الْمُبْهِج مَعَ ضنهم بهَا إِلَّا عَن عجز ظهر لَهُم من أنفسهم طباعا أَو إمتحانا وَالثَّانِي بَيَان جَمِيع الْأُمُور الَّتِي بهَا علم الْعلمَاء أهل الْكتاب مَعَ الْعلم بِمن شهد رَسُول الله أَنه لم يكن اخْتلف إِلَيْهِم وَلَا كَانَ يخط كتابا بِيَمِينِهِ فَيحْتَمل إستعادته ثَبت أَن ذَلِك كَانَ بتعليم الله إِيَّاه وَالثَّالِث الْإِخْبَار بِمَا يكون لَهُ من الْفتُوح وَدخُول الْخلق فِي دينه أَفْوَاجًا وَإِظْهَار دينه على الْأَدْيَان فِي وَقت ضعفه وَقلة أعوانه وَكَثْرَة أعدائه فَكَانَ على مَا أخبرهُ الْقُرْآن وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالرَّابِع أَن الله تَعَالَى جمع فِي الْقُرْآن أصُول جَمِيع النَّوَازِل الَّتِي تكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة دلّ أَنه عَالم الْغَيْب حَتَّى أعلمهُ أصُول ذَلِك وَأَيْضًا مَا أظهر من مُوَافقَة الْقُرْآن سَائِر كتب الله وَبَيَان نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته كَقَوْلِه {الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم} وَقَوله {مُحَمَّد رَسُول الله} وَقَوله {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} من غير اجتراء أحد مِنْهُم على إِنْكَار ذَلِك وَدفعه ثَبت أَن الَّذِي أنزل هَذِه الْكتب هُوَ الله سُبْحَانَهُ فَجَعلهَا كلهَا متفقة على اخْتِلَاف الْأَزْمِنَة وتباعد الْأَوْقَات ليعلموا أَن الْقُرْآن من عِنْد من جَاءَ مِنْهُ الْكتب وَأَن الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الْكتب قديم لم يزل حجَّته فِي الْأَوَّلين والآخرين وَاحِدًا

وَأَيْضًا مَا سبق من ذكر المباهلة وَمَا كَانَ من الْأَخْبَار أَنه يسْأَل عَن كَذَا ويستفتى عَن كَذَا فَكَانَ على مَا ذكر على مَا فِي الْقُرْآن من قصَّة الْجِنّ وتصديقهم وشهادتهم لَهُ بموافقة الْكتب وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث فِي عصر لم يعرف فِيهِ التَّوْحِيد بل كَانَ عباد الْأَوْثَان والأصنام والنيران فَجمع مَا أنزل عَلَيْهِ من الْقُرْآن هُوَ من أنجح مَا لَو اجْتمع موحدو الْعَالم من مضى مِنْهُم وَمن يكون أبدا على إِظْهَار أدلته مَا احتملت بُلُوغ عشرهَا فضلا عَن الْإِحَاطَة فِي ذَلِك الزَّمَان الَّذِي لَا يقدر على موجد وَاحِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الْقُرْآن أنزل فِي عشْرين سنة فَصَاعِدا بالتفاريق مَا خرج كُله على وزن وَاحِد من النّظم وعَلى مُوَافقَة بعضه بَعْضًا مِمَّا لَو احْتمل كَون مثله عَن الْخلق لم يمْتَنع من الْخلق من الإختلاف فِي شَيْء من ذَلِك دلّ أَنه أنزل من عِنْد علام الغيوب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاحْتج فِي إِثْبَات رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مَا بَينا بقوله للْيَهُود {فتمنوا الْمَوْت} بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا الْوَعْد بِأَنَّهُم لَو تمنوا الْمَوْت لماتوا وَالثَّانِي أَنهم لَا يتمنون أبدا وَلَا شَيْء أيسر عَلَيْهِم من تمنى ذَلِك وبمباهلة النَّصَارَى والإخبار بِوُقُوع اللَّعْن ثَبت أَنه مَعْلُوم النَّعْت فِي كتبهمْ فَأدْخل الْوراق أَنهم لَو تمنوا بِاللِّسَانِ لقيل إِنَّمَا أُرِيد بِهِ الْقلب وَالثَّانِي أَنهم قد آمنُوا بمُوسَى وَعِيسَى وَقد أخبراهم بذلك كَمَا يخبر المنجمة فجواب الأول أَن المباهلة لَا تحْتَمل ذَلِك وَأَيْضًا إِنَّهُم أهل بصر إِذا لَو ردوا لقابلوا بِأَنَّهُم فعلوا ذَلِك أَيْضا بقلوبهم والحرف الثَّانِي لَو كَانَ كَذَلِك مَا امْتَنعُوا عَن مُقَابلَته عِنْد قَوْله {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام}

وَقَوله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} وَلَو كَانَ بذلك كَانَ التَّصْدِيق لما احْتمل الْمُقَابلَة بِأَعَز الْأَشْيَاء وَهِي الْأَنْفس وَالْأَمْوَال قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ بِالَّذِي ذكر لم يكن خبر رَسُول الله لن يَتَمَنَّوْهُ بذلك بل كَانَ بِالَّذِي يعلم أَنهم لَا يَفْعَلُونَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَطعن وَلَو كَانَ على حكم قَول المنجمة لما تقرر عِنْدهم حَتَّى يتحرجوا الْإِجَابَة لم يكن الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُول الله بِدُونِ ذَلِك لم يتحرجوا عَمَّا خوفهم فيسلموا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَطعن فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} إِن الْحِفْظ يقوم مقَام الْكتاب وأحال لِأَن الْحِفْظ يكون عَن تِلَاوَة وَمَا بالإلقاء عَلَيْهِ فَهُوَ عَن كتاب يقْرَأ وَبعد فَإِنَّمَا ذَلِك إِنَّمَا يكون بِمن يظْهر اختلافه عِنْد من يعرف بِهِ وَمَعْلُوم أَنه نَشأ بَين أظهرهم لم يعرف فِي شَيْء من ذَلِك وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ هَذَا الْقدر من الْمُقَابلَة سهلا لَا يعجزون عَنهُ وَطعن فِي أَخْبَار الْقُرْآن إِنَّه خبر الْآحَاد وَذَلِكَ كذب بل رَوَاهُ كَافَّة عَن كَافَّة مَعَ مَا فِي هَذَا إِقْرَار أَنه حجَّة وَطعن التَّوَاتُر بِمَا لَا تَخْلُو الْجَمَاعَة عَن الْبعد من السّمع فَيحْتَمل الْحِيلَة أَو الْقرب فَلَا يحْتَمل مُبَاشرَة مثله إِلَّا الْيَسِير قَالَ ابْن الروندي هَذِه الجهلة بالمحافل وَإِلَّا الْأَمر فِي ذَلِك ينتشر مَا كَانَ من قبل حَتَّى لَا يكَاد شَيْء مِنْهُ يخفى على الأبعدين فضلا عَن الْأَقْرَبين

وَطعن أَيْضا بإجماعات الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ ابْن الروندي إِمَّا أَن يُنكر الْخَبَر الْبَتَّةَ فَيبْطل مذْهبه فِي تَقْلِيد الماني وَقَوله هَذَا أَو يُجِيز خَبرا لَا بُد إِذْ ذَاك من الرُّجُوع إِلَى إِجْمَاع أهل الْحق فِي الْأُصُول الْعَقْلِيَّة فَيقبل أخبارهم وإجماعاتهم إِذْ هم المتمسكون بِهِ وَنحن أُولَئِكَ بِحَمْد الله قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الْأَخْبَار الَّتِي لزم فِي الْعُقُول قبُولهَا لما فِي ذَلِك بطلَان حِكْمَة السّمع وَاللِّسَان وَفِيه زَوَال عُلُوم المعاش والمعاد وَانْقِطَاع الْأُصُول إِلَى الأغذية والأدوية الَّتِي بهَا حَيَاة الْأَبدَان ثمَّ كَانَت الْأَخْبَار تتفاقم فِي الإنتشار على قدر الْأُمُور الَّتِي عَنْهَا الْأَخْبَار فِي الْعظم نَحْو ملك لَو قتل لانتشر أمره بِالضَّرُورَةِ حَتَّى لَو أحب النَّاس كتمان مثله لما قدرُوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخَارِجَة من المعارف الْمُعْتَادَة وَفِيمَا يقل خطره أَو يجرى على الْمُعْتَاد لَا يظْهر ظُهُوره بل لَعَلَّه لَا يذكر مَعْرُوف ذَلِك فِي الْخلقَة وعَلى ذَلِك انتشرت أَخْبَار الْفتُوح وقهر الْمُلُوك فعلى مثل هَذَا أَمر الرُّسُل لأَنهم جَاءُوا بالأمور الْعِظَام الْخَارِجَة عَن الْأَمر الْمُعْتَاد عِنْدهم فَيظْهر أخبارهم فتنتشر حَتَّى تبلغ أقاصي الدُّنْيَا وأدانيها إِذْ هِيَ على وَجه لَا يملك السامعون كتمانها على مَا ذكرت من تغاضي الْخلقَة فِي نشر مثله مَعَ مَا قد ينتشر مثل مَا ذكرت مِمَّا لَا مَنْفَعَة فِيهِ فَالَّذِي يعم الْخلق جَمِيعًا مَعْنَاهُ أَحَق فِي ذَلِك وَفِي كل أَمر منتشر عَن أحد يعود الْخَبَر إِن كَانَ على حق أَو جور فَيعلم مَا افتعل مِنْهُ فيغير وَمَا صدق فِيهِ فَيقر وَفِي ذَلِك لُزُوم انتشار أَخْبَار الرُّسُل فِي حياتهم وَظُهُور المفتعل من ذَلِك فيمحى أَثَره بالنهى والتغيير فَيبقى الْحق الصدْق مِنْهُ دَلِيل ذَلِك أَمر رَسُول الله حَتَّى لَا تَأتي نَاحيَة نائية وَلَا مَكَانا بَعيدا إِلَّا وجدت أَثَره فِيهِ ظَاهرا وبخاصة فِي عصره إِذْ كَانَ ينساب إِلَيْهِ من الْآفَاق وَيظْهر شَأْنه فِي الْبِلَاد فَإِذا كَانَ كَذَلِك لأوجه لقَوْله أخباره أَخْبَار الْآحَاد وَلَا لما ذكر من الْوُجُوه بل الْخَبَر الْوَاحِد فِي الْأَمر المهم أَو الْخَارِج عَن الْأَمر الْمُعْتَاد ينتشر إنتشارا أظهر فَكيف فِيمَا فِيهِ دُعَاء أهل الْأَدْيَان وإرسال الْكتب إِلَى الْأُفق ومجيء الْوُفُود من كل النواحي وإمتحان

الرُّسُل بأنواع الْحجَّاج وَقصد الْمُلُوك نحوهم فِي إطفاء نورهم وإشفاقا مِنْهُم على ملكهم أَن يذهب ويضمحل على مَا عرفُوا من ضعفهم فِي أبدانهم وَقلة أعوانهم من جوهرهم فَمَا ذَلِك الْخَوْف إِلَّا لعلمهم أَنهم أَتَوا من عِنْد الْقَادِر الْعَلِيم وعَلى ذَلِك مِمَّا يخرج مخرج الْآيَات من الْأُمُور الخطرة لن يذهب أثر ذَلِك مَا بقى لَهُم تبع وبمثله احتجاج وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا ذكر من إجماعات الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِنَّمَا ذَلِك أُمُور اخْتلفُوا فِيهَا على قدر مَا احْتمل آرائهم فانتشرت فِي اتِّبَاع كل مِنْهُم لَيْسَ ذَلِك فِي الْآيَات وَلَا فِي الْأُمُور الخطرة وَبعد فَإِنَّهُ مَتى بلغ ذَلِك تَبْدِيل الشَّرْع حَتَّى كَاد أَن يمحو أَثَره ويندرس خَبره بِفضل الله وَمِنْه فِي إرْسَال من يحيى ذَلِك وَيظْهر مَا عَلَيْهِ الرُّسُل بِالْآيَاتِ الْقَاهِرَة الْعُقُول ليعلموا بهم التَّغْيِير والتبديل وعَلى ذَلِك الإنتشار ثمَّ من حكم الله أَن يخْتم بِمُحَمد عَلَيْهِ السَّلَام النُّبُوَّة وَأَن لَا يُرْسل إِلَى أمته بعده رَسُولا جعل أمته بِحَيْثُ لَا يحْتَمل تغير الْأُمُور الجسيمة وَمن عَلَيْهِم بِكِتَاب حفظه يعلم بِهِ التَّغْيِير والتبديل فَتبقى شَرِيعَته إِلَى فنَاء الْعَالم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ أَبُو الْحُسَيْن الروندي طعن الْوراق أَخْبَار براهين الرُّسُل من حَيْثُ وَردت من طَرِيق أَو طَرِيقين وَهَذَا بهت شَدِيد بل أَجمعت عَلَيْهَا أمتنَا ثمَّ أَمر نَبِي الله مِمَّا توارث بِهِ الْمُلْحِدُونَ لتكلف الطعْن والموحدون لرعاية الْحق مَعَ تطابق الْكَفَرَة على أَن يَجدوا فِي خلقه ضعفا أَو فِي شجاعته أَو لَهُ فِي شَيْء من المطامع رَغْبَة أَو إِلَى شَيْء من فنون مَنَافِع الدُّنْيَا ميلًا فَمَا وجدوا ذَلِك فَهَذَا لَو كَانَ شَرط صِحَة الْأَخْبَار كَثْرَة الْعدَد فَكيف وَشَرطه الإستيلاء على الْقُلُوب وسكونها إِلَيْهِ وطمأنينة النَّفس بالمخرج والفحوى وَرفع مَا يعْتَرض من الظنون وَهَكَذَا الْأَمر عِنْد أَخْبَار المحقين وَإِن قل عَددهمْ

وَطعن الْوراق فِي قَوْله {فاسألوا أهل الذّكر} أَن كَيفَ أَمر بذلك مَعَ الشَّهَادَة عَلَيْهِم بكتمان الْحق فَأُجِيب بِمَا إِذْ أيد الله نبوة مُحَمَّد بالحجج الْقَاهِرَة مالوا إِلَى الْكتاب فَقيل لَهُم على أَن الله يسخرهم فِي ذَلِك ويضرهم إِلَى الْمُوَافقَة فَيكون ذَلِك من جليل آيَاته إِذْ جمع عَلَيْهِ الْأَعْدَاء والأولياء وَهُوَ قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} وَأَيْضًا إِن ذَا على مَا يعرف من لجاج الرجل بعد إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهِ أَن يُقَال فاسأل ذَلِك فلَانا مِمَّن يطْمع سُكُون قلبه إِلَيْهِ فَيتْرك اللجاج وَالثَّالِث أَن يكون المُرَاد يرجع إِلَى من أسلم مِنْهُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَجَائِز أَن يكون المُرَاد بِأَهْل الذّكر هم أهل الشّرف الَّذين يمنعهُم شرفهم عِنْد التَّحْكِيم إِلَيْهِ عَن الْكَذِب وَالله أعلم وَطعن الْوراق إِخْبَار رَسُول الله بِحُضُور الْمَلَائِكَة يَوْم بدر قَالَ أَيْن كَانُوا يَوْم أحد جَوَاب الأول ظُهُور رُؤُوس ببدر بِلَا قَاتل رَأَوْهُ وَبَيَان الْمَذْكُور من الْأَعْدَاد أَنهم رَأَوْا صورا لم يعرفوهم وَجَوَاب الثَّانِي أَن ذَلِك أول حَرْب فَأَرَادَ الله تَعَالَى أَن ينصرهم ليظْهر الْحق وَيبْطل الْبَاطِل قَالَ ابْن الروندي الْعجب من الْوراق حَيْثُ جحد أَخْبَار الرُّسُل مَعَ الْبَرَاهِين وَدُعَاء إِلَى قبُول قَول المنانية وألزم الْقَوْم حماقاتهم من بسط السَّمَاوَات من جُلُود الشَّيَاطِين واضطراب الأَرْض باضطراب الْحَيَّات والعقارب فِيهَا وَقبُول أخبارهم بِعَمَل النُّور والظلمة وَدفع مَا هُوَ فِي عُقُولهمْ حَسَنَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَفِي أَمر بدر وُجُوه من الْمُعْتَبر أَحدهَا عمل كف من تُرَاب إِن أصَاب كلا مِنْهُم وَفِيه مَا ذكر وَفِيه مَا يشبه المباهلة من قَول أبي

جهل اللَّهُمَّ ابصر أمرنَا وأوصلنا للرحم وَجمع الْأَئِمَّة من الْكَفَرَة وَغير ذَلِك وَالله الْمُوفق وَزعم من أنكر الرُّسُل بِمَا لَا يَأْمر الْحَكِيم بِمَا يقبح فِي الْعقل إِذْ لَو جَازَ مَجِيء الْخَبَر بِمثلِهِ لجَاز ذَلِك فِي إِبَاحَة الْجور وَالْكذب فَأُجِيب بِأَن مَا حسنه الْعقل وقبحه النوعان أَحدهمَا لَا يتَغَيَّر نَحْو شكر الْمُنعم وقبح السَّفِيه وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي يُحسنهُ الْعقل للعاقبة أَو للمقدمة أَو الْحَال نَحْو مَا يحسن فِي الْعقل المنهمك فِي الْفساد الْبَاغِي على وَجه الإنتقام فَجَائِز وُرُود الشَّرْع بِمثلِهِ وعَلى ذَلِك أَمر الذَّبَائِح وَلَو قدر الْإِبَاحَة فِيهِ كَانَ كل حَيّ يَمُوت وَالذّبْح أروح إِلَيْهِ وأيسر عَلَيْهِ فَيكون بِمَعْنى الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة وَالثَّانِي أَن الْعدْل فِي الْجُمْلَة حسن والجور فِي الْجُمْلَة قبح لَكِن من الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة وَالثَّانِي أَن الْعدْل فِي الْجُمْلَة حسن والجور فِي الْجُمْلَة قبح لَكِن من الْأَشْيَاء مِمَّا يظْهر قبحه بالنهى وَحسنه بِالْأَمر وَذَلِكَ نَحْو تقلب أَحْوَال الْمَرْء وانتقاله وعَلى ذَلِك ذبح الْحَيَوَان إِذْ جَاءَت بِهِ الرُّسُل وهم لَا يأْتونَ إِلَّا بِالْعَدْلِ وعَلى الثنوية مَا أجَاز النُّور ضَرَر الظلمَة لما رأى من الْمصلحَة وَفِي مثله ذكر الْوراق أَن الرُّسُل لَو جَاءُوا إِلَى التَّمَسُّك بحجج الْعُقُول فهم منا وَإِن جَاءُوا إِلَى خلَافهَا فقد جعلهَا الله حجَجًا لم يجز الْغَيْر إِلَّا بالتغيير وَفِي ذَلِك زَوَال الْخطاب عَارضه ابْن الروندي بِمَا يرى أسود الرَّأْس ثمَّ يرَاهُ أَبيض أتغير بَصَره أَو تغير الشَّيْء على الْبَصَر إِذْ لَيْسَ هُوَ بأسود لما يرَاهُ الْبَصَر فَمثله أَمر مَا يرَاهُ الْعقل عدلا لِلْأَمْرِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْقيام وَالْقعُود وكل الْأَحْوَال وَمثله الْحجامَة وَالْأكل وَالشرب قد تحسن هَذِه الْأَحْوَال على اختلافها وَلم يجب بِهِ تغير الْعقل حَتَّى يحسن فِيهِ الَّذِي كَانَ يحسن بِخِلَافِهِ فَمثله أَمر الرُّسُل ثمَّ قد يجوز تحمل الْمُؤَن الْعِظَام لعواقب محمودة وَاخْتِيَار المضار لِسَلَامَةِ محمودة نَحْو التِّجَارَات والإجارات والزراعات والأدوية وأنواع الْجِرَاحَات وَكَذَلِكَ اخْتِيَار ترك النَّفْع لنفع أرجح مِنْهُ وعَلى ذَلِك أَمر الشَّرَائِع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وأيد الْوراق الَّذِي بَينا أَن فِي الْعقل ذمّ الْإِسَاءَة إِلَى من لم يؤذ وَإِن لم يحب لغيره مَا يحب الْمَرْء لنَفسِهِ والذبائح خَارِجَة من ذَلِك فَهَذَا لِأَنَّهُ توهمه مُفردا من الْعِلَل فَإِذا تَأمل حسن العواقب والسلامة مَعَ عقيب الْمَنَافِع وَكَذَلِكَ فضل رَاحَة وَفِي الذَّبَائِح ذَلِك وَنحن نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن الْأَشْيَاء نَوْعَانِ أَحدهمَا مِمَّا يحسن لنَفسِهِ ويقبح ضِدّه وكل خلافاته وَالثَّانِي مَا يحسن الشَّيْء وخلافاته على حسب الْحَاجة وَقيام الدّلَالَة من حمد العواقب وذمها فَلَزِمَ القَوْل فِي هَذَا بِمن يعرف أَحْوَال الْحَمد والذم فَيخرج الْأَمر عَلَيْهِ على أَنه لَا بُد لمن يكون يعْتَمد على عقله والإختلاف المتناقض ذَلِك سَببه أَو يرجع إِلَى مَخْصُوص من الْعقل وَفِي ذَلِك القَوْل بالرسول ثمَّ أَمر الذَّبَائِح لَا يحْتَمل أَن يكون قبحها لنَفسهَا لما يحل فِي مَوضِع الإنتقام وَيحسن فِي الْعُقُول إِذا تفكر فِي ذَلِك دفع الْأَذَى وَالْمَكْرُوه أَو تقع العواقب فَبَطل قبح ذَلِك لنَفسِهِ فَلَزِمَ جَوَاز المحنة فِيهِ بِالتّرْكِ وَالْإِذْن وَفِي ذَلِك إِبَاحَة وَأَيْضًا أَن كل شَيْء حسنه الْعقل فَهُوَ لَا يقبح بِحَال وَكَذَلِكَ الْقَبِيح من الْحسن وكل شَيْء قبح لنفار الطَّبْع بِمَا يتَوَهَّم حُلُوله فِي جَوْهَر المتوهم فينفر طبعه لألمه ثمَّ هَذَا قد يجوز أَن يذهب ذَلِك بالإعتياد نَحْو القصابين وَالَّذين اعتادوا الْقِتَال فَثَبت أَن النهى عَنهُ طبيعي لَا عَقْلِي فَتغير ذَلِك من الْعَادة يَزُول وَذَلِكَ نَحْو جَوَاهِر من الْحَيَوَان طبعه التوحش وعَلى ذَلِك طبع الْجَمِيع عَن الْأَحْمَال الثَّقِيلَة ثمَّ تصير بالرياضة وتعويد غَيره كَأَنَّهَا على ذَلِك طبعت فعلى ذَلِك أَمر الْحَيَوَان وَأَيْضًا أَن كل حَيّ إِذْ هُوَ يَمُوت ثمَّ لم يلْحق أحد بِهِ لائمه فَمثله إِذا جَاءَ الْإِذْن مِمَّن هُوَ لَهُ وأحق من يَقُول الثنويه لأوجه أَحدهَا استجازتهم تبَاين النُّور والظلمة ثمَّ الإمتزاج ثمَّ التباين وَفِي ذَلِك تفرق بَين كل مقترنين وتميز بَين كل ممتزجين وَذَلِكَ معنى الذّبْح وَالثَّانِي أَن الْأَلَم إِمَّا أَن يحل بجوهر النُّور فَيصير مُحْتملا للأذى

إثبات نبوة الأنبياء

وَهُوَ شَرّ وَلَوْلَا ذَلِك لم ينْه عَن الذّبْح إِذْ هُوَ ذَلِك ثمَّ هُوَ لَا يَخْلُو من أَن يحل بجوهر النُّور فقد عمل الشَّرّ أَو بجوهر الظلمَة فالنهى وَالْإِنْكَار مِمَّا لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ يُنكر على من لَا يحْتَمل طبعه الْقبُول فِي ذَلِك كمن يَأْمر من لَيْسَ لَهُ مَا يطير بِهِ بالطيران أَو أَن يكون الْأَلَم يحل بجوهر الظلمَة وَذَلِكَ هُوَ الْحق عِنْدهم ثمَّ إِمَّا أَن دخل عَلَيْهِ ذَلِك بجوهر النُّور فَهُوَ يصنع مَا يذم عَلَيْهِ أَو بجوهر الظلمَة فقد أحسن حَيْثُ آلم الظلمَة إِذْ ذَلِك عدل وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا إِن فِي الذّبْح إِخْرَاج الرّوح الصافي من الظلمَة الكدرة وَذَلِكَ الْحق وَهُوَ عَاقِبَة كل شَيْء إِثْبَات نبوة الْأَنْبِيَاء وبخاصة رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ القَوْل فِي نبوة الْأَنْبِيَاء وبخاصة فِي رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَبت بالجوهر ثمَّ بأيات حسية وعقلية ثمَّ بموافقة ظُهُور الْأَحْوَال الَّتِي هِيَ أَحْوَال الْحَاجة إِلَيْهِ فَأَما أَمر الْجَوْهَر فقد بَينا إبتداءه مَعَ مَا ذكر فِيهِ أَنه نظر إِلَى وَجهه وَإِلَى الْبَدْر فَكَانَ هُوَ أحسن مِنْهُ وَأَنه كَانَ أطيب ريحًا من الْمسك وألين من الْحَرِير وَكَانَ يُؤْخَذ بعرقه فينقع بِهِ فِي الطّيب وَقد وصفت خلقته بِمَا لَا يعرف أحد يُوصف بِمثلِهِ حسنا وجمالا وَجل الْعين ترَاهَا تهيج فِي الْحيرَة بِذِي آفَات فِي الْخلقَة فَدلَّ بَرَاءَته عَن كل الْآفَات وزينه بِكُل زين على استجابة أَعلَى الدَّرَجَات فِي الْخلق وَأفضل الأقدار وَيدل على ذَلِك أَنه لم يُؤْخَذ عَلَيْهِ كذب قطّ وَلَا عرفت مِنْهُ هفوة وَلَا مِنْهُ عَن أعدائه فرار وَلَا فِي أخلاقه سوء بل كَانَ على مَا وصف لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يعرف فحش وَلَا ينتصر لنَفسِهِ وَكَانَ فِي الإشفاق بِالْمحل الَّذِي عوتب عَلَيْهِ بقوله {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات}

وَقَوله {لَعَلَّك باخع نَفسك} وَفِي التحزن بِمَا فِيهِ هَلَاك الْخلق كَمَا وَصفه الله وَعَصَمَهُ بقوله {وَلَا تحزن عَلَيْهِم} وَقَالَ {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} وَكَانَ بِالْكَرمِ بِحَيْثُ عوتب بِهِ فَقَالَ {وَلَا تبسطها كل الْبسط} وَقيل لم يكن يدّخر شَيْئا لغد وَقد عرض عَلَيْهِ أعلا مَا يرغب فِيهِ من مَتَاع الدُّنْيَا والرياسة بِأَن يداهن قَلِيلا فَمَا أجَاب فِيهِ بل عادى لله الأقوياء والملوك والسادات حَتَّى أكْرمه الله بِالرُّعْبِ فِي قُلُوب الْخلق فَلم يكن يقْصد إِلَيْهِم فِي الْحَرْب إِلَّا خافوه وَقيل وَالله يَعْصِمك من النَّاس فَلم يخفهم بعد ذَلِك وَلَا أذكر أَنه وَلَا هم ذَلِك على مَا أصَاب أَتْبَاعه النكبات والشدائد ووعد أَن يبلغ ملك أمته مَا دوى لَهُ من الأَرْض من الْمَشَارِق والمغارب وَمَا روى مَا ذكر من أَنْوَاع الْفَزع فِي قُلُوب أعدائه وَالْحِفْظ عَنهُ عَمَّا راموا بِهِ على مُوالَاة أقربائه الأبعدين فِي ذَلِك وَمَا اجْتمعت آرائهم على إطفاء نوره وطمس أَثَره فَمَا ازْدَادَ إِلَّا ظهورا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْآيَات الحسية انْشِقَاق الْقَمَر واجتذاب الشّجر وَتَسْلِيم الْحجر عَلَيْهِ ظَاهر ذَلِك كُله عرفوه ثمَّ شربهم من المَاء الْقَلِيل الْكثير من الْبشر ثمَّ ابتلاء أعدائه بدعائه بالجدب والقحط ثمَّ اسْتَغَاثُوا بِهِ فأغيثوا ثمَّ الإشباع باليسير من الطَّعَام الْكثير من الْخلق ثمَّ أَمر بَيت الْمُقَدّس ثمَّ أَمر مُرُور من طلبوه بِالْغَارِ فَأعمى الله بصرهم وحنين الْخشب وشكاية النَّاقة وَشَهَادَة الشَّاة المصلية ثمَّ ماساح

بفرس من اتبعهُ الأَرْض ثمَّ مَا أخبر من قَوْله وَلَا يتمنونه وَكَانَ كَذَلِك ثمَّ بِمَا قَالَ ادعوا شركاءكم ثمَّ كيدوني وَلَا تنْظرُون مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ بِكَثْرَة مَا يمكرونه حَتَّى خلصه الله من ذَلِك ولعظيم مَا يضمر أهل النِّفَاق فِي أنفسهم فأطلعه الله حَتَّى كَانُوا مَعَ شدَّة تعنتهم يحذرون نزُول سُورَة تنبئهم بِمَا كَانَ مِنْهُم وأظهرهم على مَا قَالُوا فِيهِ وَفِي متبعيه وَمَا قَالَ فِي أبي بكر وَأَصْحَابه من قَوْله {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} وَكَذَلِكَ فِي قَوْله {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه} وَمَا أعلم عليا أَنه يقتل الناكبين المشارفين وَكَانَ كَذَلِك وَمَا قَالَ لعمَّار تقتلك الفئة الباغية وَمَا وعد من الْفتُوح وسعة الدُّنْيَا على الْمُؤمنِينَ وَغير ذَلِك مِمَّا يكثر ذكره لَو استقصى فِيهِ دَوَاء نجباء أمته ثمَّ عَامَّة ذَلِك مِمَّا كَانَ ظَاهرا عِنْد أعدائه مَعَ مَا كَانَ فِي الْكتب الْمنزلَة بَعثه وعَلى ألسن الرُّسُل جرت الْبشَارَة وَأخذ الْعَهْد عَلَيْهِم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما الْعَقْلِيَّة فَمَا بَين الله من شَأْن الْقُرْآن الَّذِي إِنَّمَا يعرف خُرُوجه عَن احْتِمَال وسع الْخلق من بَالغ فِي فنون الْآدَاب وَعرف جَوَاهِر الْكَلَام وأصنافه ثمَّ مَا فِيهِ من المحاجة فِي تَوْحِيد الرب وأدلة الْبَعْث مِمَّا لم يكن يَوْمئِذٍ على وَجه الأَرْض من يدعى ذَلِك ثمَّ مَا فِيهِ من الأنباء وَمَا يكون أبدا وَمن بَيَان النَّوَازِل الَّتِي تكون مِمَّا فِي اسْتِعْمَال الْعُقُول تطلع عَلَيْهِ

وَذكر أَبُو زيد أَن الحسية من الْآلَات فَمَا جَاءَت من الْآثَار كَافِيَة وَأما الْعَقْلِيَّة فَهِيَ على وُجُوه أَحدهَا أَن أمره لم يكن مستغربا بل كَانَ مستمرا على الْعَادة بِوُجُود مثله فِي الْأُمَم فَلذَلِك يبطل وَجه الرَّد عَلَيْهِ فِي أول وهله قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} وَقَالَ {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} وَالثَّانِي مُوَافقَة مَجِيئه وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ إِذْ كَانَ زمَان فَتْرَة ودروس الْعلم مَعَ جرى عَادَة الله بمعاقبة أَسبَاب الْهِدَايَة عِنْد زَوَال أَهله عَن نهج الْهدى قَالَ الله تَعَالَى {قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم} وَالثَّالِث كَون الْمَبْعُوث فيهم بِموضع الْحَاجة إِلَيْهِ لخلاء جنسه عَن أَسبَاب الْعلم بقوله {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} وَغَيره وَالرَّابِع كَونه فِي أظهر الْأَمَاكِن لِلْخلقِ إِذْ هُوَ معالم أهل الْآفَاق فِي الدُّنْيَا وَقَالَ الله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك} وَالْخَامِس يعْنى الْقَوْم ذَلِك وَإِظْهَار الرَّغْبَة فِي ذَلِك وَإِذا اقترح مقترح على ربه إِزَالَة علته لم يكن تعجب قطع معذرته قَالَ الله تَعَالَى {وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله} قَالَ {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَهُم نَذِير} فَهَذِهِ الْخَمْسَة مِمَّا حاجهم بِهِ فِي أَحْوَالهم ثمَّ مَا حاجهم بِمَا فِي أَحْوَال النَّبِي مِنْهَا أَنه نَشأ فِي قوم لم يكن لَهُم كتب وَلَا دراسة مَعَ مَا لم يُفَارق قومه وَمَا كَانَ لَهُم كتب قد سبق لَهُ الإرتياض فِي دراستها ثمَّ كَانَ فِي ضمن تِلْكَ لَو طَرَأَ عَلَيْهِم طَارِئ لَا يجهل مَكَانَهُ وَذَلِكَ قَوْله {أم لم يعرفوا رسولهم} وَقَوله {تِلْكَ من أنباء الْغَيْب نوحيها} وَقد نَشأ أُمِّيا والأمي لَا يَأْخُذ عَن الْكتب وَلَا يَسْتَطِيع التحفظ من الأفواه غَايَة الْحِفْظ إِنَّمَا يكون ضَبطه بصور معقولة روحانية يرْتَفع بهَا عَن الْوَهم دَلِيله مَا لَا يُوجد عَن

مثله رِوَايَة الْأَشْعَار مَخَافَة الْغَلَط وَغَيرهَا وَلذَلِك اشْتَدَّ تعجبهم من حفظ الْقُرْآن وَقَالَ الله تَعَالَى {سنقرئك فَلَا تنسى} وقا ل {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} وَلذَلِك قَالَ الْمَوْصُوف بِالْحِفْظِ إِنَّه لأشد تعصبا من قُلُوب الرِّجَال من النعم من عقلهَا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} وَأَيْضًا أَنه لم يذكر عَنهُ فِي سالف عمره التشاغل بنظم الْكَلَام وتعاطى ضروبه ثمَّ يمْتَنع عَن مثله أَن يتهيأ لَهُ مَا يعجز عَنهُ المعروفين بإرتياضه دَلِيله أَنه لم يطعن بِشَيْء من ذَلِك بل لما قيل بقوله قَالَ لَهُم {فَأتوا بِسُورَة مثله} سكتوا وَلم يدعوا عَلَيْهِ إِظْهَاره فِيهِ قَالَ الله تَعَالَى {قل لَو شَاءَ الله مَا تلوته عَلَيْكُم} وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى أَمرهم بتأمل أَحْوَاله هَل يَجدونَ مَا يعذرهم فِي ترك الإكتراث إِلَيْهِ فَلم يَجدوا قَالَ الله تَعَالَى {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة} وَأَيْضًا مِمَّا دعاهم إِلَى النّظر فِي أُمُوره أَن هَل يَجدونَ فِيهِ مَا وجدوا فِي المتسمين بصنعه الْكَلَام من التصدي للملوك لنيل الدُّنْيَا بل عرضت عَلَيْهِ المطامع من الثروة والرياسة ليرْجع عَن دينه مِمَّا لَدَيْهِ يعز الْبشر فَلم يجب إِلَى ذَلِك ليعلم بالطبيعة المستمرة على مَا فِيهِ مُخَالفَة الْهوى وكف النَّفس عَن الملاذ إِنَّه على مَا راضه الله وأكرمه لدار كرامته دون الْميل إِلَى شَيْء من حطام الدُّنْيَا وَقَالَ {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين} وَأَيْضًا مَا حاجهم بِالدُّعَاءِ إِلَى النّظر فِي الْأَدْيَان ليعلموا تمسكه بِأَحْسَن مَا فِي الْعُقُول مِمَّا فِيهِ لُزُوم اخْتِيَار مثله فَقَالَ {قَالَ أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم}

وَقَالَ {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء} وَأَيْضًا أَنه تحداهم بِالْعَجزِ عَمَّا أَتَى بِهِ من الْقُرْآن ليَكُون حجَّة لَهُ عِنْد امْتِنَاعه عَن وسع الْبشر مَعَ مَا وجدت الصِّنَاعَة الَّتِي بهَا نباهة ورفعة من الْكَلَام نَوْعَانِ أَحدهمَا صناعَة الشّعْر بالنظم الرائع والتأليف المؤنق وَالثَّانِي صناعَة الكهانة بإفادة الْمعَانِي الْعَرَبيَّة من تقدمه القَوْل على الْأَشْيَاء الكائنة ثمَّ وجد الْقُرْآن بنظمه مستعليا على مَا جَاءَ بِهِ الشُّعَرَاء وبمعانيه على مَا جَاءَ بِهِ الكهنة فَوَجَبَ أَنه لَيْسَ من كَلَام الْبشر وَفِي مثله احتجاج الله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن} وَقَوله {وَمَا هُوَ بقول شَاعِر} وَقَوله {} وَقَوله {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك} وَقَوله {قل فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله} وَأَيْضًا مَا أَشَارَ من التأييد الَّذِي يظْهر دَعوته ويفلح حجَّته بِمَا يبصره على من شاقه وحاده إِذْ الله تَعَالَى بَعثه فِي أَوَان طموس من أَعْلَام الْهدى ودروس من آثَار الدّين إِلَى الْعباد لينقذهم من الردى ثمَّ لما أَقَامَهُ هَذَا الْمقَام الْجَلِيل والخطب الجسيم لم يخله عَن نَصره والتمكين لَهُ ليقوى مِنْهُ عَلَيْهِ بِمَا أكْرمه من الْمقَام بقوله {إِنَّا لننصر رسلنَا} وَقَوله {كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي}

وبمثله سبقت كَلمته لِعِبَادِهِ الْمُرْسلين ثمَّ كَانَ لَهُ أَيْضا من خُصُوص حَال أَن بعث إِلَى النَّاس كَافَّة ووعد لَهُ الْغَلَبَة والنصر ليعلم أَنه لم يرجع قوته إِلَى مَعُونَة بشرية يتَوَصَّل بهَا طلاب دوَل الدُّنْيَا إِلَى بغياتهم من إِرْث ملك فِي حَسبه أَو قنية مَال يسْتَمْتع بهَا كَانَ كَمَا قَالَ الله {ووجدك عائلا فأغنى} وَلَا عشيرة بل كَانُوا أَشد النَّاس عَلَيْهِ وأجهدهم فِي إطفاء نوره حَتَّى قد أَخْرجُوهُ من بَين أظهرهم طريدا وحيدا ثمَّ مَعَ ذَلِك لم يَدْعُو شَيْئا مِمَّا تسرهُ إِلَيْهِ النَّفس إِلَّا أَتَوْهُ فَلم يمل إِلَيْهِم بل صَبر على كل أَذَى وَاحْتمل كل أَمر صَعب فَمَا رضى مِنْهُم إِلَّا بالإجابة لَهُ فِي الْحق قَالَ الله تَعَالَى {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} وَقَالَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} وَقَالَ {وَيَوْم حنين إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم} وَقَالَ {وَمَا أَفَاء الله} وَغير ذَلِك من الْآيَات والأدلة الصادقة أَنه بِاللَّه قَامَ وَبِه انتصر وَأَيْضًا مِمَّا حاجهم بِهِ مَا ظهر من إنجاز الْمَوْعُود فِي كل مَا نطق بِهِ مِمَّا هُوَ علم الْغَيْب الَّذِي لَا يُعلمهُ إِلَّا الله وَمن رام التَّوَصُّل إِلَيْهِ بِبَعْض حيل الإنسانية يضل حق مَا جَاءَ بِهِ فِي باطله وَصدقه من كذبه وَيحصل أمره على تمويه ومخادعة قَالَ الله تَعَالَى {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين} فَأخْبر أَن الكهنة يلقون ذَلِك من إفْك الشَّيَاطِين مِمَّا يختطفون فيحلون على اللمحة من لمح الْحق أكاذيب القَوْل

وأباطيل الدَّعْوَى وَالْأَصْل أَن الكهانة مَحْمُول أَكْثَرهَا على الْكَذِب والمخادعة وَالسحر على الشّبَه والتخييل وَمَا اخْتَار الْأَنْبِيَاء يأخذونها على ألسن الْمَلَائِكَة البررة مِمَّا لَا يُوجد فِيهَا غير الصدْق وَالْحق على التجربة والإمتحان وفعلهم حق ثَابت على مر الْأَيَّام وَالزَّمَان وَلما أَن كَانَ كَذَلِك ثمَّ وجد كتاب الله ناطقا بِإِظْهَار دينه على كل الْأَدْيَان مَعَ مَا أخبر من الْحَوَادِث والأكوان مثل قَوْله {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى} وَقَوله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم} وَقَوله {أم يَقُولُونَ نَحن جَمِيع منتصر} وَقَوله {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} وَقَوله {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ} وَقَوله {لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} وَقَوله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم} وَقَوله {وَإِذ يَعدكُم الله} وَقَوله {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} وَمَا جَاءَ من التَّخْصِيص فِي أَقوام أَنهم لَا يُؤمنُونَ وَأَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم ثمَّ مَاتُوا على الْكفْر وَغير ذَلِك مِمَّا فِي كل من الأنباء الفانية الَّذِي عِنْد التَّدْبِير فِيهَا يعلم أَنه بِاللَّه علمهَا لتَكون آيَات لَهُ فَمن تَأمل مَا عددنا من أَحْوَال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام علم أَنه قد انتظمت جَمِيع الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة الدَّالَّة على نبوته وَصلى الله على خير الْبَريَّة ثمَّ القَوْل فِيمَا بَين المقرين بالرسل جملَة والمنكرين لبَعْضهِم على الْإِشَارَة أَن نسألهم عَن الْمَعْنى الَّذِي لَهُ أقرُّوا بِهِ أَو أقرّ بِهِ سلفهم فَإِن أشاروا إِلَى معنى على

آراء النصارى في المسيح والرد عليها

تَحْقِيق ذَلِك أَنه من الْمعَانِي الَّتِي توجب النُّبُوَّة ألزمناهم فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ ذَلِك الْمَعْنى بِعَيْنِه وَإِن كَانَت الْآيَة مُخْتَلفَة بأنفسها فَإِن الْمَعْنى الَّذِي صَارَت الْآيَة إِنَّه غير مُخْتَلف وَإِن تعلقوا بظواهر الْآيَات لم يَجدوا لأحد مثل الَّذِي لمُحَمد عَلَيْهِ السَّلَام فِي الأعجوبة والرفعة أَو يخرجَانِ على أَمر وَاحِد وَإِن ادعوا موافقتنا إيَّاهُم فَإِن جَوَاب ذَلِك يخرج من وُجُوه أَحدهَا يسْأَل عَن علتهم قبل كوننا وَظُهُور مواقفنا وَالثَّانِي إِنَّا قَررنَا بِمَا ثَبت لنا أَن الَّذِي أخبرنَا بهم رَسُول وَأَنْتُم تُنْكِرُونَهُ سقط دليلكم فَمَا برهانكم وَالثَّالِث أَن يقابلوا بِالْفرقِ الَّذِي لم يقرُّوا وَمَا بِمَا ادعوا وَالرَّابِع أَن يُقَال إِنَّمَا أقررنا نَحن مِمَّن قد أقرّ بنبوة نَبينَا فَإِن كَانَ من يَدعُونَهُ هُوَ فقد ثبتَتْ نبوة نَبينَا وَإِن لم يكن هُوَ فَمَا الدّلَالَة على نبوة مُحَمَّد مِمَّن ادعيتم لَهُ النُّبُوَّة ليسلم لكم مَا أردتم وَبِاللَّهِ المعونة آراء النَّصَارَى فِي الْمَسِيح وَالرَّدّ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى فِي الْمَسِيح فَمنهمْ من جعل لَهُ روحين أَحدهمَا مُحدثا وَهُوَ روح الناسوتيه يشبه أَرْوَاح النَّاس وروح لاهوتي قديمَة جُزْء من الله صَار فِي الْبدن ذَلِك وَقَالُوا لَيْسَ إِلَّا أَب وَابْن وروح الْقُدس وَآخَرُونَ جعلُوا الرّوح الَّذِي فِي الْمَسِيح الله لَا الْجُزْء لَكِن فريقا مِنْهُم يَجْعَل فِي الْبدن على كَون الشَّيْء فِي الشَّيْء وفريقا التَّدْبِير لَا على إحاطة الْبدن بِهِ وَفِيهِمْ من يَقُول ليصل إِلَيْهِ جُزْء من الله تَعَالَى ويصل جُزْء آخر قَالَ ابْن شبيب سَمِعت من مولديهم أَنه كَانَ ابْن التبني لَا ابْن الولاد كَمَا سَمِعت أَزوَاج مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام أُمَّهَات وكما يَقُول الرجل لآخر يَا بني قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فَيُقَال لَهُم إِذْ كَانَت الرّوح الَّتِي فِيهِ قديمَة وَهِي بعض كَيفَ صَار ابْنا وَلم يصل غَيره من الأبعاض فَإِن قيل لِأَنَّهُ أقل

لزمَه جعل كل أبعاض الْعَالم الْبَنِينَ للأكبر مِنْهَا وَيلْزمهُ أَن يَجْعَل كل بعض من الْبَقِيَّة كَذَلِك فَيصير بكليته بَنِينَ ثمَّ الْمَعْرُوف أَن الإبن يكون أَصْغَر من الْأَب كَيفَ صَارا قديمين وَإِن جعل الْكل فِي الْبذر قيل لَهُ أَي شَيْء مِنْهُ الإبن فَإِن قَالَ الْكل صير الْكل ابْنا وَأَبا وَفِي ذَلِك جعل الْأَب ابْنا لنَفسِهِ فَإِن قيل هُوَ جُزْء فِيهِ من غير أَن كَانَ فِي كُلية الأَصْل نفصان نَحْو الْجُزْء الْمَأْخُوذ من السراج عورض بِمَا لَو كَانَ الْجُزْء الْمَأْخُوذ حَادِثا كَمَا حدث فِي الَّذِي يُؤْخَذ من السراج فَيبْطل قَوْله فِي قدم الرّوح وَهُوَ الإبن وَإِن زعم أَنه مَنْقُول من الله كالمأخوذ من السراج حل عَلَيْهِ مَا سلف وَبعد فَمَا يدريه أَن الْمَأْخُوذ من السراج لَا ينْتَقض فَإِن قيل معاينتنا إِيَّاه كَذَلِك قيل لَعَلَّ الله أحدثه أَو يكون كالنار فِي الْحجر فَيخرج وَأيهمَا كَانَ فَهُوَ حَادث والحادث مَخْلُوق فَلم جَازَ أَن يكون إبنا قَالَ من أَن الله أظهر مِنْهُ عجائب قيل وَقد أظهر من مُوسَى فَقولُوا هُوَ ابْن آخر فَإِن زعمتم أَن ذَلِك كَانَ بِدُعَاء وتضرع فَمثله أَمر غَيره مَعَ مَا يحْكى عَن عِيسَى أَنه كَانَ يَقُول لَيْلَة الْأَحَد اللَّهُمَّ إِن كَانَ من مشيئتك أَن تصرف هَذِه الكأس الْمرة عَن أحد فاصرفها عني فَإِن قيل كَانَ عَن عِيسَى الْبكاء والتضرع ليعلم النَّاس قيل مثله من مُوسَى وَبعد فَإِنَّهُ ومُوسَى كَانَا يصليان نَحْو بَيت الْمُقَدّس ويتضرعان ثمَّ الْبكاء والتضرع فعل الطباع لَا يمْتَنع عَنْهُمَا فَمَا معنى التَّعْلِيم ثمَّ إِن اسْتحق هُوَ ذَلِك بِالْعَمَلِ لزم ذَلِك فِي مُوسَى وَغَيره فَإِن قيل اسْتحق ذَلِك بإحياء الْمَوْتَى لَا غير قيل قد أَحْيَا حزقيل إنْسَانا فَإِن عَارض بِالْكَثْرَةِ قيل الْيَهُود يَقُولُونَ مُوسَى كَانَ أَكثر مِنْهُ قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَله أَحْيَا عَصا ميتَة ثعبانا غير مرّة فَهُوَ أعظم

وَإِن احْتج بإطعام الْبشر الْكثير من طَعَام يسير عورض بنبينا إِنَّه أحدث فِي إِنَاء دَقِيقًا لم يكن فِيهِ فَإِن قيل صير المَاء خمرًا قيل اليسع أحدثه بِلَا عدَّة آنِية لامْرَأَة ثمَّ صيره زيتا وَإِن احْتج بِالْمَشْيِ على المَاء فهم يقرونَ بذلك ليوشع بن نون ولإليا وَالْيَسع وَإِن استدلوا بِالرَّفْع إِلَى السَّمَاء فهم يقرونَ بذلك لإليا وَقَالُوا ارْتَفع إِلَى السَّمَاء بمشهد من جمَاعَة وَإِن احْتَجُّوا بإبراء الأكمه والأبرص وَنَحْو ذَلِك فإحياء الْمَيِّت أعظم مِنْهُ وَقد أقرُّوا بِهِ لإليا وَالْيَسع مَعَ مَا عَلَيْهِم فِي إقرارهم أَن الْيَهُود صلبوه وهزؤا بِهِ فَإِن كَانَ الأول يدل على التَّعْظِيم فَهَذَا يدل على التصغير وهلا صنع كصنيع إيليا حَيْثُ أَتَوْهُ أَن أرسل عَلَيْهِم نَارا فأكلتهم أكْرمه الله بِهِ وَإِن رجعُوا إِلَى إِظْهَار الْعَجَائِب فِي تَحْقِيق التَّخْصِيص عورضوا بِمن ذكرت وَبعد فَقولُوا الله فِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض لما أظهر فِي كل شَيْء مِنْهَا عجائب فَيُوجب تَخْصِيص كل شَيْء من الْوَجْه الَّذِي يخصونه فَإِن قَالَ قوى الْمَسِيح على فعله لَا أَن فعل هُوَ بِهِ قيل أَكَانَ يفعل الْأَجْسَام فَإِن قَالَ نعم قيل أهوَ مَخْلُوق فَإذْ قَالَ نعم قيل بدنه وروحه كبدننا وروحنا مَا باله قدر على مَا لَا نقدر عَلَيْهِ وَقدر على ذَلِك بِقُوَّة هِيَ جُزْء من الله أَو قُوَّة محدثة فَإِن قَالَ بِجُزْء هُوَ يفعل أبطل قَوْله فِي فعل الْمَسِيح وَهُوَ إِلَه الْمَسِيح وَيكون هُوَ الله لَا الْمَسِيح وَإِن انْقَطع الْجُزْء عَن الله فَإِذا فعل كثيرا من الْأَجْسَام غير الله وَإِن ادعوا اتِّصَاله بِاللَّه فَيكون الْفِعْل لَهَا وهما لله فَصَارَ إِلَى أَن الله هُوَ الْفَاعِل وَإِن زَعَمُوا أَن فِيهِ قُوَّة يفعل بهَا الْأَجْسَام لَا أَنَّهَا بِفِعْلِهِ جعلُوا إِلَه الْمَسِيح بعضه يصرفهُ كَيفَ شَاءَ وَإِن قَالَ يفعل بِنَفسِهِ لَا بِقُوَّة حَادِثَة عورض بِنَاء على مَا قَررنَا

مسألة

مَسْأَلَة ثمَّ نتكلم فِي دَلِيل حدث الْأَجْسَام فَإِن صيره الْعقل لزمَه فِي عِيسَى ذَلِك فَإِن قَالَ السّمع قيل وَدَلِيل صدق المسموع مَا هُوَ فَإِن قَالَ حُدُوث الْأَشْيَاء يصير حُدُوث الْأَشْيَاء لَا يعلم إِلَّا بِالسَّمْعِ وَصدق لَا يعلم إِلَّا بحدوث الْأَشْيَاء فَانْقَطع سَبِيل معرفَة فِيهَا إِلَّا أَن يقر بِالْعقلِ فَيلْزمهُ ذَلِك فِي الْمَسِيح ثمَّ عَارض من يَقُول لَيْسَ من الْإِكْرَام أعظم من قَوْله يَا نَبِي قيل بلَى يَا أبي أكبر فِي التَّعْظِيم وَلَو قَالَ يُوجب التَّقَدُّم أبطل اعْتِبَاره بالتعظيم لِأَنَّهُ من ذَلِك الْوَجْه لَا يُرَاد بذلك ثمَّ إِذْ ثَبت ذَا لَعَلَّ غَيره مِمَّن قد سَمَّاهُ بِهِ فَإِن قيل فِي ذَلِك تَسْوِيَة بِنَفسِهِ قيل قد يَقُول الرجل لآخر يَا أخي وَلَا يُرِيد وَبعد فَإِن فِي خلقه الْكِرَام وَلَعَلَّ غَيره سمى بِهِ فيشركه فِيهِ الحواريون والأنبياء وعورض بالجليل من الْأُمُور أَنه يجوز القَوْل بِهِ على الْإِكْرَام قيل أما النُّبُوَّة فَلَا تجوز إِلَّا فِي مُتَّفق الْجِنْس لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يَقُول للحمار وَالْكَلب فَلذَلِك لم يجز فِي الأول وَفِي الْجُمْلَة جِهَة الْمحبَّة وَالْولَايَة وَيكون فِي غير الْجِنْس كَمَا يجب الْحق فِي جِهَة الْولَايَة والمحبة وَالْمَلَائِكَة وَنَحْو ذَلِك مَعَ مَا يجوز أَن يكون لله أخلاء وأحباب من الْخلق وَلَا يجوز مثله فِي الْبَنِينَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل فِي هَذَا عندنَا أَن الإختلاف رَجَعَ إِلَى وَجْهَيْن أَحدهمَا الربوبية وَالله تَعَالَى جلّ ثَنَاؤُهُ قد بَين إِحَالَة ذَلِك بِأَكْلِهِ وشربه دفع الْحَاجَات إِلَى مَكَان الأقدار وَوَصفه بالصغر والكهولة وعبادته لله تَعَالَى وتضرعه لَهُ وخضوعه ودعائه الْخلق إِلَى عبَادَة الله وتوحيده وبشارته بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإيمانه بالرسل ثمَّ جعل جلّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ جَمِيع آيَات الْحَدث وإمارات العبودة مَا جعل فِي جَمِيع الْعَالم وَكَذَلِكَ هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدع لنَفسِهِ سوى

العبودة والرسالة فَالْقَوْل لَهُ بالإلهية قَول لَا معنى لَهُ مَعَ مَا لَو جَازَ ذَلِك لجَاز لكل من الْبشر وَالْعجب أَنهم لم يَكُونُوا فِي حَيَاته ومقامه فِي الأَرْض يرضون لَهُ رُتْبَة الرسَالَة مَعَ مَا لَهُ من الْبَرَاهِين ثمَّ بعد رَفعه أَو مَوته عِنْد عامتهم لم يرْضوا لَهُ بالعبودة والرسالة حَتَّى جعلُوا لَهُ رُتْبَة الربوبية ليشهد عَلَيْهِم بالخلقة والجوهر وَالْبَيَان وكل شَيْء مِنْهُ بِالْكَذِبِ فِي الإبتداء والإنتهاء وَالثَّانِي أَن يكون ابْنه وَذَلِكَ يخرج على وُجُوه أَحدهَا الولاد وَذَلِكَ محَال فَاسد لغنى الرب عَن أَن تمسه الْحَاجة أَو تغلبه الشَّهْوَة أَو تعتريه الوحشة وَهن أَسبَاب طلب الولاد على إِحَالَة كَون الولاد من غير جَوْهَر الْوَالِد وَالله تَعَالَى بِذَاتِهِ خَارج عَن شبه الْخلق أَو عَن الْمَعْنى الَّذِي يحْتَمل ذَلِك الْوَجْه وعَلى مَا بَين الله أَنه لَو اتخذ لهوا لما احْتمل أَن يتَّخذ مِمَّا عندنَا وَبعد فَإِن كل ذِي ولد يحْتَمل الشّرك وَزَوَال ملكه إِلَيْهِ وَمن هُوَ بِذَاتِهِ رب ملك قَادر لَا يحْتَمل ذَلِك وَمن يَقُول لَا معنى لَهُ أَن يكون جُزْء من الشَّيْء وَلَده وَيجب أَن يكون غير كَامِل حَتَّى يُوجد وجهة الْآيَات لَا يُوجب ذَلِك لِأَن طَرِيق معرفَة الْبُنُوَّة فِي الشَّاهِد لَيْسَ الْآيَات مَعَ مَا قد شُورِكَ فِيهَا وَبعد هُوَ يدعى الصدْق فِي الخلوص لَهُ بالعبودة فالآيات توجب ذَلِك لَا غير أَو من جِهَة الْفضل ينْسب إِلَى ذَلِك وَالْأَمر الْمَعْرُوف فِي الشَّاهِد أَن ذَلِك لَيْسَ من أَسمَاء التَّعْظِيم بل تَسْمِيَته الْمَسِيح وَالرَّسُول أجل وَأعظم فِي ذَلِك وَبعد فقد أَعْطَيْت لكثير من الْخلق من الله تَعَالَى كرامات خصوا بهَا لم يُوجب شَيْء مِنْهَا إسم الْبُنُوَّة على أَن الْبُنُوَّة فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ من الصغار والضعاف لَا من أَصْحَاب الْقُوَّة والرفعة وَهَكَذَا شَأْن أثر الْبَنِينَ فَيكون بهَا إكرامه وتعظيمه بصغره إِذْ قد يكون ذَلِك من العظماء فِي الصغار وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَو أَن يكون الله من حَيْثُ مفزعه وملجأه فِي كل أَمر ونائبه فَمن ذَا الْوَجْه

مسألة أفعال الله

كل الْخلق كَذَلِك وَذَلِكَ كتسمية الهاوية أم أَهلهَا وَالْأَرْض أم أَهلهَا فَمن ذَا الْوَجْه يكون من حَيْثُ المفزع لِلْخلقِ والمعمود إِلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يتَكَلَّم بِمثلِهِ إِلَّا بِإِذن وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة أَفعَال الله زعم قوم من أهل التَّوْحِيد أَن أَكثر منتحليه خرج مِنْهُ من وَجْهَيْن إِمَّا جهلا بواجبه وَإِمَّا عَجزا عَن تَلْخِيص القَوْل فِيهِ من مَذْهَب الثنوية وَسَائِر الْمُلْحِدِينَ فَزعم قوم أَنه إِذْ كَانَ كل مِمَّا يعقل لغير نفع فعله يَقع فَلَيْسَ بِحَكِيم وَمن فعل فعلا لغير عِلّة فَهُوَ عابث فظنوا أَن لَا يجوز لله أَن يبتدأ فعل ضَرَر بِأحد وَأَن ذَلِك يزِيل الْحِكْمَة عَنهُ فألزموه فِي كل فعل يَفْعَله الْأَصْلَح لغيره فِي الدّين وَالْأَحْسَن لغيره فِي الْعَاقِبَة إِذْ هُوَ متعال عَن قَول يَنْفَعهُ أَو عَن أَن يضرّهُ شَيْء فَلم يرَوا لَهُ الْفِعْل إِلَّا بِمَا ينفع غَيره أَو يدْفع بِهِ الضَّرَر عَن غَيره فَيكون ذَلِك أَيْضا عِلّة فعله على مَا كَانَ عِلّة فعل كل حَكِيم منا مَا تَأمل من نفع عَاجل أَو آجل أَو دفع ضَرَر لزم بِهِ فيجر بذلك حسن الثَّنَاء مَعَ جزيل الثَّوَاب وضربوا لتقدير فعله بِفعل غَيره مثلا بِمَا لَا يجوز أَن يكون مِنْهُ الْكَذِب أَو الْجور أَو يكون مِنْهُ الْحَرَكَة من غير زَوَال أَو السّكُون من غير قَرَار فَثَبت أَن تَقْدِير فعله على فعل الْحُكَمَاء فِي الشَّاهِد لَازم إِلَّا أَنهم دفعُوا عَنهُ الإرتفاع بِالْفِعْلِ والإنحطاط بترك فعل مَا فأوجبوا بذلك أَنه بِفِعْلِهِ لَا يجر إِلَى نَفسه النَّفْع وَلَا يدْفع عَنْهَا الضَّرَر فَيجب أَن يكون فعله لحكمة

بِمَا ينفع غَيره أَو يدْفع عَن غَيره الضَّرَر وَجعلُوا ذَلِك عِلّة فعله ليخرج عِنْدهم فعله عَن معنى الْعَبَث وَبِهَذَا الْوَجْه خالفوا الثنوية إِذْ هم أَبَوا الْفِعْل بِغَيْر نفع للْفَاعِل فِيهِ أَن يكون من الْحِكْمَة فأثبتوا الْفِعْل بجوهر الْحِكْمَة عِنْد المزاج ليَكُون فِي خلاصه من جنس جَوْهَر السَّفه فَيصير فعله حِكْمَة على التَّقْدِير بِالشَّاهِدِ مَعَ مَا كَون شَيْء لَا من شَيْء مُمْتَنعا فِي الشَّاهِد فأوجبوا لكلية الْعَالم أصلا مِنْهُ جعل وأنشئ لِأَنَّهُ لَا فصل بَين خُرُوج الْفِعْل عَن حق الْوُجُود فِي الشَّاهِد فَيلْزم دَفعه أَن يكون ذَلِك من حَكِيم فخالفهم أهل التَّوْحِيد فِي هذَيْن ثمَّ ألزم فريق مِنْهُم إِيَّاه مَا فِي الْعقل عِلّة لم يكن لَهُ الْعقل دونهَا لما وجدوا فعل مثله فِي الشَّاهِد عَبَثا وألزموا فِي فعل المضار لَو كَانَ لغير نفع يعقب سفها على مَا ذكرت الثنوية فِي فعل لَا ينْتَفع بِهِ الْفَاعِل ثمَّ تفَرقُوا فَزعم قوم أَنه لَا ضَرَر فِي الْحَقِيقَة على الْمَفْعُول بِهِ وَإِن سمع مِنْهُ التضرع والشكوى وَزعم قوم أَن عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة ضَرَرا لَكِن عَلَيْهِ أَن يعوضه عَن ذَلِك ليصير الْفِعْل بِهِ حِكْمَة كالموجود فِي الشَّاهِد مِمَّن يحمل الْمُؤَن الْعِظَام وَشرب الْأَدْوِيَة الكريهة مَعَ الْقَصْد وَقصد الْخراج لتقع العواقب وَلَيْسَ لَهُ فعل الضار بِغَيْر إِلَّا بعوض قَالَ الشَّيْخ من عرف الله حق الْمعرفَة وَعلم غناهُ وسلطانه ثمَّ قدرته وَملكه فِي أَنه لَهُ الْخلق وَالْأَمر عرف أَن فعله لَا يجوز أَن يخرج عَن الْحِكْمَة إِذْ هُوَ حَكِيم بِذَاتِهِ غنى عليم وَالَّذِي بِهِ الْخُرُوج عَن الْحِكْمَة فِي الشَّاهِد وَيبْعَث صَاحبه عَلَيْهِ جَهله أَو حَاجته وهما منفيان عَن الله فَثَبت أَن فعله غير خَارج عَن الْحِكْمَة وعَلى مَا ذكرت يبطل أَن يكون فعله فِي الْحَرَكَة أَو السّكُون إِذْ هما حاجتان يحلان فِي صَاحبهمَا فيبلغه أَحدهمَا إِلَى تَأمل نَفسه من الرَّاحَة والسلوى

وَالْآخر إِلَى مَا يبلغهُ الهمة وَالرَّغْبَة إِذْ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى مَقْصُوده إِلَّا بالتحرك والزوال وَلَا إِلَى دفع الإعياء والتعب إِلَّا بالقرار والسكون فَأَما الله سُبْحَانَهُ إِذْ ثَبت غناهُ وَقدرته بَطل أَن يَعْتَرِيه حَاجَة أَو يَعْتَرِيه همة وعَلى ذَلِك لما ثبتَتْ قدرته وسلطانه وَعلمه بَطل وَصفه بِأَن لَا يقدر على فعل شَيْء ابْتِدَاء لَا عَن شَيْء إِذْ ذَلِك علم الْحَاجة وَآيَة الضعْف وحاجة جَمِيع مَا يحس ويبلغه علم الْبشر هِيَ الدّلَالَة على تَقْدِير الْعَالم وعالم بِهِ قدير غنى لم يجز إِزَالَة ذَلِك بِالَّذِي عرف غناهُ وَقدرته وحكمته وَعلمه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلذَلِك لزم القَوْل بضرورة الْعقل لجَوَاز كَون الْعَالم لَا عَن شَيْء وَخُرُوج فعله على الْحِكْمَة وَإِن عجزت عقول حكماء الْعَالم عَن إِدْرَاكهَا لخُرُوج وَجه الْحِكْمَة عَن نِهَايَة قُوَّة عُقُولهمْ على مَا بَينا من كَون شَيْء لَا عَن شَيْء وَمن جَوَاز فعل مِمَّن لَا ينْتَفع بِهِ وَبِذَلِك تظهر حَقِيقَة الْأَمر لَهُ وَأَن لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَلكُل ذِي ملك أَن يفعل فِي ملكه على قدر مَا ملك مِنْهُ مَا شَاءَ ولاقوة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل أَن الْجور والسفه قبيحان وَأَن الْعدْل وَالْحكمَة حسنان فِي الْجُمْلَة لَكِن شَيْئا وَاحِدًا قد يكون حِكْمَة فِي حَال سفها فِي حَال جورا فِي حَال عدلا فِي حَال نَحْو مَا ذكرت من شرب الْأَدْوِيَة ثمَّ أكل الْأَشْيَاء وشربها ثمَّ إِتْلَاف الْأَشْيَاء وإبقاؤها من أَنْوَاع الْجَوَاهِر مَا للحاجات أَو للمجازات أَو لحقوق أَو لنَحْو ذَلِك وَإِذ ثَبت حسن الْحِكْمَة فِي الْجُمْلَة وَالْعدْل وقبح السَّفه والجور وَلزِمَ وصف الله تَعَالَى فِي كل فعل خلقه فِي أقل مَا يُوصف أَنه حِكْمَة وَعدل أَو فضل وإحسان من حَيْثُ ثَبت أَنه جواد كريم غنى عليم وَبَطل أَن يلْحقهُ وصف الْجور والسفه لما كَانَ سببهما الْجَهْل وَالْحَاجة قد ثَبت انقسام الشَّيْء الْوَاحِد على الْجور وَالْعدْل وعَلى الْحِكْمَة والسفه سببهما الْجَهْل وَجَائِز خفى وَجه ذَلِك على النَّاظر المتأمل أَو هُوَ بالحس يُرِيد الإطلاع على الْعلم بِهِ وَقد ثَبت احْتِمَال الْوَجْهَيْنِ لايقع على وَاحِد مِنْهُمَا الْحس وَعلم المتأمل ذَلِك

بَطل قَضَاؤُهُ فِي شَرِيعَته على الْإِشَارَة إِلَيْهِ بالحكمة والسفه وَالْعدْل والجور فَلَزِمَ بِهَذَا جهل كل الْبشر لمعْرِفَة حَقِيقَة الْأَمريْنِ فِي الشَّيْء بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ أَن يعرف جَمِيع الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا تَتَغَيَّر أَحْوَال المحسوسات على الْحَواس وَإِذا ثَبت ذَا بَطل قَول الثنوية بالإثنين فجهلهم بِوُجُوه الْحِكْمَة فِي خلق الضار والنافع إِذْ قد يجوز أَن يصير كل ضار فِي حَال نَافِعًا فِي أُخْرَى وَبَطل من يَقُول من الْمُعْتَزلَة أَن كل فعل لَا ينفع آخر فَهُوَ غير حِكْمَة مَعَ مَا لَا يُوجد ضَرَر الْبَتَّةَ إِلَّا وَأمكن أَن ينْتَفع بِهِ أحد إِمَّا من طَرِيق الدّلَالَة أَو من طَرِيق الموعظة أَو مَا فِيهِ من تذكير النِّعْمَة وتحذير النقمَة وَمن تَعْرِيف من لَهُ الْخلق وَالْأَمر فِي الْخلق وَغير ذَلِك مِمَّا يكثر ذكره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل الَّذِي يَجْعَل الْفِعْل فِي الشَّاهِد سفها أحد أَمريْن إِمَّا تعدى الْملك لَا بِإِذن من لَهُ الْملك لذَلِك الْفِعْل أَو لما فِيهِ ركُوب نهى وَمُخَالفَة الْأَمر مِمَّن لَهُ الْأَمر والنهى وكل ذَلِك عَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ منفى ثَبت أَنه يتعالى عَن احْتِمَال لُحُوق هَذَا الْوَصْف فعله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَيْسَ ذَلِك كالكذب لِأَنَّهُ لَا يصلح بِحَال كالفعل الَّذِي يَنْقَسِم على الْحِكْمَة والسفه وَالْعدْل والجور وَهَذَا من حَيْثُ الْجُمْلَة لَا انقلاب لَهُ وَمن حَيْثُ الْوُقُوع فِي شَيْء على الْإِشَارَة إِلَيْهِ مُمكن فِيهِ الْأَمْرَانِ باخْتلَاف الْأَحْوَال والأسباب لذَلِك لزم وصف الله تَعَالَى فِي الْجُمْلَة بالتعالي عَن فعل السَّفه والجور وَفِي الْإِشَارَة أَيْضا لَكِن لَا يجوز أَن يُوصف فَمَا ظهر فعله بالسفه والجور بِمَا لَا يبلغهُ علم الْبشر وَلَا يُدْرِكهُ عقل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ جملَة مَا يعلم بِهِ فَسَاد الْوَصْف بالجور والسفه وَالْكذب وَجْهَان أَحدهمَا قبح ذَلِك فِي الْعُقُول بالبديهة والفكر جَمِيعًا حَتَّى لَا يزْدَاد عِنْد التَّأَمُّل والبحث عَنهُ إِلَّا قبحا لَا عِنْد طول النّظر فِيهِ إِلَّا فحشا وَلَيْسَ ذَلِك كالقبيح بالطبع إِن ذَلِك يصير حسنا بالإعتياد وَطول الصِّحَّة كالذبح وأنواع ذَلِك وَكَذَلِكَ نجد

جَوَاهِر الدَّوَابّ وَالسِّبَاع والطيور مستوحشة عَن النَّاس بالطباع نافرة عَمَّا يُرَاد بهَا من أَنْوَاع المكاسب والأعمال ثمَّ تخرج عَنْهَا بالرياضة والتعليم حَتَّى يألف بِالَّذِي كَانَ تنفر عَنهُ وَيصير ذَلِك لَهُ كَأَنَّهُ الطباع المجبول وَلَا يكون الَّذِي قبح بِالْعقلِ بِهَذَا الْوَصْف أبدا بل يزْدَاد على طول النّظر فِي شَأْنه ثمَّ على ذَلِك من احْتمل فعله ذَلِك لَا يوثق لوعده وَلَا يخَاف وعيده وَلَا يرغب فِي خَبره وَلَا يُؤمن شَره وَمن ذَا شَأْنه وَعَمله فمحال احْتِمَال إِضَافَة مثله إِلَى الْعَلِيم الْحَكِيم بِذَاتِهِ الْغنى بِنَفسِهِ مَعَ الْوَصْف بِأَن لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يصعب عَلَيْهِ أمره فِيمَا أَرَادَ بل على قَول الْمُعْتَزلَة لَا يُؤمن مِنْهُ هَذَا إِذْ قد تخرج أَكثر الْأَشْيَاء عَن إِرَادَته وَيُوجد مَا لَا يُريدهُ فِي سُلْطَانه مِنْهُ بِلَا سُلْطَان لَهُ فِي الْإِخْرَاج عَنهُ إِذْ لم يردهُ وَيُرِيد زِيَادَة سُلْطَان ويتولى ذَلِك أَن يكون فَيمْنَع عَن ذَلِك نَحْو مَا يُرِيد أَن يكون جَمِيع خلقه مُطِيعِينَ وَيكون لَهُ فِي سُلْطَانه وَملكه الطَّاعَة لَا الْمعاصِي فَلَا يكون ثمَّ قد كَانَ وعد لقوم مدَدا لأعمارهم وَهُوَ المبقى لَهُم إِلَيْهَا وَكَانَ فِي وعده أَن يرزقهم إِلَى تِلْكَ المدد أَنْوَاع الرزق ويسوق إِلَيْهِم أَنْوَاع الْخيرَات فيأتى خلق من خلائقه فيقتلوهم قبل مضى الْمدَّة فيمنعه عَن إنجاز مَا وعدوا الوفا بِالْفِعْلِ الَّذِي أخْبرهُم أَن يَفْعَله من إبْقَاء حياتهم إِلَى تِلْكَ الْمدَّة وَفِي ذَلِك إِيجَاب الْحَاجة ولحوق الْكَذِب اللَّذين يحققان السَّفه والجور مَعَ تحقيقهم لَهُ الْقُدْرَة على الظُّلم والجور والسفه وَالْكذب وكل فعل لَو كَانَ لأسقط الربوبية وأزال الإلهية فأدخلو إلهيته وربوبيته تَحت الْقُدْرَة وَالتَّدْبِير فَمَتَى يكون مَعَ مثله أَمن الْبَقَاء وَمَعَ حَاله سُكُون الْقلب بِالْوَفَاءِ بِالَّذِي وعد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا كَانَ مَوْصُوفا بالجود وَالْكَرم وَالْعَفو وَالْإِحْسَان وَفِي الْفِعْل بِالْوَصْفِ الَّذِي ذكرنَا زَوَاله جلّ عَن ذَلِك وَتَعَالَى وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الَّذِي يَدْعُو إِلَى تِلْكَ الْأَفْعَال وَيبْعَث عَلَيْهَا الْحَاجة وَالْجهل

وَقد ثَبت تعاليه عَن الْأَمريْنِ إِذْ هما يسقطان الربوبية ويزيلان التَّدْبِير وَفِي وجود الْعَالم على مَا عَلَيْهِ من دلَالَة غنى صَاحبه وَعلمه بِإِعْطَاء كل شَيْء حَقه دَلِيل إِحَالَة هَذَا الْوَصْف لذَلِك بَطل أَن يُوصف فِي شَيْء من فعله بذلك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِذْ كَانَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ مَوْصُوفا بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة والجبروت والحياة لذاته لإحالة إحتمال الأغيار وَإِن لم يُوجد فِي الْحُكَمَاء كَذَلِك لم يجب تَقْدِيره فِي أَفعاله على أَفعَال الْحُكَمَاء فِي الشَّاهِد وَجُمْلَة هَذَا الأَصْل أَنه لَا حَكِيم فِي الشَّاهِد إِلَّا وَهُوَ مُحْتَمل للسفه وَكَذَلِكَ الْغنى والقدير يحْتَمل لأضداد تِلْكَ الصِّفَات وَكَانَ بهَا مَوْصُوفا حَتَّى أكْرم بأضدادها فَإِنَّهُ لَهُ مِنْهَا قدر مَا أعْطى مِنْهَا فَهُوَ مَتى رأى السَّفه فِي شَيْء بَين أَن يكون قد أعْطى علم حَقِيقَة الْحِكْمَة فِي ذَلِك أَو لَا أَو بلغ علمه مَا يدْرك حكمته أَو لَا أَو مِمَّا كَانَ من صفته الْقَدِيمَة بَاقِيَة فِيهِ يمْنَع ذَلِك إِيَّاه عَن الْإِحَاطَة بذلك فَلذَلِك تبطل وَجه دَعْوَى العَبْد فِي فعل الله أَن ذَا لَيْسَ بحكمة وَلَا كَذَا وَالَّذِي يُوضح ذَلِك علمه بجهله بِأَكْثَرَ الْأَشْيَاء وَعلمه بحاجته وعجزه فِي أَكثر الْأُمُور وإحاطته بسفهه فِي أغلب الْأَمر وَمن هَذَا وَصفه فِي نَفسه فخوضه فِيمَا لله أَن يفعل عَبث وَجَهل على الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَيْسَ دون لُزُوم الْجُمْلَة اشْترك فِيهَا الْعُقَلَاء إِذْ ذَلِك حَقِيقَة عمل الْعقل فِي الْجُمْلَة وَقد أعْطى كل ذَلِك عَبث لَا معنى لَهُ وللذي بَينا قَالَ الله تَعَالَى {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} إِذْ فعل كل أحد يحْتَمل السَّفه وَالْحكمَة وَفعله يجل عَن السَّفه وعَلى كل أحد أَمر وَنهى إِذْ هُوَ لغيره فِي

مسألة في أفعال الخلق وإثباتها

الْحَقِيقَة وَالله يتعالى عَن ذَلِك وَلِأَن كلا إِنَّمَا ملك قدرا من الْأَشْيَاء وجدا وَالله الْمَالِك لَهَا بكليتها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يحِيل معنى سُؤال الرب وَإِذا اسْتَحَالَ ذَلِك فَالْجَوَاب عَنهُ تكلّف لَكِن الله بمنه وفضله وعد الْهِدَايَة لسبيله لمن جَاهد فِيهِ فألزم ذَلِك الخضوع لَهُ والتضرع إِلَيْهِ ليطلعه على مَكْنُون حكمته على قدر مَا يتفضل بِهِ عَلَيْهِ بكرمه فَإِنَّهُ على كل شَيْء قدير مَسْأَلَة فِي أَفعَال الْخلق وإثباتها الْحَمد لله المتوحد بالقدم والإلهية المتفرد بالدوام والربوبية ذِي الْبُرْهَان الْمُنِير وَالْملك الْكَبِير الَّذِي فطر الْخلق بقدرته وصرفهم بِحِكْمَتِهِ على سَابق علمه ومشيئته وتقلب كل فِي مواهبه وإحسانه أنشأ الْأَشْيَاء كَيفَ شَاءَ {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} لما يتَمَكَّن مِنْهُم السَّفه وَالْحكمَة ليزجروا بالسؤال ثمَّ بالجزاء عَن السَّفه وَيرغبُوا فِي الْحِكْمَة ونسأله أَن يكرمنا بالتوفيق ويجدد عزمنا التسديد وينور قُلُوبنَا بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّهُ حميد مجيد أما بعد فَإِن الله تَعَالَى لما خلق الْبشر للمحنة بِمَا جعلهم أهل تَمْيِيز وَعلم بالمحمود من الْأُمُور والمذموم وَجعل مَا يذم مِنْهَا قبيحا فِي عُقُولهمْ وَمَا يحمد حسنا وَعظم فِي أذهانهم إِيثَار الْقَبِيح على الْحسن وَالرَّغْبَة فِيمَا يذم على مَا يحمد دعاهم على مَا عَلَيْهِ ركبُوا وَمَا بِهِ أكْرمُوا إِلَى إِيثَار أَمر على أَمر وقبح فِي عُقُولهمْ إحتمال أمثالهم جعل الله جَمِيع مَا لَهُم فِيهِ متقلب بَين ضَرَر يتقى ونفع يرغب فِيهِ ليَكُون ذَلِك لَهُم علما للموعود مِمَّا بِهِ التَّرْغِيب والترهيب وأنشأهم على طبائع تنفر عَن أَشْيَاء وتميل إِلَى أَشْيَاء وأراهم فِي عُقُولهمْ حسن بعض مِمَّا تنفر عَنهُ الطباع بِحَمْد العواقب وقبح بعض مَا تميل إِلَيْهِ بذم العواقب فصيرهم بِحَيْثُ يحْتَملُونَ الْمَكْرُوه على الطباع بلذيذ الْعَاقِبَة ويقهرونه عَمَّا يَدعُوهُم

إِلَيْهِ بشهى النِّهَايَة ثمَّ امتحنهم إِذْ أَبَت عُقُولهمْ احْتِمَال أمثالهم ورغبت فِي محَاسِن الْأَعْمَال وَمَكَارِم الْأَخْلَاق بِاخْتِيَار مَا حسن من الْأَعْمَال وَاجْتنَاب مَا قبح من ذَلِك ثمَّ جعل مَا فِيهِ محنتهم أَمريْن العسير واليسير والسهل والصعب إِذْ هم بِلَا محنة يتعاطون الْأَمريْنِ جَمِيعًا لما إِلَيْهِ مرجع مَا أقدموا عَلَيْهِ وامتنعوا وعَلى ذَلِك جعل الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا التَّوَصُّل لَهُم إِلَى الأَصْل الَّذِي بِهِ يرتقى إِلَى كل دَرَجَة وينال كل فَضِيلَة وَهُوَ الْعلم على وَجْهَيْن على الظَّاهِر الْبَين والخفى المستور ليتفاضل بذلك أولُوا الْعقل على قدر تفاضلهم فِي الإجتهاد وإحتمال مَا كرهته الطباع ونفرت عَنهُ النَّفس وعَلى ذَلِك جعل سَبيله قسمَيْنِ أَحدهمَا العيان الَّذِي هُوَ أخص الْأَسْبَاب وهوالذي لَيْسَ مَعَه جهل ليَكُون أصلا لما خفى مِنْهُ وَالثَّانِي السّمع الَّذِي عَن دلَالَة الْأَعْيَان يعرف صدقه وَكذبه ثمَّ جعل السّمع قسمَيْنِ مُحكم ومتشابه ومفسر ومبهم ليبين مُنْتَهى المعارف من الْكَفّ فِيمَا يجب ذَلِك والإقدام فِيمَا يلْزمه وَمن حمل الْمُبْهم على الْمُفَسّر لزم الْمُحكم وَعرض الْمُتَشَابه عَلَيْهِ مَا أمكن أَن يكون مَا فِيهِ مِمَّا يلْزم تعرفه وَمِمَّا إِلَيْهِ حَاجَة بِأَهْل المحنة أَو ترك الْخَوْض فِي ذَلِك فِيمَا أمكن الْغِنَا عَن تعرف حَقِيقَة مَا فِيهِ فَيكون محنة الْوُقُوف إِذْ الله تَعَالَى يمْتَحن بِوَجْهَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ مرّة وبالطلب ثَانِيًا وَإِنَّمَا على العَبْد الطَّاعَة فِي قدر الْأَمر وَلما جمع جلّ ثَنَاؤُهُ كِتَابه على الْأَمريْنِ يعرف النَّاس الدّين أقرُّوا بِالْكتاب أَنه حق من عِنْد الله لَا يسع الْعُدُول عَنهُ وَأَن من لزمَه أَفْلح وَنَجَا وَمن مَال عَنهُ شقى وخسر حَتَّى ظن كل فريق أَنه قد أصَاب الْمُحكم من ذَلِك وَلَزِمَه وَأَن عَلَيْهِ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ خصومه أَن يقف فِي ذَلِك أَو يجمله على مَا تقرر عِنْده فِيمَا اعتقده فألزم تفرقهم الْحَاجة كلا يعرف الْمُحكم من الْمُتَشَابه لُزُوم الْعلم بالمتشابه أَن لَا يتناقض الْمُحكم مِنْهُ ثمَّ مَعْلُوم أَنه لَا يحْتَمل الْقُرْآن الإختلاف وَبِه وصف الله أَنه {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا}

وَفِي الْعقل إِن تنَاقض أَدِلَّة من لَهُ الْأَدِلَّة وَهُوَ دَلِيل سفهه وجهله فَثَبت بذلك ان الَّذِي لَهُ تفَرقُوا لَيْسَ من حَيْثُ الْقُرْآن وَلَا لما لَيْسَ فِيهِ بَيَان بل دلّ تَكْلِيف الرَّد إِلَى الْقُرْآن وَلُزُوم اتِّبَاعه على أَن فِيهِ بَيَان ذَلِك وَإِنَّمَا خفى الْمُحكم على من لم يبلغهُ لمعان إِمَّا ميل طبيعة الْجَوْهَر إِلَى مَا يتلذذ بِهِ أَو لإلف بعض مَا اعتاده أَو لتقليد من وثق بِهِ أَو لتقصير فِي الطّلب أَو لثقة مِنْهُ بعقله أحب أَن يسوى عَلَيْهِ حِكْمَة الربوبية دون أَن اتبع عقله مَا ألْقى فِي سَمعه فَصَارَ بِهِ الْمُحكم عِنْده متشابها أَو لتقصير فِي الْبَحْث إِذْ الْوُجُوه الَّتِي هِيَ وُجُوه الشُّبْهَة على الَّذين عدلوا عَن التَّوْحِيد على شَهَادَة كُلية الْأَشْيَاء لَهُ بذلك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وأصل ذَلِك أَن الله تَعَالَى خلق الْبشر على طبائع تميل إِلَى الملاذ الْحَاضِرَة وَتَدعُوا صَاحبهَا إِلَيْهِ وتزينها فِي عينه بِمَا ركب فِيهِ من الشَّهَوَات إِلَى مَا إِلَيْهِ مثل طبعه وَهِي تنفر عَمَّا فِيهِ ألمه وتعبه فَيصير طبعه أحد أَعدَاء عقله فِي التحسين والتقبيح وَإِن كَانَ مَا حسنه الْعقل وقبحه لَيْسَ لَهُ زَوَال وَلَا تغير من حَال إِلَى حَال وَمَا حسنته الطبيعة وقبحته هُوَ فِي حد الإنقلاب والتغير من حَال إِلَى حَال بالرياضة وَالْقِيَام على ذَلِك بالكف عَمَّا أَلفه وَالصرْف إِلَى مَا ينفر عَنهُ يحسن الْقيام عَلَيْهِ على مَا يحْتَمل الطَّبْع قبُوله نَحْو الْمَعْرُوف من أَمر الطُّيُور والبهائم إِنَّهَا بطبعها تنفر عَمَّا أُرِيد بهَا من أَنْوَاع مَنَافِع الْبشر ثمَّ يحسن قيام أهل الْبَصَر بذلك لصير مِمَّا طبع عَلَيْهِ بالميل إِلَيْهِ كالمستوحش وَمِمَّا طبع على النفار عَنهُ كالمطبوع عَلَيْهِ وعَلى ذَلِك أَمر نفار الطَّبْع عَن الْقَتْل وَالذّبْح فِي الْبشر ثمَّ سهولة ذَلِك عَلَيْهِ فِي الْحَيَوَان وَمَا يدْرك حسنه بِالْعقلِ وقبحه فَلَا يزَال يزْدَاد على مَا فِيهِ إِدْرَاكه

ببديهة الْأَحْوَال وَلذَلِك جعل الله الْعُقُول حجَّة لَا ميل الطباع إِذْ أجْرى قلمه على أَهلهَا وَإِن شاركوا فِي الطباع غَيرهم مِمَّن لَيست لَهُم عقول سليمَة وألزم أَهلهَا اتِّبَاع مَا أَرَاهُم الْعقل حسنه وَإِن كَانَ فِي الطَّبْع النفار وَاجْتنَاب مَا فِي الْعقل قبحه وَإِن كَانَ فِي طبيعة الْجَوْهَر قبُوله إِذْ الْعقل يرى صَاحبه على حَقِيقَة مَا عَلَيْهِ الشَّيْء والطبع أعنى طبع الْجَوْهَر لَا يُوضح ذَلِك أَن طبع الْجَوْهَر لَا تبصر بِهِ وَلَا يمثل غير الْحَاضِر وَالْعقل يدْرك بِهِ مَا حضر وَغَابَ وَبِه يحضر على الطَّبْع مَا غَابَ حَتَّى يصير لَهُ كالشاهد مِمَّا يكرههُ ويتلذذ بِهِ وَعِنْده تسهل المحنة وتخف مُؤَن الَّذِي يكرههُ الطَّبْع وعَلى ذَلِك تَقْدِير الْكَلَام والعبارات إِنَّهَا وَإِن كَانَت تخْتَلف فِي الْحسن والقبح على الأسماع فَإِنَّهَا لَا تغير فِي الْحُقُوق إِذْ هِيَ تَتَغَيَّر وَيجوز أَن تُؤدِّي عبارَة وَاحِدَة بلسانين يكون أَحدهمَا أحلى من الآخر وَالْحسن لنَفسِهِ وَالْحق لَا يخْتَلف لاخْتِلَاف المعبرين فَلهَذَا لم يقدر حسن الْأَشْيَاء بطبع الْخلقَة وَلَا بِحسن الْعبارَة وَإِنَّمَا قدر بِالْعقلِ الَّذِي لَا يرى الْحسن قبيحا وَهُوَ الأَصْل الَّذِي يلْزم تَسْوِيَة كل أَمر من الْأُمُور عَلَيْهِ وَذَلِكَ كعلم العيان الَّذِي لَا يحْتَمل التَّغَيُّر وَلَا يناقضه جهل فَيكون هُوَ أصلا لكل خفى مَسْتُور وَكَذَلِكَ أَمر الْعقل وَمَا أرَاهُ أصل لكل أَمر مطبوع وَلما بَينا من مُخَالفَة الطبائع فِي التزيين الْمَعْقُول وَفِي التقبيح تعذر على كثير من الْخلق إِدْرَاك مَا أَرَاهُم الْعقل والطبع فَصَارَ بذلك الْمُحكم عِنْدهم فِي صُورَة الْمُتَشَابه والمتشابه فِي صُورَة الْمُحكم وَهَكَذَا أُرِيد دَرك كل شَيْء بِغَيْر سَبيله فنسأل الله أَن يعصمنا عَن رُؤْيَة الْبَاطِل بِصُورَة الْحق وَالْحق بِصُورَة الْبَاطِل فَإِنَّهُ قوي مُدبر قدير

اختلاف الفرق في أفعال الخلق

اخْتِلَاف الْفرق فِي أَفعَال الْخلق قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله اخْتلف منتحلو الْإِسْلَام فِي أَفعَال الْخلق فَمنهمْ من جعلهَا لَهُم مجَازًا وحقيقتها لله بأوجه أَحدهَا وجوب إضافتها إِلَى الله على مَا أضيف إِلَيْهِ خلق كل شَيْء فِي الْجُمْلَة فَلم يجز أَن يكون الْإِضَافَة إِلَى الله مجَازًا لِأَنَّهُ الْفَاعِل الْحق والقادر الَّذِي لَا يعجزه شَيْء وَفِي ذَلِك إِخْرَاج عَن قدرته وَإِزَالَة عَن حَقِيقَة فعله وَقد أضيف كثير مِمَّا لَا يشك على أَن الله هُوَ منشئه إِلَى الْعباد بالحرف الَّذِي هُوَ حرف الْعِبَادَة عَن الْأَفْعَال كالموت والحياة والطول وَالْقصر الْحَرَكَة والسكون والإجتماع والتفرق وَالله سُبْحَانَهُ لكل ذَلِك فَاعل وعَلى كُله قَادر فَمثله مَا ذَكرْنَاهُ وَإِضَافَة ذَلِك فِي الْقُرْآن ظَاهر وَذهب هَؤُلَاءِ فِي التعذيب وَنَحْو ذَلِك إِلَى أَن لَهُ الْخلق وَالْأَمر بكليته لَهُ فِي ذَلِك مَا شَاءَ على مَا قدر كل مَالك فِي ملكه مَا لَهُ فِيهِ وَإِن كَانَ ذَلِك كُله على هَذَا القَوْل مجازى وَالثَّانِي أَن بتحقيق الْفِعْل لغيره تشابها فِي الْفِعْل وَقد نفى الله ذَلِك بقوله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه فتشابه الْخلق عَلَيْهِم} وَإِذا لم يكن حَقِيقَة الْأَمْلَاك فِي الْجَوَاهِر وَفِي الْإِلْزَام يَقع تشابه فِي الْملك فَمثله فِي الْأَفْعَال وَأَيْضًا أَنه لَو جعل للْعَبد إِيجَاد وَإِخْرَاج من الْعَدَم لَكَانَ فِي معنى {خلق} فَيلْزم اسْم {خَالق} وَذَلِكَ مِمَّا أَبَاهُ الْجَمِيع حَيْثُ قَالُوا لَا خَالق إِلَّا الله قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَعِنْدنَا لَازم تَحْقِيق الْفِعْل لَهُم بِالسَّمْعِ وَالْعقل والضرورة الَّتِي يصير دَافع ذَلِك مكابرا فَأَما السّمع فَلهُ وَجْهَان الْأَمر بِهِ والنهى عَنهُ وَالثَّانِي الْوَعيد فِيهِ والوعد لَهُ على تَسْمِيَة ذَلِك فِي كل هَذَا فعلا من نَحْو قَوْله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} وَقَوله {وافعلوا الْخَيْر} وَفِي الْجَزَاء {يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات}

وَقَوله {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَقَوله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة} وَغير ذَلِك مِمَّا أثبت لَهُم أَسمَاء الْعمَّال ولفعلهم أَسمَاء الْفِعْل بِالْأَمر والنهى والوعد والوعيد وَلَيْسَ فِي الْإِضَافَة إِلَى الله سُبْحَانَهُ نفى ذَلِك بل هِيَ لله بِأَن خلقهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ وأوجدها بعد أَن لم تكن وللخلق على مَا كسبوها وفعلوها على أَن الله إِذا أَمر وَنهى ومحال الْأَمر بِمَا لَا فعل فِيهِ للْمَأْمُور أَو المنهى قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَلَو جَازَ الْأَمر بذلك بِلَا معنى الْفِعْل فِي الْحَقِيقَة لجَاز الْيَوْم الْأَمر بِشَيْء يكون لأمس أَو للعام الأول أَو بإنشاء الْخَلَائق وَإِن كَانَ لَا معنى لذَلِك فِي أَمر الْخلق ثمَّ فِي الْعقل قَبِيح إِن انضاف إِلَى الله الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وإرتكاب الْفَوَاحِش والمناكير وَأَنه الْمَأْمُور والمنهى والمثاب والمعاقب فَبَطل أَن يكون الْفِعْل من هَذِه الْوُجُوه لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن الله تَعَالَى إِنَّمَا وعد الثَّوَاب لمن أطاعة فِي الدُّنْيَا وَالْعِقَاب لمن عَصَاهُ فَإِذا كَانَ الْأَمْرَانِ فعله فَإِذا هُوَ المجزى بِمَا ذكر وَإِذا كَانَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب حَقِيقَة فالائتمار والإنتهاء كَذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ فِي أَنه محَال أَن يَأْمر أحد نَفسه أَو يطيعها أَو يعصيها ومحال تَسْمِيَة الله عبدا ذليلا مُطيعًا عَاصِيا سَفِيها جَائِزا وَقد سمى الله تَعَالَى بِهَذَا كُله أُولَئِكَ الَّذين أَمرهم ونهاهم فَإِذا صَارَت هَذِه الْأَسْمَاء فِي التَّحْقِيق لَهُ فَيكون هُوَ الرب وَهُوَ العَبْد وَهُوَ الْخَالِق والمخلوق وَلَا غير ثمَّة وَذَلِكَ مَدْفُوع فِي السّمع وَالْعقل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن كل أحد يعلم من نَفسه أَنه مُخْتَار لما يَفْعَله وَأَنه فَاعل كاسب

فَلَو جَازَ صرف مثله مِمَّا طَرِيق الْعلم بِهِ الْحس وإبطاله نَحْو الْعلم لجَمِيع الْعَالم مثله وَذَلِكَ مهجور فَمثله قَول أهل الْجَبْر وَهَذَا قَول يغنى الْحِكَايَة عَن الإطناب فِيهِ لما لَيْسَ لَهُ كثير اتِّبَاع وَلما لَيْسَ لهَذَا القَوْل معنى تكلم عَلَيْهِ صَاحبه إِذْ هُوَ ينفى عَن نَفسه حَقِيقَة كل قَول وَفعل وَإِذا انْتَفَى بَطل القَوْل وَبِه يناظر ويحاج فَزَالَ الَّذِي بِهِ يكون الْحجَّاج واضمحل وَمن النَّاس من عارضهم عِنْد ظنهم وُقُوع التشابه بِالْعلمِ والوجود والكون وَغير ذَلِك وَذَلِكَ لَازم لَو كَانَ ثمَّة عقل يحْتَمل الْإِدْرَاك وَلَكنهُمْ قوم أَنْكَرُوا علم الضروريات وَمَا هُوَ فِي حد العيان فَلَا معنى لمناظرتهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِنْهُم من حقق الْأَفْعَال لِلْخلقِ وَنفى عَنْهُم التَّدْبِير فِيهَا وأزال عَنْهُم قدرَة خلقهَا وصير مشيئتهم فِيهَا كبعض مَا تتمنى بِهِ الْأَنْفس أَن يكون حقائق الْأَشْيَاء خَارِجَة مِنْهَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْأَمر والنهى ثمَّ الْوَعْد والوعيد ومحال رُجُوع مثله إِلَى مَا للْآمِر والناهي حَقِيقَته أَو عَلَيْهِ وَعِنْده وَله وعده على مَا ذكرنَا وتلوا ذَلِك آيَات الْأَمر والنهى وَذكر الْعقل ثمَّ آيَات الْجَزَاء وَهِي بَينه بِحَمْد الله لمن قَرَأَ الْقُرْآن ثمَّ هُوَ قد سوعد على ذَلِك بِمَا بَينا فِي فَسَاد قَول الْمُجبرَة وَقَالُوا فِي الْإِضَافَة إِلَى الله إِنَّهَا تخرج على وَجْهَيْن سوى حَقِيقَة الْفِعْل أَحدهمَا بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ مِنْهُم الْأَفْعَال مَعَ الْأَمر بالخيرات والتخلية فِي الشرور وَقد تُضَاف الْأَفْعَال إِلَى من لَهُ الْأَسْبَاب وَإِن لم يكن حَقِيقَتهَا لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن الأضافة إِلَيْهِ عِنْد المحنة بِمَا لَهُ بهَا حَال التَّصْدِيق والتكذيب كَمَا أضيف إِلَى الْقُرْآن زادهم إِيمَانًا ورجسا وَإِلَى الدُّعَاء أَنه زادهم نفورا وَإِلَى الْقَوْم أَن أنسوهم ذكر الله وَإِلَى الْأَصْنَام أَن أهلكن كثيرا من النَّاس بِمَا عبدُوا كَانَت أَفعَال

الْبشر أُولَئِكَ فَمثله الْإِضَافَة إِلَى الله وَقد يحْتَمل الْأَحْوَال كَمَا أضيف إِلَى الدُّنْيَا الْغرُور وَإِلَى زينتها بِمَا هِيَ تظهر مَا يكون مثله الْغرُور وَإِن لم يكن مِنْهَا حق الْفِعْل وَكَذَا مَا أضيف إِلَى الْقرى الخاوية على عروشها والقيود من النُّطْق وَإِلَى الْبَهَائِم من الشكاية مِمَّا لَو كَانَت تنطق بقول فَمثله فِي الْإِضَافَة إِلَى الله بِمَا مِنْهُ من الْإِمْهَال وَإِظْهَار النعم الَّذِي كَاد أَن يكون حجَّة لَهُم فِي الرِّضَا بأفعالهم وَلذَلِك ظنُّوا أَن الله أَمرهم بِمَا هم فِيهِ من الْأَفْعَال بالإمهال وَالتَّأْخِير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِنْهُم من حقق الْأَفْعَال لِلْخلقِ وَبهَا صَارُوا عصاة تقاه وجعلوها لله خلقا اعْتِبَارا بِمَا سبق من الْإِضَافَة إِلَى الله جلّ ثَنَاؤُهُ مرّة وَإِلَى الْعباد ثَانِيًا وَالْمَذْكُور الْمُضَاف إِلَى الْعباد هُوَ الْمُضَاف إِلَى الله تَعَالَى لَا غير بِمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَاف الْجِهَة فِي الْعقل نَحْو الإضلال والإزاغة وَالْهِدَايَة والعصمة ثمَّ الإنعام والإمتنان ثمَّ الخذلان وَالْمدّ ثمَّ الزِّيَادَة من الْوَجْهَيْنِ ثمَّ الطَّبْع والتيسير ثمَّ التشرح والتضييق ومحال وجود هَذِه الْأَحْوَال على وجود مضادات مَا يُوصف بهَا وَإِضَافَة الإهتداء والضلالة والرشد والغي والإستقامة والزيغ إِلَى الْخلق وَكَانَ فِي وجود أحد الْوَجْهَيْنِ تَحْقِيق الآخر إِذْ لَا يُضَاف الَّذِي أضيف إِلَى الله مُطلقًا مَعَ إِضَافَة أضداد الْوَاقِع عَلَيْهِ مَعَانِيهَا ثَبت أَن حَقِيقَة ذَلِك الْفِعْل الَّذِي هُوَ للعباد من طَرِيق الْكسْب وَللَّه من طَرِيق الْخلق دَلِيل ذَلِك أَن فعل الله تَعَالَى فِي التَّحْقِيق خلقه وكل ذَلِك لَو أضيف إِلَيْهِ باسم الْخلق لم يفهم مِنْهُ فِي ذَلِك غير إنْشَاء وَفهم من الَّذِي مِنْهُم من العَبْد فعله وَكَسبه نَحْو أَن نقُول خلق الشَّرْح والضيق وَخلق الضلال والإهتداء وَنَحْو ذَلِك فَمثله الأول مَعَ مَا لَو جَازَ صرف أحد الْوَجْهَيْنِ عَن حَقِيقَة الْمَفْهُوم أَو الْأَسْبَاب أَو الْأَحْوَال فالآخر مثله وكل ذَلِك مجَاز لَا حَقِيقَة وَلذَلِك جَاءَ مُقَابلَة الْقَوْلَيْنِ من الجبرية والقدرية وَهَذَا معنى

مَا روى من لعن المرجئة والقدرية إِن المرجئة أرجأت الْأَفْعَال إِلَى الله وَلم تجعلها للْعَبد والقدرية أثبتتها لله على مَا تنْسب الْخلق إِلَى الله تَعَالَى وَلم تجْعَل لله فِيهَا تدبيرا وَالْعدْل هُوَ القَوْل بتحقيق الْأَمريْنِ ليَكُون الله مَوْصُوفا بِمَا وصف بِهِ نَفسه مَحْمُودًا بِهِ كَمَا قَالَ {خَالق كل شَيْء} وَقَالَ {فَهُوَ على كل شَيْء قدير} وليكون عدلا مفصلا كَمَا قَالَ {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} وقا ل {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته لاتبعتم الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلا} ثمَّ الدَّلِيل على لُزُوم القَوْل بِهَذَا مَعَ مَا فِيمَا بَينا كِفَايَة وجود أَحْوَال فِي أَفعَال العَبْد لَا يبلغهَا أوهامهم وَلَا يقدرها عُقُولهمْ وأحوال فِيهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا قصدهم وتبلغها عُقُولهمْ فَثَبت أَنَّهَا من الْوَجْه الأول لَيست لَهُم وَمن الْوَجْه الثَّانِي لَهُم فَالْأول كتصوير خُرُوج الشَّيْء من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وكأخذ الْفِعْل من قدر الجو وَالْمَكَان وَالْحَد الَّذِي لَو أحب أَن يعود إِلَيْهِ مَا أمكنه بِلَا فِيهِ وَالثَّانِي نَحْو التحرك والسكون بالمنهى والمأمور بِهِ ثَبت أَن فعلهم من الْوَجْه الأول لَيْسَ لَهُم وَمن الثَّانِي لَهُم وَلَو جَازَ تَحْقِيق فعلهم من الْوَجْه الأول على ظُهُور خُرُوجه من قصدهم وجملتهم مُخْتَلفَة مِمَّا ذكر وعجزهم عَن الْعود إِلَى مثله لجَاز كَون الْعَالم على مَا عَلَيْهِ بِمن لَا يقدر وَلَا يعلم وَلَا يعرف مقادير كل شَيْء وَيجوز أَيْضا آيَات على مَا هِيَ عَلَيْهِ بالبشر وَإِن لم يكن بِمِثْلِهَا علم وَلَا عَلَيْهَا قدرَة فَإذْ لَزِمَهُم القَوْل بالصانع وَالرسل بِخُرُوج الَّذِي ذكرت عَن وسع الْخلق فَمثله أَفعَال الْخلق وَلذَلِك قَالَ الله سُبْحَانَهُ {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَأوجب أَن تشابه الْخلق من الْوَجْه الَّذِي قلت تماثلا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا إِنَّا نجد أَفعَال الْعباد تخرج على حسن وقبح لَا يعلم أَهلهَا أَنَّهَا تبلغ فِي الْحسن ذَلِك وَلَا فِي الْقبْح بل هم عِنْدهم نفسهم فِي تحسينها وتزيينها وَهِي تخرج على غير ذَلِك بِأَن جعل أفعالهم على مَا هِيَ عَلَيْهِ لَيست لَهُم وَلَو جَازَ كَونهَا على ذَلِك لَهُم وهم لَا يعْرفُونَ مبلغ الْحسن والقبح فَإِذا لَا جهل يقبح الْفِعْل وَلَا علم يُحسنهُ فَثَبت أَن فعلهم من هَذَا الْوَجْه لَيْسَ لَهُم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَقُولُوا هِيَ لأنفسها كَانَت كَذَلِك فَإِذا استقام حسن الْفِعْل وقبحه لأتمر لَهُ الْفِعْل نَفسه فَالله تَعَالَى بِهِ أَحَق من الشَّيْء من نَفسه إِذْ الشَّيْء بِحَيْثُ نَفسه جَاهِل بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ مَا لَو جَازَ كَون حسن وقبح بِلَا منشيء لَهُ لجَاز كَون كل شَيْء بِلَا منشيء وَفِي ذَلِك الْخُرُوج من الْإِسْلَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِنَّا نجد الْأَفْعَال مؤذية لأَهْلهَا ومتعبة ومؤلمة ومحال تأذى الطَّبْع بِلَا مؤذ وتعبه بِلَا مُتْعب وتألمه بِلَا مؤلم فَثَبت أَنَّهَا مؤلمة متعبة مؤذية إِن قصد أَرْبَابهَا إِلَى أَن يتلذذوا بهَا ويتمتعوا فَثَبت أَنَّهَا كَذَلِك لَا بهم ولاقوة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا القَوْل بالمتعارف فِي الْخلق أَن لَا خَالق غير الله وَلَا رب سواهُ وَلَو جعلنَا حدث الْأَفْعَال وخروجها من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود ثمَّ فناءها بعد الْوُجُود ثمَّ خُرُوجهَا على تَقْدِير من أَرْبَابهَا لجعلنا لَهَا وصف الْخلق الَّذِي بِهِ صَار الْخلق خلقا وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بخالق سواهُ وَفِي جَوَازه مناقضة قَول من ذكرت مَعَ مَا لَو جَازَ ذَلِك لجَاز القَوْل بِرَبّ فعله وَذَلِكَ مَدْفُوع وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأَيْضًا إِن الْعباد إِذْ أفعالهم فِي الْحَقِيقَة حركات وَسُكُون فِي الظَّاهِر وَالله قَادر عَلَيْهَا لَوْلَا ذَلِك مَا أقدرهم عَلَيْهَا فَصَارَت هِيَ لأنفسها تَحت قدرته عَلَيْهَا

فَإِذا أقدر العَبْد على ذَلِك ذهبت عَنهُ الْقُدْرَة فَإِذا قدرته زَالَت عَنهُ وَصَارَ قَادِرًا بقدرة تَزُول وَمن ذَلِك وَصفه فَهُوَ عبد لَا رب وَالله الْمُوفق مَعَ مَا كَانَت الْحَرَكَة والسكون ليسَا بمخالفين فِي رَأْي الْعين لما كَانَا عَلَيْهِ وَلَا سَبِيل للنَّاظِر إِلَى التَّفْرِيق بَينهمَا وَلَوْلَا حَقِيقَة الإشتباه لاحتمل التَّفْرِيق وَفِي تشابه الْفِعْل لُزُوم القَوْل فيهمَا بِمَا لَهُ وَجَبت التَّسْمِيَة فِي أَحدهمَا وَفِي ذَلِك تشابه لِأَن اسْتِوَاء الْأَفْعَال فِي الشَّاهِد يُوجب تشابه الفاعلين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن الَّذِي بِهِ عرف أهل التَّوْحِيد حدث الْأَعْيَان امتناعها عَن الْخُرُوج من التَّفْرِيق والإجتماع والتحرك والسكون فَإِذا لم يكن هَذِه الْأَحْوَال فِي الْحَقِيقَة خلقا من الله على يَدي من جرت عَلَيْهِ يَدَيْهِ لم نقدر أَن نثبت جسم وَعين يدْرك على مَا هُوَ عَلَيْهِ بِفعل الله إِذْ الْأَفْعَال الَّتِي ذكرنَا من الْأَسْمَاء يجوز تحقيقها لَا بِاللَّه وَإِن كُنَّا نبصر من بِهِ ذَلِك فَيصير دَلِيل حدث الْعَالم يقيمه غير الله إِذْ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى إِظْهَار الَّذِي مِنْهُ من الْأَحْوَال الَّذِي ذكرنَا مِمَّا لَيست مِنْهُ وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَحْوَال لم يعرف حدث الْعَالم فَيبْطل طَرِيق الْعلم بِهِ بِدَلِيل أَقَامَهُ هُوَ ثمَّ لما احْتمل جَمِيع الْأَحْوَال بِغَيْرِهِ لم يثبت بهَا أَنه صانع تِلْكَ والأجسام لَا تعاين إِلَّا بهَا فَيبْطل أَن يكون الله تَعَالَى جعل لوحدانيته دَلِيلا يعرف ولربوبيته شَاهدا يشْهد على هَذَا القَوْل وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة والنجاة وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى قَالَ {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه} ثمَّ قَالَ {إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق} ثمَّ الله جلّ ثَنَاؤُهُ لم يخلق عرضا قطّ إِلَّا جعل عَلَيْهِ دَلِيلا يعلم أَنه خلق لما كَانَت الْأَعْرَاض لما ذكرنَا وَيجوز أَن يكون فِي خلقه خلق يجمع وَيفرق ويحرك ويسكن وَنحن لَا نرَاهُ كَمَا كَانَ

فيهم من لَا نرَاهُ بجوهره وَإِن كَانَ يرى وَتلك الْأَفْعَال لأنفسها لَا ترى إِنَّمَا ترى وَتعلم بِتَغَيُّر الْأَحْوَال على الْجَوْهَر فَإِذا كَانَت جَوَاهِر لَا ترى جَائِز مِنْهَا مثلهَا لم يَجْعَل لما خلق علما وَلَا ذهب بِهِ فَكيف نَاقض بِهِ قَول الْمُعْتَزلَة قَول الملحدة وهم شركاؤهم فِي هَذَا الْوَجْه فنسأل الله النجَاة من قَول هَذَا عقباه على أَن الْقُدْرَة النَّاقِصَة هِيَ الَّتِي تكون لكل أحد من الْخلق وَلكُل قدرَة على مَا لَيْسَ لغيره فَإِذا لم يكن لله قدرَة على مَا لعَبْدِهِ فَإِذا قدرته نَحْو قدرَة كل مَنْقُوص جلّ الله عَن صفة الْمَخْلُوق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأَيْضًا أَنه لَو جَازَ خُرُوج شَيْء هُوَ تَحت الْقُدْرَة عَن أَن يكون لله عَلَيْهِ قدرَة بل لَيْسَ هُوَ شَيْئا وَاحِدًا بل لَعَلَّه أَكثر من جَمِيع الْخلق كَيفَ نؤمن بوعده ووعيده وَكَيف يطمئن السَّامع إِلَى مَا وعده من الْبَعْث أَن يكون وَمَا أخبر أَنه لَو شَاءَ لخلق مثل الَّذِي خلق وَهُوَ لايقدر على فعل بعوض فضلا عَن فعل هُوَ أقوى مِنْهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله إِذْ هُوَ مَالك كل شَيْء وَملكه الْأَشْيَاء لَيْسَ بِمَا أوجب لَهُ فِيهِ الْملك لملك العَبْد بل هُوَ بِذَاتِهِ مَالك بِمَا هُوَ خَالق كل شَيْء فَأَما أَن يكون غير مَالك لفعل الْعباد وَلَا رب لَهَا فَيجب بِهِ أَن يكون للعباد ذَلِك فَيكون ربوبيته وَملكه ملكا نَاقِصا وَذَلِكَ لكل مَخْلُوق يملك أَشْيَاء بل هُوَ أَكثر لِأَنَّهُ يملك فعله وَفعل غَيره وَالله لَا يملك وَإِذا ثَبت لَهُ الْملك فِي كل شَيْء لزم القَوْل بخلقه إِذْ لَا يملكهُ العَبْد وَيملك الْأَشْيَاء بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا أَو تمْلِيك من لَهُ تِلْكَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن العَبْد يقدر بإقدار الله إِيَّاه فَلَا يجوز أَن يقدر بإقدار من لَيست لَهُ الْقُدْرَة عَلَيْهِ كَمَا لايجوز أَن يعلم بإعلام من لَا علم لَهُ بِهِ أَو لَا يرى أَنه

إِذا لم يجز لأحد الْقُدْرَة على إقدار غَيره على شَيْء لم يقدر هُوَ عَلَيْهِ وَمن لَهُ علم يعلم بِهِ غَيره لم يجز أَن لَا يعلم هُوَ فَمثله الَّذِي بَينا وَإِذا ثبتَتْ قدرَة الله عَلَيْهِ وَمَا يقدر الله عَلَيْهِ فَهُوَ محَال وجوده بِغَيْرِهِ ثَبت أَنه خَالق ذَلِك وَأَيْضًا إِن الْعَالم لَا يَخْلُو من الْأَعْرَاض والأجسام وكل أَنْوَاع الْأَعْرَاض أمكن فِي الْحَقِيقَة أَن تكون فعلا لغيره فَيكون الْعَالم لله ولخلقه من طَرِيق الْإِنْشَاء والوجود وَفِي ذَلِك بطلَان القَوْل بوحدانية صانع الْعَالم وَلم يخْتَلف أهل الْإِسْلَام فِي إِطْلَاق القَوْل بِأَن صانع الْعَالم وَاحِد وَقَول من يبطل قَوْله عِنْد التَّحْصِيل هَذِه الْجُمْلَة الَّتِي شَارك فِيهَا الْجَمِيع مَرْدُود بِالْجُمْلَةِ على نَحْو قَول الله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَقَوله {?} إِلَه كل شَيْء إِن قَول النَّاس فِي التَّحْصِيل يَجْعَل لَهُ شبها وعدلا فِي الْعباد منقوض بِتِلْكَ الْجُمْلَة وَإِن احتال فَمثله الأول بل الأول أَحَق لِأَنَّهُ طَرِيق الْعلم بالحرف الثَّانِي وَهُوَ أَن فِي تَحْقِيق الْعَالم تَحْقِيق الوحدانية للخالق وَبِه يسلم لَهُ القَوْل {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَأَنه الْوَاحِد لَا شريك لَهُ فَإِذا أثبت الْعَالم بشركاء لَهُ فِيهِ لم يكن هُوَ أَحَق بِأَن لَيْسَ كمثله شَيْء من أَن يكون لمثله أَشْيَاء أَو أَن يكون إِلَهًا لما أنشأه وَأخرجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود من غَيره فِي ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه لَو لم يكن خَالِقًا لأفعال الْخلق عَامَّة لما قدر على إِظْهَار حجَّته الَّتِي أظهرها على أَيدي رسله وَالتَّدْبِير الَّذِي جرى عَلَيْهِ من أَمر عالمه من أول مَا أنشأه خلقه إِلَى آخر مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أمره منتقصا فَاسِدا لَوْلَا مساعدة خلقه

لَهُ فِيمَا دبر من الْبَقَاء وَفِيمَا جعل من الْعَدَم فِيمَا أنشأ من النَّسْل إِن ذَلِك كُله مِمَّا ظهر بِأَفْعَال خلقه وَتمّ بِهِ وَلَيْسَ بِحَكِيم وَلَا قَادر من أَرَادَ أَن يظْهر حجَّة لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا بالمعونة بِعلم غَيره وَفعله بل هُوَ جَاهِل عَاجز فَثَبت أَنَّهَا كلهَا ظَهرت بِمَا خلقهَا على يَدي من شَاءَ كَيفَ شَاءَ على مَا شَاءَ جلّ ثَنَاؤُهُ وَأَيْضًا أَن الْقيَاس مِمَّا لَا يَخْلُو من أَن يكون مُسْتَعْملا فِيمَا نَحن فِيهِ أَو لَا فَإِن كَانَ لَا يسْتَعْمل بَطل مَذْهَب الْخُصُوم فِي معرفَة الصَّانِع لارْتِفَاع الْحَواس عَنهُ فَيجب مَعْرفَته بذلك وَهُوَ على الإستدلال بِالشَّاهِدِ بِمَ تجب جَمِيع الْمعَانِي الَّتِي هِيَ للْعَالم بأعراضه مَوْجُودَة فِي أَفعَال الْخلق فلئن لم يجب القَوْل بخلقها لم يجز معرفَة خلق الْبَتَّةَ إِلَّا بِالسَّمْعِ فَيجب بِهِ اسْتِعْمَال الْعُمُوم بقوله {خَالق كل شَيْء} إِذْ لَا سَبِيل إِلَى وجود خلق شَيْء باسم الخاصية لَهُ أَو يلْزم القَوْل بِالْقِيَاسِ من الْوَجْه الَّذِي ذكر ثمَّ لم يصر العَبْد بِفِعْلِهِ خَالِقًا ثَبت أَنه بِغَيْرِهِ مَعَ مَا إِذْ كَانَ سَبِيل معرفَة الْفَاعِل إِنَّمَا هُوَ بأثار الْفِعْل ثمَّ كَانَ الْإِيمَان من أحسن الْأَفْعَال فِي الْعُقُول وأنور الْأَشْيَاء وأتمها وأجلها قدرا وأبينها لمرضاته فَلَو قُلْنَا إِن الله غير خَالق لَهُ دخل علينا أَمْرَانِ فِي ذَلِك أَحدهمَا تَفْضِيل من يُطِيع الله بِالْإِيمَان وَغَيره على الله بِمَا خلق من الأقذار والأنتان والخبائث والقبائح من الْجَوَاهِر مَعَ مَا كَانَ مَا حسن من الْجَوَاهِر لَا يبلغ قدر الَّذِي ذكر من الْعِبَادَات فِي الْحسن وَالْخَيْر وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَمَعْلُوم تفاضل الفاضلين بتفاضل أفعالهم أوجب ذَلِك فضل العَبْد على الله فِي الْفِعْل والخلق وَهَذَا بالمعتزلة أولى لأَنهم زَعَمُوا أَن فعل الْكفْر قَبِيح شَرّ من جَمِيع الْوُجُوه وَلَيْسَ كَذَلِك أَمر القردة والخنازير فَمثله فعل الْإِيمَان من جَمِيع جَوَاهِر الحسان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَالثَّانِي أَن ثَوَابه إِذْ حسنه حسى وَحسن الْإِيمَان عَقْلِي وَمَا حسن فِي الْحس دون الَّذِي يحسن فِي الْعقل إِذْ قد يجوز إنقلاب مثله على مَا مر بَيَانه وَلَا يجوز انقلاب الآخر وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيقْتَصر الْجَزَاء على قدر المجرى وَالله وعد جَزَاء الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا ثَبت أَن خلق فعل الْإِيمَان حسنا لله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن الله تَعَالَى ذمّ الَّذين قَالُوا وتحبون أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا ثمَّ ألزم عباده الشُّكْر لَهُ على الْإِيمَان وَالْحَمْد لله على الْأَنْعَام لم يجز أَن يكون غير خَالق لذَلِك فيستأدى الْحَمد على مَا لم يَفْعَله وَالشُّكْر على مَا لم يسد إِلَى أحد بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن معنى فعل الله هُوَ الإبداع والإخراج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وصيرت الْمُعْتَزلَة ذَلِك معنى فعل العَبْد ثمَّ جعلت للْعَبد قدرَة على الْكسْب وَلم تجْعَل لله فَصَارَ العَبْد بذلك أعظم فِي الْقُدْرَة إِذْ هِيَ تقع على مُخْتَلف الْأَمر من الله إِذْ قدرته ترجع إِلَى أحد الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّا يبين أَن كل شَيْء فعله نوع جَعَلُوهُ طباعا وَمن كَانَ فعلين جَعَلُوهُ أخيارا عَن قدرَة فَيجب فِي الأول كَذَلِك وَذَلِكَ هُوَ الْحق عِنْد الْمُعْتَزلَة لأَنهم يجْعَلُونَ للْعَبد قدرَة على منع الرب عَن فعله فِيمَا ينفى عَنهُ الْحيرَة وَلَا يجْعَلُونَ مثله لله إِلَّا أَن يذهب عَنهُ قدرَة العَبْد وَإِذا ثَبت أَن فِي تَقِيّ خلق الْأَفْعَال تَحْقِيق ذَلِك وَذَلِكَ مِمَّا يأباه الْعقل والسمع جَمِيعًا ثَبت أَن الله خَالق الْأَفْعَال كلهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل أَن مَذْهَب الثنوية وَالْمَجُوس فِي صرف خلق الْعَالم إِلَى إثنين وَأَن يوافقوا أهل التَّوْحِيد على أَن الْإِلَه الْحَكِيم الْحق الَّذِي لم يجز وَلَا يجوز وَاحِد عليم قدير فَمن أربى عَلَيْهِم حَتَّى جعل خلق الْعَالم لمن لَا يُحْصى عَددهمْ وأبطلوا

أَن يكون للإله الَّذِي قَالَ الْخلق بألوهيته قدرَة خلق أَكثر الْعَالم فهم أَحَق بالذم مِمَّن نزهوه عَن الشرور والقبائح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِمَّا يَقُولُونَ فِي فعل الْعباد مِمَّا فِيهِ قبح الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى فِي خلق ذَلِك من أَن فِيهَا فواحش ومناكير وَنَحْو ذَلِك فِيهِ مثل ذَلِك للثنوية وَالْمَجُوس فِي الْجَوَاهِر أَن فِيهَا قبائح وخبائث وأقذار وأنتانا وَمَعَ مَا إِضَافَة تِلْكَ الْأَشْيَاء إِلَى الله فَلَيْسَتْ هِيَ عِنْد التَّفْسِير بِأَن الله تَعَالَى خلقهَا قبائح وفواحش من مرتكبيها مُخَالفَة للمحاسن والمصالح من أفعالهم بأقبح مِمَّن يَقُولُوا هُوَ رب الأقذار وإله الخزى والنكال وَملك الشَّيَاطِين والفجار ثمَّ لم يمْنَع القَوْل بتحقيق الربوبية لَهُ على كل شَيْء والإلهية وَإِن كَانَ على التَّفْسِير فِي الْإِضَافَة من الْوَجْه الَّذِي بَينا قَبِيح سمج فَمثله جَمِيع مَا عَلَيْهِ وصف أَفعَال الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر مَا تعلق بِهِ هَذِه الْفرْقَة الَّتِي ظنت أَنهم فرسَان الْكَلَام وَأَنَّهُمْ المخصوصون فِي الْعلم بِهِ من بَين الْأَنَام ليعلموا بذلك جرأتهم فِي الدَّعْوَى وبعدهم عِنْد التَّحْصِيل عَن إحتمال اسْم عوام أَهله فضلا عَن مُجَاوزَة أخطاء حذاقهم ونظهر إِن شَاءَ الله تَعَالَى لمن تَأمل مَا ذكرت عدولهم عَمَّا توجبه حَقِيقَة النّظر ونبين مَا استتروا بِهِ من الْآيَات ليعلم أَنهم لَو دققوا على طرف مِنْهَا لنالوا خير الدَّاريْنِ فضلا من أَن يظفروا بحقيقتها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فاحتج من يأتى القَوْل بِهِ فِي خلق الْأَفْعَال أول شَيْء أَنهم أمروا بهَا ونهوا عَنْهَا وَذكروا الْآيَات فِي الْأَمر بهَا وَالنَّهْي وَلَو جعلناها خلقا لَهُ لَكَانَ يصير كَأَنَّهُ أَمر / نَفسه وَنهى عَن خلق ذَلِك قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَيُقَال لمن احْتج بِهِ أَتَقول أَمر العَبْد بِخلق الْإِيمَان وَنَحْوه وَنهى عَن خلق الْكفْر وَنَحْوه فَإِن قَالَ بلَى صرح بِأَن الله تَعَالَى أَمر

النَّاس أَن يَكُونُوا خالقين وَقد أَبى الْمُسلمُونَ أَن يكون غَيره خَالِقًا وَلم يخْتَلف الْمُسلمُونَ فِي جَوَاز عبَادَة الْخَالِق مُطلقًا وَأَن الْخَالِق هُوَ الرب وَهُوَ الْإِلَه فَيجب بِهَذَا جعل كل عبد كَذَلِك وَذَلِكَ مِمَّا أَبَاهُ الْجَمِيع وَإِن قَالَ لَا قيل فَإذْ لم يُوجب الْأَمر بِالْفِعْلِ والنهى عَنهُ أمرا بالخلق ونهيا عَنهُ لم قلت إِنَّه لَو كَانَ الله خَالق ذَلِك يُوجب الْأَمر لَهُ والنهى عَنهُ وَلم يثبت من الْوَجْه الَّذِي فِيهِ الْأَمر والنهى أمرا بالخلق وَغَيره ثمَّ يُقَال لَهُ حَدثنَا عَن الْإِيمَان وَالْكفْر هَل يخلوان من أَن يَكُونَا شَيْئَيْنِ عرضين وحركتين دَلِيلين على حدث الْفَاعِل وحجتين على حِكْمَة الرجل وسفهه ومظهري علمه وجهله لَا بُد من بلَى لما فيهمَا هَذِه الْوُجُوه كلهَا فَيُقَال هَل الْأَمر والنهى بِالْفِعْلِ مُوجبا الْأَمر والنهى بِهَذِهِ الْوُجُوه الَّتِي فِي فعله ذَلِك فَإِن قَالَ نعم أحَال لما فِي كفره دَلِيل سفهه وَهُوَ من حَيْثُ الدّلَالَة صدق ومحال النهى عَنهُ من ذَلِك الْوَجْه وَلِأَن كثيرا مِنْهُم لَا يعْرفُونَ تِلْكَ الصِّفَات لَهُ لم يجز الْأَمر لذَلِك من ذَلِك الْوَجْه وَلَا النهى فَلَا بُد من المساعدة لَهُم فِي ذَلِك فَيُقَال لَهُ مَا منع أَن يكون ذَلِك خلق وَلَيْسَ فِي ذَلِك أَمر لنَفسِهِ بالخلق وَلَا نهى ثمَّ استقام فِي الْعقل الْجِهَات الَّتِي بَينا مَعَ مَا أَوْصَاف الإضافات أَن ذَا أَصْغَر من ذَا وأكبر وأخير وأشر وأقبح وَأحسن من ذَلِك وَأعظم فِي الْحجَّة وأوضع وأضعف وَأقوى وَأَنه حدث وموجود وَغير ذَلِك مِمَّا يكثر وَصفه وَلَا يُوصف شَيْء من ذَلِك بِالشَّرِّ وَالْخَيْر من جَمِيع الْوُجُوه وَلَا بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَة فَجَائِز خلقهَا وَلَا يُوصف من ذَلِك الْوَجْه بِطَاعَة وَلَا مَعْصِيّة وَلَا خير وَلَا شَرّ وَلَا أَمر وَلَا نهى وَلَا شَيْء مِمَّا لَهُ الْفِعْل وَالله الْمُوفق وعَلى مثل ذَلِك أَمر الْوَعيد والوعد إِنَّا حققنا الْفِعْل فَلَزِمَ فِيهِ الْأَمر والنهى فَمثله يلْزم الثَّوَاب وَالْعِقَاب ثمَّ الأَصْل فِي هَذَا أَن يكون القَوْل بِخلق الْأَفْعَال إِمَّا أَن يُنكر للإحالة أَو لما لَا دلَالَة على القَوْل بذلك أَو لما فِي القَوْل بِهِ فِي إِيجَاب الضَّرُورَة وإرتفاع الْإِمْكَان ويقبح فِي الْعُقُول الْأَمر والنهى والوعد والوعيد فِيمَا كَانَ هَذَا سَبيله فَمن أَبى القَوْل بِهِ للأحالة كلف دَلِيله على ذَلِك وَلنْ يجد إِلَّا على

التَّقْدِير بِفعل الْعباد أَن لَا يكون فعل وَاحِد فِي الْحَقِيقَة لَا اثْنَيْنِ أَو يظنّ أَن القَوْل يُوجب الشّركَة فجواب الْحَرْف الأول فِي تَقْسِيم القَوْل لما اخْتلف فِيهِ فعندنا أَن فعل الله تَعَالَى فِي الْحَقِيقَة غير فعل العَبْد وَفعل العَبْد مَفْعُوله لَا فعله وَوُجُود مثله فِي الشَّاهِد غير عسير نَحْو مد اثْنَيْنِ شَيْئا يَنْقَطِع وَإِزَالَة اثْنَيْنِ شَيْئا عَن مَكَان وقبلهما وَاحِد يصير بِهِ شُرَكَاء فِيهَا إِنَّه مفعولهما فِي الْحَقِيقَة وَكَذَلِكَ المزال والمنقطع وَكَذَلِكَ الْحمل فِيهِ جُزْء لَا يتجزى حمله اثْنَان قواهما وَاحِد أَن حَقِيقَة فعلهمَا وَإِن اخْتلف فالمفعول وَاحِد لَهما فَمثله الَّذِي نَحن فِيهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَنه لَا يجوز أَن يملك أحد بقوته آخر على فعله وَلَا خلق فعل نَفسه وَلَا أحد يقدر أَن يفعل فعلا فِي غير حيزه وَغير حَال فِي نَفسه فَمن تَقْدِير فعل الله بالموجود من فعل الْخلق جهل وَشبهه من جِهَة الْقُدْرَة وَقيام الْفِعْل بالخلق جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى وَالْقَوْل الآخر قَول من يَقُول إِن خلق الشَّيْء هُوَ ذَلِك فقد بَينا اخْتِلَاف الْجِهَات فِي ذَلِك فَجَائِز القَوْل بالخلق من جِهَة هِيَ غير جِهَة القَوْل بالْكفْر على مَا بَينا من الشيئية وَقد زعم الْمُعْتَزلَة فِي حَرَكَة المفلوج أَنَّهَا لله خلقا وَلِلْعَبْدِ حَرَكَة وَهِي شَيْء لنَفسهَا إِذْ الشيئية عِنْدهم فِي الْمَعْدُوم وَهِي دلَالَة حدث الْجِسْم وَفِي الْكفْر حجَّة الله على العَبْد فِي التعذيب وَدلَالَة سفهه فِي التَّحْقِيق على أَنا بَينا أَنه يحِيل من حَيْثُ لَا يكون مثل ذَلِك فِي الْخلق وَقد أوضحنا الْفَصْل بَين الْأَمريْنِ وَأَن من قَاس أحد الْوَجْهَيْنِ بِالْآخرِ فَهُوَ مُغفل على أَن الْمُعْتَزلَة إِذْ لَا يجْعَلُونَ من الله إِلَى الْخلق سوى أَنه أوجدهم بعد أَن لم يَكُونُوا وَلَا ذَلِك معنى فعل الْعباد إِنَّمَا هُوَ معالجات وعناء وَجهد وَالْمَوْجُود فِيمَا نَحن فِيهِ مَعَ الْمَعْنى الَّذِي من الْعباد واقعان جَمِيعًا فَلَا وَجه لإنكاره ثمَّ يُقَال فِيمَا لَا يكون مثله فِي الْعباد مَا يُوجب إحالته أَرَأَيْت لَو عارضك إخوانك فَقَالُوا تجْعَل للَّذي ذكرته أصلا ثمَّ كَون الْجَوَاهِر بالخلق محَال ثَبت قدمهَا بِهِ وَكَون فعل لَا ينفع فَاعله وَلَا يدْفع عَنهُ الضَّرَر لَيْسَ بحكمة فَدلَّ أَن الَّذِي صنع الْعَالم انْتفع بِهِ وَقَالَ

كَون شَيْء لَا من شَيْء خَارج عَن إحتمال الْخلق فَمثله أَمر الْوَاحِد الَّذِي بِهِ كَانَ الْعَالم وَإِذا كَانَ دَعْوَى الإحالة توجب قَول الزَّنَادِقَة والدهرية فِي قدم الْعَالم أظهر ذَلِك صدق من قَالَ الإعتزال طرف من الزندقة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما الدّلَالَة فقد أوضحنا لمن عقل لَو أنصف مَعَ مَا فِي جملَة مَا أدّى الْمُسلمُونَ أَن الله خَالق وَمَا سواهُ مَخْلُوق وَأَنه قَادر على كل شَيْء وَهُوَ رب كل شَيْء وألهه من غير اضْطِرَاب فِي ذَلِك أَو ميل قلب إِلَى خُصُوص فِي ذَلِك دَلِيل كَاف وَسَنذكر أَيْضا بعض مَا فِي ذَلِك وَأما القَوْل بِإِيجَاب الضَّرُورَة فَإِنَّهُ محَال فَاسد لإنه حسي أَن يعلم كل أَنه مُخْتَار وَلَو جَازَ القَوْل مِمَّا يُعلمهُ كل على جِهَة قلبه لجَاز ذَلِك فِي جَمِيع الْعَالم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن قلت إِذْ لم توجب الضَّرُورَة دلّ أَنه لَا تَدْبِير فِيهِ لغيرك قيل قد فَرغْنَا عَن دلَالَة ذَلِك مَعَ مَا يجوز أَن يُقَال هُوَ من طَرِيق الْخلق اضطرار وَلَا صنع للْعَبد من ذَلِك الْوَجْه إِذْ لَا يُسمى بِهِ وَمن طَرِيق الْكسْب اخْتِيَار فعلى ذَلِك تَقْسِيم الْأَمريْنِ وَقد بَينا أَلا ترى أَن قَول الْكفْر كذب وَهُوَ من حَيْثُ الدّلَالَة على سفه الْقَائِل صدق فَمثله يكون اخْتِيَارا من حَيْثُ الْكسْب وَمن حَيْثُ الْخلق لَا وجهة الْخلق لَا تدفع عَنهُ الإختيار بِمَا ثَبت فَسَوَاء لَو كَانَ خلق ذَلِك الْفِعْل أَو خلق السَّمَاء وَالْأَرْض إِذْ لَيْسَ فِي وَاحِد صرف فعل الْخلق عَن الْخلق وَلَا إِزَالَة الإختيار عَنْهُم فَمثله خلق الْأَفْعَال ولاقوة إِلَّا بِاللَّه على أَن تَسْمِيَة الْخلق لَا يُوجب وصف الإضطرار إِذْ الْقُدْرَة للْفِعْل مخلوقة وَهِي سَبَب جعله مُخْتَارًا لَا مُضْطَرّا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد قَالَ الكعبي إِن كل مُخْتَار فِي فعله مُضْطَرّا فِي تألمه بِهِ وتأذيه بِهِ فألزمه الْأَمريْنِ فِي الشَّيْء الْوَاحِد وَكَذَلِكَ زعم أَن قد يجوز أَن يعرف الْفِعْل من لَا يعرفهُ كفرا وإيمانا أَو شَيْئا عرضا وحركة وسكونا وَهُوَ ذَلِك بِعَيْنِه وَلم يجز فِي الْجُمْلَة أَن يُقَال الَّذِي يجهله هُوَ الَّذِي يُعلمهُ وَالَّذِي هُوَ مُضْطَرّا فِيهِ

هُوَ الَّذِي هُوَ مُخْتَار فِيهِ حَتَّى يذكر مَعَه الْجِهَات فَمثله فِي الْخلق والتعذيب وَغير ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاحْتج بالوعد والوعيد بذلك وَإِذ ثَبت الْأَمر والنهى وَبَان إغفاله فِي تَقْدِيره وَظهر تمويهه فَكَذَلِك شَأْن الْوَعْد والوعيد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ زعم الكعبي أَنه محَال أَن يكون ذَلِك فِي الْحَقِيقَة فعلا لي خلقا لله قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَهَذَا لجهله للمحال وَقد بَينا بعض ذَلِك ثمَّ زعم أَن ذَا يُوجب الشّركَة المعقولة إِذْ محَال إنفراد كل بِجُزْء وَإِن وَإِن كَانَ لَا يتجزى ثمَّ عَارض نَفسه بقول الْخصم أَن ذَلِك يُوجب فِيمَا كَانَت الْجِهَة وَاحِدَة فَأَما فِيمَا اخْتلفت فَلَا يُعَارض بِملك ورث بعضه وَاشْترى بعضه ثمَّ عورض بِملك لي ولعَبْد لي فأطنب فِي جَوَاب ذَلِك وَنحن نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق من تَأمل الَّذِي ذكر وَله أدنى فهم وَلَا يكابر عقله علم سفهه وَإِن شَاءَ اسْتدلَّ بِالَّذِي قدم من الْمِيرَاث ليعلم جَهله بِالشّركَةِ الْحَاضِرَة فَيكون ذَلِك عذرا فِي الْجَهْل بِمَا كَانَ طَرِيقه الإستدلال إِذْ خفى عَلَيْهِ حق العيان لَكِن هَذَا سُؤال لم يزل الْمُعْتَزلَة تظن أَن ذَلِك يُوجب ذَلِك وَإِن كَانُوا لَا يسْتَحقُّونَ الْجَواب فِي ذَلِك فَإنَّا ننزع بِهِ عَلَيْهِم فَإِنَّهُم قصدُوا بالْقَوْل قَول من يَقُول خلق الشَّيْء هُوَ ذَلِك وَلَا يُوجد شَيْء وَاحِد لاثْنَيْنِ فِي الشَّاهِد لكل كُله وَلِهَذَا الْوَجْه أنكر أَن يكون فعل وَاحِد لاثْنَيْنِ فَإِذا لم يُوجد لَهُ مِثَال يعلم أَنه يُوجب الإشتراك أَو لَا فَقَوْلهم يُوجب ظن وخيال ثمَّ الأَصْل أَن الْفِعْل نَفسه يجعلونه لله ملكا وَكَذَلِكَ للْعَبد وَكَذَلِكَ كل ملك لأحد فَهُوَ لله ملك وَلِلْعَبْدِ كَذَلِك وَلم يُوجب ذَلِك شركا بَينهمَا فِي ملك الْأَفْعَال والأعيان فَكيف فِيمَا نَحن فِيهِ شُرَكَاء ثمَّ يُضَاف إِلَى الله الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والرزق وَذَلِكَ بِعَيْنِه يُضَاف إِلَى الْخلق وَلَا يُوجب شركا فَمثله الَّذِي نَحن فِيهِ مَعَ مَا بَينا جِهَات الْفِعْل بِمَ لم يقل الْفِعْل نَفسه من تِلْكَ الْجِهَات مُشْتَرك إِذْ كل جِهَة تحيط بِالْكُلِّ

وَكَذَلِكَ من يعلم الْفِعْل من وَجهه ويجهله من وَجه لم نقل أشرك جَهله علمه فَمَا بالهم يَزْعمُونَ أَن ذَا شركَة معقولة بل لَو كَانَ ثمَّة عقل لَكَانَ يكون ذَا كذبا معقولا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وكل هَذِه الْوُجُوه على قَول من يَقُول بِخلق الشَّيْء غَيره يعلم أَيْضا إِفْسَاد دَعْوَى الْمُعْتَزلَة ثمَّ يُقَال لَهُ قد يُقَال فِي الشّرك فِي قَرْيَة على تفرق الْأَمْلَاك وَفِي التِّجَارَة على تفرق الْمُعَامَلَات فَقل بَين الله وَبَين الْخلق شرك فِي الْعَالم ثمَّ فِي الْأَفْعَال بِمَا كَانَ مِنْهُ أَمر وإقدار وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه واحتجاجهم بِالتَّسْمِيَةِ من الْمُطِيع والخاضع وَنَحْو ذَلِك وَقد بَينا اخْتِلَاف الْجِهَة على الْقَوْلَيْنِ وَالْفِعْل على الآخر وَإِنَّمَا سمى كل بِالَّذِي لَهُ على مَا بَينا من الْجِهَات على أَنهم جَعَلُوهُ خَالِقًا للحركات ولفساد الْأَشْيَاء غير مُسَمّى بِهِ لِأَنَّهُ خلق فَمثله الْأَفْعَال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض فعلا وَاحِدًا لفاعلين بقول وَاحِد وَخبر وَاحِد قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله يجوزان فِي الشَّاهِد قد يُقَال هَذَا قَول جمَاعَة وَخبر الْمُتَوَاتر وَهُوَ قَول فلَان وَفُلَان وَخبر فلَان وَفُلَان فلئن كَانَ ذَا أَصله فَيجب بِهِ جَوَاز الآخر إِذْ بِهِ يلْزم الآخر وَلَو كَانَ مَا يجوز فِي الشَّاهِد هُوَ دَلِيل الْغَائِب ليجب التَّفْرِيق بَين الْفِعْل وَالْقَوْل فِي الْغَائِب كَمَا وَجب فِي الشَّاهِد وَهَذَا يبين وهمه ثمَّ جَائِز القَوْل بِأَن الله خَالق كل شَيْء وَهُوَ خَالق وَمَا سواهُ مَخْلُوق وَلَا يجوز أَن يُقَال هُوَ قَائِل كل قَول وَلَا مخبر كل خبر وَلَا هُوَ مخبر وَقَائِل وَمَا سواهُ خبر وَقَول فَدلَّ أَن أَحدهمَا لَيْسَ بنظير الآخر مَعَ مَا يجوز عِنْدهم فعل كل وَاحِد بقدرة هِيَ فعل لله تَعَالَى ثمَّ لم يجز فِي قَول كل أحد وَخَبره أَنه بقدرة هُوَ قَول لله تَعَالَى وَخبر وَيُقَال لَهُ إِذا لم يسم هُوَ متحركا بِمَا حرك غَيره فَقل أَيْضا إِنَّه لَا يُسمى خَالِقًا بِمَا خلق حَرَكَة غَيره أَو إِذْ فصل بَينهمَا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص أَو بِمَا شِئْت فافصل بَينهمَا على أَن الْمَعْنى الَّذِي بِهِ سمى خَالِقًا يُوجد فِي فعل كل شَيْء وَالْمعْنَى الَّذِي بِهِ سمى قَائِلا لم يُوجد لذَلِك اخْتلفَا وَالله أعلم

وَأَيْضًا أَن القَوْل الْخَالِق يخرج مخرج التَّعْظِيم فَكل مَا هُوَ أَعم فَهُوَ أبلغ وبقائل لَا لذَلِك اخْتلفَا فَنَذْكُر مَعَاني إِنْكَاره أَيْضا ثمَّ الأَصْل أَن إِنْكَار الْمُعْتَزلَة هَذَا بِمَا لم يَجدوا فعل أحد يُخرجهُ غَيره من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَهُوَ الأَصْل الَّذِي لَهُ أنكر من أنكر خلق الْأَعْيَان بإمتناعه فِي الشَّاهِد عَن الْوُجُود فِي الْحَقِيقَة بِفعل أحد بل لَا يُوجد فِيهِ غير جمع وتفريق فَأَبَوا أَن يكون خلق أَعْيَان الْأَشْيَاء بذلك وبمثله أنْكرت الْمُعْتَزلَة خلق الْأَفْعَال فَلذَلِك نسبهم الْأَوَائِل إِلَى ذَلِك مَعَ مَا قَوْلهم فِي التَّحْقِيق ذَلِك لأَنهم حققوا الْأَشْيَاء فِي الْقدَم وَجعلُوا من الله إيجادها لَا إِحْدَاث شيئيتها وَكَانَت الشيئية لَا بِهِ فَيكون الْعَالم عِنْدهم فِي التَّحْقِيق حَدثا عَن أَشْيَاء لَا أَنه أحدث عَن غير شَيْء ثمَّ ذكرُوا فِي الْكفْر وَالْإِيمَان أَنَّهُمَا شَيْئَانِ كَانَ من الْفَاعِل إيجادهما لَا جَعلهمَا شَيْئَيْنِ فصارا من حَيْثُ الشيئية لَيْسَ للْعَبد ثمَّ لَا يُنكر ذَلِك فَمَا يُنكر أَن يكون من حَيْثُ الشيئية خلقا وَلَا يدْفع ذَلِك وَلم يُوجب بذلك أَنه عذب لَا لشَيْء وَلَا أَنه عذب للشيئية وَلَا أُحِيل التعذيب إِذْ سَقَطت عَنهُ الشيئية وَلَا أوجب الشّرك بَين الْفَاعِل والشيئية فِي الْعقل وَفِي الْوُجُود وَلَا أطلق القَوْل بِأَنَّهُ لإثنين إِذْ هُوَ بكليته فِي أَنه شَيْء لَيْسَ لَهُ وَفِي أَنه إِيمَان وَكفر لَهُ وَكَذَا هَذَا التَّقْرِير فِي حَرَكَة المفلوج وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ الكعبي مَا جعل فَاعل الْمعْصِيَة أَحَق بالذنب من خَالِقهَا قيل لَهُ وَمَا جعل جِهَة الْمعْصِيَة أَحَق بالذم من جِهَة الشيئية وَالْحَرَكَة والحدثية والعرضية وَأَنه خلاف للْعَبد وَللَّه وَغير لَهما وَأَنه حجَّة الله وَدَلِيل سفه الْكَافِر فَإِن الذَّم لشَيْء من ذَلِك لزمَه الذَّم بِكُل مُسَمّى بِهِ فَيجب الذَّم على فعل الْإِيمَان وكل حسن وَإِن لم يجب ثَبت لذَلِك جِهَات يصرف إِلَى كل مَا يَلِيق بِهِ ثمَّ الَّذِي من الله تَعَالَى حِكْمَة من حَيْثُ جعله فِي الْحَقِيقَة قبيحا وسفها وجورا

ومذموما وَهُوَ من هَذَا الْوَجْه حق وَحِكْمَة وَالْفِعْل من حَيْثُ العَبْد سفه وجور وَمن ذَلِك الْوَجْه قَبِيح ومعصية أَلا ترى أَن من عرف فعل الْكَافِر على مَا هُوَ عِنْده كَانَ جَاهِلا وَمن أخبر بِهِ كَانَ كَاذِبًا وَمن عرفه على مَا عَلَيْهِ حَقِيقَته كَانَ عَالما حكيما وَلَو أخبر بِهِ كَانَ صَادِقا فعلى ذَلِك خلق الله ذَلِك وَجعله على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَفعل العَبْد لَا وعَلى قَول من يَجْعَل خلق الشَّيْء غَيره لَا معنى لَهُ لِأَن فعل الله فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ بِكفْر وَلَا جور وَلَا سفه وَلَا الَّذِي كَانَ من العَبْد من خضوع وذلة وَطَاعَة ومعصية وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُعَارض تَسْمِيَة غير الَّذِي خلق الْمَوْت وأحوال الْخلق أَحَق من الَّذِي خلق وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُسَمّى أَنه خَالق ذَلِك فمهما قَالَ فِي ذَلِك فَهُوَ جَوَاب لَهُ فِي الأول وَالْأَصْل أَنه ثَبت للْعَبد فعل فِي الْحَقِيقَة وَأَنه لَهُ محتار وَأَنه آثر الْأَشْيَاء عِنْده وأحبها وَأَن خلق ذَلِك لم يَدْفَعهُ إِلَيْهِ وَلم يحملهُ وَلم يضطره إِلَيْهِ فوجود ذَلِك وَوُجُود علمه بِهِ وَخَبره عَنهُ وإثباته فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَإِيجَاب معاداته لوقت فعله وتسميته بِمَا سمى إِذْ لم يضطره إِلَى فعله وَلَا حمله عَلَيْهِ حسن مَعَه الْأَمر والنهى والتعذيب والإثابة وَمن أنكر بِهَذَا خلقه فتعلقه بِهَذَا النَّوْع خيال وَحقه أَن ينظر فِي الْوَجْه الَّذِي بِهِ يعرف خلق الْأَشْيَاء فَإِن أمكن تَحْقِيقه فالإنكار بِهَذَا النَّوْع إِنَّمَا هُوَ جهل بالحكمة وعَلى ذَلِك كَانَ أول مَا جبل عَلَيْهِ فَيعلم إِن خضع للمكرم بِهِ إِن شَاءَ الله وَإِن لم يُمكن تسْقط الْمَسْأَلَة ويفضل الَّذِي عَارض بِهِ كُله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ ذكر أسئلة من ذَلِك قَوْله خَالق كل شَيْء وأعمال الْعباد أَشْيَاء فَزعم أَن ذَا امتداح وَلَيْسَ ذَلِك فِي شتم نَفسه وَلَا فِي الْكفْر بِهِ وَلَا فِي فعل الْأَنْبِيَاء وَالثَّانِي أَنه عَابَ الْكفْر وعذب عَلَيْهِ وَلَا يجوز ذَلِك على مَا يَفْعَله وَقَالَ خصصنا أَيْضا بِمَا تلونا من الْآيَات وَدَلِيل مَا لم يدْخل فِي ذَلِك وَهُوَ شَيْء مَعَ وجود آيَات ذَلِك مخرجها وَهن خَاصَّة

وَبعد فَإِن القبائح لم تذكر فِي هَذَا على رَسُول الله وَإِنَّمَا ذكر فِي الْجَوَاهِر المورثة وَقَالَ بل قَول الْمَجُوس إِن الله أَرَادَ شَيْئا مِمَّا هِيَ مُحرمَة فِي الْإِسْلَام وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه الْأمة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِذْ ثَبت أَن الْآيَة بِحَق الإمتداح كَانَ فِي خُرُوج شَيْء من الكائنات امتداح بِغَيْر الَّذِي لَهُ أَو بِمَا يُشَارِكهُ فِيهِ كل ضَعِيف لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ كُلية الاشياء وَلم يكن خلقهَا فامتدح بِغَيْر الَّذِي لَهُ وَذَلِكَ كذب وَفِي إِخْرَاج الْبَعْض مُسَاوَاة غَيره فِي أَنه صانع كل شَيْء يُرِيد مَا لَا صنع لغيره فِيهِ وَذَلِكَ فَاسد مَعَ مَا لَو جَازَ ذَلِك على الصّرْف إِلَى غير الَّذِي لغير فعل ليجوز أَن يُقَال لَيْسَ بخالق شَيْء على أَنه لَيْسَ بخالق مَا هُوَ فعل لغيره فَإِذا كَانَ وَصفا لَهُ بالذم والعبودة ثَبت أَن الأول وصف لَهُ بالمدح والربوبية وَفِي التَّخْصِيص إِيجَاب الأول وَأَيْضًا أَنه قَالَ هُوَ رب كل شَيْء وإله كل شَيْء وَهُوَ على كل شَيْء وَكيل وَلم يجز إِخْرَاج شَيْء عَن ذَلِك وَإِن كَانَ لَا يَلِيق القَوْل بِهِ على التَّخْصِيص لقبح نَحْو أَن يُقَال رب الخبائب وإله القبائح ووكيل الشَّيَاطِين وإبليس وقائم على كل نَتن وقذر فَمثله الأول وَإِن كَانَ يقبح على التَّخْصِيص فِي أَشْيَاء من حَيْثُ التَّسْمِيَة وَبِهَذَا الْوَجْه الَّذِي قَالَ شهِدت الْمَجُوس والزنادقة أَن الله تَعَالَى لم يخلق مُؤْذِيًا وَلَا فَسَادًا وَلَا أمات وليا وَلَا قوى عدوا وَلَا أبقى الشَّيَاطِين وَلَا أعْطى من يعلم أَنه يشتمه ويصد عَن طَاعَته أحدا لقُوَّة ذكرنَا ذَلِك ليعلموا أَن أصل الإعتزال مُقَدّر عَن ذَلِك إِذْ إِلَيْهِ فزعهم عِنْد مخالفتهم الْمَفْهُوم من الْقُرْآن وَمِمَّا جرى عَلَيْهِ قَول الْإِسْلَام وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه الْأمة وَلَو جَازَ خُرُوج شَيْء من أَن يكون هُوَ لَهُ خَالِقًا لجَاز مثله عَن الْملك والربوبية وَنَحْو ذَلِك من أَسمَاء الإمتداح فَيبْطل أَن يكون لَهُ مدح بِشَيْء لما فِي كل شَيْء لَهُ شُرَكَاء فِي حَقِيقَة مَعْنَاهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَقَوله لم يدْخل هُوَ فِيهِ عَجِيب مَتى يذكر هُوَ فِي اسْم الْأَشْيَاء بِالْإِطْلَاقِ وَلَو جَازَ ذَا لجَاز أَن يذكر فِي ذكر الْعلمَاء وَذكر الفاعلين وَذكر الوكلاء والأرباب والملوك وَذَلِكَ كَلَام من لَا يعقل مَا يَقُول وَبعد فَلَو كَانَ يذكر وَإِن كَانَ مُمْتَنعا ذَلِك فِي الْعقل الشَّيْء لم يجز خُرُوج غَيره بِخُرُوجِهِ لوجوه أَحدهَا قَوْله وَهُوَ على كل شَيْء وَكيل وَهُوَ رب كل شَيْء وإله كل شَيْء لم يجز خُرُوج شَيْء من ذَلِك وتخصيصه فِي الْخلق ليبطل معرفَة المُرَاد من حَيْثُ لم يدْخل هُوَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنه امتداح وَفِي دُخُوله سُقُوطه إِذْ هُوَ إمتداح بِمَا صير كل شَيْء تَحت الْقُدْرَة وحقق فِي كل العبودة وَتَحْقِيق ذَلِك فِيهِ إبِْطَال ذَلِك وَالله الْمُوفق وَالثَّالِث أَن القَوْل الْمَعْرُوف بِالْفِعْلِ إِلَى آخر والربوبية وَنَحْو ذَلِك رَاجع إِلَى وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكَأَنَّهُ قَالَ سواي وَلم يكن بِمثلِهِ التَّخْصِيص فَمثله الأول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا ذكر من الْآيَات فقد بَينا فَسَاد الْخُصُوص فِي هَذَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا ذكر من الْآيَات فقد بَينا وهمه فِيهَا وحصوله على الدَّعْوَى كَهُوَ فِي هَذَا وَمَا ذكر من أَنه شتم نَفسه وَكفر بِهِ وَنَحْو هَذَا فَهُوَ الَّذِي لم يزل يعود نَفسه من الذب على خصومه وَلَيْسَ أحد مِنْهُم يَقُول ذَلِك بل لَو خلق شتم نَفسه يكون مشتوما فِي الْحَقِيقَة مذموما بل خلق فعل الشتم من الْكَافِر كذبا وجورا وسفها وَفِي ذَلِك دفع كَونه مشتوما مذموما فِي الْحَقِيقَة أَلا ترى أَن من عرف فعل الشتم لذَلِك كَانَ يكون عَالما حكيما وَمن أخبرهُ عَنهُ كَذَلِك يكون صَادِقا وَمن عرفه على مَا عَلَيْهِ عِنْد الْكَافِر كَانَ جَاهِلا سَفِيها وبالخبر بِهِ كَذَلِك يكون كَاذِبًا فَمثله الَّذِي ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَجُمْلَته أَن فعله من حَيْثُ كَانَ عرضا أَو شَيْئا أَو دَلِيلا على سفهه أَو حَرَكَة وَنَحْو ذَلِك لَا يُوصف بشتم وَلَا قبح فَمثله من وَجه خلقه إِيَّاه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَمَا قَالَ من قبل الْأَنْبِيَاء فَهُوَ فِيمَا أنابهم مَوْجُود وَفِيمَا أبقى أعداءهم قَائِم ثمَّ لم يخرج ذَلِك من الْحِكْمَة بل اسْتدلَّ إخوانه أَن الَّذِي يفعل هَذَا غير حَكِيم فَمَا الَّذِي يُجِيبهُمْ فَهُوَ فِي الأول جَوَاب وَقَوله لم يكن فِي عهد رَسُول الله كَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يجوز وُرُود الْبَيَان فِي الشَّيْء قبل وُقُوعه وَأَن الْبَيَان لَا يرد فِيمَا لم يسْبق فِيهِ التَّنَازُع وَذَلِكَ يدْفع جَمِيع آيَات الْقُرْآن وَمَا عَلَيْهِ الْأَمر الْمُعْتَاد وَبعد فَإِن الْآيَة لَو نزلت فيهم لنزلت فِي دمهم وَوصف فِيمَا نفوا عَن الله من الْوَجْه الَّذِي نفى أهل الإعتزال فَذَلِك لَازم لَهُم مَعَ أَن الْآيَة لَا يعْمل بهَا الْمُعْتَزلَة من ذَلِك الْوَجْه الَّذِي فِي أصل دينهم جَوَاز إِضَافَة حَقِيقَة ذَلِك إِلَى الله فَكيف يجْتَمع على مُنكر مثله مِمَّن يزْعم أَن ذَلِك فِي الْعقل مَدْفُوع وَطَرِيقَة السّمع ومحال الإحتجاج بِالسَّمْعِ على إِمْكَانه فِي الْعقل ثَبت أَن حَقِيقَة ذَلِك فِي أَفعَال الْخلق وَبِه يكون امتداح فِي الْحَقِيقَة من وُجُوه أَحدهَا فِي جعل كل شَيْء بِحَيْثُ الْقُدْرَة تَحت قدرَة الله ليظْهر حَاجَة الْخلق جملَة إِلَى الله تَعَالَى فِي كَون كل شَيْء لَهُم بِهِ وَالثَّانِي أَن الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ على مَا لَا فعل لغيره لَيْسَ بعجيب بل يسْتَحقّهُ كل ضَعِيف مهان ثَبت أَن الإمتداح يكون من هَذَا الْوَجْه وَالثَّالِث فِيهِ بَيَان سفه من يفهم أَن خلق كل شَيْء على مَا عَلَيْهِ يُوجب وصف الرب أَو تَحْقِيق الْفِعْل من الْوَجْه الَّذِي يكون من الْعباد مِنْهُ وَالرَّابِع ليعلم أَن الله يتعالى عَن أَن يلْحقهُ ذمّ فِي فعل أَو مدح من حَيْثُ ذَلِك الْمَفْعُول بِحَال وَذَلِكَ بِبَعْض الإعتزال إِذْ جعلُوا لَهُ هَذَا الإمتداح بخلقه وَمَا يكون كَذَلِك فَهُوَ شرف الدَّوَام وَخَوف الإنقطاع جلّ رَبنَا عَن ذَلِك وَمَا ذكر فِي الْمَجُوس فهم قَالُوا ذَلِك لإنكار خلق الله الشرور ونسبتهم كل خير إِلَى الله خلقا وَإِرَادَة وَذَلِكَ رأى الْمُعْتَزلَة فِي تَخْصِيص هَذِه الْآيَة لِيخْرجُوا

بذلك الشرور عَن خلقه فَهَذَا وَجه تَشْبِيه رَسُول الله إيَّاهُم بالمجوس وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ كَانَ قَول الْمَجُوس خيرا من قَول الْقَدَرِيَّة عِنْد التَّحْصِيل لأَنهم نزهوا الله عز وَجل عَن قَول الشَّرّ وَمَا يذم الْفَاعِل عَلَيْهِ وحققوا لَهُ فعل الْخَيْر وَمَا يحمد عَلَيْهِ ثمَّ الْقَدَرِيَّة بِالْوَجْهِ الَّذِي أنكر الْمَجُوس صرفُوا الْآيَة عَن الْمَفْهُوم تسترا وأبطلوا عَنهُ أَيْضا خلق كل شَيْء يحمد عَلَيْهِ من الْخيرَات ونسأل الله الْعِصْمَة ثمَّ من حيدهم أَن سُئِلَ عَن حكم الْآيَة فَأَعْرض عَن ذَلِك واشتغل فِي الْإِجَابَة عَن نوع الْأَفْعَال وَحَقِيقَته أَن يَقُول بِهِ فِي الْجُمْلَة وَعند التَّفْسِير فِيمَا يقبح لَا يَقُول كَمَا يَقُول الله فِي كل مَكَان فَإِذا سُئِلَ عَنهُ فِي الحشوش والأمكنة القذرة أَبى ذَلِك ثمَّ هُوَ رب كل شَيْء وإله كل شَيْء ثمَّ عِنْد التَّفْسِير فِيمَا يقبح يَأْبَى إِلَّا أَنه لما يصير بِحَيْثُ ذَلِك الْإِطْلَاق يدْفع أَصله فَمثله مَا نَحن فِيهِ وَالله الْمُوفق ثمَّ احْتج لخصمه بقوله {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} قَالَ يُرِيد بِهِ آلِهَتهم كَقَوْلِه {أتعبدون مَا تنحتون} وَكَقَوْلِه {تلقف مَا يأفكون} قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ظَاهر الْآيَة ذكر خلق الْعَمَل فَلم يجز صرف ذَلِك إِلَى غَيره إِلَّا بِالْبَيَانِ مَعَ مَا فِي جَمِيع مَا ذكر نحتهم دَاخل وَكَذَلِكَ إفكهم مَا ذكر وَبِه عوبوا لَا بذلك الشَّيْء حَيْثُ فعلوا ثمَّ عبدُوا فكأنهم عبدُوا فعلهم فَمثله مَا نَحن فِيهِ أَيْضا أَنه لَو صرح بِالْآيَةِ آلِهَتهم بعد أَن ذكر مَعْمُولا فَإِذا لم يكن الله خلق الْعَمَل لم يجز لَهُ القَوْل بخلقه مَعْمُولا إِذْ

لَيْسَ هُوَ كَذَلِك مخلوقا فَثَبت أَن الْعَمَل مَخْلُوق ليعبدوا مخلوقا مَعْمُولا كَمَا ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ من عظم سفههم أَن احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {مَا جعل الله من بحيرة} وَتلك أَسمَاء تِلْكَ الْأَعْيَان فِي نفى خلق الْأَعْمَال بقوله ماجعل كَذَا وَهن أَسمَاء تِلْكَ الْأَعْيَان لَا الْأَفْعَال وَهن مخلوقات لَا شكّ ثمَّ يرد فَمَا ذكر الْعَمَل بالخلق إِلَى حَقِيقَة الْأَعْيَان ليدفع خلق الْأَفْعَال فَهَذَا يبين أَن رَأْيهمْ أَن لَا يقبلُوا عَن الله خَبره وَلَا يَرْجُو فِي أَمر إِلَى تَدْبيره وَالله أسأَل الْعِصْمَة عَن ذَلِك قَالَ وَاحْتَجُّوا أَيْضا بقوله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} إِنَّه على قَوْلكُم تَشْبِيه فعلكم خلقه فَقَالَ معَاذ الله بل فعلنَا عَبث وَفَسَاد وخضوع وذله وَفعله حِكْمَة وصواب وتفضل وتطول قَالَ وَلَيْسَ من حَيْثُ الْحَدث وَالْحَدَث وَالْخُرُوج من الْعَدَم تشابه لإختلاف الْجِهَة كَمَا لم يكن فِي عَالم وَحي وقادر لإختلاف الْمَعْنى قَالَ وَبعد فَإِن فعلنَا يُخَالف فعل الله لعَينه ثمَّ الإيجاد وَالْحَدَث معنى يُوجب التشابه وَإِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي الْأَعْيَان بِمَا يحل فِيهَا مَعَ مَا يُعَارض بقول جهم حَيْثُ قَالَ فِي تَحْقِيق الْفِعْل تشابه ثمَّ قَالَ الْعجب من إلزامهم التَّسْمِيَة بالإحداث وَلم يلزموا أنفسهم فِيمَا فعلوا فعل رَبهم فِي الْحَقِيقَة قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أثبت الله تَعَالَى التشابه من حَيْثُ الْفِعْل حَيْثُ قَالَ {خلقُوا كخلقه فتشابه الْخلق عَلَيْهِم} نفى أَن يكون من أحد خلق كخلقه وَأوجب لَهُم الْعذر فِي عِبَادَتهم مَا كَانُوا يعْبدُونَ لَو كَانَ مِنْهُم

خلق كخلقه ثمَّ لَا سَبِيل إِلَى مُعَاينَة كَيْفيَّة الْإِنْشَاء وَإِنَّمَا يعلم بالمنشأ إِنَّه فِي حق الْخُرُوج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَالْحَدَث من لَا أصل أَو هُوَ فِي حق الْكسْب والتحرك والسكون فَمن حقق للْعَبد من الْفِعْل من الْوَجْه الَّذِي يُحَقّق من الله فقد وجد خلق كخلقه إِذْ لَا وَجه لفعله غير ذَلِك وَلَو كَانَ بِالَّذِي يذكرهُ دفع لَكَانَ لَا وَجه للإحتجاج لأَنهم لَو أثبتوا يَقُولُونَ لَيْسَ ذَلِك كَذَلِك لِأَن الَّذِي مِنْكُم كَانَ بفلاح وَهَذَا النَّوْع من الخيال ثمَّ إتباع ذَلِك الْحَرْف وَدفع إِمْكَان حَقِيقَته بقوله {خَالق كل شَيْء} ليعلم كل أَنه أَي شَيْء أَضَافَهُ إِلَى أحد أَنه خلقه لم يقدروا عَلَيْهِ لوُجُود ضرورات لَهُ فِيهِ توجب تَدْبِير غَيره فِي ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد قَالَ الله عز وَجل {إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق} وَإِذا جعلت لكل عِنْد الْمَعْنى الَّذِي بِهِ وصف الله تَعَالَى بالخلق وَيذْهب كل بِالَّذِي مِنْهُ فَكَانَ فِي ذَلِك تثبيت آلِهَة ذهب كل بِمَا خلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا لَيْسَ من الله فِي الْخلق سوى الْوُجُود وَذَلِكَ بِعَيْنِه قد يُوجد فَأَي معنى بقى مِمَّا بِهِ تَمام التشابه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ من قَول الْمُسلمين فِي نفى تَشْبِيه الْخلق عَن الله لِأَنَّهُ من الْوَجْه الَّذِي يَقع فِيهِ تشابه يُوجب حَدثهُ بِحَدَث الآخر فَلَو لم يَقع من حَيْثُ الْحَدث تشابه لم يكن ينفى من حَيْثُ لُزُوم الْحَدث مَعَ مَا كَانَت الْحَوَادِث فِي الْأَجْسَام هِيَ أَدِلَّة حدثها وَحدث الْأَجْسَام هُوَ دلَالَة الْمُحدث الصَّانِع وَذَلِكَ كُله آيَة التشابه فَقَوله لَا يَقع بذا تشابه لَا معنى لَهُ إِذا فَإِن خلق الشَّيْء عِنْدهم هُوَ الْخلق وَلَا شكّ فِي الْخلق ذلة وخضوع وحاجة وعيوب وَشَيْطَان وَشر وفتنة وبلاء وَفَسَاد ونتن وخبث وقذر كل هَذَا أَوْصَاف فعل الله تَعَالَى عِنْد الْمُعْتَزلَة بقَوْلهمْ خلق

الشَّيْء هُوَ ذَلِك الشَّيْء فَكيف أنكر هَذِه الْأَحْوَال عَن خلقه وَقَوله هُوَ تطول وتفضل فَإِذا إِبْلِيس هُوَ خلقه عِنْدهم وَفعله فِي الْحَقِيقَة تطول وتفضل وَهُوَ خير وَحسن وَهُوَ حِكْمَة وصواب وَهَذَا كُله قَول وَحش لم يجز إِطْلَاق ذَلِك إِلَّا بصلات توضح المُرَاد فَمثله الَّذِي ذكر وَلَيْسَ من هَذَا الْوَجْه دفع التشابه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْعجب مِمَّن يعجب مِنْهُ وَفِي ذَلِك أَنه وَاحِد والتشابه والإختلاف أبدا تقع فِي الأغيار وَجُمْلَة ذَلِك أَنا نجد فعل العَبْد من الْوَجْه الَّذِي عَلَيْهِ أَمر الْعَالم لله فَثَبت أَن خَالق الْعَالم كُله وَاحِد وَإِنَّمَا يَجْعَل للْعَبد لَا من ذَلِك الْوَجْه وَالله الْمُوفق ثمَّ عَارض قَول خَصمه أَن من عاين أَعلَى القصبتين تتحركان لَا يفصل بَين الَّتِي يحركها الله وَالَّتِي يحركها آخر ثَبت أَنَّهَا تشابها فَزعم أَنه يجب الْفَصْل بَينهمَا بالبحث عَن السَّبَب قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله يُقَال لَهُ لَعَلَّ ملكا تحرّك أَو شَيْطَانا أَو دَابَّة تَحت الأَرْض فَأَي سَبَب لَهُ يصل بِهِ إِلَى مَا لله حَقِيقَة دون مَا لأحد من الْخلق لَا يُعلمهُ ليعلم أَن الله عِنْدهم لَا يقدر أَن يذهب بِمَا خلق وليعلم أَنه لشدَّة التشابه انْقَطع سَبِيل الْعلم بِهِ من حَيْثُ نَفسه على أَن السَّبَب لَيْسَ يفصل عِنْده فِيمَا كَانَ من الله إِذْ لَيْسَ غير الَّذِي يعاينه فَأنى يعرف ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ وَهَذَا كمستدل بِالشَّاهِدِ رُبمَا يعجز عَن الْفَصْل بَين الْقَدِيم والْحَدِيث بِمَا لم ينظر من وَجهه فَمثله الأول قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَذَلِكَ عَلَيْهِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن لَا سَبِيل فِي الأول إِلَى السَّبَب وَالْعلم بِهِ فِي الْحَقِيقَة مَعَ مَا لَيْسَ من الله غير الَّذِي نرَاهُ ليعلم بِهِ فَلَا معنى لهَذَا الثَّانِي أَن الَّذِي عَارض بِهِ لَا يجوز أَن يكون جِهَة وَاحِدَة يدل

على أَن الْحَدث والقدم إِنَّمَا هُوَ فِي أَنه لم ينظر إِلَيْهِ وأغفل عَنهُ حَيْثُ لم ير مَوضِع الدّلَالَة وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ ثمَّة مَا يفصل إِن كَانَ فَهُوَ فِي غَيره ثَبت أَنَّهُمَا بحث أَنفسهمَا شبيهات وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض هَل يعرف بِهِ المكتسب من غَيره قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَهِي الْمُعَارضَة أَن اشْتبهَ المكتسب لغيره حَتَّى لَا يعرف حَقِيقَة وَاحِد مِنْهُمَا ثَبت أَنَّهُمَا مخلوقان مَعًا لذَلِك وَبعد فَإِنَّهُ لَيْسَ على معرفَة المكتسب وَإِنَّمَا على معرفَة مَا لله لَا عرفه فِي خلقه لَا نفى عَنهُ مَا هُوَ لَهُ وَلَا أثبت لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ فَأَكُون كَاذِبًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ كفر وعَلى قَول الْمُعْتَزلَة لَا وَجه لمعرفته فتحيل أبدا على الشَّك وَلَا يصل إِلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنى الَّذِي نفى الله أَن يكون مَعَه إِلَه حَقَّقَهُ أهل الإعتزال سفها بِغَيْر علم وَذَلِكَ فِي وَقَوله تَعَالَى {إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق} وَالله الْمُوفق فَبلغ قَوْله إِنَّه لَا يعلم بِنَفس الْحَرَكَة أَنَّهَا مخلوقة فَيجب هَذَا فِي كل عرض نَحْو الْجمع والتفريق فَيبْطل أَن يكون فِي شَيْء من ذَلِك دلَالَة خلقه ثمَّ لَا سَبِيل إِلَى معرفَة حَقِيقَة الْأَعْيَان بِدُونِهَا فَكَأَن الله لم يقم دَلِيلا على خلقه بِكَوْن تِلْكَ بِاللَّه دون خلقه أبدا وَذَلِكَ قَول لم يتوهمه الشَّيْطَان لَعَلَّ أحدا من أوليائه يبلغ بِطَاعَتِهِ إِيَّاه هَذَا الْمبلغ نسْأَل الله الْعِصْمَة عَن ذَلِك وعَلى قَوْله إِن الشَّيْء لَا يدل على الله إِنَّمَا يدل إِذا علم سَببه إِسْقَاطه الدّلَالَة عَن الْأَجْسَام من أَن يعرف بهَا الله سُبْحَانَهُ قَالَ وَمن عَظِيم مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أَن دَلِيل خلق الْجِسْم حَدثهُ فَكَذَلِك كل مُحدث يدْفع هَذَا وَسَأَلَ الدَّلِيل وأيد ذَلِك بِمَا يجوز أَن يعرفهُ مُحدثا من لَا يعرف خلقا

قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أهل التَّوْحِيد إِنَّمَا تكلمُوا فِي حدث الْعَالم وثبات محدثه وَلَا أحد تكلّف القَوْل بِخلق الْعَالم وثبات خالقه فلولا أَنهم رَأَوْا بِالْأولِ كِفَايَة عَن الثَّانِي وَجعلُوا ثبات الْحَدث دَلِيلا مقنعا فِي الْخلق لصنعوا مثله لِأَن لكل إِلَيْهِ حَاجَة وَذَلِكَ مُمْتَنع وَقد احْتج بِخلق الْقُرْآن بالتبعص والتجزئة فَمثله فِي كل الْأَعْرَاض قَائِم فَيلْزم القَوْل بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ احْتج لَهُم بِخلق الشرور والأسقام وَإِن كَانَت ضارة لم لَا قلت فِي الْكفْر قَالَ الْفَقِيه وَهَذَا سُؤال لَا يسْأَله أحد على الإبتداء إِلَّا على الْمُعَارضَة إِذْ لم يسم خَالق هَذِه الْأَشْيَاء بهَا وَجب أَن يُسمى بخلقه أَفعَال الْخلق بأسمائها وَهَذَا نوع مَا لَيْسَ لغيره فعل فِي الْحَقِيقَة وَفِي أَفعَال الشرور ذَلِك فَأجَاب بِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَيست بشرور فِي الْحِكْمَة بل هِيَ رَحْمَة بِذكر التَّوْبَة وبزجر عَن الْمعْصِيَة وَالْكفْر لَيْسَ بحكمة بِوَجْه أَلا ترى أَنه لَا يجوز خلقه لَا عَن أحد وَيجوز فِي الأول قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَالْأول يُقَال لَهُ فِي خلق فعل الْكفْر قبيحا وَهُوَ بِذكر من عاينه عَظِيم فعله فَيفزع إِلَى الله بالعصمة عَنهُ بِمَ يذكرهُ حدث الَّذِي مِنْهُ فيدعوه إِلَى التَّوْحِيد ثمَّ يعرف بِهِ سفه من مِنْهُ ذَلِك وفسقه وَبِه يعرف إسمه وعواقبه ثمَّ يعرفهُ أَنه لَا يضر الصَّانِع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَوله لَا يخلقه لَا عَن أحد كَلَام من لَا يعقل مَا يَقُول وَإِلَّا فَهُوَ اسْم لفعل العَبْد فَكيف يكون وَلَا عبد وَهَذَا لمن يَقُول التحرك هُوَ زَوَال الْجِسْم وَهُوَ لايخلقه دونه فَيجب خلقه مِنْهُ حِكْمَة وعَلى ذَلِك جَمِيع الْأَعْرَاض وإماتة الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأسقام لَا يجوز أَن يخلقها لَا فِي أحد وَلَا أحد ثمَّ لم يمْنَع تحقق الْحِكْمَة لَهَا فَمثله الَّذِي ذكر وَالله الْمُوفق ثمَّ عَارض نَفسه بِأَنَّهُ إِذا قدرتم على إِخْرَاج الْأَعْرَاض من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود لم لَا جَازَ أَن يقدروا على ذَلِك فِي الْجِسْم

قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَيْسَ هَذَا تَقْدِير السُّؤَال وَلَكِن بِمَا لَيْسَ معنى خلق الْجِسْم إِلَّا خُرُوجه من الْعَدَم ووجوده بعد أَن لم يكن وَبِه وصفتم أَنفسكُم فِي فعل الْأَعْرَاض كَيفَ لَا جَازَ الْوَصْف بِخلق الْجِسْم وَلَيْسَ ثمَّة غير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَأجَاب بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ فَاسد لأنأ لم نحقق لنا فِي فعلنَا الْوَجْه الَّذِي هُوَ وَجه وجود الْجِسْم وَكَونه ليلزمنا ذَلِك وهم قد حققوا فيلزمهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ إِذْ لَيْسَ فعل زيد سوى فعل بقدرة وَأَنْتُم تَفْعَلُونَ بهَا كَيفَ فَعلْتُمْ فعل زيد قيل لِأَن زيدا لَا يقدرنا على فعله فَلم يفعل وَالله قد أقدركم على الْمَعْنى الَّذِي بِهِ كَانَ الْجِسْم فلزمكم مَا قابلناكم بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ وَاحْتج بالكاتب والمصور إِنَّه لَو أَرَادَ أَن يخرج الثَّانِي على مَا عَلَيْهِ الأول لم يُمكنهُ دلّ أَن الأول لم يخرج على ذَلِك بِهِ فَزعم أَولا أَنه يجوز أَن يكون كَذَلِك مَا أَلْقَاهُ الله فِيهِ تِلْكَ الْقُدْرَة فَإِن قيل لم لَا يأتى بِمثلِهِ فَأجَاب بِأَنا وَإِن كُنَّا نَفْعل بِتِلْكَ الْقُدْرَة نفعله بِأَسْبَاب لَا تَجْتَمِع بكليتها حَتَّى لَا يخرج مِنْهَا شَيْء من نَحْو الذِّهْن وَالْحِفْظ وأنواع الأشغال قَالَ وَلَو وَجب بِهَذَا مُحدث آخر ليجب بِهِ مُصَور آخر وعارض بِالْفِعْلِ إِنَّه لم يدل الْعَجز على أَنا لم نَفْعل وَلَو كَانَ الْعَجز يدل على مَا ذكرُوا كَانَ الثَّانِي إِذا كَانَ أحسن فَدلَّ أَن الأول لَهُ ثمَّ عَارض أَنه مَا يمنعهُ فَقَالَ لأَنا نَفْعل بِآلَة وقدرة وعلاج وفكر وَلَا مستوى هَذِه وَلَو اسْتَوَت أمكننا ذَلِك فَيُقَال لَهُ الْوُجُوه الَّتِي تمنعك هِيَ فعلك أَو لَا فَإِن قَالَ لَا أعظم القَوْل أَن علاجه وفكره وَنَحْو ذَلِك الله وَهُوَ الَّذِي أنكر خلق ذَلِك فقد أقرّ بِهِ وَإِن قَالَ بلَى قيل السُّؤَال عَن ذَلِك كُله أَن الْقَدَرِيَّة زعمت أَن الله لَو أبقاها وَقد أبقاها للْفِعْل وكل ذَلِك أَفعَال لَهَا الْقُدْرَة عَلَيْهَا فَمَا بالها لم تستو وَقد قصدت أَن تستوي وَكَانَت لَك الْقُدْرَة فَهَذَا يبين أَنه على غير تقديرك تخرج وَمَا ذكر من الْمَعْنى هُوَ الدَّلِيل الْوَاضِح

أَن قد يخرج أحسن من الأول وأسوى على قصد الإستواء إِن ذَلِك كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مَعَ مَا لَا يبلغ علم أحد إِلَى تَقْدِير حركته من الْهَوَاء وَالْمَكَان وَمن ارْتِفَاع الْيَد وإنخفاضها لَو اجْتهد كل الْجهد وَالْفِعْل لَا يَخْلُو عَنهُ ثَبت أَنه لغيره من هَذَا الْوَجْه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك لَا أحد يقْصد قصد بقبيح الْفِعْل وَقد يكون كَذَلِك ثَبت أَنه من ذَلِك الْوَجْه لَيْسَ لَهُ وَلَو جَازَ وُقُوع فعل من وَجه لَا يُعلمهُ وَلَا يُريدهُ وَلَو اجْتهد كل جهده ليعرف حَده ومبلغه وَيكون لَهُ على مَا هُوَ عَلَيْهِ ذَلِك الْفِعْل لجَاز مثله فِي جَمِيع الْعَالم وآيات الرُّسُل وَغَيرهَا وَالْقَوْل فِي المصور هُوَ القَوْل فِي الْفَاعِل وَفِي الصُّورَة هُوَ القَوْل فِي الْفِعْل لَا فرق بَينهمَا ثمَّ قَوْله لَو أبقى الله الْقُوَّة وَمن مذْهبه أَن الْقُوَّة لَا تبقى وَقْتَيْنِ لَا معنى لَهُ ثمَّ مَا عَارض من الْفِعْل فَهُوَ يختاره وَيعلم مَا يَفْعَله ويقصده فَهُوَ من ذَلِك الْوَجْه لَهُ وَقد بَينا فِي ذَلِك مَا لَيْسَ هُوَ بعالم بذلك الْوَجْه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الدَّلِيل عندنَا من طَرِيق الْقُرْآن على لُزُوم القَوْل بِخلق الْأَفْعَال قَوْله {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} فَلَو لم يكن جلّ ثَنَاؤُهُ خَالِقًا لما يجْهر وَيخْفى لم يكن ليحتج بِهِ على علمه وَمَعْلُوم جَوَاز الْجَهْل من غير الَّذِي يَفْعَله لم يكن للإحتجاج بِهِ بِفعل سواهُ معنى وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى قَالَ {هُوَ الَّذِي يسيركم فِي الْبر وَالْبَحْر} وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {وقدرنا فِيهَا السّير سِيرُوا فِيهَا ليَالِي} أخبر أَن تَقْدِير السّير والتسيير فعله وَبِه كَانَ السّير وَقَالَ {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} فِيهَا خبر أَن جعل الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة من آيَاته وَأَن منامكم

من آيَاته وابتغاؤكم من فَضله وَمن آيَاته وَمن الْبعيد إنْشَاء غَيره لَهُ من الْآيَات إِذْ ذَلِك الْفَاعِل أَحَق أَن تكون الْآيَة لَهُ وَهن كُلهنَّ أَفعَال الْخلق وَقَالَ {وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ رأفة وَرَحْمَة} وَقَالَ {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} وَقَالَ {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا} وَقَالَ {وَجَعَلنَا قُلُوبهم قاسية} وَفِي الْجُمْلَة قَالَ الله {فعال لما يُرِيد} وَفِي أَفعَال الْعباد مَا يُرِيد وَقد وعد أَن يفعل مَا يُرِيد وَقد ذمّ الله من أحب أَن يحمد على مَا لم يفعل وَقد ألزم الْمُؤمنِينَ أَن يحمدوه على الْإِيمَان ثَبت أَن كَانَ ذَلِك بِفِعْلِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل فِيهِ أَن دلَالَة خلق فعل كل أحد عِنْده أعظم من دلَالَة خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِيمَا أُرِيد تعرف حَقِيقَة ذَلِك بِالْعقلِ أَنه لَا أحد امتحن قوى جَوَاهِر الْعَالم حَتَّى يعلم خُرُوج كل شَيْء عَن ذَلِك وَاحْتِمَال خلق مثله بل إِنَّمَا يعرف ذَلِك بِخُرُوجِهِ عَن إِمْكَان مثله وَمَعْلُوم وجود أُمُور فِي غَيره من الْجَوَاهِر مِمَّا امْتنع جَوْهَر عَن احْتِمَال ذَلِك نَحْو الطيران وإخراق الْأَشْيَاء والسباحة بالجوهر وَغير ذَلِك بقوى فِيهَا وَيعلم كل أَن لَيْسَ لأحد من الْخلق تَدْبِير فِي فعله فَيعلم بِالضَّرُورَةِ بِمَا خرج عَن مَقْصُوده وَقصر عَن الْحَد الَّذِي يحده وَكَانَ مُقَدرا بِمَا لَا يحْتَمل وَسعه التَّقْدِير بِهِ فَيعلم بِهِ ضَرُورَة أَن الَّذِي بِهِ قَامَ هُوَ الَّذِي قدره وَأخرجه على مَا أَرَادَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا لم يكن عِنْد الْمُعْتَزلَة من الله إِلَى خلقه جملَة سوى أَنه أوجده بعد أَن لم يكن وَأَن الله لم يزل مَوْجُودا وَذَلِكَ الْمَعْنى فِي فعل كل أحد مَوْجُود على أَنه لَوْلَا الْأَمر والنهى لم يكن الْعقل يحْتَمل إِخْرَاج شَيْء عَن قدرَة الله وَصرف شَيْء إِلَى فعل غَيره وَالْأَمر والنهى مَحل حق مَعَ الْمَعْنى الَّذِي يلْزم القَوْل بِهِ لولاهما لم

قدرة العبد أو استطاعته

يزل ذَلِك فَيكون الْمَعْرُوف بِالْعقلِ وَمَا يُوجِبهُ ضَرُورَة ذَلِك مدفوعا بِالْجَهْلِ بالحكمة بالحادث وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز إِنْكَار الْأَمر والنهى بِمَا كَانَ فِي الْعقل من إِثْبَات قدرَة الله على كل شَيْء بل قدرته على أَشْيَاء لَا من شَيْء أَو إِحْدَاث أَعْيَان لَا عَن مِثَال أعجب من خلق فعل لآخر إِذْ لَوْلَا مَا للْآخر من الْقُدْرَة على ذَلِك لَكَانَ لَا يضطرب عَاقل فِي تَحْقِيق ذَلِك لله وَقدرته لَا يجوز أَن تنفى عَن الله قدرَة ذَلِك بِعَيْنِه فَيكون كالقادر على الشَّيْء بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى قدرَة العَبْد أَو استطاعته قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله الأَصْل عندنَا فِي الْمُسَمّى باسم الْقُدْرَة أَنَّهَا على قسمَيْنِ أَحدهمَا سَلامَة الْأَسْبَاب وَصِحَّة الْآلَات وَهِي تتقدم الْأَفْعَال وحقيقتها لَيست بمجعولة للأفعال وَإِن كَانَت الْأَفْعَال لَا تقوم إِلَّا بهَا لَكِنَّهَا نعم من الله أكْرم بهَا من شَاءَ ثمَّ يستأديهم شكرها عِنْد احتمالهم دَرك النعم وبلوغ عُقُولهمْ الْوُقُوف عَلَيْهَا إِذْ ذَلِك حق القَوْل فِي الْعُقُول وَهُوَ الْقيام بشكر الْمُنعم وَمَعْرِفَة حَقِيقَة النعم والنهى عَن كفران الْمُنعم وَالْجهل بِحَقِيقَة النعم وَلَوْلَا ذَلِك لم يحْتَمل أحد الْأَمر والنهى ابْتِدَاء بِلَا سبق مَا فِي الْعقل لُزُوم شكره وإتقاء كفرانه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي معنى لايقدر على تبين حَده بِشَيْء يُصَار إِلَيْهِ سوى أَنه لَيْسَ إِلَّا للْفِعْل لَا يجوز وجوده بِحَال إِلَّا وَيَقَع بِهِ الْفِعْل عِنْدَمَا يَقع مَعَه وَعند قوم قبله أعنى فعل الإختيار الَّذِي بِمثلِهِ يكون الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَبِه يسهل الْفِعْل ويخف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الدّلَالَة على قسْمَة الإستطاعتين قَول الله تَعَالَى {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} وَمَا قَالَ {لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ} ثمَّ الدّلَالَة على أَن الإستطاعة استطاعة الْأَسْبَاب وَالْأَحْوَال لَا استطاعة الْفِعْل وُجُوه أَحدهَا أَن قَوْله {فَمن لم يسْتَطع} وَإِنَّمَا هُوَ صَوْم شَهْرَيْن وَلَا أحد يعلم أَن قدرَة الْفِعْل لَا ترده تِلْكَ الْمدَّة ثَبت أَن المُرَاد من ذَلِك استطاعة الْوُجُود وَمثله أهل النِّفَاق لم يَكُونُوا يعلمُونَ الإستطاعة الَّتِي لَدَيْهَا الْأَفْعَال وَإِنَّمَا أَرَادوا بذلك الْمَرَض أَو فقد المَال على مَا بَين الله تَعَالَى بقوله {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} إِلَى قَوْله {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك وهم أَغْنِيَاء} وَدَلِيل آخر القَوْل الْمَعْرُوف أَن الإستطاعة الْمَوْجُود مِنْهَا لَا يبْقى إِلَى مُدَّة شَهْرَيْن وَلَا إستطاعة فعل الْجِهَاد تبقى من وَقت كَونهم بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَن يلْقوا عدوا بل هِيَ تتجدد وتحدث وَقد لَزِمَهُم الْخُرُوج قبل الْعلم بِأَنَّهَا تحدث أَولا وكذبوا بقَوْلهمْ {لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ} وحققوا فِي الأول نفى الإستطاعة فَثَبت أَن المُرَاد من ذَلِك استطاعة الْأَحْوَال والأسباب لَا الْأَفْعَال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه لَا يجوز أَن يكون الله تَعَالَى يعير قوما بالعناد فِيمَا يعلم أَنهم لَا يعلمُونَ وَأَن دَلِيل الْعلم بِهِ لم يظْهر لَهُم وقدرة الإحتمال الَّتِي يتَكَلَّم فِيهَا بمع وَقبل وَتبقى وَلَا تبقى لَيْسَ لأحد من الْعَوام تصور فِي الأوهام وَلَا ترجع إِلَيْهَا عُقُولهمْ ثَبت أَن الرُّخْصَة والمعاينة فِي أهل النِّفَاق فِيمَا يدركون ويعرفون وأيد ذَلِك قَوْله {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا} وَقَوله {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}

وَهَذَا النَّوْع مِمَّا أجمع على أَن الْخطاب لَا يلْزم دونه وَأَنه من الإستطاعات الَّتِي لَا يعير من عدمهَا بترك الْفِعْل وَلَا يُخَاطب بِهِ دون استكمال وعَلى ذَلِك تَأْوِيل قَوْله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقَوله {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا} إِنَّهَا مَذْكُور عِنْد ذكر الْأَسْبَاب وَالْأَحْوَال دون وُقُوع الْأَفْعَال وعَلى ذَلِك قَول جَمِيع من يُحَقّق للعباد الْفِعْل وَهُوَ النّظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا إِحَالَة الْأَمر بإستعمال سَبَب لَيْسَ لَهُ وَهَذِه أَسبَاب فَيُقَال أبْصر وَلَا بصر أَو مد يدك وَلَا يَد وَالثَّانِي أَن الْأَمر والنهى إِنَّمَا هما فِي أسداء الشُّكْر وتحذير الكفران فَلَا يحْتَمل أَن يفعل فِيمَا لم يظْهر ثمَّة نعْمَة وَلَا احْتمل مَعْرفَتهَا الوسع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالدّلَالَة على الإستطاعة الْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع} وَقَول صَاحب مُوسَى {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} ثمَّ قَالَ {ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} ثمَّ قَالَ {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} على تَحْقِيق قدرَة الْأَحْوَال نفاها إِذْ زَالَت الْأَفْعَال وَكَذَلِكَ قَوْله {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَغير ذَلِك ثمَّ الدَّلِيل على لُزُوم الكلفة دون حَقِيقَة هَذَا النَّوْع من الْقُدْرَة السّمع وَالْعقل فَأَما السّمع فَمَا أخْبرت من الْآيَات على نفى الإستطاعة ثمَّ الْأَمر والنهى والتعيير

على ذَلِك إِدْرَاك الْعقل ثمَّ الَّذِي يُوضح هَذَا أَيْضا قَوْله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَمَعْلُوم أَنه لَا سَبِيل إِلَى حَقِيقَة الْأَفْعَال حَتَّى يجد الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَو كَانَ لَا يجب إِلَّا بِوُجُود حَقِيقَة الْقُدْرَة قدرَة الْفِعْل لم يكن ليلزم أحدا ذَلِك إِذْ قدرَة الْأَفْعَال هِيَ الَّتِي تحدث على حُدُوث الْأَوْقَات وَالْحج غير وَاجِب حَتَّى ترد هِيَ وَهِي لَا ترد إِلَّا بِقطع الْأَسْفَار فَيكون لَهُ التَّخَلُّف إِذْ هُوَ غير وَاجِب وَكَذَلِكَ أَمر الْجِهَاد إِذْ لَو علم أَن الَّذِي مَعَه من قُوَّة الْأَسْبَاب لَا يبلغهُ لم يعرض عَلَيْهِ الْخُرُوج وَمَعْلُوم أَن قُوَّة الْعقل بعد الْبلُوغ لَيست مَعَه للْحَال وَقد لزمَه فَرْضه حَيْثُ عير من قعد وَكَذَلِكَ نجد الْقيام وَالصِّيَام وَنَحْو ذَلِك يكون لَهُ الْخُرُوج من ذَلِك بِالْبَدَلِ وَإِن كَانَ قدرَة حَقِيقَة الْفِعْل قد تُوجد بالجهد ثَبت أَن فرض الْأَشْيَاء لَيْسَ بهَا وَلَكِن بالأحوال وعَلى ذَلِك جَمِيع الْعِبَادَات من يعلم أَن لَيْسَ مَعَه السَّبَب مَا يتم بِهِ الصَّلَاة أَو الصّيام أَو الْحَج لم يُكَلف ابْتِدَاء ذَلِك ثمَّ كَانَت قُوَّة الْأَفْعَال لَا تبقى وَمَا بهَا يحتم غير مَوْجُودَة والتكلف لَازم وَكَذَلِكَ الزكوات تجب بالأموال وَالْأَحْوَال وَإِن احْتمل أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ الدّفع لأعذار ترد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك مَجِيء السّمع واتفاق الألسن على سُؤال المعونة من الله والتقوية على مَا أَمر من الْعِبَادَات فَلَو كَانَت هِيَ مَوْجُودَة أَو الْعِبَادَة تسْقط لعدمها كَانَ السُّؤَال سُؤال جور وَالْأَمر بكفران مَا أنعم عَلَيْهِ من الْقُوَّة ثَبت بِمَا ذكرنَا لُزُوم التَّكْلِيف دونه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك قَول شُعَيْب إِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت أثبت تَحْقِيق الَّذِي قَالَ بِوُجُود الإستطاعة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ فِي إِثْبَات الْقُدْرَة تَحْقِيق الْمَعْنى الَّذِي لَهُ أبطل القَوْل بِاثْنَيْنِ وَهُوَ أَن يقدر كل وَاحِد مِنْهُمَا على نفى مَا يُرِيد الآخر إثْبَاته أَو يسر أَحدهمَا مَا لَا يبلغهُ علم الآخر فَمن أقدر العَبْد على مَا لَا يعلم الله أَن لَا يكون وعَلى أَن يَجعله كَاذِبًا فِيمَا

أخبر بِهِ وعَلى أَن يتْلف مَا أَرَادَ الله إبقاءه قدر على تسفيه الله وتجهيله وَخَلفه فِي الْوَعْد وَمن ذَلِك وَصفه لَيْسَ بإله وبمثله نفوا قَول الثنوية مَعَ مَا فِي هَذَا أَمر عَجِيب أَن يكون الله يقوى أحدا على نقض ربوبيته إِذْ ملك تصييره كَاذِبًا وَقدر على جعله جَاهِلا وَعَن وَفَاء مَا وعده عَاجِزا وَهَذَا النَّوْع من الأقدار لَا يَفْعَله أسفه السُّفَهَاء فَكيف أحكم الْحَاكِمين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكون للبشر قدرَة نقض تَدْبِير الْعَالم وللرسل قُوَّة أَن لَا يظهروا لله حجَّة فِي الأَرْض وَأَن يمْتَنع كل مِنْهُم عَن الْوَجْه الَّذِي عَلَيْهِ مضى تَدْبِير الْعَالم وَهُوَ مبْنى على كَون أَحْوَاله على أَيدي الْبشر وَخلق الأَرْض وَالسَّمَاء وَالله تَعَالَى لم يكن لَهُ قدرَة على خلق تِلْكَ الْأَفْعَال وَالْأَحْوَال على أَيْديهم وَلَهُم قدرَة على أَن لَا يَفْعَلُوا شَيْئا من ذَلِك فَإِذا لَهُم عَلَيْهِ أرفع المنن وَأَعْلَى النعم إِذْ على الْقُدْرَة فِي منع تَقْدِيره ونفاذ تَدْبيره فعلوا الَّذِي بِهِ قَامَ تَدْبيره وَتمّ ملكه وسلطانه وعَلى مَا دبر وَشاء وَذَلِكَ أوحش قَول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ وجود القَوْل ظَاهر فِي الْخلق لَا أقدر لشغلي بِكَذَا أَو لَا أَسْتَطِيع بِنَقْل هَذَا عَليّ وَلم يجز أَن يكون الله ينْطق ألسن الْخلق على غير تمانع مِنْهُم بِمَا هُوَ كذب فِي الْحَقِيقَة وهم يعلمُونَ أَن مَعَهم استطاعة الْأَسْبَاب وَالْأَحْوَال فَثَبت أَن وَرَاء ذَلِك عِنْدهم قدرَة يذكرونها مَعَ الإعتذار فِي الْأَفْعَال لَا فِي الْجمل الَّتِي ترجع الأوهام إِلَى الْأَحْوَال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالنَّظَر فِي ذَلِك أَن الْقُوَّة إِذْ لَيست هِيَ من أَجزَاء الْجِسْم فَهِيَ عرض فِي الْحَقِيقَة والأعراض لَا تبقى إِذْ لايجوز بَقَاء مَا يحْتَمل الفناء إِلَّا بِبَقَاء هُوَ غَيره وَالْعرض لايقبل الأغيار بِمَا لَا قيام لَهُ بِذَاتِهِ ومحال بَقَاء الشَّيْء بِبَقَاء فِي غَيره فَبَطل الْبَقَاء ثمَّ فَسَاد حَقِيقَة الْأَفْعَال بِأَسْبَاب مُتَقَدّمَة إِذْ لم تكن هِيَ وَقت الْفِعْل فَمثله قُوَّة الْفِعْل فَيلْزم القَوْل بالكون مَعَ الْفِعْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا أَن الْقُوَّة إِذْ هِيَ للأفعال وَجَائِز حُدُوث الْعَجز بعد الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ فَلَو كَانَت الْقُدْرَة للْفِعْل بعْدهَا لكَانَتْ لما هُوَ عَنهُ عَاجز وَذَلِكَ متناقض فَاسد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن القوى لَو كَانَت لأحوال ترد لَكَانَ بهَا يسْتَغْنى عَن الله فِي جَمِيع الْأَفْعَال قبل وجود الْأَفْعَال وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ صير الْخلق جَمِيعًا فُقَرَاء إِلَيْهِ وَهُوَ الْغَنِيّ الحميد لم يجز أَن يَقع لَهُم الْغنى عَنهُ بِأَحَق مَا لزمتنا الْحَاجة وَالْأَصْل أَنَّهَا إِذْ كَانَت لَا تبقى تَزُول حَاجَة الْبَقَاء وَالْفِعْل لَيْسَ بموجود فَيصير غَنِيا عَن الله قبل كَونه وَذَلِكَ قَبِيح فِي السّمع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الْقُوَّة لَيست تعلم لذاتها وَلَا لَهَا حد يعلم حَقِيقَتهَا سوى مَا جعل الله على حَقِيقَة كَونهَا من الْعقل وَالْعقل لَيْسَ بموجود قبل كَونه وَبهَا وجوده ثَبت أَنه شهد لَهَا وَقت كَونه لَا قبله وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَنه لَا يُوجد قَادر غير فَاعل الْبَتَّةَ كَمَا لَا يُوجد عَاجز فَاعِلا لم يجز الْقَضَاء بِالْقُدْرَةِ وَنفى الْفِعْل كَمَا لَا يجوز الْعَجز ووجوده إِذْ هما جَمِيعًا فِي الْخُرُوج عَن الْمَوْجُود وَاحِد مَعَ القَوْل بالبعد عَن ذَلِك من طَرِيق الْعقل من حَيْثُ يضاد الْمَعْنى فِي الْحَقِيقَة وَلَيْسَ بِالْمَوْتِ وَنَحْوه مُعْتَبر لِأَن الْمَوْت عجز فِي الْجُمْلَة وَلَيْسَت الْحَيَاة بقدرة فِي الْجُمْلَة وَلما يجوز وجود الْحَيَاة أوقاتا لَا فعل مَعهَا وَلَا يجوز وجود قَادر وَقْتَيْنِ لَا فعل لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنا نجد الْأَسْبَاب فِي الشَّاهِد إِذْ كَانَت بِحَيْثُ لَا تُوجد دون مَا هِيَ لَهُ سَبَب أوقاتا يُوجب كَون الْأَشْيَاء مَعَ مَا كَانَ ذَلِك اخْتِيَارا أَو اضطرارا من ذَلِك نَحْو الْخُرُوج مَعَ الْإِخْرَاج والزوال مَعَ الْإِزَالَة والألم مَعَ الضَّرْب واللذة مَعَ الملذ والتعب والعناء مَعَ الْفِعْل ثمَّ الإختيار من ذَلِك نَحْو ولَايَة الله مَعَ الْإِيمَان

وعداوته مَعَ الْكفْر وَكَذَلِكَ الْقبُول وَالرَّدّ وَنَحْو ذَلِك وعَلى ذَلِك حق التَّسْمِيَة بالأشياء وَالْحكم بهَا وَإِن كَانَ الله تَعَالَى مَوْصُوفا بِالْفِعْلِ فِي الْأَزَل فَإِنَّهُ عِنْد الإقتران ذكره بِغَيْرِهِ يذكر الْوَقْت لَهُ مَا لذَلِك الْغَيْر كَمَا يُقَال لم يزل عَالما بِهِ كَائِنا وَقت كَونه وموجودا وَقت وجوده وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَوجه آخر مِمَّا زعم جمَاعَة الْمُعْتَزلَة أَن الْمَمْنُوع لَا بفوت الْقُدْرَة يَقع لَهُ الْفِعْل مَعَ الْإِطْلَاق فَمَا أَنْكَرُوا ذَلِك بفوت الْقُدْرَة وَالْمَنْع وفوت الْقُدْرَة فِي إِحَالَة الْفِعْل مَعَه وَاحِد مَعَ مَا لَا يجوز وجود الْفِعْل فِي حَال وُقُوع الْمَنْع بِحَال وَيجوز مَعَ فقد الْقُدْرَة بِمَا تقدم من الْقُدْرَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الْقُدْرَة لَو لم تكن لَهَا فعل وَهِي مَوْجُودَة وَيكون بهَا فعل وَهِي غير مَوْجُودَة فَتكون سَببا لفعل إِذا عدم الْقُدْرَة فِي التَّحْقِيق فَيصير القَوْل بِهِ قولا بِوُجُود الْفِعْل بِعَدَمِ الْقُدْرَة فَيكون الْفِعْل دَلِيلا أَن لَيْسَ الْفَاعِل بِقَادِر وَبِه استدلوا على أَن الله قَادر فَبَطل مَوضِع الإستدلال بِالشَّاهِدِ إِذا لحق فِيهِ أَن يعلم أَنه كَانَ غير قَادر وَقت الْفِعْل فَيصير الْفِعْل دَلِيل نفى الْقُدْرَة وَفِي ذَلِك إبِْطَال التَّوْحِيد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن وجود الْقُدْرَة إِذْ كَانَت لَا تَنْفَع وَهِي مَوْجُودَة فوجودها وَقت الْوُجُود وَعدمهَا سَوَاء وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بِالْفِعْلِ لَا بقدرة عَلَيْهِ الْبَتَّةَ أَو يَجْعَل الْقُدْرَة مَعَه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة

مَسْأَلَة القَوْل فِي صَلَاحِية الْقُدْرَة للضدين وتكليف مَا لَا يُطَاق قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ اخْتلف أهل هَذَا القَوْل فِي قُوَّة الطَّاعَة أَهِي تصلح للمعصية أم لَا قَالَ جمَاعَة هِيَ تصلح للأمرين جَمِيعًا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وجماعته وَهَذَا القَوْل أثْبته جَمِيع أهل الإعتزال عِنْد التَّأَمُّل ويحقق عَلَيْهِم القَوْل بتحقيق مَا لَا يُطَاق وَذَلِكَ سببهم فِي القَوْل بتقدم الْقُوَّة وَالله الْمُوفق وأصل هَذَا أَنه لما كَانَ سَبَب من أَسبَاب القَوْل يصلح للشَّيْء وضده فَكَذَلِك الْقُدْرَة مَعَ مَا فِي نفى أَن يصلح للأمرين فَوت الْقُدْرَة على فعل ضد الَّذِي جَاءَ بِهِ وَقد يُؤمر بِهِ وَينْهى عَنهُ فِي وقته فَيلْزم القَوْل بِالْقُدْرَةِ على الشَّيْء وصده ليَكُون الْأَمر والنهى على الوسع وَالْقُوَّة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل أَن كل شَيْء يصلح لشَيْء لَا يصلح لضده فَيكون الَّذِي بِهِ بالطبع لَا بالإختيار وَلَو كَانَت الْقُوَّة لَا تصلح لَهما لَكَانَ مَا كَانَ يَقع بالطبع لَا بالإختيار وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم قُوَّة الطَّاعَة هِيَ غير قُوَّة الْمعْصِيَة مِنْهُم الْحُسَيْن وَغَيره وهم يذهبون إِلَى أَن قُوَّة الطَّاعَة التَّوْفِيق والعصمة وَقُوَّة الْمعْصِيَة الخذلان وَالتّرْك على مَا يخْتَار وَدَلِيل ذَلِك وجود سُؤال المعونة والعصمة على الْإِحَاطَة أَن لَيْسَ مَعَهُمَا زيغ والتوفيق على الْإِحَاطَة أَن مَعَه الْإِصَابَة وَكَذَلِكَ القَوْل الظَّاهِر باللهم قوني على طَاعَتك وأعني عَلَيْهَا وبتعوذ من الخذلان والإزاغة ثَبت لَو كَانَ يكون بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يكون بِالْآخرِ لم يكن الَّذِي يسْأَل بالسؤال أَحَق من الَّذِي

يتَعَوَّذ مِنْهُ وَلَو كَانَ يكون بالعصمة زيغ لم يكن يطمئن الْقلب عِنْد الْوُجُود فَثَبت أَن قُوَّة كل نوع من ذَلِك غير قُوَّة النَّوْع الآخر وَثَبت بِمَا يسْأَل الْعِصْمَة والتوفيق كَمَا يسْأَل المعونة والتقوية أَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَة وَاحِد وَأَيْضًا أَنه لَا أحد يُطلق القَوْل فِي الْكَافِر أَنه موفق للْإيمَان مَعْصُوم عَن الْكفْر وَلَا أحد يمْتَنع عَنهُ فِي الْمُؤمن ثَبت أَن معنى ذَلِك المعونة على الْإِيمَان وَالْآخر الخذلان وَأَيْضًا أَن الْقُوَّة إِذْ هِيَ لَا تبقى وَقْتَيْنِ ليصلح بهَا الفعلان وَلَا سَبِيل إِلَى جمع الْفِعْلَيْنِ المتضادين فِي وَقت وَاحِد ثَبت أَن ذَلِك قُوَّة لأَحَدهمَا لَا لَهما وَأَن الَّذِي يكون لَهما يبْقى لاحتمالهما وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الْقُوَّة لَا يجوز وجودهَا إِلَّا وثمة اخْتِيَار كالنار فِي التحريق والثلج فِي التبريد إِنَّه يَقع بِهِ الَّذِي لَهُ طبع بالإضطرار وَذَلِكَ كالولاية مَعَ الْإِيمَان والعدوان مَعَ الكفران سببهما مُخْتَلف على اخْتِلَافهمَا فَمثله أَمر الْقُوَّة على الْأَمريْنِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر طرفا مِمَّا يبين قبح قَول الْمُعْتَزلَة عِنْد التَّحْصِيل وَإِن كَانَ قَوْلهم فِي الْإِطْلَاق قولا لذيذا فِي السّمع يشبه أَن يكون حَقًا وَالله الْمُوفق وَهُوَ من أَن قَوْلهم أَن الْقُدْرَة لَا تبقى وَقْتَيْنِ وَأَنَّهَا لَيست وَقت الْفِعْل فَوَقع الْفِعْل فِي الْحَقِيقَة وَلَا قُوَّة لَهُ وَقت وجوده وَذَلِكَ علم الإضطرار وَوُقُوع الْفِعْل بالطبع ثمَّ الدّلَالَة أَن حق مثله الإضطرار أَن فقد جَمِيع الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا الْفِعْل لوقته يحِيل الْفِعْل ويوصف صَاحبه بالإضطرار ففوت الْقُدْرَة الَّتِي لَهَا الْفِعْل أَحَق بذلك فصيروه مُضْطَرّا إِلَى مَا يصير بِهِ وليا لله تَعَالَى وعدوا لَهُ عِنْد الإختيار وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَيْضا أَن من قَوْلهم إِن من أَرَادَ التحرك للْوَقْت الثَّانِي مِنْهُ أَنَّهَا تقع لَا محَالة وَلَا يقدر صرفهَا إِلَّا بِمَنْع من قبل غَيره وَذَلِكَ آيَة الضَّرُورَة ثمَّ وَجَبت الْولَايَة والعداوة بِمثلِهِ وَذَلِكَ وَحش فِي الْعقل

وَأَيْضًا أَن من قَوْلهم أَن لَيْسَ عَلَيْهِ وَقت الْفِعْل أَمر وَلَا نهى إِلَّا على الْمجَاز لما يَقُوله الْمُسلمُونَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه مَأْمُور بِهِ بِمَعْنى أَن كَانَ من قبل ليفعل فِيهِ فَإِذا لم يكن هُوَ مَأْمُورا بِهِ وَلَا مَنْهِيّا لم يكن بِالْفِعْلِ مؤتمرا وَلَا مرتكبا النهى وقته وَبِه تجب الْعَدَاوَة وَالْولَايَة فصارا فِي الْحَقِيقَة لَا لطاعة وَلَا لمعصية أَو لَا أَمر وَلَا نهى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك قَوْلهم إِنَّه مَأْمُور بِالْفِعْلِ فِي الْوَقْت الثَّانِي وَفِي الثَّانِي مَأْمُور بِهِ فِي الْوَقْت الثَّالِث كَذَلِك أبدا فَلَا يفعل الَّذِي أَمر بِكُل وَقت وَلَيْسَ بتارك لِلْأَمْرِ لما لَيْسَ بمأمور وَقت التّرْك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل الَّذِي فِي الْعقل دركه أَن كل مَأْمُور بِالْفِعْلِ للغد لَيْسَ بمأمور هُوَ بِهِ للْحَال فَكَذَلِك يجب فِي الْوَقْت الْقَرِيب فَيجب أَن الَّذِي أَمر بِالْفِعْلِ للْوَقْت الَّذِي يتلوه لَيْسَ بمأمور بِهِ للْحَال فِي الْعقل ثمَّ لَيْسَ بمأمور بِهِ فِي الْوَقْت الثَّانِي عِنْدهم وَلَا منهى عَن ضِدّه فَيبْطل حَقِيقَة الْأَمر والنهى بِمَا فِي الْعقل إحتماله على قَوْلهم وَيبْطل قوهم بِمَا فِي الْعقل دَفعه وهم مَعَ ذَلِك لَا يجْعَلُونَ لَهُ قدرَة فِي ذَلِك الْفِعْل فَيكون تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق على قَوْلهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْمَسْأَلَة بَينهم وَبَين الْحُسَيْن لَا معنى لَهَا لِأَن الْحُسَيْن يَقُول كل شَيْء يكون بِهِ فعل الطَّاعَة كَانَ مَعَ الْكَافِر سوى الْعِصْمَة والتوفيق وهم وافقوه بِأَنَّهُ لَا يُوصف بعصمة وَلَا توفيق فَحصل اخْتلَافهمْ على تَسْمِيَته قُوَّة أَولا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل عندنَا فِي الْمَسْأَلَة أَن وجود الْفِعْل وَلَا قُوَّة لمن لَهُ الْفِعْل عَلَيْهِ يبطل معنى الْفِعْل ويصرفه إِلَى غَيره وَكَذَلِكَ وجود الْفِعْل مِمَّن هُوَ جَاهِل بِهِ وَهُوَ غير جَائِز ثمَّ كَانَ الْخطاب لَازِما بِسَبَب الْعلم وَإِن لم يكن حَقِيقَته مِمَّا لَو طلب

يظفر بِهِ فَكَذَلِك الْقُدْرَة والفاجر بِالَّذِي لَا يلْزمه الكلفة لفوت مَا بِهِ يُطَاق بِهِ كَمَا لَا يلْزم الْمَجْنُون لفوت مَا يعلم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر مَا ذكره الكعبي مِمَّا يبين وهمه فِي قضاياه زعم أَن تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق قَبِيح فِي الْعقل بالبديهة وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعقل الَّذِي لَا يعرف الطَّاقَة غير الْقُوَّة الظَّاهِرَة وَهِي الصِّحَّة وَأما غَيرهَا فَلَيْسَ كَمَا يَقُول بل كلف الله صَاحب مُوسَى بِمَا يعلم أَنه لَا يَسْتَطِيع وَكَذَلِكَ تَكْلِيف مَا يجهل مثله فِي البديهة قسمته فَمثله الأول ثمَّ يُقَال لَهُ وَكَذَلِكَ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق لوقت الْفِعْل قَبِيح فِي الْعقل وَالَّذِي ادعيته من الْقبْح إِنَّمَا هُوَ فِي عقول من يحِيل وجود الْفِعْل وَلَا قُوَّة وَذَلِكَ وَقت الْفِعْل فَصَارَ قَوْله عِنْد التَّحْصِيل هُوَ الْقَبِيح فِي الْعقل إِن صدق فِيمَا ادّعى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما الأَصْل أَن تَكْلِيف من منع عَنهُ الطَّاقَة فَاسد فِي الْعقل وَأما من ضيع الْقُوَّة فَهُوَ حق أَن يُكَلف مثله وَلَو كَانَ لَا يُكَلف مثله لَكَانَ لَا يُكَلف إِلَّا من يُطِيع وَلَيْسَ ذَلِك شَرط المحنة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَعِنْدنَا أَن الْقُدْرَة فِي الصَّحِيح السَّلِيم إِذْ هِيَ تحدث تباعا على قدر حرص الْعباد وإختيارهم وميلهم إِلَيْهَا فَمَا لم يحدث لم يحدث بتضيعهم إِذْ آثر وَا بذله واختاروا الْفِعْل الَّذِي يدفعهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى مثل هَذَا التَّقْدِير عندنَا وَعِنْدهم أَمر الْفَهم وَالْعلم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ ذكر معنى يدل على سفهه فَقَالَ لَو جَازَ التَّفْرِيق بَين الله وَبَين مَا يكون من غَيره لجَاز أَن يكون الْكَذِب من غَيره يكون مِنْهُ صدقا فَلَا أدرى أَي

شَيْء دَفعه إِلَى هَذَا الخيال وَقد بَينا بِخُرُوجِهِ ذَلِك وتعنته فِيمَا ادّعى على أَنه لَا يَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يَجْعَل كل شَيْء يعرفهُ فِي الشَّاهِد من الْبشر حِكْمَة أَو سفها يَقُول بِهِ فِي الْغَائِب أَو ينظر إِلَى الْمَعْنى الَّذِي لَهُ صَار كَذَلِك فِي التَّحْقِيق فَنَقُول بِهِ فِي الْغَائِب فَإِن قَالَ بِالْأولِ لزمَه ذَلِك فِي خلق مَا لَا ينْتَفع بِهِ وَفِي خلق الشَّيْء من لَا شَيْء وَفِي التعذيب من غير دفع ثمَّ يُقَال نَفسه فِي إِجَازَته قَوْله بِالْكَذِبِ فمهما أجَاب من شَيْء فَذَلِك لَازم لَهُ فِيمَا قَالَ وَإِن نظر إِلَى الْمَعْنى أبطل قَوْله ذَا ببديهة الْعقل وَذَا لَا يجوز لَهُ وَهَذَا النَّوْع من الخيال الَّذِي لَا أصل لَهُ فَلَا وَمَتى تدْرك حقائق الْأَشْيَاء ببداهة الْعُقُول وَإِنَّمَا الْعُقُول ركبت مُمَيزَة بَين مُخْتَلف الْأَشْيَاء بمعانيها الَّتِي توجب الإختلاف ومؤلفة بَين مجتمعها بمعاني توجب الْجمع وَذَا حق الْفِكر وَالنَّظَر ليوصل بهما إِلَى ذَلِك ثمَّ لَا أحد يعلم عَالما بِشَيْء لَا علم لَهُ بِهِ قَادِرًا على شَيْء لَا قدرَة عَلَيْهِ بل كل مَعْرُوف ينفى الْقُدْرَة وَالْعلم مَوْصُوف بِالْجَهْلِ وَالْعجز إِذا احْتمل الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ وَالْعلم إِنَّه عَالم قَادر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِن رَجَعَ إِلَى اعْتِبَار الْمعَانِي الَّتِي هِيَ أَسبَاب حقائق الْأَشْيَاء فَذَلِك لَهُ مُسلم وَلَا معنى لقَوْله ببديهة الْعقل إِنَّمَا ذَلِك حق الطباع ونفاره ثمَّ يُنكر أَن يكون فِي خلق الله قبيحا فِي الْحَقِيقَة وشرا وَفَسَادًا على وجود مَا لَا يُحْصى من ذَلِك على هَذِه الْأَوْصَاف بالعقول بل الله جلّ ثَنَاؤُهُ بِمَا جعلهَا كَذَلِك صرف بهَا مثل مَا قبح من الْأَفْعَال وتقطيع منظره أوعد بِهِ ذُو عقل أَيْن الَّذِي يُنكر مثل هَذَا من دَعْوَى بداية الْعُقُول ثمَّ لم يزل أئمتهم كلموا الثنوية بِجَوَاز كَون الْخَيْر وَالشَّر وَالطّيب والخبيث من وَاحِد ليدفعوا بِهِ القَوْل بالإثنين ثمَّ رجعُوا إِلَى إِحَالَة أحد الْوَجْهَيْنِ عَن الله فَمن حق الْوَجْه الآخر فِي الْمَوْجُود فِي الْعَالم أوجب مَا قَالَت الثنوية وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ دفع مَا عورض بِخلق شَيْء لَا ينْتَفع بِهِ بِمَا لم يدل ذَلِك على تَكْلِيف الزَّمن فَهَذَا يبين أَن الَّذِي قَالَ ببديهة الْعقل كذب وَأَنه إِنَّمَا ادّعى الْقيَاس على مَا وَافقه خَصمه عَلَيْهِ لَا غير ثمَّ حصل بِمَا عَارض بِهِ خَصمه مِمَّا ادّعى ببديهة الْعقل على من يثبت صدقا مِمَّا هُوَ كذب فِي الشَّاهِد ثمَّ أجَاب بِمَا يُوجد احْتِرَاز النَّفْع بِالْفِعْلِ لَا يحِق عَلَيْهِ ثَبت أَن مَا قبح مِنْهُ لم يقبح لعَينه وَكَذَلِكَ يجد خَصمه مِمَّا يقدر عَلَيْهِ لَا يجوز التَّكْلِيف بِهِ ثَبت أَن ذَلِك لم يقبح لنَفسِهِ نَحْو الْفَوَاحِش وَالْكفْر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَذَا أولى لما يَجِيء مثل هَذَا من الصغار لَا يلْحقهُ وصف فحش وَلَا كفر وَلَا يَجِيء مِنْهُم فعل غير نَافِع نَفسه يُوصف بالحكمة وَالَّذِي قَالَ من إِصْرَار النَّفْع فَهُوَ من ذَلِك الْوَجْه حِكْمَة وَلَكِن من وَجه الضَّرَر صَار كَذَلِك وَهُوَ ضَرَر الْعَاقِبَة أَو كفران النِّعْمَة أَو مُخَالفَة الرب فِي الْفِعْل وَإِذا كَانَ بِهِ دَفعه وَلَزِمَه السُّؤَال وَلم يلْزم خَصمه فِيمَا عَارضه بالزمن الَّذِي أَجَابَهُ مِمَّا ينْقض عَلَيْهِ ليعلم بِهِ بعده عَن الْحق فِيمَا يُوَافق عَلَيْهِ وَيُخَالف فِيهِ جَمِيعًا ثمَّ إِن جَوَاب خَصمه سهل وَهُوَ مَا بَينا وَالله أعلم ثمَّ قَالَ ذَلِك الَّذِي قيل فِيمَن يفعل لحَاجَة قيل وَالْأول أَيْضا قبح مِمَّن لَا يملك التقوية لَو طلب مِنْهُ وتضرع إِلَيْهِ ثمَّ عَارض نَفسه بِمن يدْفع إِلَى عَبده مَا يعلم أَنه يعصيه بِهِ فَقَالَ قد يكون ذَلِك حِكْمَة نَحْو من يعلم بِخَبَر الرَّسُول أَنه لَا يُؤمن يجوز أَن يطعمهُ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعلم من تَأمله جَهله بِمَا عَارض بِهِ نَفسه لِأَن الَّذِي ذكره لَا يجوز أَن يُعْطِيهِ ليؤمن بذلك بعد علمه بِأَنَّهُ لَا يفعل وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ لمنافع سوى هَذَا والمعتزلة تزْعم أَنه أعْطى الْقُوَّة ليؤمن بهَا وَهُوَ يعلم أَنه يكفر بهَا فَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا قدر فِي شَيْء ثمَّ الْمُعَارضَة كَانَت فِيمَن يعصيه فَلَا أحد يعد نَفسه فِي الْحُكَمَاء إِذا علم أَن عَبده بِالَّذِي يُعْطِيهِ يعصيه وَلَا يكْتَسب رِضَاهُ بل يعْمل بعداوته وَشَتمه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَلَكِن ذَا عندنه إِنَّمَا قبح فِي الشَّاهِد لِأَن ذَلِك يضرّهُ وَيدخل عَلَيْهِ الْأَلَم وَذَلِكَ لَا يحْتَمل أَمر الْغَائِب وَالله الْمُوفق ثمَّ قَالَ لِأَن لَيْسَ لمن حضر أَن يمْتَحن وَنَحْو ذَلِك فَأنى لَهُ هَذَا بعد تَقْدِير فعل الْغَائِب بِالشَّاهِدِ على تَحْقِيق مَا يجد فِيهِ لِأَنَّهُ يُقَابل بِجَمِيعِ مَا أنكر وَادّعى الْخُرُوج من الْحِكْمَة أَن ذَلِك فِي فعل من ذَلِك وَصفه فَأَما الله سُبْحَانَهُ وحكمته فَهُوَ متعال عَن وقُوف عقل مثله على حَقِيقَة ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد بَينا تَأْوِيل قَوْله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَبينا قبح قَوْله فِي إِسْقَاط التَّكْلِيف وَقت الْفِعْل وَإِبْطَال الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَيصير فِي التَّحْصِيل هُوَ الْمُكَلف على غير الوسع على أَنه يُقَال كَيفَ لَو كَانَ فِي علم الله أَنه لَا يفعل أَو فِي علمه أَنه يُرِيد الْفِعْل فِي الْوَقْت الَّذِي يتلوه وَمن قَوْلكُم إِن من أَرَادَ الْفِعْل فِي الْوَقْت الَّذِي يتلوه إِنَّه يَفْعَله لَا محَالة إِلَّا أَن يمْنَع أَن يَفْعَله أيمنع أَو يفعل ضِدّه فَإِن قَالَ يفعل ضِدّه أبطل قَوْله فِي كَون الْإِرَادَة قبل الْفِعْل وألزم نَفسه الْأَمر مَعَه وَالْقُدْرَة مَعَه وَبَطل قَوْلهم فِي الْإِرَادَة الْمُوجبَة وَإِن قَالَ يمْنَع فقد ألزم من فِي علم الله أَنه لَا يفعل التَّكْلِيف بِقُوَّة تمنع عَن الْفِعْل وَهُوَ فِي التَّحْقِيق تَكْلِيف الْعَاجِز الْمَمْنُوع وَإِن كَانَ بِرَفْع الكلفة أبطل أَن يكون أحد مِمَّن فِي علم الله أَنه لَا يُعْطِيهِ مِمَّا تضمنته المحنة وَلَزِمَه الْأَمر والنهى وَذَلِكَ غَايَة مَا ينتهى إِلَيْهِ القَوْل فِي الْقبْح وعَلى ذَلِك أَمر الْإِرَادَة إِن الله إِذْ يمنعهُ عَن الْفِعْل الَّذِي فِي حكمه أَنه لَا يَفْعَله لَا بُد أَن يمنعهُ كالإرادة وَفِي ذَلِك منع عَن الطَّاعَة إِذْ يمنعهُ عَن الْفِعْل الَّذِي فِي علمه أَنه لَا يَفْعَله لَا بُد أَن يمنعهُ بالإرادة وَفِي ذَلِك منع عَن الطَّاعَة عِنْده وَالْخَيْر ثمَّ يُقَال المروى عَن الَّذِي روى أَنه سل سَيْفه على رَسُول الله فَمَنعه الله بِقَبض يَده أَكَانَ ذَلِك الْمَنْع أصلح لَهُ فِي الدّين وأخير لَهُ أَو الْإِطْلَاق فَإِن قَالَ الْإِطْلَاق فقد أقرّ بِأَن الله قد يفعل بعباده

مَا كَانَ غَيره أصلح فِي الدّين وَإِن قَالَ الْمَنْع فقد أقرّ أَن الْمَنْع قد يكون أصلح فَكل عَاص لم يمْنَع عَنهُ لم يفعل بِهِ الْأَصْلَح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه واحتجاجه بقوله {لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ} قد بَينا مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَمَا يظْهر أَن خَصمه أَشد لاتباع ذَلِك ومعرفته مِنْهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض بِمَا لَا يُحَقّق لَهُم الْعذر بالفقر إِلَّا بِمَا لَا يتهيأ لَهُم الْفِعْل وَذَلِكَ الْمَعْنى فِي فقد الْقُدْرَة مَوْجُود قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله جَوَابه من أوجه ثَلَاثَة أَحدهَا أَن الَّذِي مَعَه من المَال لَو لم يبلغهُ لم يعرض عَلَيْهِ وَقُوَّة فعل الْبلُوغ لم تكن مَعَه فَلم يمْنَع الْغَرَض فَمثله أَمر وجود الْأَمريْنِ محَال للْحَال وعدمهما وَأَيْضًا أَن الْأَمر الْمُعْتَاد أَن تحدث القوى تباعا على قدر مَا يختاره العَبْد وَيُرِيد من الْفِعْل فَهِيَ تحدث لَا محَالة إِلَّا أَن تضيعها هُوَ بِصَرْف الإخيار إِلَى غير مَا يفعل بهَا فبالتضييع عدم هَذِه الْقُدْرَة وَالْأُخْرَى بِالْمَنْعِ لذَلِك اخْتلفَا وَالثَّالِث إجَازَة وجود الْفِعْل فِي حَال لَا قدرَة فِيهَا وَلَا يجوز فِي حَال لَا سَبَب بِهِ يحدث الْقُدْرَة ثَبت أَن أحد الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بنظير للْآخر وَالله الْمُوفق ثمَّ عَارض بِجَوَاز الْأَمر بِالْخرُوجِ على أَن يُعْطوا المَال مَعَه وَزعم أَنه إِن أجَاز أبطل قَوْله وَإِن لم يجز ترك قَوْله فيجاب فِي هَذَا بالأوجه الثَّلَاثَة من التَّفْرِيق بالمبلغ وَغير الْمبلغ وبالأمر الْمُعْتَاد وَبِمَا يُنكر هُوَ الْفِعْل لوقت عدم الْأَسْبَاب وَلَا يُنكر لوقت عدم الْقُوَّة وَلما أحد الْوَجْهَيْنِ يعْدم لَا بِهِ وَالْآخر لَا وَلَو كَانَ يعلم أَيْضا حُدُوث الْأَمْلَاك على التَّتَابُع بِخَبَر الصَّادِق لَكَانَ الْجَواب فيهمَا لَا يخْتَلف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا فِي الْمُعَارضَة إِذا حققت إحالته وَهُوَ أَن تصريف المَال مَعَ الْملك لَهُ لَا يحْتَمل كالحركة مَعَ خلق الله الْجِسْم لَا حَرَكَة ضَرُورَة وَلَا اخْتِيَار وَنَوع

حَرَكَة الضَّرُورَة قد يكون مَعَ الْعَجز وَمثله الإختيار مَعَ الْقُدْرَة على أَن الْقُدْرَة لَو كَانَت بِحَيْثُ لَا يُجَامِعهَا الْفِعْل ليبطل أَن يكون بهَا الْفِعْل بل بعدمها يكون وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَلا ترى أَن الْأَمْوَال والأسباب مَعَ قِيَامهَا بِفعل على بَقَائِهَا تُوصَف بقدمها وبحال إبْقَاء الْقُدْرَة فَمثل ذَلِك وصف التَّقَدُّم وَالله أعلم وَفِي الْمَسْأَلَة سوى مَا قدمنَا ذكره من الْأَدِلَّة أَنه لَو كَانَ الْعَجز الْمُتَقَدّم يمْنَع الْفِعْل لوقت الْقُدْرَة ليجب أَن يكون الْقُدْرَة الْمُتَقَدّمَة توجب الْفِعْل لوقت الْعَجز وَفِي إِحَالَة ذَلِك إِحَالَة الأول وَلَو كَانَ الْفِعْل يَقع لفقد الْقُدْرَة لَكَانَ كلما دَامَت دَامَ الْفِعْل إِذْ أَسبَاب الْأَشْيَاء لما هِيَ لَهَا كلما دَامَت أوجبت دوامها وَفِي ذَلِك لُزُوم القَوْل بالوجود مَعهَا ثمَّ زعم أَن الْقُدْرَة محَال كَونهَا مَعَ الْفِعْل لِأَن الله يرَاهُ مَوْجُودا ومحال كَون الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل الْمَوْجُود قيل عنيت بالوجود الْفَرَاغ مِنْهُ أَو هُوَ فِيهِ فَإِن قَالَ الْفَرَاغ مِنْهُ بِأَن كذبه عِنْد من يعقل وأبطل قَوْله يجوز أَن يكون فِي ذَلِك بِالْبَدَلِ وَهُوَ الْعَجز مَعْدُوما وَلم يجب القَوْل بإحالة الْعَجز مَعَ الْمَعْدُوم وَإِن كَانَ يرَاهُ مَعْدُوما إِذْ لم يكن الْعَدَم متقضيا بل هُوَ مَشْغُول بِهِ ثمَّ يُقَال لَهُ الله يواليه ويعاديه مَعَ فعله أَو قبله أَو بعده فَإِن قَالَ قبله أَحَالهُ وَإِن قَالَ بعده أبطل قَوْله يرَاهُ مَوْجُودا لِأَنَّهُ يُحَقّق وجود فعل الْعَدَاوَة وَالْولَايَة وَلَا عَدَاوَة وَلَا ولَايَة وَإِن قَالَ فِي حَاله قيل صَار السَّبَب مَعَ الْمُسَبّب مَوْجُودا وَلم ينف كَون الْفِعْل مَعَه وَإِن كَانَ يرى الْولَايَة والعداوة موجودتين فَمثله الْقُدْرَة وَأَيْضًا أَنه على أَي حَال يرَاهُ يرى الْقُدْرَة مَعَه على مَا نرى إلقا الشَّيْء وإخراجه مَعَ خُرُوج ذَلِك وإلقائه وَلم يبطل حق الْإِلْقَاء والإخراج بِمَا يرى الشَّيْء على مَا يرَاهُ فَمثله الَّذِي ذكرت وَإِذ جَازَ أَن يرَاهُ مَوْجُودا وَمَعَهُ الْأَسْبَاب كلهَا وَلم يبعد ذَلِك فَمثله الْقُوَّة بل كَذَلِك يجب أَن يرى كَمَا كَذَلِك يجب أَن يرى مَعَ الْأَسْبَاب

وَجُمْلَته أَن للْفِعْل وَقت الْعَدَم وَهُوَ قبله وَوقت الفناء وَهُوَ بعده وَوقت الْوُجُود وَهُوَ فِي حَاله وَلَا محَالة يرَاهُ الله مَعَ أَحْوَال فعله على مَا ذكر لَا غير وَكَذَلِكَ الْأَوْقَات الَّتِي تقع فِيهَا الْأَفْعَال والأمكنة فعلى ذَلِك الْأَسْبَاب فَمثله الْقُوَّة يَرَاهَا مَعْدُومَة قبله فانية بعده مَوْجُودَة مَعَه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه واحتجاجه بقوله أَو لَا يَسْتَطِيع أَن يمل هُوَ ماسلف بَيَانه مَعَ إحتماله لَا يحسن وَهُوَ استطاعة الْعَجز أَيْضا دَلِيل ذَلِك مَا بَينا أَن قدرَة التَّمام لَا تكون قبل الإبتداء وَقد أضيف إِلَيْهِ الْكل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ أَن لَا يُؤمن حَتَّى يقدر وَلَا يقدر حَتَّى يُؤمن فَهُوَ يبْقى أبدا غير مُؤمن كالواقع فِي الْبِئْر إِذا كَانَ لَا يخرج حَتَّى يَأْتِيهِ الْحَبل وَلَا يَأْتِيهِ حَتَّى يخرج فجواب هَذَا قد تضمنه مَا ذكرت من الْأَشْيَاء الَّتِي تقع مَعَ أَسبَاب لَهَا لَا تتقدم وَلَا تتأخر ثمَّ لم يقل ذَلِك للْعلم بِأَنَّهَا تقع إِذا لم يعقل عَنهُ وَلَا يعرض فَمثله الَّذِي ذكرت وَالْأَصْل الَّذِي زعم إِنَّمَا يعظم وجوده إِذا جعل كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجد بِوُجُود الآخر مُتَقَدما فَأَما وجود ذَلِك مَعًا فَعَلَيهِ أَكثر أَمر الدّين وَالدُّنْيَا من وجود شَيْئَيْنِ مَعًا لَا يجوز تقدم أَحدهمَا على الآخر ثمَّ عَارض نَفسه بالإلقاء على مَا سبق وَصفه وتكلف إجَابَته بِمَا لَو رزق الْحيَاء مَا سمحت لَهُ نَفسه بالتفوه بِهِ فَقَالَ إِن إِلْقَاء الشَّيْء هُوَ خُرُوجه من يَده لَا غَيره والإستطاعة غير الْفِعْل فَمن نظر إِلَيْهِ يعرف كذبه فَإِن الْإِلْقَاء هُوَ الْخُرُوج لَا غير بالبديهة بِلَا تَأمل وَإِذا لم يكن غير فَإِذا لَيْسَ ثمَّة إِلَّا الْخُرُوج مِمَّا ألزمهُ الْفِعْل وَيجوز كَون الْخُرُوج وَلَا صنع مَعَه لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ احْتج لخصمه بِمَا يشبه جَوَابه هَذَا لَعَلَّه نَفعه ثمَّ احْتج لخصمه بقول المساول الْقيام بحاجته لَا أَسْتَطِيع وَهُوَ مِمَّن لَا عِلّة بِهِ فَزعم أَنه لَا يُرِيد

بِهِ نفى الْقُوَّة إِنَّمَا يُرِيد نفى النشاط دَلِيل ذَلِك مَا يعود عَلَيْهِ السَّائِل بالْقَوْل فَيَقُول بل تَسْتَطِيع لكنك لَا تنبسط بمعونتي وَقد قسمت بحوائج فلَان فَكيف تَقول لَا أَسْتَطِيع قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله لَهُ جوابان أَحدهمَا أَنَّهُمَا جَمِيعًا صدقا إِذْ عدم النشاط يرفع الْقُوَّة وَأمكن الْقيام بذلك والنشاط من ذَلِك فيوجد الْقُوَّة وَهُوَ مَا يَقُول وهما أَمْرَانِ معروفان لذَلِك لَا يجوز إِلْحَاق الْكَذِب بِوَاحِد مِنْهُمَا وعَلى مَا يَقُوله عِنْده إِلْحَاق وَالثَّانِي إِنَّه قَالَ على الْأَمر الْمُعْتَاد إِنَّه لَو قَامَ بِهِ لآتته الْقُدْرَة أَلا ترى أَنه احْتج بِالْقيامِ بحوائج غَيره وَمَعْلُوم أَن تِلْكَ الْقُدْرَة قد زَالَت عَنهُ وَالله الْمُوفق وَزعم أَن الْكَافِر مَأْمُور بِهِ فِي حَال كفره بِالْإِيمَان تَأْوِيله أَن النهى تَقْدِيمه فَيلْزمهُ أَن يَقُول هُوَ قَادر عَلَيْهِ بقدرة تقدّمت وَزعم أَنه ترك فِي الأول لقَوْل الْمُسلمين وَوجه إِلَى مَا أمكن وَفِي الآخر لم يقل نقُول نَحن وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق لَا أحد من الْمُسلمين إِلَّا وَعِنْده أَن الْكَافِر فِي حَال كفره قوى على مَا هُوَ عَلَيْهِ فَقل فِي الْقُدْرَة مثل الَّذِي قلت فِي الْأَمر إِذْ الْمَعْنى وَاحِد فِي القَوْل والتحصيل جَمِيعًا ثمَّ تَأْوِيله قَول الْمُسلمين على وَجه يعلم كل مُسلم أَن ذَلِك لم يخْطر بِبَالِهِ بل لايحتمله عقل كل أحد لَو ألزم يجْهد أَن يكون كَافِر لَيْسَ بمنهى عَن كفره وَلَيْسَ بمأمور فِي حَاله فَإِذا لم يكن فِي وقته مَأْمُورا مَنْهِيّا لما هُوَ فِيهِ وَلَا لضده وَهُوَ كَذَلِك فِي الْوَقْت الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَفِي ذَلِك بطلَان الْأَمر وَالنَّهْي على التَّحْقِيق لِأَنَّهُ يكون الْأَمر بالشَّيْء للْوَقْت الثَّانِي والنهى عَن ضِدّه وَهُوَ فِي ذَلِك لَيْسَ بمؤتمر بِالْأَمر وَلَا مرتكب النهى لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِك وَكَذَا فِي كل وَقت فَيبْطل حق الْأَمر والنهى عَن الْفِعْل أبدا وَيرجع إِلَى غير حَال الإئتمار والإرتكاب وَذَلِكَ بعيد ثمَّ ذكر سُؤال خَصمه من وَجه يحْتَمل خَصمه قَوْله فَقَالَ إِذْ أثبتم لأنفسكم الْقُدْرَة فقد أشبهتم

الله بهَا فَقَالَ لَا يجب ذَا لما قدرت بِهِ وَهُوَ لَا بِغَيْرِهِ كَمَا يُقَال فِي الْعلم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله لَو قدرت بِاللَّه لم يجز أَن تَزُول بقدرتك قدرَة الله كَمَا إِذْ علمت بِهِ لم يزل بعلمك علم الله بِهِ وَبعد فَإِن السُّؤَال من وَجْهَيْن أَحدهمَا الإنفراد بِالْقُدْرَةِ وَبِه احتججت فِي نقض قَول الثنوية فيلزمك فِي هَذَا وَالثَّانِي أَن ذَلِك يُوجب الْغنى عَن الله فِي الْفِعْل قبل وجوده وَلَا يجوز أَن يكون الله يغنى أحدا عَن نَفسه فَإِن قلت يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْإِبْقَاء أحلّت عنْدك لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل وَإِن قلت يحدث أُخْرَى فقد أغناه عَنهُ فِي وَقت وَلَو جَازَ ذَلِك فِي الْوَقْت مَعَ قيام العبودة يجوز أبدا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل أَن الْقُدْرَة محَال كَونهَا لَا للْفِعْل وَكَذَلِكَ الْعَجز لَا عَن فعل ثمَّ قد يجوز أَن يكون قَادِرًا فِي وَقت للْفِعْل يعجز فِي الْوَقْت الثَّانِي إِذْ مَعْلُوم وجود مثله فَيكون الله تَعَالَى معطيا الْقُوَّة لشَيْء يَسْتَحِيل كَونه وَفِي ذَلِك فَسَاد كَون الْقُوَّة للْفِعْل فألزم مَا أوجبه الْعقل إِنَّهَا لَا تكون إِلَّا للْفِعْل إِحَالَة القَوْل بالتقدم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بِأَمْر فِرْعَوْن إِنَّه لَو كَانَ يقدر على الْإِيمَان لَكَانَ يقدر على إبِْطَال علم الله وَهَذَا فِي فِرْعَوْن وكل من فِي علم الله أَنه لَا يُؤمن فَأجَاب بِأَن ذَا لَا يجب لِأَن الْقُدْرَة غير الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الْمَعْلُوم أَنه لَا يكون وَلَو لزمنا ذَلِك فِي الْقُوَّة ليلزمكم فِي الْأَمر ثمَّ عَارض بقدرة الله على إنْشَاء الْعَالم ليحال من غير أَن يجوز الْوَصْف بِالْقُدْرَةِ على إبِْطَال علمه فَمثله الأول ثمَّ عَارض حُسَيْنًا بِالْإِطْلَاقِ أَنه أطلق بَينه وَبَين الْإِيمَان أَتَقول فِي أَنه أطلق فِي إبِْطَال علم الله ثمَّ قَالَ الله عَالم أَن لَو كَانَ كَيفَ يكون فَلَو كَانَ لم يكن يخرج من علم الله

قَالَ الشيح أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَوجه الإعتبار بِهِ لَيْسَ على مَا قدر وَلَكِن بِمَا يَقُول بالأصلح وَمَعْلُوم أَن الله لَو لم يكن ملكه على مَا ملكه لم يكن ليقدر أَن يضل من أضلّهُ وَيمْنَع من يمنعهُ عَن طَاعَة رَسُوله وَكَانَ ذَلِك أقل للغواية وَأقرب إِلَى الطَّاعَة فَثَبت أَن القَوْل بالأصلح بَاطِل مضمحل وَالثَّانِي أَنه إِذا أخبر أَنه لَا يُؤمن بِاللَّه وَقد علم ذَلِك وَهُوَ عدوه وإقدار الْعَدو على تسفيه الْمُقدر وتقويته على نقض ملكه وإبطاله ربوبيته خَارج عَن حد الْحِكْمَة ببديهة الْعقل مَعَ مَا فِيهِ تَمْكِين عدوه لأعظم منَّة لَهُ عَلَيْهِ أَن يَقُول لي عَلَيْك كل منَّة أَو ملكتني نقض ربوبتك بِمَا لَا يكون رَبًّا جَاهِلا وقويتني على إِزَالَة حكمتك بِمَا لَا يكون حَكِيم كذوب وَقد جعلت لي الْقُدْرَة على ذَلِك وَبِذَلِك أَمرتنِي وَقد تعلم أَنِّي لَو شِئْت لفَعَلت فتمت لَك الربوبية وسلمت لَك الْحِكْمَة فمنتي عَلَيْك أعظم ونعمتي لديك أَعم فَبِأَي نعْمَة لَك تعاقبني وَبِأَيِّ حِكْمَة تَأْمُرنِي وَبِي تمت لَك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّالِث أَن طَرِيق معرفَة فَسَاد القَوْل بإثنين لَيْسَ إِلَّا قدرَة أَحدهَا على مَا لَا يُعلمهُ الآخر وَفِي ذَلِك إِيجَاب ذَلِك وَلَو جَازَ ذَا من غير أَن يكون فِي ذَلِك فَسَاد الألوهية لبطل قَول الْمُوَحِّدين فِيمَا بِهِ أبطلوا قَول الثنوية وَقَوله يعلم أَنه لَو آمن كَيفَ يكون فَهَذَا معنى لَا مَنْفَعَة فِيهِ لِأَنَّهُ مَعَ علمه بذلك يعلم أَنه لَا يُؤمن أَولا فَإِن قَالَ لَا سفهه وَإِن قَالَ نعم قيل فِي ذَلِك وَقعت الْمُطَالبَة وَقد ذكرت أَنه لَو آمن لم يخرج من علمه فَكيف لم يخرج وَعلمه أَنه لَا يكون وَقد كَانَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما قَوْله لَو لم يقدر عَلَيْهِ لم يكن ملوما فَهُوَ مثل القَوْل سَوَاء وَدَلِيله أَنه قَوْله بل عَلَيْهِ أعظم اللائمة لما هُوَ صنع الْقُدْرَة حَيْثُ أعرض عَن الَّذِي بِهِ يَأْتِيهِ وَقَوله لَا يلْزمنَا لِأَن الْقُدْرَة غير الْإِيمَان يدْفع أَيْضا فَمَا فِيهِ مَا يمْنَع اللُّزُوم بل إِنَّمَا لزم ذَلِك لِأَن الْقُدْرَة غير الْإِيمَان ثمَّ اعْتِبَاره بِالْأَمر فَاسد لِأَنَّهُ استعباد

بِهِ يظْهر ذله وعبوديته وَالْقُوَّة هِيَ الْغنى والعلو والرفعة فَهُوَ الْوَجْه الَّذِي بِهِ يبطل ربوبيته غيرا لله وَلَيْسَ فِي الْأَمر ذَلِك على أَنه لَو لم يكن أَمر وَلَا نهى كَانَ القَوْل بيؤمن وَيكفر وَيقدر وَلَا يقدر لَا معنى لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن الْقُدْرَة ثَمَرَتهَا الْفِعْل وَبِه يكون الَّذِي ذكر لَا بِالْأَمر لذَلِك لم يصر الْأَمر بِالْأَمر أمرا بِالَّذِي ذكرت فبالإقدار يصير ملكا غَنِيا مستخلفا لما إِذا تمّ كَانَ رَبًّا إِلَهًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإنَّا عَارَضنَا بِالَّذِي طَرِيق الْعلم بِهِ الْعقل من الْوَجْه الَّذِي ذكرت وَالْأَمر لَا يُنَاقض مَا يُوجِبهُ الْعقل وَلَوْلَا الْأَمر كَانَ الأول بِالْعقلِ وحشيا فَأَما أَن يعرف وَجه الْحِكْمَة فِي الْأَمر أَو لَا يعرفهُ بِالَّذِي عَرفْنَاهُ لم يجب دَفعه بِمَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ وَجه الثَّانِي وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وأيد الَّذِي ذكرت أَمر الشَّاهِد أَن كل قوى يرْتَفع ويجل بقوته وَلَا يُؤمر الْجَلِيل الْعَظِيم بِشَيْء ثَبت أَن فِي الْأَمر ذلة واستعبادا فَهُوَ لَا يُوجب ذَلِك وَفِي الإقدار رَفعه وعلوه فَهُوَ يُوجب وَالله الْمُوفق وَبعد فَإذْ لَا تُوجد قدرَة لَا تضيع فوجودها يُوجب الْفِعْل الَّذِي يقْصد وَحقّ الْأَمر اللُّزُوم لَا وجود الْفِعْل وَكم من أَمر بِهِ لَا ائتمار هُنَالك فَلذَلِك لم يجب بِهِ وَمَا ذكر فِي الله فَهُوَ بقدرته ونفاذ مَشِيئَته وَجرى سُلْطَانه فتمت ربوبيته واستوجب الْجلَال والرفعة بِذَاتِهِ لم يجز أَن يكون فِيهِ مَا ذكر من الْخَوْف بل بِهِ تَمام الْحِكْمَة وعلو الرُّتْبَة وَفِي إِيجَاب ذَلِك لغيره نقض أَلا ترى أَنه قد نقض قَول الثنوية بِالَّذِي ذكرت وَلَا يقبل قَوْلهم بمعارضته مثله فِي الله أَنه يقدر على مَا علم أَنه لَا يفعل فَإِذا يقدر على نقض ربوبيته وبمثله جَعَلُوهُ فِي غَيره مُعَارضا مُوجبا ذَلِك فَمثله الَّذِي نَحن فِيهِ وَوجه آخر أَنه لَا يُوجب لله قدرَة وَلَا علما بقوله لَهُ قدرَة بِكَذَا وَعلم بِكَذَا لَا معنى لَهُ وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي غَيره

فالمعارضة لَهُ لَازِمَة وَأَيْضًا أَن الله إِذْ هُوَ قَادر بِذَاتِهِ عَالم بِذَاتِهِ فمحال وَصفه بِالَّذِي ذكر إِذْ بذلك تمت ربوبيته وَجل سُلْطَانه وألوهيته وَقد يكون الشَّيْء الْمَوْصُوف بِذَاتِهِ مِمَّا إِذا ثَبت لغيره عَلَيْهِ سُلْطَان تجرى قدرته عَلَيْهِ كالأعراض الَّتِي هن مختلفات لأنفسهن والأجسام لَهُنَّ أَو الْأَجْسَام الَّتِي هن قائمات بِأَنْفُسِهِنَّ والأعراض بِهن ثمَّ لله عَلَيْهَا سُلْطَان وَملك فَلَو جعلنَا على الله فِي إبِْطَال تَقْدِيره وَنقص تَدْبيره وَإِزَالَة علمه وَنفى الْحَقِيقَة عَن خَبره لَكَانَ تَحت قدرَة غَيره وَفِي سُلْطَان آخر فتعالى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا مَعَ مَا الْإِطْلَاق يرجع إِلَى الْأَمر وَقد بَيناهُ ومسألتان فِي الْقُدْرَة على الْقَدَرِيَّة يوجبان أَن الله لَيْسَ بِقَادِر بِذَاتِهِ أَحدهمَا أَنهم قَالُوا يقدر الله جلّ ثَنَاؤُهُ على حركات الْعباد وسكونهم فَلَمَّا أقدرهم على تِلْكَ الحركات والسكون زَالَت عَنهُ الْقُدْرَة عَلَيْهَا فَيكون قَادِرًا فِي التَّحْقِيق بِغَيْرِهِ إِذْ هُوَ بِذَاتِهِ على مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَو كَانَت تِلْكَ الْقُدْرَة لَهُ بِذَاتِهِ لم تكن تَزُول عَنهُ إِذا أقدر عَلَيْهَا غَيره وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنه إِذْ كَانَ عَالما لذاته بِكُل شَيْء لم يذهب علمه لما أعلم غَيره فَمثله الْقُدْرَة مَعَ مَا كَانَت أَدِلَّة غيرية الْأَعْرَاض للأجسام هِيَ وجود الْأَجْسَام دونهَا وَمثل ذَلِك عِلّة غيرية الْقُدْرَة وَالْعلم فِي الشَّاهِد إنَّهُمَا غير الَّذِي لَهُ فَكَذَلِك القَوْل بِالَّذِي قَالُوا فِي الله سُبْحَانَهُ وَمِمَّا يزِيد لهَذَا وضوحا أَنه لَو أَرَادَ أَن يحركه بحركة الإضطرار ويسكنه ذَلِك التسكين وَمَعَهُ تِلْكَ الْقُدْرَة لم يقدر عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذ مِنْهُ تِلْكَ الْقُدْرَة فَثَبت أَنه بهَا يقدر وَهِي الَّتِي تَزُول عَنهُ وتعود إِلَيْهِ وَهَذَا نعت الْأَجْسَام وَحَقِيقَة الْأَعْرَاض وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى لما أقدر عَبده على إِتْلَاف شَيْء ذهبت عَن الله قدرَة الْإِبْقَاء الَّذِي يُرِيد ذَلِك والإبقاء فعله فَصَارَ عَن فعله الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة

فعله مَمْنُوعًا وَمن احْتمل الْمَنْع لغيره يحْتَمل الْإِطْلَاق بِهِ وَفِي الأول إعجاز وَفِي الثَّانِي إقدار وجبا جَمِيعًا لَهُ بِغَيْرِهِ جلّ الله عَن ذَلِك ثمَّ قَالَ الكعبي إِن قَالَ قَائِل لَو جَازَ أَن يبْقى الْقَادِر وقتا لَا يفعل فِيهِ لم لَا جَازَ كَذَلِك أوقاتا كَثِيرَة كَمَا يُوصف بذلك الله تَعَالَى قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَقد أَخطَأ فِي التَّقْدِير وَإِنَّمَا السُّؤَال فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْقُدْرَة إِذْ لَيست إِلَّا للْفِعْل وَقد تَخْلُو عَنهُ وقتا جَازَ أَن تَخْلُو عَنهُ أوقاتا وَقد حققت هَذَا الْوَصْف لله وَالثَّانِي أَنه للْوَقْت الثَّانِي من وَقت الْقُدْرَة لَيْسَ بواجد لَهَا وَجَاز الْفِعْل بهَا لم لَا كَانَ للْوَقْت الْعَاشِر كَذَلِك وَإِن لم يجدهَا أَو إِذْ لم يجز الْفِعْل بهَا بعد فنائها بأوقات وَجب أَن لَا يجوز بِوَقْت فَأجَاب عَن الأول أَن الله كَذَلِك بِمَا لَا تتضاد عَلَيْهِ الْأَفْعَال وَيقدر على مَا لَا ضد لَهُ وَالْعَبْد لَا يقدر على مَا لاضد لَهُ لذَلِك لم يجز أَن يُوجد أوقاتا غير فَاعل فَيُقَال وَمَا فِيمَا ذكرت مَا قوبلت بِهِ بل قيل لَك مَا منع أَن يكون من يتضاد عَلَيْهِ لَا يجوز وجوده وَلَا فعل شَيْء أَو ضِدّه وقتا وَاحِدًا وَمن لَا يتضاد عَلَيْهِ يجوز ثمَّ يُقَال للتضاد لَا يُجِيز وَقت الْقُدْرَة أَو لَهُ يُوجب فِي الْوَقْت الثَّانِي فَأَي الْأَمريْنِ أجَاب فَهُوَ فِي الْحَالين وَاحِد وَمَا قَالَ على الله فَهُوَ فَاسد لما لَيْسَ عِنْده فعل الله غير خلقه وَهُوَ متضاد كالموت والحياة وَغير ذَلِك ثمَّ أجَاب بِأول أَحْوَال الْجِسْم أَنه يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون لم لم يجب بِهِ خلاؤه عَنْهُمَا أوقاتا قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْحَرَكَة والسكون هما اسْما الْبَقَاء فمحال وجودهما فِي أول أَحْوَال الْجِسْم لإحالة الْبَقَاء إِذْ السّكُون هُوَ الْقَرار حَيْثُ الْوُجُود وَالْحَرَكَة الإنتقال عَنهُ وَالْقُدْرَة لَيست إِلَّا للْفِعْل وَلَو جَازَ وجودهَا وَلَا فعل وقتا وَاحِدًا لجا أوقاتا إِذْ هِيَ لَهُ والجسم لَيْسَ للحركة وَلَا

للسكون وهما مَعْنيانِ لَا يقتضيان الْحَال أَلا يرى لأوقات الْبَقَاء لَا يَخْلُو عَنْهُمَا ثمَّ الْقُدْرَة لَا تبقى فَيجب أَن لَا يَخْلُو مِنْهُ عِنْد الْوُجُود وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَبعد فَإِن مَسْأَلَتنَا فِي الْفِعْل ونجيز من الْجِسْم وَقت وجوده إِذا لم يكن الْفِعْل الَّذِي هُوَ اسْم للبقاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ فِي الصَّحِيح السَّلِيم أَنه يجوز أَن يَخْلُو عَن الْفِعْل وَقت كَونه ثمَّ لم يجز أبدا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمَا يَقُوله خطأ بل يجوز ذَلِك ثمَّ زعم أَن ذَلِك مَعْقُول وَهُوَ عقل من حق الْعقل الْخُرُوج عَمَّا حَاله عقلا ثمَّ تكلم فِي الْعلم بِمَا لم أَظن أحدا تَأمله إِلَّا عرف أَن الْحيرَة دَفعته إِلَيْهِ فتركته لقلَّة نَفعه ثمَّ عَارض نَفسه بِالَّذِي قدر على الْإِيمَان وَالْكفْر فَلم فعل أَحدهمَا دو الآخر فَزعم أَن ذَا محَال لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِوَاحِد كَانَ يكون مُضْطَرّا وَقد ثَبت الإختيار ثمَّ عَارض بِمثلِهِ فِي الله نقُول قد حاد عَن جَوَاب السُّؤَال إِذْ هُوَ فِي أَنه كَيفَ اخْتَار ذَا على ضِدّه وَلَيْسَ شَرط الإختيار أَن يفعل مَا شَاءَ وَلَكِن يخْتَار الأولى بِهِ أَن يفعل فَإِذا فعل مَا لَا يعرف لماذا فعل ثَبت أَن لغيره فِي فعله تدبيرا على ذَلِك خرج فعله وَالله الْمُوفق ومعارضته بِاللَّه سُبْحَانَهُ محَال على الْقَوْلَيْنِ على قَوْلنَا بِأَنَّهُ خَالق بِذَاتِهِ فَالْقَوْل بِهِ كالقول بِأَنَّهُ لم قدر وَعلم وعَلى قَوْله إِن ذَلِك أصلح فِي الدّين وَلَا يسْأَل من ذَلِك وصف فعله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَنحن نحمدالله قد أعنانا الله عَن نَحْو هَذَا السُّؤَال لَكِن أَحْبَبْت أَن أذكرهما مِقْدَاره فِيمَا لَا يرضى بِهِ سؤالا لضَعْفه ليعلموا بِهِ قدره فِي المرضى بِهِ وَالله الْمُوفق ثمَّ زعم أَنه إِذْ صلحت قُوَّة وَاحِدَة للْإيمَان وضده لم لَا صلح القَوْل بالتقوية عَلَيْهِمَا فَدفع ذَا بِالْأَمر والنهى وعارض بِالسَّيْفِ وَالدِّرْهَم وَإِن احْتمل اسْتِعْمَاله فِي قتل الْوَلِيّ وانفاقه فِي شرى الْخمر لم يجز القَوْل بالإعطاء لذَلِك نقُول تَمام

السُّؤَال أَن الله إِذْ علم أَنه فيمَ يسْتَعْمل وَفِي مثله فِي الشَّاهِد يُوصف بالتقوية عَلَيْهِ وَالله لم يُوصف بِمثلِهِ فَمثله فِي الْخلق مَعَ مَا يُقَال بِالْأولِ لكنه طلب مِنْهُ وَاخْتِيَار ذَلِك فبه لَا بهَا وَلَا يوضع فِي ذَلِك حرف الْإِعْطَاء لِأَنَّهُ نوع امتنان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا عَارض فَاسد لاحْتِمَاله أَن لَا يسْتَعْمل فِي الْوَجْهَيْنِ فَلم يكن الدّفع لوجه من ذَلِك وَالْقُوَّة لَا تحْتَمل إِلَّا أَحدهمَا وَلَا يجوز أَن يَخْلُو عَن وُقُوع أَحدهمَا بهَا وَقد علم بذلك فَلَا يحْتَمل القَوْل بِالدفع لغير ذَلِك ثمَّ قَالَ فَإِن قلت العَاصِي إِذْ يفعل بقدرة الله لم لَا قلت إِن المعصي من الله قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد أَخطَأ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن خصومه لَا يَقُولُونَ فِي الْمعْصِيَة إِنَّهَا من الله وَالثَّانِي لَا يُقَال فعل العَبْد بقدرة الله وَلَكِن بقدرة طلبَهَا من الله ثمَّ أجَاب فِي ذَلِك بِمثل جَوَابه فِي الأول إِنَّه أعْطى ليطيع وَأتم هَذَا وَقد بَينا الْوَجْه فِي الأول وَخَطأَهُ فِي هَذَا السُّؤَال ثمَّ عَارض نَفسه بِمَا إِذْ كَانَت الْقُدْرَة مخلوقة للخير كَيفَ قدر العَبْد على قَلبهَا فَزعم أَن ذَا لَيْسَ كَالَّذي يسخن ويبرد لكنه كالسيف وَالدِّرْهَم قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَيُقَال لَهُ الْقُدْرَة إِذْ لَا تحْتَمل الْفِعْلَيْنِ وَلَا تَركهمَا وَمَا عارضت بِهِ مُحْتَمل ثَبت أَن الْقُدْرَة مخلوقة لأَحَدهمَا لَا لَهما ثمَّ لَا يحْتَمل الْمَخْلُوق بِجِهَة وَاحِدَة قَلبهَا عَنْهَا من نَحْو الَّذِي ذكرت مِمَّا يسخن بِهِ ويبرد لم لَا دلّ أَنَّهَا خلقت لأَحَدهمَا وَهُوَ مَا كَانَ بهَا وَيبين لَك الْعرف الظَّاهِر فِي الْخلق بسؤال الْقُوَّة على الْخَيْر وَلَو كَانَت لَا تحْتَمل الشَّرّ لَكَانَ لَا معنى لتخصيص ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بالغنى فَقَالَ معَاذ الله لِأَنَّهُ المغنى وعارض بِالسَّيْفِ وَالدِّرْهَم

قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد حاد عَن ذَلِك إِذْ الْقُوَّة لَا تحْتَمل الْبَقَاء وَبهَا أوجب الْحَاجة فَإِذا اسْتَحَالَ ذَلِك لزم مَا عورض بِهِ عَن الْغنى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا قابله بِهِ فالوجود لَا يديم النَّفْع بل يديمه الْبَقَاء وَله الْحَاجة إِلَى الْإِبْقَاء وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْقُوَّة فَلذَلِك لزمك الَّذِي تعوذت مِنْهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ سَأَلَ عَن خَصمه سؤالا بتره وَإِنَّمَا هُوَ وَالله أعلم أَن الْمُعْتَزلَة تزْعم أَن الله تَعَالَى يَجْعَل لعمر الرجل مُدَّة بهَا ينقضى وإبقاؤه إِلَى تِلْكَ الْمدَّة فعله وَهُوَ يُرِيد أَن يفعل ذَلِك وَقد كَانَ قدر لَهُ فِي تِلْكَ الْمدَّة أرزاقا ثمَّ أثبت لعبد من عبيد الله قُوَّة يمْنَع بهَا ذَلِك الرجل عَن اسْتِيفَاء مدَّته الَّتِي جعلهَا الله لَهُ وَيمْنَع رب الْعَالمين عَن إنجاز مَا وعده ويحول بَينه وَبَين فعله من إبْقَاء حَيَاته فِي جسده وَهُوَ يُرِيد ذَلِك ليَكُون من فعله بِمَا يقْتله عدوه منعا مِنْهُ ربه فَيكون فِي ذَلِك خلف الْوَعْد وقهر وَمنع عَن فعله وكل ذَلِك يكون بِمَا أقدره هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لعجز وَخلف وَسنة فِي الْمَعْقُول أَو لَا أجَاب لجواب الْمُسلمين أَن الْمَسْأَلَة فِيمَا يُقَال فِي كل أَمر لَو لم يكن ذَلِك كَيفَ كَانَ فِي علم الله أَن يكون وَذَلِكَ القَوْل عِنْد الْمُسلمين على تَحْقِيق أَن الْكَائِن فِي علمه ذَلِك فَإِن كَانَ فِي علمه وَقدرته أَن لَهُ أَن يَجْعَل فِي الإبتداء غير تِلْكَ الْمدَّة وَلَو جعل ليَكُون ذَلِك فِي علمه لَا هَذَا الَّذِي كَانَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى حَقِيقَة قَوْله وَقَالَ لَو كَانَ الظَّالِم إِنَّمَا قتل لحضور أَجله لم يكن مَعْلُوما وَقد يحمد أَيْضا فِي ذبح شَاة لآخر إِذْ لَوْلَا ذبحه لكَانَتْ تَمُوت ثمَّ عورض بأنك تشهد أَنه لم يحضرهُ أَجله لَو لم يقْتله فَقَالَ معَاذ الله بل لَعَلَّه يقْتله غَيْرِي أَو ينقضى أَجله ثمَّ احْتج بقوله عز وَجل {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} وَبقول رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر فَأخْبر أَن لَهُ مِقْدَارًا

مَعْلُوما يزِيد فِيهِ بالصلة فَيكون فِي اللَّوْح إِن وصل فَأَجله كَذَا وَإِن لم يصل فَكَذَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى سفهه وعارض بالموهوم الْمُطلق فَإِن قيل فِي ذَلِك دفع الْمَنْع لَا غير وَفِي الْقُدْرَة الْفِعْل فَقَالَ وَفِي الْقُدْرَة دفع الْعَجز لَا غير وَقَالَ لَو أوجبت الْقُدْرَة لأدخلت فِيهِ ولحملت عَلَيْهِ وَيكون إِذْ ذَاك الْفِعْل لغيري قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله من تَأمل مَا قَالَ وَمَا قوبل بِهِ أَيقَن أَنه حائد عَن حد الْجَواب لَكنا نذْكر غفلته فِيمَا جاد بِهِ ليعلموا عذره فِي جَمِيع مَا فرق بِهِ خصومه إِذْ هَذَا مبلغ علمه فِي الله سُبْحَانَهُ ونقول لَهُ الله علم أَنه يقتل أَو لَا فَإِن قَالَ يعلم قيل وَقَتله يزِيل حَيَاته وَيذْهب عمره أَولا فَإِن قَالَ لَا كذبه الْوُجُود وَإِن قَالَ نعم قيل كَيفَ جعل انْقِضَاء عمره وَخُرُوج روحه من جسده بِغَيْرِهِ وَلَو علم ذَلِك وَكَيف كتب فِي اللَّوْح أَنه إِن فعل كَذَا يكون كَذَا وَإِن لم يفعل كَذَا يكون كَذَا وَهَذَا أَمر من لَا يعلم مَا يكون فَأَما من يعلم مَا يكون فَهُوَ يكْتب يكون كَذَا وَلَوْلَا أَنه يكون كَذَا وَكَذَا يكفر فلَان ويستوجب مقت الله وَلَوْلَا أَنه يكفر كَانَ يُؤمن ويستوجب محبَّة الله فَأَما القَوْل بيكون ذَا أَو ذَا من غير الْقطع بِمَا يكون إِنَّمَا هُوَ فعل الْجُهَّال بالعواقب ثمَّ أَنى يكون ذَا خَبرا عَن علم ثبته قبل كَونه وكل النَّاس يعلمُونَ هَذَا الْقدر إِن فلَانا إِمَّا يقتل أَو يَمُوت يُؤمن أَو يكفر يَتَحَرَّك فِي وَقت كَذَا أَو يسكن فَهَذَا الْقدر من اللَّوْح هُوَ لوح كل سفينة وَلبس هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَلكنه اللَّوْح المضيع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَوله لَو حضر أَجله فَإِن أَجله لَيْسَ بِغَيْر الْقَتْل فِيمَا كَانَ فِي علم الله وَهُوَ كَمَا فِي علمه أَنه يقتل وَلكنه بِالْقَتْلِ المنهى عَنهُ أَو الْمَأْمُور بِهِ على مَا فِي علم الله وَهُوَ كَمَا فِي علمه أَنه يُؤمن وَيكفر فَذَلِك فِي علمه وكل دَاخل فِيمَا علم الله عاقبته أَنه إِلَى مَاذَا يرجع وَإِن كَانَ فِي علمه أَنه لَو لم يفعل ذَلِك مَاذَا تكون عاقبته أَنه إِلَى مَاذَا يرجع فَمثله الْأَجَل وعَلى ذَلِك إِذْ علم الله أَنه يصل رَحمَه فَجعل عمره أَكثر مِمَّا كَانَ فِي علمه أَنه لَا يصل وَكَذَلِكَ أَمر

الْآيَة إِذْ محَال أَن يكون مَا يَفْعَله خَارِجا من علمه وَالَّذِي قَالُوا هُوَ ذَلِك فِي الْمَعْقُول وللآية قَالَ أهل التَّأْوِيل يبين مُنْتَهى عمره وعَلى نُقْصَان كل وَقت يمضى من عمره وَقَالَ قوم إِنَّمَا هُوَ فِي مُخْتَلف أَعمار الْخلق من بَين مطول ومقصر لَا أَن الله يَجْعَل لأحد عمرا ثمَّ تبدو لَهُ فيزيد أَو ينقص كَفعل الْجُهَّال وَمن فِي أُمُورهم على شكّ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالله تَعَالَى يَقُول {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَفِيمَا يَقُول لَا يَجِيء أَجلهم بل يقتلُون قبل مَجِيء أَجلهم وَالله أَيْضا لَا يزِيد فِي الْعُمر وَكَيف يقدر أَن يزِيد فِي عمر آخر بصلَة الرَّحِم من لم يقدر بإبقاء مَا ضمن عمره أَن يبقيه إِلَى وَقت كَذَا بل أقدر عدوه حَتَّى مَنعه عَن ذَلِك جلّ الله عَن هَذَا الْوَصْف ثمَّ يُقَال لَهُ مَا ضرب من الْمدَّة لَهُ أَلا كَانَ فِي اللَّوْح أَنه يبقيه إِلَى ذَلِك أَو يبْقى هُوَ إِلَى ذَلِك أَو يبقيه وَيبقى إِن لم يقتل فَإِن قَالَ بِالْأولِ وَالثَّانِي فَادّعى عَلَيْهِ الْكَذِب فِي خَبره وَالْخلف فِي وعده وَإِن قَالَ بالثالث قيل أَكَانَ يعلم أَنه يقتل أَو لَا فَإِن قَالَ لَا اسْتحق الْإِبَانَة بَين رَأسه وَجَسَده وَالْخُلُود فِي عَذَاب ربه وَإِن قَالَ نعم قيل لم كتب مَا لَا يعلم إِذْ ذَلِك فِي الْعرف صَنِيع الْجُهَّال مِمَّا تأبى عقول من عرف الرب التفوه بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُعَارض بِمن علم الله أَنه لَا يقتل ويريدون قَتله ويؤثرونه ويقصدون قَصده لجَمِيع مَا يحْتَملهُ وسعهم ثمَّ يكون على مَا علم وَهَذِه أَسبَاب لَا تَجِد أحدا يكون مِنْهُم لَا يَقع الْفِعْل بِهِ وَفِي الْوُقُوع كذبه إِلَّا أَن يَقُول يمْنَع فَيلْزمهُ فِي كل من يعلم الله أَنه لَا يكون الْمَنْع مَعَ الْقُوَّة وَإِذا لزم ذَلِك لزم الدّفع فِي كل مَا يعلم أَنه يكون إِذا لم يرض بِهِ العَبْد فَيكون كل خير وَشر بِالْمَنْعِ وَالدَّفْع الَّذِي ظنُّوا بهم أَن قَول خصومهم يُؤَدِّي إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي حملهمْ على رَأْيهمْ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمَا ذكر من الْإِطْلَاق والتخلية فَهُوَ كَلَام يتَوَجَّه أوجها ثَلَاثَة رفع الْعسر

وَالْمَنْع أَو الْأَمر بِهِ أَو الْإِبَاحَة وَذَلِكَ كُله فِي الْخَيْر مُطلق وَفِي الشَّرّ لَا إِلَّا مُقَيّدا إِنَّه لم يعسر وَلم يجْبر وَإِذا كَانَ كَذَلِك فمعارضته بِالَّذِي ذكر فَاسِدَة وَمَا أجَاب عَنَّا بِالْمَنْعِ فَحق قَالَ الله تَعَالَى فِي قَوْله {فَخلوا سبيلهم} بعد ذكر الْمَنْع وَمَا يحمد من قَول النَّاس اللَّهُمَّ قونا على طَاعَتك وَلَا يحمد اللَّهُمَّ خل بَيْننَا وَبَين طَاعَتك ثَبت أَن لأَحَدهمَا حَالا لَيْسَ للْآخر وَكَذَلِكَ هُوَ يَقُول بِالْفِعْلِ وَقت فنَاء الْقُدْرَة وَلَا قدرَة مَعَه وَلَا يَقُول بإرتفاع الْإِطْلَاق والتخلية وَقت الْفِعْل ليعلم بذلك بعده فِيمَا قدر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ تكلم فِي سُؤال الرزق بِوَجْه لَا يرضى بِهِ سُؤال بل الْوَجْه فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى إِذْ ضمن الرزق بقوله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} كَانَ ذَلِك يملك بِملكه أَو بِمَا يطعمهُ فَأَما أَن يكون لأحد قدرَة فِي منع الله عَن وَفَاء مَا ضمن من الْوَجْه الَّذِي ضمن حَتَّى يلْحقهُ الْخلف فِي الْوَعْد وَالْعجز عَن وَفَاء شَيْء ضمنه فَيكون الله فِي فعله تَحت قدرَة غَيره وَبِغَيْرِهِ يقدر على إنجاز الْوَعْد ووفاء الْعَهْد وَهَذَا أَمر عَظِيم أَو لَا يكون فَيبْطل أَن يكون أحد يرْزق بِمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة رزق غَيره من ذَلِك الْوَجْه أَو يقدر عَلَيْهِ وَلَو كَانَ ذَلِك فِيمَا الْقُدْرَة مَعَه لكَانَتْ هَذِه الوحشة تلْحقهُ إِذْ علم أَنه من ذَلِك الْوَجْه يطْلب رزقه قَالَ سَأَلَ الْوراق فَقَالَ يُقَال لَهُم هَل اتَّقى أحد مَعْصِيّة الله وَهُوَ قَادر مراقبته لله فَإِن قَالُوا لَا أعظموا القَوْل فِي وصف الْأَنْبِيَاء إِنَّهُم لم يَفْعَلُوا ذَلِك وَإِن قَالُوا نعم لَزِمَهُم القَوْل بهَا قبل الْفِعْل نقُول لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن عنيت بِالْقُدْرَةِ الْأَسْبَاب الَّتِي هِيَ أَحْوَال الْقُدْرَة الَّتِي تعرض لَا محَالة لَوْلَا التضييع من العَبْد فبلى وكل الْأَنْبِيَاء كَذَلِك كَانُوا وَكَذَلِكَ الأخيار وَإِن أردْت بِهِ الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ مَعَ الْفِعْل أحلّت السُّؤَال وصرت كمن يَقُول هَل راقب الله أحد فِي إبْقَاء الْمعاصِي وَهُوَ فَاعل لَهَا وَذَلِكَ مِمَّا لَا

معنى لَهُ وَهُوَ يعارضك فَيَقُول هَل راقب الله نَبِي من الْأَنْبِيَاء فِي إبْقَاء مَعْصِيّة علمهَا مِنْهُ أَو أخْبرهَا عَنهُ فمهما أجَاب فِي شَيْء فَمثله الأول ثمَّ يُقَال هَل تفضل الله على أحد من أوليائه بِمَنْع قدرَة عداوته فَإِن قَالَ نعم نقُول إِن الله لم يُعْط أوليائه قدرَة مَعَاصيه فَعَلَيهِ فِي أعدائه أَيْضا أَنه لم يعطهم قُوَّة طَاعَته وَفِي ذَلِك مَا أنكر آنِفا وَإِن قَالَ لَا زعم أَنه أعْطى أولياءه قُوَّة عداوته وَمن قَوْلهم إِنَّه لم يُعْط أعداءه قُوَّة الْعَدَاوَة فَالْآن صَار إِلَى أَن أعْطى أولياءه قوتها وَذَلِكَ عَظِيم ثمَّ يُقَال هَل أعْطى الله وليا قوى على تِلْكَ الطَّاعَة حِين الطَّاعَة فَإِن قَالَ لَا فالوحشة فِي طَاعَة لم يقو عَلَيْهَا لَيست بِدُونِهَا فِي إجتناب مَعْصِيّة لم يقو عَلَيْهَا بل قوى على ترك الْمعْصِيَة وَعِنْدهم لم يقو على الطَّاعَة وَهَذَا أوحش ثمَّ يُقَال هَل والى لله ولي أَو عَادَاهُ عَدو بِفعل قوى عَلَيْهِ فَإِن قَالَ نعم أقرّ بِالْقُوَّةِ مَعَ الْفِعْل وَإِن قَالَ لَا زعم أَن الْعَدَاوَة وَالْولَايَة بِمَا لَا يقوى عَلَيْهِ وَذَلِكَ بعيد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ من أَحْمد من لَو قدر على الْمعْصِيَة عصى وَهُوَ النَّبِي أَو من قدر على الطَّاعَة أطاعه وَهُوَ إِبْلِيس قيل إِن عنيت الْأَسْبَاب فَالْأول وَإِن عنيت الْقُوَّة الَّتِي مَعهَا الْفِعْل أحلّت وَمثله عَلَيْك فِي الْعلم وَالْخَبَر ثمَّ يُقَال لَهُ من أطوع لله من لَو وَالَاهُ الله أطاعه أَو من لَو عَادَاهُ عَصَاهُ فَبِأَي شَيْء يُجيب فِي ذَلِك فَهُوَ لَهُ فِي الأول جَوَاب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ آخر إِنَّه لَا عذر للْعَبد فِي الشَّاهِد أعظم من أَن يَقُول لَو قيل لَهُ لم لَا فعلت كَذَا فَيَقُول لِأَنِّي لَا أقدر عَلَيْهِ فَمثله فِي الْغَائِب قيل هَذَا يكون عذرا فِيمَا يمْنَع عَنهُ الْقُدْرَة لَا فِيمَا ضيعها باتا وَمَا منع حُدُوث الْقُدْرَة وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الشَّاهِد لَا عذر أوسع من أَن يَقُول لم أعلم أَمرك وَلَا نهيك

مسائل في الإرادة

وَلَا علمت أَن فعلى يغضبك فَإِن لم يكن عذرا مِمَّا أعْطى مَا لَو لم يتْرك طلبه ليبلغه فَمثله فِي الْقُوَّة وَبعد فَإِنَّهُ لَا عذر على ذَلِك أَيْضا أعظم من أَن يَقُول لِأَنَّك أخْبرت أَنى لَا أفعل وَكَذَلِكَ علمت فَقلت لَو فعلت لصيرتك جَاهِلا كَاذِبًا فَلم أفعل لهَذَا وَأَن يَقُول أَيْضا لي عَلَيْك أعظم الْمِنَّة لِأَنَّك أقدرتني عَلَيْهِ وَجعلت أَمر ربوبيتك فِي يدى وأقدرتني على نقضه فلى عَلَيْك أعظم المنن وعندك أَكثر الأيادي فمهما أجَاب من شَيْء فَذَلِك أعظم مِنْهُ جَوَابا لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مسَائِل فِي الْإِرَادَة مَسْأَلَة الْإِرَادَة يُمكن أَن تلْحق بِمَسْأَلَة خلق الْأَفْعَال من الْوَجْه الَّذِي لَو ثَبت خلقهَا وَالله مُخْتَار مُرِيد لما يكون مِنْهُ ثَبت القَوْل بالإرادة من الْوَجْه الَّذِي يُوصف بالخلق وَإِن لم تثبت تبطل من الْوَجْه الَّذِي أُرِيد بالإرادة فِي الْأَفْعَال دفع الْغَلَبَة والسهو إِذْ ذَلِك معنى حَقِيقَة الْإِرَادَة فِي الشَّاهِد إِلَّا أَن يُرَاد بالإرادة التمنى أَو الْأَمر وَالدَّعْوَى أَو الرِّضَا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يجوز أَن لَا يُوصف الله بِبَعْض ذَلِك فِي كل شَيْء وينقض ذَلِك فِي شَيْء الْبَتَّةَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَيُمكن أَن تفرد عَن تِلْكَ بِمَا أفردها أهل الْكَلَام وَإِن كَانَ الْحق هُوَ الأول على أَن فِي إِيجَاب القَوْل بالإرادة فِي كل شَيْء إِيجَاب القَوْل بِخلق

الْأَفْعَال مَعَ مَا يُمكن الإستدلال فِي هَذَا بأَشْيَاء لَيست فِي الأول وَإِن كَانَ فِي تَحْقِيق الْكَلَام فِي هَذَا تَحْقِيق فِي الأولى قَالَ الله تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} إِلَى قَوْله {كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} أخبر أَنه يُرِيد هِدَايَة قوم بأفعالهم بهدايته وإضلال قوم بِجعْل قُلُوبهم ضيقَة حرجة وَقَالَ عز وَجل {من يشإ الله يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط} فَفرق بَين الْقَوْم بالمشيئتين فدلت الْآيَات على أَن الله شَاءَ لكل فريق بِمَا علم أَن يكون مِنْهُم وَدلّ على أَن الْمَشِيئَة فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ لَيست بِأَمْر وَلَا رضَا قَالَ تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} وَقَالَ {وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة} وَقَالَ {فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} وَلَا يحْتَمل أَن يكون هَذِه الْمَشِيئَة رضَا أَو أمرا لما قد كَانَا ثَبت أَنه أَرَادَ بِهِ الْمَشِيئَة الَّتِي يكون عِنْدهَا فعل لَا محَالة وَلَا يحْتَمل أَن تكون قد كَانَت وَهُوَ يَقُول لَو كَانَ ليَكُون كَذَا وَفِي تَحْقِيق الْكَوْن دون الْمَوْعُود بِهِ كذب جلّ الله عَن ذَلِك وَلَا يحْتَمل تَأْوِيل القسر لأوجه أَحدهَا أَن الله قد علمهمْ كَيْفيَّة الْهدى ومائية دينه وَمَا بِهِ وجود حَقِيقَته فَلَا يحْتَمل أَن يُرِيد بِهَذَا ضد ذَلِك من غير أَن يتَقَدَّم الْإِعْلَام فِي إحتمال هَذَا الإسم ضد الَّذِي هُوَ اسْمه فِي الْحَقِيقَة عِنْدهم بتعليم الله ذَلِك لَهُم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن طَرِيق معرفَة وحدانية الله وَالْإِيمَان بِهِ وبرسله طَرِيق الإجتهاد

والإستدلال وَذَلِكَ نوع مَا لايحتمل الإضطرار وَلَو جَازَ علم الإضطرار فِيمَا لَيْسَ فِي الْخلقَة احْتِمَاله لجَاز نفى علم الإضطرار فِيمَا كَانَ ذَلِك طَرِيقه فَيبْطل علم العيان مَعَ مَا كَانَ ذَلِك طَاعَة وإئتمار والجبر يسْقط ذَلِك كُله فَيصير فِي التَّحْصِيل كَأَنَّهُ قَالَ لَو شَاءَ لمنعكم عَن الْإِيمَان وَعَن مِلَّة وَاحِدَة وَهَذَا خلف من القَوْل وَإِنَّمَا أخبر أَنه لَو شَاءَ لجمعكم على على الْهدى وَقد آمن بَعضهم بالإختيار وَلَو كَانَ جبر الْبَقِيَّة لم يكن ليجمعهم وَلَكِن يمنعهُم عَمَّا أَبَوا بِهِ من دينه وطاعته وَذَلِكَ بعيد وَحش وَأَيْضًا أَنه لَا صنع لِلْخلقِ فِي مَوضِع الْجَبْر والقهر وَإِنَّمَا يرجع ذَلِك إِلَى إِيمَان الْخلق وكل جَوْهَر بخلقته مُؤمن مهتد بل بِهِ هِدَايَة كثير من الْخلق فَإِذا ذَلِك قد شَاءَ وَقد كَانَ بالْقَوْل بلو شَاءَ لَا معنى لَهُ وعَلى ذَلِك قَوْله {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} وَأَيْضًا مِمَّا يبطل تَأْوِيل القسر قَوْله {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم} ومشيئة الْجَبْر لَا تسْقط مَا ذكر أَنه حق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ الله {من يشإ الله يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط مُسْتَقِيم} وَعند الْمُعْتَزلَة إِنَّه شَاءَ جعل الْكل على ذَلِك وَهُوَ عز وَجل وعد أَن يكون الَّذِي شَاءَ كَذَلِك فَلم يكن وَقَالَ عز وَجل {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} فَلَا يَخْلُو هَذَا الشَّيْء من أَن يكون فِي الْخيرَات فَهُوَ لَغْو على قَوْلهم لِأَنَّهُ قد شَاءَ وَإِذا لم يكن أَيْضا يصير كَأَنَّهُ مَأْمُور بالْقَوْل الْكَذِب

لِأَنَّهُ أَمر أَن يَقُول كَذَا وَلم يكن كَذَا وَإِن كَانَ شرا لَا يشاءه فَذكره عِنْدهم لَا معنى لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ الله عز وَجل {فعال لما يُرِيد} امتدح جلّ ثَنَاؤُهُ بِالْفِعْلِ لما يُرِيد وَعند الْمُعْتَزلَة مَا يُرِيد من الْخيرَات الَّتِي تكون من الْخلق مِمَّا لَو اجْتمع الْخلق على إحصائها لم يبلغُوا جُزْءا من ألف جُزْء مِمَّا أَرَادَ فَلم يفعل وَهُوَ عز وَجل تمدح بِهِ ثمَّ من عَظِيم قَوْلهم إِن عِنْد الله مَشِيئَة جبرا لَو كَانَت لَكَانَ الْخلق على مَا قَالَ فَمن يُصدقهُمْ على هَذَا الدَّعْوَى أَن لَهُ هَذِه الْقُدْرَة أَو الْمَشِيئَة الَّتِي تعْمل هَذَا الْعَمَل بعد أَن ظهر لِلْخلقِ كل هَذَا الْخلف فِي وعده وَهَذَا الْعَجز فِي فعله أَو مَتى يُؤمن بوعد من وعد الْخلق أَن يفعل مَا يُرِيد أَكثر مِمَّا يبلغهُ حِسَاب الْخلق ثمَّ يخلف وَمن يَثِق بعد هَذَا بوعده أَو مَتى يخَاف وعيده وَهَذَا مَحَله عِنْدهم فَإِن أَرَادَ أَن يظْهر عَجزه وَخَلفه وَمَا لَا يَلِيق بِوَصْف الْحِكْمَة فَأَي شَيْء كَانَ يُبْدِي ليعلم بِهِ هَذَا على مَذْهَب الإعتزال جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فِيهَا} أخبر أَنه يُرِيد إهلاك قوم وقرية بفسق أَهلهَا قبل أَن يكون مِنْهُم الْفسق فَلَو لم يرد كَون الْفسق مِنْهُم كَمَا علم أَن يكون وَلَكِن أَرَادَ أَن تكون الطَّاعَة ويهلكهم كَانَ يكون ذَلِك جورا فَثَبت أَنه أَرَادَ الَّذِي كَانَ مِنْهُم أَو علم ذَلِك وَقَالَ نوح لِقَوْمِهِ {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} وَقلت لَا يُرِيد ذَلِك وصرفت كَلَام نوح إِلَى مَا لَا يحْتَملهُ وهم الْبشر {وَقَالَ مُوسَى رَبنَا إِنَّك آتيت فِرْعَوْن وملأه زِينَة وأموالا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبنَا ليضلوا عَن سَبِيلك} وَأَنْتُم تَقولُونَ لم يؤتهم لذَلِك وَلَكِن آتهم ليهتدوا وَقَالَ تَعَالَى

{أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم} وَأَنْتُم تَقولُونَ بل أَرَادَ الله ذَلِك وَقَالَ {وَمن يرد الله فتنته} وَأَنْتُم تَقولُونَ لم يردهَا أَو تَقولُونَ هَذِه محنة وأنى كَانَ رَسُول الله يُرِيد أَو يتَمَنَّى أَن لَا يكون حَتَّى يُقَال لَهُ {فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ} أخبر مَا يُرِيد بهم بِمَا أعْطى وهم يَقُولُونَ لَا يُرِيد فَمَا يُقَال لأمثال هَؤُلَاءِ إِلَّا مَا قيل للْيَهُود وَالنَّصَارَى {أأنتم أعلم أم الله} وَقَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ {لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} فَنَقُول لَهُم أَرَادَ الله عز وَجل أَن يفى بِمَا وعد هَذَا أَو أَرَادَ أَن يكذب وعده وَيبْطل وعيده فَإِن قَالُوا بِالثَّانِي أعظموا القَوْل ووصفوه بِإِرَادَة السَّفه وَالْكذب وَكفى بِهَذَا القَوْل خزيا وَإِن قَالُوا أَرَادَ أَن يفى بِهِ قيل أَرَادَ أَن يفى بِهِ وَهُوَ يُرِيد أَن يطيعوه فيفى وهم يطيعون لَهُ أَو يعصون فَإِن قَالَ بِالْأولِ فَهُوَ جور أَرَادَ لِأَنَّهُ فعله جور فإرادة كَونه إِرَادَة فعل الْجور أَن يكون لَهُ فعلا وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} وَإِن قَالَ بِالثَّانِي أذعنوا للحق وَقَالُوا بِالْعَدْلِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ الله تَعَالَى {يُرِيد الله أَلا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة} وَمن أَرَادَ أَن يكون مِنْهُ كل خير فقد أَرَادَ لَهُ الْحَظ فِي الْآخِرَة وَقَالَ تَعَالَى {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا وَالله يُرِيد الْآخِرَة}

وَقَالَ تَعَالَى {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم} فَأَرَادَ للْمُؤْمِنين هَذَا فَكَانَ ذَلِك وللكافرين الأول فَكَانَ ذَلِك وَلَا يجوز أَن يُرِيد الأول وهم مطيعون ثَبت أَنه أَرَادَ أَن يكون مِنْهُم مَا قد كَانَ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة والنجاة وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله إِن الله} فَإِذا كَانُوا لَا يشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله لايجوز إِذا شَاءَ الله أَن لَا يشاءوا ويشاءون وَإِن لم يَشَأْ فَإِن ذَلِك آيَة الْكَذِب الَّذِي هُوَ قبح الله فِي الْعُقُول وَبِاللَّهِ المعونة والتوفيق ثمَّ قَول الْمُسلمين المتوارث بَينهم مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لَا يكون على غير اضْطِرَاب قلب لأحد أَو توهم غير وعَلى غير سبق الْوَهم إِلَى خلاف لما عَلَيْهِ الْمَشِيئَة الْمَعْرُوفَة الَّتِي لَدَيْهَا يَقع فعل الإختيار والإضطرار جَمِيعًا على أَنه لَو جَازَ أَن يَشَاء شَيْئا لَا يكون ويشاء أَن لَا يكون فَيكون لم يكن الْكَوْن بِالْأولِ أَحَق من أَن يكون من صِفَات الربوبية من الثَّانِي وَلكُل مَوضِع بل لَو قيل إِن ذَا يغلب على الأول عِنْدهم لم يبعد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا تعارفهم فِي الْوَعْد إِذْ حذروا الْخلف إِن شَاءَ الله وَفِي الْيَمين إِذا خَافُوا الْحِنْث قَالُوا ذَلِك ثَبت أَن عقد جملَة الْمُسلمين وَاحِد قبل تمويه الْمُعْتَزلَة وَهُوَ كَمَال قَالَ كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة إِلَّا أَن أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه بَين الْخلقَة يُوجب شَهَادَة وَدلَالَة وحدانية الله تَعَالَى حَتَّى يَجِيء التلبيس مِمَّن ذكر وَكَذَلِكَ أَمر الْمَشِيئَة عِنْد الْجَمِيع قبل تلبيس الْمُعْتَزلَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا الْمَوْجُود فِي عرف الْخلق من الدُّعَاء بِإِرَادَة الْيُسْر وَالْخَيْر لَهُم على طمأنينة الْقلب بِحَقِيقَة ذَلِك لَو كَانَت ثمَّة إِرَادَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا عظم القَوْل فِي الْقُلُوب بِأَن مَا شَاءَ إِبْلِيس كَانَ وَمَا لم لَا يَشَأْ لَا يكون على الْعلم بِكَوْن مَا لَا يُحْصى من الشَّرّ وَخُرُوج الْخَيْر من الْكَوْن فِي ذَلِك وَوُجُود مَشِيئَة إِبْلِيس بذلك ثَبت أَن كَون حقائق الْأَشْيَاء بِمَا لله فِيهَا مَشِيئَة وإمتناعها عَن الْكَوْن لذَلِك لذَلِك استحسنوا إِضَافَة ذَلِك إِلَى الله واستقبحوا إِضَافَته إِلَى إِبْلِيس وَغَيره من العصاة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْعبْرَة بِمَا يُوجِبهُ ضَرُورَة الْعقل وَهِي توجب ذَلِك إِذْ يعلم كل أحد أَن فعله يخرج على غير الَّذِي يُريدهُ من الْحسن والقبح واللذة والألم والمحبة والسخط ثَبت أَن لغَيرهم فِي خُرُوج فعلهم على مَا خرج إِرَادَة على تِلْكَ الْإِرَادَة يخرج الْفِعْل وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن إِحْدَاث شَيْء فِي سُلْطَان آخر وَفِي مَمْلَكَته من حَيْثُ لَا يَشَاء وَلَا يُريدهُ آيَة الضعْف والقهر وَمن ذَلِك وَصفه محَال أَن يكون رَبًّا وإلها لذَلِك لزم وصف الله بذلك وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى لَو أَرَادَ أَن يكون الْكفْر غير الَّذِي يعلم أَنه يكون غير الَّذِي أخبر أَنه يكون أَرَادَ أَن يكون كذابا سَفِيها وَمن تِلْكَ إِرَادَته لم يجز أَن يكون إِلَهًا وَربا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا فِي الْحِكْمَة أَن كل من صنع أمرا يُرِيد غير الَّذِي يكون بِهِ كَانَ يكون جَاهِلا بالعواقب أَو عابثا بِالْفِعْلِ وَالله تَعَالَى يجل عَن هذَيْن الوصفين أَلا يرى أَن من بِنَا لشَيْء يعلم أَنه لَا يكون كَانَ ذَلِك مِنْهُ عَبَثا وَلَو كَانَ بِهِ شَيْء غير الَّذِي يُريدهُ كَانَ جَاهِلا بِهِ وَأَيْضًا أَن الْخَطَأ الْمَعْرُوف فِي الشَّاهِد نَوْعَانِ أَحدهمَا خُرُوج الْفِعْل على تَقْدِير يجهله وَالثَّانِي وُقُوعه فِي غير الَّذِي يُريدهُ فَلَو كَانَ الله تَعَالَى يُرِيد بِمَا أعْطى غير الَّذِي يكون بِهِ لَكَانَ يكون فعله خطأ على مَا عرفنَا الله تَعَالَى من فعل الْخَطَأ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَأَيْضًا أَن الَّذِي عَلَيْهِ أَمر الشَّاهِد أَن كل من أَرَادَ مُوالَاة من يخْتَار عداوته كَانَ يكون عَن ضعف وَخَوف فَلَا يجوز أَن يكون الله تَعَالَى يُرِيد مولاة إِبْلِيس وَالَّذين اخْتَارُوا عداوته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن شَرط كل من فعله اخْتِيَار الْإِرَادَة وكل من فعله الإضطرار أَنه غير مُرِيد لذَلِك فَلَو كَانَ الله لفعل العَبْد غير مُرِيد ليَكُون على مَا كَانَ يكون مُضْطَرّا وَلذَلِك لَا يجوز أَن يكون لأحد فِي فعل غَيره إِرَادَة لما لَا يحْتَمل خُرُوجه على مَا يُرِيد وَسموا ذَلِك تمنيا فعلى ذَلِك لَو توهم كَون شَيْء لم يردهُ الله كَانَت إِرَادَته تخرج مخرج التمنى وَأَيْضًا أَنه لَو جعل لنا أَن نبوة نَبِي بقول بشر يكون ذَلِك مَعْصِيّة لنا أَن نريده من حَيْثُ يكون آيَة وَإِن لم يكن لَهُ أَن يعْصى فَمثله إِذْ علم الله أَنه أخبر عَن ذَلِك وَأَنه علم أَن لَا يكون كَانَ لَهُ أَن لَا يُرِيد فِي الْحِكْمَة على أَنه لَا يخْتَلف أَن لَيْسَ للْعَبد أَن يسْأَل الله هِدَايَة من يعلم أَنه لَا يَهْتَدِي نَحْو إِبْلِيس لم يكن لَهُ أَن يَقُول اللَّهُمَّ اهده لما يعلم أَنه لَا يكون ثمَّ محَال أَن يكون علينا إِرَادَة ذَلِك وَإِذ لم يكن علينا إِرَادَة مَا يعلم أَنه لَا يكون لم يجز أَن يُقَال ذَلِك على الله إِذْ كَونهَا علينا إِنَّمَا يكون إِذا جهلنا بِحَالهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نسْأَل عَمَّن يُرِيد أَن يكون شتم رَسُول الله مثل شتم إِبْلِيس فِي الْمرتبَة والمأثم أَلَيْسَ هُوَ بمتعد سَفِيه كَافِر لَا بُد من بلَى فَيُقَال من أَرَادَ أَن يكون شتم رَسُول الله أمرا عَظِيما لَا يبلغهُ شتم أحد من الْخلق أَن يكون مَحْمُودًا لَا بُد من بلَى قيل فَمن يُرِيد أَن يكون الشتم مِنْهُ كَذَلِك إِذْ محَال كَونه لَا من أحد أعظم وَلَا بأصغر وَلَا نَحْو ذَلِك فَلَا بُد أَن يَقُول من كَافِر وَفِي ذَلِك جَوَاز إِرَادَة فعل الْكفْر من وَجه لَا يحْتَمل الذَّم من ذَلِك الْوَجْه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ الأَصْل الَّذِي هُوَ مُعْتَمد الْمُعْتَزلَة أَن إِرَادَة الله لَيست غير خلقه وَأَن تَأْوِيلهَا على مَا فسر الكعبي لَيْسَ غير أَنه لم يغلب وَلم يضْطَر فِي فعله وَهَذَا الْمَعْنى قد أَعْطوهُ جَمِيعًا فِي فعل الْعباد فإنكارهم الْإِرَادَة وَهَذَا مَعْنَاهَا لَا معنى لَهُ بعد الْإِعْطَاء فِي الْجُمْلَة وَالله الْمُوفق

وَالْأَصْل عندنَا إِذا سئلنا عَن مَشِيئَة الله فعل الْكَفَرَة على مَا كَانَ وَجْهَان أَحدهمَا القَوْل بذلك فِي الْإِطْلَاق على مَا عرف من الْإِرَادَة فِي ذَلِك وَالثَّانِي منع الْإِطْلَاق إِذا لم يفهم مُرَاد السَّائِل أَو خشى أَن يُرِيد التعنت فِي ذَلِك وَهُوَ أَن يُقَال إِن للمشيئة مَعَاني فِيمَا يتعارف أَحدهَا التمنى وَذَلِكَ عَن الله منفى فِي كل شَيْء وَالثَّانِي الْأَمر وَالدُّعَاء إِلَيْهِ فَذَلِك منفى عَن الله فِي كل فعل يذم فَاعله وَالثَّالِث الرِّضَا بِهِ وَالْقَبُول لَهُ وَذَلِكَ كَذَلِك أَيْضا فِي كل فعل يذم عَلَيْهِ وَالرَّابِع تَأْوِيله نفى الْغَلَبَة وَخُرُوج الْفِعْل على مَا يقدره ويريده وَهَذَا يَقُول ذَلِك وَقد أجمع على مَعْنَاهُ فَمن أنكر ذَلِك بعد إِعْطَاء مَعْنَاهُ فَهُوَ قدر الْمَشِيئَة على غير حَقِيقَة المُرَاد مِنْهَا وَهُوَ عندنَا لَازم إِذْ هُوَ لكل شَيْء خَالق وَقد ثَبت وَصفه فِيمَا يخلقه أَنه غير مُضْطَر إِلَيْهِ وَلَا يكره عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر وهم الكعبي فِيمَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب سَأَلَ نَفسه عَن قَول النَّاس مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لَا يَشَاء لَا يكون فَأجَاب بِالَّذِي فِي تَأْوِيل قَوْله {خَالق كل شَيْء} أَنه لَيْسَ فِي إِرَادَة الشتم لَهُ مدح وَقد بَينا ذَلِك على أَنه فِي إِرَادَته أَن يكون كَاذِبًا فِيمَا أخبر بِهِ حَقِيقَة الشتم وَلَيْسَ ذَلِك فِي إِرَادَة كَون فعل الشتم مِمَّن يشتمه قبيحا شتما يدل على ذَلِك الْعلم بِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَنه فِي الأول جهل وَخطأ وَفِي الثَّانِي حِكْمَة وصواب وَصرف الْمَشِيئَة إِلَى الْقَهْر وَقد بَينا وهمه على أَن معنى الْقَهْر فِي هَذَا أَو فِي غَيره محَال لِأَنَّهَا هِيَ فِي الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْكذب والصدق وَهُوَ لَو خلق الْكفْر وَالْكذب لَا عَن أحد فِي الْحَقِيقَة يكون كَافِرًا كَاذِبًا عِنْد جَمِيع من يرى خلق الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء فَذَلِك يلْزمهُم أَن يَقُولُوا تَأْوِيل قَول الْمُسلمين مَا شَاءَ الله كَانَ أَي لَو شَاءَ الْكفْر

وَالْكذب وَهَذَا التَّأْوِيل مِمَّا لَا يرضى بِهِ مَجْنُون أَن يُوَجه إِلَيْهِ قَوْله فَكيف جملَة الْمُسلمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ خرج من الْمُعَارضَة بِأُخْرَى يَقُول بهَا على الْمُسلمين فَقَالَ هم يَقُولُونَ مَا أحب الله كَانَ وَمَا لم يحب لَا وَهَذَا لم يسمع من شَيْطَان فَكيف من مُسلم ثمَّ عَارض بقَوْلهمْ أَمر الله نَافِذ وَلَا مرد لأَمره قيل لهَذَا وَجْهَان أَحدهمَا أَمر التكوين كَقَوْلِه {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} فَهَذَا لَا مرد لَهُ وَيدخل فِي ذَلِك فعل الْخلق جَمِيعًا وَهُوَ مثل الأول وَالثَّانِي أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة حق الْأَمر أَن لَا يرد عَن الْوَجْه الَّذِي يكون الْأَمر وَمَا بِهِ الْأَمر فِيمَا لم يكن لم يخرج الْأَمر عَن حِدة وتزول الإدارة إِذْ هِيَ المكون وَالْأَمر ليفعل بِهِ أَلا ترى أَن كل مُخْتَار فِي الْفِعْل مَوْصُوف بالإرادة وَلَا يجوز أَن يُقَال هُوَ مَأْمُور لإحالة وصف الله بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ فِي قَوْله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} إِن الإستقامة كَانَت بهَا وَذَلِكَ فَاسد لِأَن الله قد شَاءَ فَلَا يكون فَلَا يجوز فِيمَا يكون بهَا إِلَّا على قَوْلنَا إِنَّهَا تكون لَا محَالة إِذا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ أَتُرِيدُ الله أَن يشْتم وَقد أَخطَأ فِي السُّؤَال بل حَقه أَن يُقَال أَتُرِيدُ الله أَن يكون فعل الشتم مِمَّن يشتمه قبيحا مسخوطا ثمَّ قَالَ معَاذ الله لِأَنَّهُ نهى عَنهُ وَغَضب عَلَيْهِ وَلَا يفعل الْحَكِيم ذَلِك قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله قيل أحكيم لَا يَشَاء ذَلِك مِمَّا لَو كَانَ الَّذِي شَاءَ يصير كَاذِبًا سَفِيها فَإِن قَالَ نعم بَان جَهله بالحكيم وَإِن قَالَ لَا ألزم القَوْل بِالْمَشِيئَةِ إِذْ فِي فَوت ذَلِك كذبه وسفهه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

على أَن النهى لَيْسَ من الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا وَكَذَلِكَ الْغَضَب وَهَذَا النَّوْع مِمَّا قد ذكرنَا مِنْهُ الْكَافِي فِي بَاب خلق الْأَفْعَال وَبعد فَإِنَّهُ إِذا أَرَادَ لما علم أَن يخْتَار هُوَ عداوته أَن يكون مِنْهُ عدوا ليزول معنى الضعْف وَيظْهر الْغنى عَنهُ وَعَن فعله كَمَا قَالَ {إِن الله لَغَنِيّ عَن الْعَالمين} على أَنه يزْعم أَن معنى الْإِرَادَة أَن لايغلب وَقد وجد فِي هَذَا فَلْيقل مَا شَاءَ فَهُوَ لَهُ فِي الأول جَوَاب وَأما جَوَابه بالمحبة وَالرِّضَا فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال إِن الله يحب إِبْلِيس ويرضى بِهِ وَكَذَلِكَ الْخَبَائِث والأقذار وَإِن كَانَ أَرَادَ كَونهم فَمثله فعل الْكفْر وَكَذَا كل قبائح الصُّور والجواهر وَالله أعلم وَأجَاب لما عورض من الزِّيَادَة فِي ملكه مَالا يُريدهُ بِالرِّضَا والمحبة وَقد بَينا التَّفْرِيق فِي ذَلِك بِمَا هُوَ فعله ثمَّ قَالَ إِذا قدر على الْمَنْع فَلم يمْنَع فَلَيْسَ بممنوع فَيُقَال لَهُ لَو قدر وَهُوَ لَا يُريدهُ ليمنع فَدلَّ كَونه بِلَا إِرَادَة أَنه لم يقدر وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنه لَو قهرهم على الْإِسْلَام لم يَكُونُوا مُسلمين قهرا يبين أَنه لم يكن يقدر على ذَلِك وَذَلِكَ حق الْغَلَبَة والقهر فِي الشَّاهِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعارض بتركهم فَيُقَال لَيْسَ فِي التّرْك خلاف لَهُ فِي الْإِرَادَة فَيلْحق مَا ذكرنَا من الزِّيَادَة فِي ملكه مَا لَا يُريدهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وعارض بِمثلِهِ فِي الشَّاهِد وَهُوَ خطأ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا ان ملكنا لَا يقدر على الْمَنْع وَإِلَّا كَانَ يمْنَع عَن كل شَيْء لم يردهُ وَالثَّانِي أَن ذَلِك لَيْسَ فِي ملكه وَلَا سُلْطَانه لما لَيْسَ لملك الأَرْض على أَفعَال غَيره ملك وَلَا سُلْطَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بِمَا يعقب خُرُوج الشَّيْء عَن علمه جهلا لم لَا أوجب خُرُوجه عَن إِرَادَته نُقْصَانا وَهُوَ عجز فَقَالَ إِنَّمَا يعقب الْكَرَاهَة لَا النُّقْصَان قيل كَرَاهَة النهى كَذَا وَالْغَلَبَة تحدث نُقْصَانا وَفِي كتاب الله أَيْضا دَلِيل

الْفرق بَين الْمحبَّة وَالرِّضَا وَبَين الْإِرَادَة والمشيئة بقوله {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} وَقَوله {وَالله لَا يحب الْفساد} وَقَوله {إِن الله يحب التوابين} {لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} وَقَالَ فِي الْمَشِيئَة {من يشإ الله يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط مُسْتَقِيم} وَغير ذَلِك مِمَّا يُوجب تَخْصِيص الْمحبَّة وَالرِّضَا وتعميم الْمَشِيئَة والإرادة مَعَ مَا يُوصف بهما من أَفعاله وَلَا يُوصف بِالرِّضَا والمحبة على أَن الْمَشِيئَة صرفهَا إِلَى الْقُوَّة حَتَّى جعلهَا بِحكم القسر فَلذَلِك قوتها توجب ذَلِك وألأصل فِي ذَلِك أَن الْمحبَّة والسخط مَعْنيانِ يوجبان بِفعل الْعباد وَلَيْسَت الْمَشِيئَة كَذَلِك لما لَيْسَ فِي أَفعَال الْعباد معنى يُوجب الْمَشِيئَة إِلَّا أَن يُرَاد بهَا الرِّضَا أَو التمنى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي الشَّاهِد قد يفعل الرجل مَا لَا يرضى بِهِ وَلَا يُحِبهُ ومحال حَقِيقَة فعل لَا يُريدهُ وَكَذَا معنى الْإِرَادَة مُتَقَدم عِنْدهم على الْفِعْل وَعِنْدنَا معنى يكون مَعَه وَلَا وَجه لَهَا بعده وَأمر الرِّضَا والسخط والمحبة وَنَحْو ذَلِك يكون من بعد فِي الْمُتَعَارف أبدا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ احْتج بقوله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر} وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ {وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَالْكفْر أعْسر الْعسر قيل الْإِرَادَة فِي هَذَا تخرج على الْإِذْن وَالْإِبَاحَة والرخصة لَيْسَ ذَلِك من أَمر الْإِيمَان فِي شَيْء فَكَذَا إِرَادَة الْعسر وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ على الْأَمريْنِ فَالْوَجْه أَن أُولَئِكَ قوم قد آمنُوا فَلم يكن لَهُم فِي التَّحْقِيق غير الَّذِي أَرَادَ فَلَو كَانَ من الْكَافِر أَرَادَ الْإِيمَان لَكَانَ

لَا يكون سواهُ كَمَا إِذا أَرَادَ الْإِيمَان لم يكن غَيره وعَلى هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه} وأيد ذَلِك قَوْله {يُرِيد الله أَلا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة} وَبَين فِي الْمُؤمنِينَ {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} دلّ أَن كل من أَرَادَ لَهُ الْإِيمَان أَن يكون فعله أَرَادَ لَهُ الْآخِرَة وَمن لم يرد لَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَاحْتج بقول الله تَعَالَى {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فَنَقُول كَذَلِك وَمن أَرَادَ عدواة إِنْسَان لَهُ عَدَاوَة أَو فعله الظُّلم قبيحا فَاحِشا فَلَيْسَ بمريد لَهُم الظُّلم بل أَرَادَ لَهُم الْعدْل قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} ثمَّ قَالَ فِي إِبْلِيس {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} سَمَّاهُ بَاطِلا لَا أَن خلقه بَاطِلا فَمثله إِرَادَة فعل الْكفْر من الْكَافِر بَاطِلا وظلما لَا يكون مِنْهُ إِرَادَة الظُّلم للعباد وتأويله قَوْله {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} وَبعد فَإِنَّهُ فِي الإعتبار بِهِ جَائِز لِأَن إِرَادَة مَا يعلم أَن يكون ليَكُون عدلا إِذْ هُوَ أَرَادَ جَزَاء فعله لَا أَن يُعَاقِبهُ على أَمر لم يَفْعَله وَالله الْكَافِي ثمَّ سُئِلَ عَن إراد رَسُول الله إنهزام الْمُشْركين فَزعم أَنه أَرَادَ لينظروا فِيمَا دعاهم إِلَيْهِ قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فالإنهزام طَاعَة أَو مَعْصِيّة وَكَذَلِكَ الْحَال إِلَى وَقت النّظر وَفِي ذَلِك الدَّوَام على الْمعْصِيَة لَا بُد أَن يَقُول مَعْصِيّة فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ لَا على قَصدهَا لبَعض الْمصَالح وَمثله قَوْله {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك}

إِنَّه يجوز إِرَادَة فعل هُوَ مَعْصِيّة لَا على قصد عصيان وَكَذَلِكَ معاصي الْمُؤمنِينَ كلهَا كَانَت على أَفعَال من عاصيهم وَإِن لم يُرِيدُوا مَعْصِيّة الله بل لَو أَرَادوا لكفروا فَهَذَا يبين أَن إِرَادَة فعل يكون من فَاعله مَعْصِيّة لَا يكون كإرادة الْمعْصِيَة فَمثله إِرَادَة الله فعل الْكَافِر ليَكُون مِنْهُ مَعْصِيّة أَو فعله الشتم ليَكُون مشتما قبيحا لَا يكون كإرادة الشتم وَالْمَعْصِيَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض بِأَن رَسُول الله رَضِي مِنْهُم الإنهزام وَذَلِكَ فَاسد لِأَن الإنهزام مِنْهُم لم يكن لرَسُول الله أَو الله فيتكلم فِيهِ بِالرِّضَا وَغير الرِّضَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عورض بِمَا كَانَ كفر أَكثر عباد الله بِأَن أَرَادَ إِبْلِيس وَالله أَرَادَ مِنْهُم الطَّاعَة فَصَارَت إِرَادَة إِبْلِيس فِي ملك الله وسلطانه أبعد من إِرَادَة الله فَأجَاب بِالرِّضَا والمحبة والسخط وَقد بَينا نَحن الْفَصْل بَين الْأَمريْنِ على أَنه يكون فعل يرضى بِهِ الْمَرْء ويسخط من غير أَن كَانَ وَقت فعله ومحال ذَلِك فِي الْإِرَادَة ثَبت أَنَّهَا شَرط الْفِعْل فِيمَا يظْهر التَّعْجِيز إِذْ لَا يَخْلُو عَنْهَا فعل الْمُخْتَار وَأَيْضًا إِنَّا لَا نقُول بِأَن الله يحب من يعلم أَنه لَا يُؤمن أَو يرضى مِنْهُ لِأَنَّهُمَا يُحِبَّانِ بِالْفِعْلِ فَمن لَا يفعل بالْقَوْل بِهِ بعيد وَأما الْإِرَادَة فقد بَينا وَالله أعلم وَالْأَصْل فِي هَذَا فِي الْمُتَعَارف أَن الْفِعْل يخرج على إِرَادَة أَو غَلَبَة أَو غَفلَة ثمَّ الله سُبْحَانَهُ لَا يجوز أَن يُوصف فِي فعل العَبْد بالغلبة أَو الْغَفْلَة ثَبت أَن كَانَ بالإرادة والمعتزلة لَا يثبتون لله معنى فِي الْإِرَادَة سوى كَون الْعلم بعد أَن لم يكن من غير ضَرُورَة لَهُ وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ فِي فعل كل من أهل الْعَالم قَائِم فَلَا وَجه لإنكارهم على قَوْلهم وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة

ثمَّ قَالَ إِرَادَة إِبْلِيس هِيَ التمنى وَلَو أَرَادَ الْعباد مَا كفرُوا وَالله يقدر على مَنعهم بالقهر قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله قُلْنَا لَهُ قد صدقت والإرادة قد توجب الْغَلَبَة والتمنى لَا فَكيف غلب تمنى عدوه على إِرَادَته وَقَوله يقدر ويقهر وَهَذَا النَّوْع إِنَّمَا هُوَ أثر الْحيرَة والوحشة وَلَا يجوز الْإِيمَان بالقسر بِوَجْه ثمَّ قَالَ فَإِن قيل هَل رَأَيْت حكيما يقدر على منع عَبده عَن أَمر لَا يُريدهُ وَلَا يمنعهُ فعارض بالجبر وَذَا خطأ لِأَنَّهُ عندنَا يُريدهُ وَلَيْسَ الْمَنْع من شَرط مَا يُرَاد ثمَّ قَالَ فَإِنَّهُ يدع لوَجْهَيْنِ لَا يُريدهُ وَلَا يجوز لَهُ الْمَنْع لضرب من التَّدْبِير قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله إِن كنت على الشَّاهِد تقدره فَلَا تَجدهُ إِلَّا أَن لَا يقدر عَلَيْهِ أَو هُوَ لم يرد الْفِعْل بِهِ قَالَ وَمِنْهَا مَا يجب الْمَنْع فَدلَّ أَن الْمَنْع إِن وَجب وَجب لعِلَّة لَا لعَينه وَمَا يذكر من الْعلَّة فَإِن كَانَت أوجبت الإضطرار فَهُوَ الَّذِي قيل لَا يقدر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يُوجب وَقد يملك الْقَهْر لَا بِالتَّعَدِّي فَهُوَ لَا يَسعهُ عندنَا وَهُوَ خَارج من الْعرف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ فِي جَوَاب مَا عورض بقوله {فَمن يرد الله أَن يهديه} أَن تَأْوِيله مَعْرُوف وَهُوَ أَن من أطاعة أَتَاهُ من لطائفه مَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَسَماهُ بالأسماء الشَّرِيفَة وَحكم لَهُ بِالْأَحْكَامِ الرفيعة ثَوابًا لطاعته لِيَزْدَادَ لَهُ الرَّغْبَة كَقَوْلِه {وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى} وَمن عَصَاهُ منع مِنْهُ مَا ذكر فيضيق صَدره كَمَا وصف وَلَا يفعل بِأحد ذَلِك إبتداء كالآية الَّتِي ذكرتها وَقَوله {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} ثمَّ قَالَ فَلَا يجوز ذَلِك ابْتِدَاء من غير اسْتِحْقَاق الْعَدَاوَة وَالْولَايَة

لأمرين أَحدهمَا أَن لَيْسَ بِهِ هوادة وَلَا مُحَابَاة وَالثَّانِي أَن من يفرق عبيده بالحرف لم يكن لَهُ الْعود باللوم مِنْهُم على أحد قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله أما مَا ادّعى على الْآيَة أَنَّهَا مَعْرُوفَة فَهَذَا يدل على جَهله بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنكر وَقَلبه الْقِصَّة ثمَّ أَخطَأ فِي صرف الْآيَة إِلَى مَا بعد الْإِسْلَام الْمَعْرُوف من النُّطْق لِأَنَّهُ قَالَ {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} فَأثْبت لَهُ الْإِسْلَام إِذْ شرح صَدره لَا أَن شرح بعد أَن وجد مِنْهُ الْإِسْلَام ثمَّ أعظم مِنْهُ جرأته على الله أَن مثل هَذَا يكون هوادة ومناجاة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ إِذْ علم من صفته جرأته هَذِه فِي خَاص نَفسه أَن لَا يُبْدِي ذَلِك وَلَا يُعَارض نَفسه بِمَا لَا يضْطَر إِلَيْهِ لكنه عُوقِبَ بجهله بِاللَّه وَصَرفه كِنَايَة عَن جِهَته طلبا لإِقَامَة مَذْهَب هُوَ ينْتج الزندقة فنعوذ بِاللَّه من الخذلان ثمَّ يُقَال من أسلم وَقت إِسْلَامه أسلم وَقَلبه مشروح لَهُ وَوقت كفره قلبه ضيق أَو هما وَاحِد فِي الشَّرْح والضيق فَإِن قَالَ كَانَا وَاحِدًا ظهر كذبه عِنْد كل من يحفظ ابْتِدَاء دينه من إِسْلَام أَو كفر ثمَّ يُسمى مَا يعلم كذبه كل مُسلم وَكَافِر من الله هواده مرّة ومحاباة بَائِنا وصدا عَن الْحق ومنعا ليعلموا جرأته وسفهه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُقَال لَهُ الَّذِي يُريدهُ بعد الْإِيمَان أَو يحرمه بعد الْكفْر وَكَانَ فِي ذَلِك مَعُونَة فِي الدّين وتيسير عَلَيْهِ أَو لَا فَإِن قَالَ لَا بَان بَهته وَسقط مَوضِع جعل ذَلِك ثَوابًا أَو عقَابا وَإِن قَالَ بلَى فقد أقرّ عَلَيْهِ مذْهبه ببذل شَيْء هُوَ أصلح لَهُ فِي الدّين ثمَّ يُقَال هَل رَأَيْت كَافِرًا بعد أَن آمن أَو أخْبرت كَون ذَلِك أَو مُؤمنا بعد الْكفْر لَا بُد من بلَى قيل أَكَانَ إِعْطَاء الثَّوَاب وَمنعه ذَلِك الشَّرْح أَو لَا فَإِن قَالَ لَا ألزمهُ الْخلف فِي الْوَعْد وَالْكذب فِي الْخَبَر وَإِن قَالَ نعم قيل أَي نفع لَهُ فِي تِلْكَ الْفَوَائِد أَو أَي ضَرَر عَلَيْهِ فِي التَّضْيِيق إِذا ليجعل ذَلِك ثَوابًا أَو عقَابا وَيمْنَع جَوَاز ذَلِك ابْتِدَاء بِمَا سَمَّاهُ مرّة هوادة وَمرَّة مُحَابَاة وَمرَّة صدا وَمرَّة منعا نسْأَل الله الْعِصْمَة عَن قَول هَذَا عقباه

ثمَّ من احْتج مِنْهُم بقوله {سَيَقُولُ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا أشركنا} فَالْجَوَاب لذَلِك من أوجه ثَلَاثَة أَحدهَا أَنهم ادعوا بِهِ الْأَمر كَقَوْلِه {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} وَالله أمرنَا بهَا وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن مِنْهُم لفريقا يلوون ألسنتهم بِالْكتاب} وَالثَّانِي أَنهم لما أوعدوا فِي ذَلِك قد أمهلوا فَلَمَّا أمهلوا ظنُّوا كذب الرُّسُل وَحَسبُوا أَن ذَلِك مِمَّا لله فِيهِ الرِّضَا وَإِلَّا لم يكن يمهلهم وَكَذَلِكَ ظن أَصْحَاب السبت وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} وَالثَّالِث أَن يَكُونُوا قَالُوهُ على الإستهزاء بِالْمُؤْمِنِينَ بِمَا يدعونَ أَن كل شَيْء بِمَشِيئَة الله كَقَوْل الْإِنْسَان إِذا مَا مت لسوف أخرج حَيا إِنَّه قَالَ ذَلِك على الإستهزاء بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِن كَانَ ذَلِك حَقًا وَكَذَلِكَ قَول الْمُنَافِقين نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَلَكِن ذَلِك لما كَانَ الهزؤ طعنوا بِهِ فَمثله الأول وَالله أعلم أيد ذَلِك آخر الأية {قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} وَغير ذَلِك وَلَا يحْتَمل لما مر بَيَانه وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} إِنَّه على الْإِكْرَاه أَن يمنعهُم على الْإِكْرَاه قسرا كَمَا جعلهم شُيُوخًا وشبابا وَلَكِن شَاءَ أَن يبتليهم كَقَوْلِه {وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم} وَقد شَاءَ ذَلِك بِالنَّبِيِّ وَأَصْحَابه وَلَكِن أَرَادَ بِهِ مَشِيئَة القسر إِذْ لَيْسَ مَعهَا حمدا وَلَا أجرا

قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد بَينا مَا يدل على وهمه على أَنه من كَانَ مِمَّن سبق إِلَى قَوْله إِن الله لَو شَاءَ أَن يخلق فعلا لَيْسَ بِفعل لِلْخلقِ لَا يقدر عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيء الْكتاب بالإمتداح بِهِ والإقتدار عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قدر ذَلِك من الْفِعْل فِي غَيره مِمَّا ظهر من فعل آخر وَمِمَّا لَا يبلغهُ حد الْبشر فَمن كَانَ يظنّ ان الله يعجز عَن هَذَا النَّوْع من الْخلق وَلَا على حَقِيقَة فعل الْخلق بل لَو أُرِيد ذَا لَكَانَ مَوْضِعه فِيمَا ظن الْمُعْتَزلَة أَنهم خلقُوا خلقا لَيْسَ فِي الْعُقُول أرفع مِنْهُ وَلَا أَعلَى فِي الْحسن وَالْفضل فرمت هَذَا الْمُعْتَزلَة على ألسن الضعفه فَبين الله قدرته على مثل ذَلِك وَإِلَّا لَا وَجه لإنكار مثله مِمَّن يقر لَهُ بِخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَلَكِن بَين بذلك فَسَاد قَول الْمُعْتَزلَة إِن الله قد شَاءَ فَلم يكن إِذْ هُوَ لَا يقدر على خلق أَفعَال الْعباد فَقَالَ {وَهُوَ على كل شَيْء قدير} جَوَابا لذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} جَوَابا للْأولِ وَقَوله {وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم} على أَنه لَو شَاءَ تَكْذِيب منذريه بل لَا يَشَاء لانتصر مِنْهُم بِمَا شَاءَ وَلَكِن شَاءَ التَّأْخِير وَالثَّالِث لانتصر مِنْهُم يهم وَلَكِن شَاءَ أَن يبلو صحابة نبيه بالهزيمة ليبين الَّذين صدقُوا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم} وَقَوله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بَيْننَا وَبَين الْقَدَرِيَّة الْكَلَام فِي حرفين أَن نسألهم هَل علم الله مَا يكون أبدا على مَا يكون فَإِن قَالُوا لَا كفرُوا لأَنهم جهلوا رَبهم وَإِن قَالُوا نعم قيل شَاءَ أَن ينفذ علمه كَمَا علم أَو لَا فَإِن قَالُوا لَا قَالُوا بِأَن الله شَاءَ أَن يكون جَاهِلا وَمن شَاءَ ذَلِك فَلَيْسَ بِحَكِيم وَإِن قَالُوا نعم أقرُّوا بِأَنَّهُ شَاءَ أَن يكون كل شَيْء كَمَا

علم أَن يكون فَهَذَا الَّذِي تقرر عِنْدِي من المحكى عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله لَا أَنى ذكرته بِلَفْظِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن قَالَ قَائِل إِذْ قبح الْأَمر بِالْمَعَاصِي لم لَا قبح إِرَادَة كَونهَا قيل لأوجه أَحدهَا التَّنَاقُض فِي الْأَمر وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْإِرَادَة لِأَن الْفِعْل رُبمَا يصير لِلْأَمْرِ فمحال الْأَمر بالمعصية لِأَنَّهُ يصير بِالْأَمر طَاعَة فَيبْطل معنى الْمعْصِيَة بهَا الْأَمر وَلَيْسَت الْإِرَادَة كَذَلِك أَلا يرى أَن كل فَاعل مرِيدا لفعله ومحال أَن يُقَال أَمر نَفسه بِفِعْلِهِ ثَبت أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله يُوصف بالإرادة فِي فعله ومحال أَن يكون عَلَيْهِ أَمر فِيهِ فَثَبت أَن أحد الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ هُوَ دَلِيل الآخر مَعَ مَا كَانَ الله تَعَالَى مُرِيد هَلَاك الْأَنْبِيَاء وَالْأَخْبَار وَبَقَاء الْأَعْدَاء والأشرار وَالسعَة لهَؤُلَاء فِي الدُّنْيَا وَلم يَأْمر بذلك بل أمرنَا بِالدُّعَاءِ بِهَلَاك هَؤُلَاءِ وَبَقَاء أُولَئِكَ وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا إِن فَائِدَة الْأَمر رفْعَة الْأَمر وعلوه حَيْثُ استبعد الآخر وَأظْهر فِيهِ حَقه وَعظم مننه الَّتِي بهَا اسْتحق أَن يكون سيدا لَهُ ومعبودا وَحقّ الْإِرَادَة الإختيار وَنفى الْغَلَبَة أَن لَا يقهر وَلَا يمْنَع عَن سُلْطَانه وَلَا يُحَال بَينه وَبَين ملكه وَفِي دفع الْإِرَادَة هَذَا لذَلِك بَطل أَن لَا يُرِيد وَكَذَلِكَ فِي الْمَنْع عَن الْأَمر والنهى لذَلِك لزم القَوْل بِالْأَمر والنهى على الْأَمريْنِ ليظْهر سُلْطَانه وربوبيته وَلزِمَ الْإِرَادَة فِي الْكل ليحق ملكه وَعجز الْخلق عَن أَن يُرِيدُوا فِي ملكه وسلطانه وَالله الْمُوفق وَأَيْضًا إِن الله أَمر إِبْرَاهِيم بِالذبْحِ وَفِدَاء الْكَبْش فَلَا يجوز أَن يكون أَرَادَ فعل حَقِيقَة الذّبْح ثمَّ يمْنَع عَنهُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّهُ آيَة البداء وعلامة الْجَهْل فَكَانَ الْأَمر لَا بِالَّذِي بِهِ حَقِيقَة الْإِرَادَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة في القضاء والقدر

وَجُمْلَته مَا بَينا من انقسام مَعَاني الْإِرَادَة والإتفاق على تَحْقِيق الْمَعْنى الَّذِي يذهب إِلَيْهِ وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك إِلَّا بمانع فِي اللَّفْظ أَو صرف عَن جِهَته إِلَى جِهَة هِيَ من تِلْكَ الْجِهَة قَبِيح عِنْد الْخصم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْفِعْل فِي الشَّاهِد أَن يكون على إِرَادَة أَو غَلَبَة أَو سَهْو فَكل من خرج فِي شَيْء عَن الْوَصْف بالغلبة فِيهِ والسهو لزم الْوَصْف بالإرادة الَّتِي هِيَ للأفعال وَأما الَّتِي هِيَ لَا لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة أَقسَام قد بَينا ذَلِك فِيمَا تقدم وَالله الْمُوفق على أَن القَوْل فِي الشَّاهِد فِيمَا فِي الْحَقِيقَة إِرَادَة فَهِيَ الَّتِي تكون وَبهَا الْفِعْل لَا محَالة عندنَا يكون مَعهَا وَعند الْمُعْتَزلَة قبل الْفِعْل بِلَا فصل وَمَا عدا ذَلِك مِمَّا قد يكون الْفِعْل إِذا وجد وَلَا يكون فَهُوَ التمنى الْمَعْرُوف وَالله يجل عَن هَذَا الْوَصْف ثَبت أَن إِرَادَته على الْوَجْه الأول وَأَنه يتَحَقَّق الْفِعْل على الْوَجْه الَّذِي أَرَادَ بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة فِي الْقَضَاء وَالْقدر الأَصْل عندنَا أَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْإِرَادَة كلهَا فِي خلق الْأَفْعَال إِن ثَبت ذَلِك ثَبت هَذِه إِذْ خلق الْأَفْعَال يثبت الْقَضَاء بِكَوْنِهَا وَالْقدر لَهَا على مَا عَلَيْهَا من حسن وقبح وَيُوجب أَن يكون مرِيدا لَهَا أَن تكون خلقا لَهُ وَقد بَينا فِي هَذَا مَا نرجو بِهِ الْكِفَايَة لمن أكْرم بالهداية لَكِن النَّاس أفردوا التَّكَلُّم فِي مَسْأَلَة مِنْهَا فاتبعناهم فِي الْفِعْل لما احْتمل أَن يَكُونُوا أَرَادوا أَن الْحق قد يظْهر بنوره لمن تَأمل بِأَيّ لفظ من الْأَلْفَاظ يعبر بِهِ عَنهُ ليعلم أَن الْحق لَا صَار حَقًا للسان وَلَا لنَوْع من الْبَيَان لَكِن صَار حَقًا بِمَا لَهُ من الْأَدِلَّة والبراهين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الْقَضَاء فِي حَقِيقَته الحكم بالشَّيْء وَالْقطع على مَا يَلِيق بِهِ وأحق أَن يقطع عَلَيْهِ فَرجع مرّة إِلَى خلق الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ تَحْقِيق كَونهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ وعَلى الأولى بِكُل شَيْء أَن يكون على مَا خلق إِذْ الَّذِي خلق الْخلق هُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم وَالْحكمَة هِيَ إِصَابَة الْحَقِيقَة لكل شَيْء وَوَضعه مَوْضِعه قَالَ الله تَعَالَى {فقضاهن سبع سماوات} وعَلى ذَلِك يجوز وصف أَفعَال الْخلق أَن قضى بِهن أَي خَلقهنَّ وَحكم كَقَوْلِه {فَاقْض مَا أَنْت قَاض} بِمَعْنى احكم وَمن ثمَّة سمى الْعَالم قَاضِيا بِمَا يرد كل حق إِلَى محقه وَيبين الَّذِي هُوَ حق ذَلِك وَكَذَا قَوْله {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} وَكَذَلِكَ يجوز أَن يُقَال حكم الله أَن فلَانا يفعل كَذَا فِي وَقت كَذَا فَيكون مِنْهُ كَذَا فِي وَقت كَذَا وَحقّ هَذَا أَن يكون حكم بِمَا علم أَنه يكون وَحكم أَيْضا بِالَّذِي يسْتَحق الْفَاعِل بِفِعْلِهِ من ذمّ أَو مدح ثَوَاب أَو عِقَاب وَقضى أَي أعلم وَأخْبر كَقَوْلِه {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} وعَلى هَذَا الْوَجْه أَيْضا يجوز ثَنَاؤُهُ وَلَا تمانع فِي جَوَاز ذَلِك وَقضى قد يكون أَمر كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} وَقَوله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا} وَهَذَا لايجوز أَن يُضَاف إِلَى الله إِلَّا فِي الْخيرَات وَقد يكون فِي معنى فرغ كَقَوْلِه {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل} لَكِن هَذَا النَّوْع لَا يجوز أَن يُضَاف إِلَى الله لإضافة الشّغل لَهُ بِشَيْء أَو فرَاغ لَهُ مِنْهُ

إِلَّا على مجَاز اللُّغَة فِي تَحْقِيق انْقِضَاء مَا خلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد ذكر غير هَذَا فِي الْقَضَاء مِمَّا لَيْسَ بِنَا إِلَى ذكره حَاجَة فِيمَا نَحن فِيهِ وَأما الْقدر فَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا الْحَد الَّذِي عَلَيْهِ يخرج الشَّيْء وَهُوَ جعل كل شَيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ من خير أَو شَرّ من حسن أَو قبح من حِكْمَة أَو سفه وَهُوَ تَأْوِيل الْحِكْمَة أَن يَجْعَل كل شَيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ ويصيب فِي كل شَيْء الأولى بِهِ وعَلى مثل هَذَا قَوْله {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَالثَّانِي بَيَان مَا عَلَيْهِ يَقع كل شَيْء من زمَان وَمَكَان وَحقّ وباطل وَمَا لَهُ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وعَلى مثل أحد هذَيْن المروى عَن رَسُول الله عِنْد سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاه عَن الْإِيمَان أَن قرن مَا ذكرنَا بِالْقدرِ خَيره وشره من الله فَالْأول نَحْو خلق الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ قَائِم ذَلِك فِي أَفعَال الْخلق من خُرُوجهَا على مَا لَا يبلغهُ أوهامهم من الْحسن والقبح وَلَا يقدرها عُقُولهمْ فَثَبت أَنَّهَا خرجت على ذَلِك بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَالثَّانِي أَيْضا لَا يحْتَمل مِنْهُم تَقْدِير أفعالهم من الزَّمَان وَالْمَكَان وَلَا يبلغهُ علمهمْ فَمن ذَلِك الْوَجْه أَيْضا لَا يحْتَمل أَن يكون بهم وَهِي غير خَارِجَة عَن الله وَقَالَ الله تَعَالَى {وقدرنا فِيهَا السّير} وَقَالَ {إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين} وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه والكعبي زعم أَن الله لَا يقْضى الْكفْر ثمَّ فسر وُجُوه الْقَضَاء وَجعلهَا فِي بعض مَا فسر فإنكاره فِي الْجُمْلَة على احْتِمَال ذَلِك فِي أحد الْوُجُوه خطأ ثمَّ احْتج بِأَن الْكفْر متفاوت وباطل وَقَضَاء الله حق وصواب لمن لَا يعلم أَن الْقَضَاء بِالْبَاطِلِ إِنَّه بَاطِل وبالمتفاوت إِنَّه متفاوت عدل وَحقّ وَكَذَا قَضَاء الْحُكَّام فأفعال الْجُود وَالظُّلم إِنَّهَا جود غير بَاطِل وَلَا متفاوت حَتَّى كَاد يعرفهَا الصّبيان فَمن جهل ذَلِك ثمَّ ادّعى حُدُود الْكَلَام فَحق الْكَلَام عَلَيْهِ أَن يعرف مَا الْكَلَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَاحْتج بِمَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ قَالَ تَعَالَى خَبره من لم يرض بقضائي وَلم يصبر على بلائي فليتخذ رَبًّا سواي قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله هَذَا مثل الأول وَإِن الرِّضَا بِقَضَائِهِ أَن تعلم بِأَن الْكفْر مضمحل قَبِيح وَأَنه شَرّ وَفَسَاد وَأَنه يُوجب مقت صَاحبه وتعذيبه إِلَّا أَن يَتُوب فَمن لم يرض بِهَذَا فَهُوَ كَافِر فَيكون على مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر على أَن الْكفْر والقبح هُوَ فعل العَبْد ومحال أَن يكون هُوَ قَضَاؤُهُ فَثَبت أَن قَضَاء الله هُوَ مَا ذكرت مِمَّا عَلَيْهِ حَقِيقَة الْفِعْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن حَقِيقَة الْخَيْر فِي الْأَمْرَاض والمصائب أَلا يرى أَن التخليد فِي النَّار من قَضَائِهِ عِنْد الْمُعْتَزلَة وَكَذَلِكَ الخذلان والإضلال وَنَحْو ذَلِك فليرضى الكعبي لنَفسِهِ ذَلِك وَإِلَّا طلب رَبًّا سواهُ والمعتزلة يَقُولُونَ لَيْسَ لله الْقَضَاء بالأمراض والمصائب فِي الدّين لَا ذَنْب لَهُم إِلَّا بِالْعِوَضِ فَإِذا هم لَا يرضون بهَا حَتَّى يُعْطوا عَلَيْهَا الْعِوَض وَذَلِكَ معنى مَا روى فليتخذ رَبًّا سواي وَقَالَ علينا الرِّضَا بِقَضَاء الله قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد بَينا كَيفَ يرضى بِهِ وَمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِك أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ وَفِي قَوْله {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَالْقدر مِمَّا يَنْبَغِي وَالْكفْر مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا القَوْل بِقدر مِنْهُ فَمن الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَمن ذَلِك الْوَجْه مِمَّا يَنْبَغِي وَبعد فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون قدره قبيحا سمجا ثمَّ قَالَ سَأَلَك هَل قضى الله الْكفْر وَقدره يجب أَن يستخبره عَن المُرَاد قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَيُقَال إِذْ وَجب ذَا فَجَمِيع مَا أجبْت قبل الإستخبار عَنهُ إغفال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَالْأَصْل فِي الْقَضَاء وَالْقدر والتخليق والإرادة أَن لَا عذر لأحد بذلك لأوجه ثَلَاثَة أَحدهمَا أَن الله تَعَالَى قضى وَخلق وَمَا ذكر لما علم إِن ذَلِك يخْتَار ويؤثر وَبِمَا أَرَادَ وَخلق وَقضى يصلونَ إِلَيْهِ ويبلغون مَا أثروه فَلم يكن لَهُم الإحتجاج بِمَا هُوَ آثر الْأَشْيَاء عِنْدهم وأخيرها على مَا لم يكن لَهُم ذَلِك بِالْعلمِ وَالْكتاب والإخبار إِذْ كَانَت بِالَّتِي يكون مِنْهُم مختارين مؤثرين وَبِاللَّهِ نستعين وَالثَّانِي إِن جَمِيع مَا كَانَ لم يحملهم على مَا هم فَعَلُوهُ لم يدفعهم إِلَيْهِ وَلَا إضطرهم بل هم على مَا هم عَلَيْهِ لَو لم يكن شَيْء من ذَلِك ويتوهم كَونهم بِلَا مَا ذكرت وَقد مكنوا أَيْضا من مضادات مَا عمِلُوا فَمَا ذَلِك إِذْ لم يضطرهم وَلم يحول عَنْهُم حَقِيقَة بِمَا علم كل مِنْهُم إِنَّه مُخْتَار مُؤثر فَاعل مُمكن من التّرْك لَا كخلق سَائِر الْجَوَاهِر والأعراض والأوقات والأمكنة الَّتِي فِيهَا تقع الْأَفْعَال وَإِن لم يحْتَمل كَون شَيْء من ذَلِك عذرا لَهُم أَو حجَّة لم يكن مَا نَحن فِيهِ حجَّة أَو عذرا وَالله الْمُوفق وَالثَّالِث إِنَّه لم يخْطر شَيْء من ذَلِك ببالهم وَلَا كَانُوا عِنْد أنفسهم وَقت الْفِعْل إِنَّهُم يَفْعَلُونَ لشَيْء من ذَلِك فالإحتجاج لما لَيْسَ لذَلِك الْفِعْل عِنْد المحتج بَاطِل وَكَذَلِكَ الْعذر بِمَا لم يكن عِنْد نَفسه بِالَّذِي يفعل لَكَانَ ذَلِك بَاطِل مضمحل وَلَو كَانَ لَهُم بذلك احتجاج لَكَانَ لَهُم بالإخبار وبالعلم والتقوية وَنَحْو ذَلِك احتجاج على أَن لَهُم لَو كَانَ هَذَا اعتذار لَكَانَ لَهُم بِمَا جهلوا الْأَمر والنهى والوعد والوعيد بِمَا جهلوا موقع مأثمهم بِالْمحل الَّذِي وَقعت ولكان لَهُم بِمَا لَا يضر الله وَلَا يوهن سُلْطَانه وَلَا ينقص ملكه عذر وَلَو كَانَ لَهُم بذلك عذر لَكَانَ بِمَا خلقهمْ على الْعلم بِمَا يكون مِنْهُم عذر وَلَو كَانَ لَهُم فِي ذَلِك احتجاج لَكَانَ بِمَا هُوَ وَاضح لَهُم من ذَلِك كُله وَهُوَ الَّذِي يكون مثله وَقت الْفِعْل متصورا فِي الْوَهم من نَحْو الْكَرم والجود والغنى عَن تعذيبهم وَبِمَا هُوَ عَفْو غَفُور وَبِمَا لَيْسَ لَهُ فِي طاعتهم نفع وَلَا عَلَيْهِ فِي معصيتهم ضَرَر فَإِذا لم يكن الإحتجاج بِشَيْء من ذَلِك لم يكن فِي الأول فَإِن

قيل كَيفَ لَا دلّ ذَا على أَن لَيْسَ من الله مَا تذكرُونَ قُلْنَا لما مَضَت الْأَدِلَّة فِي تَحْقِيق جَمِيع مَا بَينا من الله عز وَجل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن كلا يعلم أَنه فَاعل مُمكن مِمَّا يَفْعَله مُؤثر لَهُ غَيره مِمَّا لَو منع عَنهُ لعظم ذَلِك وَاشْتَدَّ وَأَنه اخْتَار على ضِدّه فَلَا سَبِيل إِلَى دفع حَقِيقَة ذَلِك إِذْ يعلم كل ذَلِك من نَفسه وَلما صَار ذَلِك لأَهله كالعيان والحس الَّذِي لَا يتخيل إِلَيْهِ على الْغَلَط ثمَّ يجد كل وَاحِد فعله خَارِجا على غير الَّذِي يقدره عقله من الْحسن والقبح وعَلى غير الَّذِي يبلغهُ علمه من التَّقْدِير بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان وعَلى مَا لَا تقصده نَفسه من التَّعَب والألم وَلَا تستعمله قدرته فِي مثله على مَا لَيْسَ عِنْده فِي قدرته نُقْصَان فَثَبت أَن أفعالهم من هَذِه الْوُجُوه الَّتِي كَادَت تصير حسية عيانية لَيست لَهُم فَمن رام تحقيقها عَنْهُم من هَذِه الْوُجُوه أَو نَفيهَا عَنْهُم من الْوُجُوه الْمُتَقَدّمَة فَهُوَ يكابر عقله ويعاند حسه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نتفق والمعتزلة أَن الله تَعَالَى لَا يُضَاف إِلَيْهِ شَيْء من الْخلق أَو أَفعاله إِلَّا من الْوَجْه الَّذِي لَا يُوهم الْقبْح فِي الْأَسْمَاء وَمَا يُوهم ذَلِك فحقه أَن ينفى عَنهُ ذَلِك وَيخرج على هَذَا مسَائِل إِحْدَاهَا فِي وَجه إِضَافَة مَا أضيف إِلَى الله من الْخيرَات إِنَّهَا من الله قَالَت الْمُعْتَزلَة يُضَاف إِلَيْهِ من أَمر ودعا إِلَيْهَا وقوى عَلَيْهَا وَقُلْنَا نَحن هَذَا مَا الْإِضَافَة وَإِن كَانَ حسنا فَلَا هَذَا يُرَاد بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ عِنْد ذكر الْأَفْعَال وَلَكِن المُرَاد الشُّكْر وَالْحَمْد لَهُ إِذا ذكرت الْأَفْعَال وَقد يجوز الأول وَهَذَا أولى لِأَنَّهُ من حَيْثُ الْأَمر وَالدُّعَاء والتقوية اشْترك فِيهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَمن جِهَة الشُّكْر وَالْحَمْد يخْتَلف وَمِمَّا يبين ذَلِك جَوَاز القَوْل الْمُطلق إِن الْإِيمَان نعم الله ومننه وَإِن الْمُؤمن قد أنعم الله عَلَيْهِ وَمن وَأَنه لَوْلَا فضل الله مَا ذكى ولمسه عَذَاب عَظِيم وَمن هَذَا الْوَجْه لَا يُضَاف إِلَى الله فِي الْكَافِر وَإِذا لم يذكر الْأَفْعَال فعلى الْأَمر وَالله الْمُوفق

وَلِهَذَا طعن الله من قَالَ بِالْكتاب الْمُبدل إِنَّه من عِنْد الله وبإضافتهم وَنَحْوهَا إِنَّهُم ادعوا الْأَمر بذلك فبرأ الله نَفسه عَن ذَلِك وَأخْبر أَن ذَلِك من عمل الشَّيْطَان وَأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِك حسدا من عِنْد أنفسهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَا يجوز أَيْضا الْفِعْل من حَيْثُ الْأَمر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِلْزَام وَفِي ذَلِك مُؤَن عَظِيمَة لَا يُضَاف إِلَيْهِ بذلك بل من حهة الْحَمد وَالشُّكْر كَمَا قَالَ {بل الله يمن عَلَيْكُم} وَقَالَ {فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} وَقَالَ الكعبي لَا يُضَاف إِلَى الله إِلَّا الْحسن الْجَمِيل ثمَّ زعم فِي إِضَافَة الطَّاعَات إِلَيْهِ أَنه من وَجه الْأَمر وَأي حسن فِي ذَلِك وَقد بَينا مَا يدْخل على ذَلِك وَزعم أَنه لَا تُضَاف إِلَيْهِ الشرور لِأَنَّهُ نهى عَنْهَا وَلَا تُضَاف إِلَيْهِ قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله وَكَذَلِكَ عندنَا لَا يُضَاف إِلَيْهِ لما بَينا أَن وَجه الْإِضَافَة للشكر وَلَا وَجه فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ قَول الْمُسلمين الْخَيْر وَالشَّر من الله إِنَّمَا أَرَادوا مُخَالفَة قَول الزَّنَادِقَة وَأما فعل الْعباد لم يخْطر ببالهم بل قَالَ الله من عمل الشَّيْطَان قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله مِمَّا ذكر من قَول الْمُسلمين فَهُوَ كذب بل يَقُولُونَ قدر الْخَيْر وَالشَّر من الله وَقدر الشَّرّ لَيْسَ هُوَ الشَّرّ وَلَا كَانَ القَوْل فِي شَأْن الزَّنَادِقَة لَكَانَ إِذا قَبِيح إِضَافَة الشَّرّ إِلَى الْحَكِيم الْعَلِيم بل من فعله الشَّرّ فَهُوَ شرير وَمن فعله الْإِفْسَاد فَهُوَ مُفسد وَقَوله لم يخْطر ببالهم كذب بل لَا يخْطر خُصُوص الَّذِي ذكر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ فَإِن قيل لَا أَقُول الْكفْر من الله من جِهَة الْأَمر وَلَكِن نقُول من جِهَة الْخلق قَالَ الْأَمر دون الْفِعْل

قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فَنَقُول لَا نقُول الْكفْر من الله من طَرِيق وَلَا شَرّ بِإِطْلَاق القَوْل من الله وَكَذَلِكَ من الله وَكَذَلِكَ لَا أحد يَقُول إِبْلِيس من الله أَو الشَّيْطَان من الله أَو كل قذر ونتن من الله أَو كل فَسَاد من الله ثَبت أَن هَذَا اللَّفْظ فَاسد فِيمَا كَانَت الْخلق أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن القَوْل مِنْهُ يخرج مخرج دَعْوَى الْأَمر أَو إِضَافَة الْأَنْعَام وَلَيْسَ فِي ذَلِك وَاحِد مِنْهُمَا الْبَتَّةَ فَلَا يجوز الْإِضَافَة إِلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قُلْنَا إِن الله فِي التَّحْقِيق وَإِن كَانَ رب كل شَيْء وإله كل شَيْء وخالق كل شَيْء وكل شَيْء لَهُ لَا يُقَال ذَلِك فِي الأرواث والخبائث والشيطان وَنَحْو ذَلِك من الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تذكر أَنْفسهَا إِلَّا على الإستحقاق بهَا فإضافتها الْوَاحِد يخرج على ذَلِك وَإِن كَانَت فِي أَنَّهَا مخلوقة كفرها مِمَّا يُضَاف إِلَى الله فَمثله الَّذِي نَحن فِيهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى هَذَا يكره القَوْل فِي الْكفْر والمعاصي إِنَّهَا بِقَضَاء الله وَقدره وإرادته لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا مَا ذكر من الْقبْح أَو هِيَ لَا تذكر إِلَّا على الإستقباح والإستهانة وَالَّذِي ذَلِك وَصفه لَا يُضَاف إِلَى الله تَعَالَى على مَا أخْبرت وَإِن كَانَ فِي التَّحْقِيق من قَول وَوجه آخر إِنَّه يتَكَلَّم بِهِ على الإعتذار والإحتجاج ذَلِك الْمَفْهُوم مِنْهُ وَقد بَينا أَن لَا عذر لَهُم فِي ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ عِنْد النَّاس لَا يُقَال يَا خَالق الْخَبَائِث والأنجاس وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ هُوَ فِي الحقية لكل شَيْء خَالِقًا فَمثله الَّذِي ذكرنَا وأصل ذَلِك إِنَّه يُضَاف إِلَى الله تَعَالَى كل مَا كَانَت الْإِضَافَة إِلَيْهِ تخرج مخرج التَّعْظِيم أَو مخرج الشُّكْر أَو مخرج ذكر نعمه أَو أمره وَمَا خرج على غير ذَلِك لَا يُضَاف إِلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة خلقه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَجُمْلَة ذَلِك إِن الله يُوصف بِفِعْلِهِ وَهُوَ خَارج على معنى الْعدْل أَو الْفضل فِي الْحَقِيقَة وَرُبمَا يُضَاف إِلَيْهِ مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة فعله أَو صفته فَإِن كَانَ يقتضى معنى مَحْمُودًا يجوز ذَلِك لما نيل ذَلِك بإنعامه وأفضاله وَإِن لم يكن لم

يضف لما لَيْسَ ذَلِك فِي الْحَقِيقَة فعله فيوصف بِهِ وَهُوَ من حَيْثُ فعله حَكِيم عدل وَذَلِكَ الشَّيْء فِيمَا عِنْد الْخلق بِغَيْر هَذَا الْوَصْف وَالله تَعَالَى يجل ويتعالى عَن غير هذَيْن الوصفين إِذْ فِي أَفعاله صفة عدل وَحِكْمَة أَو فضل وإحسان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله قَالَت الْقَدَرِيَّة فِيمَا أضيف إِلَى الله الإضلال والإزاغة وَصرف الْقُلُوب فِيمَا قَالَ {صرف الله قُلُوبهم} وَنَحْو ذَلِك إِن ذَلِك كَانَ بالمحنة والتخلية وَنَحْو ذَلِك وَفِي الْخيرَات بِالْأَمر والتقوية وَنَحْو ذَلِك وَلَو كَانَ بِالَّذِي قَالُوا يُضَاف إِلَيْهِ الْإِخْرَاج من النُّور إِلَى الظُّلُمَات كَمَا أضيف إِلَه الْإِخْرَاج من الظُّلُمَات إِلَى النُّور عِنْدهم بِالْأَمر والتقوية إِذْ صَارَت عِلّة الْإِضَافَة فِي الْخَيْر إِلَيْهِ الْأَمر والتقوية وَذكر الْهِدَايَة وكل ذكر يُقَابل مَا ذكر إِذْ الْأَمر والتقوية هما المحنة وَفِيهِمَا التَّخْلِيَة فَإِذا استقام ذَا وَلم يستقم الآخر بَان إِن فِي ذَا معنى لَيْسَ فِي الآخر مَعَ مَا زعمت الْقَدَرِيَّة إِن الشرور لَا تُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ نهى عَنْهَا فقد نهى عَن الضلال والغواية والزيغ فَلم أضيفت إِلَيْهِ وَالله الْمُوفق وَقَالُوا فِي الإضلال بِالتَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ فَاسد لما وجد من غَيره وَلم يضف إِلَيْهِ وَلما لَيْسَ فِي التَّسْمِيَة فضل حِكْمَة يذكر فِي مَوضِع الْوَصْف بالغنى وَالسُّلْطَان كَقَوْلِه تَعَالَى {من يشإ الله يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط مُسْتَقِيم} وَذَلِكَ فِي مَوضِع الْقُوَّة وَالسُّلْطَان وَبِاللَّهِ نستعين وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله عندنَا أَن الله إِذْ هُوَ مَوْصُوف بِفِعْلِهِ وَمعنى فعله خلقه كل شَيْء على مَا هُوَ أولى بِهِ متفضلا فِي فعله أَو عادلا لَا يَخْلُو وصف فعله

مسألة

عَن هذَيْن وَحَقِيقَته عَن الأول فَصَارَ بِأَيّ وَجه أضيف إِلَيْهِ من طَرِيق فعله مُحَقّق لَهُ معنى خلقه وَلَو ذكر ذَا فِي الإضلال وَمَا ذكر فِي الطَّبْع وَغَيره لم يحْتَمل شَيْء من تمويهات الْمُعْتَزلَة فَكَذَلِك إِذْ ذَلِك معنى فعله وَالله الْمُوفق مَسْأَلَة فِي ذمّ الْقَدَرِيَّة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله أجمع أهل الْكَلَام على ذمّ اسْم الْقَدَرِيَّة وتبرأ كل مِنْهُم عَنهُ وَقد روى فِي ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُمكن السَّبِيل إِلَى معرفَة من لَهُ حَقِيقَة هَذَا الإسم وَهُوَ قَوْله الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه الْأمة وَمَعْلُوم أَنه أَرَادَ بِهِ ذمّ أَهلهَا بِمَعْنى شاركوا فِيهِ الْمَجُوس فِيمَا خَالف بِهِ الْمَجُوس أهل الْأَدْيَان من القَوْل لَا بُد من تَأمل ذَلِك ليظْهر حَقِيقَة أهل هَذَا الإسم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانَ الأَصْل الَّذِي ذمّ بِهِ الْمَجُوس مِمَّا خالفوا بِهِ أهل الْأَدْيَان من أوجه أَحدهَا أَنهم قَالُوا كَانَ الله وَاحِدًا لَا شريك لَهُ ثمَّ حدثت مِنْهُ فكرة ردية إِمَّا لما أَصَابَته عينه أَو لما ظن أَن يكون لَهُ عدوا ينازعه فَإِذا إِبْلِيس حدث من تِلْكَ الفكرة الردية فخلق هُوَ شَرّ الْعَالم وَالله خَيره من غير أَن كَانَ لله قدرَة على خلق شَيْء من الشَّرّ وَالْفساد وَنَحْو ذَلِك أَو لإبليس قدرَة على خلق شَيْء من الْخَيْر وَالصَّلَاح فَقَامَ الْعَالم بهما وَبِهَذَا كُله خالفوا بِهِ أهل الْأَدْيَان وَمَعْلُوم أَن هَذَا كُله أَوْصَاف ذمّ ونعوت شبن ثمَّ للمعتزلة عَن كل صفة من هَذِه الصِّفَات نصيب فَلذَلِك لقبوا باسم الْقَدَرِيَّة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَوجه ذَلِك أَن الْمُعْتَزلَة زعمت أَن الله تَعَالَى كَانَ وَلَا شَيْء غَيره ثمَّ حدثت

الْإِرَادَة من غير أَن كَانَ من الله بحدوثها إِرَادَة أَو اخْتِيَار مِنْهُ إِلَيْهَا معنى سوى أَن كَانَت فَكَانَ بهَا جَمِيع الْعَالم إِذْ من قَوْلهم إِن الْعَالم فعل الله وَإنَّهُ كَانَ بِاخْتِيَار وَإِن الإختيار إِرَادَة كَقَوْلِه {فعال لما يُرِيد} فَسَمت الْمُعْتَزلَة تِلْكَ الْحَادِثَة إِرَادَة وَالْمَجُوس فكرة وَهِي وَاحِدَة بَينهمَا اخْتِلَاف فِي الإسم لَا الْحَقِيقَة ثمَّ جعلت الْمَجُوس بهَا يصف الْعَالم والمعتزلة كل الْعَالم فيكونان فِي الْحَاصِل تَحت قَول ذميم والمعتزلة زَائِدَة ثمَّ الْمُعْتَزلَة تجْعَل الْعَالم بِاللَّه وبالأجسام من غير أَن كَانَ ذَلِك من الله من الإجتماع والتفرق وَالْحَرَكَة والسكون وَجَمِيع المتولدات مِمَّا عَن الْخلق مَفْصُولًا أَو بَائِنا وَكَذَلِكَ جَمِيع الْعَالم عِنْد الْمَجُوس من الْخَيْر وَالشَّر بل الْمَجُوس ينسبون كثيرا من الْجَوَاهِر إِلَى إِبْلِيس لَا تقدر الْمُعْتَزلَة على نِسْبَة شَيْء من ذَلِك إِلَى الله فِي الْحَقِيقَة وَالْمَجُوس يثبتون لإبليس الْقُدْرَة على خلق الشَّرّ بِاللَّه وينفونها عَن الله وَكَذَلِكَ قَول الْمُعْتَزلَة فِي قدرَة أَفعَال الْخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْمَجُوس لَا تجْعَل لإبليس على شَيْء مِمَّا لله من الْعَالم قدرَة وَلَا لله على شَيْء مِمَّا لِلْخلقِ لإبليس وَكَذَلِكَ أَمر الْمُعْتَزلَة لكِنهمْ جعلُوا لجَمِيع الْأَحْيَاء ذَلِك وَالْمَجُوس لإبليس خَاصَّة وَالْمَجُوس / لَا تجْعَل لله إِرَادَة وَلَا سُلْطَانا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ أَمر وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزلَة وَالْمعْنَى الَّذِي دَعَا الْمَجُوس إِلَى القَوْل بإثنين مَا استقبحوا من إِضَافَة خلق الشَّرّ وَفَسَاد الْأَشْيَاء إِلَى الله وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزلَة وَلَو عرفُوا حق معرفَة الربوبية أَنه فِي وضع كل شَيْء مَوْضِعه وَأَنه المتعالى عَن أَن يكون فعله لنفع لَهُ أَو لخير يكْتَسب لنَفسِهِ لعلموا أَن الْوَصْف بِخلق الْكل على مَا عَلَيْهِ وصف الْقُدْرَة والجلال وَالْقَوْل بِهِ قَول بِتمَام الْملك والكبريا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَعبارَة أُخْرَى مِمَّا تبين أَن الْمُعْتَزلَة أَحَق من يتعالى بالإسم من أَهله مَا أنطق الله بِهِ ألسن الْخلق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم صغارهم وكبارهم من علم مَا تَحت الإسم أَو جَهله مُثبت أَن ذَلِك صَار لَهُم لقبا لَا من حَيْثُ صنع للبشر فِيهِ وَلَكِن بِفضل

الله ليعلم بِهِ أهل الذِّمَّة فِي الدّين فيحذر مخالطتهم وَلَهُم فِي ذَلِك علمَان ظاهران أَحدهمَا فِي لون كل مِنْهُم على حسن خلقته وقبحها أَن يظْهر فِي وَجه كل مِنْهُم الصُّفْرَة الْبَارِدَة الَّتِي تستقبحا الْأَبْصَار إِذا قوبل ذَلِك بِوُجُوه الْمَجُوس لوجدوا سَوَاء وَالثَّانِي تخلفهم عَن جماعات الْمَجُوس وإنكار عامتهم دَار الْإِسْلَام من أَن تكون دَارهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ولتحقيق هَذَا الإسم لَهُم أَيْضا وَجْهَان إِن كل ذِي دين وَمذهب نسب إِلَى الْمَعْنى الَّذِي ادَّعَاهُ لنَفسِهِ بِحَق الْإِسْلَام واليهودية والنصرانية وَنَحْو هَذَا وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزلَة يرَوْنَ قدر أفعالهم لأَنْفُسِهِمْ وَغَيرهم يرَوْنَ ذَلِك مِنْهُ فمحال أَن يشْتَهر بِهِ من رَآهُ لغيره ويزال عَمَّن يدعى حَقِيقَته لنَفسِهِ وبمثله جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَرط الْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره من الله وَالْوَجْه الآخر هُوَ الْأَمر الْمَعْرُوف الَّذِي لم ير معتزليا سلم عَمَّا يزِيل عَنهُ اسْم الْإِيمَان والتحلي بحلية الْإِسْلَام من ارْتِكَاب الْكَبَائِر بالشهوات مِمَّا يبين استخفافهم بدين الله وإختيارهم الْخُرُوج مِنْهُ بِأَدْنَى شَهْوَة أعطوها لأَنْفُسِهِمْ فهم أَحَق من ينْسب إِلَى غير دين الله إِذْ هَذَا شَأْنهمْ فِي دينهم الَّذِي هُوَ عِنْدهم دين الله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ ذكر الكعبي أَن من عَادَة الْعَرَب تلقيب من يلهج بِشَيْء فيكثر ذكره فِي غير مَوْضِعه حَتَّى يُجَاوز الْحَد فِيهِ وَنسبَة ذَلِك إِلَيْهِ وهم يَفْعَلُونَ ذَلِك حَتَّى قَالُوا فِي كل فَاحِشَة وَأمر ذميم هَذَا قدر الله قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله أَخطَأ فِي هَذَا الْقدر من الدَّعْوَى من أوجه أَحدهَا مَا حكى عَن الْعَرَب وَالثَّانِي مَا حكى عَنْهُم هم لَا يَقُولُونَ ذَلِك وَإِن كَانَ يَقُوله

فَلَا يَقُوله من بهم يعرف أَسمَاء النَّحْل إِنَّمَا يذكرهُ الْعَوام فَأَما الْخَواص فهم لَا يذكرُونَ ذَلِك بل يكْرهُونَ ذَلِك خشيَة أَن يذكر على الإعتذار فِيمَا لَا عذر لَهُم وَالْعرب لَو عملت الَّذِي قَالَ إِنَّمَا عملت فِيمَن ظهر على التلقيب لَا للتحقيق وَنحن فِيمَا حَقه التَّحْقِيق لما عَن رَسُول الله جَاءَ ذَلِك قدم أَهله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن الذَّم جَاءَ من عِنْد رَسُول الله وَلم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت من يعرف بِهَذَا الْفِعْل وَلَا كَانَت النحلة الَّتِي أبدعت الْعَرَب لَهَا الإسم فَلَا يحْتَمل الإسم الَّذِي قَالَ لهَذَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ سَأَلَ عَنَّا سؤالا دلّ على حيرته فَقَالَ نسبتم إِلَيْهِ بقولكم لَا قدر فَأجَاب بِأَن لَا ينْسب الشَّيْء إِلَى النَّافِي قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَمَا قَالَه صدق وَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْمُدعى والمثبت لنَفسِهِ وَهُوَ حَيْثُ يَقُول تخرج الْأَفْعَال على قدره الَّذِي قدر لَهَا ثمَّ قَالَ لَو قيل أثبتم ذَلِك بقولكم نَحن نقدر أَعمالنَا قَالَ لَا يجب لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الإسم مِنْهُ مُقَدّر والثاين أَنه لَا تمانع لَهُ فِي القَوْل إِنَّه يقدر صلَاته وثوبه وداره وَأمر سَفَره فيجيب أَن يَكُونُوا كلهم قدرية قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله فَأَما الْحَرْف الأول مُقَدّر وَقدر وَاحِد وَبعد فَإِن الْفِعْل فِي النَّصْرَانِي واليهودي التنصر والتهود والإسم على مَا يرى فَمثله فِي الْقدر وَالثَّانِي قد يُسمى الله تَعَالَى بذلك ثمَّ لَا يُقَال قدرى فَثَبت أَن ذَلِك يرجع إِلَى أَمر خَاص وَإِلَى معنى فِيمَا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ إِلَى أَمر خَاص فَهُوَ فِي الدّين وَمن نسبه إِلَى نَفسه فَهُوَ أَحَق بِهِ وَإِن كَانَ الْمرجع فِيهِ إِلَى الْمَعْنى فَهُوَ لَا فهم على ذَلِك القَوْل يرَوْنَ حَقِيقَة الْخُرُوج على قدر الله لَا على قدر العَبْد والمعتزلة تزْعم أَنه على قدرهم يخرج وَالله الْمُوفق وَمَا قَالَ من الْعَرَب فَيجب أَن يكون الْمُعْتَزلَة لَهُم اسْم الجبرية لِكَثْرَة مَا يجرى على لسانهم اسْم الْجَبْر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مَعَ مَا نسب إِلَى الْمَجُوس وهم لَا بِكَثْرَة القَوْل سموا بِهِ وَلَكِن بِحَقِيقَة الْمَذْهَب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ سُئِلَ عَن وَجه تَسْمِيَة الحشوية لَهُم قدرية فَزعم أَن ذَا من خطئهم نَحْو خطئهم فِي أَكثر أُمُور الدّين مَعَ مَا انضموا إِلَى بني مَرْوَان وَذَلِكَ كَانَ مَذْهَبهم ليفرحوا بإضافتهم الْأَفْعَال الذميمة إِلَى قَضَاء الله وَقدره فساعدوهم على ذَلِك وبرؤوهم عَن الذَّم مِمَّا اقترفوا فِي الْحمل على الله وَرَأَوا ذَلِك شَائِعا لَهُم لفعل مُعَاوِيَة مَعَ مَا رَأَتْهُ قَتله على حَيْثُ جَاءَ بِهِ وَقَوْلهمْ الَّذِي تولى كَبِيرَة على وَعظم قَول الْمُعْتَزلَة فيهم حَيْثُ أخرجوهم عَن شَرَائِط الْإِمَامَة حَتَّى قبلوا مِنْهُم هَذَا الإسم وَأَطْنَبَ فِي هَذَا الَّذِي أَكْثَره كذب قَالَ الْفَقِيه أما نِسْبَة السُّؤَال إِلَى الحشوية فَإِنَّمَا هُوَ تمويههم ليروا أَن الَّذِي سماهم بِهَذَا هم وَإِنَّمَا هَذِه التَّسْمِيَة متوارثة فِي الْأمة بأسرها فِي خبر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام صنفان من أمتِي لَا تنالهم شَفَاعَتِي الْقَدَرِيَّة والمرجئة وفسرت الْقَدَرِيَّة بنفيهم الْقدر على الله وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن المرجئة هِيَ الَّتِي أرجت حَقِيقَة أَفعَال الْخلق إِلَى الله والقدرية هِيَ الَّتِي نفت عَن الله تدبيرها وَجعلت كل التَّدْبِير فِيهَا لِلْخلقِ حَتَّى معنى الْعَالم وَبِمَ على تَدْبِير الْخلق هم أفنوا وأبقوا وَبِه قَامَ تَدْبِير الله من الْبَعْث وَأهل الْجنَّة وَالنَّار لَيْسَ لله فِي ذَلِك إِلَّا الإختبار وَكَذَا لَا يُحَقّق لَهُ فِي الْعَالم أَفعَال سوى كَونه بعد أَن لم يكن وَالْعدْل هُوَ الْمَذْهَب الْمُتَوَسّط بَينهمَا وَذَلِكَ معنى قَول الله عز وَجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْأُمُور أوساطها وَنسب إِلَى الحشوية الْخَطَأ وَلَا أحد سلم عَنهُ وَالَّذِي قَالَه إِنَّمَا قَالَ قوم مِنْهُم وَأما الْمُعْتَزلَة فهم شاركوا الملحدة فِي إنْشَاء الْعَالم وإخراجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَمَا ذكر من السَّبَب

وروى عَن بني مَرْوَان وَحكى عَن الَّذين برأوا المذنبين وحملوا ذَلِك على مَا ذكر فِي إِيجَاب الْقدر للعباد كذب كُله فنعوذ بِاللَّه من الْحيرَة فِي الدّين الحاملة على قذف الْمُسلمين ثمَّ احتجت الْقَدَرِيَّة فِي تَقْدِيم الْقُدْرَة الْفِعْل بآي من كتاب الله تَعَالَى مِنْهَا قَوْله {فَخذهَا بِقُوَّة} وَقَالَ أهل التَّأْوِيل فاعمل بهَا بجد واجتهاد فكأنهم رَأَوْا الْقُوَّة هَاهُنَا الْأَسْبَاب لَكِن الظَّاهِر من ذَلِك قَوْلنَا خُذْهَا بِقُوَّة أَي وَقت الْأَخْذ لِأَنَّهَا إِذا لم تكن فِي وَقت الْأَخْذ يكون الْأَخْذ بِلَا قُوَّة فَثَبت بِهِ الَّذِي يذهب كمن يَقُول لآخر خُذْهُ بيديك وَانْظُر إِلَيْهِ ببصرك فَهُوَ على الإلتقاء وعَلى ذَلِك قَوْله لمُوسَى {فَخذهَا بِقُوَّة وَأمر قَوْمك يَأْخُذُوا بأحسنها} وَاحْتَجُّوا أَيْضا بقول الجني {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} وَقَول الْمَرْأَة {إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله والحرفان مِمَّا لَيْسَ لَهُم التَّعَلُّق بِهِ لما كَانَت قُوَّة مُوسَى الَّتِي علمت بهَا إِنَّمَا علمت وَقت النزح وَهِي لَا تبقى إِلَى ذَلِك الْوَقْت وَكَذَلِكَ قُوَّة الجنى على مَا امتحن نَفسه فِيمَا سبق وَالله الْمُوفق وَالثَّانِي على إِرَادَة وَقت الإستعمال بِالْعَادَةِ الْجَارِيَة بالحدوث فِي كل وَقت لما شَاءَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد احْتَجُّوا بِمَا فِي الْقُرْآن من ذكر الإستطاعة وَقد بَينا ذَلِك الْوَجْه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الجبرية الْمَعْرُوفَة عندنَا هم الَّذين يلقبوا بالجبر وأحالوا الْقُدْرَة على مَا فِي الْفِعْل جعل الله كَاذِبًا وأرجعوا جَمِيع الْأَفْعَال إِلَى الله وَلم يثبتوا للعباد فِي التَّحْقِيق

فعلا قيل يَقُول لَهُم الله لم فَعلْتُمْ ذَا وَلم لَا فَعلْتُمْ ذَا ونقول إفعلوا ذَا وَلَا تَفعلُوا ذَا فِي التَّحْقِيق بل إِن أَمر أَو نهى فَإِنَّمَا يَأْمر فِي التَّحْقِيق نَفسه وَينْهى نَفسه ثمَّ هُوَ يرتكب المنهى فِي التَّحْقِيق وَيَأْمُر ويطيع هُوَ فِي الْحَقِيقَة ثمَّ يُعَاقب غَيره فيعذبه ويثيبه ويسميه مَعَ هَذَا حكيما رحِيما جلّ من صفته الرَّحْمَة وَالْحكمَة وعَلى ذَلِك يجب أَن لَا يَجدوا الْأَلَم فِي الْحَقِيقَة واللذة وَتَكون حَقِيقَتهَا رَاجِعَة إِلَى الله جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى ثمَّ يبطل معنى الرُّسُل والكتب لما هِيَ فِي التَّحْصِيل تصير إِلَى الله بِالْأَمر والنهى والوعد والوعيد لَا مِنْهُ إِلَى غَيره ثمَّ يبطل حِكْمَة خلق الْخلق وَيحصل على الْعَبَث إِن كَانَ الْعلم يبلغ مَعْرفَته وَمن يكون خُرُوج فعله على كفران وجحود المنن وَالْكذب فِي الْإِخْبَار والسفه فِي الْأَفْعَال فَهُوَ حقيق أَن يكون شَيْطَانا رجيما فَهُوَ كَذَلِك لَا ريب فِيهِ وَهُوَ شَبيه بقَوْلهمْ كَانَ الله غير عَالم وَلَا قَادر ثمَّ صَار كَذَلِك فَلَعَلَّ تَدْبيره الْأَفْعَال الَّتِي كَانَت فِيمَا نسب إِلَى الْخلق فِي ذَلِك الْوَقْت جلّ الله وَتَعَالَى عَن ذَلِك ثمَّ نسب الْقَدَرِيَّة وهم الَّذين يلقبوا بالإعتزال الْخَبَر إِلَيْنَا على تبرينا عَن ذَلِك عقدا وقولا لَكِن كذبهمْ فِي هَذَا نَحْو كذبهمْ علينا فِي اسْم الْقَدَرِيَّة ثمَّ نذْكر أحقنا بذلك فِي مُقَابلَة المذهبين ليعلموا جرْأَة الْمُعْتَزلَة وعظيم سفههم كَمَا بَينا فِي الْقَدَرِيَّة وَادعوا علينا اسْم الْجَبْر بإنكارنا كَون قدرَة الْفِعْل قبل وقته ثمَّ هم حققوا الْفِعْل فِي وَقت لَا قدرَة فِيهِ وَتَحْقِيق الْفِعْل فِي وَقت الْوَصْف بِلَا قدرَة أقرب إِلَى معنى الْجَبْر من تحقيقها مَعَ الْفِعْل لمن عقل الْجَبْر والإختيار وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الْفِعْل غير متوهم فِي حَال الْعَجز ومتوهم وجوده فِي حَال ارْتِفَاع الْعَجز فَكَانَ توهمه مَعَ الإرتفاع أرفع وأبلغ من توهمه مَعَ الْوُجُود إِذْ هُوَ سَبَب الْمَنْع فَكَذَلِك الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْفِعْل فِي الْحَقِيقَة وَيُؤَيّد ذَلِك فَسَاد الدَّرك بالبصر مَعَ ذَهَابه بِمَا تقدم من الْبَصَر وَكَذَا السّمع وَعمل كل الْحَواس فَلذَلِك

كَانَ فَسَاد فعل الإختيار مَعَ الْعَجز وفقد الْقُدْرَة أوضح مِنْهُ مَعَ الْوُجُود وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَوجه آخر أَن قَول الْمُعْتَزلَة إِن الْإِرَادَة هِيَ إختيار الْفِعْل وَإِنَّمَا تكون مُتَقَدّمَة على الْفِعْل وَلَيْسَت بموجودة وَأَنه وجد فِي وَقت الْوُجُود بِلَا إِرَادَة مِنْهُ وَلَا إختيار وَحقّ اخْتِيَار الأول عَنهُ زائل إِذْ يجوز وُرُود الإضطرار فِي الْوَقْت الثَّانِي ومحال وُرُوده فِي الْوَقْت الَّذِي فِيهِ الإختيار والإختيار قَائِم ثَبت أَن فعله فِي التَّحْصِيل لَيْسَ بإختيار وَأَنه اضطرار وعلامة الْجَبْر هَذَا وَبِهَذَا الْفِعْل يوجبون الْعَدَاوَة وَالْولَايَة وَالْخُلُود فِي الْجنَّة وَالنَّار الْوَاقِع وَقت وُقُوعه بِلَا اخْتِيَار وَلَا قدرَة وَلَا أَمر أَيْضا وَلَا نهى فَمن تَأمل ذَلِك وجده عِنْد التَّحْقِيق قَول الجبرية فِي التَّصْرِيح لَكِن هُوَ لَا جبرية كَاذِبَة وَأُولَئِكَ جبرية صَادِقَة ثمَّ من قَوْلهم إِن من أَرَادَ الْفِعْل لأَقْرَب الْأَوْقَات إِلَيْهِ يَقع ذَلِك الْفِعْل وَإِن كرهه وَأَرَادَ صرفه وَيَقَع لَهُ بِهِ الْعَدَاوَة وَالْولَايَة وَإِن صَار بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الصّرْف قبل وُقُوعه أَو مَعَه ثمَّ يكون ذَلِك الْوَقْت لَيْسَ بِوَقْت محَال لفوت ذَلِك الْفِعْل إِذْ قد يجوز عِنْدهم فَوته بِالْمَنْعِ والقهر ثَبت بِمَا ذكرت وُقُوعه بالجبر فِي التَّحْقِيق وَأَيْضًا على قَوْلهم فِي كَثْرَة جرى اسْم الْقَدَرِيَّة فِي غير مَوْضِعه على ألسنتهم يسمون بِهِ فَهُوَ كَذَلِك عِنْدهم مَعَ قَوْلهم بنسبتكم الْجَبْر إِلَى غَيرهم وَبِاللَّهِ المعونة والعصمة ثمَّ سمت الْمُعْتَزلَة الحسينية مجبرة بِمَا قَالَت الحسينية للْعَبد قدرَة مَا هُوَ فِيهِ من الْفِعْل وَلَيْسَت لَهُ قدرَة ضِدّه وَقت الْفِعْل وَقبل ذَلِك الْوَقْت الإختلاف بَينهم وَبَين الْمُعْتَزلَة إِنَّمَا هُوَ فِي الإسم خَاصَّة لِأَن الحسينية تَقول هُوَ على مَا هُوَ فِيهِ فَعِنْدَ الله لطف لم يُعْطه والمعتزلة يَقُولُونَ لم يبْق عِنْد الله شَيْء فِيهِ صَلَاحه إِلَّا وَقد اعطى فقد اتفقَا على قدر مَا أعطَاهُ وَلَا قُوَّة لَهُ وَقت الْفِعْل عِنْد الْمُعْتَزلَة وَعند الحسينية لَهُ قدرَة مَا هُوَ فِيهِ وَله اخْتِيَار مَا هُوَ فِيهِ فَكَانَ الَّذِي مَعَه من

الْقُدْرَة والإختيار أَكثر من الَّذِي عِنْد الْمُعْتَزلَة فَكيف سمتهم الْمُعْتَزلَة مجبرة لَوْلَا قلَّة الحيا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْأَصْل عِنْد الْحُسَيْن إِنَّه عِنْد الْفِعْل مضيع أحد القدرتين وَلَا عذر لَهُ فِي التضييع وَعند الْمُعْتَزلَة لَا قدرَة لَا بالتضييع وَلَا غَيره فَأَي الوصفين أشبه بالجبر لَو كَانَ ثمَّة إنصاف ثمَّ الَّذِي يُحَقّق أَن الْمُعْتَزلَة هِيَ الْمُجبرَة قَوْلهم للْعَبد الْفِعْل شَاءَ العَبْد أَو أَبى وَمن زَالَت عَنهُ الْمَشِيئَة فِي فعل فَهُوَ ساه أَو جَاهِل أَو عَاجز لَا يَخْلُو عَن ذَلِك مَعَ مَا قد جعلُوا للْعَبد أَن يُرِيد فِي سُلْطَان الله مَا لَا يُريدهُ ويشاء فِي ملكه مَا لَا يشاؤه وَهُوَ يَشَاء خِلَافه وَيُرِيد غَيره وَذَلِكَ عَلامَة القسر والجبر فعابت الجبرية فِي جبر العَبْد بِمَا رَأَوْا لله الْملك والجلال ثمَّ قَالَت بجبر رب الْعَالمين سفها بِغَيْر علم ولاقوة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر طرفا مِمَّا عابت الْمُعْتَزلَة حُسَيْنًا فِي النُّطْق ووافقته فِي التَّحْصِيل قَالَ حُسَيْن الْكَافِر وَقت كفره لَيست لَهُ قدرَة الْإِيمَان وقدرة الْإِيمَان عِنْده التَّوْفِيق والعصمة ووافقته الْمُعْتَزلَة على أَنه لَيْسَ بمعصوم وَلَا موفق بل هُوَ مخذول مَتْرُوك على رَأْيه وَذَلِكَ معنى قدرَة الْكفْر عِنْد الْحُسَيْن فاتفقا على الْمَعْنى الَّذِي اخْتلفَا فِي إسمه فَحق الْمَسْأَلَة بَينهم فِي جعل التَّوْفِيق والعصمة قُوَّة الْإِيمَان وَالتّرْك والخذلان قُوَّة الْكفْر لَا إِفْرَاد التَّكَلُّم فِي الْقُدْرَة والأغضاء عَن حَقِيقَة مَا يجب القَوْل بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ حُسَيْن معنى الْإِرَادَة فِي الله سُبْحَانَهُ أَنه لم يغلب وَلم يقهر وَقد أَعْطَتْ الْمُعْتَزلَة هَذَا الْمَعْنى فِي جَمِيع أَفعَال الْخلق إِنَّه لم يغلب وَلم يقهر فَتبْطل الْمَسْأَلَة فِي الْإِرَادَة إِنَّمَا بقيت فِي تَأْوِيل الْإِرَادَة لَا غير مَعَ مَا كَانَ من قَول الْحُسَيْن إِن أَفعَال الْعباد مخلوقة فأارد خَالِقهَا كَونهَا على مَا خلقهَا وَمذهب الْمُعْتَزلَة إِنَّهَا لَيست بمخلوقة لله فَتكون الْمَسْأَلَة فِي خلق الْأَفْعَال لَا فِي الْإِرَادَة

مسألة

وَقَالَ الكعبي الْإِرَادَة مَعْنَاهَا أَنه مُخْتَار غير مغلوب فَمثله فِي كل شَيْء يلْزمه ثمَّ الْمُعْتَزلَة لَيست تثبيت لله إِلَى الْعَالم سوى أَن كَانَ وَلم يكن عَالم ثمَّ كَانَ عَالما فَصَارَ بذلك الْمَعْنى خَالِقًا لَهُ مرِيدا على الْوَجْه الَّذِي ذكر فَقَالَ حُسَيْن فِي أَفعَال الْعباد إِنَّه إِذْ كَانَ وَلَا هَذِه الْأَفْعَال ثمَّ كَانَت هَذِه وَكَانَت بإرادته الَّتِي تَأْوِيلهَا مَا وَصفه وَبِأَن خلقهَا بِأَن كَانَ وَلم تكن هِيَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن حُسَيْنًا يَجعله فِي الأول مرِيدا لكَون الْخلق على مَا كَانَ وَكَذَلِكَ لكَون كل مَخْلُوق على مَا كَانَ بإرادته والمعتزلة تنفى معنى الْإِرَادَة لَا تجْعَل غير أَن كَانَ وَلم يكن الْخلق ثمَّ كَانَ فَحق ذَلِك فِيهِ أوجب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَت الْمُعْتَزلَة الْوَعيد يَأْخُذ من أخرجه فعله عَن الْإِيمَان وَكَذَلِكَ قَالَ حُسَيْن وَجَمِيع أهل الإرجاء إِن كَانَ من اسْتحق بِفِعْلِهِ زَوَال اسْم الْإِيمَان فَهُوَ كُله فِي النَّار أبدا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه والإختلاف بَين هَؤُلَاءِ فِيمَا بِهِ يخرج من الْإِيمَان لَا فِي حق الْوَعيد فالإحتجاج بآي الْوَعيد فِي الْمَسْأَلَة خطأ مَسْأَلَة فِي مقترفي الذُّنُوب وَهِي يخرجُون بِذُنُوبِهِمْ من الْإِيمَان قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله تكلم النَّاس فِي مَحل الذُّنُوب وَتَسْمِيَة مقترفيها فَجمع بَينهَا قوم فِي الْإِخْرَاج من الْإِيمَان بقوله {وَمن يعْص الله وَرَسُوله} وَقَوله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة} والذنُوب كلهَا فِي تَحْقِيق اسْم الْعِصْيَان وَاحِد فعلى ذَلِك فِي تَحْقِيق اسْم الضلال وَإِيجَاب الخلود فِي النَّار وَقَوله تَعَالَى

{إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} يخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكفر بِالتَّوْبَةِ لقَوْله {ويخلد فِيهِ مهانا إِلَّا من تَابَ} وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَالثَّانِي أَن تكون الصَّغَائِر مِنْهَا الَّتِي تقع على السَّهْو والغفلة فَهِيَ المغفورة بِمَا قَالَ تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} وَقَالَ {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} وَمَا جَاءَ من الْخَبَر بِالْعَفو عَنهُ ثمَّ حقق قوم مِنْهُم لَهُ اسْم الْكفْر بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا بقوله {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى} وَقَالَ {وَهل نجازي إِلَّا الكفور} وَقَالَ {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} وَقَالَ {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} وَقَالَ {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَأثْبت الْجَزَاء فِيمَا صغر مِنْهُ وَأخْبر أَنه لَا يجازى إِلَّا الكفور وَلَا يُصليهَا إِلَّا من ذكر مَعَ مَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} وكل عَاص فَهُوَ يُؤْذِي رَسُول الله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن عقد إِيمَان كل مُؤمن أَن لَا يعْصى الله فِيمَا أمره وَنَهَاهُ فَمن عَصَاهُ لم يَفِ بِهِ مَعَ مَا كَانَ إعتقاده كَانَ مَوْقُوفا على مَا يظْهر بالإبتلاء بقوله

{أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا} وَقَالَ {وليعلمن الْمُنَافِقين} فِي مَوضِع آخر فَثَبت بذلك اسْتِحْقَاق اسْم الْكفْر بِمَا ظهر كذبه فِيمَا أظهر من الإعتقاد وَالنَّظَر يُوجب ذَلِك بِمَا هُوَ بِالَّذِي مُخَالفا فِيهِ من الله مُجيب الشَّيْطَان إِلَى مَا دَعَاهُ ومطيع لَهُ فِيمَا أمره وَمن ذَلِك وَصفه فقد عَبده وَمن عبد الشَّيْطَان فَهُوَ كَافِر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِنْهُم من يُسَمِّيه مُشْركًا لَا كَافِرًا إِنَّمَا صَار إِلَى مَا صَار بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} فَجعل فِي الْعَمَل شركا وَكَذَا تَسْمِيَة أهل الشّرك بِمَا أشركوا فِي الْعِبَادَة غير الله وَذَلِكَ معنى قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} وَقَالَ {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} وَقد بَينا إِنَّمَا يغْفر من الذُّنُوب هِيَ الَّتِي كَانَت على الْخَطَأ أَو الْإِكْرَاه كَمَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمِنْهُم من قسم الذُّنُوب قسمَيْنِ فَجعل مِنْهَا صغائر تغْفر بإجتناب الْكَبَائِر وبالعفو بالجزاء وَنَحْو ذَلِك على اخْتِلَاف أقاويلهم وَهُوَ قَوْلنَا فِي أى أَلا يجوز إِخْرَاج صَاحبهَا من الْإِيمَان وفاسد مَعَ الْإِيمَان الخلود فِي النَّار لما يُوجب الْخلف فِي الْوَعْد بقوله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} وَمَا جَاءَت بِهِ الْآيَات فَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن والوعد فِي ذَلِك ثمَّ الَّذِي يمْنَع اسْم الْكفْر فِي الْحَقِيقَة والشرك أوجه أَحدهَا أَمر الله نبيه أَن يسْتَغْفر لَهُ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات

ثمَّ لَا يحْتَمل الْأَمر بِهِ على إِثْبَات كفر أَو شرك بقوله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} وَبِمَا أمره أَن يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين ومحال يَأْمُرهُ بالإستغفار باسم الْإِيمَان وَهُوَ عَنْهُم زائل لِأَنَّهُ يُوجب الْكَذِب ثمَّ قد حذره الله عَن الإستغفار لأهل الشّرك بِمَا ذكرت وَلأَهل النِّفَاق بقوله {سَيَقُولُ لَك الْمُخَلفُونَ من الْأَعْرَاب} وَقَوله {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم} وَنَهْيه إِيَّاه عَن الصَّلَاة فَثَبت أَن أُولَئِكَ الَّذين أَمرهم بالإستغفار هم أهل الْإِيمَان فِي الْحَقِيقَة ثمَّ لَا يحْتَمل أَن يُؤمر بالإستغفار وَلَا ذنُوب لَهُم أَو كَانَت مغفورة لَهُم لِأَن الاسْتِغْفَار هُوَ طلب الْمَغْفِرَة وطلبها لمن قد غفر لَهُ كتمان نعْمَة الغفران وَذَلِكَ كفران النِّعْمَة بل حق ذَلِك الشُّكْر وَالْحَمْد وَمَا لَا ذَنْب لَهُ ثمَّة فَيخرج طلب الْمَغْفِرَة مخرج كفران الْعِصْمَة وَالسُّؤَال أَن لَا يجوز إِذْ تَعْذِيب مثله فِي حكمه جود ثمَّ لَا يحْتَمل أَن يكون رَسُول الله وَالْمَلَائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ لمن أمروا بِهِ ثمَّ لَا يجابون فَيثبت بِهَذَا أَن لَا يَزُول اسْم الْإِيمَان لكل ذَنْب وَأَن من الذُّنُوب مَا لَيْسَ بمغفور يغْفر بِالتَّوْبَةِ عَنهُ إِذْ لَيْسَ فِي اسْتِغْفَار غير المذنب تَوْبَة وَفِي ذَلِك نقض على الْمُعْتَزلَة فِي إزالتهم اسْم الْإِيمَان لكل ذَنْب وَأَن من الذُّنُوب مَا لَيْسَ بمغفور يغْفر بِالتَّوْبَةِ عَنهُ إِذْ لَيْسَ فِي اسْتِغْفَار غير المذنب تَوْبَة وَفِي ذَلِك نقض على الْمُعْتَزلَة فِي إزالتهم اسْم الْإِيمَان بِكُل ذَنْب لَيْسَ بمغفور لصَاحبه حَتَّى يسْتَغْفر وَنقض على الْخَوَارِج بِمَا ذكرنَا وَالله أعلم وَأَيْضًا إِن الله تَعَالَى قَالَ فِي الذُّنُوب الَّتِي لَا يغفرها {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم} وعَلى ذَلِك قَالَ {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} فألزمهم التَّوْبَة مَعَ إِثْبَات الْإِيمَان وَأخْبر أَنه بِالتَّوْبَةِ يغْفر لَهُم وَفِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا على

الْمُعْتَزلَة فِي إزالتهم اسْم الْإِيمَان فِي كل ذَنْب لَا يغْفر عِنْدهم إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَفِي ذَلِك إثْبَاته وعَلى الْخَوَارِج بتسميتهم كفرة وَأهل الشّرك ومحال مَعَ ذَلِك اسْم الْإِيمَان وَالْأَمر بِغَيْرِهِ وَالله الْمُوفق وَلَو كَانَ فِي شَيْء تَسْمِيَة بالْكفْر فَهُوَ مجَاز اللُّغَة من حَيْثُ ذَلِك صنيعهم وَنَحْو ذَلِك على مَا يُقَال للمرء أَصمّ وأعمى بِمَا لَا يقف على حَقِيقَة مَا بذلك يُوصل إِلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه} فَأثْبت اسْم الْكفْر فِيمَا كَانَ مِنْهُ على الْإِكْرَاه لفظا لَا تَحْقِيقا لما اطْمَأَن قلبه بِالْإِيمَان فَثَبت أَن قد يجوز تَسْمِيَته لنوازل مجَازًا فَمثله الْأَعْمَال وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا إِن الله تَعَالَى قَالَ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} ثمَّ مَعْلُوم أَنه لَا يرى الْخَيْر وجزاه مَعَ الشّرك وَلَا جزاه شَرّ فِي حَال الْكفْر يرى ذَلِك بعد الْإِيمَان لقَوْله تَعَالَى {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه} وَقَوله {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَقَالَ {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} دلّ مَا ذكرت من تَحْقِيق حَال فِيهَا جَزَاء الْأَمريْنِ وَذَلِكَ لَا يكون على قَول الْمُعْتَزلَة فِي وَقت الْكَبَائِر وَلَا فِي وَقت الصَّغَائِر وَكَذَا فِي قَول الْخَوَارِج وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الله تَعَالَى قَالَ {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} وَمَعْلُوم أَن الشّرك قد يغْفر بِالتَّوْبَةِ فَبَطل بِهِ قَول من يَجعله لما قسم الْكتاب وَبَطل قَول من يبطل الْمَغْفِرَة فِي الْكَبَائِر بِلَا تَوْبَة لِأَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ جعل لنَفسِهِ مَشِيئَة الْمَغْفِرَة وَذَلِكَ

فِيمَا كَانَ فِي الْحِكْمَة لَكِن دَفعه سفه جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى فَلَزِمَ الَّذِي ذكرت الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا ثمَّ الَّذِي ينْقض قَول الْخَوَارِج الَّذين يكفرون بالصغائر مَا بلَى بهَا الْأَنْبِيَاء والأولياء وَمَا يكفر يسْقط النُّبُوَّة وَالْولَايَة وَمن ذَلِك وصف إيمَانه بالأنبياء فَهُوَ كَافِر بهم فَبلغ من تعظيمهم الذُّنُوب إِلَى أَن كفرُوا بِهِ وَهُوَ أعظم الذُّنُوب وَهَذَا حق من تعدى حُدُود الله فِي الحكم وغلا فِي دين الله أَن يكون عطبه من أَرْجَى مَا يكون عِنْده من أَسبَاب النجَاة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى قَول الْمُعْتَزلَة فِي ذَلِك وصف الله الْأَنْبِيَاء بِالدُّعَاءِ لَهُ تضرعا وخفية وَطَمَعًا وخوفا وببكائهم على مَا كَانَ مِنْهُم من الزلات وتضرعهم إِلَيْهِ حَتَّى أجِيبُوا فِي دُعَائِهِمْ وأعطوا سؤلهم وَلَو لم تكن ذنوبهم بِحَيْثُ احْتِمَال التعذيب عَلَيْهَا فِي الْحِكْمَة أَو كَانَ عَلَيْهِم من ذَلِك خوف التعذيب لَكَانَ فِي ذَلِك تعدى الْحَد وَالْوَصْف بالجود والتعدي مِنْهُ وَذَلِكَ أعظم من الزلات فَهَذَا ينفى قَول الْمُعْتَزلَة فِي إِثْبَات الْمَغْفِرَة فِي الصَّغَائِر وَإِخْرَاج فعل التعذيب عَن الْحِكْمَة وَقَول الْخَوَارِج بِإِزَالَة اسْم الْإِيمَان عَنهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ القَوْل فِي جعل الصَّغَائِر كفرا أَو شركا أَو التخليد فِي النَّار جَزَاء لَهَا قَول مهجور بِمَا يسْقط معنى تَسْمِيَته عفوا غَفُورًا رحِيما إِذْ لَا يَسعهُ مأثم وَلَا زلَّة بِلَا تَوْبَة وَيُوجب بِهِ المعاداة بعد أَن عرفه عفوا غَفُورًا كَرِيمًا وعادى لأَجله من أَزَال عَنهُ هَذَا الإسم إِلَى كل مَا يُوصف كل قَاس وكل لئيم وَبِه يسْتَحق الَّذِي قَالَ إِذْ هَذَا أعظم الذُّنُوب حَيْثُ صِفَات الرب ثمَّ بِمَا بلَى بِهِ الْأَنْبِيَاء فيكفر بهم فِي تِلْكَ الْأَحْوَال وَمن كفر بِنَبِي فِي وَقت فَهُوَ كَافِر لَا ريب فِيهِ ثمَّ بِهَذَا وصف الرب بالجود لما فِيهِ إبِْطَال الْحَسَنَات بزلة وَالْعدْل هُوَ الَّذِي يجزى بِالْإِحْسَانِ والإساءة فِيمَا أظهر عز وَجل من كرمه ثمَّ التجهيل بِمَا لم يعرف من يصلح للرسالة وَيقوم بأَدَاء الْأَمَانَة ثمَّ بِمَا لَا أحد عَنهُ فَيكون فِي الَّذِي ذكر

مسألة

تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق ثمَّ يَنْقَطِع مِنْهُ الْخَوْف والرجاء وَيحصل الْأَمر على الْأَمْن والإياس وَقد شهد عَلَيْهَا بالضلال وَالْكفْر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر مَا قيل فِي الْكَبَائِر فَإِنَّهَا إِذْ صَارَت بِحَيْثُ إحتمال الْعَفو فَمَا دونهَا أولى وَبِمَا لِلْقَوْلِ بِهِ فِيهَا على الإختلاف أثر بَين فِي الْأمة فصرف الْكَلَام إِلَيْهِ أَحَق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَسْأَلَة اخْتِلَاف الْمُسلمين فِي مرتكبي الْكَبَائِر ثمَّ اخْتلفت الْأمة فِي مرتكبي الْكَبَائِر من الْمُسلمين دَفعته إِلَيْهَا الْغَلَبَة من شَهْوَة أَو غَفلَة أَو شدَّة الْغَضَب وَالْحمية أَو رَجَاء الْعَفو وَالتَّوْبَة من غير استحلال مِنْهُ وَلَا استخفاف مِنْهُ بِمن أَمر وَنهى فَمنهمْ من جعله كَافِرًا وَمِنْهُم من جعله مُشْركًا وَمِنْهُم من جعله غير مُؤمن وَلَا كَافِر وَمِنْهُم من يَجعله منافقا وَمِنْهُم من جعله مُؤمنا على مَا كَانَ عَاصِيا بِمَا فعل فَاسِقًا بِهِ من غير أَن يُطلق لَهُ اسْم الْفسق والفجور إِلَّا مَعَ من يعلم مَا بِهِ سمى ذَلِك وَيرى أَن يكون لله تعذيبه بِقدر ذَنبه وَالْعَفو عَنهُ بِمَا علم مِنْهُ من الصدْق لَهُ فِي العبودة وَغَيره من الْحَسَنَات وَمِنْهُم من وقف فِي الْوَعيد إِنَّه أُرِيد بِهِ المستحيل أَو غَيره وَرَآهُ وَاجِبا فتفريق من ذكرت بَين الصَّغَائِر والكبائر فِيمَا يثبت فِي الصَّغَائِر من إِمْكَان الْعَفو أَو إبْقَاء اسْم الْإِيمَان أوجب صرف الْوَعيد إِلَى الْكَبَائِر وَمَا يثبت من ذكر جَزَاء الْكفْر والشرك وَنَحْوه يُوجب تَحْقِيق اسْم الشّرك وَقَول قوم وَالْكفْر على قَول وأيد ذَلِك قَوْله {إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} وَقَالَ {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون} مَعَ مَا كَانَ صَاحب الْكَبِيرَة حَاكما بِغَيْر الَّذِي أنزل

الله وتاركا الحكم بِهِ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَبعد فَإِنَّهُ قد سمى بالأسماء الَّتِي سمى الله بهَا الْكَفَرَة من الْفسق والفجور وَالظُّلم لزمَه أَيْضا اسْم الْكفْر مَعَ مَا قسم الله الْبشر الَّذين جرى عَلَيْهِم الْقَلَم فِيمَا عَلَيْهِ أَمرهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ {هُوَ الَّذِي خَلقكُم فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن} وَقَالَ {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} وَقَالَ {فَمن يرد الله أَن يهديه} وَقَالَ {يضل من يَشَاء} وَقَالَ {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} ثمَّ بَين كفر الْمُسَمّى فَاسِقًا وَقَالَ فِي أَمر الْآخِرَة {يَوْم تبيض وُجُوه} وَقَالَ {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ} فجعلهم جَمِيعًا متسمين فَلَا ثَالِث فِي التَّحْقِيق مَعَ مَا بَين أَن النَّار أعدت للْكَافِرِينَ فَإِذا ثَبت الْوَعيد لصَاحب الْكَبِيرَة جعله كَافِرًا وَبعد فَإِن الله تَعَالَى وصف أَنه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ وَقد لزم أَلا يأس على قَول هُوَ لَا لزمَه اسْم الْكفْر على أَن الْأَسْمَاء لَا مَنَافِع لَهَا وَلَا مضار بهَا على أَهلهَا إِنَّمَا المضار وَالْمَنَافِع فِي حقائق مَا لَهَا الْأَسْمَاء فَإِذا لزم الخلود فِي النَّار بطلت فَائِدَة الإسم إِن كَانَ مُؤمنا أَو كَافِرًا لَا يمْنَع عَنهُ اسْم الْكفْر إِذْ عُوقِبَ بعقوبته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وألزموا الْوَعيد بِمَا فِي الرّفْع لُحُوق الْكَذِب وَالله يجل عَن ذَلِك وكل الَّذِي ذكرت يلْزم الْمُعْتَزلَة فِي مَنعهم تَسْمِيَة الْكفْر على أَن قَوْلَيْنِ من أقاويل منتحلى الْإِسْلَام حصلا فِي حق الْأَسْمَاء على عَبث وَإِبْطَال مَا جبل عَلَيْهِ الْبشر من جلالة قدر الْإِيمَان فِي قُلُوبهم وَعظم الله دين الْإِسْلَام فِي الْعُقُول فصير أحد فريقي الْإِسْلَام أسم الْإِيمَان لكل خير يقطع فزع تبدل دين الْإِسْلَام وأزال جلالة قدره حَيْثُ أشركوا فِي إسمه كل شَيْء مِمَّا يحْتَمل أَن يكون لَهُ اسْم الْخَيْر فاشترك فِي هَذَا الحشوية والمعتزلة وانفردت الْمُعْتَزلَة بِمَنْع اسْم الْكفْر عَن أَصْحَاب الْكَبَائِر على تَحْقِيق جَمِيع مَا فِي الْكفْر من الْعقُوبَة فِي ذَلِك فَلم يحصل لَهُم بِمَا تحرجوا عَن التَّسْمِيَة بِمَا كَانَ فزعهم عَن إسمه إِلَّا لعَظيم الْوَعيد فِي ذَلِك وَإِلَّا التَّسْمِيَة إِذْ ألم لنفع يُرْجَى أَو لضَرَر يتقى فَكَانَت من الْمُسلمين بهَا إِبَاحَة إِن ساءت أَو حسنت إِذا لم تكن يجب بحسنها حسن أَو قبح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَدخل تَسْمِيَة الشّرك وَالْكفْر فِيمَا مر بَيَانه وَمن حقق لَهُ اسْم النِّفَاق فلمخالفة مَا أعْطى بِلِسَانِهِ من الْإِيمَان وتعاهد حُدُوده وَحفظ حُدُود الله مَا ظهر بأفعالهم وَبِذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وليعلمن الله الَّذين آمنُوا وليعلمن الْمُنَافِقين} وَقَالَ {الم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} أخبر بِبَيَان مَا أَعطَتْهُ الألسن من الصدْق وَالْكذب بالمحنة وَكَذَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ فَهُوَ مُنَافِق من إِذا حدث كذب وَإِذا وعد خلف وَإِذا اوتمن خَان فقد ظهر لَهُ ذَلِك كُله من مرتكبي الْكَبِيرَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه واحتجت الْمُعْتَزلَة فِي الإسم بِمَا سمى صَاحب الْكَبِيرَة بأسماء خبيثة وَالْإِيمَان من الْأَسْمَاء الطّيبَة لَا يُسمى بِهِ مَعَ مَا جَاءَ من الْوَعْد باسم الْإِيمَان والوعد لَا يحْتَمل الْخُصُوص ثمَّ صَاحب الْكَبِيرَة قد جَاءَ فِيهِ الْوَعيد فَبَطل أَن يكون

مُؤمنا وَلم يسم بِهِ كَافِرًا بِمَا لم يرد بِهِ التَّسْمِيَة فَسمى بِهِ الَّذِي أجمع أَنه لَهُ اسْم وَهُوَ الْفسق والفجور وَالظُّلم ثمَّ لَهُم فِي الْوَعيد أَمْرَانِ عُمُوم أخباره وَالثَّانِي قَوْله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} بَين مَا لَا يغْفر مَعَ مَا كَانَ الْوَعيد بالتخليد أعظم فِي الْمَنْع وأبلغ فِي الزّجر فَهُوَ أَحَق على أَن الْوَعيد إِذا وَجب لزم دُخُول النَّار وَلم يذكر فيهم الْخُرُوج وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ نستعين أجمع هُوَ لَا على اخْتلَافهمْ أَن الْوَعيد مِمَّا لم يُشْرك فِيهِ الْمُؤمنِينَ بل هُوَ فِي كل ذَنْب أخرج صَاحبه عَن الْإِيمَان وَأسْقط عَنهُ اسْمه والمرجئة توافقهم أَن كل ذَنْب يخرج صَاحبه عَن الْإِيمَان فالوعيد لَهُ لَازم ثمَّ إِن المرجئة تخَاف على الْمُؤمنِينَ فِيمَا ارتكبوا من المأثم مَعَ قيام الْإِيمَان بالعقوبة وَأُولَئِكَ لَا يخَافُونَ عَلَيْهِم وَكَانَ احتجاجهم بِعُمُوم الْآثَار فَثَبت بِالَّذِي ذكرت من قَول الْجُمْلَة أَن المرجئة وَهِي الَّتِي أرجأت الذُّنُوب أَشد اسْتِعْمَالا لَهَا على الْعُمُوم من الَّذين ادعوا عمومها إِذْ هم عِنْد التَّحْصِيل جعلُوا الْوَعيد فِي أحد فريقي الْبشر وهم الَّذين لَيْسُوا بمؤمنين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قد ثَبت بأدلة الْقُرْآن وَمَا عَلَيْهِ أهل الْإِيمَان وَالَّذِي جرى بِهِ من اللِّسَان أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِهِ نؤمن وَبِذَلِك جرت أَحْكَام الْقُرْآن فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَمَا بِهِ قيام الْعبارَات والإشتراك فِي الْجَمَاعَات والإجتماع فِي مجَالِس الذّكر والخيرات على غير تناكر مِنْهُم وَفِيهِمْ الْقبُول بِحَق الْمُؤمنِينَ وَكَذَا جَمِيع مَا جرى بِهِ الْخطاب لم يُوجد معتزلي وَلَا خارجي وَلَا حشوى مَعَ مَا فيهم أَنْوَاع المعاصى والسيئات الَّتِي بَان لَهُم أَنَّهَا كَبَائِر أَو لم يبين لَهُم حَقِيقَتهَا بِخَبَر فِي أَمر الْخطاب أَن يكون غير أحد لَهُ لما فِيهِ فَثَبت أَن الْإِيمَان لم يزل عَنهُ وَأَن الإسم قَائِم لَهُ فَيبْطل بِهَذِهِ الْجُمْلَة الَّتِي من دَفعهَا يعلم أَنه مكابر معاند مَا قَالَت الْخَوَارِج والمعتزلة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله سُبْحَانَهُ أبقى لَهُ اسْم الْإِيمَان مَعَ تَحْقِيق مَا عَلَيْهِ الْوَعيد فِي

حكمه بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} فَأوجب فِي المقت عِنْده مَعَ اسْم الْإِيمَان بِحرف العتاب الَّذِي لَا يحْتَمل النُّطْق قبل مقارفة الذَّنب بقوله {لم تَقولُونَ} والمقت لَا يُوجب الذَّنب الَّذِي فِي الْحِكْمَة لُزُوم الْمَغْفِرَة لَهُ وَقَالَ {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} أثبت لَهُم اسْم الْإِيمَان مَعَ إِلْزَام اسْم الْبَغي لأَحَدهمَا فِي الْقِتَال وألزم من حضر مَوته المبغى عَلَيْهِ حَتَّى يرجع الآخر إِلَى أَمر الله وَلَو كَانَ ذَلِك خُرُوج من الْإِيمَان لَكَانَ الْحق فِي مثل ذَلِك غير الَّذِي ذكر وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} وَمَعْلُوم أَنه لَا يجب إِلَّا بقتل الْعمد فَأثْبت لَهُم فِي ابْتِدَاء الْآيَة اسْم الْإِيمَان وَأبقى بَينهمَا الْأُخوة وَأخْبر أَن ذَلِك تَخْفيف من ربكُم وَرَحْمَة وتبعد هَذِه الْأَوْصَاف فِيمَن أخرجهم الْفِعْل من الْإِيمَان وَقَالَ {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء} ثمَّ قَالَ {وَإِن استنصروكم فِي الدّين} أثبت لَهُم اسْم الْإِيمَان وَجمع بَينهم فِي الدّين على تخلفهم عَن الْهِجْرَة مَعَ عظم مَا فِيهِ من الْوَعيد بقوله {الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} وَقَالَ أَيْضا {لَا تخونوا الله وَالرَّسُول} فَأثْبت لَهُم اسْم الْإِيمَان مَعَ قبح صنيعهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} وَقَالَ {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ} أخبر أَن عَلَيْهِم ذنوبا تغْفر بِالتَّوْبَةِ وَيكفر بهَا على إبْقَاء اسْم الْإِيمَان وَفِي قَول هَؤُلَاءِ لَا يجوز ذَلِك فَثَبت أَن القَوْل هُوَ قَول من لم يزل عَنْهُم اسْم الْإِيمَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَنَوع آخر أَن الله تَعَالَى أوجب كثيرا من الْعِبَادَات باسم الْإِيمَان وَجعل علم الْحل وَالْحُرْمَة فِي كثير من ذَلِك اسْم الْإِيمَان وزواله ثمَّ شَارك من أحدث أَفعَال الْفسق مَعَ الْإِيمَان فِيهَا غَيره ثَبت أَن اسْم الْإِيمَان غير زائل عَنْهُم مَعَ مَا قد تقدم بَيَان مَا لَهُ اسْم الْإِيمَان مَا يكفى ذَا الْعقل عَن الإطناب ثمَّ إِجْمَاع النقلَة فِي إِثْبَات الشَّفَاعَة وتوارث الْأمة فِي الصَّلَاة على جَمِيع من مَاتَ من أهل الْقبْلَة والإستغفار لَهُم والترحم عَلَيْهِم هُوَ الدَّلِيل لمن أَبَت نَفسه تَكْذِيب الْأَخْبَار الصِّحَاح وَمُخَالفَة أَئِمَّة الْهدى وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَول الْمُعْتَزلَة فِي تَحْقِيق الْإِيَاس من روح الله مَعَ نفيهم اسْم الْكفْر وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} قَول متناقض إِذْ الله جمع بَين الْكفْر والإياس فَمن أثبت أَحدهمَا لزم الآخر فَإذْ ثَبت عندنَا وَعِنْدهم أَنه لَيْسَ بِكَافِر إِذْ الْكفْر فِي الْعرف تَكْذِيب وَصَاحب الْكَبِيرَة بالتصديق فِي حَالَة يَرْجُو عَفوه وَيُخَالف عَذَابه وَيعلم أَن من أيأسه من رَحْمَة ربه ضال جَاهِل بِاللَّه ثَبت أَنه لَيْسَ بمكذب وَفِي الْحَقِيقَة الْكفْر اسْم للستر وَصَاحبه لَا يستر شَيْئا من نعم ربه وَلَا يُنكر حَقه فَيبْطل أَن يكون كَافِرًا فَمثله الْإِيمَان فِي الْعرف والسمع تَصْدِيق وَمَعْلُوم أَنه لم يكذب الله فِي شَيْء ثَبت أَنه مُؤمن وَالله الْمُوفق ثمَّ الْحق أَن يُقَال جَمِيع الْخَوَارِج والمعتزلة عِنْد ارتكابهم الْكَبَائِر كفرة على

قَوْلهم مستوجبون للخلود فِي النَّار وَغَيرهم من أَصْنَاف منتحلى الْإِسْلَام لأوجه أَحدهَا أَنهم أَجمعُوا على من رَحمَه الله وَذَلِكَ وصف الْكفْر بِمَا ذكر من الْآيَة وَبِقَوْلِهِ {وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله ولقائه أُولَئِكَ يئسوا من رَحْمَتي} فَلَزِمَ الْفَرِيقَيْنِ اسْم الْكفْر وَالْخُلُود فِي النَّار وَأما الْمُؤْمِنُونَ بآيَات الله وصفوه عفوا غَفُورًا رحِيما محققين لذَلِك فهم لَهُم الرَّجَاء وَلَا يجوز لَهُم الشَّهَادَة بِوَاحِد من الْأَمريْنِ فَتَوَلّى كل قَول كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم} وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَنهم جَمِيعًا ضيقوا رَحْمَة الله فجعلوها بِحَيْثُ لَا تتسع لذنب إِذْ الذُّنُوب الَّتِي لَيست بكبائر لَا يجوز مَعهَا التعذيب فَلَيْسَ لرحمة الله فِيمَا لَيْسَ لَهُ التعذيب وَلَا لعفوه فِيمَا اسْتغنى عَنهُ بالحكمة وَجعلُوا الْغَضَب والسخط هُوَ الَّذِي يسع كل ذَنْب فِي الْحِكْمَة يجوز لَهُ التعذيب فَلَا عَفْو إِذا على قَوْلهم وَلَا رَحْمَة فَحق هَذَا القَوْل الحرمان وَأما من يصفه بسعة الرَّحْمَة وعظيم الْعَفو فَحق لَهُ الْمَغْفِرَة وَالْعَفو لِأَن كل كريم يُوصف بِهَذَا فَهُوَ أميل لَهُ من الْوَصْف لَهُ بِمَا وَصفته الْخَوَارِج والمعتزلة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّالِث قَالَ الله تَعَالَى {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَلَا يجوز أَن يكون الَّذِي بِهِ الإنتهاء غير مَحْدُود وَلَا مَعْرُوف الْوُصُول إِلَى جَمِيع الطَّاعَات وَالْقِيَام بِجَمِيعِ الْأُمُور بتأخر الْحَيَاة على قَول الْخَوَارِج فَتَصِير بِحَيْثُ لَا انْتِهَاء عَنهُ وَكَذَلِكَ على قَول الْمُعْتَزلَة فَثَبت أَن الإنتهاء هُوَ الَّذِي يملكهُ كُله فِي كل وَقت وهوالبرء عَن كل أَنْوَاع الْكفْر والمعاصي وَالْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى وبجميع مَا يُؤمن الْمَرْء بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَهَذَا على قَول الْمُعْتَزلَة إِذْ جعلُوا بَين الْكفْر وَالْإِيمَان منزلَة وَالله تَعَالَى وعد مَا ذكر بالإنتهاء عَن الْكفْر يلْزم أَن يكون صَاحب الْكَبِيرَة مغفورا لَهُ وخاصة الْكَافِر إِذا كَانَ مَعَ الإنتهاء من الْكفْر مرتكب الْكَبَائِر فَيجب بِالَّذِي ادّعى من الْعُمُوم فِي التخليد دفع الْعَذَاب وَالْمَغْفِرَة وَالله الْمُوفق ثمَّ نقُول للمعتزلة قَوْلكُم لَا يُسمى صَاحب الْكَبِيرَة باسم الْإِيمَان وَلَا باسم الْكفْر ولايسمونه بِمَا لَا يسْتَحق وَاحِدًا من الإسمين أَو لَهُ أَحدهمَا وَلَا تعلمونه أَنْتُم فَإِن قَالُوا بِالْأولِ فَيُقَال لَهُم أَو قد أَتَى هُوَ بِكُل الْإِيمَان أَو بعضه أَو لم يَأْتِ بِشَيْء لذَلِك بَطل اسْمه فَإِن قَالَ بِالْأولِ أعظم القَوْل وَمنع عَنهُ اسْم فعله وَقد أَتَى بِهِ وَجَهل بربه حَيْثُ لم يُحَقّق مَا لَهُ اسْمه وَلَو جَازَ ذَا لجَاز أَن لَا يكون أحد جَاءَ بِالصّدقِ عِنْد الله فِي الْحَقِيقَة صَادِقا وَكَذَلِكَ قَائِم وقاعد وَذُو حَال لَا يجوز عِنْد الله كَذَلِك أَو الله يُعلمهُ كَذَلِك وعَلى ذَلِك مضادات الَّتِي ذكرنَا وَهَذَا آيَة جهلهم بِاللَّه وَإِن قَالَ بِالثَّانِي فقد شهد الله للَّذين آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض بِأَن قَالُوا نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض كفَّارًا حَقًا لَزِمَهُم التَّسْمِيَة بذلك وَهُوَ رَأْي الْخَوَارِج وَإِن قَالُوا بالثالث فَهُوَ أبعد إِذْ الله تَعَالَى سمى الْمُؤمن بِبَعْض كَافِرًا فَمن لَيْسَ مَعَه شَيْء أَحَق بذلك وأيد هَذَا الأَصْل وَجْهَان أَحدهمَا مَا ذكرت من قسم الله الْبشر قسمَيْنِ فِي أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فقسمة الْمُعْتَزلَة على ثَلَاثَة أَقسَام تعدى لحد الله وَحقّ مثله أَن يُقَال لَهُ الله أذن لكم أم على الله تفترون أَو يُقَال أأنتم أعلم أم الله كَمَا قيل للْيَهُود وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى نفى الْإِيمَان فِي مُحكم تَنْزِيله عَن قوم على تَحْقِيق الْكفْر إِذْ قَالَ {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} وَلم يخْطر ببال عَاقل أَنهم لَعَلَّهُم لَيْسُوا بكفار بل إِذا أزيل الْإِيمَان عَمَّن يكون لَهُ فعل الْإِيمَان فَإِنَّمَا يزَال بالْكفْر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِن قَالُوا لَا يعلم لَهُ أحد الإسمين وَله ذَلِك عِنْد الله كفوا مؤونة الجدل لِأَن مَا لَا يعلمونه أَكثر مِمَّا يُحْصى لَو لزم محاجتهم فِيهَا ليذْهب الْعُمر بَاطِلا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الْأمة على اخْتلَافهمْ اتّفقت على أَن لصَاحب الْكَبِيرَة إسما من الْأَدْيَان من شرك أَو كفر أَو إِسْلَام فَمن أبطلها توقيا أَن ينْطق بِالشَّكِّ أبطل مَا أجمع على القَوْل بِهِ وشهدوا على مجي الْكتاب بِهِ وَالسّنة بِمَا لَدَيْهِ يرْتَفع الريب عَمَّن تلقى السّمع وَهُوَ شَهِيد أَو لَهُ قلب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ القَوْل بالفاسق والفاجر مُطلقًا مِمَّا يتوزع فِيهِ وَمن سَمَّاهُ كَافِرًا أَو مُشْركًا أطلقهُ وَمن سَمَّاهُ مُؤمنا أَبى ذَلِك وَكَذَلِكَ جَحَدُوا اسْم أَعدَاء الله وأبدعت الْمُعْتَزلَة هذَيْن الإسمين على منع ذَيْنك الإسمين خلافًا لما عَلَيْهِ الْأَمر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَوْله {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} تَأْوِيل الْخَوَارِج فِيهِ من الْخَطَأ فَاسد لِأَنَّهُ لَيْسَ بذنب فَيغْفر وَفِي هَذَا ذكر الْمَغْفِرَة وَلَا يحْتَمل إِضْمَار التَّوْبَة لما يغْفر بِمثلِهِ الشّرك وَالْآيَة فِي التَّمْيِيز بَين الذنبين وَكَذَلِكَ لَا يحْتَمل قَوْله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} لما فِيهِ التَّكْفِير وَمَا لَا ذَنْب لَا يكفر وَالْخَطَأ لَا يُحَقّق الذَّنب والتكفير يكون لشَيْء يجز بِهِ وَلَا يحْتَمل مَا قَالَت الْمُعْتَزلَة لِأَن قَوْلهم يمْنَع تَحْقِيق الشّبَه إِذْ هِيَ تقع من مجتنب الْكَبَائِر مغفورة وَفِي هَذَا اثباتها ثمَّ التَّكْفِير وهم يجعلونها مغفورة لَا مكفرة إِذْ المغفورة هِيَ الَّتِي تستر عَلَيْهَا وَفِي بَقَائِهَا إِلَى مُدَّة دَفعهَا والمكفره هِيَ الَّتِي يَأْتِي من صَاحبهَا فعل حسن يكفر بِهِ نَحْو قَوْله {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} وَقَوله {هَل أدلكم على تِجَارَة} وَقَوله {إِن تبدوا الصَّدقَات}

إِلَى ذكر التَّكْفِير وَكَذَلِكَ قَوْله {تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} وَأَصله قَوْله {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} وَبعد فَإِن الْآيَة لَا تحْتَمل قَول الْمُعْتَزلَة لما هم يجْعَلُونَ الْمصر على الذَّنب صَاحب الْكَبِيرَة وَمن لَا يصر عَلَيْهِ فَهُوَ تائب عَنهُ نادم عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك إِنَّه يغْفر بِالتَّوْبَةِ وكل الذُّنُوب تغْفر بهَا والإثنان جَريا بِالتَّفْرِيقِ من قَوْله {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} وَقَوله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} فَهُوَ وَالله أعلم أَن الشّرك لَا يغْفر إِلَّا بِالتَّوْبَةِ عَنهُ وَغَيره يجوز أَن يغْفر بالتفضل أَو يكفر بِغَيْرِهِ من الْحَسَنَات ليَصِح القَوْل مَعَ تَحْقِيق الْفَائِدَة لتمييز الْقُرْآن وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ لِلْآيَةِ وُجُوه تمنع الْمُعْتَزلَة والخوارج أَحدهَا أَنه قَالَ {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} وَلَيْسَ فِي ذَلِك بَيَان حكم من لَا يجْتَنب وَالثَّانِي أَن الْكَبَائِر نَوْعَانِ أَحدهمَا كَبَائِر فِي الإعتقاد من أَنْوَاع الْكفْر والتكذيب الَّتِي بهَا اخْتلفت الْكَفَرَة وَأُخْرَى كَبَائِر الْأَفْعَال الَّتِي صَاحبهَا مجتنب عَنْهَا بالإعتقاد فِي أَن يَرَاهَا على مَا جعلهَا الله عَلَيْهِ من عظم الْفِعْل والذنب وَهَذَا اجْتِنَاب وَقد يواقعها بِالْفِعْلِ فَهُوَ الإرتكاب وَلَيْسَ فِي الْآيَة وَجها الإجتناب فَجَائِز أَن تكون أَن يجْتَنب كَبَائِر الإعتقاد وَهِي أَنْوَاع الشّرك يكفر عَنْهُمَا دونهَا لمن يَشَاء بِمَ شَاءَ من غير ذَلِك من الْحَسَنَات أَو بالتفضل كَمَا بَينا فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ بالتكفير وَفِي الْأُخْرَى بالمغفرة وَلَا قُوَّة لَا بِاللَّه

وَالثَّالِث أَنه لم يبين فِي الْكَبَائِر قدر الْعُقُوبَات وَمَعْلُوم أَن الله نفى أَن يجزى فِي السَّيِّئَات إِلَّا مثلهَا وَمثل الشّرك والمعاندة إِنَّمَا هُوَ التخليد وَلَا ريب أَن لَيْسَ بمعاند وَلَا مُشْرك لَهُ فِي الْعِبَادَة ذَنبه دون من يفعل ذَلِك بل صِحَة الإعتقاد فِي ذَلِك حمله على الْخَوْف مِمَّا حذره ورجاء مَا أطمعه فِي الإعتقاد وَهُوَ الَّذِي سبق كل شَيْء لكفره هُوَ ومحاه عَنهُ لم يجز أَن يكون قدر ذَنبه قدر الأول فَلم يجز أَن يخلد فِي ذَلِك فَيدْخل فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا الْكَذِب فِي الْوَعْد حَيْثُ قَالَ {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} وَمَعْلُوم أَن الْكَافِر المعاند لَو جمع عَلَيْهِ جَمِيع مَا يُعَاقب بِهِ على شَرط النجَاة والراحة يحْتَمل ويختاره فَثَبت أَن مثل سيئته هُوَ الخلود فِي الْعَذَاب فَإِذا عذب بِمثلِهِ من كَانَ ذَنبه دونه كَانَ جازيا أَكثر من مثله وَهُوَ مَا يُعَاقب بِمَا يرتكب وَفِي الْحِكْمَة عُقُوبَته وَهَذَا مِمَّا يمْنَع الْحِكْمَة وَالله الْمُوفق وَالثَّانِي إِنَّه مَعْلُوم أَن الَّذِي يُقَابل الْجُحُود والمعاندة من الْخَيْر أعظم وَأجل من الَّذِي يُقَابل مَا كَانَ فِي قبُوله أَن يفعل من التّرْك على نَحْو مَا كَانَ الْجُحُود والمعاندة من الآخر فجَاء بِالَّذِي هُوَ فِي الْخَيْر أعظم الْخَيْر وَفِي الشَّرّ لم يبلغ نهايته فَإِذا خلده فِي النَّار أبطل ثَوَاب أفضل الْخيرَات بإرتكاب مَا دونه من الشَّرّ ورد ذَلِك وصف الْجُود لَا الْعدْل وَالْعدْل أَن يزِيد فِي ثَوَاب مَا جَاءَ بِهِ على عِقَاب مَا أَتَى بِهِ وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ قد أخبر أَنه يجزى الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا وَفِي هَذَا لم يبلغ الْمثل فِي الْحَسَنَة وَلَا قصر على الْمثل فِي السَّيئَة جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى واستدلال من اسْتدلَّ بترك الْفِعْل على الْكَذِب فِي الأول محَال فَاسد لِأَن فِي عقل كل وَاحِد لُزُوم اتقاء الْكَذِب كَمَا فِي الْقبُول إبقاؤه ثمَّ لم يصر وجوده دَلِيلا على كذب عقله لما فِي عقله مَنعه وَإِن تعدى ذَلِك فَمثله فِي قبُول وَقت

تعديه وَلَو كَانَ فِي ذَلِك تبين لَكَانَ كل شَيْء بِالْأولِ أَو حل يجب فَسَاده وحرمته وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ لَا يجب على الْمُرْتَد خلاف على الْكَافِر الْأَصْلِيّ بل بتصريح الْكفْر لَا يظْهر كذبه فِي الأول فَكيف فِيمَا فعل وَلَو كَانَ بذا ذَا فَيظْهر أَيْضا بِإِيمَان الْكَافِر من بعد أَو بتعاطيه مَا لَا يقبحه على كذبه فِي الْعرف وَأَصله وَجْهَان أحدهمال لَو كَانَ يظْهر بِهِ الْكَذِب فِي الأول لأزيل اللُّزُوم وَإِذا زَالَ ليبطل أَن يصير وجوده سَببا لإِظْهَار ذَلِك وَفِيه بطلَان مَا قَالُوا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي إِن كلا يعلم من نَفسه فِي وَقت إعتقاده أَنه غير كَاذِب فِي ذَلِك ثمَّ يعلم من تعدى فِي دينه وَلَو كَانَ بِهِ ظُهُور لَكَانَ لَا علم يَقع فِي الْحَقِيقَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بل مدعى هَذَا يلْزمه ذَلِك إِذْ فِي اعْتِقَاده أَن لَا يكذب وكل مُؤمن يعلم أَنه بِهَذَا القَوْل كَاذِب وَكَذَلِكَ الله سُبْحَانَهُ إِذْ هُوَ يعلم حَقِيقَة كل شَيْء بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لَا بِغَيْرِهِ يعلم صدقه فِي الأول وَإِن تعدى من بعده فَيصير صَاحب هَذَا القَوْل عِنْد الله وَعند من شهد عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ كَاذِبًا فيستوجب بِهِ من كل أحد الْقَضَاء عَلَيْهِ بالْكفْر فِي قَوْله الَّذِي يُرِيد بِهِ تثبيت كفر غَيره وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَوله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا} وَلَو كَانَ فِي ذَلِك مَا ذكر لم يكن ليثبت لَهُم إِيمَان أبدا فَثَبت بِهِ فَسَاد قَوْلهم فَهَذَا فِي الْكفْر فَكيف فِيمَا دونه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك اخْتِلَاف الْأَحْوَال فِي الْخلق لَا يُوجب فَسَاد مضاداتها فِي غير تِلْكَ الْأَحْوَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَهَذَا أَيْضا يلْزم الْمُعْتَزلَة فِي الْكَبَائِر ثمَّ الْعجب من هَؤُلَاءِ يثبتون لأَصْحَاب الْكَبَائِر اسْم أهل الصَّلَاة والقبلة وَسبب إِثْبَات هَذَا الإسم لَهُم الْإِيمَان بمحال زَوَاله على بَقَاء ذَلِك وَمَا بِهِ ثَبت قد زَالَ وَالله أعلم وَقد روى فِي الْآيَة الْقِرَاءَة على أَن تجتنبوا كَبِير مَا تنهون عَنهُ وَإِن كَانَ الْمَعْرُوف ذَلِك فَإِنَّهُ قد يجوز إِرَادَة الْآحَاد بِحرف الْجمع فَلَا ننكر أَن تكون الْآيَة على ذَلِك يبين ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمن يكفر بِالْإِيمَان} وَقَوله {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا} وَقَوله {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه} وعَلى ذَلِك تَأْوِيل قَوْله {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} ثمَّ قَالَ {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} كَمَا قَالَ فِي هَذَا {وَيكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} فَيكون الْإِتْيَان بِحكم وَاحِد وَمَعْلُوم أَن لَا دَرك للمعتزلة والخوارج فِي أَحدهمَا فَكَذَلِك فِي الْأُخْرَى ثمَّ الأَصْل أَن قَوْله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} على قَول الْخَوَارِج كَأَنَّهُ قَالَ إِن تجتنبوا الْكفْر والشرك وعَلى قَول الْمُعْتَزلَة إِن تجتنبوا الْخُرُوج من الْإِيمَان نكفر عَنْكُم مَا ذكر فَلَا كَبِيرَة إِذن على قَوْلهم إِلَّا الْخُرُوج من الْإِيمَان فَصَارَت الْآيَة على قَوْلهم رَاجِعَة إِلَى خَاص وَهُوَ مَا يخرج عَن الدّين وَالْإِيمَان فَأبْطل ذَلِك قَوْلهم فِي دَعْوَى الْعُمُوم فِيهَا وألزم القَوْل بالخصوص فَمن قضى شَيْء دون شَيْء بِلَا بَيَان فَهُوَ متحكم وَفِي ذَلِك لُزُوم قَول الْحُسَيْن من الْوَقْف فِي جَمِيع مَا فِيهِ الْوَعيد وَبطلَان قَول من ذكر وَالله أعلم

ثمَّ الأَصْل أَن الله وعد على كثير من الْخيرَات وَعدا من غير ذكر اجْتِنَاب الْكَبَائِر مَعَه وأوعد على كثير من السَّيِّئَات وعيدا فِي مخرج الْعُمُوم كَمَا وعد على الْخيرَات فَمن وَجه الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا إِلَى الْعُمُوم ألزم التَّنَاقُض فِي جَمِيع الْأَمريْنِ فِي وَاحِد وَذَلِكَ آيَة السَّفه ثمَّ اضْطَرَبَتْ فِي ذَلِك الْأَقَاوِيل فَزَعَمت الْمُعْتَزلَة والخوارج أَن آيَات الْوَعيد أَحَق بِالْعُمُومِ لَهَا هِيَ أبلغ فِي الزّجر وَالْمَوْعِظَة وَزَعَمت المرجئة أَن آيَات الْوَعْد أَحَق فِي الْعُمُوم لِأَنَّهُ أَحَق بِالَّذِي عرف من صِفَات الله من الرَّحْمَة وَالْعَفو والغفران فَتَقَع عَن الْكَبَائِر والصغائر مَعَ مَا يشْهد لذَلِك قَوْله {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} مَعَ احْتِمَال الْوَعيد للمستحلين والوعد لَو وَجب التَّخْصِيص ليجب غَيره والوعيد لنَفسِهِ فَهُوَ أولى بِهِ بالخصوص مَعَ مَا شَرط الدَّوَام ليَقَع الْوَعيد وَذَلِكَ آيَة الْخُصُوص وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْوَعْد فَيلْزم بِهِ الصّرْف إِلَى المستحلين أَو إِلَى أَن ذَلِك جَزَاؤُهُ لَوْلَا الَّذِي مَعَه من الْحَسَنَات فَيجب لَدَيْهَا الْمُقَابلَة أَو أَن ذَلِك جَزَاؤُهُ وَللَّه التفضل بِالْعَفو عَن ذَلِك بِمَا علم من رجائه برحمته وَعلمه بعظيم عَفوه فَلَا يحرمه ذَلِك بِمَا ظهر من فَضله وإحسانه الَّذِي بَعثه على الرَّجَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَو يشفع فيهم الأخيار من عباده ويجيبهم فِي الإستغفار لَهُم إِذْ بعيد الإستغفار لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى ألزمهُ اسْم الْإِيمَان قبل إرتكابه مِمَّا ارْتكب وأزال عَنهُ اسْم الْكفْر بقوله {قُولُوا آمنا بِاللَّه} وَقَوله {آمن الرَّسُول} فَبين بِمَا يكون الْمَرْء مُؤمنا وَحرم على من يَقُول لمثله لست مُؤمنا بقوله {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} وَبَين رَسُول الله حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل

عَن الْإِيمَان فَبين ذَلِك وحقق لَهُ اسْم الْمُؤمن بإتيان ذَلِك وَكَذَلِكَ أمرت أَن أقَاتل النَّاس إِلَى آخر مَا ذكر فَهَذَا الْآن مُؤمن بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا أَجمعت عَلَيْهِ الْأمة وَمَا شهِدت لَهُ أهل اللُّغَة ثمَّ اخْتلف فِي صَاحب الْكَبِيرَة لَا يزَال الَّذِي ذَلِك وَصفه بتعنت الْمُعْتَزلَة وتمرد الْخَوَارِج بل يدعى لَهُم بِمَا آثروا لأَنْفُسِهِمْ وَأَيِسُوا من رَحْمَة الله وَلم يرَوا الله فِي حكمته جَوَاز الْعَفو عَنْهُم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْمعَانِي الَّتِي هِيَ للفسق والعصيان وَالظُّلم لَيست بمضادة للْإيمَان إِذْ الْفسق اسْم الْخُرُوج عَن الْأَمر وَجَائِز ذَلِك على أَقسَام ثَلَاثَة يخرج مِمَّا هُوَ أَمر إرشاد وَفرض وإعتقاد وَكَذَلِكَ الظُّلم إِذْ هُوَ اسْم لوضع الشَّيْء غير مَوْضِعه والعصيان إسم للْخلاف فَمن رتب الْكل فِي الْجَزَاء أَو فِي حَقِيقَة الْمَعْنى وَأَرَادَ أَن يزِيد اسْم الْإِيمَان بِكُل ذَلِك فنفسه يظلم ولدفع مَا فرق الله وَرَسُوله وَالْأَئِمَّة يتَعَرَّض وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد تقدم بَيَان مَا لَهُ اسْم الْإِيمَان ثمَّ نذْكر بعض الَّذِي ذكره الكعبي لمذهبه من القَوْل الَّذِي اخْتَارَهُ وارتضاه ثمَّ الْحجَّاج لَهُ بِمَا يعلم من تَأمله مبلغه فِي دين الله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَزعم أَن قَول أهل الْحق إِن كل طَاعَة من الْإِيمَان وَاسم الْإِيمَان يسْتَحق بِمَا يُوجب تَركه اسْم الْفسق قَالَ وَلَيْسَ قَوْلنَا مُؤمن بمشتق من الْفِعْل فَقَط لما لَا يُسمى بِهِ كل من يصدق أحدا وأطاعه وخضع لَهُ اسْما مُطلقًا وَلَا هُوَ أَيْضا اسْمه فَقَط إِذْ لَو كَانَ اسْمه لجَاز التَّسْمِيَة بِهِ لمن لَيْسَ هُوَ كَذَلِك كَمَا تسمى الْحَسْنَاء قبيحة وَإِذا لم يكن كَذَلِك ثَبت أَنه اسْم مُشْتَقّ من فعل ومدح فِي الدّين وإسمه للتفرقة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ نستعين قَوْله أهل الْحق كَذَا حق إِن لم يرد بقوله كل طَاعَة من الْإِيمَان غير أَنه من الْإِيمَان وَهُوَ كَمَا يَقُول

كل نعْمَة من الله أَي بِهِ نيلت وَكَانَت وَكَذَلِكَ الْإِيمَان وَقَوله اسْم الْإِيمَان يسْتَحق بِكَذَا فقد نقضه حَيْثُ زعم أَن مَعَ صَاحب الْكَبِيرَة فعل لَكِن لَا يُطلق لَهُ الإسم وَوصف فِي هَذَا مَا ذكر وَذَلِكَ عِنْده فِي التَّحْقِيق اسْم الْمُؤمن لَا اسْم الْإِيمَان إِذْ يحققه بِدُونِهِ وَلَا يُسَمِّيه بِهِ فَبِهَذَا مبلغ علمه بقوله وَقَوله لَيْسَ باسم مُشْتَقّ من فعله عَجِيب إِذْ حقق لفعله ذَلِك الِاسْم ثمَّ منع التَّسْمِيَة بِهِ وَذَلِكَ يُوجب جَوَاز كل أحد بِغَيْر اسْم فعله فِي الْحَقِيقَة وَمنع التَّسْمِيَة بِهِ وَفِي وَذَلِكَ لُزُوم اسْم كل فَاعل غير فَاعل وكل من لَيْسَ بفاعل فَاعِلا وَكَذَا ذَا فِي الْحَرَكَة وَنَحْو ذَلِك وَمَا قَالَ من قَوْله صدق كَذَا لَا يُسمى بذلك وَاتبع ذَلِك قَوْله أجمع أهل الْملَّة تخطئة من فعل ذَلِك كذب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا يُطلق لَهُ الِاسْم بل هُوَ مُطلق لَهُ لَكِن لَا يعرف مَا براد بذلك الْإِيمَان فَلهَذَا يجب تثبيته لَا لِأَن ذَلِك لَيْسَ باسم لَهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَال أطَاع فلَان مُطلقًا بِمَا أطَاع أحد من حَيْثُ لَا يعرف المُرَاد لَا لِأَنَّهُ لم يسْتَحق بِفِعْلِهِ الْإِطْلَاق وَلكنه طَاعَة من لَا يعرف الْأَمر بِهِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَان فَإِذا صَار إِلَى الْمعرفَة لزم القَوْل وَكَذَلِكَ لَا يُقَال فلَان مُصدق أَو مكذب بِمَا كَانَ مِنْهُ ذَلِك فِي أحد حَتَّى يتَبَيَّن ثمَّ كل من كفر بِاللَّه يُقَال مكذب لما عرف حَقِيقَته فَمثله الْمُؤمن وَالله الْمُوفق وَكَذَلِكَ حكايته عَن أهل الْملَّة وَالْعجب مِنْهُ لَا يزَال يرْوى فِي هَذَا الْكتاب عَن الْأمة فِي أَشْيَاء لَعَلَّ وجوده عَن وَاحِد مِنْهُ يعسر فضلا عَن الْأمة وَيجْعَل ذَلِك دريعة لباطله كَأَنَّهُ آمن أَن يتأمله من لَهُ لب أَو أحد مِمَّن ينازعه فِي الْمَذْهَب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَوله لَيْسَ باسم لَهُ فَيُقَال لَهُ لَو لم يكن الإسم لتحقيق الْفِعْل لم يكن ليمنع جعله اسْمه لكنه فِي جعله تلبيس أَنه سمى بِهِ بِحَق الإسم أَو بِحَق

حَقِيقَة الْفِعْل وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا عَلَيْهِ أَمر الْأَسْمَاء المشتقة عَن الْأَفْعَال إِن لم تجْعَل إسمه لمن لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة إِلَّا على الْمجَاز والهزؤ بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ لَا نقُول فِي الْفَاسِق عِنْد التَّحْقِيق إِنَّه لَيْسَ بِمُؤْمِن بل لَا نُسَمِّيه بِهِ فَيُقَال لَهُ هُوَ فِي التَّحْقِيق مُؤمن أَو لَيْسَ بِمُؤْمِن أَو لَا مُؤمن وَلَا كَافِر فَإِن قَالَ بِالْأولِ فَهُوَ رجل دَعَتْهُ نَفسه إِلَى تكذيبها فِيمَا هِيَ لَيست بكاذبة فأطاعها فَحق مثله الإغضاء عَنهُ لِأَنَّهُ دون كل مقلد فَإِن قَالَ بِالْوَجْهَيْنِ الآخرين فقد أكذب نَفسه فِيمَا حكى عَنْهَا وَالله الْمُوفق ثمَّ اسْتدلَّ على تَسْمِيَة جَمِيع الطَّاعَات إِيمَانًا بِمَا هِيَ من الدّين عِنْد الْجَمِيع وَبِقَوْلِهِ {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا} وَقد بَينا بعد من تعلق بِالْآيَةِ عَن حَقِيقَتهَا مَعَ مَا لَا ريب أَن مبتغى شَيْء من الْعِبَادَات على الْإِشَارَة إِلَيْهَا بِلَا إعتقاد الْإِسْلَام دينا غير مَقْبُول مِنْهُ وَإِنَّمَا تقبل كل عبَادَة بدين الْإِسْلَام ثَبت أَنه اسْم عبَادَة مشار إِلَيْهَا بهَا يقبل كل عبَادَة ولقوتها يرد وَهَذَا معنى قَول الْجَمِيع من الدّين وَلَا كل شَيْء يُضَاف إِلَى شَيْء بِأَنَّهُ مِنْهُ يجب لَهُ اسْمه قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} لَا أَنَّهَا هِيَ هُوَ بل فِي ذَلِك دَلِيل على غيرية الدّين حَتَّى يُضَاف إِلَيْهِ فَأَقَامَ بِهِ بعد الْفَرَاغ مِنْهُ وَالله الْمُوفق ثمَّ احْتج بقوله {وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا} وَنَحْو ذَلِك من الْوَعيد للْمُؤْمِنين باسم الْمُطلق ثمَّ لم يكن ذَلِك لمرتكب الْفسق فِيهِ وَقد أجمع على عُمُوم الْوَعْد وَإِن اخْتلف فِي عُمُوم الْوَعيد قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق دَعْوَاهُ الْإِجْمَاع فِي عُمُوم آيَات

الْوَعْد كذب لَا يزَال يَجعله مفزعا لنَفسِهِ فِي كل نائبة وَقد قَالَ الله {فأثابهم الله بِمَا قَالُوا جنَّات} وَلَيْسَ يجب مثله لِلْقَوْلِ خَاصَّة فِي قَول الْجَمِيع فَثَبت بِهِ كذبه فِي الْحِكَايَة ثمَّ لما اسْتدلَّ بِالْآيَاتِ أجوبة ثَلَاثَة أَحدهَا الْإِخْبَار عَن مُنْتَهى الْأَحْوَال وَإِلَى ذَلِك مرجع كل مُؤمن وَالثَّانِي أَن يكون الْوَعْد للَّذين حققوا الْإِيمَان بأخلاقه وَمَا دله عَلَيْهِ وَجَائِز تَسْمِيَة أحد بِشَيْء ذَلِك اسْم لأمر تتصل بِهِ أُمُور عِنْد جَمِيع تِلْكَ الْأُمُور وَيجوز عِنْد إِقْرَار الإسم بِالَّذِي بِهِ سمى وَالله أعلم وَالثَّالِث أَن يكون لَهُ ذَلِك الْجَزَاء وَمَا يُعَاقب بِهِ فَهُوَ يُعَاقب بحقوقه وَلَيْسَ الَّذِي يُصِيبهُ بِحَق دينه مقصر عَنهُ حق دينه مَعَ مَا بَين الله أَن لَهُ من الله فضلا كَبِيرا ليعلم أَن الْجَزَاء لِلْخَيْرَاتِ مِنْهُ أفضال وَمَا كَانَ حِكْمَة الأفضال فَإلَى من يقوم بِهِ ذَلِك من اخْتِيَار أَحْوَال وأوقات ثمَّ تكلّف نصب قَول للمرجئة بِمَا يعلم كل متأمل فِيهِ مِمَّن قد عرف مذاهبهم كذبه فِيهِ ليَكُون لَهُ سَبِيل الطعْن عَلَيْهِم تركت ذكره لقلَّة النَّفْع فِيهِ إِذْ هُوَ كذب ثمَّ قَالَ إِذْ ثَبت بمتفق القَوْل على أحد الْوَعيد الْفَاسِق إِن مَاتَ قبل أَن يَتُوب بَين أهل الإرجاء وَأَن يجوز أَن يكون هُوَ الْمَعْنى بِهِ وَيجوز أَن لَا يكون إِلَّا مَا قَالَ مقَاتل إِنَّه من أهل الْوَعْد لَا محَالة وَلَا يتْرك لمثله الْإِجْمَاع إِنَّه لَيْسَ بِمُؤْمِن فَيُقَال لَهُ لَو كَانَ بِالَّذِي ذكرته يثبت الَّذِي ادعيت فَإذْ كَانَ القَوْل عَنْهُم هُوَ ضد مَا حكيت يفْسد مَا ادعيت ثمَّ أَكثر المنتسبين إِلَى الإرجاء يُنكر الْوَعيد أَن يكون فِي غير المستحلين مَعْرُوف ذَلِك بَينهم فَهُوَ يُوضح مَا ادعينا عَلَيْهِ من الْكَذِب فِي الْحِكَايَة وَالله أعلم

ثمَّ أَكثر أسئلة لَا يسْأَل عَنْهَا وَلَا أجَاب بأجوبة يرتضى بهَا من لَهُ أدنى فهم فتركتها لقلَّة النَّفْع فِي ذكرهَا وَالله الْمُوفق ثمَّ زعم أَن ترك الصَّغَائِر إِيمَان لما يُعَاقب عَلَيْهَا لَو لم يجْتَنب الْكَبَائِر فَيُقَال لَهُ إِذا يجب أَن يكون إِيمَانًا عِنْد ارْتِكَاب الْكَبَائِر وَلما يعذب على ضد ذَلِك وَلَيْسَ بِإِيمَان إِذا اجْتنب وَذَلِكَ غَايَة الْحيرَة ثمَّ احْتج بهَا بِمَا لَا يجوز عِنْد الْأمة الإستغفار لِلْفَاجِرِ فَيُقَال لَهُ مَا يعْنى بالفاجر الْكَافِر أَو الَّذِي يرتكب كَبِيرَة فِي حَال إِيمَان بِلَا استحلال فَإِن قَالَ بِالْأولِ حاد عَن الإعتدال وَإِن قَالَ بِالثَّانِي كذب على الْأمة وَجعله دَلِيلا لاستحقاقه الخلود فِي النَّار بِمَا ظهر من صَنِيعه فمبذول لَهُ مَا تمنى فِي نَفسه ثمَّ عَلَيْهِ فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا إِطْلَاق الإسم بِالْفُجُورِ مرّة وَهُوَ فِي حَالَة فِيهِ وَلَا فعل فجور يجوز إِطْلَاق الإسم بِالْإِيمَان وَهُوَ فِيهِ وَمَعَهُ حَقِيقَة فعله بِالسَّمْعِ وَالْعقل جَمِيعًا بل لَا يجوز إِطْلَاق اسْم الْفُجُور حَتَّى يبين وَجَائِز ذَلِك فِي الْإِيمَان بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَاتفقَ عَلَيْهِ أهل اللِّسَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَنه صرف اسْتِغْفَار الْأَنْبِيَاء والأولياء إِلَى مَا هُوَ مغْفُور وَذَلِكَ كتمان نعْمَة الغفران وإعراض عَن الشُّكْر فِيمَا ذَلِك حَقه وَذَلِكَ بعيد مُمْتَنع وَالله الْمُوفق ثمَّ احْتج بِآيَة الْقَذْف إِن الله أخبر أَنه ملعونون بِلَا ذكر استحلال وَغَيره وَلَا يكون الملعون مُؤمنا بقول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِنَّمَا فِي الْآيَة لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ كَذَلِك وَلَيْسَ فِيهَا أَن الله سَمَّاهُ ملعونا فَأول مَا فِي اعتلالك أَن كذبت على الْقُرْآن ثمَّ كَيفَ ألزمته اللَّعْنَة بقوله {أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين} وَلم يلْزمه اسْم الْإِيمَان وَهُوَ يَقُول بِهِ ويحقق أَيْضا أَنه رد أحد اللعنتين إِلَى الْحَد

فَكَذَلِك الآخر على أَن الْآيَة نزلت فِي الْمُنَافِقين بقوله {فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} وَلَا كل قَاذف كَذَلِك وَجُمْلَة ذَلِك أَن من اجترى على ذَلِك القَوْل واستخف بمقت الله ولعنه حلت بِهِ وَالْأَصْل أَن الْكفْر هُوَ الطَّرْد وَلَا كل مطرود بارتكاب مأثم وَلَا يقبل لَو عذب قدر مَا اسْتوْجبَ وَلَا كل من يَقُول عَلَيْهِ لعنة الله يَسْتَحِقهَا وَلَو كَانَ أحد يَسْتَحِقهَا كَانَ أحقها بهَا صَاحب هَذَا القَوْل إِذْ هُوَ مَعْلُوم أَنه كَانَ يتعاطى الْفسق وَيخْتَلف إِلَى الْأَئِمَّة الحائرة وكل ذَلِك على مذْهبه يُوجب اللَّعْن حَقِيقَة وَمَا فِي الْآيَة قَول اللَّعْن لَا حَقِيقَة الْوُقُوع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ احْتج بقوله {وَمن يعْص الله وَرَسُوله} فِي تعطل الْحُدُود وَقد ذكر فِي مثله الخلود فِي النَّار من غير ذكر كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة فَإِن كَانَ ذَا على التَّأْوِيل فَمثله الأول مَعَ مَا قَالَ الله فِي مثله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} فَذَلِك أَيْضا فِي تَعْطِيل الْحُدُود وَهُوَ يَأْتِي القَوْل بِهِ وَيصرف الْآيَة إِلَى الإستحلال فَمثله الَّذِي ذكر وَمثله فِي احتجاجه بقوله {أضاعوا الصَّلَاة} مَعَ مَا قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} وَمَا ذكر من الْأُخوة والتحلية وَاجِب بِالْقبُولِ دون الْفِعْل فَكَذَلِك الإضاعة تكون بِالرَّدِّ دون التَّأْخِير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء} وَقَالَ {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} ثَبت أَن الَّذِي يَقُوله لَا يزِيل الْإِيمَان وَلَا إسمه وَالله أعلم

وَقد احْتج بقوله {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} لَكنا بَينا أَن ذَلِك فِي حق الْقبُول إِذْ لَو ينْتَظر الْفِعْل بِهِ لَكَانَ لَا يجب الْأُخوة أبدا وَلَا يخلى سبيلهم وَفِي الأعياء إِلَى حول وَذَلِكَ مِمَّا لَا معنى لَهُ وَقد بَينا أَمر الْهِجْرَة وَأَنَّهَا كَانَت من الْفَرَائِض الَّتِي جَاءَ فِي التَّخَلُّف عَنْهَا الْوَعيد الشَّديد ثمَّ قد أثبت إسم الْإِيمَان مَعَ عدم ذَلِك وَالله أعلم وَاحْتج بقوله {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا} وَقَوله {أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} وَمَا ذكر فِي أكل مَال الْيَتِيم فَأَما الْقَتْل الْعمد فَلهُ أوجه ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يكون فِيمَن تعمد الْقَتْل لدينِهِ وَهَذَا أحد وُجُوه الْخَطَأ فِي الْقَتْل وَالله أعلم وَالثَّانِي أَن يكون ذَلِك جَزَاؤُهُ وَللَّه التفضل عَلَيْهِ بِالْعَفو والمقابلة بِالْحَسَنَاتِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّالِث أَن تكون الْآيَة فِي الْكَفَرَة وَفِي الْقِصَّة دَلِيل ذَلِك ثمَّ دَلِيل مَا بَينا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص} وَإِنَّمَا يكْتب عَلَيْهِم إِذا قتلوا قتل الْعمد وَأبقى لَهُم بعد الْقَتْل الْإِيمَان ثمَّ قَالَ {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} فأبقى لَهُ اسْم الْإِخْوَة ثمَّ قَالَ {ذَلِك تَخْفيف من ربكُم وَرَحْمَة} أطمعه فِي رَحمته جلّ وَعلا وبعيد أَن يكون لَهُ مَعَ هَذَا خُلُود فِي النَّار ثمَّ رأى الْمُعْتَزلَة فِي ذَلِك إِلْزَام الْقصاص بعد التَّوْبَة وَإِزَالَة عُقُوبَة الْآخِرَة

وَصرف الْآيَة وَإِن كَانَ فِيهَا ذكر الْإِيمَان إِلَى الْخُرُوج مِنْهُ وَذَلِكَ تَخْصِيص مَا ذكر من أكل المَال بِالْبَاطِلِ فَكل يجمع على التَّخْصِيص إِذْ ذَلِك اسْم يَأْخُذ الْقَلِيل وَذَلِكَ غير مُرَاد فِيهِ وَكَذَلِكَ أَمْوَال الْيَتَامَى وَالثَّانِي أَنه ذكر فِيهِ عُدْوانًا وظلما وَذَلِكَ على الْعَذَاب على حد الله وَالظُّلم على صَاحبه مَعَ احْتِمَال ذَلِك مَا ذكرنَا فِي الْقَتْل ثمَّ يُقَال لَهُم الْآيَة الَّتِي فِيهَا ذكر الْإِيمَان أتزيله أَو تبقيه فَإِن أزاله فقد أقرّ بالتخصيص وَإِن أبقاه رَجَعَ إِلَى رأى من نسبهم إِلَى الإرجاء وَالله الْمُوفق ثمَّ قَالَ إِن الَّذِي قَالَ امتحن رَسُول الله لأعرف أَنه رَسُول الله فأرد عَلَيْهِ بعد الْمعرفَة فَعرف صدقه إِنَّه لَا يكون بِتِلْكَ الْمعرفَة مُؤمنا دلّ أَن إِطْلَاق الإسم لَيْسَ على مَا كَانَ فِي اللُّغَة قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَا أعظم جَهله إِذا أثبت ألإسم فِي اللُّغَة كَأَنَّهُ قَالَ أطلقته اللُّغَة وَأَنا أمْنَعهُ فَهُوَ إِذا يكذب نَفسه عِنْد جَمِيع ذَلِك إسمه مَعَ مَا فِيهِ إِيجَاب أَن الله قد مَنعهم عَن الْعَمَل بِمَا عرفهم والزمهم الْعَمَل بِمَا جهلهم ذَلِك جلّ الله عَن هَذَا الْوَصْف ثمَّ الْمعرفَة لَيست بِإِيمَان وَإِن سميت مجَازًا كَمَا يُسمى فضل الله وَرَحمته بِمَا هِيَ تَدْعُو إِلَى التَّصْدِيق وَمَا ذكر كُله خيال لَا معنى لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ اسْتدلَّ على منع اسْم الْإِيمَان بِمَا جعل الله لما أطلق لَهُ اسْم الْإِيمَان أحكاما منعت مِنْهُ وَاسم الْكفْر أحكاما لمن يقرن بِهِ فَيُقَال لَهُ مَا الدَّلِيل على أَن الَّذِي أوصيت إِلَيْهِ من الْأَحْكَام لإِطْلَاق دون معَان تتصل بِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ثمَّ قَالَ مِنْهَا التَّعْظِيم والتزكية والموالاة وَقبُول الشَّهَادَة فَيُقَال مَا الدّلَالَة على أَن كل هَذَا لإِطْلَاق الإسم خَاصَّة دون تَحْقِيقه بالشرائط المضمومة إِلَيْهِ والعادات الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الْإِيمَان وَبعد فَإِن ولَايَة الْإِيمَان لَازِمَة وَجَمِيع مَا منع مِنْهُ منع بِحَق الْإِيمَان الَّذِي

فِيهِ إِذْ حَقِيقَته فِيهِ منعنَا عَمَّا ذكر مَعَ مَا كَانَ الثَّابِت مِمَّا فِيهِ الْحُدُود وَالْقصاص يثبت لَهُ الْولَايَة وَيجب لَهُ الشَّهَادَة وَجَمِيع مَا ذكر وَتقبل وَيحد على ذَلِك وَلم يكن لأحد نفى الإسم بِمَا عفى عَن عَذَاب الله بل ذَلِك كُله كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وأيد ذَلِك قَوْله {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} إِنَّه لَو كَانَ الْإِيمَان زائلا عَنهُ لكَانَتْ الرأفة لَا تَأْخُذهُ بل رأفة الْإِيمَان هِيَ الَّتِي تَأْخُذهُ حَتَّى لَعَلَّهَا تبلغ إِلَى تَعْطِيل الْحَد فحدد ذَلِك وأيد ذَلِك مَا لَو تَابَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِقَامَة الْحَد من الرَّحْمَة لِأَنَّهُ يكفره ويزيل عَنهُ وَالْأَصْل أَن عقوبات الْكفْر لَا تطهر صَاحبهَا بل تسلمه إِلَى عَذَاب الْأَبَد كَقَوْلِه {أغرقوا فأدخلوا نَارا} وَالْحُدُود وَالْقصاص جعلت كَفَّارَات فَثَبت أَنَّهَا جعلت كَذَلِك لم يزل الْإِيمَان عَنهُ وَالله أعلم ثمَّ نقُول إِذْ الله يقسم الْأَحْكَام أقساما ثَلَاثَة من حَيْثُ الإنقسام من اسْم الْكفْر وَالْإِيمَان وَمَا لَيْسَ بِكفْر وَلَا إِيمَان حَتَّى إِذا زَالَ حكم ذَلِك عَنهُ لزم الواسط فَمَا الدَّلِيل على أَن ثمَّة وَاسِط فِي الْأَسْمَاء بل الله قسم فِي الْجُمْلَة الْبشر الْمُحْتَمل للْعلم قسمَيْنِ فِي أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة جَمِيعًا فَمن زَاد عَلَيْهِ فَهُوَ الْمُبْدع فِي دين الله مالم يُؤذن لَهُ وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة فَكيف بِمن هُوَ الَّذِي أحدث الْحَدث فنسأل الله الْعِصْمَة وَاحْتج بِمَا لَيْسُوا بكفرة بآيَات قتال الْكَفَرَة وَأخذ الْجِزْيَة وَنَحْو ذَلِك بِمَا لَيْسُوا بمؤمنين بأيات الْبشَارَة وَالْولَايَة وَنَحْو ذَلِك فَبِهَذَا خرج عَن جملَة قَول الْمُؤمنِينَ

كَأَنَّهُ أغفل عَن جملَة أُخْرَى لَهُم وَهُوَ أَن الْبشَارَة عِنْد من يرى صَاحب الْكَبِيرَة مُؤمنا كَانَت بشريطة أَو كَانَت هِيَ الْعَاقِبَة وَعند الْخَوَارِج كَانَ الحكم فِي الْكَفَرَة على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا على الْقَتْل وَأخذ الْجِزْيَة وَالْآخر لَا كالنساء وَأهل النِّفَاق وَنَحْوهم فِيمَن رام أَن يَجْعَل ثمَّة واسطا فِي الْأَحْكَام بِمَا هِيَ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ يلْزم لَا بِمَا ذكر من الواسط أغفل عَن جملَة قَول الْأمة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا كَانَ الله تَعَالَى قد بَين الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْكَفَرَة وَالْمُؤمنِينَ وَأهل النِّفَاق وهم المذبذبون بَينهمَا وَأخْبر أَنهم لَيْسُوا من هَؤُلَاءِ وَلَا من هَؤُلَاءِ فَمن رام تثبيت الواسط لَا على مَا جَاءَ بِهِ النَّص وَأَرَادَ أَن يَجعله مُقَابلا لَهُ على نفى الْحَقِيقَة الَّتِي جعل الله لَهَا الواسط فقد ضيع حُقُوق الْقِسْمَة وَنقض التَّرْتِيب الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآن فاستوجب المقت بِهِ من جَمِيع منتحلي الْإِسْلَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بِالْمَرْأَةِ فَزعم أَنَّهَا مَخْصُوص وَهَذَا النَّوْع من الخيال بل أَحْكَام الْكفْر مُخْتَلفَة لَا يسْتَدلّ بهَا على شَيْء وَقد رَأَيْته أطنب فِي معارضات الْخَوَارِج وتكلف الْخُرُوج مِمَّا قابلوه بِهِ مِمَّا يعلم كل من تَأمله أَنه لم يُحَقّق مَا رام الرَّامِي وَلَا تخلص مِمَّا قوبل بِهِ حق التَّخَلُّص فأغضيت عَن ذكره ثمَّ احْتج بنفى اسْم الْكفْر وَالْإِيمَان عَن صَاحب الْكَبِيرَة إِن المرجئة والخوارج اتَّفقُوا على أَن اسْم الْإِيمَان لَا يُوجد بِالْقِيَاسِ مِمَّا أوجبته اللُّغَة وَإِنَّمَا كَانَ من جِهَة السّمع فَلَا تجوز التَّسْمِيَة بِوَاحِد إِلَّا بالتواتر بِالسَّمْعِ أَو الْإِجْمَاع وَزعم أَن هَذِه حجَّة كَافِيَة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق كذب فِي الْحِكَايَة عَمَّن بلغ ذَلِك بل هم أَجمعُوا على تَحْقِيق الإسم بِمَا أوجبته اللُّغَة لَكِن الْخَوَارِج استدلت بإرتكاب الْكَبِيرَة على كذبه فِيمَا أظهر من التَّصْدِيق بقوله {أَحسب النَّاس}

والمرجئة زعمت أَن الإستدلال لظُهُور الصدْق وَالْكذب فِي الْغَالِب لَا أَن التَّصْدِيق فِي الْحَقِيقَة لَا يكون دونه وَالْإِيمَان هُوَ ذَلِك التَّصْدِيق فِي الْحَقِيقَة لَو كَانَ لَيْسَ فِي الْكَبِيرَة نَفْيه وَلَا فِي إبقائها بِحَقِيقَة فِي حق الْوُجُود وَإِن كَانَ فِي حق الدّلَالَة على الْمُسْتَدلّ وَالله أعلم فَحصل إِذا القَوْل مِنْهُم على مَا توجبه اللُّغَة وَظهر كذبه فِي الْحِكَايَة ثمَّ الْأمة كَانَت قبل حُدُوث الإعتزال وَأَهله على قَوْلَيْنِ فِي صَاحب الْكَبِيرَة على أَنه مُؤمن فَاسق أَو كَافِر فَاسق ليعلم وَجه كفره عِنْد من يرَاهُ كَافِرًا وَوجه فسقه عِنْد من يرَاهُ فَاسِقًا وَذَلِكَ مَا يُقَال حرَام مَكْرُوه وحلال مَكْرُوه ليعلم أَن الْحُرْمَة هِيَ بَيَان أخف الحرمتين وَهِي حُرْمَة الْكَرَامَة لَا حُرْمَة الْإِطْلَاق وَإِن الْحل لَيْسَ هُوَ حل الإيثار وَالرَّغْبَة بل فِيهِ بعض مَا يُورث الشّبَه فَمثله أَمر الْأمة فِيمَا ذكرت ثمَّ اسقطت الْمُعْتَزلَة أحد الأسمين وَهُوَ الَّذِي يعرف معنى التَّنَازُع وألزم الآخر على الإتفاق فِي منع ذَلِك مُطلقًا دون معرفَة حَقِيقَته فخالفوا بذلك الْأمة وَهَذِه حجَّة مقنعة لمن تصح نِيَّته لله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بأنك اتبعت الإسم الْأَحْكَام هلا فرقت بَين أَصْحَاب الْكَبَائِر بِمَا اخْتلفت أَحْكَامهَا مهما قَالَ أفعل فأسمى هَذَا سَارِقا وَهَذَا قَاذِفا فَيُقَال فَإذْ سميته فَاسِقًا مَعَ تَحْقِيق اسْمه الَّذِي بِهِ فسق وَلم تمنع عَنهُ اسْم فعله مِمَّا بالك منعت عَن الْمُؤمن اسْم الْإِيمَان الَّذِي هُوَ لَهُ مُسْتَحقّ لفعله إِلَّا أَن توسع التَّسْمِيَة بِمَا يقبح من الْفِعْل وَيمْنَع بِمَا يحسن وَذَلِكَ جور فِي الْفِعْل ثمَّ اسْم الْفسق لم يجب بجلد الثَّمَانِينَ وَلَكِن بالموالاة والتعظيم وَهَذَا بَين الحيد عَن تَقْدِير الْمعَارض لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ وَالله أعلم أَن الْأَسْمَاء لم تقدر عَن الْأَحْكَام بِوُجُود الإختلاف فِي الْأَحْكَام على الإستواء فِي الْأَسْمَاء وَبِذَلِك كَانَ تَقْدِيره فِي الإبتداء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْمُوَالَاة والتعظيم متفاوت على تفاضل الْمنَازل والدرجات فِي الْمنَازل فِي الدّين كالرسل ثمَّ الْأَئِمَّة ثمَّ الْعلمَاء ثمَّ الْمُؤمنِينَ وعَلى ذَلِك لَازم الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فِي الدّين ارتكبوا الْكَبَائِر على قدر مَا أُوتُوا من الْحَسَنَات والمقت بِمَا أُوتُوا من السَّيِّئَات

فَمن رام دفع مَا جَاءَ بِهِ من الْخيرَات بسيئات لسن بأضداد لَهُنَّ فَهُوَ جَائِز فِي الحكم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ احْتج بِالْآيَةِ الَّتِي فِيهَا {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه} فِي صَاحب الْكَبِيرَة إِنَّه لَو كَانَ مُؤمنا لَكَانَ لَا يعذب وَلَا يوعد عَلَيْهِ وَالْآيَة ترجع إِلَى وُجُوه أَحدهَا أَن لَا يجْزِيه عَن شَفَاعَة رَسُول الله بل يشفعه فِيهِ وينجيه بهَا وَالثَّانِي أَن يكون ذَلِك عِنْدَمَا يَقُول لَهُم تواهنوا مظالمكم وعَلى معذرتكم وَالثَّالِث أَن يكون لَا يجزيهم خزى الْكَفَرَة من الخلود فِي النَّار إِذْ هُوَ أَنْوَاع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} وَقَالَ فِي مَوضِع {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حميم وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين} على اخْتِلَاف الدركات فَمثله على إختلاف الْأَوْقَات وَيحْتَمل لَا يجزى أَي لَا يفضح فيهتك ستره وَذَلِكَ كَذَلِك فِي كل مُؤمن ثمَّ الَّذِي ينْقض على الْمُعْتَزلَة إبتداء الْآيَة وَهُوَ قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} ألزمهم التَّوْبَة وَجعلهَا شرطا للمغفرة على إبْقَاء اسْم الْإِيمَان لَهُم والصغائر مغفورة بإجتناب الْكَبَائِر على قَوْلهم ثَبت أَن الْآيَة فِي أَصْحَاب الْكَبَائِر وَقد بقى لَهُم اسْم الْإِيمَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالدَّلِيل على أَن اسْم الْإِيمَان لَا يَزُول بِزَوَال الْعَدَالَة قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} وَلَو كَانَ كل مُؤمن عدلا لَكَانَ يَقُول إثنان مِنْكُم إِذْ كَانَ ابْتِدَاء الْآيَة فِي مُخَاطبَة الْمُؤمنِينَ ثَبت أَن قد يكون مُؤمنا عدلا وَغير عدل وَقَالَ

الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} إِلَى قَوْله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} فَلَو كَانَ كل مُؤمن مرضيا لم يكن للشّرط فَائِدَة وَكَذَلِكَ قَوْله {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} ثَبت أَن الْمُؤمن يكون عدلا وَغير عدل وَكَذَلِكَ قَوْله {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} ثَبت أَنه قد يكون مِنْهُم رشيد وَغير رشيد وَلَو كَانَ كل مُؤمن عدلا وكل من لَيْسَ بِعدْل لَيْسَ بِمُؤْمِن لَكَانَ لَا شَهَادَة ترد بِالْفِسْقِ بعد الإمتحان وَلَا يجوز السُّؤَال عَن الْأَحْوَال ليعلم بهَا الْعَدَالَة وَالْفِسْق بل على الْمَكَان الَّذِي يسْأَل عَمَّا عَلَيْهِ من الْإِيمَان فِي ذَلِك ويمكنه الْوَفَاء فَيجب قبُول شَهَادَته بِلَا سُؤال عَنهُ وَلَا اعْتِبَار بأحواله وَفِي إِجْمَاع الْأمة على الفحص عَن الْأَحْوَال وَترك النُّزُول على مَا يظْهر من الْأَمْوَال الَّتِي يَكْتَفِي بهَا فِيمَا كَانَ شرائطها الْإِيمَان من الْحل وَالْحُرْمَة والتوارث ثمَّ الْعِبَادَات دَلِيل يبين أَن الْإِيمَان وَمَا بِهِ يصير الْمَرْء مُؤمنا ويستوجب أَحْكَامه لَيْسَ هُوَ كل مَا يبْقى أَنْوَاع الفسوق والعصيان ولاقوة إِلَّا بِاللَّه وعَلى ذَلِك معنى أَمر هَذِه الْأمة فِي تعاهد الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات وَالصِّيَام وَإِخْرَاج الزكوات على مَا هم عَلَيْهِ من الإختلاف فِي هتك الحرمات والإنهماك فِي الْمعاصِي ثَبت بِالَّذِي عَلَيْهِ الْأمة عدُول الْمُعْتَزلَة والخوارج عَن الْحق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر مَا ذكر الكعبي فِيمَا احْتج عَلَيْهِ من الْقُرْآن بالحيل المستبعدة ليصرف عَن نَفسه وإتباعه اسْم الْإِيمَان وَيُوجب الْإِيَاس عَن رَحْمَة الله والإختيار لعداوته بكبيرة كَأَنَّهُ بِهِ يحصل على نفع فِي الدُّنْيَا وَحمد فِي الدّين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

فَقَالَ لمن احْتج عَلَيْهِ بقوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة} وَالتَّوْبَة لَا تكون إِلَّا عَن ذَنْب بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن التَّوْبَة عَن الصَّغِيرَة وَإِن كَانَت مغفورة وَالثَّانِي على التَّعَبُّد كتكرار التهليل وكدعاء الْمَلَائِكَة بقوله {فَاغْفِر للَّذين تَابُوا} نقُول لَهُ الْوَجْه الأول دلّ على جَهله بِمَعْنى التَّوْبَة إِذْ هِيَ الرُّجُوع والندم ومحال ذَلِك عَمَّا لَيْسَ عَلَيْهِ وَهُوَ مغْفُور لَهُ لَا يجوز عَلَيْهِ التعذيب وَالثَّانِي إِن حق عَلَيْهِ إِذا غفر لَهُ الْحَمد لَهُ وَالشُّكْر على الْعَفو وَفِي التَّوْبَة كفران ذَلِك لِأَنَّهُ يُوهم بَقَاءَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالثَّالِث أَنه قَالَ {عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} فَجعله مَوْقُوفا على مَا يكفره بِالتَّوْبَةِ ثَبت أَن الذَّنب بَاقٍ وَهُوَ لم يزل مُسْتَحقّا إسم الْإِيمَان وَالله أعلم والتسهيل لَهُ فِي كل وَقت حكم التَّحْدِيد لِأَن حَقِيقَة الْأَفْعَال أَن لَا يبْقى وَالتَّوْبَة يكون عَن ذَنْب وَلَا ذَنْب وَبعد فَإِنَّهُ يجوز الْأَمر بالتهليل على التَّعَبُّد وَلَا يجوز بِالتَّوْبَةِ والإستغفار عَن ذَنْب مغْفُور لما فِيهِ إِيهَام أَنه لَيْسَ بمغفور وَذَلِكَ كفران النعم وَغير جَائِز ذَلِك كَمَا لَا يجوز الدُّعَاء بِأَن لَا يجوز وَلَا يظلم وَدُعَاء الْمَلَائِكَة لما قد يكون لمن ذكر ذنوبا غير مغفورة فَإلَى ذَلِك ينْصَرف الدُّعَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَّا أَن ذَا يكون فِيمَا لم يكن فعله كمن يرى آخر يَدعُوهُ بعض الغواة إِلَى أَمر قَبِيح فَيَقُول على سَبِيل النهى لم تفعل يَا أخي مَا ينقص دينك وَيُوجب عَلَيْك سخط رَبك لَا أَنه فعله لَكِن لِئَلَّا يَفْعَله

فَيُقَال لَهُ إِن كَانَ جهدك فِي صرف اسْم الْإِيمَان عَن الْمُبْتَلى بكبيرة على مَا فِيهِ من تَعْظِيم الرَّحْمَن وخشية العواقب لِئَلَّا تسمى أَنْت بِهِ فلك مَا اخْتَرْت فِي نَفسك وسويته وَإِن كَانَ ذَلِك لتزيل هَذَا عَن غَيْرك فَهُوَ يعلم جرأتك فِي ذَلِك على الله بِمَا فهم من تَسْمِيَة الله إِيَّاه بِغَيْر الَّذِي سميته فَلَا يحْتَمل أَن يرتاب فِي خبر الله مَعَ مَا يعلم من نَفسه كَذَلِك بإفترائك على الله بتسويل الشَّيْطَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الَّذِي ذكرته لَا يحْتَمل إِلَّا سَفِيه أَن يَقُول ويعاقب على مَا يعلم كذبه فِيمَا يعاتبه عَلَيْهِ فَأَما الله سُبْحَانَهُ الَّذِي لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء يتعالى عَن هَذِه الرُّتْبَة الَّتِي يأنف مِنْهَا كل ذِي لب وَالله الْمُسْتَعَان وَأما أَنْت فحقيق لذَلِك لِأَنَّك تيأس بِهِ من روح الله وتؤثر شهوتك عَدَاوَة الله وَولَايَة الشَّيْطَان ويتعرك فِي مذْهبه لمقته ولعنه فهنيئا لَك مَا خترته لنَفسك عِنْد الْكَرِيم والرحيم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله إِنَّه أثبت اسْم الْإِيمَان وَإِن لم تخشع قُلُوبهم إِن أول ذَلِك إِثْبَات إسم الْإِيمَان بِلَا خشوع وَأَنْتُم لَا ترَوْنَ إِلَّا التَّصْدِيق بِاللِّسَانِ والمعرفة بِالْقَلْبِ وَالثَّانِي أَن قد يَقُول لمن يخْشَى الله وَيقوم بالغاية فِي شكره أما يَنْبَغِي لَك أَن تخشاني وتشكرني لَا أَنه غير شَاكر لَهُ وَلَكِن على التَّنْبِيه قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَأَما الأول فَإِنَّمَا الْآيَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْخُشُوع لذكر الله وَأَن من لَا يخشع لَهُ مَذْمُوم فَاسق وخشوع الْإِيمَان هُوَ الَّذِي يكون بِمَعْرِِفَة جَلَاله وكبريائه وَهَذَا لَا يَزُول عَن الْمُؤمن وَمَعَ الْإِيمَان قد سمى مُؤمنا وَإِن كَانَ بِهِ مذموما وَفِي الْآيَة دلَالَة طول ذَلِك فيهم وَذَلِكَ يُوجب الْوَصْف بالكبيرة عِنْدهم وَقد أبقى لَهُم اسْم الْإِيمَان فَبَطل بذلك قَوْلهم وَالله الْمُوفق

وَالثَّانِي هُوَ وصف من لَا يعرف الْمِنَّة وَالشُّكْر فَيعرض عَن قبولهما ويعاتب على مَا كَانَ حَقه التَّعْظِيم وَالْقَبُول فَإِن كَانَ هَذَا وصف الله عِنْد الْمُعْتَزلَة فَهُوَ قد بلغ مناه من التسمى بأقبح اسْم وَالْخُلُود فِي أَسْفَل الدَّرك نَعُوذ بِاللَّه من الشَّقَاء ثمَّ أطنب فِي هَذَا القَوْل لَكِن من أصل بنائِهِ مَا ذكرت فَمَا نُرِيد إطنابه إلابعدا عَن الْإِصَابَة وَبِاللَّهِ المعونة ثمَّ أجَاب فِي قَوْله {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} أَنه كَقَوْلِه {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه} وَقد كَانَ سَمَّاهُ مُؤمنا من قبل وَالثَّانِي أَن يكون الإقتتال بِغَيْر سلَاح نَحْو المجاذبة أَو كَانُوا مجتهدين فَلَا يخرجُون بِهِ من الْإِيمَان فَيُقَال إِذْ جرى الْأَمر بالإصلاح بَينهم وَتَسْمِيَة الْإِخْوَة بَطل معنى الرِّدَّة وَقَوله {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} دلّ أَن الْبَاغِي كَانَ مَعْلُوما لَا أَن كَانَ ثمَّة اجْتِهَاد مَعَ مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرهم أَبى لَهُم الإجتهاد إِلَى ذَلِك الْحَد ثمَّ دلّ الْأَمر بِالْقِتَالِ وَالصَّغِيرَة تكون مغفورة لَا يُقَابل عَلَيْهَا على أَن ذنوبهم قد كَبرت وَقد أبقى الله لَهُم اسْم الْإِيمَان وَالله الْمُوفق وَقَالَ فِي قَوْله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة} بِمثل ذَلِك وَقد بَينا وهمه ثمَّ على قَوْله إِن صَاحب الْكَبِيرَة عَدو الله لَا يسع لَهُ الدُّعَاء بِالْخَيرِ وَيلْزم لَعنه وَمَا الْإِصْلَاح إِلَّا الدُّعَاء بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ فِي آيَة الْقصاص وَمَا فِيهِ من تَسْمِيَة الْإِخْوَة إِن الله لم يعد على الْإِخْوَة الْمُطلقَة ثَوابًا وَلَا مدحا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الْإِخْوَة فِي الدّين فَيُقَال لَهُم قد سماهم مُؤمنين فِي أول الْآيَة ثمَّ أبقى لَهُم اسْم الْإِخْوَة فِي آخرهَا وَلَا معنى سبق يحْتَمل حرف ذكر الْإِخْوَة إِلَيْهِ ثَبت أَنه فِي الدّين مَعَ إبْقَاء اسْم الْإِيمَان

وَأما الثَّوَاب فقد شَرط مرّة باسم الْمُطلق وَمرَّة باسم الْمُقَيد من ذَلِك قَوْله {فأثابهم الله بِمَا قَالُوا} ثمَّ قد يجوز عنْدك التحذير مَعَ وجود القَوْل وَإِن وعد عَلَيْهِ الثَّوَاب فَمثله الْمُؤمن باسم الْإِطْلَاق وَقَالَ {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون} وَكَذَلِكَ قَوْله {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم} وَصَاحب الْكَبِيرَة يُقَال آمن بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرق بَين أحد من رسله ثمَّ جَائِز فِي مثله التخويف والوعيد وَلذَلِك قَالَ الله {وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما} وَصَاحب الْكَبِيرَة قد أَتَى بحسنة وَيسْتَحق الَّذِي جَاءَ بِهِ اسْم الْحَسَنَة فَمَا تنكر أَن يسْتَحق اسْم الْمُؤمن وَإِن أوعد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ عَارض نَفسه بالحقوق الَّتِي أوجبت باسم الْإِيمَان وَأحلت بِهِ وَقد دخل فِي ذَلِك أَصْحَاب الْكَبَائِر فَأجَاب بِأَن إدخالهم بِالْإِجْمَاع لَا بالإسم كَمَا أدخلتم فِي قَوْله {حَقًا على الْمُتَّقِينَ} {حَقًا على الْمُحْسِنِينَ} وَإِن لم يكن الْفَاسِق كَذَلِك قيل لَهُ الْإِجْمَاع أدخلهم فِي ذَلِك بالفهم من الْخطاب بِالْإِيجَابِ والتحليل بِالْآيَاتِ إِذْ لَيْسَ أحد مِنْهُم ذكر وَجها بِهِ عرفُوا سواهُ وَلَا أحد من متعاطى الْفسق سَأَلَ أحدا عَن خَاص بل عرف تضمنه تِلْكَ الْآيَات وَلم يجز الْخطاب بِالْوَجْهَيْنِ باسم التَّقْوَى لذَلِك بَطل التَّقْدِير وَقَوله حق على كَذَا أَي حق على من يُرِيد التَّقْوَى ذَلِك وَلَيْسَ فِيهِ إِيجَاب مَعَ مَا كَانَ فِي الَّذِي يذكر تَخْصِيص معنى التَّقْوَى فِي حق الْخطاب فِيمَا نَحن فِيهِ يدْخلهُ فِي الْخطاب بِلَا اسْم الَّذِي بِهِ خُوطِبَ لَا بِالْإِطْلَاقِ وَلَا بتخصيص وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وعارض فِي التَّحْلِيل بالمجنون وَالصَّغِير قيل لَهما حكم الْإِيمَان بِغَيْرِهِمَا إِذْ لَوْلَا ذَلِك الْغَيْر لم يجب لَهما ذَلِك كَمَا لَو لم يجب لأَوْلَاد الْكَفَرَة وَمَا نَحن فِيهِ لَا غير فِي ذَلِك يتبعهُ فَثَبت أَنه أستوجبه بِإِيمَان نَفسه ثمَّ عورض بِمَا يصلى الْفَاسِق ويصوم فَقَالَ لِئَلَّا يزْدَاد فسقه وَيَزُول عَنهُ عَذَاب تَركهمَا قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله يُقَال لَهُ لم يفهم السُّؤَال إِنَّمَا معنى ذَلِك أَنَّهُمَا يجوزان بِالْإِيمَان فولا أَنه مُؤمن لم يكن ليمضيا لَهُ ويزيلا عَذَاب تَركهمَا عَنهُ بل لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي تَركهمَا وَلَا يجوز أَن يَفْعَله لَو لم يكن مُؤمنا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد أفردنا فِي بعض كتبنَا فِي هَذِه الْآيَات كتابا أغنانا عَن الإطناب فِي هَذَا الْبَاب ثمَّ نذْكر الْفَصْل بَين مَا يخلد لَهُ الْعَذَاب وَلَا يخلد من طَرِيق الْحِكْمَة وَذَلِكَ يخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا من طَرِيق الإعتبار بتفاوت الذُّنُوب فِي أَنْفسهَا وَقد وعد الله أَن لَا يجزى إِلَّا مثله وَكَذَلِكَ حق الْحِكْمَة إِذْ التعذيب يكون بِمَا يُوجِبهُ الْحِكْمَة لَا بِمَا يخْتَار إِذْ لَيْسَ هُوَ نوع مَا يخْتَار وبخاصة مِمَّن لَا يضرّهُ الْخلاف ثمَّ هُوَ الْمَوْصُوف بِالْعَفو وَالرَّحْمَة وَلِهَذَا مَا أوجب الْمَغْفِرَة وَالْعَفو عَن كثير من الذُّنُوب ثمَّ يخرج ذَا على وُجُوه أَحدهَا أَنه مَا من أحد يعْصى الله بِنَوْع من الْكَبَائِر دون الشّرك إِلَّا وَهُوَ لوقت الْعِصْيَان مكتسب الطَّاعَة من خوف عِقَاب والفزع عَن مقته ورجاء رَحمته والثقة بكرمه وَذَلِكَ عَن خيرات لَو قوبل بهَا مَا ارْتكب من الْخلاف بِغَلَبَة شَهْوَة وقهر غضب أَو نَحْو ذَلِك ليرجح مَا كَانَ مِنْهُ من خير على مَا كَانَ من شَرّ فَلَا يجوز أَن يحرم نفع الْخَيْر وَيُوجب لَهُ عُقُوبَة الشَّرّ وَمن ذَلِك فعله مَوْصُوف بالجود وَالْكَرم وَلَا كَذَلِك مَعْنَاهُمَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَيْسَ مَعَ من يكفر بِاللَّه ويشرك بِهِ معنى يسْتَحق اسْم الْحَسَنَة وَالْخَيْر لِأَنَّهُ يكذبهُ وينكر أمره وَنَهْيه فَلَا يحْتَمل أَن يكون لَهُ الرجا وَفِي دوَام عَذَابه مضادة معنى الْكَرم والجود وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَالثَّانِي أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ وعد أَن لَا يَجْزِي إِلَّا مثلهَا وَمثل الشّرك الَّذِي فِي الْعقل أكبر من كل ذَنْب مَعَ مَا لَا حَسَنَة يكون مَعَه وَمَعَ غَيره إِنَّمَا هُوَ الخلود فِي النَّار إِذْ مَعْلُوم أَن الْكَافِر يرضى بأضعاف مَا يعذب مَعَ النجَاة يَوْمًا من الدَّهْر فيبين ذَلِك أَن تَمام جَزَائِهِ الخلود فَإِذا كَانَ لغيره مثله فيجزى غَيره أَكثر من مثل الْفِعْل وَذَلِكَ جور فِي حكمته وَالله يجل عَنهُ فَهَذَا مَعَ مَا كَانَ مرتكب مَا دونه حَسَنَات وَلَيْسَ مَعَه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الْحُدُود فِي الدُّنْيَا جعلن كَفَّارَات لما يرتكب من الذُّنُوب فَلَو لم يكن فِيهَا تَكْفِير كَانَت تكون زيادات على عقوبات الْكفْر ومحال أَن يزْدَاد عُقُوبَة مَا دون الْكفْر فَثَبت أَنَّهَا كَفَّارَات وَلَا كَفَّارَة للكفر فِي الدُّنْيَا ثَبت أَنه لَا يحْتَمل فِي الْعقُوبَة فَجعلت أبدية وعقوبة غَيره بِحَدّ فَكَذَلِك الْعقُوبَة الموعودة فِيهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ أخبر أَن الموعودة عُقُوبَة الَّذين كفرُوا وأضلوا غَيرهم ضعف عُقُوبَة من كفر وَلم يضل غَيره ثمَّ لَو كَانَ للْكَافِرِ عُقُوبَة غير الإضلال مثل عُقُوبَة الإضطلال لَكَانَ كل كَافِر عُقُوبَته مضاعفة لِأَنَّهُ لَا كَافِر إِلَّا مَعَه سوى الْكفْر كَبَائِر وَقد خص الله بالمضاعفة المضلين بقوله {وليحملن أثقالهم وأثقالا مَعَ أثقالهم} وَقَول الأتباع {رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا} وَجعل لكل ضعفا فَبَطل أَن يكون ذَلِك عُقُوبَة الْكَبِيرَة بل هَل لَو كَانَت فِي الْكفْر كَانَ أَحَق للضعف مِنْهُ فِي الْإِسْلَام للمثل أَلا ترى أَنه يُعَاقب الْكَافِر بِجَمِيعِ الآثام من صغائر وكبائر وَلَا كَذَلِك أَمر من اعْتقد دين الْإِسْلَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الْوَجْه الآخر من طَرِيق الإعتبار أَن الْكفْر مَذْهَب يعْقد والمذاهب تعقد لِلْأَبَد فعلى ذَلِك عُقُوبَته وَسَائِر الْكَبَائِر يفعل للأوقات وَهُوَ عِنْد غَلَبَة الشَّهَوَات لَا لِلْأَبَد فعلى ذَلِك عقوبتها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن الْكفْر قَبِيح لعَينه لَا يحْتَمل الْإِطْلَاق وَرفع الْحُرْمَة فعلى ذَلِك عُقُوبَته فِي الْحِكْمَة لَا يحْتَمل الإرتفاع وَالْعَفو عَنهُ وَسَائِر المأثم جَائِز رفع الْحُرْمَة عَنْهَا فِي الْعقل وَإِبَاحَة مَا لَهُ الْعقُوبَة فَمثله عُقُوبَته وَالله الْمُوفق وَالثَّالِث أَن الْعَفو عَن الْكَافِر عَفْو فِي غير مَوضِع الْعَفو لِأَنَّهُ مُنكر الْمُنعم وَيرى ذَلِك حَقًا فَيكون فِي ذَلِك تَضْييع الْعَفو وَإِبْطَال النِّعْمَة وَلَا كَذَلِك أَمر سَائِر المأثم بل يعرف صَاحبهَا الْمُنعم فَلهُ أعظم الْموضع ولإكرامه أبين الْمحل فَجَائِز الْمَغْفِرَة لَهُ وَالْعَفو عَنهُ فِي الْحِكْمَة وَبِاللَّهِ المعونة وَالرَّابِع أَن يكون الله تَعَالَى قد أحسن إِلَيْهِ فِي الدّين فِي الْوَقْت الَّذِي خفاه هُوَ بِفِعْلِهِ فِي أَن جعل حَقه أعظم فِي قلبه من الدَّاريْنِ وأنبيائه وَرُسُله أجل فِي صَدره من أَن يحْتَمل نَفسه الإستحقاق بشعرة من شُعُورهمْ أَو الإستهانة بِشَيْء من أُمُور دين الله أَو الركون إِلَى أحد من أعدائه فِيمَا قد اخْتَارَهُ وآثره من الخلان لله وكل ذَلِك هُوَ إِحْسَان الله إِلَيْهِ وإنعامه عَلَيْهِ فَلَا يحْتَمل أَن يضيع مننه ويغير نعمه بجفوة يعلم أَن قدرهَا من الذُّنُوب لَا يبلغ حرفا مِمَّا لَا يُحْصى من نعمه عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَهُوَ يُؤمن خلقه بِأَن لَا يُغير نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَأَن يضيع جَمِيع مَا أكْرمهم بِهِ فَمثل الَّذِي ذكر وَقد أنطق لِسَان رَسُوله أَنه يدْخل الْجنَّة إِلَّا من أَبى ذَلِك وَيجمع بَين من ذكرت وَبَين أعدائه مَعَ كَثْرَة مجاهدته إيَّاهُم فِي نصر دينه وإعلاء كَلمته وَقد ختم عَلَيْهِ لَا وَالله مَا يفعل ذَلِك وَهُوَ الْغنى الْكَرِيم وَهُوَ الْعَفو الغفور وَهُوَ الرَّحِيم الْوَدُود مَعَ مَا جَاءَت الْبشَارَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لُحُوق العبيد لمن أحبوهم ثمَّ كَانَ الَّذِي ذكر أحب رَسُول الله فَيَجْعَلهُ قرين الشَّيْطَان ويحرمه زِيَارَة رَسُوله جلّ ثَنَاؤُهُ عَن هَذَا الْوَصْف الَّذِي وَصفته بِهِ الْمُعْتَزلَة والخوارج على ظُهُور هَذَا الصَّنِيع فِي جُمْلَتهمْ حَتَّى لَا يسلم من

ذَلِك أحد وَلَعَلَّه لَا يذكر عَن خارجي أَو معتزلي قبض سليما عَن ذَلِك وبعيد فِي الْحِكْمَة أَن يوفق للصَّوَاب فِي الدّين من آثر عداوته فِي شَهْوَته وآيس من رَحمته فِي أدنى مَنْفَعَة ويؤثر الْخُرُوج من دينه فِي مذْهبه إشفاقا على نعْمَة يسيرَة من الدُّنْيَا وَيحرم من هُوَ فِي ضد هَذَا الْوَصْف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله ثمَّ جملَة مَا جَاءَت بِهِ الْآثَار فِي الْوَعيد بِالتَّسْمِيَةِ من فسق أَو فجور أَو عصيان أَو ظلم أَنَّهَا أَسمَاء لخصال ثَلَاث مِنْهَا مَا قد يجوز أَن يصير فِي الْحِكْمَة على الْإِشَارَة إِلَى الْفِعْل الَّذِي سمى لأَجله بِهِ غير فسق وَلَا غَيره من الْأَسْمَاء الذميمة وَمِنْهَا مَا لَا يجوز وَمن الْبعيد قصد شَيْئَيْنِ بَينهمَا هَذَا التباعد فَحق ذَلِك أَن يصرف إِلَى مَا لَا يرتاب فِي الإسم وَالْحكم وَإِذ كَانَ على أَقسَام ثَلَاثَة وَلم يتَضَمَّن كل الْأَقْسَام ثَبت الْخُصُوص فِي ذَلِك فَلَزِمَ صرف ذَلِك إِلَى مَا لَا يشك فِيهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن فِي الصّرْف إِلَى الْعُمُوم يُحَقّق لَهُ التَّنَاقُض لمجيء أَخْبَار الْعَفو فَثَبت بذلك الْخُصُوص وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَو إِذا احْتمل الْخُصُوص والعموم بِمَا يَنْقَسِم الْمُسَمّى بِهِ مَا ذكرت فَحق مثله الْخَوْف لَا الْقطع فَمن قطع جرح مِمَّا يُوجِبهُ الْحِكْمَة عِنْد الشّبَه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الدّلَالَة على وَعِيد الخلود لَا يحْتَملهُ مَا دون الشّرك الْأَمر الَّذِي جبل عَلَيْهِ الْخلق من نفارهم عَمَّا بِهِ الْخُرُوج من أديانهم الَّتِي اعتقدوها وَإِن كَانُوا اعتقدوها عقلا أَو حجَّة أَو تقليدا على وجود مَا دون ذَلِك من الزلات فيهم وَإِن اخْتلفت أديانهم فَدلَّ أَن ذَا مِمَّا جبل عَلَيْهِ الْخلق بل أيد ذَلِك الْعُقُول إِذْ الإعتقادات تكون عِنْد أَرْبَابهَا أبديات وَلَا كَذَلِك الْأَفْعَال الَّتِي تشار إِلَيْهَا وعَلى ذَلِك أضدادها وَكَذَلِكَ السّمع فِي الْأَفْعَال المشارة أَنَّهَا على الإختلاف فعلى ذَلِك

تَركهَا فَدلَّ مَا ذكرنَا على خُرُوج مَذْهَب الإعتزال عَن الْأَمر المجبول عَلَيْهِ والمدفوع إِلَيْهِ أَيْضا بِالتَّدْبِيرِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ نذْكر طرفا مِمَّا يلْزم الْمُعْتَزلَة على مَذْهَبهم الْوَقْف فِي التسمى بِالْإِيمَان وَهُوَ أَن من مَذْهَبهم أَن الْحَد الَّذِي بَين الصَّغِيرَة والكبيرة من الْمعاصِي غير مَعْرُوف ليَكُون الْمَرْء خَائفًا راجيا لَا آمنا آيسا فَنَقُول إِذْ لَا أحد مِنْكُم يدعى بَرَاءَة نَفسه من كل وَلَا الْعلم ببلوغ الْحَد الَّذِي يُوجب الْأَمْن والإياس فَذَلِك تردد الْحَال بَين الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة والكبيرة تزيل اسْم الْإِيمَان وَالصَّغِيرَة لحقكم الشَّك فِي اسْم الْإِيمَان وزواله كَمَا لحقكم فِي اسْم الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة فَإِذا منع ذَلِك الشَّك القَوْل بالأمن والإياس ثمَّ لما منع التسمى بِالْإِيمَان وَالَّذِي يدْفع هذَيْن وَاحِد ثمَّ لما جَازَ إِثْبَات الإسم مَعَ الْخَوْف وأمركم أَن الْمُؤمن لَا خوف عَلَيْهِ وَلم لَا يخَافُونَ من تسميتكم أَنفسكُم مُؤمنين الْكَذِب الَّذِي لَعَلَّه كَبِيرَة يزِيل عَنْكُم اسْم الْإِيمَان فَيكون بِالتَّسْمِيَةِ من كبر أَنفسكُم وَقد حذرتم عَن تَزْكِيَة الْأَنْفس بقوله تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} ثمَّ تعارضون بِالْبرِّ وَالتَّقوى أتشهدون أَنفسكُم بهما أَو لَا فَإِن شهدُوا لَزِمَهُم بالخوف فِي الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَار أَن يَكُونُوا استوجبوا مقت الله وَالْخُلُود فِي النَّار فَيكون جَهَنَّم دَار الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَار لَا دَار الْفَاسِقين وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم} وَيبْطل الدُّعَاء بقوله {وتوفنا مَعَ الْأَبْرَار} وَإِن أَبَوا التَّسْمِيَة بذلك لَزِمَهُم مثله فِي الْإِيمَان إِذْ هُوَ اسْم لما بِهِ النجوة من مقت الله كالبر وَالتَّقوى ثمَّ يُقَال إِنَّه قد ثَبت عَن الْأَنْبِيَاء وَالرسل أَنهم كَانُوا يدعونَ الله رعْبًا وهبا وخوفا وطبعا ويزعمون أَنهم لم يبتلوا بكبائر فقد كَانَ هَذَا الْخَوْف مِم لم يبل بهَا لم لَا دلكم أَن لَيْسَ ترك بَيَان الْحَد لما يخَاف ويرجى بل ذَلِك لما لله معاقب من شَاءَ بالصغائر وَمن قَوْلكُم إِن مَا يُوجب

مسألة الشفاعة

الْعقُوبَة يزِيل اسْم الْإِيمَان فاعتبروا بِأَن لَسْتُم مُؤمنين على مَا أخبرتم فِي الْحَقِيقَة وَالله الْمُوفق وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا} وعندكم الْمُؤمن لَا يخَاف نقمة الله وَلَا يَرْجُو رَحمته بل قد اسْتوْجبَ رَحمته لَو كَانَ مُؤمنا وَلَيْسَ لله أَن يعذبه لَو كَانَ مُؤمنا وَالْإِيمَان هُوَ الَّذِي حملهمْ على ذَلِك فَكيف ألزمتموهم الْخَوْف وَذَلِكَ لَيْسَ على الْمُؤمن فِي الْحَقِيقَة ومنعتموهم على الإرتياب فِي الْإِيمَان والإرتياب فِيهِ بِمَا رأى الْخَوْف وَذَلِكَ بَين التَّنَاقُض وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة الشَّفَاعَة ثمَّ قَالَ بَعضهم لَو كَانَت الْكَبِيرَة مِمَّا يجوز الشَّفَاعَة لَهُ لَكَانَ من يحلف بِفعل شَيْء يسْتَوْجب بِهِ الشَّفَاعَة يُؤمن بإرتكاب الْكَبِيرَة قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَنَقُول ذَلِك وهم لِأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي لَهُ يشفع هُوَ الَّذِي بِهِ يسْتَوْجب الشَّفَاعَة بل يسْتَوْجب بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي بهَا يجب الْولَايَة فِيمَا ترك فَحق من حلف بذلك لَيْسَ أَن يُقَال لَهُ اعص وَلَكِن يُقَال لَهُ اطع ليستوجب بِهِ الشَّفَاعَة فِيمَا عصيت وَكَذَلِكَ من يحلف لَأَفْعَلَنَّ الْفِعْل الَّذِي اسْتوْجبَ بِهِ الْمَغْفِرَة لَا يُقَال لَهُ ارْتكب الصَّغَائِر بل يُؤمر بإتقاء الْكَبَائِر وَالتَّوْبَة عَنْهَا ليغفر لَهُ فَمثله أَمر الشَّفَاعَة والشفاعة من أعظم مَا احْتج بهَا وَقد جَاءَ الْقُرْآن بهَا والْآثَار عَن رَسُول الله والشفاعة فِي الْمَعْهُود والمتعالم من الْأَمر تكون عِنْد زلات يسْتَوْجب بهَا المقت والعقوبة فيعفى عَن مرتكبها بشفاعة الأخيار وَأهل الرِّضَا ثمَّ كَانَت الصَّغَائِر

مِمَّا لَا يجوز التعذيب عَلَيْهَا عِنْد الْقَائِلين بالخلود فِي الْكَبَائِر وَالْكفَّار مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُم بالشفاعة فَإِذا بَطل عَظِيم مَا جَاءَ بِهِ من الْقُرْآن والْآثَار فِي الإمتنان وَسقط مَا جبل عَلَيْهِ أهل الْعلم من الرجا بِاللَّه وبرحمته وَيبْطل دُعَاء الْمُسلمين بشفاعة الرُّسُل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ بَعضهم الشَّفَاعَة تخرج على وَجْهَيْن على ذكر محَاسِن أحد عِنْد آخر ليقدر لَهُ عِنْده الْمنزلَة والرتبة وَالثَّانِي أَن يَدْعُو لَهُ فَالْأول هُوَ الَّذِي يحْتَمل تَوْجِيه الشَّفَاعَة إِلَيْهِ وَالثَّانِي قد بَين فِيمَن يَقُوله {الَّذين يحملون الْعَرْش} إِلَى قَوْله {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} وَقَوله {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} والحرف يدل على وَجْهي الشَّفَاعَة لِأَن المرتضى هُوَ ذُو منزلَة وَقدر هُوَ مِمَّن تضمنته آيَة شَفَاعَة الْمَلَائِكَة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْوَجْه فِي الْآخِرَة لَا معنى لَهُ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه فِي تَقْدِير الْأَمر عِنْد من يجهله وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْعَلِيم بِحَقِيقَة ذَلِك بل غَيره مِمَّا يجوز عَلَيْهِ خفا الحقايق كَقَوْلِه يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول {مَاذَا أجبتم} قَالُوا {لَا علم لنا} وَقَالَ عِيسَى {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ} فَكَانَ فِي ذَلِك عبد الله وهم قد تبروا عَن الْعلم بذلك وأقروا بِأَن الله هُوَ المتفرد بِعلم ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن ثمَّة كتب يقْرَأ فِيهَا أَعمال بني آدم وَمَا سبق مِنْهُم من صَغِير أَو كَبِير فَهِيَ الكافية فِي التَّقْدِير إِن كَانَ فِي حق الإحتجاج وَإِن كَانَ فِي حق الْإِعْلَام فَعلم الله بهم مغن عَن ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأما الْآيَة فِي الدُّعَاء فَكَذَلِك نقُول بِدُعَاء لمن لَهُ ذَلِك الْوَصْف ويشفع لَهُ فِيمَا كَانَ فِي ذَلِك مِنْهُ من المآثم والذنُوب لَا أَنه إِذا كَانَ أفعالهم ذَلِك فَيشفع لَهُم لِأَنَّهُ لَا يجوز فِي الْحِكْمَة تعذيبهم على مَا ذكر من الْأَفْعَال بل لَهُم عَلَيْهَا أعظم الثَّوَاب وَأَرْفَع المأوى فَطلب الشَّفَاعَة وَالْمَغْفِرَة لمثله يقبح من وُجُوه أَحدهَا أَن ذَلِك إِذْ لَا يجوز فِي الْحِكْمَة تعذيبه فكأنهم طلبُوا مِنْهُ أَن لَا يجوز وَلَا يسفه وَذَلِكَ لأفسق الْخلق يخرج مخرج التفسيق فضلا من أَن يتَضَرَّع إِلَى الله جلّ الْكَرِيم الْحَكِيم عَن هَذَا الْوَصْف وَالثَّانِي أَن الْحق فِي مثله إِذْ هُوَ مثاب غير معاقب يلقى ذَلِك مِنْهُ بالشكر وَالْحَمْد وَفِي الدُّعَاء كتمان ذَلِك وكفرانه ومحال الْإِذْن فِي مثله وَالدُّعَاء وَالله الْمُوفق وَالثَّالِث أَن ذَلِك فِي الْمَوْعُود لَهُ الْجنَّة والمبشر بهَا فبطلان مثله يُوجب الْجَهَالَة فِي ذَلِك إِلَّا أَن يكون الْوَقْت لم يبين يكون ذَلِك فِي الإستعجال وَهُوَ قَوْلنَا فِي أَصْحَاب الْكَبَائِر أَنهم لَو عذبُوا بِقدر الذُّنُوب لَكَانَ ذَلِك فِي الْحِكْمَة عدلا فَيشفع لسائلهم بِالْفَضْلِ وَالْإِحْسَان دون الْعدْل والإستيفاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَبُو بكر الْكسَائي قَوْله تَعَالَى {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} أَن الله وعد الْمَغْفِرَة فِيمَن شَاءَ ثمَّ بَين ذَلِك فِي الصَّغَائِر بقوله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} وَقد ثَبت الْوَعيد فِي الْكَبَائِر بقى الْوَعْد فحقه لم يزل بِالَّذِي ذكر لإحتماله مَا وصفت

قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَنَقُول لَهُ بأوجه أَحدهَا أَن الْوَعيد الَّذِي ذكرته يحْتَمل الإستحلال والإستخفاف بِالْأَمر والنهى فَلَا يتْرك مَا أطمع بِهَذِهِ الْآيَة من الْمَغْفِرَة فيزال الطمع والرجاء بالوعيد المتوجه وَجْهَيْن أَو يُوقف فيهمَا فَأَما الْقطع فِي أحد الْوَجْهَيْنِ بالمحتمل وَمنع الْقطع بِالْآخرِ للإحتمال فَهُوَ تحكم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن الْآيَة فِي التَّفْضِيل بَين الْمُحْتَمل للغفران وَالَّذِي لَا يحْتَمل فَإِذا صرفت إِلَى الصَّغَائِر بَطل تَخْصِيص اسْم الشّرك وتلبيس على السَّامع مَحَله وَلَيْسَ أَمر الْوَعيد فِيمَا جَاءَ بِموضع التَّفْضِيل بل الَّذِي جَاءَ بِحَق التَّفْضِيل ذكر الغفران بالتكفير والتكفير يكون بِمُقَابلَة الْجَزَاء من حَسَنَات أَو عقوبات كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} وَالله الْمُوفق وَالثَّالِث أَنه قَالَ {لمن يَشَاء} وَهَذَا كنابة عَن الْأَنْفس المغفورات لَا عَن الآثام الَّتِي تغْفر لم يجز صرف التَّخْصِيص إِلَى الآثام بِالْآيَةِ المكنى بهَا عَن الْأَنْفس وَفِي آيَات الْوَعيد تَحْقِيق فِي الَّذِي جَاءَتْهُم وَفِيمَا جَاءَ على مَا قيل لَا صرف فِي ذَلِك فَهُوَ أولى وَالله الْمُوفق وَبعد فَإِنَّهُ قَالَ {لمن شَاءَ} والصغائر عنْدكُمْ مغفورة بالحكمة لَا بالوعد وَالْآيَة فِي التَّعْرِيف وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَالَت الْمُعْتَزلَة صَاحب الصَّغِيرَة إِذا أصر عَلَيْهَا يصير صَاحب كَبِيرَة والإصرار على ذَلِك الْفِعْل لَيْسَ هُوَ لُزُومه لِأَنَّهُ لَا فعل يُمكن لُزُومه حَتَّى لَا يتَحَوَّل مِنْهُ إِلَى غَيره فَلَيْسَ إِذا الْإِصْرَار إِلَّا ترك التَّوْبَة والندامة عَلَيْهِ وكل الذُّنُوب من الشّرك وَغَيره مغْفُور بِالتَّوْبَةِ عَنْهَا والندامة عَلَيْهَا فَيبْطل على قَوْلهم حق هَذِه الْآيَة من التَّفْضِيل بَين الشّرك وَمَا دونه وَحقّ الأية الْأُخْرَى من التَّفْضِيل بَين الْكَبَائِر وَمَا دونهَا وَيحصل على أَن كل دنب يُوجب الخلود إِلَّا أَن يُتَاب عَنهُ وَذَلِكَ بَين لمن تَأمله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَقَالَ قَائِل إِذا كَانَ كل خلاف لله فَهُوَ مِمَّا دَعَا إِلَيْهِ الشَّيْطَان وَيسر بِهِ لَو فعل لم لَا صَار ذَلِك طَاعَة لَهُ وَمن فعل فعلا لطاعة الشَّيْطَان يكفر أَو يصير بِهِ عابدا لَهُ إِذْ ذَلِك مِنْهُ وضع شرع مُقَابل لشرع الله وداع إِلَيْهِ وَمن عبد الشَّيْطَان فقد بَين الله منَازِل عباد الشَّيْطَان قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله لَيست هَذِه الْمَسْأَلَة للخوارج والمعتزلة لإقرارهم فِي الْأَنْبِيَاء بالزلل والأخيار لَكِنَّهَا لبَعض الموسوسين يوسوس إِلَيْهِم الشَّيْطَان هَذَا ليكفرهم بِهَذَا إِذْ ذَلِك مَعْلُوم أَنه من تَزْيِين الشَّيْطَان وَمَا دَعَا إِلَيْهِ فيصيرون على قَوْلهم مُطِيعِينَ لَهُ كفار نسْأَل الله الْعِصْمَة عَنهُ ثمَّ نقُول فِي ذَلِك بِوُجُوه أَحدهَا أَن لَيْسَ فِي ذَلِك طَاعَة للشَّيْطَان وَإِن كَانَ هُوَ يسر بِهِ ويتلذذ لشوم طبعه وَسُوء اخْتِيَاره إِذْ لم يكن الَّذِي يتعاطاه بِفِعْلِهِ لأَمره ودعائه إِلَيْهِ وَالطَّاعَة هِيَ الَّتِي تُؤدِّي على الْأَمر لَا على مَا يسر ويتلذذ لِأَن للعباد فِيمَا أَعْطَاهُم الله الشَّهَوَات لذات وسرورا ومحال وصف الله بِالطَّاعَةِ لَهُم أَو يُمكن الْأَمر مِنْهُم إِيَّاه بِالْفِعْلِ دلّ أَن لَيْسَ ذَلِك الْوَجْه هُوَ سَبِيل معرفَة الطَّاعَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالثَّانِي أَن الديانَات هن اعتقادات لَا أَفعَال تكتسب إِذْ الإعتقادات لَا يجرى عَلَيْهَا الْقَهْر وَالْغَلَبَة وَلَا لأحد من الْخَلَائق على اعْتِقَاد آخر وَمنعه سُلْطَان وَهن أَفعَال الْقُلُوب خَاصَّة وَرُبمَا كَانَ للألسن بهَا تعلق من حَيْثُ لَا يقدر على اسْتِعْمَال لِسَان غَيره وَكَذَلِكَ قلبه وَيقدر على سَائِر الْجَوَارِح وَإِذا كَانَت الديانَات مَا ذكرنَا وَالْكفْر وَالْإِيمَان دين لم يصر الَّذِي ذكرت لَو كَانَ طَاعَة دينا وَالْكفْر دين فَكيف وَهُوَ من الْوَجْه الَّذِي ذكرت لَيْسَ بِطَاعَة وَقد روى عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه أجَاب لهَذَا السُّؤَال أَن الَّذِي ذكرته حق الْقَصْد لَا حق الْوُقُوع على حَال لَا يقْصد ذَلِك وعَلى ذَلِك أُمُور علقت بِالْقَصْدِ وَذَلِكَ يخرج على مَا بَينا من تَرْتِيب الإعتقادات وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأَيْضًا إِن كل مُؤمن فِيمَا يعْصى الله فِي شَيْء يكون كالمدفوع إِلَيْهِ بِمَا يغلب عَلَيْهِ من شَهْوَة أَو غضب أَو حمية أَو نَحْو ذَلِك وَبِمَا بِهِ يصير إِلَيْهِ إِذا لم يقْصد عصيان الرب أَو طَاعَة الشَّيْطَان يصير من الْوَجْه الَّذِي ذكرت كالمدفوع لم يلْزمه الْكفْر بِهِ وَللَّه أَن يجْزِيه عَلَيْهِ بِمَا ملكه مَا بِهِ يمْتَنع عَن الدّفع إِلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأمكن أَن يُقَال ذَلِك فضل الله إِلَى عباده إِذْ لم يلْزمهُم بِمثل ذَلِك طَاعَة الشَّيْطَان وعبادته أَو علم شدَّة ذَلِك عَلَيْهِم على مَا أكْرمهم الله حَال الْعِصْيَان بمعاداه الشَّيْطَان وَأَنه لَا أحد أبْغض إِلَيْهِم مِنْهُ وَلَا شَيْء أثقل على طباعهم وعقولهم مِمَّا فِيهِ سروره ولذته فضلا عَن طَاعَته وعبادته فَتَجَاوز الله عَنْهُم عَن ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا فِي العاجل بِمَنْع اسْم الطَّاعَة وَالْعِبَادَة لَهُ وَالثَّانِي باطماع الْمَغْفِرَة والتجاوز بِمَا آثر عَدَاوَة الشَّيْطَان فِي وَقت عصيانه رَحْمَة رب الْعَالمين الْمَعْرُوف بِالْكَرمِ والجود الَّذِي لم يزل يعودهم بإحسانه إِلَيْهِم وأفضاله عَلَيْهِم لَهُ الْحَمد على ذَلِك أوفره وَبعد فَإِن العَبْد إِذا إعتقد طَاعَة الرب وَعرف الْعُبُودِيَّة وأشعر قلبه عَظِيم نعمه عَلَيْهِ وآلائه لَدَيْهِ ثمَّ أرَاهُ عَظِيم سُلْطَانه وَقدرته بِمَا ذكره حكمته فِي خلقه ونفاذ مَشِيئَته فِيهِ كف نَفسه عَن أَن يمِيل إِلَى طَاعَة من لَا يكون طَاعَته طَاعَته وصانها عَن توهم عبَادَة دونه لم يجز صرف فعله الْوَاقِع مِنْهُ بعد أَن اطْمَأَن قلبه على هَذَا وصير ذَا آثر عِنْده من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لشَهْوَة غلبته أَو لرحمة يأملها أَو لأمر دَفعه إِلَيْهَا طَاعَة لغيره أَو عبَادَة مِنْهُ أحدا دونه وَمَا ذكرته هُوَ لَازم قلبه وَقت فعله وَإِنَّمَا يكون مثله من الْكَافِر الَّذِي اعْتقد طَاعَة من دونه وَعبادَة من لَا يَسْتَحِقهَا أَن يصرف ذَلِك إِلَى من بِهِ صَار إِلَى ذَلِك من الشَّيْطَان أَو النَّفس وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ الأَصْل فِي كل شَيْء أوعد عَلَيْهِ أَن حَقِيقَة ذَلِك تقع من صَاحبه على وُجُوه من الْقبْح مِمَّا يعلم كل تفَاوت ذَلِك فِي

الْعُقُول وَكَذَلِكَ كل اسْم جَاءَ بِهِ تَسْمِيَة الْفَاعِل أَن ذَلِك يقتضى مُخْتَلفا من معَان لَا يعقل لَا تكون هِيَ من كل الْوُجُوه على وزن وَاحِد فِي الْقبْح وَلَا فَاعله فِي الذَّم وَذَلِكَ عيب عَن السَّامع لزمَه بعقله الَّذِي أكْرم معرفَة اخْتِلَاف مواقع ذَلِك أَن لايجمع بَينهَا إِلَّا أَن يمْتَحن مَا عَلَيْهِ الْأمة من الأفهام فَوَجَدَهَا حصلت على ذَلِك أَو يمْتَحن جَمِيع مَا ورد فِي السّمع فَوَجَدَهُ محققا لذَلِك أَو جعله يحْتَمل الْإِحَاطَة بِكُل فنون الْحِكْمَة فَوجدَ ذَلِك يضيق عَن التَّخْصِيص وَيلْزمهُ القَوْل بِالْعُمُومِ فَأَما أَن يحصل على الْمخْرج من الْعُمُوم فِي الْقَضَاء وَقد علم أَن ذَلِك لَو كَانَ حَقًا فِي الْحِكْمَة أَو وَاجِبا فِي التَّدْبِير ليجد أهل الْإِلْحَاد أوضح طعن فِي الْقُرْآن وأيسر سَبِيل إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ غير منزل من عندالرحمن إِذْ بِهِ وَصفه أَنه {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} وَقَالَ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} وَقَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} ثمَّ وجد أَكثر مَا فِيهِ الحكم منصرفا إِلَى غير الْمخْرج ومحصلا على غير مجْرى اللَّفْظ من الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَذَلِكَ على هَذَا القَوْل صرف عَن طَرِيق الْحِكْمَة ومزيل حق التَّدْبِير جلّ الله عَن أَن يلْحق حجَّته هَذَا الْوَصْف أَو دَلِيله هَذَا التَّنَاقُض ثمَّ قد بَين جلّ ثَنَاؤُهُ لما أرسل من الْأَسْمَاء المحمودة والمذمومة المقابلات الَّتِي لَدَيْهَا يظْهر لُزُوم حق صرف الْمُطلق من ذَلِك فَقَالَ {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} ثمَّ وَصفهم فَقَالَ {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} إِلَى آخر السُّورَة فَبين الْفَاجِر الْمُطلق الْمَقْصُود بالوعيد وَمَا مِنْهُ من

التَّكْذِيب لما قد بَينه فِي غير مَوضِع علمه ثمَّ قَالَ {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} ثمَّ بَين من المُرَاد بِالْمُؤمنِ وَمَا لَهُ من المآب وَالْفَاسِق وَمَا إِلَيْهِ مرجعه مَعَ تَكْذِيبه فِي ذَلِك بِالْيَوْمِ وَقَالَ فِيمَا قَالَ {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم} إِلَى قَوْله {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} وَقَالَ {قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} وفيمن لم يؤد الزَّكَاة {وهم بِالآخِرَة هم كافرون} وَفِي أَمر الرِّبَا مَا ذكر من قَوْله {وَمن عَاد} وَقَوله {وَأَخذهم الرِّبَا} إِنَّهُم أحلُّوا حَيْثُ {قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} وَكَذَلِكَ أَمْوَال الْيَتَامَى لم يَكُونُوا يُعْطون الَّذين لم يبلغُوا الْقِتَال وَلَا ضربوا بِالسِّهَامِ فِي الْمَغَانِم وَأمر الْقَتْل كَذَلِك كَانُوا يقتلُون بغيا واستحلالا على مَا ذكر من قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء} فَهَذَا الْآن طَرِيق حقائق الْوَعيد وَمَا فِيهِ إبِْطَال تَسْمِيَة الْإِيمَان وعَلى ذَلِك الْقِسْمَة فِي الْآخِرَة فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير والمعطى بِيَمِينِهِ وشماله وَالْمُؤمن وَالْكَافِر وَقَوله تَعَالَى {وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} ففيهم تحقق الْوَعيد ولزمت الْأَسْمَاء الَّتِي هن نهايات فِي الْقبْح إيَّاهُم وَأما من لم يبلغ ذَلِك الْحَد فَإِن الَّذِي جَاءَ فيهم من الْوَعيد يخرج على وُجُوه على تحذير اخْتِيَار تِلْكَ الْأَحْوَال الَّتِي ذكرت أَو على أَن ذَلِك جَزَاؤُهُ لَو

مسألة

لم يكن مَعَه غير ذَلِك من المحاسن أَو على أَن لله فِي حكمته فيهم على مَا استحقوا وَجه عَفْو ولشفيع الأخيار فيهم أَو تَكْفِير بِغَيْر ذَلِك من الْحَسَنَات أَو وَجه من الْعَذَاب على قدر ذَنبه من ذَنْب الشّرك وَله من الثَّوَاب فِيمَا جَاءَ بِهِ على مَا أكْرم بِهِ وأنعم فِي الدُّنْيَا من التَّوْفِيق لطاعة ربه وَالْحَمْد على ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَسْأَلَة فِي الْإِيمَان قَالَ قوم الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ خَاصَّة وَلَيْسَ فِي الْقلب شَيْء قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَنحن نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَحَق مَا يكون بِهِ الْإِيمَان الْقُلُوب بِالسَّمْعِ وَالْعقل جَمِيعًا أما السّمع فَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقين الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم وَقَالَ {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} أبطل أَن يكون قَوْلهم إِيمَانًا إِذا لم يُؤمن قُلُوبهم وَقَالَ {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين} فَأخْبر أَنهم لَو كَانُوا بِمَا ادعوا من الْإِيمَان مُؤمنين بهداية الله لكانوا مُؤمنين لَو صدقُوا وَلَو لم يكن الْإِيمَان إِلَّا بِاللِّسَانِ لَكَانَ إِذا نطقوا بِهِ فقد صدقُوا وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن}

أخبر أَن الله تَعَالَى أعلم بإيمانهن وَلَو كَانَ الْإِيمَان لَيْسَ إِلَّا القَوْل بِاللِّسَانِ لَكَانَ كل سامع وَاحِد فِي الْعلم وَقَالَ تَعَالَى {ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم وَمَا هم مِنْكُم} أخبر أَنهم كذبُوا فِي ذَلِك وَقَالَ {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ} وَلَو لم يكن غير اللِّسَان لم يكن لينفى إِيمَانهم بِوُجُود الْحَرج فِي الْأَنْفس وَقَالَ تَعَالَى {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} ثمَّ قَالَ {وَالله أعلم بإيمانكم} بَين أَن الْإِيمَان حَقِيقَة حَيْثُ يعلم الله بِهِ وَحده وَقَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} نفى أَن يكون الَّذِي قَالُوا بألسنتهم إِيمَانًا إِذا خَالَفت قُلُوبهم ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِن الله عز وَجل وعد للْمُؤْمِنين الثَّوَاب الدَّائِم وَأخْبر فِي الْمُنَافِقين أَنهم فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار فَلَو كَانَ مَا أظهرُوا إِيمَانًا فِي الْحَقِيقَة لَكَانَ حَقه على الْمَوْعُود الْجنَّة لَا الزِّيَادَة على عُقُوبَة الْكفْر وَقَالَ تَعَالَى {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا} صير إِيمَانهم الَّذِي أظهرُوا مخادعة الله فَمن زعم أَن مرتبَة دين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان بالأنبياء وَبِاللَّهِ وَبِمَا أرسلهم بِهِ يحصل على مخادعة الله فَهُوَ عَظِيم القَوْل فِي دين الله جَاهِل بربه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ الله عز وَجل {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم إِلَّا أَنهم كفرُوا بِاللَّه وبرسوله} وَغير

ذَلِك مِمَّا أخبر الله عَن الْمُنَافِقين أَنهم كفرُوا وَالْكفْر ضد الْإِيمَان وبالإيمان ننتهى عَن الْكفْر وَقَالَ الله تَعَالَى {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} إِلَى آخر تِلْكَ الْآيَات وَإِذ ثَبت أَن الْمُنَافِقين كفرة فِي التَّحْقِيق كذبة فِي قَوْلهم بِمَا قَالَ الله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ وَقَالَ {يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا} أخبر أَنهم كذبة فَجعل قَول الْإِسْلَام مِنْهُم على جحوده الْقلب كذبا فَمن جعل ذَلِك إِيمَانًا وَالْإِيمَان فِي اللُّغَة هُوَ التَّصْدِيق فقد جعل الشَّيْء ضِدّه وَذَلِكَ فَاسد وَقَالَ {لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ} وَقَالَ {سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم} وَقَالَ {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يعلمُونَ} أخبر أَنهم كفرة وَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ لمن الْعِزَّة وَأَنَّهَا لمن ذكر وَلَو كَانُوا مِنْهُم لكَانَتْ لَهُم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَعَ مَا جعل الله ذَلِك مِنْهُم استهزاء ومخادعة وسخرية وَأوجب لَهُم جَزَاء ذَلِك وَلم يجز أَن يكون الْإِيمَان هَذَا وَصفه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد قَالَ الله {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} لم يَجْعَل لَهُم كفر بِاللِّسَانِ إِذا لم يكن عبارَة عَن الْقلب وَمنع ذَلِك بِإِيمَان الْقلب فَثَبت أَن الْقلب هُوَ مَوضِع الْإِيمَان وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

وَلَيْسَ بِمَا يُقَاتلُون إِلَى أَن يشْهدُوا بِاللِّسَانِ دَلِيل أَن ذَلِك هُوَ الْإِيمَان أَو لَا إِيمَان بالقلوب بل ذَلِك مِنْهُم دَلِيل الْإِيمَان وَعبارَة عَنهُ فَيقبل قَوْلهم فِي الْأَحْكَام الظَّاهِرَة بِحَق الْعبارَة بِمَا لَا سَبِيل لنا إِلَى حَقِيقَة الْعلم بِهِ وعَلى ذَلِك عَامَّة الْأُمُور بَين الْخلق مَحْمُولَة على مَا يحْتَملهُ وسعهم من المعارف وَإِن كَانَت لَهَا حقائق غَيرهَا مَعَ مَا كَانَ فِي الَّذِي بَينا دلَالَة ذَلِك وَكَذَلِكَ الْأَمر المتوارث فِي التَّفْصِيل بَين الْكَفَرَة وَبَين الْمُؤمنِينَ بالإعلام وأنواع أَو المخالطة من الْأَهْل وَإِن لم يكن تِلْكَ بِكفْر وَلَا إِسْلَام فَمثله أَمر الْعبارَة بِاللِّسَانِ وعَلى هَذَا مَا بَينا من الْآيَات فِي الْعلم بِالْإِيمَان وَأمر الْقُلُوب فِيمَا جَاءَ بِهِ النُّصُوص فَمثله الَّذِي نَحن فِيهِ وَالله أعلم وعَلى ذَلِك أَمر الْمُكْره على الْكفْر وَقَول نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا يعبر عَمَّا فِي قلبه لِسَانه وعَلى مَا ذكرت أَمر الْأَمْلَاك والشهادات وأنواع الْمذَاهب فِي الْأَدْيَان بِمَا علمه ذَلِك الْأُمُور الظَّاهِرَة فَمثله حكم الْقبُول وَقد تَجِد الله أَمر بِأَن يُقَاتل ليعطوا الْجِزْيَة وَأَن يجاروا إِلَى أَن يسمعوا كَلَام الله وَفِي ذَلِك التّرْك بَين الْمُسلمين يتعيشون لينظروا فِي أُمُورهم ويتدبروا فِي أحكامهم فيعلموا بذلك حقائقها وَإِن كَانَ لَا يحْتَمل تأسيسها على مَا فِيهَا من تأليف الْقُلُوب وَدفع التظالم وأنواع الْفساد إِلَّا بِاللَّه لِيَطمَئِن قُلُوبهم بِالْإِيمَان وَيحْتَمل أنفسهم الْإِجَابَة إِلَى الْإِسْلَام فَمثله فِي الدّين أظهرُوا الْإِيمَان بِاللَّه وَأَجَابُوا الْمُؤمنِينَ إِلَى مَا عِنْدهم من الْأَحْكَام وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُقَال لَهُم فَإِن كَانَ مَا يقبل مِنْهُم من الْإِيمَان فِي ظواهر الْأَحْكَام بِاللِّسَانِ دَلِيلا على أَنه خَاصَّة فَلَمَّا حرمُوا بِهِ الغفران والموعود على الْإِيمَان من النَّعيم الدَّائِم وَالثَّوَاب الجزيل ثمَّ بِمَا لَا يجوز لَهُم عبَادَة فِي الْحَقِيقَة وَلَا ينالون بهَا فَضِيلَة عِنْد الله دَلِيل على أَنهم لَيْسُوا بمؤمنين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ يُقَال لَهُم قَالَ الله عز وَجل {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} وَقَالَ {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} وَقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَيُقَاتل على مَا يظهرون من الشّرك وَالْكفْر دون مَا يضمرون وَلم يجب بِهَذَا أَن لَا يكون الشّرك وَالْكفْر بالقلوب فَمَا يبعد أَن يُؤمر بِالْقِتَالِ حَتَّى يُؤمنُوا ثمَّ يمْنَع عَن الْقِتَال إِذا أظهرُوا الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وَإِن كَانَ حَقِيقَة مَوضِع إِيمَان الْقلب إِذْ لَا يمْنَع هَذَا كَونه فِيهِ وَالله الْمُوفق ثمَّ يُقَال لَهُم فِي الْخَبَر أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَقيل حَتَّى يشْهدُوا فَيكون الشَّهَادَتَيْنِ سَبَب منع الْقَتْل لَا حَقِيقَة الْإِيمَان وَالله الْمُوفق وَأما الْعقل فَلِأَنَّهُ دين والأديان تعقد وَمَا بِهِ إعتقادات الْأَدْيَان الْقُلُوب وَكَذَلِكَ الْمذَاهب مَعَ مَا كَانَ الْإِيمَان فِي اللُّغَة التَّصْدِيق وَحَقِيقَته الَّذِي لَا يحْتَمل الْقَهْر والجبر هُوَ الدّين فِي الْقلب إِذْ لَا يجرى سُلْطَان أحد من الْخلق وَجُمْلَة ذَلِك أَنه يجوز أَن لَا يكون لِسَان وَلَا يحْتَمل رفع الدّين الْحق وَلَا الْإِيمَان بِاللَّه وَالرسل من أحد ثَبت أَن حق ذَلِك الْقلب مَعَ مَا كَانَ ذَلِك من الْمحَال ارْتِفَاع فعل الْإِيمَان عَن الممتحن فِي حَال الْخطاب بِحَال وباللسان عَامَّة الْأَوْقَات على الْخلق يمر بِدُونِهِ بل من الْأَحْوَال أَحْوَال ينْهَى الْمَرْء فِيهِ أَن يَقُول آمَنت بالكتب والنبيين والبعث وَنَحْو ذَلِك نَحْو الْكَوْن فِي الصَّلَاة فَيصير الْإِيمَان على هَذَا القَوْل بِحَيْثُ ينْهَى وَدين الْإِسْلَام بِحَيْثُ يفْسد عِبَادَته وَالله جعله شرطا للْجُوَاز وَجعله دَائِما لَا يتَغَيَّر وَلَا يتبدل وَلَا يجوز فِيهِ النّسخ ثَبت أَنه على غير

مَا ظنت الكرامية على أَن الله تَعَالَى أعلا دَرَجَة الْإِيمَان فِي الْقُلُوب حَتَّى صيرها أعلا الدَّرَجَات وصير الْإِيمَان مِمَّا يقوم بِهِ الْخيرَات وَعند وجوده يصلح الْعِبَادَات وَمَا يحْتَمل مَا وصفت إِنَّمَا هُوَ الْقُلُوب لَا الألسن لذَلِك كَانَت أَحَق وَبعد فَإِنَّهُ الْخطاب بِالْإِيمَان يلْزم بالعقول وَيعرف حَقِيقَة مَا بِهِ الْإِيمَان بالفكر وَالنَّظَر وَذَلِكَ عمل الْقُلُوب فَمثله الْإِيمَان مَعَ مَا كَانَ الألسن قد تسْتَعْمل وتخبر كَغَيْرِهَا من الْآيَات وَالله تَعَالَى يَقُول {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} لم يجز أَن يَجْعَل حَقِيقَته فِيمَا فِيهِ الْإِكْرَاه وَقَالَ الله تَعَالَى {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه} وَلَيْسَ الْكفْر بالطاغوت بِاللِّسَانِ خَاصَّة فَمثله الْإِيمَان أَلا يرى إِلَى قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ} إِلَى قَوْله {وَقد أمروا أَن يكفروا بِهِ} فَيصير الْميل والتحاكم ترك للكفر وَإِن أخبر عَن لِسَانه أَنه يزْعم أَنه مُؤمن بِالَّذِي عَلَيْهِ الْإِيمَان بِهِ وَالله الْمُوفق وَفِي كتاب الله الْخطاب بقوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فِي غير مَوضِع ثمَّ لم يرتب أحد مِمَّن ينْسب إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فِي ذَلِك أَنه مِمَّا تضمنه وَإِن لم يكن هُوَ وَقت فرغ الْخطاب مَعَه يسْتَعْمل لِسَانه فِي فعل الْإِيمَان ثَبت أَن حَقِيقَته الَّتِي بهَا سماهم بِهَذَا قَائِمَة فيهم وَقت الْخطاب وَهِي لَا تحْتَمل إِلَّا أَن تكون فِي الْقلب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي هَذَا النَّوْع آيَات هِيَ تنقض على الْمُعْتَزلَة والخوارج والكرامية والحشوية مَذْهَبهم على اخْتِلَاف مذاهبهم نَحْو قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}

إِلَى قَوْله {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا مَا لكم إِذا قيل لكم انفروا فِي سَبِيل الله} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا لكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال} وَقَوله تَعَالَى {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} فعاتب عز وَجل على صنيعهم ذَلِك وَأعظم الْوَعيد فِي ذَلِك وَلم يزل عَنْهُم اسْم الْإِيمَان بل بِهِ عَاتَبَهُمْ وَكَذَلِكَ فِي الْعقل تكون المعاتبة بالتقصير يكون بَين الْأَوْلِيَاء وَيكون بَين الْأَعْدَاء مُحَاجَّة ومحاربة فَبَان أَن قد بقى لَهُم اسْم الْإِيمَان فَيبْطل قَول من يخرج من الْإِيمَان وَقَول من يكفره وَكَذَلِكَ إِذْ لَا أحد الْتبس عَلَيْهِ تضمنه تِلْكَ الْآيَات مِمَّن يصدق بِاللَّه وبرسوله ثَبت أَن الْإِيمَان اسْم لمعروف الْحَد وَأَن كلا مِمَّن ذَلِك لِسَانه يعقل فَيبْطل بِهِ قَول من يَقُول الْإِيمَان اسْم لجَمِيع الطَّاعَات مَعَ مَا ذَلِك الْخطاب على الْمَتْرُوك من الْفَرَائِض فَلَو كَانَ اسْما للك لكانوا يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا بِبَعْض الْإِيمَان أَو آمنُوا مَعَ الثنيا فِيهِ وكما لَا يصلح فِي مثل ذَلِك المعاتبة باسم الْأَبْرَار والمتقين ثَبت أَن الْإِيمَان اسْم للخاص من الْعِبَادَات لَا للْكُلّ ثمَّ لَا أحد مِنْهُم فِي وَقت نزُول الْآيَة يعرف مِنْهُم اسْتِعْمَال اللِّسَان بذلك ثَبت أَن التَّسْمِيَة كَانَت لِأَنَّهُ بِالْقَلْبِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

مسألة

مَسْأَلَة الْإِيمَان تَصْدِيق بِالْقَلْبِ أم معرفَة وَظن قوم أَن لَا يكون بِالْقَلْبِ تَصْدِيق وَإِنَّمَا يكون بِهِ معرفَة خَاصَّة وَالْأَصْل أَنه يكون وَإِن كَانَ لَا يقدر على الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك بِحرف يفضل إِلَّا من طَرِيق الدّلَالَة بِالْمَعْرُوفِ من القَوْل إِن الْإِيمَان تَصْدِيق فِي اللُّغَة وَالْكفْر تَكْذِيب أَو تَغْطِيَة فضد الْمعرفَة فِي الْحَقِيقَة النكرَة والجهالة وَلَا كَانَ جَاهِلا بِشَيْء أَو مُنْكرا لَهُ من حَيْثُ الْمعرفَة مكذب على مَا قَالَ قوم منكرون أَي لَا يعْرفُونَ وَكَذَلِكَ كل من جهل حَقًا لَا يُوصف بالتكذيب لَهُ ثَبت أَن للْإيمَان بِالْقَلْبِ فِي التَّحْقِيق غير الْمعرفَة على أَن الْمعرفَة هِيَ سَبَب يبْعَث على التَّصْدِيق كَمَا قد يبْعَث الْجَهَالَة على التَّكْذِيب رُبمَا فَكَذَلِك لكل معنى لَيْسَ للْآخر فِي التَّحْقِيق وعَلى هَذَا قَول من يَقُول الْإِيمَان معرفَة إِنَّمَا هُوَ التَّصْدِيق عِنْد الْمعرفَة هِيَ الَّتِي تبْعَث عَلَيْهِ فَسمى بهَا نَحْو مَا وصف الْإِيمَان بِهِبَة الله وَنعمته وَرَحمته وَنَحْو ذَلِك بِمَا يظفر بِهِ لَا أَنه فِي الْحَقِيقَة فعل الله لَكِن لَا يَخْلُو حَقِيقَته عَن ذَلِك فنسب إِلَيْهِ فَمثله أَمر الْإِضَافَة إِلَى الْعلم والمعرفة وَذَلِكَ أَيْضا كَمَا سمى كل خَطِيئَة الْمُؤمن جَهَالَة وكل مآثم الْكَافِر نِسْيَانا وَكَذَلِكَ الْمُؤمن بِمَا كَانَ على الْجَهَالَة تَعْظِيم مَا يحل بِهِ أَو النسْيَان أَو بِمَا كَانَ كل منسى مَتْرُوك فَسمى بِهِ لَا أَنه اسْم حَقِيقَته وَالله الْمُوفق وعَلى ذَلِك جَائِز القَوْل بِالْإِيمَان بِجَمِيعِ الرُّسُل على غير القَوْل بِمَعْرِِفَة جَمِيع الرُّسُل بالقلوب وعَلى ذَلِك قَوْله {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} لَو لم يكن فِي الْقلب إِلَّا الْمعرفَة لَكَانَ لَا يزيلها الْكفْر وَلَا يُفِيد الشَّرْط فِي ذَلِك وَقد يخْتَار الْمَرْء لدفع الْإِكْرَاه غير الَّذِي هُوَ

مسألة

حق عِنْده لدفع ذَلِك عَنهُ فَلهُ شَرط طمأنينة الْقلب وَكَذَلِكَ القَوْل لإِبْرَاهِيم {أَو لم تؤمن} قَالَ {بلَى} وَإِنَّمَا يُقَال {أَو لم تؤمن} بخبري أَو بِالَّذِي عرفت قَالَ {بلَى} وَلم يكن أولم تعلم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه على أَن المعارف رُبمَا تقع بأَشْيَاء بِلَا أَسبَاب لَا يُوصف بِالْإِيمَان بهَا وَكَذَلِكَ قَوْله {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه} فَهُوَ التَّكْذِيب بالطاغوت فِيمَا يدعونَ وَالْإِيمَان بِاللَّه لَا على القَوْل بِهِ وَلَكِن على حَقِيقَة الْإِنْكَار والتكذيب بِالْقَلْبِ وَالْقَبُول والتصديق بِاللَّه وَالْأَصْل فِي ذَلِك أثبت من الْأَمر الْمُتَعَارف أَن لَا يُوصف كل جَاهِل بالشَّيْء بالتكذيب وَلَا كل عَارِف بِهِ بالتصديق بِهِ لَكِن الْمعرفَة تبْعَث على التَّصْدِيق والجهالة عل التَّكْذِيب فَسمى بذلك نَحْو السَّبَب لَا الْحَقِيقَة وَالله أعلم مَسْأَلَة فِي الإرجاء ثمَّ اخْتلف فِي الْمَعْنى الَّذِي سمى بِهِ من سمى مرجئا بعد اتِّفَاق أهل اللِّسَان على الإرجاء أَنه التَّأْخِير وعَلى ذَلِك قَوْله أرجه وأرجاه وَقَالَ مرجون لأمر الله قَالَت الحشوية سميت المرجئة بِمَا لم يسموا كل الْخيرَات إِيمَانًا وَهَذَا مِمَّا لَا يحْتَملهُ اللِّسَان وَلَا الْعقل فَأَما اللِّسَان فَهُوَ أَن الإرجاء هُوَ التَّأْخِير وَلَا وَجه لهَذَا الإسم فِيمَا يُسمى كل خير بإسمه الْخَاص وَمنع هَذَا الإسم الْعَام ثمَّ لَا يَخْلُو من أَن يكون هَذَا فِي الْحَقِيقَة أسما لكل أَو لَا فَإِن كَانَ إسما لَهُ فَمن يَأْبَى تَسْمِيَة

الشَّيْء باسمه الَّذِي هُوَ إسمه فِي الْحَقِيقَة جهلا بِهِ أَو تعنتا فَلَا أحد يُسَمِّيه بِهَذَا الإسم فَمَا بَال هَؤُلَاءِ سموا بِهِ خُصُوصا من بَين جَمِيع الْخلق وَلَو كَانَ بذا يلْزم هَؤُلَاءِ هَذَا الإسم فَهُوَ لَازم لمن سماهم بِهِ لأَنهم وَقت التَّسْمِيَة بِهَذَا تاركون لإسماء الْخَاصَّة لَهَا فيصيرون بذلك مستحقين لهَذَا الإسم ثمَّ بقَوْلهمْ الْإِيمَان إسم لِاجْتِمَاع الْخيرَات إبِْطَال هَذَا الإسم عَن كل خير على الإنفراد فيلزمهم هَذَا أَو لَيْسَ بإسم لَهَا فِي الْحَقِيقَة فَلَا يُوَجه لتسمية من لم يسم الشَّيْء بِمَا لَيْسَ ذَلِك بإسم لَهُ وَيكون ذَلِك فِي الْحَقِيقَة سمة الصَّادِقين بالإسم المذموم عِنْده فِي الدّين فقد أعلا دَرَجَة الْكَاذِبين عِنْد الله وَحط دَرَجَة الصَّادِقين وَذَلِكَ عَظِيم عِنْد من يعقل وَأما الْعقل فَإِنَّمَا يدْرك حقائق الْأَشْيَاء بجهتين إِمَّا بِمَا تُؤدِّي المشاعر المجعولة مسلكا وَهِي الْحَواس أَو بالتدبر فِي علم الْحس وَمَا أظهر الدَّلِيل وَلَيْسَ فِي شَيْء من المحسوس إِيجَاب ذَلِك وَلَا كَانَ فِيهِ مِمَّا يسْتَخْرج بِالتَّأَمُّلِ حَقِيقَة الإرجاء أَنه فِيمَن لَا يُسمى الْخيرَات إِيمَانًا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بل ذَلِك فِي الْحَقِيقَة مَذْهَبهم حِين أرجوا دينهم وَلم يشْهدُوا لأَنْفُسِهِمْ واستثنوا فِي ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَت الْمُعْتَزلَة المرجئة هِيَ الَّتِي أرجت الْكِبَار لم تنزل أَهلهَا نَارا وَلَا جنَّة قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله هَذَا الَّذِي قَالُوهُ حق فِي لُزُوم إرجاء تِلْكَ الْأَعْمَال لَكِن المروى بالذم لَيْسُوا هم إِن ثَبت خبر الذَّم وَهَذَا هوالحق وَعَن مثله سَأَلَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله مِم أخذت الإرجاء فَقَالَ من فعل الْمَلَائِكَة حَيْثُ قيل لَهُم {أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين} إِنَّه لما سئلوا عَن أَمر لم يكن لَهُم بِهِ علم فَوضُوا الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى الله وَكَذَلِكَ الْحق فِي أَصْحَاب الْكَبَائِر إِذْ مَعَهم خيرات الْوَاحِدَة مِنْهَا لَو قوبلت جَمِيع مَا دون الشّرك من الشرور لمحتها

وأبطلتها فَلَا يحْتَمل أَن يحرم صَاحبهَا ويخلد فِي النَّار لَكِن يُرْجَى أمره إِلَى الله فَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ إِذا هُوَ لم يحرمه عِنْد فعله مَعْرفَته ومعاداة أعدائه لَهُ وتعظيم أوليائه فَعِنْدَ شدَّة حَاجته إِلَى عَفوه وإحسانه يَرْجُو أَن لَا يحرمه وَالله الْمُوفق إِذْ قَالَ هُوَ الغفور وَهُوَ الرَّحِيم الْوَدُود وَإِن شَاءَ قَابل بسيئته مَا أكْرمه بِهِ من الْحَسَنَات فجعلهن كَفَّارَات لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} وَقَالَ فِي غير مَوضِع {نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} وَقد ذكر الْأَنْوَاع الَّتِي وعد بهَا التَّكْفِير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَذَلِكَ كَقَوْلِه {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم} وَقَوله {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنكفرن عَنْهُم سيئاتهم} وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم وَإِن شَاءَ جزاه قدر عمله وَمَا كَانَ مِنْهُ من الْحَسَنَات فقدرها أَيْضا بقوله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} وَغير ذَلِك من الْآيَات الَّتِي فِيهَا ذكر جَزَاء الْخَيْر وَالشَّر وَذَلِكَ وصف الْعدْل فِي الْمُؤَاخَذَة وَإِن كَانَ هُوَ فِيمَا أعْطى الثَّوَاب مفضلا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهَذَا النَّوْع من الإرجاء حق لزم القَوْل بِهِ والمعتزلة أرجت فعل نَفسه حَيْثُ أَبى تَسْمِيَته مُؤمنا وكافرا فجهله بحقيقته ألزمهُ القَوْل بإرجاء الإسم لكنه جهل حَقِيقَة فعله فَلَا عذر لَهُ وَالْأول جهل حَقِيقَة مَا يعْمل بِهِ الله وَذَلِكَ لَا يعرف إِلَّا بِالسَّمْعِ وَلم يَجِيء مَا يقطع القَوْل بِشَيْء فَهُوَ لَازم

وَقَالَ بَعضهم المرجئة هم الَّذين أرجوا أَمر عَليّ بن أبي طَالب وَمن خرج مَعَه وَعَلِيهِ فَإِن أَرَادوا بِهِ الإرجاء من الْوَقْف فِي القَوْل فيهم فَلَا معنى لذَلِك من غَيره وَإِن أَرَادوا الإرجاء المذموم فَهُوَ قريب وَلما لم يكن أحد يعدل عليا فِي الإستحقاق مَعَ دلَالَة الْخَبَر الْمَرْفُوع لَهُ فِي عهد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن وليتم أَبَا بكر تجدونه ضَعِيفا فِي بدنه قَوِيا فِي دينه وَإِن وليتم عمر وجدتموه قَوِيا فِي بدنه قَوِيا فِي دينه وَإِن وليتم عليا وجدتموه هاديا مهديا يسْلك بكم طَرِيق الْهدى أَو كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِدْخَال عمر إِيَّاه فِي الشورى ثمَّ إتفاق أخيار الصَّحَابَة عَلَيْهِ لم يكن أمره بِحَيْثُ الخفا ليعذر من جوز القَوْل جَائِز أَن يلْحق أَهله الذَّم بذلك إِذْ هُوَ جهل مَا لَا يحْتَمل الْجَهْل إِلَّا عَن إغفال أَو ترك التَّأَمُّل فِي أَمر الدّين وَالله الْمُوفق ثمَّ إِن ثَبت الْخَبَر الْمَرْفُوع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صنفان من أمتِي لَا تنالهم شَفَاعَتِي الْقَدَرِيَّة والمرجئة وَمَا ذكر أَن المرجئة لعنت على لِسَان سبعين فَهُوَ يخرج وَالله أعلم على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يُرَاد بِهِ الجبرية بِمَا جمع إِلَى الْقَدَرِيَّة وهما قَولَانِ متقابلان جَمعهمَا الْخَبَر فِي الذَّم وَهُوَ أَن الْقَدَرِيَّة تحقق قدر أَفعَال الْخلق لِلْخلقِ لَا تجْعَل لله فِيهَا مشْيَة وَلَا تدبيرا والجبرية أرجتها إِلَى الله تَعَالَى لم تجْعَل لِلْخلقِ فِيهَا حَقِيقَة الْبَتَّةَ فَحملت الجبرية كل قَبِيح وذميم جلّ الله تَعَالَى من أَن يكون ذَلِك وصف فعله وحملت الْقَدَرِيَّة الْأَمر على الْخلق على مَا هم بهَا من الْجَهْل وَالْحق هُوَ الْوسط من القَوْل أَن يكون من الْعباد أَفعَال على مَا هِيَ مِنْهُم وَمن الله خلقهَا على الْحَد الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقد تقدم بَيَان الْمَعْنى بالقدرية

خلق الإيمان

وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون ذَلِك فِيمَا عَلَيْهِ حَال الْفَاعِل فِي فعله من الْوَقْف فِي ذَلِك نَحْو مَا قَالَت الحشوية فِي اسْم الْمُؤمن والثنيا فِيهِ وَمَعْلُوم أَن الإرجاء هُوَ الْوَقْف فِي الْجَواب والإمهال للنَّظَر ثمَّ لَا يقطعون فِي أنفسهم القَوْل بِالْإِيمَان بل يستثنون والثنيا إرجاء وَقد ذكر ذَلِك فِي بعض الْأَخْبَار لَكِن لَا يشْهد بِصِحَّتِهِ وَفِي الْعقل بَيَان معنى الإرجاء إِذْ هُوَ الْوَقْف فِي الْأَمر فِي أَمر هُوَ فعلهم وَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة فِي إرجاء صَاحب الْكَبِيرَة بِالتَّسْمِيَةِ أَنه مُؤمن أَو كَافِر مَعَ مَا قسم الْخلق الَّذين امتحنوا قسمَيْنِ فِي التَّحْقِيق مُؤمن وَكَافِر وصير الْقسم الثَّالِث الْمُنَافِق إِذْ هُوَ مَعَ هَؤُلَاءِ فِي الظَّاهِر وَمَعَ هَؤُلَاءِ فِي السِّرّ فاستوجبوا أَحْكَام أهل الْإِيمَان فِي الظَّاهِر مِمَّا عَلَيْهِ أهل الْأَدْيَان فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَاطِن من الْأَحْكَام على مَا عَلَيْهِ أَمر الْكفْر فِي الظَّاهِر من أَمر الْآخِرَة وَالله الْمُوفق خلق الْإِيمَان ثمَّ القَوْل فِي خلق الْإِيمَان فِيمَا بَيْننَا وَبَين فريق من الحشوية مَعَ مَا قد بَينا القَوْل فِي خلق أَفعَال الْعباد مَا يكفى ذَلِك من تَأمل أَمر الْإِيمَان أَن الْإِيمَان لَا يَخْلُو من أَن يكون مَعْرُوفا أَو مَجْهُولا فَإِن كَانَ مَجْهُولا لَا يُعلمهُ أحد فَنَقُول من يَقُول بنفى الْخلق لَا معنى لَهُ لِأَن الَّذِي يجهل حَتَّى لَا يصل إِلَى الْعلم بِهِ من طَرِيق الدَّلِيل هُوَ الْخلق الَّذِي لم يَجْعَل الله فِيمَا يشهده عَلَيْهِ دَلِيلا يعرف مائيته وَحَقِيقَته وَذَلِكَ خلق فِي جملَة القَوْل وبدلالة المحسوس على أَن كل شَيْء سوى الله خلق كَائِن بعد أَن لم يكن فَأَما الله تَعَالَى وَمَا يُوصف بِهِ فَفِي الشَّاهِد دَلِيل على التَّحْقِيق وَالْإِثْبَات فَلَا وَجه للْجَهْل بِهِ وَفِي ذَلِك تثبيت جعله خلقا مَعَ مَا لَا يجوز الْجَهْل بِهِ إِذْ الْأَمر بِفِعْلِهِ عَن الله فِي جَمِيع كتبه الْمنزلَة وَرُسُله الَّذين أرسلهم وَبِه خُوطِبَ الْعباد بِجَمِيعِ شرائع الْإِسْلَام فمحال يعرفهَا

على الْجَهْل بِحَقِيقَة مَا بِهِ وَجب التَّكْلِيف وَجَرت بِهِ المحنة وعَلى ذَلِك جرت البشارات وبالإغفال عَنهُ جَاءَ الْإِنْذَار والوعيد وعَلى ذَلِك اتّفق قَول الْأمة على اخْتلَافهمْ فِي الْإِضَافَة إِلَى مَا يعقله الْخلق فَثَبت أَنه مَعْلُوم ثمَّ لَا يَخْلُو إِذْ علم من أَن يكون إِيمَان كل أحد يُوصف فِي الْأَزَل بالكون بعد أَن لم يكن فَإِن لزم الْوَصْف لَهُ بالكون فِي الْأَزَل لزم الْوَصْف بِمَا فِي الْعقل دَفعه وَفِي السّمع إحالته لإحالة كَون إِيمَان أحد فعلا لَهُ قبل كَونه وَالدَّلِيل أَنه فِي العَبْد الْأَمر بِهِ والنهى عَن تَركه ومجئ الْوَعْد لمن أَتَى بِهِ والوعيد على من أعرض عَنهُ ومحال كَون ذَلِك كُله على غير فعل ثمَّ الْأَخْبَار فِي الْقُرْآن عَن الَّذِي جَاءَ بِهِ وَتَسْمِيَة ذَلِك عملا وَتَسْمِيَة صَاحبه بِهِ والمعقول فِي ذَلِك أَن يكون هُوَ الَّذِي يشْهد بوحدانية الله ويؤمن برسله ويعتقد ذَلِك وَذَلِكَ أَنه فعله على أَنه لَو لم يكن فعله فَيكون سَائِر مَا لَهُ مِمَّا لَا صنع لَهُ فِيهِ خلقا عِنْد الْجَمِيع وَإِن كَانَ فعله فَهُوَ عِنْد الْقَائِلين بِهَذَا إِن كل فعل العَبْد مَخْلُوق وَقد بَينا ذَلِك فِيمَا تقدم فعلى ذَلِك الْإِيمَان بل هُوَ أَحَق أَن يُوصف بالخلق من سَائِر أَفعَال العَبْد إِذْ هُوَ أعلا أَفعاله وأجلها وَمن الْبعيد وصف الرب بخالق الْأَشْيَاء الدنية والخبيثة وتنزيهه عَن خلق الْأَشْيَاء الرفيعة الْحَسَنَة فَيكون واصفه بِهَذَا شرا من الْمَجُوس والزنادقة حَيْثُ أضافوا إِلَى الله خلق الْخيرَات وَنَفَوْا عَنهُ خلق الشَّرّ وهم لَا نفوا خلق أرفع الْخيرَات وَهُوَ الْإِيمَان مَعَ مَا كَانَ فيهم من يرى جَمِيع الخبرات إِيمَانًا ثمَّ لَا يرى الله يخلق الْإِيمَان فَيكون على قَوْله هُوَ خَالق كل شَرّ وَلَيْسَ بخالق خير الْبَتَّةَ جلّ الله عَن هَذَا الْوَصْف ثمَّ لَا يَخْلُو تعرف الْخَلَائق من أَن يكون طريقها السّمع من غير أَن كَانَ لِلْعَقْلِ من ذَلِك نصيب فَيجب بِمُطلق القَوْل خلق الْإِيمَان بقوله {خَالق كل شَيْء} وَهُوَ شَيْء غير الله فَيجب بِهِ القَوْل بخلقه أَو القَوْل بخلقه بِمَا هُوَ من

الْأَعْمَال وَقد قَالَ الله تَعَالَى {خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} يحِق القَوْل وَفعل الضَّمِير دون غَيرهمَا من الْجَوَارِح وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} فَهُوَ دَاخل فِي جملَة الشيئية بِالْأولِ وَفِي جملَة الْأَعْمَال فِي الثَّانِي وَفِي جملَة مَا يسر ويجهر مَعَ مَا قد يكون فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِمَّا لَا إِشَارَة إِلَى خلقه بإسمه دَاخل ذَلِك فِيمَا بَينا وَفِي قَوْله {الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} فَمثله الْإِيمَان من الَّذِي بَينهمَا وَالله الْمُوفق أَو أَن يكون لِلْعَقْلِ فِي تعرف ذَلِك نصيب فَوجدَ جَمِيع مَا فِي سَائِر المخلوقين من آثَار الصَّنْعَة والخلقة مَا فِي الْإِيمَان فَيجب من طَرِيق النّظر الْجمع بَين ذَلِك على أَنه مِمَّا هُوَ يحدث للْعَبد لحدثه وَعرف خلق الْأَشْيَاء بِمَا كَانَ بعد أَن لم يكن على أَنا نسْأَل من أنكر سؤالا مقررا عَن حَقِيقَة ذَلِك من تَصْدِيق أَو إِقْرَار أَو جَمِيع الْأَعْمَال أَو إِقْرَار وَمَعْرِفَة ذَلِك أَو نَحْو ذَلِك فَيلْزم الإعتراف بِشَيْء من ذَلِك بِمَا يُقَابل بِهِ كل نوع ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقد روى فِي ذَلِك خبر عَن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن الله خلق الْإِيمَان فحفه بالسماحة والحيا وروى أَن الله خلق مائَة رَحْمَة وَمَعْلُوم تَسْمِيَة الْإِيمَان رَحْمَة فَيجب أَن يكون فِيمَا خلق ثمَّة لَهُ ضد يَدْفَعهُ وشكل يعضده أَو يُوَافقهُ وكل ذِي ضد وشبيه خلق ثمَّ هُوَ طَرِيق يسْلك فِيهِ وَدين يدان بِهِ وَمذهب يخْتَار ونحله تعتقد وكل ذَلِك مَخْلُوق ثمَّ الله تَعَالَى ضرب مثله مرّة

مسألة

بِالشَّجَرِ وَمرَّة بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر وَمرَّة بِالْحَيَاةِ وَمرَّة بِالْأَرْضِ الطّيبَة وَمرَّة بالسراج وكل ذَلِك مَخْلُوق فَمثله الْإِيمَان ثمَّ قد ضرب مثل الْكفْر بمضادات مَا بَينا على الإجتماع فِي الحدثية والخلقة فَمثله أَمر الْإِيمَان وَالْكفْر وَالله الْمُوفق ثمَّ الْإِيمَان حسن وَخير وَهدى وزين لصَاحبه وكل مَا ذَلِك وَصفه فَهُوَ مَخْلُوق قَالَ الله تَعَالَى {وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ} ثمَّ قَالَ {وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} وَقَالَ {وَلم تؤمن قُلُوبهم} دلّ أَنه فِي الْقلب وَهُوَ فعله وبعيد كَون مَا لَيْسَ بمخلوق فِيهِ ثمَّ كذب الله تَعَالَى فِي ذَلِك قوما ادعوا لأَنْفُسِهِمْ فَلَو لم يكن فعلهم لم يكن ليكذبهم لِأَنَّهُ مَوْجُود وَإِنَّمَا يعْدم من حَيْثُ الْفِعْل وَالله الْمُوفق مَسْأَلَة ترك الإستثناء فِي الْإِيمَان قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله الأَصْل عندنَا قطع القَوْل بِالْإِيمَان وبالتسمى بِهِ بِالْإِطْلَاقِ وَترك الإستثناء فِيهِ لِأَن كل معنى مِمَّا بإجتماع وجوده تَمام الْإِيمَان عِنْده مِمَّا إِذا اسْتثْنى فِيهِ لم يَصح ذَلِك الْمَعْنى فعلى ذَلِك أمره فِي الْجُمْلَة نَحْو أَن يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِن شَاءَ الله أَو مُحَمَّد رَسُول الله إِن شَاءَ الله وَكَذَلِكَ الشَّهَادَة بِالْبَعْثِ وَالْمَلَائِكَة وَالرسل والكتب وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة وَأَيْضًا أَن حرف الثنيا إِذا ألحق بالْقَوْل منع مضيه على مَا تفوه بِهِ لَوْلَا هُوَ من الْإِقْرَار والعقود والمواعيد وَغير ذَلِك فعلى ذَلِك أَمر الْإِيمَان وَكَذَلِكَ قَالَ

الله سُبْحَانَهُ {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا} فَلم يلْحقهُ وصف الْخلف إِذا كَانَ الْعَهْد مَقْرُونا بالثنيا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ الْعرف الظَّاهِر فِي الْخلق أَنهم لَا يستعملونه فِي مَوضِع الْإِحَاطَة وَالْعلم وَمن سمع ذَلِك استعظم القَوْل نَحْو أَن يشار إِلَى محسوس وَيسْتَثْنى ويستعملونه فِي مَوضِع الشكوك والظنون وَقد حذر الله تَعَالَى بقوله {ثمَّ لم يرتابوا} أَو بِمَا وصف أهل النِّفَاق بِالشَّكِّ والريب لم يجز الثنيا فِي كل مَا لَا يجوز أَظُنهُ وَأَحْسبهُ وأشك فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ إِن الله عز وَجل شهد لمن آمن بِاللَّه وَرَسُوله وَالْيَوْم الآخر بِالْإِيمَان بقوله {آمن الرَّسُول} وَقد مدح بِقطع القَوْل بِهِ بقوله {قُولُوا آمنا بِاللَّه} ثمَّ خَاطب الله فِي كثير من الْعِبَادَات بإسم الْإِيمَان وَفِي كثير من الْحل وَالْحُرْمَة فِي ذَلِك ثمَّ لم يُوجد أحد يخرج فِي شَيْء مِمَّا أحل بإسم الْإِيمَان وَأمر بِهِ ظنا مِنْهُ بِنَفسِهِ أَنه لَيْسَ تَحْقِيق لذَلِك الإسم وَأَن المُرَاد ينْصَرف إِلَى غَيره فَكَذَلِك فِي التسمى ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك أَن الْإِيمَان مِمَّا ينْسب إِلَى الله بالإنعام كَقَوْلِه تَعَالَى {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} وبالإمتنان بقوله {يمن عَلَيْكُم} وبالتزيين فِي الْقُلُوب والتحبيب بقوله {وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ}

وبالأفضال قَوْله {فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} فَلَا يَخْلُو من يسْتَثْنى من أَن يكون عرف صدق نَفسه وعظيم نعم الله وأفضاله أَو لم يعلم ذَلِك أَو علم أَنه على غير ذَلِك فَإِن علم أَنه على غير ذَلِك فبعدا لَهُ فَإِن الثنيا لَا تَنْفَعهُ سوى الإرتياب فِيمَا زعم أَنه لم يُعلمهُ وَإِن لم يعلم صدقه فِيمَا قَالَ وَلَا إمتنان الله وأنعامه فويل لَهُ إِذْ جهل أعظم نعم الله وَكفر بِهِ وَإِن علم ذَلِك فَإِن فِي حرف الشَّك عِنْد السامعين ستر نعم الله وكفران مننه فَذَلِك آيَة الزَّوَال وَسبب المحق وَالله الْمُوفق ثمَّ الأَصْل عندنَا أَن الثنيا حرف يسْتَعْمل فِي مَوضِع التحرج وَهَذَا مَوضِع لَو تحقق الَّذِي لَهُ يتحرج لَا يَنْفَعهُ التحرج بل يلْزمه مقت الله ونقمته وَلَو لم يتَحَقَّق يلْحقهُ حكم كفران نعم الله حَيْثُ لم يره مِنْهُ وَلم يشْكر لَهُ إِذْ أوجب لَهُ ولَايَته وأضاف إِلَى نَفسه الأخراج من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الْحق على مَذْهَب الْمُعْتَزلَة والخوارج والحشوية الإستثناء فِي الدّين وبخاصة فِي الْإِيمَان فَأَما عِنْد الْمُعْتَزلَة والخوارج فَإِنَّهُ يخرج من حَيْثُ لَا يشْعر بِهِ وَيمْتَنع عَن الْإِجَابَة من حَيْثُ لَا يعلم بِهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ أبدا فِي جهل من حَاله فحقه أَن يتسمى بِهِ وعَلى ذَلِك لم يسمع أحد سمى نَفسه برا تقيا زكيا طيبا مُطيعًا لله إِذْ هُوَ اسْم لأحد نَوْعي الْخيرَات أَو لَهَا جَمِيعًا فالإيمان عِنْد ذَلِك مَا كَانَ لَهُم التسمى بِهِ دون الثنيا وَكَذَلِكَ الحشوية إِذْ القَوْل عِنْدهم فِي الْإِيمَان وَفِي كل من أَسمَاء الْمَدْح وَاحِد وَلَا يسمون بِغَيْر ذَلِك بِلَا ثنيا وَفِي لُزُوم هُوَ لَا فِي مَذْهَبهم الثنيا ثمَّ الله تَعَالَى قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فِي غير مَوضِع باسم مَقْطُوع لم يجز أَن يسْتَحق شَيْئا مِمَّا جرى الْخطاب بِهِ من أَمر وَنهى ووعد ووعيد وترغيب وترهيب

فَيكون عَامَّة آيَات الله فِي الْخطاب خَارِجَة مخرج عَبث إِذْ الْحق من جملَة الْمذَاهب من لَا يلْزمه هَذَا القَوْل بمذهبه قَالَ أَو لم يقل وَالله الْمُوفق فَإِن قَالَ قَائِل فقد ذكر الله الثنيا فِي غير مَوضِع الشَّك فَيجوز الثنيا على ذَلِك ثمَّ قَوْله {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} قيل هَذَا لَيْسَ لكم لأَنا قد بَينا تَحْقِيق الشَّك على مذهبكم ثمَّ لم يكن الإحتجاج بِخُرُوج عَن مَوضِع الشَّك وَلَو كُنْتُم كَذَلِك إِذْ قد ذكر الله أهل الْيَقِين فِي غير مَوضِع بإسم الْقطع فَقولُوا لَا يتم بِلَا ثنيا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُقَال قد ذكر الله تَعَالَى الظَّن وَلَعَلَّ وَعَسَى وَالْخَوْف فِي مَوضِع الْيَقِين فَقولُوا عِنْد السُّؤَال نظن ونخاف وَلَعَلَّ وَمثل ذَا فَإذْ لم يجب هَذَا بِمَا الْعرف فِيهِ عبر وَإِن اعْترض فِي مَوَاضِع لهَذِهِ الأحرف مساغ فِي حق الْيَقِين لَعَلَّك وَكَذَلِكَ أَمر الثنيا ثمَّ يُعَارض لجَمِيع مَا ذكر من الْإِيمَان بِاللَّه وَمُحَمّد مَعَ الثنيا فإيذا كَانَ القَوْل مُمْتَنعا والواصف بِهِ فِي حق من لم يُؤمن قُلُوبهم فَكَذَلِك الأول وَقد روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن أفضل الْأَعْمَال فَقَالَ إِيمَان لَا شكّ فِيهِ وَجِهَاد لَا غلُول فِيهِ وَحج مبرور فَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا} فَإِن قيل مَا الْحِكْمَة فِي قَوْله {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام} قيل يخرج هَذَا عندنَا على وُجُوه وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك لكنه خبر أخبر عَن قَول غَيره لم يقل لتدخلن إِن شِئْت وَلَكِن قَالَ إِن شَاءَ الله ليعلم أَنه قَول غَيره ثمَّ احْتمل أَن يكون الله علم رَسُوله أَن يَقُول ذَلِك وَيسْتَثْنى لما هُوَ وعد

وَقد كَانَ قَالَ {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ولأفعلنا ولتدخلن وَاحِد لكنه أَمر بالثنيا إِن كَانَ وعده لَهُ أَو لَا ليعلم النَّاس حق الْوَعْد كَمَا أمره بالمشورة ليعلم النَّاس خطرها أَو لما كَانَ أضَاف الله إِلَيْهِ الدُّخُول وَقد كَانَ وعد خاصته أَو من بقى مِنْهُم فالثنيا لما خشِي الفناء على بعض المخاطبين أَو كَانَ فِي قَوْله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} ثمَّ هُوَ يتَوَجَّه وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون رَأْي كَذَلِك قولا مَقْرُونا بالثنيا فَذكر على ذَلِك إِذْ كَانَ رَسُول الله أخبر الْقَوْم بِالدُّخُولِ لوقت لم يبين لَهُ فاستثنى فِي ذَلِك وَذَلِكَ حق فِي كل مَا يرتاب لَا مَا يتقين فِيهِ على مَا ذكرنَا فَمن كَانَ على يَقِين من دينه وَعلم من صدق مِمَّن يعلم حد الْإِيمَان وَأَنه قد أوفاه فَعَلَيهِ أَن يَقُوله شكرا لما أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِك تَزْكِيَة لاشتراك الْجَمِيع فِي ذَلِك وَلما أمروا بِهِ وَلما هُوَ مَعْلُوم الْحَد وَلما بِالْيَقِينِ بِهِ يعلم مواقع الْخطاب ودخوله فِيهِ وَلما يعلم أَن الله إِذْ سماهم بِهِ سماهم بِمَا استحقوا ذَلِك مَعَ مَا ألزم الله عز وَجل بِظَاهِر الدّين أحكاما من معاملات الْخلق وأنواع الْحُقُوق مِمَّا يلْزمهُم إِظْهَار ذَلِك للْقِيَام بالحقوق الَّتِي يلْزم النَّاس بهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعَظِيم

مسألة ألحقت بالمتن في نسخة

مَسْأَلَة ألحقت بِالْمَتْنِ فِي نُسْخَة مَسْأَلَة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان تكلم النَّاس فِي الْإِسْلَام أَنه اسْم الْإِيمَان فِي التَّحْقِيق أَو غَيره فَأَما من يَقُول بِأَن الْإِيمَان اسْم لجَمِيع الْخيرَات فقد اخْتلفُوا فِي ذَلِك خلافًا يشبه أهل القَوْل بِهِ وَإِلَّا فَلَا معنى لاختلافهم إِذْ احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} وصيروا لكل شَيْء يقبل إسلاما وكل خير إِيمَان وكل مَقْبُول خير وكل خير مَقْبُول فيكونان فِي الْحَقِيقَة وَاحِدًا لكِنهمْ فرقوا بَينهمَا اسْتِدْلَالا بتفريق الْكتاب بقوله {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} فَأذن لَهُم بالْخبر عَن الْإِسْلَام وَلم يَأْذَن لَهُم بالإخبار عَن الْإِيمَان وَكَذَا روى فِي قصَّة جِبْرِيل فِيمَا سَأَلَ رَسُول الله عَن الْإِيمَان فَقَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْقدر خَيره وشره من الله وَسَأَلَ عَن الْإِسْلَام فَقَالَ أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وتقيم الصَّلَاة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت فَقَالَ فِي الأول فَإِن فعلت هَذَا فَأَنا مُؤمن وَفِي الثَّانِي فَأَنا مُسلم قَالَ نعم صدقت قَالَ فَفرق الْكتاب بَين الْأَمريْنِ ثمَّ السّنة ثمَّ تَصْدِيق جِبْرِيل فِي ذَلِك ثمَّ الشَّهَادَة بالإسم الَّذِي ذَلِك فعله ثمَّ أخبر عَلَيْهِ السَّلَام أَن هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم ليعلمكم أَمر دينكُمْ وَلَا يحْتَمل إجتماع أُمَنَاء السَّمَاء وَالْأَرْض على تَعْلِيم أَمر بِالتَّفْرِيقِ وَالْحق فِيهَا الْجمع فَثَبت بِهِ التَّفْرِيق بَينهمَا

ثمَّ اخْتلف الَّذين قَالُوا الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق لَا غير فِي الْإِسْلَام فَمنهمْ من يُوَافق هُوَ لَا فِي جعل الْإِسْلَام إسما لما ظهر من الْقرب وَالْإِيمَان للتصديق خَاصَّة إستدلالا بِالَّذِي ذكرت من حكم الْكتاب وَالسّنة إِنَّه إِذن للأعراب بالتسمى بِالْإِسْلَامِ بِالظَّاهِرِ وَلم يَأْذَن بالتسمى بِالْإِيمَان لما لم يكن لَهُم حَقِيقَة فِي الْقلب وَمثله الْخَبَر إِذْ رد الْإِسْلَام إِلَى ظواهر الْأُمُور وَالْإِيمَان إِلَى التَّصْدِيق بِالَّذِي ذكر وَهَذَا القَوْل أقرب بِظَاهِر الْقَوْلَيْنِ من الأول لِأَن الْأَوَّلين لم يجْعَلُوا اسْم الْإِسْلَام على الظَّاهِر وَالْإِيمَان على التَّصْدِيق بل جعلُوا الْإِسْلَام على الظَّاهِر وَالْبَاطِن جَمِيعًا فهم خالفوا جَمِيع مَا احْتَجُّوا بِهِ مَعَ مَا كَانَ كل مِنْهُم إِذا سُئِلَ عَن الْإِيمَان أَضَافَهُ إِلَى جَمِيع الْخيرَات فعلى قَوْلهم خالفوا مَا احْتَجُّوا بِهِ من الْقُرْآن بِبَيَان الْموضع لَهُ وَبِمَا جَاءَ من تَفْسِير الْأُمَنَاء فِي ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما القَوْل عندنَا فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام إِنَّه وَاحِد فِي أَمر الدّين فِي التَّحْقِيق بالمراد وَإِن كَانَا قد يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنى بِاللِّسَانِ وَلما فِيهِ من الإختلاف أَبَت أنفس الْكَفَرَة التسمى بِالْإِسْلَامِ وَلَيْسَ أحد مِنْهُم يَأْبَى التسمى بِالْإِيمَان أَو لما كَانَ من الْمَعْرُوف من الْإِسْلَام أَنه اسْم الَّذين وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَعْرُوف من الْإِيمَان وَلذَلِك قيل دَار إِسْلَام وَدَار الْكفْر وَلم يقل دَار إِيمَان وَلَا تَكْذِيب وَإِن كَانَ الْكفْر تَكْذِيبًا فعلى ذَلِك أَمر التسمى بِهِ ثمَّ من جِهَة التَّحْقِيق بالمراد فِي الدّين إِن الْإِيمَان هُوَ اسْم لشهادة الْعُقُول والْآثَار بالتصديق على وحدانية الله تَعَالَى وَأَن لَهُ الْخلق وَالْأَمر فِي الْخلق لَا شريك لَهُ فِي ذَلِك وَالْإِسْلَام هُوَ إِسْلَام الْمَرْء نَفسه بكليتها وَكَذَا كل شَيْء لله تَعَالَى بالعبودة لله لَا شريك فِيهِ فحصلا من طَرِيق المُرَاد فيهمَا على وَاحِد إِلَّا أَن الأول بِالْإِيمَان بِاللَّه وَأَن لَهُ مَا ذكرنَا وَالثَّانِي فِي جعل مَا ذكرنَا لله يشْهد لما بَينا قَوْله جلّ ثَنَاؤُهُ {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} أَن وصف الْمُسلم بِمن هُوَ سلم لرجل وَالْكَافِر بِمن فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون

ثمَّ قَالَ قوم الْإِسْلَام فِي اللُّغَة الْإِخْلَاص وعَلى ذَلِك قَوْله {إِذْ قَالَ لَهُ ربه أسلم} وَقَوله {آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} فَهُوَ على إخلاص العَبْد نَفسه لله تَعَالَى وَلَا يَجْعَل لأحد فِيهَا شركا وَهُوَ يرجع أَيْضا إِلَى مَا بَينا وَقَالَ قَائِلُونَ الْإِسْلَام الإستسلام والخضوع لله وعَلى هَذَا أَمر الْأَعْرَاب أَن يَقُولُوا أسلمنَا لَكِن ذَلِك على الإستسلام للْمُؤْمِنين لَا لله كَمَا قَالَ جلّ وَعلا {لَأَنْتُم أَشد رهبة فِي صُدُورهمْ من الله} وكما وَصفهم فِي قَوْله {يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم هم الْعَدو} وَغير ذَلِك مِمَّا أظهر بِهِ خوف الْمُنَافِقين من أَصْحَاب رَسُول الله وَلذَلِك كَانُوا يظهرون الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله وَيُنْكِرُونَ بقلوبهم وَالْإِسْلَام هُوَ الخضوع لله تَعَالَى والإستسلام لَهُ بالإختيار على مَا هم عَلَيْهِ لله بالخلقة والجوهر وَالْإِيمَان لَا يتَوَجَّه إِلَى هَذَا الْوَجْه فنفى عَنْهُم وَإِن كَانُوا أظهروه من عِنْد أنفسهم لِأَن حَقه الْقلب وَاللِّسَان معبر عَنهُ لذَلِك شهد الله تَعَالَى على الْمُنَافِقين بِالْكَذِبِ بِمَا أخبروا من إِيمَانهم إِذْ حَقِيقَته بِالْقَلْبِ وَلم يكن لَهُم ذَلِك وَلِهَذَا مَا بقى إِيمَانهم وَأثبت لَهُم القَوْل بِهِ لَا غير وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِذا كَانَ حَقِيقَة الْإِسْلَام مَا ذكرنَا وَحَقِيقَة الْإِيمَان مَا ذكرنَا ففاسد وجود أَحدهمَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْآخر لَيْسَ وجوده بِالْحَقِيقَةِ فَلذَلِك قيل هما وَاحِد فِي التَّحْصِيل وَإِن كَانَت الْعبارَة من الإسم فِي الْإِطْلَاق رُبمَا تخْتَلف كالإنسان وَابْن آدم وَرجل وَفُلَان يخْتَلف من ظَاهر الْإِسْلَام الْمَعْنى وَفِي التَّحْقِيق وَاحِد من حَيْثُ كَانَ بِوُجُود وَاحِد وجود الآخر إِلَّا من الْوَجْه الَّذِي وصفت فِي حق الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ بِاللِّسَانِ وَالله أعلم

ثمَّ الأَصْل أَنه من الْبعيد عَن الْعُقُول أَن يأتى الْمَرْء بِجَمِيعِ شَرَائِط الْإِيمَان ثمَّ لَا يكون مُسلما أَو يَأْتِي بِجَمِيعِ شَرَائِط الْإِسْلَام ثمَّ لَا يكون مُؤمنا ثَبت أَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَة وَاحِد وَمَعْلُوم أَن الَّذِي يسع لَهُ التسمى بِأَحَدِهِمَا يسع بِالْآخرِ وَأَن الَّذِي بِهِ يخْتَلف الْأَدْيَان إِنَّمَا هُوَ الإعتقاد لَا بِأَفْعَال سواهُ وبالوجود يسْتَحق كل الإسم الْمَعْرُوف لذَلِك وَجب مَا قُلْنَا وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَالَ {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} فالمؤمن بِالصّفةِ الَّتِي يصير بهَا مُؤمنا لَا يَخْلُو من أَن يكون أَتَى بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الدّين عِنْد الله أَو أَتَى بِبَعْضِه لَا كُله أَو ابْتغى غير دين الله فَإِن قَالَ بِالْأولِ أذعن للحق وَإِن قَالَ بِالثَّانِي فَهُوَ إِذا لم يبتغ بِهِ دينا إِنَّمَا ابْتغى بعضه وَذَلِكَ بعيد بل شهد الله على مثله بِأَنَّهُ كَافِر حَقًا وَبعد فَإِن كل كَافِر قد يأتى بِبَعْضِه ثمَّ لم يجب بِهِ الإسم وَقد سمى بِهِ من ذكرت ثَبت أَنه قد أَتَى بِالْكُلِّ وَإِن قَالَ بالثالث صير دَار الْمُؤمنِينَ النَّار وأبطل جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل من الْأَمر بِالْإِيمَان بهم ثمَّ لم يصر مُسلما بذلك وَجَاء بِمَا لَا يقبل مِنْهُ من الْأَدْيَان ثَبت أَنه التَّام من الدّين وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ الإختلاف الَّذِي من خبر جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قد روى فِي ذَلِك اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ روى عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْإِيمَان ثمَّ عَن شرائع الْإِسْلَام فَأجَاب بِالَّذِي ذكر فِي السُّؤَال عَن الْإِسْلَام فَيكون هَذَا الْخَبَر تَفْسِيرا للْخَبَر الأول وَيحمل الْخَبَر الأول على جِهَتَيْنِ إِمَّا على أَن الرَّاوِي لم يسمع الشَّرَائِع فِي السُّؤَال أَو فِي الرِّوَايَة عَن الَّذِي رَوَاهُ فروى كَذَلِك يُؤَيّدهُ خبر ابْن عمر أَن ذَلِك قد كَانَ وَمن الْبعيد أَن يكون مِقْدَار الأول وَيُؤَيِّدهُ ابْن عمر لما يسْقط الشَّهَادَة بِمَا يخبر عَن جِبْرِيل وَعَن الرَّسُول بِغَيْر الَّذِي قَالَا وَغير مَدْفُوع حَقًا الْبَعْض على بعض فيرونه على مَا

وَقع عِنْده وأيد هَذَا مَا ذكر فِي بعض الْأَخْبَار أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم ليعلمكم دينكُمْ وروى فِي غَيره ليعلمكم أَمر دينكُمْ فَكَانَ فِي الْخَبَر أَمر دينكُمْ وَإِن خفى على الآخر فَمثله الْخَبَر الأول والجهة الثَّانِيَة على أَن الإكتفاء بِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنهم قد علمُوا أَنه لَا يجوز أَن يكون مُؤمنا غير مُسلم فِي الْحَقِيقَة أَو مُسلما غير مُؤمن فَرَأَوْا أَن ذَلِك الْقدر كَاف عَن الإبلاغ فِي الذّكر لظُهُور ذَلِك وَالْآخر أَن يكون الثَّانِي عِنْده الْبَيَان عَن أَفعَال الْإِسْلَام يرويهِ بإسمه على مجَاز اللُّغَة فِي تَسْمِيَة الشَّيْء بإسم سَببه وإسم الْمُتَّصِل بِهِ ثمَّ قد ثَبت أَنَّهُمَا وَاحِد فِي التَّحْقِيق على مَا جرى بِهِ أَحْكَام الْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {قُولُوا آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} فألزمهم اسْم الْإِسْلَام بِالَّذِي بِهِ صَارُوا مُؤمنين وَمثله فِي يُونُس {وَقَالَ مُوسَى يَا قوم إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين} فصيرهم بِالَّذِي آمنُوا مُسلمين وَقَالَ عز وَجل {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين} صير ذَلِك مِنْهُم إسلاما لَو صدقُوا فِي إِيمَانهم وَكَذَلِكَ بِهِ يكونُونَ مُؤمنين وَقَالَت الْمَلَائِكَة {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} فصير الَّذين كَانُوا مُسلمين مُؤمنين ثمَّ كَذَلِك إِن الله تَعَالَى ذكر الْبشَارَة مرّة بِذكر الْإِيمَان وَمرَّة بِذكر الْإِسْلَام ثَبت أَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَة وَاحِد وَقد روى عَن نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة وروى أَنه لَا يدخلهَا إِلَّا نفس مسلمة

ثمَّ الْأَمر المتوارث من غير تنَازع فِي تَسْمِيَة كل مُسلم مُؤمنا وكل مُؤمن مُسلما ثمَّ اتِّفَاق أهل الْمذَاهب فِي الْإِسْلَام أَن مَا يخرج من الْإِيمَان يخرج من الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ الَّذِي يخرج من الْإِسْلَام يخرج من الْإِيمَان ثمَّ مَا لَا تنَازع فِي الْآخِرَة فِي جَمِيع الْفرق أَن الدَّار الَّتِي هِيَ لأهل الْإِسْلَام هِيَ لأهل الْإِيمَان وَأَن الَّتِي هِيَ لهَؤُلَاء هِيَ لهَؤُلَاء وَكَذَلِكَ قسم الله الْخلق فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ {فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن} وَمَا نظر صَاحب القَوْل فِي الْمُسلم من هُوَ مِنْهُمَا وَقَالَ الله تَعَالَى {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} فَمَا فَتْوَى صَاحب هَذَا القَوْل فِي الْمُسلم أَنه مَا صفة وَجهه وَقَالَ {وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله} وَقَالَ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} فَمَا حَاله لَو قَالَ أَنا من الْمُؤمنِينَ وَقَالَ {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن} كَمَا قَالَ {وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله} ثمَّ يُقَال لصَاحب هَذَا القَوْل تحقق هَذَا الإسم بِأَحَدِهِمَا وَيمْنَع الآخر حكما فِي أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَو لَا فَإِن حقق فَيُقَال مَا ذَلِك إِلَّا أَي الدَّاريْنِ يرد الْمُسلم أَو الْمُؤمن ثمَّ فِي الشَّاهِد أَي الإسمين أَحْمد وَأي حق فِيمَا بَين العَبْد وربه أَو بَينه وَبَين الْخلق تحقق لَهُ عِنْد وجود أحد الإسمين وَلَا تحقق عِنْد وجود الآخر فَلَا يجد إِلَى تَحْقِيق ذَلِك سَبِيلا فَيُقَال عِنْد ذَلِك إِذْ لم يَجْعَل الإسم بِأَحَدِهِمَا علما لأمر منعت الْمُسَمّى بِالْآخرِ وَكَذَلِكَ فِيمَا يلْحق الضَّرَر فَإِذا صرت أَنْت بِالتَّفْرِيقِ عابثا ملبسا

ثمَّ النَّاس فِي عهد رَسُول الله ثَلَاثَة مُؤمن وَكَافِر ومنافق لم يعرف للْمُسلمِ دَرَجَة خَارِجَة من هَؤُلَاءِ وَلَا لِلْمُؤمنِ وَفِي التَّفْرِيق ذَلِك وَذَلِكَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَمر الأول من الْخلق على أَن أهل الْأَدْيَان جَمِيعًا فروا عَن إسم الْإِسْلَام فَلَو لم يكن الْإِسْلَام مَعْرُوفا عِنْدهم أَنه مَا مَعْنَاهُ وَمَا الَّذِي نفر عَنهُ طباعهم لَكَانَ لَا معنى لذَلِك وَبِه وصف الرُّسُل أَنهم سموا وَإِذا ثَبت أَنه مَعْلُوم عِنْد الْخلق فَمن رام صرفه إِلَى معنى زَائِد فِي الدّين أَو إِلَى معنى زَائِد على الْإِيمَان أَو نَاقص عَنهُ يجب إِن ذهب إِلَى معنى نَاقص عَنهُ أَن يَجْعَل الْإِسْلَام دون الْإِيمَان فَيجب حَقِيقَته والتدين بذلك الدّين ثمَّ لَا يكون مُؤمنا وَإِن كَانَ زَائِدا فَيجب أَن لَا يَقع النفار عَن قدر مَا يدعونَ إِلَى الْإِيمَان وَإِن لم يُوصف لَهُم أَنه أسلم فَإذْ وجد ذَلِك ثَبت أَن معنى ذَلِك غير زَائِد على الآخر وَلَا لَهُ وجود دونه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ ثمَّ بَين الله دينه فَقَالَ {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه} فَيُقَال أهوَ مُسلم أَو لَا فَإِن قَالَ لَا فقد بدل إِذا دين الله وَإِن قَالَ نعم صَار مُسلما بِفعل الْإِيمَان لَا غير على أَن هَذَا الْخَبَر فِي تَبْدِيل الدّين وَأَنه مَعْرُوف أَنه الإعتقاد لَا غير وَأَن المُرَاد فِي ذَلِك رَاجع إِلَى الدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام ثَبت أَنه مَعْرُوف الْحَد وَالْقدر يعرف مبدله وَلَو كَانَت الْأَفْعَال سوى الإعتقاد دينا كَانَ كل وَاحِد فِي كل أَحْوَاله مبدل الدّين لوُجُود تِلْكَ الْأَفْعَال أَفعَال من الْقرب فِي كل وَقت وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ يُقَال لَهُ الْخَبَر الَّذِي رويت فِي هَذَا الْبَاب فِي تَفْسِير الْإِسْلَام فِيهِ ذكر الْأُمُور الظَّاهِرَة وَكَذَلِكَ أهل النِّفَاق يوافقون الْمُؤمنِينَ فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة وَقد

قيل لَهُم {قُولُوا أسلمنَا} أهوَ الْإِسْلَام فِي الْحَقِيقَة أَو لَا فَإِن قَالَ نعم هُوَ الْإِسْلَام فِي الْحَقِيقَة صير قَوْله {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَوله {ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} هُوَ الَّذِي ذكر فَيجب أَن يكون قَوْله {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} وَقَالَ {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم} هُوَ ذَلِك الَّذِي قَالَ لَهُم {قُولُوا أسلمنَا} وَمَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر لوُجُود تِلْكَ الشَّهَادَة فِي أهل النِّفَاق وَتلك الْأَفْعَال فَيكون المخلصون والمؤمنون قد ابْتَغوا غير الْإِسْلَام دينا وَتركُوا مَا رضى الله عَنْهُم وَأهل النِّفَاق الَّذين جَاءُوا بِهِ وَذَلِكَ بعيد فَثَبت أَن ذَلِك الْإِسْلَام الإنقياد والإستسلام وَأما حَقِيقَته فَهُوَ الدّين فِي الْحَقِيقَة لَا مَا ذكر من الظَّوَاهِر دَلِيل ذَلِك الْأَمر الَّذِي ذكرُوا أَن الله قَالَ فِي آخر السُّورَة {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم} وَلَو كَانَ الْإِسْلَام مَا أظهرُوا كَيفَ قَالَ {إِن كُنْتُم صَادِقين} ثمَّ فِيهِ أَنه جعلهم مُسلمين كَمَا قَالُوا إِن هُدُوا للْإيمَان لَا بِمَا أظهرُوا ثَبت أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ قَالَ {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} ثمَّ بَين ذَلِك الدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام وَقَالَ

{كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم} صير ذَلِك لم يقبل دينا غير الْإِيمَان الَّذِي وصف ثمَّ جعلهم مبدلين دين الْإِسْلَام بالْكفْر بعد الْإِيمَان ليعلموا أَنَّهُمَا وَاحِد مَعَ مَا كَانَ فِيمَا تقدم كِفَايَة من قَوْله {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} إِلَى قَوْله {مُسلمُونَ} وَالْأَصْل عندنَا أَن الْأَسْمَاء إِنَّمَا جعلت لمعْرِفَة أَهلهَا فِيمَا أريدوا بِأُمُور جعلت لَهُم وَعَلَيْهِم وَفِيمَا وعدوا وأوعدوا ثمَّ لم يكن أحد يُخَيّر فِيمَا جرى آيَة الذّكر بإسم الْإِيمَان أَو الْإِسْلَام مِمَّن ينتحل دين الْإِسْلَام فِي اقْتِضَاء الذّكر إِيَّاه من حَيْثُ الإسم ثَبت أَن حقيقتهما وَاحِد وَأَن من يروم التَّفْرِيق بَينهمَا من بعيد يخترع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الطيبين الطاهرين

§1/1