التهذيب في اختصار المدونة

أبو سعيد ابن البراذعي

ربِّ يسر الحمد لله القديم الأزلية، الدائم الألوهية، على ما خصَّ من نعمه حمداً يؤدي شكره، ويوجب مزيده، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ورسله. هذا كتاب قصدت فيه إلى تهذيب مسائل المدونة والمختلطة خاصة دون غيرها، إذ هي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، واعتمدت فيها على الإيجاز والاختصار، دون البسط والانتشار، ليكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه، وعدة لتذكره. وجعلت مسائلها على الولاء حسب ما هي في الأمهات إلا شيئاً يسيراً ربما قدّمته أو أخّرته، واستقصيت مسائل كل كتاب فيه خلا ما تكرر من مسائله،

أو ذكر منها في غيره، فإني تركته مع الرسوم، وكثير من الآثار، كراهية التطويل. وصحّحت ذلك على روايتي عن أبي بكر بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون. وكان الفراغ من تأليفه سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وإلى الله تعالى أرغب في لزوم طاعته، وشكر نعمته، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم.

(كتاب الطهارة)

(كتاب الطهارة) 1 - قال ابن القاسم: لم يُوقِّت مالك - رحمه الله - في الوضوء والغسل واحدة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، إلا ما أُسبغ. وقد اختلفت الآثار في التوقيت [في الوضوء] . 2 - ويمسح الرأس يبدأ بيديه من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما

إلى المكان الذي بدأ منه، قال مالك وعبد العزيز (¬1) : هذا أحسن ما سمعنا في مسح الرأس وأعمه عندنا. (¬2) 3 -[قال مالك] : لا يتوضأ بماء بُلّ فيه شيء من الطعام. (¬3) ولا بماء وقع فيه جلد فأقام أياماً حتى ابتل، وإن وقع فيه جلد أو ثوب فأخرج مكانه جاز منه الوضوء. وليس قلة مقام الجلد فيه كقلة بقاء الخبز [فيه] ، ولكل شيء وجه. 4 - لا يتوضأ بشيء من الطعام والشراب، ولا من أبوال الإبل وألبانها، ولا ¬

(¬1) هو أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، كان فقيهاً، دارت عليه الفتوى أجازه المهدي بعشرة آلاف دينار، له كتب وكلام مصنف، في الأحكام، توفي ببغداد سنة 160هـ، في خلافة المهدي، ودُفن في مقابر قريش، وقيل 164هـ، وانظر: تاريخ بغداد (10/436) ، والجرح والتعديل (5/386) . (¬2) انظر: الخرشي على المختصر (1/120، 132) ، ومواهب الجليل للحطاب (ص181، 182) . (¬3) كالخبز كما في المدونة، وانظر: مواهب الجليل (1/58، 59) .

بالعسل الممزوج بالماء ولا بالنبيذ، والتيمم أحب إليّ من ذلك. وأحب إليّ أن يتمضمض من اللبن واللحم، ويغسل الغَمَر (¬1) إذا أراد الصلاة. 5 - قال مالك: ولا يتوضأ بماء قد توضئ به مرة، ولا خير فيه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد غيره فيتوضأ به أحب إليّ، إن كان الذي توضأ به أولاً طاهر [الأعضاء] ولا يُنجِّس ثوباً أصابه. 6 - ويجوز الوضوء بالماء يقع فيه البصاق والمخاط وشبهه، وخشاش الأرض مثل الزنبور، والعقرب، [والخنفساء، والصرار] وبنات ¬

(¬1) الغَمَر: الدَّسم والُّزهومة من اللحم، النهاية (3/385) .

وردان (¬1) وشبه ذلك. ودواب الماء مثل السرطان والضفدع إذا ماتت في طعام أو شراب لم تفسده، وإذا مُلّحت حيتان فأصيبت فيها ضفادع ميتة فلا بأس بأكلها، لأن هذا من صيد البحر (¬2) . وروث ما يؤكل لحمه مما لا يصل إلى الجيف طاهر، وكل ما لا يفسد الثوب فلا يفسد الماء. 7 - ويجوز الوضوء بسؤر (¬3) الدواب. وهو وغيره سواء، وعرقها وما يخرج من أنوفها طاهر. مالك: ومن توضأ بماء ولغ فيه كلب وصلى أجزأه. وقال عنه علي: فيمن توضأ بماء ولغ فيه كلب [وصلّى ¬

(¬1) دُويبة نحو الخنفساء حمراء اللون، وأكثر ما تكون في الحمامات والكُنُف، الوسيط (2/1066) . (¬2) هذا هو المشهور في المذهب خلافاً لما نُقل عن ابن نافع وابن دينار، وما نقل عن ابن عرفة عن عبد الحق، وانظر: مواهب الجليل (1/88) . (¬3) هو بقية الشيء، الوسيط (سأر) (1/426) .

لا إعادة عليه، وإن علم في الوقت، قال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء به] إن كان [الماء] قليلاً، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه. 8 - وقال ابن شهاب: ولا باس أن يتوضأ بسؤر الكلب إذا اضطر إليه. 9 - قال مالك: وإن ولغ الكلب في لبن أو طعام أكل، ولا يغسل منه الإناء، وإن كان يغسل سبعاً للحديث (¬1) ففي الماء وحده، وكان [مالك] يضعفه ويقول: ¬

(¬1) رواه البخاري (172) ، ومسلم (279) ، ومالك (36) موطأ.

قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته، وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت، ليس كغيره من السباع. قال سحنون: والهرُّ أيسر منه، لأنه مما يتخذه الناس. [قال مالك] : ولا باس بلعابه يصيب الثوب [أو الجسد] يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟. 10 -[قال مالك: والطير والدجاج والأوز المُخلاّة والسباع التي تصل إلى النتن إن شربت من طعام أو لبن أو غيره أكل، إلا أن يكون في أفواهها وقت شربها أذى فلا يؤكل. وإن شربت من إناء فيه ماء فلا يتوضأ به، لاستجازة قلوحه] .

11 - وقال ابن القاسم: ويطرح ويتيمم من لم يجد سواه، ومن توضأ به وصلى ولم يعلم أعاد في الوقت، وأما إن شربت [من لبن أو أكلت] من طعام، فإنما يطرح إذا أقنت أن في افواهها أذى، يعني وقت شربها، وما لم ير من ذلك فلا بأس [به] بخلاف الماء لاستجازة طرحه، وإن كانت مقصورة أو كانت بمكان لا تصيب فيه الأذى، فسؤرها طاهر، وهي كغيرها من الحمام، ولا بأس بالخبز من سؤر الفأرة، ويغسل ما أصاب بولها. (¬1) 12 - ولا يكره استقبال القبلة واستدبارها لبول، أو لغائط، أو لمجامعة، إلا في الفلوات، فأما المدائن والقرى والمراحيض التي على السطوح فلا بأس به، وإن كانت تلي القبلة. (¬2) ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير للدرديري (1/43) ، والمقدمات لابن رشد (1/89، 90) ، والبيان والتحصيل (1/35) ، والذخيرة (1/181) ، (1/187) ، البيان والتحصيل (1/42) ، المعيار المعرب (1/12) . (¬2) لحديث البخاري (394) ، ومسلم (264) ، وانظر: شرح السنة (1/359) ، والذخيرة للقرافي (1/204، 205) .

13 - ولا يُستنجى من الرِّيح، ولكن من البول والغائط، ومن [تَغَوَّط] واستنجى بالحجارة ثم توضأ ولم يغسل مخرج الأذى بالماء حتى صلى أجزأته [صلاته] ، ويغسل مخرج الأذى [بالماء] لما يُستقبل. (¬1) 14 - ولا ينتقض الوضوء من مسّ شيء من البدن، إلا من [مسّ] الذكر وحده بباطن الكف، أو بباطن الأصابع، فينتقض [وضوءه] ، وإن مسَّه بظاهر الكف أو الذراع لم ينتقض وضوءه، ولا ينتقض وضوء المرأة إذا مسَّت فرجها. ومن مس ذكره في غسل جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمرّ بيديه على مواضع الوضوء في غسله فيجزيه [ذلك] . (¬2) ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/206) . (¬2) انظر: الذخيرة (1/221، 224) والموطأ (61) .

15 - ومن نام [ساجداً أو] جالساً أو راكباً الخطرة ونحوها، فلا وضوء عليه. وإن استثقل نوماً وطال ذلك أعاد الوضوء. ونومه راكباً قدر ما بين العشائين طويل، ولا وضوء على من نام محتبياً (¬1) [في يوم جمعة وشبهه، لأنه لا يثبت] . قال أبو هريرة: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء. ¬

(¬1) هو الجالس على أليته، وضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند، الوسيط (حبا) (1/160) .

16 - قال ابن شهاب: السنة فيمن نام راكعاً أو ساجداً فعليه الوضوء. وقال ابن أبي سلمة: من استثقل نوماً على أي حال كان فعليه الوضوء. (¬1) 17 - ومن اعتراه مذي أو بول المرة بعد المرة لأَبْرِدَة أو علة توضأ إلا أن يستنكحه ذلك، فيستحب له الوضوء لكل صلاة [من غير إيجاب] كالمستحاضة، فإن شق عليه الوضوء لبرد أو نحوه لم يلزمه [الوضوء] ، وإن خرج ذلك من المستنكح في الصلاة داراه بخرقة ومضى في صلاته، وإن لم يكن مستنكحاً قطع، وإن كثر عليه المذي لطول عزبة، أو تذكر، لزمه الوضوء لكل صلاة. 18 - ولا شيء على من خرج من دُبره دود، وإن خرج من فرج المرأة دم فعليها الغسل إلا أن تكون مستحاضة. (¬2) ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/118، 119) ، وأثر أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/124) ، وعبد الرزاق (1/129) . (¬2) انظر: الشرح الكبير (1/116) ، والذخيرة (1/212، 213) .

19 - قال عليّ عن مالك: ولا يغسل الرجل أنثييه من المذي (¬1) إذا توضأ إلا أن يصيبهما منه شيء، إنما عليه غسل ذكره. قال مالك: والمذي أشد من الودي، لأن المذي يجب منه الوضوء مع غسل الفرج، والودي بمنزلة البول. 20 - قال يحيى بن سعيد: ومن به باسور لا يزال يطلع منه فيرده بيده فما عليه إلا غسل يده إلا أن يكثر ذلك عليه فلا يغسلها [وكان ذلك بلاء نزل به يعذر به، بمنزلة القُرحة] . (¬2) ومن خُنق (¬3) قائماً أو قاعداً ثم أفاق توضأ، ولا غسل عليه. ومن فَقَد عقله ¬

(¬1) هو ماء رقيق يخرج من مجرى البول، من إفراز غُدد معينة عند المداعبة والتقبيل من غير إرادة، الوسيط (المذي) (2/894) . (¬2) انظر: الوسيط (2/751) وفيه أن القرحة: البثرة إذا دب فيها الفساد. (¬3) خنق: عصر حلقه حتى مات، الوسيط (1/268) .

بإغماء أو بجنون أو سكر توضأ، وقد يتوضأ من هو أيسر شأناً ممن ذكرنا، وهو الذي ينام ساجداً أو مضطجعاً، لقول الله تعالى: ×إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... %، (المائدة: 6) . قال زيد بن اسلم: يعني من النوم. 21 - وإذا مسّ أحد الزوجين صاحبه للذة من فوق الثوب أو [من] تحته، أو قَبَّله على غير الفم فعليه الوضوء، أنعظ (¬1) الرجل أم لا، [وإن مست ¬

(¬1) نعظ ذكره نعظاً: قام وانتصب، الوسيط (نعظ) .

المرأة ذكر الرجل لمداواة لغير شهوة فلا وضوء عليها] ، وإن مسه لغير شهوة [لمرض به ونحوه] فلا وضوء عليه، والمفعول به ذلك إن التذ توضأ، وإلا فلا وضوء عليه. (¬1) 22 - ومن شك في بعض وضوئه [فلم يتيقن أنه غسله] ، فليغسل ما شك فيه، ولو أيقن بالوضوء ثم شك في الحدث فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه، [بمنزلة من شك فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليلغ الشك] إلا أن يستنكحه ذلك كثيراً فلا يلزمه إعادة شيء من وضوء ولا صلاة. (¬2) 23 - ولا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بماء أدخل يده فيه، ولا بأس بذلك ¬

(¬1) انظر في المسألة: الشرح الكبير (1/120) ، والذخيرة (1/227، 228) . (¬2) انظر: الذخيرة (1/218) .

من الحائض والجنب، إذا لم يكن في أيديهما نجس. 24 - مالك: ومن نَكَّس وضوءه وصلى أجزأته صلاته، ويعيد الوضوء أحب إليّ، وما أدري ما وجوبه وقد قال عليّ وابن مسعود: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا. 25 -[ومن فرّق وضوءه أو غسله متعمداً، أو نسي بعضه] ، ومن ترك بعض

مفروضات الوضوء، أو [بعض] الغسل أو لمعة عمداً حتى صلى، أعاد الوضوء والغسل والصلاة، وإن ترك ذلك سهواً حتى تطاول غسل ذلك الموضع فقط، وأعاد الصلاة، فغن لم يغسله حين ذكره استأنف الغسل والوضوء. 26 - ومن توضأ بعض وضوئه ثم عجز ماؤه فقام لطلبه فإن قرب بنى، وإن تباعد وجف وضوءه ابتدأ الوضوء، وإن ذكر في صلاته أنه لم يمسح رأسه قطع ولم يجزه مسح رأسه بما في لحيته من بلل، وليأتنف مسحه ويبتدئ الصلاة، ولا يعيد غسل رجليه [إن كان ناسياً] وكان وضوءه قد جف. (¬1) 27 - ومن ترك المضمضة والاستنشاق ومسح داخل أذنيه في الوضوء أو الجنابة حتى صلى أجزأته صلاته وأعاد ما ترك لما يستقبل. (¬2) ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (1/247) ، والمقدمات (1/80) . (¬2) انظر: المقدمات لابن رشد (1/80) ، والخرشي على المختصر (1/127) .

28 - وتمسح المرأة على رأسها كله كالرجل، وتمسح [على] ما استرخى من شعرها نحو الدلالين (¬1) ، وكذلك الطويل الشعر من الرجال، وإن كان شعرها معقوصاً (¬2) مسحت على ضفرها، ولا تنقض شعرها، ولا تمسح على خمارها ولا [على] غيره، فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة، والأذنان من الرأس ويستأنف لهما الماء، وإذا كانت على الرأس حناء فلا تمسح عليه حتى تنزعها [فتمسح على الشعر] . (¬3) 29 - ولا بأس بالمسح بالمنديل بعد الوضوء، ومن ذبح لم ينتقض وضوءه، وإن حلق رأسه لم يعد مسحه. قال ابن أبي سلمة: هذا من ¬

(¬1) أي ضفيرتين المرأة يميناً وشمالاً، تاج العروس (14/240) . (¬2) عقصت المرأة شعرها: أخذت كل خصلة منه فلوتها، ثم عقدتها حتى يبقى فيها التواء، ثم أرسلتها، الوسيط (2/638) . (¬3) انظر: تنوير المقالة للتتائي (1/515) ، وبلغة السالك (1/43) .

لحن الفقه، [قال سحنون: يريد من خطأ الفقه] ، وأنكر مالك قول من قال في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، قال: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد، ويحرك اللحية في الوضوء، ويمر عليها بيده من غير تخليل. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/86) ، وتنوير المقالة (1/498) .

باب النجاسة 30 - وما خرج من القيء بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فهو نجس [عنده] . 31 - مالك: ويغسل المحتجم موضع المحاجم، قال يحيى بن سعيد: وكذلك العرق يقطع، قال مالك: ولا يجزئ مسحها، فإن مسحها وصلى أعاد في الوقت بعد أن يغسلها. (¬1) 32 -[وكل] قرحة إن تركها صاحبها لم تسل وإن [نكأها] سالت، فما خرج من هذه من دم أو غيره فأصاب ثوبه أو جسده غسله، وإن كان في صلاة قطع، ولا يبني إلا في الرعاف، إلا أن يخرج منها الشيء اليسير فيفتله ولا ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (1/51) ، ودليل السالك (ص29) .

ينصرف، وإن كانت لا تكُفّ تُمْصَل من غير أن تنكأ فليصلّي وليدرأها بخرقة ولا يقطع لذلك صلاته، ولا يغسل منه الثوب [إذا أصابه] ولا بأس أن يصلي به إلا أن يتفاحش فيستحب له غسله، والقيح والصديد مثل الدم. (¬1) 33 -[قال مالك: ومعنى قول النبي ÷] في الدرع يطهره ما بعده (¬2) ، هذا في القشب اليابس (¬3) . ومن وطئ بخفيه [أو نعليه] على دم أو عذرة أو بول لم يصلّ به حتى يغسله، وإن وطئ على ¬

(¬1) انظر: الموطأ (49) ، وجواهر الإكليل (1/9) ، ومواهب الجليل (1/147) . (¬2) رواه ابو داود (383) ، وابن ماجة (531) ، ومالك (16) . (¬3) القشب: الرَّجيع، الوسيط (2/764) .

روث الدواب الرطب وأبوالها دلكه وصلى به، وكان مالك يقول: يغسل الخف ثم خففه، ولا بأس بطين المطر [وماء المطر المستنقع في السكك والطرق] يصيب الثوب أو الجسد [أو الخف أو النعل] ، وإن كان فيه العذرة وسائر النجاسات، وما زالت الطرق وهذا فيها، وكانوا يخوضون المطر وطينه ثم يصلون ولا يغسلونه. 34 - ومن رأى في صلاته دماً يسيراً في ثوبه، دم حيض أو غيره، تمادى ولم ينزعه، إن شاء، وإن نزعه فلا بأس [به] ، وإن كان كثيراً قطع [ونزعه] . 35 - ولا يبني، ويبتدئ الفريضة بإقامة، ولا يبتدئ النافلة إلا أن يشاء [وإن رآه بعد فراغه من الفريضة أعادها في الوقت] ، والدم كله سواء، دم

حيض أو سمك أو غيره، يغسل قليله وكثيره، ولا يغسل من دم البراغيث إلا ما تفاحش، والبول والرجيع والمني والمذي والودي وخرء الطير [التي تأكل الجيف، والدجاج] التي تصل إلى النتن وزبل الدواب [وأبوالها] قليله وكثيره سواء، يغسل وتقطع منه الصلاة. 36 -[ومن ذكر أنه في ثوبه، أو رآه فإنه ينزعه، ويبتدئ الفريضة بإقامة] ومن صلى بذلك، أو بدم كثير ولم يعلم أعاد في الوقت، قيل له: فإن رآه قبل أن يدخل في الصلاة؟ قال: هو مثل هذا [كله] يفعل به كما يفعل [فيها فسرت] في هذا. 37 - وأما من أصاب ثوبه شيء من أبوال الإبل والبقر [والغنم] فلا يغسله، لأن هذه تشرب ألبانها وتؤكل لحومها، والخيل والبغال والحمير لا تشرب ألبانها ولا تؤكل لحومها. وما ينجس البدن ينجس الثوب، ولا يجزئ فرك المني من الثوب حتى يغسل بالماء. (¬1) 38 - ولا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء. وكره مالك لمن في ثوبه قطرة من ¬

(¬1) انظر: المعيار المعرب (1/112) .

دم أن ينزعه بفيه ويمحه (¬1) ، ولكن يغسله. 39 - ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها، وإن شك [أنه] أصابه شيء أم لا، نضحه بالماء، ويغسل ما قل من البول، ولو مثل رؤوس الإبر. (¬2) 40 - ويمسح على الجبائر، والظفر يكسى دواء أو مرارة، والصدغ يجعل عليه قرطاس من المرض، وإن لم يمسح على الجبائر أعاد الصلاة أبداً، وإذا أصاب الجنب كسر أو شجة فكان ينكب عنها الماء لموضع الجبائر، فإذا صح غسل ¬

(¬1) مَحَّ الماء أو الشراب من فيه، أي لفظه. (¬2) انظر: مواهب الجليل (1/108) .

ذلك الموضع، فإن لم يغسله حتى صلى صلوات، فإن كان في موضع لا يصيبه الوضوء كالظهر وغيره [غسل تلك اللمعة] ، وأعاد [الصلاة] كل ما صلى من حين قدر أن يمسه بالماء كاللمعة. (¬1) 41 - ويغسل أقطع الرجلين في الوضوء موضع القطع وبقية الكعبين، [إذا القطع تحتهما] [وقد قال الله تعالى: ×وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ% (المائدة: 6) ، والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين] ، ولا يغسل ذلك أقطع المرفقين لأن المرفقين في الذراعين وقد أتى عليهما القطع، إلا أن تعرف العرب والناس أنه بقي شيء من المرفقين في العضدين فليغسل موضع القطع وبقيتهما، والتيمم مثله. 42 - وبول الجارية والغلام سواء يغسل، وإن لم يأكلا الطعام، ويستحب للأم أن يكون لها ثوب للصلاة غير الذي ترضع فيه، فإن لم تقدر صلت به، وتدرأ البول جهدها، وتغسل ما أصاب ثوبها من البول جهدها. ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/317) ، والمعيار (1/27) .

43 - ولا بأس بالبول قائماً في موضع لا يتطاير فيه، وأكرهه بموضع يتطاير فيه، وليبل جالساً. * * * [في الوضوء بماء البئر تقع فيه الدابة] (¬1) 44 - قال مالك رحمه الله: وجِباب أنْطابُلس (¬2) ، [ومواجل (¬3) بَرْقَة (¬4) ] ، [التي يكون فيها ماء السماء] ، إذا ماتت فيها شاة أو دابة فلا أحب أن يغتسل منه، ولا يتوضأ [به] ولا يشرب [منه] ، ولا بأس أن تسقى منه الماشية. وآبار المدينة إذا ماتت فيها فأرة أو وزغة (¬5) استقى منها حتى تطيب. 45 - وما كان في الطرق ¬

(¬1) هكذا في المدونة والأصول والصواب: فيها لأن البئر مؤنثة، وفي سورة الحج آية (45) . (¬2) هي مدينة بالإسكندرية، مراصد الاطلاع (1/124) . (¬3) المَوْجل: حفرة يستنقع فيها الماء بعناية، الوسيط (2/1056) . (¬4) البرقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى، مراصد الاطلاع (1/186، 187) . (¬5) سام أبرص، الوسيط (2/1071) .

من الغُدُر والآبار في الفلوات تصابي قد أنتنت، فإن كان نتنها من الحمأة فلا بأس بذلك. وإذا استنقع من ماء المطر شيء قليل فليتوضأ به، وإن جف تيمم بصعيده، وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا باس به. 46 - وإذا ماتت دابة في عسل [وسمن] جامد طرحت وما حولها، وأكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا يؤكل ولا يباع، ولا بأس أن يعلف النحل. 47 - علي عن مالك: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير لونه وطعمه وصلى أعاد

الصلاة أبداً، فإن لم يتغير [لونه ولا طعمه] أعاد في الوقت. 48 - قال ربيعة وابن شهاب: كل ماء [كان] فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك لونه ولا طعمه ولا رائحته فلا يضره ذلك. قال ربيعة: فإن تغير لون الماء أو طعمه نزع منه قدر ما يذهب الرائحة منه. 49 - ولا بأس أن تنام الحائض والجنب في الثوب [ويعرقان فيه] إلا أن يكون في أبدانهما نَجَس، أو في الثوب نجاسة فيكره ذلك في الوقت الذي يعرق فيه، [لأنه يبتل موضع النجاسة] . 50 - وإن انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزئه حتى يمر بيديه على

جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضعه. (¬1) 51 - ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم (¬2) ، فإن فعل أفسده إذا كانت مثل حياض الدواب، إلا أن يكون قد غسل مواضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به، وإن اغتسل الجنب في قصرية فلا خير فيه، وإن كان غير جنب فلا بأس به. وإن أتى الجنب بئراً قليلة الماء بيده قذر وليس معه ما يغرف به، قال مالك: يحتال حتى يغسل يديه أو يغرف فيغتسل، وكره أن يقول: فيغتسل فيها. قال ابن القاسم: فإن اغتسل فيها أجزأه ولم ينجسها إن كان ماء معيناً. قال علي عن مالك: إنما كره له الاغتسال فيه إذا وجد منه بداً، وذلك جائز للمضطر إليه، إن كان الماء كثيراً يجعل ذلك. ¬

(¬1) انظر: الحدود لابن عرفة مع شرح الهداية لابن الرصاع (1/99، 100) ، وبلغة السالك مع الشرح الصغير (1/63) ، والشرح الكبير (1/135) . (¬2) نص حديث رواه مسلم (283) .

52 - ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، فإن أخره بعده أجزأه، وإن أخّر غسل رجليه إلى موضع يقرب من غسله أجزأه، وليس الناس فيما يكفيهم من الماء سواء. 53 - قال عبد الله بن عمر: وإن لم يتوضأ الجنب أجزأه الغسل ما لم يمسّ فرجه. ولا تنقض الحائض شعرها في غسل حيضة أو جنابة ولكن تضغثه (¬1) بيديها (¬2) ، ولا بأس بما انتضح من غسل الجنب في إنائه، [ولا يستطيع الناس التحرز من هذا] ، ومن أخر غسل رأسه في اغتساله من جنابة خوفاً من امرأته حتى جفّ غسله لم يجزه وابتدأ الغسل. 54 - وإذا حاضت المرأة وهي جنب فلا غسل عليها حتى تطهر [من حيضتها] والغسل يجب على الزوجين بالتقاء الختانين، أو مغيب الحشفة، أنزلا أو لم ¬

(¬1) ضغثت المرأة شعرها: عالجته بيديها عند الغسل ونحوه، ليدخل فيه الغسول، الوسيط (1/561) . (¬2) ذلك محمول على الشعر غير المضفر، وعلى المضفر الذي لم يشتد ضفره، فإن اشتد الضفر نُقض كما ينقض إذا ضفر بخيوط كثيرة. وانظر: الشرح الصغير مع بلغة السالك (1/64) .

ينزلا، وإن لم تغب الحشفة (¬1) لم يجب الغسل، فإذا جامعها دون الفرج فوصل من مائه إلى داخل فرجها فلا غسل عليها إلا أن تنزل هي. (¬2) 55 - مسألة: ولا ينام الجنب في الليل والنهار حتى يتوضأ [جميع وضوئه] وليس ذلك على الحائض، وللجنب أن يعاود أهله، ويأكل قبل وضوئه، إذا غسل يديه من الأذى. (¬3) 56 - مسألة: والمنتبه من النوم يصيب في لحافه بللاً، فإن كان منياً اغتسل، وإن كان مذياً توضأ، وكذلك من لاعب امرأته في اليقظة، أو رأى في منامه أنه يجامع، فإن أمذى توضأ، وإن أمنى اغتسل، والمرأة في ذلك كالرجل. (¬4) 57 - ولا يطأ المسافر أهله إلا ومعهما من الماء ما يكفيهما كانا على وضوء أم لا، وليس كمن به شجة أو جرح لا يستطيع غسله بالماء، هذا له أن يطأ لطول أمره. (¬5) 58 - ومن اغتسل تبرداً أو للجمعة، لم يجزه من غسل الجنابة حتى ينويه، كمن ¬

(¬1) هي رأس عضو التذكير ويُكشف عنها الختان، الوسيط (1/183) . (¬2) انظر: الذخيرة (1/290) . (¬3) انظر: الموطأ لمالك (1/78) . (¬4) إشارة لحديث فيه: "إنما النساء شقائق الرجال"، رواه أبو داود (1/54) . (¬5) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/57) ، في نقله عن المدونة، وتفصيله للمسألة.

صلى نافلة فلا تجزه عن فريضة، ومن توضأ لصلاة نافلة، أو قراءة في مصحف، أو ليكون على طهر أجزأه، وإن توضأ لحر يجده ولا ينوي به غيره لم يجزه لصلاة فريضة، ولا نافلة ولا مس مصحف، ولا وضوء ولا غسل إلا بنية، ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض [بهما] نهراً فدلكهما فيه بيديه ولم ينو تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه. 59 - مالك: ولا يعجبني دخول الجنب المسجد عابر سبيل ولا غيره، [ويمر فيه، ويقعد من كان على غير وضوء] . وقال زيد بن أسلم: لا بأس أن يمر الجنب في المسجد عابر سبيل. (¬1) 60 - ويجبر المسلم امرأته النصرانية على الطهر من الحيضة [إذ ليس له وطؤها ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/58) .

كذلك حتى تطهر] ، ولا يجبرها [على الطهر] من الجنابة [لجواز وطئها كذلك] . 61 - ومن صلى ثم خرج لحاجة فرأى في ثوبه جنابة، لم يذهب لحاجته ورجع فاغتسل، وغسل ما أصاب ثوبه وأعاد الصلاة. 62 - وإذا ذكر الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه جنب أعاد [الصلاة] وحده، وصلاة من خلفه تامة، وإن ذكر ذلك قبل تمام صلاته استخلف، فإن تمادى بعد ذكره جاهلاً أو مستحيياً أو دخل عليه ما يفسد صلاته، ثم تمادى، أو ابتدأ بهم الصلاة ذاكراً لجنابته، فقد أفسد على نفسه وعليهم، [وتلزم من خلفه الإعادة متى

علموا] ، ومن علم بجنابته ممن خلفه والإمام ناسٍ لجنابته فتمادى معه، فصلاته فاسدة ويعيدها أبداً. 63 - ومن صلى وفي جسمه نجاسة أو بثوب نجس، أو عليه، أو لغير القبلة أو على موضع نجس قد أصابه بول فجفّ، كانت النجاسة في موضع جبهته أو أنفه أو غيره، أعاد في الوقت، ووقته [في الظهر والعصر] إلى اصفرار الشمس [فإذا اصفرت فلا يعيد] ، ووقت النصراني يُسْلِم، والحائض تطهر، والمجنون يفيق النهار كله. 64 - ومن لم يكن معه غير ثوب نجس صلى به، فإن وجد غيره أو ما يغسله به أعاد في الوقت، [قال مالك] : إن كان معه ثوب حرير، وثوب نجس، صلى بالحرير أحب إليّ، ويعيد في الوقت إن وجد غيره.

65 - ومن أصابه حقن أو قرقرة (¬1) فإن كان ذلك خفيفاً فليصل، وإن كان مما يشغله أو يعجله في صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته، فإن صلى بذلك أحببت له الإعادة أبداً، ولم يحفظ ابن القاسم عن مالك في الغثيان (¬2) شيئاً. (¬3) 65 - مسألة: ولا بأس أن يصلي بوضوء واحد يومين [أو ثلاثة] أو أكثر من ذلك. (¬4) 66 - ولا يصلي بما لبسه أهل الذمة حتى يغسل، وما نسجوه فلا بأس به. والنصراني جنب فإذا أسلم اغتسل، فإن تطهر للإسلام وقد أجمع عليه [ثم أسلم] أجزأه، فإن لم يجد الماء فليتيمم للإسلام، وينوي بتيممه الجنابة أيضاً، ثم إن وجد الماء فليغتسل. (¬5) ¬

(¬1) القرقرة: صوت في البطن من رياح تكون فيه، الوسيط (2/757) . (¬2) هو تحريك المعدة وتهيؤها للقيء، التصييد (1/53) . (¬3) انظر الشرح الصغير (1/126) . (¬4) انظر: صحيح مسلم (277) . (¬5) إشارة لحديث أبي هريرة في البخاري (462) ومسلم (1764) .

* * * في الرعاف (¬1) 67 - وينصرف من الرعاف [في الصلاة] إذا سال أو قطر، قل ذلك أو كثر، [فليغسله ثم يبني على صلاته] ، فإن كان غير قاطر ولا سائل فليفتله بأصابعه ويتمادى. اقل ابن المسيب: ومن لم ينقطع عنه الدم أتم صلاته إيماء. مالك: [وكل من رعف في صلاته فذهب يغسل الدم] فله أن يبني في بيته أو في موضع يقرب من غسله، إلا أن يطمع أن يدرك الإمام، أو يكون في جمعة فلا بد من المسجد. (¬2) 68 - وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل سلام الإمام ذهب فغسل الدم ¬

(¬1) هو الدم الذي يخرج من الأنف، الوسيط (1/367) . (¬2) انظر: الموطأ لمالك (52، 54) .

[عنه] ، ثم رجع فتشهد وسلم، وإن سلم الإمام ثم رعف المأموم سلم وأجزأته صلاته. وإذا عَقَد ركعة وسجدة ثم رعف ألغاها إذا بنى، وإن عقدها بسجدتيها بنى عليها. 69 - وإن رعف في الثانية من الجمعة فوجد الإمام، حين رجع، في التشهد جلس معه، فإذا سلّم أتى بركعة، وكذلك إن أتى بعد سلام الإمام، فليأت بركعة يجهر فيها، فإن نسي منها السورة التي مع أم القرآن سجد قبل السلام وصلاته تامة، وإن نسي منها أم القرآن سجد قبل السلام وأعاد [الصلاة] ظهراً أربعاً. 70 - وإذا رعف في الأول من الجمعة قبل أن يعقدها بسجدتيها فوجد الإمام، حين رجع، قد سلّم من الصلاة فليبتدئ ظهراً أربعاً، فإن رعف بعد كمال ركعة من الظهر فرجع والإمام في الرابعة فليصلها معه ثم يقضي ما فاته (بعد سلام الإمام] . ومن تقيّأ عامداً أو غير عامد ابتدأ الصلاة ولا يبني إلا في الرعاف. * * *

في المسح على الخفين 71 - ويمسح على ظهور الخفين وبطونهما، ولا يتبع غضونهما وهو تكسير أعلاهما، والمسح أن يضع يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابعه، ويضع اليسرى تحتها من باطن خفيه ثم يمرهما إلى حد الكعبين. وينزع ما تحتهما من طين قبل المسح. ولا يجزئ [عند مالك] مسح أعلاه دون أسفله، ولا أسفله دون أعلاه، وإن مسح أعلاهما فقط وصلى فأحب إلي أن يعيد في الوقت، لأن عروة كان لا يمسح بطونهما.

72 - وإذا كان الخف دون الكعبين، أو كان فيه خرف تظهر منه القدم، فلا يمسح عليه، وإن كان خرقاً يسيراً مسح عليه. 73 - ومن لبس خفين على طهارة ثم أحدث فمسح عليهما ثم لبس آخرين فوقهما، ثم أحدث مسح على الأعليين، فإن لم يحدث لم يمسح عليهما [ويجزيه المسح على الداخلين] ، كمتوضئ لبسهما على قدميه، فإن نزع الأعلى وقد مسح عليه، مسح الأسفل مكانه، كما يغسل رجليه إذا أخرجهما من الخف مكانه، فإن أخّر ذلك فيهما حتى تطاول [ذلك] ابتدأ الوضوء. مالك: ومن لبس خفين على خفين مسح الأعلى منهما. (¬1) 74 - واختلف قوله في المسح على الجرموقين، فكان يقول: لا يمسح على ¬

(¬1) انظر: الموطأ (46، 47) ، والذخيرة (328) وما بعدها، والمعيار (1/72) ، والبيان والتحصيل (1/82) ، والمنتقى (1/81) ، والشرح الصغير (1/58) .

الجرموقين إلا أن يكون فوقهما أو تحتهما جلد مخروز قد بلغ إلى الكعبين فيمسح عليهما، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما أصلاً، وسواء في قوليه لبسهما على رجل أو خف، وأخذ ابن القاسم بقوله الأول، ولم يأخذ مالك بحديث ابن عمر في تأخير المسح. (¬1) 75 - مسألة: والمرأة في مسح الخف كالرجل، وإذا خرج العقب من الخف إلى الساق قليلاً والقدم كما [في الخف] فهو على وضوئه، فإن أخرج قدميه إلى ساق ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (1/332) .

الخف وقد كان مسح عليهما غسل رجليه مكانه، فإن أخر ذلك استأنف الوضوء، ولا يمسح على خفيه إلا من أدخل رجليه فيهما وهو على وضوء. فأما من تيمم ولبس خفيه لم يمسح عليهما إذا توضأ. 76 - مسألة: ويكره للمرأة تعمل الحناء، أو رجل يريد أن ينام [أو يبول] فيتعمدان لبس الخف [للمسح] . 77 - وتمسح المستحاضة على خفيها. 78 - مالك: ويمسح المقيم والمسافر على خفيه، وليس لذلك وقت، ثم قال: لا يمسح المقيم. * * *

ما جاء في التيمم (¬1) 79 - التيمم من الجنابة والوضوء سواء، ضربة للوجه، وضربة أخرى للذراعين إلى المرفقين (¬2) ، يضرب الأرض بيديه ضرباً خفيفاً، ثم ينفض ما تعلق بهما نفضاً خفيفاً ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما الأرض ثانية فيمسح يمناه بيسراه، ويسراه بيمناه، [من فوق اليد وباطن اليد إلى المرفقين] ، يبدأ باليسرى فيمرها على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق، ومن باطن المرفقين إلى الكوعين، ويمر أيضاً اليمنى على اليسرى كذلك. 80 - ولا يتيمم [في] أول الوقت مريض ولا خائف، فأما المسافر، فإن كان على يأس من الماء تيمم [في] أول الوقت، وصلى، ولا إعادة عليه [و] إن وجد الماء في الوقت، وإن كان على يقين من إدراك الماء في الوقت أخر الصلاة إلى ¬

(¬1) قال القراقي: وهو من خصائص هذه الأمة لطفاً من الله تعالى بها وإحساناً إليها.. وهي لغة الفصل، وانظر: الذخيرة (1/334) ، وشرح الموطأ - المنتقى - (1/114) ، والشرح الصغير (1/67، 74) . (¬2) إسناده ضعيف لضعف جعفر بن الزبير، وجهالة أحد رواته، ولكن له شاهد عند الحاكم (1/180) ، والدارقطني (1/181) ، من حديث جابر، غير رواية أبي أمامة الباهلي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

آخر الوقت، فإن تيمم أول الوقت [وصلى] أعاد الصلاة إن وجد الماء في الوقت. 81 - وأما المسافر الذي لا علم عنده من الماء، والخائف الذي يعرف موضع الماء ويخاف أن لا يبلغه في الوقت، [والمريض] يتيممون في وسط الوقت لكل صلاة ويصلون، فإن وجدوا الماء في وقت تلك الصلاة أعادوا إلا المسافر. ومن خرج من قريته على غير وضوء يريد قرية أخرى، وهو غير مسافر فغربت له الشمس، فإن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى [إليه] ، وإلا تيمم وصلى. 82 -[والتيمم إلى المرفقين] ، ومن تيمم إلى الكوعين أو على موضع نجس قد أصابه بول فجف أعاد في الوقت التيمم والصلاة، كمن توضأ بماء غير طاهر [وصلى] أعاد [ما دام] في الوقت. 83 - ويتيمم في الحضر من لم يجد الماء، وكذلك المسجون [إذا لم يجد الماء تيمم] ، [ومن خاف في الحضر أن تطلع الشمس إذا ذهب إلى النيل ليتوضأ وهو

في مثل المعافر (¬1) وأطراف الفسطاط (¬2) تيمم وصلى ولا يذهب إلى الماء] ، ومن خاف في حضر أو سفر إن رفع الماء من البئر ذهب الوقت، تيمم وصلّى، ولا إعادة عليه إذا توضأ بعد ذلك. ولمالك قول في الحضري أنه يعيد إذا توضأ. 84 - ومن فرّق تيممه، وكان أمراً قريباً أجزأه، وإن تباعد ابتدأ التيمم كالوضوء، وتنكيس التيمم كالوضوء. 85 - مالك: وإذا تيمم الجنب وصلى، ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط [وصلاته الأولى تامة] ، وكان ابن مسعود يقول غير هذا، ثم رجع إلى أنه يغتسل. ¬

(¬1) اسم قبيلة من اليمن، لهم مخلاف تنسب إليه النياب المعافرية، مراصد الاطلاع (3/1287) . (¬2) هو بيت يُتخذ من الشعر ويُطلق على المدينة العتيقة التي بناها عمرو بن العاص، في موضع فسطاطه، وتعرف الآن بمصر القديمة، الوسيط (2/714) .

86 - والمجدور (¬1) والمحصوب (¬2) إذا خافا على أنفسهما [من] مسّ الماء تيمما للجنابة لكل صلاة أحدثا أم لا، ويغسل الجريح [في الجنابة] ما صح من بدنه، ويمسح على جراحه بالماء إن قدر، وإلا فعلى عصائبها، والذي أتت الجراح على أكثر جسده ولا يستطيع مسّه بالماء، والذي غمرت الجراح جسده ورأسه فلم يبق له لا يد أو رجل، والصحيح الذي يخاف على نفسه الموت من الثلج أو البرد يتيممون كلهم للجنابة. 87 - ويتيمم على الجبل والحصباء والثلج من لم يجد تراباً، وعلى طين ¬

(¬1) الجدري: مرض فيروسي مُعدٍ، يتميز بطفح جلدي حُليمي يتقيح، ويعقبه قشر، يخلف ندوباً، الوسيط (1/115) . (¬2) الحصبة: حُمّى حادة طفحية معدية تصحبها زكام وسعال وغير ذلك، تصيب الصغار أكثر من الكبار، حيث تأتي مرة واحدة في العمر، الوسيط (1/184) .

خضخاض وغير خضخاض مما ليس بماء إذا لم يجد غيره، ويخفف وضع يديه [عليه] ، ولا يتيمم على لبد (¬1) ، قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بالصلاة على الصفا والسبخة، وبالتيمم عليهما لمن لم يجد تراباً، وقال: وما حال بينك وبين الأرض فهو منها. 88 - ومن تيمم ثم طلع عليه [رجل معه ماء] وهو في الصلاة تمادى، وإن ذكر أن الماء في رحله قطع [وتوضأ وابتدأ الصلاة] . وإن لم ¬

(¬1) هو كل شعر أو صوف متلبد، وما يوضع تحت السرج، وضرب من البسط، الوسيط: لبد (2/845) .

يذكر حتى فرغ من صلاته، وقد نسيه أو جهله أعادها في الوقت. 89 - ومن لم يجد الماء إلا بالثمن فإن كان قليل الدراهم تيمم، وإن كان يقدر فليشتر ما لم يرفعوا عليه في الثمن، فيتيمم حينئذ. 90 - وإذا خاف العطش إن توضأ بما معه من الماء تيمم، وأبقى ماءه، وإن كان مع الجنب من الماء قدر ما يتوضأ به تيمم للجنابة لكل صلاة أحدث أم لا، وإن كان به أذى غسله بذلك الماء ولا يتوضأ به. 91 - ويتيمم المرضى والمسافرون لخسوف الشمس والقمر، ولا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين، ولا يصلي على الجنازة بتيمم إلا مسافر

عدم الماء، وإذا تيمم المسافر، فليمس المصحف، ويقرأ حزبه، ويسجد إذا مر بالسجدة. 92 - ومن تيمم لفريضة فتنفل قبلها، أو صلى ركعتي الفجر، أعاد التيمم للفريضة، وإذا تيمم الجنب لنوم لا ينوي به الصلاة، ولا مس المصحف، لم يتنفل به، ولا يمس المصحف، ولا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد، ولا بأس أن يتنفل بعد الفريضة بتيممه ذلك، ومن تيمم لفريضة فصلاها، ثم ذكر صلاة نسيها تيمم لها أيضاً.

93 - ولا يؤم المتيمم متوضئين، وليؤمهم متوضئ أحب إليّ (¬1) ، فإن أمهم متيمم أجزأهم، ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر أنه كان جنباً أعاد التيمم لجنابته، وأعاد الفريضة، لأن تيممه ذلك إنما كان للوضوء لا للغسل. 94 - ولا يطأ المسافر امرأته كان على وضوء أو [على] غير وضوء حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما جميعاً، وكذلك إن طهرت المرأة من حيضتها في سفر وتيممت، فلا يطؤها حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما للغسل، وإن ¬

(¬1) قول عليّ رضي الله عنه، وابن عمر رضي الله عنهما، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (1/234) ، وابن أبي شيبة في المصنف (1/147) .

كانا متوضئين فلا يقبل أحدهما صاحبه، إلا أن يكون معهما من الماء يكفيهما للوضوء، ولا يدخلان على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء إذا لم يكن معهما ماء. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/161) .

ما جاء في الحيض (¬1) 95 - وما رأته المرأة [من الدم] أول بلوغها فهو حيض، وإن كانت [رأت] دفعة [واحدة] فإن لم تر غيرها اغتسلت، فإن تمادى بها الدم قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوماً ثم هي مستحاضة. 96 - والتي أيامها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيام، وفي آخر أقل أو أكثر إذا تمادى بها الدم تستظهر [على] أكثر أيامها [التي كانت تحيض] ، وأيام الاستظهار كأيام الحيض، فالتي أيامها اثنا عشر [يوماً] فدون ذلك تستظهر ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (1/371) .

بثلاثة أيام، وثلاثة عشر بيومين وأربعة عشر بيوم [واحد] ، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء، ثم تصير مستحاضة، [تغتسل وتصلي ويأتيها زوجها] ، وكان مالك [مرة] لا يرى الاستظهار، ويقول: إذا تمادى بها الدم جلست خمسة عشر يوماً من أيام الدم، وما لم تر فيه دماً من الأيام ألغته، ثم رجع إلى الاستظهار [بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها ثم تصلي] ، وترك قوله الأول [خمسة عشر يوماً] . 97 - قال عنه ابن وهب: ورأيت أن أحتاط لها فتستظهر [وتصلي] ، وليست عليها، أحب إليّ من أن تترك الصلاة وهي عليها. 98 -[قال عنه ابن القاسم] وإذا رأت صفرة أو كدرة في أيام حيضتها أو في غيرها فهو حيض، وإن لم تر معه دماً، وتغتسل إذا رأت القصة

البيضاء (¬1) ، فإن كانت ممن لا تراها، فحين ترى الجفوف، والجفوف هو أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة. 99 - وإن رأت بعد طهرها بثلاثة أيام أو نحوها دماً، فإن كان الدم الثاني قريباً من الأول أضيف إليه وكان كله حيضة [واحدة] ، وإن تباعد ما بينهما، فالثاني حيض مؤتنف، ولا حد في ذلك. 100 - وإن رأت الدم يوماً والطهر يوماً أو يومين، فاختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها، وألغت أيام الطهر، ثم تستظهر بثلاثة أيام من أيام الدم هكذا، فإذا استكملت ثلاثة أيام من أيام الدم بعد أيام حيضتها اغتسلت وصلت، وكانت مستحاضة بعد ذلك، والأيام التي استظهرت بها هي فيها حائض، وهي مضافة إلى الحيض، رأت الدم فيما بعد ذلك أو لم تره، إلا أنها في أيام الطهر التي كانت تلغيها تتطهر عند انقطاع الدم في خلال ذلك، وتصلي ويأتيها زوجها [وتصومها وهي فيها طاهر] ، [وليست تلك الأيام بطهر يعتد به في عدة ¬

(¬1) هي ماء أبيض ينزل آخر الحيض غالباً عند بعض النساء، ومن لا قصة لها، فالعبرة بجفاف الفرج من الدم، وانظر: النهاية لابن الأثير (4/471) .

الطلاق] ، وإنما أمرت بالاغتسال في تلك الأيام لأنها لا تدري لعل الدم لا يعود إليها، ولا تعتد بتلك الأيام من طلاق، لأن ما قبلها وما بعدها من الدم قد ضم بعضه إلى بعض، فجعل حيضة واحدة، ثم تغتسل بعد الاستظهار وتصير مستحاضة، ثم تصلي وتصوم وتوطأ [وتتوضأ لكل صلاة إذا رأت الدم في تلك الأيام] . 101 - ولا تدع الصلاة ما تمادى بها الدم، وتكون عدتها عدة المستحاضة، إلا أن ترى ما لا تشك [فيه] أنه [دم] حيض فتدع له الصلاة وتعتد به من الطلاق. [وإن لم تستيقن ذلك لم تدع الصلاة، ولم يكن ذلك لها عدة، وكانت عدتها المستحاضة وياتيها زوجها في ذلك] . 102 - قال ابن القاسم: والنساء يزعمن أن دم الحيض لا يشبه دم الاستحاضة لرائحته ولونه، فإذا رأت الدم خمسة عشر يوماً، والطهر خمسة أيام، ثم الدم أياماً، ثم الطهر سبعة أيام، فهي مستحاضة، فإذا انقطع دم الاستحاضة، وقد كانت

اغتسلت، قال [مالك] : فلا تعيد الغسل، ثم قال: تتطهر صانية أحب إليّ، وهذا استحب ابن القاسم. 103 - وإذا حاضت بعد الفجر أو حاضت في وقت صلاة، أو بعد أن صلت منها ركعة فلم تطهر حتى خرج الوقت فلا إعادة عليها. 104 - والحائض تشد إزارها، وشأنه بأعلاها (¬1) ، إن شاء [وطئها في أعكانها (¬2) أو في بطنها، ولا يطؤها بين الفخذين] ، ولا يقرب أسفلها، والتي أيامها خمسة ترى الطهر في أربعة فلتغتسل، ولزوجها وطؤها بعد الغسل مكانه. * * * ¬

(¬1) هذا يدل عليه قوله ÷: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم في الحيض (302) . (¬2) العكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمناً، الوسيط (2/642) .

القول في دم النفاس (¬1) والحامل ترى دماً 105 - والنفساء إذا انقطع دمها وإن كان قرب الولادة طهرت، فإن تمادى بها جلست شهرين، قاله مالك ثم رجع فقال: تجلس قدر ما يراه النساء وأهل المعرفة في النفساء من غير سقم، ثم هي مستحاضة، وتلغي ما رأت من طهر في خلال ذلك، وتحسب أيام الدم، وتغتسل إذا انقطع عنها الدم وتصلّي وتوطأ. 106 - فإذا رأت دماً قرب دم النفاس بيومين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك فهو مضاف إلى النفاس، إلا أن يتباعد ما بين الدمين فيكون الثاني حيضاً. 107 - فإن ولدت ولداً وبقي في بطنها آخر، [فلم تضعه إلا بعد شهرين] والدم [بها] متماد فحالها كحال النفساء، ولزوجها عليها الرجعة ما لم تضع الآخر، وقيل حالها حال الحامل ما لم تضع الثاني، ولا تستظهر ¬

(¬1) هو دم ينزل من رحم المرأة بسبب الولادة ستين يوماً، فأقله مع عدم الزيادة على ما قدرته النساء، انظر: حدود ابن عرفة (1/104) .

الحامل بشيء إذا تمادى بها الدم. 108 - قال أشهب: إلا أن تكون استرابت من حيضتها شيئاً من أول ما حملت وهي على حيضتها، فإنها تستظهر. (¬1) 109 - قال مالك: وإذا رأت الحامل الدم أول حملها أمسكت عن الصلاة قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس أول الحمل كآخره. 110 - قال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر تركت الصلاة خمسة عشر يوماً ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر تركت الصلاة عشرين يوماً ونحوها. ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (1/392) ، ومواهب الجليل (1/376) .

111 - ابن وهب عن مالك: لا تصلي حتى يذهب الدم عنها، فإن طال عليها فهي كالمستحاضة، مالك: وذلك أحسن ما سمعت. 112 - قال عنه أشهب: في الحامل ترى الدم، إنها كغيرها تجلس أيام حيضتها، ثم قال بعد ذلك: ليس أول الحمل كآخره، كرواية ابن القاسم. 113 - قال أشهب: والرواية الأولى أحسن [لأن] ما حبس الحمل من حيضتها مثل ما حبس الرضاع والمرض [وغيره] ، ثم تحيض فإنها تقعد حيضة واحدة. 114 - قال يحيى بن سعيد: إذا رأت الحامل الصفرة أو الكدرة لم تصل حتى ينقطع ذلك عنها. * * *

(كتاب الصلاة الأول)

(كتاب الصلاة الأول) 115 - قال مالك: أحب إليّ أن يصلّي الظهر في الصيف والشتاء والفيء (¬1) ذراع كما قال عمر (¬2) . وما دام الظل في نقصان فهو غدوة، وإذا مدّ ذاهباً فمن ثمّ يقاس ذراع. 116 - والعصر: والشمس بيضاء نقية. والمغرب إذا غربت الشمس للمقيم، فأما المسافر فلا بأس أن يمدّ الميل ونحوه. وأول وقت العشاء مغيب الشفق، وهو الحمرة، ولا ينظر إلى البياض الباقي بعدها، وأحب للقبائل تأخيرها ¬

(¬1) هو الظِلّ بعد الزوال ينبسط شرقاً، الوسيط (2/773) . (¬2) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/536) .

بعد الشفق قليلاً، وكذلك في الحرس، ولا تؤخر إلى ثلث الليل، ويغلس بالفجر في الحضر والسفر، وآخر وقتها إذا أسفر، وكان مالك يرى أن يصلي الناس بعدما يدخل الوقت ويمضي منه بعضه في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، ولا بأس أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها، والأكرياء يعجلون الناس [للصلاة] . 117 - والأذان كما علمه النبي ÷ أبا محذورة: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، [ثم ترجع بأرفع صوتك أول مرة فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً

رسول الله، مرتين] ، حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة. (¬1) ويقول في نداء الصبح بعد حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، مرتين، والإقامة كلها مرة مرة إلا التكبير فإنه مرتين. (¬2) 118 - ويكره التطريب في الأذان، ولا يدور في أذنه، ولا يلتفت، وليس هذا من حد الأذان، إلا أن يريد [بالتفاته] أن يسمع الناس. 119 - ويؤذن كيف تيسر عليه، ورأيت المؤذنين بالمدينة يتوجهون ¬

(¬1) رواه مسلم (379) من أبي محذورة. (¬2) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.

للقبلة في أذانهم، ويقيمون عرضاً، وذلك واسع يصنعون كيف شاءوا. 120 - ولا يتكلم في أذانه ولا الملبّي في تلبيته، ولا يردا على من سلّم عليهما، ويكره السلام على الملبي حتى يفرغ، وإن تكلم في أذانه بنى. 121 - ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم، وجائز أذان الأعمى وإمامته. وليس على المرأة أذان ولا إقامة، وإن أقامت فحسن. ولا يؤذن قاعداً إلا من عذر فيؤذن لنفسه [إن كان مريضاً] ، وجائز أن يؤذن رجل ويقيم غيره، وإن شاء جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك. 122 - وإن أذن فأخطأ فأقام ساهياً ابتدأ الأذان، ومن سمع المؤذن فليقل كقوله، وإن كان في نافلة، إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، وإن أتمّ الأذان معه

[أو عجّل بالقول قبله فواسع فلا بأس] ، ولا يقول مثله في الفريضة. 123 - ولا بأس أن يؤذن غير متوضئ، ولا يقيم إلا متوضئاً. ويؤذن راكباً ولا يقيم إلا نازلاً، ولا يؤذن للصلاة قبل وقتها إلا الصبح، ولا بأس باتخاذ مؤذنين، أو ثلاثة، أو أكثر، لمسجد واحد، في حضر، أو سفر، في بر، أو بحر، أو في الحُرُس. 124 - وليس الأذان إلا في مسجد الجماعات ومساجد القبائل، أو في موضع اجتمع فيه الأئمة وإن كان في حضر أو سفر، [وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضره الصلاة خارج المصر فيصلي بأذان وإقامة] ، فأما غير هؤلاء يجمعون في حضر أو سفر فالإقامة تجزيهم لكل صلاة، وإن أذنوا فحسن. ويجمع الإمام الصلاتين بعرفة والمزدلفة بأذان واحد وإقامة، لكل صلاة، [أما غير الإمام فتجزيهم إقامة لكل صلاة] . 125 - ومن صلى بغير إقامة عامداً أو ساهياً أجزأه، وليستغفر الله العامد.

126 - ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فليبتدأ الإقامة لنفسه، ومن صلى [وحده] في بيته لم تجزه إقامة أهل المصر، قال ابن المسيب وابن المنكدر: من صلى وحده فليسر الإقامة في نفسه. وعلى من ذكر صلوات إقامة لكل صلاة، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة. 127 - وتجوز الإجارة على الأذان، وعلى الأذان والصلاة جميعاً، وكره مالك إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذ المعلم، اشترطه أو لم يشترطه، وإن اشترط شيئاً معلوماً على تعليم القرآن جاز. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (2/66) .

128 - وينتظر الإمام بعد الإقامة قليلاً بقدر تسوية الصفوف، ثم إذا كبر قرأ [ولا يتربص] ، وليس في سرعة القيام للصلاة [بعد الإقامة] وقت، وذلك على قدر طاقة الناس. 129 -[ومفتاح الصلاة الطهور] ، وتحريمها التكبير، وتحليلها السلام. (¬1) ولا يجزئ من الإحرام إلا قول: الله أكبر، ولا من التسليم إلا قوله: السلام عليكم. 130 - ولا يقول من صلى وحده أو كان إماماً أو مأموماً هذا الذي يذكر الناس: ¬

(¬1) رواه أبو داود (62) ، والترمذي (3) ، وابن ماجة (275) ، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في الباب، وأحسن.

سبحانك اللهم وبحمدك [تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وكان مالك لا يعرفه] ولكن يكبر ثم يقرأ. 131 - ولا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف بها، ونهى عمر عن رطانة (¬1) الأعاجم وقال: إنها خب. (¬2) (¬3) ¬

(¬1) رَطَن الأعجمي: تكلم بلغته، ورطن فلان: تكلم بالأعجمية، الوسيط (1/362) . (¬2) الخبّ: الخداع والغش، الوسيط (1/221) . (¬3) رواه البيهقي في الكبرى (9/234) .

132 - وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام، فإن كان كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأته، وإن كان كبرها ولم ينو بها ذلك تمادى مع الإمام وأعاد الصلاة احتياطاً، لأنها لا تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيب، فإن لم يكبر للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعة [وركعها معه] [ثم ذكر] ابتدأ التكبير، وكان الآن داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام، ولو كان وحده ابتدأ متى ذكر [قبل ركعة أو بعدها] نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا، وكذلك الإمام لا يجزئه أن ينوي بتكبيرة الركوع الإحرام، فإن فعل أعاد هو ومن خلفه، ومن ظن أن الإمام كبر فكبر، ثم كبر الإمام، فإنه يكبر بعد الإمام من غير سلام، فإن لم يكبر بعد تكبير الإمام وتمادى معه أعاد الصلاة. 133 - ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، في الفريضة سراً ولا جهراً، إمام أو

غيره، وذلك في النافلة واسع، إن شاء قرأ أو ترك. ولا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ، ولم يزل القراء يتعوذون في قيام رمضان إذا قاموا، ومن قرأ في غير صلاة تعوذ قبل القراءة إن شاء. 134 - ويسمع الرجل نفسه في صلاة الجهر، وفوق ذلك قليلاً، والمرأة دون الرجل في ذلك، وفي التلبية تسمع نفسها. 135 - وليس العمل على القراءة في آخر ركعة من المغرب [بعد أم القرآن]

بـ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا [بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} . (¬1) ولا على حديث عمر في ترك القراءة، ويعيد تاركها أبداً، وروي وكيع عن عمر أنه أعاد (¬2) ، ولا تجزئ القراءة في الصلاة حتى يحرك بها لسانه، ومن ترك القراءة في ركعة من الصبح، أو في ركعتين فأكثر من سائر الصلوات أعاد الصلاة، وإن تركها في ركعة من غير الصبح، فقد استحب مالك في خاصته أن يعيد الصلاة، وكان يقول زماناً يُلغي تلك الركعة على حديث جابر (¬3) ، ¬

(¬1) سورة آل عمران آية (8) . (¬2) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/122) ، والبيهقي في الكبرى (2/382) . (¬3) رواه مالك في الموطأ (74) ، والبيهقي في الكبرى (2/160) عن جابر، وقال: الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن سلاّم وغير من الضعفاء عن مالك وذلك مما لا يحل روايته على طريق الاحتجاج به، وقد يشبه أن يكون ما ذهب إليه جابر في ذلك ترك القراءة خلف الإمام فيما يُجهر فيه بالقراءة دون ما لا يُجهر.

وبه أخذ ابن القاسم، ثم قال مالك آخر مرة ارجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام وما ذلك بالبين. قال ابن القاسم: والقول الأول فيما رأيت [منه] أعجب إليه وهو رأيي. 136 - ومن نسي أم القرآن حتى قرأ سورة فليبتدأ أم القرآن وليعد السورة، ولا يقضي ما نسي من القراءة لركعة في ركعة أخرى، ومن نسي السورة التي مع أم القرآن في الركعة الأولى أو في الأوليين، وقرأ بأن القرآن سجد [لسهوه] قبل السلام، فإن تعمد ذلك فلا إعادة عليه، وليستغفر الله، ولا يسجد، ولو قرأها في الركعتين الآخرتين سهواً فلا سجود عليه. وأطول الصلاة قراءة الصبح والظهر. 137 - ومفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (¬1) . [قال مالك: ولا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، ولا في خفض ولا ¬

(¬1) تقدّم قريباً.

رفع] . ولا يرفع يديه [في الصلاة] إلا في الافتتاح شيئاً خفيفاً، وكذلك المرأة، وضعف مالك رفع اليدين عند الجمرتين واستلام الحجر، وبعرفات في الموقف، وعلى الصفا والمروة عند المشعر والاستسقاء، وقد رُئي مالك رافعاً يديه في الاستسقاء حين عزم عليهم الإمام، وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا، قال ابن القاسم: يريد [في الاستسقاء] في مواضع الدعاء، ومن مر بالركن فلم يستطع أن يستلمه كبر ومضى ولا يرفع يديه.

138 - ومن أتى والإمام راكع فخشي رفع رأسه فليركع بقرب الصف، وحيث يطمع إذا دب راكعاً يصل إليه، فإن لم يطمع بذلك أحرم حيث أمكنه [وكذلك في صلاة العيدين وغيرهما] ، [قال ابن القاسم: ولو جاء في صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء ولم يطمع أن يصل إلى الصف أحرم حيث أمكنه، بمنزلة المكتوبة] ، وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وإن لم يسبح، أو أمكن جبهته وأنفه من الأرض [في السجود] فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئناً. 139 - ويكبر في حال انحطاطه لركوع أو سجود، ويقول: سمع الله لمن حمده في حال رفع رأسه، ويكبر في حال رفع رأسه من السجود، وإلا في الجلسة الأولى إذا قام منها فلا يكبر حتى يستوي قائماً. 140 - قال مالك: ولا أعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي

السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره، ولم يجد فيه أحداً ولا دعاء مؤقتاً. 141 - وكره مالك الدعاء في الركوع وأجازه في السجود، ولا بأس بالتسبيح فيهما جميعاً، ولا حد في ذلك. 142 - والسجود على الأنف والجبهة جميعاً، فإن سجد على الأنف دون الجبهة أعادها أبداً، [ومن سجد على جبهته دون الأنف فصلاته مجزئة عنده ولا يعيد] ولو كان بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على الأنف، [قال أشهب: وإن سجد على الأنف أجزأه، لأنه زاد على الإيماء] . 143 - ويضع المصلي بصره أمام قبلته ولا ينكس رأسه [إلى الأرض] في الركوع،

ويقول المأموم والفذ إذا قال الإمام ولا الضالين: آمين، ويقول الفذ إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وإن كان إماماً فليقل سمع الله لمن حمده، ولا يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول من خلفه سمع الله لمن حمده، ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد، قال مالك، وقال مرة: لك الحمد. 144 - وأما تفريق الأصابع [في الركوع] وضمها في السجود فكان مالك يكره أن يجد فيه حداً ويراه من البدع، قال: يسجد كما يسجد الناس ويركع كما يركعون. 145 - وإن نعس المأموم في الركعة الأولى لم يعتد بها ولا يتبع فيها، وإن أدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من سجودها، ولكن يسجد معه ثم يقضيها بعد سلام الإمام، وإن نعس بعد عقد الأولى في ثانية أو ثالثة أو رابعة اتبع الإمام ما لم يرفع رأسه من سجودها. 146 - والجلوس بين السجدتين وفي التشهد سواء، يفضي بأليته (¬1) إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويجعل باطن إبهام رجله اليمنى مما يلي الأرض، والنساء والرجال في ذلك سواء. ¬

(¬1) الألية: العجيزة، أو ما ركبها من شحم ولحم، الوسيط (1/26) .

147 - وإذا سجد السجدتين نهض كما هو ولا يرجع إلى الأرض، والإقعاء (¬1) في الصلاة مكروه، ويرفع بطنه عن فخذيه في السجود، ويجافي بضبعيه، ولا يفرج ذلك التفريج، ولكن تفريجاً متقارباً، وله أن يضع ذراعيه على فخذيه في النوافل لطول السجود، وأما في المكتوبة وما خفّ من النوافل فلا، ولا يفترش ذراعيه (¬2) في السجود. 148 - ويتوجه بيديه إلى القبلة، ولم يحدّ أين يضعهما، ولا يتكئ في المكتوبة على حائط أو عصا، ولا بأس به في النافلة، وإن شاء اعتمد على يديه للقيام أو ترك، [أي ذلك أرفق به فعل] ، ولا يضع يمناه على ¬

(¬1) انظر في ماهيته: معجم المصطلحات (1/368) . (¬2) ينظر: البخاري (828) ، حديث أبي حميد الساعدي.

يسراه في فريضة، وذلك جائز في النافلة لطول القيام. 149 - ولا يضع يده إلا على ما يضع [عليه] جبهته، وإن كان حراً أو برداً جاز أن يبسط ثوباً يسجد عليه، [ويجعل عليه كفّيه] ن وتبدي المرأة كفيها في

السجود حتى تضعهما على ما تسجد عليه. 150 - قال مالك: ومن صلى على كور (¬1) العمامة كرهته ولا يعيد، وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يباشر الأرض، ويكره أن يحمل الحصباء أو التراب من موضع الظل إلى موضع الشمس ليسجد عليه، ويكره أن يسجد على الطنافس (¬2) ، وثياب الصوف، والكتان، والقطن، وبسط الشعر [والأدم] ، وأحلاس (¬3) الدواب، ولا يضع كفيه عليها، ولكن يقوم عليها، ¬

(¬1) الكور: مجتمع طاقاتها مما شُدّ على الجبهة، كما في الشرح الكبير لسيدي أحمد الدردير (1/253) . (¬2) الطنفسة: مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وعسكها، واحدة الطنافس، القاموس (5/7) . (¬3) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رجله، والقتب والسّرج، الوسيط (1/199) .

ويجلس ويسجد على الأرض، ولا بأس أن يسجد على الخمرة (¬1) والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها، ولا بأس بالصلاة على طرف حصير وبطرفه الآخر نجاسة. 151 - وجائز أن يصلي المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوباً طاهراً كثيفاً، وإذا قدر المريض على القيام والركوع والسجود والجلوس فعل ذلك كله، ويتشهد جالساً فإن قدر أن يسجد وإلا أومأ بسجوده، وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع قام وأومأ لركوعه، ومد يديه إلى ركبتيه في إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر، وإلا أومأ بسجوده جالساً، وإن لم يقدر إلا على القيام كانت صلاته كلها قائماً ويومئ بالسجود أخفض من الركوع، ويصلي المريض على قدر ما يستطيع، فإن دين الله يسر. 152 - ومن افتتح الصلاة جالساً من عذر ثم صح أتم قائماً، ولو افتتح قائماً ثم عرض له مرض أتم جالساص وأجزأه، ولا يصلي المريض إلا إلى القبلة، فإن عسر ¬

(¬1) الخمرة: حصيرة أو سجادة تنسج من سعف النخل وتُرْمَل بالخيوط، الوسيط (1/264) .

عليه تحويله احتيل فيه، فإن صلى إلى غير القبلة أعاد في الوقت إليها، ويصلي من لا يقدر على القيام متربعاً، فإن لم يقدر فعلى قدر طاقته من الجلوس، فإن لم يقدر فعلى جنبه أو ظهره، ويجعل رجليه مما يلي القبلة، ويومئ برأسه، ولا دع الإيماء، وإن كان مضطجعاً، وصلاته جالساً ممسوكاً به أحب إلي من المضطجع. ولا يستند بحائض ولا جنب، فإن قدر أن يسجد [على الأرض سجد] ، وإلا أومأ بظهره ورأسه، ولا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه، ولا ينصب بين يديه شيئاً يسجد عليه، فإن فعل وجهل [ذلك لم يعد] ويؤم الصحيح المرضى [وتجزيهم صلاتهم خلفه إيماء أو جلوساً إذا هو يصلي قائماً] ، ولا يؤم المريض الأصحاء إذا كان لا يقدر على القيام. (¬1) 153 - ويكره لمن يقدح الماء من عينيه أن يصلي مستلقياً [على ظهره] اليومين ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (1/507) .

ونحوهما، فإن فعل أعاد أبداً. (¬1) 154 - والمصلي جالساً إذا تشهد في الركعتين [الأوليين] كبر قبل أن يقرأ ونوى به القيام للثالثة، وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القائم. ولا بأس بالاحتباء في النوافل للجالس بعقب تربعه، ومن صلى فريضة جالساً وهو يقدر على القيام أعاد أبداً. 155 - ومن افتتح النافلة جالساً ثم شاء القيام، أو افتتحها قائماً ثم شاء الجلوس، فذلك له. قال ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز - ولم أسمع من عبد العزيز غير هذا -: من تنفل فيمحمله فقيامه ¬

(¬1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/306) ، وفتح الباري (2/209) .

تربعاً، ويركع متربعاً، ويضع يديه على ركبتيه، فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه، ولا أحفظ رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز، ثم قالا: فإذا أهوى إلى السجود ثنى رجليه وأومأ بالسجود، فإن لم يقدر أن يثني رجليه أومأ متربعاً، [قال: يومئ يديه] ، والشديد المرض الذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي المكتوبة في المحمل لكن على الأرض. 156 - ومن خاف أن ينزل من سباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به، فإن أمن في الوقت فأحب إليّ أن يعيد بخلاف العدو. (¬1) 157 - وللمسافر أن يتنفل على الأرض ليلاً ونهاراً ويصلي في السفر الذي تقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد إيماء، وإذا قرأ سجدة تلاوة أومأ بها، فأما في السفر الذي لا يقصر فيه أو في حضر فلا، وإن كان إلى القبلة. ¬

(¬1) انظر: الرسالة للقيرواني (2/367، 368) .

158 - ولا يؤم أحد جالساً (¬1) في فريضة ولا نافلة، وإذا ناب الإمام شيء منعه [القيام] استخلف من يصلي بالقوم، فإن جاء هو للصف فيصلي بصلاة الإمام، ولا يصلي مضطجعاً إلا مريض. 159 - ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما يصلي عليه أصحابه، فإن فعل ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/463) ، والبيهقي في الكبرى (3/80) ، والدارقطني في سننه (1/398) ، وضعفه.

أعادوا أبداً لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فتجزئهم الصلاة. 160 - ومن صلى في دور بين يدي الإمام [بصلاة الإمام] وهم يسمعون تكبير الإمام في غير الجمعة أجزأتهم، ويكره لهم ذلك. 161 - مالك: وجائز أن يصلي في غير الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام والإمام في داخل المسجد، ثم كره ذلك، وبأول قوله أقول. ولا يعجبني أن يصلي على أبي قبيس (¬1) وقعيقعان (¬2) بصلاة الإمام في المسجد الحرام. ¬

(¬1) أبو قبيس: جبل بمكة وانظر معجم ما استعجم (3/104) . (¬2) هو اسم جبل بمكة، معجم ما استعجم (3/1086) .

162 - وإن صلى الإمام في أسفل السفينة والناس فوق السقف أجزأهم إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون هو فوق وهم أسفل، ولكن يصلي الذين فوق بإمام، والذين أسفل بإمام، والسفن المتقاربة إذا كان الإمام في أحدها وصلى الباقون بصلاته أجزأهم، مثل النهر الصغير والطريق بين الإمام والمأموم. 163 - ولا بأس بالصلاة في دور محجورة (¬1) بصلاة الإمام في غير الجمعة، إذا رأوا عمل الإمام والناس أو سمعوه. 164 - وتجزئ الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة. ¬

(¬1) أي الممنوعة، وانظر الوسيط (1/163) .

165 - وأحق القوم [بالإمامة أعلمهم، إذا كان أحسنهم حالاً، وقال أيضاً: أولاهم] بالإمامة أفضلهم في أنفسهم، إذا كان هو أفقههم، قيل لمالك: فأقرؤهم؟، قال: قد يقرأ [من لا، يريد] من لا ترضى حاله. قال ابن وهب عن مالك: يؤم القوم أهل الفضل وأهل الصلاح منهم، وأولى بمقدم الدابة صاحبها، وصاحب الدار أولى بالإمامة إذا صلوا في منزله إلا أن يأذن لأحد. 166 - ولا يصلي من يقرأ خلف من لا يحسن القرآن، وهو أشد من إمام ترك القراءة، والإعادة في ذلك كله أبداً [على الإمام والمأموم] .

167 - وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا يصلى خلفه، ولا الجمعة، إلا أن يتقيه فيصليها معه ويعيدها ظهراً أربعاً. ووقف مالك في إعادة من صلى خلف إمام مبتدع، قال ابن القاسم: يعيد في الوقت، قال مالك: ولا يسلم على أهل البدع ولا يُناكحون ولا يُصلى خلفهم جمعة ولا غيرها ولا تُشهد جنائزهم. 168 - ومن صلى خلف من يقرأ بما يذكر من قراءة ابن مسعود (¬1) فليخرج ويتركه، فإن صلى خلفه أعاد أبداً. 169 - ولا يؤم السكران، ويعيد من ائتم به. ¬

(¬1) لعدم تواترها، وانظر: جواهر البيان للعسال (ص83) .

170 - ولا يؤم الصبي في النافلة الرجال والنساء، ولا تؤم المرأة. قال النخعي: ولا تؤم في فريضة. ولا أعرابي في حضر ولا سفر، وإن كان أقرأهم. 171 - ولا يؤم العبد في الحضر في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد، فإن أمهم في جمعة [أو عيد] أعاد وأعادوا، إذ لا جمعة عليه ولا عيد، وجائز أن يؤم العبد في قيام رمضان، أو في الفرائض في السفر إن كان أقرأهم من غير أن يتخذ إماماً راتباً.

وكذلك الخصي، وولد الزنا أكره أن يتخذ إماماً راتباً. [وجائز اتخاذ الأعمى إماماً راتباً] . 172 - وأكره لأئمة المساجد الصلاة بغير رداء إلا إماماً في سفر أو في داره أو بموضع اجتمعوا فيه، وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة أو غيرها. ولا بأس أن تأتم بمن لم ينو هو أن يؤمك. 173 - وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعاً خلفه إن كان الصبي يعقل الصلاة لا يذهب ويتركه، وإن صلى معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمين الإمام، وقامت المرأة خلفهما، وإن صلى معه رجل قام عن يمينه، وإن قام عن يساره أداره الإمام إلى يمينه من خلفه، وإن لم يعلم به حتى فرغ أجزأته صلاته.

174 - ومن وجد الإمام ساجداً فليكبر وليسجد، ولا ينتظره حتى يرفع رأسه. 175 - وجائز أن يصلي الرجل بامرأته المكتوبة وتكون خلفه، ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة، إلا المغرب، فإن أعادها فأحب إلي أن يشفعها [بركعة] وتكون الأولى صلاته. 176 - ومن سمع الإقامة، وقد صلى وحده، فليس بواجب عليه إعادتها إلا أن يشاء. ولو كان في المسجد لدخل مع الإمام، إلا في المغرب فإنه يخرج. 177 - ومن أحرم بفريضة في المسجد ثم أقيمت عليه تلك الفريضة فإن لم يركع قطع بسلام ودخل مع الإمام. ومن ركع ركعة صلى ثانية وسلم ودخل معه.

178 - وإن صلى ثالثة صلى رابعة ولا تكون نافلة ويسلم ويدخل معه، وإن كان المغرب قطع ودخل مع الإمام، عقد ركعة أم لا، وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثاً وخرج، وإن صلى ثلاثاً سلم وخرج ولم يعدها. 179 -[ومن أحرم في بيته ثم سمع الإقامة يعلم أنه يدركها فلا يقطع ويتمادى] . 180 - ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحداً، فإن فعل أعاد من ائتم به، إذ لا يدري أيتهما صلاته، وقد جاء حديث أن الأولى صلاته والآخرة نافلة. 181 - ومن صلى في جماعة مع واحد فأكثر [منه] لم يعد في جماعة أكثر منها،

كان إماماً أو مأموماً، وليخرج من المسجد إذا أقيمت تلك الصلاة. 182 - وإذا صلى الإمام في المسجد وحده فلا يعيد في جماعة، إذ هو وحده جماعة. 183 - ولا تجمع صلاة في مسجد مرتين إلا في مسجد ليس له إمام راتب. 184 - وإذا جمع قوم في مسجد له إمام راتب ولم يحضر فله إذا جاء أن يجمع فيه، وإذا صلى فيه إمامه وحده ثم أتى أهله لم يجمعوا فيه، ومن وجد مسجداً قد جمع أهله فإن طمع بإدراك جماعة في مسجد أو غيره خرج إليها، وإن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا إلا أن يكون المسجد الحرام،

ومسجد النبي ÷، أو مسجد القدس، فليصلوا فيه أفذاذاً، [إذ] هو أعظم لأجرهم. 185 - ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إن كان مكانه طاهراً، وجائز أن يصلي في المقبرة (¬1) ، وعلى الثلج، وفي الحمام، إذا كان موضعه طاهراً، وفي مرابض الغنم والبقر. (¬2) 186 - ولا يصلي في أعطان (¬3) الإبل التي في المناهل (¬4) ، وروى ابن وهب أن النبي ¬

(¬1) لم يأخذ إمام المدينة بحديث الترمذي عن أبي سعيد: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة، والحمام، (37) . (¬2) انظر: الشرح الصغير (1/97) . (¬3) مَبَارك الإبل، الوسيط (2/631) . (¬4) أي موضع شربها، الوسيط (2/998) .

÷ نهى عن الصلاة في المجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله الحرام، [ومعاطن الإبل] . (¬1) 187 - وكره مالك الصلاة على قارعة الطريق لما يصيبها من زبل الدواب، واستحب أن يتنحى عنها [قليلاً] ، وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاستها من أقدامهم، وللصور التي فيها، ولا ينزل بها إلا من ضرورة. 188 - ولا يصلي إلى قبلة فيها تماثيل، وتكره التماثيل التي في الأسرة والقباب والمنابر، وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقول: ما كان يمتهن فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً، ومن ¬

(¬1) رواه البخاري (1/632) ، ومحجة الطريق: أي الطريق المستقيم، الوسيط (1/163) ، وانظر: الترمذي (346) ، وابن ماجة (746، 747) .

تركه غير محرم له فهو أحب إلي، ولا يلبس خاتم فيه تماثيل ولا يصلي به. 189 - ولا يصلي في الحجر، ولا في الكعبة فريضة، ولا ركعتي الطواف الواجب، ولا الوتر، ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به، ومن صلى في الكعبة فريضة أعادها في الوقت. 190 - وكذلك من صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها [أعاد في الوقت] ، قال مالك: ولا يعجبني الصلاة على جلدها وإن دُبغ، فإن فعل أعاد في الوقت، ويصلى على جلد السبع إذا ذكي ويلبس، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي، ووقف مالك عن الجواب في الكَيْمَخْت ورأيت تركه أحب إليه.

191 - وكل بما كان] يؤخذ من الميتة وهي حية فلا يكون نجساً ولا بأس أن يؤخذ منها بعد موتها، ويصلى به مثل صوفها وشعرها ووبرها، واستحسن [مالك] غسله. 192 - وكره أخذ القرن والعظم والسن والظّلْف (¬1) منها ورآه ميتة، وكره أخذ القرن منها في الحياة أيضاً، وكره الإدهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها، ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة، ولا يوقد بها لطعام ولا لشراب، ولا يحل اللبن في ضروع الميتة. 193 - ومن توضأ بماء غير طاهر ثم علم به فليغسل ما أصاب ذلك الماء من جسده وثيابه، ويعيد الصلاة في الوقت. 194 - ومن علم وهو في الصلاة أنه [قد] استدبر القبلة أو شرّق أو غرّب قطع ¬

(¬1) هو الظفر المشقوق للبقرة والشاة والظبي ونحوهما، الوسيط (2/597) .

وابتدأ الصلاة بإقامة، وإن علم بذلك بعد الصلاة أعاد في الوقت، وإن علم في الصلاة أنه انحرف يسيراً فلينحرف إلى القبلة ويبني. (¬1) 195 - ووقت من صلى إلى غير القبلة في الظهر والعصر إلى اصفرار الشمس، وأما المغمى عليه يفيق من الإغماء أو من جنون مطبق أو يصيبه ذلك، والمرأة تحيض أو تطهر، والنصراني يسلم، والصبي يحتلم، فوقتهم [في الصبح ما لم تطلع الشمس] ، وفي الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس، وفي العشائين ما لم يطلع الفجر، فإذا بقي من الوقت قدر صلاة أو ركعة منها فذلك وقت الآخر منها، وهم مدركوها، [فتسقط عن التي حاضت حينئذ، وعن الذي أغمي عليه، وتجب على التي طهرت، أو أفاق أو أسلم أو احتلم] ، ولو بقي من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى كانوا مدركين للصلاتين معاً على ما فسّرناه. ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/224، 225) .

196 - وأما من كان تحت الهدم فلم يستطع الصلاة فعليه أن يقضي ما خرج وقته لأنه في عقله، ومن بلغ مطبقاً أو جن بعد أن بلغ ثم صح فليقض الصوم ولا يقضي من الصلاة إلا ما أفاق في وقته. (¬1) 197 - وإذا صلت الحرة بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت، وإذا صلت متنقبة أو متلثمة فلا تعيد، والحرة المراهقة ومن يؤمر منهن بالستر في الصلاة كالبالغة، ولا تصلي أم الولد إلا بقناع كالحرة ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/494) .

بدرع أو قَرْقَل (¬1) يستر صدور قدميها، وإن صلت بغير قناع فأحب إلي أن تعيد في الوقت، ولا أوجبه عليها كوجوبه على الحرة وللأمة ومن لم تلد من السراري والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها الصلاة بغير قناع، ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد. 198 - وإذا لم يجد العراة ثياباً صلوا أفذاذاً متباعدين قياماً يركعون ويسجدون ولا يؤمون، وإذا كانوا في ظلام لا يرى بعضهم بعضاً جمعوا وتقدمهم إمامهم. 199 - ولا بأس أن يصلي محلول الأزرار وليس عليه سراويل ولا مئزر وهو أستر ¬

(¬1) هو قميص للنساء أو ثوب لا كُمّ له، القاموس (1353) .

من الذي يصلي متوشحاً بثوب، ومن صلى بسراويل ومئزر، وهو قادر على الثياب لم يعد في وقت ولا غيره، ومن صلى محتزماً أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه، فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فلا بأس به، وإن تعمد [لذلك] إكفات شعر أو ثوب فلا خير فيه. 200 - ومن أدرك بعض صلاة الإمام [فسلم الإمام] فإن كان موضع جلوس له كمدرك ركعتين قام بتكبير، وإن لم يكن موضع جلوس له كمدرك ركعة أو ثلاث قام بغير تكبير، ومن أدرك التشهد الآخر فكبر وجلس وقام بتكبير، فإن قام بغير تكبير أجزأه، ومن أدرك من الظهر ركعة قرأ فيها بأم القرآن، فإذا

قام يقضي قرأ بأم القرآن وسورة وجلس يتشهد ثم يأتي بركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الثانية بأم القرآن وحدها، وإن كانت صلاة جهرٍ جهر في قضاء الأولتين، وما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، ومن أدرك من المغرب ركعة، قال ابن المسيب: أو فاتته منها ركعة صارت صلاته كلها جلوساً. 201 - وجائز صلاة النافلة في جماعة ليلاً أو نهاراً، ويجمعها الرجل بأهل بيته وغيرهم ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فجائز أن يتطوع قبل المكتوبة،

إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة، ومن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها، وليبدأ بها إلا أن يكون في بقية من وقتها، وليس قبل الصلاة أو بعدها ركوع معلوم، وإنما يؤقت في ذلك أهل العراق. 202 - ومن قطع نافلة عمداً لزمه إعادتها، وإن كان ذلك لعلة لم يعدها، وإذا أقيمت الصلاة كره التنفل حينئذ، ومن أحرم في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإن كان ممن يخفف الركعتين قبل أن يركع الإمام صلاهما ودخل معه وإلا قطع بسلام ودخل معه، ولا يقضي النافلة إذا لم يتعمد قطعها، فإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة، ومن أوتر في المسجد فأراد أن يتنفل بعده تربص قليلاً، وإن انصرف بعد وتره إلى بيته تنفل ما أحب. 203 - ومن سلم من صلاته تنفل في موضعه وحيث أحب من المسجد إلا في الجمعة، ولا يتنفل الإمام في موضعه [لا]

في جمعة ولا غيرها. 204 - قال مالك: ومن دخل مسجداً فلا يقعد حتى يركع ركعتين إلا أن يكون مجتازاً لحاجة فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت، ثم كره زيد أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك، وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى. 205 - ولا بأس بالإشارة الخفيفة في الصلاة للحاجة، ولا يكره السلام على المصلي في

فريضة أو نافلة، وليرد مشيراً بيده أو برأسه. ويسبح الرجال والنساء في الصلاة للحاجة، وضعف مالك أمر التصفيق للنساء لحديث التسبيح. (¬1) 206 - وإن قهقه المصلي وحده قطع، وإن كان مأموماً تمادى وأعاد، ولا شيء عليه إن تبسّم، صلى وحده أو مأموماً، ولا يحمد الله المصلي إذا عطس، فإن فعل ففي نفسه، [وتركه خير له] ، ولا يرد على من شمته إشارة، كان في فرض أو نافلة، وكان مالك إذا تثاءب في غير الصلاة سدّ فاه بيده ونفث، ولا أدري ما فعله في الصلاة. ¬

(¬1) رواه البخاري (1/667) ، ومسلم (1/316) .

207 - ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه ولكن تحته، ولا [يبصق] في حائط القبلة ولا في مسجد غير محصب إذ لا يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كام المسجد محصباً (¬1) فلا بأس أن يبصق بين يديه، وعن يمينه وعن يساره أو تحت قدميه ويدفنه. 208 - ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا (¬2) ، وروى ابن وهب أن النبي ÷ قال: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". (¬3) ¬

(¬1) يعني كثير الحجارة الصغيرة، الوسيط (1/184) . (¬2) أي إذا سقطت أسنانهم، وقيل إذا نبتت من جديد، المصباح (ص82) . (¬3) رواه أبو داود (495) وأحمد (2/180) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ، وصححه ووافقه الذهبي، من حديث عمر بن العاصي.

209 - ويكره قتل البرغوث والقملة في المسجد، فإذا أصاب قملة وهو في الصلاة فلا يلقيها في المسجد ولا يقتلها فيه، وإن كان في غير صلاة فلا بأس أن يطرحها في غير المسجد. 210 - والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي يأخذ به مالك في خاصته قبل [الركوع] ولا يكبر له، ولا يجهر به [إمام ولا غيره] ولا سهو على من نسيه، وليس فيه دعاء مؤقت، ويدعو المصلي في قيامه وقعوده وسجوده بجميع حوائجه لدنياه وآخرته، ولا يدعو في الركوع، وقال ابن وهب: قال مالك: لا بأس أن يدعو الله في الصلاة على الظالم.

211 - وروي عن النبي ÷ في القنوت: "اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونَخْنَع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكافرين مُلْحِق". (¬1) 212 - وروي عن علي أنه كبر حين قنت في الفجر، وقال ابن مسعود وغيره: ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (2/210) ، ولفظه: "نخنع" وهما بمعنى واحد، وهو حديث مرسل، كما في مراسيل أبي داود (ص12) .

القنوت [في الفجر] سنة ماضية. 213 - ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شيء به ابتدأ، وإذا تعمد الإمام قطع صلاته أفسد على من خلفه، ومن أحدث بعد التشهد [وقبل السلام] أعاد الصلاة. 214 - ومن دخل مسجداً فظن أنهم في العصر، فصلى معهم وهم يصلون الظهر لم يجزه من العصر، وإذا نوى الإمام الظهر ومن خلفه ينوي العصر أجزأته ولم تجزهم. 215 - ومن أتى يوم خميس يظنه يوم الجمعة، فصلى مع الإمام الظهر أربعاً أجزأته لأن

الجمعة ظهر، ومن أتى يوم الجمعة يظن أنه يوم خميس لم يجزئه، [إذ لا جمعة بلا نية] . 216 - ومن انفلتت دابته وهو يصلي مشى إليها فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها وقطع الصلاة. 217 - والنفخ في الصلاة كالكلام، ومن فعلهما عامداً أو جاهلاً أعاد، وإن كان سهواً سجد لسهوه بعد السلام. وكذلك إن قرأ وهو في فريضة أو نافلة كتاباً بين يديه في العمد والسهو. 218 - ومن سلم من اثنتين ساهياً ثم تكلم بنى فيما قرب، [ويسجد لسهوه بعد السلام] ، وإن تباعد أو خرج من المسجد ابتدأ، وقد

تكلم النبي ÷ [ساهياً] وبنى على صلاته، ودخل فيما بنى بتكبير وسجد لسهوه بعد السلام، وإن انصرف حين سلّم فأكل أو شرب ابتدأ، وإن لم يطل. 219 - ومن صلى خلف الصفوف منفرداً، فلا بأس بذلك، ويقف حيث شاء، ولا يجبذ إليه أحداً (¬1) فإن فعل فلا يتبعه، وهذا خطأ من الذي فعله وخطأ من الذي جبذه، ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قاك حيث شاء، إن شاء خلف الإمام أو عن يمينه أو عن يساره، وتعجب مالك ممن قال يمشي حتى يقف حذو الإمام، وإن كانت طائفة عن يمين الإمام أو حذوه في الصف الثاني أو ¬

(¬1) إشارة لحديث أبي بكرة في البخاري (783) وانظر: تلخيص الحبير (2/37) .

الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام في الصف ولا يلصق بالطائفة التي عن يمينه. 220 - ولا بأس بالصف بين الأساطين (¬1) لضيق المسجد. 221 - وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال أو رجل خلف النساء لضيق المسجد أجزأتهم صلاتهم، ومن أنصت في الصلاة لمخبر يخبره فإن كان يسيراً جاز. 222 - ولا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد، وأما الاستسقاء والعيدان فتخرج المتجالة إن أحبت. 223 - وإذا كان الصبي يعبث فلا يؤتى به [إلى] المسجد، وإذا كان لا ¬

(¬1) جمع أسطوانة، وهي العمود والسارية، الوسيط (1/18) .

يعبث ويكف إذا نهي فجائز، وإن أتى أباه في مكتوبة نحاه عن نفسه، ولا بأس بتركه في النافلة. 224 - ويتصدق بثمن ما يجمر به المسجد أو يخلق أحب إليّ. 225 - ولا أكره الصلاة نصف النهار في جمعة ولا غيرها. ويفتح على الإمام من خلفه في الصلاة إذا وقف، ولا يفتح أحد على من ليس معه في صلاةن ولا يفتح مصل على مصل في صلاة أخرى. 226 - ومن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه في الصلاة لم يقطع ذلك صلاته. ولا يلتفت المصلي، فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته، وإن كان بجميع جسده.

227 - قال الحسن: إلا أن يستدير القبلة. 228 - ولا بأس أن يروّح رجليه في الصلاة، وأكره أن يقرن قدميه يعتمد عليهما، وأكره أن يصلي وفي فيه درهم أو دينار أو شيء، فإن فعل فلا شيء عليه، وأكره أن يصلي وكمّه محشر بخبز أو غيره، أو يُفقّع أصابعه في الصلاة. (¬1) 229 - ولا يبني فوق المسجد بيتاً ليسكن فيه، ولا أكره أن يكون البيت تحت المسجد، ويورث، والمسجد [حبس] (¬2) لا يُورث إذا كان صاحبه قد أباحه للناس. ¬

(¬1) يعني يفرقعها، الصحاح (فقع) . (¬2) حبس الشيء: منعه وأمسكه وسجنه، الوسيط (1/158) .

230 - ومن كثر التراب بكفيه أو جبهته فله مسحه، ولا بأس بالسّدل (¬1) في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص إلا إزار ورداء. 231 - وإذا بشّر [الرجل] ببشارة فخر ساجداً فمكروه، وإذا سلّم المصلي انصرف، إن شاء عن يمينه أو شماله، ولا يعرف مالك التسبيح في الركعتين الأخيرتين، ولا يتعوذ المأموم إذا سمع ذكر النار، فإن فعل فسِرّاً، وأكره الكتاب ¬

(¬1) هو إرسال الرداء، انظر: التقييد (1/149) .

والتزويق في القبلة أو يجعل فيها مصحفاً ليصلي إليه إلا أن يكون ذلك موضعه فجائز، وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق، وأما أحجار كثيرة فجائز. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (2/416) .

(كتاب الصلاة الثاني)

(كتاب الصلاة الثاني) 232 - وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وهي في: المص، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج أولها، والفرقان، والهدهد، والم تنزيل السجدة، وص، وحم تنزيل، والسجدة منها: ×إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ%، [فصلت: 37] . 233 - ومن قرأ سجدة في صلاة أو غيرها فأحب إلي أن يسجدها إلا أن يكون على غير وضوء أو في غير إبان صلاة فلا أحب له قراءتها حينئذ، وليتعهدها إذا قرأها، ويسجد قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنائز، فإن أسفر أو تغيرت فلا يقرؤها [حينئذ] ، فإن فعل

فلا يسجدها. 234 - وإن نسي سجودها في الركعة الأولى من النافلة حتى رفع رأسه من ركوعه فأحب إلي أن يقرأها في الثانية ويسجدها، ولا يفعل ذلك في الفريضة، وإن ذكرها وهو راكع في الثانية [من النافلة] تمادى ولا شيء عليه إلا أن يدخل في نافلة أخرى، فإذا قام قرأها وسجد. 235 -[ويكره للإمام والدّ أن يقرأ سورة فيه سجدة] ، فإذا قرأها سجد ويكبر إذا سجدها وإذا رفع رأسه منها، واختلف قول مالك إذا كانت في غير صلاة، فكان يضعف التكبير لها قبل السجود وبعده، ثم قال: أرى أن يكبر. 236 - قال ابن القاسم: وذلك كله واسع، ولا يسلم بعدها ولا يركع بها في صلاة ولا غيرها، ولا يخطرفها المتوضي وليقرأها ويسجد من غير إيجاب، ويكره له قراءتها خاصة لا يقرأ قبلها شيئاً ولا بعدها، ثم يسجد في صلاة أو غيرها، وإن

قرأها غير متوضئ، أو قرأها في صلاة فلم يسجدها، أو قرأها في غير إبان سجودها نهي عن ذلك ولا شيء عليه. 237 - وإذا قرأ السجدة من ليس لك بإمام من رجل أو امرأة أو صبي وهو قريب منك وأنت تسمع فلا سجود عليك، ومن قرأ سجدة تلاوة فسجد بها فليس على من سمعها أن يسجد إلا أن يجلس إليه، وكره مالك أن يجلس الرجل إليه لا يريد تعليماً [وكره أن يجلس إلى الرجل متعمداً لقراءة القرآن وسجوده لا يريد تعليماً] . ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة، قام عنه. وإذا لم يسجد قارئها فليسجد من جلس إليه. 238 - ويُقام الذي يقعد في المساجد يوم الخميس [وغيره] لقراءة القرآن.

239 - ولا يحمل المصحف نصراني ولا غير متوضئ إلا أن يكون في خُرْج أو غرارة أو تابوت مع غيره، وأما على وسادة أو بعلاقة فلا. (¬1) 240 - والخط باطل، ولا يصلي [في الحضر] إلا إلى سترة، ويدنو منها، والسترة قدر مؤخرة الرجل [في جُلّة الرمح] (¬2) ، وهو نحو من عظم الذراع. ¬

(¬1) رواه مالك (141) ، والعلاقة: ما يعلق السيف ونحوه. (¬2) أي غلظه.

241 - قال مالك: وإني لأحب أن يكون في جُلّة الرمح أو الحربة، وليس السوط بسترة. 242 - ويُصلي في السفر أو بموضع في الحضر حيث يأمن فيه من مرور شيء بين يديه إلى غير سترة. 243 - وينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من السّواري، بين يديه أو عن يمينه، أو عن يساره، أو إلى خلفه، يتقهقر قليلاً، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه ويدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع. [ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يديه] . 244 - ولا يناول من على يمينه شيئاً لمن على يساره [من بين يديه] ولا يناوله إياه هو ولا يصلح أن يمر بين يديه شيء، ولا بأس بالمرور بين الصفوف عرضاً (¬1) ، والإمام سترة لمن خلفه، وإن لم يكونوا إلى سترة، وكذلك من رعف أو أحدث فليخرج عرضاً، وليس عليه أن يخرج إلى عجز المسجد. ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (42) .

245 - ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر أو في الطين والظلمة، يؤخر المغرب شيئاً ثم يجمعهما قبل مغيب الشفق وينصرف الناس وعليهم إسفار قليل، ولا يجمع في المطر بين الظهر والعصر في الحضر. 246 - ومن أتى المسجد وقد صلى المغرب فوجدهم قد جمعوا لم يصلّ العشاء حتى يغيب الشفق، وإن وجدهم في العشاء جاز أن يصليها معهم. قال ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة [ماضية] . 247 - وإذا خاف المريض أن يُغْلَب على عقله جمع بين الظهر والعصر عند الزوال، وبين العشائين عند الغروب، وإن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منخرق (¬1) ، ولم ¬

(¬1) هو المنشق الذي يشتد مشيه على غير استقامة، ويراد به هنا ما يصيب البطن من علة شديدة كالمغظ ونحوه، الوسيط (1/229) .

يخف على عقله، جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، وبين العشائين عند غيبوبة الشفق لا قبل ذلك. 248 - ولا يجمع المسافر في حج ولا غيره، إلا أن يَجِدّ به [السير] (¬1) ويخاف فوات أمر فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، إلا أن يرتحل بعد النزوال فيجمع بينهما حينئذ في المنهل (¬2) ، ويجمع بين العشائين مقدار ما يكون المغرب في آخر وقتها [قبل مغيب الشفق] ، والعشاء في أول وقتها بعد الشفق، ولم يذكر في المغرب والعشاء المرحلة. (¬3) 249 - ويتم المسافر حتى يبرز عن بيوت قريته، ويقصر حتى يدخلها أو قربها، ولم يحدّ في القرب حدّاً. وسئل عمن هو على الميل، فقال: يقصر. ¬

(¬1) أي أسرع واجتهد، الوسيط (1/114) . (¬2) موضع شُرب الإبل. (¬3) انظر: الشرح الكبير (1/368) .

250 - ومن وعد قوماً للسفر ليمرّ بهم أو يتقدمهم حتى يلحقوه، وبينه وبين موضعهم ما لا تقصر فيه الصلاة، فليقصر إذا برز عن قريته إذا كان عازماً على الخروج على كل حال، وإن كان لا يخرج إلا بخروجهم فليتم حتى يبرز عن موضعهم أو عن الموضع الذي يلحقونه فيه. 251 - ومن ذكر صلاة سفر في حضر، أو [صلاة] حضر في سفر وقد خرج وقتها قضاها كما وجبت عليه [أولاً] ، ويصلي المسافر صلاة سفر إذا خرج في وقتها، وإذا دخل في وقتها ولم يكن صلاها في سفر صلاها حضرية، ووقت الظهر والعصر في ذلك النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله. 252 - وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في البر أو البحر أتم الصلاة وصام. والنواتية (¬1) معهم الأهل والولد يقصرون إذا سافروا، ومن خرج في طلب حاجة ¬

(¬1) الملاحون، الوسيط (2/999) .

فقيل له: هي بين يديك على بريدين، ولا يدري غاية سفره فمشى كذلك أياماً فإنه يتم، ويقصر في رجوعه إذا كان أربعة بُرُد فأكثر. ومن خرج يدور في القرى وفي دورانه اربعة بُرُد قصر، والسعاة مثله، ومن خرج إلى مكة ونوى أن يسير يوماً ويقيم يوماً قصر في سفره، ومن خرج إلى أربعة بُرُد يصيد لعيشه قصر، وإن كان للهو فلا أحب له أن يقصر ولا آمره بالخروج، وكان مالك يقول: يقصر [الصلاة] في مسيرة يوم وليلة، ثم ترك ذلك وقال: في أربعة بُرُد. وإن صلى المسافر ركعة ثم نوى الإقامة شفعها [وسلم] وكانت نافلة وابتدأ صلاة مقيم، وإن نوى الإقامة بعد تمامها فلا إعادة عليه إلا استحباباً، وإذا رجع إلى بيته في حاجة بعد أن سار ما لا يقصر فيه أتم الصلاة إذا رجع حتى يبرز ثانية. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/358) .

253 - ومن أقام بمكة بضعة عشر يوماً فأوطنها ثم خرج ليعتمر من الجحفة ويعود إلى مكة فيقيم بها اليوم واليومين ثم يخرج، فقال مالك: يتم في يوميه ثم قال: يقصر وهو أعجب إلي [ولم يسمعه ابن القاسم منه] . 254 - وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله وولده فأقام عندهم ولو صلاة واحدة أتمها، وإن لم يكن فيها أهله ولا ولده، أو كان فيها ولده فقط، وفيها ماشيته قصر، إلا أن يكون له مسكن فيتمّ. 255 - وإذا أدرك المسافر ركعة خلف مقيم أتم، وإن لم يدركها قصر، ويتم المقيم بقية صلاته إذا ائتم بمسافر. 256 - وإذا صلى في السفر أربعاً أعاد في الوقت، فإن كان في سفر أعاد ركعتين، وإن دخل الحضر في وقتها أعاد أربعاً، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتم في

السفر. 257 - وإذا افتتح المسافر على الإتمام، ثم بدا له فسلّم من اثنتين لم تجزه، وإذا قام المسافر بمن خلفه من اثنتين فسبحوا به فتمادى وجهل فلا يتبعوه، ويقعدون ويتشهدون حتى يسلم فيسلمون بسلامه ويعيد وحده في الوقت. 258 - ويُتم الأسير بدار الحرب [إلا أن يسافر به فيقصر، والعسكر يقيم في دار الحرب يقصرون] ، وإن طال مقامهم وليست دار الحرب كغيرها، ولو كان بغيرها أتمّ إذا نوى إقامة أربعة أيام، [وإن] لم يكن في مصر ولا قرية.

259 - ومن صلى في السفينة وهو قادر على الخروج منها أجزأه، وأحب غلي أن يخرج منها، وإ قدر على القيام فلا يصلي فيها الفريضة قاعداً، وجائز أن يجمعوا فيها بإمام، وصلاتهم على ظهرها أفذاذاً أحب إلي من صلاتهم في جماعة محنية رؤوسهم تحت سقفها، ويدورون إلى القبلة كلما دارت، فإن لم يقدروا أجزأتهم صلاتهم. ولا يتنفل في السفينة إيماء حيث ما توجهت به مثل الدابة. 260 - وقال علي عن مالك - رحمهما الله -: ومن سافر في البحر يوماً أو أكثر ثم ردته الريح إلى الموضع الذي خرج منه وحبسته فيه فليتم حتى يخرج ثانية. 261 - ومن تحرى الفجر في يوم غيم فركع [فإذا هو قبل الفجر أعادها بعده، وإن تحرى الفجر في غيم فركع] أجزأه إلا أن يتبين أتم ركوعه كان

قبل الفجر. 262 - وإن أقيمت الصلاة في المسجد قبل أن يركعهما فليدخل مع الإمام ولا يركعهما [فيه] إلا بعد طلوع الشمس إن أحب، وإن سمع الإقامة قبل أن يدخل المسجد أو جاء والإمام في الصلاة، فأحب إلي أن يركعهما خارجاً في غير أفنية المسجد إن لم يخف فوات ركعة مع الإمام، فإن خاف ذلك دخل مع الإمام، وصلاهما إن أحب بعد طلوع الشمس. ويقرأ فيهما بأم القرآن. ومن فاته حزبه من الليل، وتركه حتى طلع الفجر فليصله ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، وما ذلك من عمل الناس إلا من غلبته عيناه فلا بأس به. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الموطأ (3) ، وسنن البيهقي (3/155) .

263 - قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي بعد انفجار الصبح غير هذا إلا ركعتي الفجر، وجائز أن يقرأ حينئذ سجدة ويسجد. 264 - ولا يكره الكلام بعد الفجر قبل صلاة الفجر، ويكره بعدها إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها، [وكان مالك يتحدث بعد الفجر، ويسأل حتى تقام الصلاة ثم يترك الكلام إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها] . 265 - وتكره الضجعة بين الصبح وركعتي الفجر إذا أراد [بها] فصلا بينهما، وإن لم يرد ذلك فجائز، وإن صلى ركعتين بعد الفجر ولم ينو بهما ركعتي الفجر لم تجزياه. 266 - ومن نسي الوتر أو نام عنه حتى أصبح وهو يقدر على أن يوتر ويركع للفجر ويصلي الصبح [قبل أن تطلع الشمس] فعل ذلك، وإن لم يقدر إلا

على الوتر والصبح صلاهما، وترك ركعتي الفجر، وإن لم يقدر إلا على الصبح [وحدها] صلاها، ولا قضاء عليه للوتر، وإن أحب ركع الفجر بعد طلوع الشمس. 267 - والوتر ركعة واحدة. وكان مالك يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين [ولا يفتي الناس بذلك] ، ولا بد أن يكون قبلها شفع، ويسلّم بينهما في الحضر والسفر. (¬1) 268 - وجائز أن يوتر على الراحلة في السفر أينما توجهت به، وإن صلى المسافر على الأرض وله حزب من الليل فليوتر على الأرض ثم يتنفل في المحمل. 269 - ومن أوتر قبل أن يصلي العشاء أو [بعد أن] صلاها على غير وضوء أعاده بعدها، وإن أتى في رمضان فوجد الناس يوترون فصلى معهم جاهلاً قبل أن يصلي العشاء فليشفع الوتر إن كان بالقرب ثم يصلي العشاء ويعيد الوتر، وإن طاول أو خرج من المسجد فلا يشفع وتره ويعيده بعد [صلاة] العشاء. (¬2) ¬

(¬1) انظر: كشف الستر عن الوتر، وكشف الستر علىالصلاة بعد الوتر، الأول للنابلسي، والثاني للحافظ، بتحقيقنا، ط العلمية، بيروت. (¬2) انظر: الشرح الصغير (1/147) .

270 - وإن كان خلف إمام في الصبح أو وحده فذكر الوتر، فقد استحب [له] مالك أن يقطع ويوتر ثم يصلي الصبح لأن الوتر سنة، وهو لا يقضى بعد الصبح، ثم رخّص مالك المأموم أن يتمادى، وإن ذكره بعد الصبح لم يقضه. 271 - ومن شفّع وتره ساهياً سجد بعد السلام. ومن لم يدر أجلوسه في الشفع أم في الوتر سلّم وسجد بعد السلام وأوتر بواحدة، وإن لم يدر أفي الأولى هو جالس أو في الثانية أو في الوتر أتى بركعة وسجد بعد السلام ثم أوتر. 272 - قال مالك - رحمه الله -: ومن ذكر صلاة نسيها، وقد أحرم في فريضة غيرها قطع، وإن صلى ركعة شفعها ثم قطع، وإن ذكرها وهو في شفع سلّم وصلى ما نسي ثم أعاد التي كان فيها.

273 - وإن صلى ثلاثاً أتمها [أربعاً] . قال ابن القاسم: ويقطع بعد ثلاث أحب إلي ثم يصلي التي ذكر ثم يعيد ما كان فيه، وإن كان في هذا خلف إمام فلا يقطع، وإن كانت المغرب فإذا سلم الإمام سلم معه، ولا يشفعها ثم يصلي ما نسي ويعيد ما كان فيه مع الإمام إلا أن يكون صلى قبلها صلاة فيدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام، غيعيدهما جميعاً بعد الفائتة. ووقت المغرب والعشاء في هذا [الليل كله] . 274 - وإن ذكر مكتوبة وهو في نافلة فليقطع إن لم يركع (¬1) ، وإن ركع واحدة شفعها، وقد كان مالك يقول: يقطع، واستحب ابن القاسم أن يشفع. ومن نسي صلاة صلاها متى ما ذكرها لا يبالي أي وقت كان، وإن بدا ¬

(¬1) رواه البخاري (597) عن حديث أنس مرفوعاً.

حاجب الشمس أو كان عند غروبها. 275 - ومن ذكر صلوات يسيرة مثل الثلاث وما قرب، في وقت صلاة بدأ بهن، وإن فات وقت الحاضرة، وإن ذكرهن بعدما صلاها، صلى ما نسي، فإن بقي بعد ذلك من وقت الحاضرة قدر ركعة أعادها وإلا لم يعد، وإن كانت صلوات كثيرة بدأ بالتي حضرت، ثم صلى ما نسي، وإن ذكرهن فيها تمادى [فيها] . 276 - وإن ذكر صلوات كثيرة صلاها على قدر طاقته كما وجبت عليه، وذهب في حوائجه، فإذا فرغ صلى أيضاً حتى يتم ما بقي عليه. ويصلي صلاة الليل في النهار ويجهر، وصلاة النهار في الليل ويُسِرّ. 277 - وتكره صلاة التطوع حتى ترتفع الشمس. 278 - ومن ذكر صلاة نسيها صلاها وأعاد ما هو في وقته من الصلوات، ووقت الظهر والعصر في هذا النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله، والصبح إلى طلوع

الشمس، فإن بقي بعد الفائتة من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى أعادهما، وإن لم يبق إلا قدر صلاة أو ركعة منها جعلها للآخرة. 279 - وإن ذكر الظهر بعدما صلى العصر صلاها، فإن بقي من النهار قدر ركعة أعاد العصر وإلا فلا. 280 - وإن نسي صبحاً وظهراً من غير يومه، فذكر الظهر وحدها، فلما صلى بعضها ذكر الصبح فسدت الظهر وصلى الصبح ثم الظهر، وإن ذكرها بعد أن فرغ صلى الصبح فقط. 281 - وإن ذكر الإمام صلاة نسيها فليعلمهم ويقطع ويقطعون، بخلاف الحدث، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه أعاد هو ولم يعيدوا هم، وقد كان يقول: يعيدون هم في الوقت. 282 - ومن صلى صلوات كثيرة وهو ذاكر لصلاة أعادها وأعاد ما كان في وقته بعدها. * * *

جامع القول في السهو 283 - وإن سلّم الإمام من اثنتين فسبحوا به فلم يفقه، فأعلمه أحدهم متكلماً، فسأل الإمام بقيتهم فصدقوه، بنى فيما قرب وسجد بعد السلام، [ويجزئهم من تكلم ومن لم يتكلم] كما جاء في حديث ذي اليدين. (¬1) 284 - ومن كان وحده فليرجع إلى يقينه، فإن سأل غيره بطلت صلاته. 285 - ومن ذكر أنه في خامسة فليكف عن تمامها أي وقت ذكر، ويسجد بعد السلام. 286 - وإن صلى إمام خامسة فسها قوم كسهوه، وجلس قوم، واتبعه قوم عامدون، فصلاة الإمام ومن سها معه أو جلس تامة ويسجدون معه للسهو، وتفسد صلاة العامدين. 287 - ومن ذكر سجدة من الأولى [أو السجدتين جميعاً] وهو راكع في الثانية أو ¬

(¬1) رواه مالك (62) ، ومسلم (62) .

قبل ذلك فليسجد ما لم يرفع رأسه من الركعة الثانية، ثم يبتدئ الثانية، وإن ذكرها بعد ما رفع رأسه من الثانية تمادى، وكانت أول صلاته، ويسجد في تلك بعد السلام. 288 - مالك: وعقد الركعة رفع الرأس من الركوع. 289 - وإن نسي السجود من الأولى، والركوع من الثانية، وسجد فليسجد للأولى ويبني عليها، ولا يضيف إليها من سجود الثانية شيئاً، ويسجد بعد السلام. 290 - ومن تكلم أو سلّم اثنتين أو شرب في الصلاة ناسياً سجد بعد السلام، فإن كان مأموماً حمل عنه إمامه. 291 - ومن سها عن ركعة أو سجدة أو عن سجدتي السهو قبل السلام، بنى فيما قرب، وإن تباعد ابتدأ الصلاة، ومن شك فتفكر قليلاً فتيقن أنه لم يسه فلا سجود عليه لسهوه. 292 - والسهو في الفرض والتطوع على الرجال والنساء سواء.

293 - وإن نسي التشهد الآخر وسلم، فإن كان بالقرب تشهد وسجد بعد السلام، وإن تطاول فلا شيء عليه إذا ذكر الله عز وجل، وليس كل الناس يعرف الشهد، [ولم يره نقصاً من الصلاة] ، وإن رفع رأسه من السجود فسلم ساهياً قبل أن يجلس رجع أيضاً بالقرب فجلس وتشهد ويسجد للسهو بعد السلام، وإن تطاول أعاد الصلاة، ونسيان التشهدين ليس كغيرهما فيما يسهو عنه. 294 - ومن نسي تكبيرة أو سمع الله لمن حمده، مرة فلا شيء عليه، وإن ترك اثنتين من ذلك أو التشهدين سجد قبل السلام، فإن لم يسجد حتى تطاول أو انتقض وضوءه أجزأته صلاته، وإن نسي ثلاث تكبيرات أو سمع الله لمن حمده مثل ذلك، سجد قبل السلام، وإن نسي أن يسجدها حتى سلم سجدهما بالقرب وسلم وأجزأتاه، فإن لم يسجد حتى تطاول ذلك أعاد الصلاة. 295 - وإن نقص وزاد أجزأته سجود السهو قبل السلام، ومن صلى خلف من يرى

السجود في النقص بعد [السلام] فلا يخالفه [فإن الخلاف شر] . 296 - وإن وجب عليه سجود سهو بعد السلام، فسجد قبل السلام أجزأه، وإن نسي الجلوس الأول حتى قام فلا يرجع ويسجد قبل السلام. 297 - وإن جعل موضع (الله أكبر) (سمع الله لمن حمده) ، وموضع (سمع الله لمن حمده) (الله أكبر) فليرجع فليقل كما وجب عليه، فإن لم يرجع ومضى، سجد قبل السلام كان وحده أو إماماً. 298 - وإن نسي سجود سهو بعد السلام سجده متى ما ذكر، ولو بعد شهر. وإن انتقض وضوءه توضأ وقضاهما، وإن أحدث فيهما توضأ وأعادهما، وإن أحدث بعدما سجدهما توضأ وأعادهما، فإن لم يعدهما أجزأتاه، وصلاته في ذلك كله تامة لأتهما ليستا من الصلاة. ومن صلى إيماءً سجد لسهوه إيماء. 299 - ومن عقد مع الإمام ركعة فوجب على الإمام سجود، فإن كان قبل [السلام] سجد معه قبل القضاء ثم لا يعيده، وإن كان بعد السلام فلا يسجد

حتى يقضي، وقال سفيان: يسجد معه ثم يقضي. قال مالك: ولينهض المأموم إذا سلّم الإمام من الصلاة أو من السجود، واستحب ابن القاسم قيامه بعد السلام من الصلاة، فإذا أتم قضاءه سجد ما سجد إمامه، سها الإمام والمأموم معه أم لا، ذلك سواء، وإن جلس المأموم [حتى سجد الإمام] فلا يتشهد وليدع، وإن لم يعقد معه ركعة لم يسجد معه، لا قبل ولا بعد ولا يقضه. 300 - ومن أسرّ فيما يجهر فيه ناسياً سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد [السلام] إلا أن يكون جهراً خفيفاً مثل إعلانه بالآية ونحوها فلا شيء عليه. 301 - ومن شك في سجدتي السهو فلم يدر واحدة سجد أو اثنتين، سجد سجدة

وتشهد وسلم، ولا سجود عليه لسهوه فيهما. 302 - فإن ظن أن الإمام سلم فقام يقضي، فتبين له فرجع قبل أن يسلم الإمام، أو أتم ما بقي عليه ورجع قبل أن يسلم الإمام، فلا سجود عليه، ولا يعتد بما صلى قبل سلام الإمام ويقضيه، وإن سلم الإمام وهو قائم أو راكع ابتدأ القراءة وسجد قبل السلام، ومن لم يدر سلم أم لا، سلم ولا سجود عليه. 303 - ومن ذكر سجدتي سهو بعد السلام من فريضة أو نافلة وهو في فريضة أو نافلة لم تفسد واحدة منهما، فإذا أتمها سجدهما. 304 - وإن كانت قبل السلام وهما من فريضة فذكرهما بقرب صلاته رجع إليها بغير سلام، وإن أطال القراءة في هذه الثانية أو ركع بطلت الأولى، فإن كانت هذه الثانية نافلة أتمها، وإن كانت فريضة قطع إلا أن يعقد منها ركعة فيشفعها استحباباً ثم يصلي الأولى والثانية. 305 - وإن كانت قبل السلام وهما من نافلة فذكرهما قبل أن يتباعد وهو في نافلة

[أخرى] رجع إن لم يركع من الثانية شيئاً فسجد ما كان عليه، وتشهد وسلم وابتدأ النافلة التي كان فيها [إن شاء] . 306 - ومن قام في نافلة من اثنتين ساهياً فليرجع ما لم يركع، فإن ركع فقد اختلف قوله فيه، وأحب إلي أن يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع ويسجد بعد السلام، وإن رفع رأسه منها أتى برابعة وسجد قبل السلام، فإن سها عن السلام حتى صلى خامسة رجع متى ما ذكر، ويسجد قبل السلام، لأن النافلة في قول بعض العلماء أربع وفي قول مالك ركعتان. 307 - وإن صلى الفريضة خمساً ساهياً سجد بعد السلام. 308 - مالك: ولا أعرف في التشهد بسم الله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالتشهد قبل الدعاء.

309 - واستحب مالك تشهد [عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -] (¬1) ، وهو: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له] ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ثم تدعو بما أحببت. 310 - ويسلم الإمام والفذ واحدة قبالة وجهه، ويتيامن [قليلاً] ، ويسلم المأموم عن يمينه ثم على الإمام، فإن كان عن يساره أحد رد عليه، وقاله ابن عمر، وكان مالك يأخذ بقول ابن المسيب، يسلم عن يمينه وعن يساره ثم يرد على الإمام ثم تركه. ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (53) ، والحاكم في المستدرك (1/266) ، وصححه ووافقه الذهبي.

311 - وسلام الرجال والنساء سواء، ويسمع نفسه ومن يليه، ولا يجهر جهراً، وسلامه من الفريضة ومن السهو سواء. ولا يقيم الإمام في مصلاه إذا سلم إلا أن يكون في سفر أو في فنائه فإن شاء تنحى أو قام. 312 - وإن شاء المأموم رد على الإمام عليك السلام، وأحب إلي: السلام عليكم. 313 - وإذا أحدث الإمام أو رعف فله أن يستخلف من يتم بالقوم، فإن قال: يا فلان تقدم، فإن كان راعفاً فقد أفسد على نفسه ولا يبني، وإن كان فيما لا يبني لم يضرهم ذلك لأنه في غير صلاة، [وإنما يضرهم إن تمادى بهم] . 314 - وإن خرج الإمام ولم يستخلف أتم بهم أحدهم، فإن صلوا وحدانا أجزأهم إلا الجمعة، ويكره لهم ذلك، فإن استخلف من فاتته ركعة أتم بهم صلاة الأول واجتزأ بما قرأ، ثم يثبتون ويأتي المستخلف بما بقي عليه ثم يسلم لهم، وإن استخلفه وهو راكع فليرفع بهم. * * *

جامع القول في صلاة الجمعة 315 - وغسل الجمعة واجب على كل محتلم (¬1) ، ولا يُجزئ إلا متصلاً بالرّواح، فإن اغتسل وراح ثم أحدث أو خرج من المسجد إلى موضع قريب لم ينتقض غسله، وإن تباعد، أو تغدى أو نام بعد غسله أعاد ولا بأس أن يغتسل غسلاً واحداً للجنابة والجمعة ينويهما. 316 - وليس على النساء والعبيد والصبيان جمعة، فمن شهدها منهم فليغتسل وليصلها، ولا على المسافر، فإن شهدها فليصلها. ¬

(¬1) رواه البخاري (858) ، ومسلم (846) ، ومالك (4) عن أبي سعيد مرفوعاً.

317 - ومن ركع مع الإمام يوم الجمعة، ولم يقدر على السجود من زحمة الناس حتى ركع الإمام الثانية ولم يرفع رأسه فلا يسجد ويلغي الأوولى ويتبع الإمام في الثانية ويقضي ركعة. وكذلك إن زوحم عن السجود حتى قام الإمام في الثانية فليتبعه ما لم يخف أن يعقدها عليه، فإن خاف الغى الأولى ودخل معه، فإن لم يقدر على السجود حتى سلم الإمام أعاد ظهراً [أربعاً] (¬1) ، وإن عقد الأولى بسجدتيها ثم زاحموه على الثانية حتى سلم الإمام بنى على الأولى وأجزأته، وإن لم يقدر على السجود إلا علىظهر أخيه أعاد أبداً. 318 - ومن أدرك من الجمعة ركعة قضى بعد سلام الإمام أخرة يقرأ فيها بسورة الجمعة استحباباً ويجهر، وإن أدرك الجلوس صلى أربعاً. (¬2) 319 - ومن أحرم في نافلة يوم الجمعة فلا يركع حتى خرج الإمام تمادى، وإن خرج الإمام قبل أن يحرم فليجلس ولا يصل. (¬3) 320 - وإذا قام الإمام يخطب فحينئذ يجب قطع الكلام واستقباله والإنصات إليه لا قبل ذلك، ويجوز الكلام بعد فراغه من الخطبة وقبل الصلاة، ومن أقبل على الذكر شيئاً ¬

(¬1) انظر: الموطأ للإمام مالك (ص86) . (¬2) انظر: سنن ابن ماجة (1123) عن ابن عمر. (¬3) انظر: ابن ماجة (1112) ، ومواهب الجليل (2/179) .

يسيراً في نفسه والإمام يخطب فلا بأس، وترك ذلك أحسن. [وأحب إلي أن ينصت ويسمع] . 321 - ويجب الإنصات على من لم يسمع الإمام، مثل ما يجب على من يسمعه. 322 - ومن عطس والإمام يخطب حمد الله سراً في نفسه، ولا يشمت من عطس والإمام يخطب. 323 - ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب، ولا يتكلم أحد في جلوس الإمام بين خطبتيه. 324 - ويجلس الإمام في أول الخطبة حتى يؤذن المؤذنون على المنار، ثم يخطب ويجلس في وسطها جلسة خفيفة، وكذلك سائر الخطب يجلس في أولها وفي وسطها. 325 - ولا يسلم الإمام على الناس إذا رقى المنبر. ومن شأنه أن يقول إذا فرغ من خطبته: يغفر الله لنا ولكم، وإن قال: اذكروا الله يذكركم فحسن، والأول أصوب. 326 - وجائز أن يتكلم الإمام في خبته لأمر أو نهي، ولا يكون لاغياً، ومن كلمه

الإمام [فرد عليه] لم يكن لاغياً. 327 - ويستحب للإمام أن يتوكأ على عصا غير عود المنبر إذا خطب. 328 - وتصلى الجمعة في رحاب المسجد وأفنية ما يليه من الحوانيت والدور التي تدخل بغير إذن، وإن لم تتصل الصفوف [إذا ضاق المسجد] ، [وكان الناس يدخلون حجر أزواج النبي ÷ بعد وفاته فيصلون فيها الجمعة من ضيق المسجد وهي ليست من المسجد ولكنها شارعة إلى المسجد، ولم يزل الناس يصلون

فيها حتى بني المسجد] . 329 - ولا يُصلى في تلك الحوانيت والدور التي [لا] تدخل بغير إذن وإن أذن أهلها، ويُصلى في الزقاق وإن كان فيها أرواث الدواب، وكذلك في جميع الصلوات لضيق المسجد، ومن صلى يوم الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام أعاد أبداً أربعاً. 330 - وإن استخلف الإمام من يصلي في المسجد الجامع [يوم الجمعة] وصلى هو الجمعة في غيره فالجمعة لمن صلى في الجامع وهو تركها في موضعها.

331 - ويصلي الجمعة أهل القرية المتصلة البنيان كالروحاء وشبهها، وكذلك أهل الخصوص إن كان عليهم والٍ أو لم يكن، وقال مرة: القرية المتصلة البنيان التي فيها الأسواق يجمع أهلها، ومرة لم يذكر الأسواق. 332 - وكتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلاً فليُجَمِّعوا الجمعة، [وروي عن النبي ÷: إذا اجتمع ثلاثون بيتاً] . (¬1) ¬

(¬1) لم أفق عليه، وهو ضعيف للانقطاع بين ابن وهب والقاسم بن محمد، وإرساله، ويشترط عند المالكية إذن الإمام أو السلطان أو الحاكم أو من ينيب عنه، لإقامة الجمعة.

333 - ويجب إتيان الجمعة من ثلاثة أميال وزيادة يسيرة، ومن شهد العيد يومالجمعة فلا يسقط عنه إتيان الجمعة وإن أذن له الإمام، ولم يأخذ مالك بإذن عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - لأهل العوالي وقال: ما بلغني عن غيره. 334 - وإذا قعد الإمام على المنبر وأذن المؤذنون حرم البيع حينئذ، ومنع منه من تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه من المسلمين، فإن تبايع حينئذ اثنان تلزمهما الجمعة أو أحدهما فسخ البيع، واحتج بالذمي الذي ابتاع طعاماً على كيل فباعه من مسلم قبل أن يكتاله، وقال: بيعه غير جائز، وإن كانا ممن لا تجب الجمعة على واحد منهما لم يفسخ. 335 - ولا يمنع أهل الأسواق البيع [والشراء] يوم الجمعة إلا في الساعة المذكورة، ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب في السبت والأحد.

336 - فإن أحدث الإمام في الخطبة فلا يتمها، ولكن يستخلف من شهدها فيتم بهم، وكذلك إن أحدث بعد الخطبة [أو بعدما أحرم] ، وإن استخلف من لم يشهدها فصلى بهم أجزأهم، فإن مضى الإمام ولم يستخلف لم يصلوا أفذاذاً ويستخلفون من يتم بهم، وأحب إلي أن يقدموا من شهد الخطبة، فإن لم يشهدها أجزأهم، وإن صلوا الجمعة أفذاذاً أعادوا، ولو تقدم بهم رجل من تلقاء نفسه ولم يقدموه [هم ولا إمامهم] أجزأهم، [والجمعة وغيرها سواء] ، وإن استخلف عليهم الإمام رجلاً ناسياً لجنابته أجزأتهم صلاتهم، ويعيد هو وحده، وإن كان ذاكراً لها [فسدت عليهم، وإن] استخلف

عليهم كران أو مجنوناً [أو عبداً] أو من لم يحرم خلفه أعادوا، لأن هذا الذي لم يحرم خلفه صار وحده، ولا يجمع الجمعة واحد والقوم كأنهم أحرموا قبل إمامهم، وإن خرج المستخلف من الصلاة قبل أن يعمل فيها شيئاً فقدم رجلاً منهم أو قدموه هم لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم ولم يعيدوا. 337 - ومن أحدث يوم الجمعة والإمام يخطب خرج بغير إذن، وإنما كان الإذن الذي روي في حرب النبي عليه السلام. (¬1) ¬

(¬1) انظر: تفسير القرطبي (12/320) .

338 - وإذا خطب الإمام ثم قدّم والٍ غيره، ابتدأ الخطبة وإذا قصّر في الخطبة أو نسي فلم يتكلم إلا [بمثل] الحمد لله ونحوه، أعادوا الخطبة والصلاة، وإن كان شيء له بال أجزأ. 339 - وإن جهل فصلى قبل الخطبة أعادوا الصلاة وحدها، وإذا خطب وصلى بهم الجمعة أربعاً عامداً أو جاهلاً أعاد بهم ركعتين وأجزأته الخطبة. 340 - ومن صلى الظهر في بيته قبل صلاة الإمام يوم الجمعة وهو ممن تلزمه الجمعة لم يجزه، وإنما يصلي الظهر من فاتته الجمعة. 341 - ولا جمعة على الإمام المسافر إلا أن يمرّ بقرية من عمله يجمع فيها فليجمع بهم، فإن لم يكن يجمع فيها لصغرها [فجمع

بهم] فسدت عليه وعليهم. 342 - وإذا هرب الناس يوم الجمعة [عن الإمام] فلم يبق معه إلا الواحد والاثنان فإن لم يأتوا بعد انتظاره فإنه يصلي ظهراً [أربعاً] . 343 - وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر، جمع الناس لأنفسهم إن قدروا وإلا صلوا ظهراً [أربعاً] وتنفلوا معهم بصلاتهم. 344 - ولا يتنفل الإمام والمأموم بعد الجمعة في المسجد، وإن تنفل المأموم فيه [فواسع] .

345 - وأحب إلي أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ثم بـ×هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ%. 346 - وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم [فلا يجمعوا، ومن لا تجب عليهم الجمعة] مصل المرضى والمسافرين وأهل السجن فجائز أن يجمعوا. 347 - وإنما كره التخطي إذا قعد الإمام على المنبر، وأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كان بين يديه فرجة، وليترفق في ذلك. 348 - ولا جمعة في أيام منى كلها بمنى، ولا يوم التروية بمنى (¬1) ، ولا يوم عرفة بعرفة. 349 - ومن دخل مكة فأقام بها أربعة أيام، ثم حبسه كريه يوم التروية (146) حتى صلى الناس الجمعة، فعليه أن يصلي الجمعة لأنه كالمقيم، فإن لم يقم أربعة أيام فلا جمعة عليه، لأنه مسافر. ¬

(¬1) هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة المبارك.

وإذا أخر الإمام الجمعة، فإنه يصليها ما لم تغرب الشمس، إذا أدرك من العصر ركعة قبل الغروب. * * *

ما جاء في صلاة الخوف 350 - ويصلي الإمام في الخوف بالطائفة الأولى في المغرب ركعتين، ثم يتشهد ويثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم ركعة بأم القرآن ويسلمون، ويصلي بالطائفة الثانية ركعة، يقرأ فيها هو وهم بأم القرآن ويسلم [ولا يسلمون] ويقضون ركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة. 351 - ولا تصلى صلاة الخوف ركعتين إلا في السفر، فأما في الحضر والسواحل فأربع ركعات بكل طائفة ركعتين. 352 - ولا يصليها مسافر بحضريين، فإن فعل صلى بكل طائفة ركعة، ويتمون صلاتهم حضرية، وإن كان في القوم مسافرون وحضريون، فإن صلى بهم مسافر، صلى بكل طائفة ركعة، ثم يأتي المسافرون بركعة ويسلمون، ويأتي الحضريون بثلاث، وإن كان الإمام حضرياً صلى بكل طائفة ركعتين وأتم كل من خلفه، كان حضرياً أو مسافراً. وإذا اشتد الخوف صلوا على قدر طاقتهم،

ركباناً أو مشاة، إيماءاً أو غير إيماء، لقبلة أو لغيرها، ويقرءون ولا إعادة عليهم إن أمنوا في الوقت. 353 - وإذا سها الإمام مع الطائفة الأولى سجدوا للسهو بعد إتمامهم، إن كان نقصاناً قبل السلام، وإن كان زيادة فبعد، ثم إذا صلى بالطائفة الثانية فعلى حديث يزيد بن رومان الذي كان مالك يأخذ به (¬1) يثبت الإمام جالساً، فإذا أتموا الصلاة سجد [بهم] للسهو. 354 - وأما على حديث ¬

(¬1) رواه البخاري (4131) ، ومسلم (839) ، (842) .

القاسم الذي رجع إليه مالك إنما يقضون بعد سلامه، [فإن كانتا قبل السلام سجدوا معه] ، وإن كانتا بعد السلام سجد هو ولم يسجدوا هم إلا بعد القضاء. * * *

في صلاة الخسوف 355 - وصلاة الخسوف سنة لا تترك، كصلاة العيدين، ولا يجهر بالقراءة فيها إذ لا خطبة فيها، ويستفتح في كل ركعة منها بالحمد [لله] . (¬1) 356 - وإنما تصلى من ضحوة إلى زوال الشمس، فإذا زالت [الشمس] فلا، وروى ابن وهب عن مالك أنها تصلى في وقت صلاة، وإن كان بعد الزوال. 357 - ويصليها أهل الحضر والقرى والمسافرون ويجمعون، إلا أن يعجل بالمسافرين السير، ويصليها المسافر وحده. وتصليها المرأة في بيتها، ولا بأس أن تخرج المتجالة إليها. ¬

(¬1) انظر: الفتح للحافظ (2/634) .

358 - وإن أتموا صلاتها والشمس بحالها لم يعيدوا الصلاة ولكن يدعون ومن شاء تنفل. 359 - ومن أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى لم يقض شيئاً، و [كذلك] إن أدرك [الركعة] الثانية من [الركعة] الثانية، فإنما يقضي ركعة فيها ركوعان وتجزئه. وإذا سها فيها الإمام سجد لسهوه، وأنكر مالك السجود في الزلازل. 360 -[ويحرم فيها الإمام فيقوم قياماً طويلاً نحواً من [سورة] البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً نحو قيامه (¬1) ، ثم يرفع فيقرأ دون القراءة الأولى ويركع دون ¬

(¬1) رواه البخاري (1052) ، ومسلم (907) .

الركوع الأول ثم يرفع رأسه ثم يسجد سجدتين يوالي بينهما] . 361 - وأحب إلي أن يطيل السجود، ثم يقوم دون القيام الذي يليه ثم يركع دون الركوع الذي يليه ثم يرفع فيقوم دون القيام الذي يليه [ثم يركع دون الركوع الذي يليه] ، ثم يسجد كما ذكرنا ويتشهد ويسلم. 362 - ولا يجمع في خسوف القمر، ويصلون ركعتين كسائر النوافل. 363 - قال عبد العزيز: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة [في خسوف القمر] لقول النبي ÷: إذا رأيتم ذلك [بها] فافزعوا إلى الصلاة. (¬1) * * * ¬

(¬1) رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) عن عائشة نحوه.

صلاة الاستسقاء 364 - ويتنفل قبل الاستسقاء وبعدها في المصلّى، وإنما تصلى ضحوة، ويقرأ فيها بسبح ونحوها، ويجهر فيها، ولا يخرج إليها بمنبر، ولا يمنع أهل الكتاب من الاستسقاء. 365 - وجائز الاستسقاء في السنة مراراً، ولا يؤمر النساء والصبيان بالخروج إليها، وإن خرجوا لم يمنعوا. ولا تخرج الحيّض على حال، ولا صبي لا يعقل الصلاة. 366 - فإذا صلى الإمام ثم سلّم [استقبل الناس بوجهه فجلس جلسة ثم قام يخطب ويتوكأ على عصا ويجلس بين خطبتيه، فإذا فرغ] استقبل القبلة قائماً والناس جلوس، فحول ما على يمينه من ردائه على يساره، وما على يساره على يمينه، ولا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى، ويحول الناس كذلك وهم جلوس، ثم يدعو الإمام قائماً والناس جلوس، ولا حد في طول ذلك، ولكنه وسط، ثم ينصرفون. وليس في خطبتها تكبير، وإن أحدث [الإمام] في الخطبة تمادى. (¬1) * * * ¬

(¬1) ينظر: البخاري (1024) ، ومسلم (894) ، وفتح الباري (2/571) ، والموطأ (ص135) .

في صلاة العيدين والتكبير في أيام التشريق (¬1) 367 - وغُسل العيدين حسن، وليس كوجوبه في الجمعة، ثم يغدو من داره أو من المسجد إذا طلعت الشمس، ويكبر في الطريق ويسمع نفسه ومن يليه، وفي المصلى حتى يخرج الإمام فيقطع [التكبير] ، ولا يكبر إذا رجع. وتكبير العيدين سواء لا حد فيه. ويخرج من طريق ويرجع من غيرها استحباباً. 368 - ويخرج الإمام في العيدين سواء بمقدار ما إذا وصل حلّت الصلاة، ويكبر الإمام في العيدين في خلال خطبته، ولا حد في ذلك. 369 - ولا تجب صلاة العيدين على النساء والعبيد، ولا يؤمرون بالخروج إليها، ومن حضرها منهم لم ينصرف إلا بانصراف الإمام، وإذا لم يخرج النساء فما ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/398) .

عليهن واجب أن يصلين [ويستحب لهن أن يصلين] أفذاذاً، ولا تؤمهن واحدة [منهن] . 370 - ويقرأ في العيدين بسبح والشمس وضحاها ونحوهما، والخطبة بعد الصلاة في العيدين، والاستسقاء، وأما الجمعة وعرفة، فالخطبة قبل الصلاة. 371 - ويكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، وذلك كله قبل القراءة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى. (¬1) 372 - ومن فاتته صلاة العيدين فيستحب له أن يصليها من غير إيجاب، ومن أدرك منها الجلوس كبر وجلس، ثم يقضي بعد سلام الإمام باقي التكبير والصلاة. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (2/198) .

373 - وإذا صُليت في المسجد جاز التنفل قبلها وبعدها، وفي المصلى لا قبل ولا بعد، وإن نسي التكبير في الركعة الأولى فذكر قبل أن يركع رجع فكبر وقرأ وسجد بعد السلام، وإن ذكر بعدما ركع تمادى وسجد قبل [السلام] . 374 - ويصليها أهل القرى كأهل الحضر، وإن أحدث الإمام في خطبة العيد تمادى. 375 - ويستحب الخروج فيها إلى المصلى إلا من عذر، وينحر الإمام أضحيته في المصلى، ويفطر في الفطر قبل أن يخرج إلى العيد، وليس ذلك في الأضحى. 376 - وليس في تكبير أيام التشريق حدّ، وبلغني عن مالك - رحمه الله - أنه كان

يقول: الله أكبر، [الله أكبر، الله أكبر] ، ثلاثاً. 377 - ويكبر أيام التشريق دبر خمس عشرة صلاة، أولها صلاة الظهر يوم النحر، وآخرها صلاة الصبح من اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق، يكبر في الصبح ويقطع في الظهر، ولا يكبر في أيام التشريق في غير دبر الصلوات، كذلك كان من يقتدى به يفعل. (¬1) 378 - ومن نسي التكبير، فإن كان بالقرب رجع فكبر، وإن يَعُد فلا شيء عليه، وإن سها عنه الإمام كبر المأموم، ومن فاته بعض الصلاة فلا يكبر حتى يقضي. ويكبر أيام التشريق كل مسلم صلى في جماعة أو وحده. 379 - ويجمع بين الظهر والعصر بعرفة بعد الزوال، يبدأ الإمام بالخطبة، فإذا فرغ منها جلس على المنبر، وأذن المؤذن وأقام، فإذا أقام نزل فصلى بالناس الظهر ركعتين ¬

(¬1) انظر: الموطأ لمالك (ص261) .

ثم أذن فقام، ثم يصلي بهم العصر ركعتين ولا يجهر بالقراءة، وكل صلاة فيها خطبة يجهر فيها بالقراءة خلا هذه الصلاة، لأن خطبتها تعليم للحاج. 380 - ويتم أهل منى بمنى، وأهل عرفة بعرفة، وكل من لم يكن من أهها فليقصر الصلاة بها. 381 - ولا أحب أن يكون الإمام من أهل عرفة، فإن كان منها أتم الصلاة، قال ابن مسعود: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم. (¬1) * * * ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/442) .

(كتاب الجنائز)

(كتاب الجنائز) 382 - قال مالك: يجتهد للميت في الدعاء، وليس في ذلك حدّ، ولا يقرأ على الجنازة، وكان أبو هريرة يتبع الجنازة من أهلها، فإذا وضعت كبّر وحمد الله وصلى على نبيه، ثم قال: اللهم [إنه] عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. (¬1) 383 - قال مالك - رحمه الله -: وهذا أحسن ما سمعت من الدعاء على الجنازة، وليس فيه حدّ معلوم. (¬2) ¬

(¬1) رواه مسلم (963) ، ومالك في الموطأ (17) عن عوف بن مالك مرفوعاً. (¬2) انظر: مواهب الجليل (2/214، 215) .

384 - وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقف عند وسط الرجل، وفي المرأة عند منكبيها. 385 - قال مالك: ويكبر على الجنازة أربعاً. مالك: ولا يرفع يديه إلا في الأولى، قال عنه ابن وهب: ويعجبني أن يرفع [يديه] في الأربع. 386 - ولا بأس بحمل السرير من أي جانب [شئت] ، وإن شئت فاحمل أو فدع (¬1) ، وقول من قال: يبدا باليمين بدعة. والمشي أمام الجنازة هو السنة (¬2) . وجائز أن يسبق وينتظر. ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (4/19) ، والصغرى (1048) عن ابن مسعود. (¬2) رواه مالك في الموطأ (11) .

387 - ولا يصلي عليها في المسجد، إلا أن توضع بقربه فيصلي من في المسجد عليها بصلاة الإمام، إذا ضاق خارج المسجد بأهله. وجائز الجلوس عند القبر قبل أن توضع [الأرض] . (¬1) 388 - ويصلى على قاتل نفسه [وإثمه على نفسه، ويصلى] على أولاد الزنا كسائر المسلمين. 389 - وكل من كان حده القتل فقتله الإمام أو الناس دونه، فإنه يغسل ويكفن ويصلي عليه الناس دون الإمام، وكذلك [كل] محارب قتله الناس دون الإمام لأنه حده. فأما من جلده الإمام في زنا فمات منه، فإن الإمام يصلي ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (2/229، 230) .

عليه. [وإذا قتل في قصاص صلى عليه الناس دون الإمام] . 390 - ومن اشترى صغيراً من العدو أو وقع في سهمه من المغنم فمات صغيراً لم يصلّ عليه. وإن نوى به سيده الإسلام، إلا أن يجيب إلى الإسلام بأمر يعرف أنه عقله، وهذا إذا كان كبيراً يعرف ما أجاب إليه. 391 - ومن زوج عبده من أمته وهما نصرانيان فحدث لهما ولد فليس للسيد أن يدخل الولد في الإسلام جبراً. 392 - ولا توطأ أمة من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، [وتصلي] ، أو تجيب بأمر يعرف أنها قد دخلت في الإسلام، وتستبرأ، وإن كانت من أهل الكتاب فحتى تستبرأ.

393 - والصبي إذا لم يستهل [صارخاً] ، والسقط لا يرثان ولا يورثان ولا يسميان، ولا يغسلان ولا يحنطان ولا يدفنان في الدور. ومن ارتد قبل البلوغ لم تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه. 394 - ولا يصلى على يد ولا على رأس مع الرِجْلين، وإنما يصلى على أكثر البدن. 395 - ولا يتبع الميت بمجمرة، ولا يقلم ظفره، ولا تحلق عانته، وذلك بدعة ممن فعله. 396 - ومن فاته بعض التكبير انتظر، فإذا كبر الإمام كبر معه ويقضي متتابعاً، وإذا

اجتمعت جنائز صُلي على جميعها في موضع واحد، وإذا أتى بجنازة والإمام يصلي على غيرها تمادى على الأولى ولا يدخل الثانية معها، فإذا فرغ صلى على الثانية، ولو جيء بها بعد تمام الصلاة على الأولى فلا بأس بتنحية الأولى والصلاة على الثانية. 397 - ومن أتى وقد فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها بعد ذلك، ولا على القبر، وليس العمل على ما جاء من الحديث في ذلك. (¬1) ويجعل الرجال والصبيان [في الصلاة] مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة (¬2) ، ¬

(¬1) رواه البخاري (458) ، ومسلم (956) من حديث أبي هريرة مرفوعاً. (¬2) رواه مالك في الموطأ (24) .

فإن كانوا رجالاً كلهم [جعلوا واحداً خلف واحد، ثم قال مالك] واسع أن يجعل بعضهم على بعض، وأفضلهم مما يلي الإمام أو صفاً واحداً كلهم، ويقوم الإمام وسط ذلك وكذلك النساء. 398 - ولا يصلى على أحد من أهل الأهواء، ولا يعاد مرضاهم ولا على قتلى الخوارج والإباضية. (¬1) 399 - ولا يصلى على الشهيد في المعترك ولا يكفن، ولا يغسل، ويدفن بثيابه، ولا ينزع عنه شيء لا خف ولا فروة، إلا درع أو سلاح، ويحفر له ويلحد، وإن عاش بعد ذلك حياة بينة، كان كالمجروح يموت بعد أيام، يغسل ويصلى عليه، وليس كحال من به رمق وهو في غمرة الموت. ولا يزاد [على] الشهيد غير ما عليه، وكذلك من قتله العدو، أي قتلة كانت في معترك أو غيره. (¬2) 400 - وأما من قتل مظلوماً أو قتله لصوص في معتركهم أو في دفعه إياهم عن حريمه أو مات بغرق أو هدم، فإنه يغسل ويصلى عليه. * * * ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (2/249) . (¬2) انظر: مواهب الجليل (2/248) .

في غسل الميت 401 - وليس في غُسل الميت حدّ ولكن ينقى [وينظف] ويعرى للغسل، وتستر عورته ويجعل الغاسل على يده خرقة ويفضي به إلى فرجه، وإن احتاج إلى أن يباشر بيده فعل، ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، فإن وضئ فحسن. وأحسن ما جاء في الغسل ثلاث أو خمس بماءٍ وسدر [ويجعل] في الآخر كافوراً إن تيسر. (¬1) 402 - ويغسل أحد الزوجين صاحبه، وإن أصاب غيره من الرجال والنساء، ويستر كل واحد منهما عورة صاحبه، وإن وضعت الزوجة حملها بعد موته وقبل غسله فجائز لها أن تغسله، وأم الولد في الغسل كالزوجة تغسل سيدها ويغسلها، ¬

(¬1) رواه البخاري (1253) ، ومسلم (939) ، ومالك (1) جنائز من حديث أم عطية.

والمطلقة واحدة لا تغسل زوجها إن مات قبل انقضاء عدتها. 403 - ومن مات في سفر لا رجال معه، ومعه نساء فيهن ذات محرم منه فلتغسله ولتستره، وإن لم يكن فيهن ذات محرم منه يممن وجهه ويديه إلى المرفقين، وإن ماتت امرأة مع رجال لا نساء معها، فإن كان فيهم ذو محرم منها غسلها من فوق الثوب، وإن لم يكن ذو محرم يمم وجهها ويديها إلى الكوعين. ولا بأس أن يغسل النساء الصبي ابن سبع سنين وشبهه. (¬1) 404 - ويُصب الماء على المجروح والمجدور الذي يخاف أن يتزلع (¬2) ولا ييمم. 405 - ولا يغسل المسلم أباه الكافر، ولا يتبعه ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل (2/248) . (¬2) أي يتشقق وفسدت جراحته، الوسيط (1/412) .

فيواريه، وكذلك الكافر بين المسلمين إذا مات، قال ربيعة: ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلتهم. 406 - ولا بأس بالمسك والعنبر في الحنوط، ويجعل ذلك على جسده و [بين] أكفانه ومواضع السجود، ولا يجعل من فوق الأكفان، قال عطاء: أحب الحنوط إلي الكافور، وجائز أن يحنط المحرم، ولا يلي ذلك منه محرم. 407 - ويستحب أن يكفن في ثلاثة أثواب إذا وجد. 408 - ويعمم الميت، وتجمر (¬1) ثيابه، ويكره في كفن الرجال والنساء الخز (¬2) ، والمعصفر (¬3) ، والحرير، ويكفن في العصب وهي الحبرة. (¬4) ¬

(¬1) جمر الكفن: بخره، الوسيط (1/138) . (¬2) هو ما ينسج من صوف وإبْرَيسم، الوسيط (1/240) . (¬3) هو المصبوغ بالعُصْفر، وهو نبات شديد الحمرة في صبغه. (¬4) الحبرة: ثوب من قطن أو كتان مخطط، يصنع باليمن، الوسيط (1/158) .

409 - والأخ أولى بالصلاة على الميت من الجد، وإنما ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالميت فهو أولى بالصلاة، والعصبة أولى بالصلاة من الزوج، والزوج أولى بإنزال المرأة في قبرها من عصبتها، ومن كانت الصلاة إليه من قاض أو صاحب شرطة أو وال فهو أحق بالصلاة على الميت إذا حضر من أوليائه، وكذلك كل بلدة كان ذلك عندهم. 410 - وتتبع المرأة جنازة زوجها ووالدها وولدها وأخيها إذا كان يعرف أن مثلها تخرج على مثله، وإن كانت شابة، ويكره أن تخرج على غير هؤلاء ممن [لا] ينكر لها الخروج عليهم من قراباتها. 411 - ومن مات وليس معه إلا نساء صلين عليه أفذاذاً واحدة واحدة ويكن صفوفاً.

412 - ويسلم إمام الجنازة واحدة عن يمينه يسمع نفسه ومن يليه، ويسلم المأموم واحدة يسمع بها نفسه فقط، وإن أسمع من يليه فلا بأس. 413 - ويكره تجصيص القبور والبناء عليها. وإذا أحدث إمام الجنازة استخلف من يتم بهم باقي التكبير، فإن توضأ وأدرك بعض التكبير، كان في سعة إن شاء رجع أو ترك. 414 - ويصلى عليها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر أو اصفرت [الشمس] فلا يصلوا حينئذ إلا أن يخافوا عليها. 415 - قال مالك: وإن غابت الشمس بدءوا بما أحبوا من المغرب أو الجنازة، وقال عنه ابن وهب:

[إن صلوا عليها بعد الفريضة فهو أصوب] فإن صلوا [عليها] قبل فلا بأس. ولا يبقر على الميتة إذا كان جنينها يضطرب في بطنها. * * *

(كتاب الصيام)

(كتاب الصيام) (¬1) 416 - ويحرم الأكل بطلوع الفجر المعترض في الأفق لا بالبياض الظاهر قبله، كما لا يمنع [ذلك] البياض [من الأكل، فكذلك لا يمنع البياض] الباقي بعد الشفق من صلاة العشاء. ومن تسحر بعد الفجر ولا يعلم بطلوعه، أو أكل ناسياً لصومه، فإن كان ¬

(¬1) الصيام لغة: الإمساك والترك، فمن أمسك عن شيء ما قيل له صائم، وشرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية قبل الفجر أو معه في غير أيام الحيض والنفاس والأعياد، الثمر الداني (293) . وانظر: الذخيرة للقرافي (2/485) ، والبيان والتحصيل لابن رشد (2/303) ، والشرح الكبير (1/239) ، والتفريع لابن الجلاب (1/301) ، والمعيار للونشريسي (1/410) .

في تطوع فلا شيء عليه، ولا يفطر بقية يومه، فإن فعل قضاه. وإن كان في نذر متتابع مثل قوله: لله علي صوم عشرة أيام متتابعات بغير عينها فنابه ذلك بعد أن صام بعضها ترك الأكل في بقية يومه وقضاه ووصله بها، فإن لم يصله أو أفطر باقي يومه ابتدأها، وإن نابه ذلك في أول يوم منها، فإن شاء أفطر وابتدأ صومه عشرة أيام، ولا أحب له أن يفطر فإن فعل فإنما عليه عشرة أيام، أحدها قضاء ذلك اليوم، وإن كانت أياماً بعينها، أو كان في رمضان فليتماد على صومه وعليه القضاء، وإن كان في قضاء رمضان فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وقضاه، وأحب إلي أن يتمه ويقضيه، وإن كان في صوم تظاهر أو قتل نفس مضى في صيامه وقضى ذلك اليوم، ووصله بصيامه، فإن لم يصله ابتدأ. 417 - ومن شك في الفجر فلا يأكل، ومن أكل ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فليقض في رمضان، ومن ظن أن الشمس قد غربت فأكل في رمضان، ثم

طلعت [الشمس] فليقض. 418 - ومن رأى هلال رمضان وحده فليعلم الإمام لعل غيره رآه معه فتجوز شهادتهما، فإن لم يره غيره رد الإمام شهادته ولزمه الصوم في [خاصة] نفسه، فإن أفطر كفر مع القضاء. 419 - ولا يصام رمضان ولا يفطر منه ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين، ولا يقبل في ذلك شهادة واحد، وإن كان عدلاً، ولا من فيه بقية رق [ولا جماعة نساء] . 420 - ويقال لمن قال [يصام] بشهادة واحد، أرأيت عن أغمي آخر الشهر كيف يصنعون، [أيفطرون واحداً وثلاثين، فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك

اليوم من رمضان] . 421 - وتكره للصائم القبلة والمباشرة، فإن قبّل [امرأته] في رمضان قبلة واحدة [فأنزل] فعليه القضاء والكفارة، وإن كان من المرأة مثل ذلك فعليها القضاء والكفارة، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها، وعليها القضاء. 422 - وروى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها في رمضان لا شيء عليه إلا أن يمذي فيقضي. 423 - قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو باشرها فأنزل فالقضاء والكفارة،

وإن باشرها فأمذى أو أنعظ أو حرك ذلك منه وإن لم يمذ فليقض، وإن لم ينزل ذلك منه منياً، ولا أنعظ، ولا حرك ذلك منه لذة فلا شيء عليه. 424 - وإن لمسها فأنزل أو عالجت ذكره بيدها حتى أنزل فأمكنها منه فليقض ويكفر، وإن نظر إليها في رمضان وتابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتابع النظر فأمنى أو أمذى فليقض فقط. 425 - وتكره الحقنة والسعوط (¬1) للصائم، فإن احتقن في فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض ولا يكفر. 426 - ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه، فإن ¬

(¬1) السعوط: دواء يصيب في الأنف، وانظر: المصباح المنير (277) .

اكتحل بإثمد، أو صبر، أو غيره، أو صب في أذنه الدهن لوجع به أو غيره، فوصل ذلك إلى حلقه، فليتماد في صومه، ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا يكفّر إن كان في رمضان [وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه] ، وقاله أشهب. 427 - وإن قطر في إحليله دهناً أو استدخل فتائل أو داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا شيء عليه. 428 - وإنما تكره [له] الحجامة لموضع التغرير، فإن احتجم وسَلِم فلا شيء عليه، ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه، وإن لم يدخل جوفه، ومضغ العلك أو يداوي [الحفر في فيه] ويمج الدواء أو يلمس الأوتار بفيه أو يمضغها.

429 - وإن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه مع ريقه، أو دخل حلقه ذباب أو ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه في ذلك. 430 - وإن استقاء فقاء فعليه القضاء، وقال أشهب: إن كان صومه تطوعاً فاستقاء فليفطر ويقض، وإن لم يفطر فلا بد من القضاء، وإن كان صومه واجباً فليتمه ويقض. 431 - ولا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من عطش أو حر، فإن تمضمض لذلك أو لوضوء صلاة فسبقه الماء إلى حلقه فليقض في الفرض والواجب لا في التطوع، ولا كفارة عليه، ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره بعود يابس، وإن بلّه بالماء، وأما الرطب فمكروه. 432 - مالك: والصوم في السفر أحب إليّ لمن قوي عليه، فإن أصبح في السفر صائماً في رمضان ثم أفطر لعذر فعليه القضاء فقط، وإن تعمد الفطر لغير عذر

فليكفر مع القضاء، وقال المخزومي وابن كنانة: لا يكفر. وقاله أشهب: إن تأول. 433 - مالك وأشهب: وإن أفطر بعد دخوله إلى أهله نهاراً فعليه القضاء والكفارة، مالك: كان فطره أول النهار أو آخره. أشهب: ولا يعذر أحد في هذا. مالك: وإن أصبح في الحضر صائماً [في] رمضان وهو يريد سفراً فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه، ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه، فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء فقط، وقال المخزومي وابن كنانة: يلزمه القضاء والكفارة.

434 - ومن أصبح في الحضر صائماً متطوعاً، ثم سافر فأفطر، أو أفطر قبل خروجه، أو صام تطوعاً في السفر ثم أفطر، فإن كان لعذر فلا قضاء عليه وإلا فليقض، ومن علم أنه يدخل بيته من سفره أول النهار فليصبح صائماً، فإن لم يفعل وبيت الفطر ثم دخل قبل طلوع الشمس فلا يجزيه الصوم في بقية يومه وإن نواه، وعليه قضاؤه، ولا يكره له الأكل [في] بقية يومه، وله أن يطأ امرأته إن وجدها كما طهرت. 435 - ومن اصبح مفطراً ولم يأكل أو أكل ثم علم في أول النهار أو آخره أنه أول يوم من رمضان فليكف عن الأكل بقية يومه ويقضيه، ثم إن أكل بعد علمه بذلك لم يكفر إلا أن يفطره منتهكاً وهو يعلم ما يلزم المفطر عامداً فليكفر. 436 - وإن أصبح فيه صائماً متطوعاً ثم علم انه أول يوم من رمضان لم يجزه وعليه قضاؤه. 437 - ولا ينبغي صيام يوم الشك. (¬1) ¬

(¬1) ذكره مالك في الموطأ (55) ، من حديث يحيى بن مالك.

438 - ومن أصبح يوم الفطر أو [يوم] الأضحى صائماً ثم علم أنه لا يجوز صومهما فأفطر فلا قضاء عليه. 439 - ومن أصبح صائماً ينوي به قضاء يوم عليه من رمضان، ثم ذكر أول النهار أنه كان قضاه، فلا يفطر وليتم صومه. أشهب: لا أحب له أن يفطر فإن فعل فلا قضاء عليه، كمن شك في الظهر فأخذ يصلي ثم ذكر أنه قد صلى، فلينصرف على شفع أحب إلي، وإن قطع فلا شيء عليه. 440 - مالك: ويكره أن يعمل في صوم التطوع ما يكره في صوم الفريضة. 441 - ومن التبست عليه الشهور في جار الحرب فصام شهراً ينوي به رمضان، فإن كان قبل رمضان لم يجزه، وغن كان بعده أجزأه، وإن صامه تطوعاً فإذا هو رمضان لم يجزه من رمضان وقضاه. 442 - ولا بأس أن يتعمد أن يصبح في رمضان جنباً. وغن حاضت امرأة أو طهرت في رمضان وقد مضى بعض النهار فلتفطر يومها ذلك، فإن رأت الطهر

قبل الفجر واغتسلت بعده صامت وأجزأها، وإن لم تر الطهر إلا بعد الفجر فلتأكل يومها، وغن أصبحت فشكت أطهرت قبل الفجر أم بعده فلتصم يومها ذلك ولتقضه. 443 - ومن أغمي عليه قبل الفجر في رمضان فأفاق بعد الفجر بقليل أو كثير لم يجزه ذلك اليوم، ولو كان نائماً أجزأه، وإن نام نهاره كله، فإن كان ذلك إغماء لمرض لم يجزه، وإن أُغمي عليه وقد مضى أكثر النهار، أو أُغمي عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار أجزأه ولا شيء عليه، وإن أفاق بعد أيام لم يجزه صوم يوم إفاقته، لأن من لم يبيت الصوم فلا صوم له، وإن أُغمي عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب، لم يجزه صومه،

أشهب: هذا استحسان، ولو اجتزئ به ما عنف. 444 - ومن بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق قضى الصوم ولا يقضي الصلاة. 445 - ومن أكل أو شرب أو جامع في رمضان ناسياً فعليه القضاء بلا كفارة، وإن ظن [أن] ذلك يفسد صومه فتعمد الأكل باقيه أو امرأة رأت [الطهر] ليلاً في رمضان فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم على أهله ليلاً فظن أن من لم يدخل نهاراً قبل أن يمسي أن صومه لا يجزيه، وأن له أن يفطر، أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنماً له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فافطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة. 446 - ابن القاسم: وما رأيت مالكاً يجعل الكفارة في شيء من هذا الوجه على

التأويل إلا امرأة قالت: اليوم أحيض، وكان ذلك يوم حيضتها، فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره، والذي يأكل في رمضان متعمداً في أول نهاره، ثم يمرض في آخره مرضاً لا يقدر معه على الصوم، فقال: عليهما القضاء والكفارة. وقاله المخزومي. 447 - ولا يؤمر الصبيان بالصيام حتى تحيض الجارية ويحتلم الغلام، بخلاف الصلاة. 448 - ومن أكره، أو كان نائماً، فصب في حلقه ماء في رمضان، أو نذر أو ظهار أو في صيام كفارة القتل، أو في صيام متتابع، أو جومعت نائمة في رمضان، فالقضاء في ذلك كله يجزئ بلا كفارة، ويصل القضاء في ذلك بما كان من الصوم متتابعاً، وإن كان في صوم تطوع فلا قضاء عليه. 449 - وإذا خافت المرضع على ولدها، فإن قبل غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو له مال فلتستأجر له، ولتصم، وغن لم يقبل غيرها أفطرت وقضت، وتطعم لكل يوم أفطرته مَدّاً (¬1) لكل مسكين. ¬

(¬1) المد: مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري، فعند الشافعية مقداره نصف قدح، ونحوه المالكية، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، وعند العراقيين رطلان، وهما يساويان 880 جرام تقريباً، وانظر: الوسيط (مدد 2/893) .

450 - مالك: والحامل [إذا خافت على ولدها] تفطر وتقضي [إذا صحت] ولا إطعام عليها، لأنها مريضة، ولو كانت صحيحة فخافت أن تطرح ولدها إذا صامت فلتفطر ولا إطعام عليها. وقال عنه ابن وهب: إن الحامل تفطر وتطعم، قال أشهب: هذا استحباب من غير إيجاب. 451 - قال القاسم وسالم: من أدركه الكبر فضعف عن صوم رمضان فلا فدية عليه.

452 - وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تتطوع بالصيام إلا بإذنه. 453 - وجائز أن يقضى رمضان في العشر (¬1) ، ولا يقضى في أيام التشريق، ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر، وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومهما إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي، ولا يصومهما من نذر [صوم] ذي الحجة، أو كان عليه صوم واجب، ولا يقضي فيهما رمضان أو غيره، واليوم الآخر من أيام التشريق يصومه من نذره، أو نذر [صوم] ذي الحجة، ولا يقضي فيه رمضان أو غيره. ويبتدئ فيه صيام من ظهار، أو قتل نفس أو شبه هذا، إلا أن يكون قد صام قبل ذلك فمرض ثم صح في أيام النحر فلا يصمها، وليصم هذا اليوم الرابع [و] يصله بصومه. 454 - ومن أفطر لمرض أو سفر ثم تمادى به [المرض أو السفر] إلى رمضان آخر ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (4/256) من حديث الأسود ين قيس عن عمر.

فليصم هذا الداخل ثم يقضي الأول، وليس عليه إذا قضى الأول إطعام، وإن صح أو قدم [من سفره] قبل دخول رمضان الثاني بأيام أقل من شهر أو شهرين فلم يصمها فعليه عدتها أمداداً يفرقها إذا أخذ في القضاء أو بعده، فإن لم يخرج ذلك [حتى] مات وأوصى أن يطعم عنه فذلك في ثلثه. 455 - ولا يجزئ أن يعطي لكل مسكين أكثر من مُدّ، ويبدأ على الوصايا، والزكاة تبدأ على هذا إذا أوصى بها، وعلى العتق وغيره إلا المدبر في الصحة، قيل: فالعتق في الظهار، وقتل النفس [إن] أوصى بها مع هذا الطعام بأيهما يبدأ؟، قال: العتق في الظهار، وقتل النفس، يبدآن على كفارة الأيمان، وإن لم يوص بإخراج هذا الطعام لم يلزمه ورثته إلا أن يشاءوا، كالزكاة تجب عليه فلا يوصي بها، فإن أوصى بإخراج هذا [الطعام] وبإخراج طعام عليه من نذر بدئ

بالطعام لقضاء رمضان لأنه أكد، وكذلك من عليه صوم هدي وقضاء رمضان بدأ [بصوم الهدي] إلا أن يرهقه رمضان فيقضي رمضان ثم يصوم الهدي بعد ذلك. 456 - وما ذكر الله تعالى في كتابه من [صيام] الشهور فمتتابع، ويستحب أن يتابع قضاء رمضان وصيام الجزاء والمتعة وكفارة اليمين، وصيام ثلاثة أيام في الحج، فإن فرقه أجزأه، [وإن صام يوم التروية ويوم عرفة ويوماً من آخر أيام التشريق أجزأه] . 457 - ومن أسلم في رمضان فليصم باقيه ولا قضاء عليه لما تقدم منه، ويستحب له أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه. (¬1) 458 - ومن نذر صوم أيام أو شهور غير معينة فليصم عدد ذلك، إن شاء تابعه أو فرقه، إلا أن ينويه متتابعاً، وغن نذر صوم شهور بغير عينها متتابعة [أو غير ¬

(¬1) انظر: الاستنكار لابن عبد البر (10/92، 93، 97) .

متتابعة] فله أن يصومها للأهلة أو لغير الأهلة، فإن صامها للأهلة فكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أجزأه، ومن صام لغير الأهلة أكمله ثلاثين، وإن صام بعض شهر، ثم صام بعد ذلك إن شاء للأهلة، ثم يكمل الشهر الأول بثلاثين يوماً، إلا أن ينذر شهوراً بعينها متتابعات فيصومها بأعيانها. وإن نذر صوم سنة غير معينة صام اثني عشر شهراً ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر [فما صام من الأشهر فعلى الأهلة، وما أفطر بفيه] منها لعذر أتمه ثلاثين، وإن كانت سنة بعينها صامها وأفطر منها يوم الفطر وأيام الذبح] ويصوم آخر أيام التشريق.

459 - مالك: ولا قضاء عليه فيها ولا في رمضان، إلا أن ينوي قضاء ذلك كمن نذر صلاة يوم بعينه فليصل في الأوقات الجائزة فيها الصلاة، ولا يصلي في الساعات التي لا يصلى فيها ولا شيء عليه فيها ولا قضاء. 460 - ثم سئل مالك: عمن نذر صوم ذي الحجة، فقال: يقضي أيام الذبح إلا أن يكون نوى إلا يقضيها. قال ابن القاسم: الأول أحب إلي. وما أفطر من السنة المعينة لعذر فلا قضاء عليه، وإن كان لغير عذر قضاه. 461 - وإن أفطر منها شهراً لغير عذر فكان تسعة وعشرين يوماً قضى عدد أيامه. 462 - ومن نذر صوم شهر بعينه فمرضه لم يقضه، وإن أفطره متعمداً قضى عدد أيامه متتابعاً أحب إلي، وإن فرقه أجزأه، وإن أفطر منه يوماً قضاه إلا أن يكون [أفطره] لمرض. 463 - ومن نذر صوم شهر بغير عينه متتابعاً فصام منه عشرة أيام، ثم أفطر يوماً من غير

عذر ابتدأ الصوم ولا يبني [عليه] . 464 - ومن قال: لله علي صوم غد، فأفطره فلا كفارة يمين عليه، لأنه جعل لنذره مخرجاً وعليه قضاؤه، ومن نذر صوم كل خميس يأتي لزمه، فإن أفطر خميساً متعمداً قضاه، وكره مالك أن ينذر صوم يوم مؤقت. 465 - ومن نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم ليلاً صام صبيحة تلك الليلة، وإن قدم نهاراً ونية الناذر الفطر، فلا قضاء عليه، ومن نذر صوم يوم قدومه أبدا فقدم يوم الاثنين صام كل يوم اثنين فيما يستقبل. ومن نذر صوم غد فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى وقد علم به أو لا، فلا يصومه، ولا قضاء عليه فيه. 466 - وإن نذرت امرأة صوم سنة ثمانين فلا تقضي أيام حيضتها لأن الحيضة كالمرض، ولو مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء، وكذلك إن نذرت صوم يوم

الاثنين والخميس ما بقيت فحاضت فيهما أو مرضت فلا قضاء عليها. وأما السفر، فقال مالك: لا أدري ما هو، قال ابن القاسم: وكأنه أحب أن تقضي. 467 - وإن نذرت صيام غد فحاضت قبله أو نذرت صيام أيام حيضتها، فلا قضاء عليها [لأن الحبس جاء من غيرها] . 468 - ومغيب الحشفة (¬1) يفسد الصوم والحج، ويوجب الغسل والحد، [ويوجب الكفارة والصداق، ويحصن المبتوتة] . 469 - ولا يعرف مالك في الكفارة غير الطعام، ولا عنق ولا صوم، ويطعم في الكفارة ستين مسكيناً مدا مدا بمد النبي ÷، ولا يجزيه أن يطعم ثلاثين مسكيناً مدين مدين. ¬

(¬1) الحشفة: رأس عضو التذكير، ويكشف عنها الختان أو مغيب قدرها من مقطوعها، انظر: الوسيط (2/183) .

470 - وإن أكره امرأته في نهار رمضان [فوطئها] فعليهما القضاء، وعليه عنه وعنها الكفارة، فإن أكرهها في الحج فجامعها فليحجها ويهدي عنها، فإن وطئها في رمضان أياماً، فعليه لكل يوم كفارة، وعليها مثل ذلك، عن طاوعته، وإن أكرهها فذلك كله عليه، وعليها هي القضاء، وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة، فإن طاوعته في الوطئ أول النهار ثم حاضت في آخره فلا بد لها من الكفارة [والقضاء] . (¬1) 471 - مالك: ومن أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب حتى غابت الشمس أو مضى أكثر النهار فعليه القضاء [والكفارة] . قلت لابن القاسم [فإن نوى الفطر في رمضان يومه كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب؟ قال: قد قال مالك في ذلك شيئاً] لا أدري هل أوجب عليه القضاء مع ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/530) .

الكفارة أو لا، [قال ابن القاسم:] وأحب إلي أن يكفر [مع القضاء، ولو أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب ثم] نوى الصوم قبل طلوع الشمس وترك الأكل وأتم صومه لم يجزه [صوم] ذلك اليوم، وبلغني عن مالك [أنه قال: إن عليه القضاء والكفارة، وهو رأيي] . وقال أشهب: عليه القضاء، ولا كفارة عليه.

472 - وإن حاضت جارية أو احتلم غلام في رمضان فأفطر بقيته، أو أفطر فيه السفيه البالغ فعلى كل واحد منهما كفارة لكل يوم أفطر مع القضاء. (¬1) 473 - ومن صام رمضان قضاء لرمضان قبله أجزأه وعليه قضاء الآخر. 474 - ومن نذر مشياً فخرج ينوي نذره وحجة الفريضة أجزأه لنذره، وعليه قضاء الفريضة، لأنه حين أشرك بينهما كان أولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله، [وقد روى بعض العلماء أن ذلك الحج يجزيه لفريضته وعليه النذر] . (20) * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل (2/450) .

في قيام رمضان 475 - وقيام الرجل [في رمضان] في بيته أحب إلي لمن قوي عليه. ولا يؤم أحد بإجارة (¬1) في قيام رمضان ولا في الفريضة. 476 - وقيام رمضان تسع وثلاثون ركعة، يوتر منها بثلاث، وقد أمر عمر بن عبد العزيز القراء [أن يقوموا بذلك] ، يقرءون في كل ركعة بعشر ¬

(¬1) قال الونشريسي في المعيار: الأجرة على الإمامة منع منها قوم، وأجازها قوم، وفصل آخرون، ومنع الجمهور محمول على الكراهة، وانظر في (7/473، 475) .

آيات. 477 - مالك: وليس ختم القرآن لسنة لقيام رمضان. ربيعة: ولو أمهم رجل بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأهم. 478 - وكره مالك للقراء أن يقرأ أحدهم في غير الموضع الذي انتهى إليه صاحبه، وقال: يقرأ الثاني من حيث انتهى الأول. ولا يقرأ بالألحان في الصلاة، وعظم مالك الكراهية فيه. والأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء. 479 - ولا بأس أن يؤم [الناس] في المصحف في رمضان في النافلة، وأكرهه في

الفريضة، وإن ابتدأ الإمام بغير مصحف وبين يديه مصحف منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر فيه، ولكن يتم صلاته ثم ينظر. 480 - ولم يكن الأمير يصلي القيام [خلف القارئ] فيما خلا مأموماً، ولو فعل ذلك جاز، وقال ربيعة: لا يفعل ذلك إلا أن يأتي فيؤم بالناس. 481 - وجائز التنفل بين الترويحتين لمن يتم الركعتين ويسلم، فأما من يقف يقرأ وينتظرهم حتى يدخل معهم بإحرامه الأول أو بإحداث إحرام فلا يعجبني. 482 - ولا يقنت في رمضان، [لا] في أوله ولا في آخره [ولا في غيره] [ولا في الوتر. والوتر آخر الليل أحب غلي لمن قوي

عليه] ، ويفصل الإمام بين الشفع والوتر بتسليم، ومن صلى خلف من لا يفصل بينهما بسلام فليتبعه. قال مالك: قد كنت أنا أصلي معهم فإذا جاء الوتر انصرفت ولم أوتر. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الموطأ (7) ، (ص92) ، وكشف الستر للحافظ وللنابلسي كلاهما بتحقيقنا، ط بيروت.

(كتاب الاعتكاف)

(كتاب الاعتكاف) (¬1) 483 - ولا اعتكاف إلا بصوم، فإن أفطر يوماً ناسياً فليقضه واصلاً باعتكافه، وإن أفطر عامداً، أو جامع في ليل أو نهار ناسياً، أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأ. وإن حاضت معتكفة فخرجت فوطئها زوجها فسد اعتكافها، قاله ابن المسيب وغيره. ومن أصابه [في معتكفه] مرض لا يستطيع الصوم معه، أو جن، أو أغمي عليه فليخرج، فإذا صح، فليبن على اعتكافه، ويصل ذلك، فإن لم يصله استأنف. ¬

(¬1) أصله الاحتباس والعكف، الحبس، وفي الشرع: الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص، وانظر: الذخيرة (2/534) ، والتفريع لابن الجلاب (1/312) ، والبيان والتحصيل (2/306) ، والمعيار للونشريسي (1/430) ، والشرح الصغير (1/255) ، والموطأ لمالك (ص210، 212) .

484 - وإذا صامت امرأة شهرين في قتل نفس فحاضت فيهما بنت إذا طهرت ولا تؤخر. 485 - وإذا صح المريض المعتكف، أو طهرت الحائض [في بعض النهار] ، رجعا تلك الساعة إلى معتكفهما وبنيا على ما تقدم، فإن أخرا ذلك ابتدءا الاعتكاف. 486 - ومن اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فخرج ثم صح قبل الفطر بيوم فليرجع إلى معتكفه فيبني، ولا يلبث يوم الفطر في معتكفه، [ويخرج] فإذا مضى يوم الفطر عاد على معتكفه. وقال ابن نافع عن مالك: يشهد العيد مع الناس

ويرجع إلى المسجد ذلك اليوم لا إلى بيته ولا يعتد به. 487 - ويخرج المعتكف لغسل الجمعة أو الجنابة، ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه، ويستحب له أن يتخذ ثوباً غير ثوبه ليأخذه ويدع ثوبه إذا أصابته جنابة. (¬1) 488 - مالك: ولا بأس أن يخرج [المعتكف] فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه ذلك، ثم قال: لا أرى ذلك، وأحب إلي أن لا يدخل معتكقه حتى يفرغ من حوائجه. وقال عنه ابن نافع: لا يخرج لشراء طعام ولا غيره، ولا يدخل حتى يعد ما يصلحه، ولا يعتكف إلا من كان مكفياً حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فإن اعتكف غير مكفي، جاز أن يخرج لشراء طعامه ولا يقف مع أحد يحدثه. قال ابن القاسم: ولا يمكث بعد قضاء حاجته شيئاً. 489 - وإن خرج يطلب حداً له، أو ديناً، أو أخرج فيما عليه من حد، أو دين فسد اعتكافه، وقال ابن نافع عن مالك: إن أخرجه قاض لخصومة أو غيرها ¬

(¬1) انظر: موطأ مالك (ص210) ، ومصنف عبد الرزاق (4/368) .

كارهاً فأحبّ إلي أن يبتدئ اعتكافه، وإن بنى أجزأه، ولا ينبغي له إخراجه حتى يتم، إلا أن يتبين له أنه إنما اعتكف لواذاً فيرى رأيه. 490 - وليس لأحد أن يشترط في الاعتكاف ما بغير سنته، قال ابن شهاب: وإن شرط أن يطلع قريته اليوم واليومين فشرطه باطل. 491 - ويقبل المعتكف على شأنه، ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه. وإن سكر ليلاً وصحا قبل الفجر، قال ابن شهاب: أو أحدث ذنباً مما نهي عنه فسد اعتكافه [وابتدأ] . 492 - مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جنازة وهو في المسجد، قال عنه ابن نافع وإن انتهى إليه زحام المصلين عليها. ولا يعود مريضاً معه في المسجد إلا أن

يصلي إلى جنبه فلا بأس أن يُسلّم عليه، ولا يقوم ليعزي أو يهنئ أو ليعقد نكاحاً في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في مجلسه فلا بأس به. ولا بأس أن يتطيب ويَنْكِح ويُنْكَح. (¬1) 493 - قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، قيل له: أفيكتب العلم في المسجد؟، فكره ذلك، قال ابن نافع: في الكتاب إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقال ابن وهب: وسئل مالك: أيجلس مجالس العلماء ويكتب العلم؟، فقال: لا يفعل إلا الشيء الخفيف، والترك أحب إلي. 494 - قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع الشيء الخفيف من عيشه الذي لا يشغله. 495 - ولا يأخذ من شعره وأظفاره، ولا يدخل إليه في ذلك حجام وإن جمعه وألقاه، وإنما كره ذلك لحرمة المسجد، ويعتكف في عَجُز المسجد، ولا باس أن يعتكف في رحابه. وكره مالك للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد، واختلف قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم، وجل قوله فيه الكراهية، وذلك رأيي. ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/370) من حديث ابن جريج عن عطاء بلفظ (لا بأس أن تنكح المجاورة المعتكفة في جوارها (معتكفها) .

496 - ومن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي اعتكاف شهر إن شاء الله لزمه إن فعل، ولا ثُنيا له في ذلك، ولا في طلاق أو عتق أو صدقة أو مشي إلا اليمين بالله فقط. وإن قال: إن كنت دخلت دار فلان فعلي اعتكاف شهر، ثم ذكر أنه دخلها لزمه الاعتكاف. 497 - ومن أذن لعبده أو امرأته في الاعتكاف، فليس له قطعه [عليهما] إذا دخلا فيه. 498 - وإن نذر عبد عكوفاً فمنعه سيده كان ذلك عليه إن عتق، وكذلك

المشي والصدقة [إذا نذر ذلك، فلسيده منعه، فإن عتق يوماً ما لزمه ما نذر من مشي أو صدقة] إن بقي ماله ذلك بيده ولو أذن له السيد وهو رقيق ففعل ذلك أجزأه. 499 - وإن نذر مكاتب اعتكافاً يسيراً لا ضرر فيه على سيده فليس له منعه، وإن كان ذلك كثيراً يشغله ويضر بسيده فله منعه، إذ قد يعجز في اعتكافه فلا يقدر السيد أن يخرجه منه. 500 - وتعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبني أن تعتكف في مسجد بيتها، وإن طلقها زوجها أو مات عنها لم تخرج حتى تتم

اعتكافها، ثم تتم باقي العدة في بيتها، قال ربيعة: وإن حاضت في العدة قبل أن ينقضي اعتكافها خرجت، فإذا طهرت رجعت لتمام اعتكافها، فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل. 501 - والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أياماً، فما نوى من ذلك لزمه، وإن نذر أياماً يعتكفها لزمته. 502 - والجوار كالاعتكاف إلا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إلى أهله فلا

صوم عليه ولا يلزمه بدخوله ونيته حتى ينذره بلفظه [يعني إلا اليوم الأول فإنه يلزمه بالنية والدخول] ، وجوار مكة أمر يتقرب به إلى الله تعالى كالرباط والصيام، ومن نذر [جوار مسجد مثل] جوار مكة لزمه ذلك في أي البلدان كان، إذا كان ساكناً في ذلك البلد، ومن نذر صوماً بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل لزمه ذلك فيه، وليأته وإن كان من أهل مكة والمدينة.

503 - ويعتكف أهل السواحل والثغور فيها، [يريد في مساجدها] ، إن كان زمان أمن لكثرة الجيوش أو لغير ذلك، وأما في زمان الخوف فلا، [مالك] : ومن اعتكف منهم في أمن ثم نزل الخوف خرج، فإذا أمن ابتدأ [ثم قال: يبني] . 504 - ومن نذر اعتكافاً فمات ولم يفعله، وأوصى أن يطعم عنه، فليطعم [عنه] عدد الأيام مُدّاً لكل مسكين، ولو نذره وهو مريض لا يستطيع الصوم ثم مات قبل صحته فأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه. 505 - قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: أقل مدة الاعتكاف يوم وليلة، فسألته عنه فأنكره، وقال: أقله عشرة أيام وبه أقول. (¬1) 506 - ومن نذر اعتكاف يوم أو ¬

(¬1) قال سيدي أحمد الدرديري (وأحبه عشرة أيام) ، الشرح الصغير (1/255) .

ليلة لزمه اعتكاف يوم وليلة. 507 - ومن نذر عكوف شهر أو ثلاثين يوماً فلا يفرق ذلك وليعتكف ليله ونهاره. 508 - ومن نذر اعتكاف شعبان أو حج عام بعينه فمرضه فلا شيء عليه، وإن فرط فعليه القضاء، وإن نذرت امرأة اعتكاف شعبان فحاضت فيه فإنها تصل القضاء بما اعتكفت قبل ذلك، فإن لم تصل ابتدأت. 509 - ومن نذر اعتكاف أيام التشريق كمن نذر صومها، يلزمه اليوم الرابع منها، وإن نذر اعتكاف أيام النحر فلا شيء عليه، إذ لا يحل صومها. 510 - ومن نذر عكوف شهر بمسجد الفسطاط فاعتكفه بمكة أجزأه، ولا يخرج

إلى مسجد الفسطاط وليعتكف بموضعه، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وإيلياء (¬1) ، وإن نذر الاعتكاف شهر بمسجد الرسول ÷ لم يجزه اعتكافه في مسجد الفسطاط، وإن نذر اعتكافاً أو صلاة في مسجد الرسول ÷ فليأته [للحديث الذي جاء] . (¬2) 511 - ولا يأتي المعتكف حاجة، ولا يخرج إليها، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج إلى ¬

(¬1) إيلياء: اسم مدينة ببيت المقدس، حررها الله من العدوان، وهي لفظة عبرية، تعني: بيت الله، انظر: مراصد الاطلاع (1/138) . (¬2) رواه البخاري (1189) ، ومسلم (1397) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) .

حاجة الإنسان، ولا يكون معتكفاً حتى يجتنب عيادة المريض والصلاة على الجنازة واتباعها وغير ذلك مما يجتنبه المعتكف، قال ابن نافع عن مالك: فإن شهد جنازة، أو عاد مريضاً، أو أحدث سفراً، صنع ذلك متعمداً، وجب عليه الابتداء، ولا ينفعه إن اشترط ذلك عند دخوله. 512 - ولا باس أن يعتكف من لا تلزمه الجمع في أي مسجد شاء، فأما من تلزمه فلا يعتكف إلا في [المسجد] الجامع، ولا يبيت إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في بعض رحابه. 513 - ولا يشتغل بشيء من التجارات ولا بأس أن يأمر من يكفيه أمر ضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أمراً خفيفاً لا يشغله. 514 - مالك: ولم يبلغني أن أحداً من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن

عبد الرحمن [بن الحارث بن هشام] ، وليس بحرام، ولا أراهم تركوه إلا

لشدته [عليهم] لأن ليله ونهاره سواء. 515 - وأكره أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته للذريعة إلى النظر إلى أهله، والشغل بضيعته وليتخذ لذلك موضعاً يقرب منه في غير بيته، فأما الغريب فيخرج لذلك حيث تيسر عليه ولا يتباعد. ابن شهاب: ولا بأس أن يذهب المعتكف لحاجته تحت سقف بيته. 516 - ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين فيصلي [فيه] المغرب ثم يقيم، فإذا كان يوم الفطر فلا يخرج إلى بيته يلبس ثيابه، ولكن يؤتى بها المسجد فيلبس، ثم يخرج منه يشهد العيد، ويرجع من المصلى إلى أهله، وإنما يرجع إلى أهله حين يمسي من آخر

اعتكافه من اعتكف وسط الشهر. 517 - وجائز أن تأتيه زوجته في المسجد فتأكل معه وتحدثه وتصلح رأسه ما لم يلتذ بشيء منها في ليل أو نهار، وجائز أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، قال ابن نافع: وإن كان حكماً فلا يحكم إلا فيما خف. قال ابن نافع عن مالك: وإن خرج لحاجة الإنسان فلقيه ولده فقبله، أو شرب ماء وهو قائم، فما أحب له ذلك، وأرجو أن يكون في سعة. 518 -[مالك] : ولا يأكل أو يشرب إلا في المسجد أو في رحابه، وأكره أن يخرج منه ويأكل بين يدي بابه، ولا يأكل أو يقيل فوق ظهر المسجد، [قال عنه ابن وهب] : وأكره أن يقيم الصلاة مع المؤذنين، لأنه يمشي وذلك عمل، [وقال عنه ابن نافع] : ولا يمشي إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، أو ليعقد نكاحاً لنفسه أو لغيره، وإن كان ذلك في مجلسه ولا بأس به إذا كان خفيفاً. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الموطأ لمالك (ص208، 209) .

ما جاء في ليلة القدر 519 - قال النبي عليه السلام: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة". (¬1) قال مالك: أرى - والله أعلم - أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين. قال ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها. * * * "تم كتاب الاعتكاف بحمد الله وعونه يتلوه كتاب الزكاة بحول الله وقوته" * * * ¬

(¬1) رواه مالك في موطأه (13) ، (209) ، والبخاري (2023) .

(كتاب الزكاة الأول)

(كتاب الزكاة (¬1) الأول) 520 - ولا زكاة في أقل من خمس أواق من الفضة (¬2) ، وأوقية الفضة أربعون درهماً، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة، وفي العشرين [ديناراً] نصف دينار (¬3) ، وما زاد على ذلك، قل أو كثر، أخرج منه ربع عشره. 521 - ومن له مائة درهم وعشرة دنانير، أو مائة درهم وعشرة دراهم وتسعة دنانير فعليه الزكاة، ويخرج ربع [عشر] كل ¬

(¬1) معناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاءً بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان وانظر: الذخيرة للقرافي (3/5) ، والتفريع (1/274) ، والمعيار (1/430) ، والبيان والتحصيل (2/355) . (¬2) رواه مالك (1) في الزكاة، والبخاري (1477) ، ومسلم (979) . (¬3) رواه أبو داود (1573) ، وابن ماجة (1790) .

صنف منها، ومن له مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه. وصرف الزكاة عشرة دراهم بدينار. 522 - ويجمع بين الفضة والذهب في الزكاة كما يجمع زكاة الماشية، الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى العراب وهي في البيع أصناف مختلفة. ومن له تبر مكسور ودنانير ودراهم وزن جميع ذلك عشرون ديناراً

زكاة، ويخرج ربع عشر كل صنف، وله أن يخرج في الزكاة عن الدنانير ورقاً بقيمتها، وقال في باب بعد هذا: ويخرج عن الورق ورقاً أو قيمة ذلك ذهباً. 523 - ومن تجر بعشرة دنانير وصارت عشرين زكاها لتمام حول الأصل. وحول ربح المال حول أصله، كان الأصل نصاباً أم لا، كولادة الماشية. قال ابن القاسم: وإذا مضى لعشرة دنانير عنده حول وأنفق خمسة، ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعة فباعها بخمسة عشر فلا شيء عليه حتى يبيعها بعشرين، وإن كانت النفقة بعد الشراء وباع السلعة بعد ذلك بستة أو أقل أو

أكثر بخمسة عشر زكى عن عشرين. وقال المغيرة وغيره: عليه الزكاة، [أنفق] قبل الشراء أو بعده، وإن لم يتم حول العشرة حتى اشترى منها السلعة ثم باعها فلا يزكي حتى يبيع بعشرين، كانت النفقة قبل الشراء أو بعد. 524 - ومن باع عشرة دنانير بعد حولها بمائتي درهم زكاها حينئذ، ولم يؤخر كمن باع ثلاثين ضانية حلوباً بعد الحول قبل مجيء الساعي بأربعين من المعز، وهي من غير ذوات الدر أو باع عشرين جاموساً بثلاثين من البقر أو

باع أربعة من البخت بخمس من الإبل العراب، فإن الساعي يأخذ منها الزكاة إذا قدم. 525 - وإذا تم حول عشرين ديناراً عنده فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين زكى العام الأول نصف دينار، وزكى تسعة وثلاثين [ديناراً] ، ونصفاً لعامه هذا، إلا أن يكون عنده عرض يساوي نصف دينار، فيزكي عن عامه هذا أربعين. وإن باعها قبل تمام حول ثان بثلاثين، زكى نصف دينار عن السنة الأولى ثم استقبل بتسعة وعشرين ونصف حولاً من يوم حل حول العشرين. 526 - ومن اشترى بمال حل حوله ولم يزكه خادماً فمات، أو فرط فيه حتى ضاع فعليه الزكاة، وإن لم يفرط حتى ضاع كله أو بقي منه تسعة عشر ديناراً فلا زكاة عليه. * * *

زكاة الحُلِيّ 527 - ولا زكاة فيما اتخذه النساء من الحلي ليكرينه أو ليلبسنه، ولا فيما اتخذه الرجل منه للباس أهله وخدمه، والأصل [له] ، ولا فيما انكسر [منه] فحبسه لإصلاحه. (¬1) 528 - وما ورث الرجل من الحلي فحبسه ينوي به التجارة، أو لعله يحتاج إليه في المستقبل، ولم يحبسه للباس، فليزك وزنه كل عام، إن كان فيه ما يزكى، أو كان عنده من الذهب والورق ما تتم به الزكاة، وليس في حلية السيف والمصحف والخاتم زكاة. 529 - ومن اشترى حلياً للتجارة وفيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/474) .

واللؤلؤ فحال حوله وهو غير مدبر زكى وزن الذهب والورق، ولا يزك الحجارة حتى يبيع. 530 - وإن كان مدبراً زكى قيمة الحجارة في شهره الذي يقوّم فيه ويزكي وزن الذهب والفضة ولا يقوّمه. 531 - وروى ابن القاسم وعلي وابن نافع [أيضاً] : إذا اشترى رجل حلياً أو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج باع، أو لتجارة [زكاه] . وروى أشهب معهم فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة ولا يستطيع نزعه، فلا زكاة عليه حتى يبيعه، وإن لم يكن مربوطاً فهو كالعين يزكيه

كل عام. وقال أشهب وابن نافع في روايتهما: إنه كالعرض يشتري للتجارة، فالمدبر يقوم جميعه، وغير المدبر لا يزكيه حتى يبيع فيزكي ثمنه لعام واحد. وإن ابتاع مدبر آنية ذهب زكى وزنها لتمام الحول لا قيمتها وإن كثرت، فإن كان وزنها لا تجب فيه الزكاة وحال عليه عنده حول ولا مال له غيره، فلا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بعد الحول بما يجب فيه الزكاة فيزكي الثمن مكانه.

532 - وليس على عبد أو من فيه بقية رق زكاة في عين ولا حرث ولا ماشية ولا فيما يدير للتجارة، ولا في شيء من الأشياء، ولا على السيد [أن يزكي] عنه، ولا يزكي ما معه من مال حتى يحول عليه الحول [وهو] في يديه من يوم عتق، ولا زكاة على السيد فيما قبض منه إلا بعد حول من يوم قبضه. 533 - وتجب الزكاة على الصبيان واليتامى والمجانين في العين والحرث والماشية وفيما يديرون للتجارة. (¬1) 534 - ومن اشترى نوعاً من التجارة مثل الحنطة في وقتها ينتظر بها الأسواق وليس بمدبر ¬

(¬1) أوجز المصنف إيجازاً بالغاً في كلامه على زكاة الصبيان والمجانين وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/379) ، والموطأ (11، 13) ، ومصنف عبد الرزاق (4/72) .

فبارت عليه وأقامت أحوالاً فلا زكاة عليه فيها حتى يبيع فيزكي زكاة واحدة. 535 - علي عن مالك: وكذلك من له دين تجب فيه الزكاة فقبضه بعد سنين فليس عليه فيه إلا زكاة واحدة، ولو كانا يزكيان لأخرج عن العرض عرضاً، وعن الدين ديناً، لأن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، وإنما قال النبي ÷: "الزكاة في العين والحرث والماشية" (¬1) ، فليس في العرض شيء حتى يصير عيناً. 536 - ومن كانت عنده دابة للتجارة فاستهلكها رجل فأخذ منه بقيمتها سلعة، فغن [كان] نوى بها التجارة زكى ثمنها ساعة يبيعها إن كان مضى لأصل ثمن الدابة حول من يوم زكاه، وإن نوى بها القنية (¬2) فلا ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ، (3 - الزكاة) . (¬2) أي الجمع.

شيء عليه، وإن باعها، [حتى يحول الحول على ثمنه] من يوم باعها، وإن أخذ في قيمتها عيناً زكاه ساعة يقبضه إن كان حال على الأصل حول [وهو ثمن الدابة المستهلكة] ، فإن لم يمض له حول ثم اشترى به سلعة ينوي بها التجارة فهي للتجارة، فإن نوى بها القنية فهي للقنية، ولا زكاة عليه في ثمنها إن باعها إلا بعد حول من يوم يقبضه. 537 - ومن باع سلعة عنده للتجارة بعد حول بمائة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوباً قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة دنانير فلا شيء عليه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه الزكاة إذا أضافه إلى العشرة كانت فيهما الزكاة، وإن باعه بعشرين أخرج

نصف دينار. 538 - ومن اشترى عبداً للتجارة فكاتبه فاقتضى منه مالاً ثم عجز أو ارتجع من مفلس سلعته أو أخذ من غريمه عبداً في دينه أو ابتاع داراً للتجارة فاغتلها ثم باعها، فإن ذلك كله يرجع إلى أصلح للتجارة. 540 - ومن اكترى أرضاً واشترى طعاماً فزرعه فيها للتجارة، اخرج زكاته يوم حصاده، فإذا تم له عنده حول من يوم أدى زكاة حصاده قومه، إن كان مدبراً وله مال عين سواه، وإن لم يسكن مدبراً فلا تقويم عليه، فإذا باعه بعد حول زكى الثمن، وإن باعه قبل حول من يوم أدى زكاته تربص، فإذا تم له حول وهو في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكى، وإن اكنزاها وزرعها بطعامه أو كانت [الأرض] له فزرعها للتجارة زكى الزرع إذا حصده العشر أو نصفه، ولا زكاة عليه في

ثمن الحب إذا باعه، إلا بعد حول من يوم يقبضه. 541 - ومن ابتاع عرضاً للتجارة ثم اقتناه سقطت عنه زكاة التجارة. 542 - والمدبر الذي لا يكاد يجتمع ماله كله عيناً كالحنّاط (¬1) ، والبزاز (¬2) ، والذي يجهز الأمتعة إلى البلدان فليجعل لنفسه من السنة شهراً يقوّم فيه عروضه التي للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين وماله ومن دين يرتجى قضاؤه، وكذلك إن تأخر بيع عروضه وقبض دينه عاماً آخر فليزكه أيضاً. 543 - ويقوّم [رقاب] النخل إذا ابتاعها للتجارة، ولا يقوم الثمرة لأن فيها زكاة ¬

(¬1) الحناط: بائع الحنطة، الوسيط (حنط 2/209) . (¬2) البزاز: بائع الثياب، الوسيط (بزز 1/56) .

الخرص ولأنها غلة كخراج الدار، وغلة العبد وصوف الغنم ولبنها وذلك كله فائدة وإن كان رقابها للتجارة، ولا يقوم مالاً يرتجيه من دينه [كان دينه عرضاً أو غيره، وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك] . 544 - وإن كان غير مدبر فلا زكاة في عرض حتى يبيعه، ولا في دين حتى يقبضه. وإن نض للمدبر (¬1) في السنة درهم واحد في وسطها أو في طرفيها قوم عروضه لتمامها وزكى، وإن لم ينض له شيء في سنته فلا تقويم عليه، ثم إن نض له شيء بعد ذلك، وإن قل، قوم وزكى، وكان من يومئذ حوله وألغى الوقت الأول. * * * ¬

(¬1) نضّ الشيء: حصل وتيسر عليه، الوسيط (نضض 2/966) .

في زكاة الدَّين 545 - ومن حال حول على مال عنده فلم يزكه حتى أقرضه ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين. 546 - ومن له على رجل دين من قرض أو بيع مضى له حول فاقتضى منه مالاً زكاة فيه في مرة أو مراراً، فلا يزكيه حتى يجتمع ما [تجب] فيه الزكاة فيزكيه يومئذ، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره أنفق الذي زكى أو أبقاه.

[وإن كانت عنده مائة دينار مضى لها حول فلم يفرط في زكاتها حتى ضاعت إلا تسعة عشر ديناراً، لم يكن عليه فيها زكاة] ، وإن كان معه عشرون ديناراً لم يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين، لم يزك شيئاً من المالين حتى يتم حول العشرين، فإذا حلّ زكاها وما كان اقتضى جميعاً، ولو لم يقبض من دينه شيئاً حتى زكى العشرين لتمام حولها ثم تلفت أو بقيت، زكى قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت العشرون قبل حولها لم يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم عشرين ديناراً، لأن العشرين كانت [له] فائدة من غير الدين، وقد كان ملكه للدين قبل الفائدة. 547 - ومن أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها بدين إلى أجل، فإن بقيت الخمسون الأخرى بيده حتى يتم حولها فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها، فليزك قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ولو تلفت الخمسون قبل حولها أو أنفقها فلا يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم ما اقتضى عشرين ديناراً، إلا أن يقتضي من دينه عشرة دنانير وعنده عشرة أخرى وقد مضى لها حول، فليزك جميع ذلك

إلا أن يكون [قد زكى ما عنده فلا يزك غير العشرة التي اقتضاها] ، وإذا لم يكن عنده مال غير العشرة التي اقتضاها فأنفقها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها زكى عن عشرين، لأنهما مال واحد تم له حول، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره ولو درهم واحد. 548 - ولو بقي معه من الخمسين ما لا تجب فيه الزكاة حتى تم حوله فأنفقه أو أبقاه فإنه إذا اقتضى تمام عشرين زكى عن عشرين ثم عن قليل ما يقتضي وكثيره، ولو أنفقه قبل الحول أو اقتضى من دينه شيئاً قبل حوله فأنفقه، لم يضف ما يقتضي بعد الحول إلى ذلك، ولا يزكي حتى يقبض عشرين مبتدأة. 549 - ومن له دين على ملئ يقدر على أخذه منه، أو على مفلس لا يقدر على أخذه منه، فأخذه بعد أعوام فإنما عليه زكاة عام واحد.

ومن تطوع بإخراج زكاة عن دينه قبل قبضه وعن عرض قبل بيعه وقد تم حولهما لم يجزه وليتطوع في غير هذا. * * *

باب جامع في الفائدة والغلة والاقتضاء 550 - ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد قبل تمام حولها بيوم من غير ربحها ما فيه الزكاة، أو ما يكون مع الأول فيه الزكاة، فحول المالين من يوم أفاد آخر الفائدتين، فإن كان الأول فيه الزكاة والثاني مما فيه الزكاة أم لا، فكل مال على حوله ما دام في جملتها ما تجب فيه الزكاة، فإن رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه، ثم إن أفاد من غيرهما [ما يتم به معهما ما] فيه الزكاة استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد المال الثالث، ولم تجر في بقية المال الأول أو الآخر أو فيهما فصار فيهما مع ما ربح فيهما أو في أحدهما قدر ما تجب فيه الزكاة إذا اجتمعا رجع كل مال على حوله. وإذا أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد ستة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الأولى فصارت بربحها عشرين زكى كل فائدة لحولها، وإن تجر في الخمسة الثانية

قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر ديناراً فأكثر أضاف الخمسة الأولى إلى حول الثانية. وإن أفاد عشرة دنانير فأقرضها ثم أفاد خمسين فحل حولها فزكاها ثم أتلفها ثم اقتضى العشرة أو ديناراً منها زكى ما اقتضى. 551 - وإذا زكى غير المدبر ماله فلينظر إلى ما كان له قبل أن يفيد هذا المال الذي زكاه من الديون التي على الناس، وما بيده مما لا تجب فيه الزكاة، فما كان بيده ناضاً زكاه مع هذا، وما كان من دين أخره فإذا قبضه أو درهماً منه زكاه. ومن أفاد ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد بعد ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الأول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني، فإذا حلّ حول الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده معه أو قبله وبعد الأول وهو بيده لم يتلفه، وفي هذا الأوسط

مع المال الثالث ما فيه الزكاة فليزكهما لحول أحدهما، وإن لم يكن في جملة ذلك ما فيه الزكاة لم تلزمه زكاة. ثم إن أفاد مالاً رابعاً فيه مع ما بيده ما فيه الزكاة فليزك جميع ما بيده لتمام حول المال الرابع إلا هن يكون فيه مال قد زكاه على حوله قبل أن تجب الزكاة في الفائدة الأخرى فلا يزكيه ثانية إذ لا يزكى مال واحد مرتين في حول. ومن أفاد عشرين ديناراً ثم بعد أشهر أفاد عشرة فزكى العشرين لحولها فنقصت فإن حلّ حول العشرة والعشرون كما هي أو بقي منها عشرة دنانير فأكثر زكى كل مال على حوله. 552 - ومن أقرض رجلاً مائة دينار، فأقامت عنده أحوالاً، ثم أفاد عشرة دنانير فلا يزكيها لتمام حولها، لأنه لا يدري أيقبض من دينه شيئاً أم لا، فإن أنفق العشرة بعد حولها، أو أبقاها ثم اقتضى من دينه عشرة زكاها مع العشرة الفائدة، ويصير

حولهما واحداً من يوم زكاهما ثم يزكي قليل ما يقتضي [بعد ذلك] من دينه وكثيره ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه. 553 -[ومن] كاتب عبده على دنانير أو غنم أو بقر فقبضها منه بعد حول فلا يزكيها حتى تقيم عنده حولاً بعد قبضها. ومن أفاد مالاً عيناً من دية أو هبة أو صدقة [أو ميراث] فقبضه بعد أحوال فليستقبل به حولاً بعد قبضه ثم يزكيه لعام واحد، وإن كانت عروضاً أفادها بما ذكرنا، أو اشتراها للقنية، داراً كانت أو غيرها، فقبضها ثم باعها بعد أعوام فمطل بالثمن سنين، فلا زكاة عليه فيها ولا في ثمنها حتى يقبض الثمن، ثم يستقبل به حولاً من يوم قبضه ويزكيه لعام واحد. 554 - ولو أسلف ناضاً كان معه أو باع سلعة عنده للتجارة فمطل بالثمن سنين ثم

قبضه زكاه مكانه زكاة واحدة. ومن كان له على رجل دين له أخوال وهو قادر على أخذه منه فوهبه له فلا زكاة [فيه] على ربه ولا على الموهوب له حتى يتم له عنده حول من يوم وهب له، وهذا إذا لم يكن للموهوب له مال غيره، فإما إن كان له عرض سواه فعليه زكاته وهب له أم لا. [وقال غيره: عليه زكاته إذا وهب له، كان له مال أو لم يكن] . 555 - وما ورث الرجل من السلع فنوى بها التجارة، لم تكن بنيته

للتجارة ولا زكاة عليه فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وإن ورث حُليّاً مصوغاً فنوى به التجارة، وزكى وزنه لتمام حوله، وإن نوى به القنية لم يزكه، وإن ورث آنية ذهب أو فضة أو وهبت له فليزك وزنها لا قيمتها، نوى بها التجارة أو القنية، إذ ليست مما أبيح اتخاذه. 556 - وغلة الدور والدواب والرقيق فائدة وإن ابتيعت الغلة. وإجارة الأجير فائدة يستقبل بها حولاً بعد القبض، وكذلك ما فضل بيد المكاتب بعد عتقه لا يزكيه إلا بعد حول بعد عتقه. 557 - وتستقبل المرأة بصداقها حولاً من يوم تقبضه كان عيناً أو ماشية مضمونة، وإن

قبضته بعد أحوال لأنه فائدة، وضمانه كان من الزوج، فأما [إن كان] ماشية بعينها أو نخلاً بعينها فاثمرت فزكاتها عليها أتى الحول وهي عند الزوج أو عندها، لأن ضمانها [كان] منها، ولو قبضت ذلك بعد حول زكته مكانها ولم تؤخره. 558 - وإذا باع القاضي داراً لقوم ورثوها، ووقف ثمنها حتى يقسم بينهم، ثم قبضوه بعد أعوام، فلا زكاة عليهم فيه إلا بعد حول من يوم قبضوه. وكذلك من ورث مالاً بمكان بعيد فقبضه بعد سنين، فليستقبل به حولاً بعد قبضه، وإن بعث في طلبه رسولاً بأجر أو بغير أجر فليحسب له حولاً من يوم يقبضه رسوله فيزكيه، وإن لم يكن يصل إليه بعد. وكذلك الوصي يقبض للأصاغر عيناً أو ثمن عرض باعه لهم، فليزك ذلك العين لحول من يوم قبضه الوصي، وإن كان الورثة صغاراً وكباراً لم يكن قبض الوصي قيضاً للصغار ولا للكبار حتى يقتسموا، فليستقبل الكبار

[بحصتهم] حولاً بعد قبضه، ويستقبل الوصي للصغار بحصتهم حولاً من يوم القسم، وأما من ورث ماشية تجب فيها الزكاة، أو نخلاً فأثمرت وهي في يدي وصي أو غيره، فإن الساعي يأخذ صدقتها كل عام علم الوارث بها أم لا، بخلاف العين. 559 - وصوف الغنم إذا اشتراها للتجارة فجزها، ولبنها وسمنها فائدة يستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وكذلك كراء المساكن والعبيد إذا ابتاعهم للتجارة. 560 - وإن ابتاع نخلاً للتجارة فأثمرت ثم جذها فأدى منها الصدقة ثم باع الأصل، فليزك ثمنه إذا قبضه لتمام حول من يوم زكى الثمن الذي ابتاعه به، وإن باع الثمرة فهي فائدة يستقبل بثمنها حولاً بعد قبضه فيصير حول الثمرة على

حدة، وحول الأصل على حدة. * * *

في زكاة المِديان (¬1) 561 - ومن معه مال حلّ حوله وعليه دين فليجعل دينه في عروضه وداره وسرجه وخاتمه وسلاحه، وفي كل ما يبيعه عليه الإمام في دينه، والإمام يبيع عليه إذا فُلّس عروضه كلها إلا ما لا بد له [منه] من ثياب جسده ويترك له ما يعيش به [هو] وأهله الأيام، ويبيع عليه ثوبي جمعته إن كانت لهما قيمة، فإن لم يكن لهما تلك القيمة فلا. 562 - ويجعل دينه في قيمة رقاب مدبره، وفي قيمة كتابة المكاتبين تقوّم الكتابة بعرض ثم يقوّم العرض بعين، فإن بقي عليه بعد ذلك [شيء من دينه جعله فيما بيده من العين، فإن بقي له بعد ذلك] عشرون ديناراً فصاعداً زكى، وإلا لم يزك شيئاً، ويجعل الدين الذي عليه فيما له من دين، إن كان يرتجيه وإلا فلا، ولا ¬

(¬1) هو الكثير الدّين الذي عليه الديون - عافانا الله - وهو مفعال من الدين للمبالغة، انظر: نهاية ابن الأثير (2/150) .

يجعل دينه في قيمة عبده الآبق، لأن بيعه لا يجوز. 563 - ويسقط زكاته مهر امرأته، وزكاة فرط فيها من حرث أو ماشية أو عين، وكذلك إن كان عليه إجارة أجراء عملوا له قبل الحول [أو كراء إبل وجب عليه قبل الحول] فإنه يسقطها كما يسقط الدين. 564 - وتحاصّ المرأة بمهرها الغرماء في الموت والفلس، وتسقط زكاة العين نفقة الزوجة، كانت بقضية أو بغير قضية، ويلزمه ما أنفقت على نفسها في يسره، كان حاضراً أو غائباً ما أنفقت من عندها أو تسلفت، وإن كان معسراً لم يضمن لها ما أنفقت. 565 - ولا تسقط الزكاة ما يجب للأبوين والولد الصغير من النفقة إذ لا تجب

لهم حتى يبتغوها، وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسراً، وإن فرض القاضي للأبوين نفقة معلومة فلم يأخذاها شهراً فحل الحول وهي عليه لم تسقط عنه الزكاة بذلك، وأشهب يسقطها لنفقتهما إن كان بقضية، ويجعل الولد كالزوجة، ويعد الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة، وتسقط عنه الزكاة [بذلك] كان بقضية أو بغير قضية، لأن نفقة الولد لم تسقط عن الأب المليء [مذ كانوا] حتى يبلغوا، ونفقة الأبوين كانت ساقطة عنه، وإنما تلزمه بالقضاء. * * *

في زكاة القراض (¬1) 567 - ولا بأس بالقراض على أن على رب المال أو العامل زكاة الربح، ولا يجوز اشتراط زكاة المال على العامل [ويجوز اشتراط زكاة الربح خاصة عليه] . 568 - ويجوز في المساقاة اشتراط الزكاة على رب الأصل. ولا يزكي العامل ما بيده [من القراض] ، وإن أقام أحوالاً حتى ينبض المال ويحضر ربه ويقتسماه. 569 - وإذا عمل بالمال سنة ثم اقتسما فكان في المال ما وجب لرب المال بربحه ما فيه الزكاة، فالزكاة عليهما، كان في حظ العامل ما فيه الزكاة أم لا، وغن سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه فلا زكاة على العامل في حصته، وإن نابه ما فيه ¬

(¬1) هو لغة من القرض والقطع، ويُسمى مضاربة ومقارضة، وانظر: معجم المصطلحات (3/78) ، والشرح الصغير (1/227) .

الزكاة، فإن كان على العامل وحده دين يغترق [فيه] ربحه فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده عرض يجعل دينه فيه. 570 - والعامل في المساقاة إذا نابه في حصته من الثمرة أقل من خمسة أوسق زكاه. 571 - وإذا عمل المقارض بالمال أقل من حول ثم اقتسما [وفيما نابه ما فيه الزكاة] فزكى رب المال لتمام حوله فلا يزكي العامل ربحه حتى يحول حوله من يوم اقتسما، ولو كان رب المال عبداً مأذوناً له لم يزك العامل، وإن عمل حولاً ونابه ما فيه الزكاة، وليأتنف بحصته حولاً. * * *

في أخذ الزكاة من تجار المسلمين 572 - وتؤخذ من تجار المسلمين الزكاة تجروا ببلادهم أو بغيرها، ويسألهم الإمام إذا كان عدلاً عما عندهم من ناض، وإن لم يتجروا، ولا يبعث في ذلك أحداً، وإنما ذلك على أمانة الناس، إلا أن يعلم الإمام أن أحداً لا يؤدي زكاته فيأخذها منه كرهاً ولا ينصب لهذا المكس (¬1) أحداً. 573 - ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد لم يؤخذ منه الزكاة [في السنة] إلا مرة واحدة بخلاف أهل الذمة في هذا، ومن تجر ومن لم يتجر إنما عليه الزكاة في كل سنة مرة. 574 - ومن خرج من مصر إلى المدينة بتجارة فلا يقوّم عليه ما في يديه لتؤخذ منه الزكاة، ولكن إذا باع أدى الزكاة، ولا يقوّم أيضاً على أهل الذمة ولكن إذا ¬

(¬1) المكس: بمعنى الجباية والضريبة.

باعوا أخذ منهم العشر. 575 - ومن قدم بتجارة من المسلمين فقال: هذا الذي معي مضاربة أو بضاعة أو عليّ دين، أو لم يحلّ على ما عندي حول، صدق ولم يحلف. 576 - وإذا تجر الذمي من أعلى بلده على أسفله ولم يخرج إلى غيره لم يؤخذ منه شيء، ولا يؤخذ منه [زكاة] عين أو حرث أو ماشية إلا الجزية صَغاراً لهم. 577 - وإن خرج من بلده إلى غيرها من بلاد المسلمين تاجراً، ومعه بز أو غيره، فلا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فيؤخذ منه عشر الثمن، باع بأقل من مائتي درهم أو

أكثر، وكذلك لو قدم مائة مرة في السنة، ولا تكتب لهم براءة إلى الحول كما تكتب للمسلمين، ثم إن اشترى [بالثمن شيئاً] بعد ذلك وباع فلا شيء عليه، وإن لم يبع متاعه ورجع به إلى بلده، أو إلى بلد آخر فذلك له، ولا يؤخذ منه شيء، وإن قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر السلعة مكانه، فإن باعها بعد ذلك وأقام سنين يبيع ويشتري ثم أراد السير إلى بلده أم لا فلا شيء عليه. 578 - وإن أكرى ذمي إبله من الشام إلى المدينة فلا شيء عليه، وإن أكراها بالمدينة راجعاً إلى الشام أخذ منه عشر الكراء بالمدينة. وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم العشر مثل ساداتهم. 579 - وأهل الحرب إذا نزلوا بتجارة أخذ منهم ما صولحوا عليه، وقاله ابن نافع،

وروى علي بن زياد: أن عليهم العشر. (¬1) 580 - وتؤخذ الجزية ممن دان بغير الإسلام، ولا تُضاعف الجزية على [نصارى] بني تغلب ولا غيرهم، ولا جزية على نصراني أعتقه مسلم، فإن أعتقه ¬

(¬1) انظر: الموطأ مع المنتقى (2/178) .

ذمي كانت عليه. 581 - ومن أسلم منهم وعليه جزية سنين، أو أسلم أهل حصن بعد أن صولحوا على هدنة يؤدونها سنين فقد أسقط ذلك عنهم الإسلام، والمال الذي هودنوا عليه مثل الجزية. وإذا أسلم أحد من أهل الصلح سقطت الجزية عنه وعن أرضه، وكانت أرضه

له، وإن كان من أهل العنوة لم يكن له أرضه ولا ماله ولا داره، وأسقطت عنه الجزية. 582 - وإذا غلب خوارج على بلد أعواماً فلم يؤدوا زكاة فليأخذهم الإمام إن ظهر عليهم بزكاة ما تقدم للحرث والماشية وغيرها، قال أشهب: إلا أن يقولوا قد أدينا ما قبلنا فلا يأخذهم إلا بزكاة عام ظهوره لأنهم متأولون بخلاف الهارب. ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن

قبل الحول بيسير فيجزيه، ولا يجزيه فيما بهد، ويُستحب له أن لا يفعل حتى يحول الحول. 583 - وإن عجل زكاة الماشية لعامين لم يجزه، وأخذه المصّدّق بزكاة ما يجد عنده، وإذا كان الإمام يعدل لم يسع لأحد أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره، وليدفعه إلى الإمام، وأما زكاة الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك. 584 - وإذا غلب خوارج على بلد فأخذوا من الناس الزكاة والجزية لم تؤخذ منهم ثانية وأجزأتهم.

585 - مالك: ومن حلّ عليه حول بغير بلده زكى عن ما معه، وعن ما خلف ببلده، وكذلك إن خلف ماله كله ببلده [فليستلف وليؤد] إلا أن يخاف الحاجة ولا يجد سلفاً فليؤخر إلى بلده، وإن وجد من يسلفه فليخرج زكاته أحب إلي، وقد كان يقول: يقسم في بلده. وقال أشهب: إذا كان ماله ببلده، وكان يقسم ببلده عاجلاً عند حلوله وشبه ذلك فلا يقسمها في سفره وقسمته ذلك في بلده أفضل إلا أن يكون بموضع هو به في سفره حاجة مفدحة، فليزكه هناك أحب إليّ إذا كان يجد ذلك، إلا أن يخشى أن تؤدى عنه زكاته ببلده فليس ذلك عليه. * * *

القول في زكاة المعادن والركاز 586 - ولا زكاة فيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة حتى يبلغ وزنه ما تجب فيه الزكاة فيزكيه، ثم ما اتصل بعد ذلك خروجه مما قلّ أو كثر أخذ منه ربع عشره كالزرع، إلا أن ينقطع [ذلك] النيل ويأتنف بعد ذلك بشيء آخر فيكون كابتدائه، وهذا فيما يتكلف بعمل. (¬1) 587 - وأما الندرة (¬2) من ذهب أو فضة أو الذهب النابت يوجد بغير عمل أو بعمل يسير ففيه الخمس كالركاز، وما ينال من ذلك بتكلف ومؤنة ففيه الزكاة. ¬

(¬1) قال ابن الجلاء: ووفى معادن الذهب والورق الزكاة، إذا بلغ ذلك نصاباً وكان نيله متصلاً به، فيزكى عن أخذه، ولا ينتظر به حولاً بعده، ومن استخرج من معدن نصاباً من ذهب أو ورق، وعليه دين مثله، فالزكاة عليه واجبة، وانظر: التفريع (1/278) . (¬2) النّدْرة: القطعة من الذهب والفضة، الوسيط (ندر/2/947) .

588 - ولا يسقط الدين زكاة المعدن كالزرع، ويفرق على الفقراء كالزكاة لا كالفيء. 589 - ولا زكاة في معادن النحاس والرصاص والحديد والزرنيخ وشبهه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب أو البربر فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى، ويأخذ زكاتها سواء ظهرت في الجاهلية أو بعد الإسلام، وما ظهر منها في أرض الصلح فهي لأهل الصلح دون الإمام، ولهم أن يمنعوها من الناس أو يأذنوا لهم فيها، وما ظهر منها في أرض العنوة فهو إلى الإمام [يصنع فيها ما شاء ويقطع لمن يعمل فيها] . 590 - وكره مالك حفر قبور الجاهلية والطلب فيها، [قال ابن القاسم:]

ولست أراه حراماً، وما وجد فيها من مال [الجاهلية] ففيه الخمس. 591 - والركاز دفن الجاهلية من ذهب أو فضة، فما وجد بأرض العرب كاليمن والحجاز وفيافي الأرض، فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس، كان كثيراً أو قليلاً، وإن نقص عن مائتي درهم، أصابه غني أو فقير أو مديان، قال مالك: ناله بعمل أو بغير عمل. 592 - وقال أيضاً مالك في موضع آخر: سمعت أهل العلم يقولون في الركاز: إنما هو دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال أو يتكلف فيه كثير عمل، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز وهو الأمر عندنا، وما أصيب من دفن الجاهلية من الجوهر والحديد

والنحاس [والرصاص] وشبهه. فقال مالك مرة: فيه الخمس، ثم قال: لا خمس فيه ثم قال: فيه الخمس، وبه أقول، ولم يختلف قوله قط فيما أصيب من ذهب أو فضة انه ركاز وفيه الخمس. (¬1) 593 - وما وجد من ركاز ببلد العنوة فهو لجميع من افتتحها، وليس هو لمن وجده دونهم وفيه الخمس، وإن وجد بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم ولا يخمس، وإن وجد في دار أحدهم فهو لجميعهم، إلا أن يجده رب الدار فيكون له خاصة إلا أن يكون رب الدار ليس من أهل الصلح فيكون [ذلك] ¬

(¬1) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة، (1/378) لعبد الوهاب البغدادي.

لأهل الصلح دونه، وإن وجد ببلاد الحرب فهو لأهل الجيش [لأنه إنما نال ذلك بهم] . 594 - ومن حال الحول على فلوس له قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مدبراً فيقومها كالعرض.

595 - ولا زكاة في [اللؤلؤ ولا في الجوهر ولا في العنبر ولا زكاة في] التوابل والزعفران والكرسف والعصفر، وليس في الجوز واللوز [والتين] وما ييبس ويدخر من الفواكه، ولا في الخضر كلها والبقول، ولا في ثمن شيء من ذلك حتى يستقبل به حولاً بعد قبضه. 596 - وليس الزكاة إلا في العنب والتمر والزيتون والحب والقطنية. 597 - ومن لم يجد إلا صنفاً واحداً ممن ذكر الله تعالى في كتابه أجزأه أن يجعل زكاته

فيهم، وإن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم، وليس في ذلك قسم مسمى. قال الشعبي: لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد. 598 - ومن له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن سواهما أعطي من الزكاة، وإن كان

فيهما فضل [ليسر فيه] لم يعط، ويعطى منها من له أربعون درهماً، إن كان أهلاً لذلك لكثرة عيال ونحوه، ولا يعطى منها من له ألف وعليه ألفان وله دار وخادم يساويان ألفين، ولو أدى الألف في دينه [وبقيت عليه ألف] ، وليس في الدار والخادم فضل عن سواهما مما يغنيه، أعطي وكان من الفقراء والغارمين، ويؤثر بالزكاة أهل الحاجة ولا يرضخ لغيرهم ممن لا يستحقها. 599 - ولا يرفع الإمام من جميع الزكاة شيئاً إلى بيت المال، وليفرقها بموضع جبيت فيه، فإن لم يجد في الموضع من يفرقها عليهم أو فضل عنهم شيء، نقل ذلك إلى أقرب البلدان إليهم، وإن بلغ الإمام عن أهل بلد شدة وحاجة فليعط الإمام أهل البلد الذي جبي فيه ذلك المال [منه] ، ويوجه

جله إلى الموضع المحتاج، [لأن حق بلاد المسلمين في ذلك سواء] . وكذلك لو بلغ رجلاً من أهل المدينة عن أهل المدينة حاجة فبعث إليهم من زكاة ماله كان ذلك صواباً. 600 - وإن رأى الإمام البلدان متكافئة في الحال آثر بذلك [المال] أهل البلد الذي جبي فيه فقسمه عليهم وآثر الفقراء على الأغنياء [إلا أن يفضل عنهم فضل فيخرج إلى غيرهم] . [قال مالك] : والصدقات في القسم كالزكاة. مالك: ولا يعجبني أن يلي أحد قسم صدقته خوف المحمدة والثناء،

وعمل السر أفضل. ويدفع ذلك إلى من يثق به فيقسمه. 601 - فإن وليها هو فلا يعطيها أحداً تلزمه نفقته. وإيعاب النفقات في كتاب إرخاء الستور. وأما من لا تلزمه نفقته من قرابة فلا يعجبني أن يلي هو إعطاءهم، ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره كما يعطي غيرهم، إن كانوا لها أهلاً. قال ابن عباس وغيره: إن أعطى قرابته على الصحة كما يعطي غيرهم أجزأه. وكرهه ابن المسيب وغيره، وأكثر شأن مالك فيه الكراهية لخوف المحمدة، ولدفع صلة كانوا يرجونها منه وقضى مذمة كانت عليه، ولو صح ذلك عنده أجزأه.

602 - ولا تعطي المرأة زوجها من زكاتها. قال أشهب: فإن فعلت ولم يرد ذلك عليها فيما يلزمه من مؤونتها [أجزأها، وإن رد ذلك عليها فيما يلزمه] لم يجزها. 603 - ولا بأس أن يبتاع الإمام من الزكاة رقاباً فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين، وكذلك من ولي صدقة نفسه، وإن أعتقها عن نفسه أعاد ولم تجزه، لأن الولاء له وكأنها زكاة لم يخرجها، ولا يعجبني أن يعان بها مكاتب.

ويعطى منها ابن السبيل [المحتاج وإن كان غنياً ببلده، والحاج ابن السبيل] ، وكذلك الغازي يعطى منها، وإن كان ملياً ببلده. ولا يعطى من الزكاة في كفن الميت، أو بناء مسجد، ولا لذمي أو مجوسي أو عابد وثن ولا العبد، ولا يعطى منها ولا من الكفارات إلا مؤمن حر كما لا يعتق منها إلا عبد مؤمن. ولا يعطي فيما لزمه من زكاة العين عرضاً أو طعاماً، وأكره للرجل شراء صدقته. 604 - ومن [كان] له دين على فقير فلا يعجبني أن يحسبه عليه في

زكاته، وقال غيره: لأنه تاو لا قيمة له أو له قيمة دون. 605 - ومن أصاب ركازاً وله قرابة فقراء لا تلزمه نفقتهم لم يخصهم بخمسه، ولكن يعطيهم كما يعطي غيرهم من الفقراء، إن كان لا يدفع به مذمة ولا يجر به محمدة إلا على وجه الاجتهاد، وأما من تلزمه نفقتهم فلا يعجبني ذلك، وإن كانوا فقراء، لأن نفقتهم تلزمه، فيدفع بذلك مضرة نفقتهم، وإن كانوا أغنياء فغيرهم أحق بذلك منهم. وقال غيره: إذا أعطاهم كما يعطي غيرهم من الأباعد بغير إيثار جاز، لأنه حلال للغني والفقير، إلا أن الفقير يؤثر على الغني. 606 - قال ابن القاسم: وإذا كان رجل فقير له أب مليء لا يناله رفقه فلا بأس أن يعطى من الزكاة، وإن كان يناله رفقه فغيره ممن لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر. 607 - وجزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلح فهو عند مالك جزية، والجزية عنده فيء. قال مالك: ويعطى هذا الفيء أهل كل بلد

افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها فيقسم عليهم ويفضل بعض الناس في الفيء ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا [منه] ، ولا يخرج إلى غيرهم إلا أن تنزل بقوم حاجة فينقل غليهم منه بعد أن يعطي أهله ما يغنيهم على الاجتهاد. 608 - ومن أوصى بنفقة في السبيل بدئ بأهل الحاجة منهم، ويعطى من هذا الفيء للمنفوس، وقد فرض له عمر مائة درهم، ويبدأ بكل منفوس والده فقير، وقد كان عمر يقسم للنساء حتى إن كان ليعطيهن المسك. 609 - قال ابن القاسم: ويبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية. قال مالك: ويبدأ بالفقراء في هذا الفيء، فإن فضل بعد غناهم شيء كان بين الناس كلهم بالسواء عربيهم ومولاهم. 610 - وقال ابن القاسم: يعني أن كل إنسان يعطى قدر ما يغنيه من صغير أو كبير أو امرأة، فإن فضل بعد غنى أهل الإسلام من هذا المال فضل اجتهد

[فيه] الإمام إن رأى أن يحبسه لنائبة تنزل فعل. وقد قال عمر: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعياً أو راعية بعدن (¬1) . وأعجب مالكاً هذا الحديث. 611 - وإن رأى الإمام أن يفرقه على أغنيائهم فرقه، لأن الفيء حلال للأغنياء، ولا بأس أن يعطي [الإمام] منه للرجل يراه للجائزة أهلاً، لدين عليه أو غيره ذلك، ولا بأس على ذلك الرجل أن يأخذها، ولا يجبر الإمام أحداً على أخذ هذا المال إذا أبى أخذه. * * * "تم كتاب الزكاة الأول بحمد الله وعونه يتلوه كتاب الزكاة الثاني بحول الله وقوته" * * * ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (6/352) من حديث زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنهم.

(كتاب الزكاة الثاني)

(كتاب الزكاة الثاني) 612 - وليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، ثم في الخمس شاة إلى تسع فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض (¬1) إلى خمس وثلاثين. فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون (¬2) ذكر، فإن لم يوجدا جميعاً في الإبل أجبر ربها على أن يأتي بابنة مخاض غلا أن يشاء أن يدفع خيراً منها، فليس للساعي ردها، فإن أتاه بابن لبون لم يأخذه الساعي إلا أن يشاء ويرى ذلك نظرا، ثم ما زاد على خمس وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فما زاد إلى ستين ففيه حقه (¬3) طروقة الفحل، فما زاد إلى خمس وسبعين ففيه جذعة (¬4) ، فما زاد ¬

(¬1) هي التي لها سنة وحملت أمها. (¬2) ابن لبون: ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، لأن أمه ولدت غيره، فصار لها لبن، وهي ابنة لبون، الوسيط (2/847) . (¬3) هي ما مضت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة فهو حق والأنثى حقه. (¬4) الجذعة، والثنية ما أوفى سنة ودخل في الثانية إلا أن الثنية ما أوفت سنة ودخلت في الثانية دخولاً بيناً، الثمر الداني (345) .

إلى تسعين ففيه ابنتا لبون فما زاد إلى عشرين ومائة ففيه حقتان، فإذا زادت على العشرين ومائة واحدة كان الساعي عند مالك مخيراً في أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون. 613 - وقال ابن شهاب وابن القاسم: لا يأخذ إلا [ثلاث] بنات لبون كن في الإبل أم لا. واتفقوا إذا بلغت ثلاثين ومائة أن فيها حقة وابنتي لبون فما زاد ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فإذا بلغت مائتين كان الساعي مخيراً إن شاء أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون كانت الأسنان في الإبل أم لا. 614 - ويجبر رب المال على أن يأتيه بما شاء إلا أن يكون في الإبل سن واحدة فليس للساعي غيرها، وإذا صارت الفريضة في الإبل لم ترجع إلى الغنم، قال سحنون:

إلا أن ترجع الإبل إلى أقل من فريضة الإبل فترجع إلى الغنم. ولا يأخذ الساعي دون السن المفروضة وزيادة ثمن، ولا فوقها، ويؤدي ثمناً، ولا يشتري أحد من الساعي قبل خروجه شيئاً من الصدقة، وإن وصف أسنانها، إذ لا يدري ما يقتضي في نحوها وهيئتها، ومن اشترى الصدقة التي عليه يدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين في دين، ولا يأخذ الساعي فيها دراهم. 615 - واستحب مالك أن يترك المرء شراء صدقته، وإن كانت قبضت منه. 616 - ومن [كان] له خمس من الإبل فهلكت منهن واحدة قبل الحول بيوم ونتجت أخرى فتم الحول بالتي نتجت خمسة ففيها شاة، والشّنَق من الإبل ما يزكى بالغنم، ولا يزكى بالغنم إلا أربع وعشرون فأدنى، ويؤخذ في الإبل من الغنم من الصنف الذي هو جلّ أغنام ذلك البلد من ضان أو معز وافق ما في ملك ربها، أو خالفه إلا أن يتطوع ربها بدفع الصنف الأفضل. 617 - وليس في البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع

ذكر، إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، ولا تكون إلا أنثى، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان، وفي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان ثم على هذا، وكذلك الجواميس. (¬1) 618 - وليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين [فإذا بلغت أربعين] ففيها شاة، إلى عشرين ومائة، وفي إحدى وعشرين ومائة شاتان إلى مائتي شاة، وفي مائتي شاة وشاة ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فما زاد ففي كل مائة شاة. 619 - وإذا كانت الغنم رُبَّى (¬2) كلها أو ماخضاً (¬3) أو أكولة (¬4) أو فحولة لم يكن للمصدق أن يأخذ منها شيئاً، وليأت ربها بجذعة أو ثنية مما فيها وفاء، ويلزم الساعي قبولها، [ولا يأخذ ما فوق الثني ولا ما تحت الجذع] ، ولا يأخذ إلا ¬

(¬1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/284) ، وأسهل المدارك (1/388) . (¬2) هي التي تربى في البيت لأجل اللبن، النهاية (2/180) . (¬3) هي الحامل التي دنت ولادتها. (¬4) هي التي تُسمن للأكل، النهاية (1/58) .

الثني والجذع إلا أن يشاء رب المال أن يعطيه ما هو أفضل من ذلك، والجذع من الضان والمعز في أخذ الصدقة سواء. 620 - ولا يأخذ المصدق تيساً (¬1) ، ويحسبه على رب الغنم كما يحسب عليه العمياء والمريضة البين مرضها، والهرمة (¬2) ، والسخلة (¬3) ، والعرجاء التي لا تلحق، وكل ذات عوار، ولا يأخذها، وإن كانت الغنم كلها قد جربت (¬4) ، أو ذات عوار (¬5) ، أو سخالاً، أو كانت البقر عجاجيل كلها، والإبل فصلانا كلها كلف ربها أن يشتري ما يجزيه. 621 - وإذا رأى المصدق أن يأخذ ذات العوار أو التيس، أو الهرمة، أخذها إن كان ذلك خيراً له، ولا يأخذ من [هذه] الصغار شيئاً. ¬

(¬1) هو الذكر من المعز والظباء والوعول إذا أتى عليه الحول، الوسيط (1/95) . (¬2) هي الكبيرة الضعيفة. (¬3) ولد الغنم، النهاية (2/350) . (¬4) الجرب: مرض جلدي ينشأ عنه حكة شديدة في أثناء النوم خاصة، الوسيط (1/119) . (¬5) أي عيب.

622 - ولا شيء في الوقص وهو ما بين الفريضتين في جميع الماشية، ومن كانت له ثلاثون من الغنم فتوالدت قبل قدوم الساعي بيوم فتمت أربعين زكاها عليه. 623 - ولا يفرق الساعي الغنم فرقتين ليخير ربها في أخذ أحدهما ليأخذ هو من الآخر، وتؤخذ الصدقة من الإبل العوامل وغيرها، ونهى النبي ÷ أن يؤخذ من حزرات الناس شيء. (¬1) 624 - وزكاة ماشية القراض على رب المال في رأس ماله. ولا يقوم المدبر غنمه في شهره الذي يزكي فيه، وإن ابتاعها للتجارة، وليزك رقابها كل عام، ولو زكى ثمنها ثم اشتراها به بعد أشهر فليستقبل بها حولاً من يوم ابتاعها، ثم يزكي رقابها، كان مدبراً أو غير مدبر، ولو باع الغنم قبل الحول أو بعده قبل مجيء الساعي، فليزك ¬

(¬1) رواه أبو داود في المراسيل (ص15) ، والبيهقي (4/102) ، ووصله الطحاوي في الشرح (2/33) ، وله شاهد عند البخاري (1395) ، ومسلم (19) بنحوه، والحزرات جمع حزْرَة وهي خيار رمال الرجل، النهاية (1/377) .

الثمن لأول حول من يوم أفاده أو زكاه، ولا زكاة عليه فيها للمصدق، ولو باعها بعد أن زكى رقابها زكى الثمن لتمام حول من يوم زكى الرقاب. 625 - ومن له سبعون ضائنة، وأربعون ماعزة فعليه شاة [واحدة] من الضأن [ومن له سبعون ضائنة وستون معزة فعليه شاة من الضأن] وأخرى من المعز، ولو كانت المعز خمسين كانت عليه شاة واحدة من الضأن، ولو كانت ستين من الضأن وستين من المعز أخذ الساعي واحدة من أيها شاء، ولو كانت عشرين ومائة ضائنة وأربعين معزة أخذ من الضأن واحدة ومن المعز أخرى، ولو كانت معزاها ثلاثين أخذ شاتين من الضأن، ولو كانت ثلاثمائة ضائنة، وتسعين معزة، أخذ ثلاث ضوائن، ولا شيء في المعز، لأنها هاهنا وقص حتى تبلغ مائة فيكون فيها معزة، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين ضائنة وخمسين معزة أخذ ثلاث ضوائن وخير في الرابعة، إن شاء معزة أو ضائنة، ولو كانت الضأن ثلاثمائة

وستين والمعز أربعين أخذ الأربع من الضأن، وكذلك من كانت له ستون ضائنة وأربعون معزة أخذ منها شاة من الضأن، ولو كانت الضأن ثلاثمائة وأربعين والمعز ستين أخذ ثلاث ضوائن ومعزة، ولو كانت مائتي ضائنة ومائة من المعز، أو مائة وخمسين أخذ ضائنتين ومعزة، وكذلك في تسعين ومائة ضائنة، وستين ومائة معزة، وإن كان من كل صنف مائة وخمسة وسبعون أخذ من كل صنف واحدة، وأخذ الثالثة من أيها شاء. 626 - وكذلك يجري هذا في اجتماع الجواميس مع البقر والبخت مع الإبل العراب، فإن كان له عشرون من الجواميس وعشرة من البقر فعليه تبيع من الجواميس، وإذا كانت له أربعين جاموساً وثلاثين من البقر، أخذ من الجواميس مسنة ومن البقر تبيعا، ولو كانت الجواميس أربعين والبقر عشرين أخذ من كل صنف تبيعا، ولو كانت عشرون جاموساً وعشرون من البقرة أخذ [المصدق] مسنة من أيهما شاء، ولو كان من كل صنف ثلاثون أخذ من كل صنف تبيعا.

627 - ولا يسقط الدين زكاة الحرث والماشية، وإن كان الدين يغترقها أو كان الدين مثل صفتها، ولا يمنع الغرماء المصدق من أخذ الزكاة، إنما يسقط الدين زكاة العين خاصة على ما وصفنا. 628 - وأما من له عبد وعليه عبد مثله في صفته فلا يزكي الفطر عنه إن لم يكن له مال. 629 - ومن استهلكت غنمه بعد الحول قبل مجيء الساعي وهي أربعون فأخذ في قيمتها دراهم زكاها مكانه، لأن حولها قد تم، وإن أخذ بالقيمة إبلاً أو بقراً فلا شيء عليه، ويستقبل بها حولاً من ذي قبل، فإن أخذ في قيمتها غنماً في مثلها الزكاة فلا زكاة عليه أيضاً، ولابن القاسم قول ثان، أنه يزكيها كالمبادلة بها

والقيمة لغو غلا أن تكون [القيمة] اقل من أربعين فلا شيء عليه. 630 - ومن ورث غنماً، أو اشتراها للقنية ثم باعها بعد الحول قبل مجيء الساعي، لم يزك الثمن واستقبل به حولاً بعد قبضه، إلا أن يبيعها فراراً فتلزمه زكاة السائمة، ثم قال بعد ذلك: أرى أن يزكي الثمن [وإن لم يبيعها فراراً] ، وكذلك إن باعها بعد ستة أشهر من يوم ابتاعها أو ورثها زكى الثمن لستة أشهر أخرى، وعلى هذا ثبت، وهذا أحب إلي. 631 - ومن كان عنده أربعة من الإبل فباعها بعد حولها لم يزك الثمن، ومن بادل غنماً بإبل وبقراً بغنم بعد أشهر من يوم زكى رقابها فليأتنف بالذي أخذ حولاً

من يوم ابتاعها، وقد انتقض الحول الأول إلا أن يبيع جنساً بمثله كغنم بغنم، فالثانية على حول الأولى، إلا أن تنقص الثانية عن ما فيه الزكاة مثل أن يبيع عشرين ومائة شاة لها عنده ستة أشهر بثلاثين شاة، فلا زكاة عليه فيها لتمام الحول، فإن باعها بأربعين زكاها شاة لتمام ستة أشهر أخرى. (¬1) 632 - ومن باع بعد الحول نصاب إبل بنصاب غنم هارباً من الزكاة، أخذ منه المصدق زكاة ما أعطى، وإن كانت زكاة الذي أخذ أفضل، ولو باعها غير فار فلا شيء عليه، ويستقبل بالثمن حولاً، ولو باعها بعد الحول بثمن يزكى مثله لزكى الثمن الآن إن لم يبع فراراً، وإن قبضه بعد أعوام زكاه لعام واحد، وإن أخذ الثمن فأقرضه فأقام سنين ثم قبضه زكاه لعامين. 633 - ومن مات عن ماشية بعد الحول قبل مجيء الساعي لم يلزمه ولا وارثه شيء حتى ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (1/481، 482) .

يأتي حول من يوم ورثها الوارث فيزكيها، وإن كانا وارثين في الماشية فكالخليطين لا زكاة على من لا زكاة في حظه، ولو كانا قد اقتسما، فعلى كل واحد ما يلزمه، ولو مر به الساعي قبل حول من يوم ورثها فلا شيء عليه لتمام حول حتى يمر به من عام قابل فليأخذ منه لعام واحد. 634 - ومن أفاد غنماً إلى غنم، أو بقراً إلى بقر، أو إبلاً إلى إبل، بإرث أو هبة أو شراء زكى الجميع لحول الأول، وسواء ملك [الثانية قبل تمام حول الأول] بيوم، أو بعد حولها قبل قدوم الساعي، وهذا إذا كانت الأولى نصاباً يجب فيها الزكاة، وإلا استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد الآخرة إلا أن تكون [الفائدة] بولادة [الأولى] كما ذكرنا، وأما إن أفاد جنساً إلى غيره، كإبل إلى غنم والأول نصاب أم لا فكل صنف على حوله. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/285) .

635 - ومن كانت غنمه مائتي شاة وشاة فهلكت منها واحدة بعد نزول الساعي قبل العدة لم يأخذ غير شاتين، ولو نقصت الأربعون شاة شاة واحدة قبل الحول بيسير أو كثير ثم أفادها من يومه ائتنف بالجميع حولاً من يوم أفاد الآخرة، إلا أن تكون من ولادتها. 636 - ومن وجبت له إبل في دية فقبضها بعد أعوام فليأتنف بها حولاً من يوم قبضها. ومن ورث مالاً نصاباً غائباً عنه لم ينبغ أن يزكى عليه وهو غائب، خوفاً أن يكون وارثه مدياناً أو يرهقه دين قبل مجيء السنة، فإذا قبضه وارثه استقبل به حولاً بعد قبضه ثم زكاه، وقد تقدم كثير من هذا المعنى في الجزء الأول من الزكاة. 637 - ومن مات عن نصاب ماشية بعد حولها وقبل مجيء الساعي فلا زكاة عليه، ولو أوصى بزكاته كانت من الثلث غير مبدأة، وتفرق على المساكين [وفي الأصناف التي ذكر الله تعالى] ، وليس للساعي قبضها لأنها لم تجب على الميت، وكأنه مات قبل حولها إذ حولها مجيء الساعي مع مضي عام.

638 - وأما من حلت عليه في مرضه زكاة العين أو أتاه مال غائب، فأمر بزكاته فذلك من راس ماله لأنه لم يفرط، وإن لم يوص بها أمر بذلك الورثة ولم يجبروا، ولو كان قد فرط فيها وأوصى بها كانت من الثلث مبدأة على سائر الوصايا من العتق والتدبير في المرض وغيره، إلا المدبر في الصحة، وإن لم يوص بها لم يلزم الورثة إخراجها إلا أن يشاءوا. 639 - وإن أوصى بذلك وبعتق رقبة عليه من ظهار أو قتل نفس [فضاق الثلث بدئ بالزكاة ثم بالعتق الواجب من الظهار وقتل النفس] ، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه، ويبدءان على العتق التطوع، والعتق التطوع بعينه يبدأ على ما سواه من

الوصايا. 640 - ومن نزل به الساعي فقال له: إنما أفدت غنمي منذ شهر، صدق ما لم يظهر كذبه، وإذا كان الإمام عدلاً فلا يخرج أحد زكاة ماشيته حتى يأتيه المصدق، فإن أتاه فقال له: أديت زكاة ماشيتي لم يقبل قوله، وليأخذه بها، وإن كان الإمام غير عدل فليضعها [ربها] مواضعها إن خفي له ذلك، وأحب إلي أن يهرب بها عنهم إن قدر وإن لم يقدر أجزأه ما أخذوا. 641 - ومما يوجب الخلطة أن يكون الراعي والفحل والدلو والمراح والمبيت واحداً، فهذه أوجه الخلطة، وإن لم تكن كلها وانخرم بعضها لم يخرجهم ذلك من الخلطة، وكذلك إن كان الرعاة شتى وهم يتعاونون فيها وافترقوا في معنى واجتمعوا في غيره فهم خلطاء. قال مالك: وإن لم يختلطوا إلا في شهرين من آخر السنة أو في طرفها فهم خلطاء، وإنما ينظر إلى آخر السنة لا إلى أولها. ابن القاسم: وإن اجتمعت في

آخر السنة أقل من شهرين فهما خلطاء ما لم يقرب الحول جداً فيصير إلى الحديث الذي نهي فيه أن يجمع بين مفترق أو يفرق بين مجتمع. مالك: ومعنى الجمع بين مفترق أن يكون لكل واحد أربعون شاة، فإذا أظلهما الساعي جمعاها ليؤديا شاة واحدة، والتفرق بين مجتمع أن يختلطا ولحدهما مائة وللآخر مائة شاة وشاة ففيها ثلاث شياه، فإذا افترقا أديا شاتين. 642 - ولا يكونان خليطين حتى يكون لكل واحد من الماشية ما تجب فيه الزكاة، ومن لم يبلغ حظه ذلك فلا زكاة عليه، والزكاة على من بلغ ذلك حظه خاصة. ولا يحسب عليه غنم خليطه وإن لم يبلغ حظ واحد منهما منفرداً ما تجب فيه الزكاة، وفي اجتماعهما عدد الزكاة، فلا زكاة عليهما، فإن تعدى الساعي فأخذ منهما شاة من غنم أحدهما فليترادا فيها على عدد غنمهما. والخليطان في البقر كالخليطين في الغنم، وإن كان لأحدهما خمسة عشر ومائة من الإبل، وللآخر خمسة، فأخذ الساعي منهما حقتين فليترادا قيمتها على أربعة وعشرين جزءاً على صاحب الخمسة جزء منها وهو ربع السدس، وما

بقي فعلى الآخر. وإذا كان لأحدهما تسعة من الإبل وللآخر خمسة، فقال مالك مرة: على كل واحد بمنهما] شاة، ثم رجع فقال: يترادان في الشاتين للخلطة. وإن كانوا ثلاثة لواحد خمسون [شاة] ، وللآخر أربعون، وللآخر واحدة فأخذ الساعي منهم شاة فهي على صاحبي التسعين على تسعة أجزاء دون رب الواحدة إذ لم يضرهما، ولو أخذها له [غرماها له] على تسعة أجزاء، خمسة على رب الخمسين وأربعة على رب الأربعين. وإن كان لأحدهما عشرة ومائة، وللآخر إحدى عشرة، فأخذ الساعي شاتين فليترادا فيها. ولو كان لأحدهما أربعون، وللآخر ثلاثون، فأخذ الساعي شاة فهي على صاحب الأربعين وحده، وإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل، وللآخر أربعون شاة أو أكثر كانا خليطين، ثم يترادان الفضل بينهما بالسوية. 643 - ومن تزوج امرأة على ماشية بعينها فلم تقبضها حتى تم لها حول عند الزوج

فطلقها قبل البناء [بها] وقبل مجيء الساعي، فإن أتى الساعي ولم يقسماها، أو وجدهما قد تخالطا بعد اقتسام فهما كالخليطين لا زكاة عليهما حتى يكون في حظ كل واحد منهما ما فيه الزكاة، وإن بلغ ذلك حظ أحدهما كانت الزكاة عليه في غنمه فقط. 644 - ولا تكون للزوج فائدة إذا كان له فيها شرك في نمائها ونقصانها. 645 - ويجمع على الرجل ما افترق له في البلدان من الماشية فمن له أربعون شاة ولخليطه مثلها وله ببلد آخر أربعون لا خليط له فيها، فلتضم إلى غنم الخليط، فيأخذ الساعي للجميع شاة ثلثاها على رب الثمانين، والثلث على رب الأربعين، وهكذا يتراجعان في هذا الوجه [كله] . 646 - وما ذبحه الرجل بعد الحول أو مات من ماشية قبل قدوم الساعي ثم قدم لم يحاسبه به، وإنما يزكي ما وجد بيده حاضراً. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير لأبي البركات (1/443) .

647 - ومن هرب بماشيته عن الساعي وهي ستون، فأقام ثلاث سنين، وهي بحالها، ثم أفاد بعد ذلك مائتي شاة فضمها إليها، ثم أتى في السنة الخامسة تائباً فليؤد عن كل عام [زكاة] ما كان عنده من الغنم، ولا يؤدي عما أفاد في العامين الأخيرين لماضي السنين، لأنه كان ضامناً لزكاتها لو هلكت. 648 - والذي تخلف عنه الساعي سنين ثم أتاه فإنما يأخذ منه زكاة ما وجد بيده لماضي السنين ما بينه وبين أن ينقص بأخذه عن عدد [ما] تجب فيه الزكاة لأنها لو هلكت لم يضمنها. فإن غاب الساعي خمس سنين وغنمه فيها ألف شاة ثم نقصت في غيبة الساعي فوجدها حين أتى ثلاثاً وأربعين شاة، أخذ منها أربع شياه، وإن وجدها قد رجعت إلى ما لا زكاة فيه فلا زكاة فيها، ولو زادت أضعافاً عند مجيء الساعي [بفائدة أو شراء فليضفها إلى ما بيده] وليزك ما وجد في يده للأعوام

الماضية كلها. وكذلك الإبل والبقر، وهكذا فعل الأئمة زمن الفتنة، قال مالك: وهو الشان. فإن غاب الساعي عن خمس من الإبل خمس سنين ثم أتى فليأخذ [عنها] خمس شياه، لأن زكاة الإبل هاهنا من غيرها، وإن غاب بالساعي] عن خمس وعشرين من الإبل خمس سنين ثم أتى، فليأخذ لعام واحد بنت مخاض، ولأربع سنين ست عشرة شاة. ولو كانت الإبل عشرين ومائة أخذ عشر حقاق، ولو كانت إحدى وتسعين أخذ حقتين وثماني بنات لبون. قال أبو الزناد: وهي السنة. 649 - وتبعث السعاة عند طلوع الثريا في استقبال الصيف، واجتماع الناس للمياه.

650 - ومن غصبت ماشيته فردت عليه بعد أعوام، فليزكها لعام واحد، وقال أيضاً ابن القاسم [وأشهب] أنه يزكيها لكل عام مضى [على ما توجد عليه عنده] إلا أن يكون السعاة قد زكوها كل عام فيجزيه إذ لم تزل عن ملكه، كما لو غصبه نخلاً ثم ردها عليه بعد سنين مع ثمرها لزكى ذلك، والعين بخلاف هذا لا يزكيه إذا رجع إلا لعام واحد. (¬1) 651 - ومن أجبره المصدق على أن أدى في صدقته ثمناً رجوت أن تجزيه، إن كانت للحول وكانت وفاء لقيمة ما وجب عليه، وإنما أجزأ ذلك، لأن يحيى بن ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (2/267) .

سعيد قال: من الناس من يكره اشتراء صدقته، ومنهم من لا يرى به بأساً فكيف بمن أكره. وقال مالك: لا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: حاشية الدوسوقي على الشرح الكبير (1/457) .

باب في زكاة الثمار والحبوب 652 - ولا صدقة في حب أو تمر حتى يُجَذّ أو يحصد ويبلغ كيله خمسة أوسق، فإن كان مما تسقيه السماء أو يشرب سيحاً (¬1) أو بعلاً (¬2) ففيه العشر. وما سقت السواني (¬3) بغَرْب (¬4) أو دالية (¬5) أو غيره [ففيه] نصف العشر. 653 - ولا يخرص إلا التمر والعنب للحاجة إلى أكلهما رطبين، فيخرص ذلك إذا أزهى وحلّ بيعه، لا قبل ذلك، فينظر قدر مكيلته رطباً ثم يقال: ما ينقص إذا يبس فيسقط، فإن بقي بعد ذلك ما فيه الزكاة زُكي. وكذلك الكرم يخرص عنباً ثم ¬

(¬1) السيح: الماء الجاري المنبسط على وجه الأرض، النهاية (2/432) . (¬2) البعل: ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا سماء، اللسان (1/448) . (¬3) السواني: جمع سانية، وهي الناقة التي يُستقى عليها. (¬4) الغَرْب: الدلو العظمة تتخذ من جلد الثور، الوسيط (1/305) . (¬5) الدالية: خشبة تصنع على هيئة الصليب تثبت برأس الدلو، ثم يشد بها طرف حبل.

يقال ما ينقص هذا العنب إذا تزبب فيسقط على ما وصفنا، ولو كانت بلحاً لا يتمر أو عنباً لا يتزبب فليخرص على أن لو كان ذلك فيه ممكناً. 654 - فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من ثمنه، كان أقل من عشرين ديناراً أو أكثر، وإن لم يبلغ خرصه خمسة أوسق فلا شيء فيه، وإن كثر ثمنه وهو فائدة. مالك: وإذا كان الحائط صنفاً واحداً من أعلى التمر أو أدناه أخذ منه، وإن كان أجناساً أخذ من أوسطها جنساً، لا من أدناها، لقول الله تعالى: ×وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ [مِنْهُ تُنفِقُونَ] %. (¬1) 655 - ومن مات وقد أزهى حائطه وطاب كرمه وأفرك زرعه واستغنى عن الماء وقد خرص عليه شيء أو لم يخرص، فزكاة ذلك على الميت إن بلغ ما فيه الزكاة، أوصى بها أم لا، بلغت حصة كل وارث ما فيه الزكاة أم لا. وإن مات قبل الإزهاء والطيب فلا شيء عليه. 656 - والزكاة على من بلغت حصته من الورثة ما فيه الزكاة، دون من لم تبلغ حصته ذلك، وإنما يخرص الكرم إذا طاب وحل بيعه، والنخل إذا أزهت (¬2) وحل بيعها، لا ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 267. (¬2) الزهو: التلون بحمرة أو صفر للبلح أو البُسر، الوسيط (1/420) .

قبل ذلك. 657 - ولا يخرص (¬1) الحائط إذا لم يكن فيه خمسة أوسق، ويحسب على رب الحائط ما أكل أو علف أو تصدق بعد طيبه، ولا يترك له الخارص مما يخرص لمكان الأكل والفساد شيئاً، ومن خرص عليه أربعة أوسق فوجد خمسة أوسق أحببت له أن يزكي لقلة إصابة الخُرّاص اليوم. 658 - ولا يخرص الزيتون ويؤتمن عليه أهله كما يؤتمنون على الحبّ، فإذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته، فإن كان لا زيت له كزيتون مصر فمن ثمنه على ما فسرنا في النخل والكرم، ومن باع زيتوناً له زيت أو رطباً يتمر أو عنباً يتزبب فليأت بمثل ما لزمه زيتاً أو زبيباً من عشر أو نصف عشر. 659 - مالك: والشركاء في كل حبّ يزكى أو تمر أو عنب أو ورق أو ذهب أو ماشية فليس على من لم تبلغ حصته منهم مقدار الزكاة [زكاة] (¬2) . ¬

(¬1) خرص النخل والمكرم: حرز ما عليها الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً، اللسان (خرص) . (¬2) انظر: التفريع لابن الجلاب، (1/286) .

660 - وتؤدى الزكاة على الحوائط المحبسة في سبيل الله، أو على قوم بأعيانهم، أو بغير أعيانهم، ومن حبس إبلاً في السبيل للحمل عليها أو على نسلها، أو دنانير وقفها للسلف ففي ذلك الزكاة، وإن أوقف الدنانير أو الماشية، لتفرق في سبيل الله، أو على المساكين، أو لتباع الماشية ويفرق الثمن، فلا زكاة فيما أدرك الحول من ذلك. (¬1) 661 - ويجمع التمر كله بعضه إلى بعض في الزكاة، وكذلك العنب، وإن كانت كرومه [متفرقة] في بلدان شتى جمع بعضها إلى بعض، وكذلك الماشية والحبّ. 662 - ومن جذ ثمره أو حصد زرعه وفيه ما تجب فيه الزكاة فلم يدخله بيته حتى ضاع من الأندر (¬2) والجرين (¬3) لم يضمن زكاته، وكذلك لو عزل عشره من أندره أو ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (3/91) . (¬2) هو الذي يهذب ويخرج منه الزرع، الوسيط (2/947) . (¬3) هو الجرن، الموضع الذي يُداس فيه القمح والشعير ونحوهما، الوسيط (1/124) .

جرينه ليفرقه فضاع بغير تفريط فلا شيء عليه، وإن أدخل ذلك كله بيته قبل قدوم المصدق فضاع ضمن زكاته، قال مالك: وكذلك لو عزل عشره حتى يأتيه المصدق [فضاع ضمنه، لأنه قد أدخله بيته، وقال ابن القاسم: إذا أخرجه وأشهد عليه فتأخر عنه المصدق] لم يضمن، وبلغني أن مالكاً قال في ذلك: إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن، وقال المخزومي: إذا عزله وحبسه للمصدق فتلف بغير سببه فلا شيء عليه، إذ ليس عليه أكثر مما صنع وليس إليه دفعه. 663 - ومن اكترى أرض خراج أو غيرها [فزرعها] فزكاة ما أخرجت الأرض على المكتري، ولا يضع الخراج الذي على الأرض زكاة ما خرج منها عن الزارع كانت الأرض له أو لغيره. 664 - ومن باع زرعاً بعد أن أفرك (¬1) ويبس فليأت بما لزمه حباً، ولا شيء ¬

(¬1) المراد بالإفراك أن يبلغ حداً يستغني معه عن السقي، وذهاب الرطوبة وعدم النقص، أسهل المدارك (1/400) .

على المبتاع، فإن أعدم البائع أخذ الساعي من المبتاع من الطعام، إن وجده بعينه، ثم يرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك الثمن، وقال أشهب: لا شيء على المبتاع، لأن البائع كان له البيع جائزاً. سحنون: وهو عندي صواب. 665 - ومن باع أرضه بزرعها وقد طاب فزكاته على البائع، وإن كان الزرع أخضر فاشترطه المبتاع فزكاته على المشتري. 666 - ومن منح أرضه صبياً أو ذمياً أو عبداً أو إكراهاً منه ليزرعها، فلا زكاة على واحد منهم إلا على الصبي الزارع وحده. 667 - ومن أوصى بزكاة زرعه الأخضر أو بثمرة حائطه قبل طيبه فهي وصية من الثلث غير مبدأة، إذ لم تلزمه، ولا تسقط هذه الوصية عن الورثة زكاة ما بقي [لهم]

لأنه كرجل استثنى عشر زرعه لنفسه، وما بقي فللورثة، فإن كان في حظ كل وارث وحده ما تجب فيه الزكاة، زكاه وإلا فلا. 668 - وإن كان في العشر الذي أوصى به للمساكين خمسة أوسق فأكثر، زكاه المصدق، وإن لم يقع لكل مسكين إلا مد، إذ ليسوا بأعيانهم وهم كمالك واحد، ولا يرجع المساكين على الورثة بما أخذ منهم المصدق، وإن جعل ذلك الثلث، لأنه كشيء بعينه أوصى لهم [به] فاستحق أو بعضه. 669 - وكذلك لو أوصى بثمرة حائطه أو بزرعه قبل طيبه [كله] للمساكين، أو قال: ثمرة حائطي سنتين أو ثلاثاً للمساكين لم تسقط عنهم زكاته، وإن لم يصر لكل مسكين من ذلك إلا مُدّاً بخلاف الورثة، وأما إن أوصى بزكاة زرعه قبل طيبه لرجل بعينه كان كأحد الورثة، وعليه النفقة معهم، لأنه استحقه يوم الوفاة، والمساكين لا يستحقون ذلك غلا بعد بلوغه وسقيه وعمله، والنفقة عليه في مال الميت حتى يقبضوه.

670 - والقمح والشعير والسلت كصنف واحد يجمع في الزكاة، ولا يجمع مع سواه، فمن رفع خمسة أوسق من جميعها فليزك ويخرج من كل صنف بقدره. وأما الدُّخن (¬1) والأرز والذرة فأصناف لا تجمع، ولا تضم إلى غيرها، ولا تزكى حتى يرفع [من] كل صنف منها خمسة أوسق. 671 - وتجمع القطاني كلها [في الزكاة كصنف واحد] [الفول والعدس والحمص، والجلبان واللوبياء وما يثبت معرفته عند الناس أنه من القطاني] ولا تجمع مع غيرها، فمن رفع من جميعها خمسة أوسق، أخرج من كل صنف بقدره. ¬

(¬1) الدخن: نبات عشبي من الفصيلة النجيلية، حبة صغيرة، أملس كحب السمسم، وله ذكر في كتب الطب كثير، وقد حققنا منها العديد.

وفي حب الفجل الزكاة إذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته، وكذلك الجلجلان إذا كان يعصر أخذ من زيته إذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق، وإن كان قوم لا يعصرون [من] الجلجلان وإنما يبيعونه حباً لزيت فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفاً. * * *

في زكاة الفطر (¬1) 672 - وتجب زكاة الفطر على من يحل له أخذها. ويؤديها المحتاج إن وجد، أو وجد من يسلفه، فإن لم يجد لم يلزمه، وإن أيسر بعد ذلك بأعوام قضاها لماضي السنين، [وإن أخرها الواجد فعليه قضاؤها لماضي السنين] . 673 - ويستحب أن تؤدى بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإن أداها بعد الصلاة فواسع، ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وليس ذلك في الأضحى، وإن أداها قبل [يوم] الفطر بيوم أو يومين فلا بأس به، ويؤديها المسافر حيث هو، وإن أداها عنه أهله أجزأه. ¬

(¬1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/294) ، والذخيرة للقرافي (3/154) ، ط الغرب - بيروت.

674 - ومن ملك بعض عبد لم يؤد إلا عن حصته كان باقيه عتيقاً أو لغيره، ولا شيء على العبد فيما كان منه عتيقاً، ومن له سدس عبد وبقيته لآخر فسدس الزكاة عليه، وخمسة أسداسه على شريكه، ويؤديها عن عبيده المسلمين، لتجارة كانوا أو لغيرها، كانت قيمتهم أقل من مائتي درهم أو أكثر، كانوا أصحاء أو بهم جنون، أو جذام أو عمى، ولا يعتقون عليه ولا يؤديها المكاتب عن نفسه، ويؤديها عن المكاتب سيده. 675 - ولا يؤديها عن عبده الآبق إباق إياس، فأما من يرتجيه لقربه فهي عليه عنه، وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال خاصة، فأما نفقتهم فمن مال القراض، وقال أشهب: إذا بيعوا وكان فيهم فضل، مثل ثلث الثمن، فعلى العامل سدس تلك الزكاة، وإن كان الربع فعليه الثمن، إن قارضه على النصف، والفطرة على الموصى بخدمته لرجل، ثم برقبته لآخر على صاحب الرقبة، إن قبل الوصية كمن أخدم عبده رجلاً أمداً فصدقة الفطر عنه على سيده الذي أخدمه.

676 - ومن جنى عبده جناية فيها نفسه فحلّ عليه الفطر [وهو في يد سيده] قبل أن يقتل فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده. 677 - ومن رهن عبده فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده، ومن ابتاع عبداً يوم الفطر قال مالك: زكي عنه المبتاع ثم قال: بل البائع، وبه أقول. 678 - وإن بعت عبداً بخيار أو أمة على مواضعة فغشيهم الفطر قبل زوال أيام الخيار والاستبراء فالنفقة والفطرة عنهما عليك، وسواء رد العبد مبتاعه أم لا، وضمانهما منك حتى يخرج العبد من الخيار والأمة من الاستبراء. 679 - وإن ابتعت عبداً بيعاً فاسداً فجاءه الفطر عندك فنفقته وزكاة الفطر عنه عليك، رددته يوم الفطر أو بعده، لأن ضمانه منك. وإن ورثت عبداً [لم تعلم به] فلم

تقبضه حتى مضى يوم الفطر فزكاته ونفقته عليك، فإن شركك فيه وارث فذلك عليكما. 680 - ومن أسلم بعد الفجر من يوم الفطر أحببت له أن يؤدي زكاة الفطر، والأُضحية أبين عليه في الوجوب. 681 - ولا يؤدي عن الحمل زكاة الفطر إلا أن يولد ليلة الفطر حياً أو يومه فيؤدى عنه، ومن أراد أن يعق عن ولده، فإن وُلد بعد انشقاق الفجر لم يحسب ذلك اليوم وحُسبت سبعة أيام سواه، ثم يعق عنه يوم السابع ضحى، وهي سنة الضحايا والعقائق والنسك. 682 - ومن مات ليلة الفطر أو يومه ممن يلزمك أداء الفطرة عنه، لم يزلها موته، ولو مات رجل يوم الفطر أو ليلة الفطر وأوصى بالفطرة عنه كانت من رأس ماله،

وإن لم يوص بها لم يجبر ورثته عليها، ويؤمرون بها كزكاة العين تحل عليه في مرضه، وإنما يكون في الثلث من ذلك كله، ما فرط فيه في صحته ثم أوصى به فإنه يبدأ في ثلثه على سائر الوصايا خلا المدبر في صحته. 683 - ولا يؤدي الرجل زكاة الفطر عن عبده أو امرأته أو أم ولده النصارى، ولا يؤديها إلا عن من يُحكم عليه بنفقته من المسلمين خلا المكاتب ولا يؤديها عن عبد عبده. 684 - ويلزمه أداؤها عن نفسه وعن الإناث من ولده حتى يدخل بهن أزواجهن، أو يُدعى الزوج إلى البناء، فحينئذ تسقط عن الأب، وتلزم الزوج [مع] النفقة، ويلزمه عن ولده الذكور حتى يحتلموا. ومن كان من ولده له مال ورثه أو وُهب له، أنفق عليه منه وزكى عنه الفطر وضحى عنه وحاسبه إذا بلغ، ويلزمه أداؤها من ماله عن امرأته وعن خادم واحدة من خدمها التي لا بد لها منها لأن عليه نفقتها، وإن كانت الزوجة ملية. 685 - ومن نكح على أمة بعينها فأتى الفطر وهي بيد الزوجة ثم طلقها بعد يوم الفطر

قبل البناء فزكاة لفطر عن الزوجة وعن الأمة على الزوجة إن كان الزوج ممنوعاً من البناء، فإن لم يكن ممنوعاً وكانت هذه الخادم لا بد للمرأة منها فذلك عليه عنهما، لأن نفقتهما كانت عليه. 686 - وقد فرض النبي ÷ زكاة الفطر على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين، ومن لزمه نفقة أبويه لحاجتهما لزمه أداء [زكاة] الفطر عنهما. 687 - وإذا حبس الأب عبيد ولده الصغار لخدمتهم ولا مال للولد سواهم فعلى الأب أن ينفق على العبيد ويؤدي فطرتهم ثم يكون ذلك في مال ولده، وهم العبيد، لأنهم أغنياء، ألا ترى أن من له عبد فهو مال تسقط به النفقة [عنه] عن أبيه،

لأن له أن يبيع العبد وينفق منه عليه. 688 - وإن كان للعبيد خراج، أنفق منه [الأب] على عبيده وولده ويؤدى منه عنهم صدقة الفطر إن حمل، وإن لم يكن لهم خراج وأبى الأب أن ينفق عليهم أجبره السلطان على بيهم أو الإنفاق عليهم، وكذلك إن أبى السيد أن ينفق على عبده جبر أن ينفق أو يبيع. 689 - ويؤديها الوصي عن اليتامى الصغار وعن عبيدهم من أموالهم، ومن في حجره يتيم بغير إيصاء أحد وله بيده مال رفع أمره إلى الإمام فينظر له، فإن لم يفعل وأنفق عليه منه وزكى عنه الفطر وبلغ الصبي فهو مصدق في نفقة مثله في تلك السنين ويقبل قوله إن قال قد أديت عنهم زكاة الفطر كانوا في حجره أو حجر الأم. 690 - مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدّخن والأرز

والزبيب والتمر [والأقط] صاعاً من كل صنف منها، ويخرج أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك، والتمر عيش أهل المدينة، ولا يخرج أهل مصر إلا البر، لأنه جل عيشهم، إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزيهم. 691 - ولا يجزئ في زكاة الفطر شيء من القطنية، وإن أعطى من ذلك قيمة صاع من حنطة أو من شعير أو تمر. مالك: ولا يجزيه أن يخرج قيمتها دقيقاً أو سويقاً. وكره مالك أن يخرج فيها تيناً، وأنا أرى أنه لا يجزيه. قال ابن القاسم: وكل شيء من القطنية مثل اللوبياء، أو شيء من هذه الأشياء التي ذكرناها أنها لا تجزئ، إذا كان ذلك عيش قوم، فلا بأس أن يؤدي من ذلك ويجزيهم. 692 - مالك: ولا يجزئ إخراج قيمتها [عيناً] ولا عرضاً. ويفرقها كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو أو عمود ولا يدفعونها إلى

الإمام إن كان لا يعدل، وإن كان عدلاً لم يسع لأحد أن يفرق شيئاً من [تلك] الزكاة، وليدفعها إلى الإمام فيفرقها الإمام في مواضعها، ولا يخرجها منه إلا أن لا يكون بموضعهم محتاج فيخرجها إلى أقرب المواضع إليهم ويفرقها، ويجوز أن يعطيها الرجل عنه وعن عياله لمسكين واحد، ولا تعطى لهل الذمة ولا للعبيد. 693 - ومن أخرج زكاة الفطر عند محلها فضاعت أو أُهريقت فلا ضمان عليه، وكذلك زكاة العين، ولو تلف ماله وبقيت لزمه إنفاذها، ولو أخرجها بعد إبانها وقد كان فرط فيها فضاعت قبل أن ينفذها بغير تفريط كان ضامناً لها. * * *

(كتاب الحج الأول)

(كتاب الحج (¬1) الأول) 694 - ومن أراد الإحرام من رجل أو امرأة فليغتسل، كانت المرأة حائضاً أو نفساء أم لا، ولم يوسع [لهم] مالك في ترك الغسل إلا من ضرورة. ولم يستحب أن يتوضأ من يريد الإحرام ويدع الغسل، فمن أحرم من ذي الحليفة اغتسل بها، ومن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم [بها] أجزأه غسله، وإن اغتسل بها غدوة، ثم أقام إلى العشي، ثم راح ¬

(¬1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/357) ، الشرح الصغير (1/27) ، معجم المصطلحات (1/550) .

إلى ذي الحليف فأحرم، لم يجزه الغسل وأعاده. (¬1) 695 - ويحرم من أتى الميقات أي وقت شاء حيث يجوز فيه التنفل من ليل أو نهار، ولا يحرم إلا بإثر صلاة نافلة، أو بإثر [صلاة] فريضة، كان بعدها نافلة أو لا، والمستحب إحرامه بإثر النافلة ولا حد لتنفله. 696 - وإن جاء في وقت لا يتنفل فيه انتظر وقتاً تحل فيه الصلاة، فيصلي ويحرم إلا أن يكون خائفاً أو مراهقاً يخشى فوات الحج وشبه ذلك من العذر، فيجوز أن يحرم وإن لم يصل. 697 - ولا يحرم في دبر الصلاة في المسجد ولكن إذا خرج منه ركب راحلته، فإذا استوت به في فناء المسجد لبى ولم ينتظر أن تسير، فإن كان ماشياً فحين ¬

(¬1) انظر: الخيرة للقرافي (3/223، 224) .

يخرج من المسجد متوجهاً للذهاب يحرم ولا ينتظر أن يظهر بالبيداء، وإن توجه ناسياً للتلبية من فناء المسجد كان بنيته محرماً فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك به، أو نسيه حتى فرغ من حجه فليهرق دماً. ويجزئ من أراد الإحرام التلبية، وينوي بها ما يريد من حج أو عمرة أو قران، ولا يسمي حجاً ولا عمرة، وهذا أحب إلى مالك من تسمية ذلك، ووجه الصواب في القران أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، ويبدأ [القارن] في تلبيته بالعمرة قبل الحج وتجزيه النية أيضاً. 698 - ومن أراد الإحرام ومعه هدي فليقلده ثم يشعره ثم يجلله،

و [كل] ذلك واسع، ثم يدخل المسجد فيركع ويحرم كما وصفنا. فإن أراد أن يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه إلى الجحفة فلا يفعل. 699 - ولا ينبغي له أن يقلد ويشعر إلا عندما يريد الإحرام، ثم يحرم بعقب تقليده وإشعاره، إلا أن يكون لا يريد الحج فجائز أن يقلد بذي الحليفة (¬1) . وإن لم يكن معه هدي وأراد أن يهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي. ومن قلد هديه وهو يريد الذهاب معه إلى مكة لم يكن بالتقليد أو بالإشعار أو بالتجليل محرماً حتى يحرم. ويقلد [هدي جزاء الصيد وما كان من هدي عن جماع وهدي ما نقص من حجه، والهدي كله يقلد] ويشعر خلا الغنم فإنها لا تقلد ولا تشعر. 700 - وإذا أدخله في الحج فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى، فإن لم يفعل نحره بمكة بعد ذلك، ويسوقه إلى الحل إن كان اشتراه من الحرم، وإن أدخله من الحل إلى مكة فنحره بها أجزأه [عنه] . ومن جهل أن يقلد بدنته أو يشعرها من حيث ساقها حتى ينحرها وقد أوقفها أجزأته. 701 - وتقلد البقر ولا تشعر إلا أن تكون لها أسمنة فتشعر. والإشعار في الجانب الأيسر من أسمنتها عرضاً، ولا تقلد بالأوتار. ولا تقلد فدية الأذى ولا تشعر لأنها ¬

(¬1) ذو الحليفة: بالتصغير، قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، فيها ميقات أهل المدينة، انظر: مراصد الاطلاع (1/420) .

نسك، ومن شاء قلدها وجعلها هدياً. 702 - ومن أتى الميقات مغمى عليه، فأحرم عنه أصحابه بحجة أو بعمرة أو قران وتمادوا، فإن أفاق فأحرم بمثل ما أحرموا عنه أو بغيره ثم أدرك فوقف بعرفة مع الناس أو بعدهم، قبل طلوع الفجر من ليلة النحر أجزأه حجه، وأرجو ألا يكون عليه دم لترك الميقت [لأنه معذور] ، وليس ما أحرم عنه أصحابه بشيء، وإنما الإحرام ما أحرم به هو ونواه، وإن لم يفق حتى طلع الفجر [من] ليلة النحر، وقد وقف به أصحابه لم يجزه حجه. 703 - وإذا نوى الحاج أو المعتمر رفض إحرامه فلا شيء عليه وهو على إحرامه. 704 - ولا بأس أن يحرم في ثوب غير جديد، وإن لم يغسله، وقد أحرم مالك في

ثوب حججاً ما غسله. 705 - وكره مالك للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المقدم لانتفاضه، وكرهه للرجال في غير الإحرام. 706 - ولا بأس أن يحرم الرجل في البركانات (¬1) والطيالسة والكحلية وجميع ألوان الثياب إلا المعصفر المقدم الذي ينتفض. 707 - وما صبغ بالوَرْس (¬2) والزعفران (¬3) فإن مالكاً كرهه، ولم يكره شيئاً من الصبغ غيره، وما صبغ بورس أو زعفران فغُسل وبقي فيه أثر لونه فقد كرهه أيضاً مالك، إلا أن يذهب لونه كله فلا بأس به، وإن لم يخرج لونه، ولم يجد غيره صبغه بالمِشْق وأحرم فيه. ¬

(¬1) هو الكساء الأسود. (¬2) الورس: نبات يستعمل لتلوين الملابس الحريرية، شديد الحمرة، الوسيط (2/1067) . (¬3) الزعفران: نبات منه نوع صبغي طبي مشهور يستعمل في الحمرة، الوسيط (1/408) .

ولا بأس بالمورد والممشق (¬1) ، ولا بأس بالإحرام في الثياب الهروية إن كان صبغها بغير الزعفران، فإن كان بالزعفران فلا يصلح. ولا يحرم في ثوب علق به ريح المسك حتى يذهب ريحه بغسل أو نشر. 708 - وإذا لم يجد المحرم نعلين وهو مليء جاز له لبس الخفين إذا قطعهما أسفل من الكعبين، وإذا وجد نعلين فليشترهما، وإن زيد عليه في الثمن يسيراً، وأما ما يتفاحش من الثمن فما عليه أن يشتريهما [به] ، وأرجو أن يكون في سعة. 709 - ويدهن الرجل عند الإحرام وبعد الحلاق رأسه بالزيت [وشبهه] ، وبالبان السمح، وهو البان غير المطيب، وأما ما يبقى رائحته فلا يعجبني. 710 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، [وإحرام المرأة في يجيها ووجهها] ، ويكره ¬

(¬1) الممشق: المصبوغ بالمشق، والمشق: المغرة وهي الطين الأحمر يستعمل كصبغة، الوسيط (1/906) .

للمحرم أن يغطي ما فوق ذقنه، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء [فيه] عن عثمان - رضي الله عنه (¬1) -[في الجزء الثالث من الحج، ولا بأس بتغطية الذقن للمرأة والرجل] . 711 - وليرفع المحرم صوته بالتلبية، ولا يسرف أو يلح ولا يسكت، وقد جعل الله لكل شيء قدراً. ولا ترفع الأصوات بالتلبية في شيء من المساجد، إلا في المسجد الحرام، أو مسجد منى، و [حد ما] ترفع المرأة صوتها قد رما تسمع نفسها. 712 - مالك: وإذا دخل المحرم المسجد الحرام أول ما يدخل وهو مفرد بالحج أو قارن فلا يلبي، ويقطع التلبية من حين يبتدئ بالطواف الأول بالبيت إلى أن يفرغ من ¬

(¬1) رواه مالك فيالموطأ (الحج/13) .

سعيه [بين الصفا والمروة] وإن لبّى حول البيت [الحرام لم أر ذلك ضيقاً عليه وهو] في سعة. 713 - وقال مالك: لا بأس أن يلبي في السعي بين الصفا والمروة وذلك واسع. قال: فإذا فرغ من سعيه عاد إلى التلبية ولا يقطعها حتى يروح يوم عرفة إلى المسجد. قال ابن القاسم: يريد إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة، قطع التلبية، وثبت مالك على هذا، وعلمنا أنه رأيه، لأنه قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر، ويكبر بين ظهراني خطبته، ولم يؤقت في تكبيره وقتاً، وكان مالك قبل ذلك يقول: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف، وكان يقول: [يقطع] إذا زاغت الشمس، ثم رجع فثبت على ما ذكرناه. وإذا قطع التلبية فلا بأس أن يكبر.

714 - وكره مالك ان يلبي من لا يريد الحج، ورآه خرقاً ممن فعله (¬1) . ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم ثم لا يعاودها، وكذلك من أتى وقد فاته الحج أو أحصر بمرض حتى فاته الحج يقطع التلبية إذا دخل أوائل الحرم، لأن عملهم صار عمل العمرة. ولا يُحل المحصر بمرض من إحرامه إلا البيت، وإن تطاول ذلك به سنين. 715 - والذي يحرم بعمرة من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطع إذا دخل بيوت مكة [قلت له: أو المسجد الحرام، قال:] أو المسجد الحرام، كل ذلك واسع. ويلبي الحاج والقارن في المسجد [الحرام] ، وحكم من جامع في حجه فأفسده في قطع التلبية وغيرها حكم من لم يفسده، وأهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس. 716 - والإفراد بالحج أحب إلى مالك من القران والتمتع. وأجاز الشاة في دم ¬

(¬1) خرق الشيء: أي جهله ولم يحسنه عمله، انظر: الوسيط (1/237) .

القران على تكره، يقول: إن لم يجد، واستحب فيما استيسر من الهدي قول ابن عمر: البقرة دون البعير. 717 - وكره مالك لمن أحرم بالحج أن يضيف إليه عمرة أو حجة، فإن أردف ذلك أول دخوله مكة أو بعرفة أو في أيام التشريق فقد أساء، وليتماد على حجه، ولا يلزمه شيء مما أردف، ولا قضاؤه ولا دم قران. 718 - ولمن أحرم بعمرة أن يضيف إليها الحج، ويصير قارناً ما لم يطف بالبيت، فإذا طاف [بالبيت] ولم يركع، كره له أن يردف الحج، فإن فعل لزمه، وصار قارناً، وعليه دم القران. 719 -[وإن أردف الحج قبل تمام طوافه للعمرة، فيتمه ولا يسعى شيئاً] وإن

أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع، أو سعى بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره له ذلك، فإن فعل فليمض على سعيه ويحل [قال أبو زيد:] ثم يستأنف الحج، [قال يحيى: إن شاء] . 720 - وإن أردف الحج بعد تمام سعيه وقبل أن يحلق لزمه الحج، ولم يكن قارناً، ويؤخر حلاق رأسه، ولا يطف بالبيت، ولا يسع حتى يرجع من منى إلا أن يشاء أن يطوف تطوعاً ولا يسعى، ولا دم قران عليه، وعليه دم لتأخير الحلاق في عمرته كان مكياً أو غير مكي، لأنه لما احرم بالحج لم يقدر على الحلاق، ولا دم عليه لمتعته [إلا أن يحل من عمرته في أشهر الحج فيلزمه الدم لمتعته] إن كان غير مكي، وإن كان مكياً لم يلزمه غير دم تأخير الحلاق فقط.

721 - ويقلد هدي تأخير الحلاق، ويشعره ويقف به بعرفة مع هدي تمتعه، فإن لم يقف [به] بعرفة [مع هدي تمتعه] لم يجزه إن اشتراه من الحرم إلا أن يخرجه إلى الحل (¬1) فيسوقه منه إلى مكة، ويصير منحه بمكة، وليس على من حلق من أذى أن يقف بهديه بعرفة، لأنه نسك. 722 - مالك: ولا يحرم أحد بالعمرة من داخل الحرم، قال ابن القاسم: والقران عندي مثله، لأنه يحرم بالعمرة من داخل الحرم. وإذا أحرم مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزمتاه وصار قارنا، ويخرج إلى الحل، لأن الحرم ليس بميقات للمعتمرين، وليس عليه دم قران، لأنه مكي. وإن هو أحرم بحجة بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته، وقد كان يخرج إلى الحل فليس بقارن، وعليه دم لتأخير الحلاق، والمكي وغيره في هذا الدم سواء. ¬

(¬1) الحل: مأخوذ من معنى الفتح والإطلاق، وأصل الحل: حل العقدة، وهو نقيض العقد، وهو أعم من الحلال لأنه يطلق على ما سوى التحريم، معجم المصطلحات (1/585) .

723 - ولو دخل مكي بعرفة فأضاف [إليها] الحج ثم أحصر بمرض حتى فاته الحج فإنه يخرج إلى الحل ثم يرجع فيطوف ويحل ويقضي الحج والعمرة قابلاً قارناً. 724 - ومن دخل مكة قارناً فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه دم القران، ولا يكون طوافه حين دخل مكة لعمرته لكن [يكون] لهما جميعاً. ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى، لأنه لو جامع فيهما لقضاهما قارناً. 725 - وليس على أهل مكة - القرية - بعينها، أو أهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة أحرموا من الميقات أو من غيره، لكنهم يعملون عمل القارن، وكذلك لو أقام المكي بمصر أو بالمدينة مدة لتجارة أو غيرها، ولم يوطنها ثم رجع إلى مكة فقرن جاز قرانه ولا دم عليه للقران لأنه مكي. وأما أهل منى والمناهل التي بين مكة والمواقيت كقديد، وعسفان،

ومرظهران، وغيرهم من سكان الحرم إذا قرنوا من موضع يجوز لهم [أو دخلوا بعمرة من موضع يجوز لهم] ، أو تمتعوا فحلوا من عمرتهم في أشهر الحج، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا، فعليهم الدم للمتعة وللقران، ومن رجع منهم إلى قراره بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامه سقط عنه دم المتعة لرجوعه إلى منزله. 726 - ومن كان له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق، فقدم مكة معتمراً في أشهر الحج فهذا من مشتبهات الأمور، وأحوط له أن يهدي. 727 - ومن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها ثم حج [من] عامه [ذلك] فعليه دم المتعة، وليس هو كأهل مكة، لأنه أتى يريد السكنى، وقد يبدو له.

ومن حل من أهل الآفاق من عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر عمرة ثانية من التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك فعليه دم المتعة، وهو أبين من الذي قدم ليسكن، لأن هذا لم تكن إقامته الأولى سكنى. ومن حلّ من عمرته في أشهر الحج وهو من أهل الشام، أو من مصر، فرجع من مكة إلى المدينة ثم حج من عامه فعليه دم المتعة غلا أن يرجع إلى أفق مثل أفقه، وتباعد من مكة ثم يحج فلا يكون متمتعاً. 728 - ومن اعتمر في رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل [هلال] شوال فأتم سعيه فيه، ثم حج من عامه، كان متمتعاً [حج عن نفسه أو عن غيره] ، ولو فرغ من سعيه في رمضان ثم أهل [هلال] شوال قبل أن يحلق ثم حج من عامه فليس بمتمتع، لأن مالكاً قال: من فرغ من سعيه بين الصفا والمروة [فلبس الثياب قبل أن يقصر] فلا شيء عليه.

729 - واستحب مالك لأهل مكة أو لمن دخلها بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام، [قال أشهب: من داخل المسجد لا من باب الحرم] ، ومن دخل مكة من أهل الآفاق في أشهر الحج بعمرة وعليه نفس فأحب إلي أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه بالحج، ولو أقام حتى يحرم من مكة كان ذلك له. 730 - ويهل أهل قديد وعسفان ومر ظهران من منازلهم، وكل من كان وراء الميقات إلى مكة فميقاته من منزله. 731 - وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من الناس [كلهم] خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم من أهل المغرب، فإن ميقاتهم الجحفة لا يتعدوه، ولهم إذا مروا بالمدينة أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة، والأفضل لهم أن يحرموا من ذي الحليفة ميقات النبي ÷ ولأنها طريقهم. وميقات أهل اليمن من يلملم، وأهل نجد قرن، ووقت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذات عرق

لأهل العراق. ومن مر بالمدينة من أهل العراق فليحرم من ذي الحليفة ولا يؤخر إلى الجحفة، وإن مر أهل الشام ومصر قادمين من العراق فليحرموا من ذات عرق. وكذلك حميع أهل الآفاق من مر منهم بميقات ليس له فليحرم منه، خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم إذا مروا بالمدينة على ما وصفنا. 732 - ومن جاوز الميقات [ممن يريد الإحرام] جاهلاً ولم يحرم منه، فليرجع فيحرم منه ولا دم عليه، إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتماد وعليه دم، ولو أحرم بعد أن جاوزه لم يرجع وإن لم يكن مراهقاً وتمادى وعليه دم. 733 - ومن أهل من ميقاته بعمرة فلما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف حجه إلى عمرته، فلا دم عليه، لتركه الميقات في الحج، لأنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً. 734 - وإن تعدى الميقات ثم قرن أو أحرم بعمرة لما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف الحج، فعليه دم لترك الميقات، ودم للقران، لأن كل من كان ميقاته من منزله أو غيره فجاوزه، وهو يريد أن يحرم بحج، أو عمرة، فاحرم بعد ذلك فعليه دم.

ولا يشبه بالذي جاء من عمل الناس في الذين يخرجون من مكة ثم يعتمرون من الجعرانة والتنعيم، لأن ذلك رخصة لهم، وإن لم يبلغوا [مواقيتهم] . 735 - ومن جاوز ميقاته في حاجته [وهو لا يريد إحراماً] ثم بدا له أن يحج من موضعه ذلك فليحرم منه ولا دم عليه، وكذلك لو مضى مصري إلى عسفان في حاجة، ثم بدا له أن يحج منها، أو يعتمر فله ذلك ولا دم عليه لترك الميقات. 736 - مالك: ومن تعدى الميقات وهو صرورة ثم أحرم فعليه دم (¬1) . قيل لابن القاسم: فإن تعداه ثم أحرم بالحج بعد أن جاوزه وليس [بصرورة، قال: إن كان جاوزه] مريداً للحج ثم أحرم فعليه دم. ومن تعدى ¬

(¬1) الصرورة: هو الذي لم يحج قط، انظر: النهاية لابن الأثير (3/22) .

الميقات فأحرم بالحج ثم فاته الحج فلا دم عليه لتعديه لرجوعه إلى عمل العمرة وإنه يقضي حجته. 737 - وإن جامع فأفسد حجه فعليه دم الميقات، لأنه على عمل حجه متماد وإن قضاه. 738 - ومن وجب عليه دم لتعدي الميقات أو لتمتع لم يجزه مكانه طعام، وأجزأه الصوم إن لم يجد هدياً، وإنما يكون الصيام أو الطعام مكان الهدي في فدية الأذى أو في جزاء الصيد. 739 - ومن أحرم بالحج من خارج الحرم، مكي أو متمتع، فلا دم عليه لتركه الإحرام من داخل الحرم، لأنه زاد ولم ينقص، فإن مضى إلى عرفات ولم يدخل الحرم وهو مراهق فلا دم عليه. 740 - وإن أحرم بالحج من الحل أو من التنعيم وهو مكي أو غير مكي فعليه أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى عرفات إن لم يكن

مراهقاً، ويكون خلاف من أحرم بالحج من الحرم. 741 - ومن دخل مكة بغير إحرام متعمداً أو جاهلاً فقد عصى ولا شيء عليه، لأن ابن شهاب كان لا يرى بأساً أن يدخل مكة بغير إحرام، وخالفه مالك وقال: لا أحب لأحد من الناس أن يقدم من بلده فيدخل مكة بغير إحرام.

742 - وإن كان من [أهل] المناهل القريبة منها كقديد ونحوها يقدم في السنة لحاجة وليس شأنهم الاختلاف، وإنما أرخص في ذلك للمختلفين بالفواكه والطعام والحطب مثل الطائف وجدة وعسفان فيدخلوا [مكة] بغير إحرام لكثرة ذلك عليهم أو مثل فعل ابن عمر حين خرج إلى قديد فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام. 743 - ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم يحرم منه حتى دخل مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام. وإن جاوز الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء [فيما فعل] حين دخل الحرم حلالاً من أي اهل الآفاق كان ولا شيء عليه.

744 - وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين، ومن ذلك الجارية يريد بيعها فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام، فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على العبد لترك الميقات. 745 - وإذا أسلم نصراني أو عتق عبد أو بلغ صبي أو حاضت جارية بعد دخولهم مكة، أو هم بعرفات، فأحرموا حينئذ بالحج ووقفوا أجزأتهم عن حجة الإسلام، ولا دم عليهم لترك الميقات. 746 - ولو أحرم العبد قبل عتقه والصبي والجارية قبل البلوغ تمادوا على حجهم ولم يجز لهم أن يجددوا إحراماً، ولا تجزيهم عن حجة الإسلام. 747 - وإذا أحرم مكي أو متمتع من مكة بالحج فليؤخر الطواف حتى يرجع من عرفات فيطوف ويسعى، ولو عجل الطواف والسعي قبل خروجه إلى عرفات لم

يجزه، وليعدهما إذا رجع من عرفات، فإن لم يعد السعي حين رجع من عرفات حتى رجع إلى بلده أجزأه السعي الأول، وعليه هدي، وذلك أيسر شأنه. 748 - مالك - رحمه الله - وأحب إلي أن يحرم أهل مكة إذا أهلّ هلال ذي الحجة. وكان مالك يأمر أهل مكة، وكل من أنشأ الحج من مكة أن يؤخر طوافه الواجب وسعيه حتى يرجع من عرفات، وله أن يطوف تطوعاً قبل أن يخرج، ولا يسعى حتى يرجع من عرفات، فإذا رجع طاف الطواف الواجب و [سعى. والطواف الواجب] هو الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة.

وكره مالك أن يحرم أحد قبل [أن يأتي] ميقاته، أويحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين [جميعاً] لزمه ذلك. 749 - ومن أذن لعبده أو لأمته أو [لزوجته] في الإحرام فليس له أن يحلّهم بعد ذلك، فإن خاصموه قضي لهم عليه، وإن باع عبده أو أمته وهما محرمان جاز بيعه، وليس للمبتاع أن يحلّهما، وله غن لم يعلم بإحرامهما الرد لعيب بهما إلا أن يقربا من الإحلال. 750 - وإن أحرم العبد بغير إذن سيده فحلله منها ثم أذن له في عام آخر في قضائها حج وأجزأه منها، وعلى العبد الصوم لما حلله سيده إلا أن يهدي عنه سيده أو يطعم.

قيل: [فإذا] أحرمت المرأة بفريضة بغير إذن زوجها فحللها، ثم أذن لها من عامها فحجت أيجزيها حجها من الفريضة والقضاء؟، فقال: أرجو ذلك. وأما إن أحرم [عبد] بغير إذن سيده فحلله ثم أعتقه فحج ينوي القضاء، وحجة الإسلام أجزأته للقضاء لا للفريضة، كما لو نذر فقال: إن أعتق الله رقبتي فعلي المشي إلى بيت الله في حجة، فأعتق، فإنه يحج حجة الإسلام ثم النذر بعدها، ولا يجزيه حجته حين أعتق عنهما، لأنه أدخل تطوعاً مع واجب. والمرأة إنما أجزأها حجها عن الفريضة والقضاء، لأنها قضت واجباً بواجب، ولو كان إنما حللها من تطوع [وهي صرورة] فهذه قضاء [لها] وعليها حجة الإسلام. (¬1) 751 - وقد قال مالك فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث وهو صرورة فمشى في ¬

(¬1) انظر: التاج الإكليل (3/164) ، ومواهب الجليل (3/165) .

حجة ينوي بها نذره وفرضه، إنها تجزيه لنذره لا لفرضه، وعليه حجة الإسلام، فمسألة العبد مثل هذا. 752 - وإن حج بالصغير أبوه وهو لا يجتنب ما يؤمر به [مثل] ابن سبع سنين وثمانية، فلا يجرده حتى يدنو من الحرم، والذي قد ناهز يجرد من الميقات، لأنه يدع ما يؤمر بتركه، وإذا كان لا يتكلم فلا يلبي عنه أبوه، فإذا جرده أبوه [يريد] بتجريده [الإحرام] فهو محرم، ويجنبه ما يجتنب الكبير، فإن احتاج إلى دواء أو طيب فعل به [ذلك] وفدى عنه، وإن لم يقو على الطواف طيف به محمولاً، ويرمل الذي يطوف به في الأشواط الثلاثة بالبيت ويسعى في المسيل، ولا يركع عنه الركعتين إن لم يعقل الصلاة، ولا

يطوف به إلا من طاف لنفسه لئلا يدخل في طواف واحد طوافين، والطواف بالبيت كالصلاة. ولا بأس أن يسعى لنفسه وللصبي سعياً واحداً يحمله في ذلك ويجزيه منهما، لأن السعي أخف من الطواف، وقد يسعى من ليس على وضوء، ولا يطوف إلا متوضئ، ولا يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كالطواف. 753 - والمجنون في جميع أمره كالصبي، وليس لأب الصبي أو أمه أو من هو في حجره من وصي أو غيره أن يخرجه ويحجه وينفق عليه من مال الصبي إلا أن يخاف [عليه] من ضيعته بعده، إذ لا كافل له، فله أن يفعل به ذلك، وإلا ضمن ما أكرى له به وأنفق عليه إلا قدر ما كان ينفق في مقامه. 754 -[مالك] : ولا بأس أن يحرم بالأصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة، وكره مالك للصبيان الذكور حلي الذهب. 755 - ومن أتى مكة ليلاً فواسع له أن يدخل، واستحب مالك أن يدخلها نهاراً،

واستحب لمن أتى من طريق المدينة أن يدخل مكة من كداء. وذلك واسع من حيث [ما] دخل. 756 - فإذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الأسود بفيه إن قدر، وإلا لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يصل كبّر إذا حاذاه، ولا يرفع يديه ثم يمضي ويطوف، ولا يقف، وكلما مر به فواسع إن شاء استلم أو ترك. 757 - ولا يقبل بفيه الركن اليماني لكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يستطع لزحام الناس كبّر ومضى، وكلما مرّ به في طواف واجب أو تطوع فواسع إن شاء استلم أو ترك، ولا يدع التكبير كلما حاذاهما في طواف واجب أو تطوع.

758 - ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر بيده ولا يقبلهما [ولا يكبر] إذا حاذا [هما] . [وأنكر مالك قول الناس إذا حاذوا] الركن الأسود: إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ورأى أنه ليس عليه العمل، وقال: لا يزيد على التكبير شيئاً، وأنكر وضع الخدين والجبهة على الحجر الأسود وقال: هذه بدعة. 759 - وليزاحم على استلام الحجر ما لم يكن آذى، ولا بأس باستلامه لغير طواف، قلت: فإذا طاف أول دخول مكة الطواف الواجب الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة، واستلم الحجر ثم طاف بعد ذلك [أيبدأ باستلام

الركن من كل طواف يطوفه بعد ذلك؟ قال: نعم] . قال: ليس عليه أن يستلم الحجر في ابتداء طوافه إلا في الطواف الواجب إلا أن يشاء، فإذا فرغ من طوافه أول ما دخل مكة وصلى الركعتين فلا يخرج إلى الصفا والمروة حتى يستلم الحجر، فإن لم يفعل فلا شيء عليه، فإذا طاف بالبيت بعد أن تم سعيه [بين الصفا والمروة] وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يرجع [حتى] يستلم الحجر إلا أن يشاء. 760 - ومن طاف بالبيت في حج أو عمرة طوافه الواجب فلم يستلم الحجر في شيء من ذلك فلا شيء عليه. 761 - ولا بأس بما خف من الحديث في الطواف، ولا ينشد شعراً، وليست

القراءة في الطواف من السنة، وإن باع واشترى في طوافه فلا يعجبني. 762 - وإذا زوحم في الرمل (¬1) فلم يجد مسلكاً رمل بقدر طاقته، ومن جهل أو نسي فترك الرمل في الأشواط الثلاثة بالبيت أو السعي بين الصفا والمروة فهذا خفيف، وكان مالك يقول: [عليه الدم، ثم رجع عنه وقال: لا دم عليه. 763 - قال مالك: يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وكان يقول] في تارك الرمل إن قرب أعاد، وإن بعد فلا شيء عليه، ثم خففه ولم ير أن يعيد [وإن قرب] ، ومن قضى حجة فائتة فليرمل بالبيت، ويسعى في الليل، ويستحب لمن اعتمر من الجعرانة أو التنعيم أن يرمل إذا طاف بالبيت، وليس وجوبه عليه كوجوبه على من حج أو اعتمر من المواقيت. وأما السعي فواجب على من اعتمر من التنعيم وغير ذلك، ومن ذكر في الشوط الرابع أنه لم يرمل في ¬

(¬1) رمل: أسرع في المشي وهز منكبيه، النهاية (2/265) .

الثلاثة أشواط مضى ولا شيء عليه، دم ولا غيره، ومن رمل الأشواط السبعة كلها فلا شيء عليه. 764 - ومن طاف بالبيت منكوساً لم يجزه، ومن طاف محمولاً من عذر أجزأه، وإن كان لغير عذر أعاد الطواف بالبيت، إلا أن يكون رجع إلى أهله فليهرق دماً، وإن طاف راكباً أعاد إن لم يفت، فإن تطاول [ذلك] فعليه دم. 765 - ومن طاف الطواف الواجب وفي ثوبه أو جسده نجاسة لم يعد كمن صلى بذلك ثم ذكر بعد الوقت. (¬1) 766 - ولا يعتد بما طاف في داخل الحجر (¬2) ، ويبني على ما طاف خارجاً منه، وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع، وهو كمن لم يطف. والطواف بالبيت للغرباء أحب إلي من الصلاة، ولم يكن مالك يجيب في مثل هذا. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/76، 77) . (¬2) الحجر: بكسر الحاء وسكون الجيم، هو فناء محوط مدور على صورة نصف دائرة، خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام، وقد جعله إبراهيم عليه السلام إلى جانب البيت، وعمله عريشاً بالآراك، وكان زرباً لغنم إسماعيل عليه السلام، وانظر: مواهب الجليل (3/76، 77) .

767 - ولم يكره مالك الطواف بالبيت بالنعلين والخفين، وكره أن يدخل البيت بهما أو يرقى بهما الإمام أو غيره منبر النبي ÷، وأجاز ابن القاسم أن يدخل بهما الحجر. 768 - ومن طاف وراء زمزم أو في سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس به، وإن طاف في سقائفه لغير زحام لحرّ ونحوه أعاد الطواف. 769 - ومن قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما [جميعاً] وهي السنة.

770 - ومن دخل مكة مراهقاً (¬1) فخشي فوات الحج، وهو مفرد بالحج أو قارن، فليدع الطواف ويمضي إلى عرفات، ولا دم عليه لترك الطواف، وسواء دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل، ومضى كما هو إلى عرفات، لأنه مراهق. وإن كان غير مراهق وهو مفرد بالحج أو قارن فأخر الطواف حتى أفاض كان عليه دم لتأخيره، دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل [الحرم] ومضى إلى عرفات وهو يقدر على الدخول والطواف فتركه فالدم يلزمه لتأخير الطواف، لأنه غير مراهق. وعلى القارن دم آخر [لقرانه] . 771 - وأما من دخل مكة معتمراً يريد الحج وهو مراهق أو غير مراهق ففرض الحج وتمادى صار قارناً ولا دم عليه لتأخير الطواف، إذ له غرداف الحج ما لم يطف، وإنما عليه دم القران فقط. 772 - والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما يدخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم ¬

(¬1) أرهق فلاناً: دنا منه وأدركه، وانظر: الوسيط (1/391) .

النحر فطاف للإفاضة على وضوء ولم يسع حتى رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد والطيب وليس الثياب فليرجع لابساً للثياب حلالاً إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى ثم يعتمر ويهدي. وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي، لأنه قد حلق بمنى، ولا شيء عليه في لبس الثياب، لأنه لما رمى الجمرة حل له اللباس بخلاف المعتمر، [لأن المعتمر] لا يحل له ليس الثياب حتى يفرغ من السعي. 773 - ولا شيء عليه في الطيب لأنه بعد [رمي] الجمرة، فهو خفيف، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء، ولا دم عليه إذا أخر الطواف الذي طافه حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفاًن لأنه لم يتعمد ذل وهو كالمراهق، والعمرة مع الهدي يجزيه من ذلك كله، وجل الناس يقولون: لا عمرة عليه. 774 - ومن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر بعد أن حل منها بمكة أو ببلده

فليرجع حراماً كما كان، وهو كمن لم يطف بالبيت بويسعى] ، وإن كان قد حلق بعد طوافه افتدى، وإن كان أصاب النساء [والصيد] والطيب فعليه لكل صيد أصابه الجزاء. 775 - ومن طاف للإفاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده، فيطوف للإفاضة إلا أن يكون قد طاف بعده تطوعاً فيجزيه [من طواف الإفاضة] . 776 - وطواف الإقامة واجب كطوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة،

يرجع لما ترك منهما فيطوفهما، وعليه الدم، والدم في هذا خفيف. 777 - ومن طاف في أول دخوله مكة ستة أشواط ونسي السابع وصلى ركعتين، وسعى، فإن كان قريباً طاف شوطاً واحداً، وركع وسعى، وإن طال ذلك أو انتقض وضوءه أو ذكر ذلك في طريقه أو ببلده [أو بعد أن وقف بعرفات] رجع فابتدأ الطواف من أوله وركع وسعى. وإن كان قد جامع النساء فليرجع وليفعل كما وصفنا في الذي طاف وسعى على غير وضوء. 778 - وإذا ذكر المعتمر ببلده أنه نسي الركعتين، وقد أصاب النساء، فليركعهما ويهدي، وإن ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستاً رجع فابتدأ الطواف ورجع وسعى وأمر الموسى على رأسه، وقضى عمرته وأهدى. 779 - ولو أتم سعيه [لعمرته] ثم أردف الحج ثم ذكر بعرفة أنه لم يكن طاف

بالبيت إلا ستاً صار قارناً يعمل عمل القارن. 780 - وإذا طاف حاج أول دخوله مكة ولا ينوي بطوافه [هذا] فريضة ولا تطوعاً ثم سعى لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى. وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك وعليه الدم، والدم في هذا خفيف. 781 - ومن طاف بعض طوافه ثم خرج فصلى على جنازة أو خرج لنفقة نسيها فليبتدئ الطواف ولا يبني، ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة. 782 - وطواف الإفاضة تعجيله يوم النحر أفضل، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق

وانصرف من منى إلى مكة فلا بأس. وإن أخّر الإفاضة والسعي بعدما انصرف من منى أياماً وتطاول ذلك فليطف ويسع ويهد. 783 - وللرجل أن يؤخر الطواف والسعي إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر الإفاضة وطواف الإفاضة هو الذي يسمى طواف الزيارة، وكره مالك أن يقال: طواف الزيارة، أو يقال: زرنا قبر النبي ÷. 784 - وطواف الصّدر (¬1) مستحب ليس بواجب، وهو طواف الوداع، ويرجع له ما لم يبعد، وقد ردّ له عمر - رضي الله عنه - من مرظهران، ولم يجد فيه مالك أكثر من قوله: إن كان قريباً. وأنا أرى أن يرجع ما لم يخش فوات أصحابه، أو ¬

(¬1) طواف الصدر: ويقال طواف الزيارة وطواف الإفاضة، والطواف الواجب، وطواف الصدر، والصدر رجوع المسافر من مقصده.

منعاً من كريّه، فيمضي حينئذ ولا شيء عليه، ومن تركه فلا شيء عليه. 785 - ومن طاف للوداع ثم باع واشترى في ساعة بعض حوائجه فلا يرجع، وإن أقام في ذلك [بمكة] يوماً أو بعض يوم رجع فطاف، ولو ودعوا ثم برز بهم الكري إلى ذي طوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجعوا للوداع ويتمّوا الصلاة بذى طوى ما داموا بها، لأنها من مكة، فإذا خرجوا منها إلى بلادهم قصروا. 786 - وطواف الوداع على من حج من النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد، وليس ذلك على مكي ولا على من قدم مكة حاجاً يريد أن يستوطنها، ولا على من فرغ من حجه فخرج ليعتمر من الجعرانة أو التنعيم، وأما إن خرج ليعتمر من ميقات كالجحفة وغيرها فليودع، وإن سافر مكي ودّع، و [من] حج من مرظهران أو من عرفة أو من غيرها من يقرب، فليودع.

787 - ومن اعتمر ثم خرج من فوره أجزأه طواف عمرته من الوداع، وإن أقام ثم خرج ودع، وكذلك من فاته الحج ففسخه في عمرة، أو أفسد حجه عليه طواف الصدر إذا اقام هذا المفسد بمكة، لأن عمله عاد إلى عمرة، وإن خرج مكانه فلا شيء عليه. 788 - وإن حاضت امرأة بعد الإفاضة فلتخرج قبل أن تودع، وإن حاضت قبل الإفاضة أو نفست لم تبرج حتى تفيض، ويحبس عليها كريهاً أقصى جلوس النساء في الحيض والاستظهار، وفي النفاس من غير سقم [و] لا يحبس أكثر من هذا. وقد تقدم ذكر دخول البيت بنعلين أو خفين. 789 - ولا تجزئ المكتوبة من ركعتي الطواف.

790 - ومن طاف أسبوعاً فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثانٍ قطع وركع، فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين للاختلاف فيه. 791 - ومن طاف في غير إبان صلاة أخّر الركعتين، وإن خرج إلى الحل ركعهما فيه، وتجزيانه ما لم ينتقض وضوءه. فإن انتقض [وضوءه] قبل أن يركع وكان طوافه ذلك واجباً رجع وابتدأ الطواف [بالبيت] وركع، [لأن الركعتين من الطواف توصلان به] إلا ان يتباعد فليركعهما، ويهد ولا يرجع. 792 - ومن دخل مكة حاجاً أو معتمراً فطاف وسعى ونسي ركعتي الطواف، وقضى جميع حجه أو عمرته ثم ذكر ذلك بمكة أو قريباً منها، رجع فطاف وركع وسعى، فإن كان معتمراً فلا شيء عليه، إلا أن يكون قد لبس الثياب وتطيب، وإن كان في حج وكانت الركعتان من الطواف الذي وصل به السعي حين دخل مكة فعليه الهدي وإن كانتا من طواف الإفاضة وكان قريباً رجع فطاف وركع [وسعى] ، وإن كان وضوءه قد انتقض، ولا شيء عليه. وإن كانتا من طواف السعي الذي يؤخره المراهق حتى يرجع من عرفة فذكر

ذلك بعد تمام حجه وهو بمكة أو قريباص منها، فليعد الطواف [إذا كان وضوءه قد انتقض] ويركع ويسعى [ما فيه السعي] ولا هدي عليه، لأنهما من طواف هو بعد وقوفه بعرفة، ولو ذكرهما بعد أن بلغ بلده، أو تباعد من مكة، فلا يبالي من اي طواف كانتا من طواف عمرة أو حجة قبل وقوف عرفة أوبعد، فليركعهما حيث هو ويهدي ومحل هديه مكة. (¬1) 793 - ومن فرغ من طوافه خرج إلى الصفا، ولم يَحُدّ مالك ن أي باب يخرج، ويستحب ان يصعد منه ومن المروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منه، ولا يعجبني أن يدعو قاعداً عليهما إلا من علة. وتقف النساء أيضاً إلا من بها ضعف أو علة، ويقفن أسفلهما، وليس عليهن أن يصعدن إلا أن يخلوا [من الرجال] فيصعدن وذلك أفضل لهن. (¬2) 794 - ولم يحدّ مالك في الدعاء على الصفا والمروة حداً، ولا لطول القيام وقتاً، ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/47) . (¬2) انظر: الذخيرة (3/247) .

واستحب المكث عليهما في الدعاء، وإن رفع يديه عليهما أو في وقوف عرفة فرفعاً خفيفاً، وترك الرفع في كل شيء أحب إلى مالك إلا ابداء الصلاة فإنه يرفع [يديه] ، ولا يرفع يديه في المقامين عند الجمرتين. 795 - ويبدأ في سعيه بالصفا ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة [زاد] شوطاً ليصير بادياً بالصفا، ومن رمل فيجميع سعيه بين الصفا والمروة أجزأه وقد أساء، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه. (¬1) 796 - وإن سعى جنباً أجزأه إن كان في طوافه وركوعه طاهراً، ولا يسعى راكباً إلا من عذر، وإن جلس بين ظهراني سعيه شيئاً خفيفاً فلا شيء عليه، وإن طال فصار كالتارك لما كان عليه فليبتدئ ولا يبني. 797 - وإن صلى على جنازة قبل أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس [مع أحد أو وقف معه يحدثه، لم ينبغ له ذلك، فإن فعل منه شيئاً بنى فيما خف ولم يتطاول [و] أجزأه. وإن أصابه حقن في سعيه] مضى فتوضأ وبنى. ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (3/247) .

798 - ومن ترك السعي بين الصفا والمروة أو شوطاً منه في حجة أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده. 799 -[قال مالك] : كان المقام في عهد إبراهيم - عليه السلام - في مكانه اليوم، وكان [أهل] الجاهلية ألصقوه بالبيت حيفة السيل، فكان كذلك في عهد النبي ÷، وعهد أبي بكر - رضي الله عنه -، فلما ولي عمر - رضي الله عنه -[وحج] رده إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة كانت في خزائن الكعبة قيس بها حين أخذ، وعمر الذي نصب معالم الحرم بعد أن بحث عن ذلك.

وبلغني أن الله تعالى أوحى إلى الجبال فتنحّت حن أرى الله إبراهيم مواضع المناسك فهو قوله - عز وجل -: ×وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا%، (البقرة: 128) . * * *

(كتاب الحج الثاني)

(كتاب الحج الثاني) 800 - ومن أحرم بالحج من مكة فأخّر الخروج يوم التروية والليلة المقبلة فلم يبت بمنى وبات بمكة ثم غدا من مكة إلى عرفات، فقد أساء ولا شيء عليه. وكره [له] مالك أن يدع المبيت مع الناس بمنى ليلة عرفة كما كره أن يبيت ليالي منى إذا رجع من عرفات في غير منى، ورأى على من بات ليلة كاملة أو جلها في غير منى ليالي منى الدم، وإن كان بعض ليلى فلا شيء عليه، ولم ير في ترك المبيت بمنى ليلة عرفة دماً. 801 - وكره مالك التقدم إلى منى قبل يوم التروية أو إلى عرفة قبل يوم عرفة، وأن يتقدم الناس أبنيتهم إليها. وكره البنيان الذي اتخذه الناس بمنى، وبنيان مسجد عرفة، وما كان بعرفة

مسجد مذ كانت، وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين، وكان الإمام يخطب منها بموضع يخطب [الإمام] اليوم متوكئاً على شيء، ويصلي بالناس [فيه] ، وفي الجزء الأول ذكر قطع التلبية. 802 - ويؤذن المؤذن بعرفة إن شاء والإمام يخطب أو بعد فراغه من خطبته، ذلك واسع، قيل له: فقبل أن يأتي الإمام أو قبل أن يخطب؟، فقال: ما أظنهم يفعلون هذا. 803 - وإن ذكر إمام عرفة صلاة نسيها وهو في الظهر قطع وقطعوا، بخلاف من ذكر أنه غير متوضئ، ثم يستخلف من يصلي بهم الظهر والعصر، ويصلي هو ما نسيها، ثم الظهر والعصر، ولو ذكرها بعد أن سلم من الظهر استخلف من

يصلي بهم العصر وفعل هو كما وصفنا، ولو ذكرها وهو في العصر قطع وقطعوا، واستخلف من يصلي بهم العصر، وصلى هو ما نسي ثم الظهر ثم العصر، وأحب إلي أن يعيدوا ما صلوا معه في الوقت. وهذه مخالفة لما في كتاب الصلاة وهو آخر قوله، وإذا فرغ الناس من صلاتهم قبل الإام فلهم أن يدفعوا إلى عرفات، ولا ينتظرون الإمام، لأن خليفته موضعه، إذا فرغ من الصلاة دفع [بالناس] إلى عرفة، ودفع الناس بدفعه. وينزل الناس بعرفة أو منى أو المشعر الحرام حيث أحبوا. 804 - ومن وقف به بعرفة وهو مغمى عليه حتى دفعوا (¬1) منها أحزأه ولا دم عليه. 805 - ومن تعمد ترك الوقوف بعرفة حتى دفع الإمام أجزأه أن يقف ليلاً، وقد أساء ¬

(¬1) الدفع من عرفات: ابتداء السير، ودفع نفسه منها ونحّاها، أو دفع ناقته، وحملها على السير، النهاية (2/124) .

وعليه الهدي، قيل: فمن مر بعرفة ماراً بعد دفع الإمام ولم يقف لها أيجزئه ذلك من الوقوف؟. 806 - قال: قال مالك: من جاء ليلاً وقد دفع الإمام أجزأه أن يقف [بعرفة] قبل طلوع الفجر. 807 - ومن وقف بعرفة على غير وضوء أو جنباً من احتلام فقد أساء ولا شيء عليه، ووقوفه طاهراً أحب إلي وأفضل. قيل: أي هدي يجب علي أن أقف به بعرفة؟. قال: كل هدي لا يجوز لك أن تنحره إن اشتريته في الحرم حتى تخرجه إلى الحل فتدخله الحرم، أو تشتريه من الحل فتدخله الحرم، فهذا الذي يوقف به بعرفة، لنه إن فاته الوقوف به بعرفة، لم ينحره حتى يخرج [به] إلى الحل، غن كان إنما اشتراه في الحرم، وإن كان [إنما] اشتراه في الحل فلا يخرج به إلى الحل ثانية.

808 - وكل هدي أخطأه الوقوف بعرفة أو اشتراه بعد يوم عرفة وليلتها ينحره بمكة ولا ينحر بمنى إلا ما وقف به بعرفة، ولا يجزيك ما أوقفه غيرك من الهدي حتى توقفه أنت بنفسك. 809 - وتوقف الإبل والبقر والغنم وما وقف به من الهدي بعرفة، فإن بات [به] في المشعر الحرام فحسن، وإن لم يبت به فلا شيء عليه. قيل: فهل يخرج الناس بالهدي يوم التروية كما يخرجون إلى منى ثم يدفعون بها كما يدفعون إلى عرفات؟. قال: لم أسمع من مالك أكثر من أن يقف بها بعرفة، ولا يدفع بها قبل غروب الشمس. قال ابن القاسم: فإن فعل لم يكن ذلك وقفاً وينحر بمكة [لا بمنى] ،

قال: فإن عاد بها فأوقفها بعرفة قبل انفجار الصبح من ليلة النحر كان ذلك وقفاً، لأن مالكاً قال في الرجل يدفع من عرفة قبل غروب الشمس: إنه إن رجع فوقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ولا هدي عليه، لأنه كالمفاوت، وإن لم يرجع يقف، حتى طلع الفجر، فاته الحج، وعليه الحج قابلاً، والهدي ينحره فيحج قابل وهو كمن فاته الحج. فإذا اشترى الهدي بعرفة فوقف به أجزأه. 810 - وأكره لمن انصرف من عرفة أن يمر في غير طريق المأزمين. ومن دفع حين غربت الشمس قبل دفع الإمام أجزأه، لأنه دفع وقد حل الدفع، ولو دفع بدفع الإمام كانت السنة وكان ذلك أفضل.

811 - ومن لم تكن به علة ولا بدايته وهو يسير لسير الناس فلا يصلي المغرب والعشاء إلا بالمزدلفة، فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها، لأن النبي ÷ قال: الصلاة أمامك. (¬1) وأما من به علة أو بدابته فلم يستطع المضي مع الناس أمهل حتى يغيب الشفق ثم يجمع بينهما حيث كان وأجزأه. قيل: فإن أدرك الإمام المزدلفة قبل مغيب الشفق. قال: هذا ما لا أظنه يكون، ولو كان ما أحببت أن يصلوا الصلاتين حتى يغيب الشفق، ولا يكبر دبر الصلاة في المشعر الحرام في المغرب والعشاء والصبح. 812 - ومن بات بالمشعر الحرام فلم يقف حتى دفع الإمام فلا يقف بعده، ولا يتخلف ¬

(¬1) رواه البخاري (1667) ، ومسلم (1280) ، ومالك في الموطأ (الحج: 206) ، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعاً.

عنه، وإن كان لم يبت معه، وإنما ذهب إلى عرفات فوقف بها ليلاً ثم أتى وقد طلعت الشمس. قال مالك: فلا وقف له بالمشعر [الحرام] . واستحسن ابن القاسم إن أتى قبل طلوع الشمس أن يقف ما لم يسفر، والوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر وبعد صلاة الصبح، فمن وقف بعد الفجر وقبل أن يصلي الصبح فهو كمن لم يقف. 813 - ومن أتي به المزدلفة مغمى عليه أجزأه ولا دم عليه، ومن مر بالمزدلفة ماراً ولم ينزل بها فعليه دم، وإن نزل بها ثم دفع منها في أول الليل أو في وسطه أو في آخره وترك الوقوف مع الإمام أجزأه ولا دم عليه. 814 - ويستحب للرجل أن يدفع من المشعر [الحرام] بدفع الإمام، ولا يتعجل قبله، وواسع للنساء والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا، ولا يقف أحد بالمشعر إلى طلوع الشمس أو الإسفار، ولكن يدفعون قبل ذلك، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه، ومن لم يدفع من المشعر الحرام حتى طلعت الشمس أساء ولا شيء عليه.

815 - واستحب مالك أن تكون حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلاً، وليأخذها من حيث شاء، ولا يرمي بحصى الجمار لنه قد رمى بها مرة. 816 - قال مالك: الشأن أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر [ضحوة] راكباً كما يأتي الناس على دوابهم، وفي غير يوم النحر يرمي ماشياً، فإن مشى يوم النحر في رمي العقبة أو ركب في رمي الجمار [في الأيام] الثلاثة فلا شيء عليه. وإن رمى العقبة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أجزأه، وبطلوع الفجر يوم النحر يحل الرمي، والنحر بمنى، وإن رماها قبل الفجر أعاد الرمي. والرجال والنساء والصبيان في هذا سواء. ويرمي العقبة يوم النحر بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة يرميها، وأحب

إلينا أن يرميها من أسفلها، وتفسير حديث القاسم أنه كان يرميها من حيث تيسر معناه: من أسفلها من حيث تيسر. قال مالك: وإن رماها من فوقها أجزأه. (¬1) 817 - وإن ترك رمي جمرة العقبة أو بعضها يوم النحر حتى [إلى] الليل فليرمها ليلاً، وفي نسيان بعضها يرمي عدد ما ترك، ولا يستأنف جميع الرمي، وأحب إلي أن يهدي على اختلاف من قول مالك في وجوبه. 818 - ومن حلق قبل أن يرمي الجمرة افتدى، ولا يذبح حتى يرمي، فإن ذبح قبل أن يرمي أو حلق بعد الرمي قبل أن يذبح أجزأه ولا شيء عليه، ووجه النحر والذبح ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (225) من حديث مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم، من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟.

ضحوة، ومن ذبح قبل الفجر أعاد الذبح. 819 - ومن جامع يوم النحر بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يحلق فحجه تام وعليه هدي وعمرة، ينحر الهدي فيها وهديده بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة من الغنم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [في الحج] وسبعة [إذا رجع] بعد ذلك إن شاء فرق بينهن أو جمع، لأنه إنما يصومها بعد أيام منى إذا قضى عمرته. وإن جامع يوم النحر أول النهار أو آخره قبل أن يرمي ويفيض، فسد حجه وعليه حج قابل، ولو وطئ بعد يوم النحر قبل أن يفيض ويرمي فحجه مجزئ عنه ويعتمر ويهدي، ولو وطئ يوم النحر أو بعده قبل الرمي وبعد الإفاضة، فإنما عليه الهدي وحجه تام ولا عمرة عليه، ولو وطئ بعد الإفاضة ثم

ذكر أنه طاف للإفاضة ستة اشواط، أو ترك ركعتي الطواف فليطف بالبيت سبعاً ويركع ثم يخرج إلى الحل فيعتمر ويهدي. (¬1) وأكره لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حتى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء فيه. 825 - وإذا رمى العقبة فبدأ فقلم أظفاره، وأخذ من لحيته وشاربه، واستحد وأطلى بالنورة قبل أن يحلق رأسه فلا بأس بذلك. 826 - ويستحب له إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره من غير إيجاب وفعله ابن عمر. [قال] مالك: والحلاق يوم النحر بمنى أحب إلي ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/166) .

وأفضل. 827 - وإن حلق بمكة في أيام التشريق أو بعدها، أو حلق في الحل في أيام منى فلا شيء عليه، وإن أخر الحلاق حتى رجع إلى بلده جاهلاً أو ناسياً حلق أو قصر وأهدى. 828 - ومن ضفر أو عقص أو لبد فعليه الحلاق، [ومعنى قوله: ولا تشبهوا بالتلبيد: أن السنة جاءت فيمن لبد أن عليه الحلاق، فقيل: من ضفر

أو عقص فليحلق، ولا تشبهوا [بالتلبيد] أي ولا تشبهوا علينا، فإنه مثل التلبيد] . 829 - ومن ضلّت بدنته يوم النحر أخّر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال، فإن أصابها وغلا حلق. ويفعل ما يفعل من لم يهد من الإفاضة ووطئ النساء وحلق الرأس ولبس الثياب كانت هذه البدنة مما عليه بدلها أم لا. 830 - ويُمِرّ الأقرع الموسى على رأسه عند الحلاق، ومن حلق رأسه بالنورة عند الحلاق أجزأه. 831 - ومن أخّر الطواف والسعي من مراهق وشبهه فليحلق إذا رمى الجمرة، ولا يؤخر حتى يطوف. 832 - وإذا قصّر الرجل فليأخذ من جميع شعر رأسه، وما أخذ من ذلك أجزأه،

وكذلك الصبيان. وليس على النساء إلا التقصير، ولتأخذ من جميع قرونها في الحج والعمرة الشيء القليل، وما أخذت من ذلك أجزأها، ولا يجزيهما أن يُقصّرا بعضاً ويُبقيا بعضاً. فإن جامعها بعد أن قصّر وقصّرت بعضاً وأبقيا بعضاً فعليهما الهدي. 833 - وإذا طاف المعتمر وسعى ولم يقصر، فأحب إلي أن يؤخر لبس الثياب حتى يقصر، وإن لبس قبل أن يقصر فلا شيء عليه. 834 - وإن وطئ قبل أن يقصر أو بعد أن أخذ من بعض شعره فعليه الهدي. 835 - والأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر يرمي في كل يوم منها ثلاث جمرات بعد الزوال ماشياً، كل جمرة منها بسبع حصيات، ولو رمى قبل الزوال أعاد الرمي بعد الزوال.

ويرمي الجمرتين جميعاً من فوقهما والعقبة من أسفلها، وإن رمى بسبع حصيات في مرة لم يجزه وتكون كواحدة، ويرمي بعدها بست ويوالي بين الرمي، ولا ينتظر بين كل حصاتين شيئاً، ويكبر مع كل حصاة تكبيرة، فإن لم يكبر أجزأه الرمي. قيل [له] : فإن سبح مع كل حصاة؟. قال: السنة التكبير. 836 - ويقف عند الجمرتين للدعاء، ولا يرفع يديه، وإن لم يقف فلا شيء عليه، [ولا يقف عند العقبة] . 837 - وإن وضع الحصى وضعاً [أو طرحها] لم يجزه، وإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة فإن وقعت موضع حصى الجمرة وإن لم تبلغ الرأس أجزأه، وإن سقطت في محمل (¬1) رجل فنفضها صاحب المحمل فسقطت في الجمرة لم يجزه، ولو ¬

(¬1) المحمل: الهودج، والعدلان على جانبي الدابة يُحمل فيهما، والزنبيل الذي يُحمل فيه العنب ونحوه، والجمع محامل، ويقال ما على البعير محمل، موضع الشيء الذي يحمل، الوسيط (حمل/1/206) .

أصابت المحمل ثم مضت لقوة الرمي الأول حتى وقعت في الجمرة أجزأته. 838 - ولا يرم بحصى الجمار، لأنه قد رُمي بها، ومن نفد حصاه فأخذ ما بقي عليه من حصى الجمرة فرمى به أجزأه. قال ابن القاسم: سقطت مني حصاة فلم أعرفها فرميت بحصاة من حصى الجمرة فقال لي مالك: إنه مكروه، وما أرى عليك شيئاً. 839 - ومن ترك يوم ثاني النحر رمي الجمرة من هذه الجمار حتى غابت الشمس رماها ليلاً، واختلف قول مالك في وجوب الدم [عليه] ، وأحب إلي أن يلزمه الدم. وإن ترك رمي جمرة أو الجمار كلها حتى مضت أيام منى فحجه تام وعليه

بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام، وأما في حصاة فعليه دم. فإذا مضت أيام التشريق فلا رمي لمن لم يكن رمى. 840 - ومن رمى الجمار الثلاث بخمس خمس يوم ثاني النحر ثم ذكر من يومه رمىالأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين ثم الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع ولا دم عليه، ولو ذكر من الغد رمى هكذا وليهد على أحد قولي مالك. 841 - ولو رمى من الغد ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الجمرة الأولى بالأمس فليرم الأولى بحصاة، والاثنتين بسبع سبع، ثم يعيد رمي يومه، لأنه في بقية من يومه، وعليه دم للأمس [على أحد قوليه] . وإن ذكر [ذلك] بعد مغيب الشمس من اليوم الثاني رمى عن أمس بما ذكرنا وعليه [فيه] دم ولم يعد رمي يومه، وإن لم يذكر ذلك إلا بعد رمي

يومين فذكره قبل مغيب الشمس [من] آخر أيام التشريق رمى الأولى بحصاة والاثنين بسبع سبع عن أول يوم، وأعاد الرمي ليومه هذا فقط، إذ عليه بقية يومه، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما، لأن وقت رميه قد مضى، [وعليه دم على أحد قوليه] . 842 - وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول يوم لا يدري من أي جمرة، فقال مالك مرة: يرمي الأولى بحصاة ثم الوسطى [والعقبة] بسبع سبع [وبه أقول. ثم قال: يرمي كل جمرة بسبع سبع] . 843 - وإذا قُدر على حمل المريض وهو يقوى على الرمي، [ووجد من يحمله] حُمل ورمى بيده، ولا يرمي الحصاة في كف غيره ليرميها ذلك عنه،

[وإن لم يُقدر على حمله ولم يستطع الرمي رمى عنه غيره] ، ثم يتحرى المريض وقت الرمي فيكبر لكل حصاة تطبيرة، وليقف الرامي عنه عند الجمرتين للدعاء، وحسن أن يتحرى المريض [ذلك] الوقت فيدعو، وعلى المريض الدم، لأنه لم يرم، وإنما رمى عنه غيره، فإن صحّ ما بينه وبين غروب الشمس من آخر أيام الرمي، أعاد ما رمى عنه كله في الأيام الماضية وعليه الدم. ولو رمى عنه العقبة يوم النحر ثم صحّ آخر ذلك اليوم أعاد الرمي ولا دم عليه، وإن صح ليلاً فليرم ما رمى عنه وعليه الدم. والمغمى عليه [في الرمي] كالمريض. 844 - ويرمي عن الصغير من رمى عن نفسه كالطواف، ولو كان الصبي كبيراً قد

عرف الرمي فليرم عن نفسه، فإن ترك الرمي أو لم يرموا عن الذي لا يقدر على الرمي فالدم على من أحجهما. 845 - ولا يُشترك في هدي تطوع أو واجب أو نذر أو جزاء أو فدية، ولا يشتركا [في بعير] وقد لزمهما شاة شاة أو لزم رجلاً وأهل بيته شاة شاة فأشركهم في بعير لم يجزهم، وأهل البيت والأجنبيون في هذا سواء. ولو ابتاع هو هدي تطوع لم ينبغ أن يشرك فيه أهل بيته. 846 - والشأن أن تُنحر البدن قياماً، فإن امتنعت جاز أن تعقل، والإبل تنحر ولا تذبح بعد النحر، والبقر تُذبح ولا تنحر بعد الذبح. * * *

[ما نُحر قبل الفجر] 847 - والهدايا كلها إذا نحرها قبل الفجر يوم النحر لم تجزه، [ومن قلّد نسكاً لأذى فلا يجزيه أن ينحره إلا يوم النحر بمنى بعد طلوع الفجر، ولا تذبح الضحايا والهدايا إلا في أيام النحر نهاراً، ولا تذبح ليلاً، فإن ذبحت ليلاً لم تُجز] . (¬1) 848 - وكره مالك للرجل أن ينحر هديه أو [يذبح] أضحيته غيره، فإن نحر له غيره [أو ذبح] أجزأه إلا أن يكون غير مسلم فلا يجزيه وعليه البدل. 849 - ومن ذبح فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل من فلان، فذلك حسن، وإن لم يقله وسمى الله أجزأه. 850 - وكل هدي واجب أو تطوع أو جزاء صيد دخله عيب بعد أن قلده وأشعره وهو صحيح مما يجوز في الهدي فحمله صاحبه أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى أجزأه. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/186) ، الشرح الكبير (2/92) .

851 - وإن فاته أن يقف [به] بعرفة فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة، ولا يخرجه إلى الحل ثانية، إن كان قد أدخله من الحل، فإن هلك هذا الهدي في سيره به إلى مكة لم يجزه، لأنه لم يبلغ محله، وكل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله مكة لا منى. 852 - ومن أوقف هدي جزاء صيد أو متعة أو غيره بعرفة ثم قدم [به] مكة فنحره بها جاهلاً وترك منى تعمداً أجزأه. 853 - ومن ضل هديه الواجب بعدما أوقفه بعرفة فوجده بعد أيام منى فلينحره بمكة، قال لي مالك مرة: ولا يجزيه وعليه الهدي الذي كان عليه، وقال قديماً - فيما بلغني - أنه يجزيه، وبه أقول. 854 - ومن قلد هديه وأشعره ثم ضل منه فأصابه رجل فأوقفه بعرفة ثم وجده ربه يوم النحر أو بعده أجزأه ذلك التوقيف، لأنه قد وجب هدياً، لا يرجع في ماله

ولا يجزئ ما أوقف التجار، لأن توقيفهم لا يوجبها هدياً، ولهم ردها وبيعها. 855 - ومن أوقف هديه بعرفة، ثم ضل منه فوجده رجل فنحره بمنى، لأنه رآه هدياً، فوجده ربه منحوراً أجزأه. 856 - فإذا أخطأ الرفقاء يوم النحر فنحر كل واحد منهم هدي صاحبه أجزأهم، ولو كانت ضحايا لم تجزهم وعليهم بدلها، ويضمن كل واحد لصاحبه القيمة، لأن الهدي إذا قلد وأشعر لم يرجع في مال صاحبه، ومن نحره بعد أن بلغ محله أجزأ صاحبه، والضحايا له أن يبدلها بخير منها. 857 - قال مالك في امرأة دخلت مكة [بعمرة] ومعها هدي فحاضت بعد دخولها مكة قبل أن تطوف، فإنها لا تنحر هديها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتنحر وتقصر، فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولم تستطع الطواف لحيضتها، أهلت بالحج وساقت هديها وأوقفته بعرفة ولا تنحره إلا بمنى،

وأجزأها لقرانها وسبيلها سبيل من قرن. 858 - ومن اعتمر في أشهر الحج وساق معه هدياً فطاف لعمرته وسعى فلينحره إذا تم سعيه ثم يحلق أو يقصر ويحل. قال مالك - رحمه الله -: ولا يؤخره إلى يوم النحر، فإن أخره فلا يثبت حراماً، وليحل من عمرته، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج، واستحب [له] مالك أن يحرم في أول العشر. 859 - قال مالك: فإن كان لما حل من عمرته أخر هديه إلى يوم النحر فنحره لم يجزه عن متعته، لأنه قد لزمه أن ينحره أولاً، ثم قال مالك: إن أخر هذا المتمتع هديه إلى يوم النحر فنحره عن متعته رجوت أن يجزيه، وقد فعله أصحاب النبي ÷، وأحب إلي أن ينحره [ولا يؤخره] .

860 - وإذا هلك هدي التطوع قبل محله فليتصدق به ولا يأكل منه، لأنه غير مضمون، وليس عليه بدله، فإن أكل منه فعليه بدله، وإن استحق فعليه بدله، ويجعل ما يرجع [إليه] من ثمنه في هدي كما يفعل فيما يرجع به من عيب هدي التطوع، والهدي المضمون هو الذي إذا هلك قبل محله أو عطب أو استحق كان عليه بدله. 861 - قال مالك: وله أن يأكل من الهدي كله، واجبه وتطوعه، إذا بلغ محله، ويجزئ إلا ثلاثة: جزاء الصيد، وفدية الأذى، وما نذره للمساكين، فإن أكل من جزاء الصيد أو فدية الأذى [ما] قل أو كثر بعد محله فعليه البدل. قال ابن القاسم: ولا أدري ما قول مالك إن أكل مما نذره للمساكين، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل، ولا يكون عليه البدل، لأن هدي نذر المساكين لم يكن عند مالك في ترك الأكل منه بمنزلة جزاء الصيد، وفدية الأذى، وإنما استحب مالك ترك الأكل منه. 862 - قال مالك: وكل هدي مضمون هلك قبل محله فلصاحبه أن يأكل منه ويطعم

من شاء غنياً أو فقيراً لأن عليه بدله، ولا يبيع من ذلك لحماً، ولا جلداً، [ولا حبلاً] ، ولا خطاماً، [ولا جلالاً] ، ولا قلائد، لا يستعين بذلك في ثمن البدل. 863 - قال مالك - رحمه الله -: ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل [أن يبلغ] محله جاز [له] أن يأكل منه، لأن عليه بدله، وإن بلغ محله لم يجز له أن يأكل منه، وإن أكل منه لم يجزه وعليه [البدل] وهو جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونذر المساكين. 864 - والهدي الذي ليس بمضمون هو [هدي] التطوع وحده، وكل هدي ساقه رجل لا لشيء وجب عليه من أمر الحج، أو يجب

[عليه] في المستقبل فهذا تطوع. 865 - ومن قلّد بدنة أو أهدى هدياً تطوعاً ثم مات قبل أن تبلغ محلها فلا ترجع ميراثاً، لأنه قد أوجبها على نفسه. 866 - والمبعوث معه بالهدي يأكل منه إلا من الجزاء والفدية ونذر المساكين فلا يأكل منه [شيئاً] إلا أن يكون الرسول مسكيناً فجائز أن يأكل منه. ومن بعث بهدي تطوع مع رجل [حرام] ثم خرج بعده حاجاً فإن أدرك هديه لم ينحر فليؤخر نحره إلى أن يحل، وإن لم يدركه فلا شيء عليه.

867 - وإن أضل هدي التطوع ثم وجده بعد أيام النحر نحره بمكة، ولو ضلت منه أضحيته فوجدها بعد أيام النحر فلا يذبحها وليصنع بها ما شاء، وإن أصابها في أيام النحر ذبحها، إلا أن يكون قد ضحى ببدلها فلا شيء عليه. ولو ضل منه هدي واجب أو جزاء فنحر غيره يوم النحر ثم وجده بعد أيام النحر نحره أيضاً، لأنه قد أوجبه [على نفسه] فلا يرد في ماله. 868 - ومن عطب هديه التطوع ألقى قلائدها في دمها إذا نحرها ورمى عندها جلها وخطامها وخلى بين الناس وبينها، ولا يأمر من يأكل منها فقيراً ولا غنياً، فإن أكل أو أمر بأكلها وبأخذ شيء من لحمها فعليه البدل، وسبيل الجل والخطام سبيل لحمها، وإن بعث بها مع رجل فعطبت [فسبيل الرسول] سبيل صاحبها لو كان معها، ولا يأكل منها الرسول [إن عطبت] ، فإن أكل لم يضمن ولا يأمر ربها الرسول إن عطبت [أن] يأكل منها، فإن فعل ضمن، وإن أمره ربها إن عطبت أن يخلي بين الناس وبينها فعطبت فتصدق بها الرسول لم يضمن، وأجزت

صاحبها، كمن عطب هديه التطوع فخلّى بين الناس وبينه، فأتى أجنبي فقسمه بين الناس، فلا شيء عليه ولا على ربه. 869 - ومن وجب عليه هدي في حج أو عمرة فله أن يبعثه مع غيره، وكل هدي واجب ضلّ من صاحبه بعد تقليده أو مات قبل أن ينحره [وهو بمنى أو في الحرم أو قبل أن يدخل الحرم] فلا يجزيه وعليه بدله، وكل هدي تطوع مات أو سرق أو ضلّ فلا بدل على صاحبه [فيه] . 870 - ومن سُرق هديه الواجب بعدما ذبحه أجزأه. 871 - ومن أطعم الأغنياء من الجزاء أو الفدية [فعليه البدل، جهلهم أو علم بهم كالزكاة، ولا يطعم منها، ولا من جميع الهدي غير مسلم، فإن فعل البدل الجزاء والفدية] ، ولا يبدل غيرهما وهو خفيف وقد أساء، وإن أطعم ذميّاً كفارة عليه لم تجزه. 872 - ولا يتصدق بشيء من الهدي على فقراء أهل الذمة، ولا يطعم من الجزاء أبويه وزوجته وولده ومدبره ومكاتبه وأم ولده، كما لا يعطيهم من زكاته.

873 - ومن قلد هدياً وأشعره وهو لا يجزيه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك العيب لم يجزه وعليه بدله إن كان مضموناً، ولو قلده سليماً ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه. 874 - وما أصاب الضحايا من عيب بعد شرائها فعلى صاحبها بدلها، لأن له بدل أضحيته بخير منها، وليس لمن قلد هدياً بدله بخير منه ولا بيعه، فإن باعه رد إن وجد، وإن لم يعرف مكانه فعليه البدل بثمنه، ولا ينقص منه، وإن وجد بدله [بدونه] ، وإن لم يجد بالثمن فليزد عليه لأنه قد ضمن الهدي. 875 - وجلود الهدايا في الحج والعمرة وفي الأضحى يصنع بها ما يصنع بلحومها، ولا يعطي الجزار على جزر الهدايا والضحايا والنسك من لحومها ولا جلودها [شيئاً] ، وكذلك خطمها وجلالها. 876 - وتجزئ المكسورة القرن في الهدايا والضحايا إذا كان قد برئ، فإن كان يدمي

فلا يصلح، ولا بأس في الهدايا والضحايا باليسير من قطع أو شق في الأذن مثل السمة ونحوها، ويجوز الخصي في [الهدايا و] الضحايا، ووسع مالك في الهدايا والضحايا فيالكوكب يكون في العين إذا كان يبصر بها ولم يكن على الناظر. 877 - ولا يجوز في الهدايا والضحايا العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها وكذلك جاء في الحديث (¬1) ، ولا يجوز الدّبر، من الإبل في الهدي، ولا المجروح وذلك في الدبرة الكبيرة والجرح الكبير، ولا يجوز في جزاء الصيد [و] الفدية ذوات العوار. 878 - ولا يجوز في الفدية إلا ما يجوز في الضحايا والبدن، والذي يجزئ من الأسنان ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ، كتاب الضحايا (2/482) .

في الهدايا والضحايا والدن والفدية الجذع من الضأن والثني من سائر الأنعام، وكان ابن عمر يقول: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء، قال مالك - رحمه الله -: إلا أن النبي ÷ [قد] أرخص في الجذع من الضأن. (¬1) 879 - والبدن عند مالك من الإبل وحدها، والذكور والإناث بدن كلها لعموم قول الله تعالى: ×والبدن% (¬2) ولم يقل ذكراً ولا أنثى، وتعجب مالك ممن قال: لا تكون إلا في الإناث. [ويجوز الذكور والإناث] من الغنم وغيرها في الهدي. 880 - ومن نذر بدنة فهي من الإبل، فإن لم يجد بدنة فبقرة، فإن لم يجد [بقرة] ¬

(¬1) رواه مسلم (1962) . (¬2) سورة الحج: آية (36) .

فسبعاً من الغنم، والذكور والإناث في ذلك سواء. ومن نذر هدياً ولا نية له فالشاة تجزيه لأنها هدي. 881 - ومن أهدى ثوباً فليبعه ويشتري بثمنه هدياً ما حمل من بدنة أو بقرة أو شاة وليشتري ذلك من الحل فيسوقه إلى الحرم، ولا يشتري إلا ما يجوز في الهدي. 882 - ومن اشترى هدياً تطوعاً فلما قلده وأشعره أصاب به عيباً فليمض به هدياً ولا بدل عليه، ويرجع على البائع بما بين الصحة والداء فيجعله في هدي آخر إن بلغ، فإن لم يبلغ تصدق به. وإن كان هدياً واجباً فعليه بدله ويستعين بما يرجع به على البائع في ثمن بدله، ولا ترد البدنة المعيبة تطوعاً كانت أو واجبة، كمن اشترى عبداً فأعتقه عن واجب وبه عيب لا يجزئ [به] ثم ظهر على العيب فإنه لا يجزيه، وليس له رده في الرق بعد عتقه، ولكن يرجع على البائع بما بين الصحة والداء فيستعين به في رقبة أخرى. 883 - وإن كان العيب مما تجزئ به الرقبة جعل حصة العيب في رقبة أو قطاعة

مكاتب يتم بها عتقه، وإن كانت الرقبة تطوعاً صنع بها ما شاء. [وأما هدي التطوع فإنه يجعل ما يرجع به من حصة العيب في هدي آخر إن بلغ وإلا تصدق به كما وصفنا] . 884 - وما جنى على الهدي فأخذ له صاحبه أرشاً فليصنع به ما يصنع من رجع من عيب أصابه في الهدي المقلد، ومن وجد بالضحايا عيباً ردها وأخذ ثمنها فاشترى [به] بدلها بخلاف الهدي المقلد، ولو جنى على الضحايا [أحد] أخذ منه صاحبها عقل ما جنى فاشترى بدلها ولم يذبح المعيبة. 885 - وإذا نتجت الناقة أو البقرة أو الشاة وهي هدي فليحمل ولدها معها إلى مكة إن وجد محملاً على غيرها، فإن لم يجد حمله عليها، فإن لم يكن في أمه ما يحمله

عليها تكلف حمله. 886 - ولا يشرب من لبن الهدي شيئاً، ولا ما فضل عن ولدها، فإن فعل فلا شيء عليه، لأن بعض من مضى أرخص فيه بعد ريّ فصيلها. 887 - ومن احتاج إلى ظهر هديه فليركبه وليس عليه أن ينزل بعد راحته، لأن النبي ÷ قال: "اركبها ويحك" (¬1) في الثانية أو الثالثة، وإنما استحسن الناس ألا يركبها حتى يحتاج إليها. 888 - وإذا ضلّ الهدي بعد التقليد والإشعار فوُجد بعد أيان منى نُحر بمكة، فإن وجد خارجاً من مكة بعد أيام منى سبق إلى مكة فنحر بها، وإن لم يوقف بعرفة فوجد [في] أيام منى سيق إلى مكة فنحر بها، وإن وقف به بعرفة ثم وجد أيام ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (138) ، (1/377) ، والبخاري (1689) ، ومسلم (1322) .

منى نحر بمنى. 889 - ومن كان عليه هدي من جزاء الصيد فلم ينحره حتى مضت أيام التشريق فاشتراه في الحرم ثم خرج به إلى الحل فليدخل حلالاً، ولا بأس أن يبعث بهديه هذا مع حلال من الحرم ثم يقفه فيالحل، ثم يدخله مكة فينحره عنه ولا يجزئ ذبح جزاء الصيد، وما كان من هدي إلا بمكة أو بمنى، وإن أطعم لحمه للمساكين وذلك يبلغ شبع عدد قيمة الصيد من الأمداد، لو أطعم الأمداد، لم يجزه. 890 - وما كان من هدي في عمرة [نحره إذا حل منها بمكة إذا] [كان]

وجب لشيء نقصه منها أو هدي نذر أو تطوع أو جزاء صيد فلذلك سواء ينحره إذا حل من عمرته، فإن لم يفعل لم ينحره إلا بمكة أو بمنى إلا ما كان من هدي الجماع في العمرة، فإنه لا ينحره إلا في قضائها أو بعد قضائها بمكة. 891 - ومن اشترى يوم النحر شاة أو بقرة أو بعيراً ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم وينوي به الهدي، وإنما أراد أن يضحي بذلك، فليذبحها ضحوة، وليست بضحية، لأن أهل منى ليس عليهم أضاحي، وكل شيء في الحج فهو هدي، وما ليس في الحج فهو أضاحي. 892 - وكل من وجب عليه الدم في حج أو عمرة فلم يجده فالصوم يجزيه منه ولا إطعام فيه. وليس الطعام في الحج والعمرة مكان الهدي إلا في جزاء الصيد وفدية الأذى، وكل هدي وجب على من تعدى ميقاته، أو تمتع، أو قرن، أو أفسد حجه، أو فاته الحج، أو ترك الرمي، أو النزول بالمزدلفة، أو نذر مشياً فعجز عنه، أو ترك شيئاً من الحج يجبره بالدم فإنه إذا لم يجد هدياً صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد ذلك. 893 - وله أن يصوم الثلاثة الأيام ما بينه وبين يوم النحر، فإن لم يصمها قبل يوم النحر

أفطر يوم النحر وصام الثلاثة الأيام التي بعده، وهي أيام التشريق، ويصل السبعة بها إن شاء، وقول الله تعالى: ×وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ% (¬1) ، يقول: من منى، وسواء أقام بمكة أم لا. 894 - وإن كان قد صام قبل يوم النحر يوماً أو يومين فليصم ما بقي عليه في أيام التشريق، فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى مضت أيام التشريق صام بعد ذلك إن شاء وصل ثلاثاً بسبع أو لم يصل، وإنما يصوم ثلاثة أيام في الحج كما ذكرنا المتمتع أو القارن أو من تعدى ميقاته أو أفسد حجه أو فاته [الحج] ، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بالمزدلفة فليصم متى شاء، وكذلك الذي يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة، لأنه إنما يصوم إذا اعتمر بعد أيام منى، ومن مشى في نذر إلى مكة فعجز فليصم متى شاء، لأنه يقضي في غير حج فكيف لا يصوم في غير حج. قال: وما صنع في عمرته من ترك ميقات أو وطئ أو ما يلزمه به فلم يجده، فليصم ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك. ¬

(¬1) سورة البقرة: آية (196) .

وكل من لم يصم ممن ذكرنا حتى رجع إلى بلده وله بها مال بعث بهدي ولم يجزه الصوم، وكذلك من أيسر قبل صيامه، ومن وجد من يسلفه، فلا يصم وليستلف إن كان موسراً ببلده. 895 - ولا بأس أن يقدم الناس أثقالهم من منى إلى مكة، وإذا رجع الناس من منى نزلوا بأبطح مكة وهو معروف حيث المقبرة، فيصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلا أن يكون رجل أدركه وقت الصلاة قبل أن يأتي الأبطح فليصلها حيث أدركه الوقت، ثم يدخل مكة بعد العشاء أول الليل. 896 - واستحب مالك لمن يقتدى به ألا يدع النزول [أول الليل] بالأبطح، ووسع لمن لا يقتدى به في ترك النزول [به] ، وكان يفتي به سراً، ويفتي في العلانية بالنزول في الأبطح لجميع الناس. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/86) .

897 - وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا لحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي، وكذلك من تعجل في يومين أو لم يتعجل أو قفلوا إلى مكة بعد الزوال من آخر أيام الرمي فلا يحرم بالعمرة من التنعيم حتى تغيب الشمس. قال ابن القاسم: ومن أحرم منهم في أيام الرمي لم يلزمه إلا أن يحرم بعد أن يتم رميه من آخر أيام الري [وحل من إفاضته، فيلزمه] . ومن لم يكن حاجاً من أهل الآفاق فجائز أن يعتمر في أيام التشريق، لأن إحلاله بعد أيام منى. وقال ابن القاسم: سواء كان إحلاله منها في أيام منى أو بعدها بخلاف الحاج. والعمرة في السنة إنما هي مرة واحدة، ولواعتمر بعدها

لزمته كانت الأولى في أشهر الحج أولاً أراد أن يحج من عامه أم لا. 898 - والمحصر بعدو غالب أو فتنة في حج أو عمرة يتربص ما رجا كشف ذلك، فإذا يئس من أن يصل إلى البيت فليحل بموضعه حيث كان من البلاد، في الحرم أو غيره، ولا هدي عليه إلا أن يكون معه هدي فينحره هناك ويحلق أو يقصر، ويرجع إلى بلده ولا قضاء عليه لحج ولا عمرة إلا أن يكون صرورة فلا يجزيه ذلك من حجة الإسلام، وعليه حجة الإسلام [من] قابل. وإن أخر حلاقه حتى رجع إلى بلده [حلق] ولا دم عليه. 899 - وقال في موضع آخر [وفي المحصر] بعدو قبل أن تمضي أيام الحج لا

يكون مُحْصَراً حتى يفوته الحج أو يصير إن خُلّي لم يدرك الحج فيما بقي من الأيام، فيكون محصراً ويحل مكانه لا ينتظر ذهاب الحج. 900 - ومن أحصر [بعدو] بعد أن وقف بعرفة فقد تم حجه ولا يُحِلّه من إحرامه إلا طواف الإفاضة، وعليه لجميع ما فاته من رمي الجمار والمبيت بالمزدلفة وبمنى هدي واحد، كمن ترك رمي الجمار كلها ناسياً حتى زالت أيام منى، فحجه تام وعليه هدي واحد. 901 - وإذا أحرم مكي بالحج من مكة [أو من الحرم] أو رجل دخل معتمراً ففرغ من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة فأحصر بمرض حتى فرغ الناس من حجهم، فلا بد له أن يخرج إلى الحل فيلبي من الحل، ويعمل عمل العمرة ويحج قابلاً ويهدي، ويؤمر من فاته الحج وقد أحرم من مكة أن يخرج إلى الحل فيعمل فيما بقي عليه مما يعمل المعتمر ويحل. 902 - والمحصر بمرض إذا فاته الحج لا يقطع التلبية حتى يدخل أوائل الحرم، ولا يحله من

إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنين، وإن تمادى مرضه إلى حج قابل فمضى على إحرامه الأول وحج به أجزأه من حجة الإسلام ولا دم عليه. 903 - وإذا كان من المحصر بمرض هدي حبسه حتى يصح فينطلق [به] معه، إلا أن يصيبه من ذلك مرض يتطاول عليه [ويخاف] على الهدي فليبعث به ينحر بمكة، ويقيم هو على إحرامه، فإذا صح مضى ولا يحل دون البيت، وعليه إذا دخل وقد فاته الحج هدي آخر مع حجة القضاء، ولا يجزيه عنه هديه الذي بعث، ولو لم يبعثه ما أجزأه أيضاً [ذلك الهدي عن الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج] . 904 - ومن دخل مكة مفرداً بالحج فطاف وسعى، ثم خرج إلى الطائف في حاجة له قبل أيام الموسم، ثم أحصر، أو أحصر بمكة ولم يحضر الموسم مع الناس، لم يجزه الطواف الأول والسعي من إحصاره، ولا يحل إلا بطواف وسعي مؤتنفين.

905 - وكذلك من أحصر بمرض ففاته الحج فقدم مكة فطاف فعليه أن يسعى ولا يحل أحد ممن أحصر بمرض إلا بعد السعي ثم يحلق، والمحصر بمرض إذا أصابه أذى [فحلق] فلينحر هدي الأذى حيث أحب. 906 - قال ابن القاسم: كنت عند مالك سنة خمس وستين ومائة فسئل عن قوم اتهموا بدم وهم محرمون فحبسوا في المدينة فقال: لا يحلهم إلا البيت، ولا يزالون محرمين في حبسهم حتى يقتلوا أو يخلوا فيحلوا بالبيت. 907 - وتحج المرأة مع وليها، فإن أبى أو لم يكن لها ولي ووجدت من يخرج معها من رجال أو نساء مأمونين فلتخرج [معهم] . 908 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت فصده عن البيت عدو، فإن كان أخذه على البلاغ رد ما فضل عن نفقته ذاهباً وراجعاً، وإن كان أجيراً كان له من

الأجر بحساب مسيره إلى موضع صُدّ فيه وردّ ما بقي. 909 - وكذلك لو مات الأجير في الطريق فإنه يحاسب هكذا بقدر ما بلغ من الطريق. وإن أحصر صاحب البلاغ بمرض فلا شيء عليه، وله نفقته في مال البيت ما أقام مريضاً، فإن أقام إلى حج قابل أجزأ ذلك عن الميت، وإن لم يقم إلى حج قابل وقوي على الذهاب قبل ذلك إلى البيت، فله نفقته. (¬1) 910 - ومن كبر ويئس أن يبلغ مكة لكبره [وضعفه] وهو صرورة [أو غير صرورة] فلا يُحج أحداً عن نفسه. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (2/548) ، وحاشية الدسوقي (2/11، 14) .

911 - ومن مات وهو صرورة ولم يوص أن يحج عنه احد، فأراد أن يتطوع عنه بذلك ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي فليتطوع عنه بغير هذا، يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق، فإن أوصى أن يحج عنه أنفذ ذلك، ويحج عنه من [قد] حج أحب إلي، فإن جهلوا فاستأجروا من لم يحج أجزأ عنه، وكذلك إن أوصى بعمرة أنفذت أيضاً. (¬1) 912 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة لم يجز ذلك عن الميت، وعليه أن يحج حجة أخرى عن الميت كما استوجر. 913 - ولو قرن ونوى العمرة عن نفسه والحج عن الميت ضمن [المال] ، لأنه أشرك ¬

(¬1) انظر: كلام العلامة المازري في المعلم بفوائد مسلم (2/108) .

في عملهم غير ما أمروه وعليه دم القران. 914 - ومن حج عن ميت فالنية تجزيه، وإن لم يقل لبيك عن فلان. 915 - ومن حج عن ميت فترك من المناسك شيئاً يجب فيه الدم، فإن كانت الحجة لو كانت عن نفسه أجزته، فهي تجزئ عن الميت، وكل ما لم يتعمد من ذلك أو فعله لضرورة فوجب به عليه هدي أو أغمي عليه أيام منى حتى رمى عنه غيره، أو أصابه أذى فلزمته فدية، كانت الفدية والهدي في مال الميت، وهذا كله في أخذه المال على البلاغ، [وما وجب عليه من ذلك بتعمده فهو في ماله، وأما إن أخذ المال على الإجارة] فكل ما لزمه بتعمد أو خطأ فهو في ماله. 916 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت على البلاغ فسقطت منه نفقته رجع من موضع سقطت، ونفقته في رجوعه عليهم، وإن تمادى ولم يرجع فهو متطوع، ولا شيء عليهم في ذهابه إلا أن تسقط بعد إحرامه فليمض، لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع، وينفق في ذهابه ورجوعه ويكون ذلك على الذي دفع إليه المال، ولو أخذه على الإجارة فسقط فهو ضامن للحج، أحرم أم لم يحرم. 917 - ومن أوصى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً فدفعوها إلى رجل على البلاغ

ففضلت منها عشرون ديناراً، فليرد إلى الورثة ما فضل، كقوله: اشتروا عبد فلان بمائة دينار فاعتقوه عني، فاشتروه بتسعين فالبقية ميراث، وإن قال اعطوا فلاناً أربعين ديناراً يحج عني بها فاستأجروه بثلاثين فالعشرة الفاضلة ميراث. 918 - ومن دفع إليه رجل أربعة عشر ديناراً يتكارى بها من المدينة من يحج عن ميت فاكتراه بعشرة، فليرد الأربعة إلى من دفعها إليه لا لمن حج عن الميت. 919 - وينبغي للأعزب يفيد مالاً أن يحج به قبل أن ينكح، وحجه به أولى من قضائه ديناً على أبيه. * * *

(كتاب الحج الثالث)

(كتاب الحج الثالث) 920 -[قال مالك] وأحب لكل من فاته الحج أن ينفذ لوجهه في عمل العمرة على إهلاله الأول، ولا يهل بالعمرة إهلالاً مستقبلاً، ويقطع التلبية أوائل الحرم، ويحل من إحرامه ذلك، ولا ينتظر قابلاً، وإنما له أن يثبت على إحرامه ذلك إلى قابل ما لم يدخل مكة، فإن دخلها فليطف بالبيت ويسعى ويحل من إحرامه ولا يثبت عليه، فإذا كان قابلاً قضى الحجة التي فاتته وأهراق دماً. قيل: فإن أراد أن يطوف ويسعى قبل أشهر الحج من قابل، ويجعل ذلك لحجة قابل؟. قال: أخاف أن لا يجزيه. ولا ينبغي لمن فاته الحج فأقام على إحرامه إلى أشهر حج قابل أن يحل فيها بعمرة، فإن فعل أجزأه، ثم إن حج من عامه لم يكن متمتعاً، لأنه لم يبتد عمرته وإنما كان إحرامه للحج، فإحلاله منه في عمرة رخصة له، كذلك جاء في

[حديث] هبار بن الأسود وصاحبه حين فاتهما الحج فقال لهما عمر: طوفا وأحلا، وعليكم الحج من قابل والهدي. (¬1) وقد قال ابن القاسم: إن فسخ ذلك في أشهر الحج في عمرة كان فعله باطلاً. وقال أيضاً: إن جهل ففسخ حجه في أشهر الحج في عمرة ثم حج من عامه كان متمتعاً، ولو ثبت على أول إحرامه بعدما دخل مكة حتى حج بإحرامه ذلك قابلاً أجزأه من حجة الإسلام. 921 - وليس لمن فاته الحج أن يحرم بحجة أخرى، فإن فعل لم يلزمه، وهو على إحرامه الأول، وإنما له أن يحل بعمرة، أو يقيم على إحرامه إلى حج قابل فيجزيه حجه. 922 - ومن فاته الحج فأصاب النساء والطيب والصيد، فعليه في ذلك ما على الصحيح الحج، إلا أنه يهريق دم الفساد، ودم الفوات في حجة القضاء، وما أصاب من ¬

(¬1) رواه مالك فيالموطأ (1/383) .

الصيد وتطيب ولبس فليهرق له الدم متى شاء. والهدي عن جماعه قبل أن يفوته الحج أو بعد أن فاته هدي واحد، وليس عليه عمرة أخرى، وطئ بعد أن فاته الحج أو قبل. 923 - ومن فاته الحج فلا يقدم هدي الفوات، وإن خاف الموت، ولا ينحره إلا في حجة القضاء بمنى، فإن اعتمر بعد أن فاته الحج فنحر هدي الفوات في عمرته أجزأه، وقد كان مالك يخففه ثم استثقله. قال ابن قاسم: ولا أحب له أن يفعل إلا بعد [القضاء] ، فإن فعل وحج أجزأ عنه، لأنه لو هلك قبل أن يحج أهدي عنه لمكان ذلك، ولو كان [ذلك] لا يجزيه إلا بعد القضاء ما أهدي عنه بعد الموت. قال: فإن فاته أن ينحره بمنى ساقه إلى الحل، ثم قلده وأشعره إن كان مما يقلد، ثم أدخله مكة فنحره بها وأجزأه. [ومن أفرد الحج ففاته فلا يقضي قارناً وليقض مفرداً، وكذلك لو أفرد الحج ثم

جامع فيه فلا يقضي قارناً فإن فعل لم يجزه، إلا أن يفرد كما أفسد، لأن القارن ليس حجه تاماً كتمام حج المفرد، إلا بما أضاف إليه من الدي، ومن قرن ثم فاته الحج، فلا يفرق القضاء، فيقضي الحج وحده والعمرة وحدها، ولكن يقضي قارناً] ، ولا يقضي قارناً عن إفراد، ولا فرداً عن قران، [فإن فعل لم يجزه] . 924 - ومن جامع زوجته [في الحج] فليفترقا، إذا أحرما بحجة القضاء، ولا يجتمعا حتى يحلا، ويحرم في قضاء الحج أو العمرة من حيث أحرم في الأول، إلا أن يكون إحرامه الأول أبعد من الميقات فليس عليه أن يحرم الثانية إلا من الميقات، فإن تعداه في القضاء أجزأه وكان عليه دم، لأن من أفطر فيقضاء رمضان متعمداً إنما يقضي يوماً بلا كفارة.

925 - وإذا طاف القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض قارناً، لأن طوافه وسعيه إنما كان للعمرة والحج جميعاً، ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على القران صحيحاً لم يلزمه إذا رع من عرفات أن يسعى لحجته، وأجزأه السعي الأول. (¬1) 926 - ومن أفسد حجه بالوطء ولم يتمه حتى أحرم بحجة القضاء، لم يلزمه ذلك ولا قضاؤه، وهو على إحرامه الأول، ولا يكون ما جدد من إحرامه نقضاً لحجته الفاسدة. 927 - ولو جامع في عمرته ثم أحرم بالحج لم يكن قارناًن ولا يردف الحج على العمرة الفاسدة. 928 - وإذا جامع القارن لزمه الآن دم لقرانه ويقضي قابلاً قارناً، وعليه مع ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/98) .

حجة القضاء هدي لقرانه الثاني وهدي لفساده الأول، ولا يجزيه أن يفرق القضاء فيقضي العمرة وحدها والحج وحده، فإن فعل أعاد قارناً، ويهدي إذا قرن هديين كما ذكرنا. 929 - ومن تمتع ثم أفسد حجه فعليه الآن دم المتعة وهدي الفساد عند [حجة] القضاء. 930 - ومن جامع في حجه فأفسده ثم أصاب صيداً أو حلق من أذى، أو تطيب، فإن تأول أو جهل أن ليس عليه إتمام ما أفسد لما لزمه من القضاء فتطيب ولبس وقتل الصيد مراراً عامداً لفعله يرى أن الإحرام سقط عنه فليس عليه إلا فدية واحدة إلا في الصيد فعليه لكل صيد قتله جزاء. وإن لم يتأول ذلك فعليه لكل مرة فدية مثل ما يلزم الصحيح الحج. وأما وطؤه مرة واحدة أو مراراً امرأة واحدة، أو عدداً من النساء فليس عليه

في ذلك إلا هدي واحد، لأنه بالوطء فسد حجه، ولزمه القضاء. 931 - وإن أكره نساءه وهن محرمات أحجهن، وكفر عن كل واحدة [كفارة] ، وإن بِنّ منه ونكحن غيره، فإن طاوعنه فذلك عليهن دونه. 932 - وإذا أدام المحرم التذكر للذة حتى أنزل، أو عبث بذكره فأنزل، أو كان راكباً فهزته الدابة فاستدام ذلك حتى أنزل، أو لمس أو قبل أو باشر فأنزل، أو أدام النظر للذة حتى أنزل فسد حجه، وعليه الحج من قابل والهدي، [وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعل شرار النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت] . فأما إن نظر المحرم فأنزل، ولم يتابع النظر ولا أدامه، أو قبّل أو غمز أو جسّ أو باشر أو تلذذ بشيء من أهله فلم ينزل، ولم تغب الحشفة [منه] في ذلك منها، فعليه لذلك الدم وحجه تام.

933 - وإذا طرح المحرم عن نفسه الحلمة أو القراد أو الحمنان أو البرغوث أو طرح العلقة عن بعيره أو دابته أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شيء عليه، وأما إن طرح الحمنان أو الحلم أو القراد عن بعيره فليطعم. 934 - وكره مالك أن يغسل المحرم رأسه بخطمي، فإن فعل افتدى أي الفداء شاء، وله أن يفعل ذلك إذا حل له الحلاق وهو الشأن، وإن أصابته جنابة صب على رأسه الماء وحركه بيديه، وجائز أن يصب الماء على رأسه وبدنه لحر بجده أو لغير حر. 935 - قال مالك: وأكره له غمس رأسه في الماء، خيفة قتل الدواب، فإن فعل

أطعم شيئاً، وأكره للصائم الحلال غمس رأسه في الماء، فإن فعل لم يقض، إلا أن يدخل الماء حلقه. 936 - وأكره للمحرم دخول الحمام، لأنه ينقي وسخه، فإن دخله افتدى إذا تدلك وأنقى الوسخ، وأكره أن يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب، إلا أن يصيب ثوبه نجاسة فيغسله بالماء وحده، لا بالحرض. وجائز [له] أن يبدل ثوبه الذي أحرم فيه أو يبيعه. (¬1) 940 - وأكره أن يدخل منكبيه في القباء، وإن لم يدخل يديه في كميه ولا زره عليه، لأن ذلك دخول فيه ولباس له. 941 - وجائز أن يطرح قميصه على ظهره يرتدي به من غير أن يدخل فيه، وجائز ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/98) .

أن يحتبي، ولا يزرر الطيلسان على نفسه ولا يخلل عليه كساء، وجائز أن يتوشح بثوبه ما لم يعقد ذلك، فإن عقده على نفسه أو خلل كساه أو لبس قميصه، فإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى، وإن نزعه مكانه أو حل الثوب الذي عقده مكانه فلا شيء عليه. 942 - وجائز للمحرمة [وغير المحرمة] لباس الخز والحرير والعصب والحلي والسراويل [والخف] ، ويكره لهن لباس القباء في الإحرام وغيره لحرة أو أمة لأنه يصفهن. 943 - ويكره للمحرم لبس الجوربين، فإذا لم يجد نعلين ووجد خفين قطعهما من أسفل

الكعبين ولا شيء عليه، فإن لبسهما لضرورة بقدميه وهو يجد نعلين افتدى، لأنه متداوٍ بخلاف الأول. 944 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، و [إحرام] المرأة في وجهها [وكفيها] ، والذقن هما فيه سواء، لا بأس بتغطيته [لهما] ، وإن غطى المحرم رأسه ووجهه ناسياً أو جاهلاً، فإن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه حتى انتفع به افتدى، وكذلك المحرمة إن غطت وجهها مثل الرجل. 945 - ووسع لها مالك أن تسدل رداءها من فوق رأسها [على وجهها] إذا أرادت ستراً، وإن لم ترد ستراً فلا تسدل. قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكاً كان يأمرها إذا أسدلت رداءها أن تجافيه عن وجهها، ولا علمت أنه كان [ينهاها] عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته، فإن رفعته من أسفل وجهها افتدت، لأنه لا يثبت حتى تعقده بخلاف السدل.

946 - ويكره لها أن تتبرقع وإن جافته عن وجهها، أو تلبس القفازين، فإن فعلت افتدت كفدية الرجل. 947 - وما جره المحرم على وجهه من لحافه وهو نائم فانتبه فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال، بخلاف المستيقظ. 948 - ولو نام فغطى رجل رأسه ووجهه أو طيبه أو حلق رأسه، ثم انتبه فلينزع ذلك ويغسل الطيب [عنه] ، ولا شيء عليه، والفدية على من فعل ذلك به. 949 - ولو تقلب في نومه على جراد أو فراخ حمام أو ذباب أو غيره من الصيد فقتله، فعليه الكفارة. 950 - وجائز أن يحمل على رأسه إذا كان راجلاً ما لا بد له منه، مثل خرجه

فيه زاده، أو جرابه، ولا يحمل ذلك لغيره طوعاً ولا بإجارة، فإن فعل افتدى، ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بزّ أو سقط ولا يتجر فيما يغطي به رأسه في إحرامه. 951 - وجائز أن يشد منطقته التي فيها نفقته على وسطه ويدخل السيور في الثقب ويربطها من تحت إزاره، فإن ربطها من فوقه افتدى، لأنه احتزم من فوق إزاره، والمحرم لا يحتزم بحبل ولا بخيط إذا لم يرد العمل، فإن فعل افتدى، وإن أراد العمل فجائز أن يحتزم، ولم يوسع له أن يشدّها إلا في وسطه، ويكره أن يجعلها في عضده أو فخذه أو ساقه، فإن فعل فأرجو أن يكون خفيفاً، ولا فدية عليه. ولا يحمل نفقة غيره فيها ويشدها على بطنه، فإن فعل افتدى، وإنما أرخص له في حمل نفقته للضرورة، ولو ربطها أولاً لنفقته ثم أودعه رجل نفقة فجعلها فيها فلا شيء عليه، لأن أصل ما شدها لنفسه. وإن ألجئ المحرم إلى تقليد السيف فلا بأس به.

952 - وجائز أن يعصب على جراحه خرقاً ويفتدي، وإن عصب رأسه من صداع أو عصّب رأسه أو جسده من خراج [أو جرح] أو عصب على بعض جسده من غير علّة، أو ربط الجبائر علىكسر أصابه أو ألصق على صدغيه مثل ما يصنع الناس، افتدى، فإن شاء صام أو أطعم أو نسك، ولو ألصق على قروح به خرقاً صغاراً فلا شيء عليه، وإن كانت خرقاً كباراً افتدى. 953 - وإن خضب رأسه ولحيته بحناء أو بوسمة أو خضبت المرأة المحرمة يديها أو رجليها أو رأسها أو طرّفت أصابعها بحناء فليفتديا، وإن خضب الرجل أصبعه بحناء لجرح أصابه، فإن كانت رقعة كبيرة افتدى، وإن كانت صغيرة فلا شيء عليه.

954 - وإن داوى جرحه بما فيه طيب برقعة صغيرة أوكبيرة فليفتد، بخلاف الحناء، لأن الحناء هي طيب مثل الريحان، وليس بمنزلة المؤنث من الطيب. 955 - ويكره له شم الطيب، وإن لم يمسه بيده أو بمنخريه، إذا كان قريباً منه يمسه أو يشمه أو يمر في موضع العطارين، أو يشم الريحان والياسمين والورد والخيريّ والبنفسج، وشبهه، فإن تعمد شم شيء من ذلك فلا فدية عليه. وإن مسّ الطيب بيده افتدى، لصق بيده أم لا. 956 - ولا شيء عليه فيما لصق بيده من خلوق الكعبة، إذ لا يكاد يسلم منه. ولا

تخلق الكعبة أيام الحج، ويقام العطارون [من] بين الصفا والمروة أيام الحج. 957 - ويكره له أن يتوضأ [أو يغسل يديه] بالريحان أو يغسل يديه بالأُشّنان المطيبة بالريحان، فإن فعل فلا فدية عليه، وإن كان طيب الأشنان بالطيب افتدى. وجائز أن يتوضأ بالحرض أو يغسل يديه بأشنان غير مطيب أو بغاسول وشبهه. 958 - وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علّة، أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى، وإن دهن شقوقاً في [يديه أو] رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شيء عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى. 959 - وما فعله القارن من إماطة أذى، أو طيب، أو نقص من حجه، فكفارة واحدة تجزيه لا كفارتين.

960 - وإن جعل المحرم في أذنيه قطناً لشيء وجده فيهما افتدى، كان في القطنة طيب أم لا. 961 - ويكره للمحرم والحلال شرب الماء فيه الكافور لناحية السرف، وإن شرب المحرم دواء فيه طيب افتدى، ويكره له أن يشرب شراباً فيه كافور، وأن يأكل مرقة مزعفرة فإن فعل افتدى، وإن أكل طعاماً مسته النار فيه [كافور أو] ورس أو زعفران فلا شيء عليه، وإن لم تمسه النار فلا خير فيه. 962 - وإن دهن رأسه بزيت أو زنبق أو بان أو بنفسج أو بشيرج الجلجلان أو بزيت الفجل وشبه ذلك افتدى، كان شيء من ذلك مطيباً أم لا.

963 - وجائز أن يأتدم بدهن الجلجلان وهو كالسمن، ويكره أن يأتدم [بدهن] الزنبق والبنفسج وشبهه، أو يستسعط بذلك، وجائز أن يستسعط بالزيت والسمن ويأكله. 964 - وله أن يكحل عينيه لحر يجده بالإثمد وغيره، إلا أن يكون فيه طيب فليفتد، ويكره [له] أن يكتحل لزينة، فإن فعل افتدى، ولا تكتحل المرأة لزينة، ولا بالإثمد لغير زينة، لأنه زينة لها، فإن اكتحلت بالإثمد لزينة افتدت، وإن كان لضرورة فلا فدية عليها، لأن الإثمد ليس بطيب وكذلك الرجل. 965 - ولا يحلق المحرم رأس حلال فإن فعل قال مالك: يفتدي. قال ابن القاسم: يتصدق بشيء من طعام. 966 - ولو حجمه فحلق موضع المحاجم، فإن أيقن أنه لم يقتل دواب فلا شيء عليه، ولو اضطر محرم إلى الحجامة جاز لمحرم [و] غيره أن يحلق [له] موضع المحاجم

ويحجمه إذا أيقن أنه لا يقل دواب، والفدية على المفعول به ذلك، وإن لم يضطر إلى ذلك فلا يفعله، وإن دعا محرماً غيره إلى أن يفعل [به] ذلك فلا يعينه عليه، وإن أيقن أنه لا يقتل دواب، فإن فعل فلا شيء على الحجام والفدية على المحرم. 967 - وإن قلم محرم أظفار حلال فلا بأس به، ولا ينبغي لمحرم أن يقلم أظفاره، فإن فعل ناسياً أو جاهلاً افتدى، وإن قلمت له بأمره فعليه الفدية، وإن كان مكرهاً أو نائماً فالفدية على الفاعل به ذلك من حلال أو حرام، وإن قلم ظفراً واحداً لإماطة أذى افتدى، وإن لم يمط به] عنه أذى أطعم شيئاً من طعام، فإن انكسر ظفره فليقلمه ولا شيء عليه، وإن أصابت أصابعه قروح فاحتاج أن يداويها ولم يصل إلى ذلك إلا بقص أظفاره افتدى كفدية من أماط الشعر من الأذى. قيل [له] : فإن أخذ من شاربه؟. قال: قال مالك: من نتف شعره أو شعرات يسيرة أطعم شيئاً من طعام كان جاهلاً أو ناسياً، وإن نتف ما أماط به عنه أذى افتدى.

968 - ولم يجد مالك فيما دون إماطة الأذى أكثر من حفنة في شيء من الأشياء، وقال في قملة أو قملات حفنة من طعام، والحفنة ملء يد واحدة. ولا شيء عليه فيما انقلع عند وضوئه من لحيته أو رأسه أو أنفه إذا امتخط أو ما حلق الإكاف والسرج في الركوب من ساقيه، وهذا خفيف لا بد للناس منه. 969 - وإذا لبس قلنسوة أو عمامة لوجع في رأسه ثم نزعها فعاد إليه ذلك المرض فلبسها، قال مالك: الشأن فيه إن كان [أعاد] نزعها على البرء وتركها فعليه فديتان، وإن كان نوى حين نزعها إن عاد إليه وجعه أعادها ففدية واحدة. 970 - وإن وطئ مرة بعد مرة، أو لبس الثياب لوجع [به] مرة بعد مرة ونوى أن يلبسها إلى برئه يخلعها بالليل ويلبسها بالنهار، فمضى لذلك عشرة أيام، أو لم يكن به أذى ونوى أن يلبسها كذلك عشرة أيام حمقاً أو جهلاً [أو جرأة] أو نسياناً، فإنما عليه كفارة واحدة في كل ما لبس أو وطئ، لأنه على نيته في لبسها، وكذلك

المعتمر الذي طاف على غير وضوء فلبس الثياب إنما عليه فدية واحدة، لأنه إنما أراد بذلك لباساً واحداً. 971 - وما أصاب هذا المحرم من صيد مرة بعد مرة، أو طيب مرة بعد مرة، فعليه لكل صيد جزاء، وكذلك الطيب لكل مرة فدية [إلا أن يكون به جرح أو قرحة فنوى أن يتعالج بدواء فيه طيب حتى يبرأ فإنما عليه كفارة واحدة، وإن لم ينو ذلك فلكل مرة فدية] وإن ظهرت به قرحة أخرى فداواها بذلك الدواء الذي فيه طيب فعليه كفارة أخرى، وإن أصابه رمد فداواه [بدواء فيه طيب مراراً، فعليه كفارة واحدة، فإن انقطع رمده ذلك ثم رمد بعد ذلك] فداواه فعليه فدية أخرى، لأن هذا وجع غير الأول. 972 - وإن احتاج في فور واحد إلى لباس أصناف لضرورة فلبس خفين [وقلنسوة] وقميصاً وسراويل ونحوه فعليه في ذلك كفارة واحدة، وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ثم احتاج بعد ذلك إلى قميص فلبسه فعليه كفارتان. 973 - وإن قلم اليوم أظفار يده، وفي غد أظفار يده الأخرى، فعليه فديتان.

وإن لبس الثياب وتطيب وحلق شعره وقلم أظفاره في فور واحد لم تلزمه [في ذلك] إلا فدية واحدة، وإن فعل ذلك شيئاً بعد شيء ففي كل وجه فدية. وكذلك قال مالك في محرمة أصابتها حمى فتعالجت بأدوية مختلفة فيها طيب فقال: إن كان ذلك في موضع واحد، وكان ذلك قريباً بعضه من بعض فليس عليها لذلك [كله] إلا فدية واحدة. 974 - وهذه فدية الأذى التي ذكرناها في إماطة الأذى وما ضارعه من اللباس والطيب [وغيره] ، مما يفعله [الحاج] لحاجة لا يحكم فيه الحكمان، والرجل فيها مخير كما قال الله تعالى: ×فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ% (¬1) ، [وكذلك الذي يلبس أو يتطيب جهلاً من غير أذى يخير فيا ذكرنا كما يخير من فعله من أذى] . ¬

(¬1) سورة البقرة: آية (196) .

975 - والنسك شاة يذبحها أين شاء من البلاد، [إذا ذبحها بمكة أو بمنة لم يكن عليه وقوفها بعرفة ولا خروجها إلى الحل وإن لم يدخلها منه، وكذلك له الإطعام والصيام حيث شاء من البلاد] والصيام ثلاثة أيام، والإطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي ÷ من عيش [أهل] ذلك [البلد] من بر أو شعير، ولا يجزئ أن يغدي أو يعشي، لأن النبي ÷ سمى مدين، وأجزأ في كفارة اليمين لأنها مد مد، والغداء والعشاء أفضل [من] مُد. (¬1) 976 - ويجوز للمحرم قتل سباع الوحش والنمور التي تعدو وتفترس، يبتدئها وإن لم تبتده ولا شيء عليه في ذلك. (¬2) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل (3/174) . (¬2) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (4/64، 65) .

ولا يقتل صغار أولادها التي لا تعدو ولا تفترس، [فإن قتلها فلا شيء عليه] . 977 - ويكره له قتل الهر الوحشي والثعلب والضبع، فإن فعل فعليه جزاؤهم إلا أن يبتدئوا أذاه فلا شيء [عليه] [فيهم] . 978 - ويكره له قتل سباع الطير كلها وغير سباعها، فإن قتل سباعها فعليه الجزاء إلا أن تعدو عليه ويخافها على نفسه فيقتلها، ولا جزاء عليه، لأنه لو عدا عليه رجل يريد قتله فدفعه عن نفسه فقتله لم يلزمه شيء. 979 - ولا بأس بصيد البحر كله للمحرم، والأنهار والغدر والبرك، وإن أصاب من طير الماء شيئاً فعليه جزاؤه، ويؤكل صيد البحر الطافي وغير الطافي، والضفدع، وترس الماء من صيد البحر، وهذه السلحفاة التي تكون في البراري هي من صيد البر، إذا ذكيت أكلت، ولا تحل إلا بذكاة ولا يصيدها المحرم. 980 - ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئاً يبس أو لم ييبس، فإن فعل فليستغفر الله [ولا شيء عليه] .

981 - ولا بأس بقطع ما أنبته الناس في الحرم من الشجر، مثل النخل والرمان والفاكهة كلها والبقل كله، [و] الكراث (¬1) ، والخص (¬2) والسلق (¬3) وشبهه والسنا (¬4) والإذخر. 982 - وجائز الرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشجر. وأكره أن يَحْتَشّ في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام في الحلّن فإن سلموا من قتل الدواب فلا شيء عليهم وأكره لهم ذلك. ونهى رسول الله ÷ عن الخبط (¬5) وقال: هشوا وارعوا (¬6) . وقال مالك رحمه الله: الهش تحريك الشجرة بالمحجن ليقع الورق، ولا يخبط، ولا يعضد، ومعنى العضد: الكسر. ¬

(¬1) الكراث: عشبة معمرة ذو بصلة أرضية تخرج منها أوراق مفلطحة ليست جوفاء، وهي معروفة. (¬2) الخس: نبات عشبي عريض الأوراق، يؤكل نيئاً، وهو معروف. (¬3) السلق: بقلة لها ورق طوال، يؤكل مطبوخاً مضافاً لبعض الخضروات، وهو معروف. (¬4) السنا: نبات شجري زهره مصفر، وحبه مفلطح، رقيق كلوي الشكل تقريباً إلى الطول، يستعمل مسهلاً للتداوي، ويعرف بالنسامكي. (¬5) الخبط: ما سقط من ورق الشجر بالخبط والنفض. (¬6) رواه أبو داود (2039) ، عن جابر مرفوعاً.

983 - وكره مالك - رحمه الله - أن يذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي، والحمام الرومية [الألوف] التي لا تطير، وإنما تتخذ للفراخ، لأنها من أصل ما يطير. 984 - وجائز أن يذبح الأوز والدجاج، لأن أصلها ليس مما يطير، وجائز أن يذبح الحلال بمكة الحمام الأنسي، والوحشي، والصيد يدخله من الحل فيذبحه في الحرم، لأن شأن أهل مكة في ذلك يطول، فهم محلون في ديارهم، والمحرم إنما يقيم محرماً أياماً قلائل. قال مالك: وما أدركت أحداً ممن أقتدي به يكره ذلك إلا عطاء بن أبي رباح ثم أجازه. 985 - وما وقع من الجراد في الحرم فلا يصيده حلال ولا حرام، ولا يصاد الجراد في حرم المدينة، ونهى مالك عن الصيد في حرمها، ولم ير فيما قتل من الصيد في حرمها جزاء. 986 - وليس في جراح الصيد شيء إذا أيقن أنها سلمت من ذلك الجراح، ولو ضرب المحرم فسطاطه فتعلق بأطنابه صيد فعطب، أو حفر بئراً للماء فعطب

فيه صيد، فلا جزاء عليه، وذلك فعل الصيد بنفسه، كمن حفر بئراً بموضع يجوز له فمات فيه رجل، فلا دية عليه. 987 - وإن رأى الصيد محرماً ففزع منه فأحضر فمات من حضره، فعلى المحرم جزاؤه. وإن نصب شركاً للذئب والسباع مخافة على غنمه أو دابته أو [على] نفسه فوقع فيه صيد ظبي أو غيره [فعطب] ، فعليه الجزاء، كمن حفر في منزله بئراً للسارق، أو عمل في داره شيئاً ليتلف به السارق فهو ضامن إن وقع فيه سارق فمات، ولو وقع فيه غير السارق فمات ضمن ديته. 988 - وإذا أمر المحرم عبده أن يرسل صيداً كان معه فظن العبد أنه أمره أن يذبحه فذبحه فعلى السيد الجزاء، وإن كان العبد محرماً فعليه الجزاء أيضاً، ولا ينفعه خطؤه، ولو امره [بذبحه فأطاعه] فذبحه كان عليهما جميعاً الجزاء. 989 - وإذا دل المحرم على صيد محرماً أو حلالاً فقتله المدلول عليه، فليستغفر الله الدال ولا شيء عليه، وكذلك إن أشار أو أمر بقتله فلا شيء عليه، إلا أن يكون المأمور عبده فيكون على الآمر جزاء واحد، وقد أساء، وعلى القاتل الجزاء إن كان محرماً، وإن كان حلالاً فلا شيء عليه.

990 - وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد [في الحرم] ، أو اجتمع محلون على قتل صيد يف الحرم، أو محل ومحرم قتلا صيداً [في الحرم] ، فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملاً، ولا يزاد على المحرم لإحرامه شيء فوق الجزاء. [قلت فلو اجتمع محرمون على صيد فجرحه كل واحد منهم جرحاً؟. قال: قال مالك] : إذا جرح محرم صيداً فغاب عنه [الصيد] فعليه جزاؤه. 991 - وإذا أمسك محرم صيداً لغير القتل، وإنما أراد أن يرسله فقتله حرام فعلى القاتل جزاؤه [وإن قتله حلال فعلى الماسك جزاؤه، لأن قتله من سببه، وإن أمسكه لمن يقتله، فإن قتله محرم فعليهما جزاءان، وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه] ، ولا شيء على الحلال. 992 - ومن أحرم [و] في بيته صيد فلا شيء عليه فيه ولا يرسله، وإن أحرم هو في يده أو يقوده أو في قفص معه فليرسله ولا يأخذه حتى يحل، وإن أرسله من

يده حرام أو حلال لم يضمن له شيئاً، لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه. ألا ترى أن مالكاً قال في حلال أخذ صيداً فأفلت منه فأخذه غيره، فإن كان بحدثان ذلك رده إليه، وإن طال ولحق بالوحش كان لمن أخذه [آخراً] ، وزال ملك الأول عنه وهذا حين أحرم زال ملكه عن الصيد، ألا ترى أنه لو حبسه معه حتى يحل أو بعث به إلى بيته بعدما أحرم وهو بيده ثم حل وجب عليه إرساله، ورأى بعض الناس أن له حبسه، لأنه قد حل، ولا آخذ به. 993 - وما صاد في إحرامه فليرسله، فإن لم يفعل حتى أرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن له [شيئاً] ، وإن صاده في إحرامه أو أحرم وهو بيده فأتاه مرم ليرسله من يده فتنازعاه فقتلاه بينهما فعلى كل واحد منهما الجزاء، وإن

نازعه حلال فعلى المحرم الجزاء ولا قيمة له على الحلال، ولا يضمنان [أيضاً] له الجزاء، لأن القتل جاء من قبله حين منعهما من إرساله. 994 - ومن طرد صيداً فأخرجه من الحرم فعليه جزاؤه [ولا يؤكل] ، وإن رمى صيداُ في الحرم [من الحلّ] أو في الحل من الحرم [فقتله] فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن رمى صيداً في الحل وهو في الحل فهرب الصيد فتبعته الرمية فأصابته في الحرم فعليه جزاؤه. 995 - وإن أرسل كلبه أو بازه قرب الحرم، وهو والصيد جميعاً في الحل فأخذه [في الحل] فلا شيء عليه، وإن أخذه في الحرم فقتله فيه أو طلبه حتى أدخله الحرم ثم أخرجه [منه] فقتله في الحل [فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن أرسل كلبه أو بازه في بُعْد من الحرم، فقتل الصيد في الحرم، أو أدخله الحرم ثم أخرجه منه

فقتله في الحل] فلا يؤكل، ولا جزاء عليه، لأنه لم يغرر بالإرسال. 996 - وإن أرسل كلبه على صيد في الحرم فأشلاه رجل آخر فأخذ الصيد، فإن انشلا الكلب بإشلائه فعلى الذي أشلاه الجزاء [أيضاً، وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيداً فعليه الجزاء] . وإن صاد طيراً فنتفه ثم حبسه حتى نسل فطار فلا شيء عليه. 997 - والجزاء على قاتل الصيد عمداً أو خطأ كان أول ما أصابه أو كان قد أصابه قبل ذلك. 998 - وإن أصاب الصيد والنساء والطيب مراراً على وجه الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لكل صيد جزاؤه، ولجميع لبسه وطيبه كفارة واحدة، وكذلك لتكرار الجماع كفارة واحدة.

999 - ومن قتل صيداً في الحل بعد رمي جمرة العقبة فعليه الجزاء، وإن كان بعد الإفاضة وقبل الحلاق فلا شيء عليه. وكذلك المعتمر إن أصاب صيداً في الحل فيما بين طوافه وسعيه فعليه الجزاء، وإن أصابه بعد السعي قبل الحلاق فلا جزاء عليه. 1000 - وما ذبح المحرم من الصيد بيده أو صاده بكلبه أو بازه فأدى جزاءه فلا يأكله حلال ولا حرام، فإن أكل هو من لحمه لم يكن عليه جزاء آخر، ولا قيمة ما أكل، لأنه أكل لحم ميتة. وما ذبح من أجل محرم بأمره أو بغير أمره، ولي ذبحه حلال أو حرام فلا يأكله محرم ولا حلال، ولم يأخذ مالك بحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين قال لأصحابه: إنما صيد من أجلي فكلوا، وأبى أن ياكل.

1001 - وإذا أصاب القارن صيداً فعليه جزاء واحد، وإذا قتل المحرم بازياً معلماً فعليه جزاؤه غير معلم وعليه قيمته لربه معلماً. 1002 - وإذا أحرم الأخرس فأصاب صيداً حكم عليه كما يحكم على غيره، وإذا حج بالصبي لصغير الذي لا يعقل أبوه فأصاب صيداً ولبس وتطيب فالجزاء والفدية على الأب، وإن كان للصبي مال، وكذلك كل شيء وجب على الصبي من الدم في الحج فذلك على والده، لأنه أحجه، ولا يصوم عنه والده في الجزاء والفدية ولكن يطعم عنه أو يهدي. 1003 - وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما لزمه من جزاء صيد خطأ أو فدية لإماطة أذى من ضرورة أو فوات حج [أصابه] لم يتخلف له عامداً، فلزمه هدي، فذلك كله على العبد، وليس له أن يخرج ذلك من مال سيده إلا بإذنه، وإن لم يأذن له صام، ولا يمنعه سيده من الصوم، وإن أضر به إلا أن يُفدي عنه أو يُطعم.

1004 - وما أصاب العبد عمداً مما وجب به عليه الهدي أو الفدية، فلسيده أن يمنعه أن يفتدي بالنسك أو الصدقة، ولا يمنعه من الصوم إلا أن يضر به في عمله فيمنعه [منه] [إن شاء] ، وكذلك العبد إذا ظاهر لا سبيل له إلى زوجته حتى يكفر، ولا يمنعه سيده من الصوم إلا أن يضر به في عمله، فيمنعه إن شاء، لأنه أدخل الظهار على نفسه، وليس له أن يضر سيده. 1005 - وإذا كسر محرم [أو حلال] بيض طير وحشي في الحرم وفيه فرخ أم لا، أو أخرج منه الفرخ حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل صارخاً فعليه عشر ثمن أمه. وإن استهل الفرخ من بعد الكسر صارخاً فعليه الجزاء كاملاً كجزاء كبير [ذلك] الطير، وهذا كالحرة لو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً أو حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل [صارخاً] ، فليس عليه إلا عشر دية أمه ولا

قسامة فيه، وإن خرج حياً فاستهل صارخاً فعليه الدية كاملة بقسامة. 1005 - وإن أصاب محرم أو حلال بيض حمام مكة فعليه عشر دية أمه وفي أمه شاة. وإذا شوى المحرم بيض النعام أوكسره فأخرج جزاءه لم يصلح كله لحلال ولا لحرام. 1006 - وإن أفسد [المحرم] وكر طير فلا شيء عليه، إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه في البيض ما على المحرم في الفراخ، لأنه لما أفسد الوكر فقد عرض البيض والفراخ للهلاك. (¬1) 1007 - وإن ضرب بطن عنز من الظبا فألقت جنيناً ميتاً وسلمت الأم، فعليه في الجنين عشر قيمة أمه، ولو ماتت العنز بعد ذلك كان عليه مع ذلك جزاؤها أيضاً، ولو استهل جنين العنز ثم مات وماتت أمه [كان عليه جزاءان، ولو ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت بعده كان في الجنين عشر دية أمه وفي ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/114) ، والذخيرة للقرافي (3/328) .

المرأة دية كاملة تحمل ذلك كله العاقلة، ولو استهل الجنين صارخاً ثم مات وماتت أنه ففيهما] على العاقلة ديتان بقسامة، ويحكم في جنين العنز إذا استهل صارخاً كما يحكم في كبار الظبا، ويحكم في صغير كل شيء أصابه من الصيد مثل ما يحكم في كباره، كمساواة الحر الكبير الصغير في ديته. 1008 - ويحكم في جزاء الصيد حكمان كما قال الله تعالى (¬1) ، ولا يكونان إلا عدلين فقيهين، ويجوز أن يكونا دون الإمام ولا يكتفيان من الجزاء بما روي وليبتديا بالاجتهاد، ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى، وإن حكما فاختلفا ابتدأ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد. 1009 - وإن أخطأ خطأً بيناً فحكما بشاة فيما فيه بدنة أو بقرة أو ببدنة فيما فيه شاة انتقض حكمهما ويؤتنف الحكم [فيه] . (¬2) ¬

(¬1) في سورة المائدة آية (95) . (¬2) انظر: الذخيرة (3/330) .

1010 - والمحكوم عليه مخير إن شاء أن يحكما عليه بجزاء ما أصاب من النعم، أو بالصيام أو بالطعام، كما قال الله تعالى، فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام يحكمان عليه [به] هما أو غيرهما، فذلك له. (¬1) 1011 - وأدنى ما يجزئ في جزاء الصيد الجذع من الضأن والثني ما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه طعام أو صيام، ولا يحكم بجَفْرة ولا بعَناق ولا بدون السن. (¬2) 1012 - وإن أرادا أن يحكما عليه بالطعام فليقوّما الصيد [نفسه حياً] بالطعام، ولا يقوّما جزاءه من النعم، ولو قُوّم الصيد بدراهم ثم اشترى بها طعاماً، رجوت أن ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (3/330، 331) . (¬2) انظر: الذخيرة (3/332) .

يكون واسعاً، ولكن تقويمه بالطعام أصوب. 1013 - ثم إن شاء الصوم صام عدد أمداد الطعام أياماً بمد النبي ÷، وإن جاوز ذلك شهرين أو ثلاثة، وأحب غلي أن يصوم لكسر المد يوماً. 1014 - ويقوم الصيد بطعام ولا ينظر إلى فراهيته وجماله، ولكن قيمته على الحال التي كان عليها حين أصابه، وكذلك البازي، [و] الفاره وغير الفاره في الحكم سواء، ويقوم بالحنطة، فإن قوم شعيراً أو تمراً أجزأ إذا كان ذلك طعام ذلك الموضع، ويتصدق على كل مسكين من ذلك مداً بمد النبي ÷. قيل: أيقوم الصيد بشيء من [الطعام] القطاني أو بزبيب أو أقط وهو عيش [أهل] ذلك الموضع؟. قال: يجزئ فيه ما يجزئ في كفارة الأيمان، ولا يجزئ فيه ما لا يجزئ في كفارة الأيمان، ولو قوم عليه طعام فأعطى المساكين قيمة الطعام دراهم أو

عرضاً لم يجزه، فإن حكم في الجزاء بثلاثين مداً فأطعم عشرين مسكيناً ولم يجد تمام الثلاثين فله أن يذبح الجزاء ولا يجزئه أن يصوم مكان العشرة، وإنما هو طعام كله، أو صيام كله كالظهار. والصوم في كفارة الصيد متتابع أحب إلي، وإن فرق أجزأه. 1015 - ولا يبلغ شيء من جزاء الصيد دمين، وليس شيء من الصيد إلا وله نظير من النعم، وإن أصاب نظيره من الإبل فقال: احكموا علي من الغنم ما يكون مثل البعير أو مثل قيمته فلا يحكم عليه إلا بنظير ما أصاب، إن كان من الإبل فمن الإبل، وإن كان من البقر فمن البقر، وإن كان من الغنم فمن الغنم لقول الله تبارك وتعالى ×فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ% (¬1) ، وإنما ينظر ¬

(¬1) سورة المائدة: آية (95) .

إلى مثله من النعم في نحوه وعظمه. (¬1) 1016 - وجزاء الصيد [وغيره] من الهدايا لا ينحر أو يذبح إلا بمكة أو بمنى، إن وقفه بعرفة نحره بمنى، وإن لم يوقفه بعرقة سيق من الحل ونحر بمكة، فإن كان أوقفع بعرفة ولم ينحره أيام النحر بمنى نحره بمكة ولا يخرجه إلى الحل ثانية، وإنما يحكم عليه في الجزاء بالطعام بالموضع الذي أصاب فيه الصيد، ثم لا يطعم في غير ذلك المكان. قال مالك رحمه الله: يحكم عليه بالمدينة ويطعم بمصر؟ إنكاراً لمن يفعل ذلك. قال ابن القاسم: يريد إن فعل لم يجزه. وأما الصيام في الجزاء [والنسك] فحيث شاء من البلاد. 1017 - وإذا حكما عليه بالجزاء فله أن يهديه متى شاء، إن شاء أهداه وهو حلال أو حرام ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى، وأن قلده وهو معتمر أو بعث به نحر بمكة. ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (3/333) .

1018 - وإذا أصاب المحرم اليربوع والضب والأرنب وشبهه حُكم عليه بقيمته طعاماً وخُيّر المحرم، فإن شاء أطعم كل مسكين مداً، أو صام لكل مد يوماً. 1019 - وفي حمام مكة والحرم شاة، وأما دُبْسِيّ الحرم وقمريه فإن كان من الحمام عند الناس ففيه شاة، واليمام مثل الحمام، وأما حمام غير مكة والحرم ففيه حكومة. 1020 - وإذا وطئ الرجل ببعيره على ذباب أو ذر أو [نمل] فقتلهن فليتصدق بشيء من الطعام. * * *

(كتاب الصيد)

(كتاب الصيد) 1021 - والمعلَّم من كلب أو باز هو الذي إذا زُجر انزجر، وإذا أرسل أطاع، ولا بد من التسمية عند الرمي، وعند إرسال الجوارح وعند الذبح. فإن نسي في ذلك كله التسمية أكل وسمى الله، وإن ترك التسمية عامداً لم تؤكل، ومن

أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثاً، فقال العبد: قد سميت، ولم يسمعه السيد جاز أن يصدقه ويأكل ما ذبح إلا أن يتركه تنزهاً. وإن أرسل مسلم ومجوسي كلباً، أو أرسل مجوسي كلب مسلم لم يؤكل ما صاد، وإن أرسل مسلم كلباً معلماً لمجوسي أُكل صيده. 1022 - ومن توارى عنه كلبه والصيد ثم وجده ميتاً فيه أثر كلبه أو بازه أو سهمه أكله ما لم يبت، فإن بات لم يأكله وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه بعينه، قال مالك: وتلك السنة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/218) ، وقد أشار إلى حديث ابن عباس الذي رواه عبد الرزاق في المصنف (4/451، 460) ، وكذلك ابن أبي شيبة (4/615) ، والنسائي في الكبرى (9/241) .

1023 - ولو لم يبت إلا أنه لما توارى عنه الجارح والصيد رجع الرجل إلى بيته ثم عاد فأصابه من يومه لم يؤكل إذ لعله [لو] كان في الطلب ولم يفرط أدرك ذكاته قبل فوات نفسه، أو قبل إنفاذ مقاتله ففرط حين رجع. 1024 - وإذا أدرك الصيد لم تنفذ الجوارح مقاتله فتركها حتى قتلته لم يؤكل. ولو اشتغل بإخراج سكين من خُرجه أو بانتظار من هي معه من عبده (¬1) أو غيره حتى تقتله الجوارح، أو يموت وقد اعتزلت الجوارح عنه لم يؤكل، لأنه أدركه حياً، ولو شاء أن يذكيه ذكاه، إلا أن يدركه وقد أنفذت الجوارح مقاتله فلا بأس بأكله. 1025 - وإن أكل الكلب أكثر الصيد أُكل بقيته ما لم [يبت، ¬

(¬1) لحديث أبي ثعلبة الخشني في أبي داود (3/109) .

وهو] [و] إن أكل من كل ما أخذ فهو معلّم. 1026 - وإن أدرك المنفوذ مقاتله يضطرب فمستحسن أن يفري أوداجه فإن لم يفعل وتركه حتى مات أكله ولا شيء عليه، وإن لم تنفذ مقاتله وقدر على خلاصه من الجوارح للذكاة فلا يؤكل إلا بذكاة، وإن غلبته عليه ولم يقدر على خلاصه منها، ولم يفرّط حتى فات بنفسه أُكل إن نيبته، وإن لم يقدر على خلاصه منها وقدر أن يذكيه تحتها فليفعل، فإن لم يذكه فلا يأكله، ولو قدر على خلاصه منها فذكاه وهو في أفواهها تنهشه فلا يؤكل، إذ لعله من نهشها مات، إلا أن يوقن أنه ذكاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تنفذ هي مقاتله، فيجوز أكله، وبئس ما صنع، وإن أدركه وقد فرى الكلب أو البازي أو السهم أوداجه، فقد فرغ من ذكاته، وإن أدركه غير منفوذ المقاتل

والكلاب تنهشه وليس معه ما يذكيه به فتركه حتى مات بقتلها، لم يؤكل. ولو بادر لذبحه ولم يفرط ففات بنفسه لأُكل. (¬1) 1027 - والفهد وجميع السباع إذا عُلّمت فهي كالكلب. قلت: فجميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البازات؟ قال: لا أدري ما مسألتك هذه، ولكن [ما عُلّم من] [البازات] (¬2) والعُقبان (¬3) والزمامجة (¬4) والشذانقات (¬5) والسفاة (¬6) والصقور وشبهها لا بأس بها عند مالك. 1028 -[قال مالك:] وإن أرسل كلبه على صيد فأخذ غيره لم يؤكل، وإن أرسله على جماعة وحش أو طير ونوى ما أخذ منها ولم يخصّ شيئاً منها، أو على ¬

(¬1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/419) ، والبيان والتحصيل (3/311) . (¬2) ضرب من الصقور، شرح الزرقاني (2/509) . (¬3) العقبان: بموحدة جمع عقاب، طائر معروف، ويجمع على أعقب، شرح الموطأ للزرقاني (2/509) . (¬4) الزمامجة: جمع زمج، طائر يصيد به الملول، الحيوان للدميري (2/8) . (¬5) هي كلمة فارسية ويراد بها الشاهين وهو لفظ فارسي أيضاً، وهو نوع من الصقور، وانظر: معجم البلدان (2/53) ، واللسان (10/171) ، وتحرير ألفاظ التنبيه للنووي (1/169) , (¬6) لعله السفنح: وهو طائر له أسنان كثيرة، وانظر: حياة الحيوان (2/23) .

جماعتين، ونوى ما أخذ منهما جميعاً فليأكل ما أمسك عليه من ذلك كله، مما قلّ عدده أو كثر، وكذلك الرمي، وإن نوى واحداً من جماعة فأخذ الكلب غيره منها لم يؤكل، وكذلك الرمي، وإن أرسل على جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يؤكل ما صاد من غيرها، كان قد رآها، أو لم يرها. وإن أرسله على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان وراءها غيرها فهو عليها مرسل، فليأكل إن أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه فليأكل ما صاد. 1029 - وإن رميت صيداً عمدته فأصبت غيره، أو أصبته فأنفذته وأصبت آخر وراءه لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن تنوي ما أصاب سواه كما ذكرنا. والسلالقة (¬1) وغيرها إذا عُلّمت فهي سواء. 1030 - وإن أرسل كلباً غير معلم، لم يؤكل ما صاد إلا أن يكون معلماً، أو يدرك ذكاته. ¬

(¬1) نسبة إلى سلوق ويقال: سلقية، من الكلاب المنسوبة إلى مدينة مدائن الروم فأعربت، وانظر: معجم ما استعجم (3/751) ، ومعجم البلدان (3/242) ، (4/307) ، واللسان (10/163) .

1031 - وإذا أثار [الرجل] صيداً فأشلى عليه كلبه، وهو مطلق، فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده، فإنه يؤكل ما صاد، قاله مالك، ثم رجع فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسِلاً له مُشْلياً، وبالأول أقول. 1032 - وأما لو ابتدأ الكلب طلبه، أو أفلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد ذلك لم يؤكل، لأن الكلب خرج بغير إرسال صاحبه. 1033 - وتؤكل ذبيحة الصبي قبل البلوغ إذا أطاق الذبح وعرفه، وكذلك صيده.

1034 - وإن أرسلت كلباً أو بازاً معلماً فأعانه عليه كلب أو باز غير معلم لم يؤكل. 1035 - وما أصيب بحجر أو ببندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل، وليس ذلك بخرق وإنما هو رضّ. 1036 - وما أصيب بالمعراض فخرق، فكل ما قتل وإن لم ينفذ المقاتل [كالسهم] ، إلا أن يصيب بعرضه. 1037 - ومن رمى صيداً بعود أو عصا فخرقه، أو برمح أو حربة أو مطردة

فخرقه فإنه يؤكل. (¬1) 1038 - وما ند من الأنعام الإنسية فلم يُقدر على أخذه لم يؤكل إلا بذكاة الإنسية، وما دَجَن من الوحش ثم ندّ واستوحش أُكل بما يؤكل به الصيد، من الرمي وغيره. 1039 - وإن رميت صيداً بسكين أو بسيف فبضعت فيه ولم تنفذ مقاتله فمات قبل أن تدركه من غير تفريط، فإنه يؤكل، ومن رمى صيداً بسكين فقطع رأسه أكله إن نوى اصطياداً، وإن لم ينو اصطياداً لم يؤكل منه شيء، فإن رمى حجراً فإذا هو صيد، فأنفذ مقاتله لم يؤكل، وكذلك لو ظنه سبعاً أو خنزيراً، وكذلك لو ضرب شاة بسكين، و [هو] لا يريد قتلها، ولا ذبحها، فأصاب الحلقوم والأوداج ففراهما لم تؤكل، لأنه لم يُرِد ذبحها. والإنسية لا تؤكل بشيء مما يؤكل به الوحشي من الضرب والرمي. 1040 - وإذا طلبت الجوارح صيداً فمات انبهاراً ولم تأخذه لم يؤكل، ولو أخذته ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/315) ، وحاشية الدسوقي (2/104) ، والتاج والإكليل (6/247) ، والتعاريف (1/51) .

فقتلته بالعض أو بغيره ولم تنيبه وتدمه لم يؤكل، وكذلك إن مات بصدمها. ولو ضربت صيداً بسيف حتى مات ولم يقطع فيه، لم يؤكل كالعصا. 1041 - وإذا دجن عندك صيد ثم ندّ فصيد بحدثان ما ندّ ولم يتوحش، فهو لك، وإن لم يؤخذ بحدثانه وقد لحق بالوحش، فهو لمن صاده كان ظبياً أو بازاً أو غيره. 1042 - وإن قطع الباز أو الكلب عضواً من الصيد من يد أو رجل أو فخذ أو جناح أو خطم فأبانه فمات منه قبل أن يدرك ذكاته لم يؤكل ما بان، وتؤكل بقيته، وإن أدرك ذكاته فليذكه ويأكل بقيته دون ما بان منه، وكذلك غن ضربت صيداً فأبنت ذلك منه أو أبقيته معلقاً بالجلد بقاء لا يعود لهيئته أبداً، ولو كان ما لم يبن منه يعلم أنه يلتحم ويعود لهيئته لأُكل جميعه. 1043 -[وإن ضرب عنق الصيد فأبانه أكل الرأس وجميع الجسد، وكذلك إن ضرب وسطه فجزله نصفين فليأكل جميعه] .

1044 - وإن ضرب عنق الشاة بالسيف فأبانه ونوى الذكاة فلا تؤكل، كمن أخطأ فذبح من العنق أو من القفا فلا تؤكل. (¬1) 1045 - ويجوز أكل الضب والأرنب والوبر والظرابيب (¬2) والقنفذ. قال مالك: ولا أحب أكل الضبع [والثعلب] والذئب والهر الوحشي والإنسي ولا شيء من السباع. 1046 - ويؤكل ما ذبحه أهل الكتاب، ولا يؤكل ما صادوه لقوله تعالى: ×تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ%، (المائدة: 94) . ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/210) ، والمدونة الكبرى (3/62) . (¬2) هي دويبة صغيرة أيضاً، ذات شوك كبير كالقنفذ، وانظر: حاشية العدوي (1/511) ، ومعجم ما استعجم (1/169) ، وجواهر الإكليل (1/218، 219) ، والتقييد (2/368) .

ويؤكل ما صاده المجوسي من البحر دون ما صاده من البر، إلا أن يدرك ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله. (¬1) 1047 - ويؤكل ما يعيش من دواب الماء في البر الثلاثة الأيام والأربعة، و [يؤكل] ترس البحر بغير ذكاة. 1048 - وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية، لأنه تبع لدين أبيه إلا أن يكون [قد] تمجّس وتركه أبوه على ذلك، فلا يؤكل ما ذبح. 1049 - وما قتلت الحبالات من الصيد فلا يؤكل، إلا ما أدركت ذكاته من ذلك ولو كانت فيها حديدة أنفذت المقاتل لم يؤكل، ولا تنفع ذكاته بعد ذلك ولا تؤكل ذبيحة المرتد ولا صيده. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/102) ، والذخيرة للقرافي (4/169، 170) .

1050 - ويؤكل صيد البحر بغير ذكاة، ولا يحتاج فيه إلى التسمية، لأنه ذكي، ويؤكل طافي الحوت، وجميع دواب البحر. 1051 - ومن ذبح طير الماء فوجد في بطنه حوتاً فله أكله، وكذلك إن وجد حوتاً في بطن حوت. 1052 - ولا تؤكل ميتة الجراد، ولا ما مات منه في الغرائر (¬1) ، ولا يؤكل [منه] إلا ما قُطف رأسه أو سُلق أو قلي أو شوي حياً، وإن لم تقطع رؤوسه، ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات لذلك لأُكل. ¬

(¬1) هي الجُوالق، وقيل: وعاء من الأوعية، بخلاف غرارة القمح، وانظر: حاشية الدسوقي (3/207) ، والتاج والإكليل (4/288) ، والشرح الكبير (4/339) ، ومواهب الجليل (4/293) ، والمدونة الكبرى (3/57) .

1053 - وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء، وقال: أنتم تقولون خنزير، قال ابن القاسم: وأنا أتقيه، ولا أرى أكله حراماً. (¬1) 1054 - ومن ذبح ذبيحة [فتردت بعد الذبح] من جبل أو سقطت في ماء فإنها تؤكل. 1055 - و [من] ذبح شاة فقطع بضعة منها قبل أن تزهق نفسها فبئس ما صنع، وتؤكل البضعة وسائر الشاة. 1056 - ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع عن الطلب، ثم عاد ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (3/58) ، والكافي لابن عبد البر (1/187) ، والتاج والإكليل (3/234) ، والتمهيد (16/223، 224) ، عون المعبود (10/226) ، وبداية المجتهد (1/345) .

فقتله، فإن كان كالطالب له يميناً وشمالاً، أو عطف وهو على طلبه، فهو على أول إرساله، فإن وقف لأجل جيفة، أو لشمّ كلب، أو سقط البازي على موضع عجزاً عنه، ثم رأياه فاصطاداه فلا يؤكل إلا بإرسال مؤتنف. (¬1) 1057 - ومن رمى صيداً فأثخنه حتى صار لا يقدر أن يفر ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل، لأنه أسير كالشاة، لا يؤكل إلا بذكاة، ويضمنه للأول. 1058 - ومن رمى صيداً في الجو فسقط، أو رماه في الجبل فتردى منه، فأدركه ميتاً لم يؤكل، إذ لعله من السقطة مات، إلا أن يكون [قد] أنفذ مقاتله بالرمية. 1059 - ومن طرد صيداً حتى دخل دار قوم فإن اضطره هو أو جوارحه إليها فهو له، وإن لم يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار. وما وقع في الحبالات [من الصيد] فأخذه أجنبي فرب الحبالات أحق به. ¬

(¬1) انظر: الإكليل للأحبر (143) ، وجواهر الإكليل (1/219) .

وقد تقدم ذكر من رمى صيداً فأصاب غيره. * * *

(كتاب الذبائح)

(كتاب الذبائح) 1060 - ولا بأس بأكل اليربوع والخَلْد والوَبْر [والحيات] إذا ذُكي ذلك. [قال مالك: وإذا ذُكيت الحيات في موضع ذكاتها فلا بأس بها لمن احتاج إليها. ولا بأس] بأكل خشاش الأرض وهوامها، وذكاة ذلك كله كذكاة الجراد. 1061 - وجائز أكل الضفادع وإن ماتت، لأنها من صيد الماء.

والحلزون (¬1) كالجراد، ما أُخذ منه حياً فسُلِق أو شوي، أُكل، وما وجد منه ميتاً لم يؤكل. 1062 - وإذا دجن حمار وحشي فصار يعمل عليه لم يؤكل عند مالك، وأجازه ابن القاسم. 1063 - ولا بأس بأكل الجلالة من الأنعام والرخم والعقبان والنسور والأحدية والغربان والهدهد والخُطّاف وشببها، وجميع الطير سباعها وغير سباعها، ما أكل الجيف منها أم. ¬

(¬1) هي دابة توجد في الرعى والصحارى، انظر: المدونة الكبرى (3/64) ، والمحلي (7/405) ، واللسان (5/307) .

1064 - ومن احتاج إلى أن يذبح بمروة، أو عود أو حجر أو عظم أو غيره أجزأه، ولو ذبح بذلك ومعه سكين فإنها تؤكل إذا فرى الأوداج. 1065 - وتمام الذبح فري الأوداج والحلقوم، فإن فرى الأوداج وحدها أو الحلقوم، لم يؤكل، ولم يذكر مالك المري [الذي يكون مع الحلقوم] . 1066 - ولا يذبح [ما] يُنحر، ولا يُنحر ما يذبح. واستُحِب في البقر الذبح، لقول الله تعالى: ×إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً%، (البقرة: 67) ، فإن نُحرت أُكلت، والغنم تذبح، والإبل تُنحر، فإن نُحرت الغنم، أو ذبحت الإبل من غير ضرورة لم تؤكل.

ولا يؤكل ما نحر من الطير كله. 1067 - وما وقع من الأنعام في بئر فلم يوصل إلى ذكاته فإن ما بين اللبة والمنحر منه مذبح ومنحر إن ذبح أو نحر فجائز، ولا يجزئ في موضع سواه، من جنب أو كتف أو غيره. ولا يجزئ هذا في غير هذه الضرورة، ويترك يموت، وبلغ مالكاً أن الجزارين يجتمعون على الحفرة يدورون بها، فيذبحون حولها، فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بتوجيهها إلى القبلة. 1068 - وأكره أن يبدأ الجزار بسلخ الشاة قبل أن تزهق نفسها، ولا تُنخع ولا يقطع رأسها، ولا شيء من لحمها حتى تزهق نفسها، فإن فعل أُكلت

مع ما قطع منها، والنخع: قطع المخ الذي في عظم العنق، وكسر العنق من النخع إن انقطع النخاع. 1069 - قال مالك: ومن ذبح ونزلت يده إلى أن أبان الرأس أُكلت إذا لم يتعمد ذلك، قال ابن القاسم: لو تعمد هذا وبدأ في قطعه بالحلقوم والأوداج أُكلت لنخعه إياها بعد تمام الذكاة.

1070 - ومن وجه ذبيحته لغير القبلة أُكلت وبئس ما صنع. 1071 - وليسم الله عند الذبح والنحر وعلى الضحايا، وليقل: بسم الله والله أكبر، وليس بموضع صلاة على النبي عليه السلام، ولا يذكر هناك إلا الله، وإن شاء قال في الأضحية بعد التسمية: اللهم تقبل مني، وإلا فالتسمية تكفي، وأنكر مالك قوله: اللهم منك وإليك، وقال: هذه بدعة. (¬1) 1072 - ويؤكل ما ذبحت المرأة من غير ضرورة، [وإن اضطرت إلى الذبح] ولم يحضرها إلا نصراني فلتل هي الذبح دونه. ¬

(¬1) انظر في ذلك: المدونة الكبرى (3/67) ، والتاج والإكليل (3/222) ، ومختصر خليل (1/91) ، وحاشية العدوي (1/723) ، ونصب الراية (4/184) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/177) .

1073 - و [ذبيحة] رجال الكتابيين ونسائهم [وصبيانهم] إذا أطاقوا الذبح سواء في إجازة أكلها. وكره مالك أكل ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم أو لأعيادهم من غير تحريم، وتأول قول الله تعالى: ×أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ%، قال ابن القاسم: وكذلك ما [ذبحوا] ، وسموا عليه اسم المسيح، [فهو بمنزلة ما ذبحوا لكنائسهم،] ولا أرى أن يؤكل.

1074 - ولْيَل الرجل ذبح أضحيته وهديه بيده، فإن أمر ذمياً فذبح أضحيته لم تجزه، وأعادها، وإن أمر بذلك مسلماً أجزته وبئس ما صنع. 1075 - وما ذبحه اليهود فأصابوه فاسداً عندهم لحال الرئة وشبهها التي يحرمونها في دينهم، فمرة أجاز مالك أكلها، ثم كرهها وقال: لا تؤكل، قال ابن القاسم: وما ذبح اليهود مما لا يستحلونه لا يؤكل. 1076 - وذبيحة الحربيين ومن عندنا من الذميين سواء، ومالك يكره ذبائحهم،

والشراء في مجازرهم، ولا يراه حراماً، وقال أمر عمر [رضي الله عنه] ، أن لا يكونوا جزارين أو صيارفة، وأن يُقاموا من أسواقنا كلها، [فإن الله أغنانا بالمسلمين] . 1077 - وإن ارتد المسلم إلى أي دين كان، لم تؤكل ذبيحته. وتؤكل ذبيحة الأخرس. 1078 - وإذا تردت الشاة من جبل أو غيره فاندق عنقها أو أصابها ما يعلم أنها لا تعيش من ذلك، فلا بأس بأكلها ما لم يكن قد نخعها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (2/415) .

1079 - والأزلام قداح كانت في الجاهلية، في واحد افعل، وفي الآخر لا تفعل، والآخر لا شيء فيه، فكان أحدهم إذا أراد سفراً أو حاجة ضرب بها، فإن خرج الذي فيه لا تفعل ترك، وإن خرج الذي فيه افعل فعل، وإن خرج الذي لا شيء فيه أعاد الضرب. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الثمر الداني، شرح رسالة القيرواني (1/712) ، وحاشية العدوي (2/645) .

(كتاب الضحايا)

(كتاب الضحايا) (¬1) 1080 - ولا يجزئ ما دون الثني من سائر الأنعام في الضحايا والهدايا، [إلا الضأن] فإن جذعها يجزئ. 1081 - ويذبح الإمام أو ينحر أضحيته بالمصلى بعد الصلاة، ثم يذبح الناس بعده، ومن ذبح قبل صلاة الإمام، أو بعد صلاته، وقبل ذبحه ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (1/711) ، وحاشية الدسوقي (3/92) ، وشرح الزرقاني (3/92) ، والتاج والإكليل (3/241) ، ومواهب الجليل (3/253) ، والذخيرة (4/141) ، والمقدمات لابن رشد (1/235) .

أعاد، وليتحر أهل البوادي ومن لا إمام له من أهل القرى صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه فيذبحوا بعده، فإن تحروا وذبحوا قبله أجزأهم. 1082 - ويجزئ في الضحايا والهدايا المكسورة القرن، إلا أن يكون يدمي، لأنه مرض، ولا تجزئ المريضة البيّن مرضها، ولا الحَمِرة وهي: البشمة، لأن ذلك مرض ولا الجربة إن كان ذلك لها مرضاً. 1083 - وله أن يبدل أضحيته، ولا يبدلها إلا بخير منها أو مثلها، قلت: فإن باعها واشترى دونها ما يصنع بها وبفضلة الثمن؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يستفضل من ثمنها شيئاً، وأنكر الحديث الذي جاء في مثل هذا (¬1) ، وإن ¬

(¬1) الذي رواه أبو داود (3386) ، والترمذي (1257) عن حكيم بن حزام. وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع من حكيم.

لم يجد بالثمن مثلها فليزد من عنده حتى يشتري مثلها. 1084 - ولا يدع أحد الأضحية ليتصدق بثمنها، ولا أحب تركها لمن قدر عليها. ولا يشترك في الضحايا إلا أن يشتريها رجل فيذبحها عن نفسه، وعن أهل بيته، وإن ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأهم، وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس، وأحب إلي [إن قدر] أن يذبح عن كل نفس شاة، واستحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر، دون حديث أبي أيوب الأنصاري، ولو اشترى أضحية عن نفسه، ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته جاز ذلك،

بخلاف الهدي، ولو اراد أن يذبحها عن نفسه، وعن أجنبيين على أن لا يأخذ منهم حصتهم من الثمن، لم يجز ذلك وإنما يجوز ذلك في أهل البيت. 1085 - ولو كانوا رفقاء في سفر ونفقتهم واحدة، قد تخارجوها فأرادوا أن يشتروا منها عن جميعهم كبشاً يضحون به، لم يجزهم. وليس على الرجل أن يضحي عن زوجته، بخلاف النفقة. 1086 - قال مالك: وإذا ولدت الأضحية فحسن أن يذبح ولدها معها، وإن تركه لم أر ذلك عليه واجباً، لأن عليه بدل أمه إن هلكت. قال ابن القاسم: ثم عرضتها عليه فقال: أمحها واترك منها إن ذبحه معها فحسن. قال ابن القاسم: ولا أرى ذلك واجباً عليه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (3/144) ، ومنح الجليل (2/486) ، والشرح الكبير (2/122) .

1087 - ولا يجوز أن يجزّ صوفها قبل الذبح، ولا يبيع من أضحيته لحماً ولا [شحماً] ولا جلداً ولا شعراً ولا غيره، ولا يشتري به ماعوناً ولا غيره، ولينتفع بذلك منها، أو يتصدق به، ولا يبدل منها جلداً أو غيره بمثله، أو بخلافه، ولم أسمع من مالك في لبنها شيئاً، إلا أنه كره لبن الهدي، وقد روي في الحديث: "لا بأس بالشرب منه بعد ريّ فصيلها". (¬1) 1088 - فإن لم يكن لأضحيته ولد فأرى أن لا يشربه إلا أن يَضُرّ بها فيحلبه ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (5/236) .

ويتصدق به، ولو أكله لم أر عليه شيئاً، وإنما أنهاه عنه كما أنهاه عن جز صوفها قبل ذبحها. 1089 - ولا بأس في الضحايا والهدايا بالبياض وغيره في العين إن لم يكن على الناظر، ولا بأس في الأذن بمثل السمة، أو قطع يسير، أو شق يسير، وأما جدع الأذن أو قطع جُلّها فلا يجزئ، وما سمعت مالكاً يؤقت في الأذن نصفاً من ثلث. 1090 - ولا تجزئ العرجاء البين ظلعها، إلا أن يكون الشيء الخفيف الذي لا ينقص مشيها، ولا تعب عليها به في سيرها، وتسير بسير الغنم، فأراه خفيفاً. 1091 - ومن اشترى أضحية سمينة فعجفت عنده أو أصابها عمى أو عور، أو ابتاعها بذلك لم يجزه، بخلاف ما يحدث بالهدي بعد التقليد من عيب، وقد ذكرناه في كتاب الحج. 1091 - ومن ضلت [منه] أضحيته ثم وجدها في أيام النحر فليذبحها، إلا أن يكون [قد] ضحى ببدلها فليصنع بها ما شاء، [وكذلك إن لم يضح ببدلها ثم

وجدها بعد أيام النحر فليصنع بها ما شاء] . 1092 - وليس على أحد أن يضحي بعد أيام النحر، وهو بمنزلة من ترك الأضحية، وكذلك لو حبس أضحيته حية حتى مضت أيام [النحر] إلا أن هذا قد أثم. 1093 - ومن سرقت أضحيته أو ماتت أو ضلت، فعليه البدل. 1094 - ولو أضجعها للذبح فاضطربت فانكسرت رجلها أو أصابت السكين عينها ففقأتها، لم تجزه. والشاة تخلق خلقاً ناقصاً لا تجزئ. 1095 - ولا بأس بالجلحاء، وهي الجمّاء، والسكاء: وهي الصغيرة الأذنين، قال ابن القاسم: ونحن نسميها الصمعاء. ولو خلقت بغير أذنين لم تجز.

1096 - ومن ذبح أضحيتك بغير إذنك، فأما ولدك، أو بعض عيالك، ممن فعله ليكفيك مؤنتها، فذلك مجزئ عنك، وأما على غير ذلك فلا يجزيك. 1097 - وإن ذبحت أضحية صاحبك، وذبح هو أضحيتك غلطاً لم تجزئ واحداً منكما، ويضمن كل واحد لصاحبه القيمة. 1098 - والأضحية [واجبة] على من استطاع، وهي على الناس كلهم الحاضر والمسافر إلا الحاج، فليست عليه، وإن كان من سكان منى، ومن لم يشهد الموسم من أهل مكة فهم في ضحاياهم كالأجنبيين، ولا تجب الأضحية على مملوك أو من فيه بقية رِق، ولا يُضحى عن من في البطن.

1099 - وأيام النحر ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده، وليس اليوم الرابع من أيام الذبح وإن كان الناس بمنى. [ولا تذبح] الهدايا والضحايا ليلاً، فإن فعل لم يجزه وعليه البدل. 1100 - وكل من تجب عليهم الجمعة فعليهم أن يجمعوا في صلاة العيدين، وليس على الحاج بمنى جمعة، ولا صلاة عيد. 1101 - ولا يصاد حمام الأبرجة، ومن صاد منها شيئاً رده أو عرّف به إن لم يعرف ربه ولا يأكله، وإذا دخل حمام برج لرجل في برج لآخر ردّها إلى ربها إن قدر، وإلا فلا شيء عليه. (¬1) 1102 - ومن وضع أجباحاً في جبل فله ما دخلها من النحل، ومن صاد طيراً في ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/356") ، والفواكه الدواني (2/239) ، ومواهب الجليل (5/153) ، (6/69) ، والمدونة الكبرى (3/77) ، والكافي في فقه مالك لابن عبد البر (1/184) ، وحاشيةالعدوي (2/471) .

رجليه سباقان، أو ظبياً في أذنيه قرطان وفي عنقه قلادة، عرف بذلك، ثم ينظر فإن كان هروبه ليس بهروب انقطاع ولا توحش رده، وما وجد عليه لربه، وإن كان هروبه هروب انقطاع وتوحش فالصيد خاصة لصائده دون ما عليه، فإن قال ربه: ندّ مني منذ يومين، وقال الصائد: لا أدري متى ندّ منك، فعلى ربه البينة، والصائد مصدق. 1103 - وإذا قتل محرم بازياً لرجل معلماً فعليه جزاؤه غير معلم، كجزاء غيره من الوحش، وعليه قيمته لربه معلماً. 1104 - ولا يجوز بيع كلب سلوقي أو غيره، ويجوز بيع الهر، ويجوز بيع الأسد والسباع والفهود والنمور والذئاب، إن كان ذلك [لتُذَكّى] لأخذ جلودها. فإذا ذُكيت جاز بيع جلودها ولباسها والصلاة عليها.

1105 - ومن قتل كلباً من كلاب الدور مما لم يؤذن فيه، فلا شيء عليه، لأنها تقتل ولا تترك، وإن كان مما أذن في اتخاذه لزرع أو ضرع، فعليه قيمته. 1106 - وإذا باع الذمي خمراً بدينار كرهت للمسلم أن يتسلفه منه، أو يبيعه به شيئاً أو يأخذه هبة، أو يعطيه فيه دراهم، ويأخذه، أو يأكل من طعام ابتاعه الذمي بذلك الدينار، وجائز أن يأخذه منه في قضاء دين، كما أباح الله تعالى أخذ الجزية منهم. 1107 - ولا بأس بصيح حمام مكة فيالحل للحلال، وما صيد في الحل فإذا دخل الحرم جاز أن يؤكل فيه، وإن كانت شجرة أصلها في الحرم، ولها غصن في الحل فوقع عليه طائر فلا بأس بصيده، ويؤكل. ولم يجب مالك [رحمه الله] فيه بشيء. * * *

(كتاب الجهاد)

(كتاب الجهاد) (¬1) 1108 - قال مالك: لا يُقاتل المشركون ولا يبيّتون حتى يُدعوا إلى الله ورسوله، فيسلموا أو يؤدوا الجزية، قال ابن القاسم: وكذلك إن أتوا إلى بلادنا. وقال أيضاً مالك: أما من قرُبت داره منا فلا يُدعوا لعلمهم بالدعوة، ولتطلب غرتهم، وأما من بعدت داره وخيف أن لا يكونوا كهؤلاء فالدعوة أقطع للشك. قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بابتغاء عورة العدو بالليل والنهار، لأن دعوة افسلام قد بلغته، إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون [فلا بد من الدعوة] ، و [روي] عن علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] الدعوة ثلاث مرات. (¬2) ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (3/3) ، التاج والإكليل (3/346) ، ومواهب الجليل (3/346) ، والمدونة الكبرى (3/2) ، والكافي (1/205) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/8) ، وشرح حدود ابن عرفة للرصاع (193) ، والتقييد (1/339) ، والمطلع (1/209) ، وأنيس الفقهاء (1/181) . (¬2) رواه عبد الرزاق في المصنف (5/217) ، (9424) ، والدارقطني في العلل (6/15) ، والطبراني في الأوسط كما في المجمع (5/305) ، وأورده الزيلعي في نصب الراية (3/378، 381) .

1109 - قال مالك: وأما القبط فلا يقاتلوا، ولا يبيتوا حتى يدعوا، بخلاف الروم، ولم ير أن الدعوة قد بلغتهم. 1110 - وينبغي أن يُدعى اللص إلى التقوى، فإن أبى قوتل، كان بطريق، أو أتى إلى محلّك، وكذلك إن نزل قوم بآخرين يريدون أنفسهم وأموالهم وحريمهم ناشدوهم الله، فإن أبوا فالسيف. 1111 - ومن عاجلك عن الدعوة من لص أو مشرك فقاتله، وإن طلب السلابة طعاماً أو ثوباً أمراً خفيفاً رأيت أن يُعطوه ولا يُقاتلوا. قال محمد بن سيرين: ما علمت أحداً ترك قتال من يريد نفسه وماله تأثماً، وكانوا يكرهون قتال الأمراء، ولا بأس بالجهاد مع هؤلاء الولاة، إذ لو ترك [مثل] هذا لكان ضرراً على الإسلام.

1112 - ولا بأس أن يخرج الرجل بأهله إلى مثل السواحل، ولا [يخرج] بهن إلى دار الحرب في الغزو إلا أن يكونوا في عسكر عظيم لا يُخاف عليهم لكثرتهم. 1113 - ولا يُقتل النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير في أرض الحرب، ولا الرهبان في الصوامع والديارات، ويترك لهم من أموالهم ما يعيشون به، ولا تؤخذ كلها فيموتون، وروى ابن وهب أن النبي عليه السلام نهى عن قتل العسيف (¬1) ، قال سحنون: وهو الأجير. 1114 - ولا بأس بتحريق قراهم وحصونهم، وتغريقها بالماء وتخريبها، وقطع الشجر المثمر وغيره، و [قد] تأول مالك قول الله تعالى: ×مَا قَطَعْتُم ¬

(¬1) رواه أبو داود (3/52) ، وابن ماجة (2/948) .

مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً% (الحشر: 5) ، وقد قطع النبي عليه السلام نخل بني نضير وأحرق قراهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية (¬1) ، قال سحنون: وأصل نهي أبي بكر الصديق [رضي الله عنه] عن قطع الشجر، وإخراب العامر إنما ذلك فيما يُرجى مصيره للمسلمين نظراً لهم، وما لم يُرج الظهور عليه، فالنظر لهم خرابه. 1115 - ويقتل من الأسارى من لا يؤمن منه، ألا ترى ما كان من أبي لؤلؤة [لعنه الله] ، وأما الصغير والكبير الفاني فاتقى مالك قتلهم وهم ¬

(¬1) رواه البخاري (4884) ، ومسلم (4471) .

الحشوة، ولهم قوتل العدو فهم كالأموال وقوة على الجهاد، وكتب عمر [رضي الله عنه] بقتل من جرت عليه المواسي من الكفار، وقال: لا يجلب إلى المدينة من علوجهم أحد (¬1) ، قيل: فحربي أخذ ببلدنا أيكون لمن أخذه أم يكون [فيئاً] ؟، قال: قال مالك: فيمن وجد بساحلنا من العدو فقالوا: نحن تجار ونحوه، فلا يقبل منهم وليسوا لمن وجدهم، ويرى فيهم الإمام رأيه، وأنا أرى ذلك فيئاً للمسلمين ويجتهد فيهم الإمام. ¬

(¬1) رواه ابن حزم في المحلي (7/299) ، وابن عبد البر في الاستذكار (4/65) ، وانظر: المدونة (3/9) ، والفتح (7/64) .

1116 - وإذا أُخذ الرومي وقد نزل [تاجراً] بساحلنا فيقول: ظننت أنكم لا تعرضون من جاء تاجراً حتى يبيع، أو يؤخذ ببلد العدو، وهو مقبل إلينا فيقول جئت أطلب الأمان، فهو أمر مشكل، فأرى أن يُردّ إلى مأمنه، وروى ابن وهب عن مالك في قوم من العدو نزلوا في ساحلنا بغير إذن فأُخذوا، فزعموا أنهم تجار لفظهم البحر، ولا يعلم صدقهم، وقد تكسرت مراكبهم ومعهم السلاح، أو يشكون العطش الشديد فينزلون للماء بغير إذن، أن ذلك للإمام يرى فيهم

رأيه، ولا يُخمّسون، وإنما الخمس فيما أوجف عليه بالخيل والركاب، قال يحيى بن سعيد: ومن زعم بعدما أُخذ ببلاد المسلمين أنه جاء لأمان، أو لتجارة، لم يقبل منه إلا أن يكون رسولاً بعث لأمر [مما] بين المسلمين وبين عدوهم، وقال ربيعة: إن كانوا من أرض متجر قد أُمنوا بالتجارة [قبل ذلك] فهم بمنزلة أمان، وإن لم يكن ذلك منهم قبل ذلك فلا عهد لهم ولا ذمة، وإذا نزل تجارهم بأمان فباعوا وانصرفوا فأينما رمتهم الريح من بلاد المسلمين فالأمان لهم ما داموا في تجرهم، حتى يردوا بلادهم. (¬1) 1117 - والشأن قسم الغنائم وبيعها ببلد الحرب، وهم أولى برخصها. 1118 - وما أحرزه المشركون من مال مسلم أو ذمي، من عرض أو عبد أو غيره ابق لهم، ثم غنمناه فإن عرف ربه قبل أن يقسم كان أحق به [بغير ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/362) ، والتقييد (1/345) .

شيء] ولا يقسم، ويوقف له إن غاب، وإن لم يعرف ربه بعينه، وعرف أنه لمسلم أو ذمي قسم، ثم إن جاء ربه كان أحق به بالثمن ما بلغ، ولا يجبر على فدائه، وهو مخير، فإن أراد أخذه بالثمن لم يكن لمن في يده العبد أن يأبى ذلك، قيل: فمن وقع في سهمه من المغنم أمة أو ابتاعها من العدو الذين أحرزها هل يحل له وطؤها؟ قال: إن علم أنها لمسلم فلا يطؤها، حتى يعرضها عليه فيأخذها بالثمن أو يدع، وسواء اشتراها في بلد الحرب، أو في بلد الإسلام، وكذلك إن كان عبداً فليُعرض على سيده. 1119 - وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة، فلا سبيل له إليه، ولا إلى رقه، أخذهم من كانوا بيده في مغنم أو ابتياع من حربي أغار عليهم أو أبقوا إليه، ويمضي عتقهم. وتكون الأمة [أم ولد] لمن ولدت منه. 1120 - ومن اشترى من المغنم أم ولد لرجل أو ابتاعها من حربي فعلى سيدها أن يعطيه جميع الثمن الذي اشتراها به، وإن كان أكثر من قيمتها ولا خيار له، بخلاف

العبيد والعروض، فإن كان عديماً أتبع بذلك ديناً [عليه] وأخذها، [قال ابن شهاب: في رجل عرف أم ولده في أرض الروم وقد خُمّست وأعطي أهل النفل نفلهم والقوم الذي لهم فليأخذها ربها بالقيمة، ولو عتقت لم تؤخذ فيها فدية. 1121 - قال ابن القاسم: وإذا سبى أهل الحرب ذمياً ثم غنمناه، لم يكن فيئاً ورد إلى ذمته، ومن وجد آبقاً بغير دار الحرب ردّه إلى مولاه. 1122 - ومن فدى حراً من أيدي العدو بغير أمره، فله اتباعه بما فداه به على ما أحب أو كره. قال يحيى بن سعيد: ومن فدى ذمية فلا يطاها، وله عليها ما فداها به وهي على أمرها، [قال ابن القاسم] وما أحرز أهل الشرك من أموال المسلمين

فأتوا به ليبيعوه لم أحب لأحد أن يشتريه منهم] . 1123 - وإذا دخلت دار الحرب بأمان فابتعت عبداً لمسلم من حربي أسره، أو أبق إليه، أو وهبه الحربي لك، وكافيته عليه، فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما أديت من ثمن أو عوض، وإن لم تثب واهبك أخذه ربه بغير شيء، وإن بعته أنت ثم جاء ربه مضى البيع، وإنما له أن يأخذ الثمن منك ويدفع إليك ما أديته من ثمن أو عوض، وإن لم تؤد عوضاً فلا شيء لك. وقال غيره: ينتقض بيع الموهوب [له] ، ويأخذه ربه بعد أن يدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب [له] . 1124 - قال ابن القاسم: و [أما] إن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد لأهل الإسلام

قد كان أحرزهم، فباعهم عندنا من مسلم أو ذمي، لم يكن لربهم أخذهم بالثمن إذ لم يكن يقدر أن يأخذهم من بائعهم في عهده، بخلاف بيع الحربي إياهم في بلد الحرب، لأن الحربي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير ثمن، وهذا الذي خرج [بهم] إلينا بأمان لو وهبهم لأحد لم يأخذهم سيدهم على حال. 1125 - ومن أسلم من أهل بلد [الحرب] على ما بأيديهم، وبأيديهم أحرار ذمتنا فهم رقيق لهم كعبيدنا، وهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها. 1126 - وإن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد مسلمون قد أسرهم، فلا يؤخذوا منه، ثم لو أسلم عندنا كانوا له دون سيدهم، كمحارب اسلم على مال أحرزه منا بنفسه أو ابتاعه من حربي أحرزه. 1127 - وإذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية، فولدت عندهم أولاداً ثم غنمها المسلمون، فولدها الصغار بمنزلتها، لا يكونون فيئاً، وأما الكبار إذا بلغوا وقاتلوا فهم فيء. 1128 - ولو كانت أمة لرجل كان كبير ولدها وصغيرهم لسيدها.

1129 - وإذا أسلم حربي ببلدة ثم قدم إلينا، وترك أهله وماله وولده، ثم غنمنا ذلك، فما له [وأهله] وولده فيء. 1130 - قال ربيعة: من ابتاع عبداً من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره بأرض العدو، والعبد كافر وقد أسلم أو أعتق، فإن دلّه [في جيش آخر فالمال لهذا الجيش الآخر دون الذين قفلوا، ولا يكون للسيد ولا للعبد] وإن دله قبل أن يقفل الجيش الذين كانوا سبوه، فهو لذلك الجيش الذي كان فيهم، [لأنه إنما نال ذلك بهم] . 1131 - وإذا خرج قوم من أهل الذمة محاربين متلصصين فأخافوا السبيل وقتلوا، حكم فيهم بحكم أهل الإسلام [إذا حاربوا. وإن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً للجزية، وامتنعوا من أهل الإسلام] من غير أن يظلموا والإمام عدل، فهم فيء، ومن هرب منهم إلى بلاد الحرب نقضاً للعهد فحارب ثم أسر فهو فيء، ولا يُرد إلى ذمته إذا قضوا [العهد] لغير ظلم ركبوا به، وإن كان لظلم رُدوا إلى ذمتهم،

ولا يكونون فيئاً، وقال غيره: لا يعود الحر إلى الرق أبداً، ويردون إلى ذمتهم، ولا يكونون فيئاً. (¬1) 1132 - ومن أسلم من عبيد الحربيين لم يزل ملك سيده عنه، إلا أن يخرج [العبد] إلينا وندخل نحن بلادهم فنغنمه وهو مسلم وسيده مشرك فيكون حراً، ولا يرد إلى سيده [و] إن أسلم سيده بعد ذلك، وقد أعتق النبي ÷ عبيداً لأهل الطائف (¬2) لخروجهم [إليه] مسلمين، وابتاع أبو بكر بلالاً إذ أسلم فأعتقه والدار دار شرك (¬3) ، فلو انتقل ملك ربه عنه كان ذلك فداءً، ولم يكن ولاؤه لأبي بكر. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (3/178) . (¬2) رواه أحمد في المسند (1/243، 349) . (¬3) رواه الحاكم في المستدرك (3/319) .

1133 - وإن خرج العبد إلينا مسلماً وترك سيده مسلماً فهو له [رق إن أتى] ، وإن باع حربي عبداً له قد أسلم من مسلم فهو لمبتاعه رق، لأن سيده لو أسلم عليه قبل أن يخرج العبد إلينا بقي له رقاً، وقال أشهب [وغيره] : إسلام العبد في دار الحرب يزيل ملك سيده عنه خرج إلينا أو أقام بداره، وإن اشتُري كان كالحر المسلم يلُفدى فيتبعه مشتريه بالثمن. 1134 - قال ابن القاسم: ولو قدم إلينا عبد لرجل من أهل الحرب بأمان فأسلم ومعه مال لسيده، فالمال للعبد ولا يُخمّس، وقد ترك النبي عليه السلام للمغيرة إذ قدم مسلماً مالاً أخذه لأصحابه. (¬1) 1135 - قال يحيى بن سعيد: وإن ائتمن الأسير على شيء، فليرد أمانته، وإن كان ¬

(¬1) رواه البخاري (2731) .

مرسلاً وقد رأى أن يأخذ من أموالهم شيئاً، لم يؤتمن عليه ويتخلص به فليفعل. 1136 - وتسترق العرب إن سُبوا كالعجم. وإذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالاً أو قتل فماله وديته تدفع إلى من يرثه ببلده، ويعتق قاتله رقبة، وقال غيره: تدفع دينه وماله إلى حكامهم، وأهل النظر لهم، [حتى كأنه مات تحت أيديهم] . 1137 - وإذا كان مسلم في حصن العدو أو مركب لم أر أن يحرق أو يغرق، لقول الله تعالى: ×لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا% (الفتح: 25) ، ولا يعجبني ذلك إذا كان فيهم ذرية للمشركين ونساؤهم فقط، إلا أن يكون ليس فيها غير الرجال المقاتلة فلا بأس بذلك. وروي أن النبي ÷ رمى أهل الطائف بالمجانيق فقيل له: إن فيها النساء

والصبيان، فقال: هم من آبائهم. (¬1) 1138 - وإذا أحرق العدو سفينة للمسلمين، فلا بأس أن يطرحوا أنفسهم في البحر، لأنهم فروا من موت إلى موت، ولم ير ذلك ربيعة إلا لمن طمع بنجاة، أو اختار الأسر ونحوه، فلا بأس بذلك، وإن هلك في ذلك. وقال ربيعة أيضاً: إن صبر فهو أكرم له، وإن اقتحم فقد عوفي ولا بأس به [إن شاء الله] . 1139 - وقال ربيعة: إن انحرقت سفينة فلا يُثقّل الرجل نفسه ليغرق وليثبت [في مركبه] لأمر الله. 1140 - قال مالك رحمه الله: الفيء والخمس سواء، يجعلان في بيت المال، ويُعطي منهما الإمام أقرباء رسول الله ÷ بقدر اجتهاده. ¬

(¬1) رواه البيهقي (9/384) .

1141 - وأما جزية الأرض فلا أدري كيف كان يصنع فيها، إلا أن عمر رضي الله عنه قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الذين افتتحوها (¬1) ، وأرى لمن نزل ذلك به أن يكشف عنه من يرضاه من أهل العلم [والأمانة من أهل البلد كيف كان الأمر في ذلك] ، فإن وجد عالماً يستيقنه وإلا اجتهد هو ومن بحضرته رأياً، وكل ما يقسم مما يؤخذ من أوجه الفيء كلها فإنه ينظر إلى البلدان، فإن تكافأت في الحاجة بدأ بالذين فيهم المال حتى يغنوا منه، وما فضل أعطاه غيرهم أو يوقفه الإمام إن رأى ذلك لنوائب المسلمين، وإن كان في غير ذلك البلد من هو أشد منهم حاجة فليُنقل إليهم أكثر ذلك المال. ¬

(¬1) رواه أبو عبيد في الأموال (ص74) ، وابن أبي شيبة في المصنف (7/632، 633) .

1142 - وكل ما أصيب من العدو فخُمّس فهو الخمس. 1143 - وكل أرض افتتحها أهل الإسلام بصلح فهي فيء، ولا يقسمها المسلمون، وأهلها على ما صولحوا عليه. 1144 - وأما كل أرض فُتحت عنوة فتُركت لأهل الإسلام فهذه التي قال مالك رحمه الله: يجتهد فيها الإمام ومن حضره من المسلمين. 1145 - قال ابن القاسم: وأما الجماجم في خراجهم فلم يبلغني عن مالك فيه شيء، وأنا أرى الجماجم تبعاً للأرض كانوا عنوة أو صلحاً، وقيل له في موضع آخر: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلحاً ما يصنع بهذا الخراج؟ قال: قال مالك: هذه جزية، والجزية عند مالك فيء، وقد أعلمتك ما قال مالك في العنوة.

1146 - قال مالك: ويعطي هذا الفيء أهل كل بلدة افتتحوها عنوة أو صولحوا عليها، ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا، وفي الزكاة [الأول] شيء من هذا الباب. 1147 - قيل: فمن قتل قتيلاً هل يكون له سلبه؟ قال: قال مالك: لم يبلغني أن ذلك كان إلا في يوم حنين، وإنما هذا إلى الإمام يجتهد فيه. 1148 - ولا يجوز نفل قبل الغنيمة، ويجوز في أول المغنم أو آخره على الاجتهاد، ولا يكون إلا من الخمس، وإنما نفل النبي ÷ يوم حنين من الخمس بعد أن برد القتال، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: والسلب والفرس من النفل. (¬1) ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/454) ، والبخاري (3142) ، وأبو داود (2717) ، والترمذي (1562) .

1149 - قال سليمان بن موسى: لا نفل في عين ولا فضة، وأكره للإمام أن يقول: اقتلوا ولكم كذا، أو من قاتل موضع كذا، أو تقدم إلى الحصن، أو قتل قتيلاً فله كذا، أو نصف ما غنم، ويكره أن يسفك [أحد] دمه على مثل هذا. (¬1) 1150 - وكذلك أكره للأسير [المسلم] أن يقاتل مع الروم عدواً لهم على أن يخلوه إلى بلد الإسلام، [ولا يحل له أن يسفك دمه على هذا] . ¬

(¬1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (14/142) .

1151 - ويسهم للفرس سهمان، وسهم لفارسه، وللراجل سهم، والبراذين إن أجازها الوالي كانت كالخيل، ولا يسهم لبغل أو حمار أو بعير، وصاحبه راجل، ومن له أفراس فلا يزاد على سهم فرس [واحد] كالزبير يوم حنين، وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل في السفن أو سروا رجالة ولبعضهم خيل فغنموا وهم رجالة أُعطي لمن كان له فرس ثلاثة أسهم. 1152 - وإذا خرجت من العسكر سرية، فغنمت، أو ردت الريح بعض المراكب إلى بلاد الإسلام مغلوبين بالريح ونفذ البعض فغنموا، أو ضل رجل عن أصحابه ببلد العدو فلم يحضر قتالاً ثم رجع بعد الغنيمة، كانت الغنيمة بين السرية وبين

من ردته الريح أو ضل، وبين جميع العسكر بعد خروج الخمس: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم. 1153 - ومن دخل أرض العدو غازياً فمات قبل لقاء العدو ثم غنموا [بعده] فلا سهم له. وكذلك موت فرسه. 1154 - ولو شهد القتال مريضاً أو بفرس رهيص، أو مات هو أو فرسه بعد القتال قبل الغنيمة ثم غنموا بعده في قتالهم [ذلك] فله ولفرسه ثلاثة أسهم. ومن ابتاع فرساً ببلد الحرب أُسهم له من يومئذ إن لقي به العدو. 1155 - وإذا قاتل الأجير أُسهم له، وإلا فلا، وكذلك التاجر إذا علم منه ما علم من الأجير. 1156 - ولا يُسهم للنساء ولا للعبيد ولا الصبيان [إذا قاتلوا] ، ولا يُرضخ لهم، ورأى أبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني أن يسهم لمن أنبت من

الصبيان [الأحرار] . (¬1) 1157 - ولا بأس بأخذ العلف والطعام من الغنيمة والغنم والبقر لمأكله بغير إذن الإمام، أو جلود يعملونها نعالاً أو خفافاً [أو لأكفهم] أو لغير ذلك من حوائجهم. وإن جاز ذلك الإمام فلهم أخذه بغير إذنه. [قال ابن القاسم وغيره] . وللرجل أن يأخذ من المغنم سلاحاً يقاتل به ويرده، أو دابة للقتال أو ليركبها إلى بلده إن احتاجها ثم يردها إلى الغنيمة، فإن كانت الغنيمة قد قسمت باعها وتصدق بالثمن، والسلاح كذك، أو ما يحتاج إلى لبسه من ثياب. وروى علي وابن وهب أن مالكاً قال: لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا بثوب، ¬

(¬1) رواه مالك في المدونة (2/34) ، وانظر: التاج والإكليل (3/369) ، والكافي (1/214) ، والرسالة لأبي زيد القيرواني (1/84) ، وصحيح مسلم (3/1444) .

ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ العين يشتري بها هذا. 1158 - وما فضل معه بعد أن رجع إلى بلده من طعام فقال القاسم وسالم: يأكله، وكرها بيعه، وقال مالك: يأكل القليل ويتصدق بالكثير. [قال سليمان بن موسى: لا باس أن يحمل الرجل من بلد العدو الطعام مثل القديد وغيره فإن باع ذلك بعد بلوغه إلى أهله صار مغنماً] . 1159 - وما استغنى عنه من الطعام في أرض العدو فليعطه أصحابه بغير بيع ولا قرض، فإن أقرضه فلا شيء على المستقرض. 1160 - وإذا أخذ هذا لحماً، وهذا عسلاً، وهذا طعاماً، يتبادلونه ويمنع أحدهم صاحبه منه حتى يبادله فلا بأس [به] وكذلك العلف وكل ما أُذن

[له] في النفع به من المغنم فبيع، فإن ثمنه يرجع مغنماً ويُخمّس. 1161 - قال مالك: ومن نحت سرجاً، أو برى سهماً، أو صنع مشجباً ببلد العدو فهو له ولا يخمّس، [قال سحنون: معناه فيما عمل] إذا كان يسيراً، [وقد قيل أنه إذا كان له قدر أنه يأخذ إجازة عمله فيه، والباقي يصير فيئاً] ، قال مكحول: إلا أن يجده مصنوعاً. قال القاسم وسالم: وما كسب من صيد طير او حيتان، أو صنعه عبده من فخار فهو له، وإن كثر. 1162 - وما ضعف المسلمون عن النفوذ به من بلد الحرب من ماشية ودواب ومتاع مما غنموه أو كان لهم، أو ما قام عليهم من دوابهم فليعرقبوا الدواب، أو يذبحوها، وكذلك جميع الماشية، ولا يحرقوها بعد القتل. ويحرق المتاع والسلاح. 1163 - ولا يُستعان بالمشركين في القتال إلا أن يكونوا نواتيّ أو خدماً فلا بأس به.

1164 -[قال مالك:] ويجوز أمان المرأة والعبد والصبي إن عقل الأمان، وقد قال النبي ÷: يجير على المسلمين أدناهم، وقال ÷ لأم هانئ: قد أجرنا من أجرت [يا أم هانئ] ، قال غيره: لم يجعل ذلك أمراً يكون بيد أدناهم لا خروج للإمام عنه، ولكن ينظر الإمام فيما فعل بالاجتهاد. قال إسماعيل بن عياش: سمعت أشياخنا يقولون: لا جواز للصبي ولا للمعاهد، فغن أجارا خُيّر الإمام بين إمضائه ورده إلى مأمنه، [ومما روي أن عمر - رضي الله عنه - كتب بذلك أنه من أمّنه منكم حرّ أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم فيكون على الحكم بالجزية، وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم من أهل

الكفر فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم، وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً منهم ناسياً أو عاصياً أو جاهلاً أو لم يعلم رُدّ إلى مأمنه، ولا سبيل لكم عليه إلا أن يشاء أن يقيم فيكم فيكون على الحكم في الجزية، وكذلك إن أشار أحد منكم إلى أحد أن هلم فإنا قاتلوك فأتى ظناً منه أنه آمن ولم يفهن ما قال له، وكذلك إن جاءكم رجل مطمئن تعلمون أنه جاء متعمداً، وإن شككتم فيه فلا تردوه إلى مأمنه واضربوا عليه الجزية، ومن وجدتموه في عسكركم ولم يعلمكم بنفسه حتى قدرتم عليه فلا أمان له ولا ذمة، واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين] . 1165 - وجائز التكبير في الرباط والحرس على البحر ورفع الصوت به بالليل والنهار، وأكره التطريب. 1166 - وما كان مثل ديوان مصر والشام والمدينة مثل دواوين العرب فلا بأس. وإذا تنازع رجلان في اسم مكتوب في العطاء، فأعطى احدهما الآخر مالاً على أن يبرأ إليه من ذلك الاسم لم يَجُز، [لأنه إن كان الذي أعطاه الدراهم أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي أعطى الدراهم صاحب الاسم فقد باع ما لا يحل له، وإن كان الآخر هو صاحب الاسم فلا يجوز له، لأنه لا يدري ما باع أقليلاً

بكثير، أو كثيراً بقليل] ، ولا يدري ما تبلغ حياة صاحبه فهذا غرر لا يجوز. وكذلك لا يجوز لمن زيد في عطائه أن يبيع تلك الزيادة بعَرَض. 1167 - قال الأوزاعي: أوقف عمر والصحابة الفيء وخراج الأرض للمجاهدين، ففرض منه للمقاتلة والعيّال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده، فمن افترض فيه ونيته الجهاد فلا بأس به، قال ابن مُحَيْريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون، وقال مكحول: روعات البعوث تنفي روعات القيامة.

1168 - ولا بأس بالجعائل في البعوث، يجعل القاعد للخارج، مضى الناس على ذلك لمن كان من أهل ديوان واحد، لأن عليهم سد الثغور، قال مالك: ربما خرج لهم العطاء، وربما لم يخرج، ولا ينبغي أن يجعل لمن ليس معه في ديوان ليغزو عنه. (¬1) 1169 - وقد كره [مالك] لمن في سبيل الله إجارة فرسه لمن يغزو به، أو يرابط عليه كمن بعسقلان وشبهها، فهو إذا أجّر نفسه أشد كراهة. 1170 - قال يحيى بن سعيد: لا بأس بالطوى من ماحوز إلى ماحوز [والطوى] ¬

(¬1) انظر: المدونة (3/43) ، والكافي (1/207) .

أن يقول لصاحبه: خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك كذا، قال شريح: يكره ذلك من قبل أن يكتتبا فأما بعد الكتبة فجائز، إلا من انتصب من ماحوز إلى ماحوز [آخر] يريد الزيادة في الجُعل. 1171 - قال مكحول: وإذا اكتُتب في المغزى ففرض له فيه جُعل فليأخذه، وإن كان لا يغزو إلا بجعل فمكروه. 1172 - قال النبي ÷ في المجوس: سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب (¬1) وأخذ عثمان [رضي الله عنه] الجزية من مجوس البربر (¬2) ، قال مالك: فالأمم كلها من الفزازنة والصقالبة والأبر والترك وغيرهم من الأعاجم ممن لا كتاب لهم بمنزلة المجوس في ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (1/278) ، وأبو عبيد في الأموال (ص40) ، والطبراني في الكبير (19/437) . (¬2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/583) .

هذا، إذا دُعوا إلى الإسلام فلم يجيبوا، دُعوا إلى إعطاء الجزية ويُقرّوا على دينهم، فإن أجابوا قُبِل منهم. 1173 - ويُستتاب أهل الأهواء [من القدرية وغيرهم] ، فإن تابوا وإلا قُتلوا إذا كان الإمام عدلاً، وإن خرجوا على إمام عدل فأرادوا قتاله، ودعوا إلى ما هم عليه دُعوا إلى السنة والجماعة، فإن أبوا قوتلوا. 1174 - وإذا دعا الإمام أهل العصبية إلى الحق فلم يرجعوا قوتلوا. 1175 - والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت الدماء

عنهم، ويؤخذ منهم ما وُجد بأيديهم من مال بعينه، و [أما] ما استهلكوه فلا يُتبعون به وإن كانوا أملياء، لأنهم متأولون بخلاف المحاربين، أولئك لا يوضع عنهم من حقوق الناس شيء، وإنما يسقط عنهم [إن تابوا] حد الحرابة. 1176 - قال ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فرأى جماعة من البدريين إسقاط القصاص والحدود عمن قاتل في تأويل القرآن فقتل. 1177 - ولا حد على المرأة سُبيت، ولا بينها وبين زوجها ملاعنة، ويُحدّ قاذفها وتُردّ إلى زوجها الأول بعد أن تنقضي عدتها من زوجها الآخر، [وترث زوجها الأول إن مات] . * * *

(كتاب الأيمان والنذور)

(كتاب الأيمان والنذور) (¬1) 1178 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعليّ المشي إلى بيت الله، فكلمه لزمه المشي، وله أن يجعلها في حج أو عمرة، فإن جعلها في عمرة مشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، فإن ركب بعد سعيه وقبل أن يحلق فلا شيء عليه، وإن جعلها في حجة مشى حتى يقضي طواف الإفاضة، فإذا قضاه فله أن يركب في رجوعه من مكة إلى منى وفي رمي الجمار بمنى، وإن أخّر طواف الإفاضة فلا يركب في رمي الجمار، وله أن يركب في حوائجه، [كماله إذا وصل المدينة أو المناهل ماشياً أن يركب في حوائجه] ، أو ذكر في طريقه وهو ماشٍ حاجة نسيها فليرجع وراءها راكباً. ¬

(¬1) انظر: شرح حدود ابن عرفة (ص175، 190) ، والكافي (1/193) ، والدراري المضية (1/352) ، والقوانين الفقهية (1/8) ، ومختصر خليل (1/94) ، والتقييد (2/2) .

1179 - ومن أوجب على نفسه المشي إلى الكعبة في نذر أو يمين حلف بها، فعليه الوفاء به، وإن أكثر من النذور بذلك مما لا يبلغه عمره فلا يجزيه إلا أن يمشي ما قدر من الزمان، ويتقرب إلى الله عز وجل بما قدر عليه من خير، [وقاله الليث] . ويمشي الحالف من حيث حلف، إلا أن ينوي موضعاً فيمشي منه. 1180 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فأنا محرم بحجة أو عمرة، فإن كلمه قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحجة إلى [دخول] أشهر الحج، إلا أن ينوي أنه محرم من يوم حنث، فيلزمه [ذلك، وإن كان في غير أشهر الحج] ، وأما العمرة فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه، فليؤخر حتى يجد، فيحرم حينئذ، وإحرامه في ذلك بحج أو بعمرة من موضعه لا من ميقاته، إلا أن ينويه فله نيته. 1181 - ومن قال: أنا محرم يوم أكلم فلاناً، فإنه يوم يكلمه محرم، وقوله: يوم أفعل

كذا فأنا أحرم بحجة، كقوله: فأنا محرم، وقوله: إن فعلت كذا فأنا أحج إلى بيت الله، [أو أمشي إلى مكة أو إلى بيت الله، أو فعلي المشي إلى مكة، أو إلى بيت الله] أو فعلي حجة، أو لله علي حجة كل ذلك سواء، ويلزمه الحج إن حنث. 1182 - قال إبراهيم والشعبي: من قال: إن فعل كذا فهو محرم بحجة، فليحرم إن شاء من عامه، أو متى تيسر عليه، وإن قال: يوم أفعل [كذا] ، ففعل فهو يومئذ محرم. 1183 - ومن لزمه المشي إلى مكة فخرج ماشياً فعجز في مشيه فليركب فيما عجز، فإذا استراح نزل، وعرف أماكن ركوبه من الأرض، ثم يعود ثانية فيمشي أماكن ركوبه، ولا يجزيه أن يمشي عدة أيام ركوبه، إذ قد يركب موضعاً ركبه أولاً، وليس عليه [المشي] في رجوعه ثانية وإن كان قوياً أن يمشي الطريق كله، ولكن يمشي ما ركب فقط ويهدي، لأنه قد فرق مشيه، قال ابن عباس: ينحر بدنة (¬1) ، ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (8/449) ، وابن أبي شيبة (3/492) ، والبيهقي في الكبرى (10/81) .

فإن عجز فلم يوعب مشيه في الثانية لم يعد ثالثة وأهدى، وإن علم في الثانية أنه لا يقدر على تمام المشي قعد وأهدى وأجزأه الذهاب الأول كانت حجة أو عمرة، ولو عل أول خروجه أنه لا يقدر أن يمشي كل الطريق في ترداده إلى مكة مرتين، أو كان شيخاً زمناً، أو امرأة ضعيفة، أو مريضاً يئس من البرء فلا بد أن يخرج أول مرة، ويمشي ولو نصف ميل ثم يركب بعد ذلك ويهدي وإذا رجا المريض إفاقة يقدر بعدها أن يمشي [تربص للإفاقة، إلا أن يعلم أنه غير قادر في إفاقته أن يمشي] فهو بمنزلة الشيخ الكبير. 1184 - وإذا مشى حجه كله وركب في الإفاضة [فقط] ، أو مرض في طريقه فركب الأميال أو البريد أو اليوم ومشى البقية لم يعد ثانية وأهدى. ولو مشى حتى سعى بين الصفا والمروة ثم خرج إلى عرفات وشهد المناسك والإفاضة راكباً رجع قابلاً راكباً، فركب ما مشى، ومشى ما ركب، والمشي على الرجال والنساء [سواء] فيما ذكرنا. 1185 - وله أن يجعل مشيه الثاني في غير ما جعل الأول من حج أو عمرة، [إذا أبهم

يمينه أو نذره كذلك، فأما إن سمى حجاً أو عمرة] فلا يجعل الثانية إلا مثلها، ولا يجعل المشي الثاني ولا الأول في فريضة. 1186 - ومن قال: علي المشي إلى بيت الله حافياً راجلاً فلينتعل، وإن أهدى فحسن، وإن لم يهد فلا شيء عليه، وهو خفيف. 1187 - ومن حلف بالمشي فحنث فمشى في حج ففاته الحج أجزأه ما مشى وجعلها عمرة، ومشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، ويقضي الحج قابلاً راكباً، ويهدي لفوات الحج، [ولا شيء عليه غير ذلك] ، وإن جعل مشيه في عمرة فله إذا حلّ منها أن يحج الفريضة من مكة ويكون متمتعاً إن كانت عمرته في أشهر الحج، ولو قرن يريد بالعمرة المشي الذي عليه وبالحج فريضته، لم يجزه من الفرض وعليه دم القران، كمن نذر مشياً فحج ماشياً وهو صرورة ينوي بذلك نذره وفريضته، أجزأه لنذره لا لفرضه، وعليه قضاء الفريضة قابلاً. 1188 - ومن قال: إن فعلت كذا فأنا أحمل فلاناً إلى بيت الله فحنث، قال مالك:

يُنوّى فإن أراد التعب بحمله على عنقه حج ماشياً وأهدى وليس عليه أن يحج بالرجل، وإن لم ينو ذلك حج راكباً، ويحج بالرجل معه ولا هدي عليه، وإن أبى الرجل أن يحج حج الحالف وحده راكباً ولا شيء عليه في الرجل، وقال عنه علي: إن نوى إحجاجه من ماله فلا شيء عليه إلا إحجاج الرجل، فإن أبى الرجل [أن يحج] فلا شيء على الحالف، [قال] ابن القاسم: وقوله أنا أحج بفلان أوجب [عليه] من قوله أحمله لا يريد بذلك على عنقه، لأن إحجاجه إياه من طاعة الله، فإن أبى الرجل فلا شيء عليه فيه، ومن قال: [أنا] أحمل هذا العمود أو غيره إلى مكة، طلب بذلك المشقة على نفسه فليحج ماشياً غير حامل شيئاً ويهدي. قال إبراهيم: من قال أنا أهدي فلاناً على أشفار عيني فليحجه ويهدي بدنة.

1189 - ومن قال: علي المشي إلى مكة، إلا أن يبدو لي أو أرى خيراً من ذلك، لزمه المشي، ولا ينفعه استثناؤه، ولا استثناء لذي طلاق، ولا عتاق، ولا مشي ولا صدقة، ولو قال في ذلك إن شاء فلان لم يلزمه شيء حتى يشاء فلان. 1190 - ومن قال: علي المشي، ولم يقل إلى بيت الله، فإن نوى مكة مشى، وإن لم ينو ذلك فلا شيء عليه، ولو قال مع ذلك إلى بيت الله [فليمش] إلى بيت الله إلا أن ينوي مسجداً فله نيته. 1191 - ومن قال: لله علي أن آتي المدينة أو بيت المقدس، أو المشي إلى المدينة، أو بيت المقدس فلا يأتيهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما، أو يسميهما فيقول: إلى مسجد رسول الله ÷، أو مسجد إيليا، وإن لم ينو الصلاة فيهما فليأتهما راكباً ولا هدي عليه، وكأنه لما سماهما، قال: لله علي أن أصلي فيهما.

1192 - ولو نذر الصلاة في غيرهما من مساجد الأمصار صلى بموضعه، ولم يأته، ومن نذر أن يرابط أو يصوم بموضع يتقرّب بإتيانه إلى الله كعسقلان والإسكندرية لزمه ذلك، وإن كان من أهل مكة والمدينة. 1193 - ولا يلزم المشي إلا من قال: علي المشي إلى مكة، أو بيت الله، أو المسجد الحرام أو الكعبة أو الحجر أو الركن، وأما غير هذا كقوله: إلى الصفا أو المروة أو منى أو عرفة أو ذي طوى أو الحرم أو المزدلفة أو إلى غير ذلك من جبال الحرم فلا يلزمه. 1194 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعلي أن أسري أو أذهب أو انطلق أو آتي أو أركب إلى مكة، فلا شيء عليه إلا [أن ينوي] أن يأتيهما حاجاً أو معتمراً فيأتيهما راكباً إلا أن ينوي ماشياً، وقد اختلف قول ابن القاسم في

الركوب، فأوجبه مرة، وأشهب يرى عليه إتيان مكة في هذا كله حاجاً أو معتمراً. 1195 - ومن قال لحر: إن فعلت كذا فأنا أهديك إلى بيت الله، فحنث فعليه هدي، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: شاة. وإن قال: فعبد فلان أو داره أو شيء من ماله هدي، فحنث فلا شيء عليه. وقال النبي ÷: "لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم". (¬1) 1196 - ومن قال: إن فعلت كذا فعلي هدي [فحنث] فإن نوى ¬

(¬1) رواه مسلم (3/1262) ، (1641) ، وأبو داود (3/232، 233) ، والنسائي في الكبرى (3/136) والدارجي (2/240) ، والبيهقي في الكبرى (8/109، 231) ، والدارقطني في سننه (4/16) ، والشافعي في مسنده (1/339، 352) ، وابن ماجة (1/686) ، وأحمد (4/430) .

[شيئاً] فهو ما نوى، وإلا فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد وقصرت نفقته رجوت أن تجزيه شاة، [وزحفها مالك] وقال: البقر أقرب شيء إلى الإبل، ولو قال بدنة فحنث، فالبدن من الإبل، فإن لم يجد بعيراً فبقرة، فإن لم يجد فسبع من الغنم، وكذلك لو قال: علي أن أهدي بدنة، فلينحر بعيراً، فإن قصرت نفقته ولم يجد فبقرة، ولا يجزيه شراء بقرة حتى لا تبلغ نفقته ثمن بدنة، فإن لم يجد ثمن بقرة فسبع من الغنم، فإن لم يجد الغنم لضيق وجده فلا أعرف في هذا صوماً، إلا أن يحب فليصم عشرة أيام، فإن أيسر يوماً ما، كان عليه ما نذر، وقد قال مالك فيمن نذر عتق رقبة فلم يستطعها: إن الصوم لا يجزيه إلا أن يشاء أن يصوم، فإن أيسر يوماً ما أعتق، فهذا مثله. 1197 - ومن قال: لله علي أن أنحر بدنة، أو قال: لله علي هدي فلينحر ذلك بمكة، ولو قال: لله علي جزور، أو أن أنحر جزوراً، فلينحرها بموضعه، ولو نوى

موضعاً، أو سماه، فلا يخرجها إليه كانت الجزور بعينها أو بغير عينها، وكذلك إن نذرها لمساكين بلد بعينها، وهو بغيرها، فلينحرها بموضعه، ويتصدق بها على مساكين من عنده، وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال. 1198 - ومن نذر هدي شيء من مال غيره لم يلزمه شيء. وإن قال: داري أو عبدي أو شيء من ماله [مما] لا يهدى هو هدي، أو حلف بذلك فحنث، فليبعه وليبعث بثمنه، وبما أهدى من العين فيُبتاع به هدي. فإن لم يبعه وبعث به بعينه فلا يعجبني ذلك، ويباع هناك فيُشترى به هدي، فإن لم يبلغ ذلك ثمن هدي - وأدناه شاة - أو فضل منه ما لا يبلغ ذلك. قال مالك: يبعثه إلى خزنة الكعبة، ينفق عليها، وقال ابن القاسم: أحب غلي أن يتصدق به حيث شاء.

وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد، لأنها ولاية من النبي ÷ إذ دفع المفاتح لعثمان بن طلحة. 1199 - ومن قال: إن فعلت كذا فغنمي [هذه] أو إبلي [أو بقري] هدي، فحنث فليبعث بها من ذلك الموضع، إن كانت تصل، ويقلد الإبل ويشعرها، والبقر لا تصل من إفريقية ولا من مصر، فإذا خاف على هذه الهدايا أن لا تبلغ لبعد سفر، أو لغير ذلك باعها، وابتاع بثمن الغنم غنماً، وبثمن الإبل إبلاً وبثمن البقر بقراً، وجائز أن يبتاع بثمن البقر إبلاً، لأنها لما بيعت صارت كالعين. 1200 - ولا أحب شراء الغنم بثمنها حتى يقصر عن ثمن بعير أو بقرة، ويشتري ذلك

من مكة، أو من موضع تصل، فإن ابتاعها من مكة فليخرجها إلى الحل ثم يدخلها [إلى] الحرم. 1201 - وإن نذر هدي بدنة غير معينة أجزأه شراؤها من مكة أو المدينة فتوقف بعرفة ثم تنحر بمنى، فإن لم توقف بعرفة، [لم تنحر بمنى] وأخرجت إلى الحل إن اشتريت في الحرم ثم نحرت بمكة، فإن لم يجد ثمنها فذلك دين عليه. 1202 - ومن قال: لله علي أن أهدي مالي [او قال: جميع مالي] ، أو قال: مالي صدقة، أو في سبيل الله، أو هدي أو حلف بذلك فحنث [أجزأه الثلث، وإن سمى شيئاً من ماله فقال: داري أو دابتي أو ثوبي أو غيره صدقة، أو في السبيل، أو هدي، أو حلف بذلك فحنث] ، اخرج ذلك كله وإن أحاط بماله، كمن عم النساء أو خص في الطلاق. 1203 - وإن قال: ثلث مالي صدقة، أو ثلاثة أرباعه أو أكثر فليخرج جميع ما سمى، ما لم يقل: مالي كله. وإن قال: إن فعلت كذا فعبدي هدي فحنث ولا مال له غيره فليبعه وليشتر بثمنه هدياً، ولو قال: جميع مالي، فإنما يهدي ثلثه. 1204 - وإن حلف بهدي عبده هذا وجميع ماله فحنث، أهدى العبد وثلث ما بقي

من المال، [وكذلك هذا في الصدقة أو في سبيل الله] ، وكذلك لو قال: فرسي ومالي في سبيل الله، أخرج الفرس وثلث ما بقي من ماله، ومن جعل عبيده صدقة أو في سبيل الله في يمين فحنث، ففي الصدقة يبيعه ويتصدق بثمنه، وأما في السبيل، فليبعه ويدفع ثمنه إلى من يغزو به من موضعه إن وُجد، وإن لم يجد فليبعث بثمنه. 1205 - وإن كان فرساً أو سلاحاً أو شيئاً من آلات الحرب، جعله في السبيل [في يمين] فحنث، فليبعث ذلك بعينه [إن وجد من يقبله] ، فإن لم يجد من يقبله، أو يبلغه، فليبعث بثمنه فيجعل في مثل المبيع من كراع أو سلاح أو غيره بخلاف البقر الهدي تباع إذا لم تبلغ، فيجوز أن يشتري بثمنها إبلاً، لأن تلك كلها للأكل وهذا تختلف منافعه. 1206 - وإذا جعل جميع هذه [الأشياء] صدقة، باعها وتصدق بثمنها، وكذلك إن جعله هدياً فليبعه ويهدي ثمنه. 1207 - وإذا جعل مالاً أو غيره في سبيل الله، فذلك في الجهاد والرباط، من السواحل والثغور، وليس جُدّة من ذلك، وإنما كان الخوف بها مرة.

1208 - ومن قال: مالي في الكعبة، أو في رتاجها، أو في حطيمها فلا شيء عليه، لأن الكعبة لا تنقض فتبنى، - والرتاج: الباب، والحطيم: ما بين الباب إلى المقام - وإن قال: مالي في كسوة الكعبة أو طيبها، أهدى ثلث ماله [ويدفعه] إلى الحجبة. 1209 - وإن قال: أنا أضرب بمالي أو بشيء منه بعينه حطيم الكعبة [أو الركن] ، فعليه حجة أو عمرة، ولا شيء عليه في ماله، [وكذلك لو قال: أضرب بكذا أو كذا إلى الركن الأسود فليحج أو يعتمر، ولا شيء عليه] إن لم يرد حملان ذلك [الشيء] على عنقه، [قال ابن القاسم:] وكذلك هذه الأشياء. 1210 - قال مالك: ومن قال إن فعلت كذا فأنا أنحر ولدي، فحنث فعليه كفارة يمين، وقال ابن عباس (¬1) ، ثم رجع [مالك] فقال: لا كفارة عليه، ولا غيرها، ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/476) ، وابن أبي شيبة في المصنف (3/503) ، وعبد الرزاق (8/459) .

إلا أن ينوي به وجه الهدي، أن يهدي ابنه لله، فعليه هدي، قال ابن القاسم: وهذا أحب إلي من الذي سمعت منه [والذي سمعت منه] أنه إن لم يقل عند مقام إبراهيم فعليه كفارة يمين، وإن قال عند مقام إبراهيم فليهد، قال ابن عباس: كبشاً، [وقال أيضاً ابن عباس في من جعل ابنه بدنة فليهد ديته مائة من الإبل، ثم ندم بعد ذلك فقال: ليتني كنت أمرته أن يهدي كبشاً كما قال تعالى: ×وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ% (الصافات: 107) ، قال ابن القاسم:] وإن قال: أنا أنحر ولدي بين الصفا والمروة، أو بمنى، فعليه الهدي، وقد قال النبي ÷ عند المروة:

"هذا المنحر، وكل طرق مكة وفجاجها منحر" (¬1) ، ويلزمه في نحر أبويه ما يلزمه في نحر ولده. 1211 - ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك. 1212 - ومن قال: والله ما لقي فلاناً أمس، وهو لا يدري ألقيه أم لا، ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف برّ، وإن كان خلاف ذلك أثم وكان كمتعمد الكذب، وهي أعظم من أن تكفر. 1213 - ولغو اليمين ليس كقول الرجل: لا والله، وبلى والله، وإنما اللغو: أن يحلف بالله على أمر يوقنه، ثم يتبين له [أنه] خلاف ذلك فلا شيء عليه، ولا ثنياً ولا لغو في طلاق. 1214 - ولا مشي ولا صدقة ولا غيرها إلا في اليمين بالله، أو نذر لا مخرج له. ¬

(¬1) رواه الترمذي (3/232) ، وابن خزيمة (4/283) ، والبيهقي (5/122) ، ومالك (1/393) ، والطبراني في الأوسط (4/297) ، الصغير (1/350) ، والبزار (2/165) ، وأحمد (1/75) ، وأبو يعلى في مسنده (1/264، 413) ، والدارمي (2/79) ، وعبد ابن حميد (359) .

1215 -[قال مالك رحمه الله:] والأيمان [بالله] أربعة: يمين غموس، ولغو يمين، فلا كفارة [في هذين] ، ويمين الرجل والله لأفعلن، ووالله لا فعلت: ففي هذين كفارة، [فإن رأى] الحنث [أفضل] أحنث نفسه. والغموس: الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، وهي أعظم من أن تكفّر. 1216 - والحلف بجميع أسماء الله تعالى وصفاته لازم، كقوله: والسميع والعليم، والعزيز والخبير واللطيف، أو قال: والله أو تالله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا أو قال: وعزة الله وكبريائه وقدرته وأمانته، أو قال لعمر الله فهي كلها أيمان تكفّر. 1217 - ومن قال: علي عهد الله أو ذمته أو كفالته أو ميثاقه، أو قال: علي عشر كفالات أو عشر مواثيق، أو عشر نذور أو أقل أو أكثر، يلزمه عدد ما ذكر كفارات.

1218 - وإن قال: أشهد أو أقسم أو أحلف أو أغرم أن لا أفعل كذا، فإن أراد بالله فهي يمين، وإلا فلا شيء عليه [وإن قال: أعزم أن لا أفعل كذا، فليس بيمين، وإن قال: أعزم بالله أن لا أفعل كذا، فيمين] . 1219 - وإن قال لرجل: أعزم بالله عليك إلا ما فعلت كذا، فيأبى، فهو كقوله: اسألك بالله لتفعلن كذا، فامتنع، فلا شيء على واحد منهما. 1220 - وإن قال: علي نذر، أو لله علي نذر، أو حلف بذلك فحنث، فعليه كفارة يمين إلا أن ينوي بنذره ذلك صوماً أو فعل خير [فليزمه ذلك] وله نيته. 1221 - وإن قال: علي يمين إن فعلت كذا، ولا نية له فعليه [كفارة] يمين كقوله: علي عهد أو نذر. 1222 - قيل: فمن قال: [الحلال] علي حرام إن فعلت كذا، قال: لا يكون

الحرام يميناً في شيء لا في طعام، ولا في شراب، ولا في أم ولد إن حرمها على نفسه، ولا في خادم ولا عبد إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق، قال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي عليه السلام في تحريمه أم ولده، لأنه حلف بالله أن لا يقربها. 1223 - ومن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو كافر بالله أو بريء من الإسلام فليست هذه أيماناً، وليستغفر الله مما قال. 1224 - وقوله لعمري، [أو] هو زان، أو هو سارق، أو قال: والصلاة والصيام والزكاة والحج أو قال: هو يأكل لحم الخنزير أو لحم الميتة، أو يشرب بالخمر] أو الدم أو يترك الصلاة، أو عليه لعنة الله أو غضبه، أو حرمه الله الجنة، أو أدخله النار، وكل ما دعا به على نفسه لم يكن شيء من هذا أيماناً.

1225 - وكذلك قوله: وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك، وهذا من كلام النساء وضعفاء الرجال، وأكره اليمين بهذا، أو بغير الله، أو برغم أنفه، أو برغم أنفه لله، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. 1226 - ومن حلف بشيء من أسماء الله أو صفاته، أو نذر لا مخرج له [منه] فقال: إن شاء الله، فإن أراد بذلك الاستثناء [فلا حنث عليه، وإن أراد به معنى قول الله تعالى: ×وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلاّ أَن يَشَاء اللَّهُ% (الكهف: 23) ، ولم يرد به الاستثناء] فهو حانث، وإن حدثت له نية الاستثناء قبل تمام لفظه باليمين أو بعد، إلا أنه لم يصمت حتى وصل بها الاستثناء أجزأه، وإن كان بين الاستثناء واليمين صمات فلا ثنيا له، ومن استثنى في نفسه ولم يحرك لسانه لم ينتفع بذلك. 1227 - وإن حلف بالله ذمي أن لا يفعل كذا، فحنث بها بعد إسلامه فلا كفارة عليه.

1228 - ومن قال: علي نذر أن أحج أو أفعل شيئاً من الخير، سماه أو حلف بذلك فحنث، فلا يجزيه إلا الوفاء بذلك. 1229 - وإن قال: علي نذر إن لم اعتق رقبة، أو إن لم أفعل من البر كذا، فإن شاء فعله فبر، أو تركه وكفر كفارة [يمين] ، فإن ضرب لفعله اجلاً فجاوزه ولم يفعل فعليه كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر، مثل قوله: علي صدقة، أو نحوه، أو ينوي ذلك فيلزمه، لأنه مخرج نذره. 1230 - وإن قال: علي نذر إن لم أشرب الخمر أو أقتل فلاناً، ونحوه من المعاصي، فلا يفعل ذلك، وليكفر كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر، فإن اجترأ وفعل ما قال من المعصية فقد أثم وسقط عنه النذر، كان له مخرج، أو لم يكن. 1231 - وإن قال: علي نذر إن شربت الخمر، فلا يشربها، ولا كفارة عليه، وهو علي بر، وإن شربها فعليه كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر فيلزمه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/270) ، والتمهيد (6/99) ، والمدونة الكبرى (3/111) .

1232 - ومن نذر ما ليس فعله بطاعة، ولا تركه بمعصية، مثل المشي إلى السوق، ونحوه فإن شاء فعل أو ترك، ولا شيء عليه. 1233 - ومن حلف لا فعلت كذا، [أو إن فعلت كذا] ، فهو على بر، ولا يحنث حتى يفعل ذلك، وإن قال: إن لم أفعل، أو لأفعلن، فهو على حنث حتى يفعله. 1234 - ومن حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو بالله ليضربن فلاناً أو ليقتلنه، فإن ضرب أجلاً فهو على بر، وإنما يحنث إذا حل الأجل ولم يفعل، وإن لم يضرب أجلاً، فهو على حنث ولا ينبغي له أن يفعل ذلك، وليكفر أو يمشي ويطلق عليه الإمام أو يعتق إن رُفع ذلك إليه بالقضاء، فإن اجترأ ففعل ذلك قبل النظر فيه زالت عنه أيمانه. 1235 - ومن قال لامرأته: والله لأطلقنك، فليس بمولٍ، ولا يمنع من الوطء، فإن شاء طلق فبر في يمينه، وإن لم يطلق لم يحنث إلا بموته، أو موتها، ولا يجبر على الكفارة. 1236 - ومن قال: والله لأفعلن كذا، فإن ضرب أجلاً فلا يكفر حتى يمضي الأجل. [في قول الرجل لامرأته: أنت طالق إن لم أفعل كذا أو إن فعلت] 1237 - ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك، فأراد أن لا يتزوج

[عليها] فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه، ولو ضرب أجلاً كان على بر، وليس له أن يُحنّث نفسه قبل الأجل، وإنما يحنّث إذا مضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه. 1238 - وإن قال لها: أنت طالق إن لم أفعل كذا، حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء، وإن كانت يمينه لا فعلت، لم يُحل بينه وبينها، لأنه على بر [حتى يفعل ذلك فيحنث] . 1239 - ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أجامعكن، فجامع واحدة منهن حنث، وإنما يلزمه إذا وطئ إحداهن أو كلهن كفارة واحدة، وله أن يطأ البواقي قبل أن يكفر، إذ كان له أن يطأهن كلهن قبل الكفارة. 1240 -[ومن قال: والله لا أدخل دار فلان، والله لا أكلم فلاناً، والله لا أضرب

فلاناً، فعليه ها هنا لكل صنف فعله كفارة] . 1241 - ولو قال: والله لا أدخل دار فلان، ولا أكلم فلاناً، [ولا أضرب فلاناً] ، ففعل ذلك كله أو بعضه، أجزأته كفارة واحدة ولا شيء عليه في فعل ما بقي. 1242 - ومن حلف بالله أن لا يفعل كذا، ثم ردد اليمين في ذلك مراراً في مجلس واحد أو مجالس، ثم حنث، فكفارة واحدة تجزيه عن ذلك، نوى باليمين الثانية غير الأولى، أو بالثالثة غير الأولى والثانية، أو لم ينو شيئاً، فهي يمين واحدة، إلا أن ينوي أن عليه ثلاثة أيمان كالنذور، فيلزمه ثلاث كفارات، سواء [قال في يمين:] لله علي، أم لا. 1243 - وإن قال: والله لا أكلم فلاناً، ثم قال: علي حجة أو عمرة إن كلمته، فهما يمينان إن حنث لزمتاه جميعاً. 1244 - واستحب مالك الكفارة بعد الحنث، فإن كفر قبل [الحنث] أجزأه، وكذلك المولي. 1245 - وإن كفر بالصوم معسر قبل حنثه، ثم حنث بعد يسره فلا شيء عليه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/271) ، وشرح الزرقاني (3/85) ، والتمهيد (21/244) ، ومواهب الجليل (3/269) ، والمدونة الكبرى (3/117) ، والقوانين الفقهية (1/111) .

1246 -[قال مالك:] ومن حلف الا يفعل شيئاً إلى حين أو زمان أو دهر، فذلك كله سنة، وقال عنه ابن وهب: إنه شك في الدهر أن يكون سنة. 1247 - وإذا حنث العبد في اليمين بالله فكسا أو أطعم بإذن سيده، رجوت أن يجزيه، وليس بالبيّن، والصوم أحب إلي، وأما العتق فلا يجزيه وإن أذن له سيده، إذ الولاء لسيده، وصومه وفعله في كل كفارة كالحر. 1248 - ولو حنث في رقه ثم كفّر بالعتق بعد أن عتق أجزأه.

1249 - ولا تغربل الحنطة في كفارة اليمين، إلا أن تكون مغلوثة. 1250 - قال مالك: والإطعام في كفارة اليمين بالله مُدّ قمح، لكل مسكين عندنا بالمدينة، لأنه وسط عيشهم، فأما سائر الأمصار فإن لهم عيشاً غير عيشنا، فليخرجوا وسطاً من عيشهم، وقال ابن القاسم: حيثما أخرج مداً بمد النبي ÷ أجزأه، [ولا يجزيه أن يخرج قيمة الطعام عرضاً، وإن غدّى وعشّى في كفارة اليمين بالله أجزأه،] ولا يجزيه غداء دون عشاء، ولا عشاء دون غداء، ويطعم الخبز مأدوماً بزيت ونحوه. 1251 - ويعطى الفطيم من طعام الكفارة [مثل ما يعطى الكبير] . ومن عليه يمينان فأطعم عن واحدة مساكين، كرهت له إعطاءهم لليمين الأخرى وإن لم يجد غيرهم في مكانه أو بعد أيام، وليطلب سواهم. ولا يعطى من شيء من الكفارات ذمي أو عبد أو أم ولد، وإن كان

سيدهم محتاجاً، فإن فعل وأعطى منها لغني لم يعلم به، لم يجزه، وكذلك الكسوة. ويُعطى منها من له دار وخادم، لا فضل في ثمنهما عن سواهما، كما يُعطى من الزكاة، ولا يعجبني أن يعطى منها لذي قرابة منه لا تلزمه نفقته، فإن فعل أجزأه إذا كان محتاجاً، وكذلك الزكاة وجميع الكفارات. 1252 -[قال مالك:] ومن حلف بالله فحنث، فهو مخير في إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة. 1253 - ولا يجزيه الصوم وهو قادر على شيء من هذا، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام [متتابعات أحب إلي، فإن فرقها أجزأه، وإن أكل أو شرب ناسياً في صومها قضاه، وإن حاضت فيه امرأة بنت إذا طهرت، ولا يجزيه صوم الكفارة] في أيام التشريق إلا اليوم الرابع فعسى به أن يجزيه إن صامه، ولا يجزيه الصوم إن كان له

مال غائب وليستلف، وإن كان له مال [غائب] وعليه دين مثله، أجزأه الصوم، [ولا يجزيه الصوم] إن كان يملك داراً أو خادماً، وإن قل ثمنهما كالظهار. 1254 - وإن كسا في الكفارة لم يجزه إلا ما تحل الصلاة فيه، ثوباً للرجل، ولا تجزيه عمامة وحدها، وللمرأة درع وخمار. 1255 - وعتق من صلى وصام في كفارة الأيمان أحب إلي، فإن أعتق [فطيماً] أو رضيعاً لقصر النفقة رجوت أن يجزيه، وكذلك الأعجمي، ويجزئ في ذلك ما يجزئ في الظهار وواجب الرقاب، ولا يجزئ أقطع اليد، أو الرجل، وأما الأعرج فقد كرهه [مالك] مرة وأجازه مرة [أخرى] ، وآخر قوله لا يجزئ إلا أن يكوزن عرجاً خفيفاً، قال ابن شهاب: ولا يجزئ عتق أعمى

ولا مجنون ولا أبرص، قال عطاء: ولا أشل ولا صبي لم يولد في الإسلام، قال ابن القاسم: ولا رقبة غير مؤمنة، ولا مدبر ولا مكاتب، ولا أم ولد، ولا معتق إلى أجل، ولا من يعتق عليه إذا ملكه، ولا رقبة اشتراها بشرط العتق، ولا زوجته إذا ابتاعها حاملاً فأعتقها قبل أن تضع في شيء من الكفارات، وتجعل الزوجة بذلك الحمل أم ولد إذا ابتاعها، ولا أحب له [أن يعتق] في عتق واجب عليه إلا ما كان يملكه بعد ابتياعه ولا يعتق عليه. 1256 - ويجوز شراء رقبة بشرط العتق ليعتقها تطوعاً. ومن كفر عن أحد بعتق أو غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه، كمكفّر بعتق عن ميت. 1257 - ومن كسا وأطعم وأعتق عن ثلاثة أيمان ولم ينوِ لأحد الأيمان بعينه صنفاً من ذلك أجزأه، وكذلك إن أعتق عبده عن أحد الأيمان بغير عينه أجزأه، وإن نوى بعتقه [عن] جميعها لم يجزه.

1258 - ولا يجزيه أن يكفر يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة، ولا يجزه إخراج قيمة الكسوة عيناً، ولا [يجزئ] إخراج الكفارة في بناء مسجد، أو كفن ميت، أو قضاء دين عنه، أو معونة في عتق. وأكره ان ترجع إلى الرجل صدقته [التطوع أو الواجبة، ببيع أو هبة أو صدقة] ، [وجائز بميراث] .

1259 - ومن حلف أن لا يأكل هذا الرغيف حنث بأكل بعضه، وإن حلف ليأكلنه لن يبر إلا بأكل جميعه، وإن حلف ليأكلنه اليوم فأكل اليوم بعضه وفي غد بعضه حنث، وإن حلف لا يأكل هذا الدقيق أو هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، فأكلهما بحالهما أو أكل خبزيهما أو سويق الحنطة حنث، لأن هذا هكذا يؤكل. 1260 - وإن حلف أن لا يأكل من هذا الطلع فأكل بسره أورطبه أو تمره حنث، إلا أن ينوي الطلع بعينه، وإن حلف أن لا يأكل من هذا اللبن فأكل من زبده أو جبنه، حنث، إلا أن تكون له نية، وإن حلف أن لا يأكل بسر هذه النخلة أو بسراً منها، فأكل من بلحها لم يحنث. 1261 - وإن حلف أن لا يأكل من هذه الحنطة أو من هذا الطعام، فلا يأكل ما اشتري بثمنهما من طعام ولا ما أنبتت الحنطة، إن نوى وجه المن، وإن كان لشيء في الحنطة من رداءة، أو سوء صنعة في الطعام لم يحنث بأكل ما ذكرنا.

1262 - وإن حلف أن لا يشرب هذا السويق فأكله حنث، إلا أن ينوي الشرب لما يعرض منه من نفخ أو غيره فلا يحنث إذا أكله. 1263 - وإن حلف أن لا يأكل هذا اللبن فشربه حنث، إلا أن تكون له نية. 1264 - وإن حلف أن لا يأكل سمناً فأكل سويقاً لُتّ بسمن حنث، وجد طعمه أو ريحه أم لا، إلا أن ينويه خالصاً. 1265 - وإن حلف أن لا يأكل خلاً فأكل لحماً طُبخ بخل لم يحنث، إلا أن ينوي ولا ما طُبخ بخل. 1266 - وإن حلف ألا يهدم هذه البئر، حنث بهدم حجر منها، إلا أن ينوي هدم جميعها. 1267 - وإن حلف أن لا يأكل خبزاً وزيتاً فأكل أحدهما، أو لا يفعل فعلين، ففعل أحدهما حنث، إلا أن ينوي جميعهما فلا يحنث. 1268 - وإن حلف في طعام أو شراب أن لا يأكله فذاقه، فإن لم يصل إلى جوفه لم يحنث.

1269 - قال مالك: وإن حلف أن لا يكلم فلاناً فكتب إليه كتاباً أو أرسل إليه رسولاً حنث، إلا أن ينوي مشافهته. ثم رجع فقال: لا يُنوى في الكتاب ويحنث، إلا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله إليه فلا يحنث. 1270 - ومن حلف أن لا يساكن فلاناً، فسكن كل واحد منهما في مقصورة في دار جمعتهما، فإن كان إذ حلف هذا في دار واحدة وكل واحد منهما في منزله حنث، وإن كان في بيت فلما حلف انتقل عنه إلى منزل في الدار، يكون مدخله ومخرجه ومرفقه في حوائجه على حدة لم يحنث، إلا أن يكون نوى الخروج من الدار، وكذا إن حلف أن لا يُساكن أخته امرأته وكانت ساكنتين في حجرة

واحدة، فانتقلتا إلى دار سكنت هذه في سفلها، وهذه في علوها، وكل مسكن مستغن عن الآخر بمرافقه إلا أن سُلّم العلو في الدار، ويجمعهما باب واحد فلا يحنث. وإن حلف أن لا يساكن فلاناً وهما في دار فساكنه في قرية أو مدينة لم يحنث، إلا أن يساكنه في دار. فإن حلف أن لا يساكنه فزاره، فليست الزيارة بسكنى، وينظر إلى ما كانت عليه يمينه، فإن كان لما يدخل بين العيال والصبيان فهو أخف، وإن أراد التنحي فهو أشد. وإن حلف أن لا يساكنه في دار سماها أم لا، فقُسّمت وضرب بين النصيبين بحائط، وجعل لكل نصيب مدخل على حدة، فسكن هذا في نصيب، وهذا في نصيب، فكرهه مالك، وقال: لا يعجبني [ذلك] ، وقال ابن القاسم: لا أرى به بأساً، ولا حنث عليه. 1271 - وإن حلف ألا يأكل لحماً فأكل شحماً أو لحم حوت، أو حلف أن لا يأكل رؤوساً [أو بيضاً] ن فأكل رؤوس سمك أو طير أو بيضهما حنث، إلا أن تكون له نية أو ليمينه بساط فيحمل عليه، وإن حلف أن لا يأكل شحماً فأكل لحماً لم يحنث. (¬1) 1272 -[قال مالك:] ومن حلف أن لا يكلم زيداً، فأمّ قوماً فيهم زيد فسلّم من الصلاة عليهم، أو صلى خلف زيد، وهو عالم به، فردّ عليه السلام حين سلّم من صلاته لم يحنث، وليس مثل هذا كلاماً، ولو سلّم على جماعة وهو فيهم حنث، علم به أم لا، إلا أن يُحاشي، ولو مرّ [به] في جوف الليل فسلّم عليه وهو لا يعرفه حنث. ¬

(¬1) انظر: المصنف لعبد الرزاق (6/379) ، والمدونة (3/130) ، والتاج والإكليل (3/296) ، ومختصر اختلاف العلماء (3/265) ، وبداية المجتهد (1/305) ، ومنح الجليل (3/64) .

1273 -[قال مالك:] وإن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها، خرج مكانه، وإن كان في جوف الليل، فإن أخّر إلى الصباح حنث إلا أن ينويه، فليجتهد إذا أصبح في مسكن ولينتقل، وإن تغالى في الكراء، أو وجد منزلاً لا يوافقه، فلينتقل إليه حتى يجد سواه، فإن لم يفعل حنث، ويرتحل بأهله وولده وجميع متاعه، وإن أبقى متاعه حنث. 1274 - وإن حلف أن لا يسكن هذه الدار، أو قال: دار فلان هذه، فباعها فلان فسكنها الحالف في غير ملكه حنث، إلا أن ينوي ما دامت في ملكه، ولو قال: دار فلان، فباعها فلان، فسكنها الحالف في غير ملكه لم يحنث، إلا أن يكون نوى أن لا يسكنها، وكذلك إن حلف أن لا يأكل من طعام فلان، فباع فلان طعامه، ثم أكل منه لم يحنث، إلا أن يقول: من هذا الطعام، فلا يأكل منه أبداً، فإن فعل حنث، إلا أن ينوي ما دام في ملكه. 1275 - وإن حلف أن لا يسكن دار فلان، فسكن داراً بين فلان ورجل آخر،

أو لا يأكل من طعام اشتراه فلان، فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه، أو لا يلبس ثوباً غزلته فلانة، فلبس ثوباً غزلته فلانة وأخرى معها، أو قال لامرأته: أنت طالق إن كسوتك هذين الثوبين، ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعاً فكساها أحدهما، أو حلف أن لا يسكن بيتاً، ولا نية له، فسكن بيت شعر، وهو بدوي أو حضري، فهو في ذلك كله حانث. 1276 - فإن قال: امرأته طالق ماله مال، وقد ورث قبل يمينه مالاً ما لم يعلم به حنث، إلا أن ينوي في يمينه أن يعلمه فلا يحنث. 1277 - وإن حلف أن لا يدخل [على فلان] بيتاً فدخل عليه المسجد لم يحنث، وليس على هذا حلف، وإن دخل على جاره فوجده عنده حنث، وإن دخل المحلوف عليه [على الحالف] فخاف عليه مالك الحنث، وقال ابن القاسم:

لا يحنث إلا أن ينوي أن لا يجتمعا في بيت فحنث. 1276 - وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فهُدّمت أو خربت، حتى صارت طريقاً فدخلها لم يحنث، فإن بينت بعد ذلك فلا يدخلها، وإن دخلها مكرهاً لم يحنث، إلا أن يأمرهم بذلك فيحنث. وإن حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل بيتاً يسكنه فلان كراء، أو أقام على ظهر بيت منها حنث. وإن حلف أن لا يدخل من باب هذه الدار، أو من هذا الباب، فحُوّل الباب عن حاله، أو أغلق وفتح غيره، فإن دخل منه حنث إلا أن يكره الباب دون الدار، إما لضيقه، أو لجواز على أحد فلا يحنث. (¬1) ومن حلف أن لا يأكل من طعام فلان، ولا أدخل داره، ولا ألبس [من] ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/136) ، والتاج والإكليل (3/277) ، ومواهب الجليل (4/78) ، والمدونة الكبرى (3/114، 115) .

ثيابه، ثم ملك أشياء فلان هذه شراء منه، فأكل ولبس ودخل بعد الشراء فلا شيء [عليه] إلا أن يكره تلك الأشياء بأعيانها، ولو وهبها [له] المحلوف عليه، أو تصدق بها عليه فقبلها ثم أكل ولبس ودخل، وحنث إن كان ماكره من ناحية المنّ. 1277 - قال مالك: وإن حلف أن لا يأكل لرجل طعاماً، فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه فأطعمه خبزاً فخرج به الصبي إلى أبيه فأكل منه الأب ولم يعلم حنث، ومن حلف أن لا يأكل طعاماً فأُكره على أكله لم يحنث، وإن أكره على أن يحلف، لم تلزمه يمين. 1278 - ومن قال لزوجته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، فأذن لها [وهو] في سفر، أو حيث لا تسمعه، و [أشهد] فخرجت بعد إذنه، وقبل علمها بالإذن، فهو حانث، وإن حلف أن لا يأذن لها إلا في عيادة مريض، فخرجت في

العيادة بإذنه ثم مضت بعد ذلك إلى حاجة أخرى، لم يحنث، لأن ذلك بغير إذنه، ولو خرجت إلى الحمام بغير إذنه لم يحنث إلا أن يتركها بعد علمه، وإن هو حين علم بذلك لم يتركها، فلا يحنث، وإن لم يعلم حتى رجعت فلا شيء عليه. 1279 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه غداً، فقضاه اليوم برّ، ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غداً فأكله اليوم حنث، إذ الطعام قد يخص به اليوم، والغريم إنما القصد فيه القضاء. 1280 - ومن حلف بعتق أو طلاق أن لا يشتري ثوباً فاشتراه وشياً أو صنفاً سواه، وقال: نويت ذلك الصنف، أو حلف أن لا يدخل هذه الدار، ثم دخلها بعد شهر، وقال أردت شهراً فله نيته في الفتيا لا في القضاء إن قامت عليه بينة. (¬1) 1281 - وإن حلف أن لا يلبس هذا الثوب، وهو لابسه، أو لا يركب هذه الدابة، وهو عليها، فإن نزل عنها، أو نزع الثوب مكانه [برّ] وإلا حنث. وإن حلف أن لا يلبس هذا الثوب، فقطعه قباء أو قميصاً أو سراويل أو جبة، أو قلنسوة فلبسه حنث، إلا أن يكون كره الأول لضيقه، أو لسوء عمله، [فحوله] فلا يحنث. وإن ائتزر به أو لف به رأسه، أو جعله على منكبيه حنث، ولو جعله في الليل ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/282) .

على فرجه ولم يعلم [به] لم يحنث حتى يتزر به. 1282 - ومن حلف أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث إلا أن تكون له نية، إذ لو اشترى العبد من يعتق على سيده أعتقناه [عليه] ، وقال أشهب: لا يحنث. 1283 - ومن حلف بالله ماله مال، وله دين عرض أو غيره، أو له شوار وخادم ولا ناض له، حنث، إلا أن تكون له نية. 1284 - وإن استُعير منه ثوب فحلف بالطلاق ما يملك إلا ثوباً، وله ثوبان مرهونان فإن كانا كفاف دينه لم يحنث إن كانت تلك نيته، وإن لم تكن له نية حنث كان فيهما فضل أم لا.

1285 - ومن حلف أن لا يكلم فلاناً عشرة أيام فكلمه فيها حنث، ثم [إن] كلمه فيها مراراً قبل أن يكفر لم تلزمه إلا كفارة واحدة. 1286 - ومن حلف لرجل إن علم كذا [وكذا] ليعلمنه أو ليخبرنه، فعلماه جميعاً، لم يبر حتى يعلمه أو يخيره، وإن كتب به إليه، أو أرسل إليه رسولاً برّ، ولو أسر إليه رجل سراً فأحلفه ليكتمنه، ثم أسره المسر لآخر فذكره الآخر للحالف فقال له الحالف: ما ظننت أنه أسره لغيري حنث. 1287 - ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبداً، فتكفل بنفس رجل حنث، لأن الكفالة بالنفس كفالة بالمال، إلا أن يشترط وجهه بلا مال فلا يحنث. 1288 - ومن حلف أن لا يتكفل لفلان بكفالة، فتكفل لوكيل له ولم يعلم به، فإن لم يكن [الوكيل] من سبب فلان وناحيته لم يحنث الحالف. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/156) ، والتاج والإكليل (3/310) .

1289 - ومن حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة، أو أخذ سوطاً له رأسان، [أو جمع سوطين] فجلده بهما خمسين جلدة، لم يبر، ولو ضربه بسوط مائة جلدة ضرباً خفيفاً، لم يبر إلا بضرب مؤلم. ومن حلف أن لا يشتري عبداً فأمر غيره فاشتراه له حنث. وإن حلف أن لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه حنث، إلا أن ينوي بنفسه، [وإن حلف ليضربنه فأمر غيره بضربه بر إلا أن ينوي بنفسه] ، وإن حلف أن لا يبيع سلعة، فأمر غيره [فباعها له] حنث، ولا يُديّن. وإن حلف أن لا يبيع لفلان شيئاً، فدفع فلان ثوباً [لرجل] فأعطاه الرجل للحالف فباعه ولم يعلم به، فإن لم يكن الرجل من سبب فلان وناحيته مثل الصديق الملاطف أومن في عياله وناحيته لم يحنث، وإلا حنث، وكذلك إن حلف أن لا يبيع منه فباع ممن اشترى له ولم يعلم، فإن لم يكن المشتري من ناحية فلان ولا من سببه لم يحنث وإلا حنث، وإن قال [له] عند البيع: إني

حلفت أن لا أبيع فلاناًن فقال [له] : إنما أبتاع لنفسي، ثم صح بعد البيع أنه إنما ابتاع لفلان [المحلوف عليه] ، لزم الحالف البيع، ولم ينفعه ذلك، ويحنث إن كان المشتري من ناحية فلان. 1300 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل فقضاه إياه، ثم وجد فيها صاحب الحق درهماً نحاساً أو رصاصاً أو ناقصاً نقصاناً بيناً أو باراً لا يجوز، أو استحقت من يده فقام عليه بعد الأجل فهو حانث. وكذلك لو حلف أن لا يفارقه إلا بحقه فأحاله على غريم له، أو أخذ منه حقه ثم وجد فيه ما ذكرنا بعد أن فارقه فهو حانث. ولو أعطاه قضاء من حقه عرضاً يساوي ما عليه لو بيع [بالنقد] لبرّ، ثم استثقله مالك، وبأول قوله قول. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مختصر خليل (86) ، والشرح الكبير (2/153) .

وإن حلف أن لا يفارق غريمه إلا بحقه، ففر منه أو فلت حنث، إلا أن يكون قوله لا أفارقك، كالقائل لا أتركه إلا أن يفر أو أغلب عليه، فلا شيء عليه. 1301 - ومن قال لامرأته: أنت طالق إن قبلتك أو ضاجعتك، فقبلته من ورائه أو ضاجعته وهو نائم، لم يحنث، إلا أن يكون منه في القبلة استرخاء، وإن كانت يمينه إن قبلني أو ضاجعتني حنث بكل حال. 1302 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر، أو عند رأسه، أو إذا استهل، فله يوم وليلة من أول الشهر، وإن قال: إلى رمضان أو إلى استهلاله، فإذا انسلخ شعبان، واستهل الشهر ولم يقضه حنث. 1303 - وإن حلف لك غريمك ليقضينك حقك أو [قال] دنانيرك رأس الشهر،

فوهبت له حقك، أو وضعته عنه صدقة أو صلة لم يبر، ولو باعك به سلعة تساوي الدين لبر إن كانت [يمينه] على وجه القضاء، ولم تكن على أعيان الدنانير، ثم كرهه مالك، وقوله الأول أعجب إلي. 1304 - ولو كانت يمينه على أعيان الدنانير لم يبر إلا بدفعها، فإن مات رب الحق قبل الأجل، فقضى الغريم ورثته أو وصيه أو السلطان قبل الأجل برّ. 1305 - ومن حلف أن لا يهب فلاناً هبة، فتصدق عليه حنث، وكل هبة لغير الثواب كالصدقة. وكذلك كل ما نفعه به من عارية أو غيرها، إلا أن تكون له نية في العارية، لأن [أصل] يمينه على المنفعة. (¬1) 1306 - وإن حلف أن لا يكسو فلاناً فوهبه دنانير، أو حلف أن لا يكسو امرأته فأعطاها ما اشترت به ثوباً حنث. 1307 - قال مالك: وإن افتكّ [لها] ثيابها الرُّهُن حنث، ثم عرضتها عليه فقال: ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/302) .

امحها، وأبى أن يجيب فيها، وقال ابن القاسم: يُنوّى، فإن كانت نيته أن لا يهب لها ثوباً ولا يبتاعه لها لم يحنث، وإن لم تكن له نية حنث. وأصل هذا عند مالك، إنما هو على وجه المنافع والمن. 1308 - وإن حلف أن لا يهب لأجنبي أو لامرأته دنانير فكساها، أو أعطى الرجل فرساً أو عرضاً حنث، فإن نوى الدنانير دون غيرها، لم يُنوّ في الرجل ونُوي في الزوجة إذ قد يكره هبتها العين لسوء نظرها فيه. 1309 - وإن وهبه رجل شاة ثم منّ بها عليه فحلف أن لا يشرب من لبنها، ولا يأكل من لحمها، فإن أكل مما اشترى بثمنها، أو اكتسى منه حنث، ويجوز أن يعطيه [رب الشاة] من غير ثمنها ما شاء، إلا أن يكون [الحالف] نوى أن لا ينتفع منه بشيء أبداً.

1310 - وإن حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار زيد، أو أن لا يقضيه حقه إلا بإذن محمد، فمات محمد، لم يجزه إذن ورثته إذ ليس بحث يورث، وإن دخل أو قضى حنث. 1311 - وإن حلف رجل للأمير تطوعاً لئن رأى أمر كذا ليرفعنه إليه، أو حلّف الأمير قوماً أن لا يخرجوا إلا بإذنه، فمات الأمير أو عزل فليرفع ذلك [إلى] من ولي بعده، ولا يخرج القوم إلا بإذنه، إذا كان ذلك من الأول نظراً أو عدلاً، ومن حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر، فغاب فلان فليقض وكيله أو السلطان، ويخرجه ذلك من يمينه، فإن احتجب عنه السلطان فلم يجده، أو كان بقرية ليس فيها سلكان وخاف إن خرج إلى السلطان حل الأجل قبل بلوغه، فإن جاء بالحق على شرطه إلى عدول فأشهدهم على ذلك بعد اجتهاده في طلبه بعلمهم فلم يجده لم يحنث، وإن قضى وكيلاً له في ضيعته ولم يوكله رب الحق في تقاضي دينه أجزأه. (¬1) 1312 - وإن حلف لرجل لأقضينك حقك [إلى أجل] إلا أن تشاء أن تؤخرني ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/302) ، والتقييد (3/38) ".

فمات الطالب فإنه يجزيه تأخير ورثته إن كانوا كباراً، أو وصيه إن كان ولده أصاغر ولا دين عليه، فإن كان عليه دين لم يكن لوصي أو وارث تأخير مع الغرماء، ويجزيه تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله على أن يبرئ ذمة الميت. 1313 - ومن حلف ليأكلن هذا الطعام، أو ليلبسن هذه الثياب، أو يركب هذه الدابة أو يضرب عبده غداً، فماتت الدابة والعبد، وسرقت الثياب والطعام قبل غد فلا حنث عليه في الموت، لأنه كان على بر بالتأجيل، ويحنث في السرقة، إلا أن يكون نوى إلا [أن] يسرق أو لا يجده. 1314 - وإن حلف ليقضين فلاناً ماله إلى أجل، وقد مات فلان والحالف لا يعرف فليقض ورثته ولا يحنث، لأن يمينه إنما وقعت على الوفاء، فورثة الغريم مقامه، وإنما يحنث إن مضى الأجل ولم يقضهم. 1315 - وإن حلف ليذبحن حمامات ليتيمه فقام مكانه فألقاها ميتة، فلا شيء عليه.

1316 - وإن حلف بعتق عبده ليضربن فلاناً ولم يضرب أجلاً منع من بيعه حى يبر أو يحنث، فإن مات المحلوف عليه والحالف صجيج قبل ضربه، عتق العبد من رأس ماله، ولو مات والحالف مريض ثم مات الحالف من مرضه ذلك، عتق العبد من لثه، وهذا كله إذا عاش المحلوف عليه مدة، لو أراد الحالف أن يضربه فيها لضربه، ولو ضرب أجلاً فمات الحالف أو المحلوف عليه قبل الأجل لم يحنث، لأنه على برّ. 1317 - وإن حلف ليقضين فلاناً حقه في رمضان، فمات الحالف في شعبان لم يحنث، لأنه مات على بر، وديونه التي عليه تحل بموته، فإن لم يقض ورثته ذلك الحق إلا بعد الأجل لم يلحق الميت حنث، وليس على الورثة يمين ولا حنث في يمين صاحبهم. 1318 - ومن قال لامرأته عبدي حر إن لم أضربك إلى سنة، فماتت قبل السنة لم يحنث في عبده، لأنها ماتت وهو على برّ، وله بيعه، وإن مضى الأجل وهو عنده لم يعتق. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (3/149، 150) .

(كتاب النكاح الأول)

(كتاب النكاح الأول) 1319 -[قال مالك] : ومن قال لرجل: زوجي ابنتك على أن أزوجك ابنتي، أو زوجني أمتك على أن أزوجك أمتي ولا مهر بيننا، فذلك شغار يفسخ أبداً،

وإن ولدت الأولاد ورضياه، وللمدخول بها صداق المثل ولا شيء لغير المدخول بها. والشغار بين العبيد مثل [الشغار] بين الأحرار. 1320 - وإن قال له: زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة، أو قال: بخمسين، فلا خير فيه، وهو [من] وجه الشغار، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لكل واحدة [منهما] الأكثر من التسمية أو صداق المثل وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق [فيه] إلا أن بعض الصداق لا يجوز، فصار كمن نكح بمائة دينار وبخمر أو بمائة [دينار] نقداً ومائة إلى موت أو فراق، فإنه يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ويكون لها صداق المثل إلا أن يكون أقل من المائة النقد، فلا ينقص من المائة شيء. وإن زوجه ابنته بخمسين على أن يزوجه الآخر ابنته بغير شيء، فإن دخلا

ثبت نكاح المسمى لها، وفسخ الآخر وكان لكل واحدة منهما صداق المثل. (¬1) 1321 -[قال مالك:] وإذا ردّت الثيب الرجال رجلاً بعد رجل لم تجبر على النكاح، ولا يجبر أحد أحداً على النكاح إلا الأب في ابنته البكر وفي ابنه الصغير وفي أمته وفي عبده، والولي في يتيمه. ولا يزوج البكر وليها وإن كانت سفيهة إلا برضاها. 1322 -[قال ابن القاسم:] ومن زوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها جاز إن كان على وجه النظر [لها] ، وقد أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت له: إن لي ابنة في حجري موسرة مرغوباً فيها، فأراد أبوها أن يزوجها ابن أخ له فقيراً، فقال [لها: نعم] إني لأرى لك في ذلك متكلماً. ¬

(¬1) انظر: الذخيرة (4/384، 385) ، ومنح الجليل (3/305) ، والمدونة الكبرى (4/152، 153) ، وحاشية الدسوقي (2/307) ، شرح الزرقاني (3/185) ، الفواكه الدواني (20/13) ، الشرح الكبير (2/307) ، التمهيد (14/90) ، حاشية العدوي (2/67) .

قال ابن القاسم: وأنا أراه ماضياً إلا أن يأتي من ذلك ضرر فيمنع. 1324 - ومن زوج ابنته البكر فطلقها الزوج قبل البناء أو مات عنها فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، [وإن زوجها تزويجاً حراماً] فبنى بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها فهي أحق بنفسها وتسكن حيث شاءت، إلا أن يخاف منها هوى أو ضيعة أو سوء موضع، فيمنعها الأب أو الولي من ذلك ويضمناها إليهما. 1325 - وإذا زنت البكر فحدت أو لم تحد فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، وإن زوجها تزويجاً حراماً فبنى بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها بالقرب لم يكن لأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، ويدرأ به الحد، وتعتد فيه في بيت زوجها الذي كانت تسكن [فيه] كما تعتد في النكاح الحلال.

1326 - ومن زوج ابنته [البكر] فدخل بها الزوج ثم فارقها قبل أن يمسها لم يكن لأبيها أن يزوجها كما تزوج البكر إن طالت إقامتها مع زوجها وشهدت مشاهد النساء، وأرى السنة طول إقامة، وإن كان أمراً قريباً فله أن يزوجها [كما تزوج البكر] ، وكذلك إن طلقها الزوج فأنكرت المسيس وادعاه الزوج، نظرت إلى طول المدة وقربها. 1327 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء وليس لأبيه منعه. قال ابن القاسم: إلا أن يخاف منه سفهاً فله منعه. 1328 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا قال للبكر وليها: إني مزوجك من فلان فسكتت فذلك منها رضى، قال غيره: إذا كانت تعلم أن السكوت رضى،

وليس صمات الثيب رضى في أب ولا غيره [إلا أن تتكلم وتستخلف الولي على نكاحها] . [قال مالك:] وليس المشورة بلازمة للأب في الأبكار. 1329 - ومن زوج أخته الثيب أو البكر بغير أمرها فبلغها ذلك فرضيت، فبلغني أن مالكاً قال مرة: إن كانت بغير البلد أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز، وإن قرب جاز، فسألنا مالكاً ونزلت بالمدينة في رجل زوج أخته فقالت حين بلغها ذلك: ما وكلت ولا أرضى، ثم كلمت فرضيت، فقال: لا يجوز هذا النكاح ولا يقام عليه حتى يأتنفا نكاحاً [جديداً] إن أحبا.

1330 -[قال مالك:] ومن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه أو ابنته الثيب وهما غائبان فرضيا بفعل أبيهما لم يجز النكاح، لأنهما لو ماتا لم يتوارثا. 1331 - ولا تزوج اليتيمة التي يولى عليها حتى تبلغ وتأذن في ذلك، لأن النبي ÷ أمر باستئذان اليتيمة (¬1) ولا إذن إلا للبالغة، فإن زوجها وليها بغير إذنها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز، ولا يعد صماتها هاهنا رضى، وإن كانت بغير البلد ¬

(¬1) رواه أبو داود (2093) ، والترمذي (9408) ، وقال: حديث حسن.

أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز وإن رضيت، [قال سحنون:] وهذا قول مالك الذي عليه أصحابه. 1332 - ويجوز عفو الأب عن نصف الصداق في طلاق البكر قبل البناء، ولا يجوز ذلك لغيره من وصي أو غيره، وقد قال الله تعالى: ×إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ% (البقرة: 237) ، وهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وقول الله تعالى: ×إَلاَّ أَن يَعْفُونَ% هي المرأة الثيب. قال مالك: ولا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق.

قال ابن القاسم: إلا بوجه النظر من عسر الزوج فيخفف عنه وينظره فذلك جائز. فأما لغير طلاق ولا على وجه نظر لها فلا يجوز. 1333 - وإذا زوج البكر اليتيمة وليها بأمرها فقبض صداقها، لم يجز قبضه عليها إلا أن يكون وصياً [فيجوز قبضه عليها، لأنه الناظر لها وما لها في يديه] ، وإذا قبضه الأب لابنته الثيب بغير إذنها ثم ادعى تلفه ضمنه [لأنه متعد] كقبضه من غريمها ديناً لها بغير أمرها، فلا يبرأ الغريم والأب ضامن ولها أن تتبع الغريم. 1334 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا اختلف الأولياء [في إنكاح المرأة] وهم في القُعْدُد سواء، نظر السلطان في ذلك، فإن كان بعضهم أقعد من بعض فالأقعد أولى بإنكاحها، وهذا إذا فوضت إليهم وقالت: زوجوني، والأخ وابن الأخ أولى

بإنكاحها من الجد، والابن وابن الابن أولى بإنكاحها وبالصلاة عليها من الأب، فإن زوجها الأبعد برضاها وهي ثيب ووالدها حاضر فأنكر والدها وسائر الأولياء لم يرد النكاح، وكذلك إن كنت بكراً بالغاً لا أب لها ولا وصي فزوجها الأبعد برضاها وأنكره الأقعد فالنكاح جائز. 1335 - قال علي عن مالك: في الأخ يزوج أخته لأبيه وثمّ أخوها لأبيها وأمها، أن النكاح جائز إلا أن يكون الأب أوصى بها إلى الشقيق فلا تنكح حينئذ إلا برضاه، وإنما الذي لا ينبغي لبعض الأولياء أن ينكح وثم من هو أولى منه إذا لم يكونوا إخوة وكان أخاً وعماً، أو عماً وابن عم ونحو هذا وهم حضور. قال عنه ابن القاسم: وذو الرأي من أهلها إذا كان له الفضل والصلاح يجوز إنكاحه إياها إذا أصاب وجه النكاح، وإن كانت من العرب ولها من الأولياء من ذكرنا. وكذلك مولى النعمة يجوز أن يزوج مولاته من نفسه، ويلي عقد نكاح نفسه أو يزوجها من غيره برضاها فيجوز ذلك على الأقعد من أخ وغيره وهو من ذوي الرأي من أهلها، إذا كان له بالفضل] والصلاح، وهذا [كله] إذا كانت المرأة ثيباً أو بكراً بالغاً لا أب لها ولا وصي.

1336 - قال مالك: وقول عمر - رضي الله عنه - لا تنكح المرأة إلابإذن وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان، فذو الرأي من أهلها الرجل من العشيرة أو ابن العم أو المولى، وقال عنه ابن نافع هو الرجل من العصبة، وقال أكثر الرواة: لا يزوج ولي وثم من هو أولى منه حاضر، فإن فعل نظر السلطان في ذلك. وقال آخرون: للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يتطاول مكثها عند الزوج وتلد الأولاد، لأن العقد لم يخرج من أن وليه ولي وهذا في ذات المنصب والقدر. 1337 - ومن غاب عن ابنته البكر غيبة انقطاع كمن خرج في المغازي إلى مثل

إفريقية والأندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى الإمام فلينظر لها ويزوجها، وأما إن خرج تاجراً في سفر لغير مقام، فلا يزوجها ولي ولا سلطان، وإن أرادته الابنة. (¬1) 1338 -[قال مالك:] وإذا رضيت [الثيب] بكفء في دينه وهو دونها في النسب والشرف والمال، [أو رضيت بمولى] ورده أب أو ولي، زوجها إياه الإمام، لأن نكاح الوالي في العرب لا بأس به. قيل: فإن رضيت بعبد؟، قال: [قد] قال مالك: المسلمون بعضهم لبعض أكفاء، إذ قيل له: إن بعض هؤلاء القوم [قد] فرقوا بين عربية ومولى، فاستعظم ذلك [استعظاماً شديداً] ، [وقال: السلمون كلهم بعضهم لبعض أكفاء] لقول الله تعالى: ×إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ% (الحجرات: 13) ، وقال ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/435) ، ومواهب الجليل (3/435) .

غيره: ليس الولي بعاضل في منعه ذات القدر نكاح العبد ومثله، لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا لها، ولا يكون الأب عاضلاً لابنته البكر البالغ في ردّ أول خاطب أو خاطبين حتى يتبين ضرره، فإذا تبين [ذلك منه وأرادت الجارية النكاح] قال له الإمام: إما أن تزوج وإلا زوجناها عليك، لأن النبي ÷ قال: "لا ضرر ولا ضرار". (¬1) ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/745) ، وأحمد في المسند (1/313) ، وابن ماجة (2341) ، وانظر: نصب الراية (4/384) ، والدارية في تخريج الهداية (2/282) .

1339 - قال مالك: وللوصي أن يزوج البكر البالغ برضاها وإن كره الولي، ولو رضيت هي ووليها برجل وعقدا له لم يجز إلا برضى الوصي، فإن اختلفوا نظر السلطان، قال يحيى بن سعيد: الوصي أولى من الولي، ويشاور الولي. قال مالك: ووصي الوصي في البكر وإن بعد كالوصي، ويزوج الولي الثيب برضاها، وإن كره الوصي، وإن زوجها الوصي برضاها أيضاً جاز، وإن كره الولي، وليس كالأجنبي فيها، وليس لأحد أن يزوج الطفلة قبل بلوغها من قاض أو وصي أو ولي إلا الأب وحده، وأما الطفل الصغير فلأبيه أو وصيه أن يزوجه

قبل بلوغه، وليس ذلك لغيرهما من الأولياء، ولهما أن يوكلا بذلك غيرهما، وليس للأم أن تستخلف من يزوج ابنتها البالغ اليتيمة، إلا أن تكون الأم وصية، [فإن كانت وصية] عليها أو على صبية غير ابنتها فلا تلي هي عقد نكاحها، ولكن توكل بذلك رجلاً بعد بلوغ الصبية ورضاها، وأما قبل بلوغها فلا. 1340 - وإذا وكلت المرأة كل واحد من ولييها فزوجها هذا من رجل وهذا من رجل فالنكاح لأولهما إذا عرف الأول، إلا أن يدخل بها الآخر فهو أحق [بها] ، وبذلك قضى عمر - رضي الله عنه (¬1) - فإن لم يدخل بها واحد منهما ولم يعلم الأول فسخا جميعاً ولا قول لها إن قالت: هذا هو الأول، ثم تبتدي نكاح من أحبت منهما أو من غيرهما. 1341 - وإذا عتق الأمة رجلان فكلاهما وليها، فإن أنكحها أحدهما بإذنها جاز ذلك على الآخر وإن لم يرض، وإذا رضي الولي بعبد أو بحر ليس بكفء، ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/461) ، وعبد الرزاق (6/2303) .

فصالح ذلك الرجل زوجته فبانت منه ثم أرادت المرأة نكاحه بعد ذلك وامتنع الولي فليس ذلك له، إلا أن يظهر منه على فسق أو تلصص أو ما فيه حجة غير الأمر الأول، فذلك للولي. 1342 - وإذا وكلت المرأة الدنية مثل: المعتقة والسوداء والمسالمة والمسكينة، أجنبياً، فزوجها وهي ببلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يعسر عليها تناوله ولا ولي لها، جاز ذلك، وكذلك إن ولّت من أسلمت هي على يديه، وذلك فيهن أخف منه في ذوات القدر، وأما إن أسلم على يديه أبوها، وتقادم ذلك حتى يكون لها من القدر والغناء [والآباء] في الإسلام، وتنافس الناس فيها فلا يزوجها، وهو كأجنبي فيها. قيل لمالك: فرجال من الموالي يأخذون صبياناً من الأعراب تصيبهم السّنة فيكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا، فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها، فقال: ذلك جائز، ومن أنظر لها منه؟. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/170) ، والتمهيد (19/105) ، والمطلع (1/212) ، وأنيس الفقهاء (1/96) .

وأما كل امرأة لها بال أو غناء وقدر فإن تلك لا يزوجها إلا وليها أو السلطان. 1343 -[قيل لمالك: فلو أن امرأة لها بال أو غناء وقدر، وقد تزوجت بغير أمر ولي فوضت أمرها إلى رجل فرضي الولي بعد ذلك، أيثبت ذلك النكاج؟ فوقف فيه] ، وقال عنه ابن وهب في موضع آخر إنه يفرق بينها وبين زوجها بطلقة، دخل [بها] الزوج أم لا، إلا أن يجيز ذلك الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي. وقال ابن القاسم: إذا أجازه الولي [وكان] بالقرب جاز، سواء دخل [بها] الزوج أم لا، وإن أراد فسخه بحدثان الدخول فذلك له، فأما إن طالت إقامتها معه وولدت الأولاد، أمضيته إن كان ذلك صواباً ولم يفسخ، وقاله مالك. وقال غيره: لا يجوز، وإن أجازه الولي، لأنه [نكاح] عقده غير ولي، وقال غير واحد من الرواة مثل قول ابن القاسم: إن أجازه الولي [بالقرب] جاز. وإذا استخلفت امرأة على نفسها رجلاً فزوجها، ولها وليان أحدهما أقعد بها من الآخر، فلما علما أجازه الأبعد ورده الأقعد، فلا قول هاهنا للأبعد، بخلاف التي زوجا الأبعد وكره الأقعد، لأن ذلك نكاح عقده ولي وهذا نكاح عقده غير ولي،

فلا يكون فسخه إلا بيد الأقعد، فإن غاب الأقعد وأراد الأبعد فسخه نظر السلطان في ذلك، فإن كانت غيبة الأقعد قريبة بعث إليه وانتظره ولم يعجل، وإن كانت غيبته بعيدة نظر السلطان كنظر الغائب في الرد والإجازة، وكان أولى من الولي الحاضر. 1344 - قال مالك: وإن قالت [امرأة] لوليها: زوجني ممن أحببت، فزوجها من نفسه أو من غيره لم يجز حتى يسمي لها من يزوجها، ولها أن تجيز أو ترد، وقد قال عبد الرحمن: إن زوجها من غيره جاز وإن لم يسمه، وإن زوجها من نفسه فبلغها

ذلك فرضيت به جاز، وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها جاز ذلك، لأنه ولي من لا ولي له، وإن كان لها ولي فزوجها القاضي من [نفسه أو من ابنه] برضاها، وأصاب وجه النكاح ولم يكن منه جور فليس لوليها فسخ ذلك. 1345 - ومن زوج ابنه البالغ المالك لأمره وهو حاضر صامت، فلما فرغ الأب من النكاح قال الابن: ما أمرته ولم أرض، صدق مع يمينه، وإن كان الابن غائباً فأنكر حين بلغه، سقط النكاح والصداق عنه وعن الأب، وابنه والأجنبي في هذا سواء. 1346 - ومن أعتق صبياً صغيراً أو صغيرة فزوجها قبل البلوغ لم يجز عقده عليها، وللوصي إنكاح آماء اليتامى وعبيدهم على وجه النظر [لهم] . 1347 - ومن خطب على رجل امرأة بأمره فرضيت ووليها، وضمن الخاطب الصداق، ثم قال الرجل: ما أمرته، بطل النكاح والصداق عنه وعن الزوج. 1348 - ومن قال لرجل: زوجني بألف [أو قال له: زوجني فلانة بألف] ، فزوجه

بألفين، فعلم بذلك قبل البناء، قيل للزوج: إن رضيت بألفين وإلا فرق بينكما بطلقة، إلا أن ترضى المرأة بألف فيثبت النكاح، وإن قال الرسول: أنا أغرم الألف التي زدت وأبى الزوج، لم يلزمه النكاح بذلك، وإن لم يعلما حتى دخلا لم يلزم الزوج غير الألف ولا يلزم المأمور شيء، لأنها صدّقته والزوج جحدها الألف الزائدة والنكاح بينهما ثابت. [قال ابن القاسم:] وإن أقرّ المأمور بعد البناء بالتعدي غرم الألف الثانية والنكاح ثابت. وإن دخل الزوج بعد علمه بتعدي المأمور لزمه ألفان، علمت المرأة أو لم تعلم، وكذلك أمة اشتراها له بأكثر مما أمره به فوطئها عالماً بما زاد، والبائع عالم بذلك أو غير عالم. 1349 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يجوز لنصراني عقد نكاح مسلمة، ويعقد النصراني نكاح وليته النصرانية لمسلم إن شاء، ولا يعقده وليها المسلم، لقول الله تعالى في أهل الكفر: ×مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن

شَيْءٍ% (الأنفال: 72) ، إلا التي ليست من نساء [أهل] الجزية قد أعتقها رجل مسلم فيجوز. 1350 - والعبد والمكاتب والنصراني والمدبر والمعتق بعضه والمرتد، ليس منهم من يعقد عقدة النكاح، فإن عقد أحد منهم نكاح ابنته البكر أو الثيب برضاها، وابنة النصراني مسلمة لم يجز ويفسخ وإن دخل بها، وللمدخول بها المهر بالمسيس، ولو كانت ابنة العبد حرة فأراد أولياؤها إجازة ذلك لم يجز، ولا بد من فسخه. والعبد إذا استخلفه حر على البضع فليوكل غيره على العقد، وللمكاتب إنكاح إمائه على ابتغاء الفضل وإن كره سيده، ولكن يلي العقد غيره أمره، ولا يجوز على غير ابتغاء الفضل إذا رده السيد، ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده. 1351 - ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا لابنتها، ولكن تستخلف

رجلاً يعقد لها النكاح إن كانت وصية، ولها أن تستخلف أجنبياً وإن كان أولياؤها حضوراً. 1352 - قيل لمالك: من تزوج امرأة بغير أمر ولي بشهود، أيضرب أحد منهم؟، فقال: أدخل بها؟، قالوا: لا، وأنكر الشهود أن يكونوا حضوراً، فقال: لا عقوبة عليهم. قال ابن القاسم: إلا أني رأيت منه أن لو دخل بها لعوقبت المرأة والزوج والذي أنكح، ويؤدب الشهود أيضاً إن علموا. ويكره للرجل أن يتزوج امرأة بغير أمر ولي. وقال ابن القاسم: فإن فعل كره له وطؤها حتى يعلم وليها فيجيز أو يفسخ، فإن فسخه الإمام أو وليها عند الإمام ثم أرادته زوّجها إياه الإمام مكانها وإن كره الولي إذا دعت إلى سداد

وإن لم يساو حسبها ولا غناها وكان مرضياً في عقله ودينه (¬1) ، وهذا إذا لم يكن دخل بها، وإن كان وليها غائباً وقد استخلفت رجلاً فزوجها فرفعت هي أمرها إلى الإمام قبل قدوم وليها، نظر الإمام في ذلك وبعث إلى وليها إن قرب فيفرق أو يترك، وإن بعد، نظر الإمام [في ذلك] كنظره في الرد والإجازة. قال غيره: وإن بعدت غيبة الولي لم ينتظر، وينبغي للإمام أن يفرق بينهما ويأتنف إنكاحها منه إن أرادته، ولا ينبغي أن يثبت نكاح عقده غير ولي في ذات القدر والحال. قال ابن القاسم: فإن أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الإمام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه، وإن تزوجت ولم تستخلف أحداً لم يقر هذا النكاح في دنية أو غيرها، ويفسخ وإن ولدت الأولاد، ويدرأ عنها الحد. وإن زوجها وليها من رجل ثم طلقها ذلك الرجل ثم خطبها، فليس لها نكاحه إلا بعقد الولي أيضاً. ¬

(¬1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (16/35، 37) ، وكفاية الطالب (2/49، 67، 71) ، والتاج والإكليل (4/35) ، والفواكه الدواني (2/28) ، ومواهب الجليل (2/110) ، والتمهيد (19/85) .

1353 - ومن أعتق أم ولده ثم أنكحها من نفسه بإذنها جاز ذلك وإن كره ولدها. 1354 - قال ابن القاسم وأكثر الرواة: كل نكاح، للولي أو لأحد الزوجين أو لغيرهما إمضاؤه أو فسخه، فإن فسخه إياه بطلاق، وتكون تطليقة بائنة، ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ، مثل التي تتزوج بغير أمر ولي فيطلقها الزوج قبل البناء أو بعده أو يخالعها على مال يأخذه منها، وذلك قبل أن يجيز الولي، فالطلاق يلزم ويحل له ما أخذ. قال ابن القاسم: لأن فسخ هذا النكاح عند مالك ليس على وجه تحريم النكاح، وقد سمعته يقول: ما فسخه بالبين ولكنه أحب إلينا، [فقلنا له:] أترى أن يفسخ وإن أجازه الولي؟ فوقف عنه. 1355 - قال ابن القاسم وأكثر الرواة: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه مثل:

نكاح الشغار، ونكاح المريض، والمحرم، وما كان صداقه فاسداً، أو عقد على أن لا صداق [فيه] فأدرك قبل البناء فكانا مغلوبين [على فسخه] ، فالفسخ في ذلك كله بغير طلاق، [ولا يقع فيه طلاق] ولا ميراث فيه، [ولا يجوز فيه الخلع قبل البناء ولا بعده] . وما عقدته المرأة على نفسها أو على غيرها، وما عقده العبد على غيره، فإن هذا يفسخ قبل البناء وبعده بلا طلاق ولا ميراث فيه. 1356 - قال ابن القاسم: وكل ما فسخ بعد البناء مما فسد لعقده ففيه المسمى، وما فسخ من جميع ما ذكرناه قبل البناء فلا صداق فيه، وترده إن قبضته، وإن قذفها الزوج في النكاح الذي لا يقر على حال لاعن، لثبوت النسب فيه، ولا يلزم فيه الظهار إلا أن يريد إن تزوجتك، ويلزمه الإيلاء إن تزوجها كالأجنبية،

[ثم] قال ابن القاسم لرواية بلغته عن مالك وغيره من أهل العلم: إن كل نكاح نص الله ورسوله ÷ على تحريمه لا يختلف فيه، فإنه يفسخ بغير طلاق، وإن طلق فيه قبل الفسخ لم يلزم، ولا يتوارثان، كمتزوج الخامسة أو أخته من الرضاعة أو المرأة على عمتها أو خالتها أو من تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها أو ناكح في عدة، ولا تحرم بهذا النكاح إن لم يمس فيه على آبائه وأبنائه، [ولا يحصنها الوطء فيه. وقال غيره في الابنة التي نكحها على أمها قبل البناء بالأم: إن الابنة لا تحل لآبائه وأبنائه،] لشبهة العقد. 1357 - قال ابن القاسم: وكل ما اختلف الناس في إجازته ورده فالفسخ فيه بطلاق، ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ، كالمرأة تزوج نفسها أو تنكح بغير ولي، والأمة تتزوج بغير إذن السيد، لأن هذا قد قال خلق كثير: إن أجازه الولي جاز، وإذ لو قضى به قاض لم أنقضه، وكذلك نكاح المحرم والشغار بعينه للاختلاف فيهما. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/447) ، والفواكه الدواني (2/13) ، ومواهب الجليل (3/429، 450) ، ومنح الجليل (3/411) .

1358 - وإن نكح عبد بغير إذن سيده، فطلق امرأته قبل أن يجيز السيد نكاحه، أو أعتقت أمة تحت عبد فطلقها زوجها قبل أن تختار، فالطلاق لازم كان واحدة أو البتات، فإن فسخ السيد نكاح عبده قبل البناء لم يحل للعبد أن يتزوج أمها، وكذلك [كل] من فسخ نكاحه قبل البناء مما اختلف فيه الناس فإنها لا تحل لابنه ولا لأبيه، لأن كل نكاح اختلف الناس [فيه] ، فالحرمة تقع فيه كحرمة النكاح الصحيح الذي لا اختلاف فيه، وقد روي عن مالك في رجل زوج ابنه البالغ المالك لأمره وهو غائب بغير إذنه فرد ذلك الابن، قال: لا ينبغي للأب أن يتزوج تلك المرأة، وإن زوج أجنبياً غائباً فأجاز إذ بلغه لم يجز ذلك إن طال، ولا يتزوجها آباؤه ولا أبناؤه، ولا ينكح هو أمها، وينكح ابنتها إن لم يبن بالأم. 1359 - قال مالك: وإذا نكح عبد بغير إذن سيده فلسيده أن يطلق عليه واحدة بائنة

أو طلقتين جميع طلاق العبد، وقال أكثر الرواة: لا يطلق عليه إلا واحدة، لأن الواحدة تبينها وتُفرّغ له عبده. 1360 - قال مالك: وللأمة إذا عتقت تحت عبد أن تختار نفسها بالبتات، على حديث زبراء، وكان [مالك] يقول: لا تختار إلا واحدة بائنة، وقاله أكثر الرواة، وكره مالك أن يزوج الرجل أم ولده، فإن فعل لم يفسخ.

1361 - ومن تزوج أمة رجل بغير إذنه لم يجز، وإن أجازه السيد، ويفسخ وإن ولدت الأولاد، ولو أعتقها السيد قبل علمه بالنكاح لم يكن بد من فسخه، ولا ينكحها الزوج إلا بعد العدة من مائه الفاسد وإن كان نسب ما في بطنها يثبت منه، وكذلك إن اشتراها في تلك العدة فلا يطؤها حتى تنقضي [تلك العدة لفساد مائه] ، وكذلك كل وطء كان فاسداً يلحق فيه الولد، ففرق بين الزوج والمرأة فلا يتزوجها حتى تنقضي عدتها، ولو باع الأمة رجل أو باعت هي نفسها بغير إذن السيد فأجازه السيد جاز، ولا كلام للمبتاع [فيه] . 1362 - ولا تنكح أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد للأمة أحد الشريكين بصداق مسمى لم يجز [النكاح] ، وإن أجازه الآخر، ويفسخ وإن دخلت، ويكون بين السيدين الصداق المسمى إذا دخلت، فإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن لم يرض بنصف التسمية.

وأما نكاح العبد بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز، لأنه يعقد على نفسه بإذنه بخلاف الأمة، وإن كُلّم السيد فامتنع أن يجيز ثم أجاز، فإن أراد بأول قوله فسخاً تم الفسخ، وإن أراد أنه لم يرض [بما كان] ثم أجاز، فذلك جائز إن كان ذلك قريباً، وإن أعتقه السيد قبل علمه بنكاحه جاز نكاحه ولم يكن للسيد رده، وإن باعه قبل علمه بنكاحه لم يكن للمبتاع فسخه فإما رضيه أو رده فيفسخ البائع نكاحه، أو يجيزه، ولو مات السيد قبل علمه بنكاحه فلورثته من الخيار ما كان للسيد. 1363 - ومن زوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز، وإن أجازه الأب، إلا أن يكون ابناً قد فوض إليه [أبوه] جميع شأنه فقام بأمره فيجوز بإجازة الأب، وكذلك في أمة الأب، وكذلك في الأخ والجد يقيمه هذا المقام. 1364 - وإن تزوج صبي بغير إذن أبيه أو وصيه ومثله يقوى على الجماع، فإن أجازه من يلي عليه جاز، كبيعه وشرائه يجيزه على وجه النظر، وإن رأى فسْخه فَسَخَه، فإن فسخه قبل البناء أو بعده فلا صداق

لها، وكذلك رأى مالك فيمن بعث يتيماً في طلب آبق [له] فأخذه وباعه وأتلف الثمن، أن لرب العبد أخذه ولا عهدة على اليتيم ولا ثمن، بخلاف ما أفسد أو كسر. 1365 - وإذا وكلت المرأة وليها فزوجها من رجل، فقال لها الوكيل: قد زوجتك من فلان فأقرت أنها أمرته وقالت: لم تزوجني، فلا قول لها والنكاح يلزمها إن ادعاه الزوج، وكذلك الوكيل على بيع سلعة، وإن وكلته المرأة على العقد وقبض الصداق فقبضه ثم ادعى تلفه، كان كدين لها وكلته على قبضه فقبضه ثم ادعى تلفه فصدقته في الوكالة وكذبته في القبض، فإن أقام الزوج أو الغريم بينة أنه دفع ذلك إلى الوكيل صدق الوكيل على التلف، وإن لم يقيما بينة بالدفع ضمناً ثم لا شيء لهما على الوكيل، لأنهما قد صدقاه في الوكالة. وأما الوكيل على بيع سلعة يقول: قبضت الثمن وضاع مني، فهو مصدق، لأن وكيل البيع له قبض الثمن وإن لم يؤمر بذلك، وليس للمبتاع أن يأبى ذلك عليه، والوكيل على عقد النكاح ليس له قبض الصداق إلا بتوكيل عليه خاصة، ولا يلزم الزوج دفع ذلك إليه فإن فعل ضمن.

1366 - ومن نكح بغير بينة على غير استسرار أشهد الآن وجاز نكاحه، وإن أقر الزوج والولي بالعقد ثم قالا أو أحدهما لم يُشهد، أشهدا الآن وليس لأحدهما فسخه. ولا يزوج الرجل عبده أمته إلا ببينة وصداق، فإن زوجه بغير بينة أشهد الآن إن لم يكن دخل بها وجاز النكاح، وإن زوجه إياها على أن لا صداق [لها] عليه، فسخ النكاح قبل البناء وثبت بعده وكان لها صداق مثلها، ولو زوجه ولم يذكر الصداق ولا شرط إسقاطه فذلك جائز كالتفويض، ويفرض للأمة صداق مثلها.

1367 - ومن عقد نكاحاً واستكتم البينة، وذلك حين العقد فالنكاح فاسد. قال ابن شهاب: ويفرق بينهما وإن دخلا، ولها مهرها [بالمسيس، وتقعد حتى تنقضي عدتها ثم إن شاءت نكحته بعد العدة] ، وإن فرق بينهما قبل البناء فلا صداق لها ويعاقب الزوجان والبينة. قال ابن القاسم: وإن شهد الأب وأجنبي على توكيل ابنته الثيب إياه على إنكاحها فلاناً فأنكر لم تجز الشهادة، لأن الأب شهد على فعل نفسه. وإن وجد رجل مع امرأة في بيت فشهد أبوها وأخوها أنه تزوجها لم يجز نكاحه [إياها] ويعاقبان.

1368 - وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز، فإن كان لم يدخل بها أشهد الآن مسلمين ولزمه النكاح. قال يحيى بن سعيد: وتجوز شهادة الأبداد في النكاح والعتاق. 1369 -[ومن] نكح على أن الخيار له أو للولي أو للزوجة أو لجميعهم يوماً أو يومين لم يجز وفسخ قبل البناء، إذ لو ماتا قبل الخيار لم يتوارثا وإن بنى بها ثبت النكاح وكان لها المسمى. وكذلك الجواب فيمن تزوج امرأة على أنه إن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما. وقد كان مالك يقول فيهما: إن النكاح يفسخ بعد البناء، لأن فساده في عقده، ثم رجع فقال: يثبت بعد البناء. 1370 - ومن نكح امرأة على أحد عبديه أيهما شاءت المرأة جاز ذلك، وإن كان أيهما

شاء الزوج لم يجز، وكذلك البيع [إذا كان الخيار للمشتري، وإن كان للبائع لم يجز] . 1371 -[قال مالك:] ولا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد وإن سمى صداقاً، وهذه المتعة، [وقد ثبت عن النبي ÷ تحريمها] . (¬1) 1372 - ومن قال لامرأة: إذا مضى شهر فأنا أتزوجك، فرضيت [هي] ووليها، فهذا النكاح باطل لا يقام عليه. وكره مالك النكاح بصداق [بعضه معجل وبعضه مؤجل على سنة أو أكثر، فإن وقع أجازه، وللزوج إذا أتى بالمعجل أن يدخل [بزوجته] وليس لها منعه ويتأخر بقية] الصداق إلى أجله، وإن كان إلى ¬

(¬1) إشارة لحديث الإمام علي في البخاري (5115) ، ومسلم (1407) ÷، ومالك في الموطأ (2/542) .

أجل بعيد جاز ما لم يتفاحش بعد ذلك. 1373 - وإن تزوجها بصداق نصفه نقد ونصفه على ظهره، فإن كان الذي على ظهره يحل بالبناء عندهم جاز وإن كان لا يحل إلا إلى موت أو فراق لم يجز النكاح، وفسخ قبل البناء وثبت [بعده] ، وكان لها صداق المثل ما لم ينقص عن المعجل، ولا ينقص منه شيء. 1374 - ومن نكح امرأة على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يخرجها من بلدها جاز النكاح وبطل الشرط، وليس لما يفسد به النكاح من الشروط حد، وإن وضعت عنه لذلك من صداقها في العقد لم ترجع به وبطل الشرط إلا أن يكون فيه عتق أو طلاق، ولو شرطت عليه هذه الشروط بعد العقد، ووضعت عنه

لذلك بعض صداقها لزمه ذلك، فإن أتى شيئاً من ذلك رجعت عليه بما وضعت. وإن أعطته [مالاً] على أن لا يتزوج عليها فإن فعل فهي طالق ثلاثاً، فإن تزوج وقع الطلاق وبانت منه ولم ترجع عليه بشيء إذ تم لها شرطها. وإن تزوجها على شروط تلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة فانقضت عدتها ثم تزوجها، عاد عليه الشرط في بقية طلاق ذلك الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني أنه إنما ينكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك. 1375 - وإن قال الخاطب للأب في البكر أو لولي مفوض إليه: زوجني فلانة بمائة، فقال: قد فعلت، ثم قال الخاطب: لا أرضى، لم ينفعه، ولزمه النكاح بخلاف البيع. قال سعيد بن المسيب: ثلاث ليس فيهن لعب، هزلهن جد، النكاح والطلاق والعتاق. (¬1) 1376 - ويجوز نكاح الخصي والمجبوب وطلاقهما. ¬

(¬1) رواه أبو داود (2194) ، والترمذي (1184) ، ومالك (2/548) ، وابن ماجة (2039) .

1377 - وللعبد أن يتزوج أربعاً إن شاء حرائر أو إماء، وحد العبد في الفرية أربعون جلدة، وطلاقه طلقتان، وأجله في الفقد والاعتراض والإبلاء نصف أجل الحر، وكذلك سائر الحدود، وهو في كل الكفارات كالحر إلا أنه لا يجزيه العتق في الكفارات إذ الولاء لغيره، وجائز أن يتزوج العبد والمكاتب ابنة سيده عند ابن القاسم واستثقله مالك. وإذا اشترى المكاتب أو المأذون له زوجته انفسخ النكاح ووطئها بملك اليمنين. ومن زوج عبده فالمهر في ذمة العبد لا في رقبته إلا أن يشترطه على السيد. قال ربيعة: إن خطب عليه السيد وسمى فالصداق على السيد، وإن أذن له فنكح فذلك على العبد وللحرة ما سمى وللأمة أيضاً، إلا أن يجاوز ثلث قيمتها.

1378 - وإذا تزوج عبد أو مكاتب بغير إذن سيده ونقد المهر وبنى بها، فللسيد فسخه ويترك للزوجة ربع دينار، وترد ما بقي، فإن أعدمت توبعت به فإن عتق العبد أو أدى المكاتب أو عتق اتبعته الزوجة بما أدت إن غرها، وإن بين لها فلا شيء لها، وإن أبطله السيد عنه أو السلطان قبل العتق لم يلزمه شيء إن أُعتق وكذلك ما تداينه بغير إذن سيده، وإن لم يعلم [السيد] بنكاحه إلا بعد العتق فلا كلام له والنكاح ثابت، وكذلك ما أعتق أو تصدق، وكل ما لزم ذمة العبد فلا يأخذه الغرماء من خراجه [ولا من] عمل يده ولا مما فضل بيده من ذلك وإنما يأخذون [ذلك] مما أفاده العبد بهبة أو صدقة أو وصية، فإن عتق العبد يوماً بما] أتبع بذلك، وكل دين لحق المأذون له في التجارة كان دينه فيما في يديه وفيما كسبه من التجارة دون خراجه وعمل يده، ويضرب فيه السيد بدينه. 1379 - وإذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء انفسخ النكاح واتبعته بمهرها

كمن داين عبداً ثم اشتراه فإنه يتبعه بدينه، وإن اشترته قبل البناء فلا مهر لها. قال سحنون: إلا أن يرى أنها وسيده اغتزيا فسخ نكاحه، فلا يجوز [ذلك] وتبقى الزوجة [له] ، إذ الطلاق بيد العبد فلا تخرج من عصمته بالضرر. 1380 - ولا يتزوج الرجل مكاتبته ولا أمته، ولا المرأة مكاتبها وهو عبد ما دام في حال الأداء. ولا بأس أن يرى شعرها إن كان وغداً وإلا فلا، وكذلك عبدها. وإذا كان لها فيه شريك فلا يرى شعرها وغداً كان أو غيره. 1381 - وللحر أن يتزوج من الإماء ما بينه وبين أربع إن خشي العنت، وكذلك للعبد، وإن لم يخش العنت، ولا يتزوج الرجل أمة ولده، وإن كان الأب عبداً وكأنها أمته إذ لو زنا بها لم يحد، وجائز أن يتزوج

أمة والده أو أمة أخيه أو أمة زوجته إذ لو زنا بها حد، وذكر الولد يتزوج أمة والده ثم يبتاعها منه في كتاب أمهات الأولاد، ولا أحب للرجل أن يطأ أمة عبده ولا يزوجها إياه حتى ينتزعها قبل ذلك، فإن وطئها هو أو زوجها من عبده قبل أن ينتزعها مضى ذلك وكان انتزاعاً. 1382 - ولا ينكح حر أمة على حرة، فإن فعل جاز وخيرت الحرة في أن تقيم معه أو تختار نفسها، ولا تقضي إلا بواحدة وتكون بائنة، بخلاف خيار المعتقة فإن رضيت بالمقام سوى بينهما في القسم، ورأى ابن المسيب: أن للحرة الثلثين.

قال ابن القاسم: وكذلك لها الخيار إن تزوج عليها أمة أخرى. 1383 - ولا بأس بنكاح حرة على أمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت وإن كانتا أمتين فعلمت بواحدة فلها الخيار بعد علمها بالأخرى فإن رضيت فلها ثلث القسم. قال مالك: وإنما جعلنا لها الخيار لما قالت العلماء ولولا ذلك لأجزته، لأنه حلال في كتاب الله، وروى ابن القاسم وابن وهب وعلي عن مالك أنه لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، ولا في عدم الطول إلا أن يخشى العنت. وقال غيره: لا يتزوجها على حرة ولا على أمة [ولا على أم ولد] ، وليس عنده شيء إلا في عدم الطول وخوف العنت. قال مالك: والطول المال وليست الحرة تحته بطول تمنعه نكاح أمة إذا خشي العنت. قيل: فإن لم يخش العنت وتزوج أمة؟، قال: كان مالك مرة يقول:

ليس له أن يتزوجها إذا لم يخش العنت، وكان يقول: إن كانت تحته حرة فلا يتزوج أمة، فإن فعل وتزوجها على حرة فرق بينه وبين الأمة، ثم رجع فقال: تخيّر الحرة. 1384 - وإذا نكح عبد حرة على أمة، أو أمة على حرة فلا خيار للحرة، إذ الأمة من نسائه، ويقسم العبد بين الحرة والأمة بالسوية، وللمكاتب العبد التسري في ماله بغير إذن السيد، ولا يتزوج مكاتب ولا مكاتبة بغير إذن السيد لرجاء فضل أو غيره، لأن ذلك يعيبهما إذا عجزا، فإن فعلا فللسيد فسخه. 1385 - ومن تزوج امرأة أخبرته أنها حرة ثم علم قبل البناء أنها أمة أذن لها السيد أن تستخلف رجلاً على إنكاحها، فللزوج الفراق ولا صداق لها، وإن كان [قد] بنى بها فلها المسمى، إلا أن يزيد على صداق المثل فلترد ما زاد، [فإن

شاء رد] وإن شاء أمسك ولها المسمى، وللسيد في الوجهين على الأب قيمة الولد يوم الحكم، ولا شيء على الأب فيمن مات منهم قبل ذلك، ومن قتل من ولدها فأخذ الأب فيه دية حر، ثم استُحقّت الأم فعليه الأقل من قيمته يوم القتل عبداً، أو ما أخذ في ديته، وإن استُحقت وفي بطنها جنين فعلى الأب قيمته من يوم الوضع وهو حر، ولو ضرب رجل بطنها قبل الاستحقاق أو بعده فألقت جنيناً ميتاً فللأب عليه غرة عبد أو وليدة، لأنه حر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من عشر قيمة أمه يوم ضربت، وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس والجراح وفي الغرة قبل الاستحقاق وبعده، وإن استحقت الأمة بعد موت زوجها ولم يدع مالاً أو كان زوجها حياً وهو عديم وله منها ولد موسر، فللمستحق على الولد قيمته، وإن كان عديماً فذلك عليه إن أيسر، وقد قيل: لا شيء على الولد، وهذا في كتاب الاستحقاق مستوعب، ولو استحق الأمة عم الولد أخذ قيمتهم، إذ لا يعتق عليه ابن أخيه، ولو كان جدهم

لم يأخذ قيمتهم ولا شيء له من ولائهم، لأنهم أحرار وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة. 1386 - ولو غرت أمة الأب ولده فتزوجها فولدت منه ثم استحقها الأب، فلا شيء له من قيمة ولدها إذ لو ملكهم عتقوا عليه، وكذلك إن غرت أمة الولد والده [فتزوجها فولدت منه] . 1387 - ولو كانت الغارّة أم ولد فلمستحقها قيمة الولد على أبيهم على رجاء العتق لهم بموت سيد أمهم، ولو مات سيد [أمهم] قبل القضاء بقيمتهم لم يكن لورثته من قيمة الولد شيء، لأنهم بموت السيد عتقوا، وإن ألفاهم السيد قُتلوا فللأب دية أحرار وعليه الأقل مما أخذ أو من قيمتهم يوم قتلوا. 1388 - وإن غرت مدبرة ففي ولدها القيمة على الرجاء أن يعتقوا [أو يرقوا] بخلاف بولد] أم الولد. وإن كانت مكاتبة [غرت من نفسها فولدت فلا شيء لمولاها

على أبي الولد، لأنهم إن أعتقت أمهم عتقوا بعنقها، لأنهم في كتابتها إلا أن تعجز فترجع رقيقاً، فتلزم الأب قيمة الولد، ولكن تؤخذ من الأب قيمتهم فتوضع تلك القيمة على يدي رجل] ، فإن عجزت أخذها السيد، وإن أدت رجعت القيمة إلى ألب، وإن غرت الأمة عبداً [أخبرته] أنها حرة فتزوجها، فولدها رق لربها، إذ لا بد من رقه مع أحد الأبوين، ولا يغرم العبد قيمتهم. 1388 - ومن قال لرجل: فلانة حرة، ثم زوجها إياه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر، علم أنها أمة أم لا، وكذلك إن ولي المخبر العقد ولم يعلم أنها أمة، فإن [كان] وليها عالماً رجع الزوج عليه بما أدى من الصداق، ولا يرجع عليه بما يغرم من قيمة الولد إذ لم يغره من ولد. ولو أنه إذ غره عالماً وولي العقد أعلمه أنه غير ولي لها لم يرجع عليه الزوج بشيء. ولو غر عبد حرة فتزوجته على أنه حر، فإن أجاز السيد نكاحه فلها الخيار ما لم تدعه يطؤها بعد علمها به، فإن كرهته فرق السلطان بينهما، إلا أن يتطوع الزوج بالفراق دونه فليزم. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/288) ، والفواكه الدواني (2/39) ، ومواهب الجليل (3/538) ، ومنح الجليل (3/379) ، والمدونة الكبرى (2/215) .

1389 -[قال مالك:] وترد النساء من العيوب الأربعة، الجنون والجذام والبرص وعيب الفرج، ولا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها الصداق، ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أب أو أخ أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، ثم لا يرجع به الأب عليها، وإن كان الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو السلطان أو من لا يظن به علم ذلك فلا شيء عليه، وترد المرأة ما أخذت إلا ربع دينار. قال ربيعة: فإن وطئها بعد العلم بدائها فقد وجبت له. قال ابن المسيب: وإن كان بالزوج جنون أو ضرر فالمرأة مخيرة بين أن تقيم

أو تفارق. قال مالك: وأرى الضرر الذي أراد ابن المسيب هذه الأشياء التي ترد بها المرأة. 1390 - ولا ترد إذا وجدت عمياء أو عوراء أو مقعدة أو قطعاء أو شلاء أو سوداء أو قد ولدت من زنا، ولا من شيء سوى العيوب الأربعة، إلا أن يشترط السلامة مما ذكرنا ثم يجد ذلك بها فلا صداق لها إن لم يبن بها، فإن بنى بها فلها المهر، ويرجع به على الولي الذي شرط له ذلك، وما عرف أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج ردت به، وإن جامع معه، وقد تجامع المجنونة. 1391 - ومن تزوج امرأة فإذا هي لِغيّة (¬1) ، فإن زوجوه على نسب فله ردها وإلا لزمته، فإن ردها فلا صداق عليه إن لم يكن بنى بها، وإن بنى بها فعليه صداقها، ويرجع به على من غره، وإن كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار وردت ما بقي. 1392 - وإن انتسب لها فألفته لِغيّة خيرت بين أن تقبله أو ترده. ومن غر من وليته فزوجها في عدة ودخلت، فسخ النكاح، وضمن الولي الصداق كله، ولو كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار، وردت الباقي. ¬

(¬1) أي لغير نكاح، وانظر: شرح الزرقاني (3/401) ، والتاج والإكليل (3/486) ، ومواهب الجليل (2/501) ، ومنح الجليل (3/408) .

1393 -[قال مالك:] وإن كان الرجل مجبوباً أو خصياً فلم تعلم المرأة فلها أن تقيم أو تفارق بواحدة بائنة لا بأكثر منها، ويتوارثان قبل أن تختار فراقه، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدو إن كان يطؤها، وإن كان لا يطؤها [فلا عدة عليها] . قيل [لابن القاسم] فإن كان مجبوب [الذكر] قائم الخصا، قال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويسأل عن ذلك، [فإن كان] يحمل لمثله لزمه الولد وإلا لم يلزمه ولا يلحق به، وإن علمت به حين تزوجته أنه مجبوب أو خصي، أو عنين لا يأتي النساء أصلاً، أو أخبرها [بذلك] ، فلا كلام لها، وإن لم تعلم بذلك في العقد ثم علمت به [بعد العقد] وتركته وأمكنته من نفسها، فلا كلام

لامرأة الخصي والمجبوب، وأما العنين فلها أن ترافعه، ويؤجل سنة، لأنها تقول: تركته لرجاء علاج أو غيره، إلا أن تتزوجه وهي تعلم ما به - كما وصفنا - فلا كلام لها بعد ذلك. * * *

(كتاب النكاح الثاني)

(كتاب النكاح الثاني) 1394 -[قال ابن القاسم:] ولا يجوز نكاح وبيع في صفقة [واحدة] ، مثل: أن يتزوجها بعبد على أن أعطته داراً أو مالاً، أو بمال على أن تعطيه عبداً بثمن مسمى، ويفسخ ذلك قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل. وقال غيره: إن بقي مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعداً جاز النكاح.

1395 - ومن نكح على عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو بما في بطن أمته، أو بما تلد غنمه، أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما، أو على دار فلان، أو على أن يشتريها لها، فسخ النكاح في ذلك كله قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق أو شارد أو غيره. وما هلك بيدها ضمنته، ولا تضمنه قبل قبضه، وتكون مصيبته من الزوج، وما قبضته ثم تغير في يديها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم يوم قبضته، وترد مثل ماله مثل إن زالت عينه أو تغيرت، وكذلك في فسخ ما عقد على خمر أو خنزير، أو إجازته في كل ما فساده في صداقه، وكذلك إن تزوجها على دار أو أرض أو غنم، كل ذلك غائب، فإن وصفه جاز، وإن لم يصفه فسخ النكاح قبل البناء، وثبت بعده ولها صداق المثل. وإن تزوجها أو ابتاع سلعة بدراهم بعينها غائبة لم يجز، إلا أن يشترط [أن] عليه بدلها إن تلفت، ولو حضرت الدراهم ونقدها إياها جاز كالبيع، فإن استحقت كان عليه بدلها ويتم النكاح والبيع.

1396 - ومن نكح على بيت أو خادم ولم يصف ذلك جاز، و [كان] لها خادم وسط، والبيت، فإن كانت من الأعراب فلهم بيوت [قد عرفوها] ، فإن نكح على بيت من بيوت الحضر أو على شوار بيت (¬1) ، جاز [ذلك] إن كان معروفاً، وشورة الخضر لا تشبه شورة البادية. وإن نكح على مائة بعير أو شاة أو بقرة ولم يصف، جاز وعليه الوسط من الأسنان، وكذلك على عبد بغير عينه ولم يصفه ولا ضرب له أجلاً، جاز ذلك وكان لها عبد وسط حال، وليس للزوج دفع قيمته إلا أن ترضى المرأة، وكذلك على عرض موصوف ليس بعينه، أو بمائة دينار ولم يضرب لذلك أجلاً فالنكاح جائز، ويكون ذلك كله نقداً، وكذلك الخلع. 1397 - ومن نكح على قلال خل بأعيانها فوجدتها خمراً، فهي كمن تزوجت على ¬

(¬1) هو متاع البيت، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/250) ، والمدونة الكبرى (7/188) ، والتاج والإكليل (3/500) .

مهر فأصابت به عيباً، فلها رده وترجع بمثله إن كان يوجد مثله، أو بقيمته إن كان لا يوجد مثله. 1398 - وإذا أخذت المرأة رهناً بصداق مسمى أو بصداق مثلها فهلك بيدها ضمنت ما غابت عليه ولم تضمن ما لا يغاب عليه، وإن أصدقها شقصاً ففيه الشفعة بقيمته، وإن أظهرا مهراً وأسرا دونه أخذ بما أسرا إن شهد به عدول. 1399 - ومن نكح امرأة بألف درهم على أنه إن كانت له امرأة أخرى فصداقها ألفان لم يجز كالبعير الشارد، وإن نكحها بألفين فوضعت عنه في عقد النكاح ألفاً على أنه لا يخرجها من بلدها، أو نكحها بألف على أنه إن أخرجها من بلدها فمهرها ألفان، فله أن يخرجها وليس لها إلا الألف، وهو كالقائل لزوجته: إن أخرجتك من [هذه] الدار فلك ألف، فله أن يخرجها بغير شيء، حتى

لو انعقد عليه النكاح بألف ثم حطته بعد ذلك نصفها على أن لا يخرج بها أو لا يتزوج عليها أو نحوه ففعل ذلك، فلها الرجوع بما جعلت له إن فعل شيئاً، وله أن يفعله. قال علي بن زياد: إن حطته [امرأة] في العقد من صداق مثلها لما شرطت عليه، لزمه ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً، وإن كانت الحطيطة مما ناف على صداق المثل، لم يلزمه [ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً] ، ورواه ابن نافع عن مالك. 1400 - وإن نكحت على عبد بعينه فألفته معيباً [فردته] أو استحق [رجعت] على الزوج بقيمته، فإن فات المعيب عندها رجعت [على

الزوج] بقيمة عيبه، وإن حدث به عندها عيب مفسد فلها رده وما نقصه [وأخذ قيمته، أو حبسه] وأخذ قيمة العيب القديم، وكذلك الزوج في الخلع. وإن نكحت على أمة فألفتها ذات زوج، فذلك عيب ولها ردها وأخذ قيمتها. 1401 - ومن زوج ابنته وضمن لها الصداق في عقد النكاح أخذته به ولا يرجع به الأب على الزوج، فإن مات الأب أخذته البنت من رأس ماله، فإن لم يترك شيئاً فلا شيء لها على الزوج، إلا أن يكون لم يدخل بها فلا سبيل له إليها إلا بدفع الصداق. وكذلك ذو القدر يزوج رجلاً ويضمن صداقه فلا يتبعه بشيء منه، لأنه بمعنى الحِمْل وليست هذه الوجوه كحمالة الديون. وكذلك من قال لرجل: بع من فلان فرسك والثمن لك علي، فباعه، ثم هلك الضامن كان ذلك في ماله، فإن لم يدع شيئاً فلا شيء على المبتاع. وكذلك من وهب لرجل مالاً فلم يدفعه إليه حتى قال لرجل: بعه فرسك بالذي وهبت له وأنا ضامن له حتى أدفعه إليك، فقبض الرجل الفرس وأشهد على الواهب بالثمن فإن هذا يثبت للبائع على الواهب، فإن لم يقبض البائع الثمن حتى مات الواهب ولم يدع مالاً فلا يرجع البائع على الموهوب له بشيء من ثمن الفرس.

1402 - ومن زوج ابنه الصغير ولا مال للابن فالصداق على الأب، فإن مات الأب أخذته المرأة من ماله، ولا يحاسب به الابن، ويدفع إليه ميراثه كاملاً مما بقي، وإن كان على الأب دين فقام عليه الغرماء كان للمرأة أن تحاصهم بصداقها، وإن ضمن الأب صداق ابنه البالغ ودفعه عنه ثم طلق الابن قبل البناء رجع نصف الصداق إلى الأب، ولو لم يدفعه الأب رجعت عليه المرأة بنصف صداقها، ولا يرجع الأب على الابن بشيء مما أدى عنه، لأن هذه الوجوه ليست كحمالة الديون. قال ربيعة: ومن زوج ابنه الصغير والابن مليء فعليه الصداق، وإن لم يكن ملياً فعلى الأب. قال أبو الزناد: أو يجعله على الابن فيلزمه. قال يحيى بن سعيد: من زوج ابنه صغيراً أو كبيراً، وليس له مال فالصداق على الأب عاش أو مات، وإن كان لواحد منهما مال فذلك عليه إلا أن يشترطه الأب على نفسه.

1403 - قال ابن وهب عن مالك: وإذا كان الولد صغيراً ولا مال له فزوجه الأب بصداق عاجل، أو بعضه مؤجل فالصداق على الأب، ولا يلزم الابن منه شيء لا معجله ولا مؤجله وإن أيسر، ولا يرجع به عليه الأب. قال مالك: ومن زوج ابنه الصغير في مرضه وضمن [عنه] صداقه، لم يجز الضمان وجاز النكاح، فإن شاء الابن البناء وهو كبير أدى الصداق، وإلا لم يلزمه وفارق، فإن كان صغيراً نظر له وليه أو وصيه في دفع الصداق وثبات النكاح أو فسخه، وإن طلبت ذلك الزوجة في مرض الأب لم يكن لها شيء في مال الأب. 1404 - وقال مالك فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح.

قال ابن القاسم: فإن صح الأب لزمه الضمان، وإن مرض بعد صحته [فقد لبث عليه الضمان] . * * * [في أقل الصداق وحكم النكاح بأقل منه وبغير صداق] 1405 -[قال ابن القاسم:] وأقل الصداق ربع دينار، فمن نكح بدرهمين أو بما يساويهما، فإما أتم لها ثلاثة دراهم وثبت النكاح، وإن أبى فسخ، إلا أن يدخل فيجبر على إتمامها، ولا يفسخ للاختلاف في إجازة هذا الصداق. وقال غيره: يفسخ قبل البناء وإن أتم الزوج ربع دينار، ويفسخ أيضاً بعد البناء ولها صداق مثلها، [وهو] كمن تزوج بلا صداق. قال ابن القاسم: وإن طلّق قبل البناء فلها نصف الدرهمين. 1406 - وإذا وهبت المرأة صداقها لزوجها بعد أن قبضته أو قبل، وهي جائزة الأمر،

ثم طلقها قبل البناء فلا رجوع له عليها بشيء، ولو وهبته نصفه فله الربع عليها إن قبضته، أو لها عليها إن لم تقبضه، وكذلك في هبتها ستين من مائة وأربعين وقبضت الباقي، فإنما عليها نصف ما قبضت، وإن وهبت مهرها لأجنبي قبل قبضه وهي جائزة الأمر فإن حمله الثلث جاز، وإن جاوز الثلث بطل جميعه إلا أن يجيزه الزوج، فإن لم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت قبل البناء، فإن كانت موسرة يوم طلقها فللموهوب [له] أخذ الزوج به، [كان الصداق عيناً أو عرضاً] ، وللزوج الرجوع عليها بنصفه، وإن كانت يوم طلقها معسرة حبس الزوج نصفه ودفع نصفه إلى الموهوب له، ولو قبض الموهوب جميعه قبل الطلاق لم يرجع عليه الزوج بشيء، كانت الزوجة يوم الهبة معسرة أو موسرة، أو الآن، ويتبعها الزوج بنصفه. وقال غيره: إذا كانت يوم الهبة موسرة ولم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت، لم ينظر إلى عسرها يوم الطلاق، وعلى الزوج دفع جميعه إلى الموهوب ومتابعتها بنصفه.

1407 - وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء، فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نقص أو نماء، ولا ينظر في هذا إلى قضاء قاض، لأنه كان في ذلك شريكاً لها، ألا ترى [أن] هذه الأشياء لو هلكت ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، ولو هلكت بيده كان له أن يدخل بها ولا صداق عليه. 1408 - ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه، إلا أن يعلم ذلك فيكون منها، وكذلك إن نكحها على حائط بعينه أو عبد بعينه ثم طلقها قبل البناء، كان ما أغلت الثمرة أو العبد بينهما، كان بيدها أو بيد الزوج، وللذي في يديه الحائط قدر سقيه وعلاجه في حصة الآخر. وكذلك الأمة تلد عند الزوج أو عندها أو كسبت مالاً أو أغلت غلة أو يوهب لها أو للعبد مال، فذلك كله إن طلقت المرأة قبل البناء بينهما، وكذلك ما أغل، أو تناسل من إبل أو بقر أو غنم، أو أثمر من شجر أو نخل أو كرم، فذلك كله بينهما، ومن استهلك من ذلك شيئاً ضمن حصة صاحبه، إلا أنه يقضي لمن أنفق منهما بنفقته التي أنفق

نصف قيمته يوم العتق، ولا يرد العتق موسرة كانت أو معسرة، أنها إن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج، فترْكه ذلك رضى، ولو قام حينئذ رده إن شاء إن زاد على ثلثها، ولم يعتق منه شيء، فإن طلق قبل البناء فله نصفه. (¬1) 1409 - قال مالك: ويعتق عليها نصفه، وكذلك لو كان عبداً أصله لها فأعتقته كله ولا مال لها سواه فرد الزوج عتقها، ثم مات عنها أو طلقها، عتق الآن عليها جميعه، وكذلك ما رد من عتق مفلس ثم أيسر وهو بيده، قال مالك: يعتق عليه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في الزوجة: يعتق عليها [إن مات زوجها أو طلقها] ، فلا أدري هل [يرى أن] يقضي [بذلك] عليها أم لا، والذي أرى أن لا يقضى عليها بعتقه، ولا ينبغي لها ملكه. وإن نكحها بعبد فجنى عليه جناية ثم طلقها قبل البناء فأرش ذلك بينهما، ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/521) ، ومواهب الجليل (3/501) ، والتقييد (2/201) .

فيه، ثم يكون له نصف ما بقي، وقد قيل: إن كل غلة أو ثمرة للمرأة خاصة بضمانها. 1410 - قال ابن القاسم: ولو قبضت ذلك المرأة ثم وهبته لأحد وهي جائزة الأمر، ثم طلقها الزوج قبل البناء، كان له [عليها] نصف قيمته يوم وهبته، نما عند الموهوب أو نقص. وقال غيره: بل نصف قيمته يوم قبضته. 1411 -[قال ابن القاسم:] ولو نكحها بعبد بعينه فدفعه إليها فأعتقته، غرمت

ولو جنى العبد وهو [بيد] المرأة، خيرت المرأة فإن فدته لم يأخذ منها الزوج نصفه، إلا أن يدفع إليها نصف ما فدته به، وإن أسلمته فلا شيء للزوج إلا أن تحابي فلا تجوز محاباتها على الزوج في نصفه، ولو جنى العبد وهو بيد الزوج فليس للزوج دفعه، وإنما ذلك للمرأة فإن طلقها قبل أن تدفعه وهو عنده أو عندها، كان بمنزلتها في نصفه. 1412 - ومن تزوج امرأة بألف درهم فاشترت منه بها داره، أو عبده، أو ما لا يصلح لجهازها، ثم طلقها قبل البناء، فإنما له نصف ذلك نما أو نقص، وهو بمنزلة ما أصدقها إياه. ولو اشترت ذلك من غيره رجع عليها إذا طلقها بنصف الألف درهم، وكان ضمان ذلك منها إلا أن يكون ما اشترت من غير الزوج مما يصلح لجهازها، مثل خادم وعطر [وثياب] وفرش [وأسرّة] ووسائد وكسوة ونحوه، فليس للزوج إذا طلقها إلا نصف ذلك. 1413 - قال ابن وهب عن مالك: وليس للمرأة أن تحبس ذلك، وتدفع إلى الزوج نصف ما نقدها عيناً، لأنه كان لذلك ضامناً إلا أن يرضى.

1414 - وإن تزوجها على عبد بعينه أو أمة بعينها أو دار بعينها فاستحق بعض ذلك، فإن كان الذي استحق من الدار فيه ضرر، كان لها أن ترد بقيتها وتأخذ قيمتها وتحبس ما بقي وترجع بقيمة ما [استحق] ، وإن استحق منها مثل البيت أو الشيء التافه الذي لا ضرر فيه رجعت بقيمته فقط، وكذلك العروض، فأما ما يستحق من العبد أو الأمة من جزء قلّ أو كثر، فلها أن ترد بقيته وترجع بقيمة جميعه، أو تحبس ما بقي منه وترجع بقيمة ما استحق، ولو كان جماعة رقيق أو جملة ثياب فاستحق بعضها فمحمل ذلك محمل البيوع. 1415 - وإن تزوجها على مسمى ثم زادها فيه بعد ذلك طوعاً ولم تقبضه حتى مات أو طلق قبل البناء فلها نصف الزيادة إن طلق، ولا تأخذه إن مات، لأنها عطية لم تقبض. 1416 -[قال مالك:] ومن تزوج امرأة على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد،

فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته معسرة كانت أو موسرة، ولا يتبع العبد بشيء ولا يرد عتقه كمعسر أعتق بعلم غريمه فلم ينكر، والزوج حين أصدقها إياه قد علم أنه يعتق عليها فلذلك لم أدره على العبد بشيء. وقد بلغني عن مالك أنه استحسن ألا يرجع الزوج على المرأة بشيء، وقوله الأول أحب إلي. 1417 -[قال مالك:] وإذا أسلمت الكتابية أو المجوسية ولم يسلم الزوج فهو فسخ بغير طلاق، فإن لم يبن بها فلا صداق لها نقداً ولا مؤخراً، وإن قبضته ردته، لأن الفرقة [جاءت] من قبلها، ولو بنى بها كان لها جميعه، وكذلك الأمة تعتق تحت عبد فتختار نفسها مثلها سواء، إلا في الفسخ فإنه بطلاق. 1418 - وصداق الأمة [التي] نصفها حر، موقوف بيدها كمالها، ويلي عقد

نكاحها من له فيها الرق برضاها. ومن تزوج أمة ثم ابتاعها من سيدها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله. وإن ابتاعها بعد البناء فالصداق لسيدها البائع كمالها، إلا أن يشترطه المبتاع، [وإن ابتاعها غير الزوج فمهرها للسيد البائع بنى بها الزوج أم لا، إذ النكاح قائم [بمنزلة مالها] ، إلا أن يشترطه المبتاع] . 1419 - قال مالك: وإن عتقت أمة تحت عبد بعد البناء فاختارت نفسها، فلها مهرها كمالها إلا أن يشترطه السيد، وكذلك إن لم يبن بها فاختارت المقام مع الزوج، وقد كان الزوج [قد] فرض لها العتق فمهرها لها يتبعها إذا عتقت، إلا أن يكون سيدها أخذه قبل العتق أو اشترطه فيكون له، فإن اختارت هذه نفسها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله. ولو زوجها السيد بتفويض ففرض لها الزوج بعد العتق، فهو لها ولا سبيل للسيد عليه، إذ لم يكن ذلك بمال لها فيشترطه، وإذ لو مات الزوج أو طلق قبل الفريضة لم يكن لها شيء. ومن زوج أمته فله منعها من الزوج حتى يقبض صداقها.

1420 - قال بكير وغيره: وللسيد أخذ صداقها إلا قدر ما تحل به، وله أن يضع منه بغير إذنها. 1421 -[والمرتدة إذا دخل بها زوجها قبل أن تستتاب، أو يسلم أحد الزوجين المجوسيين بعد البناء، فيفرق بينهما، فللمرأة صداقها المسمى كاملاً. وكذلك من زوج أمته وشرط أن ما ولدت فهو حر، لم يقر هذا النكاح ويكون لها إن دخل بها المسمى] . 1422 - ونكاح التفويض جائز، وهو أن يعقداه ولا يسميان صداقاً، فإن بنى بها فلها صداق مثلها، وليس كصداق أختها أو ذات رحمها، ولكن مثلها في المال والجمال والحال، وينظر ناحية الرجل فقد يُزوج فقير لقرابته، وأجنبي لماله، فليس صداقهما سواء. (¬1) 1423 - وليس للزوج البناء حتى يفرض، فإن فرض اقل من صداق المثل لم يلزمها إلا أن ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/89) ، حاشية الدسوقي (2/314) ، والتاج والإكليل (3/514) ، والفواكه الدواني (2/24) ، والشرح الكبير (2/314) ، ومواهب الجليل (3/514) .

ترضى وإلا أتمه أو طلق، فإن رضيا بالأقل ثم طلق أو مات أحدهما كان ما رضياه صداقاً ماضياً، وإن فرض لها في مرضه لم يجز إلا أن يطأها في مرضه فيجوز ذلك، ويكون ما سمى من رأس ماله ما لم يزد على المثل فيرد ما زاد. وإذا رضيت ثيب بأقل من صداق مثلها لزمها ولا قول لوليها. 1424 - قال مالك: وإذا زوج البكر أبوها بتفويض ثم فرض لها الزوج بعد ذلك أقل من صداق مثلها فرضيت، لم يكن لها ذلك إلا أن يرضى الأب بذلك فيجوز، ولا ينظر إلى رضاها مع الأب. وإن زوجها غير الأب فرضيت بعد ذلك وأباه الولي لم يجز رضاها، والرضى إلى الولي، [ولو رضيه الولي] ما جاز أيضاً. 1425 - قال ابن القاسم: إلا أن يكون [ذلك] نظراً لها، مثل أن يعسر الزوج ويسأل التخفيف، ويخاف الولي الفراق ويرى أن مثله رغبة لها فيجوز ذلك إذا رضيت، وما كان على غير هذا لم يجز وإن أجازه الولي، ولو فرض [لها] الزوج صداق المثل لزم ذلك المرأة والولي، ولا قول لمن أباه منهما. وإن فرض الزوج بعد عقد النكاح قبل المسيس أو بعده ما رضيت به المرأة وهي ممن يجوز أمرها، أو رضي به الولي وهي بكر والولي ممن يجوز أمره عليها وهو

الأب في ابنته البكر، فذلك جائز، ويكون صداقها هذا الذي تراضيا عليه، ولا يكون صداق مثلها. [قال غيره: إلا أن يدخل بها [الزوج] ، فلا ينقص المولى عليها أب أو وصي من صداق مثلها] . 1426 - قال ابن القاسم: وإذا كان ولي البكر ممن لا يجوز أمره عليها، فلا يجوز رضاها بأقل من صداق مثلها، ولا يجوز ما وضعت للزوج بعد الطلاق قبل البناء من النصف الذي وجب لها، وإنما [يجوز] ذلك للأب وحده، وقد قيل: إذا رضيت بذلك أو وضعت عن الزوج ما وجب لها بعد الطلاق جاز، إذ لا يولى عليها، وإنما لا يجوز ذلك لمن يولى عليها [بأب] أو وصي. 1427 - قال مالك: [ومن نكح ولم يفرض صداقاً جاز، وفرض صداق المثل

إن بنى] ، ولا يجب صداق المثل في نكاح التفويض إلا بالبناء، إذ لو مات قبل البناء والتسمية لم يكن لها صداق ولا متعة، ولها الميراث، ولو طلق لم يكن لها غير المتعة فقط. 1428 -[ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاط أو موهوب فسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل] . 1429 - قال ابن القاسم: وليس للموهوبة إذا لم يسموا معها صداقاً كالتفويض، وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا صداق فهذا لا يصلح، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ولها صداق المثل. قال سحنون: وقد كان قال: يفسخ وإن دخل. وقال ابن شهاب في التي وهبت نفسها لرجل فمسها: فعليهما العقوبة ولها صداق المثل من أجل ما يرى بهما من الجهالة ويفرق بينهما] . قال ابن القاسم: ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاطه، فسخ قبل البناء

وثبت بعده ولها صداق المثل، [قال ابن القاسم:] وهذا الذي أستحسن، وقد بلغني ذلك عن مالك، وقيل: يفسخ وإن دخلا. قال ابن القاسم: وإن لم يذكرا الصداق ولا شرطا إسقاطه، فذلك تفويض جائز. 1430 - وإذا اختلف الزوجان في الصداق بعد الطلاق وقبل البناء، فالقول قول الزوج مع

يمينه، فإن نكل حلفت وأخذت ما تدعي، وكذلك إن ماتت قبل البناء وادعى ورثتها تسمية، وادعى الزوج تفويضاً، فالقول قوله مع يمينه، وله الميراث. وإن اختلفا في الصداق قبل البناء من غير موت ولا طلاق فادعت المرأة أكثر مما أقر به الزوج، فالقول قولها [مع يمينها] ، ويخير الزوج في إتمام ما ادعته وإلا تحالفا وفسخ النكاح ولا صداق لها، وأما بعد البناء فالقول قول الزوج مع يمينه، لأنها أمكنته من نفسها [فصارت مدعية وهو مقر لها بدين، فالقول قوله مع يمينه] ، وإن ادعى الزوج أنه دفع الصداق وأنكرت الزوجة، أو مات الزوج فادعت الزوجة أنها لم تقبض صداقها، أو مات الزوجان وتداعى ورثتهما [في] دفع الصداق فلا قول للمدخول بها ولا لورثتها، وإن لم يدخل بها صدقت هي أو ورثتها. وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد دفعه، أو قالوا: لا علم لنا، فلا شيء عليهم، وإن ادعى ورثتها العلم عليهم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع الصداق، ولا يمين على غائب، ومن يُعلم أنه لا علم عنده. 1431 - وإن نكح على نقد [معجل] ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بها بعد الأجل صدق، وإن بنى بها قبل الأجل صدقت، كان المؤجل عيناً أو حيواناً [مضموناً] ، مع الأيمان فيما ذكرنا. 1432 - ومن وهب ابنته لرجل لم يجز، إلا أن تكون هبته إياها ليس على نكاح،

لكن على وجه الحضانة، أو ليكفلها له، فيجوز، ولا قول لأمها إن فعل ذلك نظراً لحاجة وفقر، وإن وهبها بصداق مسمى وأريد به النكاح جاز، وكذلك واهب السلعة على ثمن مسمى فذلك بيع. 1433 - ومن تزوج امرأة على حكمه أو حكمها أو حكم فلان جاز، فإن وقع الرضى بالحكم فيه وإلا فسخ ولا شيء لها، ويلزم المرأة النكاح إن فرض لها الزوج قبل البناء صداق المثل كالتفويض، وكان ابن القاسم يكره هذا النكاح حتى بلغه أنه قول مالك فأخذ به وأجازه. وقال غيره: ما قال ابن القاسم أول قوله أنه لا يجوز ويفسخ ما لم يفت بدخول، لأنه خرج عن حد ما أرخص فيه من التفويض. 1434 - قال ابن القاسم: وإن بنى بها في نكاح التحكيم قضى لها بصداق المثل، والنكاح ثابت. (¬1) 1435 - وكل ما فسد لصداقه كالنكاح بالآبق والشارد وفسخ قبل البناء، فلا صداق ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/515) ، والفواكه الدواني (2/25) ، والتاج والإكليل (3/515) .

[لها] فيه ولا متعة، وكذلك إن لم يفسخ حتى طلقها قبل البناء فلا متعة عليه، ويلزم فيه الطلاق والخلع قبل الفسخ بما أخذ للاختلاف فيه ويتوارثان فيه. وإن طلقها فيه ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك كل ما يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، والذي يتزوج بغير ولي مثل ذلك، لأن مالكاً وقف في فسخه بعد البناء. 1436 - قال سحنون: وقد كان قال لي: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه [فهو فسخ بغير طلاق، ولا ميراث فيه] ويرد فيه الخلع، وترجع عليه بما أخذ منها، [لأنها كانت أملك بفراقه] ، وقد بينا اختلاف قوله في هذا في كتاب [النكاح] الأول، وفيه ذكر العبد يتزوج بغير إذن سيده.

1437 -[قال مالك:] ولا يجوز نكاح المريض والمريضة، ويفسخ وإن دخلا، وإن بنى بها وهي مريضة ثم ماتت، فلها الصداق ولا يرثها. 1438 - قال مالك: وإن بنى [بها] المريض كان صداقها في ثلثه مبدأ على الوصايا والعتق ولا ترثه، قال مالك: وإن صحّا ثبت النكاح، دخلا أو لم يدخلا، ولها المسمى، وكان يقول: لا يثبت وإن صحا، ثم عرضته عليه فقال: امحه، وأرى إذا صحا أن يثبت النكاح، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق لها ولا ميراث. (¬1) ¬

(¬1) انظر المدونة الكبرى (4/246) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/132) ، ومواهب الجليل (2/210) ، والتاج والإكليل (3/450) .

1439 - قلت: فمن اشترى جارية أو أراد شراءها أو خطب الحرة، فقال [له] أبوه: قد نكحت الحرة ووطئت الأمة بشراء، فكذبه الابن، [قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئاً، إلا أن مالكاً قال:] لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع إلا أن يكون قد فشا وعرف، قال مالك: وأحب إلي أن لا ينكح وأن يتورع، ولا تجوز أيضاً شهادة امرأتين في الرضاع إلا أن يكون شيئاً قد فشا وعرف في

الأهلين والمعارف والجيران، فتجوز حينئذ شهادتهما. 1440 - قال ابن القاسم: فشهادة الولد في مسألتك كشهادة المرأة في الرضاع، فلا يقبل قول الأب إلا أن يكون ذلك من قوله فاشياً قبل الشراء أو النكاح، وأرى له أن يتنزه عنها بغير قضاء، وكذلك الأم إذا لم يزل يسمعونها تقول: [قد] أرضعت فلانة، فلما كبرت أراد الابن تزويجها فلا يفعل. 1441 - وإذا تزوج أخوان أختين، فأدخلت على كل واحد [منهما] زوجة أخيه فوطئها، ردت كل واحدة إلى زوجها ولا يطؤها إلا بعد ثلاث حيض، وعلى العالمة منهما الحد ولا صداق لها، وإن قالت: لم أعلم، فلها صداق المثل على الواطئ: ويرجع هو به على من أغره. 1442 - ومن نكح أمة فليس له أن يتبوأ معها بيتاً، وتبقى في خدمة ساداتها، وليس

للسادة منعه الوطء إذا أراده، ولا يضروا به، ويمنع هو من الضرر بهم، وللسيد بيعها وليس للمبتاع منع زوجها منها، وإن بيعت بموضع لا يصل إليها الزوج فله طلبها والخصومة إن منع منها، ويتبعه البائع بمهرها وبنصفه إن طلق قبل البناء. 1443 -[قال ابن القاسم:] ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه وشهادته وغير ذلك، وما اجترأنا على سؤال مالك عنه. ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنى بها بعد الاستبراء، أو امرأة كان قذفها فحد لها أو لم يحد. (¬1) 1444 - وإذا ادعت امرأة نكاح رجل أو ادعاه هو عليها فلا يمين على المنكر، إذ لا يقضى بنكوله. وإذا ادعى رجلان امرأة، كل واحد منهما يدعي أنها زوجته وأقاما البينة، ولم يعلم الأول منهما، والمرأة مقرة بأحدهما أو بهما أو منكرة لهما، فإن عُدّلت البينتان فسخت نكاحيهما وكانت طلقة، ونكحت من ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/219) .

أحبت منهما أو من غيرهما، فإن كانت إحدى البينتين عادلة والأخرى غير عادلة قضيت بالعادلة. قيل: فإن كانت واحدة أعدل من الأخرى وكلهم عدول؟ قال: يفسخان جميعاً بخلاف البيوع، لأن السلع لو ادعى رجل أنه ابتاع هذه السلعة من فلان وأقام بينة [عادلة] ، وادعى آخر أنه ابتاعها من فلان وأقام بينة، قضى بأعدل البينتين صدقهما البائع أو كذبهما. 1445 - وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه أو شيئاً منه فسد النكاح، وكان فسخاً بغير طلاق، ملكه بشراء أو ميراث أو صدقة أو وصية. وإذا اشترت الأمة زوجها وهي غير مأذون لها فرد سيدها ذلك فهما على نكاحهما، ولا يطلق السيد على عبده بغير إذنه. قال ابن نافع عن مالك: ومن زوج أمته من عبده ثم وهبها له، يغتزي فسخ النكاح وأن يحلها لنفسه أو لغيره، لم يجز، ولا تحرم بذلك على الزوج.

1446 - ومن ملك من امرأته شقصاً ثم آلى منها أو ظاهر لم يلزمه الظهار إذ ليست بأمة تامة له ولا زوجة ويلزمه الإيلاء إن نكحها يوماً ما. 1447 - ومن ضمن صداق عبده ثم دفع السيد العبد إلى الزوجة في صداقها فرضيت، فسخ النكاح، فإن لم يكن بنى بها رجع العبد إلى سيده. 1448 - وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها، فإن أعسر به الزوج قبل البناء تلوم الإمام له وضرب له الأجل، ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، فإن لم يقدر عليه فرق بينهما وإن أجرى النفقة، وإن أعسر بعد البناء لم يفرق بينهما إذا أجرى النفقة واتبعته به ديناً، ولها أخذه بجميع المهر بعد تمام العقد، إن نكحها مثل نكاح الناس على النقد، فأما ما كان من مهر إلى موت أو فراق فإن هذا يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل نقداً لا تأخير فيه، ولمالك قول [آخر] أن لها قيمة المؤجل، ولا يعجبني.

1449 - ولا تلزم من لم يدخل نفقة حتى تُبتغى منه ويدعى إلى البناء، فحينئذ تلزمه النفقة والصداق، إلا أن يكون أحدهما لم يبلغ حد الجماع فلا يلزمه صداق ولا نفقة حتى يبلغا ذلك، وذلك في الصبي بالاحتلام، ولا يلزمه حتى يحتلم، وإن كان مثله يطأ، وهي أن تكون مثلها يوطأ. وإن دُعي الزوج إلى البناء وهي رتقاء خُيّر بين أن يقيم أو يفارق، فإن فارق فلا صداق لها إلا أن تعالج نفسها بأمر يوصل به إلى جماعها، ثم تدعوه إلى البناء فلها الصداق والنفقة، ولا تجبر على العلاج. ولو دعى الزوج إلى البناء، وهي لا يجامع مثلها من صغرها فلهم منعه إلى بلوغ ذلك، وقد قال مالك في التي شرطوا عليه أن لا يدخل بها إلى سنة إن كان لصغر أو لاستمتاع [أهلها] منها لتغربه بها، فذلك لازم وإلا بطل الشرط. 1450 - ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة وأحدهما مريض مرضاً لا يقدر معه على

الجماع، لزمه أن ينفق أو يدخل، وإذا كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض، إلا أن يكون مرضاً بلغ حد السياق فلا يلزمه ذلك. والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل، لأن لها منع نفسها حتى تقبضه. ولو تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع معه فدعته إلى البناء، قيل له: ادفع الصداق [وأنفق] وادخل أو طلق. ويباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته عروضه وريعه إن لم يكن له عين. 1451 - وتلزم العبد نفقة امرأته حرة كانت أو أمة، وإن كانت الأمة تبيت عند أهلها، ونفقة زوجة العبد في ماله إن كان له مال، ولا نفقة لها من كسبه وعمله وذلك لسيده، فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع [العبد] في نفقة زوجته، ولا تلزمه نفقة أولاده الأحرار ولا العبيد، ولا تجبر أم الولد على نفقة ولدها كالحرة، ونفقة ولد المكاتبة عليها إن كاتبت عليهم أو حدثوا في كتابتها، كان زوجها حراً أو عبداً أو كان في كتابة أخرى على حدة،

ونفقتها هي على زوجها، وإن كانت مع الأب في كتابة فنفقة الولد على الأب حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم، وليس عجز المكاتب عن نفقة ولده الصغار كعجزه عن الكتابة والجنابة. 1452 - وإذا خاصمت المرأة زوجها في النفقة فرض لها شهراً بشهر، أو أقل أو أكثر بقدرها من قدره في عسره ويسره، ويجتهد الإمام في ذلك، فإن أعوزته النفقة وهما حران أو عبدان، أو أحدهما حر [والآخر عبد] ولم ترض الزوجة بالمقام معه فرق الإمام بينهما بعد التلومن ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، [وأمر عمر بن عبد العزيز أن يضرب للزوجة في التلوم في النفقة شهر أو شهران، وقاله سعيد بن المسيب، قالا: وإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرق بينه وبينها، قيل لابن المسيب: يا ابا محمد أسنة هذا؟ فأقبل بوجهه كالمغضب، فقال: سنة سنة نعم سنة] ، قال مالك: وإذا [فرق

الإمام بينهما ثم] أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء، وإن لم يوسر فلا رجعة له. 1453 - ولا يؤخذ من الحاضر كفيل بالنفقة، ومن طلق وأراد سفراً فقالت له امرأته: [إني] أخاف حملاً فأقم لي بالنفقة حميلاً، لم يلزمه حميل إلا في حمل ظاهر، فإن ظهر بعد أن سافر اتبعته بما أنفقت إن كان في حال حملها موسراً، وكذلك لو أنفقت وهو حاضر ولم تطلبه كان لها اتباعه بما أنفقت في الحمل، وإن أراد الزوج سفراً فطلبته بالنفقة فرض لها بقدر ما يرى من إبعاده ومقامه، فيدفعه إليها أو يقيم لها به كفيلاً يجريه لها. ومن أقام مع امرأته سنين بعد البناء [بها] وهو مليء، فادعت أنه لم ينفق عليها فلها أخذه بها إن صدقها، وإن أنكر فالقول قوله ويحلف، وكذلك الغائب يقدم فيقول: كنت أبعث بالنفقة، فتكذبه، فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان وأشهدت واستعدت في غيبته،

فمن يومئذ تلزمه النفقة إن كان ملياً ولا يقبل دعواه الإرسال بعد قيامها إلا أن يأتي بمخرج. 1454 - وما أنفقت على نفسها في [حال] حضرته أو غيبته وهو معدم فلا شيء لها، وإن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضر مليء أو معدم، فلها اتباعه به إلا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة، وكذلك المنفق على أجنبي مدة، فله اتباعه به إلا أن يكون بمعنى الصلة والضيافة، ومن قضى له بذلك لم يأخذ ما أنفق من السرف كالدجاج والخرفان ونحوه، ولكن نفقة ليست بسرف. 1455 - ومن أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء، إلا أن يكون للصبي مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه في ماله ذلك، فإن تلف المال وكبر الصبي فأفاد مالاً، لم يرجع عليه بشيء [إلا أن يكون للصبي مال] ، وإذا أنفق الوصي

التركة على الطفل ثم طرأ دين على أبيه يغترقها ولم يعلم به الوصي، فلا شيء عليه ولا على الصبي وإن أيسر، وقال المخزومي: يتبع الصبي بما أنفق عليه. 1456 - وإن أنفقت [المرأة] على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو تسلفت والزوج غائب، فلها اتباعه بذلك إن كان في وقت نفقتها موسراً، وتضرب بما أنفقت على نفسها مع الغرماء، ولا تضرب معهم بما أنفقت على الولد. 1457 - وإذا قوي الرجل على نفقة امرأته دون صغار ولده منها لم تطلق عليه، إذ لا تلزمه النفقة على ولده إلا في يسره، ويكون الولد من فقراء المسلمين. 1458 - ومن كان له على امرأته دين وهي معسرة فلا يقاصّها به في نفقتها، وعليه أن ينفق عليها ويتبعها بدينه، وإن كانت ملية فله مقاصّتها بدينه في نفقتها. 1459 - وإذا فرض القاضي للزوجة ثم مات أو عزل، فادعت المرأة قدراً وادعى الزوج دونه فالقول قوله إذا أشبه نفقة مثلها، وإلا فقولها فيما يشبه، فإن لم يأتيا بما يشبه ابتدي لهما الفرض، وإن ادعت في ثوب أنها أخذته هدية، وقال الزوج: بل في فرضك، فالقول قوله إلا أن يكون الثوب لا يفرض مثله لمثلها، فالقول قولها.

1460 - وإذا قبضت نفقة شهر فتلفت قبل الشهر أو أنفدتها أو تخرقت الكسوة أوسرقت قبل مدتها، فلا شيء على الزوج، وكذلك إن دفع إليها نفقة سنة عنها أو عن ولدها فقد ضمنتها بالقبض، وإن هلكت الزوجة أو هلك الولد قبل المدة رجع الزوج بما بقي في المحاسبة. ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه وتباع فيها عروضه وريعه إن لم يكن له عين، ولا يؤخذ منها بما تأخذ منه كفيل، ويقام الزوج على حجته إذا قدم، وهكذا يصنع فيه إذا أقيم عليه بدين وهو غائب. وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك، ولها أن تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم ديناً، ويقضي عليهم بنفقتها، وكذلك لمن قام عليه بدين، وإذا لم يكن للزوج مال يعدى فيه فأنفقت من عندها حتى قدم، فإن كان في غيبته ملياً رجعت عليه وإلا فلا. 1461 - وإذا أسلم المجوسي فلا نفقة لزوجته المجوسية إذ لا تؤخر، إما أن تسلم وإلا فرق بينهما.

قال يحيى بن سعيد: إذا وجد الفقير قواماً من الخبز والزيت وغليظ الثياب لم يفرق بينهما. قال ربيعة: وأما الشملة والعباءة فلا، وليس عليه خادم إلا في يسره، ويتعاونان في الخدمة في عسره. (¬1) 1462 -[قال مالك:] والعنين الذي يؤجل هو المعترض عن امرأته - وإن أصاب غيرها من حرة أو أمة - يضرب له السلطان أجل سنة من يوم ترافعه، وقاله عمر وابن مسعود (¬2) ، فإن لم يصبها في الأجل فإما رضيت بالمقام وإلا فرق بينهما بتطليقة واعتدت ولا رجعة له، ولها جميع الصداق لطول المدة، قال مالك، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/115) . (¬2) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/331، 332) .

وقال قوم: لها نصفه، وأنا أرى لها نصفه إذا طلقها هو بقرب البناء، وإذا قال المعترض في الأجل: جامعتها، دُيّن وحلف، فإن نكل حلفت وفرق بينهما، فإن نكلت بقيت [له] زوجة، وتوقف فيها مالك مرة إذ نزلت [بالمدينة] ، وأفتى غيره بالمدينة أن تجعل الصفرة في قبلها، وقال ناس: يجعل النساء معها. 1463 -[قال ابن القاسم:] ومن تزوج امرأة فوطئها مرة واحدة في ذلك النكاح، ثم اعترض عنها أو حدث له ما منعه الوطء من علة أو زمانة فلا حجة لها، وقد تقدم

في الجزء الأول ذكر امرأة الخصي والمجبوب والعنين، تعلم به فتتركه ثم ترافعه. 1464 - ويجوز ضرب ولاة المياه وصاحب الشرطة الأجل للعنين [والمعترض] والمفقود. 1465 - ومن تزوج امرأة فوصل إليها ثم طلقها ثم نكحها ثانية فاعترض عنها، فلها مرافعته وضرب الأجل. 1466 -[قال مالك:] وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه، فإن صح وإلا فرق بينهما، وقضى به عمر بن الخطاب. وقال ربيعة: إن كان يؤذيها ولا يعفيها من نفسه لم تجلس عنده، وإن لم يرهقها بسوء صحبته لم يجز طلاقه إياها. 1467 - قال مالك: والأجذم البين الجذام يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك. قال ابن القاسم: فإن كان ممن يرجى برؤه في العلاج وقدر على علاجه، فليضرب له الأجل.

1468 - وإذا اختلف في متاع البيت زوجان عند طلاق أو خلع أو لعان أو فراق، بإيلاء أو غيره، أو ماتا أو أحدهما فاختلف الورثة، والزوجان حران أو عبدان، أو أحدهما عبد أو مكاتب والآخر حر، أو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، فإن لم تقم بينة قضي للمرأة بما يعرف أنه للنساء، وللرجل بما يعرف [أنه] للرجال أو للرجال والنساء، لأن البيت بيته. 1469 - وما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بذلك بينة أخذه بعد يمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه، إلا أن يكون لها أو لورثتها بينة أنه اشتراه لها. وما كان في البيت من متاع الرجل فأقامت المرأة فيه بينة أنها اشترته فهو لها، وورثتها في البينة واليمين بمنزلتها، إلا أنهم [إنما] يحلفون على علمهم أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا المتاع الذي يدعي من متاع النساء، ولو كانت المرأة حلفت على البتات. وورثة الرجل بهذه المنزلة.

والمتاع الذي يعرف للنساء هو مثل: الطست والتور والمنارة والقباب والحجال والأسرّة والفرش والوسائد والمرافق والبسط وجميع الحلي، إلا السيف والمنطقة وخاتم الفضة فإنه للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكراناً وإناثاً، وأما أصناف الماشية وما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير [فلمن حازها] . 1470 - ومن أقام بينة فيما يعرف للآخر كان له، ولا أبالي في هذا الاختلاف كانت رقبة الدار لأحدهما أو لغيرهما. وإن اختلفا في الدار بعينها كانت للرجل، وليس على المرأة من خدمتها وخدمة بيتها شيء. 1471 - والقسم بين الزوجات يوم بيوم لا أكثر، ويعدل في المبيت. وإن نكح بكراً أو ثيباً أقام عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً. (¬1) قال ابن القاسم: وذلك حق لهما لازم دون نسائه، ثم يأتنف القسم، وليس ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/268) ، والتاج والإكليل (4/9) ، ومواهب الجليل (3/477) ، ومختصر خليل (1/128) .

ذلك بيد الزوج، وذكر أشهب عن مالك أن ذلك بيد الزوج. 1472 - وإن سافر لحاجة أو حج أو غزو، سافر بأيتهن شاء بغير قرعة إذا كان على غير ضرر ولا ميل، وإن كانت القرعة ففي الغزو، لما روي أن النبي ÷ فعله فيه. وإذا قدم ابتدأ القسم، ولا يقاص التي كانت معه، ولو سافرت إحداهن للحج أو لضيعتها وأقام الزوج، لم تحاسبه بما سافرت وابتدأ القسم. وإن تعمد المقام عند واحدة منهن شهراً حيفاً، لم يحاسب به وزجر عن ذلك وابتدأ العدل، فإن عاد نُكّل، كالعبد المعتق نصفه يأبق لا يحاسب بخدمة ما أبق فيه.

1473 - وإذا رضيت امرأة بترك أيامها أو بالأثرة عليها على أن لا يطلقها جاز، ولها الرجوع متى شاءت، فإما عدل أو طلق، وقد قال الله تعالى: ×فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا% (النساء: 128) ، ولو شرط في عقد النكاح أن يؤثر عليها أو على أن لا مبيت لها فسخ قبل البناء وثبت بعده وبطل الشرط. وليس عليه المساواة في الجماع [ولا بالقلب] . 1474 - ولا حرج عليه في أن ينشط للجماع في يوم هذه دون يوم الأخرى، إلا أن يفعل ذلك لضرر أن يكف عن هذه لوجود لذته في الأخرى، فلا يحل له ذلك. 1475 - ومن سرمد العبادة وترك الوطء، لم ينه عن تبتله، وقيل له: إما وطئت أو فارقت إن خاصمته، وكذلك إن ترك الجماع لغير ضرر ولا علة، إلا أن ترضى المرأة بالمقام على ذلك. 1476 - وقسم الحر والعبد بين نسائه المسلمات الحرائر والإماء الكتابيات سواء،

والقسم بين صغيرة جومعت أو كبيرة، صحيحة [أو مجنونة] ، أو بإحداهن رتق أو داء أو مرض لا تجامع معه أو حيض، سواء، لكل واحدة منهن يومها. 1477 - ويقسم المريض بين نسائه بالعدل إن كان مرضاً يقدر أو يدور عليهن فيه، فإن لم يقدر أقام عند أيتهن شاء لإفاقته ما لم يكن حيفاً، فإذا صح ابتدأ القسم. 1478 - وليس لأم ولد مع حرة قسم، وجائز أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضار. والمجبوب ومن لا يقدر على الجماع يقسم من نفسه بالعدل إذ له أن يتزوج. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/206) .

(كتاب النكاح الثالث)

(كتاب النكاح الثالث) 1479 - ولابأس أن يتزوج الرجل امرأتين في عقدة واحدة إذا سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق [واحد] لم يجز. قيل: فما لهما إن مات أو طلق قبل البناء. قال: نكاحهما غير جائز. 1480 - وإذا نكح أمة وحرة في عقدة وسمى صداق كل واحدة، قال مالك: يفسخ نكاح الأمة، ويثبت على الحرة، ثم قال: إن علمت الحرة جاز ولا خيار لها، وإن لم تعلم خيرت بين أن تقيم أو تفارق.

1481 - ومن نكح أماً وابنتها في عقدة [واحدة] ثم تبين أن للأم زوجاً، فسخ نكاحهما ولم يثبت نكاح الابنة، كصفقة جمعت حلالاً وحراماً، وكذلك إن لم يكن للأم زوج فلا بد من فسخه، وليس له حبس إحداهما وفراق الأخرى، ثم ينكح بعد ذلك من شاء منهما إن كان لم يبن بهما قبل الفسخ. وقيل: لا تتزوج الأم للشبهة في البنت. 1482 - قال ابن القاسم: وإن كان قد بنى بهما قبل الفسخ حرمتا عليه للأبد، ولو بنى بواحدة منهما فسخ نكاحهما وخطب التي بنى بها بعد الاستبراء أماً كانت أو بنتاً ولم تحل له الأخرى أبداً. 1483 - ومن تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها وهو لا يعلم فدخل بالابنة، فارقهما جميعاً، ولا صداق للأم، ويتزوج الابنة - إن شاء - بعد ثلاث حيض أو وضع حمل، وتحرم عليه الأم للأبد، لأنها صارت من أمهات نسائه.

وإن كان نكاح البنت حراماً فالحرمة تقع فيه، كما يثبت فيه النسب والصداق ويدفع الحد، وإن نكح الأم آخراً وهو لا يعلم، فبنى بهما أو بألم خاصة فارقهما [جميعاً] وحرمتا عليه للأبد. ولا صداق للابنة إن لم يبن بها وإن كان الفسخ من قبله، لأنه لم يتعمده، وإن لم يبن بالآخرة ثبت على الأولى أماً كانت أو بنتاً دخل بها أم لا، ويفسخ نكاح الثانية، ومحمل الجدات في التحريم محمل الأمهات، ومحمل بنات البنات وبنات الأبناء محمل البنات. ومن وطئ امرأة أو قبّل أو باشر أو نظر للذة، بملك [يمين] أو نكاح صحيح أو فاسد أو حرام بشبهة أو في عدة، فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه ابنتها بنكاح أو بملك، فإن تزوجها في عدة فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها، أقام على نكاح الثانية، لأن نكاح المعتدة غير منعقد، وهي تحل لآبائه وأبنائه ما لم يلتذ بها. 1484 - قال مالك: ومن زنى بأم امرأته أو بابنتها حرمت عليه

زوجته، وقال في موطئه: لا يحرم الزنا حلالاً، وأصحابه على ما قال في الموطأ لا اختلاف بينهم فيه، وكذلك من تزوج أم امرأته عالماً فوطؤه إياها تحريم للابنة في أحد قوليه ويحد، إلا أن يعذر بجهالة فلا يحد، ويلحق به الولد، وهذا أكد في التحريم من الزنا للحوق النسب وزوال الحد. 1485 - ومن تزوج امرأة بنكاح صحيح، أو في إجازته اختلاف، حرمت بالعقد دون الوطء على آبائه وإن بعدوا، وأبنائه وإن سفلوا بنسب أو رضاع، وحرمت عليه

أمهاتهان ولا تحرم عليه ابنتها بالعقد على الأم دون وطء أو التذاذ، وأما إن تزوج ذات محرم أو رضاع أو معتدة لم تحرم بالعقد فقط. 1486 - ومن زنى بامرأة أو تلذذ منها حراماً حرمت عليه أمها وابنتها، وتحرم [هي] على آبائه وأبنائه وإن كانت في عصمة أحدهما في أحد قولي مالك. 1487 - ومن تزوج أختاً بعد أخت فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما فليثبت على الأولى ويفارق الآخرة فسخاً بغير طلاق، وكذلك كل من يحرم الجمع بينهن ممن يجوز [له] نكاح إحداهما بعد صاحبتها، وللمدخول بها المسمى أو المثل إن لم يسم، وكذلك من تزوج أخته من الرضاعة ففرق بينهما بعد البناء فلها المسمى. 1488 - وإن نكح أختين في عقدة ولم يعلم هو ولا هما بذلك فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما، فليفارقهما وينكح أيتهما شاء بعد استبرائها إن مسها، ولا خيار له في حبس إحداهما. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/251) ، والفواكه الدواني (2/19) ، وجواهر الإكليل (1/289) ، ومنح الجليل (3/341) .

1489 - ومن وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها لم يعجبني ذلك، إذ لا يجوز [له] أن ينكح إلا في الموضع الذي يجوز له الوطء فيه، إلا أنه لا يفرق بينه وبين امرأته، ويوقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء. قال سحنون: وقد قال عبد الرحمن: إن النكاح لا ينعقد، وهو أحسن قوليه. قال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا. 1490 - ومن باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة [لم يطأ إلا الزوجة، والعقد ها هنا كالوطء في الملك. 1491 - ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ،

فإن باع التي وطئ ثم وطئ الباقية ثم اشترى المبيعة، تمادى على وطء الباقية، وإن لم يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة] وطئ أيتهما شاء، ولو أنه حين وطئ إحداهما وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ، وقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء، [فإن حرم التي وطئ أخيراً تمادى على وطء الأولى، فإن حرم الأولى فلا يطأ الثانية حتى يستبرئها، لأن وطأها كان فاسداً] . 1492 - ومن اشترى أختاً بعد أخت فله أن يطأ الأولى أو الآخرة. فأما من تزوج امرأة فلم يمسها حتى اشترى أختها فليقم على وطء الزوجة، ولا يطأ التي اشترى حتى يفارق امرأته، فإن وطئ المشتراة كفّ عن الزوجة حتى يحرم فرج الأمة ولا يفسدها هنا النكاح على كل حال. 1493 - ومن زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم الولد، أقام على وطء الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعاً وطئ أيتهما شاء، إلا أن يطأ أولاهما رجوعاً، وما وجب في أُخْتَي النسب وجب مثله في أختي الرضاعة في ها، وكثير من هذا المعنى في كتاب الاستبراء.

1494 - ومن طلق امرأته طلاقاً بائناً فله تزويج أختها في عدتها، وكذلك خامسة في عدة رابعة مبتوتة، وإن طلقها تطليقة فادعى أنها أقرت بانقضاء العدة، وذلك في أمد تنقضي العدة في مثله فأكذبته، فلا يصدق في نكاح الخامسة، أو الأخت، أو قطع النفقة والسكنى، لأن القول في العدة قولها، فإن نكح الأخت أو الخامسة، فسخ الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة. 1495 - ولا يجمع بين الأختين من نسب أو رضاع، ولا بين المرأة وبنات أختها ولا بنات أخيها، أو مع بنات بنيها الذكور والإناث من نسب أو رضاع. قال ابن شهاب: ولا بينهما وبين من لأبيها أو لأمها من عمة أو خالة في عصمة نكاح ولا في وطء بملك أو بنكاح وملك، ويجمع بينهن في الرق، فإن وطئ إحداهما لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ. 1496 - قال ابن القاسم: ومن وطئ أمة له أو لولده فلم تحمل وامرأته أم لها،

حرمت عليه امرأته، لأنه ممن لا حد عليه فيها. وهذا لا اختلاف فيه، فإن حملت منه الأمة عتقت عليه، وكذلك من ملك ذات محرم منه فوطئها فحملت منه، فإنه لا يحد وتعتق عليه، وحرم عليه ما كان له فيها من المتعة. قال يحيى بن سعيد: لا ينكح الرجل بنت ابن امرأته ولا بنت بنتها من غيره ولا شيئاً من أولادهما وإن بعدن منها. 1497 -[قال ابن القاسم] : والصغيرة التي يجامع مثلها تحصن واطئها بنكاح ولا يحصنها، ولكنه يحلها. والمجنونة المغلوبة على عقلها تحصن واطئها ولا يحصنها. وقال بعض الرواة: يحصنها، لأنها بالغ مسلمة ونكاحها حلال. وإذا لم يحتلم الصبي ومثله يقوى على الجماع، فزوجه أبوه أو وصيه امرأة فبنة بها وجامعها لم يحصنها ولا يحلها، ولا يجب بوطئه مهر ولا عدة إن بارى عنه أب أو وصي، وتقع الحرمة بعقد نكاحه بين آبائه وأبنائه وبين هذه المرأة.

ولا حد على كبيرة زنت بصغير لم يبلغ، وإن تزوج الحرة عبد أذن له سيده في النكاح، أو خصي قائم الذكر أو مجنون فوطئها قبل علمها به، لم يحلها ولا أحصنها، ولها الخيار حين تعلم به، فإن وطئها بعد علمها به ورضاها أحلها وأحصنها ولا خيار لها. ولا يحصن المرأة ولا يحلها مجبوب إذ لا يطأ، ويحصن الحر وطء الأمة المسلمة أو الحرة الكابية بنكاح صحيح، والأمة المسلمة والحرة الكتابية يحلهن وطء العبد والحر المسلم بنكاح، ولا تكونان به محصنتين حتى توطأ هذه بعد إسلامها وهذه بعد العتق. والعبد لا يحصنه ذلك حتى يطأ بعد عتقه، والوطء بعد عتق أحدهما يحصن المعتق منهما. (¬1) 1498 - قال مالك: ومن بنى بزوجته ثم طلقها فادعت المسيس وأنكره لم يحلها ذلك لزوج كان طلقها إلا بتقاررهما على الوطء. قال ابن القاسم: أما في الإحلال فلا أمنع المطلق منها، وأدينها، وأخاف [أنّ] إنكار الزوج ليضر بها في نكاحها، ولا يكون الرجل محصناً، ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/254) .

لأنها لا تصدق عليه في الإحصان ولا تكون [هي] بذلك محصنة إن زنت. قال غيره: ولها أن تسقط ما أقرت به من الإحصان قبل أن تؤخذ في زنا أو بعد ما أخذت فتقول أقررت لأخذ الصداق. 1499 - ومن أقر بجماع امرأته من عنين أو غيره وأنكرت هي ذلك ثم طلقها ألبتة، كانت مخيرة في أخذ الصداق أو تركه، ولا تكون بذلك محصنة إلا بأمر يعرف به المسيس بعد النكاح، وإن أقامت امرأة مع زوجها عشرين سنة ثم أخذت تزني، ثم قالت: لم يكن [الزوج] جامعني، والزوج مقر بالجماع، فهي محثنة والحد واجب لا يزيله إنكارها. وقال غيره: لدفعها حداً قد وجب [عليها] ولم يكن منها قبل ذلك دعوى.

1500 - ومن تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى مات، فادع أنه طرقها ليلاً فجامعها لم تصدق، ولا يحلها ذلك، ولا يحصنها إلا بدخول يعرف، وهي مثل الأولى ولها طرح ما ادعت. 1501 -[قال ابن القاسم:] والردة تزيل إحصان المرتد من رجل أو امرأة، ويأتنفان الإحصان إذا أسلما، ومن زنا منهما بعد رجوعه إلى الإسلام وقبل تزويجه لم يرجم، وإن ارتد وعليه يمين بالله بعتق أو ظهار فالردة تسقط ذلك عنه. وقال غيره: لا تطرح ردته إحصانه في الإسلام، ولا أيمانه [بالطلاق] ،

ألا ترى أنه لا يتزوج بعد إسلامه امرأة أبتها قبل ردته إلا بعد زوج، وكذلك إن وطئ مبتوتة قبل ردته [بنكاح] فحلت لمن أبتها، لم تبطل ذلك ردته. 1502 - ولا يحصن الزوجين و [لا] يحل المطلقة ثلاثاً، إلا نكاح يصح عقده ويصح الوطء فيه، ولا يجزئ من الوطء إلا مغيب الحشفة وإن لم ينزل، ولا يكون بوطء الملك [محصناً] ، وكل نكاح لا يقران عليه وإن رضي الولي، كمن تزوج ذات محرم منه، أو حرة زوجت نفسها، أو أمة زوجت نفسها بغير إذن السيد، أو تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو أخت امرأته ودخل بهما، أو بجمعهما في عقد [ولم يعلم ذلك كله] ، فلا يحلها ذلك ولا يحصنها. وكذلك ما للولي أو لأحد الزوجين فسخه أو إجازته، كاستخلاف الحرة أجنبياً يزوجها [من رجل] بغير إذن وليها فيدخل بها، ونكاح العبد بغير إذن سيده فلا يحلها ذلك

الوطء ولا يحصنها، وإنما يحلها ويحصنها إذا وطئها بعد إجازة الولي أو السيد، وكذلك الزوج في عيوب المرأة، لا يحلها وطؤه ولا يحصنها قبل علمه بعيوبها حتى يطأها بعد العلم، وكل وطء أحصن الزوجين أو أحدهما فإنه يحل المبتوتة، وليس كل ما يحل يحصن، ولا يحصن إلا مسيس معروف ليس لأحد فسخه، ولو صح العقد وفسد الوطء ما أحصن ولا أحل كوطء الحائض أو أحدهما معتكف أو صائم [في] رمضان أو محرم، وكل وطء نهى الله عنه [لا يحصن ولا يحل] . قال المغيرة: ولا يحل ما أمر الله به ما نهى عنه. 1503 -[قال مالك:] والنصرانية يبتها مسلم، فلا يحلها وطء نصراني بنكاح إلا أن يطأها بعد إسلامه، لأن ذلك ليس بنكاح إلا أن يسلم الزوج وحده أو يسلما جميعاً، فيثبت النكاح. 1504 - وإن طلق الحر زوجته ثلاثاً أو العبد طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، ولا يحلها نكاح المحلل حتى يكون النكاح رغبة غير مدالسة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/469) .

قال: قيل لمالك: إنه يحتسب في ذلك. قال: يحتسب في غير هذا. وإن نكح نصراني نصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر وشرطا ذلك وهما يستحلانه، ثم أسلما بعد البناء، ثبت النكاح، فإن كانت قبضت قبل البناء ما ذكرنا فلا شيء لها غيره. وإن لم تكن قبضته وقد بنى بها فلها صداق المثل، وإن كان لم يبن بها حتى أسلما، وقد قبضت ما ذكرنا أو لم تقبض، خُيّر بين إعطائها صداق المثل ويدخل بها، أو الفراق وتكون طلقة، ويصير كمن نكح على تفويض. قال غيره: إن قبضته مضى ذلك ولا شيء لها غيره، بنى بها أو لم يبن. ولا يطأ الكافر مسلمة بنكاح أو ملك ويُتقدم في ذلك إلى أهل الذمة،

ويعاقب فاعله بعد التقدم [إليه] ولا يجد، [ومن] عذر بجهل فلا يعاقب، وتباع الأمة على مالكها ويفسخ النكاح [وإن أسلم الزوج] . قال ربيعة: فإن نكحها وزعم أنه مسلم، فلما خشي الظهور عليه أسلم وقد بنى بها، فلها الصداق ويفرق بينهما وإن رضي أهل المرأة، ثم إن رجع إلى الكفر قُتل. 1505 -[قال مالك:] وإن أسلم مجوسي أو ذمي وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام حينئذ، فإن أبته وقعت الفرقة بينهما، وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما، [وإن بعد انقطعت العصمة بينهما] ، ولم يحد البعد، ورأى الشهر وأكثر من ذلك قليلاً ليس بكثير، فإن أسلمت الزوجة بعد البناء وزوجها مجوسي أو كتابي فلا يعرض عليه الإسلام، ولكنه إن أسلم في عدتها كان أملك بها، وليس له ذلك إن انقضت. وإذا وقع الفراق بإسلام أحد الزوجين كان

فسخاً بلا طلاق، وإن أسلم كتابي بدار الحرب أو بعد قدومه إلينا لم تزل عصمته عن نسائه ويقع طلاقه عليهن، وأكره له الوطء بدار الحرب بعد الإسلام، كما أكره أن ينكح [بها] خوفاً أن تلد ولداً فيكون على دين الأم، وإن خرجا إلينا بأمان فأسلم أحدهما كانا في الفرقة والاجتماع كالذميين يسلم أحدهما. 1506 - وإن أسلم ذمي وتحته كتابية بنى بها أم لا، ثبت على نكاحه، وبقيت له زوجة. وإن كانت صغيرة زوجها إياه أبوها، فهما [على] نكاحهما، ولا خيار لها إن بلغت. 1507 - وإن أسلم الصبي الذمي وقد زوجه أبوه مجوسية، لم يفسخ نكاحه إلا أن يثبت على إسلامه حتى يحتلم فتقع الفرقة بينهما، إلا أن تسلم هي عند ذلك فتبقى له زوجة، لأنه لو ارتد عن الإسلام قبل بلوغه لم يقتل. وإذا أسلم الزوج قبل البناء وهما مجوسيان ففرق بينهما فلا صداق عليه، لأنه

فسخ بعير طلاق، وإذا وقعت الفرقة بينهما [بإسلام أحدهما] [وذلك قبل البناء فلا صداق لها ولا متعة، وإذا وقعت الفرقة بينهما بإسلام أحدهما وهما مجوسيان أو ذميان] وقد بنى بها فرفعتها حيضتها فلها السكنى، لأنها إن كانت حاملاً اتبع ما في بطنها، وكذلك من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها السكنى، لأنها تعتد منه وإن كان فسخاً. 1508 - وإذا سبيت ذات زوج فعليها الاستبراء بحيضة ولا عدة عليها، لأنها صارت أمة. 1509 - وإن أسلمت امرأة في دار الحرب ثم قدمت إلينا بأمان ثم أسلمت، فاستبراؤها ثلاث حيض. فإن أسلم زوجها فيها كان أملك بها إن ثبت أنها زوجته. ولوكان إسلام الزوجة في دار الحرب أو عندنا وذلك قبل البناء لبانت، ولا سبيل له إليها وإن أسلم مكانه، ولا متعة لها ولا صداق، وإن قبضته ردته وإن بنى بها فلها المسمى.

يقسم أو بعد أن قسم، فذلك هدم للنكاح، ولو سبيت المرأة ثم قدم الزوج بأمان أو سبي وهي في الاستبراء، فلا سبيل له إليها لزوال العصمة بالسبي، ولو أسلم الزوج بدار الحرب وأقام بها، أو قدم إلينا مسلماً، أو أتى [إلينا] بأمان فأسلم، وخلف أهله على النصرانية فسباها المسلمون، فهي في عصمته إن أسلمت، وإن أبت فرق بينهما، إذ لا ينكح [مسلم] أمة كتابية، وهي وولدها [وما في بطنها من ولد] ، ومهرها الذي على الزوج، وجميع ما للزوج ببلد الحرب فيء، قال غيره: وولده الصغار تبعاً له وكذلك ماله، إلا أن يقسم فيستحقه بالثمن. 1510 - ومن طلق امرأته وهي أمة، ثم ارتجعها في سفره قبل انقضاء عدتها وأشهد بذلك، فوطئها سيدها بعد عدتها وقبل علمه برجعة الزوج، ثم قدم الزوج، فلا رجعة له، إذ وطء السيد لها بالملك كوطئها بنكاح.

1511 - وكره مالك نكاح نساء أهل الحرب لتركه لولده بدار الكفر، وأنا أرى أن يطلقها ولا أقضي عليه. 1512 - ويجوز للمسلم نكاح حرة كتابية، وإنما كره ذلك مالك ولم يحرمه لما تتغذى به من خمر أو خنزير، وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع، وليس له منعها من ذلك ولا من الذهاب إلى الكنيسة. 1513 - ولا يجوز [وطء] مجوسية بنكاح أو ملك، قال ابن شهاب: ولا قبلة ولا مباشرة. 1514 - ويطأ الأمة الكتابية بالملك، ولا يجوز بنكاح لمسلم حر أو عبد كانت لمسلم أو ذمي، ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم.

1515 - ولا يُمنع نصراني من نكاح مجوسية أو مجوسي من نكاح نصرانية، والولد تبع للوالد في الدين وأداء الجزية، وتبع للأم في الملك والحرية، والحضانة لها وإن لم تسلم ولو أسلمت الأم دون الأب بقي الولد على دين الأب، وكذلك لو كان في بطنها، وإسلام الأب إسلام لصغار بنيه. 1516 - وإذا زوج الكتابي ابنته الطفلة لكتابي ثم أسلم الأب وهي صغيرة، كان ذلك فسخاً لنكاحها. 1517 - ولو زوج المجوسي ابنه [الطفل] مجوسية، ثم أسلم الأب وابنه صغير، عرض على زوجة الصبي الإسلام، إن أسلمت وإلا فرق بينهما ما لم يطل ذلك. 1518 - وإذا كان الغلام والجارية في حد المراهقة في إسلام الآباء من أبناء اثنتي عشرة وثلاث عشرة سنة فلا يجبر على الإسلام، ويترك الأمر إلى بلوغه، فإما أقام حينئذ على دينه ونكاحه فلا يعرض له أو يسلم فيحكم بما ذكرنا في إسلام أحد الزوجين البالغين. 1519 - ومن أسلم وله ولد صغار فأقرهم حتى بلغوا اثني عشرة سنة أو شبه ذلك فابوا الإسلام، فلا يجبروا، وقال بعض الرواة: يجبرون وهم مسلمون،

وهو أكثر مذاهب المدنيين، ومن أسلم وله ولد مراهق من أبنء ثلاث عشرة سنة وشبه ذلك، ثم مات الأب أوقف ماله إلى بلوغ الولد، فإن أسلم ورث الأب وإلا لم يرث، وكان المال للمسلمين، ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل أخذ ذلك حتى يحتلم، لأن ذلك ليس بإسلام، ألا ترى أنه لو أسلم ثم رجع إلى النصرانية أكره على الإسلام ولم يقتل. ولو قال الولد: إني لا أسلم إذا بلغت، لم ينظر إلى ذلك، ولا بد من إيقاف المال إلى احتلامه، ولو كان الولد لا يعقل دينه ابن خمس سنين أو ست، فهم مسلمون بإسلام الأب ويرثونه مكانهم، وقاله أكثر الرواة. 1520 - ولو أسلم حربي أو ذمي عن أكثر من أربع زوجات نكحهن في عقدة أو في عقد، فليختر منهن أربعاً كن أول من نكح أو آخرهن، ويفارق باقيهن، وكذلك الأمر في الأختين. وإن أسلم عن أم وابنتها تزوجهما في عقدة أو عقدتين،

فإن لم يكن بنى بهما فله اختيار إحداهما ويفارق الأخرى، وقال غيره: لا يحبس واحدة منهما. قال ابن القاسم: فإن حبس الأم فأراد ابنه نكاح البنت التي خلاها [أبوه] فلا يعجبني ذلك، وإن كان قد بنى بهما جميعاً فارقهما ولا تحلان [له] أبداً، وإن بنى بواحدة أقام عليها وفارق الأخرى ولم يكن له أن يختار التي لم يمس، وكذلك المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً، الجواب واحد، قيل له: فذمي أو حربي تزوج امرأة فماتت قبل أن يمسها فتزوج أمها ثم أسلما جميعاً، فلم يذكر جواباً، وأتى بنظير يدل على جواز النكاح وثباته، فذكر مسألة المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً. 1521 - وما استحل أهل الشرك في دينهم من نكاح بصداق فاسد فإنه ثابت إذا أسلموا عليه، وقد تقدم هذا، وما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام.

وما كان لها من شروط بطلاق فيها أو في غيرها أو بعتاق أن لا يتزوج عليها أو [لا] يخرج بها ونحوه، أو ألا يمنعها من أهلها [فذلك كله يسقط عنه] ، وما شرط ألا نفقة لها أو نفقة محدودة أو فساد في صداق بطل الشرط ورد إلى ما يجب في الإسلام، ولا أفسخ به النكاح إذا عقدوه بما يجيزونه وإن فسخ بين المسلمين قبل البناء، [وإذا تزوج ذمي زوجة ذمي سواه فرافعه زوجها إلينا منع من ذلك، وهذا من التظالم الذي أمنعه منه] . 1522 - وإذا تزوج صغيران من أهل الذمة بغير إذن أبويهما، أو زوجهما أجنبي ثم أسلما بعد البلوغ ثبتا على نكاحهما، ولا يفسخ ما عقد في الشرك إذا أسلموا إلا ما لا يحل وطؤه. 1523 - وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثاً [ولم يفارقها] ، فرفعت زوجته أمرها إلى الإمام فلا يعرض لهما ولا يحكم بينهما إلا أن يرضيا جميعاً بحكم الإسلام. [فالحاكم مخير فيهم إن شاء حكم وإن شاء ترك، فإن حكم بينهم حكم بحكم

الإسلام] ، قال مالك: وأحب إلي أن لا يحكم بينهم. 1524 - وطلاق الشرك ليس بطلاق، وكذلك إن طلق النصراني زوجته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما، فليقيما على نكاحهما. 1525 - وإن تزوج ذمي ابنته أو أخته أو أقام على مبتوتة لم يعرض لهم، إذ كان ذلك مما يستحلونه في دينهم، وإن أعلنوا الزنا أدبوا، ولا يحصن الوطء بين النصرانيين حتى يطأها بعد إسلامهما. 1526 - وإذا قسم المغنم بدار الحرب فصار لرجل في سُهمانه جارية فاستبرأها بحيضة، فجائز أن يطأها بدار الحرب، وإن كان لها زوج حربي، وكرهه بعض الناس خيفة أن تهرب منه حاملاً. 1527 - ومن كان عنده ثلاث نسوة في دار الإسلام، ثم خرج تاجراً إلى دار الحرب

فتزوج بها رابعة، ثم قدم وتركها فأراد نكاح خامسة، فليس ذلك له، إذ الحربية في عصمته. 1528 - ولا توطأ المسبية من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أو تصلي أو تجيب بأمر يعرف بعد الاستبراء، وتجزيه حيضتها عنده قبل الإسلام، كمن اشترى مودعة عنده قد حاضت، وإن كانت المجوسية صغيرة لم تحض، فإن كانت ممن تعرف الإسلام لم يطأها حتى يجبرها على الإسلام وتدخل فيه، إذا كانت قد عقلت ما يقال لها. 1529 - ولا بأس أن يزوج الرجل عبده النصراني أمته النصرانية، فإن أسلم العبد فالنكاح يفسخ إلا أن تسلم الأمة مكانها، مثل المجوسية يسلم زوجها، فإن أسلمت الأمة فالعبد أحق بها إن أسلم في عدتها. 1530 - وردة أحد الزوجين مزيلة المعصمة حينئذ، وردة الزوج طلقة بائنة، وإن

أسلم في عدتها فلا رجعة له، قال في كتاب العدة: وكذلك ردة المرأة طلقة بائنة وإن رجعت إلى الإسلام. (¬1) 1531 - قال ابن شهاب: والأسير يعلم تنصره فلا يدري أطوعاً أو كرهاً فلتعتد زوجته ويوقف ماله وسريته، فإن أسلم عاد ذلك إليه إلا الزوجة، وإن كات حكم فيه بحكم المرتد، فإن ثبت إكراهه ببينة لم تطلق عليه، وكان كحال المسلم في نسائه وماله، ويرث ويورث. 1532 - قال ابن القاسم: وإذا ارتد وتحته ذمية أو نكحها في ردته فسخ النكاح، وإن ارتد إلى مثل دينها، وإن ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإنه يوضع عنه كل ما كان لله مما تركه قبل ارتداده، من صلاة أو زكاة أو صيام أو حج، وما كان عليه من نذر أو يمين بعتق أو بالله أو بظهار فإن ذلك كله يسقط، ويؤخذ بما كان للناس من سرقة أو قذف أو قتل أو قصاص أو غير ذلك مما لو فعله في كفره لأخذ به، وإن قتل على ردته فالقتل يأتي على كل حد أو قصاص وجب عليه للناس، إلا القذف فإنه ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/466) ، ومواهب الجليل (3/479) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/360) .

يحد ثم يقتل، وإذا أسلم المرتد لم يجزه ما حج قبل ردته، وليأتنف الحج لقول الله تبارك وتعالى: ×لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ% (الزمر: 65) ، ويأتنف الإحصان، وقد تقدم هذا، وإذا قتل [المرتد] لم يرثه ورثته من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه، وميراثه للمسلمين، وتبطل وصاياه قبل الردة وبعدها، وإذا ارتد المريض فقتل لم ترثه زوجته، ولا يتهم أحد أن يرتد لئلا يرثه ورثته، وميراثه للمسلمين. 1533 - وإن مات للمرتد أو للذمي أو للعبد ولد حر مسلم لم يرثوه ولم يحجبوا، ثم إن أسلم المرتد أو الذمي أو عتق العبد قبل أن يقسم ميراث الابن فلا شيء لهم منه، وإنما الميراث لمن وجب له يوم مات الميت، وقد جرى [ذكر] كثير من أحكام المرتد في كتب العبيد، وبالله التوفيق. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: الذخيرة للقرافي (4/338) .

(كتاب الظهار)

(كتاب الظهار) 1534 -[قال مالك:] ومن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر، [ومن] ظاهر بشيء من ذوات المحارم من نسب أو رضاع أو بصهر فهو مظاهر، [وإن قال لها: أنت علي مثل أمي أو كرأس أمي أو كقدمها أو كفخذها ونحوه، فهو مظاهر] ، وقال بعض [كبار] أصحاب مالك إذا قال لها:

رأسك علي كظهر أمي أو يدك أو أصبعك لزمه الظهار، وكذلك في البطن والفرج كما لو طلق منها ذلك العضو لزمه الطلاق فيها. 1536 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، فهو مظاهر، لأنه جعل للحرام مخرجاً حين قال مثل أمي، قال غيره: لا تحرم به، لأن الله تعالى أنزل الكفارة في الظهار، ولا يَعْقِل من لفظ به فيه شيئاً سوى التحريم، قال مالك: وإن لم يذكر أمه كان البتات. 1537 - وإن قال لها أنت علي كظهر فلانة [أو مثل ظهر فلانة] لجارة له أجنبية، وهي ذات زوج أم لا فهو مظاهر، وقال غيره: هي طالق ولا يكون مظاهراً. (¬1) 1538 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي كفلانة، لأجنبية ولم يذكر الظهر، فهو البتات. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (6/50) ، ومواهب الجليل (4/112) ، والتاج والإكليل (4/119) ، والبيان والتحصيل (5/171) ، والنوادر والزيادات (5/293) .

1539 - وإن قال [لها] : كفلانة، من ذوات محارمه فهو مظاهر، لأن هذا وجه الظهار، إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون البتات. 1540 - وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، أو حرام كأمي ولا نية له، فهو مظاهر، وهذا لا اختلاف فيه. 1541 - قال ربيعة: وإن قال لها: أنت علي مثل كل شي حرمه الكتاب، فهو مظاهر. 1542 - قال ابن شهاب: وإن قال لها: كبعض ما حُرم علي من النساء، فهو مظاهر. 1543 - ومن تظاهر من أمته أو من أم ولده، أو من مدبرته فهو مظاهر، وإن تظاهر من معتقة إلى أجل لم يكن مظاهراً، لأن وطأها لا يحل له.

1544 - وإن تظاهر الذمي من امرأته ثم أسلم، لم يلزمه ظهار كما لا يلزمه طلاقه في الشرك، وكل يمين كانت عليه من طلاق أو عتاق أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم، وإن تظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء. 1546 - ولا يلزم الصبي ولا المعتوه الذي لا يفيق ولا المكره، ظهار ولا طلاق ولا عتق، ويلزم السكران ظهاره وطلاقه. 1547 - قال مالك: ومن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر إن شاءت الظهار، وذلك إليها ما لم توقف. وقال غيره: إنما هذا على اختلاف قول مالك في التمليك.

1548 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذه الساعة، فهو مظاهر منها وإن مضى ذلك الوقت، ولا يطؤها حتى يكفّر، كما لو قال لها: أنت طالق اليوم أو هذه الساعة كانت طالقاً أبداً. 1549 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم أو كلمت فلاناً اليوم، أو قال [لها] : أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار، فإن مضى اليوم ولم يفعل ذلك لم يكن مظاهراً وإنما يجب عليه الظهار بالحنث، وكذلك إن قال لها: إن دخلت الدار اليوم فأنت طالق، أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار اليوم، فمضى ذلك اليوم ثم دخلت لم يلزمه طلاق، [وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي أو أنت طالق إلى قدوم فلان، لم يلزمه ظهار ولا طلاق حتى يقدم فلام فيلزمه ذلك، وإن لم يقدم فلان فلا شيء عليه، وأما إن قال لها: من الساعة إلى قدوم فلان، لزمه الظهار والطلاق مكانه] . 1550 - ومن ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزيه، وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة، أو كان في مجلس واحد فخاطب كل واحدة [منهن بالظهار دون الأخرى، حتى أتى على الأربع، أو قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمين ثم قال للأخرى: أنت علي مثلها، فعليه في ذلك لكل واحدة منهن كفارة] . (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/441) .

1551 - وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، قال لها ذلك مرراً في شيء واحد أو في غير شيء، فليس عليه إلا كفارة واحدة، وإن نوى بقوله ثلاث ظهارات، إلا أن ينوي ثلاث كفارات [فتلزمه ثلاث كفارات] كاليمين بالله، وإن قال ذلك في أشياء مختلفة، مثل: أن يحلف بالظهار إن دخل [هذه] الدار، ثم يحلف به إن كلم فلاناً فعليه في كل شيء يفعله من ذلك كفارة، بخلاف ما لو جمعهما في ظهار واحد. قيل: فكل كلام تكلم به رجل ينوي به الظهار أو الإيلاء أو تمليكاً أو خياراً، أيكون ذلك كما نوى؟ قال: نعم، إذا أراد أنك بما قلت مخيرة أو مظاهر منها أو مطلقة. 1552 - ومن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوج واحدة لزمه الظهار ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر وتزوج البواقي فلا ظهار عليه فيهن، وإن لم يكفر ولم يطأ الأولى حتى ماتت أو فارقها سقطت عنه الكفارة، ثم إن تزوج البواقي لم يطأ واحدة منهن حتى يكفر، لأنه لم يحنث في يمينه بعد، وإنما يحنث [في يمينه] بالوطء، لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت قبل أن يطأها

فلا كفارة عليه، وإنما يوجب [عليه] كفارة الظهار الوطء، فإن وطئ [فقد] لزمته الكفارة، ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر، ولو كان هذا قد وطئ الأولى ثم ماتت أو طلقها أو لم يطلقها لزمته الكفارة، فإن تزوج البواقي فلا يقرب واحدة منهن حتى يكفر. 1553 - ومن قال لنسائه: من دخلت منكن هذه الدار فهي علي كظهر أمي، فدخلنها كلهن أو بعضهن فعليه في كل واحدة دخلتها كفارة كفارة، وكذلك لو قال: ايتكن كلمتها فهي علي كظهر أمي، فإن كلم واحدة منهن لزمته كفارة، ولم يلزمه في من لم يكلم منهن ظهار وإن وطئها حتى يكلمها، وله وطؤهن قبل أن يكلمهن، ثم إن كلم أخرى لزمته كفارة ثانية، بمنزلة ما لو قال لأربع نسوة: من تزوجتها منكن فهي علي كظهر أمي، فتزوج واحدة كان منها مظاهراً، ثم إن تزوج أخرى كان أيضاً مظاهراً بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وإن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل لم يلزمه ظهار. وإن قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لزمه الظهار إن تزوجها، ومن قال: كل امرأة أتزوجها فهي

طالق لم يلزمه شيء إن تزوج، وإن قال: فهي علي كظهر أمي، لزمه ذلك، لأن له المخرج بالكفارة بخلاف الطلاق، ولا يطأ إن تزوج حتى يكفر، وكفارة واحدة تجزيه عن ذلك. (¬1) 1554 - وإن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه، لم يحنث بدخولها وهي في غير ملكه، فإن تزوجها فدخلت الدار وهي تحته عاد عليه الظهار إلا أن يكون طلقها أولاً البتة، فإن الظهار يسقط عنه إن تزوجها بعد زوج، ولو حنث بدخولها قبل أن يفارقها أو كان إنما تظاهر منها بغير يمين ثم أبتها قبل أن يكفر، فهذا إن نكحها بعد زوج عاد عليه الظهار ولم يطأها حتى يكفّر. 1555 - ومن تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فهو مظاهر منها، وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء أو كتابية لزمه ذلك، وكفارته منهن سواء، ويلزمه الظهار والطلاق في زوجته الكابية كالمسلمة. 1556 - وإن تظاهر العبد من امرأته وهي حرة أو أمة، فكفارته منهما سواء. وظهار ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/120) ، والمدونة (6/56) .

الرجل من زوجته قبل البناء وبعده [سواء] ، كما لو ظاهر من أمة لم يطأها قط لزمه الظهار. 1557 -[والمجوسيان إذا أسلم الزوج ثم ظاهر منها أو طلق مكانه ثم أسلمت بقرب إسلامه، فذلك يلزمه] . 1558 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق أو أنت علي كظهر أمي أو فأنت علي كظهر أمي وأنت طالق، فإن تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد ذلك لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، لأن الطلاق والظهار وقعا بالعقد معاً فلزماه، والذي قدم الظهار في لفظه أبين، وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي، طلقت عليه ولم يلزمه فيها ظهار إن تزوجها يوماً ما، لأنه أوقعه بعد أن بانت منه، ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك

وأنت علي كظهر أمي، لزمه إن نكحها الإيلاء والظهار جميعاً، كما يلزمه ذلك في التي في عصمته. * * * [في منع المظاهر من امرأته حتى يكفر] 1559 - ومن تظاهر من زوجته فلا يطأها حتى يكفر، ويجب عليها أن تمنعه من نفسها، فإن خشيت [منه] على نفسها رفعت ذلك إلى الإمام ومنعه الإمام من وطئها إن خاصمته، ويؤديه إن رأى ذلك، ولا يقبل ولا يباشر ولا يلمس ولا ينظر إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه، وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان يؤمن ناحيته. 1560 -[فإن امتنع من الكفارة وهو قادر عليها دخل عليه الإيلاء، لأنه مضار ووقف لتمام أربعة أشهر من يوم] التظاهر، فإما كفّر أو طلقت عليه، فإن كفّر زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ، وإن قال: أنا أكفّر، ولم يقل: أنا أطأ، فذلك له،

لأن نيته الكفارة وليس الوطء، فإذا كفّر كان له أن يطأ بلا كفارة، وإن كان لا يعلم منه ضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء، وإذا كان من أهل الصوم فمضت أربعة أشهر ولم يصم فلها إيقافه، وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان [له] الأجل، وكل لمالك، والوقف بعد ضرب الأجل أحسن، فإذا أوقفته فقال: أنا أصوم شهرين عن ظهاري، أو كان ممن يقدر على عتق أو إطعام فقال: أخروني حتى أعتق أو أطعم، اختبره الإمام مرتين أو ثلاثاً،

فإن لم يأخذ في ذلك بعد التلوم فرق بينهما، لأنه مضار كالمولي إذا أوقف فقال: أنا أفي، فاختبره الإمام مرة بعد مرة، فلم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلّق عليه، وهذا المعنى مستوعب في كتاب الإيلاء، ومن قال لزوجته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فهو مولٍ حين تكلم بذلك، فإن وطئ سقط افيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء، ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار، فإن تركها ولم يكفر كان سبيله كما وصفنا في المظاهر المضار. 1561 - ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم، فإن أعسر قبل أن يكفر أجزأه الصوم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر لا إلى حاله قبل ذلك، ولو أيسر بعد أن أخذ في صوم أو إطعام فإن كان بعد صوم اليومين ونحوهما أحببت له أن يرجع إلى العتق ولا أوجبه [عليه] ، وإن كان قد صام أياماً لها عدد فما ذلك عليه وليمض على صومه، وكذلك الإطعام مثل ما فسرنا في الصوم، وكذلك في كفارة القتل.

1562 - وإن صام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد [ثمن] الهدي في اليوم الثالث، فليمض على صومه، وإن وجد ثمنه وهو في أول يوم فإن شاء أهدى أو تمادى في صومه. 1563 - قال مالك: وإن تظاهر العبد فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده، فالصوم [له] أحب إلي. قال ابن القاسم: بل هو الواجب عليه، ولا يطعم

من قدر أن يصوم، وأما العتق فلا يجزيه في شيء من الكفارات وإن أذن له السيد. 1564 - قال مالك: وأما إن أذن له أن يطعم في اليمين بالله أجزأه، وفي قلبي منه شيء، والصوم أبين عندي. قال ابن القاسم: إن أطعم بإذن سيده أجزأه، لأن سيده لو كفّر عنه بالطعام أو رجل كفّر عن صاحبه بالطعام أجزأه. ومن ظاهر من زوجته ثم طلقها ثلاثاً أو واحدة فبانت منه، ثم أعتق عن ظهاره منها أو صام أو أطعم، ثم تزوجها بعد ذلك، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه أخرجها قبل وجوبها، ومتى تزوج المرأة رجع عليها الظهار. 1565 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فكفّر عن ظهاره هذا ثم تزوجها، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه [قد] كفر قبل نية العودة، ولا ينوي

ذلك فيمن ليست في عصمته ولا يكفر قبل حنثه وقد قال الله عز وجل: ×ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا%، والعودة ها هنا إرادة الوطء والإجماع عليه، فمن كفّر قبل إرادته كان كمن كفّر عن شيء وجب عليه. 1566 - وإذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر ناسياً أو عامداً في ليل أو نهار، لزمته الكفارة بجماعه، ماتت بعد ذلك أو طلقها أو مات عنها، وإن طلقها ثلاثاً أو واحدة قبل أن يطأها فلا كفارة عليه إلا أن يتزوجها يوماً [ما] ، فيعود عليه الظهار، ولا يطأ حتى يكفر، ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل

في الكفارة لم يلزمه تمامها. قال ابن نافع: وإن أتمها أجزأه إذا أراد العودة قبل الطلاق. 1567 -[ومن] أكل ناسياً في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع، أو أكره على الفطر، أو تقيأ، أو ظن أن الشمس قد غابت فأكل، أو أكل بعد الفجر ولم يعلم، أو وطئ نهاراً غير التي تظاهر منها ناسياً، فليقض في ذلك يوماً ويصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله. وله أن يطأ غير من تظاهر منها في خلال الكفارة، ليلاً في الصوم أو نهاراً في الإطعام، كانت الموطوءة زوجة أو أمة، فإن وطئ التي تظاهر منها ليلاً أو نهاراً أول صيامه أو آخره ناسياً أو عامداً ابتدأ الشهرين، وكذلك حكم الإطعام، وإن لم يبق إلا مسكين، وكذلك من وطئ في الحج ناسياً أو عامداً فعليه أن يتم حجه ذلك ويقضيه من قابل.

1568 - قال ابن القاسم: ومن صام عن ظهاره شهراً ثم مرض وهو لا يجد رقبة لم يكن له أن يطعم، وإن تمادى به المرض أربعة أشهر لم يدخل عليه الإيلاء، لأنه غير مضار، وتُنتظر إفاقته، فإذا صح صام إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصيام، بعده فيصير حينئذ من أهل الإطعام. وقال أشهب: إذا مرض صار من أهل الإطعام. 1569 - ومن ظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة أو دار لا فضل فيها أو عرض فيه ثمن رقبة، لم يجزه إلا العتق، ولا يجزيه الصوم، لأنه يقدر على العتق، وإن تظاهر من أمته وليس له غيرها لم يجزه الصوم، وأجزأه عتقها عن ظهاره، وله أن يتزوجها بعد ذلك. 1570 -[ومن صام شهراً وأطعم ثلاثين مسكيناً] عن ظهاره، أو أعتق [نصف]

عبد وأطعم ثلاثين مسكيناً، [أو صام شهراً، لم يجزه ذلك] . 1571 - والإطعام في الظهار ستون مسكيناً لكل مسكين مد من حنطة بمد هشام، وهو مدان إلا ثلث بمد النبي ÷، فإن كان عيش بلدهم تمراً أو شعيراً أطعم منه في الظهار عدل شبع مد هشام من الحنطة، ويطعم من ذلك في كفارة الأيمان عشرة مساكين وسطاً من شبع الشعير والتمر، ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار،

لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مداً بالهاشمي ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضاً، ويجزئ ذلك في سواهما من الكفارات، ويكون مع الخبز إدام، وإن كان الخبز وحده وكان فيه عدل ما يخرج من الحب أجزأه، ويخرج في كفارة الأيمان وفي الإفطار في رمضان في كل شيء مداً لكل مسكين بمد النبي ÷ خلا فدية الأذى، فإنه يخرج فيها مدين لكل مسكين، ولا يجزئ السويق والدقيق في شيء من الكفارات كما لا يجزئ ذلك في زكاة الفطر. 1572 - ومن أعطى في سائر الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه، ولا يجزئ في ذلك [دقيق أو سويق] ، ولا يجزئ عرض أو دراهم فيها وفاء بالقيمة، ومن أعطى في الظهار ستين مداً بالهاشمي، لعشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف مد] ، لم يجزه ذلك إلا أن يزيد [لستين] منهم لا من غيرهم نصف مد لكل واحد فيجزيه، وإن أعطى ذلك لثلاثين مسكيناً لكل مسكين مدين لم يجزه حتى يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً، ولا يجزيه في فدية الأذى أن يعطي اثني عشر مسكيناً مداً [مداً] ، ولكن يُعطي ستة مساكين لكل مسكين مدين بمد النبي ÷، وكذلك في كفارة الإفطار في رمضان لا يجزيه أن يعطي ثلاثين مسكيناً مدين مدين، ولا عشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف

مد] ، ولكن يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً بمد النبي ÷، فإن أطعم ثلاثين مسكيناً في كفارة الظهار حنطة ثم ضاق السعر حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أو خرج إلى بلد عيشهم ذلك، أجزأه أن يطعم من ذلك ثلاثين مسكيناً، وكذلك هذا في جميع الكفارات، وإن أطعم في كفارة الظهار ثلاثين [مسكيناً] ثم لم يجد في ذلك البلد غيرهم، فلا يجزيه أن يطعمهم في غد بقية الكفارة، وليبعث بها إلى بلد آخر. 1572 - ومن عليه كفارتان عن يمينين، فأعطى اليوم مساكين عن إحدى يمينيه ثم

لم يجد في غد غيرهم، فلا يعجبني أن يعطيهم عن اليمين الأخرى، كانت كاليمين الأول أو مخالفة لها كاليمين بالله مع ظهار ونحوه. قال يونس بن عبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين الثانية بعد ذلك، فليعطهم في غد إن شاء. 1573 - قال ابن القاسم: ولا يطعم في شيء من الكفارات من فيه عُلْقة رق ولا ذمياً ولا غنياً، فإن فعل أعاد، ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا حراً مسلماً، ولا يطعم في شيء من الكفارات أحداً من قرابته وإن كانت نفقتهم لا تلزمه، فإن أطعم من لا تلزمه نفقتهم أجزأه إن كانوا محاويج، ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام، ويعطى ما يعطى الكبير. 1574 - ومن أعتق عن ظهاره نصف عبد لا يملك غيره، ثم أيسر بعد ذلك فابتاع باقيه فأعتقه عن ظهاره، لم يجزه، لتبعيض العتق، ولو لم يكن عليه ظهار كان له ملك

باقيه، ولو أعتق نصفه عن ظهاره وهو موسر، فقوم عليه باقيه ونوى به الظهار لم يجزه، لأن الحكم يوجب عليه عتق بقيته، ولا يجزيه أن يعتق عن ظهاره أو غيره من الكفارات رقبة يشتريها بشرط العتق، ولا مدبراً، أو مكاتباً وإن لم يؤد من كتابته شيئاً، أو معتقاً إلى أجل، أو أم ولد، أو عبداً، قال: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه [فأعتقه] عن ظهاره لم يجزه، لأن كل من يعتق عليه إذا ملكه فلا يجزيه عتقه عن ظهار صار إليه بميراث أو هبة أو غيرها، ولا يجزيه إلا رقبة يملكها [قبل أن تعتق عليه] . 1575 - وإن أعتق ما في بطن أمته عن ذلك لم يجزه، ويعتق إذا وضعته، وإن أعتق عبده عن ذلك على مال يكون عليه ديناً لم يجزه، وإن كان المال في يد العبد فاستثناه السيد جاز عتقه إذ له انتزاعه، كمن أوصى بعتق رقبة فوجد الوصي عبداً يباع وأبى ربه بيعه حتى يتعجل من العبد مالاً، فذلك جائز. (¬1) ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهار على جعل جعله له، فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل كاملاً، ولا يجزيه عن ظهاره، كمن اشترى رقبة بشرط العتق. 1576 - ولا يجزئ في الظهار أو غيره من الكفارات إلا رقبة مؤمنة سليمة، ولا يجزئ ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/136) ، وحاشية الدسوقي (2/449) ، التاج والإكليل (3/252) ، (4/125) .

اقطع اليد الواحدة أو أصبعين أو أصبع أو الإبهام أو الإبهامين أو الأذنين، أو أشل أو أجذم، أو أبرص أو أصم، أو مجنون وإن أفاق أحياناً، ولا أخرس ولا أعمى، ولا مفلوج يابس الشق، وأجاز غيره مقطوع الأصبع الواحدة أو من به برص خفيف ولم يكن مرضاً. 1577 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني الخصي في الكفارات، وأجاز مالك عتق الأعور، ويجزئ العرج الخفيف أو العيب الخفيف، كجدع في أذن وقطع أنملة وطرف أصبع، فأرجو أن يجزئ في كل الكفارات. وما كان من عيب فاحش ينقصه فيما يحتاج إليه من غنائه وجزائه لم يجزه، ويجزئ عتق الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة. قال مالك: وعتق من صلى وصام أحب إلي.

1578 - قال ابن القاسم: يريد من عقل الإسلام والصيام والصلاة، وأجاز عتق الرضيع في الكفارة عدد من التابعين، وأجاز أبو هريرة وغيره عتق ولد الزنا في الكفارات. 1579 - ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات فبلغه ذلك فرضي به أجزأه، كمن أعتق عبده عن ميت لظهار لزمه أو أدى عنه كفارة لزمته أن ذلك يجزيه، فكذلك الحي إذا بلغه ذلك فرضي به. قال غيره: لا يجزئ. وقد قال ابن القاسم غير هذا إذا كان بأمره وهو أحسن، لأنه عتق لا يُرد

رضي هذا أو كره. أو لا ترى أنه هو لو أعتق رقبة أو كفّر عنه رجل قبل أن يريد العود لم يجزه، وقاله كبار أصحاب مالك. 1580 - ومن صام شعبان ورمضان ينوي بهما الظهار ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر، لم يجزه [رمضان] لفرضه ولا لظهاره. 1581 - ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه أو قتل نفس خطأ لم يجزه، قال مالك: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزيه، فعسى أن يجزيه

وما هو بالبين، وأحب إلي أن يبتدئ. 1582 - قال مالك: ومن سافر في شهري ظهاره فمرض فأفطر فيهما، فأخاف أن يكون السفر هيج عليه مرضه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حر أو برد أهاجه السفر لجزأه البناء ولكني أخاف، ومن صام لظهاره ثم مرض فأفطر فليبن إذا صح، فإن أفطر يوماً متعمداً بعد قوته على الصوم ابتدأ، وإن حاضت امرأة في صوم عليها متتابع ولم تصل قضاء أيام حيضتها به فلتبتدئه، وقول الله عز وجل: ×فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا%،

يقول لضعف أو كبر وإن كان صحيحاً، ومن الناس من هو صحيح لا يقوى على الصوم. 1583 - ومن تظاهر وهو مريض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس فلينتظر حتى يصح، ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرض يطول صاحبه ولا يدري أيبرأ منه أم لا ولعله يحتاج إلى أهله، فليطعم وليصب أهله، ثم إن صح أجزأه ذلك الإطعام، لأن مرضه كان إياساً. قال أشهب: إذا طال مرضه وإن رجي برؤه وقد احتاج إلى أهله فليطعم. 1584 - ومن ظاهر من أربع نسوة له في غير مرة [واحدة] ، فلزمه لكل واحدة منهن كفارة، فأعتق عنهن أربع رقاب في مرة واحدة، أجزأه وإن لم يعين التي أعتق عن كل واحدة، لأنه لم يشرك بينهن في العتق، وليس لهن من ولائهم شيء، وكذلك إن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن غير معينات وحاشا واحدة من نسائه

لم ينوها بعينها، أجزأه، إلا أنه لا يطأ واحدة من الأربع حتى يعتق رقبة رابعة، ولو ماتت واحدة منهن أو طلقها كان كذلك أيضاً. وإن أعتق ثلاث رقاب عن الأربع استأنف عتق أربع رقاب، لأنه أشركهن في كل رقبة، ولا يجزيه ههنا عتق رقبة رابعة ماتت منهن واحدة أو طلقها أو لم يطلقها، وكذلك الجواب في تظاهره من امرأتين وعتقه عنهما. ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ينوي لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة، أجزأه، وكذلك الإطعام، فإن أشركهن في كل يوم من الصايم أو في كل مسكين في الإطعام، لم يجزه إلا أن ينوي به مداً لكل مسكين في كفارته، فإن لم ينو به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزيه ذلك، لأن الإطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمداداً وفي غد عن الأخرى كذلك ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فتجزيه، وإن كان مفترقاً بخلاف الصوم، لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم [عن جميعهن] مائة وعشرين مسكيناً ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات، ولو تظاهر منهن في كلمة ثم وطئ واحدة منهن لزمته كفارة

واحدة، فإن صام شهرين ونوى بصومه التي وطئ وأدخل الباقيات في نيته أو نسيهن فذلك يجزيه عنهن، ولوجامع ليلاً في صومه غير التي نوى الصيام عنها ابتدأ، لأن صومه كان يجزئ عن جميعهن، كالحلف بالله في أشياء يحنث بفعل أحدها، فكفارة تجزيه عن جميعها، وإن نوى بالكفارة الشيء الذي فيه حنث، ناسياً لباقيها أو ذاكراً [لذلك] . 1585 - وكذلك لو كفر قبل حنثه في اليمين بالله ينوي أحدها أجزأه، عن جميعها، وإن كانت الكفارة في اليمين بالله بعد الحنث أحب إلينا. وإن كفر قبل حنثه أجزأه كمن حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته فأخبر أن الإيلاء عليه فأعتق إرادة إسقاط الإيلاء. قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد الحنث، فإن أعتق قبله أجزأه ولا إيلاء عليه. وباقي مسائل هذا الكتاب قد تقدم ذكرها فأغنى عن إعادتها. * * *

(كتاب التخيير والتمليك)

(كتاب التخيير والتمليك) 1586 - ومن قال لامرأته بعد البناء: اختاري نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي، فهي ثلاث ولا مناكرة للزوج، وإن قالت: قد قبلت أمري، سئلت: ما الذي قبلت؟ فإن قالت: ما جعل لي من الخيار ولم أطلق، قيل لها: فطلقي إن أردت أو رُدّي، فإن طلقت ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له، وإن طلقت دون البتات لم يلزمه شيء، وإنما لها أن تطلق ثلاثاً أو ترد ذلك، وإن قالت: أردت بذلك الطلاق،

سئلت: أي الطلاق [أرادت] ؟ فإن كان دون البتات بطل، وإن كان البتات لزم، ولا مناكرة للزوج. وله مناكرتها في التمليك إذا قضت بأكثر من واحدة إن ادعى في ذلك نية ويُحلّف، وإن قضت بواحدة فقال: كذلك أردت، كان أملك بها. 1587 - وقوله لها: اختاري خيار، وإن قال: أمرك بيدك، فهذا تمليك، فإن قال لها: اختاري في واحدة، فقالت: اخترت نفسي، وقال الزوج: ما أردت إلا واحدة، [فإنه] يُحلّف وتلزمه واحدة [وله الرجعة] ، وإن قال لها:

اختاري في طلقة، فقالت: قد اخترتها أو اخترت نفسي، لم تلزمه إلا واحدة وله الرجعة، وكذلك له الرجعة في التمليك إذا قضت بدون البتات إلا أن يكون مع ذلك فداء فتكون بائناً. وإن قال [لها] : اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة، أو قال [لها] : طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة، لم يقع عليها شيء. [وإن خيرها بعد البناء فقالت: قد خليت سبيلك، ونوت واحدة لم يقع عليها من الطلاق شيء] ، وإن لم تكن لها نية فهي البتات. 1588 - وإن قال لها: اختاري اليوم كله فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها، وكذلك إن خيرها ولم يوقت يوماً ثم افترقا من المجلس قبل أن تختار، فلا خيار لها في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة من الناس،

وقوله الآخر إن لها أن تختار وإن مضى الوقت أو تفرقا ما لم توقف أو توطأ، وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خيرتك، وقفت الآن فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها. (¬1) 1589 - وإن قال لأجنبية: يوم أتزوجك فاختاري، فتزوجها فلها أن تختار، وإن قال لها: كلما تزوجتك فلك الخيار أو فأنت طالق، فالخيار لها والطلاق واقع عليها كلما تزوجها وإن نكحها بعد ثلاث تطليقات، لقوله كلما. 1590 - وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري، فذلك لها إذا قدم ولا يحال بينه وبين وطئها، وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان، فلها أن تختار حين تعلم. وإن خيرها ثم خاف أن تختار نفسها فأعطاها ألف درهم على أن تختاره، لزمته الألف إن اختارته. 1591 - وكذلك إن شرط في عقد نكاحها أنه إن تسرر عليها فأمرها بيدها ففعل، فأرادت أن تطلق نفسها، فقال لها: لا تفعلي ولك ألف درهم، فرضيت بذلك لزمته الألف. وإن خيرها فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فإنها توقف فتختار أو تترك. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/126) ، والتقييد (3/19) .

1592 - وإن خيرها قبل البناء فقالت: قد اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثاً، أو قالت له: قد خليت سبيلك، تريد الثلاث فله أن يناكرها. فإن قال [لها] : لم أرد بذلك إلا واحدة، صدق، لأن الواحدة تبينها، والخيار والتمليك فيها سواء، فإن لم تكن له نية حين خيرها فهي ثلاث ولا يناكرها. وإن ملكها قبل البناء أو بعده ولا نية فالقضاء ما قضت، ولا مناكرة له إلا أن تكون له نية فله ذلك، ويحلف على ما نوى. 1593 - قال مالك: وإن خيرها أو ملكها فذلك لها ما دامت في مجلسها، وإن تفرقا فلا شيء لها، وإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عليها لم ينفعه، وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم يقم فراراً، فلا خيار لها بعد ذلك. وقال في باب بعد هذا: إذا طال المجلس وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك أو قد خرجا مما كانا فيه [إلى غيره] ، فلا قضاء لها، ثم رجع مالك إلى أن ذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، قالت في المجلس: قد

قبلت، أو لم تقل. وأخذ ابن القاسم بقوله الأول. 1594 -[قال ابن القاسم] فإن قال لها: أنت طالق إن شئت، فكأنه تفويض وذلك بيدها وإن افترقا ما لم توطأ، وأرى أن توقف فتقضي أوترد، وإن قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك، [فقالت: قد اخترت نفسي] ، فقال: لم أرد الطلاق وإنما أردت أن تختاري أي ثوب اشتريه لك، فإن تقدم كلام يدل على ذلك فذلك له ويدين، وإلا فهو البتات، وإن قالت: قد طلقت نفسي، سئلت: أي الطلاق؟ فإن كان ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له [عليها] ، وإن كان أقل لم يلزمه.

وإن قالت: قد فعلت أو قبلت أمري، أو اخترت أو اخترت أمري، سئلت ما أرادت بذلك؟، فإن قالت: لم أرد به الطلاق، صُدّقت، وإن أرادت به طلاقاً دون البتات لم يلزمه، وإن أرادت البتات لزم ولا مناكرة له، وتُسأل المرأة في جوابها بماله وجوه تتصرف ما أرادت به في خيار أو تمليك؟ إلا أنه يناكرها في التمليك خاصة إن ادعى نية ويُحلّف على ما نوى، فإن لم تكن له نية حين ملكها فقضت بالثلاث لزمه، ولا مناكرة له. 1595 - وإذا أجابت بألفاظ ظاهرة المعاني، كقولها: اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، أو طلقت نفسي منك ثلاثاً، أو طلقتك [ثلاثاً] ، أو بنت منك [أو بنت مني] ، [أو حرمت عليك، أو حرمت علي، أو برئت منك، أو برئت مني] ونحو هذا، فهو البتات، ولا تُسأل فيه المرأة عن نيتها في خيار ولا تمليك، إلا أن للزوج أن يناكرها في التمليك على ما وصفنا. (¬1) 1596 -[قال مالك:] وإن قال لها: اختاري أباك أو أمك، أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة، فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن لم يرد بذلك طلاقاً فلا شيء عليه، وإن أراد به الطلاق فهو الطلاق. ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/129) ، وحاشية الدسوقي (2/413) ، والتاج والإكليل (4/94) .

1597 - قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق [فهو الطلاق] : إنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة ما لو خيرها نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها. 1598 - ومن قال لرجل: خيّر امرأتي، فسمعته المرأة فاختارت نفسها قبل أن يخيرها، فذلك لازم إن جعله رسولاً، وإن أراد تفويضه إليه كقوله: خيرها إن شئت أو بكلام دل به على ذلك، فلا خيار لها حتى يخيرها الرجل. وإن أشهد أنه قد خير امرأته ثم ذهب فوطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، ويعاقب الزوج في فعله، كما لو شرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها، ثم فعل ذلك وهي لا تعلم، لم ينبغ له أن يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك، وإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، [وكذلك الأمة تعتق تحت عبد، لها أن تمنعه من وطئها حتى تختار، فإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت] ، فإن أمكنته بعد العلم فلا خيار لها. 1599 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك، فطلقت نفسها واحدة فهي

واحدة، فإن قال الزوج: إنما أردت أن تطلق نفسها ثلاثاً، أو تقيم فالواحدة تلزمه ولا قول له، وإن قالت: طلقت نفسي البتة، أو اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، فهي ثلاث إلا أن يناكرها مكانه فيُحلّف ويلزمه ما نوى من واحدة أو أكثر، ولا تسأل ههنا كم أرادت من الطلاق، لأنها قد بينت وليس لها أن تقول هذه الألفاظ أردت دون الثلاث. وإن قالت: قد قبلت [أو قبلت] أمري أو طلقت نفسي، سُئلت عن نيتها؟ فيلزم ما نوت إلا أن يناكرها الزوج فيما زادت على الواحدة، فإن جهلوا سؤالها في المجلس حتى مضى شهر أو شهران ثم سألوها فقالت: أردت ثلاثاً، فللزوج مناكرتها فيما زاد على الواحدة. وإن قالت: لم أرد بقولي قبلت أو قبلت أمري طلاقاً صدقت وكان لها أن تطلق نفسها الآن أو ترد، وإن كان بعد شهرين، لأن قبولها ما جعل لها لا يزيله من يدها إلا إيقاف من إمام أو تترك [هي] ذلك أو توطأ طوعاً، وإن وطئت كرهاً فهي على أمرها، وإن قال لها: قد ملكتك الثلاث، فقالت: أنا طالق ثلاثاً، فذلك لها. 1600 - وإن قال لها: أمرك بيدك إذا جاء غد، فذلك وقت، بخلاف قوله: إذا قدم

فلان، وإن قال لها: أمرك بيدك أمرك بيدك [أمرك بيدك] ، فطلقت نفسها ثلاثاً سُئل الزوج عما أراد، فإن نوى واحدة حُلّف وكانت واحدة، وإن أراد الثلاث فهي الثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت من واحدة فأكثر، ولا مناكرة له. وإن قال لها: أمرك بيدك، وأراد ثلاثاً، فطلقت نفسها واحدة، فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة. 1601 - وإن قال لها: أمرك في أن تطلقي نفسك ثلاثاً، أو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة لم يلزم كالخيار. وإن ملكها في تطليقتين فقضت بواحدة لزمته طلقة إلا أن يريد معنى الخيار في أن تطلقي [نفسك] اثنتين أو تدّعي. 1602 - وإن قال لها: أمرك بيدك، وكرر ذلك ثلاث مرات ينوي بالتكرار ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي واحدة، أو ملكها مرة ونوى الثلاث أو لا نية له حين ملكها فقضت بتطليقة أنها واحدة وله الرجعة. وإن ملكها ولا نية له فقالت: [قد] حرمت نفسي أو بتت نفسي أو أبنت نفسي، فهي ثلاث.

1603 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها أيضاً قبل أن تقضي: أمرك بيدك على ألف درهم، فلها القضاء بالقول الأول بلا غرم، كالقائل لزوجته: إن أذنت لك أمك فأنت طالق البتة، ثم قال لها بعد ذلك: إن أذنت لك [إليها] ، إلا أن يقضي [به] علي سلطان فأنت طالق [ثلاثاً] ، فالقول الثاني منه ندم والأول يلزمه. وإن ملكها قبل البناء ولانية له فطلقت نفسها واحدة ثم واحدة ثم واحدة، فإن نسقتهن لزمته الثلاث، إلا أن تنوي هي واحدة كطلاقه إياها إذا كان نسقاً قبل البناء، وإن ملكها قبل البناء أو بعده فقالت: قد خليت سبيلك، فإن نوت بذلك واحدة أو اثنتين [أو ثلاثاً] لزمه ذلك، إلا أن يناكرها فيما زاد على الواحدة، ويحلف إن ادعى نية، فإن لم تنو هي شيئاً فهي ثلاث، إلا أن تكون للزوج نية فله ما نوى مع يمينه. 1604 - وإن ملّك أمر امرأته رجلين لم يجز طلاق أحدهما دون الآخر، إلا أن يكونا رسولين كالوكيلين في البيع والشراء، ولو كان أمة فملكها ولا نية له أو نوى الثلاث فقضت بالثلاث فهي ثلاث، لأن طلاق الحر الأمة ثلاث، ولو كان عبداً لزمته طلقتان، لأن ذلك جميع طلاقه.

1605 - قيل: فإن قال لها: حياك الله، يريد بذلك التمليك، أو: لا مرحباً، يريد بذلك الإيلاء أو الظهار. [قال] : قال مالك: كل كلام ينوي به الطلاق فهي طالق، وكذلك هذا. 1606 - وإن قال لها: طلقي نفسك أو طلاقك بيدك، فذلك كالتمليك إن طلقت نفسها ثلاثاً أو قضت بالبتات، فإن قال الزوج: أردت واحدة، فالقول قوله غذا ردّ عليها مكانه ويحلف وإلا فالقضاء ما قضت. ولو قال لها: طلقي نفسك فقالت: اخترت نفسي، أو حرّمت نفسي، أو بتت نفسي، أو برئت منك، أو أنا بائنة منك، فذلك كله ثلاث إن لم يناكرها في مجلسه، وله مناكرتها مكانه فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف. 1607 - وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن شئت، فذلك كالخيار ولا تلزمه الواحدة إن قضت بها، وإن قال [لها] ، أنت طالق واحدة إن شئت،

فقالت: قد شئت ثلاثاً، لزمته واحدة، وإن قال: طالق كلما شئت فلها أن تقضي مرة بعد مرة، ولا يزول ما بيدها إلا أن ترد ذلك، أو توطأ طوعاً، أو توقف، فلا قضاء لها بعد ذلك، [كما لو قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فتركت ذلك عند سلطان أو غيره، فلا قضاء لها بعد ذلك] . وإن ملكها إلى أجل فلها أن تقضي مكانها، وإن قال لها: أنت طالق غداً إن شئت، فقالت: أنا طالق الساعة، أو قال لها: أنت طالق الساعة - إن شئت - فقالت: أنا طالق غداً، وقع الطلاق فيهما جميعاً الساعة، وكذلك من ملك امرأته فقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها، وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فردت ذلك فلا ردّ لها، لأن هذا يمين متى دخلت وقع الطلاق، بخلاف قوله: أنت طالق كلما شئت، لأن هذا غير يمين وهو من وجه التمليك. 1608 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها: أنت طالق، فإن قضت بواحدة لزمته طلقتان، وإن قضت بالثلاث فله أن يناكرها إن كانت له نية أنه ما ملّكها إلا واحدة وتكون اثنتين. وإن خيّرها أو ملكها فلم تقض حتى طلقها ثلاثاً أو واحدة، ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها، لأن هذا ملك مستأنف.

1609 - وإذا ملكها أمرها أو ملّك أمرها لأجنبي ثم بدا له، فليس له ذلك، والأمر إليهما، فإن قاما من المجلس قبل أن تقضي المرأة أو الأجنبي فلا شيء لهما بعد ذلك في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم، ولهما ذلك في قوله الآخر ما لم يوقفا أو توطأ الزوجة، وإن خلى هذا الأجنبي بينها وبين زوجها وأمكنه منها زال ما بيده من أمرها، فإن جعل أمرها بيد رجل يطلق متى شاء فلم يطلق حتى وطئها الزوج، زال ما بيد الرجل، فإن لم يطأ الزوج حتى مرض فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق وترثه كما ترثه المفتدية في مرضه، والتي قال لها في صحته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق البتة، فدخلتها وهو مريض فإنها ترثه. 1610 - وإن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت بالثلاث فلا مناكرة له، وإن كان تبرع بهذا الشرط بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.

1611 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فإنها توقف متى [ما] علم بذلك ولا تترك تحته، وأمرها بيدها حتى توقف فتقضي أو ترد. 1612 - قال ابن القاسم: وكذلك إن قال لها: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، فإنها توقف الآن فتقضي أو ترد، إلا أن يطأها في الوجهين وهي طائعة، فيزول ما بيدها ولا توقف. 1613 - وإن قال لها قبل البناء أو بعده: أنت علي حرام، فهي ثلاث، ولا ينوى في المدخول بها، وله نيته في التي لم يدخل بها في واحدة فأكثر، وإن قال: أردت بذلك الظهار لم يصدق. وإن قال لها: أنت طالق البتة، فهي ثلاث، وإن قال: أردت واحدة، لم يقبل منه قبل البناء ولا بعده. ويؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم [من أمر الطلاق] . 1615 - قال ابن القاسم: ولا يدين في الطلاق.

1616 - وإن قال لها: برئت مني أو بنت مني أو أنت خلية، وقال: لم أرد بذلك طلاقاً، فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه، [يدل] على أنه لم يرد به الطلاق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاماً مبتدأ، وإن قال: أردت بذلك الظهار، لم يصدق، وإن قال: كل حلال علي حرام، فلا يلزمه وإن نوى عموم التحريم، إلا في زوجاته، نواهن حين تكلم بذلك أم لا، وبنّ منه، إلا أن يحاشيهن بقلبه أو بلسانه فيكون ذلك له، وينوى، ولا شيء عليه في غيرهن مما حرم من ماله أو أمهات أولاده، أو ليس ثياب أو طعام أو غيره، ولا تلزمه كفارة يمين، [وإن نوى به اليمين] . وقال ربيعة: من قال: الحلال علي حرام، فهي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته، ولو أفردها كانت طالقاً البتة، وقاله ابن شهاب، إلا أنه لم يجعل فيها يميناً، وقال: ينكل على أيمان اللبس، وقال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي ÷

[يمينه] في قوله لجاريته أم إبراهيم: "والله لا أطؤك" لا في قوله لها بعد ذلك: "أنت علي حرام". (¬1) 1617 - وإن قال لها: قد حرمتك علي، أو حرمت نفسي عليك فهو سواء، وإن قال لها: قد طلقتك، أو أنا طالق منك، فهو سواء، وهي طالق، وإن قال لها: أنت علي حرام ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق إنما أردت الكذب، فالتحريم يلزمه ولا ينوى. 1618 - قال ابن القاسم: وقد سئل مالك - رحمه الله - عن ما يشبه هذا فلم يجعل له نية، [وأخبرني] من أثق به أن مالكاً سئل عن رجل لاعب امرأته فأخذت بفرجه على وجه التلذذ فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن أحرم أن تمسه ولم أرد [بذلك] تحريم امرأتي، فتوقف فيها مالك وتخوف أن يكون حنث فيها. ورأى غيره من أهل المدينة أن التحريم يلزمه، وهذا أخف ¬

(¬1) رواه مالك في المدونة (5/395) ، والحاكم (2/493) ، والدارقطني (3/42) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

عندي ممن نوى الكذب في التحريم، ولم أقل لك إن التحريم يلزم صاحب الفرج. 1619 -[وإن قال لها: أنت علي كالميتة، أو كالدم، أو كلحم الخنزير فهو ثلاث، وإن لم ينو به الطلاق] .

1620 - وإن قال لها: حبلك على غاربك فهي ثلاث ولا ينوّى. 1621 - وإن قال لها: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني أو أنا منك، أو لم يقل، أو [قال] : وهبتك أو رددتك إلى أهلك، قال عبد العزيز: أو إلى أبيك، فذلك في المدخول بها ثلاث، ولا ينوى في دونها قبل الموهوبة أهلها، أو ردوها، وله نيته في ذلك كله إن لم يدخل بها في واحدة [فأكثر منها، وإن لم يكن له نية فذلك ثلاث فيهن. 1622 - وقال ربيعة في البرية والخلية والبائنة: إنها ثلاث في المدخول بها، وإن لم يدخل بها فهي واحدة] . قال ابن القاسم: وأما قوله: أنا منك بات، أو أنت [مني] باتة، فلا ينوى قبل البناء ولا بعده أنه أراد واحدة وتلزمه ثلاث، وإن قال لها: أنا خلي أو بري أو بائن أو بات، قال: منك، أو لم يقل، أو قال: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني، أو لم يقل، إلا أنه قال في هذا كله: لم أرد به طلاقاً، فإن تقدم كلام من غير الطلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه

ويديّن، وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته. وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، وكذلك إن قال لها: التحقي أو استبرئي أو ادخلي أو اخرجي، يريد بقوله واحدة بائنة فهي ثلاث. 1623 - وإن قالت له: أود لو فرّج الله لي من صحبتك، فقال لها: أنت بائن أو خلية أو برية أو بائنة، أو قال: أنا منك بريء أو خلي أو بائن أو بات، ثم قال: لم أرد به الطلاق وأردت بالبائن فرجة بيننا، لزمه الطلاق ولا ينوى، كما لو سألته الطلاق فقال لها: أنت بائن، ثم قال: لم أرد الطلاق فلا يصدق، لأنه جواب لسؤالها. 1624 - وإن قال لها: قد خليت سبيلك وقد بنى أو لم يبن فله نيته في واحدة فأكثر منها فإن لم تكن له نية فهي ثلاث. 1625 - قال ابن وهب عن مالك: وقوله: قد خليت سبيلك، كقوله: قد فارقتك، وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، أو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقاً، فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى بها أم لا، وإن قال لها: أنت طالق

اعتدي، [لزمته طلقتان] إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة، وإن قال لها كلاماً مبتدأ: اعتدي، لزمه الطلاق، ويسأل عن نيته كم نوى؟ واحدة أو أكثر؟، فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وإن لم يرد به الطلاق وكان جواباً لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحوه فلا شيء عليه، وإن قال لها: إلحقي بأهلك، ولم ينو طلاقاً فلا شيء عليه، وإن نوى طلاقاً فهي ما نوى من واحدة فأكثر، وكذلك لو قال لها: يا فلانة، أو أنت حرة، أو اخرجي، أو تقنعي، أو خزاك الله، أو كلي، أو اشربي، أو كلاماً ليس من ألفاظ الطلاق، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك الطلاق، فيلزمه ما نوى من واحدة فأكثر، فأما إن أراد أن يلفظ بأحرف الطلاق فلفظ [بما ليس من ألفاظ الطلاق] غلطاً فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما يلفظ به طالق، فيلزمه ما ذكرنا. وإن قال لها: يا أمة يا أخت أو يا عمة أو يا خالة، فلا شي ءعليه وذلك من كلام [أهل] السفه. 1626 - ومن خطب إلى رجل فقال: هي أختك من الرضاعة، ثم قال بعد ذلك: والله ما كنت إلا كاذباً، فلا يتزوجها.

1627 - وإن قال: حكمة طالق، وله زوجة وجارية تسميان كذلك، فقال: نويت الجارية، فإن كانت عليه بينة لم يقبل منه، وله ذلك في الفتيا. 1628 - ولو حلف لسلطان طائعاً بطلاق امرأته في أمر كذب فيه، وقال: نويت امرأتي الميتة، فلا يُنوّى في قضاء ولا فتيا، لأنه قال: امرأتي، وتطلق امرأته، [قال مالك:] وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة، فقال: والله ما أردت بقولي ألبتة [طلاقها] ، وإنما أردت واحدة، فزل لساني لفلظت بالبتة، فهي ثلاث. قال سحنون: وهذا الذي قال: البتة، قد كان عليه بينة فلذلك لم ينوه مالك. قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق، وقال: نويت من وثاق ولم أرد الطلاق ولا بينة عليه وجاء مستفتياً، فهي طالق، كما لو قال لها كلاماً مبتدأ: أنت برية، ولم ينو به الطلاق، فهي طالق. 1629 - قال مالك - رحمه الله -: ويؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم، ولا تنفعهم نياتهم

في ذلك، إلا أن يكون جواباً لكلام كان قبله. 1630 - وإن قال لها: أنت طالق تطليقة، ينوي بها أن لا رجعة لي عليك فيها، فله الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته، باطل، إلا أن ينوي بقوله: لا رجعة لي عليك البتات. وإن قال لها: أنت طالق، ونوى اثنتين أو ثلاثاً فهو ما نوى، وإن لم ينو شيئاً فهي واحدة، وإن أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث وتمادى في يمينه، فإن كان حالفاً فهي واحدة إلا أن يريد بلفظه أنت طالق الثلاث فتكون ثلاثاً، ولو أخذ ليحلف على شيء فلما قال: طالق ثلاثاً، بدا له فصمت فلا شيء عليه، وإن قال لها: أنت طالق الطلاق كله، فهي الثلاث.

1631 - وإن قال لها: لست لي بامرأة، أو [قال:] ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك، أو قال له رجل: ألك امرأة؟ فقال: لا، فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق، وإن قال لها: لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، فلا شيء عليه إذا كان الكلام عتاباً، إلا أن ينوي بقوله هذا الطلاق. قال ابن شهاب: وإن قال لها: انت سائبة أو مني عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، فليحلف ما أراد بذلك طلاقاً ويدين، فإن نكل وزعم أنه أراد [به] طلاقاً، كان ما أراد من الطلاق ويحلف على ذلك، وينكل من قال مثل هذا عقوبة موجعة، لأنه لبّس على نفسه وعلى حكام المسلمين، وقال القاسم بن محمد في عبد تحته امرأة فكلمه أهلها فيها، فقال: شأنكم بها، فرأى الناس ذلك طلاقاً. قال ربيعة: وإن قال لها: لا سبيل لي عليك، دُيّن، وكذلك إن قال لها: لا تحلين لي، يدين، لأنه إن شاء قال: أردت الظهار أو اليمين. قال عطاء بن أبي رباح: ومن قال: والله مالي امرأة فهي كذبة.

قال ابن شهاب: وإن قال لها: أنت السراح، فهي واحدة إلا أن يريد بذلك بتّ الطلاق، وقال جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم في البتة والحرام والخلية والبرية والبائنة: إنها ثلاث (¬1) . انتهى. * * * ¬

(¬1) كابن عمر والإمام علي وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وعمر بن عبد العزيز. وانظر: المدونة لمالك (5/402) ، وفتح الباري (9/370) ، واختلاف العلماء (1/197) ، ومختصره (2/421) ، وسنن البيهقي (7/343) .

(كتاب الإيلاء)

(كتاب الإيلاء) 1632 - قال مالك رحمه الله: وإذا حلف حر أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو العبد شهرين فليسا بموليين حتى يزيدا على ذلك، وإن حلف أن لا يتطهر منها من جنابة، أو آلى منها بحج أو عمرة، أو بصوم أو بطلاق، أو بعتق أو بهدي، أو قال: إن قربتك فعلي أن أصلي مائة ركعة، أو حلف بالله أن لا يطأها حتى يقدم فلان أو حتى يوفي لفلان حقه، أو حتى يفعل كذا، وهو ما يمكنه فعله أم لا، فهو في جميع ذلك مولٍ. (¬1) 1633 - قال مالك: وإن قال لها: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فهو مول، إذ لها أن ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/131) ، حاية الدسوقي (3/227) ، مواهب الجليل، المدونة الكبرى (6/89) ، الرسالة لأبي زيد (1/96) .

تقيم بلا وطء، وروى عنه أكثر الرواة أنه لا يمكن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه لا يجوز، وروي عنه أيضاص أن السلطان يطلق عليه جين ترافعه، ولا يضرب له أجل المولي ولا يمكن من فيئه. قال ابن القاسم: رفعته قبل أربعة أشهر أو بعدها. قال سحنون: وهذا أحسن. وإن قال لها: إن وطئتك حتى أمس السماء فعلي كذا، فهو مول، إذ لها أن تقيم بلا وطء، فإن قامت عليه قبل أجل الإيلاء، لم يوقف حتى يحل أجل الإيلاء فيوقف، لأن فيئته [بعد الأجل] الوطء، فإما فاء فأحنث نفسه، وإلا طلق

عليه السلطان، وإن قال لها: إن وطئتك فعلي نذر أو يمين كفارة، فهو مول. قيل: فإن حلف بالله أن لا يلتقي معها إلى سنة؟ قال: كل يمين بمنع الجماع فهو بها مول، فإن كان هذا يمتنع منه بيمينه فهو مول. قال ابن شهاب: وإن حلف أن لا يكلمها وهو في ذلك يمسها فليس بمول. 1634 - قال مالك: وليس في الهجران إيلاء، وإن حلف بالله أن لا يطأها واستثنى فرآه مالك مولياً وله أن يطأ بلا كفارة. وقال غيره: لا يكون مولياً. 1635 - وإن حلف أن لا يطأها بعهد الله وميثاقه أو كفالته أو ذمته أو قدرته أو عظمته أو جلاله، فهذه كلها أيمان، فما حلف به من ذلك فهو به مول بنفس الإيلاء والأجل فيه أربعة أشهر من يوم حلف للحر، وشهران للعبد، كانت زوجة أحدهما

أمة أو حرة، مسلمة أو كتابية، وإنما ينظر في أجل الإيلاء للرجال، لأن الطلاق على الرجال والعدة على النساء. 1636 - وإن قال لها: أشهد ألا أقربك أو أعزم على نفسي أو أقسم، فلا يكون بذلك مولياً إلا أن يريد بالله، وقوله أشهد ولعمري ليس بيمين. وإن قال لها: إن وطئتك فهو يهودي أو نصراني أو زان، أو حلف ليغضبنها أو ليسوءنها، فترك [الوطء] أربعة أشهر، فليس بمول. 1637 - وإن قال لها: والله لا أطؤك، فلما مضت أربعة أشهر وقف، فقال: أردت أن لا أطأها بقدمي، قيل له: إن وطئت بان صدقك وأنت في الكفارة أعلم إن شئت فكفر أو فدع. وكذلك إن قال: [أردت] أن لا أطأها في هذه الدار، قيل له: أخرجها وجامعها إن كنت صادقاً ثم لا كفارة عليك، ولا يترك من غير أن يجامعها، وإن بين فقال: لا أطؤك في هذه الدار سنة فليس بمول، ولكن يؤمر بالخروج منها ليجامع إذا طلبت ذلك المرأة. وإن قال [لها] : لا أطؤك في هذا المصر أو في هذه البلدة، فهو مول.

1638 - قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن وطئتك فكل مملوك أملكه فيما أستقبل حر، أو كل مال أملكه من ذي قبل صدقة، فليس بمول، ولو حلف بهذا لم يكن عليه أن يتصدق بثلث ما يفيد، فإن خص بلداً لم يكن مولياً حتى يملك من تلك البلدة مالاً أو عبداً فيكون مولياً حينئذ، للزوم الحنث له بالوطء، وكل يمين لا يحث فيه بالوطء فليس بمول. قال غيره: هو مول قبل الملك إذ يلزمه بالوطء عقد يمين من رأس أو مال، وقاله ابن القاسم أيضاً. وإن قال: إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر فليس بمول، إلا أنه إن جامعها فيه صام بقيته، فإن لم يطأها حتى انسلخ فلا شيء عليه، كمن حلف بعتق عبده إن جامع امرأته فباع عبده ثم جامعها، لم يكن مولياً.

1639 - وإن قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا يوماً، لم يلزمه الإيلاء إلا أن يطأ وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر، واختلف فيها بالمدينة، وإن حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، أو إلى سنة، فمضت السنة قبل توقفه فليس بمول، وإن حلف أن لا يطأها ثمانية أشهر فوقف لأربعة أشهر فأبى أن يفيء فطُلّق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت الأربعة الأخرى قبل تمام العدة ولم يمس، فرجعته ثابتة، وإن انقضت العدة قبلها فليست برجعة، وإن قال لها: والله لا أطؤك، ثم قال بعد ذلك بشهر: علي حجة إن قربتك، [فوقف] لأربعة أشهر من اليمين الأول فطلق عليه ثم ارتجع، فلا إيقاف عليه لليمين الثانية، إذ لو حنث بالوطء لزمته اليمينان جميعاً، فكذلك التطليق عليه إن لم يف باليمينين جميعاً، وقاله غيره. 1640 - ومن حلف بالطلاق ليجلدن عبده جلداً يجوز له، فباعه قبل أن يجلده، ضرب

له أجل المولي إن رفعه، فإن حلّ الأجل قبل أن يملكه بشراء أو غيره فيجلده، طلقناها عليه واحدة، فإن ملكه في العدة أيضاً فضربه كانت له الرجعة، وإن انقضت قبل أن يملكه بانت منه، ثم إن نكحها عاد مولياً ووقف، إلا أن يملكه فيضربه فيبر. قال ابن دينار: ساعة باعه طلقت عليه. [قال ابن دينار: ومن حلف بحرية غلامه ليضربنه، فباعه قبل الضرب] ، نقضت البيع وأعتقته عليه إذ لا أنقض صفقة سلم إلا إلى عتق ناجز. 1641 - ومن دخل عليه الإيلاء لضرر أو غيره ولم يحلف على ترك الوطء، مثل أن يقول: إن لم أفعل أو لأفعلن كذا فأنت طالق، فهو على حنث ولا يطأ، فإن رفعته ضُرب له الأجل من يوم رفعته. قال غيره: هذا إذا تبين ضرره بها وإن لم يمكنه فعل ما حلف عليه لم يحل بينهما ولا يضرب له أجل، فإذا أمكنه فعل ذلك حيل بينهما وضرب له أجل المولي إن رفعته.

كالحالف بالطلاق ليحجن ولم يوقت سنة بعينها وهو في أول السنة، أو لأخرجن إلى بلد كذا ولا يمكنه الآن الخروج لخوف طريق ونحوه ولا يستطيع الحج في أول السنة، فهذا لا يحال بينه وبين امرأته، فإذا أمكنه خروج أو جاء وقت الحج فتركه إلى وقت إن خرج لم يدركه، منع حينئذ من الوطء، وضرب له أجل المولي من يومئذ إن رفعته، فإن فعل ما يبرّ به من الحج إن كان يدركه أو الخروج إلى البلد قبل الأجل برّ، وإن جاء الأجل ولم يفعل ما أمكنه من ذلك طلق عليه، فإن ارتجع ففعل الحج أو الخروج إلى البلد قبل انقضاء العدة ثبتت رجعته، لأن فيئته ههنا فعله، وأما في نفس الإيلاء فالوطء فيئته. 1642 - وقال ابن نافع عن مالك: له الوطء ما بينه وبين أول حجه، فإذا جاء إبان الخروج الذي يدرك فيه الحج من بلده فحينئذ لا يمسها حتى يحج. ومن قال [لرجل] : امرأتي طالق إن لم تهب لي ديناراً، أو لامرأته النصرانية: أنت طالق إن لم تسلمي، حيل بينه وبينها ولم يدخل عليه في هذا إيلاء،

ولكن يتلوم له الإمام على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، فإن أسلمت أو وهب له الأجنبي الدينار وإلا طلقت عليه. (¬1) 1643 - ومن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، وأنت علي كظهر أمي، ثم نكحها لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يريد [بقوله] إن تزوجتك فيلزمه الظهار. 1644 - ولا يجوز لرجل أن يطأ أم جارية له قد وطئها بملك اليمين. 1645 - وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ووالله لا أقربك، فإن نكحها طلقت، ثم إن نكحها ثانية لزمه الإيلاء، وإن قال لها: إن تزوجتك فوطئتك فأنت طالق، كان مولياً من يوم التزويج، فإن وطئها طلقت [عليه] وسقط الإيلاء. 1646 - ومن آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها، لم يؤجل حتى يمكن [من] وطئها، فمن يومئذ يضرب له الأجل. ومن طلق امرأته طلقة بملك الرجعة ثم آلى منها، فهو مول إن مضت أربعة أشهر قبل انقضاء العدة فإما فاء أو طلق [عليه] . ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (6/92) ، والتاج والإكليل (4/80) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/482) .

1647 - وإن قال لها: إن وطئتك فعبدى ميمون حر، فباعه فله أن يطأ، فإن اشتراه عاد موليا ولا يحنث إلا بالوطء، وهو فى ملكه، وإن قال: زينب طالق واحدة، أو قال ثلاثا إن وطئت عزة، فطلق زينب واحدة، فإن انقضت عدتها فله وطء عزة، ثم إن تزوج زينب بعد زوج أو قبل زوج، عاد موليا فى عزة، فإن وطئ عزة بعد ذلك أو وطئها فى عدة زينب من طلاق واحدة، حنث، ووقع على زينب ما ذكر من الطلاق، ولو طلف زينب ثلاثا ثم نكحها بعد زوج، لم يعد عليه فى عزة إيلاء لزوال طلاق ذلك الملك كمن حلف بعتق عبد له أن لا يطأ امرأته فمات العبدفقد سقط اليمين، ولو طلق عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج وزينب عنده، عاد موليا ما بقى من طلاق زينب شىء، كمن آلى أو ظاهر ثم طلق ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه أبدا حتى يكفر أو يفىء.

1648 - ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى يموت فلان، أو حتى يقدم أبوه، وأبوه باليمين الأول فهو مول. 1649 - ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أقرب واحدة منكن ولا نية له، لواحدة بعينها فيمينه على جميعهن، فإن ماتت إحداهن أو طلقها البته كان على إيلائه فيمن بقى، وإن وطئ واحدة منهن حنث فى جميعهن ويكفر. ثم لا كفارة عليه فيمن وطئ من البواقى، ولا يطق على المولى لتمام أجل الإيلاء حتى يوقف. وإن حلف أن لا يطأ امرأته إلا فى بلد كذا ومسافتها أقل من أربعة أشهر أو أكثر، أو حتى يكلم فلانا أو يقضيه حقه فهو مولٍ، فإن وقف بعد الأجل، فقال: دعونى أخرج، فإن كانت البلدة قريبة والرجل فى موضع قريب مثل ما يختبر بالفيئة، فذلك له، وإن بعد ذلك طلق عليه، ولا يزاد فيما أحل الله، وقيل له: ارتجع إن أحببت. 1650 - وإن جامعها المولى بين فخذيها بعدما وقفته أو قبل أن توقفه، فلا يفئ

إلا بالجماع إذا لم يكن عذر، ولا يفيء بالوطء دون الفرج، ولا بالقبلة والمباشرة واللماس، إلا أن الكفارة تلزمه بالوطء دون الفرج، إلا أن يكون نوى الفرج فلا تلزمه كفارة، كمن حلف بعتق أمته إن وطئها، فإنه يحنث بالوطء دون الفرج. وتحمل أيمانهم على الاعتزال حتى يخص بنيته الفرج، وأحسن للمولي أن يكفر في اليمين بالله بعد الحنث، وإن كفر قبله أجزأه وزال عنه الإيلاء. قال أشهب: لا يزول عنه الإيلاء حتى يطأها وهو أعلم في كفارته إذ لعله كفر عن يمين بالله سلفت، إلا أن تكون يمينه في شيء بعينه فتزول. 1651 - قال ابن القاسم وغيره: إذا وقف المولي فعجل حنثه زال إيلاؤه، مثل أن يحلف أن لا يطأ بطلاق امرأة له أخرى، أو بعتق عبد له بعينه، فإن طلق المحلوف بها أو أعتق العبد أو حنث فيهما، زال الإيلاء عنه. 1652 - وكذلك إن حلّ الأجل وهو مريض أو مسجون أو غائب، وكانت يمينه بما ذكرنا أو بصدقة شيء بعينه أو بالله، لم تطلق عليه، ولكن يوقف المريض أو المسجون في موضعه ويكتب إلى الغائب، وإن كان بلده مسيرة شهر أو شهرين فيوقف أيضاً في موضعه، فإما عجلوا الكفارة أو إياقع ما ذكرنا من المعيّنات، من عتق أو طلاق أو صدقة، وإلا طلق على كل واحدة آلى منها، فإن قالوا: نحن نفعل، اختبروا مرة وثانية، فإن لم يفعلوا طلق عليهم.

1653 - قال ابن القاسم: في يمينهم بالله إنهم إن فاؤوا بألسنتهم أجزأهم. قال سحنون: وهذه الرواية أصح من كل ما كان من هذا الصنف غير هذا، وعليه أكثر الرواة. 1654 - قال ابن القاسم: وإذا أمكنهم الوطء فلم يطؤوا طلق عليهم، ولو كفروا في تلك الحال المتقدمة ثم أمكنهم الوطء فلم يطؤوا فلا إيلاء عليهم، فإن آلوا بما لا يكفّر قبل الحنث فالفيئة لهم بالقول، حتى يمكنهم الوطء فيطؤوا أو يطلق عليهم، ولا يحنث المريض إذا فاء بلسانه، وإنما يحنث إذا جامع. وإن وقف المولي وهي حائض فقال: أنا أفيء، أمهل حتى تطهر، وإن آلى الصحيح ثم مرض فلم يف بالكفارة فطلق عليه ثم مات من مرضه ذلك، ورثته. 1655 -[ومن] ترك وطء زوجته لغير عذر ولا إيلاء لم يُترك، فإما وطئ أو طلق، وكذلك يقضي، وقد كتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -

إلى قوم غابوا بخراسان: إما قدموا أو يدخلون نساءهم إليهم أو طلقوا. 1656 - ومن تزوج امرأة بكراً أو ثيباً فوطئها مرة ثم حدث له من أمر الله ما منعه الوطء، وعلم أنه لم يترك ذلك وهو يقدر عليه ولا ليمين عليه، فلا يفرق بينه وبينها أبداً. وإن آلى خصي أو شيخ كبير قد تقدم له فيها وطء، أو آلى الشاب ثم قطع ذكره، لم يوقّفواولا حجة لنسائهم. 1657 - وإن طلق على المولي للأجل وهي مستحاضة فارتجع ولم يطأ حتى مضت أربعة أشهر ثانية، ولم تتم العدة، لأن عدتها سنة، فلا يوقف ثانية، ولكنه إن وطء في العدة فهي رجعة، وإن لم يطأ حتى تمت العدة لم تكن رجعة. 1658 - وإن آلى من امرأته بعد البناء ثم طلقها واحدة فحلّ أجل الإيلاء قبل تمام العدة وقف، فإن طلق عليه الإمام كانت طلقة أخرى، وإن تمت العدة قبل الأجل فقد بانت منه، وإن نكحها عاد مولياً ووقف لأربعة أشهر من يوم نكح، [لا] لتمام الأجل الأول. 1659 - والمولي والمظاهر إذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه

أبداً حتى يفيء أو يُكفّر. وإن آلى هذا إلى أجل بعيد فطلق عليه لأجل الإيلاء ثم نكحها بعد ذلك، فإن بقي من أجل يمينه أكثر من أربعة أشهر عاد مولياً وإلا لم يعد. وإذا طلق على المولي وقد بنى فله الرجعة في بقية العدة بالقول، ويتوارثان ما لم تنقض [العدة] ، فإن ارتجعها بالقول فواسع له أن يخلو وإياها، فإن لم يطأ حتى دخلت في أول دم الحيضة الثالثة حلت، ولم تكن تلك رجعة إلا لمعذور بمرض أو سجن أو سفر، فرجعته رجعة بالقول، ثم إذا أمكنه الوطء بعد العدة فلم يطأ فرق بينهما وأجزأته العدة الأولى إلا أن يكون خلا بها فيها وأقر أنه لم يطأ، فلتأتنف العدة ولا يكون له عليها رجعة في هذه العدة المؤتنفة، فإن قال: إني وطئتها، فأنكرت هي فالقول قوله مع يمينه، وإذا طلق على المولي قبل البناء فلا رجعة له، وإن طلق عليه وقد بنى، ثم لم يرتجع بالوطء حتى تمت العدة، ثم تزوجها فعاد الإيلاء عليه وأوقفته لتمام الأجل فلم يف فطلق عليه، فإنه لا رجعة له ههنا، إذ لا عدة عليها، لأنه لم يبن في النكاح الثاني. 1660 - وإذا آلى العبد ثم عتق وقد بقي من أجل إيلائه شهر، فلزوجته إيقافه لتمام أجل العبد، ولا ينتقل إلى أجل الحر، كانت هي حرة أو أمة، إذ لو طلق واحدة ثم أعتق لم ترجع عنده إلا على واحدة، كما أن الأمة إذا أعتقت وهي في عدتها من طلاق يملك الزوج الرجعة أم لا تنتقل من عدة الإماء.

1661 - وإن آلى العبد بعتق أو بصدقة كان مولياً، لأنه لو حنث ثم أعتق لزمته اليمين. 1662 - قال مالك في عبد حلف في جارية إن اشتراها فهي حرة: لا أحب له شراءها وإن لم يأمره سيده باليمين، وما حلف به الكافر من إيلاء أو يمين بالله أو بظهار أو عتق أو طلاق أو صدقة، لم يلزمه ذلك إذا أسلم. * * *

(كتاب اللعان)

(كتاب اللعان) 1663 - واللعان يجب بثلاثة أوجه: فوجهان مجتمع عليهما، وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمورد في المكحلة ثم لم يطأها بعد ذلك، أو ينفي حملاً يدعي قبل استبراء، والوجه الثالث أن يقذفها بالزنا ولا يدعي رؤية ولا نفي حمل، فأكثر الرواة يقولون: إنه يحد ولا يلاعن، قاله ابن القاسم مرة، وقاله المخزومي وابن دينار، وقالا: إن نفى حملاً ولم يدع استبراء جلد الحدّ ولحق به الولد، وقال ابن القاسم مرة أخرى: [إنه] إن قذف أو نفى حملاً لاعن، ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع.

1664 - ويبدأ الزوج في اللعان فيشهد أربع شهادات، يقول في الرؤية: أشهد بالله لرأيتها تزني، وفي نفي الحمل: أشهد بالله لزنت، ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة في الرؤية: أشهد بالله ما رآني أزني، وفي الحمل: أشهد بالله ما زنيت [أربع

مرات] ، وتقول في الخامسة، أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. 1665 - واللعان بين كل زوجين، كانا [حرين أو] مملوكين أو أحدهما، أو محدودين أو كتابية تحت مسلم، إلا الكافرين فلا لعان بينهما، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغيررؤية، كان حراً أو عبداً، إذ لا يحد قاذفهما، ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملاً، وادعى استبراء، أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحق ذلك عليهما لم أمنعه. (¬1) 1666 - ويلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلوات بمحضر من الناس، وفي الحديث أنهما تلاعنا بعد العصر. (¬2) 1667 - وتلاعن النصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله، وللزوج أن يحضر معها إن شاء أو يدع، ولا تدخل هي معه المسجد، لأنها تمنع من المسجد. وبتمام ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/140) ، ومواهب الجليل (4/132) ، والكافي (1/286) ، والثمر الداني (1/478) ، والرسالة (1/97) . (¬2) رواه البخاري (5002) ، ومسلم (3723) .

اللعان تقع الفرقة بين الزوجين، وإن لم يفرق بينهما الإمام، ثم لا تحل له أبداً وإن أكذب نفسه، ولكن يحدّ ويلحق به الولد، إلا أن يكذب نفسه وقد بقي من لعان الزوجة ولو مرة [واحدة] فيحد وتبقى له زوجة. 1668 - ولو لاعن من نفي حمل ثم انفشّ لم تحل له أبداً، إذ لعلها أسقطته وكتمته. 1669 - ولا لعان في قذف الصبي لامرأته الكبيرة، إذ لا حد عليه إن قذف أو زنا، ولأنه لا يلحقه ولد إن كان. 1670 - وإذا قذف الحر امرأته الحرة فقال: [رأيتها] تزني، وهي لا يحمل مثلها من كبر أو صغر، فإنه يلاعن إن كانت الصغيرة قد جومعت وإن لم تبلغ المحيض، وكذلك من قذفهما إن كانتا حرتين مسلمتين ليزيل حد قذفه، وتلتعن الكبيرة ولا تلتعن الصغيرة، إذ لا تحد إن نكلت أو أقرت أو زنت، ألا ترى أن النصرانية لو نكلت عن لعان المسلم أو صدقته لم يكن عليها حد.

1671 - وإذا رأى الزوج الحمل ظاهراً فسكت شهراً أو حتى وضعته أو قامت بينة أنه رآه يوماً أو يومين فلم ينكره، أو أنه أقرّ به ثم نفاه، لم ينفعه نفيه، ويلحق به وتبقى له زوجة، كانت مسلمة أو كتابية أو أمة مسلمة، ويحد للحرة المسلمة، ولا يحد للأمة ولا الكتابية، وأما إن قدم من سفر فله أن ينفي الحمل وإن كان ظاهراً، ومن قال: رأيت امرأتي اليوم تزني ولم أجامعها بعد ذلك، إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم أستبرئ، فإنه يلاعن، قال مالك: ولا يلزمه ما أتت به من ولد، قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه، وقد اختلف في ذلك قول مالك: فمرة ألزمه الولد، ومرة

لم يلزمه [الولد] ، ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملاً، قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي [أنه] إذا كان بها يوم الرؤية حمل ظاهر لا شك فيه، فإن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية، وقال المخزومي: إن أقرّ بالحمل وادعى رؤية لاعن، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فالولد منه، وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو للعان، فإن ادعاه بعد ذلك ألحق به وحُدّ. 1672 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن [واحد] ، ووضعت ولداً ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقرّ الزوج بأحدهما ونفى الآخر حدّ ولحقا به جميعاً، وإن وضعت الثاني لستة أشهر فأكثر فهما بطنان، فإن أقرّ بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد ولادة الأول، لاعن ونفى الثاني، إذ هما بطنان، فإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي،

فإنه يلزمه، لأن الولد للفراش ويسأل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطناً واحداً، وإن قلن لا يتأخر حد ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة ولم يبن بها حتى أتت لستة أشهر من يوم تزوجت فأقر به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها، فهذا يحد ويلحق به الولد. 1673 - ومن قدم من سفر فولدت امرأته ولداً ونفاه والتعن، ثم ولدت آخر بعد شهر، كان منفياً باللعان الأول، وهذا اللعان الأول ينفي كل ولد لهذا الحمل، فإن ادعى الولد الثاني حد ولحقا به جميعاً، وإن ولدت ولداً ميتاً أو مات بعد الولادة ولم يعلم به الزوج لغيبة أو غيرها ثم نفاه إذا علم فإنه يلاعن، لأنه قاذف. 1674 - ومن زنت زوجته فحدت، ثم قال: رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الذي حدت فيه التعن، فإن كذب نفسه نكل ولم يحد، ومن قذف امرأته وقد كانت وطئت غصباً التعن. قال غيره: إن قذفها برؤية غير الغصب تلاعنا جميعاً، فأما إن غصبت فاستمرت حاملاً فنفى الولد لم ينتف [الولد] إلا بلعان، ولا تلتعن هي إذ تقول: إن لم يكن منك فمن الغاصب.

1675 - ومن نكل من المتلاعنين عن اللعان حدّ مكانه، حد القذف على الزوج، والرجم على الزوجة إن كانت ثيباً، ولا تؤخر إلا بالحمل، وإن كانت بكراً فمائة جلدة. وإن أقامت المرأة بينة أن الزوج قذفها وهو ينكر حدّ، إلا أن يدعي رؤية، فيلتعن ويقبل منه بعد جحوده. وقال غيره: لا يقبل رجوعه، لأنه أكذب نفسه [ويحدّ] . ومن قذف زوجته ثم بانت منه وتزوجت ثم قامت بالقذف، فإنهما يلتعنان، ومن أبى منهما اللعان حدّ. 1676 - وإذا تصادق الزوجان على نفي الولد، نفي بغير لعان وحدت الزوجة، وإن كان لها معه قبل ذلك سنين، وقاله مالك والليث، وقال أكثر الرواة: لا ينفى إلا بلعان، ورووه أيضاً عن مالك.

1677 - ومن قال في زوجته: وجدتها مع رجل في لحاف أو تجردت له أو ضاجعته، لم يلتعن إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فإن لم تكن له بينة على ما ذكر فعليه الأدب ولا يحد. 1678 - وعلى قاذف ابن الملاعنة أو قاذف أمه الحد، وإن قال له: ليس ابوك فلاناً، فإن كان على وجه المشاتمة له حد. قال ربيعة: ومن لاعن زوجته ثم قذفها بعد تمام اللعان حد. 1679 - قال ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة أنه أقر بولد لاعن منه وهو منكر، لحق به وحُدّ. ومن نفى ولداً بلعان، ثم زنت المرأة بعد ذلك، ثم أقر بالولد لحق به ولم يحد، إذ صارت زانية. ومن قال: رأيت فلاناً يزني بامرأتي، لاعن وحدّ لفلان. 1680 - ومن لاعن في نفي حمل ثم ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً، أو كان لعانه بعد أن ألقته من الضرب، فالغرة للأم ولمن يرث الجنين من عصبته، ويرث ابن الملاعنة إذا مات أمه وعصبتها.

ومن نفى ولداً بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد [عن مال] فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به. وإن لم يترك ولداً لم يقبل قوله، لأنه يتهم في ميراثه ويحد ولا يرثه. 1681 - ومن أنكر لون ولده لزمه ولم يلاعن، وذلك عرق نزعه. 1682 - وإذا ماتت المرأة بعد التعان الزوج، أو بعد أن بقي من لعانهما مرة واحدة ورثها. وإن مات الزوج بعد التعانه قيل للمرأة: التعني، فإن أبت ورثته ورجمت، وإن التعنت لم ترثه. 1683 - ويلتعن الأعمى في الحمل بدعوى الاستبراء، وفي القذف، لأنه من الأزواج، فيُحمّل ما تَحَمّل.

قال غيره: بعلم يدله على المسيس لا بالرؤية. 1684 - ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتاب، وكذلك يعلم قذفه. 1685 - ويلاعن في الرؤية من لا يدعي استبراء، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق به ولم ينفعه إن نفاه ولا يحد. ولو قال بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: كنت استبرأت، ونفاه، كان اللعان الأول، ثم إن ادعاء أو أكذب نفسه في الاستبراء لحق به وحد، إذ باللعان نفيناه فصار قاذفاً. 1686 - وإن شهد على امرأة بالزنا أربعة، أحدهم زوجها، لاعن الزوج وحُدّ الثلاثة. ومن قذف زوجته أو أجنبية فلم ترفعاه فلا شيء عليه. ومن لم يُعلم له

بزوجته خلوة حتى أتت بولد فأنكره وأنكر المسيس وادعت هي أنه منه وأنه غشيها، وأنكر قولها وأتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد، وقد طلق أو لم يطلق، لزمه، إلا أن ينفيه بلعان فلا يلزمه، ولا يكون لها إذا لاعن إلا نصف الصداق ولا سكنى لها ولا متعة. 1687 - ومن انتفى من حمل زوجته بلعان، ثم أقرّ به بعدما ولدته حدّ ولحق به، فإن كان موسراً في مدة الحمل أو في بعضه رجعت عليه بالنفقة في مدة يسره، وإن كان يومئذ معسراً لم ترجع عليه بشيء. وللملاعنة السكنى ولا متعة لها على حال، كانت مدخولاً بها أم لا، سمى لها صداقاً أم لا. ولا تنكح حتى تنقضي عدتها. 1688 - ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض، أو في دم نفاسها، فلا يتلاعنا حتى تطهر.

وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره، والمرأة حائض، فلا تطلق عليه حتى تطهر، إلا المولي فإنه إذا حلّ الأجل وهي حائض فلم يف طُلّق عليه. (¬1) وروى أشهب عن مالك: أنها لا تطلّق عليه حتى تطهر. * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/41) ، والشرح الكبير (2/364) ، ومواهب الجليل (4/41) ، ومنح الجليل (4/272) .

(كتاب الأيمان بالطلاق)

(كتاب الأيمان بالطلاق) 1689 - ومن طلق زوجته فقال له رجل: ما صنعت، فقال: هي طالق، فإن نوى إخباره فله نيته. 1690 - ومن قال لزوجته: إن دخلت الدار أو أكلت أو شربت [أو ركبت] ، ونحو

هذا، فأنت طالق، فهي أيمان. 1690 - وإن قال لها: إذا حضت أو إن حضت فأنت طالق، لزمه الطلاق مكانه، وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو إذا شئت، فذلك بيدها وإن افترقا، حتى توقف أو توطأ أو يتلذذ منها طائعة. وكانت (إذا) عند مالك أشد من (إن) ، ثم ساوى بينهما، ولو قبلته قبل القضاء كان ذلك تركاً لما جعل لها. (¬1) ¬

(¬1) إن هذا البلب يخص الطلاق المعلق، وانظر: شرح حدود ابن عرفة (176) ، ومواهب الجليل (4/107) ، وكفاية الطالب (2/26) ، والفواكه الدواني (1/423) ، وشرح الزرقاني (3/276) ، والتقييد (2/366) .

1691 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم قال لها ذلك ثانية في ذلك الرجل، فهي إن حنث طلقتان حتى يريد واحدة، ولو كان ذلك في يمين بالله لم تلزمه إلا كفارة واحدة، ألا ترى أنه لو قال: والله والله والله لا أكلم فلاناً فكلمه، لم تلزمه إلا كفارة واحدة. ولو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن كلمت فلاناً فكلمته، طلقت ثلاثاً، إلا أن ينوي واحدة ويريد بالبقية إسماعها. 1692 -[وإن قال لها: إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك، فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به] . وإن قال لها: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثاً، فقالت: إني أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة أو لاعبة، فليفارقها ولا يقيم عليها. 1693 - ومن قال لرجل: امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن كنت قلته [لك] ، فليديّنا ويتركا إن ادعيا يقيناً. وإن قال

[لها] : إذا حضت أو إذا حاضت فلانة - وفلانة ممن تحيض - فأنت طالق، طلقت الآن، وتأخذ في العدة وتعتد بطهرها الذي هي فيه من عدتها، فإن ارتابت بتأخير الحيض فاعتدت سنة ثم نكحها بعد العدة فحاضت عنده واليمين فيها، لم تلزمه بذلك طلقة ثانية، لأني عجّلت حنثه بذلك. 1694 - وإن قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة. وقال غيره: لا يلزمه طلاق إلا أن ترفعه إلى السلطان وتوقفه. 1695 - ومن قال لزوجته: إن أكلت من هذا الرغيف فأنت طالق، فلم تأكل منه شيئاً حتى طلقها واحدة، فتزوجت غيره ثم أكلت بعضه لم يحنث بذلك، فإن

طلقت وتزوجها الحالف فأكلت بقيته أو بعضه وهي في عصمته حنث ما بقي من طلاق الملك الذي عقد فيه اليمين شيء، فإذا تم لم يحنث بما أكلت عنده في الملك الثاني. (¬1) 1696 - ومن قال لرجل: امرأتي طالق لو كنت حاضراً لشرّك مع أخي لفقأت عينك، فإنه حانث. 1697 - ومن قال لامرأته: إذا قدم فلان أو إن قدم [فلان] فأنت طالق، لم يلزمه طلاق حتى يقدم فلان، وليس هذا من الشك الذي يفرق به ولا هو أجل آت على كل حال، وإنما الشك الذي يفرق به لو قال رجل: امرأته طالق إن كلّم فلاناً، ثم شكّ فلم يدر أكلمه أم لا، طلقت عليه، وكل يمين بالطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو حانث. 1698 - وإن قال لها: إذا حملت فأنت طالق، لم يُمنع من وطئها مرة واحدة، ثم تطلق حينئذ. 1699 - وإن قال لها وهي غير حامل: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، فإن كان وطئها في ذلك الطهر طلقت عليه مكانها ولا ينتظر بها أن تضع [ولا أن تحمل] ، وإن قال لها: إن كنت حاملاً، أو إن لم يكن بك حمل أو إذا وضعت فأنت طالق، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (6/4، 7) ، ومواهب الجليل (4/71) ، والتاج والإكليل (4/68) ، والتقييد (2/368) .

طلقت مكانها ولا يُستأنى بها لينظر أبها حمل أم لا، إذ لو ماتا قبل أن يتبين ذلك لم يتوارثا. 1700 -[وإن قال لها: أنت طالق بعد قدوم فلان بشهر طلقت حين قدومه ولا ينتظر الأجل] . 1701 - وإن قال لها: أنت طالق إذا مت أنا أو إذا مت أنت، لم يلزمه شيء، وإن قال لها: إذا مات فلان فأنت طالق، أو طلق إلى أجل آت، أو قال لها: أنت طالق قبل موتك بشهر. 1702 - أو قال لها وهي حامل: إذا وضعت فأنت طالق لزمه الطلاق في ذلك كله مكانه، وإن قال لها: أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة، طلقت عليه الآن ثلاثاً ولم تعد عليه اليمين إن نكحها بعد زوج، لأن الملك الذي طلق فيه قد ذهب. 1703 - وإن قال لأجنبية: أنت طالق غداً، فتزوجها قبل غد فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، فتطلق مكانها، وإن قال لامرأته وهي حامل: إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق طلقت ساعتئذ، وإن أتت بغلام لم ترد إليه، وكذلك قوله: إن

لم تمطر السماء في وقت كذا فأنت طالق، فإنها تطلق عليه حينئذ، لأن هذا من الغيب، ولا ينتظر به إلى ذلك الوقت لينظر أيكون فيه المطر أم لا، ولو مطر في ذلك الوقت لم ترد إليه، وأما إن قال لها: إن لم يقدم أبي في وقت كذا فأنت طالق، فخلاف ذلك، إذ [قد] يدعي علم قدومه بالخير يأتيه أو غيره. 1704 - وإن قال لها: إن لم أدخل الدار أو أفعل كذا فأنت طالق، لم يقع عليه الطلاق حين تكلم بذلك، ولكن يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه، فإن رفعت أمره [للحاكم] ضرب له من يوم ترفع أجل المولي، ولا ينظر إلى ما مضى قبل ذلك من الشهور، وإنما يضرب له الأجل من يوم حلف، لو حلف بيمين من الأيمان أن لا يطأ، ولا يحتاج في هذا إلى رفعه إلى الإمام، لأنه لو وطئ قبل أن ترفعه زال إيلاؤه وبرّ، والأول لو وطئ قبل أن ترفعه لم تسقط عنه اليمين التي عليه إذا لم يفعلها.

1705 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم حلف بمثل ذلك في رجل آخر فكلمتهما لزمته طلقتان، ولا ينوّى إلا أن يكون المحلوف عليه رجلاً واحداً فينوّى. 1706 - وإن قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: كل امرأة أتزوجها من بلد كذا لبلدها فهي طالق، أو قال لها بعد ذلك ولنساء معها: إن تزوجتكن فأنتن طوالق، فإن نكحها لزمته طلقتان ولا ينوى، وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك أو يوم أتزوجك فأنت طالق طالق طالق، أو فأنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو قدّم ذكر الطلاق قبل ذكر التزويج فهي ثلاث إن تزوجها، إلا أن يريد واحدة فيديّن، وإن قال لامرأته: أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، أو ثم [ثم ثم] فهي ثلاث ولا ينوى، قال مالك: وفي النسق بالواو إشكال، قال ابن القاسم: ورأيت الأغلب من قوله أنها مثل ثم ولا ينويه، وهو رأيي، وكذلك إن قال ذلك لأجنبية، وقال معه: إن تزوجتك.

والواحدة تبين غير المدخول بها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج. قال ربيعة: وإن قال لامرأته قبل البناء: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، كلاماً نسقاً فهي ثلاث ولا تحل له إلا بعد زوج، قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق إن كنت أحب طلاقك، وهو يحبه بقلبه فهي طالق. وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن دخلت [هذه] الدار، فطلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج ثم دخلها فلا شيء عليه، ولو كان إنما طلقها واحدة أو اثنتين لحنث بدخولها الآن، لباقي طلاق ذلك الملك، تزوجها قبل زوج أو بعده، ثم لا تحل له إلا بعد زوج. ولا يحنث بدخولها في ملك غيره. وقد ذكرنا في كتاب العتق الأول مسألة من حلف بعتق عبده إن كلم فلاناً، فباعه ثم كلمه ثم اشترى العبد. 1707 - وإن قال لها وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت الآن وجُبر

على الرجعة، وإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، فدخلها ليلاً، أو حلف على الليل فدخلها نهاراً حنث، إلا أن ينوي نهاراً دون ليل أو ليلاً دون نهار فينوّى. 1708 - وإن قال لها: أنت طالق إن دخلت دار فلان ودار فلان، فدخل إحداهما حنث، ثم إن دخل الثانية لم تطلق ثانية. 1709 - ومن لم يدر كم طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، فهي ثلاث، فإن ذكر في العدة أنها أقل فله الرجعة، وإن ذكر ذلك بعدها كان خاطباً ويصدق في ذلك، وإن بقي على شكه حتى تزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة أو اثنتين لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك بعد ثان وثالث ومائة زوج، إلا أن يبت طلاقها وهي تحته في أي نكاح كان فتعود إن رجعت إليه على ملك مبتدأ. (¬1) 1710 - وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فقالت: قد دخلت فكذبها، ثم قالت: كنت كاذبة، أو لم تقل، فإنه يؤمر بفراقها ولا يُقضى عليه به، ولو صدقها أولاً لزمه الفراق بالقضاء، وإن رجعت عن إقرارها، وإن قال لها: أنت طالق إن كتمتني أو كذبتني، لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أو كذبته فليفارقها ¬

(¬1) انظر: مختصر اختلاف العلماء (2/426) .

بلا قضاء، ومن لم يدر بما حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة، فليطلق نساءه، ويعتق رقيقه، ويتصدق بثلث ماله، ويمشي إلى مكة، يؤمر بذلك بغير قضاء، وكذلك من حلف بطلاق ثم لم يدر أحنث أم لا، أُمر بالفراق. وإن كان ذا وسوسة في هذا فلا شيء عليه. 1711 - وإن قال لها: طلقتك قبل أن أتزوجك، أو وأنا صبي فلا شيء عليه، وكذلك إن قال: وأنا مجنون، إن عُرف بأنه كان به جنون. 1712 - ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العدمية، وإن قال لها: يدك أو رجلك أو أصبعك طالق، طلقت كلها، وكذلك العتق. 1713 - ومن طلق بعض تطليقة لزمه طلقة كاملة، ابن شهاب: ويوجع ضرباً من قال ذلك. 1714 - ومن قال لأربع نسوة له: بينكن طلقة إلى أربع، طلقن واحدة واحدة، وإن قال: خمس إلى ثمان، طلقن ثنتين ثنتين، وإن قال: تسع إلى ما فوق، طُلّقن ثلاثاً ثلاثاً. 1715 - ومن قال: إحدى نسائي [أو امرأة من نسائي] طالق، أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة طُلقت التي نوى خاصة، وصُدق في القصء والفتيا،

وإن لم ينوها أو نواها فأُنسيها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق، وإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له. 1716 - وإن قال لها: أنت طالق إن شاء الله، لزمه الطلاق ولا ثنيا له. 1717 - وإن قال لها: إن شاء فلان فذلك له وينظر ما شاء فلان، وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم بذلك، أو لم يعلم، أو كان ميتاً قبل يمينه، أو قال لها: إن شاء هذا الحجر، أو الحائط، فلا شيء عليه في ذلك. 1718 - وإن قال لامرأة: كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً، فالطلاق يعود عليه أبداً كلما تزوجها، ولو قال: إن تزوجتك أبداً، أو إذا تزوجتك، أو متى ما، فإنما يحنث بأول مرة، إلا أن ينوي أن متى ما، مثل: كلما، فتكون مثلها، وإن قال لأجنبية: إن وطئتك أو يوم أكلمك فأنت طالق، ثم تزوجها وفعل ذلك فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، ومن قال: كل امرأة أتزوجها [فهي] طالق، فلا شيء عليه، كان له يومئذ أربع زوجات فأدنى، أو لا زوجة له، طلق بعض زوجاته أم لا، قال ذلك في يمين مضمنة بفعل فحنث، أو في غير يمين، فله أن ينكح حتى يُكمل أربعاً، ولو طلق كل امرأة في عصمته لزمه، وله أن يتزوج إن شاء.

1719 - ولو قال لزوجته: إن دخلت أنا وأنت الدار فكل امرأة أتزوجها طالق، أو بدأ بذكر التزويج قبل دخول الدار، ثم تزوج امرأة ثم دخل الدار أو دخلت، فلا شيء عليه فيها، ولا فيمن نكح بعدها. 1720 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا من الفسطاط طالق، أو قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، لزمه الطلاق فيمن تزوج من غيرها (¬1) ، وإن قال: إلا من قرية كذا لقرية صغيرة ليس فيها ما يُتزوج، أو قال: إلا فلانة، وهي ذات زوج أم لا، أو قال: إن لم أتزوج فلانة، فكل امرأة أتزوجها طالق، فلا شيء عليه في ذلك كله، وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة أو أربعين فهي طالق، فذلك يلزمه إذا أمكن أن يحيا ما أجّل من الأجل، فإن خشي العنت في التأجيل ولم يجد ما يتسرر به، فله أن ينكح ولا شيء عليه. وإن قال: إلى مائتي سنة، أو كان شيخاً فضرب أجلاً يعلم أنه لا يبلغه، فلا شيء عليه. 1721 - وإن خصّ قبيلة أو بلدة كقوله: كل امرأة أنكحها من مضر أو همدان أو مصر أو الشام فهي طالق، فتزوج منها امرأة طلقت عليه، ثم كلما تزوجها أبداً، ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/49، 50) ، ومواهب الجليل (4/49) .

ولو بعد ثلاث عاد عليه فيها اليمين وطلقت، لأنه لم يحلف على عينها، وترجع كإحدى نساء تلك البلدة. وكذلك إن قال: من الموالي، وتحته منهن امرأة فلا تطلق عليه، فإن طلقها ثم تزوجها طلقت عليه. 1722 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق، لزمه، لأنه أجل آت، كانت فلانة تحته أم لا، فإن كانت تخته فطلقها فإن نوى بقوله: ما عاشت، أي ما دامت تحتي، فله أن يتزوج، وإن لم تكن له نية، فلا يتزوج ما بقيت، إلا أن يخشى العنت. 1723 - وإن قال لزوجته: كل امرأة أتزوج عليك طالق، فطلق المحلوف لها ثلاثاً، ثم تزوج امرأة، ثم تزوج المحلوف لها بعد زوج، أو تزوجها بعد زوج ثم تزوج عليها، فلا شيء عليه [فيهما] . وأما إن طلق المحلوف لها واحدة فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم تزوج عليها أجنبية، أو تزوج الأجنبية ثم تزوجها هي عليها، فإن الأجنبية تطلق عليه في الوجهين ما بقي من طلاق الملك الأول شيء، ولا حجة له إن قال: إنما تزوجتها على غيرها ولم أنكح غيرها عليها، ولا أنويه إن ادعى نية في ذلك، لأن قصده أن لا يجمع بينهما. (¬1) ¬

(¬1) انظر منح الجليل لسيدي محمد عليش (4/93) .

وكذلك إن قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، على وجوه: المسألة الأولى: يكون ذلك بيدها ما بقي من طلاق الملك [الأول] شيء، سواء كان ذلك مشترطاً في عقد النكاح أو تبرع به بعد العقد. وإن شرط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها، ففعل، فلها أن تطلق نفسها بالثلاث، ولا مناكرة له ههنا بنى بها أم لم يبن، فإن طلقت نفسها واحدة وقد بنى بها فلها الرجعة، وإن لم يبن بها بانت بالواحدة. وإن طلقت واحدة ولم توقف، فليس لها أن تزيد عليها كالتي توقف فتطلق واحدة فقد تركت ما زاد عليها، ولو نكح عليها امرأة ولم تقض فلها أن تقضي، إن نكح ثانية، أي الطلاق شاءت، وتحلف ما رضيت إلا بالأولى وما تركت الذي كان لها من ذلك، ولو طلق الأولى ثم راجعها بنكاح، فللمملكة القضاء وليس رضاؤها بها أولاً بلازم لها مرة أخرى. 1724 - ومن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن لم أتزوج عليك اليوم، فتزوج نكاحاً فاسداً أو قال لأمته: أنت حرة إن لم [أبعك] اليوم، فباعها فألفيت حاملاً منه، فإنه حانث فيهما.

قيل: فإن نكح على الزوجة أمة؟ قال آخر: ما فارقت عليه مالكاً أن نكاح الأمة على الحرة جائز والخيار للحرة. ومن قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق [ثلاثاً] ، فتزوج منها ودخل، فعليه صداق واحد لا صداق ونصف، كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر الأول الذي سمى، وليس عليها عدة الوفاة إن دخل بها ثم مات، وإنما عليها ثلاث حيض. 1725 - ولو وكّل من يزوجه فلم يحضر عليه فزوجه من الفسطاط لزمه النكاح وطلقت عليه، إلا أن ينهاه عن الفسطاط. 1726 - ومن قال لرجل: أخبر زوجتي بطلاقها، أو أرسل إليها بذلك رسولاً، وقع الطلاق حين قوله للرسول، بلغها الرسول ذلك أو كتمها. وإن كتب إليها بالطلاق ثم حبس كتابه، فإن كتبه مجمعاً على الطلاق لزمه حين كتبه، وإن كان ليشاور نفسه ثم بدا له فذلك له ولا يلزمه طلاق، ولو أخرج

الكتاب من يده عازماً وقد كتبه غير عازم، لزمه حين أخرجه من يده، وإن أخرجه غير عازم فله رده ما لم يبلغها، [وإن بلغها لزمه] . 1727 - وما علم من الأخرس بإشارة أو كتاب، من طلاق أو خلع أو عتق أو نكاح أو بيع أو شراء أو قذف، لزمه حكم المتكلم به ويحد قاذفه ويقتص منه وله في الجراح، وما طلق المُبَرْسم في هذيانه وعدم عقله لم يلزمه، ويلزم السكران طلاقه وخلعه وعتقه، وإن قتل قُتل. 1728 - ولا يلزم المكره ما أكره عليه من طلاق أو خلع أو نكاح أو عتق أو غيره. والمجنون الذي يفيق أحياناً، ما طلق في حال إفاقته يلزمه وما طلق في حال جنونه لم يلزمه. وكذلك المعتوه والمطبق لا يلزمه ما طلق، فأما السفيه في حاله. المخدوع في عقله، فطلاقه يلزمه، ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم. 1729 - وإذا أسلمت الذمية وزوجها ذمي فطلقها وهي في عدتها، لم يلزم طلاقه وإن اسلم بعد ذلك.

1730 - ومن حلف بالطلاق على ما يوقن أنه كذلك، ثم ظهر خلافه لزمه الطلاق، قاله عدد من السلف، وقضى عمر بن عبد العزيز في الحالف بطلاق إحدى نسائه على ناقة أقبلت أنها فلانة وليست هي، أن التي نوى من نسائه تطلق، وإن لم ينو واحدة طلقن كلهن، قال ربيعة: ومن ابتاع سلعة فحلف لرجل بالطلاق ليخبرنه بكم أخذها فأخبره، ثم ذكر أنه أقل أو أكثر فهو حانث. 1731 - وإذا أعتقت الأمة تحت عبد حيل بينهما حتى تختار، ولها الخيار بطلقة وتكون بائنة، ولا رجعة له إن عتق في العدة. وإن قالت حين أعتقت: اخترت نفسي ولا نية لها فهي طلقة بائنة، إلا أن تنوي أكثر فيلزم ما نوت. 1732 - وإن طلقت نفسها أكثر من واحدة أو البتة بعد البناء لزم، ولم تحل له إن طلقت اثنتين فأكثر إلا بعد زوج، لأنه جميع طلاق العبد. وكذلك إن فارقت بواحدة وقد تقدم له فيها طلقة.

وأول قول مالك: أنه ليس لها أن تختار بأكثر من واحدة، ثم رجع إلى أن ذلك لها على حديث زبراء، ولها الخيار عند غير السلطان، وإن لم تختر حتى عتق، أو كان عتق الزوجين في كلمة فلا خيار لها، ولا تختار في الحيض، فإن فعلت لزم، ولو بلغها العتق بعد زمان وهو يطؤها فلها الخيار حين علمت، والخيار لها في مجلسها الذي علمت بالعتق فيه وبعد ذلك ما لم توطأ، ولو وقفت سنة فمنعته نفسها ولم توطأ ثم قالت: لم أسكت رضى بالمقام، صُدّقت ولا يمين عليها كالتمليك وكان لها [الآن] أن تختار. وإن كان وقوفها رضى بالزوج فلا خيار بعد أن تقول: قد رضيت بالزوج، ولو وطئها بعد علمها بالعتق وجهلت أن لها الخيار أو علمت فلا خيار لها بعد ذلك. وإن عتق نصفها تحت عبد أو جميعها تحت حر فلا خيار لها.

1733 -[وإذا طلق المريض امرأته قبل البناء فلها نصف الصداق، وترثه إن مات من مرضه ذلك، ولا عدة عليها لوفاة ولا طلاق، فإن دخل بها ثم طلقها في مرضه طلاقاً بائناً فعليه عدة الطلاق وترثه، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة إن مات في العدة، ولو كان طلاقاً يملك فيه رجعتها انتقلت فيه إلى عدة الوفاة إن مات في عدتها، وإن انقضت العدة قبل الوفاة فلها الميراث ولا عدة عليها من الوفاة. (¬1) 1734 - والمطلقة في المرض لو تزوجت أزواجاً كل يطلقها في مرضه، لورثت كل من مات منهم، وإن كانت الآن تحت زوج، ومن طلق في مرضه واحدة ثم صح ثم مرض فمات من المرض الثاني، ورثته إن مات وهي في العدة، وإن كان طلاقه إياها البتة لم ترثه وإن مات في عدتها، إذا صح فيما بين ذلك صحة بيّنة، وإن طلقها واحدة في مرضه ثم صح ثم مرض فأردفها طلقة أو أبتها لم ترثه إلا أن يموت وهي في العدة من الطلاق الأول، لأنه في الطلاق الثاني ليس بفار، إلا أن يرتجعها من الطلاق الأول ثم يطلقها في مرضه الثاني، فترثه وإن انقضت عدتها، لأنه بارتجاعها صارت كسائر أزواجه، وصار بالطلاق الثاني فاراً من الميراث] . 1735 - والمبتوتة في المرض إن ماتت قبله ثم مات من مرضه ذلك لم ترثه، ولا يرث ميت من حي مات بعده، ولا يرثها إن كان طلقها ألبتة أو واحدة فانقضت عدتها، وإن قال لها في حصته: إن قدم فلان، أو قال: إن دخلت بيتاً فأنت طالق، فقدم أو دخلت في مرضه لزمه الطلاق وورثته إن مات فيه. ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/99) ، والفواكه الدواني (2/30) ، والثمر الداني (1/463) ، والرسالة (1/93) ، والمحلي لابن حزم (10/222) .

وكذلك كل طلاق وقع في مرضه وإن أقر المريض أنه طلق في صحته، ورثته وعليها عدة الطلاق من يوم أقرّ. فإن كان إقرار بطلاق غير بائن ثم مات وبنى في العدة، انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وإن انقضت عدتها من يوم أقرّ [بما أقر] به فلها الميراث ولا عدة عليها. (¬1) 1736 - ومن قُرّب لحد من قطع يد أو رجل أو جَلد، فطلق حينئذ ثم مات من ذلك، فإن خيف عليه من ذلك الموت فهو كالمريض وحاضر الزحف، ومن حبس للقتل له حكم المريض في ذلك، وراكب البحر والنيل في حين الخوف والهول، قال مالك - رحمه الله -: أفعاله من رأس المال، وروي عنه أنها من الثلث. وأما المفلوج وصاحب حمى الربع والأجذم والأبرص والمقعد وذو الجراح والقروح، فما أرقده من ذلك وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه فله حكم المريض ¬

(¬1) انظر: التقييد (2/388) .

وما لم يبلغ ذلك به فله حكم الصحيح، فرب مفلوج أو يابس الجذام يتصرف ويسافر، وكل من لا يجوز قضاؤه في جميع ماله، فطلق في حاله تلك فلامرأته الميراث إن مات من مرضه ذلك. 1737 - ولا تجوز الوصية للمطلقة في المرض وإن تزوجت أزواجاً، لأنها وارث. وإن قتلته في مرضه خطأ بعد أن طلقها، فالدية على عاقلتها، وترث من ماله دون الدية. وإن قتلته عمداً لم ترث من ماله وقُتلت به. وإن عُفي عنها على مال لم ترث منه أيضاً. 1738 - ومن تزوج في المرض ثم طلق فيه أو لم يطلق فلا ترثه، وهو نكاح لا يقر، قال مالك - رحمه الله -: ولا صداق لها إلا أن يكون دخل بها في مرضه فلها الصداق في ثلثه مُبدّى على الوصايا. قال ابن القاسم: وإن سمى لها أكثر من صداق مثلها كان لها صداق المثل في الثلث مبدّى عليه الوصايا بالعتق وغيره، إلا الدين فإنه يبدّى عليه، لأنه من رأس المال. 1739 - ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته، لم يرثه ورثته المسلمون ولا زوجته، إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث.

وإن قذفها في مرضه، فلاعن ثم مات من مرضه ذلك ورثته. 1740 - وإن طلق مريض زوجته قبل البناء ثم تزوجها قبل صحته، فلا نكاح لها إلا أن يدخل بها، فيكون كمن نكح في المرض وبنى فيه، والمرض الذي يُحجب فيه عن ماله هو الذي ترثه إن طلق فيه، قال ربيعة: ومن طلق في مرضه ثم تماثل ثم نكس، ورثته إلا أن يصح صحة بينة. 1741 - قال ابن القاسم: وبلغني عن بعض أهل العلم فيمن نكح امرأتين فبنى بواحدة ولم يبن بالأخرى حتى طلق إحداهما طلقة، ثم مات ولم تنقض العدة وجُهلت المطلقة، فللمدخول بها الصداق كاملاً وثلاثة أرباع الميراث، وللتي لم يبن بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث. ولو مات بعد انقضاء العدة أو كان الطلاق ثلاثاً ومات قبل انقضاء العدة، فالصداق على ما ذكرنا والميراث بينهما نصفان، ولو نكح أماً وابنتها في عقدتين، ولم تُعلم الأولى منهما، فإن بنى بهما فلكل واحدة صداقها المسمى، ولا ميراث لهما، وإن لم يبن بهما فالميراث بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها [المسمى] ، اتفق أو اختلف. وكذلك إن مات عن خامسة غير معلومة.

1742 - وإن شهد رجلان على رجل أنه طلق واحدة من نسائه معينة وقالا: نسيناها، لم تجز الشهادة إن أنكر الزوج ويحلف بالله ما طلق واحدة منهن، وإن شهدا أنه قال: إحداهن طالق، قيل للزوج: إن نويت واحدة تذكرها وإلا طُلّقن كلهن. وإن شهد أحدهما بتطليقة والآخر بثلاث، لزمته طلقة واحدة وحلف على البتات، فإن نكل طلقت عليه البتة، قاله مالك ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف، وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق ألا يدخل الدار وأنه دخل، وشهد الآخر أنه حلف به أن لا يكلم فلاناً وأنه كلمه لم تطلق عليه، ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق فإن نكل سجن - كما ذكرنا -. وفي قول مالك الأول إذا نكل طلقت عليه، وكذلك الحرية في هذا، وإن

شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة طلقت عليه، وكذلك الحرية. 1743 - وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد الآخر أنه قال ذلك في ذي الحجة، وشهدا عليه [هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه] ، وإن شهدا عليه جميعاً أنه قال: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة، طلقت عليه، كمن حلف بالطلاق أن لا يكلم فلاناً فشهد عليه رجل أنه كلمه في السوق وآخر أنه كلمه في المسجد، حنث، وكذلك يمينه بالعتق، وإنما الطلاق حق من الحقوق وليس هو حد من الحدود. 1744 - وإن شهد عليه أحدهما بالبتة، والآخر بقوله: أنت علي حرام أو بالثلاث، لزمته الثلاث، وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن، وإذا اختلفت الألفاظ وكان المعنى واحداً كانت شهادة واحدة.

1745 - وإن شهد واحد أنه طلق ألبتة وشهد آخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها، لم تطلق، لأن هذا شهد على فعل وهذا على إقرار. 1746 - وكذلك إن شهد أحدهما أنه طلقها على عبدها فلان، وشهد الآخر أنه طلقها على ألف درهم، فقد اختلفا فلا يجوز، قال ربيعة: ومن شهد عليه ثلاثة نفر كل واحد بطلقة ليس معه صاحبه، فأمر أن يحلف فأبى، فليُفرّق بينهما وتعتد من يوم نكل، وقضي عليه، قال ابن شهاب: وإن شهد واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخر بثلاث، لزمته اثنتان. 1747 - وتجوز شهادة الأعمى على معرفة الصوت في الطلاق وغيره، وكذلك من سمع

جاره [من] وراء جدار يطلق وإن لم يره. 1748 - وإن شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن ينكحاه أو يبتاعا له بيعاً، وأنهما فعلا وهو ينكر، لم تجز شهادتهما عليه، لأنهما خصمان. ولو أقر لهما بالوكالة وقال لهما: لم تفعلا، وقالا: قد فعلنا، فالقول قولهما. 1749 - ولا تجوز شهادة النساء في شيء من الأشياء إلا في الأموال وفيما يُغيّب عليه النساء من الولادة والعيوب والاستهلاك. وكثير من معاني هذا الباب في كتاب الشهادات. 1750 - وإن شهد قوم على رجل أنه أعتق عبده، والعبد والسيد ينكران، فالعبد حر، إذ ليس له أن يرق نفسه. 1751 - وإن شهد السيد وحده أو معه غيره أن عبده طلق امرأته، والعبد ينكر، وامرأة العبد أمة للسيد أو لغيره أو حرة، لم تجز شهادته، لأنه عيب يتهم على إزالته. 1752 - ومن أقر أنه فعل كذا ثم حلف بالطلاق أنه ما فعله، وقال: كنت كاذباً في إقراري، صدق مع يمينه ولا يحنث، ولو أقر بعد يمينه أن قد فعل ذلك ثم قال: كنت

كاذباً، لم ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء. فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين وعلم [هو] أنه كاذب في إقراره عندهم بعد يمينه، حلّ له المقام عليها فيما بينه وبين الله عز وجل، ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره هذا إلا أن لا تجد بينة ولا سلطاناً يفرق [بينهما] ، فهي كمن طلقت عليه ثلاثاً ولا بينة لها، فلا تتزين له ولا يرى لها شعراً ولا وجهاً إن قدرت، ولا يأتيها إلا كارهة، ولا ينفعها مرافعته، ولا يمين عليه إلا بشاهد. 1753 - ومن طلق زوجته في سفر ثلاثاً [ببينة] ، ثم قدم قبل البتة فوطئها، ثم أتت البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق مفر بالوطء، فليفرق بينهما ولا شيء عليه، قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب. 1754 - وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها وأقامت شاهداً لم تحلف معه، ولا يقضى

بشاهد ويمين في طلاق ولا قذف ولا نكاح ولا عتق، إلا في الأموال أو في جراح العمد والخطأ يحلف مع شاهده، ويقتص في العمد، ويأخذ العقل في الخطأ، كما يقسم مع الشاهد الواحد في قتل العمد والخطأ، ويستحق مع ذلك القتل في العمد والدية في الخطأ. 1755 - قال يحيى بن سعيد: ومن طلق وأشهد، ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ، فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضوراً ويعاقبون، ولها الميراث. 1756 - ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت فلا يمين [له] عليها وإن أقام شاهداً، ولا تحبس ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين. 1757 - وإن ادعت أن زوجها طلقها لم يحلف الزوج وترك وإياها، وإن أقامت شاهداً أو امرأتين ممن تجوز شهادتهما [لها] في الحقوق حلف الزوج أو منع منها حتى [يحلف] ، قال مالك: فإن نكل طلقت عليه مكانه وعدتها من يوم الحكم (¬1) ، وروي ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/90) ، ومنح الجليل (4/159) ، والتقييد (2/398) .

عنه أنه يحبس أبداً حتى يحلف أو يطلق، قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: إذا طال سجنه دين وخلي بينه وبينها ولم يطلق عليه [وإن لم يحلف] ، وهو رأيي. * * *

(كتاب إرخاء الستور)

(كتاب إرخاء الستور) 1758 -[قال مالك:] و [من] دخل بامرأته وأرخى الستر ثم طلق، فقال: لم أمسها وصدقته، فلها نصف الصداق وعليها العدة ولا رجعة له. وكذلك إن تصادقا أنه قبّل أو باشر أو جرد أو وطئ دون الفرج إلا أن يطول مكته معها يتلذذ بها، قال مالك: فأرى لها جميع الصداق. [وقال] أُناس: لها نصفه. وإن قالت: قد وطئني صدقت، كان الدخول عنده أو عندها إذا كان دخول

اهتداء، وعليه الصداق كاملاً. وإن خلا بها في بيت أهلها قبل دخول البناء، صدق في إنكاره الوطء ولها نصف الصداق. وإن أقرّ هاهنا بالوطء فأكذبته فلها أخذ جميع الصداق بإقراره أو نصفه، ولا بد لها من العدة للخلوة، ولا رجعة له، ولو كان معها نساء حين قبّل وانصرف بمحضرهن، فلا عدة عليها ولها نصف الصداق. 1759 - وإن أقر بالوطء بعد أن طلق ولا يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها ولها أخذه بالصداق كاملاً أو بنصفه. وكذلك إن خلا بها ومعها نسوة ثم طلقها فادعى الوطء وأكذبته، فلا عدة عليها. 1760 - وإن دخل بها وهي محرمة أو حائض أو في نهار رمضان فاختلفا في الوطء، فالقول فيه كالقول في الوطء الصحيح في وجوب جميع الصداق بدعواها.

[وكذلك] المغصوبة تُحمل بمعاينة بينة، ثم تخرج فتقول: وطئني غصباً، وهو ينكر، فلها الصداق ولا حد عليه، [وإذا صدقت الزوجة في دعوى الوطء وأخذت جميع الصداق فلا يحلها ذلك لزوج كان طلقها البتة] ، قاله مالك، وقال [ابن القاسم] : [وأنا أرى أن] يدين ويخلى بينها وبين نكاحه، [وأخاف] أن يكون هذا من الذي طلقها ضرراً منه بها في نكاحها. ولو مات الزوج بعد البناء بيوم عن غير مناكرة ومثله يطأ، فادعت الوطء كان أبين في إحلالها. 1761 - قيل: فمن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة فيها، ثم قبلها في عدتها أو لامس لشهوة أو جامع في الفرج [أو فيما دون الفرج] ، أو جردها أو نظر إليها أو إلى فرجها، أيكون [ذلك رجعة] ؟، قال: [قال مالك] وعبد العزيز: إن وطئها في العدة ينوي بذلك

الرجعة وجهل أن يُشهد فهي رجعة، وإن لم ينو ذلك فليست برجعة. 1762 -[ومن] طلق فليُشهد على طلاقه وعلى رجعته، [قال مالك] في التي منعته نفسها وقد ارتجع حتى يشهد: قد أصابت، وإن قال لها: قد ارتجعتك، ولم يُشهد فهي رجعة، ويشهد فيما يُستقبل، فإن أشهد قبل انقضاء العدة فهي رجعة، وإن أشهد بعد انقضائها فليست برجعة وإن صدقته، إلا أن يعلم أنه كان يخلو بها ويبيت معها. 1763 - وإن قال لها: قد ارتجعتك، ثم قال: لم أرد بقولي رجعة وإنما كنت لاعباً، لزمته الرجعة إن كانت في عدتها، وإن انقضت عدتها فلا رجعة له إلا أن تقوم على ذلك بينة. 1764 - وإن قال لها في العدة: كنت ارتجعتك أمس، صُدّق وإن كذبته، لأن ذلك بعد مراجعة الساعة، قال مالك وغيره: وأما إن قال لها: إذا كان غداً فقد راجعتك

لم تكن هذه رجعة. 1765 - وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة فصدقته أو كذبته لم يُصدق ولا رجعة له إلا ببينة، أو يعلم أنه كان يدخل عليها في العدة ويبيت عندها فيُقبل قوله وإن أكذبته، وإقرارها له بالمراجعة بعد العدة داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي. 1766 - وإن أقام بينة بعد العدة أنه أقر بالوطء في العدة، فهي رجعة إن ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة. وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة، فأكذبته وهي أمة وصدقه السيد فلا يقبل ذلك إلا بشاهدين سوى السيد، إذ لا تجوز شهادته على نكاح أمته ولا رجعتها. 1767 - وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير الحامل ما لم تر أول دم الحيضة الثالثة، فإذا رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء، والأقراء هي الأطهار، قال

أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة، لأنها ربما رأت الدم ساعة ويوماً ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس بحيض. فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة. وإن قال لمعتدة: قد ارتجعتك، فأجابته نسقاً لكلامه: قد انقضت عدتي، فإن مضت مدة تنقضي في مثلها صدقت بغير يمين وإلا لم تصدق. وقضى أبان بن عثمان في مطلقة ادعت بعد خمسة وأربعين يوماً أن عدتها قد انقضت، أنها مصدقة وتحلف. وليس العمل على أن تحلف إذا ادعت فيما تحيض في مثله.

وإن أشهد على رجعتها فمضت، ثم ادعت بعد يوم أو أقل أن العدة قد انقضت قبل رجعتها، لم تصدق وثبتت الرجعة. 1768 - وإن قالت المعدة: [قد دخلت] في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: كنت كاذبة، ونظرها النساء فلم يرين حيضاً لم ينظر إلى قولهن، وبانت بأول قولها إن مضت مدة تنقضي في مثلها العدة، فإن ادعت أنها أسقطت فذلك لا يخفى عن جيرانها، ولكن الشأن تصديقها بغير يمين وإن بعد يوم من طلاقه أو أقل أو أكثر، ولا ينظر إلى الجيران، لأنهن مأمونات على فروجهن، ولو رجعت فقالت: كنت كاذبة، لم تصدق وبانت بأول قولها، لأن ذلك داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي، وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولد من مضغة أو علقة وتكون به الأمة أم ولد، وإذا قالت المطلقة: حضت ثلاث حيض في شهر، سئل النساء فإن أمكن ذلك عندهن صدقت، قال أشهب: وإن قالت: [حضت] ثلاث حيض في شهرين، فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله إنك لم تحيضي شيئاً، فصدقته لم يقبل قولها الثاني إلا أن يقيم الزوج بينة أنها قالت ذلك، فتكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثلاث حيض. وإن مضى ذلك فلا رجعة له، وإن رجعت عن قولها أنها ما حاضت ثلاث حيض. 1769 - قال ابن القاسم: وإن طلقها قبل أن يُعلم له بها خلوة، ثم أراد ارتجاعها وادعى

الوطء وأكذبته، فأقام بينة على إقراره قبل الفراق بوطئها لم ينتفع بذلك ولا رجعة له وإن صدقته، إذ ليس له بناء معلوم، ولتعتد إن صدقته ولها عليه السكنى والنفقة، وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا نفقة [لها ولا كسوة. وكذلك] إن أقام بينة على إقرارهما بذلك قبل الفراق فلا يصدقان، وعليها العدة ولا رجعة له، ولها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها ولا يتوارثان. 1770 - ولكل مطلقة المتعة، طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها، فحسبها نصفه ولا متعة لها، وإن لم يسم لها فليس لها إلا المتعة، وإن كانت مدخولاً بها وقد سمى لها في أصل النكاح مهراً أخذته مع المتعة، وإن لم يسم أخذت صداق مثلها مع المتعة، ولا متعة للمختلعة ولا للمصالحة ولا للمفتدية ولا للملاعنة ولا للأمة تعتق فتختار نفسها، دخل بهن أم لا، سمى لهن صداقاً أم لا. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/105) ، وبداية المجتهد (4/105) .

وعلى العبد المتعة ولا نفقة عليه. 1771 - ومن خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها فطلقها وقال: لم أمسها، وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها. وللصغيرة والأمة المدبرة والمكاتبة وأم الولد والذمية حكم الحرة المسلمة في المتعة والطلاق. 1772 -[قال مالك:] وليس للمتعة حد، ولا يجبر من أباها، لأن الله تعالى إنما جعلها حقاً على المتقين وعلى المحسنين، فلذلك خففت ولم يقض بها. [وقال] غيره: إذا كان الزوج غير متق ولا محسن فلا شيء عليه، [قال ابن عباس] وغيره: أعلى المتعة خادم أو نفقة، وأدناها كسوة. وقال ابن حُجيرة: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير.

1773 - وإذا كان النشوز من قبل المرأة جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت، ولم يضر بها وهي طلقة بائنة. وإن كان لما تخاف المرأة من نشوزه أو لظلم ظلمها أو أضرّ بها، لم يجز له أخذ شيء منها، فإن أخذه رده ومضى الخلع. 1774 - ويجوز أن يأخذ منها على إمساكها أو يعطيها على أن تقيم على الأثرة عليها في القسم من نفسه وماله، ولا يأثم في الأثرة بعد ذلك. 1775 - وإن خالعها على عبد لها بعينه ولم تصفه له ولا رآه الزوج قبل ذلك، أو تزوجها على مثل هذا، ففي النكاح يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل. وفي الخلع يجوز، كمن خالع على ثمر لم يبد صلاحه، أو على بعير شارد، أو عبد آبق، أو جنين في بطن أمه، أو بما تلد غنمها، أو بثمر نخلها العام، فذلك جائز والخلع لازم، وله مطالبة ذلك كله على غرره بخلاف النكاح، قال غيره: لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذه.

1776 - وإن خالعته على ثوب مروي ولم تصفه جاز، وله ثوب وسط من ذلك، وكذلك بدنانير أو دراهم أو عروض موصوفة إلى أجل، فجائز. 1777 - وإن خالعها على مال إلى أجل مجهول كان حالاً كمن باع إلى أجل مجهول، فالقيمة فيه حالة في فوت السلعة. 1778 - وإن خالعها على عبد على أن زادها الزوج ألف درهم جاز، بخلاف النكاح، لأنه إن كان في قيمة العبد فضل عن الألف فقد أخذت منه بضعها بذلك الفضل، وإن كانت كفافاً فهي مبارأة. 1779 - ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئاً، وهي طلقة بائنة، وإن كانت قيمته أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالاً، فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيء مما دفع إليها. (¬1) 1780 - وإن خالعها على دراهم أرته إياها فوجدها زيوفاً فله البدل كالبيع، وإن كان على عبد بعينه فاستُحق رجع بقيمته كالنكاح به. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/24) .

1781 - وكل حامل بانت من زوجها ببتات أو خلع أو غيره وقد علم بحملها أم لا، فإن لم يتبرأ من نفقة حملها فلها النفقة بالحمل والسكنى والكسوة، وليس لنفقتها حد، وهي على قدر يسره وعسره. وإن اتسع أخدمها، فإن مات قبل أن تضع حملها انقطعت نفقتها. 1782 - فإن بانت منه بما ذكرنا وهي غير حامل فلا نفقة لها ولا كسوة، ولها السكنى في العدة، ولا رجعة له عليها ولا يتوارثان. 1783 - وإن كان طلاقاً فيه رجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى، كانت حاملاً أم لا، ويتوارثان ما لم تنقض العدة. 1784 -[ومن] وكل من يصالح عنه زوجته لزمه صلح الوكيل في غيبته، وإن وكل بذلك رجلين فخالعها أحدهما لم يجز إلا باجتماعهما، كما لو وكلهما على بيع أو شراء، بخلاف رسولي الطلاق. 1785 - وإن صالحته أو بارأته على المتاركة، أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً وذلك قبل البناء، فليس لها أخذه بنصف الصداق، وإن قبضت جميعه ردته. وقلنا ذلك في المتاركة بغير شيء، فإذا ردّت كان أبعد من أن ترجع بشيء، وإن قالت له قبل البناء: طلقني طلقة على عشرة دنانير من صداقي ففعل، كان لها نصف ما بقي من بعد العشرة، قبضتها أو لم تقبضها. 1786 - وإن قالت له: طلقني طلقة بغير شيء، أو على عشرة دنانير، ولم تقل من

صداقي ففعل غرمت العشرة، إن اشترطتها، لأنها اشترت بها طلاقها، وكان لها في الوجهين نصف الصداق. 1787 - وإن قال لها: أنت طالق على عبدك هذا، فإن قبلت قبل التفرق وإلا فلا قبول لها بعد ذلك. [قيل:] فإذا قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ثلاثاً، هل ذلك لها متى ما أعطته؟ [قال: قال مالك:] إن قال لها: أمرك بيدك متى شئت أو إلى أجل، فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل، إلا أن توقف قبله فتقضي أو ترد أو توطأ طوعاً، فيبطل ما بيدها ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك. (¬1) 1788 - وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشرط الرجعة، أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة، أو شرط رجعتها، فشرطه باطل والخلع يلزمه، ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدئ. 1789 - والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقاً، وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدتها إن تراضيا، لأن الماء ماؤه بوطء صحيح، إلا أن يتقدم له فيها طلاق يكون بهذا ثلاثاً للحر واثنين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/37) .

وإن أخذ منها شيئاً وانقلبت وقالا ذاك بذاك ولم يسميا طلاقاً فهو طلاق الخلع، [وإن سميا طلاقاً لزم ما سميا] . 1790 - وإن نوى بالخلع ثلاثاً أو اشترطت هي في الخلع أن تكون طالقاً بطلقتين [أو ثلاثاً] ، فذلك يلزم. 1791 - وإذا لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئاً أو لم يعطها فذلك خلع، ولا رجعة فيه، [وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع] . وروي عنه أنها واحدة بائنة. وأكثر الرواة على أنها غير بائنة، لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى.

[قال] غيره: فيمن قال لمدخول بها: أنت طالق طلاق الخلع فهي البتة، لأنها لا تكون واحدة بائنة إلا بالخلع، [وقال ابن القاسم: طلقة بائنة، وقال أشهب: واحدة يملك الرجعة] . والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز. 1792 - قال مالك: وإذا خالعها على أن يكون الولد عنده فالخلع جائز وله شرطه، إلا أن يضر ذلك بالصبي ويخاف عليه إن نزع منها، مثل: أن يكون يرضع وقد علق بها فلا سبيل له إليه حتى يخرج من حد الإضرار به والخوف عليه، فيكون له حينئذ أخذه. (¬1) 1793 - وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك إن كان المسكن لغيره، أو كان له وسمى الكراء، وإن كان على أن تخرج من مسكنه، تم الخلع ولم تخرج، ولا كراء له عليها. 1794 - وإن كان لأحدهما على الآخر دين مؤجل فخالعها على تعجيله قبل محله جاز الخلع ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (5/349، 350) ، والربيع في مسنده (1/225) ، وابن أبي شيبة في المصنف (4/327، 328) ، وعبد الرزاق (8/145) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/60) نحوه.

ورُدّ الدين إلى أجله، و [قيل:] إن كان الدين لها عليه، وهو عين له تعجيله قبل محله، فليس بخلع. وهو كرجل طلق وأعطى فهي طلقة [واحدة] وله الرجعة، وإن كان الدين مما لا يعجّل إلا برضاها من عرض أو طعام فهذا خلع ولا رجعة له ويرد الدين إلى أجله ويأخذ منها ما أعطاها كما لو طلقها على أن أسلفته، لزمه الطلاق ورد السلف لنهي النبي ÷ عما جرّ نفعاً من السلف. قال [ابن

القاسم] : وكذلك إن صالحها على إن أخرته بدين لها عليه إلى أجل فالخلع جائز، ولها أخذه بالمال حالاً، وكل ما رددناه من مثل هذا وأجزنا الخلع، لم يرجع عليها الزوج بصداق المثل ولا غيره. 1795 - وإن خالعها على خمر، تم الخلع ولا شيء له [عليها] ، وإن قبضها أهريقت عليه، وإن خالعها على حلال وحرام، جاز منه الحلال وبطل الحرام. 1796 - وإن خالعها على أن عليها نفقة الولد ورضاعه ما دام في الحولين جاز ذلك، فإن ماتت [قبل استكمال الرضاع] كان الرضاع والنفقة في مالها، وإن مات الولد قبل الحولين فلا شيء للزوج عليها، [قال مالك:] ولم أر أحداً طلب ذلك. 1797 - وإن شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين أمداً سمياه أو شرط عليها الزوج نفقة نفسه سنة أو سنتين، تم الخلع ولزمها نفقة الولد في الحولين فقط، ولا يلزمها ما ناف على الحولين من نفقة الولد، ولا ما شرط الزوج من نفقة نفسه، وقال المخزومي:

يلزمها جميع ذلك كالخلع بالغرر. 1798 - والمبارئة: التي تبارئ زوجها قبل البناء، فتقول: خذ الذي لك وتاركني. والمختلعة: التي تختلع من كل الذي لها. والمفتدية: التي تفتدي ببعض مالها وتحبس بعضه، وذلك كله سواء، وهي طلقة بائنة. (¬1) وإن قالت له: خالعني أو طلقني أو باريني على ألف درهم أو بألف، فهو سواء. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (5/474) ، والتمهيد لابن عبد البر (23/379) ، وموطأ مالك (2/565) ، ومنح الجليل (4/25) .

1799 - وإن خالعها على أن تعطيه ألف درهم، فأصابها عديمة، جاز الخلع [وتبعها] بالدراهم، إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن أعطته الألف تم الصلح، فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع. و [من] قال له رجل: طلق امرأتك ولك علي ألف درهم ففعل، لزم ذلك الرجل. 1800 - وإن قالت له: بعني طلاقي بألف درهم ففعل، جاز. 1801 - وإن قالت له: اخلعني ولك ألف درهم، فقال لها: قد خالعتك، لزمتها الألف وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئاً، وإذا أتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم، وإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعاً لذلك، لم يلزمه الطلاق الثاني. 1802 - وإن خالعها على مال، ثم تبين [له] أنه قد أبتها قبل ذلك، أو حلف بطلاقها البتة ألا يخالعها، أو أنه قد نكحها وهو محرم، أو أنها أخته من الرضاعة، أو ما يُقرّان عليه، أو انكشف أن بالزوج جنوناً أو جذاماً، فالخلع ماض،

وترجع عليه بما أخذ منها، لأنها كانت أملك بفراقه، وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق. وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنوناً أو جذاماً أو برصاً كان له ما أخذ وتم الخلع، لأن له أن يقيم. ولو تركها أيضاً بغير خلع لما غرته كان فسخاً بطلاق. 1803 - وإن قالت له: كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقبلت، وقال الزوج: كان ذلك ولم تقبلي، فالقول قولها، وكذلك [قال مالك] في الذي ملّك امرأته [أمرها] ثم خرج فلما رجع قالت: كنت اخترت نفسي، وقال الزوج: لم تختاري، إن القول قولها، واختلف فيها بالمدينة، ومن قول [مالك] يومئذ:

أن لا يقضى بالتمليك إلا في المجلس. 1804 - وإن قالت له: خالعني على هذا الثوب، وقال الزوج: بل على هذا العبد، فالقول قولها، وتحلف إلا أن يأتي الزوج ببينة، وإن صالحته على شيء فيما بينهما فلما أتى بالبينة ليشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئاً، فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين، [فإن نكلت حلف هو واستحق] ، وإن جاء الزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق. 1805 - ويجوز للأب أو الوصي المبارأة عن الصبي، على النظر له الحظ فيما يأخذ له كيما يُنكحه نظراً، ولأنه يومئذ [ممن] لا يجوز طلاقه، ولا يلزم الصبي أن يطلقها عليه على غير الخلع وأخذ المال، وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة، كان كالوصي في جميع أمره، ويلزم الصبي طلقة بائنة في مبارأة أبيه أو وصيه، فإن تزوجها بعد بلوغه أو قبله ثم طلقها بعد بلوغه طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، وإذا زوج الوصي يتيمه البالغ بأمره، أو زوج السيد عبده البالغ بغير

أمره، فذلك جائز عليه، أو زوج ابنه أو يتيمه قبل البلوغ ثم بلغ سفيهاً، لم تجز المبارأة عن أحد من هؤلاء من غير إذنه، لنه [ممن] يلزم طلاقه إن طلق، ولا يُكرهون على الطلاق. 1806 - وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له، وروى ابن نافع عن [مالك] فيمن زوج وصيفه ووصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك، ما لم يبلغا. (¬1) وقال ابن نافع: لا يجوز من ذلك إلا ما كان يحمل على وجه الخلع. 1807 - وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وذلك جائز عليها. وليس للوصي او غيره أن يخالعها من زوجها، بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمه، والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها [ورضاها] . ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (4/15) ، والتقييد (2/309) ، ومواهب الجليل (4/20) ، وبداية المجتهد (2/51) ، والمدونة (5/350) .

وكذلك يباري عن يتيمه ولا يباري عن يتيمته إلا برضاها، وروى [ابن نافع عن مالك] في صغيرة زوجها أبوها أن للخليفة أن يباري عنها على وجه النظر، ويلزمها ذلك إذا كبرت. 1808 - وإذا خالع الأب عن ابنته الثيب بعد البناء وهي بالغ على أن يضمن للزوج الصداق، فلم تر الابنة بطلب الأب أخذت به الزوج ورجع به الزوج على الأب. [وكذلك] إن فعل بها ذلك أخ أو أجنبي. 1809 - وإن خالعها الأب بعد البناء وقبل بلوغها على أن ترك لزوجها جميع المهر جاز ذلك عليها، ثم لأبيها إذا رجعت إليه قبل البلوغ أن يزوجها كما تزوج البكر، ويجوز إذنه عليها. 1810 - ولا تختلع أمة ولا أم ولد من زوج بمال إلا أن يأذن السيد، فإن فعلا بغير إذنه كان له رد العطية ولزم الزوج الخلع، ويرد ما أخذ ولا يتبع به الأمة إن أعتقت.

وأكره أن يزوج [الرجل] أم ولد فإن فعل وجهل لم يفسخ إلا أن يكون أمر بيّن من الضرر بها [فيفسخ] . ويجوز ما خالعت به المكاتبة أو وهبت من مالها بإذن السيد. 1811 - و [من] خالع زوجته في مرضه جاز له ما أخذ منها، فإن مات من مرضه ذلك ورثته، وإن ماتت هي لم يرثها، وكذلك إن ملّكها في مرضه أو خيّرها فاختارت نفسها، أو طلقها طلاقاً بائناً في مرضه بأي وجه كان، فإنه لا يرثها إن ماتت، وهي ترثه إن مات من ذلك المرض، لأن الطلاق جاء من قبله، [قال مالك:] وإن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز، ولا يرثها، [قال ابن القاسم:] ولو اختلعت منه على أكثر من ميراثه منها لم يجز،

فأما على مثل ميراثه منها أو أقل فجائز، ولا يتوارثان، قال ابن نافع: يلزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسر ابن القاسم. 1812 - قال ابن نافع عن مالك: ويوقف المال حتى تصح أو تموت، وقد تقدم ذكر من خالع على غرر أو أتبع الخلع طلاقاً، وذكر الصبي يخالع عنه أبوه أو وصيه. 1813 - و [من] صالح امرأته ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى، لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يقول: إن تزوجتك، أويجري قبل ذلك من الكلام ما يدل عليه فيلزمه الظهار إن تزوجها، كمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى ستراجعها، فقال لها: هي طالق أبداً، ولا نية له، فإن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطباً، لأن مالكاً جعله جواباً لكلام امرأته. 1814 - و [من] قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وصالحها، ثم دخلتها

بعد الصلح مكانها، لم يلزمه الطلاق. 1815 - وإن قال لها: إن لم أقض فلاناً حقه إلى وقت كذا فأنت طالق، فلما جاء ذلك الوقت وخاف الحنث صالحها فراراً من أن يقع عليه الطلاق فبئس ما صنع ولا يحنث بعد الوقت إن لم يقض فلاناً حقه، لأن الوقت مضى وليست له بامرأة، ولو تزوجها بعد [مضي] الوقت لم يحنث قضى فلاناً حقه أم لا. 1816 - وإن صالحها بدراهم أو طعام أو عروض موصوفة إلى أجل جاز، وله أن يأخذ منها بذلك رهناً وكفيلاً. 1817 - ولا يبع الطعام قبل قبضه [وهو مكروه] ، لأنه عنده محمل البيع، وإن صالحها على دين فباعه منها [بعرض] إلى أجل، أو خالعها على عرض موصوف إلى أجل فباعه منها بدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين بدين ويرجع فيكون له الدين الأول. وإن صالحها على عبد بعينه على ألا

يقبضه إلا إلى أجل من الآجال، فهو حال، والخلع جائز، والأجل [فيه] باطل. 1818 - ويترك الغلام في حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء. وللأب تعاهد الولد عند أمهم، وأدبهم وبعثهم إلى المكتب، ولا يبيتوا إلا عندها، إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك، فإنه ينزع منها إذا دخل بها زوجها، لا قبل ذلك، ثم لا يرد إليها إن طلقت، ولا حق لها فيه إذا أسلمته مرة. وتترك الجارية في حضانة الأم في الطلاق والموت حتى تبلغ النكاح، فإذا بلغته نظر فإن كانت الأم في حرز وتحصين فهي أحق بها أبداً حتى تنكح وإن بلغت أربعين سنة، وإن لم تكن الأم في حرز وتحصين [في موضعها، أو كانت غير مرضية في نفسها] ، أو نكحت ودخلت، فللأب أخذها

منها وكذلك للأولياء أو الوصي أخذ الولد بذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين. وكل من له الحضانة من أب أو ذات رحم أو عصبة ليس له كفاية ولا موضعه بحرز ولا يؤمن في نفسه فلا حضانة له. والحضانة لمن فيه ذلك وإن بعد. وينظر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز فرُبّ والد يضيع ولده ويدخل عليهم رجالاً يشربون فينزعون منه. 1819 - ويترك الولد في الحضانة عند غير الأم إلى حد ما يترك عند الأم، والأم أحق بحضانة الولد في الطلاق والوفاة، حتى يبلغوا ما وصفناه، فإن ماتت الأم أو نكحت فالحضانة لمن هي أقعد بالأم إذا كانت ذات محرم من الصبيان. فالجدة للأم أحق وإن بعدت بعد الأم، ثم الخالة ثم الجدة للأب. والأب أولى من الأخوات والعمات وبنات الأخ، فإذا لم يكن الأب فالأخت ثم العمة ثم بنات الأخ ثم العصبة، والأولياء هم العصبة. ومن هؤلاء الأولياء الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم ومولى النعمة، لأنه وارث ومولى العتاقة.

وليس من يسلم على يديه بولي، ولا ينسب إليه وإن والاه، وإذا تزوجت الأم ولها أولاد صغار وجدتهم لأمهم في بلد ثان، وخالتهم معهم حاضرة، فالخالة أحق، وإذا كان الولد ليس لهم جدة من قبل أمهم، أو لهم جدة لأم لها زوج أجنبي فالحضانة لمن هي أقعد بالأم على ما ذكرنا. 1820 - وكل من خرج من بلده متنقلاً لسكنى بلد آخر غير بلد الأم، من أب أو أحد من أولياء الولد الذين ذكرنا، فله الحلة بالولد إذا كان الولد معه في كفاية، تزوجت الأم أم لا. ويقال لها: اتبعي ولدك إن شئت أو دعيه. وأما من خرج من الأولياء لسفر لغير سكنى فليس له الرحلة بالولد. 1821 - وليس للأم أن تنقل الولد من الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم، إلا لما قرب كالبريد ونحوه، حتى يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، ثم لها أن تقيم هناك. (¬1) 1822 - والذمية إذا طلقت، أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام، فيفرق بينهما، [فإن لها] من الحضانة كما للمسلمة إن كانت في حرز. وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير. فإن خيف أن تفعل بهم ذلك ضمت إلى ناس من المسلمين، ولا ينزع منها إلا أن تبلغ الجارية وتكون عندها في حرز. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (4/421) .

1823 - وإذا أُعتق ولد الأمة وزوجها حر فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب، فالأب أحق به. أو يريد الأب الانتقال إلى غير بلده فله أخذه، وليس العبد في انتقاله بولده كالحر، والأم أحق به كانت أمة أو حرة، لأن العبد لا قرار له ولا مسكن، وحكم التفرقة في البيع بين الولد وأمه مذكور في كتاب التجارة بأرض الحرب. ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة. 1824 - وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة، ويخدمهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكان الأب ملياً. ولحاضنتهم قبض نفقتهم، فإن كان الأب عديماً فهم من فقراء المسلمين. 1825 - ولا يجبر أحد على نفقتهم، ولا الأم إن كانت موسرة، إلا الأب وحده إذا قدر. وتلزمه نفقة ولده الذكور حتى يحتلموا، والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن، إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به، أو له مال فيُنفق عليه منه. 1826 - فإن طلقت الجارية بعد البناء أو مات زوجها فلا نفقة لها على الأب وإن كانت فقيرة، وإن طُلّقت قبل البناء فهي على نفقتها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/220) ، وكفاية الطالب (2/166) ، وحاشية الدسوقي (2/523) ، وحاشية العدوي (2/166) .

وعليه نفقة من بلغ من ولده أعمى أو مجنوناً أو ذا زمانة لا حراك له. ولو بلغوا أصحاء ثم أصابهم ذلك بعد خروجهم من ولاية الأب، فلا نفقة لهم عليه. 1827 - ويلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين. والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى كانت البنت متزوجة أم لا وإن كره زوج الابنة، وكذلك من مال يوهب للولد أو يُتصدّق به عليه. 1828 - وينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر، وإن لم تكن أمه. وينفق على جارية أبيه، أو على خادم زوجته، [لأن خادم زوجته كخدمه] إذ على الابن إخدامه إن قدر. 1829 - وينفق على أمه إن كان لها زوج فقير، ولا ينفق على زوجها، ولا حجة للولد إن قال: يفارقها الزوج حتى أنفق عليها. 1830 - وما أُنفق على الوالدين من مال الولد فلا يتبعا به إذا أيسر. فإن كان الأب والابن فقيرين، لم تلزم أحدهما نفقة صاحبه. 1831 - وينفق على من له خادم من الأبوين عليه وعليها، وكذلك إن كانت له دار لا فضل في ثمنها، فله النفقة كما يُعطى من الزكاة. 1832 - ويعدى على الغائب في بيع ماله لنفقته على ما ذكرنا، ومن أسلم وله بنات قد

حضن فاخترن الكفر فعليه نفقتهن. وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت، وينفق عليها. وإن قالت: [لا أخرج] حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج بها وتتبعه به ديناً. 1833 - ولا يلزم الجد نفقة ولد الولد، كما لا تلزمهم نفقته، وتلزم الزوج نفقة زوجته ونفقة خادم [واحدة] من خدمها لا أكثر، ولا تلزمه نفقة أخ ولا ذي رحم منه، قال مالك: ×وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ% أن لا يضار.

وإذا كان للبكر خادم ورثتها عن أمها ولا بد لها ممن يخدمها فعلى الأب أن ينفق على الابنة، ولا تلزمه نفقة خادمها، ويقال للأب إما أنفقت على الخادم أو بعتها. 1834 - وإذا قبح ما بين الزوجين وجهل حقيقة أمرهما بعث الإمام حكماً من أهله وحكماً من أهلها، من أهل العدل والنظر، فإن لم [يكن] في أهلهما ما يراه لذلك أهلاً، [أو لا أهل لهما] بعث من غير الأهلين، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام. وللزوجين أن يرضيا ببعثهما دون الإمام. فإن جعلا ذلك إلى رجل عدل [فحكم] ، مضى ذلك عليهما.

1835 - ولا يجوز في ذلك تحكيم عبد أو صبي أو مشرك أو سفيه أو امرأة ببعث الإمام أو ببعث الزوجين دونه، أو من يليهما إن كانا في ولاية، لأن ذلك خارج عما أراد الله تعالى من الإصلاح إلى الضرر، وهؤلاء لا يجوز منهم اثنان، فكيف بواحد [وقد] قال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان، فكيف يجاز تحكيم المرأة والصبي والعبد والنصراني والمسخوط، ولو حكّم الزوجان من ذكرنا أنه لا يحكّم ففرق، لم يمض ذلك ولا يكون طلاقاً، لأن ذلك لم يكن على جهة تمليك الطلاق، يدل على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوجة في تمليك الطلاق، وإذا كان أحد الزوجين أو كلاهما في ولاية، فذلك في بعث الحكمين إلى من يليهما دون العصبة. 1836 - وإذا حكما بالفراق كانت طلقة بائنة، حكما بأخذ مال أو بغير أخذ مال، ولا يفرقا بأكثر من واحدة. وإن حكما بالفراق بغرم على المرأة لنفي الضرر عنها جاز، وإن حكما بغرم على الزوج لم يجز.

قال ربيعة: إن كان الظلم منه فرقا بغير شيء، وإن كان منهما معاً أعطيا الزوج على الفراق بعض الصداق، وإن كان الظلم منها خاصة جاز ما أُخذ له منها. وإن حكم أحدهما بالطلاق ولم يحكم الآخر، أو حكم [أحدهما] على مال والآخر على غير مال، لم يلزم شيء إلا باجتماعهما، إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما واجتمعا على الفراق فيلزم. وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر باثنتين أو اجتمعا على أكثر من واحدة أو على الثلاث، أو حكما بلفظ البتة أو خلية أو برية ونوى بهما الحكمان ثلاثاً لم يلزم في ذلك كله إلا واحدة، دخل بها أم لا، لأن ما زاد على الواحدة خارج عن معنى الاصطلاح، وحكم التي لم يُدخل بها في الحكمين حكم المدخول بها، إلا أنهما لا يبطلان ما للزوج من الرجوع بنصف المهر إن قبضته هي، كما لا يفرقان على الأخذ منه. ولو حكم بأخذ الزوج منها جميع المهر على الفراق جاز ذلك. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (5/386) ، ومواهب الجليل (4/56) ، والشرح الكبير (2/383) ، وحاشية الدسوقي (2/383) ، والتقييد (2/326) .

(كتاب العدة وطلاق السنة)

(كتاب العدة وطلاق السنة) 1837 - وطلاق السنة أن يطلق طلقة في طهر لم يمس فيه، وإن كان في آخر ساعة منه، ولا يتبعها في ذلك طلاقاً ثم يمهلها حتى تنقضي العدة برؤية أول دم الحيضة الثالثة، ويُكره أن يطلقها في طهر قد جامع فيه، فإن فعل لزمه، وتعتد بذلك الطهر، وإن لم يبق منه إلا يوم، ولا يؤمر برجعتها. 1838 - ويكره أن يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة، فإن فعل لزمه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أراد أن يطلقها ثلاثاً فليطلقها في كل طهر طلقة. (¬1) ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/58) ، والبيهقي (7/332) . وانظر: المدونة (5/419) ، وبداية المجتهد (2/48) ، والاستذكار (18/49) ، والمحلي (10/168) ، والدر المنثور (8/190) .

1839 - ويطلق الحامل [طلقة] واحدة متى شاء، وتحل بالوضع لآخر ولد في بطنها، وله رجعتها ما لم تضع آخر ولد في بطنها، ولا يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد [أو مجالس] فإن فعل لزمه، والتي لم تبلغ المحيض واليائسة منه يطلقهن واحدة متى شاء، وعدتهن ثلاثة أشهر، ويطلق المستحاضة متى شاء وعدتها سنة، كان في ذلك يطؤها أم لا، وله رجعتها ما لم تنقض السنة، فإذا مضت السنة حلت للأزواج، إلا أن ترتاب فتقيم إلى زوال الريبة، وإن كان لها قرء يعرف تحراه فطلقها عنده، قال ربيعة وابن شهاب في التي يئست من المحيض: إن طلقت قبل الأهلة أو بعدها اعتدت من حين طلقت ثلاثة أشهر ثلاثين يوماً كل شهر.

1841 - ومن قال لامرأته وهي حائض: أنت طالق للسنة، أو قال لها: إذا طهرت فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة وجبر على الرجعة، ولو قال ثلاثاً للسنة وقعن ساعتئذ، كانت طاهراً أو حائضاً، وبانت منه. 1842 - وله أن يطلقها قبل البناء واحدة متى شاء، وإن كانت حائضاً أو نفساء، وإن دخل بها، فلا يطلقها وهي حائض أو نفساء حتى تطهر، فإن طلقها طلقة قبل أن تطهر لزمه ذلك وأجبر على الرجعة، وإن لم يعلم بذلك حتى طهرت وحاضت [ثم طهرت وحاضت] الثانية [وطهرت] ، فليجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة فتحل، وإذا أُجبر على الرجعة في دم حيض أو نفاس وشاء طلاقها أُمهل حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء حينئذ طلق أو أمسك، ويحسب عليها ما طلقها في دم الحيض والنفاس، ولا يطلقها بعد طهرها من الدم الذي ارتجعها فيه بالقضاء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة.

قال سليمان بن يسار وغيره: إذا طلقت النفساء لم تعتد بدم نفاسها واستقبلت ثلاثة قروء، قال ابن القاسم: ولا تطلّق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة. وإن كانت مسافرة لا تجد الماء فتيممت فلا بأس أن يطلقها بعد التيمم لجواز الصلاة لها. 1840 - ومن طلق زوجته طلاقاً يملك فيه الرجعة، فلا يتلذذ منها بنظرة أو غيرها، ولا يأكل معها، ولا يرى شعرها ولا يخلو معها، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها، وكان مالك يقول: لا باس أن يدخل عليها ويأكل معها إن كان معها من يتحفظ بها، ثم رجع فقال: لا يفعل ذلك حتى يراجعها، وإن كان معها فلينتقل عنها.

1843 - وطلاق المسلم لزوجته الكتابية كطلاق الحرة المسلمة وعدتها منه كعدة [الحرة] المسلمة. وتجبر هي على العدة [منه] إذا بنى بها طلق أو مات. 1844 - وإن مات عنها ذمي بعد البناء فلا ينكحها مسلم إلا بعد ثلاث حيض استبراء. وإن مات عنها الذمي أو طلقها قبل البناء فلا عدة عليها وينكحها المسلم إن أحب مكانه. 1845 - وعدة الأمة وأم الولد ومن فيها بقية رق في الطلاق إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ومثلها يوطأ وقد دخل بها، ثلاثة أشهر، وإن كانت ممن تحيض فحيضتان كان الزوج في ذلك حراً أو عبداً. وطلاق العبد طلقتان كانت زوجته حرة أو أمة. 1846 - وإذا بلغت [المرأة] الحرة عشرين سنة أو ثلاثين فلم تحض، فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر.

ولو تقدم لها حيضة مرة لطالبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة تأخير الحيض وثلاثة أشهر عدة، فإن حاضت بعدما مضى من السنة عشرة أشهر رجعت إلى الحيض، فإن ارتفع ائتنفت سنة من يوم انقطع الدم عنها، ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض، هكذا تصنع حتى تتم ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها، وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق، أو اليائسة ترى الدم بعدما أخذت في عدة الأشهر فلترجع إلى عدة الحيض، وتلغي الشهور، وتصنع كما وصفنا، هذا إن قلن النساء فيما رأته اليائسة: إنه حيض، فإن قلن: ليس بحيض، أو كانت في سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم [يكن] ذلك حيضاً وتمادت بالأشهر، والعدة [في الطلاق] بعد الريبة، وفي الوفاة قبل الريبة، فإذا أتمت المرأة أربعة أشهر وعشراً في الوفاة ثم استرابت نفسها انتظرت حتى تزول الريبة عنها ثم تحل. وذكرنا في كتاب الاستبراء تأخير حيضة الأمة في البيع. 1847 - وإذا اختلف الدم على المطلقة فرأته يومين أو ثلاثة، ثم رأت الطهر مثل ذلك ثم رأت الدم كذلك، فهي كالمستحاضة إذا تمادى ذلك بها عدتها سنة، إلا أن يكون بين الدمين من الطهر ما لا يضاف بعضه إلى بعض فيكون الثاني حيضاً مؤتنفاً، قال مالك: وليس الأربعة أيام والخمسة وما قرب طهراً.

1848 - وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن، والطلاق في صحته أو في مرضه، لم تنتقل إلى عدة الوفاة، وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة. فإن مات بعد العدة، والطلاق بائن، أو غير بائن، فلا عدة عليها لوفاة، وإن مات وهي في عدتها من طلاق غير بائن والطلاق في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وقال ابن عباس وغيره: عليها أقصى الأجلين، فإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، وإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا حداد عليها وقد حلّت. (¬1) وكذلك إن طلقها وهو غائب فعدتها من يوم ط لق إذا أقامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال: [قد] كنت طلقتها، فالعدة من يوم إقراره، ولا رجعة له فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم إقراره، وترثه في العدة المؤتنفة ولا يرثها، وإن كان الطلاق بتاتاً لم يتوارثا بحال، ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها، لأنه فرّط. ¬

(¬1) انظر: تفسير القرطبي (4/11) ، والمغني (8/93) ، ورواه البخاري (8/53) ، والنسائي في الكبرى (3/390) ، والصغرى (6/195) ، وعبد الرزاق في المصنف (2/117) .

1849 - ولا إحداد على مطلقة ببتات [أو واحدة] ، وعلى كل معتدة في وفاة زوجها الإحداد، وإن كانت صغيرة أو ذمية تحت مسلم، وابن نافع لا يرى على الكتابية إحداداً. 1850 - وعلى الأمة الإحداد، وتعتد حيث كانت [تبيت] ، وليس لسادتها منعها من ذلك، ولهم أن يخرجوها نهاراً للبيع. ولا يبيعونها إلا ممن لا يخرجها من الموضع الذي تعتد فيه حتى تتم العدة، ولا يزينونها للبيع بما لا تلبسه الحاد. 1851 - ولا تلبس الحاد شيئاً من الصباغ، قال عروة: إلا أن يصبغ بسواد. ولا تلبس رقيق عُصب اليمن، ووسع في غليطه. وتلبس رقيق البياض كله وغليظه من الحرير والكتان والقطن.

1852 - ولا تلبس خزاً ولا ما صبغ من ثياب أو جباب حرير أو كتان أو قطن أو صوف، وإن كان أخضر أو أدكن، إلا أن لا تجد غيره وتكون بموضع لا تجد استبداله، فيجوز لها لبسه. وإن وجدت بدلاً ببيع فليس لها لبسه. 1853 - ولا تلبس حلياً: لا قرطاً ولا خاتماً ولا خلخالاً ولا سواراً ولا خرص ذهب أو فضة، ولا تمس طيباً، قال ابن عمر: ولا تختضب. قال ربيعة: ولا تحنط ميتاً، ولا تدّهن بزنبق أو بنفسج أو خبر، وتدهن بالشيرج والزيت، ولا تمشط بدهن مريب حناء ولا كتم، ولا ما يختمر في رأسها [وتمشط في السدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها، ولا تكتحل إلا من ضرورة فلا بأس به، وإن كان فيه طيب، ودين الله يسر] . وسبيل الأمة والصغيرة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة، سبيل الحرة المسلمة البالغة في الإحداد ولزوم العدة من الأزواج.

1854 - إلا أن عدة الأمة وأم الولد، ومن فيها بقية رق في وفاة زوجها على النصف من عدة الحرة. وإذا مات عن الأمة زوجها أو طلقها طلاقاً بائناً أو غير بائن، ثم عتقت وهي في أثناء هذه العدة فلتبق على عدتها ولا انتقال إلى عدة الحرائر. وأم الولد إذا مات زوجها وسيدها ولم يعلم أولهما موتاً، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً مع حيضة، قال سحنون: وهذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال. وإن كان بينهما أقل من شهرين وخمس ليال فعليها أربعة أشهر وعشر فقط، قال مالك: ولا ميراث لها من زوجها حتى يعلم أن السيد مات قبل زوجها، وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضة، وإن كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر. قال سليمان بن يسار: أو تكون حاملاً فحتى تضع، قال مالك: ولو مات السيد وهي في أول [دم] حيضتها، أو غاب عنها فحاضت بعده حيضاً كثيرة،

ثم مات في غيبته، فلا بد من ائتناف حيضة بعد موته، لأنها لها عدة بخلاف استبراء الملك. ولقوة الاختلاف فيها قد قال بعض العلماء: عليها أربعة أشهر وعشر، وقال بعضهم: [عليها] ثلاث حيض، قال مالك: ولا حداد عليها في عدتها من وفاة سيدها، ولا أحب لها المواعدة فيها، ولا تبيت إلا في بيتها، وإن زوجها سيدها ثم مات عنها لم يكن على زوجها استبراء. 1855 - وليس للرجل أن يزوج أم ولده أو أمة قد وطئها إلا بعد الاستبراء، ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم الحيض وما أشبهه من غير معتدة، أو في دم

النفاس فإن النكاح يجوز في ذلك، ولا توطأ حتى تطهر، ولو اعتدت أم الولد من وفاة زوجها وحلت، فلم يطأها السيد حتى مات، أو كان غائباً ببلد يعلم أنه لم يقدم منذ وفاة الزوج فعليها حيضة، ألا ترى أنها لو تمت عدتها من الزوج ثم أتت بولد لها يشبه أن يكون من سيدها، فزعمت أنه من السيد، ألحق به في حياته وبعد موته، إلا أن يقول السيد قبل موته لم أمسها بعد موت زوجها فلا يلحق به، وكل ولد جاءت به أم ولد أو أمة لرجل أقر بوطئها لمثل ما يلد له النساء، فهو بالسيد لاحق وتكون به الأمة أم ولد، أتت به في حياة السيد أو بعد وفاته، أو بعد أن أعتقها، إلا أن يدّعي السيد في حياته الاستبراء فينتفي منه بغير لعان، لأن ملك اليمين لا لعان فيه. 1856 - وكره مالك المواعدة للمرأة أو لوليها في عدة طلاق أو وفاة، كانت حرة أو أمة.

قال بعض التابعين: ولا بأس بالتعريض مثل أن يقول لها: إني بك لمعجب، ولك لمحب، أو فيك لراغب، وإن يقدّر أمر يكن، ونحو ذلك. وجائز أن يهدي لها، قال عطاء: وأكره مواعدة الولي، وغن كانت المرأة مالكة أمرها، ومن جهل فواعد امرأة في العدة وسمى الصداق ونكح بعد العدة، فاستحب له مالك الفراق بطلقة، دخل بها أم لا، ويخطبها إن شاء بعد عدتها منه إن كان دخل بها، وروى عنه أشهب انه يفرّق بينهما دخل بها أم لا. 1857 - ومن طلقت بخلع فتزوجت في العدة ودخل بها الثاني، قال مالك: يفرق بينهما وتأتنف ثلاث حيض من يوم فسخ نكاح الثاني، فتجزيها عن الزوجين، وإن كانت عدتها بالشهور أجزأها منهما ثلاثة أشهر مستقبلة. وإن كان قد جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنها تتم عدة الأول، وتأتنف عدة الثاني. (¬1) وأما الحامل فالوضع يبرئها من الزوجين جميعاً، ولا يتزوجها الأول في عدة الآخر ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/536) .

ولدت أولاداً من الثاني، إذ لا حجة لها باجتهاد إمام أو [بيقين] طلاق، ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع حمل إن كانت [حاملا]] ، فإن مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة ولا تحل بالوضع دون تمامها ولا بتمامها دون الوضع. (¬1) 1859 - قال غيره: ومن نكح أم ولد قد أعتقها سيدها أو مات عنها، أو أمة أعتقها ربها وقد وطئها فدخل بها الزوج قبل أن تمضي الحيضة فذلك يحرم كالوطء في العدة. وروي ذلك عن مالك في أم الولد يموت سيدها فيتزوجها رجل قبل حيضة أنه متزوج في عدة. وروي عنه أيضاً أنه ليس كالناكح في العدة. وإذا وطئ السيد أمته في عدة من زوج حر أو عبد حرمت عليه. وكل وطء بملك أو بشبهة نكاح في عدة نكاح يُحرّم. ألا ترى أن من طلق امرأته البتة ثم ابتاعها لم يحل له وطؤها بالملك حتى تنكح زوجاً غيره. ¬

(¬1) انظر: الأم (7/157) ، والتاج والإكليل (4/159) ، ومواهب الجليل (4/158) ، الشرح الكبير (2/501) ، والمعونة للبغدادي (2/793) ، والكافي (2/530) .

1860 - قال ابن وهب عن مالك: ومن وطئ أمة بنكاح في عدة [نكاح] [ثم ابتاعها] ، لم تحل له أبداً. 1861 - وكل معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن تأتي بولد وقد أقرت بانقضاء عدتها أو لم تقر، فإنه يلحق بالزوج ما بينها وبين خمس سنين فأدنى، إلا أن ينفيه الحي بلعان ويدعي أنه استبرأ قبل طلاقه، ولا يضرها ما أقرت به من انقضاء العدة، لأنها تقول: حضت وأنا حامل ولا علم لي بالحمل، وقد تهراق المرأة الدم على الحمل، وكذلك إن طلقت فارتابت بتأخير حيض فاعتدت سنة فإنها تحل، إلا أن تستراب بعد ذلك، فتنتظر حتى تذهب ريبتها فإن تمادت بها الريبة جلست ما بينها وبين خمس سنين فما وضعت بعد ذلك لم يلحق بالزوج. وإن أتت به بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة، وتحد المرأة، وإن مضى لهذه المطلقة خمس سنين غلا خمسة أشهر ولم تقر إلا بانقضاء العدة ثم تزوجت، فإن قالت: إنما تزوجت بعد العدة وزوال الريبة صًدّقت، ولا تُنكح مسترابة البطن إلا بهد زوال البطن أو بعد خمس سنين، فإن نكحت قبل الخمس سنين بأربعة أشهر فأتت بولد لخمسة

أشهر من يوم نكحت، لم يلحق بأحد من الزوجين وحُدّت وفسخ نكاح الثاني، لأنه نكح حاملاً. 1862 - وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع، فظهر بامرأته حمل لم يلحق به، وتحد المرأة، فإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الوفاة بوضع حملها، وعليها أربعة أشهر وعشر من يوم مات، وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة، الحمل الذي يثبت نسبه من أبيه خلا الملاعنة خاصة، فإنها تحل بالوضع وإن لم تلحقه بالزوج. وإن مات زوجها وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة. 1863 - وإذا دخل الصبي بزوجته وهو يقوى على الجماع ولا يولد لمثله، ثم صالح عنه أبوه أو وصيه، فلا عدة على امرأته ولا صداق لها ولا غسل عليها من وطئه، إلا أن تلتذ، يعني: تنزل. والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته، إلا أن يعلم أنه يولد لمثله. 1864 - ومن نكح امرأة ودخل في العدة بها قبل حيضة، ثم ظهر بها حمل فهو

للأول، وتحرم على الثاني، ولو نكحت بعد حيضة فهو للثاني إن وضعته لستة أشهر من يوم دخل بها، فإن وضعته لأقل فهو للأول، هذا حكم النكاح، وإن القافة في الأمة يطؤها السيدان في طهر، وكذلك من نكح في عدة وفاة بعد حيضة أو قبل في لحوق الولد، وعدتها منهما وضع الحمل، أحلقت الولد بالأول أو بالثاني وهو فيها أقصى الأجلين. 1865 - وإذا أسلمت ذمية تحت ذمي ثم مات وهي في عدتها، لم تنتقل إلى عدة الوفاة وتمادت على عدتها ثلاث حيض. وقال غيره: وناكحها في عدة منه ناكح في عدة، [قال مالك:] ولا شيء لها من المهر إن لم يكن دخل بها، مات أو لم يمت.

1866 - وما فسخ من نكاح فاسد أو ذات محرم أو المُنعى لها تنكح أو أمة بغير إذن السيد، فالعدة في ذلك كله كعدة النكاح الصحيح، ويعتددن في بيوتهن. 1867 - وإذا تصادق الزوجان بعد الخلوة في النكاح الفاسد على نفي المسيس لم تسقط بذلك العدة، لأنه لو كان ولد لثبت نسبه إلا أن ينفيه بلعان ولا يكون لها صداق ولا نصفه، لأنها لم تطلبه، وتعاض من تلذذه بها إن كان تلذذ منها بشيء، وقد قيل: [إنها] لا تعاض. 1868 - ولا يضرب السلطان لامرأة المفقود أجل أربع سنين إلا من يوم

ترفع إليه، وإن لم تقم إلا بعد سنين، ولا تعتد أربع سنين بغير أمره، وإنما يضرب هذا بعد الكشف عنه، فإن علم إلى أي جهة خرج كتب إليها في الكشف عنه، فإذا يئس من علم خبره ضرب من يومئذ للحر أربع سنين وللعبد حولين، ثم تعتد هي بعد ذلك دون أمر الإمام كعدة الوفاة، كان قد بنى بها أم لا، وعليها الإحداد. فإن قدم أو صحت حياته قبل أن تنكح، منعت من النكاح وكانت له زوجة بحالها. وكذلك لو تزوجت ولم يدخل لفسخ نكاح الثاني وردت إلى الأول. وكذلك التي يبلغها الطلاق ولا تبلغها الرجعة، فإن لم تعلم هي أو لم يقدم هو حتى دخل بها الثاني، فالثاني أحق بها، وأول قول مالك فيهما: إن عقد نكاح الثاني دون البناء يفتيها عن الأول، وأخذ به المغيرة وغيره. وأخذ ابن القاسم وأشهب فيما بقول مالك الآخر: أن الأول أحق بها

ما لم يدخل بها الثاني، وإذا رجعت إلى الأول قبل بناء الثاني كانت عنده على الطلاق كله، وإنما يقع عليها طلقة بدخول الثاني، فأما قبل ذلك فلا. 1869 - وإذا علم أن المفقود مات بعد نكاح الثاني وقبل دخوله، فموته هاهنا كقدومه حينئذ، ويفسخ نكاح الثاني وترث الأول، وتعتد لوفاته من يوم صحة موته، لأن عصمة الأول لم تسقط، وإنما تسقط بدخول الآخر بها. ولو مات الثاني قبل البناء فورثته، ثم علم أن الأول مات بعد أن نكحت قبل موت الثاني أو بعده، أو علم أن الأول حي ردت ميراثها من الثاني، ورجعت إلى حكم عصمة الأول في حياته وموته. وإن علم أنه مات بعد بناء الثاني فهو كمجيئه حينئذ فتثبت عصمة الثاني ولا ترث الأول، ولو مات الأول بعد الأجل والعدة، ثم نكحت في وقت تكون فيه في عدة من الأول في صحة موته فسخ نكاح الثاني.

فإن لم يكن دخل بها كان خاطباً إن أحب بعد انقضاء عدة الأول. وإن كان قد بنى بها في عدة الأول لم تحل له أبداً وترث الأول في الوجهين، وإن صح أنها نكحت بعد تمام عدة الأول من يوم موته ورثته وثبتت مع الثاني. واسلك بالتي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تعتد وتنكح، هذا المسلك، في فسخ النكاح والموت والميراث وجميع أحكامها. 1870 - وينفق على امرأة المفقود في التأجيل من ماله ولا نفقة لها في العدة، ولولده النفقة ما كانوا صغاراً إن لم يكن لهم مال. ولا يؤخذ حميل بهذه النفقات، وما أنفق عليهم بعد موته ولم يعلم توبع بذلك الزوجة والولد. 1871 - ولا يقسم ورثة المفقود ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله، فيقسم بين ورثته يومئذ لا يوم فقد أو يصح وقت موته فيرثه ورثته يوم

صحة موته، وإن مات له ولد وقف ميراثه منه، فإن أتى أخذه وإن مُوّت بالتعمير رُدّ ذلك إلى ورثة الابن يوم مات الابن، ولا أورّث الأب بالشك. وكذلك لا يتوارث بالشك من لا يعلم أولهما موتاً بغرق أو هدم. ويرث كل واحد ورثته. 1872 - وإن فقد عبد فأعتقه سيده وله ولد أحرار لم يجز، ولا يتم حتى يعلم أن العتق أصابه حياً. 1873 - ولا يوقف للعبد ميراث من مات من ولده الأحرار، وهو بخلاف الحر في هذا، لأنه على أصل منع الوراثة بالرق حتى يصح عتقه. وأحسن ذلك أن يدفع إلى ورثة الابن بحميل يعطونه، وينظر الإمام في مال المفقود ويجمعه ويوقفه، كان بيد وارث أو غيره، ويوكل به من يرضاه، وإن كان في ورثته من يراه لذلك أهلاً أقامه له، وينظر في ودائعه وقراضه، ويقبض ديونه، ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته، لأن ورثته لم يرثوه بعد. (¬1) 1874 - وما أسكن أو أعار أو أجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (3/464) .

وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضي به عليه، ولا يقام له وكيل، وتباع عروضه في ذلك. وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته، فإذا قضي بموته بحقيقة أو تعمير، جعلت الوصي وصيه وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حياً وحملها الثلث، ولا أعيد البينة. وكذلك إن أقامت امرأة بينة أنه زوجها قضيت له كقضيتي على الغائب. 1875 - وأما السر فلا تؤجل امرأته بخلاف المفقود، علمنا موضع الأسير أم لا، لأنه معلوم أنه قد أسر، ولا يصل الإمام من كشف حاله إلى ما يفعله في المفقود، ولا تنكح امرأته إلا أن يصح موته أو تنصره إما طائعاً، أو لا يعلم أطائعاً أم مكرهاً؟ فيفرق بينهما، ويوقف ماله، فإن مات مرتداً كان للمسلمين، وإن أسلم كان له، وإن تنصر مكرهاً كانت في عصمته وينفق عليها من ماله. 1876 - ومن نكح امرأة في عدتها فلم يطأ، إلا أنه قبل أو باشر أو جسّ، حرمت عليه للأبد وعلى آبائه وأبنائه. 1877 - وتعتد امرأة الخصي في الطلاق، قال أشهب: لأنه يصيب ببقية ذكره ويتحاصنان بذلك، وإن كان المجبوب لا يمس امرأته فلا عدة عليها من طلاق. وليس على التي لا يوطأ مثلها لصغر عدة الطلاق.

1878 - وعلى كل معتدة لوفاة زوج تربص أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة مسلمة أو كتابية، بنى بها أو لم يبن، صغيرة كانت أو كبيرة، والزوج صغير أو كبير، حر أو عبد، مجبوب أو سليم. وإذا علم بعد وفاة الزوج بفساد نكاحه وأنه مما لا يُقرّان عليه فلا عدة عليها ولا إحداد، وعليها ثلاث حيض استبراء إن كان قد بنى بها، ويلحقه ولدها ولا ترثه ولها الصداق المسمى كله مقدمة ومؤخره. 1879 - وتعتد المرأة في الطلاق والوفاة في بيتها ولا تنتقل منه إلا لضرر لا قرار معه، من خوف سقوطه، أو خوف لصوص بقرية لا مسلمون فيها ونحوه، فإن كان في مدينة فلا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الإمام. 1880 - وإن انتقلت لعذر إلى منزل ثان أو ثالث لزمها المقام حيث انتقلت، والكراء في ذلك على الزوج. وإذا انتقلت لغير عذر ردها الإمام بالقضاء إلى بيتها حتى تتم عدتها فيه، ولا كراء لها فيما أقامت في غيره، ولرب الدار إخراجها منها في عدتها إذا انقضى أجل الكراء. 1881 - وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره، فذلك

لكثرة كراء [أو سكنى] فتمنع، ولو أسقطت الكراء لسكنت حيث شاءت، وامرأة الأمير المعتدة لا يخرجها الأمير القادم من موضعها حتى تنقضي العدة، وكذلك من حبست عليه دار وعلى آخر بعده، فهلك الأول وترك زوجته، فلا يخرجها من صارت إليه الدار حتى تتم العدة. 1882 -[ومن] بنى بزوجته الصغيرة ومثلها يجامع ثم طلقها أو مات عنها، فليس لأبويها أن ينقلاها إليهما في العدة، ولتعتد حيث كانت يوم مات الزوج أو طلق، ولو خرج أبواها على الحج أو لسكنى بلد آخر فلا يخرجاها حتى تتم العدة. وتنتوي البدوية مع أهلها حيث انتووا، لا حيث انتوى أهل الزوج، وتقيم هناك بقية العدة ولا تنتوي من قرار. وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها. 1883 - وتعتد الأمة في الموت والطلاق حيث كانت تبيت، فإذا انتجع سيدها إلى بلد آخر كان له أن يخرجها كالبدوية. 1884 - وتجبر الذمية في العدة من مسلم على العدة في بيتها ولا تنتقل منه، ولا تنكح حتى تنقضي عدتها، وهي في كل شيء من أمرها في العدة والإحداد مثل الحرة المسلمة تجبر على ذلك.

1885 - ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها، ولها التصرف نهارها والخروج سحراً قرب الفجر، وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة، والمطلقة واحدة أو اثنتين لا إذن لزوجها في خروجها عن بيتها، ولا يسافر بها حتى يراجعها، ولا تحج هي في عدتها من وفاة أو طلاق، حجة الفريضة حتى تتم العدة. 1886 - وتبيت المعتدة في دارها حيث كانت تبيت قبل ذلك في مشتاها ومصيفها، [ولو كان في الدار بيوت في إحداها متاعها وسكناها فلتعتد فيه، وتبيت في بيتها هذا واسطوانها وساحة حجرتها حيث شاءت] ، وإن كان في الدار مقاصير فلا تبيت إلا في مقصورتها. وينتقل الزوج من بيتها في طلاق بائن أو غير بائن ولا يقيم معها في حجرة. ولا بأس أن ينتقل إلى أحد بيوت الدار الجامعة، ولا يدخل عليها فيما فيه الرجعة حتى يرتجع. 1887 - وإذا خرجت المرأة مع زوجها في زيارة، أو إلى الحصاد، أو السواحل والرباط،

لإقامة الأشهر والرجوع أو لحاجة من قبض دين ونحوه، ولا يريد انتقالاً، فمات زوجها في الطريق، فلترجع إلى بيتها تعتد فيه بعدت أو قربت أو قد وصلت، ولا ترجع إذا بعدت إلا مع ثقة وإلا قعدت حتى تجد ثقة. وإن خرج بها على رفض سكنى موضعه اعتدت بموضع نقلها إليه. وإن مات في الطريق وهي أقرب إلى الموضع الأول أو الثاني فلها المسير إلى أيهما شاءت إن كان قريباً، وإن بعد فلا تمض إلا مع ثقة. ولها المقام بموضع موته أو تعدل إلى حيث شاءت فتتم هناك عدتها، لأنه مات ولا قرار لها، وهي كمعتدة أخرجها أهل الدار، وبمنزلة التي أخرج زوجها من منزل بكراء فانتقلت على أهلها لتكتري سواه فمات ولم يكتر منزلاً، أو اكتراه ولم يسكنه حتى مات فلتعتد حيث شاءت، وإذا مات زوجها في خروجها إلى الحج وقد سارت اليومين والثلاثة وما قرب، وهي تجد ثقة ترجع معهم فلترجع، وترجع من مثل ذي الحليفة عن المدينة، وردهن عمر (¬1) من البيداء. ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/592) .

1888 - ولا يفسخ كراء كريهاً، ولتكر الإبل من مثل ما اكترت، ولو بعدت كإفريقية من الأندلس أو المدينة من مصر، نفذت. وأما إذا أحرمت فلتنفذ قربت أو بعدت، ثم إن رجعت في بقية العدة أتمتها في بيتها، وكل من أمرتها بالرجوع إلى بيتها فكانت لا تصل حتى تنقضي العدة فلا ترجع ولتقم بموضعها أو حيث شاءت، إلا أن يعلم في التقدير أنه يبقى من عدتها بعد وصولها فلترجع، وكذلك في الطلاق البائن وغيره. 1889 - وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة [بطلاق] أو بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ومحوه، فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملاً، خلا الملاعنة فإنها لا نفقة لها في حملها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/163) ، وشرح الزرقاني (3/270) ، والفواكه الدواني (2/64، 65) ، والشرح الكبير (2/484) .

1890 - وكل طلاق فيه الرجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى حتى تنقضي العدة، كانت حاملاً أو غير حامل. وكذلك امرأة المولي إذا فرق بينهما، لأن فرقة الإمام فيها غير بائن، وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، ويجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم لقرابة أو رضاع كانت حاملاً أم لا، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملاً فذلك عليه. وللكتابية الحرة على الزوج المسلم من السكنى والنفقة إذا طلقها ما للمسلمة. 1891 - ومن خلا بصغيرة يجامع مثلها في بيت أهلها ثم طلقها فقال: لم أطأ فصدقته أو كذبته فالقول قوله في طرح السكنى، كما أقبله في نصف الصداق وعليها العدة. وحيث يجب جميع الصداق يجب السكنى إلا أنه [إن] لم يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها في طلاق وإن ادعى المسيس. 1892 - وإن دخل بها وهي لا يجامع مثلها لصغر فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق، وليس لها إلا نصف الصداق. وعليها في الوفاة العدة ولها السكنى إن كان ضمها إليه، والمنزل له أو نقد كراه وإن لم يكن نقلها فلتعتد عند أهلها. وكذلك الكبيرة يموت زوجها قبل البناء وهي في مسكنها، فلتعتد فيه ولا سكنى لها [عليه] إلا أن يكون اسكنها داراً له أو اكتراها ونقد الكراء،

فتكون أحق بذلك المسكن حتى تنقضي عدتها، وإذا أعتقت الأمة تحت عبد فاختارت نفسها، أو لم تعتق فطلقها طلاقاً بائناً، فإن كانت بوئت مع زوجها بيتاً فلها السكنى عليه ما دامت في عدتها، وإن لم تبوأ معه [بيتاً] فلتعتد عند سيدها، وإن أخرجها سيدها فسكنت في موضع آخر فلا شيء لها [على الزوج] إذا لم تكن تبيت عنده، ويجبر سيدها على ردّها حتى تنقضي عدتها. 1893 - ولو أعتق العبد أو انهدم المسكن في العدة ولم تبوأ معه بيتاً فلا سكنى [لها] عليه، وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره كان الزوج حراً أو عبداً. وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل فلا نفقة لها إلا أن يعتق العبد قبل وضعها، فينفق على الحرة من يومئذ، وإن كانت أمة فلا إلا أن تعتق هي أيضاً بعد عتقه فينفق عليها في حملها، لن الولد ولده، ولا نفقة لحامل في الوفاة. وللمتوفى عنها زوجها السكنى في العدة إن كانت دار الميت، أو بكراء وقد نقده، وهي أحق بسكنى دار الميت من غرمائه، وتباع ويشترط سكناها وهي أحق منهم بما نقد كراه، وإن كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله، وتؤدي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب ما لا يشبه من الكراء، فإن

أخرجت أقامت بموضع تنتقل إليه لا تخرج منه، وأما إن طلقها طلاقاً بائناً فلزمه السكنى ثم مات في العدة فقد وجب [لها] السكنى في مال الزوج قبل الوفاة ديناً، ولا يسقطه موته بخلاف المتوفى عنها زوجها ولم يطلقها، [وقد] روى ابن نافع عن مالك أنهما سواء، ولو طلقها وهي في بيت بكراء فأفلس قبل انقضاء العدة فلرب الدار إخراجها، لأنه أحق بمسكنه، وإن كانت المعتدة في مسكن بكراء فلم تطلب به الزوج إلا بعد العدة [فلها الكراء، ولذلك] لو لم يفارقها فطلبته به بعد تمام السكنى فذلك لها إن كان موسراً حين سكنت، وإن كان عديماً فلا شيء عليه.

ولا سكنى على معدم في عدة ولا نفقة حمل إلا أن يوسر في حملها فتأخذه بنفقة ما بقي وكذلك السكنى. وإن وضعت قبل يسره فلا نفقة لها في شيء من حملها، ولأم الولد السكنى في الحيضة إن مات السيد أو أعتقها ولا نفقة لها، وكل شيء تحبس عليه فيه من عدة أو استبراء فلها فيه السكنى. (¬1) وإن كانت حاملاً حين أعتقها فلها النفقة مع الكسنى، [قال غيره: إن كانت حاملاً في الوفاة فلها السكنى ولا نفقة لها] ، وللمرتدة الحامل النفقة والسكنى ما دامت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً لم تؤخر واستتببت بولا نفقة لها في هذه الاستتابة، لأنها قد بانت منه] ، فإما أن ترجع إلى الإسلام أو تقتل، ويكون ذلك طلقة بائنة ويكون لها السكنى. والمعترض عن امرأته إذا فرق بينهما عند انقضاء الأجل فلها عليه السكنى في عدتها، وكذلك إن كانا مجوسيين فأسلم الزوج ووقعت الفرقة بينهما وقد بنى بها فلها السكنى. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/166) ، ومنح الجليل (4/355) .

وللمستحاضة السكنى في عدتها ولا ينقطع ما وجب من السكنى لمطلقة أو لمتوفى عنها وبها ريبة حتى تزول الريبة. 1894 - ومن مات عن أمة أو باعها أو أعتقها فاستبراؤها حيضة، وإن كانت مستبرأة قبل ذلك، إلا المعتقة المستبرأة فذلك يجيزها وتنكح وتحل للزوج مكانها، كما لو زوجها السيد وهي في ملكه حل للزوج وطؤها مكانه ويجزيه استبراء السيد. ولا يجوز للسيد أن يزوجها حتى يستبرئها. 1895 - ولو أعتق أم ولده بعد الاستبراء أو مات عنها لم يجزها حتى تأتنف حيضة بعد عتقها بخلاف الأمة. (¬1) 1896 - وإن اشترى مكاتب زوجته بعد البناء فلم يطأها حتى مات، أو عجز فرجعت إلى السيد فعدتها حيضة، قاله مالك، ثم رجع فقال: أحب إلي أن تكون حيضتين، وبهذا أخذ ابن القاسم أن السيد لا يطؤها إلا بعد حيضتين من يوم الشراء. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (2/495) .

ولو وطئها المكاتب بعد الشراء انفسخت العدة وحلت بحيضة استبراء. 1897 - ولو مات المكاتب أو عجز بعد ما مضى لها عنده حيضتان من يوم الشراء فصارت الأمة لسيده لم ينبغ للسيد أن يطأها حتى تحيض حيضة. وإن كان المكاتب قد قال: لم أطأها بعدهما فإن هي خرجت حرة ولم يكن المكاتب وطئها بعد الشراء نكحت مكانها ولا استبراء عليها، لأنها خرجت من ملك إلى حرية. 1898 - ومن اشترى زوجته قبل البناء وطئها بملك يمينه ولا استبراء عليه. وقد بقى رسم من آخر هذا الكتاب وهو مذكور في كتاب أمهات الأولاد. * * *

(كتاب الرضاع)

(كتاب الرضاع) 1890 - ويُحرّم من الرضاع في الحولين ولو مصة واحدة بين الأحرار والمماليك. وحرمة الرضاع في الشرك والإسلام واحدة، ولبن المسلمات والمشركات في حرمة الرضاع سواء. (¬1) 1891 - والوجور يخرم، والسعوط إن وصل إلى جوف الصبي فإنه يحرم. وإن حقن بلبن فوصل إلى جوفه حتى يكون له غذاء حرَّم، وإلا لم يحرِّم. ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/149) ، وحاشية الدسوقي (2/502) ، شرح الزرقاني (3/306) ، والتاج والإكليل (1/93) ، الفواكه الدواني (2/55) ، الشرح الكبير (2/502) .

قال عطاء الخراساني: لا يحرم السعوط ولا الكحل باللبن. 1892 - وإن أرضعت ذات زوج صبياً وهي مرضع أو بعد فصال ولدها وهي حامل أو درت عليه ولم تلد قط، فالصبي ابن للزوج. 1893 - وإذا تزوجت المرضعة المطلقة فحملت ثم أرضعت صبياً، فإنه ابن للزوج الأول والثاني، إذا كان لبن الأول لم ينقطع، والماء يغيل اللبن [ويكون فيه غذاء والوطء

يدر له اللبن فهو يُحرّم، قال مالك:] وما ذكر في الحديث من الغيلة هو وطء المرضعة التي لا حمل بها ولا يكره ذلك إذ لم ينه النبي ÷ عنه، [وقد قال أناس: إنما الغيلة أن يُغتال الصبي بلبن قد حملت أمه عليه، فيكون إذا أرضعته بذلك اللبن قد اغتالته] . 1892 - قال مالك: ولا يحرّم رضاع الكبير إلا ما قارب الحولين. ولم يفصل إلا بمثل شهر أو شهرين، وأما لو فصل بعد الحولين أو بعد حول حتى استغنى بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك.

ولو أرضعته امرأة بعد فصاله بيوم أو بيومين لحرّم، لأنه لم يستغن بالطعام. 1893 - وتحرم على الرجل امرأة أبيه أو ابنه من الرضاعة كالنسب. 1894 - وإذا درت بكر لا زوج لها أو يائسة من المحيض فأرضعت صبياً فهي أم له. ولا يُحرّم ما درّ للرجل من لبن. 1895 - وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فأوجر به صبي أو دبّ فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبن فالحرمة تقع بذلك ولا يحل اللبن في ضروع الميتة، قيل: فلم وقعت به الحرمة؟ قال: لأن من حلف أن لا يشرب لبناً فشرب لبن الميتة أو [شرب] لبناً ماتت فيه فأرة حنث إلا أن ينوي اللبن الحلال، ويحد من وطئ ميتة.

1896 - وإذا قالت امرأة عدلة: كنت أرضعت فلاناً وزوجته لم يقض بفراقهما، ولو عرف ذلك من قولها قبل النكاح أمرته بالتنزه عنها [إن كان يوثق بقولها] ، ولو شهد بذلك امرأتان بعد العقد وهما أم الزوجة وأم الزوج أو أجنبيتان لم أفض بالفراق، إلا أن يفشر ذلك من قولهما قبل النكاح عند الجيران والمعارف [فيُقضى بالفراق بينهما] . 1897 - ولو خطب رجل امرأة فقالت له امرأة: قد أرضعتكما، لم ينبغ له نكاحها، فإن فعل لم يفرق القاضي بينهما. 1898 - وإن قال الأب: رضع فلان وفلانة مع ابني الصغير أو مع ابنتي، ثم قال: أردت أعتذر، لم يقبل منه، فإن تناكحا فرّق السلطان بينهما، [ويؤخذ بإقراره الأول] . وإذا أقر أحد الزوجين أن الآخر أخوه من الرضاعة قبل أن يتناكحا، فسخ نكاحهما إذا شهد على إقرارهما بذلك بينة.

وإذا قالت الأم لرجل أرضعتك مع ابنتي [فلانة] ، ثم قالت: كنت كاذبة أو معتذرة لم يقبل قولها الثاني، ولا أحب له أن يتزوجها. 1899 - ومن تزوج صغيرة بعد صغيرة فأرضعتهما أجنبية فليختر واحدة وليفارق الأخرى، ولا يفسد [عقد] نكاحهما كما فسد عقد متزوج الأختين عقدة لفساد العقد فيهما وصحته في هاتين. (¬1) 1900 - وكذلك لو كُنّ أربعاً فأرضعتهن كلهن فله أن يختار أولادهن رضاعاً أو آخرهن أو من شاء ويفارق البواقي، وإن أرضعت واحدة منهن فهن على نكاحهن، فإن أرضعت ثانية اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى، فإن فارق الأولى ثم أرضعت ثالثة اختار أيضاً، فإن فارق الثالثة ثم أرضعت رابعة حبس الثالثة - إن شاء - أو الرابعة وفارق الأخرى. 1901 -[ومن] تزوج امرأة [كبيرة] ورضيعتين في عقدة وسمى لكل واحدة ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/98) ، والتقييد (2/279) .

صداقاً، أو في عُقد متفرقة فأرضعت الكبيرة إحداهما قبل [بنائه بالكبيرة وهي في عصمته أو بعد أن فارقها، حرمت الكبيرة للأبد وثبت على [نكاح] الصغيرتين، وإن كان بعد] بنائه بالكبيرة حرمت الكبيرة والصغيرة التي أرضعت ولا صداق للمرضعة وإن تعمدت الكبيرة الفساد، وللكبيرة الصداق بالمسيس. 1902 - ومن تزوج صبية، فأرضعتها أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه أو بنت أخيه أو بنت أخته، وقعت الحرمة بذلك وفًرّق بينهما، ولا صداق للصبية على الزوج ولا على التي أرضعتها - وإن تعمدت - ولكن تؤدب المتعمدة. وكل ما فُسخ من نكاح من حرك بالرضاع بعد البناء فلها المسمى. 1903 - ولا يُحرّم لبن البهيمة، ولا لبن مزج بطعام يغيب فيه حتى يكون الطعام الغالب عليه، أو طبخ بعد أن مزج على نار حتى غاب اللبن فيه، أو صب عليه ما غمره وغيبه من الماء، أو جعل في دواء غلب عليه ثم أطعم ذلك أو سقي لصبي، لم يُحرم بذلك.

1904 - ويكره استرضاع الكوافر وأن يتخذن ظؤورة لما يتغذين به ويغذين به الولد. وكره مالك استرضاع الفاجرة ولم يحرمه. 1905 - وتجبر ذات الزوج على إرضاع ولدها بلا أجر، إلا أن تكون ممن لا ترضع لشرفها فذلك على الزوج وإن كان لها لبن. ولو مرضت التي [مثلها] ترضع، أو انقطع درها فالرضاع على الزوج. وإن مات الأب وللصبي مال فلها أن لا ترضعه وتستأجر له من يرضعه من ماله، إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر أن ترضعه [بأجرها] من ماله، وإن لم يكن للصبي مال لزمها إرضاعه بخلاف النفقة التي لا يقضى بها عليها، ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال. 1906 - والرضاع عليها إن طلقت طلاقاً فيه رجعة ما لم تنقض العدة، فإن انقضت

أو كان الطلاق بائناً ولم تنقض العدة أو انقضت فعلى الأب أجر الرضاع، والأم أولى بذلك، إلا أن يجد الأب بدون ما سألت فذلك له، إلا أن ترضى الأم بما وجد فهي أحق، فإن لم ترض ولم يقبل الولد غيرها وخيف عليه الموت جبرت على رضاعه بأجر مثلها. ولو كان الأب معدماً لا يجد شيئاً ووجد من قرابته من ترضعه باطلاً فله، إلا أن ترضعه الأم باطلاً، [وكذلك] إن كان الأب ليس بالواجد، وإنما يقوى على دون الأجر وأصاب من يرضع له بدون ذلك، فللأم أن ترضعه بما وجد أو تسلمه، وإن كان الأب موسراً ووجد من يرضعه باطلاً فليس ذلك له. وللأم أن ترضعه بمثل ما ترضعه به غيرها. * * *

(كتاب الاستبراء)

(كتاب الاستبراء) 1911 - ومن اشترى أمة مستحاضة - يعلم ذلك - استبرأها بثلاثة أشهر، إلا أن لا يبرئها ذلك وتشك، فيرتفع بها إلى تسعة أشهر، والتي رفعتها حيضتها بمنزلتها، إلا أن ترى المستحاضة دماً توقن هي والنساء أنه دم حيض، فتحل [به]

متى ما رأته، كالمستحاضة ترى دماً وهي في عدتها من موت أو طلاق توقن هي والنساء أنه دم حيض فيكون ذلك قرءاً تحتسب به. 1912 - ومن كاتب أمته ثم عجزت، أحببت له الاستبراء إلا التي في يديه لا تخرج فلا شيء عليه، [وعليه] في المغصوبة ترجع إليه الاستبراء إن غاب عليها الغاصب، ولو اشتراها الغاصب بعد أن وطئها فليستبرئها من مائه الفاسد. 1913 - ومن اشترى أمة فغاب عليها ثم استحقت بحريّة، لم تنكح إلا بعد ثلاث حيض وإن تقارّا أنه لم يطأ. ولو وطئها فلا صداق عليه، لأنه وطئ بالملك إلا أن يطأها عالماً بحريتها فعليه الصداق ويحد. 1914 - وإذا استبى العدو أمة أو أم ولد أو مدبرة أو حرة ثم رجعن، لم توطأ الحرة إلا بعد ثلاث حيض، وأولئك بعد حيضة، ولا يصدقن كلهن في نفي الوطء، وقد حزن بمعنى الملك لا على وجه الوديعة.

1907 - ومن رهن جارية أو ودعها فلا يستبرئ إذا ارتجعها، ولو ابتاعها منه المودع بعد أن حاضت عنده أجزأه من الاستبراء إن كانت فيه بيته ولا تخرج، ولو كانت تخرج إلى السوق لم يجزه. 1908 - ومن وهب أمة لرجل ثم ارتجعها بعد غيبة الموهوب عليها فليستبرء لنفسه، لأنها قبضت على الحوز. وأما من باع أمة على المواضعة ثم رجعت إليه في المواضعة قبل أن تحيض أو يذهب معظم حيضتها فلا استبراء عليه، ولو قبضها المبتاع لنفسه على الحوز لا على الأمانة في المواضعة ثم أقاله فليستبرء لنفسه، وإن أقاله بعد يوم من مغيبه عليها، والهبة كذلك. 1909 - ومن وهب لابنه الصغير أو الكبير الذي في عياله جارية ثم اعتصرها، فإن لم تكن تخرج وهي في يد الأب ولم يغب الكبير عليها لم يستبرئ، وإلا فذلك عليه، وإن وطئها الابن فلا اعتصار للأب فيها. (¬1) 1910 - وكل من انتقل إلى ملكه ملك أمة كانت في حوز غيره بأي وجه ملكها فليستبرئها ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (3/195) ، والفواكه الدواني (2/157) ، ومواهب الجليل (6/63) ، والموطأ (2/539) ، والكافي (1/532) .

بحيضة إن كانت ممن تحيض، ملكها ببيع أو إرث أو هبة أو صدقة أو وصية أو من مغنم أو بغير ذلك. 1915 - ومن باع على ابنه الصغير من نفسه أمة، أو رجل ابتاع أمة زوجته، أو خالعها عليها، أو وهبتها له فإن كانت عنده لا تخرج لم يستبرئ، وذلك عليه إن كانت تخرج. وأما إن ابتاعها ومثلها يوطأ، من رجل لم يطأ أومن صبي أو من امرأة، فلا بد من مواضعتها، ومن أبضع مع رجل في شراء جارية فبعث بها إليه فحاضت في الطريق فلا يقربها حتى يستبرئ. 1916 - ومن باع أمة ثم حبسها بالثمن، أو لم يمنع المشتري من قبضها ولا سأله هو في ذلك وذهب ليأتي بالثمن فأتى فألفاها طامثاً، ففي أول الدم يجزئه، وإن ألفاها آخره، أو بعد الطهر فلا، وليتواضعاها إلا في الوحش فليقبضها وليستبرئ لنفسه.

ولو أمكنه البائع من الرائعة فتركها عنده فإن حيضتها استبراء للمشتري، لأن ضمانها كان معه، لنه استودعه إياها بمنزلة أن لو وضعها عند غيره. ومن ابتاع أمة في أول الدم أجزأه من الاستبراء، وأما في آخره وقد بقي منه يوم أو يومان فلا، وله المواضعة، فإن ابتاعها فرأت عنده دماً لخمسة أيام من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء، وهو كدم واحد وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون لها هذا حيضاً مؤتنفاً، فرأته يوماً أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع فإن قال النساء: إن [مثل] ذلك حيضة، أجزتها، [وإلا لم يكن استبراء، وغن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها. قال مالك:] الثلاثة الأيام والأربعة والخمسة إذا طهرت فيهن ثم رأت الدم بعد ذلك فهو من الحيضة الأولى، قال: ويسأل النساء من عدد أيام الطهر، فإن قلن: إن هذه الأيام تكون طهراً فيما بين الحيضتين، وجاء هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقول النساء إنه دم حيض ولا يشككن فيه، أجزأ ذلك من الاستبراء وإلا فلا. 1917 - ومن باع أمة رائعة ثم تقابلا قبل التفرق فلا استبراء عليه، وإن أقاله وقد غاب

عليها المبتاع فإن أقامت عنده أياماً لا يمكن فيها استبراء فلا يطأها البائع إلا بعد حيضة، ولا مواضعة على المبتاع فيها إذ لم تخرج عن ضمان البائع بعد. ولو كانت وخشاً فقبضها على ثبات البيع والحوز ثم أقاله قبل مدة الاستبراء فليستبرئ البائع لنفسه أيضاً. وإن كان إنما دفع الرائعة إليه ائتماناً له على استبرائها فلا يستبرئ البائع إذا ارتجعها قبل أن تحيض أو يذهب عُظم حيضتها. ولو كانت عند أمين فلا استبراء عليه في الإقالة قبل الحيضة، ولو بعد طول المدة عند الأمين، ولو تقابلا بعد حيضة عند الأمين أو في آخرها، فللبائع على المبتاع فيها المواضعة لضمانه إياها، غلا أن يقيله في أول دمها أو في عظمه فلا استبراء عليه ولا مواضعة فيها كبيع مؤتنف من غيره، وكذلك في بيع الشقص [منها] والإقالة منه. 1918 - ومن ابتاع شقصاً من رائعة فله المواضعة. (¬1) 1919 - ومن باع أم ولده أو مدبرته ففسخ البيع وردّت، فليستبرئ إذا كان قد دفعها على الحوز وترك المواضعة. 1920 - ومن اشترى من عبده جارية أو انتزعها منه فليستبرئ. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (4/461) .

1921 - ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثاً فتواضعاها، أو كانت وخشاً فقبضها فاختار الرد من له الخيار، فلا استبراء على البائع، لأن البيع لم يتم فيها. 1922 - فإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب المشتري عليها وكان الخيار له خاصة فذلك حسن، إذ لو وطئها المبتاع لكان بذلك مختاراً، وإن كان منهياً عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب. 1923 - ومن ابتاع جارية فردها بعيب فعلى البائع أن يستبرئ إذا كانت قد خرجت من الحيضة وضمانها من المبتاع، وإن لم تكن خرجت من الحيضة فلا استبراء عليه، يريد ألا مواضعة للبائع على الذي يرد البيع بالعيب، لأنها لو هلكت قبل أن تحيض كانت المصيبة فيها من البائع، وقال أشهب: لا مواضعة على الذي يرد بالعيب، خرجت من الحيضة أم لا، لأنه نقض بيع.

1924 - ومن اشترى جارية حاملاً فلا يتواضعاها حتى تلد، وليقبضها المبتاع وينقد ثمنها ولا يطأها حتى تلد. فإن ألقت دماً أو مضغة أو شيئاً يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك عدة الحرة، وتكون به الأمة أم ولد. 1925 - وإن ادعت الأمة أنها قد أسقطت فالسقط لا يخفى دمه وينظر إليها النساء، فإن كان بها من ذلك ما يُعلم أنها قد أسقطت أجزأه ذلك إذا طهرت وإلا لم تصدق، خوفاً من أن يكون كان ريحاً فانفشّ، وكذلك إن قالت: أسقطت منذ عشرة أيام وانقطع الدم عني فلا تصدق، ولا يطؤها المبتاع حتى يستبرئ لنفسه بحيضة، ولا حجة له في رد الثمن وطلب المواضعة، لأن البائع يقول له: بعتكها وهي ظاهرة الحمل يعرفها النساء ويشهدن عليه والنقد فيها جائز، ولا أدري ما صار إليه الحمل. 1926 - وإذا كانت الأمة وخش الرقيق ولم يطاها البائع، جاز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، كان البائع قد استبرأها أم لا، ويجوز فيها اشتراط ترك المواضعة وانتقاد الثمن، ويقال للمبتاع: استبرئ لنفسك بحيضة مستقبلة قبل أن تطأ، ثم لا رد للمبتاع أن ظهر بها حمل، لأن البائع قد تبرأ منه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/168) ، والمدونة الكبرى (6/124) .

وإن كانت رائعة ولم يطأها البائع فلا يجوز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، وإن كان البائع قد استبرأها، ويفسخ البيه ولا بد فيها من المواضعة، وإن كانت بينة الحمل جاز تبري البائع من الحمل إن لم يكن منه، وجاز فيها النقد. 1927 - ولا تصدق الأمة في حيض الاستبراء إن ادعت الحيض، ولا في السقط حتى يراها النساء، ولا أزيل ما ثبت من العهدة بقولها، والحرة في ذلك مصدقة ولا ينظر إليها [أحد] ، لأن الله سبحانه ائتمنها عليه. 1928 - وأحب المواضعة على يدي النساء، أو رجل له أهل ينظرونها. وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأهما إن قبضها على الأمانة، وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش ولم يشترط الاستبراء في المواضعة، أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من حمل، لم يفسد البيع ولزمهما حكم المواضعة، فإن هلكت في أمد لا يكون فيه استبراء فهي من البائع، وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع.

1929 - وإن تبرأ البائع في العقدة من الحمل وليس بظاهر وشرط قبضها كوخش الرقيق وزعم أنه لم يطأ وهي رائعة فسد البيع، وهي من المبتاع من يوم قبضها، وترد إلا أن يفوت فيلزم المبتاع قيمتها يوم القبض أقامت عنده مدة الاستبراء أو يوماً أو يومين. 1930 - ولو أقر البائع بوطئها ولم يدّع الاستبراء وتبرأ من الحمل وشرط ترك المواضعة، فهذا أيضاً فاسد، فإن هلكت في مدة لا يكون فيها استبراء فهي من البائع، وما ولدت فهو به لاحق ولا ينفعه شرطه. 1931 - وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع، وعليه قيمتها يوم [جعلناها] تحيض في مثله، لأن من ذلك اليوم وجب عليه ضمانها، ولا ينفعه إن ادعى أنها لم تحض. 1932 -[ومن] اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها أو بعد أن وطئ فليستبرئ المبتاع بحيضة، وكذلك إن ابتاعها بعد البناء ثم باعها بعد أن وطئها، لأن وطأه فسخ لعدتها منه.

1933 - ولو باعها قبل الوطء هاهنا لم تحل له إلا بحيضتين عدة فسخ النكاح، وكذلك لو طلقها بعد البناء واحدة ثم ابتاعها في العدة [فوطئها بعد الشراء] ثم باعها، [فإن كان قد وطئها بعد الشراء استبرأها مشتريها منه بحيضة] ، وأما إن باعها ولم يطأها فحيضتان من يوم طلاقه يحلها. وإن باعها بعد حيضة لم تحل إلا بعد حيضة ثانية، ولو باعها بعد انقضاء العدة فاستبراؤها حيضة، كان الطلاق واحدة أو ثلاثاً. 1934 - وإن تزوجت [أمة] بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء لم يمسها إلا بعد حيضتين، لنه استبراء من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة. 1935 - ومن باع أمة بغير أمر ربها، ثم أجاز البيع بعد أن حاضت عند المبتاع أجزأه كالمودعة.

1936 - ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه، فليستبرئها إن لم يكن الأب قد عزلها عنده فاستبرأها. وقال غيره: لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه، وإن كانت مستبرأة عند الأب. 1937 - قال ابن القاسم: وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ. 1938 - وللرجل أن يزوج أمته التي لا يطؤها بغير استبراء، ولا يزوج أمة قد وطئها إلا بعد حيضة. (¬1) قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها حتى تحيض؟ قال: لا. فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت، فالنكاح مفسوخ. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/168) ، والشرح الكبير (2/493) ، ومنح الجليل (4/358) .

1939 - ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم النفاس أو دم حيض من غير معتدة أو من دخلت من المعتدات في الحيضة الثالثة في الحرة، أو الثانية في الأمة، فإن النكاح يجوز في ذلك ولا توطأ حتى تطهر. 1940 - ومن زنت أمته لم يطأها ولم يزوجها إلا بعد حيضة. 1941 - ومن ابتاع أمة رائعة أقرّ بوطئها أو لم يقر ولم يجحد، [لم يزوجها] حتى تخرج من الاستبراء، إذ يلحق بالبائع ما تأتي به من ولد إن ادعاه، ومن باع أمة من وخش الرقيق ولم يطأها وتبرأ من الحمل إن كان بها، فلا يطأها المبتاع حتى تحيض، وله أن يزوجها قبل أن تحيض إن لم يكن بها حمل ظاهر كما كان لبائعها. 1942 - وإذا جاز للبائع أن يزوج أمته قبل أن يستبرئها جاز ذلك للمبتاع إذا قبضها وقبلها بعد الشراء، وإن لم يكن ذلك للبائع كان المبتاع مثله. قيل [لمالك:] فإن كانت رائعة فابتاعتها وتواضعاها أيجوز للمبتاع أن يزوجها؟ قال: إذا قال البائع: لم أطأها، فإن [كان] حمل فليس مني، ولم يتبرأ

من الحمل جاز البيع، وللمبتاع قبولها في المواضعة قبل محيضها على الرضا بالحمل إن كان بها، ولا يجوز ذلك في أصل التبايع، وله أن يزوجها مكانه قبل أن يستبرئها كما كان للبائع، ويحل للزوج وطؤها مكانه. 1943 - ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء، فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به، فذلك له، وهو كعيب حدث بها، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه. 1944 - ومن ابتاع أمة ذات زوج فطلقت قبل البناء فلا بد من حيضة. ومن اشترى أمة معتدة من وفاة زوج فحاضت قبل تمام شهرين وخمس ليال لم يطأها حتى تتم عدتها، فإن انقضت عدتها أجزتها من العدة والاستبراء. 1945 - وإن تمت عدتها ولم تحض بعد البيع انتظرت الحيضة، فإن رفعتها حتى مضت ثلاثة أشهر وأحست من نفسها [ريبة] انتظرت تمام تسعة أشهر من يوم الشراء، فإن زالت الريبة قبلها حلت، وإن ارتابت بعدها بحس البطن لم توطأ حتى تذهب الريبة.

قال سحنون: وقد روي عن مالك اختلاف في التي تُشترى وهي ممن تحيض فرفعتها حيضتها بعد الشراء. فروى عنه ابن وهب: أنها تستبرأ بتسعة أشهر، وروى عنه ابن غانم: أنها إذا مضى لها ثلاثة أشهر دعي لها القوابل، فإن قلن: لا حمل بها، فقد حلّت. قال أشهب: وهذا أحب إلي، لأن رحمها يبرأ بثلاثة أشهر كما يبرأ بتسعة أشهر، لأن الحمل يتبين في ثلاثة أشهر. 1946 - قال ابن القاسم: ومن اشترى [أمة] معتدة من طلاق وهي ممن تحيض، فارتفعت حيضتها فإذا مضت سنة من يوم الطلاق وليوم الشراء ثلاثة أشهر فأكثر حلت. 1947 - ومن وطئ أمة بالملك ثم ابتاع أختها أو عمتها أو خالتها، لم يطأ الثانية حتى

يحرم فرج الأولى، فإن وطئها وقف عن معاودة كل واحدة منهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم فرج الثانية أقام على وطء الأولى، فإن حرم فرج الأولى لم يطأ الثانية حتى تستبرئ لفساد وطئه، وليحرم إحداهما ببيع أو نكاح أو عتق إلى أجل، أو بما تحرم به عليه. وإن ظاهر منها لم تحل له أختها إذ له الكفارة، وكذلك إن باعها من عبده أو ابنه [الصغير] أو يتيم في حجره إذ له الاعتصار والانتزاع بالبيع، وكذلك إن زوجها تزويجاً لا يقران عليه، أو باعها من أجنبي بيعاً فاسداً، إلا أن تفوت في البيع الفاسد فتحل له أختها. وإن باعها وبها عيب حلت له أختها، وهو بيع تام حتى تُردّ به. فإن أُسرت أو أبقت إباق إياس حلت له أختها، وإن اشترى أختين وطئ أيتهما شاء، فإن وطئهما ثم باعها ثم اشتراهما في صفقة [واحدة] ، وطئ أيتهما شاء. وإن وطئهما ثم باع واحدة أو زوجها فلم يمس الباقية حتى رجعت تلك إليه، فلا يطأ إلا الباقية لا الراجعة.

وإن وطئ إحداهما ثم باعها ثم وطئ الباقية، أو باع أمة وطئها ثم اشترى أختها فوطئها، ثم اشترى في الوجهين تلك [المبيعة] ، فلا يطؤها حتى يحرم فرج الأخرى، ولو لم يكن وطئ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء. وفي كتاب النكاح [الثالث] من هذا المعنى. 1948 - ومن وطئ أمته فلا يبيعها حتى يستبرئها، ثم لا بد إن باع الرائعة من المواضعة كان قد استبرأها أم لا، والحيضة فيها تجزي المتبايعين. ولو أن من وضعت على يديه تولاها بعد أن حاضت [عنده] تلك الحيضة ولم تخرج من يديه أجزته ووطئ مكانه، كالمودعة أو الشريك تحيض عنده ثم يبتاع حصة شريكه. ولو وطئها ولم يدع استبراء لم يجز له بيعها بالبراءة من الحمل، كانت رائعة أم لا، ولا بد فيها من المواضعة وقد تقدم هذا. 1949 - ومن ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد في عقدة البيع فيها، وضعت

على يدي المبتاع أو على يدي أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، فإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع بعقد الثمن في المواضعة جاز ذلك، ولا بأس أن يشترطا مواضعة الثمن، فإن هلك قبل محيضها ارتقبت، فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع. 1950 - قال مالك: وأحب ما سمعت [إلي] في التي لم تحض أو اليائسة من المحيض إذا بيعت، أن تستبرأ بثلاثة أشهر إذ لا يبرأ رحم في أقل من ذلك. وإن كانت ممن تحيض استبرأها بحيضة، فإن رفعتها حيضتها انتظرت ثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة أشهر، فإن زالت الريبة قبل التسعة حلت، وإن تمادت بعدها لم توطأ حتى تذهب الريبة. وإن تأخر حيض الأمة في البيع لمرض حدث بها بعد البيع فرضيه المبتاع أجزتها ثلاثة أشهر. وكلما حدث بها في المواضعة من مرض أو هلاك أو داء أو عيب أو غيره فمن البائع حتى ترى حيضة مسقيمة، والمبتاع بالخيار في حدوث العيب في قبولها به بجميع الثمن أوردها، فإن قبلها المبتاع فلا حجة للبائع.

1951 - ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء أو يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة. وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل، حاضت بعد ذلك أو لم تحض. وإن افتضها وهي بكر في الاستبراء ثم حدث بها عيب قبل الحيضة بذهاب جارحة أو حمى أو داء، فله ردها بذلك، فإن ردها به رد ما نقصها الافتضاض، وإن لم ينقصها فلا غرم عليه ولا صداق إلا في الحرة. وأما الأمة فهي كسلعة، فعلى واطئها غصباً ما نقصها الوطء كانت ثيباً أو بكراً. وإن وطئها المبتاع في الاستبراء فوضعت لستة أشهر من يوم وطئها، فإن كان البائع يطؤها دُعي للولد القافة، فإن ألحقته بالمبتاع كانت له أم ولد. ولو وضعته لأقل من ذلك فسخ البيع وأُلحق بالبائع إذا أقر بالوطء، وينكل المبتاع حين وطئ في الاستبراء، وإن أنكر البائع الوطء كان الولد لِغَيّة.

وكذلك إن كانت بكراً والبائع ينفي الولد فإنه يكون لِغَيّة، [ويخير] المبتاع في قبولها وردها مع ما نقص وطؤه للبكر أو الثيب إن نقصها شيء، وإلا فلا غرم عليه، وعليه العقوبة إن لم يعذر بجهل. ولو استلحقه البائع لحق به وفسخ البيع، وصارت له أم ولد. وإن قال البائع: كنت أفخذ ولا أنزل وولدها ليس مني، لم يلزمه. وإن قال: كنت أطأ في الفرج وأعزل، فأتت لمثل ما يجيء به من النساء من يوم وطئها لزمه الولد. (¬1) * * * "تم كتاب الاستبراء" * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (8/316) ، ومنح الجليل (3/408) .

(كتاب العتق الأول)

(كتاب العتق الأول) 1952 - قال ابن القاسم: التدبير والعتق بيمين مختلف، لأن العتق بيمين إذا حنث عتق عليه، إلا أن يجعل حنثه بعد موت فلان، أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا فيكون كما قال، والأيمان بالعتق من العقود التي يجب الوفاء بها. والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها، فمن أبتّ عتق عبد، أو حنث بذلك في يمين، عتق عليه بالقضاء، ولو وعده بالعتق أو نذر عتقه لم يقض بذلك عليه وأمر بعتقه. 1953 - ومن قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر، فاشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه، ويُقوّم عليه نصيب شريكه، وإن اشتراه بيعاً فاسداً أُعتق عليه ولزمته قيمته، ورد الثمن إليه، كمن ابتاع عبداً بثوب فأعتقه ثم استحق الثوب، فعليه قيمه العبد.

1954 - ومن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم باعه، عتق على البائع ورد الثمن، قال ابن شبرمة: كما لو قال: إذا مت فعبدي فلان حر. 1955 - قال مالك: ولو قال رجل مع ذلك: إن ابتعتك فأنت حر، فابتاعه، فعلى البائع يعتق، لأنه مرتهن بيمينه. 1956 - ومن قال: كل مملوك له حر في غير يمين، أو في يمين حنث بها، عتق عليه عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده، وكل شقص له في مملوك، ويقوّم عليه بقيته إن كان مليئاً، ويعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم، ولدوا بعد يمينه أو قبل، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم، فلا يعتقون ويكونون لهم تبعاً. 1957 - ومن قال لعبد غيره: أنت حر من مالي، لم يعتق عليه وإن قال سيده: أنا أبيعه منه، إلا أن يقول: إن اشتريته أو ملكته فهو حر، فهذا إن اشتراه أو ملكه عتق عليه.

ومن قال لأمة غيره: إن وطئتك فأنت حرة، فابتاعها فوطئها، لم تعتق عليه إلا أن يريد إن اشتريتك فوطئتك، وكذلك قوله: إن ضربتك. 1958 - ومن قال: كل مملوك أو جارية أو عبد أشتريه أو أملكه في المستقبل فهو حر، في غير يمين أو في يمين حنث بها، فلا شيء عليه فيما يملك أو يشتري، كان عنده يوم حلف رقيق أم لا، إلا أن يعيّن عبداً أو يختص جنساً أو بلداً، كقوله: من الصقالبة (¬1) أو من البربر (¬2) أو من مصر أو الشام أو إلى ثلاثين سنة، فيلزمه ذلك، وهذا كمن عمّ أو خصّ في الطلاق. 1959 - ومن قال: إن دخلت هذه الدار أبداً فكل مملوك أملكه حر، فدخلها، لم يلزمه العتق إلا فيما ملك يوم حلف، فإن لم يكن له يومئذ مملوك فلا شيء عليه فيما يملك قبل الحنث أو بعده. قال أشهب: ولو قال: إن دخلت هذه الدار فكل مملوك أملكه أبداً حر، [فدخلها لم يعتق عليه ما عنده من العبيد، لأنه إنما أراد ما يملك في المستقبل، كما لو قال:] كل مملوك أملكه أبداً ¬

(¬1) طائفة من طوائف النصارى، وانظر: أحكام أهل الذمة (3/1256) ، ومعجم البلدان (1/87) ، والمدونة الكبرى (7/155) . (¬2) قوم من أهل المغرب كالأعراب في القسوة والغلظة، والجمع البرابرة، وهو معرب، وانظر: شرح الزرقاني (2/185) ، ومنح الجليل (9/385) .

حر، وكل امرأة أتزوجها أبداً طالق، فلا شيء عليه فيما عنده من عبد أو زوجة. 1960 - قال ابن القاسم: وإن قال: كل عبد أشتريه من الصقالبة حر، فأمر غيره فاشتراه له، عتق عليه، لأنه إذا اشتراه بأمره فكأنه هو الذي اشتراه، وكذلك لو قبله من واهب لثواب، عتق عليه حين قبوله إياه قبل أن يثيب منه سمّى ثواباً أم لا، ويلزمه ما سموا من الثواب، وإن لم يسموه فعليه قميته، إلا أن يرضى الواهب بدونها، لأن الهبة للثواب بيع، وإن كان لغير ثواب أو صدقة أو ميراث، فإن نوى في قوله: أشتريه، يريد الملك، حنث. وإن نوى الاشتراء أو لم تكن له نية، لم يحنث وهو على الشراء حتى ينوي الملك. 1961 - وإن قال: إن فعلت كذا أبداً فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر، ففعل، لزمه العتق إن حنث في كل ما يملكه من الصقالبة بعد يمينه من يوم حلف، إلا أن يكون نوى ما يملك من يوم حنث، فله نيته. 1962 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعبدي حر، فباعه هو أو أفلس فباعه عليه الإمام، ثم كلم فلاناً ثم ابتاع العبد، لم يحنث بذلك الكلام، وإن كلمه

بعد شرائه حنث، وإن كلمه بعد أن ورث العبد لم يحنث، إذ لا يقدر على دفع الميراث. قال غيره: شراؤه بعد بيع السلطان كميراثه إياه لارتفاع التهمة. قال ابن القاسم: ولو قبله بهبة أو صدقة أو وصية ثم كلم فلاناً عتق عليه، ولو كاتبه ثم كلم فلاناً عتق عليه، فإن كاتبه مع غيره كتابة واحدة ثم كلم فلاناً لم يعتق إلا برضى صاحبه، كما لو ابتدأ عتقه. 1963 - ولو باع العبد ثم اشتراه من تركة من يرثه ثم كلم فلاناً، فإن كان العبد قدر ميراثه أو أقل، لم يعتق عليه، وإن كان أكثر من ميراثه عتق عليه كله. 1964 - ومن حلف بحرية شقص له في عبد إن فعل كذا فابتاع باقيه ثم حنث، عتق عليه جميعه، ولو لم يبتع باقيه حتى حنث عتق عليه شقصه، وقوم عليه باقي العبد، إن كان مليئاً وعتق. 1965 - ولو باع شقصه من غير شريكه، ثم اشترى شقص شريكه ثم فعل ذلك، لم يحنث، وهو كعبد آخر. 1966 - ومن قال: إن كلمت فلاناً أو يوم أكلمه فكل مملوك لي حر، ثم كلمه، عتق عليه ما عنده من عبد يوم حلف، ولا شيء عليه فيما اشترى بعد يمينه، وكذلك إن

لم يكن عنده يوم حلف عبد فلا شيء عليه فيما يشتري بعد ذلك، وكذلك في اليمين بالطلاق والصدقة. 1967 - ومن حلف بعتق إن فعلت كذا، أو لا أفعل كذا، فهو على بر، ولا يحنث إلا بالفعل، ولا يمنع من بيع ولا وطء، وإن مات لم يلزم ورثته عتق. وإن قال: إن لم أفعل كذا، أو لأفعلن، فهو على حنث، يمنع من البيع والوطء، ولا أمنعه من الخدمة، فإن مات قبل الفعل عتق رقيقه في الثلث، إذ هو حنث وقع بعد الموت. 1968 - وإن قال لأمته: إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا، فأنت حرة، أو لزوجته: فأنت طالق، أو قال: إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر، وزوجتي طالق، منع من البيع والوطء، وهو على حنث، ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في المرأة، وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو، فأما هذا فإن الإمام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه، وتوقف لذلك الزوجة أو الأمة أو الأجنبي، فإن لم يفعلوا ذلك أُعتق عليه وطُلق، إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره، فله إكراهها ويبر. 1969 - ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وأعتقت الأمة في الثلث، وترثه

الزوجة، وقال أشهب: لا تعتق الأمة بموته في التلوم. وإن قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا، فأنت طالق، فهو على حنث، ويتوارثان قبل البر، إذ لا تطلق ميتة، ولا يوصى ميت بطلاق. وللحالف بالعتق ليضربن عبده، أن يضربه فيبر، إلا ضرباً لا يباح مثله، فإني أمنعه منه، ويعتق عليه مكانه. قال ربيعة: وإن حلف بحرية عبده ليجلدنه مائة سوط، فليوقف لا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا. 1970 - قال ربيعة ومالك: وإن حلف ليجلدنه ألف سوط عجلت عتقه، ولا أنتظر به ذلك. 1971 - قال مالك: وإن حلف بحرية أمته ليضربنها ضرباً يجوز له، مُنع من البيع والوطء حتى يفعل، فإن باعها نقض البيع، فإن لم يضربها حتى مات، عتقت في ثلثه.

قال ابن دينار: ينتقض البيع وتعتق عليه، ولا تنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق. 1972 - ومن ضرب أجلاً في يمينه لأفعلن، أو إن لم أفعل، فهو على بر. 1973 - ومن حلف بطلاق امرأته ليفعلن كذا إلى أجل، لم يُحلّ بينه وبين وطئها، فإن فعل ذلك في الأجل بر، وإن لم يفعله حتى مضى الأجل حنث، ولو طلقها واحدة فانقضت عدتها قبل الأجل أو صالحها فحل الأجل وليست له بامرأة فحنث، فإنه إن تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه، [لأنه مات على بر] . ولو ماتت في الأجل لم يكن عليه شيء، لأنه مات على بر، وإن قال: أمتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل، أو إن لم يفعل فلان كذا إلى أجل سماه، فهو على بر. 1974 - قال مالك: ولا يمنع من الوطء في الأجل، ويمنع من البيع، لأنها مرتهنة بيمين، ولو باعها ردَدْت البيع، ولم أقبل منها رضاها بالبيع.

وروي لمالك أنه يمنع من وطئها كمنعه من البيع، فإن كان الفعل في الأجل بر، وإن حل ولم يفعله هو أو من حلف على فعله، عتقت عليه، إلا أن يكون عليه دين فيقضى له بحكم المديان يعتق. ولو مات السيد في الأجل لم تعتق بموته، لأنه مات على بر. 1975 - ومن أعتق إلى أجل آت لا بد منه، منع من البيع والوطء، وله أن ينتفع بغير ذلك إلى الأجل. 1976 - ومن بتل عتق عبيده في صحته (¬1) وعليه دين يغترقهم ولا مال له سواهم، لم يجز عتقهم، وإن كان الدين لا يغترقهم بيع من جميعهم مقدار الدين بالحصص لا بالقرعة، وعتق ما بقي. وإنما القرعة في عتق الوصايا، والبتل في المرض، ولا يجوز لمن أحاط الدين بماله عتق ولا هبة ولا صدقة، وإن كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، ولا يطأ أمة ردوا عتقه فيها، لأن الغرماء إن أجازوا عتقه فيها أو أسر قبل أن يحدث فيها بيعاً عتقت، فأما بيعه ورهنه وشراؤه، فجائز. ¬

(¬1) يعني نجز عتقهم في حال عافيته، وانظر: حاشية الدسوقي (4/378) ، التاج والإكليل (6/326) .

1977 - ومن حلف بطلاق إحدى زوجتيه فحنث، أو قال: إحدى نسائي طالق، فإن نوى واحدة طلقت عليه التي نوى خاصة، وصدق، وإن لم تكن له نية أو نوى واحدة فأنسيها طلقن كلهن، وإن جحد فشُهد عليه، كان كمن لا نية له. 1978 - ومن قال: رأس من رقيقي حر، أو قال: أحدهم حر، ولم ينو واحداً بعينه، فهو مخير في عتق من شاء منهم، بخلاف الطلاق، وهو كقوله: رأس منهم في السبيل أو المساكين، فهو مخير فيمن شاء، ولو كانا عبدين فنوى أحدهما، عتق من نوى، وصدق في نيته بلا يمين، ولو قال هذا في صحته، ثم قال في مرضه: نويت هذا، صدق وعتق من جميع المال، غلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر، فيكون الفضل في الثلث. وقال غيره: بل جميعه خارج من رأس المال. 1979 - وإذا قال العبد: كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر، فعتق، ثم ابتاع رقيقاً قبل

الأجل فإنهم يعتقون [عليه] ، ولا يعتق عليه ما ملك من العبيد وهو في ملك سيده، إذ لا يجوز عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده، سواء تطوع بعتقهم، أو حلف بذلك فحنث، إلا أن يعتق وهم في يديه فيعتقوا، وهذا إذا لم يَرُدّ السيد عتقه حين عتق، فأما إن رده السيد قبل عتقه وبعد حنثه، لم يلزمه فيهم عتق، ولزمه بعد عتقه عتق ما يملك بقية الأجل. وكذلك أمة حلفت بصدقة مالها ألا تكلم أختها، فعليها إن كلمتها صدقة ثلث مالها ذلك بعد عتقها إن لم يرد سيدها ذلك حتى عتقت. قيل: فعبد قال: إن اشتريت هذه الأمة فهي حرة؟ قال: قد نهاه مالك عن شرائها، وشدد الكراهية فيه، ولم يذكر أن سيده أمر باليمين. 1980 - ومن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت إحداهما، فهي حرة. (¬1) وإن قال لأمتيه: إن دخلتما هذه الدار فأنتما حرتان، أو قال لزوجتيه: ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/366) ، والتاج والإكليل (6/333) ، والمدونة الكبرى (7/165) .

فأنتما طالقتان، [فدخلتها] واحدة منهما، فلا شيء عليه حتى تدخلا جميعاً. وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط. 1981 - ومن قال لزوجته: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، أو لعبده: فأنت حر، فقالت المرأة والعبد بعد ذلك: قد دخلناها، أو قال لهما: إن كنتما دخلتما هذه الدار فأنت طالق وأنت حر، فقالا: قد دخلنا، أو لم يُقرّا، ولا يعلم صدقهما، أو قال لعبده: أنت حر إن كنت تبغضني، فقال العبد: أنا أحبك، أو قال له: أنت حر إن كنت تحبني، فقال: أنا أبغضك، أو قال: إن كان فلان يبغضني فعلي المشي إلى بيت الله، فقال فلان: أنا أحبك، أو سأل امرأته عن خبر فقال لها: أنت طالق إن كتمتني، أو إن لم تصدقيني، فأخبرته وقالت: قد صدقتك ولم أكتمك، وهو لا يدري أكتمته ذلك أم صدقته، فإنه يؤمر في ذلك كله أن يعتق ويطلق ويمشي بغير قضاء.

1982 - ومن ملك عبده العتق وفوّض فيه إليه، فقال العبد: اخترت نفسي، فإن قال: نويت بذلك العتق، صدق وعتق، لأن هذا من أحرف العتق، وإن لم يرد به العتق فلا عتق له. وقال غيره: يعتق وغن لم يرد به العتق، كما يكون ذلك من المملّكة طلاقاً وإن لم ترده. 1983 - قال ابن القاسم: وإن قال العبد: أنا أدخل الدار، وقال: أدرت بذلك العتق، فلا عتق له، إذ ليس هذا من حروف العتق. وقال غيره: إذا قال العبد: أنا أدخل الدار، أو أذهب، أو أخرج، لم يكن هذا عتقاً، إلا أن يريد بذلك العتق فعتق، لأنه كلام يشبه أن يراد به العتق، قال ابن القاسم: وأما إن قال السيد لعبده: ادخل الدار، يريد بلفظه ذلك العتق، لزمه العتق، بخلاف قول العبد، لأن العبد مدع للعتق إذا جاء بغير حروفه كالمرأة تقول في التمليك: أنا أدخل بيتي ثم تدعي بعد ذلك أنها أرادت به الطلاق، فلا يقبل

قولها، ثم ليس للمرأة والعبد بعد ذلك خيار، وإن كانا في المجلس في قولي مالك جميعاً، لأنهما قد تركا ما جعل لهما حين أجابا بغير طلاق ولا عتاق. والقول فيمن ملّك عبده أو أمته العتق كالقول في تمليك الزوجة أن ذلك في يد المرأة والعبد ما لم يفترقا من المجلس، فإن تفرقا أو طال المجلس بهما حتى يُرى أنهما قد تركا ذلك أو خرجا من الذي كانا فيه إلى كلام غيره يعلم أنهما تركا لما كانا فيه، بطل ما جعل في أيديهما من ذلك. وهذا أول قول مالك وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة الناس، ثم رجع [مالك] فقال: ذلك لها، وإن قامت من المجلس إلا أن توقف أو تتركه يطؤها طائعة أو يباشرها ونحوه فيزول ما بيدها، وكذلك قال في العتق. 1984 - ومن قال لأمته أو لزوجته: ادخلي الدار، وهو يريد بلفظه ذلك حرية الأمة وطلاق الزوجة، لزمه ذلك، ومن أراد أن يقول لزوجته: أنت طالق، أو لأمته: أنت حرة، فقال لها: ادخلي الدار، ونحو ذلك لم يلزمه شيء حتى ينوي أن الأمة حرة والزوجة طالق بما تلفظ به من القول قبل أن يتكلم به فيلزمه، وإن لم يكن ذلك الكلام من حروف الطلاق أو الحرية. وكذلك إن قال لجاريته: أنت برية أو خلية

أو بائن أو بتة، أو قال لها: كلي أو اشربي أو تقنعي، يريد بذلك اللفظ الحرية فهي حرة. 1985 - ومن قال لرجل: أعتق جاريتي فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، وقال: أردت بذلك العتق فإنها تعتق، لأنها من حروف العتق، وغن قال: لم أرد بذلك العتق، صُدق. 1986 - ومن قال لعبده: يدك حرة، أو رجلك حرة، أُعتق عليه جميعه، وكذلك إن شهدت عليه بينة وهو يجحد، وإن قال له: أنت حر اليوم، عتق للأبد، وإن قال له: أنت حر اليوم من هذا العمل، وقال: إنما أردت عتقه من العمل ولم أرد الحرية، صدق في ذلك مع يمينه. (¬1) 1987 - ومن عجب من عمل عبده، أو من شيء رآه منه، فقال له: ما أنت إلا حر، أو قال: تعال يا حر، ولم يرد بشيء من هذا الحرية، إنما أراد بذلك: أنك تعصيني وأنت في معصيتك إياي كالحر، فلا شيء عليه في الفتيا ولا في القضاء. 1988 - قال مالك في عبد طبخ لسيده فأعجبه طبخه، فقال: إنه حر، فقامت [عله] بذلك بينة، أنه لا شيء عليه، لأن معنى قوله أنه حر الفعال. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (7/169) ، والتاج والإكليل (6/332) .

ولو مر على عاشر فقال: هو حر، ولم يرد بذلك الحرية، فلا عتق له فيما بينه وبين الله، وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضاً، إذا علم أن السيد دفع بذلك القول عن نفسه ظلماً. 1989 - ومن قال لعبده: أنت حر، أو لامرأته: أنت طالق، وقال: نويت بذلك الكذب، لزمه العتق والطلاق ولا يُنوّى، وإنما النية فيما له وجه مثل ما وصفنا من أمر العاشر ونحوه. 1990 - ومن قال لعبده ابتداء: لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك، عتق عليه، وإن علم أن هذا الكلام جواب لكلام كان قبله، صدق في أنه لم يرد بذلك عتقاً، ولم يلزمه عتقه، ومن قال لأمته: هذه أختي، أو لعبده: هذا أخي، فإن لم يرد به الحرية فلا عتق عليه. (¬1) 1991 - ومن قال لعبده: قد وهبت لك نفسك، أو عتقتك أو تصدقت عليك بعتقك فهو حر، قبل ذلك العبد أو لم يقبل. قال غيره: إذا وهبه فقد وجب العتق، فلا ينظر في هذا قبوله، مثل ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/245، 246) ، والتاج والإكليل (5/245) ، وحاشية الدسوقي (3/418) .

[الزوجة] في الطلاق إذا وهبها فقد وهب ما كان يملك من الزوجية. 1992 - ومن وهب لعبده نصف رقبته أو أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه، فجميع العبد حر وولاؤه لسيده. ولو أن عبداً بين رجلين أعتقه أحدهما عل مال أخذه من العبد، فإن أراد

وجه العتاقة عتق عليه كله، وغرم حصة شريكه، ورد المال للعبد، لأن من أعتق عبداً بينه وبين آخر، واستثنى شيئاً من ماله لزمه عتق العبد كله، ورد ما استثنى من المال إلى العبد، وإن علم أنه أراد وجه الكتابة فسخ ما صنع، ورجع العبد بينهما وأعطى نصف المال لشريكه. 1993 - وسئل ابن القاسم عمن قال لأمته: أنت حرة إن هويت أو رضيت أو شئت أو أردت، [متى يكون لها ذلك؟] قال: ذلك لها، وإن قاما من مجلسهما،

مثل التمليك في المرأة إلا أن تمكنه من وطء أو مباشرة أو قبلة، فتوقف الجارية لتختار حريتها أو تترك. ثم قال: وأما أنا فلا أرى لها بعد افتراق المجلس شيئاً، إلا أن يكون شيء فوضه إليها. 1994 - ومن قال: عبيدي أحرار إلا فلاناً، أو نسائي طوالق إلا فلانة، فذلك له. ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه استثناؤه، ولزمه العتق والطلاق. 1995 - وإن قال: غلامي حر إن كلمت فلاناً إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى غير ذلك، فذلك له، وإن قال: إلا أن يشاء الله، لم ينفعه ذلك. وإن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت معي شهراً إلا أن أرى غير ذلك، فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها، ثم أذن لها، فأكلت، فإن كان هذا الذي أراد وهو مخرج يمينه، ورأى ذلك فلا شيء عليه. وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو شاء فلان، لم تطلق عليه حتى ينظر إلى ما تشاء أو يشاء فلان، ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه ثنياه، وطلقت مكانها. 1996 - ومن أمر رجلين بعتق عبده، فأعتقه أحدهما، فإن فوض ذلك إليهما لم يعتق [العبد] حتى يجتمعا، وإن جعلهما رسولين عتق عليه بذلك. وكذلك إن أمر رجلين أن يطلقا عليه زوجته، الجواب واحد.

قال أشهب وغيره: وكذلك لو ملّك أمته مع أجنبي عتقها، فلا يعتق حتى يجتمعا على العتق، لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، فإن وطئها انتقض الأمر الذي جعل لهما. 1997 - ومن قال: يا ناصح، فأجابه مرزوق، فقال له: أنت حر، يظنه ناصحاً، فإن قامت بذلك بينة عتقا جميعاً بالقضاء: مرزوق بما شهدت له البينة، وناصح بإقراره بما نوى فيه في لفظه. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يعتق إلا ناصح إن لم تكن بينة. قال أشهب: يعتق مرزوق في القضاء والفتيا، ولا عتق لناصح، لأن الله حرمه. 1998- وإن كان عبد بين رجلين فقال أحدهما: إن كان دخل المسجد أمس فهو حر،

وقال الآخر: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، فإن ادعيا علم ما حلفا عليه [دُيّنا في] ذلك، وإن قالا: ما نوقن أدخل أم لا؟ وإنما حلفنا ظناً، فليعتقاه بغير قضاء. وقال غيره: بل يجبران على عتقه. 1999- ومن أوصى بعتق عبيده أو بتل عتقهم (¬1) في مرضه ثم مات، عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يجعلهم الثلث عتق منهم مبلغه بالسهم، فإن لم يدع غيرهم عتق ثلثهم بالسهم. 2000- وإن قال: ثلث رقيقي أحرار، أو نصفهم، أو ثلثاهم، عتق منهم ما سمي بالقرعة إن حمله الثلث، وإلا فما حمل الثلث مما سمى. 2001- وإن قال في مرضه: عشرة من رقيقي أحرار، وهم ستون، عتق سدسهم، أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل. 2002- ولو هلك عبيده إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث، وإن كثرت قيمتهم، وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالقرعة، ورق من بقي، وإن بقي منهم أحد عشر عتق منهم عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً بالسهم، إن حمل ذلك الثلث، وإن بقي منهم عشرون أعتق نصفهم بالقرعة في الثلث، وإن بقي ثلاثون أعتق ثلثهم، ¬

(¬1) أي نجز عتقهم، وانظر: الشرح الكبير (4/378) ، والمدونة الكبرى (7/181) ، والقوانين الفقهية (1/251) ، التمهيد لابن عبد البر (23/422) .

ولو سمى جزءاً، أو قال: سدسهم، لم يعتق إلا سدس من بقي، ولو بقي واحد. 2003- ولو قال: رأس منهم حر، ولم يعينه، فالسهم يعتق منهم، إن كانوا خمسة يوم يقومون، عتق خمسهم، أو ستة بعتق] سدسهم، خرج لذلك أقل من واحد أو أكثر. 2004 - وإذا انقسم العبيد على الجزء الذي يعتق منهم، جُزّئ بينهم بالقيمة وأسهمت بينهم، فأعتقت ما أخرجه السهم، وإن لم ينقسموا على الأجزاء علمت قيمة كل واحد، وكتبت اسمه في بطاقة، وأسهمت بينهم، فمن خرج منهم اسمه نظرت، فإن كانت قيمته مبلغ الجزء الذي يعتق منهم عتق، وإن زادت قيمته عتق منه مبلغه فقط، وإن نقص عتق، وأعدت السهم لتمام ما بقي من جزء الوصية، فإما يقع لذلك عبد أو بعض عبد. 2005 - ومن قال عند موته: أنصاف رقيقي أو أثلاثهم أحرار، أو ثلث كل رأس، أو نصف كل رأس، عتق من كل واحد منهم ما ذكر، إن حمل ذلك ثلثه، ولا يبدّى بعضهم على بعض، أو ما حمله ثلثه مما سمي بالحصص من كل واحد بغير سهم.

2006 - ومن قال في صحته: إن كلمت فلاناً فرقيقي أحرار، فكلمه في مرضه ثم مات، عتقوا إن حملهم ثلثه، أو ما حمل منهم بالسهم، ورق ما بقي، وهو كمن بتل عتقهم في مرضه. ولو كانت يمينه: إن لم أفعل كذا فمات، ولم يفعله فهاهنا يعتقون إن حملهم ثلثه أو مبلغه من جميعهم بالحصص بلا سهم، ويدخل معهم كل ولد حدث لهم بعد ذلك اليمين من إمائهم، فيقوّمون معهم في الثلث، وهم كالمدبرين. 2007 - ومن قال في صحته لعبده: إن دخلت أنا هذه الدار فأنت حر، فدخلها في مرضه ثم مات [منه] ، عتق العبد في ثلثه. وكذلك إن قال لامرأته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلتها في مرضه ورثته، وإن انقضت عدتها كما لو طلقها أو افتدت منه في مرضه، فإنها ترثه. وإن باع عبدك سلعتك بأمرك ثم أعتقته ثم استُحقت السلعة، ولا مال لك فلا رد للعتق، لأنه دين لحقك بعد إنجازه. 2008 - ومن أعتق في صحته عبده أو دبره أو كاتبه، وعليه دين، وله يومئذ عرض

سوى عبده فيه كفاف دينه، فلم يقم غرماؤه حتى هلك العرض، فلا رد لهم لما صنع، وإن لم يعلموا به. 2009 - وإن أعتق عبده وله مال سواء يغترقه الدين، ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه حتى أعدم، لم يبع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم لو قاموا يوم أُعتق، وهو إذا أعتق أو دبر وله مال لا يفي بدينه، بيع من العبد بما بقي من دينه بعد المال، وكان باقيه عتقاً أو مدبراً. وأما إن كاتبه وله مال لا يفي بدينه ردت الكتابة كلها، إذ لا يكاتب بعض عبد، وبيع العبد في الدين، إلا أن يكون في الكتابة إن بيعت أو بعضها كفاف الدين فتباع لذلك، ولا ترد الكتابة. 2010 - ولا يجوز لأحد الشريكين في عبد أن يكاتب نصيبه بإذن شريكه، أو بغير إذنه. وأما [إن دبره بإذنه جاز] ، فإن دبره بغير إذنه قوم عليه نصيب شريكه، ولزمه تدبير جميعه، ولا يتقاوياه.

وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة، ولكنها شيء جرى في كتبه. ومن رد غرماؤه عتقه للرقيق فلم يباعوا حتى أفاد السيد مالاً، فهم أحرار، وليس ذلك رداً للعتق حتى يباعوا. وكذلك لو باعهم السلطان، ولم ينفذ البيع حتى أيسر السيد لنفذ العتق، وبيع السلطان بالمدينة على خيار ثلاثة أيام، فإن وجد من يزيده وإلا أنفذ البيع. قيل له: ويجوز هذا البيع؟ قال: نعم. 2011 - ومن أعتق عبده وعليه دين يغترقه ولم يعلم الغرماء [بالعتق] وللعبد ورثة أحرار فمات بعضهم بعد عتقه، فلا يوارثهم، لأنه عبد حتى يعلم الغرماء بالعتق فيجيزونه، أو يفيد السيد مالاً، لأن للغرماء إجازة العتق أو رده. ولا يرث إلا من ليس لأحد أن يرده في الرق على حال. وقاله مالك في المبتل في

المرض عن مات السيد وله أموال مفترقة يخرج [العبد] من ثلثها إذا جمعت فهلك العبد قبل اجتماعها، أن ورثته الأحرار لا يرثونه، لأن العتق إنما يتم بعد جمع المال، وخروج العبد من ثلثه، لأنه لو ضاع المال كله لم يعتق من العبد إلا ثلثه، وإن بقي من المال ما لا يخرج العبد من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث، ولم يلتفت إلى ما ضاع منه. 2012 - وإذا ابتل المريض عتق رقيقه، وعليه دين، وعنده وفاء به، فلم يمت حتى هلك ماله فالدين يرد عتقه، بخلاف الصحيح، لأن فعل المريض موقوف، وذلك كوصيته بعتقهم، فإن اغترقهم الدين رقوا، وإن كان فيهم فضل عن الدين أسهم بينهم، أيهم يباع للدين، ثم أسهم بينهم فيمن يعتق في ثلث بقيتهم، فإذا أخرج السهم للدين أحدهم وقيمته أكثر من الدين، بيع منه بقدره، وأقرع للعتق، فإن خرج بقية هذا العبد وفيه كفاف الثلث أعتقت بقيته، وإن كان أكثر من الثلث أعتقت أيضاً منه بقدر الثلث، ورق باقيه للورثة، وإن لم يف بقيته بالثلث، أعتقت بقيته واعدت السهم حتى يكمل الثلث في غيره، وكذلك يعاد السهم في الدين إن خرج من لا يفي بالدين حتى يكمل الدين، وإن بيع بعض عبد، ثم يقرع للعتق كما ذكرنا، وإنما القرعة في الوصية بالعتق والبتل في المرض. 2013 - ومن رد غرماؤه فليس له ولا لغرمائه بيعهم دون الإمام، فإن فعل أو فعلوا ثم رفع إلى الإمام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق، ولو أعتق في يسره فلم يقوموا

عليه ولم يعلموا حتى أعسر، فلا رد للعتق، لأنه وقع في وقت لا يرد لو رفع، ولو أعتق في عسره فلم يقم عليه حتى أيسر لنفذ العتق، ثم إن أعسر بعد ذلك قبل القيام عليه فلا رد للعتق، وإن لم تكن علمت به الغرماء. وإذا باعهم الإمام عليه في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كانوا له رقاً، ولا يعتقون عليه. 2014 - بقال مالك:] ومن ابتاع أباه وعليه دين يغترقه لم يعتق عليه وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه، [قال مالك: يرد البيع، وقال ابن القاسم: بل يباع منه ببقية الثمن ويعتق ما بقي. وقال غيره: لا يجوز له في السُّنة أن يملك أباه

إلا إلى عتق، فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي عن ذمته نماؤه، وذكر من أعتق ما في بطن أمته] في العتق الثاني. 2015 - قال ابن القاسم: وإذا اشترى المريض عبداً محاباة فأعتقه فالعتق مبدّى على المحاباة، لأن المحاباة وصية، والعتق يبدّى على الوصايا، فإن كان قيمة العبد كفاف الثلث سقطت المحاباة، ولم يكن للبائع غير قيمة العبد من رأس المال، وإن بقي بعد قيمة العبد شيء من الثلث كان في المحاباة، وقد قال: يُبدى بالمحاباة، لأن البيع لا يتم إلا بها [فكأنه آمر بتبديتها في الثلث] فإن بقي بعده من الثلث شيء كان في العبد، أتم ذلك عتقه أم لا، [قال سحنون: وهذا القول أحسن من الأول] .

2016 - ومن بتل عتق عبده في المرض وقيمته ثلاثمائة درهم، ولا مال له غيره، فهلك العبد قبله وترك ابنة حرة، وترك ألف درهم فقد مات رقيقاً، وما ترك لسيده بالرق دون ابنته. ولو كان للسيد مال مأمون يخرج العبد من ثلثه، جاز عتقه، وكان ما ترك ميراثاً بين السيد والابنة نصفين على أحد قولي مالك، وقال غيره: لا ينظر في فعل المريض إلا بعد موته، كان ماله مأموناً أو لم يكن. 2017 -[قال ابن القاسم:] ولو احتمل المال المأمون نصف العبد، لم يعجل عتق شيء منه وإنما يعتق إذا كان المال المأمون كثيراً أضعاف قيمة العبد مراراً.

2018 - وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فليس لشريكه أن يتماسك بنصيبه أو بعتقه إلى أجل، إنما له أن يعتقه بتلاً أو يقوّم على شريكه، وغن أعتق حصته إلى أجل أو دبر أو كاتب، رد ذلك إلى التقويم، إلا أن يبتله. وقال غيره: فإن كان الأول مليئاً بقيمة نصف نصيب المعتق إلى أجل، قوّم ذلك عليه وبقي ربع العبد معتقاً إلى أجل. وقال غيره: إذا كان الأول مليئاً وأعتق الثاني إلى أجل فقد ترك التقويم، ويعجل عليه العتق الذي ألزم نفسه واستثنى من الرق ما ليس له. 2019 - قال ابن القاسم: وإن كان عبد بين مسلم وذمي فأعتق المسلم حصته، قوم عليه

كان العبد مسلماً أو ذمياً، وإن أعتق الذمي حصته وكان العبد مسلماً قوم عليه وأجبر على عتق جميعه، وإن كان كافراً لم تقوم عليه حصة المسلم، لأن العبد جميعه لو كان للنصراني فأعتقه أو أعتق بعضه لم يحكم عليه بعتقه. قال غيره: وتقوم عليه حصة المسلم. 2020 - قال ابن القاسم: [وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فأخره شريكه بالقيمة على أن زاده فيها، فذلك ربا، ومن أعتق شركاً له في عبد] بإذن شريكه أو بغير إذنه، وهو مليء، قوّم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوم القضاء وعتق عليه، وإن كان عديماً لا مال له لم يعتق عليه [غير حصته، ونصيب الآخر رق له، وإن كان مليئاً بقيمة بعض النصيب قوم عليه] منه بقدر ما معه، ورق بقية النصيب لربه، ويباع عليه في ذلك شوار بيته والكسوة ذات البال، ولا يترك له إلا كسوته التي لا بد له منها وعيشة الأيام. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/410) ، والتاج والإكليل (6/337) ، والتقييد (3/69) .

2021 - وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو مليء ثم أعتق شريكه نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه، لأنه قد أتلف نصيبه بعتقه لبعضه، ولا يقوم على الأول إلا إذا أقيم عليه العبد غير تالف، ألا ترى أنه لو مات العبد قبل التقويم لم يلزم المُعتق الأول من التقويم شيء. فإن مات المعتق لنصف نصيبه قبل أن يعتق [عليه] ما بقي، قومنا بقيته على المعتق أولاً، ولو كان العبد لثلاثة نفر فأعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصيبه وهما مليئان، فليس للباقي أن يضمن إلا الأول، فإن كان الأول عديماً، فلا يقوم على الثاني وإن كان موسراً، إذ لم يبتدئ فساداً، ولو أعتقا معاً قوم عليهما إذا كانا مليئين، وإن كان أحدهما مليئاً والآخر معسراً، قُوّم جميع باقيه على الموسر. 2022 - وإن أعتق معسر شقصاً له في عبد فلم يقوم عليه شريكه حتى أيسر، فقال مالك قديماً: إنه يقوم عليه، ثم قال: إن كان يوم أعتق بعلم الناس والعبد

والمتمسك بالرق أنه إنما ترك القيام لأنه إن خوصم لم يقوّم عليه لعدمه، فلا يعتق عليه وإن أيسر بعد ذلك، وأما لو كان العبد غائباً فلم يقدم حتى أيسر المعتق لنصيبه لقوم عليه بخلاف الحاضر. (¬1) وإن أعقت في يسره ثم قيم عليه في عسره، فلا شك أنه لا تقويم عليه. وإن أعتق حصته في يسره فقال شريكه: أنا أُقوّم عليه نصيبي، ثم قال بعد ذلك: أنا أعتق، لم يكن له إلا التقويم. 2023 - وإذا دبر أحد الشريكين جنين أمة بينهما تقاوياه بعد أن تضعه، وإن أعتق أحدهما جنينها أو دبره وأعتق الآخر نصيبه من الجارية، قُوّمت عليه، وبطل تدبير صاحبه وعتقه للجنين. 2024- وإن أعتق أحد الشريكين حصته وهو موسر، ثم باع الآخر نصيبه، نقض البيع وقوّم على المعتق، وإذا كان المعتق معسراً والعبد غائب فباع المتمسك حصته منه على الصفة وتواصفا الثمن فقبضه المبتاع [وقدم] به، والمعتق قد أيسر أو لم يقدم به إلا أن العبد علم بموضعه فخاصم في موضعه والمعتق قد أيسر، فإن البيع ينقض ويقوّم على المعتق. ¬

(¬1) انظر: المدونة (8/300) ، والتاج والإكليل (6/338) ، ومواهب الجليل (6/338) .

وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقوّم عليه حتى مرض، قوّمنا عليه حصة شريكه في الثلث. وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض، فليعتق بقيته في ثلثه. قال غيره فيهما: لا تقويم لباقيه في الثلث، غذ لا يدخل حكم الصحة على حكم المرض. قالا: وإن لم يعلم بذلك إلا من بعد موته، لم يعتق منه إلا ما كان أعتق، ولا تقويم على ميت، وكذلك لو أفلس. وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر فرفع إلى الإمام فلم يقوم عليه لعسره، ثم أيسر بعد ذلك فاشترى حصة شريكه، لم يعتق عليه. ولو رفع ذلك إلى الإمام فلم يقوّم عليه ولا نظر في أمره حتى أيسر، لقوّم عليه. 2025- وإذا أعتق أحد الشريكين وشريكه غائب، فإن كانت غيبته قريبة لا ضرر على العبد فيها كتب إليه فإما اعتق أو قوم، وإن بعدت غيبته قومناه على المعتق إن كان مليئاً ولم ينتظر قدومه. 2026 - ومن أعتق شقصاً من عبد يملك جميعه أو بعض أم ولده عتق عليه باقيهما.

2027 - ومن أعتق نصف عبد ثم فُقد السيد، لم أعتق باقيه في ماله وأوقفت ما رُقّ منه، كإيقافي لماله إلى أمد لا يحيى إلى مثله، فيكون لوارثيه يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبيل ذلك فيكون لوارثيه يوم صحة موته. 2028 - وإذا أعتق المريض شقصاً له في عبد أو نصف عبد يملك جميعه، فإن كان ماله مأموناً عتق عليه الآن جميعه وغرم قيمة نصيب شريكه، وإن كان ماله غير مأمون لم يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه غلا بعد موته فيعتق جميعه في ثلثه، ويغرم قيمة نصيب شريكه، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورُق ما بقي، فإن عاش لزمه عتق بقيته. ولو أوصى المريض بعتق نصيبه بعد الموت لم يقوم عليه نصيب صاحبه كان ماله مأموناً أو غير مأمون. ولو بتل في مرضه عتق عبده كله وماله مأمون عجل عتقه وتمت حريته في جميع أحكام الأحرار من الموارثة والشهادة وغيرها، وإن لم يكن ماله مأموناً وكان يخرج من الثلث، لم يعجل عتقه ووقف وكان له حرمة العبد حتى يعتق بعد موت سيده في ثلثه، وليس المال المأمون عند مالك إلا في الدور والأرضين والنخل والعقار. ولمالك قول ثان في المبتل في المرض، أن حكمه حكم العبد حتى يعتق بعد الموت في الثلث، وقد رجع عنه مالك إلى ما وصفنا. وإذا أعتق المريض عبده جاز ذلك على ورثته إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورق ما بقي.

2029 - وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر أو كان موسراً فلم يقوّم عليه حتى مات العبد عن مال، فالمال للمتمسك بالرق دون المعتق ودون ورثة العبد الأحرار، لأنه [يحكم عليه] بحكم الأرقاء حتى يعتق جميعه، ولا تقوم بقية العبد بعد موته على المعتق وإن كان مليئاً. (¬1) 2030 - وإن مات العبد وترك مالاً ولرجل فيه الثلث ولآخر فيه السدس ونصفه حر، فالمال بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق، وإن كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه، وكاتبه الثاني وتمسك الثالث بالرق، فمات العبد فميراثه بين الذي تمسك بالرق، وبين الذي كاتب على أن يرد ما كان أخذ من كتابته قبل موته، وقاله ربيعة ومالك. 2031 - وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من العبد إلى أجل، قوم عليه الآن ولم يعتق عليه حتى يحل الأجل، وقال غيره: إن شاء تعجل القيمة أو أخرها. ¬

(¬1) انظر: مختصر خليل (278) ، والتقييد (3/73) .

2032 - قال ابن القاسم: وإن مات العبد عن مال قبل التقويم، أو قتل، فقيمته وما ترك من المال بينهما، لأن عتق النصف لم يتم حتى يمضي الأجل. وإن أعتق أحد الشريكين جنين أمة بينهما وهو موسر، قوم عليه بعد أن تضعه، وإن ضرب رجل بطنها فألقته ففيه ما في جنين الأمة، وما أخذ فيه فبينهما دون أخوته الأحرار، إذ لا تتم حريته إلا بالوضع. 2033 - ومن أعتق ما في بطن أمته في صحته، فولدت في مرضه، أو بعد موته، فذلك من رأس المال، كمعتق إلى أجل حلّ حينئذ، بخلاف الحانث في مرضه بيمين عقدها في صحته. ومن اشترى نصف ابنه أو نصف من يعتق عليه من رجل يملكه جميعه أو كان لرجلين، فاشترى نصفه بإذن من له بقيته أو بغير إذنه، أو قبله من واهب أو موص أو متصدق، أو ملكه بأمر لو شاء أن يدفعه عن نفسه فعل، فإن هذا يعتق عليه ما ملك منه ويقوم عليه بقيته إن كان مليئاً، وإن كان معسراً لم يعتق منه إلا ما ملك ويبقى باقيه رقيقاً على حاله يخدم مسترق باقيه بقدر ما رق منه ويعمل لنفسه بقدر ما عتق منه، ويوقف ماله في يديه، وكذلك

إن ابتعت أنت وأجنبي أباك في صفقة، جاز البيع، وعتق عليك وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه. وأما من ورث شقصاً ممن يعتق عليه فلا يعتق منه إلا ما ورث فقط ولا يقوم عليه باقيه، وغن كان مليئاً، لأنه لا يقدر على دفع الميراث. 2034 - ومن وهب لصغير أخاه فقبله أبوه، جاز ذلك وعتق على الابن، ومن أوصى لصغير بشقص ممن يعتق عليه أو ورثه فقبل ذلك أبوه أو وصيه، فإنما يعتق ذلك الشقص فقط، ولا يقوم على الصبي بقيته ولا على الأب الذي قبله ولا على الوصي. وغن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي فهو حر على الصبي. وكل من جاز بيعه وشراؤه على الصبي، فقبوله له الهبة جائز، وكذلك في الأب والوصي. (¬1) وإذا ملك العبد المأذون له من أقاربه من يعتق على الحر، لم يبعهم إلا بإذن السيد، وهو لا يبيع أم ولده إلا بإذنه. وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له. وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له. وإذا اشترى المأذون له من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عتقوا عليه والعبد لا يعلم بهم، فإنهم يعتقون، إلا أن يكون على المأذون دين يغترقهم. * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (7/196) ، والتاج والإكليل (6/26) .

(كتاب العتق الثاني)

(كتاب العتق الثاني) 2035- قال مالك: ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد وإن سفلوا، وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب أو الأم وإن بعدوا، وإخوته دنيا لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله. قال ابن شهاب: فإن مات قبل عتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم. قال مالك - رحمه الله -: ولا يعتق عليه غير هؤلاء من ذوي الأرحام ممن يحرم أو لا يحرم، ولا ممن يحرم بالصهر أو بالرضاع ويبيعهم إن شاء، ولا يعتق عليه عم ولا عمة ولا أبناؤهم ولا خال ولا خالة، ولا بنو أخ ولا بنو أخت، ولا أمة كان تزوجها فولدت منه ثم اشتراها بعدما ولدت، وأما إن اشتراها وهي حامل منه فوضعت عنده بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر، كانت به أم ولد.

2036 - قال المشيخة السبعة: إذا ملك الوالد ولده أو ملك الولد والده عتق عليه، وما سوى ذلك من القرابة فيختلف الناس فيه. 2037 - قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه بالخيار له أو للبائع، لم يعتق عليه إلا بعد زوال الخيار، لأن البيع لا يتم بينهما إلا عبد الخيار. وإذا كان الخيار للبائع فهو أبين، وكل سواء. وعمة أمك محرمة عليك، لأنها أخت جدك لأمك، وأجدادك لأمك لو كانوا نساء كن محرمات عليك، وكذلك أخواتهم، وجداتك لأمك وأخواتهن محرمات عليك بمنزلة خالاتك، وإنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا. 2038 - وإذا اشترى عبد غير مأذون له من يعتق على سيده لم يجز له شراؤه بغير إذن السيد بخلاف المأذون، ولا يجوز للأب أن يشتري بمال ابنه لابنه من يعتق على الابن ولا يتلف مال ابنه. 2039 - وإن أعنت رجلاً بمال في شرائه [به] أباك، لم يعتق عليه ولا عليك، ويبقى رقاً لمشتريه. 2040 - ومن قال لعبده: أنت حر إذا قدم أبي، فذلك يلزمه، ولا يعتق عليه حتى يقدم

أبوه. قال مالك - رحمه الله -: ويوقف لينظر أيقدم أبوه أم لا، وكان يُمرّض في بيعه. وأجاز ابن القاسم بيعه ووطأها إن كانت أمة، وقال: هي في هذا كالحرة يقول لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فله وطؤها ولا تطلق عليه حتى يقدم فلان. وأما من أعتق إلى أجل آت لا بد منه، كقوله لأمته: أنت حرة على شهر أو إلى سنة أو إذا مات فلان أو إذا حضت، فهو ممنوع من الوطء والبيع، وله أن ينتفع بغير ذلك حتى يحل الأجل فتعتق، ولا يلحقها دين، وهي إن مات حرة من رأس ماله بعد أن يخدم الورثة بقية الأجل، بخلاف المدبرة، لأن المدبرة توطأ ويلحقها الدين. 2041 - ومن قال لأمة يطؤها: إذا حملت فأنت حرة، فله وطؤها في كل طهر مرة، قال يحيى بن سعيد وغيره: لا يطأ التي أعتق إلى أجل أو التي وهب خدمتها إلى أجل.

2042 - ومن قال لعبده: إن جئتني، أو متى ما جئتني، أو متى بما] أديت إلي، [أو إذا أديت غلي] ، [أو إن أديت إلي] ألف درهم، فأنت حر، فإنه إذا أتى بألف درهم أعتق، وإن لم يأت بها فهو عبد، ويتلوم له فيها، ولا ينجم عليه، وليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان له بقدر ما يرى، كمن قاطع عبده على مال إلى أجل فمضى الأجل قبل أن يؤديه فيتلوم له الإمام، وإن دفع الألف درهم عن العبد رجل أجنبي، جبر السيد على أخذها وأعتق العبد. ولو دفع العبد ذلك إلى السيد من مال كان بيد العبد فقال السيد: ذلك المال لي، فليس له ذلك، لأن العبد ههنا كالمكاتب يتبعه ماله، ويمنع السيد من كسبه أيضاً. 2043 - ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ولدين في بطن واحد، عتق أولهما خروجاً، فإن خرج الأول ميتاً فلا عتق للثاني. وقال ابن

شهاب: يعتق الثاني، إذ لا يقع على الميت عتق. وقال النخعي: من قال لأمته: إن ولدت غلاماً فأنت حرة، فولدت غلامين فالأول رقيق، وهي والآخر حران، وإن كان الأول جارية فهي حرة دون الولدين. وقال ابن شهاب: وإن قال: أول بطن تضعينه حر، فوضعت توأمين فهما حران. 2044 - ومن قال لأمته في صحته: كل ولد تلدينه حر، لزمه عتق ما ولدت. واستثقل مالك بيعها، وقال: كيف لها بوعده، وأنا أرى بيعها جائز، إلا أن تكون حاملاً حين قال ذلك أو حملت بعد قوله، أو يقول: ما في بطنك حر، أو إذا وضعتيه فهو حر، فإن الأم لا تباع حتى تضع، إلا أن يرهقه دين فتباع [فيه] ويرق الجنين. ولو ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولا دين على السيد، وقد أشهد على قوله في صحته عتق من رأس المال، لأنه كمعتق إلى أجل، هذا إذا كان الحمل في

الصحة، وأما إن حملت به في مرض السيد فولدته في مرضه أو بعد موته فهو من الثلث، لأن المريض إذا أعتق على أجل فإنما هو من الثلث، والأول كمعتق في صحته إلى أجل فهو من راس المال كمنت قال لعبده في صحته، إذا وضعت فلانة فأنت حر، فوضعت والسيد مريض أو بعد موته، فإن العبد حر من رأس المال. 2045 - وإن أعتق ما في بطن أمته أو دبره وهي حامل يومئذ فما أتت به من ذلك الحمل إلى أقصى حمل النساء فحر أو مدبر، ولو كان لها زوج ولا يعلم أن بها حملاً يوم عتقه، فلا يعتق ههنا إلا ما وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم العتق، كالمواريث إذا مات رجل فولدت أمه بعد موته من غير أبيه ولداً فهو أخوه لأمه، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم موته لم يرثه، وإن كان لأقل ورث، ولو كانت الأمة وقت العتق ظاهرة الحمل [من زوج] أو غيره، عُتق ما أتت به ما بينها وبين أربع سنين. وقال غيره: إن كان الزوج مرسلاً عليها وليست بينة الحمل، نظرت إلى حد ستة أشهر، وغن كان غائباً أو ميتاً نظرت، فما ولدته إلى أقصى حمل النساء فهو حر، وقال أشهب: لا يسترق الولد بالشك. والتي يعتق ما في بطنها في صحة السيد لا تباع وهي حامل، إلا في قيام

[الغرماء] بدين استحدثه قبل عتقه أو بعده، فتباع إذا لم يكن له غيرها، ويرق جنينها، إذ لا يجوز استثناؤه، فأما إن قام الغرماء بعد الوضع فانظر فإن كان الدين بعد العتق أعتق الولد من رأس المال ولدته في مرض السيد أو بعد موته، وتباع الأم وحدها في الدين ولا يفارقها، وإن كان الدين قبل العتق بيع الولد للغرماء إن لم تف الأم بدينهم، ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتاً ففيه عقل جنين أمة، بخلاف جنين أم الولد من سيدها تلك، في جنينها عقل جنين الحرة، لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع، وجنين أم الولد حر حين حملت به. 2046- ومن أعتق أمة حاملاً أعتق جنينها، وإن لم يذكره ولا مرد له فيه. قال ربيعة: ولو استثناه كان حراً، ولم ينفعه [استثناؤه] . قيل: فمن وهب ما في بطن أمته لرجل أو تصدق به عليه أو أوصى له به ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل آخر أو أعتقها هو أو وارثه بعد موته؟ قال: فالعتق أحق، ويعتق جنينها وتسقط هبته وغيرها. (¬1) 2047- وإن وهب عبداً أو تصدق به على رجل أو أخدمه إياه حياته ثم أعتقه المعطي قبل حوز المعطى جاز العتق وبطل ما سواه، علم المعطى بالهبة والصدقة ¬

(¬1) انظر: التقييد (3/77، 78) ، ومنح الجليل لعليش (9/450، 452) .

أو لم يعلم، ولو وهبه لغيره أو تصدق به فالأول أحق به وإن حازه الآخر، إلا أن يموت الواهب قبل قيام الأول فيبطل حقه ويصح قبض الثاني. وقال أشهب: بل الثاني أحق إذا حاز، وإن لم يمت الواهب. 2048 - ومن وهب عبداً أو تصدق به فقتل العبد قبل الحوز، فقيمته للمعطى وماله للمعطي، إلا أن يكون أدخل ماله معه في الهبة وشرطه، فيكون أيضاً للمعطي كالبيع. 2049 - ومن أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً ثم امتنعت، فهي حرة، ولا يلزمها النكاح إلا أن تشاء، وكذلك إن قال رجل لرجل: خذ ألف درهم على أن تعتق أمتك وتزوجنيها، فأعتقها، فهي حرة، ولها أن لا تنكحه، والألف لازمة للرجل.

2050 - وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه. (¬1) ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقاً ولا الصبي. 2051 - ومن حلف بعتق عبيده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء عليه. 2052 - وإن قال صبي: كل مملوك حر إذا احتملت، فاحتلم فلا شيء عليه. ولا يجوز على المكره عتق ولا بيع ولا شراء ولا وصية ولا نكاح ولا طلاق ولا شيء من الأشياء، وإكراه السلطان وغيره سواء، والتهديد بالقتل أو بالضرب والتخويف الذي لا شك فيه إكراه، والضرب إكراه، والسجن إكراه، وإكراه الزوج زوجته إكراه بضرب أو بضرر، وإن افتدت منه بشيء [على ذلك] رده. 2053 - وإن دفع العبد مالاً لرجل وقال له: اشترني لنفسك، أو دفعه إليه على أن يشتريه ويعتقه ففعل الرجل ذلك، فالبيع لازم، فإن كان المشتري استثنى مال العبد، لم يغرم الثمن ثانية، [وإن يستثنه فليغرم الثمن ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/326) .

ثانية] للبائع ويعتق الذي اشترط العتق. ولا يتبعه الرجل بشيء ويرق له الآخر، وإن لم يكن للمشتري مال بيع الرقيق عليه في الثمن، وكذلك يباع العتيق في ثمنه إلا أن يفي بيع بعضه بالثمن، فيعتق بقيته، ولو بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كان في ذمة الرجل. 2054 - وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسداً فقد تم عتقه ولا يرده، ولا يتبعه السيد بقيمته ولا بغيرها، بخلاف شراء غيره إياه، إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير، فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: هو حر ولا شيء عليه. 2055 - وإن باعه من أجنبي بخمر أو خنزير أو بما لا يحل له فأعتقه المبتاع، جاز عتقه ولم يرد، ولزم المبتاع قيمته يوم قبضه. 2056 - ومن قال لعبده: أنت حر الساعة بتلاً وعليك مائة دينار إلى أجل كذا، فقال

مالك وأشهب: هو حر الساعة ويتبع بالمائة أحب أم كره، وقال ابن القاسم: هو حر ولا يتبع بشيء. وقاله ابن المسيب. (¬1) 2057 - قال مالك: وإن قال له: أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار، لم يعتق غلا بأدائها. قال ابن القاسم: وللعبد أن لا يقبل ذلك ويبقى رقيقاً، ذكر السيد أجلاً للمال أو لا. ولو قال: على أن تدفع [إلي] مائة دينار إلى سنة، فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل: حر الساعة، ولا أراد ذلك، لم يعتق [العبد] إلا بالأداء عند الأجل، ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رُقّ. وقوله: إن جئتني بكذا إلى أجل كذا فأنت حر، من القطاعة، ومن ناحية الكتابة، ويتلوم له كالمكاتب، وليس له بيعه. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/406) ، التاج والإكليل (6/353) ، ومواهب الجليل (6/353) ، والمدونة (7/211) .

2058 - ومن قال لأمته: إن أديت إلي ألف درهم إلى عشر سنين فأنت حرة، فما ولدت في هذه المدة فبمنزلتها، إن أدت فعتقت عتقوا معها، وكذلك إن لم يضرب أجلاً فولدته ثم أدت الألف، فولدها حر معها، لأن مالكاً قال: كل شرط كان في أمة فما ولدت [من ولد] بعد الشرط أو كانت حاملاً به يوم شرط لها ذلك، فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها، وكذلك إن قال: أنت حرة إن لم أفعل كذا إلى أجل كذا، فتلد قبل الأجل، فهو بمنزلتها إذا عتقت وليس له بيعها ولا بيع ولدها. 2059 - وإن قال لعبده: إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر، فمضى اليوم ولم يؤد شيئاً فلا بد من التلوم به، وإن قال له: إن أديت إلي كذا فأنت حر، فأدى بعضه أو لم يؤد بعضه أو لم يؤد شيئاً، ثم وضع عنه السيد ما عليه عتق مكانه، كالمكاتب يضع عنه السيد كتابته. 2060 - وإن قال له: إن أديت إلى ورثتين أو إذا أديت، [أو أد إليهم] [مائة دينار] ،

وأنت حر، ثم مات، فإن حمله الثلث وأدى المائة عتق، ويتلوم له الإمام في الأداء على قدر ما يرى توزيعه عليه كالموصي إن كاتب عبده ولا سمى ما يكاتب به، أن الإمام يجتهد له في قدر ما يكاتب به وينجه عليه على قدر ما يرى انه أراد من إرفاقه، فإن تلوم له وأيس منه أبطل الوصية، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ما قال الميت، أو ابتال محمل الثلث منه الساعة. 2061 - ومن أعتق عبده أو أمته ثم جحد العتق، فاشتغل واستخدم ووطئ الأمة زماناً، ثم قامت عليه بالعتق بينة وهو يجحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم عليه بالعتق، وإن أقر بذلك ولم ينزع فليرد الغلة على العبد ويعطيه قيمة خدمته ويحد في وطئه الأمة، كمن ابتاع حرة وهو يعلم بها فأقر بوطئها ولم ينزع، فإنه يحد ويغرم الصداق. [وقد] قال مالك فيمن حلف في سفره بعتق عبده إن فعل كذا ثم قدم المدينة ففعله وحنث، ثم استغل العبد ثم مات فكاتبه ورثته وقبضوا بعض النجوم وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم،

ثم قدمت بعد ذلك بينة علمت بيمينه فإنه يقضى بعتق العبد الآن ولا رجوع له بغلة ولا كتابة. 2062 - قال ابن القاسم: وكذلك إن جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك وهو جاحد، فلا شيء عليه، وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين بخلاف السيد. وقال غيره: إذا جحد السيد العتق فأثبت عليه ببينة، فعلى السيد رد الغلة إليه وله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح له أو عليه مع الأجنبي أو مع السيد، ذلك سواء. 2063- ومن أعتق عبداً من الغنيمة وله فيها نصيب، لم يجز عتقه، وإن وطئ منها أمة حد، أو سرق منها بعد أن يحرز قطع، وقال غيره: لا يحد للزنا

ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم، لأن حقه فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال، لأنه لا يورث عنه. 2064 - وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه، قضي عليه بعتقه، لأنه حكم بين مسلم وذمي. وفي كتاب المدبر ذكر مدبر الذمي يسلم، ولو دخل إلينا حربي بأمان فكاتب عبداً له نصرانياً ثم أراد أن يرده إلى الرق أو يبيعه، فذلك له إلا أن يرضى أن يحكم عليه بحكم الإسلام، فيحكم عليه بحريته، وكذلك إن أعتق نصفه، وبقيته له أو لغيره فلا يقضى عليه بالعتق ولا يقوم عليه حصة شريكه، وكذلك لو كاتب عبده أودبره ثم اراد بيعه لم يمنع، إلا أن يسلم العبد، وهو بيده فيؤاجر المدبر وتباع كتابة المكاتب. قيل له: فإن بتل النصراني عتق عبده النصراني [أو دبه] أو حلف بذلك ثم أسلم فحنث؟ قال: إن حنث في يمينه بذلك في نصرانيته ثم أسلم أو حنث بعد إسلامه، فلا شيء عليه، [وكذلك] جميع أيمانه. 2065 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين ثم هو حر، ثم استدان السيد قبل أن يقبضه المخدم فالغرماء أحق بالخدمة ويؤاجر لهم، وإن لم يقم الغرماء حتى بتل الخدمة للذي جعل بها

له فلا سبيل للغرماء على الخدمة، والعتق في الوجهين نافذ إلى أجله، لا سبيل للغرماء عليه، وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب هبة أو أعطى عطية فلم يبتلها للمعطي حتى لحقه دين، كان الغرماء أولى بذلك. 2066 - ومن اعتق عبده وللعبد على السيد دين، فله أن يرجع به على سيده إلا أن يستثنيه السيد [أو يستثني ماله مجملاً، فيكون ذلك له، لأن العبد إذا أعتق تبعه ماله] . قال ربيعة: علم السيد بمال العبد أو جهله، إلا أن يستثنيه سيده. قال أبو الزناد: وتتبع العبد سريته كان أولدها بإذن السيد أو بغير إذنه، وأما ولدها منه فرق للسيد، وإذا كان بعض العبد حر، فليس لمن ملك بقيته أن ينتزع ماله وهو موقوف بيده وله بيع حصته، ويحل المبتاع في مال العبد محل البائع، فإن عتق العبد يوماً ما تبعه ماله، وإن مات كان ماله للمتمسك بالرق خاصة، دون الذي أعتق، لأنه لا يورث بالحرية حتى تتم حريته. 2067 - ومن مثل بعبده أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم ولده، عتقوا عليه. (¬1) وكذلك إن مثّل بعبد لابنه الصغير فإنه يعتق عليه إن كان ملياً، ويغرم قيمته للابن، فإن قطع أنملة من أصبع عبده عمداً أو حرق شيئاً من جسده بالنار على وجه ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/167) ، والتاج والإكليل (6/335) ، ومواهب الجليل (6/336) ، والمدونة (7/218) ، الكافي لابن عبد البر (1/511) .

العذاب أو أخصاه، قال ربيعة: أو قطع حاجبيه، قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالبرد أو قلعهما على وجه العذاب، فهي مثلة يعتق بها. [وكذلك] قال مالك في امرأة كوت فرج أمها بالنار، فإن كان على وجه العذاب فانتشر وساءت منظرته عتقت عليها، وإن لم يتفاحش [ولم] تقبح منظرته، لم تعتق، وكذلك إن كوى عبده مداوياً أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة أو فقء عين، فلا يعتق به، وإنما يعتق بما تعمده به. قال ربيعة: يعتق بالمثلة المشهورة. وقال يحيى بن سعيد: ويعاقب من فعل ذلك. 2068 - قال ابن القاسم: وإن جز رؤوس عبيده ولحاهم، فليس بمثلة، وإن مثل بمكاتبه عتق عليه، وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه، فيكون عليه من ذلك ما يكون على الأجنبي، ويقاص بالأرش في الكتابة، فإن ساواها عتق، وإن أنافت عليه الكتابة عتق، ولا يتبع ببقيتها، وإن أناف الأرش عليها أتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق عليه، وإن مثل بعبد مكاتبه

عتق عليه وكان عليه ما نقصه إلا أن تكون مثله مفسدة، فإنه يضمنه ويعتق عليه. وكذلك في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده. 2069 - ومن أجر أو أخدم عبده سنة ثم أعتقه قبل السنة، لم يعتقعليه حتى تمضي السة، وإن مات السيد قبل السنة لم تنتقض الإجارة والخدمة بموته، ويعتق العبد بعد السنة من رأس ماله، إلا أن يترك المستأجر أو المخدم للعبد بقية الخدمة، فيعجل عتقه. 2070 - ومن حاز صغيراً حيازة الملك وعرفت حيازته له وخدمته إياه ثم كبر فادعى الحريةن فلا قول له. وكذلك إن ادعى الحرية في صغره وقد تقدم له فيه حوز [وخدمة] ، فهو له عبد، وإن كان إنما هو متعلق به ولم يعلم له فيه حوز، فالصبي مصدق. 2071 - ومن بيده عبد يدعيه فقال العبد: أنا لفلان، فهو لحائزه دون فلان، وكذلك إنأقر العبد بثوب بيده أنه لفلان، لم يصدق، وهو لرب العبد إن ادعاه، لأن حوز عبده كحوزه، إلا أن يقيم فلان بينة. ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلّفه، وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه،

وكذلك من أعتق عبده ثم قضى على السيد بدين تقدم العتق بشاهد ويمين، فذلك يرد به العتق. 2072 -[ومن] ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة شهدت أنه عبده، أحلفه القاضي بالله أنه ما باع، ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ومن ادعى بيد رجل عبداً أو حيواناً أو عرضاً بعينه، وذلك كله غائب وأتى ببينة تشهد أن ذلك له، فإن وصفت البينة ذلك وعرفته وحلته، سمعت البينة وقضيت له به. 2073 - ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده، فلا شيء له عليه إلا أن يقيم بينة أنه غصبه، لأن الرجل يقول: اشتريت من سوق المسلمين، فلا شيء عليه. وإذا بلغ اللقيط فأقر بالملك لرجل لم يصدق وهو حر، وإن قال ملتقطه: إنه عبدي، لم يصدق إلا ببينة وهو حر. قال عمر بن عبد العزيز: اللقيط حر ونفقته من بيت المال. 2074 - وإذا شهد وارثان أن الميت كان قد أعتق هذا العبد، فإن كان معهما في الورثة

نساء والعبد يُرغب في ولائه، لم تجز شهادتهما، وإن لم يكن في الورثة نساء وكانوا رجالاً كلهم يرثون ولاءه، جازت شهادتهما، وإن كان عبداً لا يُرغب في ولائه جازت الشهادة، كان [في] الورثة نساء أم لا. 2075- وإن شهد أحد الورثة أو أقر أن أباه كان أعتق هذا العبد في صحته أو في مرضه، والثلث يحمله، وأنكر ذلك بقيتهم، لم تجز شهادته ولا إقراره ولا يقوم عليه، إذ ليس هو المعتق فيلزمه التقويم وجميع العبد رقيق. 2076- ويستحب للمدبر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها ويكون ولاؤها لأبيه ولا يجبر على ذلك، وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة، فإن لم يجد ففي آخر نجوم مكاتب، وكذلك في إقرار غير الولد من سائر الورثة. 2077 - ولو ترك الميت عبيداً سواه فقال الورثة: لا نبيع ولكن نقسم، فذلك الذي ينبغي إن انقسم العبيد، فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه عتق كله بالقضاء، وكذلك لو اشترى عبداً ردت شهادته في عتقه أو ورثه عتق عليه. 2078 - وإن ترك الميت عبيداً سواه وترك ابنين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا، وقال الآخر: بل هذا، قسمت العبيد أيضاً، فمن وقع في سهمه العبد الذي أقر بعتقه عتق عليه ما حمل الثلث منه، وإن لم يقع له فليخرج مقدار نصف

ذلك العبد إذا كان ثلث الميت يحمله فيجعل ذلك في رقبة أو يعين به فيها ولم يأمره هاهنا بالبيع لانقسام العبيد، وأما ما لا ينقسم فعلى ما ذكرنا في العبد الواحد. 2079 - قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد: أعتقته أمس على مال وقال العبد على غير مال، فالقول قول العبد، ويُحلّف كما تحلف الزوجة للزوج. قال أشهب: القول قول السيد ويحلف، لأني أقول: لو قال لعبده: أنت حر وعليك مائة دينار، لزمته، ولو قال لزوجته: أنت طالق وعليك مائة دينار كانت طالقاً ولا شيء عليها. [ومن] أقر في مرضه أنه كان أعتق عبده في مرضه ذلك فهو من ثلثه

لأن ذلك وصية، ومن أقر في مرضه أنه كان فعله في صحته، فلم يقم عليه المقر لهم حتى مرض أو مات، فلا شيء لهم، وإن كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إن قامت عليه بينة بعد موته أنه أقر بذلك في صحته لزمه العتق في رأس ماله، وأخذت الكفالة من ماله، كانت لوارث أو لغير وارث، لأنه دين قد ثبت في ماله في الصحة. 2080 - قال ابن القاسم: وإن شهد رجل أن شريكه في العبد أعتق حصته والشاهد موسر أو معسر، فإن المعتق إن كان موسراً فنصيب الشاهد حر، لأنه أقر أن ماله على المعتق قيمة، وإن كان معسراً لم يعتق من العبد شيء. وقال غيره: ذلك سواء ولا يعتق منه شيء. قال سحنون: وهذا أجود، وعليه جماعة الرواة، وقاله عبد الرحمن أيضاً.

وإن شهد رجلان أن فلاناً أعتق عبده فأعتقه السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما لم يرد الحكم، وضمنا قيمته للسيد، ولو ردت شهادتهما ثم اشتراه أحدها عتق عليه، قال أشهب: هذا إن أقام على قوله بعد الشراء، وأما إن جحد وقال: كنت كاذباً، لم يعتق عليه. 2081 - وإن ادعى عبد على سيده أنه أعتقه، فلا يمين له عليه، وكذلك إن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، وإن قام شاهد عدل للزوجة بالطلاق أو للأمة بالعتق، أو شهدت بذلك امرأتان ممن تقبلان في الحقوق للزوجة والأمة، مثل أن لا يكونا من الأمهات أو البنات أو الأخوات أو الجدات أو العمات أو الخالات، أو من هو منها بظنة، وهذا بخلاف غيره من الحقوق، فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة مع الشاهد ولا مع المرأتين، ولكن يحلف الزوج والسيد، ويوقف الزوج عن امرأته، والسيد عن عبده [وأمته] حتى يحلف.

قال [مالك:] فإن نكل [لزمه] الطلاق والعتق، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف. قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إلي. وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلى سبيله ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. وإن شهدت بذلك للمرأة أختها وأجنبية لم تجز الشهادة. 2083 - وإن أقام العبد بعد موت سيده شاهداً أنه أعتقه لم يحلف مع شاهد، وكان رقيقاً، وعلى كل كبير من الورثة اليمين أنه ما علم أن الميت أعتقه. وإن شهد للأمة بالعتق زوجها [ورجل] أجنبي، لم تجز الشهادة.

2084 - وإن شهد شاهد لعبد أن سيده بتله في الصحة وشهد آخر أنه دبره فقد اختلفا، ولا تجوز شهادتهما. قال غيره: لأن هذا صرفه إلى الثلث، وهذا إلى رأس المال، ويحلف السيد مع كل واحد منهما فإن نكل سجن. وإن قال أحدهما: أعتقه بتلاً، وقال الآخر: إلى أجل، فقد اتفقا في العتق، ويحلف السيد مع شاهد البتل، فإن أقرّ عجل عتق العبد، وإن حلف عتق [العبد] إلى الأجل، وإن نكل عن اليمين سجن، وإن شهد شاهد أن هذا الميت عبد فلان وأنه أعتقه، وشهد آخر أنه عبده وأنه كاتبه، فشهادتهما جائزة على إثبات الرق، لأنهما اجتمعا عليه. وما اختلف فيه من الكتابة والعتق، لم تجز شهادتهما فيه. وإن شهدت بينة أن هذا عبد فلان أعتقه وشهدت بينة أخرى أنه لفلان رجل آخر [ملكاً] وتكافأ، قضيت بحريته، لأن العتق حيازة إلا أن يأتي الآخر بما هو أثبت. قال غيره: وهذا

إذا لم يكن العبد في حوز أحدهما. وقال ابن القاسم: بل لو كان في حوز من شهد له بالملك فقط لقضيت بحريته، لأنه عبد قامت له بينة أنه حر، وأما لو قامت بينة الذي ليس هو في يديه أنه عبده كاتبه أو دبره، لقضي لحائزه بملكه وبطل ما سوى ذلك. قال غيره: هو [لمن هو] في يديه في ذلك كله، إذ لا يصح عتق حتى يثبت الملك، وإذ لو أقام كل واحد منهما بينة أنه وُلد عنده [وتكافأ لقضيت به لحائزه، وتسقط بينة المدعي إذ لم يثبت له ملكه، ولا عتق إلا بعد ثبات الملك. أرأيت لو قالوا: ولد عنده] وأعتقه، أكان العتق يوجب له ما لم يملك. أرأيت لو شهدت بينة الحائز أنه يملكه منذ سنة وشهدت بينة المدعي أنه يملكه منذ عشرة أشهر، وأنه أعتقه، أكان العتق يوجب له الملك. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/224) ، والتقييد (3/91) .

(كتاب التدبير)

(كتاب التدبير) 2085 - والتدبير لازم لموجبه على نفسه في يمين، أو بغير يمين، فمن قال: إن اشتريت هذاالعبد فهو مدبر فابتاع بعضه فذلك البعض مدبر ولشريكه أن يقاويه. قال [سحنون] : أو يقوم عليه أو يتماسك، لأنه يقول: لا أخرج عبدي

من يدي إلى غير عتق ناجز. قيل: فمن قال في صحته لعبده: أنت حر يوم أموت، قال: قال مالك فيمن قال في صخته لعبده: أنت حر بعد موتي، [فأراد بيعه] أنه يسأل فإن أراد وجه الوصية صدق وباعه أو رجع عن ذلك إن شاء، وإن أراد التدبير صدق ومنع من بيعه. قال ابن القاسم: وهي وصية أبداً حتى يتبين أنه أراد التدبير. وقال أشهب: إن قال هذا في غير إحداث وصية لسفر أو مما جاء أنه لا ينبغي لحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة، فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته. وإن قال له: أنت حر بعد موتي وموت فلان، فهو من الثلث، وكأنه قال: إن مات فلان فأنت حر بعد موتي، وإن مت أنا فأنت حر بعد موته، [وقاله أشهب: ولو قال له: إن كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي] ، فكلمه، لزمه ما أوجب على نفسه بعد الموت وعتق بعد موته من ثلثه، وصار ذلك شبيهاً بالتدبير، وإن قال له: أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فهو من الثلث ويلحقه الدين. (¬1) ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/298) ، وحاشية الدسوقي (4/381، 382، 388) ، والتاج والإكليل (6/445) ، الفواكه الدواني (2/136) ، الشرح الكبير (4/381، 382، 871) ، والتمهيد (14/310) ، والمدونة (8/295) .

2086 - ومن مات وترك مدبرين فإن كان دبّر واحداً بعد واحد في صحة أو مرض، أو دبر في مرض، ثم صح فدبر، ثم مرض فدبر، فذلك سواء، ويبدا الأول فالأول إلى مبلغ الثلث، فإن بقي أحد منهم رق، ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض، عتق جميعهم إن حملهم الثلث وإن لم يحملهم الثلث، لم يبدّ أحد منهم على صاحبه، ولكن يفضّ الثلث على جميعهم بالقيمة، فيعتق من كل واحد حصته منه. وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد [منهم] ولا يسهم بينهم، بخلاف المبتلين في المرض، ويبدّى المدبر في الصحة على المبتل في المرض، ويعتق المدبر في الثلث أو ما حمل منه، فإن لم يدع غيره عتق ثلثه. وإن كان على السيد دين لا يغترقه بيع منه للدين ثم عتق ثلث بقيته، وإن اغترقه الدين رق، فإن بيع فيه ثم طرأ مال للميت نقض البيع وعتق في ثلثه. 2087 - وما هلك من التركة قبل تقويم المدبر لم يحسب، وكأنه لم يكن، ولو لم يبق إلا المدبر لم يعتق إلا ثلثه. وللمدبر حكم الأرقاء في حرمته وحدوده، وإن مات السيد حتى يعتق في الثلث، وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم الموت.

2088 - وما ولدت المدبرة أو ولد للمدبر من أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعده فبمنزلتها، والمحاصة بين الآباء والأبناء في الثلث، ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير قرعة. وإن دبر حاملاً فولدها مدبر بمنزلتها. وما ولدت أم الولد من غير السيد أو معتقة إلى سنين أو مخدمة إلى سنين، وليس فيها عتق، فولدها بمنزلتها، وولد المعتق إلى أجل من أمته بمنزلته، وما ولدت الموصى بعتقها أو وُلد للموصى بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهم رقيق. وما ولد لهم بعد موته فبمنزلتهم يعتق من جميعهم محمل الثلث. قال ابن وهب عن مالك في عبد دبره سيده، ثم توفي ولم يدع غيره فعتق ثلثه، ثم وقع العبد على جارية فولدت أولاداً ثم توفي العبد وترك مالاً كثيراً، أو لم يترك شيئاً، قال: يعتق من ولده مثل ما عتق منه، ويرق باقيهم ويخدمون مسترق باقيهم بقدر الذي رق منهم. 2089 - وعقل المدبرة وعملها وغلتها لسيدها، وأما مهرها ومالها ما كسبت منه قبل التدبير أو بعده، فهو موقوف بيدها، وللسيد انتزاعه، وانتزاع مال أم الولد مدبرة ما لم يمرض، فإذا مرض لم يكن له ذلك، كما له انتزاع مال المعتق إلى أجل، ما لم يقرب الأجل، فإذا قرب لم يكن له ذلك، فغن لم ينتزع السيد مال المدبرة حتى مات، قوّمت في الثلث بمالها، فإن حمل الثلث بعضها أُقر المال كله بيدها.

2090 -[قال مالك:] وإن دبر أجد الشريكين أمة بينهما تقاوياها، فإن صارت لمن دبر كان جميعها مدبراً، وإن صارت للذي لم يدبر كانت رقيقاً كلها، إلا أن يشاء الذي لم يدبر أن يسلمها إلى الذي دبر، ويتبعه بنصف قيمتها فذلك له. وإن كان عبد بين ثلاثة فدبر أحدهم نصيبه ثم أعتق آخر وتماسك الثالث، فإن كان المعتق مليئاً قوم عليه حظ شركائه بالرق، وعتق عليه جميعه، وإن كان المعتق معسراً فللمتمسك بالرق مقاواة الذي دبر، إلا أن يكون العتق قبل التدبير والمعتق عديم، فلا يلزم الذي دبر مقاواة المتمسك، إذ لو أعتق بعد عتق المعدم لم يقوم عليه وإن كان مليئاً. 2091 - ولا بأس أن يدبر أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه، وللمتمسك بيع حصته إذا بيّن أن نصفه مدبر، وليس للمبتاع مع الذي دبر مقاواة. 2092 - وإذا دبر رجلان أمة بينهما معاً، أو واحد بعد واحد، فهي مدبرة لهما، فإن مات أحدهما عتقت حصته في ثلثه، ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، فإن كان ثلثه لا يحمل حصته منها عتق منه ما حمل الثلث ورق باقيه لورثته، ثم ليس للورثة مقاواة الشريك، ثم إن مات السيد الثاني عمل في نصيبه كالأول، ولو دبر أحد الشريكين حصته ثم أعتق الآخر نصيبه أو أعتق أحدهما حصته من مدبر بينهما قوم على المعتق حصة شريكه قيمة عبد، وقاله جميع الرواة.

وكذلك يقوم المدبر وأم الولد والمعتق إلى أجل في جراحهم وأنفسهم قيمة عبد. 2093 - ولا بأس أن يرهن المدبر ويكون المرتهن بعد موت السيد أحق به من الغرماء، [فإن لم يدع سيده غيره بيع المرتهنفي دينه، لأنه قد حازه، ولو لم يقبضه بيع لجميع الغرماء، ولا يباع المدبر في حياة سيده في فلس ولا غيره إلا في دين] قبل التدبير. ويباع بالموت إذا اغترقه الدين، سواء كان التدبير قبل الدين أو بعده. ولا تمهر مدبرك لزوجتك، لأن ذلك بيع، وبيعه لا يجوز، وإذا بيع ففسخ البيع وقد أصابه عيب مفسد بيد المبتاع، فعليه ما نقصه. ولا بأس أن تأخذ مالاً على أن تعتق مدبرك وولاؤه لك، ولا أحب لك أن تبيعه ممن يعتقه. 2094 - ومن باع مدبره فمات في يد المبتاع فمصيبته من المبتاع، وينظر البائع إلى الثمن الذي قبض فيه، فيحبس منه قدر قيمته أن لو كان يحل بيعه على رجاء العتق له وخوف الرق عليه، كمن استهلك زرعاً فيغرم قيمته على الرجاء والخوف، فما فضل بعد ذلك بيد البائع فليشتر به رقبة يدبرها، فإن لم يبلغ أعان به في رقبة. فأما إن أعتقه المشتري أنفذ العتق وكان ولاؤه للمبتاع، وكان جميع الثمن سائعاً لبائعه، ولا يرجع عليه المبتاع بشيء، وكذلك إن كانت مدبرة فوطئها المبتاع

فحملت منه، فإن التدبير ينتقض وتصير أم ولد للمبتاع ولا يرجع على البائع بما بين قيمتها مدبرة وقيمتها غير مدبرة. 2095 - ولا بأس بمكاتبة المدبر، فإن أدى عتق، وإن مات السيد عتق في ثلثه، ويقوم بماله في الثلث، ويسقط عنه باقي الكتابة، وإن لم يحمل الثلث رقبته عتق منه محمل الثلث، وأُقر ماله بيده، ووضع عنه من كل نجم عليه بقدر ما عتق منه، [فإن عتق] نصفه وضع عنه نصف كل نجم بقي عيه، وإن لم يدع غيره عتق ثلثه، ووضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه، ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك، ولو لم يبق عليه إلا نجم [واحد] لعتق ثلثه، وحط عنه ثلث ذلك النجم، ويسعى فيما يبقى عليه. فإن أدى خرج جميعه حراً، وإن مات سيده وعليه دين فاغرق الدين قيمة رقبته كان كمكاتب تباع [للدين] كتابته، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وإن عجز رق لمبتاعه، وإن اغترق الدين بعض الرقبة بيع من كتابته بقدر الدين، ثم عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم يبع من ذلك النجم، فإن أدى خرج حراً وولاؤه للميت، وإن عجز فبقدر ما بيع من كتابته يرق لمبتاعه من رقبته، وما عتق منه يكون حراً لا سبيل لأحد عليه، وباقي

رقبته بعد الذي عتق منه يبقى للورثة رقاً. 2096 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبده مع مدبره كتابة واحدة، فإن مات فضت الكتابة على قدر قوتيهما على الأداء يوم الكتابة، ويعتق المدبر في الثلث، وتسقط حصته عن صاحبه، ويسعى العبد في حصته وحده، ولا يسعى المدبر معه، لأنه إنما دخل معه على أن يعتق بموت السيد فلا حجة له، بخلاف عتق السيد لأحد العبدين في الكتابة إذا لم يعقدا على هذا. فإن لم يحمل المدبر الثلث عتق منه محمله ويسقط [عنه] من الكتابة بقدر ذلك ويسعى في باقي الكتابة هو وصاحبه، ولا عتق بقيته إلا بصاحبه، ولا صاحبه إلا به، فإن عتقا رجع من أدى منهما على صاحبه بما أدى عنه، إلا أن يكونا ذوي رحم لا يملك أحدهما الآخر، فلا يتراجعان بشيء. وقال أشهب: لا يجوز أن يكاتب عبده ومدبره كتابة واحدة للخطر على العبد بعتق المدبر، وفي المكاتب إيعاب هذا. (¬1) ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (4/146) ، والمدونة الكبرى (7/244) ، ومنح الجليل (9/425) .

2097 - ولو أن مدبرة بين رجلين وطئها أحدهما فحملت، فإنها تقوم عليه، وتصير أم ولد إذ ذلك أكد لها، وقاله جميع الرواة. 2098 - وإن كان الواطئ معسراً خير شريكه بين اتباعه بنصف قيمتها وتصير أم ولد له وبين التمسك بحصه واتباعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله، ثم لا تقويم عليه إن أيسر. فإن مات الواطئ عديماً عتق عليه نصيبه من رأس ماله، لأنها بحساب أم ولد ويبقى نصيب المتمسك مدبراً. 2099 - وإن مات الذي لم يطأها وقد كان تمسك بنصيبه وعليه دين يردّ التدبير، بيعت حصته فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له، حل له وطؤها، فإن مات فنصفها رقيق ونصفها عتيق من رأس ماله. ومن دبر ما في بطن أمته، لم يجز له بيعها وله أن يرهنها. (¬1) 2100 - وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا به، استتيب، فإن تاب وإلا قتل، فإن تاب لم يقسم ود إلى سيده إن عُرف، فإن جهلوا أنه مدبر حتى اقتسموا ثم جاء سيده، فله أن يفديه بالثمن ويرجع مدبراً، فإن أبى خدم من صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه، فإن أوفى وسيده الأول حي رجع إليه مدبراً، وإن هلك السيد وقد تركه بيد من صار في سهمه يختدمه في ثمنه فمات السيد قبل ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/358) ، والفواكه الدواني (2/27) ، ومواهب الجليل (5/133) .

وفاء ذلك خرج من ثلثه حراً واتباع بباقي الثمن، فإن لم يسعه الثلث عتق ما وسع منه ورق ما بقي لمشتريه، لأن سيده اسلمه ولا قول لورثته فيه. قال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يُتبع بشيء، وإن حمل بعضه لم يتبع حصة البعض العتيق بشيء، وهذا بخلاف الجناية التي هي فعله. وإن رهق السيد دين، أبطل الثلث ورق جميعه لمشتريه. 2101 - وإذا أسلم دبر مدبر النصراني أو ابتاع مسلماً فدبره واجرناه له، وقبض غلته ولم يتعجل رقه بالبيع، إذ قد يعتق بموت سيده، فإن أسلم النصراني قبل موته رجع إليه عبده، وكان له ولاؤه، وإن لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه، وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم ممن يجرّ ولاءه إليه ويرثه فيكون ولاء المدبر له دون جماعة المسلمين، وهذا كله إن أسلم المدبر بعد التدبير، وأما إن دبره والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين، ولا يرجع إلى النصراني وإن أسلم، ولا إلى ولده المسلمين. 2102 - وإن أعتق في الثلث نصفه والورثة نصارى، بيع عليهم نصفه من مسلم، فإن لم يكن له ورثة رق نصفه للمسلمين.

وقال غيره: لا يجوز لنصراني شراء مسلم، فإذا أسلم عبده ثم دبره عتق عليه، لأنه منعنا من بيعه عليه بالتدبير. 2103 - وإذا ارتد السيد ولحق بدار الحرب أوقفت مدبريه إلى موته كماله، ولا يعتقوا إلا بعد موته. وإذا ادعى العبد أن سيده قد دبره أو كاتبه وأنكر المولى، لم يلزمه يمين إلا أن يقيم شاهداً، وهذا مثل العتق. ومن قال في صحته لعبده: أنت حر بعد موت فلان، أو قال: بعد موتي بشهر، فهو من رأس المال، معتق إلى الأجل، ولا يلحقه دين، وإن مات السيد قبل فلان خدم العبد ورثة السيد إلى موت فلان، أو إلى بعد موته بشهر وخرج حراً من رأس المال، ولو قال ذلك في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجله وخدم الورثة حتى يتم الأجل، ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية، أو يعتقوا من العبد محمل الثلث بلاً.

2104 - وإن قال له: إن خدمتني سنة فأنت حر، فمات السيد قبلها، خدم العبد ورثة السيد، فإذا تمت السنة عتق، ولو وضع عنه السيد الخدمة عُجّل عتقه، وإن قال له: أخدم فلاناً سنة وأنت حر، مات فلان قبل السنة خدم العبد ورثة فلان بقية السنة، ثم هو حر. وأما في قوله: أخدم ولدي أو أخي أوابن فلان [سنة] وأنت حر، فيموت المُخدم قبل السنة فإن أراد به الحضانة والكفالة عجل عتق العبد بموت المخدم، وإن أراد به الخدمة خدم العبد ورثة المخدم بقية السنة، ثم هو حر. 2105 - وإن قال له: أنت حر على أن تخدمني سنة، فإن أراد أن يكون العتق بعد الخدمة فذلك له، ولا يعتق [حتى] يخدم، وإن أراد تعجيل العتق وشرط عليه الخدمة، عتق ولا خدمة عليه. وإن قال له: أنت حر بعد سنة، أو: إذا خدمتني سنة، قال هذه السنة بعينها أو لم يقل فهو سواء، وتحسب السنة من يوم قوله، وإن أبق فيها العبد أو مرض فصح بعد زوالها عتق ولا شيء عليه، ألا ترى أن من أكرى داره أو دابته أو غلامه فقال: أكريتكها سنة، أنها تحسب من يوم قوله؟ ولو قال: هذه السنة بعينها، كان كذلك أيضاً. * * *

(كتاب المكاتب)

(كتاب المكاتب) 2106 - قال الله سبحانه وتعالى: ×فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا% (النور: 33) ، فكان ذلك ندباً ندب الله تعالى إليه، وكذلك قوله تعالى: ×وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ% (النور: 33) ، فضل قد حض الله عليه. قال مالك - رحمه الله -: هو أن يوضع عن المكاتب من آخر كتابته. وقد وضع ابن عمر خمسة آلاف من خمسة وثلاثين ألفاً. وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ربع الكتابة. وقال النخعي: هو شيء حُث عليه الولى وغيره.

2107 - ومن كاتب عبده على وصفاء (¬1) حمران أو سودان ولم يصفهم، جاز، وله وسط من ذلك الجنس كالنكاح. وإن كاتبه على وصيف أو وصيفين ولم يصف ذلك جاز، وله الوسط من ذلك. وإن أوصى أن يكاتب عبده ولم يسم شيئاً كوتب بقدر كتابة مثله في أدائه وخراجه، وإن كاتبه على قيمته جاز، وينجم عليه الوسط من قيمته. وإن كاتبه على عبد فلان جاز بخلاف النكاح. وإن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز، لتفاوت الإحاطة بصفته، وإن كابه علىعبد موصوف فعتق بأدائه ثم ألفاه السيد معيباً، فله رده ويتبعه بمثله إن قدر، وإلا كان عليه ديناً، ولا يرد العتق، وكذلك إن نكحت امرأة على عبد موصوف فألفته معيباً بعد قبضه، فلها رده وأخذ مثله، وإن كاتبه على طعام مؤجل جاز أن يصالحه منه على دراهم معجلة، ولا خير في بيعه من أجنبي. 2108 - ولا بأس أن تفسخ ما على مكاتبك من عين أو عرض حل أو لم يحل، في عرض مؤجل أو معجل مخالفاً للعرض الذي عليه أو من صفته بخلاف البيوع، ولا يبيعه من ¬

(¬1) هي الصبية والأمة دون البلوغ وكذلك الغلام المراهق، وانظر: المدونة الكبرى (7/231) .

أجنبي إلا بثمن معجل، ولابأس أن تقاطعه على أن تضع عنه ويتعجل، أو تؤخره ويزيدك، أو على أن تفسخ الدنانير التي عليه في دراهم إلى أجل وتعجل عتقه. قال مالك: ومن كره أن يقاطعه على أن يضع عنه ويتعجل فإنما جعل ذلك كالدين، وليس هو مثله، لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ألا ترى أنه لا يحاص بها في فلس المكاتب ولا موته، وإنما هو كمن قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بأقل من كذا فأنت حر، فهذا لا بأس به. قال ابن شهاب: لم يكن أحد من الصحابة يتقي المقاطعة على الذهب والورق إلا ابن عمر، [أبى] أن يعطي عرضاً. قال مالك: ولا بأس أن يستأجره بما عليه من الكتابة في عمل يعمله، أو يقاطعه

على حفر بئر طولها كذا، وإن كاتبه على ألف درهم ولم يضرب لها أجلاً، نجمت عليه. وإن كره السيد على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته ولا تكون حالة والكتابة عند الناس منجمة، وكذلك إن أوصى أن يكاتب بألف درهم ولم يضرب لها أجلاً. وإن كاتبه على خدمة شهر، جاز عند أشهب ولا يعتق حتى يخدم شهراً. 2109 - قال ابن القاسم: إن عجل عتقه على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطلة، وهو حر، وإن أعتقه بعد الخدمة لزمت العبد الخدمة. (¬1) 2110 -[قال مالك:] وكل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل، وإن شرطها في الكتابة فأدى العبد قبل تمامها سقطت. 2111 - ومن شرط على مكاتب أنه إن عجز عن نجم من نجومه فهو رقيق، أو إن لم يؤد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة له، لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط، ولا يعجزه إلا السلطان، بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجى له في التلوم، ومنهم من لا يرجى له، فإن رأى له وجه أداءتركه، وإلا عجزه. والقطاعة كذلك في التلوم [بعد] الأجل، وحكم المكاتب حكم الأرقاء في الميراث والشهادة والحدود وغيرها، حتى يؤدي ما عليه أو يعجز. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (9/451) .

وإن كاتبه على ألف دينار على أنه إذا أدى وعتق فعليه مائة دينار، فذلك جائز، لأن مالكاً قال: من أعتق عبده على أن للسيد على العبد مائة دينار، جاز ذلك على العبد. 2112 - ومن كاتب أمة على ألف درهم نجمها عليها، على أن يطأها ما دامت في الكتابة، بطل الشرط وجازت الكتابة، وكذلك إن أعتق أمته إلى أجل على أن يطأها، أو شرط على المكاتبة أن ما ولدت في كتابتها فهو عبد، فالشرط باطل والعتق نافذ إلى أجله، ولا أفسخ الكتابة كما لا أفسخها من عقد الغرر بما أفسخ به البيع، وكل ولد حدث للمكاتب من أمته أو للمكاتبة بعد الكتابة فهو بمنزلتها يرق برقها ويعتق بعتقها، وإن كاتبها أو أعتقها وشرط جنينها، بطل الشرط وتم العتق. 2113 - وإذا كان عبد بين رجلين كاتباه معاً، لم يجز لصاحبه أن يقاطعه على حصته إلا بإذن شريكه، فإن أذن له فقاطعه ن عشرين مؤجلة في حصته، على عشرة معجلة، ثم عجز المكاتب قبل ان يقبض هذا مثل ما أخذ المقاطع خُيّر المقاطع بين أن يرد إلى شريكه نصف ما أخذ من العبد، ويبقى العبد بينهما، أو يسلم حصته من العبد إلى شريكه رقاً، ولو مات المكاتب عن مال، فللآخر أن يأخذ منه جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة، حلت أو لم تحل، ثم يكون ما بقي من ماله بين الذي قاطعه

وبين شريكه على قدر حصصهم في المكاتب، وإن حل نجم من نجومه فقال أحدهما لصاحبه: بدّني به وخذ أنت النجم المستقبل، ففعل ثم عجز العبد عن النجم الثاني، فليرد المقتضي نصف ما قبض إلى شريكه، لأن ذلك سلف منه له، ويبقى العبد بينهما، ولا خيار للمقتضي، بخلاف القطاعة، وهو كدين لهما على رجل منجماً، فبدّى أحدهما صاحبه بنجم على أن يأخذ هو النجم الثاني، ثم فلس الغريم في النجم الثاني، فليرجع على صاحبه، لأنه سلف منه. 2114 - وإن أخذ أحدهما من المكاتب جميع حقه بعد محله بإذن صاحبه وأخّره صاحبه ثم عجز المكاتب، فلا رجوع للذي أخّره على المقتضي ويعود العبد بينهما، وهذا كغريم لهما، قبض أحدهما حقه منه بعد محله وأخره الآخر ثم فلس الغريم، فلا يرجع الذي أخره على المقتضي بشيء، لأنه لم يسلف المقتضي شيئاً فيتبعه، ولكنه تأخير لغريمه. وإن تعجل أحدهما جميع حظه من النجوم قبل محلها بإذن شريكه، ثم عجز المكاتب عن نصيب شريكه، فهذا يشبه القطاعة، وقيل: ليس كالقطاعة، ويعد ذلك إن عجز سلفاً من المكاتب للمتعجل. والقطاعة التي أذن فيها أحد الشريكين لصاحبه كالبيع، لأنه باع حظه على ما تعجل منه، ورأى أن ما قبض أفضل له من حظه في العبد إن عجز.

قال ربيعة: قطاعة الشريك بخلاف عتقه لنصيبه في العبد، ولكنه كشراء العبد نفسه. 2115 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبيده في كتابة واحدة، ثم إن القضاء في [ذلك] ان كل واحد منهم ضامن عن بقيتهم وإن لم يشترط ذلك، بخلاف حمالة الديون، ولا يعتق أحد منهم إلا بتمام أداء الجميع، وللسيد أخذهم بذلك، فإن لم يجد عند جميعهم، فله أخذ المليء منهم بالجميع ولا يوضع عنهم شيء لموت أحدهم، وإن أدى أحدهم عن بقيتهم، رجع من أدى على بقيتهم بحصتهم من الكتابة بعد أن تقسم الكتابة عليهم، بقدر قوة كل واحد على الأداء يوم الكتابة لا على قيمة رقبته، ولا يرجع على من يعتق عليه منهم لو ملكه بشيء. وإن أدى أحدهم الكتابة حالة، رجع على أصحابه بحصتهم منها على النجوم. وللمكاتب تعجيل المؤجل من كتابته، ويلزم السيد أخذه وتعجيل العتق، وبذلك قضى عمر وعثمان. قال ربيعة: لأن مرفق التأجيل هو للعبد خاصة. قال مالك: وإن عجلها وضع عنه كل خدمة [وسفر] اشترطه عليه.

2116 - ومن كاتب عبدين له أجنبيين كتابة واحدة فحدثت بأحدهما زمانة فأدى الصحيح جميع الكتابة، فإنها تفض عليهما بقدر قوتهما على الأداء يوم عقداها، فيرجع الصحيح على الذي أزمن بما أصابه، فإن أعتق السيد هذا الزمن قبل الأداء جاز عتقه، وإن كره الصحيح وتبقى جميع الكتابة على الصحيح، ولا يوضع عنه لمكان عتق الزمن شيء، إذ لا منفعة له فيه، فإن أدى وعتق لم يرجع على الزمن بشيء، لأنه لم يعتق بالأداء، وإن كانا قويين على السعاية لم يكن للسيد عتق أحدهما، ويرد ذلك إن فعل، فإن أديا عتقا، وإن عجزا لزم السيد عتق من كان أعتق كمن أخدم عبده أو أجره مدة، ثم أعتقه قبل تمام المدة، فلم يجز ذلك المخدم ولا المؤجر، فالعتق موقوف، فإذا تمت المدة عتق العبد بالعتق الذي كان أعتق، وكمن رد غرماؤه عتق عبده ثم أيسر السيد قبل بيعه فأدى إلى الغرماء، فإن العبد يعتق بالعتق الذي كان أعتق، وإنما منع السيد من عتق أحد المكاتبين وهما قويان على السعاية من أجل صاحبه الذي معه في الكتابة، فإن أجاز صاحبه عتقه، وكان صاحبه يقوى على السعاية - كما ذكرنا - ليس بصغير ولا زمن، جاز عتقه، ويوضع عن الباقي حصة المعتق من الكتابة، ويسعى وحده فيما بقي عليه، ولا يسعى معه المعتق، ولو أجاز على أن

يسعى معه المعتق فيما بقي عليه لم يجز العتق، وسعيان جميعاً في جميع الكتابة. وقال ربيعة: لا يجوز للسيد أن يعتق أحدهما أو يقاطعه، وإن أذن في ذلك أصحابه ويرد إن فعله، لأن سعايته وماله عون لأصحابه في العتق. 2117 - قال ابن القاسم: ولو دبر السيد أحدهما بعد الكتابة ثم عجز لزم السيد تدبير من كان دبر. وإن مات السيد قبل عجزهما، والمدبر يحمله الثلث وهو قوي على الأداء حين مات السيد، لم يعتق إلا برضا أصحابه على ما ذكرنا في العتق، وإن كان زمناً عتق في الثلث ولا يوضع عن أصحابه من الكتابة شيء، لأن من لا قوة فيه من المكاتبين من صغير أو زمن إذا أعتقه السيد جاز عتقه، وإن كره أصحابه ولا يوضع عنهم من الكتابة شيء. 2118 - ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب، لزم العبد الغائب وإن كره، لأن هذا يؤدي عنه ويتبعه إن لم يكن ذا قرابة له ممن يعتق على الحر بالملك وتلزم الغائب الكتابة، كقول مالك فيمن أعتق عبده على أن عليه كذا وكذا فيأبى ذلك العبد، أن العتق جائز والمال لازم للعبد، وكذلك العبد يكاتب عن نفسه، وعن أخ له صغير ولا يعقل في ملك السيد: أنه جائز.

2119 - وإذا كان لك عبد ولرجل آخر عبد، لم يجز لكما جمعهما في كتابة واحدة، على أن كل واحد منهما حميل بما على صاحبه لغررالكتابة، إذ لو هلك أحدهما أخذ به الهالك مال الآخر باطلاً، وهذا يشبه الرقبى. ولا تجوز حمالة أجنبي بالكتابة، إذ ليست بدين ثابت. وإن مات العبد أو عجز لم ينتفع الحميل بما أدى. قال غيره: إجازة الضمان فيها إصراف لها إلى الذمة، وهذا لا يجوز. وإذا غاب أحد المكاتبين في كتابة أو هرب وعجز الحاضر، لم يعجزهما إلا السلطان بعد التلوم، وكذلك إن غاب المكاتب وحلت نجومه وأشهد السيد أنه قد عجز ثم قدم المكاتب، فهو على كتابته، ولا يعجزه إلا السلطان. وإذا كان المكاتب ذا مال ظاهر فليس له تعجيز نفسه، وإن لم يظهر له مال فذلك له دون السلطان، ويمضي ذلك. وكذلك إن عجّز نفسه قبل محل النجم بالأيام أو بالشهر، وإنما الذي لا يعجزه إلا السلطان الذي يريد سيده

تعجيزه بعد محل ما عليه، وهو يأبى العجز [ويقول:] أؤدي إلا أنه مطل سيده، فالإمام يتلوم له، فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه بعد التلوم، ولا يكون تأخيره عن نجومه فسخاً لكتابته، ولا يعجزه إلا السلطان، فإن عجز نفسه وهو يرى أنه لا مال له ثم ظهر له مال صامت أخفاه أو طرأ له، فهو رقيق، ولا يرجع عما كان رضي به. 2120 - وإذا أراد المكاتب تعجيل ما عليه، وسيده غائب، ولا وكيل له على قبض [الكتابة] فليرفع ذلك إلى الإمام، ويخرج حراً. وإن حل نجم وله على السيد مثله فله قصاصه إلا أن يفلس السيد فيحاص غرماؤه إلا أن يكون السيد قاصه قبل قيامهم فذلك ماض. 2121 - وإن أدى كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع هو من أموالهم، فلهم أخذه ويرجع رقاً، وإن لم يعلم ذلك مضى عتقه.

قال أشهب وابن نافع عن مالك - رحمه الله - في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقاً، فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: فإن لم يكن له مال عاد مكاتباً، وقال أشهب: لا يرد عتقه إذ تمت حريته ويتبع بذلك، قالا عن مالك: وإن قاطعه على وديعة أودعت عنده فاعترفت رد عتقه. قال ابن القاسم وغيره: إن غر سيده بما لم يتقدم له فيه شبهة ملك، رد عتقه، وإن تقدمت له فيه شبهة ملك، مضى عتقه وأتبع بقيمة ذلك ديناً. وإن كان مديناً فليس له أن يقاطع سيده ويبقى لا شيء له لأن غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز ذلك، وإن مات المكاتب وترك مالاً وعليه دين فغرماؤه أحق بماله، ولا يحصاهم السيد بما قاطعه به كما يحصاهم بالكتابة، وقال شريح: يحاصهم بنجمه الذي حل. قال ابن المسيب: أخطأ شريح.

2122 - قال مالك: وإن عجز المكاتب وعليه دين كان رقيقاً لسيده وبقي دين الناس في ذمة العبد لا في رقبته. (¬1) قال ابن شهاب: وإن كوتب وعليه دين كتمه، فإن كان ديناً يسيراً بدأ بقضائه قبل أداء الكتابة وأقر على كتابته، وإن كان ديناً كثيراً يحبس نجومه خُيّر سيده بين فسخ الكتابة أو تركه حتى يقضي دينه ثم يستقبل نجومه. 2123 - وليس للمكاتب أن يتزوج - وإن رآه من وجه النظر - أو يسافر إلا بإذن سيده، اشترط عليه ذلك السيد أم لا، إلا ما قرب من السفر مما لا ضرر فيه، لحلول نجم أو غيره، فذلك له، ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده، لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئاً من ذلك، وليرفع ذلك إلى السلطان. قال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام، وإن نكح فرق بينهما وانتزع ما أعطى. وإذا كاتب عبده تبع العبد ماله من رقيق أو عرض أو عين أو دين، كتم ذلك أو أظهره، وليس للسيد أخذه بعد الكتابة إلا أن يشترطه سيده حين كاتبه فيكون ¬

(¬1) انظر: المدونة (7/527) ، وحاشية الزرقاني (4/119) ، والتاج والإكليل (6/342) ، ومنح الجليل (9/470) .

ذلك له، ولا يتبع المكاتب ما تقدم له من ولد وإن كتمه، ولا حمل أمته، ويكون الولد إذا وضعته رقاً للسيد، والأمة تبعاً للمكاتب دون الولد، وليس الولد كماله، لأنه إذا أفسل أُخذ ماله ولم يؤخذ ولده. والذي يبتاع عبداً ويشترط ماله لا يقضي له بولده. والمكاتب إذا أعانه قوم في كتابته بمال فأدى منه كتابته وفضلت فضلة، فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه، فليرد عليهم الفضلة بالحصص، أو يحللوه منها، وإن عجز فكلما قبض منه السيد قبل العجز، حل له كان من كسب العبد أو من صدقة عليه، وأما لو أعين به على فكاك رقبته، ولم يف ذلك بكتابته، كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى، إلا أن يحلل منه المكاتب فيكون له، ولو أعانوه صدقة لا على الفكاك، فذلك إن عجز حل لسيده. 2124 - قال مالك: ولا بأس بكتابة الصغير ومن لا حرفة له، وإن كان يسأل. قال غيره: لا تجوز كتابة الصغير إلا أن يفوت ذلك بالأداء أو يكون بيده ما يؤدي عنه فيؤخذ منه، ولا يترك له فيتلفه لسفهه ويرجع رقاً. (¬1) وكره مالك كتابة الأمة التي لا صنعة بيدها [ولا لها] عمل معروف، كما ¬

(¬1) انظر: المدونة (7/252) ، وحاشية الدسوقي (4/391) ، والفواكه الدواني (2/138) .

كره عثمان بن عفان أن تخارج. 2125 - ومن أعتق بعض مكاتبه في صحته في غير وصية، فهو وضع مال، إن كان أعتق نصفه وضع عنه نصف كل نجم، ولا يعتق عليه إن عجز، إلا أن يعتق ذلك الشقص في وصيته فيكون ذلك عتقاً للمكاتب إن عجز وحمل ذلك الثلث. وكذلك إن كان بينه وبين رجل فوضع عنه حصته أو أعتق حصته منه في غير وصية، فإنه يوضع عنه حصته من كل نجم، فإن عجز رقّ لهما، وإن مات مكاتباً أخذ المتمسك مما ترك ما بقي له، وكان باقي ما ترك بينهما، فلو كان ذلك عتقاً لكان ما ترك للمتمسك بالرق خاصة، ولكان يُقوّم على المعتق ما بقي من الكتابة، ولكان من ترك مكاتباً وورثه بنون وبنات فأعتق البنات حصتهن، أن لهن ولاء نصيبهن منه، وهن لا يرثن من ولاء المكاتب شيئاً، وإن أعتقن نصيبهن، وإنما يرث ولاءه ذكور ولد سيد المكاتب أو عصبته من الرجال.

ولو كان لرجل مكاتب واحد [فأزمن] فأعتق السيد نصفه، لم يعتق عليه النصف الثاني [إلا بأداء بقية الكتابة] ، وأما المريض يعتق شقصاً من مكاتبه فإنه يوضع عنه حصة ذلك من كتابته، فإن عجز عتق ذلك الشقص في ثلثه، لأنها وصية للعبد مصروفة إلى الثلث. 2126 - ومن كاتب أمته فليس له وطؤها، فإن فعل دُرئ عنه وعنها الحد، أكرهها أو طاوعته، ويعاقب إلا أن يعذر بجهل، ولا صداق لها إن طاوعته ولا ما نقصها، وإن أكرهها فعليه ما نقصها، والأجنبي عليه بكل حال ما نقصها، إذ قد تعجز فترجع معيبة للسيد. وهي وطء السيد على كتابتها إلا [أن] تحمل فتخير عند مالك بين أن تكون أم ولد أو تمضي على كتابتها. 2127 - ولو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً ففيه ما في جنين الحرة موروث على فرائض الله، وكذلك في جنين أم الولد. وقال ابن المسيب: إن حملت بطلت كتابتها وهي جاريته، وقال النخعي: تبقى مكاتبة فإن عجزت فهي أم ولد. وقال ربيعة: إن وطئها طائعة فولدت منه فهي أمة

له لا كاتبة [له] فيها، وإن أكرهها فهي حرة والوالد به لاحق. 2128 - وإذا ولدت المكاتبة بنتاً ثم ولدت ابنتها بنتاً أخرى، فزنت البنت العليا فأعتقها السيد، جاز عتقه، وسعت الأم مع السفلى. ولو وطئ السيد البنت السفلى فأولدها فولدها حر، ولا تخرج من الكتابة وتسعى معهم، إلا أن ترضى هي وهم بإسلامها للسيد فيحط عنهم حصتها من الكتابة وتصير حينئذ أم للسيد. قال سحنون: إن كان معها في الكتابة من يجوز رضاه. 2129 - قال مالك - رحمه الله -: ولا تباع رقبة المكاتب وإن رضي، لأن الولاء قد ثبت لعاقد الكتابة. قال ابن القاسم: فإن بيعت رقبته ولم يعجز رد البيع ما لم يفت بعتق فيمضي وولاؤه لمن أعتقه، وهذا إذا كان العبد راضياً ببيع رقبته فكأنه رضى

منه بالعجز، وكان مالك يقول في المدبر يباع فيعتقه المبتاع: إن بيعه يرد، ثم قال: لا يرد. قال غيره: عقد الكتابة قوي فأرى أن يرد وينقض عتقه، وقاله أشهب. وقال أشهب: هذا إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع. 2130 - وإذا كاتب المكاتب عبداً له فبيعت كتابة الأعلى تبعه مكاتبه، لأنه ماله وأدى الأسفل للأعلى، فإن عجز الأسفل رق للأعلى، ثم إن عجز الأعلى كانا جميعاً رقاً لمشتري الكتابة، ولو عجز الأعلى وحده ورد الأسفل كتابته للمبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع. 2131 -[ولا بأس ببيع كتابة المكاتب إن كانت عيناً فيعرض نقداً، وإن كانت عرضاً فبعرض مخالف له أو بعين نقداً، وما تأخر كان ديناً بدين، ويتبعه في بيعها ماله ومكاتبه، ويؤدى إلى المبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع] ، وإن عجز رق للمبتاع.

قال ابن المسيب: والمكاتب أحق بكتابته إن بيعت بالثمن. 2132 - ولا يجوز للمأذون أن يعتق عبداً له، أو يكاتبه إلا بإذن سيده، فإن فعل بإذنه وعلى المأذون دين يغترق ماله، لم يجز إلا بإذن الغرماء، لأن ماله للغرماء وكتابته من ناحية العتق إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت كفاف للدين أو لقيمة الرقبة، فلا حجة للغرماء، وتباع لهم الكتابة فيتعجلونها إن شاءوا، وكذلك الجواب في الحر المديان يكاتب عبده. وللوصي أن يكاتب عبد من يليه على النظر، ولا يجوز أن يعتقه على مال يأخذه منه، إذ لو شاء انتزعه، ولو كان على عطية من أجنبي جاز على النظر كبيعه، وكذلك للأب أن يكاتب عبد ابنه الصغير على النظر، ويبيع له ويشتري على النظر، وإن أعتق عبد ابنه الصغير جاز عتقه إن كان للأب مال، وإلا لم يجز. قال غيره: إلا أن يوسر قبل النظر في ذلك فيتم عتقه ويقوم عليه.

2133 - ولا يجوز أن يكاتب شقصاً له في عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه للذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم، ويفسخ ذلك إن فعل ويرد ما أخذ، فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها. قال غيره: إنما يكون ذلك بينهما إذا اجتمعا على قسمته. ومن دعى إلى رده إلى العبد فذلك له، إذ لا ينتزع ماله حتى يجتمعا، ولو كاتب هذا حصته ثم كاتب الآخر حصته ولم يتشاورا، لم يجز ذلك، إذ لم يكاتباه جميعاً كتابة واحدة، [ويفسخ] ، كاتباه على مال متفق أو مختلف، لأن كل واحد يقتضي دون الآخر. قال غيره: إن تساويا في الأجل والمال جاز ذلك. قال ابن القاسم: وأما إن أعتق هذا أو دبر، ثم فعل الآخر مثله أعتق أو دبر، ولم يعلم بفعل صاحبه جاز ذلك. 2134 - ومن كاتب بعض عبده، لم يجز ذلك، ولا يكون شيء منه مكاتباً، وإن أدى لم يعتق منه شيء، وإن أراد العبد أن يكاتبه سيده بكتابة مثله أو أقل أو أكثر، لم يلزم السيد ذلك إلا أن يرضى.

2135 - وإن كاتب المكاتب عبده فعجز المكاتب الأعلى، أدى المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى، وكان له ولاؤه إن أعتق، ثم إن أعتق المكاتب الأعلى بعد عجزه، لم يرجع إليه ولاء الأسفل ولا شيء مما أدى إلى السيد [لأنه حين عجز صار رقيقاً وصار ماله وما على مكاتبه للسيد] . وكتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة، وإلا لم تجز، وكذلك قوله لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، فإنما يجوز ذلك إذا كان على ابتغاء الفضل، إلا أنه يتلوم للعبد في هذا بلا تنجيم. 2136 - ومن كاتب عبده وعلى السيد دين، وقد جنى العبد جناية قبل الكتابة، فقيم عليه بذلك الآن، فقال العبد: أنا أؤدي عقل الجناية والدين وأتبت على كتابتي، فذلك له. 2137 - ومن كاتب أمته وعليه دين يغترقها فولدت في كتابتها، فللغرماء رد ذلك، ويرقها الدين وولدها، إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت بنقد مثل الدين، فلا تُغيّر الكتابة، ولكن تباع الكتابة في الدين. 2138 - وإن أفلس السيد بدين استحدثه بعد الكتابة لم يكن للغرماء غير بيع الكتابة، وإن كثر الدين.

2139 - وإذا كاتب النصراني عبده النصراني جازت كتابته، ثم إن أراد بيعه أو فسخ الكتابة، لم يمنع من ذلك، وليس هذا من حقوقهم التي يتظالمون فيها فيما بينهم. ألا ترى أنه لو أعتقه ثم رده في الرق لم يمنع، فكذلك الكتابة، إلا أن يسلم العبد، وقال بعض الرواة: ليس له نقض الكتابة، لأن هذا من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم وإياه. (¬1) 2140 - وإذا كاتب النصراني عبداً مسلماً ابتاعه أو كان عنده، أو أسلم مكاتب له، فإن كتابته تباع من مسلم، فإن عجز كان رقاً لمشتري الكتابة. وإن أدى، عتق، وكان ولاء الذي كوتب وهو مسلم للمسلمين دون مسلمي ولد سيده، ولا يرجع إليه ولاؤه إن أسلم، وأما الذي أسلم بعد الكتابة فولاؤه لمن يناسب سيده من المسلمين من ولد أو عصبة. فإن لم يكونوا فولاؤه لجميع المسلمين، ثم إن أسلم سيده رجع إليه ولاؤه [لأن ولاءه] قد كان ثبت له حين عقد كتابته وهو على دينه. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل فيما نقله عن التهذيب (6/349) .

2141 - وإن أسلمت أم ولد الذمي فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق، ولا شيء عليها من سعاية ولا غير ذلك، وولاؤها للمسلمين، إلا أن يسلم سيدها بعد أن عتقت عليه فيرجع ولاؤها إليه. وأما إن أولد أمته بعد أن أسلمت فإنها تعتق عليه وولاؤها للمسلمين ولا يرجع إليه ولاؤها إن أسلم. 2142 - وإذا أسلم أحد مكاتبي الذمي [وهما] في كتابة واحدة، بيعت كتابتهما جميعاً ولا يفرقان، لعقد الحمالة، رضيا أم كرها، وكذلك إن ولد لمكاتبه ولد في كتابته من أمته ثم أسلم ولد مكاتبه والمكاتب نصراني، بيعت كتابتهما جميعاً. وإذا غنمنا مكاتباً لمسلم أو لذمي هرب أو أسر، رد إليه إن عرف سيده غاب أو حضر، ولا يقسم، فإن لم يعرف سيده بيعت كتابته في المقاسم مغنماً، ويؤدي إلى من صار له، فإن أدى كان حراً وولاؤه للمسلمين، فإن عجز رق لمن صار له.

2143 - وإذا قال السيد لمكاتبه: قد حل نجم، فأكذبه المكاتب، صدق المكاتب، كمن أكرى داراً سنة أو باع سلعة بدنانير إلى سنة فادعى حولها فالمكتري أو المبتاع مصدق إن أكذبه، وإن اتفقا أن الكتابة خمسون وقال المكاتب: نجمتها علي في عشرة أنجم في كل نجم خمسة، وقال السيد: بل في خمسة أنجم في كل نجم عشرة، صدق المكاتب، فإن أتيا بالبينة قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا صدق المكاتب وكانا كمن لا بينه لهما. [وقاله أشهب] وقال غيره: يقضي ببينة السيد لأنها زادت، ألا ترى لو قال السيد: الكتابة ألف درهم، وقال المكاتب: تسعمائة، صدق المكاتب، وإن أتيا ببينة قضي ببينة السيد، لأنها شهدت بالأكثر. 2144 - قال ابن القاسم: وإن ادعى المكاتب أنه كوتب بمائة، وقال السيد: بمائتين، أو قال السيد: بمائة دينار، وقال المكاتب: بمائة درهم، صدق المكاتب إن كان قوله يشبه، لأن الكتابة فوت، كمن اشترى عبداً فكاتبه ثم اختلفا في الثمن إن المبتاع مصدّق، وكان مالك

يقول مرة: إذا قبض المبتاع السلعة وبان بها وهي قائمة، صدق المبتاع في الثمن، ثم رجع إلى أن يتحالفا ويترادا إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى. وإن بعث المكاتب بكتابته إلى سيده فأنكر قبضها، فإن لم يُقم الرسول البينة بالدفع ضمن، كمن بعث بدين عليه أو خلع. 2145 - ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار يوماً أو شهراً جاز، وما ولدت في الخيار دخل في كتابتها إن أمضاها ن له الخيار وإن كرهت، كما يدخل في البيع ما ولدت المبيعة في الخيار، وولد المكاتبة في أيام الخيار أبين في دخوله معها. وقال غيره: لا يدخل الولد في الكتابة، إذ لم تتم الكتابة إلا بعد الولادة، وكذلك الولد في البيع للبائع. ولا ينبغي للمبتاع أن يختار الشراء للتفرقة، وكثير من هذا المعنى في كتاب الخيار.

ومن كاتب عبده وأخذ منه عندما كاتبه رهناً يغاب عليه فضاع بيد السيد فإنه يضمن قيمته، فإن تساوت الكتابة عتق مكانه وكانت قصاصاً. وإن أفلس السيد أو مات نظرت إلى الرهن، فإن كان في عقد الكتابة بشرط فهو انتزاع ولا يحاص به المكاتب غرماء السيد، كما لو كاتبه على أن أسلف سيده دنانير أو باعه بيعاً بثمن مؤجل فذلك انتزاع ولا يحاص به. ولو وجد المكاتب رهنه بعينه في فلس أو موت فلا شيء له فيه، ولا محاصة له به، ولا لغرماء المكاتب فيه شيء، ولو كان الرهن بعد عقد الكابة لنجم حلّ ونحوه فللمكاتب أخذه إن وجده بعينه أو المحاصة بقيمته إن لم يجده، فما صار له، كان قصاصاً مما حل عليه، وما بقي له من قيمة الرهن، ففي ذمة السيد، يقاص به المكاتب فيما يحل عليه. قال غيره: ليس ذلك انتزاعاً كان الرهن في [أصل] الكتابة أو بعدها ويضمنه السيد إن لم تقم [له] بينة بهلاكه، فإن كانت القيمة دنانير، والكتابة دنانير، تقاصّا، لأن في وقف القيمة ضرراً عليهما، إلا أن يتهم السيد بالعداء على الرهن لتعجيل الكتابة قبل وقتها فتوقف القيمة بيد عدل، وإن كانت

الكتابة عرضاً أو طعاماً أوقفت القيمة لرجاء رخص ما عليه عند محله، ويحاص الغرماء بالقيمة في الموت والفلس، ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن رهناً من غير المكاتب فيصير كالحمالة. 2146 - ومن زوج مكاتبته من رجل على أن ضمن له كتابتها، فولدت منه بنتاً ثم هلك الزوج، فالحمالة باطلة، وتبقى المكاتبة على حالها وابنته أمة لا ترث أباها [للرق الذي فيها] ، وميراثه لأقرب الناس منه. 2147 - وإذا ورثت مع أخيك لأبيك مكاتباً هو أخوك لأمك وضعت عنه حصتك، وسعى لأخيك في نصيبه وخرج حراً، وإن عجز عتقت حصتك فيه، ولا تقوم عليك بقيته، فأما لو وهب لك نصفه أو أوصى لك به فقبلته، فإن المكاتب إن لم يكن له مال ظاهر، مخير في أن يعجّز نفسه ويقوم باقيه عليك، ويعتق إن كان لك، فإن لم يكن لك مال، عتق منه نصيبك ورق باقيه، وإن شاء أن يبقى على كتابته، فإن ثبت عليها حطت عنه حصتك فيها، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وليس له تعجيز نفسه إن كان له مال ظاهر للتقويم عليك، وإن تمادى في كتابته، ثم عجز، قوّم باقيه أيضاً عليك إن كنت ملياً وعتق، فإن لم يكن لك مال عتق منه نصيبك ورق باقيه.

2148 - وكل ما ولد للمكاتب بعد الكتابة من أمته مما حملت به بعد الكتابة، دخل في كابته وصاروا بمزلته، لا يعتقون إلا بأدائها، وإن بلغوا جازت بيوعهم وقسمتهم بغير إذنه إن كانوا مؤمنين، وما ولد له منها قبل الكتابة أو كوتب وأمته حامل منه فلا يدخل ذلك الولد معه في كتابته. ولا ينبغي للمكاتب أن يشتري ولد أو أبويه إلا بإذن سيده، فمن ابتاع بإذن سيده ممن يعتق على الحر بالملك دخل معه في الكتابة، وجاز بيعهم وشراؤهم وقسمتهم بغير إذنه، ولا يبيعهم في عجزه، وإذا عجز وعجزوا رقوا كلهم للسيد، فإن ابتاعهم بغير إذن السيد لك يفسخ ابتياعه [إياهم] ، ولا يدخلون معه في كتابته ولا يبيعهم إلا أن يخشى [عجزاً] ، ولا بيع لهم ولا شراء ولا قسم إلا بإذنه، ويعتقون بأدائه، وكذلك أم ولده ليس لها أن تتجر إلا بإذنه، ولا له بيعها إلا أن يخاف العجز.

2149 - وإن ابتاع من لا يعتق على الحر بالملك من القرابة بإذن السيد أو بغير إذنه لم يدخلوا معه في كتابته وله بيعهم وإن لم يعجز، ولا فعل لهم إلا بإذنه. وقال أشهب بن مالك: يدخل الولد والوالد إذا اشتراهم بإذن السيد، ولا يدخل الأخ. وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في الكتابة بالشراء بإذن السيد إلا الولد فقط، إذ له أن يستحدثه. قال ابن القاسم: وإذا كان المكاتب مدياناً فابتاع ابنه لم يدخل في كتابته وإن أذن سيده حتى يأذن غرماؤه. ومن أدخلناه في الكتابة فله حكم من عقدت عليه، فإن مات المكاتب لم يؤخذوا بحلولها وسعوا على النجوم. وما ولد للمعتق إلى أجل أو للمدبر من أمته بعدما عقد له ذلك فبمنزلته، وما ولد له قبل ذلك أو كانت أمته حاملاً منه حين العقد فرفيق، وإن اشتريا ما ولد لهما قبل ذلك لم يكون بمنزلتهما ولهما بيعه، إذا أذن لهما في ذلك السيد، إلا أن يأذن في ذلك للمعتق إلى أجل عند تقارب الأجل، أو يأذن للمدبر والسيد مريض فلا يجوز إذنه

حينئذ، وإنما يجوز إذن السيد في ذلك في الموضع الذي يجوز للسيد أن ينتزعهم، فإن لم يأذن لهم ولم ينتزعهم حتى عتقوا، كانوا تبعاً كأموالهم ويعتقون عليهم. 2150 - وما ولدت المكاتبة من ولد بعد الكتابة، فهم بمنزلتها لا سبيل للسيد عليهم في السعاية ما دامت الأم على نجومها، ولها أن تستسعيهم معها، فإن أبوا أجرتهم، ولا تأخذ من إجارتهم ولا مما بأيديهم إلا ما تقوى به على الأداء والسعي، فإن ماتت وتركت ولدين حدثا في كتابتها سعيا فيما بقي، وإن أزمن أحدهما سعى الصحيح، ولا يوضع عنه لموت أمه ولا لزمانة أخيه شيء. (¬1) 2151 - وإذا ولد للمكاتب من أمته ولدان واتخذ كل منهما أم ولد وأولدها إلا أن أولادهما هلكوا ثم مات الجد، فالوالدان مع أمهما يسعون، فإن أدوا عتقت معهما، وإن مات أحدهما قبل الأداء ولم يدع ولداً وترك أم ولده، فإنها تباع ويعتق أخوه في ثمنها ولا يرجع السيد عليه بشيء. وإن ولد للمكاتب ولد من أمته بعد الكتابة فاعتق السيد الأب، لم يجز العتق إلا أن يكون الأب زمناً فيجوز، ثم إن كان للأب مال يفي بالكتابة ولا سعاية في الولد، أدى من مال الأب عن الولد حالاً وعتقوا. قال غيره: هذا إن رضي الأب بالعتق، وإلا لم يجز، لأن السيد يُتهم على ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (7/277) .

تعجيل النجوم قبل وقتها. 2152 - قال ابن القاسم: فإن لم يكن في مال الأب إلا قدر ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغه السعي، أخذ وأدى نجوماً إلى أن يبلغوا السعي، ولا يؤخذ حالاً، إذ لو ماتوا قبل بلوغ السعي كان المال لأبيهم، فإن لم يكن في مال الأب ما يبلغهم السعي، مضى عتق الأب ورقوا. قيل: فإن كانوا يقوون على السعي يوم عتق الأب وله مال؟ قال: قال مالك في المكاتب يولد له ولدان في كتابته فيعتق السيد أحد الولدين وهو قوي على السعي: لم يجز عتقه، وإن كان كبيراً فانياً أو ذا ضرر أو صغيراً لا سعاية له، جاز عتقه، ولم يوضع عمن بقي من الكتابة شيء، ولا يرجع الذي أدى على أخيه بشيء. قال غيره: إن كان للأب الزمن مال والولد يقوى على السعي، لم يجز عتقه لأن ماله معونة لهم كبدنه. 2153 - ومن كاتب عبده في مرضه وقيمته أكثر من الثلث، قيل للورثة: امضوا كتابته فإن أبوا عتق من العبد مبلغ الثلث بتلاً، ولو أجاز له الورثة ذلك قبل موته وهم كبار لزمهم ذلك بعد موته، فإن كاتبه في نرضه وقبض الكتابة ثم مات السيد، فإن يحابه، حاز ذلك كبيعه ومحاباته في البيع في ثلثه.

2154 - وأما المديان يكاتب عبده فلا يجوز، وذلك فيه من ناحية العتق، بخلاف المريض، وقال غيره: الكتابة في المرض من ناحية العتق وقعت، بمحاباة أو بغير محاباة، وتوقف نجومه، فإن مات السيد والثلث يحمله، جازت كتابته وإن لم يحمله خُيّر الورثة في الإجازة أو بتل محمل الثلث منه بما في يديه من الكتابة، وقاله أكثر الرواة. 2155 - قال ابن القاسم: وإن كاتبه في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة منه، جاز ذلك ولم يتهم إن ترك ولداً، فإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله، لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق، لأنه لو أعتقه جاز عتقه. وقال غيره: إذا اتهم بالميل معه والمحاباة [له] ، لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقاله ابن القاسم أيضاً غير مرة.

وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه، فإن حمله الثلث عتق، كان ورثته ولداً أو كلالة، كمبتدي عتقه، وإن لم يحمله خُيّر ورثته، فإما أمضوا كتابته وإلا أعتق محمل الثلث منه. وقال غيره: يوقف نجومه، لأن الكتابة عتاقة من الثلث وليست من ناحية البيع، لأن ما يؤدي المكاتب إنما هو جنس من الغلة. قال ابن القاسم: فإن كاتبه في المرض بألف وقيمته مائة وأوصى بكتابته لرجل فإن حمل الثلث رقبته، جازت الكتابة والوصية، كالوصية أن يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث، ولم يجز الورثة، فليعتق منه محمل الثلث، وتبطل الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها. ومن أوصى لرجل بمكاتبه أو بما عليه أو أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه، جعل في الثلث الأقل من قيمة الكتابة أو قيمة الرقبة على أنه عبد

مكاتب في خراجه وأدائه، كما لو قتل، وقاله ابن نافع، وقال أكثر الرواة: ليس قيمة الكتابة ولكن الكتابة، قالوا كلهم: فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية. ومن أوصى لرجل بثلث ماله كان الموصى له شريكاً للورثة في كل شيء تركه الميت، من عين أو عرض أو كتابة مكاتب، وصار كأحد الورثة. 2155 - ومن أوصى أن يكاتب عبده والثلث يحمل رقبته، جاز، وكوتب كتابة مثله على قدر قوته وأدائه، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين مكاتبته أو عتق محمل الثلث منه بتلاً. 2156 - ومن وهب لمكاتبه نجماً بعينه من أول الكتابة أو وسطها أو آخرها، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، وذلك كله في المرض، ثم مات السيد قوّم ذلك النجم وسائر النجوم بالنقد بقدر آجالها فتقدر حصة النجم منها ويعتق الآن من رقبته ويوضع عنه النجم بعينه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ذلك أو ابتال محمل الثلث من المكاتب، ويحط عنه [من] كل نجم بقدر ما عتق منه، وليس من النجم العين خاصة في هذا، لأن الوصية قد حالت عن وجهها لما لم يجز الورثة.

وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله [بعد الكتابة] ، وإن مات قبل دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات فلا وصية له. 2157 - وإذا كوتب العبد أو أعتق وقد ولدت منه أمته قبل ذلك لم تكن له أم ولد بذلك وله بيعها، وإن ولدت من المكاتب أمته بعد الكتابة كانت له أم ولد بذلك، ولا يبيعها إلا أن يخاف العجز. قال ربيعة: أو في عُدمه لدين عليه. قال ربيعة: وإن مات المكاتب عديماً وعليه دين للناس قام ولده في دينه وأولاده منها رق لسيده. قال ابن القاسم: وللمكاتب أن يشتري زوجته الحامل منه، وليس للسيد منعه لأنه إذا ابتاعها بغير إذنه لم يدخل جنينها معه في الكتابة ولا تكون هي به أم ولد له ولو ابتاعها بإذنه دخل حملها في الكتابة وكانت به أم ولد. وإذا كان المكاتب وترك أم الولد، وولداً منها أو من غيرها ولم يدع مالاً، سعت مع الولد، أو سعت عليهم إن لم يقووا وقويت هي على السعي وكانت مأمونة عليه. وإن ترك أم ولد وولدا منها حدث في كتابته فخشي الولد العجز، فلهم بيعها

وإن كانت أمهم، وإن كان للأب أمهات أولاد سواها فخشي الولد العجز، فلهم بيع من فيها نجاتهم كانت أمهم أو غيرها، وأرى أن لا يبيع أمه إذا كان في بيع سواها ما يغنيه. 2158 - وإن ترك المكاتب مالاً فيه وفاء بكتابته، وترك أم ولد، وولداً منها أو من غيرها، عتقت مع الولد فيه، وكذلك إن ترك معه في الكتابة أجنبياً، وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فإن كتابته تحل بموته ويتعجلها السيد من ماله، ويعتق بذلك من معه في الكتابة، وليس لمن معه في كتابته من ولد أو أجنبي أخذ المال وأداؤه على نجومه إذا كان فيه وفاء، [و] يعتقون الآن [به] ، لما فيه من الغرر، فإن لم يف ببقية الكتابة فلولده الذين معه في الكتابة أخذه، وإن كانت لهم أمانة وقوة على السعاية ويؤدون نجوماً. قال سليمان بن يسار: فإن لم يكن الولد مأموناً لم يُدفع إليه شيء. قال ابن القاسم: ولا يدفع ذلك المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي، وليستعجله السيد من الكتابة. ويسعوا في بقيتها، فإن أدوا عتقوا

وأتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى عنه من مال الميت وحاص به غرماؤه بعد عتقه وليس هذا كالمعتق على أن عليه مالاً بعد العتق. وقال ربيعة: لا يدفع المال إلى ولد ولا إلى غيره وإن كانوا ذوي قوة وأمانة، إذ ليس لهم أصله وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم، وليعجله السيد ويقاصهم به من آخر كتابتهم، وإن كانوا صغاراً لا قوة فيهم على السعي، فهم رقيق وذلك المال للسيد. قال ابن القاسم: وإن ترك أم ولد لا ولد معها وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فهي والمال ملك للسيد. قال ربيعة: وكذلك إن ترك ولداً ثم مات الولد. 2159 - قال ابن القاسم: وإن ترك المكاتب ولداً حدث في كتابته ومالاً فيه وفاء بالكتابة وفضل، أخذ السيد منه الكتابة وما بقي ورثه ولده الذين معه في الكتابة على فرائض الله، لأنهم ساووه في أحكامه بعقد الكتابة في رقها وحريتها، ولا يرث منه ولده الأحرار الذين ليسوا معه في كتابته ولا زوجته [و] إن كوتبت معه، ولا شيء للسيد مما فضل إلا أن يكون الولد الذي في الكتابة بنتاً أو بنتين، فله الباقي بعد

النصف أو الثلثين دون أحرار [ورثة المكاتب، وإن لم يكن معه في الكتابة أحد أو كان معه أجنبي وترك وفاء بكتابته تعجلها السيد وكان له ما بقي دون ورثة المكاتب الأحرار] ، واتبع السيد الأجنبي بجميع ما ينويه مما عتق به من مال الميت، وإن كان مع الأجنبي ولد للميت في الكابة أتبعه الولد بذلك دون السيد، وورث الولد أيضاً بقية المال. (¬1) 2160 - وإن ترك المكاتب ابنتين وابن ابن معهما في الكتابة وترك فضلاً عن كتابته، فلابنتيه مما فضل عن كتابته الثلثان ولولد الابن ما بقي، وإنما يرث المكاتب ممن معه في الكتابة من أقربائه، الولد وولد الولد والأبوان والجدود والإخوة دون أحرار ولده، ولا يرثه سواهم من عم أو ابن عم أو غيرهم من عصبة ولا زوجة، وإن كانوا معه في الكتابة، [وأصل هذا أنه لا يرثه ممن معه] في الكتابة إلا من لو أدى عنه لم يرجع عليه إلا الزوجة، فإنها لا ترثه ولا يرجع علياه إن عتقت [في حياته] بأدائه أو بعد موته في ماله، ولا يرجع عليها من يرثه من وارث أو سيد، ويرجعون على من كان هو يرجع عليه وهو يرجع على خاله وخالته وبنت أخيه وعمته، ولا يرجعون على من ذكرنا أنه يرثه في كتابته. وإن هلك أحد الأخوين في كتابته وترك فضلاً عن كتابته كان ما فضل بعد الكتابة ¬

(¬1) انظر: المدونة (7/288، 289) ، وشرح الزرقاني (4/132) ، والموطأ (2/790) .

للأخ دون السيد، ولا يرجع السيد على الأخ بشيء مما أدى عنه من مال أخيه. 2161 - ولو ترك الميت ولداً فأدى الولد من ذلك المال جميع الكتابة، لم يرجع على عمه بشيء، لأن أباه لم يكن يرجع عليه لأنه أخوه، وإذا مات المكاتب بعد موت سيده وترك مالاً فيه وفاء ولم يدع ولداً، فذلك بين ورثة السيد يدخل فيه بناته وأمهاته وزوجاته وغيرهم، لأنه موروث بالرق لا بالولاء. وإن ترك المكاتب في الكتابة بنتاً، فلها النصف بعد الكتابة ولورثة السيد ما بقي، وإذا هلك أحد الأخوين في كتابة وترك أم ولد ولا ولد معها، فهي رقيق ولا تعتق [ولا تسعى] أم ولد المكاتب معه، إلا أن يدع ولداً منها أو من غيرها كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة، فهاهنا لا ترد أم ولد في الرق إلا أن يعجز الولد، ولا تقوى هي على السعي عليهم أو يموت الولد قبل الأداء. ولو كان المكاتب وولده في كتابة فمات ولده عن أم ولد ولا ولد معها، فهي رق للأب وإن ترك مالاً كثيراً، إلا أن يترك ولداً - كما ذكرنا -. 2162 - ومن كاتب عبده ثم كاتب زوجة العبد كتابة على حدة، فما حدث بينهما من ولد كان في كتابة الأم يعتق بعتقها لا بعتق الأب ونفقتهم عليها. * * *

(كتاب أمهات الأولاد)

(كتاب أمهات الأولاد) 2163 -[قال مالك:] ومن أقر بوطء أمته ولم يدع استبراء لزمه ما أتت به من ولد لأقصى ما تلد له النساء، إلا أن يدعي الاستبراء بحيضة لم يطأ بعدها ونفى الولد، فيصدق في الاستبراء، ولا يلزمه ما ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم الاستبراء. (¬1) ومن أقر في مرضه بحمل أمه وبولد أمة له أخرى وبوطء أمة ثالثة لم يدع استبراءها، وأتت بولد يشبه أن يكون من وطئه، فأولادهن لاحقون به أجمعون، وهن بذلك أمهات أولاد يعتقن من رأس ماله. قال مالك: وأما إن قال [في مرضه:] كانت هذه ولدت مني، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، ولا ولد معها، فإن كان ورثته ولداً صدق وعتقت من رأس ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/407) ، والتاج والإكليل (6/355) ، ومواهب الجليل (6/357) ، والمدونة الكبرى (5/438) ، (8/318) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/252) .

المال، وإن لم يترك ولداً لم يصدق، ولا تعتق الأمة في الثلث وتبقى رقاً، إلا أن يكون معها ولد، أو [تقوم لها] بينة تشهد فتعتق من رأس المال. وقال أيضاً مالك: لا تعتق إذا لم يكن معها ولد [لا] من ثلث، ولا من رأس مال، كان ورثته ولداً أو كلالة، كقوله: [كنت] أعتقت عبدي في صحتي، فلا يعتق في ثلث ولا رأس مال، وقاله أكثر الرواة. 2164 - ومن باع أمة فولدت لستة أشهر أوأكثر مما تلحق فيه الأنساب فادعى البائع أنه ولده، وأقر بالوطء أو باعها وهي حامل ثم ادعى الولد بعد الوضع، فإن الولد يلحق به إن لم يتهم، ويرد البيع، وتكون به أم ولد له، وإن باعها ومعها ولد ثم استلحق الولد عند الموت بعد سنين كثيرة، فإنه يلحق به إن لم يتهم بانقطاع من الولد إليه وهو لا ولد له. وقال أشهب: إذا ولد عنده من أمته ولم يكن له نسب، فإقراره جائز، ويلحق به

الولد ويرد الثمن، وتكون الأمة أم ولد له وإن كان ورثته كلالة [أو ولداً] ، وقاله كبار أصحاب مالك. قال سحنون: وهذا أصل قولنا، وعليه العمل، ومثله [من] قول ابن القاسم في استلحاق من أحاط الدين بماله، ولد أمته أنه يلحق به وتكون هي أم ولد [له] ، ولا يلحقها الدين، وكذلك أمهات الأولاد لا يلحقهن الدين ولا يردهن بخلاف المديان بعتق وقاله جميع الرواة، فهذا كان أولى بالتهمة من الذي استلحق في مرضه لإتلافه أموال الناس، [إلا أن] استلحاق النسب يقطع كل تهمة. قال أشهب: ألا ترى أن الرجل يطلق زوجته قبل البناء، فلا يجوز له ارتجاعها إلا بنكاح جديد وولي وصداق، ثم إن ظهر بها حمل فادعاه، لحق به الولد وجاز له أن يرتجع بلا صداق ولا نكاح مبتدأ، فالولد قاطع للتهم.

2165 - ومن أقر بوطء أمته ثم باعها قبل أن يستبرئها، فأتت بولد لما يشبه أن يكون من وطئه، فأنكره البائع، فهو به لاحق، ولا ينفعه إنكاره، ويرد البيع إلا أن يدعي استبراء. قيل: فإن أقر بوطء أمته فأتت بولد فأنكر السيد أن تكون ولدته؟ قال: سئل مالك عن المطلقة تدعي أنها قد أسقطت وانقضت عدتها، ولا يعلم ذلك إلا من قولها، فقال: لا يكاد يخفى على الجيران الولادة والسقط، وإنها لوجوه تصدق فيها النساء وهو الشأن، ولكن لا [يكاد] [هذا] يخفى على الجيران، فكذلك مسألتك في ولادة الأمة. (¬1) وأم الولد إذا ولدت ولداً في حياة سيدها أو بعد موته أو بعد أن أعتقها لمثل ما تلد له النساء، فالولد يلحقه إلا ان يدعي الحي استبراء أو ينفي الولد، فلا يلزمه. 2166 -[قيل: فمن زوج أمته عبده أو أجنبياً فأتت بولد لستة أشهر فأكثر، فادعاه السيد، لمن الولد؟ قال: قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبياً، ثم وطئها السيد فأتت بولد، فالولد للزوج، إلا أن يكون الزوج معزولاً عنها مدة في مثلها براءة الرحم، فإنه يلحق بالسيد، لأنها أمته، ولا يحد، وكذلك الجواب إن أتت بولد لستة أشهر وقد دخل بها زوجها فادعاه السيد. ¬

(¬1) انظر: التقييد (3/124) ، ومنح الجليل (9/479) .

وإن أتت به لأقل من ستة أشهر، وقد دخل بها زوجها، فسخ نكاحه ولحق الولد بالسيد إن أقر بالوطء، إلا أن يدعي استبراء] . 2167 - ومن وطئ أمة مكاتبه فأتت بولد، لحق به وكانت به أم ولد ولا يحد، إذ لا يجتمع الحد والنسب، فإن درئ الحد ثبت النسب، وعليه قيمتها يوم حملت ولا قيمة عليه للولد، فإن كان عديماً والذي على المكاتب كفاف القيمة، عجل عتقه وإن زادت القيمة أُتبع السيد بالزيادة. وقال غيره: ليس للسيد تعجيل ما على مكاتبه ويغرم له القيمة في ملائه وتباع الكتابة لذلك في غرمه، فإن كانت كفافاً كانت أم ولد للسيد، وللمكاتب أخذ قيمة أمته معجلاً، والأداء على نجومه إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيه من كتابته لتعجيل عتقه، فذلك له، وإن لم يكن في

ثمن الكتابة إلا قدر نصف قيمة الأمة أخذه المكاتب، ويبقى له نصف الأمة رقيقاً، ونصفها لسيده بحساب أم ولد، وأتبع السيد بنصف قيمة الولد. 2168 - ومن وطئ أمة ابنه الصغير أو الكبير، درئ عنه الحد وقومت عليه يوم الوطء، حملت أو لم تحمل، كان ملياً أو معدماً. 2169 - قال مالك في وطء الشريك إذا لم تحمل، فلشريكه التماسك بنصيبه، والأب عندي بخلاف الشريك في ذلك، فإن كان الابن كبيراً، والأب عديماً قومت عليه يوم الوطء، وبعناها عليه في تلك القيمة إن لم تحمل، وكذلك المرأة تحل جاريتها لزوجها أو لولدها أو لأجنبي، وإن بيعت عليهم في العدم فلم يكن في الثمن تمام القيمة أُتبعوا بالبقية ديناً، وليس للمحلل التماسك بها وإن لم تحمل. 2170 - وإذا قومت على الأب أمة الابن وقد حملت منه وكان الابن قد وطئها، أُعتقت على الأب، إذ قد حرم عليه وطؤها وبيعها، ولحق به الولد، ولو لم تحمل من الأب حل له بيعها وحرم عليه وطؤها. 2171 - وإن وطئ الأب أم ولد ابنه غرم لابنه قيمة أم الولد، وعتقت على الابن لا على الأب، لأن الولاء قد ثبت للابن، وإنما عتقت لأنها قد حرمت على الأب والابن. 2172 - وأما إن وطئ الأب زوجة ابنه لم تحرم الزوجة على الابن في أحد قولي

مالك بخلاف أم الولد، لأن الأب لا حد عليه في وطء أم ولد ابنه، ويحد في وطء زوجة ابنه ويرجم إن كان محصناً. 2173 - وإن أتت أم ولد الابن بعد وطء الأب إياها بولد لحق بالابن، إلا أن يكون الابن معزولاً عنها قبل وطء الأب إياها بمدة في مثلها تستبرئ، فيلحق بالأب، لأن مالكاً قال فيمن زوج أمته عبده فدخل بها ثم وطئها السيد فأتت بولد: إنه يلحق بالعبد، إلا أن يكون العبد معزولاً عنها أو غائباً غيبة يعلم أنها قد حاضت بعدها واستبرأ رحمها، فيلحق الولد بالسيد وترد الأمة إلى زوجها. 2174 - ومن اشترى زوجته لم تكن أم ولد له بما ولدت منه قبل هذا الشراء، إلا أن يبتاعها حاملاً، فتكون بذلك الولد أم ولد له، ولوكانت لأبيه فابتاعها حاملاً،

لم تكن له أم ولد بذلك الحمل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده، بخلاف أمة الأجنبي، لأن الأب لو أراد بيع أمته [وهي حامل] ، لم يجز ذلك، لأنه قد أعتق عليه ما في بطنها، والأجنبي لو أراد بيع أمته وهي حامل من زوجها، جاز له ذلك، ودخل حملها في البيع معها. وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده ولا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها، لأن في ذلك غرر، لأنه وضع من ثمنها لما استثنى وهو لا يدري ايكون أم لا، فكما لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر، فكذلك لا يستثنى، وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين، لأنه عتق بسنة وليس هو عتق اقتراف. 2175 - قال ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملاً انفسخ نكاح الأب، إذ لا ينكح أمة ولده، ولا تكون أم ولد للأب، وتبقى رقيقاً للابن ويعتق عليه ما في بطنها،

ولا يبيعها حتى تضع [غلا أن يرهقه دين، فتباع وهي حامل، وقاله أشهب. وقال غيرهما: لا تباع في الدين حتى تضع] ، لأنه عتق بسنة لا باقتراف. قال ابن القاسم: وإن كان حملها من أخيك بنكاح فابتعتها، فهي والولد رقيق لك، والنكاح ثابت. 2176 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب أو أُسر فتنصر بها، وقف ماله وأم ولده ومدبروه، وتحرم على المرتد أم ولده في ردته حتى يسلم، وأما النكاح فتنقطع عصمته بارتداده فإن قدم فأسلم، رجعت إليه أم ولده [ومدبروه] وعاد إليه ماله ورقيقه، وإن قتل على ردته عتقت أم ولده منرأس ماله وعتق مدبروه في الثلث، وتسقط وصاياه ويكون ماله لجميع المسلمين. 2177 - وإن أسلمت أم ولد الذمي، فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق وولاؤها للمسلمين، ولا تسعى في قيمتها، فإن أسلم السيد بعدها قبل أن تعتق، فهو أحق بها، وتبقى له أم ولد [كما

كانت] وإن طال ما بين إسلامهما ما لم تعتق بقضية إمام. وما ولدته من غير سيدها الذمي بعد أن أولدها فلا يعتقون بإسلامها، كانوا صغاراً أو كباراً، وإنما يعتقون بموت سيدها، ولا يكونون مسلمين بإسلامها، لأن الولد للأب في الدين وللأم في الرق، فإن أسلم كبارهم لم يعتقوا [أيضاً] إلا إلى موت السيد. 2178 - وإذا أسلمت أمة النصراني ولها ولد، لم يكن ولدها مسلماً بإسلامها إذا كان أبوه نصرانياً، صغيراً كان الولد أو كبيراً، وتباع وحدها دون الولد، إلا أن يكون الولد لم يستغن عنها، فيباع معها من مسلم، وليس لمشتريه أن يجعله مسلماً إذا كره ذلك أبوه، ويبقى على دين أبيه. [قيل:] فإذا أسلمت أم ولد المكاتب الذمي وسيده مسلم، [قال: أرى أن توقف، فإن عجز المكاتب كانت حاله كحال النصراني اشترى أمة مسلم، فإن كان سيده ذمياً وقفت، فإن أدى المكاتب وعتق عتقت عليه، وإن عجز رق وبيعت عليه] . 2179 - وليس للرجل أن يكاتب أم ولده، وإنما يجوز أن يعتقها على مال يتعجله منها، فإن كاتبها فسخت الكتابة، إلا أن يفوت بالأداء فتعتق، ولا ترجع فيما أدت إذا

كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض. وليس للسيد فيها خدمة ولا استسعاء ولا غلة وإنما له فيها المتعة، وله الخدمة في أولادها من غيره ممن ولدته بعد ولادتها منه، وهم بمنزلتها يعتقون بعد موت السيد من رأس المال وهم بخلافها في الغلة، وتسلم في الجناية خدمتهم. وهذا مذكور في كتاب الجنايات. وللسيد أن يعجل عتق أم ولده على دين يبقى عليها برضاها، وليس ذلك بغير رضا. قال يحيى بن سعيد: فإن مات السيد وعليها الذي اشترت به نفسها، اتبعت به، ولو كانت كتابة سقطت وعتقت. 2180 - وإن كاتب الذمي أم ولده الذمية ثم أسلمت عتقت وسقطت عنها الكتابة، ومن باع أم ولده فأعتقها المبتاع، نقض البيع والعتق، وعادت أم ولد له، فإن ماتت بيد المبتاع قبل أن ترد فمصيبتها من البائع، ويرد الثمن، فإن لم يعلم للمبتاع موضع كان على البائع طلبه حتى يرد إليه الثمن ماتت أم الولد أو بقيت، وكذلك إن مات البائع، وقد ماتت هي بعد موته أو قبله أو بقيت أو لم يمت البائع، وقد ماتت هي أو بقيت، فإن البائع يُتبع بالثمن في ذمته كان ملياً أو معدماً. (¬1) 2181 - وإذا اشترى المأذون أمة بإذن سيده أو بغير إذنه، فوطئها، ثم عتق وقد ولدت منه ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/166) ، و (2/472) ، وحاشية الدسوقي (3/185) ، (4/189) ، والتاج والإكليل (4/36) ، والشرح الكبير (4/507) .

أولاداً، أو هي حامل منه فهي تبع له كماله، ولا تكون له أم ولد بما ولدت منه قبل عتقه، ولا بما كانت به حاملاً حين عتق، لأن ذلك الولد رق لسيده إلا أن يملك المأذون حملها قبل أن تضعه، فتكون به أم ولد له، ولو أعتقها المأذون بعد أن عتق لم أُعجل لها ذلك وكانت حدودها حدود أمة حتى تضع، فيرق الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها، بغير إحداث عتق. 2182 - قال ابن القاسم: وكل ما ولد للمكاتب أو للمدبر من أمته مما حملت به بعد عقد التدبير أو الكتابة فهو بمنزلته يعتق معالمكاتب بالأداء ومع المدبر في الثلث، فإذا عتقا كانت الأم أم ولد بذلك لهما، كان الولد الآن حياً أو ميتاً، وقاله مالك، ولمالك قول آخر أنها لا تكون بذلك أم ولد، وقاله أكثر الرواة في المدبر خاصة إذ كان للسيد انتزاعها. قالوا: وأما المكاتب فهي له أم ولد إذا عتق إذ كان السيد ممنوعاً من ماله. وليس للمدبر أن يبيع أم ولده في حياة سيده إلابإذنه، وللسيد انتزاعها إذا شاء. وإذا مات المدبر وترك ولداً حدث في تدبيره من أمته ثم مات السيد كانت أم ولد المدبر، وما ترك من مال لسيده، ويعتق ولده في ثلث السيد بعد موته.

2183 - ومن باع صبياً ولد عنده أو لم يولد عنده ثم استلحقه بعد طول الزمان، لحق به ورد الثمن إلا أن يتبين كذبه. ومن استلحق ولداً لا يعرف له نسب، لحق به، وإن لم يعرف أنه ملك أمة بشراء أو نكاح، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته لحقا به، إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله فلا يلحق به، ومما يعرف به كذبه أن يكون له أب معروف، أو هم من المحمولين من بلدة يعلم أنه لم يدخلها قط، كالزنج والصقالبة، أو تقوم بينة أن أم هذا الصبي لم تزل متزوجة لغير هذا المدعي حتى ماتت، وإن قالوا: لم تزل ملكاً لغيره، فلا أدري ما هذا، ولعله تزوجها. وإن استلحق محمولاً من بلدة دخلها لحق به، والذي يبتاع أمة فتلد بعد الشراء بأيام فيدعيه، فهذا ممن قد تبين كذبه إلا أنه لا يحد، ولا يلحق به [الولد] إلا أن يكون كانت له زوجة ثم ابتاعها وهي حامل فتجوز دعواه. 2184 - ومن وُلد عنده صبي فأعتقه ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق به وإن أكذبه الولد. ومن استلحق صبياً في ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره لم يصدق إذا أكذبه الحائز لرقه أو لولائه، ولا يرثه إلا ببينة تثبت، وكذلك إن استلحق ابن أمة لرجل وادعى نكاحها وأكذبه السيد لم يلحق به، إلا أن يشتريه فيلحق به ويعتق، كمن ردت شهادته بعتقه

ثم ابتاعه، ولأنه ادعاه بنكاح لا بحرام، وإن ابتاع الأم لم تكن به أم ولد [له] ، فإن أعتقهم سيدهم قبل أن يبتاعهم مستلحقهم، لم يثبت نسبهم منه ولا يوارثهم، إلا بأمر يثبت، لأن الولاء قد ثبت لسيدهم فلا ينتقل عنه إلا ببينة. 2185 - ومن باع أمة فأعتقت لم تقبل دعوى البائع أنه كان أولدها إلا ببينة، ومن ابتاع أمة فولدت عنده ما بينها وبين أربع سنين ولم يدعه، فادعاه البائع، فإنه يلحق به ويرد البيع، وتعود هي أم ولد له، إن لم يتهم فيها، فإن ادعاه بعد عتق المبتاع الأم والولد، ألحقت به نسب الولد، ولم أُزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما ويرد البائع الثمن، وكذلك إن استلحقه بعد موتهما، ولو عتقت الأم خاصة لم أقبل قوله فيها، وقبلته في الولد، [ولحق به] ورد الثمن لإقراره أنه ثمن أم ولده، ولو كان الولد خاصة هو المعتق، أثبت الولاء لمعتقه وألحقت الولد بمستلحقه، وأخذ الأم إن لم يتهم فيها لدناءتها ورد الثمن، وإن اتهم فيها لم ترد إليه، وكذلك الجواب إذا باع الأمة وهي حامل فولدت عند المبتاع فيما ذكرنا. قيل لابن القاسم في باب آخر: أرأيت من باع صبياً ولد عنده فأعتقه المبتاع ثم استلحقه البائع أتقبل دعواه وينقض البيع فيه والعتق؟ قال: إن لم يتبين كذب البائع فالقول قوله.

2186 - قال غيره: من باع أمة وولدها، وقد ولدته عنده أو عند المبتاع لمثل ما تلد له النساء، ولم يطأها المبتاع ولا زوج، أو باعها وحبس ولدها، أو باع الولد وحبسه ثم استلحق الولد، والولد والأم عند المبتاع أو أحدهما وقد أحدث فيهما أو في أحدهم عتقاً أو تدبيراً أو كتابة، أو لم يحدث شيئاً، فذلك كله منتقض ويردان أو أحدهما إلى البائع، والولد لاحق به والأم أم ولد له، ويرد هو الثمن. قال سحنون: فإن كان عديماً فبعض أصحابنا يقول: يتبع بالثمن ديناً، وقال آخرون - وقاله مالك -: يرد إليه الولد [خاصة] بما ينويه من الثمن للحوق النسب وأنه يرد إلى حرية ولا ترد الأم، لأنه يتهم أن يردها إلى المتعة بغير أداء ثمن وإذا لم يولد الولد عند بائع ولا مبتاع لما تلحق إلى مثله الأنساب لم أنقض بذلك صفة مسلم، أحدث المبتاع في ذلك عتقاً أم لا، لأن النسب لا يلحق أبداً إلا أن تلد الأمة وهي في ملكه أو عند من ابتاعها منه ولم يحز الولد نسباً معروفاً، أو كانت عنده

زوجة لمثل ما تلحق فيه الأنساب، ولم يتبين كذبه، وإلا لم يلحق به أبداً. 2187 - وإذا ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فأنكر، لم أحلفه لها، إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، وامرأتين على الولادة، فتصير أم ولد، ويثبت نسب ولدها إن كان معها ولد، إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء، فيكون ذلك له، وإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وامرأة على الولادة، أحلفته. 2188 - وإن ادعى اللقيط ملتقطه أو غيره أنه ابنه لم يلحق به إلا ببينة. قال مالك: أو يكون لدعواه وجه، كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد، وزعم أنه رماه، لأنه يسمع أنه إذا طرحه عاش ونحوه مما يدل على صدقه، فيلحق به، وإلا لم يصدق. وقال غيره: إذا علم أنه لقيط، لم تثبت فيه دعوى أحد إلا ببينة. (¬1) وإن ادعت امرأة لقيطاً أنه ابنها لم تصدق، وإن ادعاه نصراني وقد التقطه مسلم ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (8/247) ، والتقييد (3/131) .

فإن شهد له مسلمون لحق به وكان على دينه، إلا أن يسلم قبل ذلك ويعقل الإسلام فيكون مسلماً، والحملاء إذا أُعتقوا فادعى بعضهم أنهم إخوة بعض أو عصبتهم، قال مالك: أما الذين سبوا - أهل البيت، والنفر اليسير يتحملون إلى الإسلام فيسلمون - فلا يتوارثون بقولهم، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض، إلا أن يشهد من كان ببلدهم من المسلمين، وأما إن تحمّل اهل حصن أو عدد كثير فأسلموا، فإنه تقبل شهادة بعضهم لبعض، ويتوارثون بذلك، وقضى عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أن لا يتوارث أحد من الأعاجم إلا من ولد في العرب. 2189 - ابن القاسم: وإذا كانت الأمة بين رجلين [حرين] أو عبدين، أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر مسلم، فوطئاها في طهر واحد فأتت بولد فادعياه، دُعي [له] القافة، فمن ألحقوه به كان ينسب إليه، وإن اشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء، فإن والى الذمي لحق به، ولم يكن الولد إلا مسلماً،

وإن مات الولد قبل الموالات عن مال فهو بين الأبوين نصفين، ولو وطئها أحدهما في طهر والآخر في طهر بعده، فأتت بولد، فهو للآخر إن وضعته لستة أشهر من مسيسه، وعلي لشريكه إن كان ملياً نصفقيمتها فقط يوم الوطء، أو يوم الحمل، كيف شاء شريكه، ولا صداق عليه ولا قيمة ولد في ملائه، وإن كان عديماً اتبع بنصف قيمة الأمة مع نصف قيمة الولد، وبيع عليه نصفها في ذلك، فإن كان ثمنه كفافاً لنصف قيمتها أتبعه بنصف قيمة الولد، وإن كان انقص أتبعه بما نقص مع نصف قيمة الولد، والولد حر لاحق النسب لا يباع منه شيء. 2190 - قال مالك: ومن وطئ أمته ثم باعها، فوطئها المبتاع في ذلك الطهر، فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو للبائع، وهي أم ولد له، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم البيع فادعياه دُعي له القافة فيكون ابناً لمن ألحقته القافة [به] ، والأمة أم ولد له، وإن أشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء. قال يحيى بن سعيد: ولو أسقطت عتقت عليهما، قضي بالثمن عليهما، وجلدا

خمسين خمسين، وكذلك لو ماتت قبل أن تضع فمصيبتها منهما. قال ابن القاسم: وإن كان المشتري إنما وطئها بعد أن استبرأها بحيضة لحق الولد بالمبتاع إن ولدته لستة أشهر فصاعداً من يوم وطئ، وإن ولدته لأقل من ذلك لم يلحق بالمبتاع وإن ادعاه، لأنه قد بان كذبه، ولا يحد، ولحق بالبائع إلا أن يدعي استبراء. وإنما القافة في الأمة توطأ بالملك على ما ذكرنا ولا قافة في الحرائر، فإذا تزوجت المطلقة قبل حيضة فأتت بولد لحق بالأول، لأن الولد للفراش، والثاني لا فراش له إلا فراش فاسد، وإن تزوجت بعد حيضة ودخل بها، لحق الولد بالآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر. 2191 - قال مالك: وإنما ألاط عمر - رضي الله عنه - في الحرائر بالقافة أولاد الجاهلية بآبائهم من الزنا، واحتج بذلك مالك في توأمي المستحملة أنهما يتوارثان من قبل الأم والأب. قيل لابن القاسم: فلو أسلم قوم من الحربيين أتليط بهم أولادهم من الزنا بالقافة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، ولكن وجه ما جاء عن عمر

لو أسلم أهل دار من أهل الحرب كان ينبغي أن يصنع بهم ذلك، لأن عمر - رضي الله عنه - قد فعله وهو رأيي. 2192 -[قال مالك:] وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما فلم تحمل، فشريكه مخير في التماسك بنصيبه أو اتباع الواطئ بنصف قيمتها يوم وطئها، وإنما قومت عليه يوم الوطء، لأنه كان ضامناً لها لو ماتت بعد وطئه، حملت أو لم تحمل [ولا حد على الواطئ] ولا عقوبه عليه، ويؤدب غن لم يعذر بجهل، وإن حملت قُومت على الواطئ يوم الوطء إن كان مليئاً، ولا تماسك لشريكه، ويلحق الولد بالواطئ، وهي به أم ولد له. قال ابن القاسم: فإن كان الواطئ عديماً فقد بلغني أن مالكاً قال قديماً: تكون له أم ولد، ويتبع بنصف قيمتها، ولا قيمة عليه في الولد، وآخر قوله - وبه آخذ -

أن يقوّم عليه نصفها، ويباع نصفها فيما يلزمه من نصف قيمتها فما نقص عن ذلك أتبعه به مع نصف قيمة الولد، ولا يباع من الولد شيء، وهو حر ثابت النسب. قال ابن القاسم: ويعتق عليه هذا النصف الذي بقي في يديه، إذ لا متعة له فيه وقد قال مالك فيمن أولد أمته ثم ألفاها أخته من الرضاعة: إن الولد لاحق به ويُدر عنه الحد وتعتق عليه، لأن وطأها قد حرم عليه ولا خدمة له فيها. وقال غيره: الشريك في عدم الواطئ مخير بين أن يتماسك بنصيبه ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ديناً، أو يضمنه ويتبعه في ذمته، وليس هو كعديم أعتق حصته من عبد فأراد الشريك أن يضمنه، فليس ذلك عليه، لأنه إنما أعتق نصيبه فقط وفي الوطء وطئ حصته وحصة شريكه، فإن تماسك بنصيبه ولم يتبع الواطئ بقي نصيب الواطئ بحال أو الولد ولا يعتق عليه، إذ لعله يملك باقيها فيحل له وطؤها، إلا أن يعتق المتمسك بالرق نصيبه فيعتق على الواطئ نصيبه، إذ لا يطؤها بملك أبداً، وإذا تماسك الشريك [بنصيبه] وترك تضمين الواطئ لعدمه ثم أراد التقويم عليه بعد يسره أو شاء ذلك الواطئ فأباه المتمسك، لم يلزم الآيي

منهما، ولو طاعا بذلك لم تكن للواطئ كلها بمحل أم ولد، للرق الذي بقي فيها إلا أن يولدها ثانية. قال سحنون: والاختلاف بين أصحابنا في هذه المسألة كثير، وهذا أحسن ما سمعت من ذلك. 2193 - قال ابن القاسم: وإذا أتت [أمة] بين رجلين بولد، فادعاه أحدهما، لزمه نصف قيمتها يوم الحمل، وليس عليه نصف صداق، وإن أقر أنه زنى بأمة لغيره فأتت بولد منه، لم يلحق به وحُدّ، وإن ابتاعها لم يلحق به الولد، ولا يعتق عليه، وإن كان الولد جارية، لم يحل له وطؤها أبداً. 2194 - ومن أخدم أمته سنين ثم وطئها السيد فحملت، فإن كان مليئاً كانت له أم ولد، وأخذ منه مكانها أمة تخدم في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه والأولى حية فلا شيء

عليه، وقيل: تؤخذ منه قيمتها فيؤاجر منها خدام، فإن ماتت الأولى وانقضت اسنون وقد بقي من القيمة شيء أخذه السيد، وإن نفدت القيمة والأولى حية ولم تنقض المدة، فلا شيء عليه. * * *

(كتاب الولاء والمواريث)

(كتاب الولاء والمواريث) 2195 - قال مالك: ومن أعتق عبداً عن رجل حي أو ميت، بأمره أو بغير أمره، قالوا للمعتق عنه وميراثه له، لأن من أعتق سائبة لله فولاؤهم للمسلمين وعليهم العقد ولهم الميراث، ومعنى السائبة أنه أعتق عن المسلمين.

وإن أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل، ولا يجره عبده إن عتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك، أنه لا يجره الولاء. وقال أشهب: يرجع إليه الولاء، لأنه يوم عقد عتقه، لا إذن للسيد فيه ولا رد. 2196 - ومن جعل لرجل مالاً نقداً أو مؤجلاً على تعجيل عتق عبده أو تعجيل عتق مدبره، ففعل، جاز ولزمه المال، والولاء للذي أعتق وأخذ المال، وإن كان عتق العبد إلى أجل والمال حال، أو إلى أجل، فلا خير فيه، كمن أخذ مالاً على تدبير عبده أو كتابته، [فذلك لا يجوز] ، لأنه غرر. ومن أعتق عبده عن امرأة للعبد حرة، فولاؤه لها بالسنة (¬1) ، ولا يفسخ النكاح، لأنها لم تملكه، ولو دفعت الحرة مالاً لسيد زوجها على أن أعتقه عنها فسخ النكاح، وذلك شراء لرقبته وولاؤه لها. ¬

(¬1) والآثار كما في المدونة، وانظر: المصنف لعبد الرزاق (9/25، 26) ، فما بعدهما.

وقال أشهب: لا يفسد النكاح لأنها لم تملكه. 2197 - ومن أعتق عبداً عن أبيه أو أخيه المسلم، فالولاء للمعتق عنه، وإن أعتق عبد مسلماً عن أبيه النصراني، فلا ولاء له، وولاؤه للمسلمين، ولو كان العبد نصراني كان ولاؤه لأبيه. 2198 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً أو أسلم المعتق وللسيد ورثة أحرار مسلمون رجال، مثل: أب، أو أخ، أو ابن عم، أو ابن ابن، فولاء العبد وميراثه إن مات لورثة سيده المسلمين دون السيد وإن كان حياً، لأن الولاء كان للسيد، إذ كان نصرانياً فلما أسلم العبد لم يرثه لاختلاف الدينين ولا يحجب السيد ورثته، لأن كل من لا يرث فلا يحجب. ألا ترى أنه لو مات لهذا النصراني ولد مسلم أن عصبة النصراني المسلمين رثون الولد، قال: فإن أسلم السيد رجع إليه ولاء هؤلاء. 2199 - ولو أعتق نصراني من بني تغلب أو غيرها من العرب عبيداً له نصارى

ثم أسلموا وهلكوا عن مال، فميراثهم وولاؤهم لعصبة سيدهم إن كانوا مسلمين يعرفون، وما جنى العبيد بعد إسلامهم، فعقلهم على بني تغلب. (¬1) وأما إن أعتق نصراني من العرب أو [من] غيرهم عبيداً له قد أسلموا، أو ابتاع مسلماً فأعتقه، فولاء العبيد وميراثهم لجميع المسلمين دون السيد ودون ورثته المسلمين، ولو أسلم السيد بعد ذلك، لم يرجع ولاؤهم إليه. 2200 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً إلى أجل أو كاتبه، ثم أسلم العبد قبل الأجل بيعت الكتابة وآجرنا المؤجل، فإذا حل الأجل وأدى المكاتب كتابته عتق وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يسلم السيد فيرجع إليه الولاء، لأنه عقد له العتق والعبد على دينه، فلا ينظر إلى يوم تمام حريته، وإن كان العبد يوم عقد له العتق مسلماً، فأعتقه بتلاً أو إلى أجل، أو كاتبه ثم أسلم السيد قبل الأجل، أو قبل أداء الكتابة، أو بعد ذلك، فإن ولاء العبد إذا أعتق لجميع المسلمين دون السيد. وإن أسلمت أم ولد الذمي فعتقت عليه، كان ولاؤها للمسلمين، فإن أسلم ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/495) .

سيدها بعد ذلك رجع ولاؤها إليه وقد تقدم في كتاب التدبير ذكر مدبر الذمي يسلم. 2201 - ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو تصدق [بغير إذنه] فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل ولم يلزم العبد ولا المكاتب إن عتقا، وإن لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا، مضى ذلك وكان الولاء لهما، إلا أن يكون السيد قد استثنى مال عبده حين أعتقه، فيرد فعل العبد ويكون من أعتق [متقدماً] بغير إذنه رقاً للسيد، ومن أعتق بإذن السيد جاز، والولاء للسيد إلا أن يعتق المكاتب فيرجع إليه الولاء، إذ ليس للسيد انتزاع ماله، وأما العبد فلا يرجع إليه الولاء وإن أعتق. وعتق أم الولد لعبدها على ما وصفنا في عتق العبد لعبده. 2202 - وإذا كاتب المسلم عبده النصراني، فكاتب المكاتب عبداً [له] نصرانياً،

ثم أسلم الأسفل، فلم تُبع كتابته وجُهل ذلك حتى أديا جميعاً وعتقا، فولاء المكاتب الأعلى لسيده، ولا يرثه لاختلاف الدينين ويرثه المسلمون، ولو أسلم كان ميراثه للسيد، وولاء المكاتب الأسفل للسيد الأعلى ما دام سيده نصرانياً. ولو ولد للمكاتب الأعلى بعد العتق ولد فبلغ وأسلم ثم مات، [فولاؤه] لورثة موالي أبيه، فأما إن أعتق عبيداً [له] مسلمين ثم ماتوا عن مال، فميراثهم لبيت المال لا للسيد، إذ لم يثبت له ولاؤهم فيجره إلى السيد، ولو كان العبيد إنما أسلموا بعد أن عتقوا لورثهم سيدهم، أو ولده المسلمون إن كانوا لهذا المكاتب النصراني، وكل من لا يرجع إلى النصراني من ولائه شيء إذا أسلم هو، فليس [لسيده] من ذلك الولاء شيء، وكل ولاء إذا أسلم النصراني يرجع إليه، فذلك الولاء ما دام نصرانياً لسيده الذي أعتقه. 2203 - ومن أعتق أمة له حاملاً من زوج حر، فولاء ما في بطنها للسيد، قال عطاء بن أبي رباح: وميراثه لأبيه. قال يحيى بن سعيد في عبد تزوج أمة بغير إذن سيده فأولدها فعتق الولد قبل أبويه ثم عتقا، فهما يرثانه ما بقيا، فإن ماتا فولاء الولد لمن أعتقه، ولا يجر الوالد ولاء ولده إلى سيده.

2204 - قال مالك: وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو أسلم بعد خروجه، فهو حر وولاؤه للمسلمين، ثم إن أسلم سيده بعده وقدم [إلينا] ، لم يرده في الرق ولم يرجع إليه ولاؤه، لأنه قد ثبت للمسلمين، [فأما] إن أعتقه ببلد الحرب، ثم أسلم العبد وخرج إلينا، ثم خرج سيده بعد ذلك فأسلم، رجع ولاؤه إليه إن ثبت عتقه إياه ببينة مسلمين من أسارى أو تجار أو أهل حصن يسلمون. قال ابن القاسم: وإن قدمت إلينا حربية بأمان فأسلمت فولاؤها للمسلمين، فإن سبي أبوها بعد ذلك فعتق وأسلم، جر ولاءها لمعتقه إذ لم يملك ولاءها أحد برق تقدم فيها أو في أبيها. وقال سحنون: لا يجر الأب ولاءها، لأنه قد ثبت للمسلمين. قال ابن القاسم: وإذا أعتق الذمي عبيداً له نصارى ثم أسلموا، ثم لحق السيد بأرض الحرب ناقضاً للعهد فسبي ثم أسلم، رجع إليه ولاؤهم، ولا يرثهم لما فيه من

الرق، فيكون ميراثهم للمسلمين إلا أن يعتق، ولا يرثهم سيده الذي استرقه ما دام هو في الرق، ولا يشبه هذا المكاتب الأسفل يؤدي قبل الأعلى ثم يموت عن مال، هذا يرثه السيد الأعلى، لأنه قد أعتقه مكاتب هو في ملكه بعد، وهذا قد أعتق هؤلاء وهو حر قبل أن يملكه هذا السيد، فإن أُعتق كان ولاؤهم له، ولا يجرهم إلى معتقه الآن، وإنما يجر إليه ولاء ما يعتق أو يولد له من ذي قبل، فأما ما تقدم له من عق أو ولد فأسلموا قبل أن يوسر فلا يجر ولاءهم إلى معتقه، لأن ولاءهم قد ثبت للمسلمين، ولو صار هذا النصراني حين سبي في سهم عبده هذا المسلم الذي كان أعتق فأعتقه بعد أن صار في سهمه ثم أسلم هو أيضاً فولاء كل واحد منهما وميراثه لصاحبه. 2205 - وإن أعتق مسلم نصرانياً ثم لحق النصراني بدار الحرب ناقضاً للعهد فهو فئ، فإن عتق فولاؤه لمعتقه أخيراً، فإن كان قبل أن يلحق بدار الحرب قد أعتق عبيداً له نصارى أو تزوج نصرانية حرة فولدت منه أولاداً ثم أسلموا، كان ولاؤهم لمولاه الأول، لأن ذلك قد ثبت له، ويكون ولاؤه هو وولاء من يولد له أو يعتق من الآن لمولاه الثاني، ولا يجر إليه ما كان من ذلك قبل الرق الثاني، وإنما يجر مثل هذا العبد يتزوج حرة فيولدها والأملاك تتداوله حتى يعتق، فيجر ولاء كل ولد له منها إلى معتقه.

2206 - ومن شهد على رجل أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبداً له في وصيته ثم ورثه عنه بأسره، أو أقر بعد أن اشترى عبداً أنه حر، أو أن البائع أعتقه والبائع منكر، أو قال: كنت بعت عبدي هذا من فلان فأعتقه، وفلان يجحد ذلك، فالعبد في ذلك كله حر بالقضاء، وولاؤه لمن زعم هذا أنه أعتقه. ومن اشترى أمة ثم أقر انها أم ولد لبائعها، فذلك يلزمه ولا سبيل له عليها، إلا أني لا أعجل عتقها حتى يموت البائع، إذ لعل البائع يقر بذلك، فتعود أم ولد له. 2207 - وإذا أعتق المكاتب عبده على مال، فإن كان المال للعبد لم يجز، لأنه قادر على انتزاعه، وإن لم يكن له، جاز على وجه النظر، لأن له أن يكاتب عبده على وجه النظر وإن كره سيده، فإن أدى كتابته كان له ولاء مكاتبه، وإن عجز كان ولاء مكاتبه لسيده. ومن قال لمكاتب أو لعبد مأذون له في التجارة: أعتق عبدك هذا عني ولك ألف

درهم، ففعل، جاز له ذلك، لأنه بيع، وبيعهما جائز، وإن قال للمكاتب: أعتقه على ألف درهم، ولم يقل: عني، [فالعتق جائز] إذا كانت الألف ثمناً للعبد أو أكثر من ثمنه، والولاء للمكاتب إن عتق، وإن عجز فالولاء لسيده، ولا شيء للذي أعطى الألف من الولاء، وتلزمه الألف الدرهم، كمن قال لرجل: أعتق عبدك على ألف درهم، ولم يقل: عني، فأعتقه، لزمته الألف، والولاء للذي أعتق. وما ولد للمدبرة أو المكاتبة من زوج حر أو مكاتب لغير سيدها، فإن ولدها منه بمنزلتها في الرق والعتق، وولاؤهم لسيدها دون سيد الأب، وكذلك لو وضعته المكاتبة بعد الأداء، إذ مسه الرق في بطنها، ألا ترى أن من أعتق أمته وهي حامل من زوج عبد فولدت بعد العتق أن ولدها حر، وولاؤه لسيد الأمة، ولا يجر الأب ولاءه. 2208 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً من زوجة حرة وولداً حدثوا له في الكتابة من أمته وترك وفاءً بالكتابة، أو لم يترك شيئاً فأدى عنه ولده الذين في الكتابة، لم يجر السيد ولاء ولده من الحرة في الوجهين، لأنه مات قبل تمام حريته، ولا يجر إلى السيد الولد الذين في الكتابة، ولا إخوتهم.

ولو كان للمكاتب الميت مكاتب فأدى الأسفل، كان ولاؤه للولد الذين [معه] في الكتابة دون ولد الحرة كفاضل ماله، ولو لم يمت الأعلى حتى أدى الأسفل، ثم أدى [الأعلى] ، رجع إليه ولاء الأسفل دون سيده. 2209 - ومن أسلم من الذميين فعقلهم وجرائر مواليهم على بيت المال، ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفون، وكذلك من أسلم من الأعاجم والبربر والسودان والقبط، ولا موالي لهم فعقلهم على المسلمين، وميراثهم لهم وليس إسلام الرجل على يد الرجل بالذي يجر ولاءه. 2210 - قال مالك: ولا يرث أحد أحداً إلا بنسب قرابة أو بولاء عتاقة [أو بعصمة نكاح] . 2211 - ومن أوصي له بمن يعتق عليه إذا ملكه والثلث يحمله، عتق عليه قبله أم لا، وله ولاؤه، ويبدّى على الوصايا. قال أشهب: وهو مضار في ترك قبول الوصية إذا كان الثلث يحمله، ولا يلزمه تقويم. قال مالك: فإن لم يسع الثلث إلا بعضه، فإن

قبله، قُوّم عليه بقيته، وعتق وكان الولاء له، وإن لم يقبله فروي عن مالك أن الوصية تسقط، وكذلك إن أوصي له ببعضه والثلث يحمله، فإن قبله بدّي به وقوّم عليه باقيه، وكان له الولاء، وإن أوصى المولى عليه بمن يعتق عليه فلم يحمله الثلث فقبله وليه ولم يعتق منه إلا ما حمل الثلث، ولا يقوم عليه باقيه، وليس للوصي ألا يقبله. وهذا في كتاب العتق مستوعب. 2212 - وإذا أعتق المسلم نصرانياً فله ولاؤه ولا يعقل عنه ما جنى، لا هو ولا قومه، ولا يرثه، لاختلاف الدينين، ويعقل عنه المسلمون، وهم يرثونه إن لم تكن له قرابة على دينه، ولا جزية عليه، ولو قتله أحد كان عقله للمسلمين، وقال نافع: لا يرث مسلم كافراً إلا الرجل عبده أو مكاتبه. 2213 -[قال ابن القاسم:] وإذا أعتق قرشي وقيسي عبداً بينهما [معاً] ، فجريرته

على قريش وقيس، وتكتب شهادته: فلان مولى فلان القرشي وفلان القيسي. وإذا كان عبد مسلم بين ذمي ومسلم قرشي فأعتقاه معاً، فولاء حصة الذمي للمسلمين، ولو كان العبد نصرانياً فأعتقاه معاً ثم جني جناية كان نصفها على بيت المال لا على المسلم، لأنه لا يرثه، ونصفها على أهل خراج الذمي الذي يؤدون معه. ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى [جناية] ، كانت حصة الذمي على المسلمين دون أهل خراج الذمي، لأنهم وارثوا حصته، والنصف على قوم القرشي، لأنه صار وارثاً لحصته منه، وإن أسلم الذمي رجع إليه ولاء حصته منه، ثم يكون ما جنى بعد ذلك خطأ نصفه في بيت المال ونصفه على قوم القرشي. (¬1) 2214 - واللقيط حر وولاؤه للمسلمين لا لمن التقطه، وليس له أن يوالي من شاء، والمسلمون يعقلون عنه ما جنى، ويرثونه، ومن أنفق عليه، فلا يرجع عليه بشيء، لأن ذلك على معنى الحسبة، إلا أن يكون له مال وُهب له، فليرجع عليه بما أنفق في ماله. وتفسير قول الله عز وجل: ×وَفِي الرِّقَابِ% (البقرة: 177) هي الرقبة تعتق من الزكاة، ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/268) .

فولاؤها لجميع المسلمين. 2215 - ولو تزوج عبد حرة فولدت منه أولاداً، فعتق [العبد] من الزكاة، كان ولاؤه وولاء ولده الأحرار لجميع المسلمين. 2216 - وعقل الموالي المرأة على قومها وميراثهم إن ماتت هي، لولدها الذكور، فإن لم يكن لها ولد فذلك لذكور ولد ولدها الذكور دون الإناث، وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي، فإذا انقرض ولدها وولد ولدها، رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين [هم] أقعد بها يوم [موت] الموالي دون عصبة الولد، وقاله عدد من الصحابة والتابعين. 2217 - ومن أسلم فكان ولاؤه للمسلمين، فتزوج امرأة من العرب أو من الموالي معتقة، فولدت منه أولاداً، فولاء الولد للمسلمين، فإن مات الأب ثم مات ولده بعده كان ميراثهم للمسلمين. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (8/370) .

2218 - وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر عليه ولاء، فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث ولده من كان يرث الأب إن كان الأب قد مات، ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته ولا صدقته. 2219 - وإذا تزوجت الحرة عبداً فولدت منه أولاداً، كان ولاء الولد لومالي الأم ما دام الأب عبداً، فإن عتق الأب جر ولاءهم لمعتقه، وهذا كولد الملاعنة ينسب إلى موالي أمه وهم يرثونه ويعقلون عنه، ثم إن اعترف به أبوه، حد ولحق به، وصار ولاؤه لموالي أبيه وعقله عليهم، وكذلك لو كان لولد العبد من الحرة جد أو جد جد حر قد عتق قبل الأب، لجر ولاءهم إلى معتقه. 2220 - ولا تجوز شهادة النساء في ولاء ولا نسب ولا عتق، لا على علمهن ولا على سماع، قال مكحول: لا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله تعالى في الدين، والشهادة على الشهادة في الولاء جائزة، وشهادة رجلين تجوز على شهادة عدد كثير. قال مالك: وإن شهد رجلان على السماع أن هذا الميت مولى فلان أعتقه،

تأنى الإمام، فإن لم يأت من يستحق ذلك قضى له بالمال مع يمين الطالب، ولا يجر بذلك الولاء، وقال أشهب: يكون له ولاؤه وولاء ولده بشهادة السماع. قال: وكذلك لو أقر رجل أن فلاناً مولاه، ثم مات ولم يُسأل أمولى عتاقة أو غير عتاقة؟ رأيته مولاه ويرثه بالولاء. 2221 - قال ابن القاسم: وإن شهد شاهد [واحد] على السماع، لم يحلف معه، ولا يستحق به من المال شيئاً، لأن الشهادة على السماع إنما هي شهادة على شهادة، فلا تجوز شهادة واحدة على شهادة غيره. قال غيره: وإذا شهد شاهد على البت في الولاء أو في النسب، لم يحلف

معه ويستحق المال، لأن المال لا يستحق حتى يثبت الولاء أو النسب، وثبوتهما لا يتم إلا بشاهدين، ألا ترى أن مالكاً قال في أخوين أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر، أن المقر به لا يحلف ويثبت مورثه من جميع المال، لأنه لا يثبت له المال إلا بثبات النسب، ولكن يعطيه المقر ثلث ما في يديه. وقال غيره: إنما استحسن في شاهد على البت في الولاء، وبشاهدين على السماع إن قضى له بالمال مع يمينه بعد الاستثناء، لأن المال ليس له طالب ولا نسب معروف، كما أن إقرار الأخ بأخيه يوجب له أخذ المال، ولا يثبت له النسب. وقد قال مالك نحو هذا في كتاب الشهادات. 2222 - قال ابن القاسم: ومن أقام بينة على أن هذا الميت مولاه، لا يعلمون له وارثاً غيره، لم تتم الشهادة حتى يقولوا: أعتقه أو أعتق أباه، أو يشهدوا على إقرار الميت أنه مولاه، أو على شهادة بينة أن هذا مولاه. قال أشهب: إن قدر على البينة لم يقض بها حتى يكشفوا عن ذلك، وإن لم يقدر عليهم حتى ماتوا، قضي له بالمال وبالولاء.

ومسألة شهادة الأعمام وبنيهم في الولاء مذكورة في كتاب الشهادات. 2223 - ومن أقر أن فلاناً أعتقه وفلان يصدقه، فإنه يستحق بذلك ولاءه وإن أكذبه قومه، إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك فيؤخذ بها، وكذلك إن أقر بذلك عند الموت، فإنه يصدق ويرثه فلان إن لم تقم بينة بخلاف ذلك. ومن أقر أن أباه أعتق هذا العبد في صحة أو مرض، والثلث يحمله، فإن لم يرث الأب غيره، جاز العتق ولزمه، وكان ولاؤه للأب، وإن كان معه وارث غيره، لم يجز قوله. وهذا مذكور في كتاب العتق. 2224 - وإذا أُعتقت أمة وهي تحت حر، فولدت منه ولداً، وقالت: عُتقت وأنا به حامل، وقال الزوج: بل حملت به بعد العتق فولاؤه لموالي، فالقول قول الزوج. قال أشهب: ولو أقر الزوج بقولها، لم يصدق إلا أن تكون بينة الحمل يوم العتق، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم العتق.

ومن ادعى أنه ابن فلان، أو أبوه، أو أنه مولاه من أسفل أو من فوق، وفلان يجد، فله إيقاع البينة عليه، ويقضي له، وكذلك في الأمومة والأخوة. ومن مات وترك ابنتين فادعى رجل انه أعتق هذا الميت وأنه مولاه، وصدقته إحدى الابنتين، لم يأخذ مما بيدها شيئاً، ولا يثبت له ولاء، فإذا ماتت ولم تدّع وارثاً غيره ولا عصبة فإنه يحلف ويرثها، ولو أقرت البنتان أنه مولى أبيهما وهما عدلتان، حلف معهما وورث الثلث الباقي إن لم يأت أحد بأحق من ذلك من ولاء ولا عصبة ولا نسب معروف، ولا يستحق بذلك الولاء. وقال غيره: لا يحلف مع إقرارهما، ولا يرث الثلث الباقي، لأنهما شهدتا على عتق، وشهادتهما في العتق لا تجوز. ولو أقرتا أنه مولاهما ورثهما إذا لم يعرف باطل قولهما، كمن أقر أن فلاناً مولاه، ولا يعرف كذبه. ومن قال: فلان أعتقني فأنكر ذلك فلان، فلا يمين عليه. قيل: فإن أقام شاهداً واحداً أتحلفه، فإن أبى سجنته؟ قال: لا أسجنه، ولكن يقال له: إئت بشاهد آخر وإلا فلا ولاء له عليك. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (3/144) .

والرجلان يدعي كل واحد منهما أنه مولى فلان من فوق، وفلان مقر بأحدهما وأقاما البينة، فإنه يُقضى لأعدلهما بينة، ولا ينظر إلى إقرار المولى لأحدهما، فإن تكافأت البينتان سقطتا، وكان الولاء للمقر له [منهما] كحق حازه. 2225 - ومن ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم أقام آخر البينة أنه مولاه، وأقام قابض الميراث مثلها، وتكافأتا، فالمال بينهما. قيل: ولم؟ وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فإن المال للذي هو في يديه. قال: إنما ذلك إذا لم يعرف أصل المال، وهذا قد عرف أصله. وقال غيره: هو للذي [هو] في يديه، كمن في يده ثوب فادعاه رجل، وأقام بينة أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه، وأن المدعي اشتراه منه، وأقام حائزه بينة مثلها، وقد مات البائع ولم تؤرخ البينتان، وهما في العدالة سواء، سقطت البينتان، وبقي الثوب لحائزه، ويتحالفان.

2226 - ومن مات وترك موالي ورث ولاءهم أقعد الناس بالميت من المذكور، فإن ترك الميت [ابنين] ورثا [ولاء مواليه، ثم إن مات أحدهما وترك ولداً، فولاء الموالي لأخ الابن الميت دون ولده، وإن مات الابنان جميعاً وترك أحدهما ابناً والآخر أربع [بنين] ، كان ولاؤه بينهم أخماساً، والابن وابن الابن اولى بالولاء] من الأب ومن الأخوة، والأب أولى من الأخ، والأخ وابن الأخ أولى من الجد، وأخ لأبوين أولى من أخ الأب، وأخ لأب أولى من ابن أخ لأبوين، وابن أخ لأبوين أولى من ابن أخ لأب، وابن أخ لأب أولى من ابن ابن أخ لأبوين، والعم الشقيق أولى من العم للأب، وابنه أولى من ابن العم للأب، [و] هكذا حكم الولاء، أن يرثه الأقعد بالميت الأول الذي أعتق دون ورثة من حازه بعد على ما ذكرنا، وقاله عدد من الصحابة والتابعين. 2227 - ولا يرث الأخ للأم من الولاء شيئاً، وإن لم يترك الميت غيره، والعصبة أحق منه إلا أن يكون من العصبة، فيرث معهم. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الفواكه الدواني (2/250) ، والتقييد (3/144) ، والتاج والإكليل (373) .

وإذا أعتق رجلان عبداً، فمات أحدهما وترك عصبة أو بنين، ثم مات المولى، كان نصف ميراثه للحي، والنصف لورثة الميت المذكور. قال سليمان بن يسار: لا يرث الرجل ولاء موالي امرأته، ولا المرأة ولاء موالي زوجها. 2228 - ومن مات وترك بنات لصلبه وابن ابن أو عصبة، وترك موالي كان ولاؤهم لابن الابن والعصبة دون البنات. ولا يرث أحد من النساء ولاء من أعتق أب لهن أو أم أو أخ أو ابن، والعصبة أولى بالولاء منهن، فإن مات مولى لأب لهن أو لأخ ولم يدع وارثاً ولا عصبة لمولاه، فميراثه لبيت المال دونهن. 2229 - ولا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن، أو ولد من أعتقن من ولد الذكور، ذكراً كان [ولد هذا الذكر] أو أنثى. ومولى النعمة أحق بميراث الميت من عمة الميت وخالته، ولو انفردتا لم ترثا، ويكون ما ترك الميت للعصبة. وإذا أعتقت امرأة امرأة فولدت المعتقة من الزنا أو من زوج، ثم نفاه ولاعن فيه، كان ميراث هذا الولد للمرأة التي أعتقت أمه. ومن اشترى أخاه فعتق عليه، كان له ولاؤه.

ولو أن ابنتين اشترتا أباهما فعتق عليهما ثم مات، ورثتا منه الثلثين بالنسب، والثلث بالولاء، إذا لم يكن ثم وارث غيرهما. [فإن هلكت إحدى البنتين قبل الأب، فمالها لأبيها، ثم إن هلك الأب بعد ذلك فلابنته، الأخرى النصف بالفريضة ونصف ما بقي بما أعتقت من أبيها] . وإن اشترت امرأة أباها، فعتق عليها ثم مات ولم يدع وارثاً غيرها، ورثت جميع المال: النصف بالنسب والنصف بالولاء. ولو كان الأب بعد عتقه اشترى ابناً له فعتق عليه، ثم مات الأب ورثه الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات الابن ورثته أخته النصف بالنسب والنصف بالولاء، لأن الابن مولى أبيه والأب مولى لها، وهي ترث بالولاء من أعتقت، أو أعتق من أعتقت. 2230 - وإن ماتت امرأة وتركت أمها وزوجها وأختاً شقيقة أو لأب وجداً، فهي الغراء، لزوجها النصف، ولأمها الثلث، وللجد السدس، ويربى للأخت بالنصف. ولو تركت أختين، لم تكن غراء، لأن الأم ترجع إلى السدس، فيبقى

للأخوات السدس، ولا يربى لهن بشيء. 2231 - وكل بلدة فتحت عنوة فأقر أهلها فيها ثم أسلموا، فشهد بعضهم لبعض، فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية وهم على أنسابهم التي كانوا عليها، كما كانت العرب حين أسلمت، وكذلك الحصن يفتح وشبهه بخلاف العدد القليل يتحملون إلينا. وهذا مذكور في كتاب أمهات الأولاد. 2232 - ومن مات من قيس أو غيرها لم يرثه منهم إلا عصبته دنيا ممن يحصي ويعرف، وإن التقوا معه إلى أب جاهلي بعد عشرة آباء أو أكثر، لأن ذلك أمر معروف، وذلك إذا كان هؤلاء الذين يلتقون معه إلى الجد يحصون ويعرفون، ولا أُورث القبيلة، إذ لا أدري عدتهم ولا من يستحقه منهم، وكم يجب لمن قام يطلب [ذلك] منهم من جملة المال، ولا يورث أحد إلا بيقين. قال ربيعة: وكل امرأة تحملت إلينا وهي حامل، فولدت عندنا فإنه يوارثها، ومن قذفه بها فهو مُفتر، وإن جاءت بغلا مفصول وادعت أنه ولدها، فإنه لا يلحق بها في ميراث، ولا يجلد من افترى عليه بها.

2233 - وإن ماتت امرأة وابنها فقال زوجها - وهو أبو الولد -: ماتت قبله، وقال آخر المرأة ماتت بعده، فإن لم يعلم أولهما موتاً، لم يرث المرأة الولد، ولا الولد المرأة ويرث كل واحد منهما أحياء ورثته، ولا يرث الموتى بعضهم من بعض، إذا لم يعرف أولهما موتاً، وإذا أعتقت أمة تحت حر، فمات زوجها، فقالت: عتقت قبل موته، وكذلك قال سيدها، وقال ورثة الزوج: بل بعد موته، فلا ميراث لها منه، إذ لا يورث بالشك. (¬1) 2234 - وإذا مات المولى ومعتقه، وجهل أولهما موتاً، لم يتوارثا، وميراث المولى الأسفل لأقرب الناس من سيده من الذكور، وكذلك إذا مات المتوارثان بقتل أو بغرق أو بهدم، ولا يدري أولهم موتاً، فلا يتوارثان، ويرث كل واحد منهما ورثته للأحياء. 2235 - ومن مات وترك ولدين مسلماً ونصرانياً، كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه، وأقاما على ذلك بينة مسلمين، وتكافأتا في العدالة أو لم تكن لهما بينة، فالميراث يقسم بينهما، كمال يدعيانه، وإن كان قد صلى هذا المسلم على أبيه، ودفنه في مقبرة المسلمين، فليست الصلاة بشهادة، ولو لم يأتيا ببينة، وقد كان يعرف بالنصرانية، فهو على ذلك، وابنه النصراني أحق بميراثه، حتى ¬

(¬1) انظر: منح الجليل لسيدي عليش (9/624) .

يثبت أنه مات مسلماً. قال غيره: إلا أن يقيما بينة وتتكافأ، فأقضى بالمال للمسلم. 2236 - ومن أقام بينة أنه ابن فلان الميت، أو أنه مولاه أعتقه، لا يعلمون له وارثاً غيره، قضيت له بميراثه ولم آخذ منه كفيلاً بالمال، فإن أتى بعد ذلك غيره يدعي الولاء في المولى وجاء ببينة، سمعت حجته، وقضيت بأعدل البينتين. قال ابن القاسم: ومن أقام بينة في دار أنها لأبيه وقد ترك أبوه ورثة سواه غيباً، فإنه يمكن من الخصومة في الدار، فإن استحق حقاً لم يقض له إلا بحظه منها، ولا يُنزع باقيها من يد المقضي عليه، إذ لعل الغُيّب يقرون بها للمحكوم عليه بأمر جهله هذا المدعي، فإذا قدموا فادعوا كدعوى الحاضر، كان ذلك القضاء لهم نافذاً، وإن قدموا قبل القضاء وبعد أن عجز الأول عن منافعه كانوا على حجتهم، إن كانت لهم حجة غير ما أتى به الأول.

وقال أشهب: ينتزع الحق كله، فيعطى لهذا حقه ويوقف حق الغيب، وكذلك كتب مالك إلى ابن غانم، ورواه ابن نافع عن مالك. 2237 - وإذا هلك ابن الملاعنة وترك مالاً، ولا وارث له غير موالي أمه، كان ميراثه لهم، وإن ترك أمه كان لها الثلث ولمواليها ما بقي، ولا يرثه خال ولا ابن خال ولا جده لأمه، وإن ترك مع أمه أخوة لأم، فللأم مع واحد منهم الثلث، ومع الاثنين فصاعداً السدس، وللواحد منهم السدس وللاثنين فصاعداً الثلث بينهم سواء. حظ الأنثى والذكر فيه سواء، وما بقي فلموالي أمه، وإن كانت من العرب كان ما بقي لبيت المالن ولو كان له ولد ذكر أو ولد ولد، كان لأمه السدس، وما بقي لولده أو لولد ولده الذكور. 2238 - وإن ترك ابن الملاعنة موالي أعتقهم، كان ولاؤهم لذكور ولده أو لذكور أبنائهم، فإن لم يكونوا، فليس لأمه ولا لأخيه لأمه ولا لخاله ولا لجده لأمه شيء من ولاء مواليه، وولاؤهم لموالي أمه إن كانت معتقة، وإن كانت عربية فللمسلمين.

قال عروة بن الزبير وغيره: وكذلك ولد الزنا. 2239 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب، وقف ماله حتى يعلم أنه مات، فإن رجع إلى افسلام كان أولى بماله، وإن مات على ردته، كان ماله للمسلمين، ولا يرثه ورثته المسلمون ولا النصارى، ومن مات من مواليه وهو في حال ردته، ورثه أولى الناس بالمرتد من ورثته المسلمين ممن يرث الولاء عنه، ثم إن أسلم المرتد لم يرجع بذلك عليهم، وكذلك من مات له من ولد وغيره. 2240 - وإذا ارتد الأسير طائعاً، أولا يعلم أطائعاً أم مكرهاً، بانت منه زوجته، وإن علم أنه ارتد مكرهاً لم تبن منه زوجته. ولا يتوارث أهل الملل من أهل الكفر، وقد قال النبي ÷: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ولا يتوارث أهل ملتين [شيئاً] . (¬1) ¬

(¬1) رواه البخاري (6764) ، ومسلم (1614) ، وأبو داود (2911) ، والترمذي (3108) ، وابن ماجة (2731) ، والحاكم (4/383، 384) ، وابن حبان (13/394) ، وابن الجارود (1/240) ، والدارجي (2/466) ، والبيهقي (6/218) ، والشافعي في المسند (1/235) ، والدارقطني (4/74) ، والنسائي في الكبرى (4/80) ، ومالك في الموطأ (2/520) ، وابن أبي شيبة (6/283) ، وعبد الرزاق (6/18) ، وأحمد (5/200) ، وغيرهم كثير، وانظر: شرح الرحبية للمارديني، بتحقيقنا، مصر، وبيروت.

2241 - وإذا تظلم أهل الذمة في مواريثهم لم أعرض لهم، إلا أن تراضوا بحكم الإسلام فأحكم بينهم [به] ، وإلا رددتهم إلى أهل دينهم، ولو كان ذلك بين مسلم ونصرامي لم يردوا إلى أحكام النصارى وحكم بينهم بحكم الإسلام، ولم ينقلوا عن مواريثهم، وروى ابن وهب أن مسلمين ونصارى اختصموا إلى عمر بن عبد العزيز في مورث، فقسم بينهم على فرائض الإسلام وكتب إلى عامل بلدهم: إن جاءوك فاحكم بينهم بحكم الإسلام، وإن أبوا فردّهم إلى أهل دينهم. 2242 - وما ترك العبد أو المكاتب النصراني إذا مات، أو المرتد إذا قتل فلسيده لأنه يستحقه بالملك لا بالتوارث، ومن ورث من عبده النصراني ثمن خمر أو خنازير فلا بأس بذلك، وإن ورث منه خمراً أهراقها أو خنازير سرّحها، وقد ورث عبد الله [بن عمر] عبداً له نصرانياً كان يبيع الخمر ويعمل بالربا.

وقال النبي ÷: "كل ميراث قسم في الجاهلية، فهو على قسم الجاهلية، وكل ميراث أدركه الإسلام ولم يقسم، فهو على قسم الإسلام". (¬1) قال مالك: معناه في غير الكتابيين من مجوس وزنج وغيرهم. وأما لو مات نصراني ثم أسلم وارثوه قبل أن يقسم ماله، فإنه يقسم بينهم على قسم النصارى، وإن مات مسلم ثم أسلم وارث له قبل أن يقسم ماله، فلا يرثه، وإنما يرثه من كان مسلماً يوم مات. وقال ابن نافع وغيره: الحديث عام في الكتابيين وغيرهم من أهل الكفر، قال ربيعة: ولو مات مسلم ثم تنصر ولده بعده قبل قسم ماله، لقتل إن كان قد بلغ الحلم، وجعل ميراثه من أبيه في بيت المال، لأنه قد وجب له. 2243 - ومن مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخت له، فليعطيها خمس ما في يديه، ولا تحلف الأخت مع الأخ المقر بها، لأنه شاهد، ولا يحلف في النسب مع شاهد واحد. ¬

(¬1) رواه أبو داود (2906) ، وابن ماجة (2751) .

وإن أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه، أعطاها ثمن ما في يديه. وإن هلكت امرأة وتركت زوجها [وأختها، فأقر الزوج بأخ [لها] وأنكرته] الأخت لم يعطه الزوج شيئاً. * * *

(كتاب السلم الأول)

(كتاب السلم الأول) 2344 - ولا بأس أن تُسلف الإبل في البقر والغنم، وتُسلف البقر في الإبل والغنم، وتسلف الغنم في الإبل والبقر، وتسلف الحمير في الغنم والإبل والبقر والخيل.

وكره مالك أن تسلف الحمير في البغال، إلا أن تكون من الحمر الأعرابية التي يجوز أن يسلف فيها الحمار الفاره النجيب [بالحمار الأعرابي] ، [وكذلك إذا أسلفت الحمير في البغال، والبغال في الحمير فاختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي] ، [فجائز أن يسلف بعضها في بعض] . وتسلف كبار الخيل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا فرس جواد له سبق، فجائز أن يسلف فيما ليس مثله في جودته وإن كان في سنه. 2345 - وتسلف كبار الإبل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا ما عرف فبان في النجابة والحمولة، فيجوز سلمه في حواشي الإبل، وإن كانت في سنه. وتسلف كبار البقر في صغارها، والبقرة الفاره القوية على العمل والحرث، تسلم في حواشي البقر، وإن كانت مثل أسنانها، ولا تسلم صغار الغنم في كبارها [ولا كبارها في صغارها] ، ولا معزها في ضأنها ولا ضأنها في معزها، لأنها كلها منفعتها للحم، لا للحمولة، إلا شاة غزيرة [اللبن] فلا بأس أن تسلم

في حواشي الغنم. (¬1) وإذا اختلفت المنافع في الحيوان، جاز سلم بعضها في بعض، اتفقت أسنانها، أو اختلفت. 2346 - والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافها كجذع نخل كبير، غلظه وطوله كذا في جذوع صغار لا تقاربه فيجوز، وإن أسلمته في مثله صفة وجنساً، فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله، وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورُد السلف. ولا يجوز أن يسلم جذع في نصف جذع من جنسه، وكأنه أخذ جذعاً على ضمان جذع، وكذلك هذا في جميع الأشياء، وكذلك ثوباً في ثوب دونه، أو رأساً في رأس دونه، إلى أجل لا خير فيه. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (9/2) .

2347 - والعبيد صنف [واحد] إلا ذو النفاذ والتجارة، فلا بأس أن يسلم عبد تاجر صقلي أو بربري [أو نوبي] ، في نوبيين أو غيرهما لا تجارة فيهما، قال يحيى بن سعيد: أو حاسب كاتب في وصفاء سواه قليل أو كثير. 2348 - ومن باع غلاماً معجلاً بعشرة أفراس إلى أجل، وعشرة دنانير ينتقدها جاز. قال يحيى بن سعيد: ومن سلف في غلام أمرد جسيم صبيح، فلم يوجد عند الأجل، فأخذ مكانه وصيفين، أو حيواناً، أو رقيقاً، أو عروضاً وبرئ أحدهما من صاحبه في مقعد واحد، فلا بأس به.

2349 - ولا يجوز السلم في حائط بعينه قبل زهوه بحال، وهو طلع أو بلح، شرط أخذه يسراً أو رطباً أو تمراً، وإنما يصلح السلم فيه إذا أزهى وصار بسراً، ويشترط أخذه بسراً أو رطباً، ويضرب لأخذه أجلاً، ويذكر ما يأخذ كل يوم، سواء قدم النقد أو ضرب له أجلاً، لأنه يشرع في أخذه حين اشتراه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا عند مالك محمل البيع لا محمل السلف وإن تأخر قبضه خمسة عشر يوماً فهو قريب في هذا. وإن أسلم فيه بعد زهوه وشرط أخذ ذلك تمراً، لم يجز لبعد ذلك وقلة أمن الجوائح فيه. وإنما جاز اشتراطه رطباً لقلة الخوف في ذلك، لأن أكثر الحيطان ليس بين زهوها وبين أن ترطب إلا يسيراً، وإذا اشترط أخذه رطباً وقبض بعض سلمه ثم انقطع ثمر ذلك الحائط، لزمه ما أخذ بحصته، ورجع بحصة ما بقي من الثمن، وله أن يأخذ بتلك الحصة ما شاء من السلع معجلاً، فإن تأخر لم يجز. 2350 - ويجوز السلم في حائط بعينه في جميع رطب الفواكه التي تنقطع من أيدي الناس، إذا طاب أول ذلك، مثل: التفاح والرمان والخوخ والسفرجل والقثاء والبطيخ وشبهه، ويذكر ما يأخذ كل يوم، ولا يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء،

ويجوز أن يشترط أخذه جميعاً في يوم واحد، وإن لم يقدم نقده فجائز، وإن اشترط أخذه في يوم واحد فرضي البائع أن يقدم له ذلك قبل الأجل، جاز إذا رضي المبتاع وكان على الصفة. 2351 - ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، أو في لبن غنم بعينها أو في صوفها، وشرط أخذ ذلك إلى أيام قلائل، فهلك المتبايعان أو أحدهما، لزم البيع ورثة الهالك، لأنه بيع قد تم. 2352 - ولا يسلم في نسل حيوان بعينها من الأنعام والدواب بصفة وإن كانت حوامل، وإنما يكون السلم في الحيوان مضموناً، لا في حيوان بعينها ولا في نسلها. ولا يسلم في لبن غنم بعينها، ولا في صوفها إلا في إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه، وسواء قدم النقد، أو ضرب له أجلاً بعيداً، لا بأس بذلك إذا شرع في أخذ ذلك يومه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا كالبيع لا كالسلف، فإن سلف في لبنها قبل إبانه واشترط أخذه في إبانه، لم يجز. 2353 - واشتراء الصوف على ظهور الغنم جائز إذا كان يحضر جزازها، وإن أسلمت إلى رجل في لبن غنم بعينها أو في صوفها، أو في ثمر حائط بعينه، وليس شيء من ذلك في ملك الرجل لم يجز، كما لو ابتعت منه سلعة ليست له، وأوجب لك على نفسه

خلاصها من ربها، فذلك غرر، وبيع ما ليس عنده، ويجوز السلم في سمن الغنم بعينها أو أقطها أو جبنها في إبانه إذا شرع في أخذه، كما يأخذ ألبانها، وإن كان ذلك بعيداً فلا خير فيه، وكذلك ألبانها، وأشهب يكره السمن. 2354 - ولا بأس بالسلم في طعام قرية بعينها، أو في ثمرها، أو يغر ذلك من حبها قبل إبانه أو في أي إبان شاء. ويشترط أخذه أي إبان شاء، إذا كانت مثل مصر وأشباهها التي لا يخلو منها القمح والشعير والقطاني، أو كخيير ووادي القرى، أو ذي المروة ونحوها من القرى العظام المأمونة، التي لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس، فإن أسلم في رطبها أو بسرها فليشترط أخذه في إبانه، وإن أسلم في ذلك إلى رجل ليس له في تلك القرية أرض ولا زرع ولا نخل ولا طعام ولا ثمر، فذلك جائز. وأما القرى الصغار أو قرى ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة، فلا يصلح من السلف في ثمرها إلا ما يجوز في حائط بعينه وقد ذكرناه.

وأجاز ابن عباس السلم في الطعام، وتلا هذه الآية: ×يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ% (البقرة: 282) (¬1) ، [قال مالك:] وهذا يجمع ... الدين كله. 2355 - ولا يجوز السلم في زرع أرض بعينها قد بدا صلاحه وأفرك. ولا يصلح السلم في الحنطة والحب كله إلا مضموناً، لا في زرع بعينه، بخلاف السلم في ثمر حائط بعينه، لأن ذلك غنما يشترط أخذه بسراً أو رطباً، ولا يجوز أن يشترطه ثمراً، وهذا الزرع إنما يشترط أخذه حباً فلا يصلح. ومن أسلف في حائط [بعينه] بعد ما أرطب، أو في زرع بعدما أفرك ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14064) .

واشترط أخذه حنطة أو تمراً، فأخذ ذلك وفات البيع لم يفسخ، لأنه ليس من الحرام البين الذي أفسخه إذا فات، ولكن أكره أن يعمل به. 2356 - ولا بأس بالسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد، وفي التمر الجديد قبل الجذاذ، ما لم يكن زرعاً بعينه، أو حائطاً بعينه. قال ابن وهب عن مالك: لا يباع الحب حتى ييبس وينقطع عنه شرب الماء، حتى لا ينفعه الشرب، وفي الحديث: "حتى يشتد في أكمامه" (¬1) ، وفي حديث آخر: "حتى يبيض" (¬2) . ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14319) . (¬2) رواه مسلم (3842) ، وأبو داود (3368) ، والترمذي (1227) .

والسلم في حديد معدن بعينه على وزن معلوم كالسلم في طعام قرية بعينها في أمنه وقلة أمنه، [إن كان المعدن مأموناً لا ينقطع حديده من أيدي الناس في تلك المواضع، فالسلم فيه جائز إذا وصفه، وإلا فلا] . 2357 - وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس فاسلم فيه في أي إبان شئت، واشترط أخذه في أي إبان شئت، فأما ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها إذا أسلم فيها في حائط بغير عينه، فلا بأس أن يسلم فيه في إبانه أو في غير إبانه، ولكن [لا] يشترط الأخذ إلا في إبانه، فإن شرط أخذه في غير إبانه لم يجز، أسلم [فيه] في إبانه أو قبل إبانه، وإن اشترط أخذه في إبانه ثم انقطع إبانه قبل أن يقبض ما أسلم فيه، قال مالك: يتأخر الذي له السلم إلى إبانه من السنة المقبلة، ثم رجع فقال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله، قال ابن القاسم:

من طلب التأخير منهما فله ذلك، إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلا بأس به.

ولا بأس بالسلف في القصب الحلو والموز والأترج وشبه ذلك إذا اشترط منه شيئاً معروفاً، فإن كان مما ينقطع أو مما لا ينقطع فسبيل السلف [فيه] كما ذكرنا فيما ينقطع وفيما لا ينقطع. ولا بأس بالسلف في الرمان عدداً إذا وصف مقدار الرمانة. وكذلك في التفاح والسفرجل إذا كان يحاط بمعرفته، وجائز في ذلك كيلاً إذا كان ذلك أمراً معروفاً، ويجوز السلم في الجوز على العدد والصفة أو على الكيل إذا عرف فيه، ويجوز مع الجوز جزافاً، ولا يسلم في البيض إلا عدداً على الصفة. 2358 - ومن أسلم في تمر ولم يذكر برنياً من صيحاني، ولا جنساً من التمر بعينه،

أو ذكر الجنس ولم يصفه بجودة أو رداءة، فالسلم فاسد، حتى يذكر الجنس ويصف، فإن نزل ثم اتفقا على أخذ الأرفع لم يجز لفساد العقد. وكذلك إن أسلم في زبيب ولم يذكر لا جيداً ولا رديئاً، فإن كان الزبيب تختلف صفته فالسلم فاسد ويفسخ البيع. (¬1) 2359 - ومن أسلم بمصر في حنطة ولم يذكر جنساً قضي بمحمولة، وإن كان بالشام قضي بسمراء، ولا بد في ذلك من الصفة، فإن لم يصف فالسلم فاسد [ويفسخ البيع] ، وإن أسلم في الحجاز حيث تجتمع السمراء والمحمولة، ولم يسم جنساً فالسلم فاسد حتى يسمي سمراء من محمولة ويصف جودتها فيجوز. 2360 - ومن أسلم مائة درهم في أرادب معلومة من حنطة وأرادب من شعير وإردب من سمسم، ولم يذكر ما لكل صنف من الثمن، أو أسلم ما ذكرنا في جميع صنوف الأمتعة والطعام والشراب والقطاني والرقيق والحيوان، أو في جميع ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/532) ، والشرح الكبير (3/180) ، والمدونة (9/12) .

[صنوف] الأشياء، ولم يسم رأس مال كل صنف على حدة، فذلك جائز إذا وصف كل ما أسلم فيه ونعته، وسمى كيل ما ينبغي كيله منه أو وزنه، ولا يبالي كان أجل ما أسلم فيه متفقاً أو مختلفاً فجائز، لأنها صفقة واحدة. وكذلك إن أسلم عروضاً في عروض تخالفها أو في طعام على ما ذكرنا. 2361 - ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول إذا اشترط جُرزاً، أو حُزماً، أو أحمالاً معروفة، ويسلمه في ذلك في إبانه أو قبل إبانه، ولا يشترط الأخذ إلا في إبانه، وكذلك القصب الأخضر والقَرَظ [الأخضر] غلا أن يكون القصب الأخضر لا ينقطع في البلد الذي أسلم فيه، فيجوز اشتراط أخذه أي إبان شاء. ولا يجوز في شيء من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة طول أو عرض، وجودة ورداءة، لأنه مختلف ولا يحاط بصفته، ولا يكون السلف في هذه إلا على الأحمال والحزم.

2362 - ولا بأس بالسلم في الرؤوس إذا اشترط صنفاً معلوماً صغاراً أو كباراً أو قدراً موصوفاً، وكذلك الأكارع، ولا بأس بالسلم في الشحم واللحم إذا اشترط لحماً وشحماً معروفاً، ويذكر الجنس من ضأن أو معز ونحوه، وإلا لم يجز. ويشترط إذا أسلم في اللحم وزناً معروفاً، وغن اشترط تحرياً معروفاً جاز إذا كان لذلك قدر قد عرفوه، لجواز بيع اللحم بعضه ببعض تحرياً، والخبز بالخبز تحرياً. 2363 - والسلم في الحيتان الطرية جائز إذا سمى جنساً من الحوت، وشرط ضرباً معلوماً

صفته وطوله وناحيته، إذا أسلف في ذلك قدراً أو وزناً، وما كان ينقطع من طري الحوت فليسلف فيه في إبانه وقبل إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه كالثمار الرطبة التي تنقطع، وإذا حل الأجل جاز أن يأخذ من الحوت غير الجنس الذي أسلم فيه. 2364 - ولا بأس بالسلم في الطير وفي لحومها بصفة معلومة وجنس معلوم. ومن أسلم في لحم دجاج فحلّ الأجل فلا باس أن يأخذ لحم الطير كله، إذا أخذ مثله، وكذلك من أسلف في لحم ذوات الأربع فجائز أن يأخذ بعد الأجل لحم بعضها أو شحمه قضاء من بعض. ومن أسلم في دجاج أو إوز فأخذ مكانها بعد الأجل طيراً من طير الماء لم يجز، وأجازه أشهب، ويجوز أن يأخذ مكان الدجاج بعد الأجل أو قبله إوزاً أو حماماً وشبه ذلك من الداجن المربوب عند الناس، ويجوز بيع دجاجة بدجاجتين يداً بيد. 2365 - قال يحيى بن سعيد: وإذا أسلمت في رائطة فأعطاك بها قميصاً أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين، فلا باس بذلك، وجد تلك الرائطة أم لا، لأنك لو أسلمت الرائطة نفسها فيما أخذت منه جاز.

2366 - قال ربيعة: ومن اسلف صياداً ديناراً على صنف من الطير، كل يوم كذا وكذا طيراً، فأتاه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئاً فأخذ منه عشرة عصافير بطير واحد مما اشترط عليه جاز. 2367 - ولا بأس بالسلم في المسك والعنبر وجميع العطور إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً، وفي اللؤلؤ والجوهر وصنوف الفصوص والحجارة كلها، إذا اشترط من ذلك صنفاً معروفاً وصفة معلومة، وفي آنية الزجاج إذا كان بصفة معلومة، وفي الطوب والجص والنورة والزرنيخ والحجارة وشبه ذلك إذا كان موصوفاً معروفاً مضموناً، وفي الحطب إذا اشترط قناطير أو وزناً أو قدراً معلوماً أو صفة معلومة أو أحمالاً معلومة، وفي الجذوع وخشب البيوت وشبه ذلك من صنوف العيدان والخشب، وفي جلود الغنم والبقر وفي الرقوق والأدم والقراطيس إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً. 2368 - ومن أسلف في أصواف غنم وشرط جُزز فحول كباش أو نعاج وسط، لم يجز أن يشترط ذلك، ولا يجوز أن يسلم في أصوافها إلا وزناً، ولا يجوز عدة جزز إلا أن يشترط ذلك عند إبان جزازها ولا تأخير لذلك ويرى الغنم فلا بأس به.

2369 - ومن استصنع طستاً أو توراً أو قلنسوة أو خفاً أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة معلومة، فإن كان مضموناً إلى مثل أجل السلم، ولم يشترط عمل رجل بعينه، ولا شيئاً بعينه يعمله منه جاز ذلك إن قدم رأس المال مكانه، أو إلى يوم أو إلى يومين، فإن ضرب لرأس المال أجلاً بعيداً لم يجز، وصار ديناً بدين، وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه، أو ظواهر معينة، أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن نقد، لأنه غرر لا يدري أيسلم ذلك إلى الأجل أم لا، ولا يكون السلف في شيء بعينه. 2370 - ولا يسلم في تراب المعادن عيناً ولا عرضاً، لأن صفته لا تعرف، ولو عرفت صفته ما جاز السلم العين فيه، لأنه يدخله الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلى أجل، وجائز أن يشتري يداً بيد، لأنها حجارة معروفة تثرى، ولا يجوز السلم في تراب الصوّاغين، ولا يشتري يداً بيد، لأنه رماد لا يدري ما فيه. 2371 - ويجوز السلم في نصول السيوف والسكاكين وفي العروض كلها إذا كانت موصوفة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (9/20) ، والتاج والإكليل (4/437) .

2372 - ويجوز سلم الفلوس في طعام أو طعام في فلوس، ولا يصح أن تُسلم الدراهم والدنانير في فلوس، ولا تباع الفلوس بدراهم ولا بدنانير إلى أجل، لأن الفلوس عين وهذا صرف، ولا خير في بيع فلوس من نحاس بنحاس يداً بيد، لأنه من المزاينة، ولا خير في سلك فلوس من نحاس، أو من صفر في نحاس إلى أجل، لأن الصفر والنحاس [من] نوع واحد، وكذلك الرصاص والآنك صنف واحد. ويجوز سلم فلوس من نحاس في حديد إلى أجل. 2373 - ومن أسلم حديداً يخرج منه سيوف في سيوف، أو سيوفاً في حديد لا يخرج منه سيوف لم يصلح، لأنه نوع واحد، ولو أجزت السيوف في الحديد لأجزت حديد السيوف في الحديد الذي لا يخرج منه السيوف، ولأجزت الكتان الغليظ في الكتان الرقيق، ولأجزت الصوف بعضه ببعض إلى أجل وهو يختلف، ولا يجوز أن يسلم بعضه في بعض، ولا يسلم كتان في ثوب كتان، لأن الكتان يخرج منه الثياب، ولا بأس بثوب كتان في كتان، أو ثوب صوف في صوف، لأن الثوب المعجل

لا يخرج منه كتان، ولا خير أن يسلف سيفاً في سيفين دونه لتقارب المنافع، إلا أن يبعد ما بينهما في الجوهر والقطع، كتباعده في الرقيق والثياب، فيجوز أن يُسلف سيف قاطع في سيفين ليسا مثله. 2374 - قال ربيعة: الصفر والحديد عرض [من العروض] بيع بعضه ببعض عاجلاً بينهما فضل حلال. ولا يجوز بيع الصفر بالصفر بينه فضل إلى أجل، ولا بيع الحديد بالحديد بينه فضل إلى أجل، وبيع الصفر بالحديد بينه فضل عاجل وآجل لا باس به. والصفر عرض ما لم يُضرب فلوساً، فإذا ضرب جرى مع الذهب والورق مجراهما فيما يحل ويحرم. والشب والكحل بمنزلة الحديد والرصاص والعروض، يسلف فيه ويباع كما تباع العروض، إلا أنه لا يباع صنف منه بعضه ببعض، بينه فضل عاجل بآجل، وأجاز يحيى بن سعيد بيع رطل نحاس برطلين مضروبين أو غير مضروبين يداً بيد وكرهه نظرة. وقال يحيى بن سعيد: لا باس بكتان بغزل كتان رطلاً برطلين يداً بيد، وأما عاجل بآجل فلا

أحب أن أنهى عنه ولا آمر به، وأكره أن يعمل به أحد. 2375 - وثياب القطن لا يسلم بعضها في بعض، إلا أن تسلم الغلاظ منها مثل: الشقائق، وغلاظ الملاحف اليمانية في رقيق ثياب القطن مثل: المروي والهرمي [والقوهي] والعدني فلا بأس به. وكذلك رقيق الكتان كله صنف [مثل:] الفرقبي والشطوي والقصبي والتنيسي، لا بأس أن يسلم في غليظ ثياب الكتان مثل: الزيقة والمريسية والقيسي والفسطاطي، إلا ما كان من الفسطاطي الرقيق

[مثل:] المعافري وشبهه، فإنه يضم رقيق ثياب الكتان. 2376 - ولا يجوز أن يسلم العدني في المروي ولا الشطوي في القصبي. ومن أسلم فسطاطية في مروية معجلة ومروية مؤجلة، أو أسلم ثوباً من غليظ الكتان مثل الزيقة وما أشبهه في ثوب قصبي مؤجل وفرقبي معجل فلا بأس به. ومن أسلم فسطاطية في فسطاطية معجلة ومروية مؤجلة جاز ذلك، ولو كانت المروية معجلة والفسطاطية مؤجلة لم يصلح ذلك، لأنه قرض [فسطاطية] وزيادة مروية. وإن أسلمت ثوباً فسطاطياً في ثوب فسطاطي إلى أجل فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز، وإن ابتغيت به نفع نفسك بطل السلم. 2377 - والقرض جائز في الثياب والرقيق والحيوان والخضر وجميع الأشياء كلها إلا في الجواري وحدهن. 2378 - قال ربيعة: ولا خير في رائطة من نسج الولائد في اثنتين منها،

ولا سابرية في سابرتين، والحلال منه الرائطة السابرية بالرائطتين من نسج الولائد، عاجلاً وآجلاً لاختلافهما. 2379 - قال مالك: ولا بأس بالجمل بجمل مثله وزيادة دراهم، الجملين نقداً، والدراهم مؤجلة ومعجلة، وإن تأخر أحد الجملين لم يجز، عجلت الدراهم أو أجلت، وهذا ربا، لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فُرّد إليك مثله وزيادة فهو ربا. 2380 - قال مالك: ومن أسلم حنطة في شعير وثوب موصوف، أو أسلم عدساً في ثوب إلى أجل وشعير معجل، لم يجز [ذلك] ، ولا يجوز منه حصة الثوب، لأن الطعام بالطعام لا تصلح الآجال فيه، فإذا بيع الطعام بالطعام فكل شيء يضم [مع] أحد الصنفين أو معهما في صفقة فلا يتأخر. وكذلك السلعة في الصرف.

2381 - ومن أسلم ثوباً في عشرة أرادب حنطة إلى شهر، وعشرة دراهم إلى شهر آخر، فلا بأس به مختلفة كانت آجالها أو مجتمعة. 2382 - قال ابن شهاب: ومن باع بيعاً بعضه حلال وبعضه حرام في صفقة واحدة فسخ البيع كله، وغن كان كل بيع على حدة جاز منه الحلال ورد الحرام. 2383 - ومن أسلم حنطة في فصيل أو قصب أو قرظ أو فيما يعلف الدواب، فإن كان يحصده ولا يؤخره حتى يصير حباً، فلا بأس بذلك. (¬1) ومن سلف حنطة في حنطة مثلها، أو طعاماً في مثله إلى أجل فلا خير فيه، إلا أن يقرض رجلاً على وجه المعروف طعاماً في مثله من نوعه، لا أجود منه ولا أدنى إلى أجل، فذلك جائز [إلى أجله] ، وليس له أن يأخذه منه قبل الأجل، وإن أسلفه على وجه المبايعة لم يجز وإن كان النفع فيه للقابض، ألا ترى الحديث: "السير بالبر براً إلا هاء وهاء". (¬2) وكذلك سلف البيض في البيض على ما ذكرنا. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/366) ، والمدونة الكبرى (9/26) . (¬2) رواه البخاري (2027) ، ومالك في الموطأ (2/637) ، وأبو داود (3348) ، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (6/282) ، والكافي له (1/302) .

2384 - ومن أسلم سمراء في محمولة، أو محمولة في سمراء إلى أجل، أو صيحانياً في جعرور، أو جعروراً في صيحاني إلى أجل، أو أسلف حنطة في شعير، أو شعيراً في حنطة إلى أجل، أو اسلف حنطة في عسل، أو في بطيخ أو في قثاء أو في صيد أو في جراد أو في شيء مما يؤكل، أو سلّف بيضاً في قرص خبز، أو في التفاح أو في الفاكهة الخضراء، أو في البقول كلها، لم يجز شيء من ذلك، لأن أصل قول مالك: إن الطعام بالطعام إلى أجل لا يصلح، كان مما يؤكل أو يشرب، أو مما يكال أو يوزن أو يُعد، إلا أن يكون النوع في مثله قرضاً على [وجه] المعروف كما وصفنا. 2385 - ومن أسلم في سلعة بعينها وضرب لأخذها أجلاً بعيداً لم يجز، قدم النقد أم لا، لأنه غرر لا يدري أتبلغ السلعة إلى ذلك الأجل أم لا، ويدخله في النقد أنها إن كانت هلكت ردّ الثمن بعد النفع به باطلاً، وإن لم يقدم الثمن صار كأنه زاده في ثمنها على أن يضمنها له البائع إلى الأجل وذلك غرر [لا خير فيه] ، قال أشهب: فصار للضمان جزء من الثمن.

2386 - ولا يصلح لرجل أن يضمن سلعة رجل إلى أجل بشيء يأخذه، لأنه قمار، إن سلمت السلعة أخذ الضامن مالاً باطلاً، وإن عطبت غرم قميتها فيما لم يجر له فيه منفعة، وإن اشترط قبض السلعة إلى يوم أو يومين جاز، لأن ذلك قريب، شرط ذلك البائع أو المبتاع، وكذلك إن كانا في سفر وكانت دابة تركب ذينك اليومين، أو اشترى طعاماً بعينه وشرط أن يكتاله إلى يومين أو ثلاثة فذلك جائز، وكذلك السلع كلها وهو فيها أبين. 2387 - قال مالك وعبد العزيز: ومن اشترى من الحيوان بعينه غائباً، فلا يجوز فيه النقد بشرط قبل أن يقبض، إلا أن تكون غيبة قريبة جداً. 2388 - قال مالك: وإن كانت سلعة بعينها، وكان موضعها قريباً اليوم واليومين، طعاماً كان ذلك أو غيره فلا بأس بالنقد فيه، فإن تباعد ذلك فلا خير في النقد فيه. 2389 - ومن اشترى من رجل مائة أردب حنطة جيدة حالة بعبد، وليس عند الرجل طعام، أو اشترى منه طعاماً أو حيواناً أو ثياباً مضمونة بغير عينها على أن يقبضها منه إلى يوم أو يومين لم يجز، ولا يجوز للرجل أن يبيع ما ليس عنده بعين ولا بعرض، إلا أن يكون على وجه السلف مضموناً عليه إلى أجل معلوم، تتغير في مثله الأسواق، ولم يحد مالك فيه حداً، وأرى الخمسة عشر يوماً، والعشرين في البلد الواحد، وأما

إلى يومين أو ثلاثة فلا خير فيه، قبض النقد أم لا، لأن هذا ليس من [آجال] البيوع. 2390 - وإن أسلمت إلى رجل عرضاً [مما] يغاب عليه في حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يديك قبل أن يقبضه المسلم إليه، فإن كان تركه وديعة بيدك بعد أن دفعته إليه فهو منه، ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت، وكذلك إن كنت لم تدفعه إليه حتى أحرقه رجل بيدك وقامت بذلك بينة، فإن لم تقم بذلك هاهنا بينة كان منك وانتقض السلم، وإن كان رأس المال حيواناً فقتلها رجل بيدك قبل ان يقبضها المسلم إليه، أو كانت دوراً أو أرضين فتعدى فيها رجل فهدم البناء أو حفر الأرض فأفسدها، فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت. 2391 - وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال نحاساً أو رصاصاً بعد شهر أو شهرين، فله

البدل ولا ينتقض السلم إلا أن يعملا على ذلك ليجيز بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ ذلك. وليس هذا كتأخير النقد شهراً، إذ للمسلم إليه أن يرضى بما انتقد، وإن ردها عليك فقلت: سأبدلها لك بعد يوم أو يومين، جاز ذلك، لأن لك تأخير رأس مال السلم بشرط يومين ونحو ذلك لا أكثر. وإن قلت له: سأبدلها لك إلى شهر أو شهرين، لم يجز، إذ لا يجوز تأخير رأس المال بشرط إلى هذا، وإن قلت له حين ردها عليك: ما دفعت إليك إلا جياداً، فالقول قولك وتحلف ما أعطيته إلا جياداً في علمك، إلا أن يكون أخذها منك على أن يريها فالقول قوله مع يمينه وعليك بدلها.

2392 - ومن له على رجل مال فقال له: أسلمه لي في طعام لم يجز حتى يقبضه ويبرآن من التهمة، ثم يدفعه إليه بعد ذلك إن شاء، لئلا يكون تأخيره سلفاً جر منفعة، أو يعطيه من عنده ويدخله الدين بالدين. وإن قال له: اشتر [لي] به سلعة نقداً فذلك مذكور في كتاب الوكالات. 2393 - قال ابن أبي سلمة: كل شيء لك على غريم كان نقداً فلم تقبضه، أو إلى أجل فحلّ الأجل أو لم يحل، فأخرته عنه وزاد عليك شيئاً قل أو كثر، فهو ربا، ولا تبعه منه بشيء ولو بوضيعة من سعر الناس وتؤخره عنه، فإن ذلك ربا، إلا أن ينقدك يداً بيد مثل الصرف.

2394 - وإن بعت محمولة بثمن إلى أجل فأخذت بالثمن بعد الأجل سمراء أو شعيراً أو سلتاً مثل كيل المحمولة لم يجز، وإن كان يداً بيد، لأنه [صار] بيع طعام بخلافه إلى أجل والثمن لغو، وليس هذا بإقالة، وكذلك التمر العجوة أو الصيحاني أو البرني، والوان التمر والزبيب أحمره وأسوده بمنزلة ما وصفنا من الحنطة وألوانها، ولا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبض في ثمنه شيئاً ن الطعام كان من صنفه أو من غير صنفه، إلا أن تأخذ منه بثمن طعامك بعد الأجل طعاماً مثل طعامك الذي بعت منه صفة وكيلاً إن محمولة فمحمولة، وإن سمراء فسمراء، ذلك جائز، وهي إقالة. 2395 - وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلت، أو أقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض - مثل المكيلة - إذا حلّ الأجل وهو بدل جائز، وكذلك أجناس التمر، ولا يجوز ذلك كله قبل محل الأجل في بيع أو قرض، وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منها دقيق حنطة وإن حلّ الأجل، ولا بأس به من قرض بعد محله، وقاله أشهب.

وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع جاز أن تأخذ لحم بعضها أو شحمها قضاء من بعض، لأنه بدل وليس هو بيع طعام قبل قبضه، لأنه كله نوع واحد. ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه، فكأنه أخذ ما أسلف فيه، وإنما يجوز بيع جميع ما ذكرناه من الحنطة والتمر واللحم بعد الأجل من الذي عليه السلم، ولا يجوز بيعه من غيره بنوعه، ولا بمثل كيله وصفته، ولا شيء من الأشياء حتى يقبضه. والي اتقاه عبد العزيز في الذي باع ما أسلم فيه من العروض من الذي هو عليه بأقل من الثمن نقداً قد كتبته في الجزء الثالث وبالله التوفيق. * * * "تم كتاب السلم الأول" * * *

(كتاب السلم الثاني)

(كتاب السلم الثاني) 2396 - ومن أسلم [إلى رجل] في طعام سلماً فاسداً، فإنما له رأس ماله، ويجوز أن يأخذ به من البائع ما شاء من طعام أو غيره، سوى الصنف الذي أسلم فيه إذا لم يؤخره، ويجوز أن يؤخره برأس المال أو يأخذ نصفه ويحط ما بقي. (¬1) 2397 - ومن اشترى داراً على أن ينفق على البائع حياته لم يجز، فإن وقع وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة [له] بضمانه، ويرد الدار إلى البائع، ويرجع عليه بقيمة ما أنفق عليه إلا أن تفوت الدار بهدم أو بناء فيغرم المبتاع قيمتها يوم قبضها، وكل ما اشتريت من الثياب والحيوان موصوفاً فلا يجوز لك أن تجعله مضموناً إلى غير أجل، كان رأس المال عيناً أو عرضاً. 2398 - ومن أسلم في طعام ولم يضرب لراس المال أجلاً فافترقا قبل أن يقبض البائع رأس المال فهو حرام، إلا أن يكن على النقد فلا بأس به إذا قبضه بعد يوم أو يومين ونحو ذلك. ومن أسلم عبداً في طعام بعينه إلى أجل بعيد لم يجز وبطل البيع، إلا أن يكون الأجل إلى يوم أو يومين فلا بأس به. وإن كان الطعام مضموناً ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (9/37) .

فلا خير فيه، إلا أن يتباعد الأجل. 2399 - وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في طعام نقدته منها خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل، أو كان لك عنده منها خمسون ونقدته خمسين، لم يجز وفسخ الجميع، ولا يجوز من ذلك حصة النقد، لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها، وإذا كان رأس مال السلم عرضاً أو طعاماً أو حيواناً بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر، أو إلى أجل، فإن كان ذلك بشرط فسد البيع، وإن لم يكن بشرط وكان ذلك هرباً من أحدهما فالبيع نافذ مع كراهية مالك لهما في ذلك التأخير البعيد بغير شرط، وإن قبضه بعد يوم أو يومين فلا بأس به. 2400 - ولا يجوز لمن ابتاع طعاماً بعينه، أو أسلم في طعام موصوف أن يشترط قبضه بقدح أو بقصعة، ويفسخ ذلك إن نزل، وأشهب يكرهه قبل نزوله ولا يفسخه إن نزل. قال مالك: وإنما يجوز هذا بموضع ليس فيه مكيال معروف كالأعراب

يشتري منهم العلف والتبن والخبط. قال غيره: وإنما يجوز أن يشترط قبض ذلك بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري فيهم، فأما بمكيال قد ترك ولا يعرف قدره من المكيال الجاري في الناس، فلا يجوز ويفسخ. 2401 - ولا بأس أن تسلم تبراً أو نقراً من فضة أو ذهب جزافاً لا يعلمان وزنهما في سلعة إلى أجل، لأن التبر بمنزلة السلعة، ولا يجوز أن تسلم فيها دراهم أو دنانير جزافاً، عرفا عددهما أم لا، إذا لم يعرفا وزنها، لأن الدراهم عين وثمن، فلا يجوز بيعها جزافاً، وذلك قمار ومخاطرة. ويجوز بيع التبر المكسور والحلي من الذهب والفضة جزافاً، فإن كان ذهباً بيع بفضة وبجميع السلع، وإن كان فضة بيع بذهب وبجميع السلع. 2402 - ومن أسلم في حنطة دراهم يعرفان وزنها مع دنانير لا يعرفان وزنها لم يجز،

لا حصة الدراهم ولا غير ذلك، ويفسخ ويرد البائع الثمن، وهو مصدق في وزن ما قبض مع يمينه إن اختلفا فيه، فإن نكل حلف المبتاع وأخذ ما ادعاه. 2403 - ومن أسلم في طعام على أن يقبضه بمصر، لم يجز حتى يسمي أي موضع من مصر [يقبضه فيه] ، لأن مصر ما بين البحر إلى أسوان، وإن قال: على أن أقبضه بالفسطاط، جاز، فإن تشاحّا في أي موضع يقضيه الطعام من الفسطاط فليوفه ذلك في سوق الطعام، وكذلك جميع السلع إذا كان لها سوق معروف فاختلفا فإنما يوفيه ذلك في سوقها، فإن لم يكن لها سوق فحيث ما أعطاه بالفسطاط لزم المشتري. 2404 - وإذا قبضت من رجل طعاماً من بيع أو سلم، وصدقته في كيله جاز، وليس لك رجوع بما تدعي من نقص إن كذبك، إلا أن تقيم بينة لم تفارقك من حين قبضته حتى وجدت فيه النقص، فإن كان الذي وجدت بمحضرهم في الطعام نقصاً أو زيادة كنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك، وإن زاد على المتعارف رجع البائع بما زاد ورجعت عليه بما نقص طعاماً إن كان ذلك مضموناً، وإن كان بعينه فبحصة النقصان من الثمن، وإن لم تكن بينة حلف البائع لقد أوفاه جميع ما سمى له إن

كان اكتاله هو، ولقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر، وإن بعث به إليه فليقل في يمينه لقد بعته على ما كتب به إلي، أو قيل لي فيه من الكيل ولا شيء عليه، وإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بما ذكرنا، فإن نكلت فلا شيء لك. 2405 - وإن أسلمت إلى رجل في مد من حنطة، فلما حل أجله قلت له: كله [لي] في غرائرك، أو في ناحية من بيتك أو في غرائر دفعتها إليه فقال بعد ذلك: قد كلته وضاع عندي. قال مالك: ما يعجبني هذا، قال ابن القاسم: وأنا أراه ضامناً للطعام إلا أن تقوم له بينة على كيله، أو تصدقه أنت في الكيل فتقبل قوله في الضياع، لأنه لما اكتاله صرت أنت قابضاً له. (¬1) 2406 - وإن أسلمت في طعام على أن تقبضه بالفسطاط لم يجز أن تقبضه بغيرها، وتأخذ كراء المسافة، لأن البلدان بمنزلة الآجال، فكأنك بعته قبل قبضه أو أسقطت عنه الضمان على مال تعجلته، فإن فعلت ذلك رددت الكراء، ومثل الطعام بموضع ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/487) ، والمدونة الكبرى (3/135) .

قبضته إن فات وابتعته بطعامك بالفسطاط، وإن أسلمت إليه في طعام عل أن يوفيكه بالفسطاط وعلى أن عليه حمله إلى القُلزم فجائز. 2407 - وإن كان لك على رجل طعام من سلم فأتاك به قبل الأجل، لم تجبر على أخذه، ولو كان من قرض جبرت على أخذه. 2408 - ومن أسلم إلى رجل في طعام فاختلفا عند الأجل في كثرة عدد أو وزن، واتفقا في الجنس والاسم، أنه طعام كذا أو حيوان كذا، أو عرض من جنس كذا، فالقول قول البائع مع يمينه إذا ادعى ما يشبه، وإن ادعى ما لا يشبه فالقول قول المشتري فيما يشبه، فإن اختلفا في النوع فقال هذا: أسلفتك في حنطة، وقال هذا: في شعير، أو قال هذا: في فرس، وقال هذا: في حمار، تحالفا وتفاسخا، وإن بعد محل الأجل، ورُدّ إلى المبتاع رأس ماله. 2409 - ومن باع حائطه وقال: شرطت نخلات أختارها بغير عينها، وقال المبتاع:

بل شرطت هذه النخلات بعينها، تحالفا وتفاسخا، وليس اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، كاختلافهما في الأنواع، وإنما اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، بمنزلة من باع جارية ففاتت عند المبتاع، فقال البائع: بعتها بمائة دينار، وقال المبتاع: بل بخمسين ديناراً، فإن المبتاع مصدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يكون ثمناً للجارية يوم ابتاعها، فإن تبين كذبه حلف البائع إن ادعى ما يشبه، فإن أتى بما يشبه كان على المبتاع قيمتها يوم اشتراها. (¬1) واختلافهما في السلم في الجنس كقول بائع الجارية: بعتها بحنطة، وقال المبتاع: بشعير، فإنهما يتحالفان ويترادان إن لم تفت، فإن فاتت عند المبتاع أدى قيمتها، لأنه لو باعها أو أعورت أو نقصت ضمنها، وله نماؤها وعليه نقصانها يوم قبضها، لأنه كان ضامناً لها [يوم قبضها] ، وإن كان رأس مال السلم عرضاً فاختلفا في كثرة كيل الطعام وقلته واتفقا في جنسه وكان اختلافهما بقرب مبايعتهما أو عند حلول الأجل، فإن لم يحل سوق الثوب ولا تغير تحالفا وتفاسخا، وإن تغير أو حال سوقه فالقول قول الذي عليه السلم، لأنه لما تغير صار عليه ديناً. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/194) .

2410 - ومن ابتاع سلعة فغاب عليها قبل أن ينقد ثمنها ثم اختلفا في كثرة ثمنها وقلته، فإن فاتت بيد المبتاع ببيع أو حوالة سوق، صدق المبتاع إذا أتى بما يشبه، وإن لم تفت بما ذكرنا صدق البائع بعد أن يتحالفا ويتفاسخا، غلا أن يرضى المبتاع قبل أن يحكم بينهما أن يأخذها بما قال البائع فذلك له ما لم يفسخ بحكم، وإذا اختلفا في دفع الثمن في الربع والحيوان والرقيق والعروض، وقد قبضه المبتاع وبان به، فالبائع مصدق في يمينه إلا أن تقوم بينة، إلا في مثل ما يباع على النقد كالصرف، وما بيع في الأسواق من اللحم والفواكه والخضر والحنطة والزيت ونحوه، وقد انقلب به المبتاع، فالقول قوله أنه دفع الثمن مع يمينه. 2411 - ومن أسلم في سلعة إلى أجل فادعى حلوله، وقال البائع: لم يحل، فالقول قول البائع فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه صُدق المبتاع فيما يشبه، وقاله مالك فيمن ابتاع سلعة وفاتت عنده وادعى أن الثمن إلى أجل كذا وكذا، وقال البائع إلى أجل دونه، فالقول قول المبتاع، إلا أن يأتي بما لا يشبه، فيصدق البائع. وإذا ادعى أحدهما [في] السلم أنه لم يضربا له أجلاً وأن رأس المال تأخر شهراً بشرط، وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي

الحلال منهما مع يمينه، إلا أن يقيم بذلك بينة، وإن تناقضا في السلم فاختلفا في مبلغ رأس المال فالقول قول الذي عليه السلم. (¬1) ومن قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة إردب حنطة، وقال الآخر: بل [أسلمت إلي] هذين الثوبين غير الثوب الأول في مائة إردب حنطة، وأقاما جميعاً البينة على ذلك، لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مائتي إردب، لأنهما صفقتان. ولو قال المسلم إليه: أسلمت إلي الثوب الذي ذكرت مع هذا العبد فيما سميت، وأقاما البينة فهذا سلم واحد، إلا أني أقضي بالبينة الزائدة فيأخذ الثوب والعبد، وتلزمه المائة إردب كشاهد له على خمسين وآخر على مائة، فإن شاء أخذ خمسين بغير يمين، وإن شاء حلف وأخذ مائة. ولو قال: أسلمت إلي الثوب مع العبد في مائة إردب شعير، وكذلك قالت بينته قضى [بأعدل] البينتين، فإن تكافأتا كانا كمن لا بينة لهما، فيتحالفان ويتفاسخان لاختلافهما في الجنس. وإن ادعى الذي له السلم أنه شرط الوفاء بالفسطاط، وقال الآخر بالإسكندرية، فالقول قول من ادعى موضع التبايع مع يمينه، فغن لم يدعياه فالقول قول البائع، لأن المواضع كالآجال، فإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وترادا. ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (3/392) ، والتاج والإكليل (4/511) ، والمدونة الكبرى (9/53) ، وحاشية العدوي (2/545) .

2412 - وإن أخذت لرجل سلماً بأمره لزمه، فإن شرط عليك المبتاع أنه [إن] لم يرض الرجل فالسلم عليك جاز ذلك، وكذلك إن ابتعت له سلعة بأمره من رجل يعرفه واشترط عليك البائع أن الرجل إن أقر له بالثمن، وإلا فهو عليك نقداً أو إلى أجل فلا بأس به. ومن أمر رجلاً يشتري له جارية أو ثوباً، ولم يصف له ذلك، فإن اشترى له ما يصلح أن يكون من ثياب الآمر أو خدمه جاز ولزم الآمر، وإن ابتاع له ما لا يشبه أن يكون من ثيابه ولا من خدمه، فذلك لازم للمأمور ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء. 2413 - ومن أبضع مع رجل أربعين ديناراً في شراء جارية ووصفها له، فاشتراها بأقل من الثمن أو بزيادة [دينار] أو دينارين أو ما يشبه أن يزاد على مثل الثمن، لزمت الآمر إن كانت على الصفة، وكانت مصيبتها منه إن ماتت قبل أن يقبضها، ويغرم الزيادة للمأمور في الوجهين، لأنها جاريته ولا خيار له فيها، وإن كانت زيادة كثيرة لا يزاد مثلها على الثمن خُيّر الآمر في دفع الزيادة وأخذ الجارية، فإن أبى لزمت المأمور وغرم للآمر ما أبضع معه. وإن هلكت قبل اختيار الآمر فمصيبتها من المأمور ويغرم للآمر ماله.

2414 - وإن دفعت إلى رجل مالاً وأمرته أن يسلمه لك في طعام، فأسلمه إلى نفسه وإلى زوجته أو أحد أبويه أو جده أو جدته، أو ولده أو ولد ولده، أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده أو عبده المأذون له، أو عبد ولده الصغار أو عبد أحد ممن ذكرنا، أو إلى شريك له مفاوض أو شريك عنان أو إلى ذمي، فذلك جائز إن صح من غير محاباة، ما خلا نفسه أو شريكه المفاوض، إذ كأنه أسلمه إلى نفسه، أو ن يلي عليه من ولد أو يتيم أو سفيه وشبهه، [وإن وكلت وكيلاً أن يسلم لك في طعام فأسلمه إلى ذمي جاز] . 2415 - ولا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانياً إلا للخدمة، فأما لبيع أو شراء أو تقاض أو ليبضع معه، فلا يجوز، وكذلك عبده النصراني. 2416 - ولا يمنع المسلم عبده النصراني من شرب الخمر أو أكل الخنزير أو بيعهما أو شرائهما أو يأتي الكنيسة، لأن ذلك من دينهم.

2417 - ولا يشارك المسلم ذمياً إلا على أن لا يغيب على بيع ولا شراء إلا بحضرة المسلم، ولا بأس أن يساقيه إذا كان الذمي لا يعصر حصته خمراً. ولا أحب لمسلم أن يدفع مالاً قراضاً لذمي ولا يأخذ منه قراضاً. ومن وكل عبداً مأذوناً له في التجارة، أو محجوراً عليه يسلم له في طعام ففعل فذلك جائز، والوكيل على المسلم إذا وكل غيره لم يجز. 2418 - وإن وكلت رجلاً على بيع طعام أو عرض، فباعه بغير العين من عرض أو غيره وانتقد فأحب إليّ أن يضمن المأمور حين باع بغير العين، إلا أن يجيز الآمر فعله، ويأخذ ما باع به. ولو أمرته بشراء سلعة فاشتراها بغير العين، فلك ترك ما اشترى أو الرضا به، وتدفع إليه مثل ما أدى.

2419 - ولو اشترى لك أو باع بفلوس فهي كالعروض، إلا أن تكون سلعة خفيفة الثمن، إنما تباع بالفلوس وما أشبه ذلك، والفلوس فيها بمنزلة العين. وإن دفعت إليه دراهم يسلمها لك في ثوب هروي، فأسلمها في بساط شعر، أو يشتري لك بها ثوباً فأسلمها في طعام [أو عروض] ، أو في غير ما أمرته به، أو زاد في الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله، وتطالب ما أسلم من [عرض] أو طعام، وتدفع إليه ما زاد، لأن الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه ديناً، ففسختها فيما لا يتعجله، وذلك دين بدين، ويدخل في أخذك الطعام الذي أسلم فيه أيضاً مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه، لا شك فيه، لأن الطعام قد وجب للمأمور بالتعدي، فليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له، وليس له [ولا لك] فسخه، ولا شيء لك أنت أيضاً على البائع، وإنما [لك] على المأمور ما دفعت إليه من الثمن، ولو لم تدفع إليه ثمناً وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو في جارية أو ثوب ولم تصفهم له، فأسلم في غير ما أمرته به من طعام أو عرض، أو فيما لا يُشترى لمثلك من جارية أو ثوب، فلك أن تتركه ولا يلزمك من الثمن شيء أو ترضى به وتدفع إليه الثمن، لأنه لم يجب لك عليه دين ففسخته، وكأنه ولاك، ولا يجوزها هنا أن يؤخرك بالثمن، وإن تراضيتما بذلك، لأنه لم يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك، فكأنه بيع مؤتنف بدين له وتولية، فتأخُّر الثمن فيه دين بدين.

وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل، أو باعها بدنانير مؤجلة لم يجز بيعه، فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقداً وبيعت الدنانير بعرض نقداً، ثم بيع العرض بعين نقداً، فإن كان ذلك مثل القيمة أو التسمية إن سميت فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور، ولو أسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم، ثم استوني [بالطعام فإذا حل أجله استوفي ثم بيع فكانت الزيادة لك والنقص عليه، وإن أمرته ببيعها إلى] أجل فباعها بنقد فعليه الأكثر مما باعها به، أو القيمة [لما تعدى، قال ابن القاسم:] وسواء سميت له ثمناً أو لم تسم. 2420 -[قال مالك] : وإذا باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال: بذلك أمرني ربها، أو فوّض فيها إليّ، وقال الآمر: بل أمرتك باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر إن شاء وأخذها، وإن فاتت حلف المأمور وبرئ. وإن دفعت إليه دنانير يسلمها لك في طعام فلم يسلمها حتى صرفها بدراهم، فإن كان هو الشأن في تلك السلعة، لأنه يسلك ثلث دينار دراهم ونصفاً ونحوه، أو كان ذلك نظراً، لأن الدراهم فيما يسلم فيه أفضل، فذلك جائز، وإلا كان متعدياً وضمن الدنانير ولزمه الطعام، ثم لا يجوز أن يتراضيا على أن يكون الطعام لك، لأنه دين بدين وبيع له قبل قبضه، إلا أن يكون قد قبضه الوكيل فأنت مخير في أخذه، أو أخذ دنانيرك منه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/196) .

2421 - ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ دافعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه، وإن لم يكن دفع ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك. 2422 - وإن أسلمت إلى رجل في عرض وأخذت منه رهناً فهلك بيدك قبل [محل] الأجل وهو مما لا يغاب عليه، فضمانه من الراهن، وإن كان مما يغاب عليه فضمانه منك، والسلم إلى أجله في الوجهين، فإن أرادت أن تقاص الراهن من سلمك بالذي صار له عليك من قيمة الرهن جاز ذلك، ما لم يكن الرهن دنانير أو دراهم، فإن كان كذلك فلا خير فيه [إن كان رأس مال السلم ذهباً أو ورقاً] ، [وإن كان رأس مال السلم غير الذهب والورق جازت المقاصة] . وإن كان سلمك في طعام لم يصلح أن تقاصه على حال وإن حلّ الأجل، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وليس هذا بإقالة ولا شركة ولا تولية.

وإن كان سلمك في طعام فأخذت به رهناً طعاماً من صنفه أو من غير صنفه أو دنانير أو دراهم، فإنما يجوز ذلك إذا قبضته مطبوعاً عليه، خوفاً أن تنتفع به وترد مثله فيصير بيعاً وسلفاً، أو تضعا ذلك على يدي عدل. وما أخذت به رهناً في طعام أسلمت فيه [أو غيره] وذلك الرهن حيوان، أو دور، أو أرضون، أو تمر في رؤوس النخل، أو زرع [لم يحصد، أو ثمر أو زرع] لم يبد صلاحهما، فلا بأس بذلك، ولا تضمن ما هلك من ذلك أو ما أصابته جائحة من ثمر أو زرع، لأنه مما لا يغاب عليه، وهلاكه ظاهر، وسواء هلك قبل قبضك أو بعده، وما أخذته رهناً مما يغاب عليه من عرض أو عين فهلك بيدك ضمنته، ولا تضمن ما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه، ولا ما كان بيد أمين والسلم بحاله. 2423 - ولا بأس برهن أو كفيل أو بهما معاً في السلم، فإن مات المسلم إليه قبل الأجل حلّ الأجل بموته، وأنت أحق بالرهن من غرمائه حتى تقبض حقك، ولا يحل الأجل بموتك، ويكون ورثتك مكانك. 2424 - وإن أسلمت مائة دينار في عروض موصوفة إلى أجل، وأخذت بها كفيلاً فصالحك الكفيل منها قبل الأجل على طعام أو عرض يخالفها أو عين نقداً شراء

لنفسه، جاز ذلك إن كان الغريم حاضراً حتى لا يكون للكفيل عليه إلا ما عليه، وإن صالحك عن الغريم بأمر يكون الغريم عليه فيه بالخيار، إن شاء أجاز صلحه أو أعطاه ماله عليه، فلا خير فيه. وإن صالحك الكفيل لنفسه قبل محل الأجل على ثياب في صفتها وعددها جاز، وإن كانت أقل أو أكثر أو أجود رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، ويدخله في الأدنى الزيادة في السلف، وفي الأرفع زيادة على ضمان الأدنى، وكذلك إن قضى عن الغريم، ويدخل في الأرفع: حُط عني الضمان وأزيدك، وفي الأدنى: ضع وتعجل. فإن كان دينك مائة دينار [من قرض] فصالحك الكفيل منها قبل الأجل أو بعده بشيء يرجع إلى القيمة جاز ذلك، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به. 2425 - وإن صالحك الكفيل بطعام أو بما يُقضى له بمثله لم يجز، لأن الغريم عليه بالخيار، إن شاء أعطاه مثله أو الدين. ومن تكفل لك بطعام من سلم لم يجز للكفيل أن يصالحك لنفسه قبل الأجل، إلا بمثل رأس مالك، فتكون تولية [له] كأجنبي، أو على أن ذلك إقالة للذي عليه السلم برضاه، فيكون الكفيل [كأنه] أسلفه الثمن كما يجوز لأجنبي أن

يعطيك ذهبك على أن يقبل البائع برضاه ويتبعه بما أدى. 2426 - ولا تجوز الإقالة لكفيل أو لأجنبي بغير إذن الذي عليه السلك إذ له الخيار، ولا نقد فيما فيه الخيار، فكأنه أسلف البائع الثمن على أن يرضى بذلك ويرد مثله، أو يغرم له طعاماً فقبحت الإقالة، ويصير إن رضي بها بيع طعام قبل قبضه. ولا بأس أن تأخذ من الكفيل قبل الأجل أو بعده مثل طعامك، ولا يجوز أن تأخذ ذلك من أجنبي وتحيله على غريمك، حلّ أجلك أم لا، لأن ذلك منه بيع ومن الكفيل قضاء. 2427 - ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي أو سأله أن يوفيكه فأحالك به ولم تسأل أنت الأجنبي ذلك، جاز [ذلك] قبل الأجل أو بعده. ولا يجوز لك أن تستقرض من أجنبي مثل طعامك وتحيله به على الذي عليه السلم، أو يوفيكه على ذلك حل الأجل أو لم يحل. ولا تأخذ من الغريم قبل الأجل إلا مثل طعامك في كيله وصفته أو رأس مالك لا أفضل. ولا تأخذ منه ولا من الكفيل قبل الأجل سمراء من محمولة، ولا محمولة من سمراء، أو سلتاً أو شعيراً من قمح، فيدخله بيع طعام قبل قبضه مع ضع وتعجل في تعجيل الأدنى، وذلك جائز من الغريم إذا حل الأجل، لأنه بدل، ولا يجوز من الكفيل وإن حلّ [الأجل] ، لأنه بيع، إذ لا يرجع بما أدى الكفيل. وإذا أدى الكفيل ما تكفل به من الطعام قبل أجله لم يرجع به على الغريم حتى يحل الأجل.

وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد الأجل ليوصله إلى ربه وله طلبه حتى يوصله [هو] إلى ربه، ويبرأ من حمالته. وإذا حلّ الأجل والغريم حاضر فليس على الكفيل أن يقضيك ولا أن يطالبه لك. 2428 - وإن كان الغريم غائباً أو عديماً أو عليه دين كثير فخفت المحاصة في قيامك، أو أن يأتي غرماء آخرون فحينئذ لك أخذ الكفيل. وإذا قبض الكفيل من الغريم الطعام بعد الأجل ليؤديه إليك فتلف عنده، فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه، قامت بهلاكه بينة أو لم تقم، كان مما يغاب عليه أم لا، قضاه ذلك الغريم متبرعاً أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان أو غيره. وأما إن قبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن، ولو باعه الكفيل لم يكن لك أن تجيز بيعه، لأنك لم توكله على قبضه، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، ولك أن تأخذ بطعامك الغريم أو الكفيل [إذا قبضه على غير الاقتضاء، ولا ضمان عليه] . فإن أخذت به الغريم فللغريم أن يأخذ الثمن من الكفيل إن كان دفع إليه الطعام على الرسالة، إن أحب أخذه بمثل طعامه. وإن أخذت الكفيل بالطعام فليس للغريم أخذ الثمن منه، ويدفع إليه مثل الطعام إن كان قبضه بمعنى الاقتضاء، لأنه ضمنه فيساغ له بالثمن.

2429 - ومن أسلم دراهم في طعام وأخذ برأس المال كفيلاً لم يجز البيع. ومن تكفل لك بمائة درهم لم يجز صلحك للكفيل أو الغريم على عشرة دراهم من المائة قبل الأجل، لأنك وضعت على أن تعجلت، وجائز ذلك منهما بعد الأجل ويرجع الكفيل بما أدى. وكذلك لو تطوع أجنبي فدفع إليك عشرة دراهم بغير أمر الغريم على إن هضمت عن الغريم ما بقي جاز، ويرجع الأجنبي على الغريم بما أدى. وإذا دفع الكفيل العشرة ثمناً للمائة لنفسه لم يجز، وليرجع فيأخذ عشرته، وليس لك حبسها من المائة إلا في عُدْم الغريم أو غيبته، وإن صالحك الكفيل عن الغريم على خمسة دنانير نقداً لم يجز، لأن الغريم مخير إن شاء دفع الخمسة دنانير أو المائة دراهم، ويدخله تأخير الصرف، وكذلك إن اشتراها الكفيل بذلك لنفسه لم يحل، ولا بأس بصلحه عن الغريم منها على عرض أو حيوان، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من المائة أو من قيمة ما أعطى بالدراهم، وإن ابتاعها الكفيل لنفسه بهذا العرض جاز ويرجع على الغريم بالمائة كلها. (¬1) 2430 - وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف فزدته بعد الأجل دراهم على أن يعطيك ثوباً أطول منه، [في صفته] من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك، ولا يجوز أن تأخذ أدنى من ثوبك وتسترجع بعض الثمن ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/267) .

إن كان الثمن عيناً، أو ما لا يعرف بعينه وقد غاب عليه، [ويدخله بيع وسلف منك له] ، وإن كان رأس المال عيناً أو طعاماً أو ما لا يعرف عينه، فقبضه البائع وغاب عليه، فلا يجوز أن تأخذ بعد الأجل أو قبله نصف رأس المال ونصف سلمك، لأنه بيع وسلف، ما ارتجعت من الثمن فهو سلف، وما أمضيت فهو بيع، فإن لم تفترقا جاز أن تقيله من بعض، وتترك بقية السلم إلى أجله، فأما بعد التفرق فلا تأخذ منه إلا ما أسلفت فيه أو رأس مالك. ولو أعطاك بعد الأجل أو قبله جميع رأس المال أو بعضه مع جميع السلم على أن يعجل لك السلم قبل أجله، أو يؤخره إلى أبعد من أجله لم يجز، إن كان الثمن لا يعرف بعينه وقد غاب عليه. وإن كان رأس مالك عروضاً تعرف بعينها أسلمتها في خلافها من عرض أو طعام أو حيوان فأقلته من نصف ما أسلمت فيه، على أن تأخذ نصف رأس مالك [بعينه] بعد أن تفرقتما أو قبل جاز ذلك، حل الأجل أم لا، [وإن تعجلت سلمك قبل أجله لم يجز، ودخله حُطّ عني الضمان وأزيدك] ، [وكذلك إن أخذت بعض رأس مالك بعينه وجميع ما أسلمت فيه بعد الأجل فلا بأس به] .

ولا يجوز أن تأخذ بعض سلمك وتسترجع عروضاً من صنف رأس مالك، كانت مثل عدد رأس مالك أو أقل. ويدخله إن كانت مثل عدده سلف جر منفعة، وإن كانت أقل من عدده بيع وسلف، إلا أن تسترجع عروضاً من غير صنف رأس مالك فيجوز. 2431 - وإن أسلمت إلى رجل في ثياب موصوفة فزدته قبل الأجل دراهم نقداً على أن زادك في طولها جاز، لأنهما صفقتان، ولو كانت صفقة واحدة ما جاز، كما لو دفعت إليه غزلاً ينسجه ثوباً ستة في ثلاثة، ثم زدته دراهم وغزلاً على أن يزيدك في طول أو عرض، فلا بأس به وهي صفقتان، وهذه إجارة، والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع. 2432 - ومن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه إلى أجل جاز ذلك إذا أراه الذراع، وليأخذ قياس ذراعه عندهما، كما جاز شراء وَيْبَة وحفنة بدراهم إن أراه الحفنة، لأنها تختلف. ومن أسلم في ثوب حرير واشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه جاز إذا وصفه ووصف صفاقته وخفته، [,إنما السلف في الثياب بصفة وذراع معلوم طوله وعرضه وصفاقته وخفته] ونحوه. وإن اشترط صفة ثوب أراه إياه فحسن، وإن لم يره فالصفة تجزيه. ولا أعرف في

صفة الثوب جيداً ولا فارهاً في الحيوان، وإنما السلف في الثياب والحيوان على الصفة. ويلزم المشتري أخذه إن كان على الصفة. وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة ثم استزدته بعد تمام السلم أرادب معجلة أو مؤجلة إلى الأجل أو أبعد جاز، وكأنه في العقد. 2433 - وإذا صارفت رجلاً ثم لقيته بعد ذلك فأقلته ودفعت إليه دنانيره وفارقته قبل أن تقبض دراهمك، أو ابتعت منه سيفاً مُحلّى نصله تبع لفضته بدنانير، ثم أقلته منه بعد ذلك ودفعته إليه وفارقته قبل أن تقبض الدنانير، لم يجز في ذلك إلا المناجزة. 2434 - وإن أسلمت عروضاً أو حيواناً في طعام فأقلته منه على أن تأخذ رأس مالك وقد تغير سوقه جاز ذلك، ولا ينظر إلى تغير سوقه ما لم يحل في عينه بنماء أو نقصان، بيّن عور أو عيب، فلا يجوز حينئذ أن تقيله من الطعام كله ولا من بعضه، والنماء بمنزلة الصغير يكبر، وذهاب بياض العين وزوال الصمم، فهذا يفيت الإقالة. ولو كان رأس المال جارية فتغيرت في بدنها بهزال أو سمن لم تفت الإقالة، ولو كانت دابة كان الهزال والسمن مفيتاً للإقالة [بذلك] ، لأن الدواب تشترى لشحمها، والرقيق ليسوا كذلك.

2435 - ومن باع جارية بعبد فتقابضا، ثم مات العبد فتقايلا لم تجز الإقالة إلا أن يكونا حيّين، وكذلك إن حدث بالعبد عيب لم تجز الإقالة، إلا أن يعلم دافع العبد بنقصه فيجوز. 2436 - وإن أسلم رجلان إلى رجل في طعام أو عرض فأقاله أحدهما جاز، إلا أن يكونا متفاوضين فيما اسلما فيه من عرض أو طعام خاصة أو في جميع أموالهما فلا يجوز، لأن ما أقال منه أو أبقى، وكذلك إن ولّى حصته فلا حجة لشريكه عليه في إقالة أو تولية إن لم يفاوضه، وإنما الحجة على البائع، ولا يرجع فيما أخذ شريكه، [قال سحنون: لا تجوز إقالته إلا بإذن شريكه، كما لا يقتضي إلا بإذنه] ، ولا يتهم البائع في أن يبيع من أحدهما على أن يسلفه الآخر، وكذلك إن كان رأس المال في الطعام ثوباً ولم يتغير عينه، فأقاله أحدهما جاز، ويكون شريكاً له فيه. 2437 - وإن أسلم رجل إلى رجلين في طعام فأقاله أحدهما، [فإن] لم يكن شرط حمالة أحدهما بالآخر، أيهما شاء أخذ بحقه فذلك جائز، لأنه لا يتبع كل واحد منهما إلا بحصته، ولو شرط ضمانهما لم تجز الإقالة، إذ الحق كأنه على واحد أقاله من بعضه. وإن أسلمت إليه دراهم في طعام أو غيره ثم أقالك قبل التفرق، ودراهمك بيده، فأراد أن يعطيك غيرها مثلها فذلك له وإن كرهت، شرطت استرجاعها بعينها أم لا.

وإن كان رأس المال عرضاً يوزن أو يُكال [أو يُعدّ] ، أو طعاماً أسلفته في عرض، لم يكن له أن يعطيك إلا ذلك بعينه، لأن ذلك يباع لعينه والدراهم لا تباع لعينها. وكل ما ابتعته مما يكال أو يوزن من طعام أو عرض فقبضته فأتلفته فجائز أن تقبل منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه، وبعد أن يكون المثل حاضراً عندك، وتدفعه إليه بموضع قبضته منه، وإن حالت الأسواق، وكذلك لو اغتصبته فأتلفته، فإنما عليك مثله لا قيمته وإن حال سوقه، وتدفعه إليه بموضع غصبته منه. 2438 - وإن أسلمت ثوباً في طعام فهلك الثوب بيد البائع لم يجز الإقالة، إذ لا تجوز الإقالة على قيمته ولا على ثوب مثله، ولو لم يهلك الثوب جازت الإقالة إن قبضت الثوب مكانك ولم يتأخر، ولو هلك الثوب بعد الإقالة انفسخت الإقالة، وبقي السلم بحاله، ولا يجوز أخذ ثوب مثله قبل أن تفترقا، ولو قبضت الطعام بعد محله ثم أُقِلت منه، فتلف عندك بعد الإقالة قبل أن تدفعه فهو منك، وتنفسخ الإقالة. وأصل قول مالك: أن من أسلم حيواناً أو رقيقاً أو عروضاً لا تؤكل ولا تشرب، وهي مما يكال أو يوزن أم لا، في طعام إلى أجل ثم تقايلا وقد حالت أسواقها فالإقالة جائزة، إلا أن تهلك أو يدخلها نقص في أبدانها فلا تجوز الإقالة حينئذ، وإن دفع إليه مثلها قبل أن يفترقا لم يجز. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد (3/221) .

كتاب السلم الثالث

كتاب السلم الثالث 2439 - وإن أسلم إليك رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة قيمتها مائتا درهم، فأقالك في مرضه ثم مات، ولا مال له غيرها فإما أجاز الورثة وأخذوا منك رأس المال، وإلا قطعوا لك بثلث ما عليك من الطعام، وإن حمل الثلث جميع الطعام جازت الوصية، وإن كانت قيمة الطعام مائة درهم جازت الإقالة، لأنه ليس فيها محاباة. وبيع المريض وشراؤه جائز، إلا أن تكون فيه محاباة فيكون ذلك في ثلثه. 2440 - وإن أسلمت رقيقاً أو حيواناً أو نخلاً أو دوراً أو ثوباً في طعام ثم أقلته بعد شهرين أو ثلاثة، وقد استُغِل واستُخدِم وسُكِن وحالت الأسواق، فذلك جائز ما لم يتغير البدن بنقص أو نماء، وإن كانت أمة فولدت فذلك يفيت الإقالة، والولد بمنزلة النماء في البدن، ولا تجوز الإقالة فيها نفسها، ويحبس مشتريها ولدها لما يدخله من التفرقة. ولو كان عبداً فأذن له في التجارة فلحقه دين فذلك عيب يمنع الإقالة، علمت به أم لا، وحوالة سوق رأس المال في ذلك كله لا يمنع الإقالة، إلا أن يتغير في بدنه

بنقص أو نماء فيصير كأنه ليس بعين شيئه فيكون أشبه بالبيع من الإقالة. 2441 - ومن أسلم عرضاً في طعام ثم تقايلا على أن زاد أحدهما الآخر شيئاً لم يجز، ودخله بيع الطعام قبل قبضه، وإن أسلم عيناً في طعام فأقاله، وأخذ برأس ماله عرضاً بعد الإقالة لم يجز، لأن ذلك بيع طعام قبل قبضه بعرض، وذكر الإقالة لغو. 2442 - وإن ابتعت من رجل سلعة بعينها ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما قبل أن تقبض رأس مالك، وأخرته به إلى سنة جاز، لأنه بيع حادث، والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم. [قال مالك:] وإن أسلمت إلى رجل في حنطة أو عرض ثم أقلته، أو وليت ذلك رجلاً أو بعته إن كان مما يجوز لك بيعه، [لم يجز لك] أن تؤخر بالثمن من وليته أو أقلته أو بعته، يوماً أو ساعة، بشرط أو بغير شرط، لأنه دين في دين، ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف، ولا يجوز أن تقيله من الطعام وتفارقه قبل أن تقبض رأس المال، أو يعطيك به حميلاً أو رهناً، أو يحيلك به على أحد، أو يؤخرك به يوماً أو ساعة، لأنه يصير ديناً في دين، وبيع الطعام قبل قبضه، وإن أخرك به حتى طال ذلك انفسخت الإقالة وبقي البيع بينكما على حاله، وإن نقدك قبل [أن] يفارقك فلا بأس به.

2443 - ومن أسلم في طعام وأخر النقد حتى يحل الأجل لم يجز، وهو دين بدين. 2444 - ومن أسلم إلى رجل دراهم في طعام أو عرض أو في جميع الأشياء فأقاله بعد الأجل أو قبله من بعض وأخذ بعضاً لم يجز، ودخله فضة نقداً بفضة وعرض إلى أجل وبيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه. 2445 - وإن أسلمت إلى رجل ثوباً في حيوان موصوف فقطعه جاز أن تقيله من نصف الحيوان، بنصف ثوبك مقطوعاً حل الأجل أم لا، إذا قبضت ذلك كان القطع قد زاده أو نقصه، ولو أخذت ثوباً غير ثوبك من صنفه وزيادة معه لم يجز، ودخله سلف بزيادة. وإن أخذت ثوبك بعينه وقد دخله عيب وزادك معه ثوباً من صنفه أو من غير صنفه، أو حيواناً أو دنانير أو دراهم إقالةً من جميع الحيوان الذي لك عليه، حل الأجل أم لا، إلا أن يزيدك شيئاً من صنف ما أسلمت فيه، فيجوز ذلك بعد الأجل لا قبله، ولا بأس أن تأخذ منه ثوبك بعينه ببعض ما أسلمت فيه، وتترك بقيته إلى أجله ولا تقدمه قبل الأجل ولا تؤخره، كما لو بعت عبداً بمائة دينار إلى أجل، ثم أخذت العبد بعينه بخمسين مما لك عليه وتركت ما بقي إلى أجل فلا بأس به، فقس جميع العروض على هذا. 2446 - وإن ابتعت عبدين في صفقة، كل واحد بعشرة دراهم، جاز أن يقيلك من أحدهما على أن يبقى الآخر عليك بأحد عشر درهماً، لأنه لا بأس أن تبيع منه أحدهما بدرهم أو أقل أو أكثر.

2447 - وإن أسلمت إلى رجل في كُر حنطة ثم تقايلتما قبل الأجل أو بعده فأحالك بالثمن على رجل، وتفرقتما قبل أن تقبض ما أحالك به، لم يجز، لأنه دين بدين، وإن قبضت الثمن من الذي أحالك عليه قبل أن تفارق الذي أحالك فلا بأس به. ولو وكل البائع من يدفع إليك رأس مالك وذهب، أو وكلت أنت من يقبض [ذلك] وذهبت، فإن قبض وكيلك منه أو قبضت أنت من وكيله مكانكما قبل التفرق جاز، وإن تأخر القبض لم يجز، وإن كان رأس مالك عرضاً لم يجز تأخيره، وهو مثل العين في هذا. (¬1) 2448 - ومن اشترى سلعة بنقد فلم يقبضها حتى أشرك فيها أو ولى، وقد نقد أو لم ينقد، فلا بأس بذلك، ومن ابتاع طعاماً كيلاً بثمن إلى أجل فلم يكتله حتى ولاه رجلاً أو أشركه فيه، فإن كان لا ينتقد الثمن إلا إلى أجل فجائز، وإن تعجله قبل أجله لم يجز. ولو أشركه أو ولاه بعد أن اكتال الطعام وقبضه وشرط تعجيل الثمن جاز، لأنه بيع مؤتنف، وإن لم يشترط النقد لم يكن له أخذه به إلا إلى الأجل الذي ابتاع إليه. ولو اشترى الطعام بثمن نقداً فنقد ثمنه ثم أشرك فيه، أو ولاه قبل أن يكتاله فلا بأس به إذا انتقد مثل ما نقد قبل التفرق، وإن اشترط تأخير الثمن إلى أجل لم يجز، وما ابتعت من العروض ¬

(¬1) انظر: المدونة (9/79، 91، 93) .

والحيوان مضموناً إلى أجل، ثم بعت ذلك وانتقدت ثمنه ثم فلس من ذلك في ذمته، فليس للمبتاع منك رجوع عليك وله اتباع بائعك ومحاصة غرمائه. 2449 - وإن ابتعت سلعة بعينها فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً، ثم هلكت السلعة قبل قبض المُشْرَك، أو ابتعت طعاماً [فاكتلته] ثم أشركت فيه رجلاً فلم تقاسمه حتى ذهب الطعام، فضمان ذلك منكما وترجع عليه بنصف الثمن. 2450 - وإذا ابتاع رجلان عبداً فسألهما رجل أن يشركاه فيه ففعلا فالعبد بينهم أثلاثاً. وكل ما اشتريت من جميع العروض والطعام فلا يجوز أن تشرك فيه رجلاً قبل قبضك [له] أو بعد، على أن ينقد عنك، لأنه بيع وسلف. 2451 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ثم سألك أن توليه ذلك ففعلت، جاز ذلك إذا نقدك، وتكون إقالة، وإنما التولية لغير البائع. وإن ابتعت طعاماً فاكتلته ثم أشركت فيه رجلاً، أو وليته على تصديقك في كيله جاز، وله أو عليه المتعارف من زيادة الكيل أو نقصانه، وإن كثر ذلك رجع عليك بحصة النقصان من الثمن ورد كثير الزيادة، وإذا أشركته فيه فضمانه منكما وإن لم تكتالاه. 2452 - وإن أسلمت في حنطة أو عروض، جاز أن تولي بعضها قبل [الأجل] ،

ربعها بربع الثمن، وتجوز الشركة والتولية والإقالة في السلم في الطعام وجميع الأشياء إذا انتقدت. وإن اشتريت سلعة ثم وليتها لرجل ولم تسمها له ولا ثمنها، أو سميت أحدهما، فإن كنت ألزمته إياها لم يجز، لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الإلزام جاز، وله الخيار إذا رآها وعلم الثمن، وإن أعلمته أنه عبد فرضي به، ثم سميت له الثمن فلم يرض فذلك له، وهذا من ناحية المعروف يلزم المُوَلّي ولا يلزم المُوَلَّى إلا برضاه، [وأما] إن ابتعت منه عبداً في بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره، لأن البيع وقع على الإيجاب والمكايسة، ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره، جاز وإن كان على المكايسة. 2453 - ويجوز بيع زريعة الفجل الأبيض والسلق والكراث والجزر والخربز (¬1) وشبهه، قبل قبضه، لأنه ليس بطعام، وإن أنبت طعاماً، فالنوى ينبت طعاماً، وذلك جائز فيه، وأما زريعة الفجل الذي يخرج منه الزيت فلا [يصلح أن تبيعه قبل أن تستوفيه، لأن هذا طعام، ألا ترى أن الزيت فيه؟] . (¬2) ¬

(¬1) الخربز بخاء معجمة فراء مهملة فباء موحدة فزاي معجمة المهناوي، صنف من البطيخ معروف شبيه بالحنظل أملس مدور الرأس رقيق الجلد قاله البوني. (¬2) انظر: حاشية الدسوقي (3/337) ، والمدونة (2/294) .

2454 - وكل طعام اشتريته بعينه أو مضموناً على كيل أو وزن أو عدد مما يدخر أو لا يدخر، فلا يجو بيعكه من بائعك أو غيره حتى تقبضه، إلا أن تقيل منه أو تشرك فيه أو توليه، وكذلك الإدام والشراب والملح والفلفل والكزبرة والقرنباذ والشونيز والتابل، كله داخل في حكم الطعام، ولا يباع قبل قبضه، ولا يصلح منه اثنان بواحد، إلا أن تختلف الأنواع منه، إلا الماء فإنه يجوز بيعه قبل قبضه أو متفاضلاً يداً بيد، أو بطعام إلى أجل. وكل ما أكريت به أو صالحت به من دم عمد، أو خالعت به من طعام بعينه أو مضمون على كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن يكون الذي بعينه مصبراً، فيجوز بيعه قبل قبضه، ويجوز بيع ما أقرضته من الطعام قبل قبضه. 2455 - وإن كاتبت عبدك بطعام موصوف إلى أجل، جاز أن تبيعه من المكاتب خاصة

قبل الأجل بعرض أو بعين وإن لم تتعجله، ولا تبع ذلك الطعام من أجنبي حتى تقبضه، وإنما جاز ذلك من المكاتب لأن الكتابة ليست بدين ثابت ولا يحاص بها، وكما يجوز بيع الكتابة من العبد نفسه بدين إلى أجل، فلا تباع من أجنبي بدين مؤجل، وقد تباع خدمة المدير منه، ولا تباع من غيره، فأما أم تبيع من المكاتب نجماً مما عليه من الطعام فلا يجوز، لأنه يصير بيع الطعام قبل قبضه، وإنما يجوز أن تبيعه جميع ما عليه فيعتق بذلك. قال سحنون: إنما يجوز إذا تعجل المكاتب عتق نفسه. 2457 - وكل ما أسلمت فيه من سائر العروض على عدد أو كيل أو وزن إلى أجل، فجائز بيع ذلك قبل قبضه من غير بائعك، بمثل رأس مالك أو أقل أو أكثر نقداً، أو بما شئت من الأثمان، إلا أن تبيعه بمثل صنفه فلا خير فيه، [قال في كتاب الهبات: إن كانت منفعة المبتاع لم يجز، وإن كانت للبائع خاصة جاز] ، وجائز أن تبيع ذلك السلم من بائعك بمثل الثمن فأقل منه نقداً، قبل الأجل أو بعده، إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير واتقاه عبد العزيز. وأما بأكثر من الثمن

فلا يجوز بحال، حلّ الأجل أم لا، وإن كان الذي لك عليه ثياباً فَرْقَبيّة جاز أن تبيعها منه قبل الأجل بما يجوز أن تسلف فيها من ثياب القطن المروية والهروية والحيوان والطعام، إذا انتقدت ذلك ولم تؤخره. ولا تأخذ منه قبل الأجل ثياباً فرقبية، إلا مثل ثيابك صفة وعدداً، فأما أفضل من ثيابك رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، اتفق العدد أو اختلف، إلا أن يحل الأجل، فيجوز ذلك كله. وما ابتعته بعينه من الطعام أو الشراب جزافاً، أو اشتريته من سائر العروض بعينه، أو مضموناً على كيل أو وزن أو جزافاً من عطر أو زنبق أو مسك أو حديد أو بز وشبهه، فلا بأس ببيعه قبل قبضه، من بائعك أو من غيره، وتحيله عليه إلا أن يكون ذلك بين أهل العينة، فلا يجوز بأكثر مما ابتعت. 2458 - وأهل العينة أن يأتي رجل إلى رجل فيقول [له] : أسلفني، فيقول: لا أفعل ولكن أشتري لك سلعة من السوق فأبيعها منك بكذا وكذا، ثم أبتاعها منك بكذا وكذا، أو يشتري من رجل سلعة ثم يبيعها منه [إلى أجل] بأكثر مما ابتاعها به.

2459 - وما ابتعت من الطعام بعينه، أو بغير عينه كيلاً أو وزناً فلا تواعد فيه أحداً قبل قبضه، ولا تبع طعاماً تنوي أن تقبضه من هذا الطعام الذي اشتريت. وإن اشتريت طعاماً فاكتلته لنفسك، ورجل واقف على غير موعد، فلا بأس أن تبيعه منه على كيلك، أو على تصديقك في الكيل إن لم يكن حاضراً، أو لم يكن بينكما في ذلك موعد، فإن قبضه منك ثم ادعى نقصاً فالقول فيه مذكور في الجزء الثاني من السلم. 2460 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام فحل، فلا ينبغي أن توكل على قبضه منه عبده أو مدبره أو أم ولده أو زوجته أو صغار بنيه، وهو كتوكيلك إياه فلا تبعه بذلك القبض، ولك بيعه بقبض الكبير البائن من ولده. وإن كان لك على رجل طعام من سلم، وله عليك طعام مثله، لم يجز أن تتقاصّا، حلت الآجال أم لا، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فإن كان أحدهما من قرض والآخر سلم وأجلهما واحد والصفة والمقدار متفق، فلا بأس أن يتقاصّا إن حل الأجلان، ولا يجوز إن لم يحلا، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فيدخله دين بدين، وبيع الطعام قبل قبضه.

2461 - وإذا أَحَلْت على ثمن الطعام لك من له عليك مثل ذلك الثمن، من بيع سلعة أو قرض، لم يجز للمحال به أن يأخذ فيه من الطعام إلا ما جاز لك، وإن ابتعت طعاماً فلم تقبضه حتى أسلفته لرجل، فقبضه المستسلف، فلا يعجبني أن تبيعه منه قبل أن تقبضه، وإن كان لك عليه طعام من سلم، فلما حلّ أحالك به على رجل [له] عليه طعام مثله من قرض، فإن حلّ أجل القرض وأجل السلم جاز، وإن لم يحل لم يجز. 2462 - وإذا ابتاع ذمي طعاماً من ذمي فأراد بيعه قبل قبضه لم أحب لمسلم أن يبتاعه، ولا يجوز أن يحيلك من طعام لك عليه من سلم على طعام ابتاعه ليقضيكه حتى تقبضه، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان هو قد قبضه جاز لك أن تأخذه منه على كيله وتصديقه، وكذلك إن قبضه بمحضرك إلا أن تواعده فتقول له: اشتر هذا الطعام وأنا آخذه منك فيما لي عليك، فلا خير فيه، ويدخله مع بيعه قبل قبضه، بيع ما ليس عنده.

2463 - وإن ابتعت صبرة طعام جزافاً فهلكت بعد العقد فهي منك، فإن هلكت بتعدي أحد أتبعته بقيمتها من الذهب أو الفضة، كان بائعك أو غيره، ولو ابتعتها على الكيل كل قفيز بكذا فهلكت قبل الكيل بأمر من الله، كانت من البائع وانتقض البيع، وإن هلكت بتعدي البائع أو أفاتها ببيع، فعليه أن يأتي بمثلها تحرياً، يوفيكها على الكيل، ولا خيار لك في أخذ ثمنك أو الطعام، ولو استهلكها أجنبي غرم مكيلتها إن عُرفت وقبضه على ما اشتريت، وإن لم يعرف كيلها أغرمناه للبائع قيمتها عيناً، ثم ابتعنا بالقيمة طعاماً مثله، ووافيناكه على الكيل، وليس ذلك ببيع الطعام قبل قبضه، لأن التعدي على البائع وقع، وأما التعدي بعد الكيل فمنك. 2464 - ومن لك عليه طعام من سلم فلا تقل له: بعه وجئني بالثمن، وهو من ناحية بيعه قبل قبضه مع ما يدخله من ذهب بأكثر منها، إن كان رأس المال ذهباً، وإن كان ورقاً دخله ورق بذهب إلى اجل، وإن أعطاك بعد الأجل عيناً أو عرضاً فقال لك: اشترِ به طعاماً وكله، ثم اقبض حقك منه لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، إلا أن يكون رأس مالك ذهباً أو ورقاً فيعطيك مثله صفة ووزناً فيجوز بمعنى الإقالة، وإن كان رأس مالك لا يساوي الطعام الذي لك عليه، لأنك

لو هضمت عنه بعض الطعام وأخذت بعضه جاز، وإن أعطاك أكثر من رأس مالك أو أقل لم يجز، لأنه خرج عن الإقالة وصار بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان سلمك في عروض جاز أن يعطيك مثل رأس مالك أو أقل، وأما أكثر منه فلا يجوز [بحال] . 2465 - وإن ابتعت من رجل سلعة بدنانير أو دراهم إلى أجل على أن توفيه الثمن بإفريقية فله إذا حلّ الأجل أن يأخذك بالثمن حيث ما وجدك، وأما إن أسلمت إليه في سلعة لا حمل لها ولا مؤنة، مثل: اللؤلؤة وشبهها، [أو قليل المسك] ، فليس لك أن تأخذه بذلك إلا في البلد الذي اشترطت فيه أخذه، لأن سعر ذلك مختلف في البلدان بخلاف العين. 2466 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ببلد على أن تأخذه في بلد آخر مسافة ثلاثة أيام، جاز ذلك لاختلاف سعرهما بخلاف البلد الواحد، وإن ابتعت منه طعاماً بعينه بالإسكندرية على أن يحمله لك إلى الفسطاط، فإن كان على أن يوفيكه

بالفسطاط لم يصلح، لأنه شراء شيء بعينه إلى أجل، واشتراط ضمانه عليه، وإن كنت تقبضه بالإسكندرية ويحمله لك إلى الفسطاط جاز، لأنه بيع وكراء في صفقة، وذلك جائز. 2467 - وإن أسلمت إليه في طعام إلى أجل على أن تقبضه بإفريقية جاز، وليس لك أخذه بعد الأجل إلا في إفريقية، بخلاف أن تقرضه طعاماً ببلد على أن يوفيكه ببلد آخر، هذا لا يجوز، لأنه رَبَح الحملان، فإن أبى الذي لك عليه الطعام من سلم أن يخرج إلى إفريقية لما حلّ الأجل أو عند حلوله، جبر على الخروج، أو يوكل من يوفيك الطعام بإفريقية، وليس له أن يوفيك الطعام في غير إفريقية، وإن فات الأجل. 2468 - ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا يمنع من قريبه الذي يؤوب منه قبل محل دينك. 2469 - وإن بعت من رجل مائة أردب سمراء بمائة دينار إلى أجل، فلما حلّ الأجل

أخذت منه بالثمن مائة إردب سمراء جاز، وإن أخذت به خمسين لم يجز، وأخاف أن يكون الخمسون ثمناً للمائة، أو تكون مائة إردب سمراء بخمسين إردب [سمراء] إلى أجل، ولا تأخذ خمسين إردب سمراء مع نصف الثمن، فيصير بيعاً وسلفاً، ولا تأخذ بالمائة الدنانير محمولة أو شعيراً، حل الأجل [أم لا، كما لو بعت برنياً فلا تأخذ في ثمنه عجوة أو صيحانياً، ويجوز أن تأخذ برنياً مثل كيله وصفته] . 2470 - وإن بعت ثوباً بمائة درهم إلى شهر، جاز أن تشتريه بعرض أو طعام نقداً، كان ثمن العرض أقل من المائة أو أكثر، وإن اشتريته بعرض مؤجل إلى مثل أجل المائة أو دونه أو أبعد منه، لم يجز، لأنه دين بدين. [ومن] له على رجل مائة إردب سمراء إلى أجل، فلما حلّ أخذ منه خمسين محمولة وحط [عنه] ما بقي، فإن كان بمعنى الصلح والتبايع لم يجز، وإن كان ذلك اقتضاء [من خمسين] منها، ثم حطه بعد ذلك بغير شرط جاز، وكذلك في أخذه خمسين سمراء من مائة محمولة وحطه ما بقي، ولو صالحه بعد الأجل من المائة السمراء على مائة محمولة إلى شهرين لم يجز، إلا أن يقضيها يداً بيد، فيجوز. 2471 - ولا بأس بشراء التمر والرطب والبسر في رؤوس النخل بحنطة نقداً، إن جذّ ما في

النخل وتقابضا قبل التفرق وإلا لم يجز. ولو اشتراه بعين أو عرض مؤجل وتفرقا قبل أن يجذّ ما في [رؤوس] النخل جاز، لأن الثمار إذا طابت حل بيعها بنقد أو دين، ولا يمنع صاحبها منها، وأكره لمن يبيع الزيت والخل بالحنطة أن يكيلها، ثم يدخل حانوته لإخراج ذلك، ولكن يدع الحنطة عند صاحبها، ثم يخرج ذلك فيأخذ ويعطي كالصرف، ولا خير في بيع حنطة حاضرة، بتمر أو شعير غائب في دار صاحبك يبعث فيه، أو هما جميعاً غائبان، وإن تقابضتما قبل التفرق، إلا أن يحضر ذلك كله فيجوز. 2472 - ولا يجوز تمر برطب أو ببسر أو بكبير البلح، ولا كبير البلح برطب أو بسر، ولا بسر برطب على حال، لا مثلاً بمثل ولا متفاضلاً، ولا يجوز التمر بالتمر، ولا الرطب بالرطب، ولا البسر بالبسر، ولا البلح الكبار بالبلح الكبار، إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ولا يجوز متفاضلاً. ويجوز التفاضل في صغير البلح بكبيره، أو ببسر

أو برطب أو بتمر يداً بيد، واختلف قول مالك في النوى بالتمر، وأجازه ابن القاسم يداً بيد، وإلى أجل، لأن النوى ليس بطعام، وأجاز مالك النوى بالحنطة وغيرها [يداً بيد وإلى أجلٍ] ، ولم يختلف قوله فيه. 2473 - ومجمل النهي عن اللحم بالحيوان إنما ذلك من صنف واحد، لموضع التفاضل فيه والمزابنة، فذوات الأربع الأنعام والوحش كلها صنف واحد، لا يجوز التفاضل في لحومها، ولا حي منها بمذبوح. والطير كلها صغيرها وكبيرها، وحشيها وإنسيها، صنف واحد لا يجوز التفاضل في لحومها ولا حيّ منها بمذبوح. ولحم الحوت كله صغيره وكبيره صنف واحد لا يجوز التفاضل فيه. ويجوز لحم الطير بحي من الأنعام والوحش، أو لحم الأنعام والوحش والحوت بالطير كلها، أحياءً نقداً أو إلى أجل، وما كان من الطير والأنعام والوحش لا يحيا وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحوت ولا بلحم من غير صنفه إلا يداً بيد. وكل شيء من اللحم يجوز فيه التفاضل، فجائز فيه الحي بالمذبوح. 2474 - ومن أراد ذبح عناق كريمة (¬1) أو حمام أو دجاج، فأبدلها رجل [منه] بكبش ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/362) ، والتمهيد (5/147) .

وهو يعلم أنه أراد ذبح ذلك فجائز، وأما المدقوقة العنق أو الصلب أو الشارف وشبه ذلك مما يصير إلى الذبح ولا منفعة فيه إلا اللحم، فلا أحب شيئاً منها، وإن عاش بطعام إلى أجل، ولا بلحم من صنفه يداً بيد، [وخالفه أشهب وجعل له حكم الحي] . 2475 - وكذلك من اشترى شاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل، فإن كانت حية صحيحة، مثلها يقتنى وليست بشاة لحم جاز، وإن كانت شاة لحم فلا خير فيه إلى أجل.

2476 - ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقداً أو مؤجلاً، لأنها لا تؤكل لحومها، وأما بالهر والثعلب والضبع فمكروه، لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم. ولا بأس بالجراد بالطير، وليس هو بلحم، ويجوز واحد من الجراد باثنين من الحوت يداً بيد. 2477 - ويجوز لبن حليب فيه زبدة بلبن مضروب قد أخرج زبده، أو بلبن اللقاح أو بلبن الإبل ولا زبد فيه مثلاً بمثل، كما جاز دقيق بقمح، وللقمح ريع بعد طحنه، ولا يجوز التفاضل في شيء من ذلك. ولبن الإبل والبقر والغنم صنف لا يجوز التفاضل فيه، ويجوز مثلاً بمثل يداً بيد، كلحومها. 2478 - ويجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز. (¬1) ولا بأس بشاة لبون بلبن، أو بزبد أو بسمن أو بجبن أو بحالوم، يداً بيد، ولا ينبغي إلى أجل أيهما عجلت، وكذلك إن كان مع السمن أو الجبن عرض أو دراهم. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/358) ، والتاج والإكليل (4/359) .

ولا بأس بشاة لا لبن فيها بلبن أو سمن إلى أجل، وأما شاة لبون بطعام إلى أجل فجائز، لأنه لا يخرج منها. 2479 - ويجوز شراء شاة عليها جزة صوف كاملة بجزة صوف. ولا بأس بكتان بثوب كتان، أو صوف بثوب صوف، أو نحاس بتور نحاس، كل ذلك نقداً، ولا خير في فلوس بنحاس، إلا أن يتباعد ما بينهما، وتكون الفلوس عدداً، وإن كانت جزافاً فلا خير في شرائها بذلك، ولا بعين أو عرض، لأن ذلك مخاطرة وقمار. 2480 - ومن اشترى قصيلاً ليقصله، أو تبناً بشعير نقداً جاز، وكذلك القرظ الأخضر واليابس بالبرسيم يداً بيد، والقصب بزريعته يداً بيد، ويجوز قصيل نقداً في شعير مؤجل، ولا خير في شعير نقداً بقصيل إلى أجل، إلا إلى أجل لا يصير الشعير

فيه قصيلاً، ويكون مضموناً بصفة فيجوز. وإن بعت حب قصب أو غيره إلى أجل، فلا أحب أن تقبض في ثمنه شيئاً مما ينبت ذلك الحب، وهذا إذا تأخر إلى أجل ينبت من ذلك الحب، وإن كان شراؤه نقداً أو إلى أمد قريب لا ينبت من [ذلك] الحب قصب، جاز. 2481 - ولا خير في زيت زيتون بزيتون مما يخرج الزيت أم لا (¬1) ، ولا في الجلجلان بزيته، ولا في العصير بالعنب، ولا في النبيذ بالتمر، ولا خير في رُبّ القصب بالقصب الحلو، أورُبّ التمر بالتمر، إلا أن يدخل ذلك إبزار فيصير صنعة تبيح التفاضل فيه. وصنعة رُبّ التمر أن يطبخ فيخرج رُبّه فهو إذاً منعقد. ولا يجوز خل التمر بخل العنب، إلا مثلاً بمثل، وكذلك نبيذهما، ولا يجوز متفاضلاً لاتفاق المنافع في ذلك، بخلاف زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لاختلاف نفعهما، وأما التمر أو العنب بخلهما فجائز، لطول أمد الخل وللحاجة إليه. ¬

(¬1) انظر: التمهيد لابن عبد البر (14/214) .

ولا بأس بالسويق بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وكذلك سويق السلت والشعير لا بأس به بالحنطة متفاضلاً، ولا بأس بالخبز بالعجين أو بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وأما عجين بحنطة أو بدقيق فلا خير فيه، لأن الصنعة لم تغيره. ويجوز القمح بدقيقه أو بدقيق شعير أو سلت مثلاً بمثل، ولا يجوز التفاضل في أحدهم بدقيق الآخر. ويجوز مقلوّ الحنطة بيابسها ومبلولها أو دقيقها متفاضلاً، وقد غمزه مالك حتى يطحن المقلوّ. 2482 - وتجوز الحنطة المبلولة بالسويق متفاضلاً، ومقلو الأرز بيابسه ومبلوله مثلاً بمثل ومتفاضلاً، ولا يجوز فريك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة ولا السمن بالزبد، ولا الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة أو المبلولة، أو الشعير أو السلت متساوياً ولا متفاضلاً، ويجوز مبلول الأرز بغيره من سائر القطاني والحبوب متفاضلاً يداً بيد. ولا يجوز الأرز المبلول بالأرز المبلول أو اليابس، ويجوز مبلول حنطة أو شعير أو سلت بجميع يابس القطاني، أو بأرز أو دخن أو سمسم ما خلا الحنطة والشعير والسلت، متساوياً أو متفاضلاً، فأما مبلول من القطاني بيابس من صنف منها آخر، فجائز على

أول قولي مالك فيها أنها أصناف مختلفة في البيع، ويجوز فيها التفاضل، وبه أقول. ولا يجوز ذلك في قوله الآخر الذي رجع إليه فجعلهما صنفاً واحداً، وكره التفاضل فيها. ولا يجوز مبلول العدس بيابسه ولا مبلوله كالحنطة، لأن البلل يختلف. 2483 - ولا خير في اللحم النيّ الغريض بقديد يابس أو مشوي، لا متساوياً

ولا متفاضلاً وإن تحرى، إذ لا يحاط بتحريه، وإلى هذا رجع مالك، وهو أحب قوليه إليّ بعد أن كان أجازه. 2484 - ولا يجوز لحم طري بلحم مالح أو بممقور أو بمكسود، وهو لحم مالح، ولا طري السمك بمالحها لا متساوياً ولا متفاضلاً، ولا يُتحرى، ولا خير في يابس القديد بمشوي اللحم، وإن تحرى لاختلاف اليبس، ولا بأس بلحم مطبوخ بقديد يبسته الشمس، أو بلحم غريض أو بمشوي على النار بلا صنعة متفاضلاً، فأما المشوي في المقلي مع خل وزيت وتابل، وربما كانت له مرقة، فله حكم المطبوخ فلا يباع بمطبوخ، ولا بأس به بالنيّ على كل حال، والمطبوخ كله صنف [واحد] ، وإن اختلفت صفة طبخه كقليه بعسل وآخر بلبن أو خل، فلا يجوز فيه التفاضل، ولا خير في الصّير بلحم الحيتان متفاضلاً، وصغار الحيتان بكبارها متفاضلاً. ولا خير في شاة مذبوحة بشاة مذبوحة إلا مثلاً بمثل تحرياً إن قدر على تحريهما في جلودهما قبل السلخ.

وما أُضيف إلى اللحم من شحم وكبد وكرش وقلب ورئة وطحال وكلى وحلقوم وخصي وكراع ورأس وشبهه فله حكم اللحم فيما ذكرنا، ولا يجوز ذلك باللحم ولا بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل، ولا بأس بأكل الطحال. ولا يجوز رأس برأسين إلا أن تكون رأس كبيرة تساوي في التحري أو الوزن صغيرين فيجوز. 2485 - وكل طعام أو إدام يدخر فلا يجوز فيه التفاضل بصنفه إن كان يداً بيد، إلا ما لا يدخر من ذلك من رطب الفواكه، كالتفاح والرمان والموز والخوخ ونحوه وإن ادخر، وكذلك جميع الخضر والبقول فلا بأس بصنف من ذلك كله بصنفه أو بخلافه يداً بيد متفاضلاً. وأما ما لا يؤكل ولا يشرب فلا بأس بواحد منه باثنين من صنفه يداً بيد، ما خلا الذهب بالذهب والفضة بالفضة فلا يجوز ذلك إلا مثلاً بمثل يداً بيد، والفلوس بالفلوس عدداً مثلاً بمثل، ولا يجوز السكر بالسكر متفاضلاً،

ولا صبرة حنطة بصبرة شعير إلا كيلاً مثلاً بمثل، ولا إردب حنطة وإردب شعير بمثلهما، [ولا] مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، كانت الحنطتان بيضاء أو إحداهما سمراء والأخرى بيضاء، وهو ذريعة إلى أن يأخذ فضل شعيره في حنطة صاحبه، ويأخذ صاحبه فضل حنطته في شعير صاحبه [وهو] على الانفراد جائز، وكذلك لا يجوز مدان من طعام مدخر بمد من صنفه ودراهم أو عرض، وذلك كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، لا ينبغي أن يكون معهما أو مع أحدهما عرض أو خلافه، من ذهب أو فضة، وكذلك ما يدخر من الطعام ولا يصلح فيه التفاضل، فإنه يجري مجرى الذهب بالذهب فيما ذكرنا. 2486 - ولا تصلح الفلوس بالفلوس جزافاً ولا وزناً ولا كيلاً مثلاً بمثل يداً بيد، ولا إلى أجل، ولا تجوز إلا عدداً فلساً بفلس يداً بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يداً بيد ولا إلى جل، والفلوس في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (9/115) .

ولا خير في بيع رطل فلوس برطلي نحاس يداً بيد، لأن الفلوس لا تباع إلا عدداً، وبيعها وزناً أو كيلاً أو جزافاً بعين أو عرض من المخاطرة والقمار. 2487 - وكل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عادّه فلا يجوز الجزاف [فيه] بينهما، لا منهما ولا من أحدهما، ولا أن يكون أحدهما كيلاً، ولا وزناً ولا عدداً، والآخر جزافاً إلا أن يعطي أحدهما أكثر مما يأخذ بشيء كثير فلا باس به، وإن تقارب ما بينهما لم يجز، وكان من المزابنة وإن كان تراباً. 2488 - ولا بأس ببيع الحديد بالحديد والنحاس بالنحاس والرصاص بالرصاص متفاضلاً يداً بيد. وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك برطلين من حديد بعينه في بيته، ثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز ذلك، ولكل واحد منكما قبض ما ابتاع، ولا يكون ذلك ديناً بدين، لأنه بعينه، فإن تلف الحديدان أو أحدهما قبل الوزن انتقض البيع، ولا شيء لأحدكما على صاحبه، ولو قبض أحدكما من الحديد شيئاً [من صاحبه] ردّه. * * *

(كتاب الصرف)

(كتاب الصَّرف) 2489 - قال مالك: ومن اشترى حلياً مصوغاً فنقد بعض ثمنه وتأخر البعض، بطلت الصفقة كلها، وهو صرف. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/301) ، والتمهيد لابن عبد البر (6/468) ، والمدونة الكبرى (8/393) ، والتقييد (3/150) ، وشرح الحدود (335) ، والمقدمات لابن رشد (2/14) .

ومن كان له على رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم فقبض [منها] تسعمائة، وفارقه قبل قبض الباقي لم يصلح ويرد الدراهم، وتبقى له المائة دينار على حالها، ولو قبض الدراهم كلها جاز، ولو كان له عليه ألف درهم حالة فباعها منه بطوق ذهب، ثم فارقه قبل قبضه فلا خير فيه، ويرد الطوق، ويأخذ دراهمه، والحلي في هذا والمسكوك والتبر سواء، لا يجوز في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا يداً بيد. 2490 - ومن صرف من رجل مائة دينار بألف درهم فنقده خمسين ديناراً وقبض ألف درهم ثم فارقه، فالجميع منتقض، ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد، لأن الصفقة وقعت فاسدة، ولو تقابضا الجميع ثم وجد من الدنانير خمسين رديئة، انتقض من الصرف حصة الخمسين فقط، لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي الرديئة تم جميعه. ومن صرف من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فقبض عشرة وقال له: أعطني بالعشرة الأخرى أرطال لحم كل يوم رطلاً لم يجز. ولا يجوز تأخير ما وقع مع الدراهم من عرض، وإن تعجل ذلك جاز. ومن اشترى من رجل سلعة إلى أجل بنصف دينار نقداً، فأعطاه بعد الصفقة ديناراً ليرد عليه نصفه دراهم بغير شرط فلا خير فيه، لأنه صرف فيه سلعة تأخرت، ولم يجز

مالك اجتماع بيع وصرف في صفقة واحدة، إلا أن تكون دراهم يسيرة كالعشرة ونحوها، وإن كثرت الدراهم لم يجز، ولا بأس بصرف دينار بدراهم وفلوس. ومن اشترى ثوباً وذهباً يسيراً لا يكون صرفاً بدراهم فتأخر درهم منها بطل البيع، وإن كانت الذهب كثيرة لم تجز، وإن انتقد جميع الصفقة، ومن اشترى فلوساً بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو بتبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز، لأن الفلوس لا خير فيها نظرة بالذهب والورق. قال مالك: وليس بحرام بيّن، ولكني أكره التأخير فيها. ولو جرت الجلود

بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهت بيعها بذهب أو ورق نظرة. ولا يباع فلس بفلسين نقداً ولا مؤجلاً. 2491 - وإن اشتريت من رجل عشرين درهماً بدينار وأنتما في مجلس [واحد] ، ثم استقرضت أنت ديناراً من رجل إلى جانبك، واستقرض هو الدراهم من رجل إلى جانبه فدفعت إليه الدينار، وقبضت الدراهم، فلا خير فيه، ولو كانت الدراهم معه

واستقرضت أنت الدينار، [فإن] كان أمراً قريباً كحل الصُّرة لا يقوم لذلك ولا يبعث وراءه، جاز، ولم يجزه أشهب. 2492 - وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار في تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم، ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي، وأكره أن يصارفه في مجلس، ويناقده في آخر، أو يجلسا ساعة ثم يتناقدا قبل أن يفترقا. (¬1) ومن لقي رجلاً معه دراهم فواجبه عليها، ثم مضى [معه] إلى الصيارفة ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/309) ، ومواهب الجليل (4/309) .

ليتناقدا، لم يجز، ولو قال له المبتاع: اذهب بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً أخذتها منك كذا وكذا درهماً بدينار، لم يجز، ولكن يسير معه على غير موعد، فإن أعجبه شيء أخذ وإلا ترك. ولا خير في أن يبتاع الوارث من الميراث حلي فضة أو ذهب، أو ما فيه حلية أقل من الثلث، مثل السيف وشبهه، ويكتب على نفسه ويتأخر الوزن أو يؤخر المحاسبة، أو ليقوما إلى السوق فينقد، [فلا يعجبني ذلك] ولا ينبغي، وأراد منتقضاً، إلا أن يتناقدا حين البيع، ألا ترى لو تلف بقية المال أنه يرجع عليهم فيما صار لهم فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد، وكذلك الأجنبي.

2493 - وإن صرفت من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فلما قبضت الدينار تسلفت منه عشرين درهماً ثم رددتها إليه في صرف ديناره، لم يجز، وكأنك أخذت ديناراً في عشرين درهماً إلى أجل. ولو بعت منه دنانير فضة بدنانير قائمة فراطلته بها وزناً بوزن ثم تقابضتما فأراد أحدكما أن يصرف من صاحبه ديناراً مما أخذ منه، لم يجز. 2494 - وإن قبضت من غريمك ديناً، فلا تعده إليه مكانك سلماً في طعام أو غيره، وكذلك لو أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم قضاكها بحدثان ذلك من دين لك عليه بغير شرط، لم يجز، ويكره ذلك كله بحدثانه. 2495 - وإن كان لك على رجل دراهم حالةً فبعتها من رجل بدنانير نقداً، لم يصلح ذلك إلا أن يقبض منك الدنانير وينقدك غريمك الدراهم مكانه يداً بيد. وبيع الدين إنما يجوز بعرض نقداً فإذا بيع بعين، لم يجز إلا يداً بيد. 2496 - قال عبد العزيز: وإذا أردت أن تبيع ذهباً نقصاً بوازنة فلم تجد من يراطلك فبع

نقصك بورق ثم ابتع بورق وازنة، ولا تجعل ذلك من رجل واحد فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة. 2497 - ومن اشترى سيفاً محلى كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير، فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن، لم ينبغ أن يقبض السيف حتى يدفع الثمن، فإن وقع ذلك مضى البيع وجاز إذا نقده مكانه. وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده ثم باع السيف فبيعه جائز، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد. ولو لم يخرجه من يده لم يفته حوالة سوق،، وله رده كالصرف، ولا يفيت الذهب والفضة تغير سوق، وإن أصابه بيده عيب فانقطع أو انكسر جفنه فعليه قيمته يوم قبضه. 2498 - وإن صرفت من رجل [ديناراً] بعشرين درهماً، فدفعت إليه الدينار وأمرته أن

يدفع الدراهم أو نصفها إلى غريمك وقبضت أنت ما بقي، وذلك كله معاً، لم ينبغ ذلك حتى تقبضها أنت منه، ثم تدفعه إلى من شئت، لأنكما افترقتما قبل تمام القبض. 2499 - وإن وكلت رجلاً يصرف لك ديناراً، فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فأمرك بالقبض وقام فذهب، فلا خير فيه. 2500 - ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل ن يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له ويقبض. ومن لك عليه دراهم فقلت له: صرّفها لي بدينار وجئني به، لم يجز، وكأنك فسختها [عليه] في دينار فيصير صرفاً متأخراً، أو أخرته بها إلى أن يشتريه لك

فيصير سلفاً جرّ منفعة، وكذلك إن أمرته أن يبيع لك طعاماً لك عليه من بيع قبل أن تقبضه ويدخله بيعه قبل قبضه، وإن كان رأس مالك فيه عيناً فباعه بخلافه من العين دخله مع ذلك تأخير الصرف، وإن باعه بصنفه أزيد أو أنقص دخله الربا مع ذلك. 2501 - وإن صرف منك رجل ديناراً فلما وزنت له الدراهم وقبضها أراد مقاصتك بدينار له عليك، فإن رضيت جاز وإن لم ترض غرم لك دينار الصرف وطالبك بديناره. ومن لك عليه نصف دينار ودراهم، فصرف منك ديناراً ثم قضاك دراهمك مكانه أو أعطاك ديناراً لتأخذ نصفه قضاء من دراهمك وتعطيه بنصفه دراهم، فلا بأس به. (¬1) 2502 - ومن استقرضت منه دنانير أو دراهم فلا تصرفها منك مكانك، فيئول إلى الصرف نظرة، إلا أن أقرضكها حالّة فابتعت بها منه سلعة نقداً أو إلى أجل، أو أقرضكها إلى أجل فابتعت بها منه سلعة يداً بيد، فلا بأس به. وإن أقرضكها إلى أجل فرددتها إليه في شيء إلى أجل، لم يجز، وصار ديناً بدين. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/310) .

2503 - ومن لك عليه ألف درهم إلى أجل فلما حلّ دفع إليك عرضاً فقال: بعه واستوف حقك، جاز، إلا أن يعطيك سلعة من صنف ما بعت منه بدينك، وهي أفضل، فلا يجوز، وأما إذا كانت مثلها في الصفة والجودة أو أدنى، فلا تهمة في ذلك. ومن له عليك دراهم فلا يعجبني أن تعطيه ديناراً ليصرفه ويستوفي دراهمه، وأخاف أن يحبسه فيصير مُصرفاً من نفسه، وكذلك الفلوس. 2504 - وكره مالك أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك، أو غير عيونها في الوقت، أو بعد يوم أو يومين. قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصحّ أمرهما فلا بأس به.

2505 - ويجوز الصرف من عبدك النصراني كالأجنبي، وكره مالك أن يكون النصارى في أسواق المسلمين [صيارفة] لعملهم بالربا، وارى أن يقاموا. 2506 - وإن بعت درهماً بنصفه فلوساً ونصفه فضة، أو اشتريت بنصفه أو ثلثيه طعاماً وأخذت بباقيه فضة جاز، وإن أخذت بثلثه طعاماً [وأخذت] بباقيه فضة، فمكروه.

2507 - ومن غصبك دنانير فجائز أن تصرفها منه بدراهم [وتقبضها] ، ذكر أن الدنانير عنده حاضرة أو لم يذكر، لأنها في ذمته. ولو غصبك جارية جاز أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر وينقدك إذا وصفها، لأنها في ضمانه، والدنانير في ذلك أبين، ولا تصرف منه وديعة لك أو رهناً في بيته من ذهب أو فضة حليّ أو مسكوك، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد، إلا أن تكون الوديعة حاضرة، ولو أودعته مائتي درهم ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، وإنما يجوز أن تأخذ منها مائة وتدع له مائة، وإن أودعته دنانير فصرفها بدراهم، أو ابتاع بها سلعة فليس لك أن تأخذ ما ابتاع أو صرف، وإنما لك عليه مثل دنانيرك. وإن أودعته عرضاً أو طعاماً فباعه بعرض أو طعام، كنت مخيراً في [أخذ] ما باعه به، أو أخذ المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما لا مثل له. (¬1) 2508 - ولا بأس بشراء سلعة بعينها بدينار إلا درهماً إن كان ذلك نقداً، فإن تأخر الدينار أو الدرهم أو السلعة وتناقد الباقي لم يجز. وروى أشهب عن مالك: إن كان ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/268) 312) .

الدينار والدرهم نقداً والسلعة مؤخرة فجائز. قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل واحد وعجلت السلعة فجائز، وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا، وإن كانت بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقداً، وجعل ربيعة الثلاثة كالدرهمين، ولم يجز مالك الدرهم والدرهمين إلا زحفاً، فأما بدينار إلا خمسة دراهم أو عشرة فيجوز نقداً كله، ولا ينبغي التأخير في شيء من ذلك للغرر فيما

يغترق ذلك من الدينار عند الأجل إن حال الصرف. قال يحيى بن سعيد: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع الرحل ببعض دينار شيئاً ويأخذ بفضله ورقاً، ويترك ما ابتاع حتى يعود في يوم آخر فيأخذه، لأن ذلك يرى صرفاً. 2509 - قال مالك: وإن ابتاع منه سلعة بثلثي دينار فقال له بعد البيع: هذا دينار فاستوف منه ثلثيك وأمسك ثلثه عندك، فلا بأس به إذا صح ذلك ولم يكن بينهما في ذلك شرط عند البيع ولا عادة ولا إضمار. 2510 - ومن قدم تاجراً ومعه ألوف دراهم ورقيق ومتاع ونقر فضة، فاشترى ذلك كله [منه رجل] صفقة واحدة بألف دينار وتناقدا لم يجز، إذ لا يجوز صرف وبيع في صفقة، ولا شركة وبيع، ولا نكاح وبيع، ولا جُعل وبيع، ولا قراض وبيع، ولا مساقاة وبيع. 2511 - وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهماً أو درهمين، فندقته أربعة دنانير وتأخر الدينار الباقي أو الدراهم، أو نقدته الدينار وأخذت الدرهم وأخرت الأربعة لم يجز ذلك، إذ للدراهم في كل دين حصة، ولو ابتعتها بخمسة دنانير إلا ربعاً أو سدساً

جاز تعجيل الأربعة، وتأخير [الدينار] الباقي [حتى يأتيك بخمس أو بربع وتدفع إليه الدينار، وكذلك إن] [تأخرت الأربعة ودفع ديناراً] ، أو أخذ سدسه أو ربعه مكانه دراهم، [فلا بأس به] ، لأن الجزء من الدينار لا يجري في سائره. 2512 - ومن باع سلعة بدينار إلا قفيز حنطة نقداً، جاز ذلك، كان الدينار نقداً أو مؤجلاً، وكأنه باع السلعة وقفيز حنطة بدينار، هذا إن كان القفيز والسلعة عنده، وإلا لم يجز، ودخله بيع ما ليس عنده. 2513 - قال ابن المسيب: ومن باع من رجل طعاماً بدينار ونصف درهم فلا يأخذ من المبتاع بنصف الدرهم طعاماً، ولكن يأخذ منه درهماً ويعطيه ببقيته طعاماً. قال مالك: إنما كرهه سعيد لأنه يصير ديناراً وطعاماً بطعام، قال مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقاً أو فلوساً أو غير الطعام جاز.

2514 - وإن صرفت من رجل ديناراً بدراهم فلم تقبضها حتى أخذت بها منه سلعة، أو قبضت منه نصفها، وأخذت بنصفها سلعة مكانك، فذلك جائز، فإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفته منه بدراهم على أن تأخذها منه سمناً أو زيتاً نقداً أو مؤجلاً، أو على أن تقبضها ثم تشتري بها منه هذه السلعة، فذلك جائز، فإن رددت السلعة يعيب رجعت بدينارك، لأن البيع إنما وقع بالسلعة، واللفظ لغو، وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما وليس هذا من بيعتين في بيعة. 2515 - ولا يجوز بيع سلعة ودراهم كثيرة بذهب، لأنه بيع وصرف، وإن كانت الدراهم يسيرة أقل من صرف دينار جاز ذلك كله نقداً، وإن نقدك من الذهب حصة الدراهم وأخر ما قابل السلعة لم يجز، ويجوز بيع سلعة ودراهم بعروض نقداً، أو إلى أجل، ولا يجوز بيعها بورق نقداً، ولا إلى أجل. وأصل قول مالك في بيع ذهب بفضة مع أحدهما أو مع كل واحد منهما سلعة، فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعاً جاز. وإن كثرت السلعة لم يجز، إلا أن يَقِلّ ما معها من ذهب أو فضة، وهذا كله نقداً.

وإن كان الذهب والورق والعرضان كثيرين لا خير فيه. ولا يجوز بيع فضة وذهب بذهب، ولا [بيع] إناء مصوغ من ذهب بذهب وفضة، ولا يباع حلي فيه ذهب وفضة بذهب ولا بفضة نقداً، كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى، [وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما فيه، ويباع بالعروض والفلوس، ورواه علي عن مالك] . 2516 - ولا يجوز بيع ثوب ودراهم بعبد ودراهم، وإن تناقدا قبل التفرق، وأصل قول مالك أن الفضة بالفضة مع أحد الفضتين أو مع كل واحد منهما سلعة لا يجوز، كانت الفضة كثيرة أو يسيرة.

2517 - والسيف المحلى والمصحف والخاتم إذا كان ما فيه من الفضة تبعاً كالثلث فأدنى، جاز بيعه بفضة نقداً، وإن كثرت الحلية وصار الفضل تبعاً لم يجز بيعه بالفضة. ولا يجوز بيعه بفضة أو بذهب إلى أجل، قلت الحلية أو كثرت، ويجوز بيعه بذهب نقداً، قلت الحلية أو كثرت، فإن بيع السيف بفضة أو بذهب إلى أجل، والذي فيه من الفضة تبع فسخ ذلك، إن كان قائماً، وإن فات بتفصيل حلية أمضيته، لأن ربيعة كان يجيز بيعه بذهب إلى أجل إذا كانت حليته تبعاً، وإنما كرهه

مالك ولم يشدد فيه الكراهة، وجعله كالعرض لجواز اتخاذه، ولأن نزعه مضرة. وما حُلي بفضة من سرج أو قدح أو سكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه، أو خرز مموه وشبه ذلك، فلا يجوز بيعه بفضة، وإن قلت حليته، لأن اتخاذ هذه الأشياء من السرف، بخلاف ما أبيح اتخاذه من السيف المحلى والمصحف والخاتم، وكان مالك لا يرى بأساً أن يحلى المصحف، وكان يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة، مثل: الإبريق ومداهن الفضة والذهب، ومجامر الفضة والذهب، والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة، وإن كانت تبعاً، وكره أن تشترى. 2518 -[قال ابن القاسم:] ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم، انتقض البيع لأنه صرف. 2519 - ومن صرف ديناراً بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف، وقال أشهب:

لا ينتقض إلا أن تكون دراهم معينة، فإن لم تكن معينة يريه إياها، وإنما باعه من دراهم عنده من كيسه أو تابوته، فعليه مثلها ما لم يفترقا، قال ابن القاسم: ولو أنه إذ استحقت ساعة صرفها قال له: خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز، ولو طال أو تفرقا لم يجز. 2520 - ومن اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم، فنقده، ثم استحقهما رجل بعد التفرق، فأراد إجازة البيع، وابتاع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو استحقهما قبل تفرق المتبايعين فاختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم يجز، ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك

جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز، قال أشهب: هذا استحسان والقياس الفسخ، لأنه صرف فيه خيار. 2521 - ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهماً بدينار، فلما نقده الدنانير قال: لا أرضاها، فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير مختلفاً فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير. 2522 - ولا يجوز أن تصرف من رجل نصف دينار، أو ثلثه أو ربعه وإن قبض جميعه، لأنه لا يبين بحصته منه، قال أشهب: وقد بقي بينهما عمل الشركة، ولو اقتسماه فإنما يقتسمان دراهم، فيأخذ دراهم من دراهم. وإن صرف رجل ديناراً من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر،

أو صرف رجلان ديناراً من رجل فدفعاه إليه فذلك جائز، وكذلك لو كان موضع الدينار نُقْرة ذهب أو فضة. (¬1) ومن كان بينه وبين رجل نقرة فباع منه نصيبه منها جاز ذلك إذا انتقد، قال أشهب: وإن باع نصيبه من غيره، وقبض المشتري جميع النقرة جاز، وإن لم يقبض فلا خير فيه. 2523 - وإن صرفت من رجل ديناراً ثم لقيته بعد أيام فقلت له: قد استرخصت [مني] فزدني، فزادك دراهم نقداً أو إلى أجل فجائز ولا ينتقض الصرف، وليس لك رد الزيادة بعيب فيها، وإن كان الدينار رديئاً فرده أخذ منك الذي زادك مع دراهمه، لأنه للصرف زادك فيرد برده، وكذلك الهبة بعد البيع للبائع إن رد السلعة بعيب أخذها. ولا بأس بزيادة دراهم في راس مال السلم بعد شهر أو شهرين. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (8/418) .

2524 - ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع أو قرض فأخذت بها منه دنانير نقداً لم يجز، ولو كانت الدراهم حالة جاز، [وإن صارفته قبل الأجل على دنانير واشترطت قبضها عند محل أجل الدراهم، أو اشتريت بها منه قبل الأجل عرضاً بعينه، أو مضموناً إلى ذلك الأجل لم يجز، وإن تعجلت العرض جاز] ، [وكذلك إن كان مكان الدنانير عرض إلى ذلك الأجل، لأنه دين بدين، ولو كان العرض نقداً جاز] ما لم يكن العرض الذي تأخذ من صنف العرض الذي بعت، ويكون أجود منه أو أكثر فلا يجوز، حلّ أجل الدين أم لا. 2525 - وإن صرفت من رجل دنانير بدراهم، ثم أصبتها بعد التفرق زيوفاً، أو ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض الصرف، وإن كان تأخر [من] العدد درهم لم يجز أن ترضى بذلك، لوقوع الصرف فاسداً. وأما إن اشتريت فلوساً بدراهم ثم أصبت بعد التفرق بعضها رديئاً لا يجوز، فأرجو أن يكون البدل في ذلك خفيفاً للاختلاف فيها، وقد كان ابن شهاب يجيز البدل في صرف الدنانير بغير شرط، وإن كان مالك يأباه، فكيف في الفلوس؟.

وإن وجدت في الصرف درهماً مردوداً لعينه وهو طيب الفضة، أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو زائفاً، فلك رده ونقض الصرف إلا أن ترضاه، فإذا رددت إليه دراهمه حين وجدت بها عيباً، فجائز أن تؤخره بدينارك إذا ثبت الفسخ بينكما، وإن لم يثبت الفسخ كرهته، ورأيته صرفاً مستقبلاً. 2526 - ومن اشترى بدينار مائة درهم أو ديناراً بدرهمين أو بدرهم، أو كان له على رجل ذهب حالة، فأعطاه بها دراهم، فقال: لا أقبلها إلا بكذا، زيادة على صرف الناس، فذلك كله جائز. 2527 - ومن أقرضته ديناراً فوهبته نصفه، فله قضاؤك باقيه دراهم وتجبر على أخذها إن كانت كصرف الناس، وكذلك إن بعت منه سلعة بنصف دينار، الجواب واحد. 2528 - ومن باع سوار ذهب لا يعلم وزنه بفضة غير مسكوكة لا يعلم وزنها جاز، ويجوز بيع الذهب بالفضة جزافاً ما لم تكن سكة فتدخله المخاطرة.

2529 - قال مالك: وإن أسلفت رجلاً مائة درهم عدداً وزنها نصف درهم، فقضاك مائة درهم وازنه على غير شرط جاز، وإن قضاك تسعين وازنة فلا خير فيه، وكذلك إن أقرضته عشرة دنانير ينقص كل دينار منها سدساً أو ربعاً فقضاك عشرة [دنانير] قائمة، جاز إن لم يكن في ذلك وأي ولا عادة، وإن قضاك تسعة لم يجز وإن كانت أكثر من وزنها، ولا يصلح إذا كانت عدداً بغير كيل إلا أن يستوي العدد ويكون الفضل في أحدهما، فيجوز. 2530 - ومن أقرضك مائة درهم وازنة عدداً، فقضيته خمسين درهماً أنصافاً جاز، ولو قضيته مائة درهم أنصافاً ونصف درهم واحد لم يجز، وإن كانت أقل وزناً، وأصل قول مالك [في هذا] ، أنك إن استقرضت دراهم عدداً فجائز أن تقضيه مثل عددها، كانت مثل وزن دراهمه أو أقل [أو أكثر] ، ويجوز أن تقضيه اقل من عددها في مثل وزنها أو أقل، إذا اتفقت العيون، وإن قضيته أقل من عددها في أكثر من وزنها، أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز. ولو أقرضته المائة كيلاً جاز أن يقضيك أزيد عدداً أو أقل [في] مثل وزنها، وتفاضل الوزن معروف مع اتفاق

العدد فهو جائز، واختلاف العدد مع تفاضل الوزن مكايسة فلا يجوز. وإن أبدل لك رجل ثلاثة دنانير بنقص سدساً سدساً، بثلاثة دنانير وازنة على المعروف جاز، وإن أعطاك بها دينارين قائمين لم يحل. 2531 - ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية، أو قضاك دنانير عتقاء من دنانير هاشمية، أو سمراء من محمولة، أو من شعير لم تجبر على أخذها، حل الأجل أم لم يحل. (¬1) قال ابن القاسم: وإن قبلتها جاز ذلك في العين من بيع أو قرض قبل الأجل وبعده، ولا يجوز في الطعام حتى يحل الأجل كان من بيع أو قرض، لأن الطعام يرجى تغير أسواقه وليس العين كذلك، ولابن القاسم قول في إجازته من قرض قبل ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (4/525) ، والشرح الكبير (3/82) .

الأجل إن لم يكن في ذلك وأْي ولا عادة، وهو أحسن إن شاء الله. ولا تأخذ قبل الأجل يزيدية من محمدية، ولا محمولة من سمراء ويدخله ضع وتعجل. وقد قال مالك في الدين يكون على الرجل فيقول لصاحبه: ضع عني وأعجل لك أنه لا يجوز.

وإن أقرضته دراهم مجموعة محمدية، فقضاك بعد الأجل يزيدية مجموعة أكثر من وزنها لم يجز، وذلك بيع فضل [وزن] عين بزيادة وزن، ولو قضاك يزيدية مثل وزنها فأقل جاز. 2532 - ولو أقرضته يزيدية مجموعة فقضاك محمدية مجموعة أقل من وزنها لم يجز، وذلك بيع زيادة بفضل عين، ولو قضاك محمدية مجموعة مثل وزن يزيديتك فأكثر جاز، ما لم تكن عادة، وكذلك إن قضاك يزيدية مجموعة أكثر من وزن يزيديتك، وهذا في الدنانير والدراهم سواء. وإن أقرضته مائة درهم يزيدية كيلاً فقضاك مائة وعشرين يزيدية كيلاً لم يعجبني. وكذلك إن أقرضته طعاماً فلا تأخذ فيه فضل العدد، مثل عشرين ومائة إردب من مائة، ولو زادك ذلك بعد مجلس [القضاء] والتفرق جاز في العين والطعام ما لم تكن عادة، ولو قضاك أرجح في الوزن بشيء يسير أو أنقص بكثير فلا بأس [به] ، وإنما يجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر، قضى مثل العدد وزاد في وزن الدراهم التي قضى، ولم يعطه عشرين ومائة بمائة، ولا عشرة ومائة بمائة.

2533 - ومن لك عليه مائة دينار قائمة من بيع أو قرض، فلا تأخذ منها مائة مجموعة أزيد عدداً، لأنك تركت فضل عيون أو وزن، لفضل العدد، إلا أن تسلفه بمعيار عندك قد عرفت وزنه، أو شرطت في البيع الكيل مع العدد، فيجوز أخذ مجموعة وإن كانت أكثر عدداً، فأما إن أسلفته مائة عدداً فقضاك مثل عددها كيلاً أو أنقص منها في الوزن فجائز. وما بعت بفرادى فلا تأخذه كيلاً، وما بعت كيلاً فلا تأخذ فرادى، وما بعت بفرادى واشترطت كيله مع العدد فجائز أن تأخذ فيه كيلاً أقل عدداً أو أكثر، ومن ذلك أن تبيع سلعة بمائة درهم كيلاً، وتشترط عددها داخل المائة خمسة، فجائز أن تأخذ [كيلاً] أقل من ذلك العدد أو أكثر في مثل الوزن. ومن لك عليه مائة دينار مجموعة من بيع أو قرض فقضاك مائة قائمة من غير وزن، فذلك جائز، لأنها أكثر وزناً وأفضل عيوناً، وإن قضاك مائة فرادى لم يجز، لأنك تجاوزت نقصها لفضل عيونها على المجموعة. 2534 - ومن باع سلعة بمائة دينار مجموعة، ولم يسم كم داخلها فلا بأس به ما لم يدخل له ذهباً غير جائز بين الناس، والدنانير المجموعة هي المقطوعة الناقصة تجمع في الكيل، والقائمة: هي المائة الجياد إذا جمعت مائة عدداً وزادت في الوزن مثل الدينار،

والفرادى: إذا اجتمعت في الوزن نقصت في المائة مثل الدينار. ومن لك عليه درهمان فرادى قد عرف وزن كل واحد منهما إلا أنهما لم يجمعا في الوزن، فلا تأخذ بوزنهما منه تبر فضة مكسورة، كانا في الجودة مثل فضته أو أدنى، لأنك إذا أخذت وزن الفرادى مجموعة لا بد أن يزيد وزن المجموعة على الفرادى، الحبة والحبتين أو ينقص، فلا يكون ذلك مثلاً بمثل. 2535 - ولا يباع القمح وزناً بوزن، وليس ما كرهنا من أخذ مجموعة من فرادى مثل ما أجزنا من أخذ السمراء من المحمولة، والمحمولة من السمراء بعد الأجل، لأن الطعام مكيل لا تفترق أقداره وهذا مختلف. (¬1) 2536 - ويجوز [بيع] مجموع الفضة بمجموعها، لأنه أخذ مثل وزن فضته أجود من فضته أو دونها في الجودة. 2537 - ومن لك عليه درهمان مجموعان فلا تأخذ منه بوزنهما أو أقل تبر فضة أجود من فضتهما، لأنه بيع لسكتهما بجودة الفضة، وليس هذا كقضاء سمراء من محمولة، لأن السكة غير الدراهم، وجودة الطعام ليس غيره. ¬

(¬1) انظر: المدونة (8/429) .

2538 - ويجوز تبر الفضة بعضه قضاء من بعض، أجود صفة أو أردأ عند الأجل في مثل الوزن، ما لم تكن سكة، ولا فضل في وزن. 2539 - ومن أبدل لك دراهم كيلاً فقلت له: زدني في الكيل، [فزادك] فذلك ربا، وأما إن أبدل لك ديناراً أو درهماً بأوزن منه بغير مراطلة فذلك جائز فيما قل، مثل الدينارين والثلاثة لا أكثر، لأن هذا معروف، والأول مكايسة. ولا يجوز في المبادلة أن يكون الناقص أجود عيناً، وإن سألته [أن] يبدل لك ديناراً هاشمياً ينقص خروبة بدينار عتيق قائم وازن، فلا خير فيه عند ربيعة ومالك، [قال ابن القاسم:] ولا بأس به عندي، وإن كان الديناران هاشميين إلا

أن أحدهما ضُرب بمصر، والآخر ضُرب بدمشق، فإن كان الناقص أفضل في عينه ونفاقه عند الناس من الوازن فلا خير فيه، وإن اتفقا في النفاق والجودة جاز. 2540 - وإن أتيته بدينار مرواني مما ضرب في زمان بني أمية وهو ناقص، فأردت أن يبدله لك بدينار هاشمي [مما] ضرب في زمان بني هاشم، فإن كان بوزنه فجائز، وإن كان الهاشمي أنقص، فقد كرهه مالك بحال ما أخبرتك، ولا بأس به عندي. 2541 - وإن بعت من رجل دراهم بدراهم أو بفضة، أو فضة بفضة، فلما توازنتما رجحت فضتك فوهبته ذلك لم يجز. 2542 - ومن لك عليه تبر فضة أو ذهب مكسور، فلا تأخذ منه إذا حل الأجل تبراً أجود من الذي لك عليه أقل وزناً، ويجوز أن تأخذ أدنى من تبرك أقل وزناً.

2543 - ولا يجوز أن تأخذ منه بعد الأجل محمولة، أقل كيلاً من سمراء لك عليه قضاء من جميع الحق، قال أشهب: إنه جائز كالفضة، كذلك لو اقتضى دقيقاً من قمح والدقيق أقل كيلاً، فلا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من القمح الدين. قال ابن القاسم: والفرق بين الفضة التبر وبين الطعام، أن الفضة التبر عند الناس كلها نوع واحد، وأمر قريب بعضه من بعض، والسمراء والمحمولة مختلفة السوق متباعد ما بينهما، ولو جاز ذلك لجاز أن تأخذ شعيراً أو دقيقاً أو سلتاً أقل، ويدخل في الطعام من قرض أو استهلاك التفاضل في بيعه، ويدخله أيضاً في البيع بيعه قبل قبضه. ومما يبين ذلك لو أتاك رجل بإردب سمراء، فقال لك: أعطني بها خمس ويبات محمولة أو شعيراً أو سلتاً، على وجه التطاول منه عليك لم يجز، ودخله بيع الطعام بالطعام متفاضلاً.

وكذلك إن أتاك بطعام جيد فأبدله منك بارداً منه، لم يجز بأكثر من كيله، ويجوز في الذهب بدله بأنقص منها وزناً وأشر عيوباً على المعروف، فافترقا، ولا خير في اقتضاء صيحاني من عجوة قبل الأجل من قرض، ولا زبيب أحمر من أسود، وإن كان أجود منه، وما جاز في الاقتضاء من القرض جاز من الاستهلاك. 2544 - ومن أقرضته قمحاً فقضاك دقيقاً مثل كيله جاز، وإن كان أقل من كيله لم يجز. 2546 - ويجوز في المراطلة بيع مصوغ الذهب بتبر ذهب أو دنانير، أجود من الذهب المصوغ أو أردأ كيلاً، يداً بيد، بخلاف الاقتضاء. 2547 - وكذلك حلي بين رجلين باع أحدهما حصته منه شريكه بمثل نصف وزنه يداً بيد فلا باس به، وكذلك نقرة بينهما، وروى أشهب أن مالكاً لم يجزه في النقرة، إذ لا ضرر في قسمتها ككيس

[مجموع] مطبوع بينهما، فيصير ذهباً بذهب، ليس كفة بكفة، وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد، وإنه لموضع استحسان. 2548 - وإن أقرضت رجلاً ذهباً مصوغاً أو سكة، فقضاك تبراً مكسوراً أجود عيناً أو قضاك حلياً أو دنانير عن تبر ذهب أقرضته، والتبر أجود ذهباً، والوزن في ذلك كله واحد لم يجز، لأنه بيع لسكة أو صياغة لجودة ذهب، والصياغة بمنزلة السكة، لأنه كان لا يلزمك أن تأخذ تبراً من حلي أقرضته، فلما أخذته علمنا أنك إنما رضيته لفضل عينه وذلك بحضورهما في المراطلة جائز، وتلغى السكة والصياغة، وتزول التهمة. 2549 - ولا يجوز التبر الأحمر الإبريز الهِرَقْلي بالذهب الصفر ذهب العمل، إلا مثلاً بمثل.

ومن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهباً إبريزاً أحمر جيداً بتبر ذهب أصفر للعمل وزناً بوزن، جاز ذلك، وإن أصاب في الدنانير مالاً يجوز عينه في السوق وذهبه أحمر جيد، لم ينتقض الصرف بينهما ولم يكن له رده، لأنه إنما يرجع بمثل ما يرد أو أردأ، وإن كان الدينار مغشوشاً انتقض من التبر بمثل وزنه خاصة. 2550 - ومن اشترى حلياً من فضة بوزنه من الدراهم أو بذهب أو بعرض جاز ذلك. فإن وجد بالحلي كسراً أو شقاً فله رده، لأنه إذا حبسه لم يبق بيده مثل ما أعطى من فضل سكة لفضل صياغة، كمن ابتاع دقيقاً بقمح فوجد بالدقيق أو بالقمح عيباً لرده، لأن دقيق القمح المعيب ليس كدقيق الصحيح، بخلاف الدنانير المعيبة، لأنها إذا لم تكن مغشوشة فهي مثل ما أعطى وأفضل، وكذلك إذا ابتاع خلخالين من ذهب أو فضة، بتبر ذهب أو فضة، فوجد في الخلخالين عيباً يردان منه، وذهبهما أو فضتهما مثل تبره أو أجود فلا يردهما، لأن ما في يديه مثل تبره أو أفضل. 2551 - ومن كانت له دنانير ذهب أصفر ورجل آخر تبر مكسور إبريز أحمر فتصارفا وزناً بوزن جاز، وإن كان لأحدهما دنانير ذهب أصفر وللآخر دنانير مثلها ذهباً أصفر مع تبر ذهب أحمر، فإن اتفق المسكوكان في النَّفاق جاز، كان التبر أرفع من المنفردة أو أدنى، وإن كانت الدنانير التي مع التبر دون المنفردة والتبر أرفع منهما، لم يجز، لأن صاحب الدنانير المنفردة يأخذ فضل عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز، وإن كانت [الدنانير] المنفردة دون الدنانير الأخرى ودون التبر أو أرفع منهما في نفاقهما، جاز ذلك، وإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق جاز، لأنه معروف، وإن كانت إحدى الذهبين نصفها مثل الذهب [الأخرى] ونصفها أنفق منها جاز، وأما إن كانت نصفها أنفق من المنفردة ونصفها دون المنفردة لم يجز.

[قال مالك:] وإن راطلته هاشمية قائمة يُعتَّق أكثر عدداً أو أنقص وزناً فلا بأس به، فإن جعل مع الهاشمية ذهباً أخرى هي أشر عيوباً من العُتَّق كالناقصة ثلاث خروبات ونحوه، لم يجز. * * * ما يحرم في اقتضاء الطعام بالطعام 2552 - وإذا اقتضيت عشرة [دنانير] مجموعة من بيع فرجحت، جاز أن تعطيه برجحانها عرضاً أو ورقاً بخلاف المراطلة، وكذلك إن كان ذلك عليه لحم أو حيتان فاقتضيته [منه] فوجدت فيه فضلاً عن وزنك، فجائز شراؤك تلك الزيادة بثمن نقداً أو إلى أجل إن كان أجل الطعام قد حل، وإن لم يحل فلا خير فيه، وإن حل

فاختلفت الصفات، والجنس واحد فلا بأس أن تأخذ بمنه] مثل وزنك أو كيلك أجود صفة أو أردأ، ولا تغرم لجودة أو تأخذ لزيادة شيئاً، ولا تأخذ أجود وأقل كيلاً ولا أردأ وأزيد كيلاً، وإن لم تغرم لذلك شيئاً ولا رجعت بشيء، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه إن كان من بيع، ولو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن أو غيرها من الثياب والحيوان عدا الطعام فلا بأس به. ومن لك عليه دراهم يزيدية عدداً فقضاك محمدية أو يزيدية عدداً وأرجح لك في كل درهم، فلا بأس به ما لم تكن عادة، ولا يجوز أن تأخذ محمدية أقل من وزن اليزيدية، لأنك تركت وزن يزيديتك لفضل عيون المحمدية، وكذلك إن قضاك تبراً مكسوراً أجود من تبرك وأقل وزناً لم يجز، كان ما ذكرنا من بيع أو قرض. 2553 - وإن أقرضته فضة بيضاء فقضاك بعد الأجل فضة سوداء، مثل الوزن فأقل جاز، ولا يجوز أرجح، لأنك تركت جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته السوداء، وكذلك إن قضاك فضة بيضاء من فضة سوداء مثل الوزن فأكثر جاز، ولا يجوز أن يقضيك أقل من الوزن، وهذا كله ما لك تكن عادة بينهما. (¬1) 2554 - وإن أقرضته ديناراً فلا بأس أن تأخذ بسدسه أو بما شئت من أجزائه دراهم إذا حل أجله وكان حالاً، ويجوز أن تأخذ بثلثه عرضاً نقداً، ثم لا تأخذ ببقيته في الوجهين ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/399) .

ذهباً، لأنه يصير ذهباً وورقاً بذهب، أو ذهباً وعرضاً بذهب، ويجوز أن تأخذ ببقيته عرضاً، وإن أخذت ببقيته دراهم وحدها أو مع عرض جاز ذلك إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز. 2555 - ولا يعجبني أن يباع الدرهم السَّتوق الرديء بدرهم فضة، وزناً بوزن ولا بعرض، لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش وفساد أسواق المسلمين، وقد طرح عمر - رضي الله عنه - في الأرض لبناً غُشّ، أدباً لصاحبه، ولكن يقطعه، فإذا قطعه جاز بيعه إذا لم يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم. قال أشهب: إذا رُدّ لغش فيه لم أر أن يباع بعرض ولا فضة حتى يكسر خوفاً أن

يغش به غيره، ويجوز بدله على وجه الصرف بدراهم جياد، وزناً بوزن، لأنهما لم يريدا بهذا فضلاً بين الفضتين، وهذا يشبه البدل. قال أشهب: وإذا كُسِر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسلبك فيجعل دراهم، أو يُسبل فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصفه حتى تباع فضته على حدة ونحاسه على حدة. 2556 - ومن لك عليه فلوس من بيع أو قرض فأُسقطت لم تتبعه إلا بها، وقاله ابن المسيب في الدراهم إذا أسقطت، ومن استقرضك ديناراً دراهم، أو ثلث دينار دراهم [أو نصف دينار دراهم] فأعطيته دراهم، فليس يقضي عليه إلا بدراهم كما قبض مثل وزنها، غلت الدراهم أو رخصت. 2557 - قال يحيى بن سعيد: وإن استقرضك نصف دينار فدفعت إليه ديناراً فانطلق به فكسره فأخذ نصفه وردّ إليك النصف الباقي، فعليه أن يعطيك ديناراً فتكسره فتأخذ نصفه وترد إليه نصفه.

وقال مالك: إن أعطيته ديناراً فصرفه المستسلف فأخذ نصفه وردّ نصفه كان عليه نصف دينار، غلا الصرف أو رخص. 2558 - وإن ابتعت سلعة بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم أو بربع وقع البيع بالفضة وتعطيه بالفضة ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما أعطيته بذلك فلوساً في الموضع الذي فيه الفلوس، تصرف يوم القضاء لا يوم التبايع. (¬1) وإن ابتعت شيئاً بدانق فلوس نقداً أو مؤجلاً، فإن سميتما ما للدانق من الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس، فلا بأس به، والبيع إنما وقع على الفلوس، وإن كانت مجهولة العدد ولا تعرفان ذلك لم يجز، لأنه غرر. 2559 - وإن ابتعت سلعة بنصف دينار أو بثلث أو بربع، وقع البيع على الذهب وتدفع إليه ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما قُضي عليه في جزء الدينار بدراهم بصرف يوم القضاء لا يوم التبايع. 2560 - ومن باع سلعة بنصف دينار فاشترط أن يأخذ به دراهم نقداً يداً بيد، فإن كان الصرف معروفاً يعرفانه جميعاً فلا بأس بذلك إذا اشترطا كم الدراهم من الدينار. 2561 - ومن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل واشترط أن يأخذ به إذا حل الأجل دراهم ¬

(¬1) انظر: المدونة (8/446) .

لم يجز، ولو لم يشترط ذلك كان له إذا تشاحّا عند الأجل أن يأخذ منه دراهم على صرف الناس يوم يأخذه بحقه، ولكنه لما اشترط ذلك وقع البيع على ما يكون من صرف نصف دينار بالدراهم يوم يحل الأجل، فهذا مجهول. قال أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب وشرط أن يأخذ منها دراهم، فذلك أحرم، لأنه ذهب بورق إلى أجل، وورق أيضاً لا يعرف عددها، ولو شرط أن يأخذ بنصف الدينار إذا حل الأجل ثمانية دراهم، كان بيعاً جائزاً، وكانت الثمانية لازمة لهما وذكر النصف لغو. 2562 - قال مالك: ومن باع سلعة أو أكرى منزله بنصف دينار أو بثلث على أجل، فلا يأخذ في ذلك قبل الأجل دراهم، وليأخذ عرضاً إن أحبا، فإذا حل الأجل فليأخذ ما أحب. (¬1) * * * "نهاية كتاب الصرف" * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد (3/177) .

(كتاب بيوع الآجال)

(كتاب بيوع الآجال) 2563 - ومن باع ثوباً [بثمن] إلى أجل، جاز أن يشتريه قبل الأجل بمثل الثمن فأكثر نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا يجوز بدون الثمن نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا بأس به بالثمن فأقل منه إلى أبعد من أجله، فأما بأكثر منه فلا يجوز إلا على المقاصة عند الأجل، فإذا نقده صارت ذهباً في أكثر منها إلى أجل، وأما إلى الأجل نفسه فجائز بالثمن، أو أقل منه أو أكثر، وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر، وإن بعت عبدين بعشرة [دنانير] إلى شهر، فلا تبع أحدهما بتسعة نقداً ولا بدينار نقداً

فيصير بيعاً وسلفاً، ولو كان قصاصاً جاز، ويجوز بعشرة نقداً. 2564 - وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم إلى شهر، فاشتريته قبل الأجل بخمسة دراهم وبثوب نقداً من نوعه أو من غير نوعه لم يجز، لأنه بيع وسلف، ولو كانت الخمسة مقاصة عند الأجل جاز، وإن بعت ثوبين بعشرة إلى أجل لم يجز أن تبتاع منه أحدهما بخمسة، وبثوب نقداً، لأنه بيع وسلف وفضة وسلعة نقداً بفضة مؤجلة. 2565 - وإن بعت ثوباً بعشرة محمدية إلى شهر، فابتعته بخمسة يزيدية إلى شهر وبثوب نقداً لم يجز، لأن ثوبك الراجع لغو، وكأنك بعت الثاني بخمسة على أن يبدل لك عند الأجل خمسة بخمسة من سكة أخرى، ولا تبتعه بثوب أو بثوبين من صنفه [إلى] دون الأجل أو إلى أبعد منه، لأنه دين بدين والثوب الأول لغو. وإن بعته بثلاثين درهماً إلى شهر فلا تبتعه بدينار نقداً فيصير صرفاً مؤخراً، ولو ابتعته بعشرين ديناراً نقداً جاز، لبعدكما من التهمة، وإن بعت بأربعين درهماً إلى شهر، جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير نقداً لبيان فضلهما، ولا يعجبني بدينارين وإن

تساويا في الصرف، ولا تبتعه بثوب ودينار نقداً، لأنه عرض وذهب بفضة مؤخرة. ولا يعجبني أن تبتاعه بعرض وفلوس [نقداً] . 2566 - وإن بعت من رجل مائة أردب محمولة بمائة دينار إلى أجل، ثم ابتعت منه قبل الأجل مائتي أردب محمولة كصفتها بمائة دينار نقداً لم يجز، لأنه رد إليك طعامك وزادك مائة أردب على أن أسلفته مائة دينار. ولا تشتر منه من صنف طعامك ككيله فأقل [بأقل] من الثمن نقداً، وإن كان مثل المكيلة بمثل الثمن فأكثر نقداً فجائز، وكذلك كل مكيل وموزون في هذا، وأما إن بعت منه ثوباً فرقبياً بدينارين إلى أجل فلا بأس أن تشتري منه قبل الأجل [ثوباً] من صنفه في

[صفته] وجنسه بأقل من الثمن أو أكثر نقداً أو إلى أجل، وليس كرجوع ثوبك إليك، وإنما على مستهلك الثوب قيمته بخلاف ما يكال ويوزن. 2567 - وإن بعت منه عبدين أو ثوبين [بثمن] إلى أجل، جاز أن تقيله من أحدهما وإن غاب عليهما ما لم تعجل ثمن الآخر قبل أجله، أو تؤخره إلى أبعد من أجله، وإن كان طعاماً لم يجز أن تقيله من بعضه إذا غاب عليه حل الأجل أم لا، وإن لم يغب عليه أو غاب [عليه] بمحضر بينة جاز ذلك، ما لم ينقدك الآن ثمن باقيه، أو يعجله لك قبل محله فيصير قد عجل لك ديناً على أن ابتعت منه بيعاً، ويدخله طعام وذهب نقداً بذهب مؤجلة. 2568 - وإن أسلمت إليه فرساً في عشرة أثواب إلى أجل، فأعطاك منها خمسة قبل

الأجل مع الفرس أو مع سلعة سواه على أن أبرأته من قيمة الثياب لم يجز، لأنه بيع وسلف ووضيعة على تعجيل حق، فوجه البيع والسلف أن الذي عليه الحق عجل لك الخمسة الأثواب سلفاً منه، يقبضها من نفسه إذا حلّ الأجل والفرس أو السلعة بيع بالخمسة الباقية، وأما ضع وتعجل فأن تكون السلعة المعجلة أو الفرس لا تسوى الخمسة الباقية ليجيز الوضيعة، ويدخله تعجل حقك وأزيدك دخولاً ضعيفاً. ولو كانت قيمة السلعة المعجلة أضعاف قيمة الثياب المؤخرة لم يجز أيضاً، إذ لو أسلم ثوباً وسلعة أكثر ثمناً منه في ثوبين من صنفه لم يجز. قال ربيعة: وما لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض فلا تأخذه قضاء منه، مثل: أن تبيع تمراً فلا تأخذ في ثمنه قمحاً.

2569 - قال ربيعة: وإن بعت حماراً بعشرة دنانير إلى أجل، ثم أقلته على أن عجل [لك] ديناراً، أو بعته بنقد فأقلته على أن زادك ديناراً أخرته عليه، لم يجز. 2570 - وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل، لم يجز أن يشتريها عبدك المأذون له بأقل من الثمن نقداً [إن اتجر بمالك، وإن اتجر بمال نفسه فجائز، ولا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل من الثمن نقداً] ، وإن وكلك رجل على شرائها له بأقل من الثمن لم يعجبني ذلك، ولا تبعها أنت لمشتريها منك يسألك ذلك لجهله بالبيع، إلا بمثل ما يجوز لك شراؤها به.

2571 - وإن باع عبدك سلعة بثمن إلى أجل لم يعجبني أن يبتاعها بأقل منه نقداً إن كان العبد يتجر لك. 2572 - ولا بأس أن تبيع عبدك بعشرة [دنانير] من رجل، على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين ديناراً سكة واحدة [ولا يدخله بيع وسلف ولا سلعة وذهب بذهب] ، لأن المالين مقاصة. وأما إن اشترطا إخراج المالين، أو أضمرا إضماراً يكون كالشرط عندهما لم يجز، ثم إن أراد بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز، لوقوع البيع فاسداً، وإذ هما قادران بالشرط على فعل فاسد.

2573 - وإن بعته سلعة بعشرة دنانير [إلى شهر] على أن تأخذ بها عند الشهر مائة درهم أو حماراً أو ثوباً موصوفاً فجائز، وإنما يقع البيع على ما يقبض، واللفظ الأول لغو. 2574 - ومن له على رجل دين إلى أجل فلما حلّ [الأجل] أخذ ببعضه سلعة على أن أخره ببقية الثمن لم يجز، لأنه بيع وسلف، وإن أخذ ببعض الثمن سلعة وأرجأ عليه بقيته حالاً جاز ذلك. 2575 - ومن لك عليه دين حال أو إلى أجل، فلا تكتر [به] منه داره سنة، أو أرضه التي رويت أو عبده شهراً، أو تستعمله هو به عملاً يتأخر، ولا تبتاع به منه ثمرة حاضرة في رؤوس النخل قد أزهت أو أرطبت، أو زرعاً قد أفرك، لاستئخارهما، ولو اسْتُجذّت الثمرة واستُحصد الزرع ولا تأخير لهما جاز، ولا يبتاع به منه سلعة

بخيار أو أمة بتواضع، أو سلعة غائبة على صفة أو داراً غائبة على صفة، ولو بعت دينك من [غير] غريمك بما ذكرنا جاز، وليس كغريمك، لأنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه عليه بخلاف الأجنبي، مع أنه لا يجوز في خيار أو مواضعة أو شراء شيء غائب تعجيل النقد بشرط. 2576 - ومن لك عليه مائة أردب حنطة إلى أجل من بيع أو قرض، فوضعت عنه قبل الأجل خمسين على أن يعجل لك خمسين لم يصلح، لأنه ضع وتعجل. 2577 - وإن بعت عبدك بعروض مضمونة إلى أجل، فلما حل الأجل أخذت بذلك المضمون عبدين من صنف عبدك، لم يجز. ولا تأخذ من ثمن عبدك إلا ما يجوز لك أن تسلم عبدك فيه. 2578 - وإن أسلمت إلى رجل في محمولة إلى أجل فلقيته قبل الأجل فقلت له: أحسن إليّ واجعلها لي في سمراء إلى أجلها، ففعل لم يجز، [لأنه فسخ محمولة في سمراء إلى

أجل] ، [فصار ذلك ديناً بدين] ، ولو حلّ الأجل جاز ذلك، أخذ سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء، لأنه بدل. 2579 - ولا يجوز أن تبيع من رجل بيعاً على أن تسلفه أو يسلفك، فإن نزل فُسِخ، إلا أن يسقط مشترط السلف شرطه قبل فوات السلعة بيد المبتاع فيتم البيع، قال مالك: وهذا مخالف لبعض البيوع الفاسدة وإن لم يعلم بفساد البيع حتى فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن، وكان السلف من البائع فله الأقل من الثمن أو من القيمة يوم القبض ويرد السلف، وإن كان السلف من المبتاع فعليه الأكثر منهما ما بلغ. 2580 - ومن ابتاع سلعة على أن البائع متى ما ردّ الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك، لأنه سلف جرّ منفعة، وقرضك ثوباً في مثله، كسلمك ثوباً في مثله، فإن كان النفع للآخذ ولم تغتز أنت نفعاً فذلك جائز، وإن أردت به نفع نفسك وعلم بذلك

صاحبك، أو لم يعلم بذلك لم يجز. وكذلك لو أقرضته عيناً أردت كونه في ذمته إلى أجل لما كرهت من بقائه في بيتك، وكذلك في قرض جميع الأشياء، فإن نزل ذلك وعلم أنك اغتزيت به نفع نفسك، فلك تعجيل حقك [إن كان ما اغتزيت من النفع بنفسك ظاهراً] ، وإن لم يكن غير دعواك لم يكن لك تعجيله، وقد خرجت، والبيع الفاسد بثمن إلى أجل إذا فات عُجلت فيه القيمة وفسخ الأجل. 2581 - وكل ما أقرضته من طعام أو عرض أو حيوان أو غيره ببلد، على أن يوفيكه ببلد آخر لم يجز وإن ضربت أجلاً، بخلاف البيع، قال عمر: فأين الحِمال؟. وأما إن أقرضته عيناً فلا حمال فيها، إذ لك أخذه بها حيث ما لقيته بعد الأجل، فإذا اشترطت أخذها ببلد آخر، فإنما يجوز ذلك إذا فعلته

رفقاً بصاحبك، لا تغتزي أنت به نفع نفسك من ضمان طريق غيره كما تفعل في السفاتج إذا ضربت أجلاً يبلغ البلد في مثله، وإن لم يخرج فلك أخذه بعد الأجل حيثما وجدته. (¬1) ولا يعجبني إن لم يضربا مع ذكر البلد أجلاً، ولا يجوز للحاج قرض كعك أو سويق على أن يوفيه ببلد آخر، وليسلفه ولا يشترط. قال ابن عمر: "لا يشترط إلا القضاء". ومن له إلى جانبك زرع فاستقرضته منه على أن تقضيه من زرع لك ببلد آخر، لم يجز. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/548) ، ومواهب الجليل (5/357) ، والكافي (1/359) ، والقوانين الفقهية (ص190) ، وأنيس الفقهاء (ص225) ، والتعريفات (ص157) ، والسفاتج: القرض.

2582 - وإن أقرضك فداناً من زرع مستحصد تحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد عليه مثل كيل ما فيه، فإن فعل ذلك رفقاً ونفعاً لك دونه، جاز إذا ليس فيما كفيته منه كبير مؤنة، لقلته في كثرة زرعه، ولو اغتزى بذلك نفع نفسه بكفايتك إياه ذلك، لم يجز. 2583 - ولا تقرض لرجل طعاماً على تصديقك في كيله، فإن كنت أنت قد استقرضته أيضاً فكأنه أخذه ليضمن نقصه. ولو حضر كيله حين قبضته جاز قبضه لذلك قبل غيبتك عليه. ولو استقرضته [له] وأمرته بقبضه جاز ذلك، وكان ديناً لربه عليك وديناً لك أنت على قابضه. ولا بأس ببيع ما استقرضت على تصديق كيلك بثمن نقداً، ولا ينبغي إلى أجل، وفارق القرض أن للمبتاع ما وجد من المتعارف من زيادة الكيل أو نقصه فله وعليه، ويرد كثير الزيادة ويرجع بحصة كثير النقص من الثمن، والقرض يصير للتسمية ضامناً إلا أن يقول له: كِلْه وأنت مصدق، فيجوز، ويصدق فيما يذكره.

2584 - وإن أقرضت رجلاً طعاماً إلى أجل فلا بأس أن تبيعه منه أو من غيره قبل الأجل بكل شيء نقداً، عدا سائر الطعام والشراب والإدام كله، [لأنه بيع الطعام بالطعام إلى أجل] ، ولا بأس أن تبيعه من الذي هو عليه إذا حلّ الأجل بما شئت من الأثمان أو بطعام أكثر من كيل طعامك نقداً، أو بصيرة تمر أو زبيب، غلا أن يكون ذلك من صنف طعامك فلا تأخذ أكثر كيلاً [منه] . 2585 - وإن أقرضته حنطة فلا تأخذ منه إذا حلّ الأجل دقيقاً ولا شعيراً ولا سُلتاً إلا مثلاً بمثل، فأما قبل الأجل فلا تأخذ منه إلا مثل حنطتك صفة وكيلاً، ولا تأخذ منه شعيراً ولا سلتاً ولا دقيقاً ولا شيئاً من الطعام قبل الأجل، ويدخل ذلك: ضع وتعجل، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل. (¬1) 2586 - وإن بعته طعاماً لك عليه حالاً من قرض بدنانير، لم يجز أن تفارقه حتى تنتقد، إلا مثل أن تذهب معه إلى السوق أو يأتيك بها من البيت، فأما أن [تصير] تطلبه بها فلا يجوز، لأنه فسخ دين في دين. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (9/128) ، والتاج والإكليل (4/367) .

2587 - ولا بأس أن تأخذ من دين لك قد حلّ، ورقاً من ذهب، أو ذهباً من ورق، أو ما شئت من السلع نقداً. ومن لك عليه ألف درهم حالّة فاشتريت منه بها سلعة بعينها حاضرة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن دخلت [بيتك] قبل أن تقبضها فالبيع جائز، وتقبضها إذا خرجت، وإن أخذت منه بدينك طعاماً فكثر كيله فذهبت بعد وجوب البيع لتأتي بدواب تحمله، أو تكري له منزلاً أو سفناً وذلك يتأخر اليوم واليومين، أو شرعت في كيله فغابت الشمس وقد بقي من كيله شيء فتأخر إلى الغد، فلا بأس به، وليس هذا دين في دين، وأراه خفيفاً، لأنهما في عمل القبض، وإن أخذت منه بدينك ما لا مؤنة فيه من قليل الطعام والفواكه، في كيل أو وزن أو عدد، لم يجز تأخيره، إلا ما كان يجوز ذلك في مثله أن تأتي بحمال يحمله أو مكتل يجعله فيه، فعلى هذا فاحمل أمر الطعام. 2588 - والقرض في الخشب والبقول والرياحين وفي كل شيء جائز إذا كان معروفاً، إلا الجواري وتراب الفضة.

2589 - ولا ينبغي لك قبول هدية من ديانك، إلا من تعودت ذلك منه قبل أن تداينه وتعلم أن هديته إليك ليس لأجل دينك، فلا بأس بذلك. قال عطاء: وإن قارضت رجلاً مالاً أو أسلفته إياه فلا تقبل منه هدية، إلا أن يكون من خاصة أهلك لا يهدي لك لما تظن، فخذ منه. (¬1) 2590 - ومن أقرضته خبز الفرن فلا تشترط عليه خبز تنور أو ملة، ويجوز قضاؤكه بغير شرط تحرياً، وكذلك سمراء من محمولة أو ديناراً دمشقياً من كوفي بهذا المعنى. 2591 - ومن له عليك طعام من سلم فأحلته على طعام لك من قرض، أو كان الذي له عليك من قرض فأحلته على طعام لك من بيع أو قرض قد حلّ، أو دفعت إليه دراهم يبتاع بها طعاماً يقبضه من حقه، فذلك كله جائز. 2592 - وإن كان لك عليه طعام من قرض وله عليك طعام من قرض ككيله وصفته حالّين أو مؤجلين، جاز أن تتقاصا، اتفق الأجلان أو اختلفا، ولم يحلا ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/546) .

[أو حلا] ، أو حلّ أحدهما، إلا أن يكون الذي له عليك سمراء والذي لك [عليه] محمولة، فتجوز المقاصة إن حلا، لأنه بدل، وأما إن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، إذ لا يجوز قضاء سمراء من بيضاء ولا بيضاء من سمراء قبل الأجل من بيع أو قرض. وإن كان لك عليه طعام من سلم وله عليك مثله من سلم لم يجز أن تتقاصا، حلت الآجال أو لم تحل. وإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم، فإن حلا والصفة والمقدار متفقان جازت المقاصة، وإن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، كان الحل منهما سلماً أو قرضاً، وإن كان لك عليه دين وله عليك مثله صفة ومقداراً، وهما ذهب جميعاً أو ورق أو عرض، فلا بأس أن تتقاصا في ذلك كله، كانا من بيع أو قرض، اختلفت الآجال أو اتفقت، وقد حلاّ أو لم يحلاّ أو حلّ أحدهما، وإن كان لك عليه ذهب وله عليك ورق جازت المقاصة إن حلا، ولا يجوز بحلول أحدهما، ولا إن لم يحلاّ وإن اتفق الأجلان، لأنه صرف مؤخر. وإن كان لك عليه عرض وله عليك عرض وهما مختلفا الجنس والصفة، فإن كان أجلهما مختلفاً لم يجز أن يتقاصّا حتى يحلاّ أو يحلّ أحدهما، ولو اتفق أجلاهما ولم يحلاّ

جاز التقاصص فيهما قبل محلهما، ولو اتفقا في الصفة والجنس والقدر جازت المقاصة فيهما وإن اختلفت آجالهما، وليس كمن ابتاع عرضاً مؤجلاً في ذمة رجل بعرض مؤجل في ذمته، لأن الذمتين مشغولتان وفي المقاصة تبرآن. وحكم أجناس التمر و [أجناس] الزبيب وسائر الحبوب في المقاصة على ما ذكرنا في الحنطة في القرض والسلم. ومن لك عليه إردب حنطة من قرض إلى أجل بحميل وأقرضك مثله إلى أبعد من أجله بغير حميل فلا بأس أن يتقاصا. ومن له عليك طعام من سلم قد حلّ فلا باس أن تحيله على طعام استقرضته، ويكون بكيلٍ واحدٍ قرضاً عليك وأداءً من سلم. * * * تم كتاب بيوع الآجال بحمد الله وعونه سبحانه * * *

(كتاب البيوع الفاسدة)

(كتاب البيوع الفاسدة) (¬1) 2593 - ومن ابتاع شيئاً بيعاً فاسداً ففات عنده فعليه قيمته يوم قبضه. والفوت مختلف، فالرقيق والحيوان يفيتها طول الزمان عند المبتاع، لأنها لا تثبت على حالها، وأما الثياب والعروض فلا يفيتهما ذلك إلا أن تتغير أسواقهما، [وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق وطول الزمان، وإنما يفيتها البيع والبناء والهدم والغرس، قال ابن القاسم:] فإن تغير سوق السلعة ثم عاد لهيئته لم يكن للمبتاع ردها، لأن القيمة قد وجبت، وأما إن باعها ثم رجعت إليه بعيب أو شراء أو هبة أو ميراث فله الرد، إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه، فذلك فوت، وإن عاد لهيئته، وأشهب يفيتها بعقد البيع. ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/209) ، وحاشية الدسوقي (3/72) ، ومواهب الجليل (4/362) ، والمدونة الكبرى (9/145) ، ومختصر خليل (162) ، والتقييد (4/23) .

2594 - ولا يجوز أن تبتاع جاريت بجاريتين غير موصوفتين، ويرد ذلك، فإن فاتت [الجارية] عندك بعيب أو نقص سوق، لزمتك قيمتها، يوم القبض وليس لبائعها منك أخذها مع ما نقصها، ولا أخذها بغير شيء يأخذه لنقصها، كما ليس لك ردّها عليه مع ما نقصها من عيب، ولا بعد زيادتها في سوق أو بدن إذا لم يقبلها البائع، إلا أن يجتمعا [على ذلك] في جميع ما ذكرنا. 2595 - ومن اشترى أمة بيعاً فاسداً، فولدت عنده ثم مات الولد، فذلك فوت وليس له ردها، كانت من المرتفعات أو من الوخش، لأن القيمة قد وجبت وليس ما ذكرناه من حوالة سوق أو [عيب في] بدن يفيت الرد [بالعيب] في [البيع] الصحيح، وإن كان عيباً مفسداً فإنه يردها وما نقصها، ولا شيء عليه في العيب الخفيف، ولا يفيت ردها، والفرق أن البيع الحرام دخل فيه المتبايعان بمعنى واحد، فليس للمبتاع رده في النقص، كما ليس للبائع أخذه في الزيادة،

والعيب سببه من عند البائع [خاصة] ، والحجة للمبتاع في الرد. 2596 - ولا يجوز بيع سلعة بثمن إلى أجل مجهول، فإن نزل لم يكن للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وللبائع أخذها أو قيمتها في الفوت. 2597 - ومن اشترى ثمراً لم يزه فجذه قبل إزهائه، فالبيع جائز إذا لم يشترط تركه إلى إزهائه. فإن لم يجذه وتركه حتى أرطب أو أثمر فجذه لم يجز البيع، وفسخ، ورد قيمة الرطب أو مكيلة التمر إن جذه تمراً. 2598 - وإذا جمعت صفقة حلالاً وحراماً فسد جميعها. قال مالك - رحمه الله - يرد الحرام البين فات أو لم يفت، وما كان مما كرهه الناس رُد إلا أن يفوت فيترك.

2599 - قال مالك: وشراء القصيل (¬1) والقَرَظ (¬2) والقصب واشتراط خِلفته، إنما يجوز ذلك إذا بلغ أن يرعى أو يجذ للعلف، وإن لم يكن في ذلك فساد فيجوز شراؤه واشتراط الخلفة فيه إن كانت مأمونة لا تختلف، أو يشترط منه جذة أو جذتين، إذا لم يشترط أن يتركه حتى يصير حياً، فإن اشترط ذلك لم يجز وفسخ البيع، وإن لم يشترط ذلك ولكن غلبه الحب في اشتراط الخلفة وقد جز أو رعى رأسه أو ما قل أو كثر، قُوّم ما رعى وجز بقدر تشاح الناس فيه، ويقوم ما كان يرجى من خلفته أو باقيها، ولا يقوم الحب ولا ينظر إلى غزر نبات أوله أو آخره، وإنما ينظر إلى قيمة القصيل في أوقاته، كان أوله أغزر أو آخره، فيجمع قيمة ما جُزّ مع قيمة [ما] تحبب، فإن كان قيمة ما تحبب قدر ثلث ذلك أو نصفه أو أقل أو أكثر رد من الثمن بقدر ذلك، قلّ [الثمن] أو كثر، قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إذا لم يكن في ذلك فساد، يريد إذا كان قبل أن يبلغ الرعي أو أن يحصد. 2600 - وإذا خرج القصيل من الأرض ولم يبلغ أن يرعى أو يحصد لم يجز شراؤه. ويشترط أن يتركه حتى يبلغ أن يرعى أو يحصد، ولا يجوز شراء قصيل أو قرظ ¬

(¬1) هو علف أخضر للبهائم. (¬2) هو حب العدس، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/314) ، والفواكه الدواني (2/130) .

أو قصب [وقد بلغ أن يرعى] ، على أن يتركه يتحبب أو يقصّب أو يتركه شهراً، إلا أن يبدأ الآن في قصله فيتأخر شهراً وهو دائم فيه. فأما تأخيره لزيادة نبات فلا يجوز، وليس كتأخير ما يشترى من ثمرة نخل أو تين بعد طيبه، إذ إنما يزيد في الثمرة حلاوة ونضجاً وقد تناهى عظمها، والقصيل يزيد نشوزاً، ومنه ما يسقى فيشترط سقيه شهراً أو أكثر، وهو كشراء شيء بعينه إلى أجل، والجائحة فيه من البائع، ولو جاز ذلك لجاز شراؤه بقلاً على أن يترك إلى أن يرعى، أو طلعاً ويترك إلى أن يصير بلحاً، وإنما يجوز ذلك على القلع. وكذلك صوف الغنم لا يجوز اشتراط تركه إلى تناهيه. وإن ابتاع بقل الزرع على رعيه مكانه، وإن اشترط سقيه إلى أن يصير قصيلاً لم يجز. ويجوز لمن اشترى أول جزة من القصيل شراء خلفته بعد ذلك، ولا يجوز ذلك لغيره، ولا يجوز أن يشتري ما تطعم المقثأة شهراً، لاختلاف الحمل فيه في كثرته في الحر وقلته في البرد.

2601 - ولا يجوز بيع سلعة على أنها بالنقد بدينار أو إلى شهر بدينارين، وكذلك على أنها إلى شهر بدينار، أو إلى شهرين بدينارين على الإلزام لهما أو لأحدهما، وليس للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وإن كان على غير الإلزام جاز. ولا يجوز شراء سلعة بمائة مثقال من ذهب وفضة لا يسمى كم من هذا وهذا. 2602 - ومن ابتاع أمة على تعجيل العتق جاز، لأن للبائع تعجيل الشرط، بما وضع من الثمن، ولم يقع فيه غرر، فإن أبى أن يعتق فإن كان اشترى على إيجاب العتق لزمه العتق، وإن لم يكن على إيجاب العتق لم يلزمه العتق، وكان للبائع ترك العتق وتمام البيع أو يرد البيع، فإن رد بعد أن فاتت فله القيمة، وقال أشهب: لا يرد البيع ويلزمه العتق بما شرط.

وأما إن ابتاعها على أن يعتقها إلى أجل أو يدبرها أو على أن يتخذها أم ولد، لم يجز، للغرر بموت السيد أو الأمة قبل ذلك، ولحدوث دين يرد التدبير، فإن فاتت المشترط فيها أن يتخذها أم ولد بولد أو عتق، أو فاتت المشترط فيها التدبير أو العتق بذلك أو غيره، فللبائع الأكثر من قيمتها يوم قبضها المبتاع أو الثمن. 2603 - ولا يجوز أن تبتاع عبداً على ألا تبيع ولا تهب ولا تتصدق، فإن فات بيدك رددت قيمته. 2604 - وكل دين على رجل من بيع أو قرض فلا تفسخه عليه إلا فيما تتعجله، فإن أخذت به منه قبل الأجل أو بعده سلعة معينة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن أخرتها لم يجز. وأما إن ابتعت ثوباً بعينه بدينار إلى أجل، فتأخر قبض الثوب فلك قبضه، والبيع تام، وليس للبائع حبسه بالثمن، لأنه مؤجل، وليس كتأخير ما تأخذ في دينك، وقد يجوز أن تكتري من رجل داره بدين يبقى عليك. ولا تكترها منه بدين لك عليه قد حلّ أو لم يحل، وقد تقدم هذا.

وكره مالك - رحمه الله - أن يبتاع طعاماً بعينه بدين إلى أجل، ثم يؤخر كيل الطعام إلى الأجل البعيد، قال ابن القاسم: وأرى السلع كلها مثله لا تؤخر إلى الأجل البعيد. 2605 - ولا يجوز لرجل شراء سلعة بعينها بقيمتها أو على حكمه أو حكم البائع، أو على رضاه أو رضى البائع، أو على حكم غيرهما أو رضاه. 2606 - ومن الغرر بيع عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو ثمرة لم يبد صلاحها، ولو كان الآبق قريب الغيبة ما جاز شراؤه، ولا شراء ما ضل، أو ند من بعير أو شاة، إلا أن يدعي المبتاع معرفته بمكان عرفه فيه، فيكون كبيع الغائب، ويتواضعان الثمن، فإن ألفاه على ما يعرف، تم البيع، وإن تغير أو تلف كان من البائع وأخذ هذا ثمنه. وضمان اذكرنا فساد بيعه من آبق أو شارد أو جنين أو ثمرة من البائع حتى يقبضه المبتاع، فإذا قبضه رده إن لم يفت، فإن فات بعد أن قبضه فليرد فيما له قيمة قيمته يوم قبضه، ويرد مكيلة [التمر] إن جذه تمراً، فإن أكله رُطباً ردّ قيمته، وثمر النخل في البيع الفاسد مصيبتها من البائع ما دامت في رؤوس النخل.

2607 - ولا يجوز بيع غيران المعادن، لأن من قطعت له إذا مات قطعت لغيره ولم تورث عنه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب التي أسلم عليها أهلها أو بأرض المغرب فأمرها إلى الإمام يقطعها لمن رأى. ويجوز بيع تراب الذهب بالفضة، أو تراب الورِق بالذهب. قال مالك: وقد كتب عمر بن عبد العزيز بقطع المعادن، قال ابن القاسم: لأنه يجتمع فيها شرار الناس. ومن عمل في المعدن فأدرك نيلاً لم يجز له بيع ذات النيل، لأنه غرر لا يعلم دوامه، وله منعه من الناس بخلاف فضل الماء، ولم يأت في هذا ما جاء منه في منع فضل الماء. (¬1) ¬

(¬1) قوله (فأدرك نيلاً) أصاب في المعدن شيئاً. ويقصد بما جاء في منع فضل الماء حديث جابر عند مسلم (1565) .

ولا يجوز بيع المعدن ضريبة يوم ولا يومين، لأن ذلك مخاطرة. 2608 - وإذا كانت المواشي والدواب تعدو في زرع الناس، فأرى أن تُغرّب وتباع في بلد لا زرع فيها، إلا أن يحبسها أربابها عن الناس. 2609 - ولا بأس بالبيع إلى الحصاد أو الجذاذ أو العصير، أو إلى رفع جرون بئر زرنوق، لأنه أجل معروف، وأما إلى العطاء فإن كان قائماً معروفاً [وقته] فجائز، [وإلا لم يجز] ، وإن كان النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم والميلاد وقتاً معروفاً، فالبيع إليه جائز.

2610 - وإذا اختلف الحصاد في البلد الذي تبايعا فيه نظر إلى حصاد عظم البلد الذي تبايعا فيه، ولا ينظر إلى أوله ولا إلى آخره فيحل الحق حينئذ، ولا ينظر إلى غيرها من البلدان، قيل: فإن اختلف الحصاد في البلد ذلك العام، فقال: إنما أراد مالك إذا حل أجل الحصاد وعظمه، وإن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقد بلغ الأجل محله. وخروج الحاج أجل معروف إذا تبايعا إليه، وهو أبين من الحصاد. وفي كتاب التجارة بأرض الحرب ذكر بيع ماء العيون والبرك وما تولد فيها. 2611 - ولا بأس أن تشتري زرعاً قد استحصد كل قفيز بكذا نقدته الثمن أم لا، وإن تأخر دراسه إلى [مثل] عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً ونحوها. وإن قلت لرجل: اعصر لي زيتونك هذا، فقد أخذت منك زيته كل رطل بكذا، فإن كان خروجه عند الناس معروفاً لا يختلف إذا عصر وكان الأمر

فيه قريباً كالزرع جاز، وجاز النقد فيه، وإن كان مما يختلف لم يجز إلا أن يكون مخيراً فيه، ولا ينقده، ويكون عصره قريباً إلى العشرة أيام ونحوها، قال أشهب: بيع الزيت على الكيل إذا عرف وجه الزيت ونحوه لا بأس به، فأما بالرطل فإن كان القسط يعرف كم فيه من رطل ولا يختلف، وإن كان يختلف فلا خير فيه، لأنه لا يدري ما اشترى، لأن الكيل فيه معروف والوزن فيه مجهول. 2612 - وكره مالك - رحمه الله - بيع العَذِرة ليزبل بها الزرع أو غيره، قيل

لابن القاسم: فما قول مالك - رحمه الله - في زبل الدواب؟ فقال: لم أسمع منه فيه شيئاً، إلا أنه عنده نجس وإنما كره العذرة لنجاستها فكذلك الزبل أيضاً، ولا أرى أنا ببيعه بأساً، قال أشهب: والمبتاع في زبل الدواب أعذر من البائع. ولا بأس ببيع خثى البقر وبعر الغنم والإبل. 2613 - ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ، ولا يؤاجر به على طرحها،

لأن ذلك بيع. ولا بأس أن يؤاجر على طرحها بالذهب والورق. ولا يطبخ بعظام الميتة أو يسخن بها ماء للعجين أو وضوء، ولا باس أن يوقد بها على طوب أو حجارة للجير، ولا أرى أن تُشترى عظام الميتة ولا تباع، ولا أنياب الفيل، ولا يتجر بها ولا يتمشط بأمشاطها ولا يدهن بمداهنها. 2614 - وإن ابتعت صبرة على أن فيها مائة أردب بثمن نقدته جاز، وكأنك ابتعت مائة من تلك الصبرة، فإن نقصت عنها يسيراً أو وجدت أكثر المائة لزمك ما أصبت بحصته من الثمن، ولم يكن لواحد منكما في ذلك خيار. وإن نقصت كثيراً فأنت مخير في أخذ ما أصبت بحصته من الثمن أو رده. وإن أمرته أن يكيلها لك في غرائرك أو في غرائره، وأمرته أن يدفعها وفارقته فزعم أنه فعل وأنها ضاعت، فإن صدقته في الكيل أو قامت بذلك بيّنة صُدِّق في الضياع، وإن لم تصدقه في الكيل أو قلت له: قد اكتلتها، ولكنك إنما وجدت فيها عشرين أو ثلاثين ولم تقم له بينة، لم يلزمك شيء، ولا ما أقررت به من هذه التسمية، لأنك كنت مخيراً لكثرة النقص في الرضا بما أصبت أو تركه، فهلك قبل أن يلزمك.

2615 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يجمع رجلان سلعتيهما في البيع فيبيعانهما بثمن يسميانه، لأن كل واحد لا يدري بم باع، ولا بم يطالب في الاستحقاق إلا بعد القيمة، وكذلك إن أكرى هذا عبده وهذا داره في صفقة هكذا، وأجازه كله أشهب، وقد كان ابن القاسم يجيزه. وإن باعاهما على أن أحدهما بالآخر حميل لم يجز، وكأنه ابتاع من المليء على أن تحمل له بالعديم، كمن ابتاع منك سلعة على أن تحملت له بمال، فهذا لا يجوز. 2616 - ومن باع أو أقرض على أن يأخذ فلاناً حميلاً جاز إن رضي فلان

وكان بحضرتهما أو قريب الغيبة، وإن كان بعد الغيبة، فالبيع فاسد، وإن كان قريباً ولم يرض لم يلزم بيع ولا قرض إلا أن يرضى الدافع بتركه، أو يرضيا جميعاً بحميل غيره. ولو كان ذلك خلعاً أو صلحاً على مال من دم عمد فامتنع الكفيل فالزوجة في عصمته وهو على حقه في الدم، وأما النكاح على هذا فلا يجوز إذ لا خيار فيه. ولا يجوز على [أنه] إن لم يأت بالمهر إلى أجل كذا وإلا فلا نكاح بينهما، وأما البيع على هذا فأمضيه وأبطل الشرط. 2617 - وإن بعته سلعة على أن يرهنك عبده الغائب جاز، كما لو بعتها به، وتوقف السلعة الحاضرة حتى يقبض العبد الرهن الغائب، وإن هلك العبد في غيبته فليس للمبتاع أن يرهنك سواه ليلزمك البيع ولك رده إلا أن تشاء، كما ليس له أن يبدل ما رهنك بغيره، ولأنك إنما بعته على أن يسلم إليك رهناً بعينه، فهو ما لم يصل إليك لا يكون رهناً وأنت مخير، وإذ لو فلس صاحب العبد الرهن والعبد غائب لم يكن لك قبضه ولا تكون أحق به وتكون [في العبد] أسوة الغرماء، لأنه رهن غير مقبوض، وأما إن هلك الرهن بيدك بعد أن قبضته فلا يكون لك سواه ولا رد البيع ولا استعجال الثمن، لأن هذا بيع قد تم عقده قبل هلاك الرهن. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (5/357) ، والتقييد (4/34) .

وإن بعته على حميل لم تسمياه أو رهن لم تصفاه جاز، وعليه الثقة من رهن أو حميل. وإن سميتما الرهن أُجبر على أن يدفعه إليك إن امتنع، وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض. وكذلك إن تكلفت له على أن يعطيك عبده رهناً فإن امتنع من دفعه إليك جبر. 2618 - ومن ابتاع ثياباً فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به، وباعها برقومها ولم يقل: قامت علي بذلك، فقد شدد مالك في الكراهية واتقى فيه وجه الخلابة. 2619 - قال مالك: ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام، وقال في موضع آخر: في عشرة أيام، فلا بيع بينهما، فلا يعجبني أن يعقد البيع على هذا، وكأنه زاده في الثمن على أنه إن نقد [الثمن] إلى ذلك الأجل فهي

له، وإلا فلا شيء له، فهذا من الغرر والمخاطرة، فإن نزل جاز البيع وبطل الشرط وغرم الثمن الذي اشترى به، ولكني أجعل هلاك السلعة وإن كانت حيواناً من البائع حتى يقبضها المبتاع، بخلاف البيع الصحيح يحبسها البائع بالثمن، تلك هلاكها من المبتاع بعد عقده البيع. 2620 - وبيع المريض من ولده بغير محاباة جائز، وكذلك في وصيته أن يبتاع عبد ابنه فيعتق، إلا أنه لا يزاد على قيمته. 2621 - وإذا حاضت الجارية فصنيع [أبيها] في مالها وبيعه وشراؤه جائز، لأن حوزه لها حوز، ولا يجوز لها قضاء في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف [الرشد] من حالها. 2622 - ومن باع أمة ولها ولد حر رضيع وشرط عليهم رضاعه ونفقته سنة، فذلك جائز إذا كان إن كان الصبي ارضعوا له آخر.

2623 - ومن باع شاة على أنها حامل لم يجز، وكأنه أخذ لجنينها ثمناً حين باعها بشرط أنها حامل. * * *

(كتاب بيع الخيار)

(كتاب بيع الخيار) 2624 - وبيع الخيار جائز، [وذلك أن يقول الرجل: أشتري منك هذا الشيء وأنا عليك فيه بالخيار إلى وقت كذا] . فأما الثوب [فيجوز فيه] اليوم واليومان وشبه ذلك، [وما كان أكثر من هذا فلا خير فيه] ، والجارية مثل الخمسة أيام والجمعة وشبه ذلك، لاختبار حالها وعملها، والدابة تُركب اليوم وشبهه، ولا باس أن يشترط أن يسير عليها البريد ونحوه ما لم يتباعد، قال غيره: والبريدين يختبر سيرها، والدار الشهر

ونحوه، وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه، لأنه غرر لا يدري ما تصير إليه السلعة عند الأجل، ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه. قال: وقد يزيده المبتاع في ثمن السلعة لتكون في ضمانه إلى بعيد الأجل فذلك غرر. وقد كره مالك اشتراء سلعة بعينها إلى أجل بعيد بغير اشتراط نقد، والنقد فيما بعد من أجل الخيار أو قرب لا يحل [بشرط] . وإن كان بيع الخيار بغير شرط النقد فلا بأس بالنقد فيه، والبائع والمشتري في اشتراط الخيار سواء. قال غيره: ولا يشترط لبس الثوب، لأنه لا يختبر باللبس كما تختبر الدابة بالركوب والعبد بالاستخدام. قال ابن القاسم: ومن اشترى شيئاً من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون في هذه الأشياء

غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأيهم، فلهم من الخيار في ذلك بقدر حاجة الناس مما لا يقع فيه تغير ولا فساد. (¬1) قال سحنون: من غير أن يغيب المبتاع على ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون فيصير تارة سلفاً وتارة بيعاً، لأنك لو بعت ذلك من رجل فغاب عليه ثم أقلته من بعضه وأخذت ثمن ما بقي كان بيعاً وسلفاً، بخلاف إقالتك من أحد عبدين وثوبين، فذلك جائز فيما يعرف بعينه، ولو بعت العبدين بثمن إلى أجل على أن يرد عليك أحدهما عند الأجل بنصف الثمن على ما هو به يومئذ من نماء أو نقص لجاز، لأنه [إنما] اشترى أحدهما واستأجر الآخر إلى ذلك الأجل بالثمن الذي يبقى عليه، فذلك جائز، لأن كل ما يُعرف بعينه وينتفع به بغير إتلافه تجوز إجارته. 2625 -[ولا تجوز إجارة ما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام ونحوه، ولا كل ما ينتفع به إلا بإتلافه إما لأكل أو غيره] . ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/413) ، ومنح الجليل (5/112) ، والتقييد (4/41) .

2626 - قال ابن القاسم: ومن جُنّ فأطبق في أيام الخيار والخيار له، فالسلطان ينظر له في الأخذ أو الرد، أو يوكل بذلك من رأى من ورثته أو غيرهم، وينظر في ماله وينفق منه على عياله كما ينظر في مال المفقود، ويتلوم للمجنون سنة وينفق على امرأته في التلوم، فإن برئ وإلا فُرّق بينهما، والأجذم البين جذامه يفرق بينه وبين امرأته، وأما الأبرص فلا. والخيار يورث عن الميت فيكون لورثته فيه ما كان له. وقد جعل مالك تأخير الورثة يبرئ الغريم الذي حلف للميت لأقضينك حقك إلا أن تؤخرني، وتمامها في كتاب النذور. 2627 - قال مالك: ومن تزوج امرأة وشرطت عليه في [العقد] أنه إن نكح أو تسرر أو خرج بها من بلدها فأمرها بيد أمها، ثم ماتت الأم، فإن كانت أوصت بما كان لها من ذلك إلى أحد فذلك إليه، قال ابن القاسم: وإن لم توصِ فكأني رأيت مالكاً رأى ذلك للابنة أو قال ذلك لها ولم أتثبته منه.

وروى علي عن مالك: أن ذلك لا يكون بيد أحد غير من جعله الزوج بيده، لأنه يقول لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده لنظره وقلة عجلته. قال ابن القاسم: وإن أوصت الأم إلى رجل ولم تذكر ما كان لها في ابنتها لم يكن للوصي ولا للابنة شيء من ذلك. 2621 - قال أشهب: وإذا ورث قوم خياراً فاختلفوا، فقال بعضهم: أجيز البيع، وقال بعضهم: بل أنقضه، فليس لهم إلا أن يأخذوا جميعاً أو يردوا جميعاً، وهذا النظر، لأن الذي ورثوا ذلك عنه لم تكن له إجازة بعض ذلك ورد بعضه، فكذلك هم، واستحسن لمن أجاز منهم أن يأخذ مصابة مَنْ لم يُجز إن شاء، فإن أبى رددنا الجميع إلا أن يسلم [له الباقي] من البائع [أو من المبتاع] أخذ حصته فلا يكون له عليه إلا ذلك، وكذلك إن أصابا عيباً [فيما ابتاع وليهما بغير خيار، أو مشتريان أصابا عيباً] فرضيه واحد ورد الآخر على ما ذكرنا ليس ذلك لهما، إلا أن يردا أو يحبسا إلا أن يشاء المتمسك أن يأخذ جميعها فذلك له، فإن أبى فللبائع أن يقبل مصابة الراد منهما.

وإن كان الورثة صغاراً ينظر لهم الوصي بالاجتهاد بلا محاباة في الرد والإجازة، [فإن لم يكن وصي فالسلطان يلي النظر أو يجعل ناظراً يجتهد بلا محاباة] ، فإن كان [لهم] وصي ومعه من الورثة كبير لا وصي عليه، فهما في ذلك كاختلاف الورثة. وإن كان الورثة كلهم أصاغر ولهم وصيّان، فما اجتمعا عليه من رد أو إجازة بوجه الاجتهاد بغير محاباة فهو جائز، وإن اختلفا نظر في ذلك السلطان فيمضي قول أصوبهما، بخلاف الورثة، لأن الوصيين لا يحكمان في مال غيرهما، فإن كان مع الوصيين وارث كبير يلي نفسه فيما اجتمعوا عليه من رد أو إجازة بالاجتهاد من غير [محاباة] جاز. 2629 - وإن قال الوارث: أنا أرد، وتماسك الوصيان، أو تماسك الوارث ورد الوصيان فذلك كاختلاف الورثة، وإن أراد الوارث الذي يلي نفسه الرد وأحد الوصيين معه، نظر السلطان في ذلك فمن رآه مصيباً كلف صاحبه الرد معه، أو الأخذ، ثم لا بد لهما من أن يردا أو يأخذا الجميع إلا أن يشاء البائع أو المشتري أن يدعها ويأخذ مصابة الذين يلونهم من الورثة

فذلك له، وليس للوصيين [عليه] أن يأخذا منه مصابة الوارث الذي اختار الرد. وكذلك إن أراد الوارث وأحد الوصيين الأخذ، فالسلطان ينظر في ذلك كما وصفنا. 2630 - قال ابن القاسم: وإن أحاط الدين بمال الميت واختار غرماؤه أخذاً أو رداً وذلك أوفر لتركته وارد لقضاء دينه، فذلك [لهم] دون ورثته، فإن ردوا لم يكن للورثة الأخذ إلا أن يؤدوا الثمن من أموالهم دون [مال] الميت. 2631 - ومن أغمي عليه في أيام الخيار انتظرت إفاقته، ثم هو على خياره، إلا أن يطول إغماؤه أياماً فينظر السلطان، فإن رأى ضرراً فسخ البيع، وليس له أن يمضيه بخلاف الصبي والمجنون، وإنما الإغماء مرض. 2632 - ومن اشترى سلعة من رجل ثم جعل أحدهما لصاحبه الخيار بعد تمام البيع، فذلك يلزمهما إذا كان يجوز في مثله الخيار، وهو بيع مؤتنف بمنزلة بيع المشتري لها من

غير البائع، وما أصاب السلعة في أيام الخيار فهو من المشتري لأنه صار بائعاً. 2633 - وإذا ابتاع المكاتب شيئاً بالخيار ثلاثاً فعجز في الثلاث، فلسيده من الخيار ما كان له، قيل: فمن اشترى سلعة على أن فلاناً بالخيار أياماً أيجوز هذا البيع؟ قال: قال مالك في الرجل يبتاع السلعة ويشترط البائع إن رضي فلان البيع: جاز. فلا بأس به، وإن رضي البائع أو رضي فلان [البيع] فالبيع جائز، فهذا يدلك على مسألتك. 2634 - ولا بأس أن يشتري سلعة لفلان على أن يختار فلان، أو يشتري لنفسه على رضى فلان، أو على أن فلاناً بالخيار، ثم ليس للمبتاع رد أو إجازة دون خيار من اشترط. 2635 - ولو ابتاع على أن يستشير فلاناً جاز، وله أن يخالفه إلى رد أو إجازة، ولا يمنعه البائع، وإنما يجوز البيع على مشورة فلان أو رضاه إذا كان قريباً، ولو استثنى مشورة رجل ببلد بعيد فسد البيع. ولو ترك المبتاع مشورة فلان الغائب مجيزاً للبيع لم يجز لوقوعه فاسداً. وإذا كان الخيار للمتبايعين [جميعاً] لم يتم البيع إلا باجتماعهما على الإجازة.

وإذا اشترى رجلان سلعة بالخيار فلمن شاء منهما أن يأخذ أو يرد، ولا خيار في ذلك لصاحب السلعة، لأنه لا يتبع ذمة كل واحد منهما لو فلس إلا بحصته من الثمن. وإذا اختار من له الخيار من المتبايعين رداً أو إجازة وصاحبه غائب وأشهد على ذلك جاز على الغائب. 2636 - والذي له الخيار من المتبايعين إذا وهب أو دبر أو كاتب أو أجر أو أعتق أو [رهن] أو تصدق أو وطئ أو قبّل أو باشر، فذلك من المبتاع رضى بالبيع ومن البائع رد له، وإن كان [الخيار] للمبتاع في الدابة فهلبها أو ودجها أو عربها أو سافر عليها فهو رضىً وتلزمه الدابة، إلا أن يركبها شيئاً خفيفاً في حاجة له ليختبرها، فيكون على خياره. وكذلك من اشترى دابة فوجد بها عيباً ثم تسوق بها أو اشترى ثوباً بالخيار فاطلع

على عيب به ثم لبسه بعد ذلك، فذلك قطع لخياره ورضىً منه، وإن كان الخيار للمبتاع في الجارية فجردها في أيام الخيار ونظر إليها فليس ذلك برضى، وقد تجرد للتقليب إلا أن يقر أنه فعل ذلك تلذذاً فهو رضى. ونظر المبتاع إلى فرج المرأة رضىً، لأن الفرج لا يجرد في الشراء ولا ينظر إليه إلا النساء ومن يحل له الفرج. 2637 - وإن زوج المشتري الأمة، أو زوج العبد، أو ضربه، أو جعله في صناعة، أو في الكتاب، أو ساوم بهذه الأشياء للبيع، أو أكرى الدواب والرباع، وهذا كله في أيام الخيار فذلك رضى وقطع لخياره، وإن جنى على العبد عمداً فذلك رضى، وله رده في الخطأ، وما نقصه. والدابة مثله إن جنى عليها عمداً، فذلك رضى وله ردها في الخطأ وما نقص من ثمنها. وإن كان عيباً مفسداً ضمن الثمن [كله] . ولم ير أشهب الإجارة والرهن والسوم والجنابة، وإسلامه العبد للصناعة، وتزويجه [العبد] رضى، بعد أن يحلف - في الرهن والإجارة وتزويج العبد - ما كان ذلك منه رضى [بالبيع] ، وروى

علي عن مالك في البيع أنه لا ينبغي أن يبيع حتى يختار، فإن باع فإن بيعه ليس باختيار، ورب السلعة بالخيار إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع. 2638 - ومن اشترى من رجل عبداً بعبد بالخيار وتقابضا، فمصيبة كل عبد في الخيار من بائعه. ومن ابتاع دابة بالخيار على أن ينقد ثمنها فنقد، ثم ماتت الدابة في أيام الخيار [فمصيبتها من البائع ويرد الثمن. 2639 - وإن كان الخيار للمبتاع في أمة فأعتقها البائع في أيام الخيار] فعتقه موقوف، فإن رد المبتاع البيع [لزم [البائع] عتقه ذلك، كمن أخدم أو أجّر أمته سنة، ثم أعتقها، فعتقه موقوف، فإذا تمت السنة أعتق بغير إحداث عتق] .

2640 - ومن اشترى ثياباً أو رقيقاً أو غنماً على أنه بالخيار إذا نظرها، فنظر إليها وصمت حتى رأى آخرها فلم يرضها، فذلك له. ولو كانت حنطة فنظر إلى بعضها فرضيه ثم نظر إلى ما بقي فلم يرضه، فإن كان الذي لم يرضه على صفة ما رضي لزمه الجميع لتساويه، لأن الصفة واحدة، وإن خرج آخر الحنطة مخالفاً لأولها لم يلزم المشتري من ذلك شيء، وله رد الجميع إن كان الاختلاف كثيراً، وليس للمبتاع أن يقبل ما رضي بحصته من الثمن ويرد ما خرج مخالفاً إلا أن يرضى البائع، ولا للبائع أن يلزمه ذلك إذا أبى المبتاع وكان الاختلاف كثيراً، وكذلك جميع ما يوزن أو يكال. 2641 - وإذ ماتت الجارية أو أصابها عيب في أيام الخيار أو في عهدت [الثلاث] أو في المواضعة وقد قبضها المبتاع أو لم يقبضها والخيار للبائع أو للمبتاع، فذلك كله من البائع، ويخير المبتاع بين أخذها معيبة بجميع الثمن أو ردها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (10/184) .

وكذلك إن ظهر المبتاع [على] عيب كان بها عند البائع، بعد أن حدث [بها عيب] في أيام الخيار، [فإنما له أن يأخذها معيبة بجميع الثمن، أو يردها، وليس له في ذلك أن يحبسها ويرجع بحصة العيب [من أجل العيب الذي في أيام الخيار] ، لأنه علمه وهي في ضمان البائع، فكأنه عليه اشترى. وإن حدث بالجارية عيب في أيام الخيار، ثم أصابها عند المبتاع بعدما قبضها وخرجت من الاستبراء عيب آخر مفسد، ثم ظهر على عيب دلّسه البائع، فإن أراد أن يحبسها ويرجع بحصة عيب التدليس، نظر إلى قيمتها يوم الصفقة بالعيب الذي حدث في أيام الخيار بغير عيب التدليس وقيمتها بعيب التدليس [يومئذ] أيضاً فيقسم الثمن على ذلك ويطرح منه حصة عيب التدليس، فإن أراد أن يرد نظر إلى العيب الذي حدث عنده، كم ينقص منها يوم قبضها فيرد ذلك معها، ولا ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار [في شيء من ذلك] . وانخساف البئر في أمد الخيار من البائع. 2642 - وإذا جنى على الأمة في أيام الخيار أجنبي، فقطع يدها، أو أصابها ذلك من أمر الله فللمبتاع ردها ولا شيء عليه، وللبائع طلب الجاني، أو يأخذها معيبة

بجميع الثمن والأرش للبائع، وما وهب لها أو تصدق به عليها في أيام الخيار فللبائع، وعليه نفقتها في [أيام] الخيار. 2643 - ولو تلف مال العبد في عهدة الثلاث وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد، ولا يرجع بشيء. ولو هلك العبد في الثلاث انتقض البيع، وعلى المبتاع رد ماله وليس له التمسك بالمال ودفع الثمن. ولو حدث بالعبد في الثلاث عيب مفسد فإما رده المبتاع بماله على البائع، أو حبسه بماله بجميع الثمن، والأرش للبائع، ولا يرجع المبتاع على البائع بحصة العيب الذي أصابه في العهدة، لأن مصيبته في العهدة من البائع، وعليه عقل جنايته في أيام العهدة. 2644 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة في أيام الخيار، كان ولدها معها في إمضاء البيع أو رده لمن له الخيار بالثمن المشترط، ولا شيء على المبتاع من

نقص الولادة إن ردها، قال أشهب: الولد للبائع، فإن اختار المشتري البيع وقبض الأم، قيل لهما: [إما أن يضم المشتري الولد، أو يأخذ البائع الأم] ، فيجتمعان جميعاً في حوز أحدكما، وإلا نقض البيع. وإن قتل العبد رجلاً في أيام الخيار فللمبتاع رده. 2645 - ومن اشترى ثوبين في صفقة بالخيار فضاعا بيده في أيام الخيار، لم يصدق ولزماه بالثمن كان أكثر القيمة أو أقل. وإن ضاع أحدهما لزمه بحصته من الثمن. ولو كان المبتاع إنما أخذ الثوبين ليختار أحدهما بعشرة [دراهم] فضاعا، لم يضمن إلا ثمن أحدهما وهو في الآخر مؤتمن، فإن ضاع أحدهما ضمن نصف ثمن التالف، ثم له أخذ الثوب الباقي [أو رده] .

وكذلك الذي يسأل رجلاً ديناراً فيعطيه ثلاثة دنانير ليختار أحدهما فيزعم أنه تلف منها دينار فإنه يكون شريكاً، قال أشهب: فإن كان موضع الثوبين في البيع بدان فالهالك من البائع، وللمبتاع أخذ الباقي بالثمن أو رده، قال ابن القاسم: وللمبتاع أن يأخذ أحد الثوبين بالثمن الذي سمياه فيما قرب من أيام الخيار، فإن مضت أيام الخيار وتباعدت فليس له اختيار أحدهما، وينتقض البيع إلا أن يكون قد أشهد أنه اختار في أيام الخيار أو فيما قرب منها، وله اختيار أحدهما بغير محضر البائع، فإن اختاره ببينة أشهدهم عليه بقول أو قطع أو بيع أو رهن أو ما يلزمه [به] من الأحداث [و] كان في الباقي أميناً إن هلك فمن بائعه. 2646 - وإذا انعقد البيع باللفظ فلا خيار لواحد من المتبايعين إلا أن يشترطا. وحديث ابن

عمر: "المتبايعان بالخيار كل واحد منهما على صاحبه ما لم يفترقا" (¬1) ، إلا بيع الخيار. قال فيه مالك: ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه. ¬

(¬1) رواه البخاري (2001) ، ومسلم (3831) ، وأبو داود (3/273) ، والنسائي (7/248، 251) ، وانظر: السيل الجرار (3/27، 94، 101) ، وكفاية الطالب (2/200) ، والتمهيد (14/8) ، والثمر الداني (1/503) ، ونيل الأوطار (5/289) ، وتلخيص الجيد (3/13) .

2647 - وإذا اختلف المتبايعان في الثمن قيل للبائع: إما أن تصدق المشتري أو فاحلف بالله أنك ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف قيل للمبتاع: إما أن تأخذ بما قال البائع وإلا فاحلف ما اشتريت إلا بما قلت وتبرأ. قال شريح: إذا حلفا أو نكلا ترادا، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لزمه البيع. 2648 - ولا يجوز في الصرف خيار وإن قرب، وإن عقدا عليه لم يجز [و] إن أسقطا الخيار قبل التفرق، إلا أن يستقبلا صرفاً جديداً. ولا تجوز فيه حوالة ولا كفالة ولا شرط ولا رهن إلا المناجزة.

2649 - ولا بأس بالخيار في السلم إلى أمد قريب يجوز تأخير [النقد] إلى مثله، كيومين أو ثلاثة إذا لم يقدم رأس المال، فإن قدمه كرهت ذلك، لأنه يدخله [سلف] وبيع، وسلف جرّ منفعة. (¬1) وإن تباعد أجل الخيار كشهر أو شهرين لم يجز، قدم النقد أم لا. ولا يجوز الخيار إلى هذا الأجل في شيء من البيوع، فإن عقد البيع على ذلك ثم ترك الخيار مشترطه قبل التفرق لم يجز لفساد العقدة. 2650 - ومن اشترى ثوبين أو عبدين على أن يختار أحدهما بألف درهم، فذلك له لازم فلا بأس بهز وأما إن اختلف الثمن فقال: هذا بخمسة وهذا بعشرة، أو قال: هذا بدينار وهذا بشاة، فإن كان على الإلزام لأحدهما لم يجز، وهو من بيعتين في بيعة وإن لم يكن على الإلزام، ولكن لكل واحد [منهما] من الرد والأخذ مثل ما للآخر فجائز. وأجاز ابن أبي سلمة شراء هذا الثوب بسبعة وهذا بخمسة، يختار أحدهما على ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/515) ، ومواهب الجليل (4/515) .

الإلزام إذا كان الوزن واحداً، فإن كانت الدراهم مختلفة الوزن، هذه تنقص وهذه وازنة، لم يجز عند مالك ولا [عند] ابن أبي سلمة، وبيعتان في بيعة بيعك سلعة بدينار نقداً أو بدينارين إلى أجل قد لزم المتبايعين أو أحدهما أحد الثمنين، ومكروه ذلك كأنه وجب عليك بدينار نقداً فأخرته وجعلته بدينارين إلى أجل، أو وجب عليك بدينارين إلى أجل فعجلتها بدينار نقداً. 2651 - ومن اشترى هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، أو اشترى هذه الغنم كل شاة بدرهم على أنه بالخيار ثلاثاً، فليس له أخذ بعض دون بعض إلا برضى البائع، إذ هي صفقة واحدة. قيل: فمن أخذ سلعة من رجل بمائة دينار إن رضيها، أو على أن يريها، فماتت أو تلفت قبل أن يرضاها أو يريها [فممن ضمانها؟] قال: قال مالك: ضمان ما بيع على خيار مما لا يغاب عليه، أو مما ثبت هلاكه مما يغاب عليه من البائع، وإن قبضه المبتاع، وما لم يثبت هلاكه مما يغاب عليه فالمبتاع يضمنه ويلزمه الثمن، وكذلك إن وقع بيع الخيار فاسداً باشتراط النقد، كان ما هلك في الخيار من

البائع وإن قبضه المبتاع فيما لا يغاب عليه، كالبيع الصحيح، ويرد ما انتقد سواء كان الخيار للبائع أو للمبتاع. 2652 - وكل ما بيع على خيار فلا يجوز اشتراط النقد فيه، قرب الأجل أو بعد، واشتراط ذلك يفسد البيع، لأن ذلك يصير تارة بيعاً وتارة سلفاً. وإن سلم العقد من اشتراطه جاز التطوع بالنقد بعد صحة العقد. 2653 - وإن اشترى سلعة بالخيار على أن ينقد ثمنها، فأصاب السلعة عيب في أيام الخيار، [فعلم به] ورضيه، وحدث بها أيضاً بعد أيام الخيار بعد أن قبضها عيب مفسد، واطلع على عيب دلسه البائع، فإنه إن شاء حبسها ويوضع عنه قدر عيب التدليس من قيمتها يوم قبضها، لأنه بيع فاسد وجبت فيه قيمة فصارت كالثمن، وبطل الثمن الأول، كان أقل من القيمة أو أكثر، وإن شاء ردها وما نقصها العيب الحادث عنده من قيمتها يوم قبضها. ولو لم يحدث عنده عيب مفسد ولكن تغيرت عنده في سوق أو بدن، فله ردها بالعيب، إذ حوالة الأسواق لا تفيت الرد بالعيب، وله حبسها بقيمتها يوم قبضها.

2654 -[ومن اشترى شيئاً على خيار مما يغاب عليه أم لا، ثم رده في أيام الخيار، فقال البائع: ليس هو هذا، [وقال المبتاع: هو هذا] ، فالمبتاع مصدق مع يمينه، وكذلك من قضى لرجل دنانير من دين ليقلب وينظر، ثم ردها إلى الدافع، فالقول قول الراد مع يمينه] . 2655 - ومن اشترى حيواناً أو رقيقاً بالخيار، فقبضها ثم ادعى إباق الرقيق وانفلات الدواب، أو أن ذلك سُرق منه وهو بموضع لا يجهل لم يكلف بينة، وصدق مع يمينه ولا شيء عليه، لأن هذا لا يغاب عليه إلا أن يأتي بما يدل على كذبه. 2656 - وإن ادعى موتاً وهو بموضع لا يخفى [ذلك فيه] ، سئل عنه أهل ذلك الموضع، لأن الموت لا يخفى عليهم، ولا يقبل إلا العدول، فإن تبين كذبه أو لم يعلم ذلك بالموضع أحد، فهو ضامن، وإن لم يعرف كذبه صدق مع يمينه، وأما إن ادعى هلاك ما يغاب عليه في أيام الخيار فهو ضامن، ولا يصدق إلا ببينة أنه هلك بغير تفريط، أو بأمر ظاهر من أخذ لصوص له، أو غرق مركب كانوا فيه وقد عاينوا غرقه فيه، أو احتراق

[منزل] وقد رأوا الثوب في النار، فإذا شهدت بينة بهذا كان من البائع، وكذلك إن ثبت هذا في الرهن والعارية، والضياع كان من ربه. ومسألة من باع سلعة ثم تبرأ بعد البيع من عيب، مذكورة في كتاب التدليس. 2657 - ومن اشترى سلعة أو ثوباً على أنه بالخيار يومين أو ثلاثة فلم يختر حتى مضت أيام الخيار ثم أراد الرد، والسلعة في يديه، أو أراد أخذها وهي بيد البائع، فإن كان [بعيداً] من أيام الخيار فليس له ردها من يده، ولا أخذها من يد البائع، وتلزم من هي بيده من بائع أو مبتاع، ولا خيار للآخر فيها، وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار، أو كان كالغد، أو قرب ذلك، فذلك له، واحتج بالتلوم للمكاتب بعد الأجل. ولو شرطا إن لم يأت المبتاع بالثوب قبل مغيب الشمس من آخر أيام الخيار لزم

البيع، لم يجز هذا البيع، أرأيت إن مرض المبتاع أو حبسه سلطان، [أكان يلزم البيع؟] . 2658 - ومن ابتاع شيئاً بالخيار لم يضرب له أمداً، جاز البيع وضرب له من الأجل ما ينبغي في مثل تلك السلعة. 2659 - ولا بأس بشراء ثوب من ثوبين يختاره بثمن كذا، أو خمسين من مائة إن كانت جنساً واحداً، وذكر صفتها وطولها وعرضها، وإن اختلفت القيم بعد أن تكون كلها مَرَويّة أو هَرَويّة، فإن اختلفت الأجناس لم يجز، لأنه خطر، حتى يسمي ما يختار من كل جنس منها من ثوب، فيجوز. وكذلك إن اجتمع حرير وخز وصوف، أو إبل وبقر وغنم، لم يجز إلا على ما ذكرنا.

2660 - وكل شيء ابتعته من سائر العروض والماشية عدا الطعام على أن يختار منه عدداً يقلّ أو يكثر بثمن مسمى، فذلك جائز في الجنس الواحد، وكذلك على أن يختار تسعاً وتسعين شاة من مائة، ويرد شاة على البائع. ويجوز أيضاً أن يستثني البائع لنفسه خيار شاة من مائة أو ما يقل عدده، فأما أن يستثني البائع خيار أكثر العدد كتسعين من مائة أو ما يكثر عدده، لم يجز. وما لم يذكر البائع خياره فيما يستثنيه من العدد، أو المبتاع فيما يشتريه مما قل أو كثر، فذلك جائز، ويكون به في الجميع شريكاً. 2661 - وأما الطعام فلا يجوز أن يشتري منه على أن يختار من صُبر مصبرة، أو من نخل أو شجر مثمر عدداً يسميه، اتفق الجنس أو اختلف، أو كذا أو كذا عذقاً من هذه النخلة يختاره المبتاع، ويدخله التفاضل في بيع الطعام من صنف واحد مع بيعه قبل قبضه إن كان على الكيل، لأنه يدع هذه وقد ملك اختيارها، ويأخذ هذه، وبينهما فضل في الكيل، ولا يجوز فيه التفاضل. (¬1) وكذلك إن اشترى منه عشرة آصع محمولة بدينار أو تسعة سمراء على الإلزام ¬

(¬1) انظر: التقييد (4/53) .

لم يجز، ودخله ما ذكرنا، وبيعه قبل قبضه، وكذلك هذه الغنم عشرة بدينار أو هذا التمر عشرة [آصع] بدينار إلزاماً، ويدخله بيعه قبل قبضه وهو من بيعتين في بيعة. (¬1) 2662 - وكذلك إن ابتاع ثمر أربع نخلات من حائط رجل، على أن يختارها المبتاع، لم يجز، ولو ابتاعها بأصولها [بغير ثمر] جاز ذلك كالعروض، وأما الثمرة فلا وليس كالبائع لأصل حائط يستثنى منه خيار أربع نخلات أو خمس، فهذا قد أجازه مالك بعد أن وقف فيه نحو أربعين ليلة، وجعله كمن باع غنمه على أن يختار منها البائع أربعاً أو خمساً. قال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك ولا أحب لأحد أن يدخل فيه، فإن وقع أجزته لقول مالك فيه: ولا باس به في الكباش، لجواز التفاضل ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (5/39) .

فيها، بخلاف الثمر، ولو لم يشترط البائع أن يختار جاز البيع، وكان شريكاً بجزء العدد الذي سمي في ثمر كل نخلة. وكذلك إن استثنى البائع ثمر عشر نخلات غير معينة ولم يذكر خيارها، فإن كانت مائة [نخلة] كان شريكاً بالعشرة. 2663 -[ومن ابتاع سلعة على أنه بالخيار، ولم يجعل للخيار وقتاً، جاز، ويجعل له الخيار في مثل ما يكون في مثل تلك السلعة] . * * *

(كتاب المرابحة)

(كتاب المرابحة) 2664 - ومن اشترى بزاً من بلد، فحمله إلى بلد آخر، فلا يحسب في راس المال جُعْل السمسار ولا أجر الشد والطي، ولا كراء البيت، ولا نفقة نفسه ذاهباً وراجعاً، كان المال له أو قراضاً، ويحسب كراء المحمولة والنفقة على الرقيق والحيوان في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح، إلا أن يُربحوه في ذلك [بعد العلم] ،

فيجوز، فإن ضرب الربح على الحمولة ولم يبين ذلك وقد فات المتاع بتغير سوق أو بدن، حسب ذلك في الثمن ولم يحسب له ربح، وإن لم يفت رد البيع، إلا أن يتراضيا على ما يجوز، والصبغ والخياطة والقصارة تحسب في أصل الثمن ويضرب له الربح. (¬1) 2665 - وتجوز المرابحة للعشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، أو بوضيعة للعشرة أحد عشر، ويقسم الثمن على أحد عشر جزءاً، فيحط عنه جزء منها. 2666 - ومن رقم على متاع ورثه أو اشتراه، فلا يبيعه مرابحة على ما رقم. 2667 - ومن ابتاع أمة بالبراءة من ذهاب ضرس أو عيب، أو حدث بها ذلك عنده، فلا يبيعها مساومة ولا مرابحة حتى يبينه، [قال سحنون: فإن لم يذكر ذلك فهي مسألة تدليس] ، ولو ظهر على عيب بها بعد أن ابتاعها فرضيه لم يجزه، ذكره في المرابحة حتى يبين أنه ابتاعها سليمة ثم رأى العيب فرضيه، لأن له ردها إن شاء. ¬

(¬1) انظر: المدونة (10/239) ، والشرح الكبير (3/161) ، والتاج والإكليل (4/490) .

ومن ابتاع حيواناً أو غنماً أو حوائط أو رباعاً فاغتلها وحلب الغنم، فليس عليه أن يبين ذلك في المرابحة، لأن الغلة بالضمان إلا أن يطول الزمان، أو تحول الأسواق، ولا يثبت الحيوان على حال، وأما إن جز صوف الغنم فليبينه كان عليها يوم الشراء أم لا، لأنه إن كان يومئذ تاماً فقد صار له حصة من الثمن، وإن لم يكن تاماً فلم ينبت إلا بعد مدة يتغير فيها. فإن توالدت الغنم لم يبع مرابحة حتى يبين، ولو باعها بأولادها. ولو ولدت الأمة عنده لم يبع الأم مرابحة ويحبس الولد، إلا أن يبين. ومن ابتاع سلعة أو عروضاً أو حيواناً فحالت أسواقها بزيادة أو نقصان أو تقادم مكثها عنده، فلا يبعها مرابحة حتى يبين، لأن الناس في الطَّريّ أرغب منهم في الذي تقادم مكثه في أيديهم. 2668 - ومن ابتاع سلعة بثمن إلى أجل فليبين ذلك [في المرابحة] ، فإن باعها بالنقد ولم يبين فالبيع مردود، وإن قبلها المبتاع بالثمن إلى ذلك الأجل إلا أن يفوت فيأخذ البائع قيمتها يوم قبضها المبتاع، ولا يضرب له الربح على القيمة، فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به فليس له إلا ذلك معجلاً.

ومن ابتاع سلعة بدراهم نقداً، ثم أخر الثمن، أو نقد وحط عنه ما يشبه حطيطة البيع، أو تجاوز عنه درهماً زائفاً، فلا يبع مرابحة حتى يبين ذلك. 2669 - ومن ابتاع سلعة بألف درهم فأعطى فيها مائة دينار أو ما يوزن أو يكال من عرض أو طعام، أو ابتاع بذلك ثم نقد عيناً أو جنساً سواه مما يكال أو يوزن من عرض أو طعام، فليبين ذلك كله في المرابحة، ويضربان الربح على ما أحبا مما عقدا عليه أو ما نقدا إذا وصف ذلك، وكذلك إن نقد في العين ثياباً جاز أن يربح على الثياب إذا وصفها لا على قيمتها، كما أجزنا لمن ابتاع [سلعة] بطعام أو عرض أن يبيع مرابحة عليها إذا وصف. ولم يجز أشهب المرابحة على عرض أو طعام، لأنه من بيع ما ليس عندك إلى غير أجل السلم. (¬1) 2670 - قال ابن القاسم: وكل من ابتاع بعين أو بعرض يكال أو يوزن فنقد خلافه من عين أو عرض، مما يكال أو يوزن وباع ولم يبين رد ذلك إلا أن يتماسك المبتاع ببيعه. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/491) .

وإن فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن أو بوجه من وجوه الفوت، ضرب المشتري الربح على ما نقد البائع على الجزء الذي ربحه في كل مكيل أو موزون، إن كان ذلك خير للمبتاع، وإلا فله التماسك بما عقد به البيع. 2671 - ومن ابتاع سلعة بمائة فنقدها وافترقا ثم وهبت له المائة فله أن يبيع مرابحة. وإن ابتاع سلعة فوهبها لرجل ثم ورثها عنه فلا يبيعها مرابحة. 2672 - وإن ورث نصف سلعة ثم ابتاع نصفها فلا يبيع نصفها مرابحة حتى يبين، لأنه إذا لم يبين دخل في ذلك ما ابتاع وما ورث، وإذا بين فإنما يقع البيع على ما ابتاع. 2673 - وما ابتعت من موزون أو مكيل من طعام أو غيره، فلك بيع نصفه أو ما شئت من أجزائه مرابحة، أو بيع عشرة أقفزة من مائة، إن كان ذلك كله غير مختلف.

وإن ابتعت ثوبين بأعيانهما فلا تبع أحدهما مرابحة أو تولية بحصته من الثمن غير مسمى وإن اتفقت الصفة، ولو كانا من سلم جاز ذلك قبل قبضهما أو بعد، إذا اتفقت الصفة ولم تتجاوز عنه فيهما، إذ لو استحق أحدهما لرجعت بمثله، والمعين إنما يرجع بحصته من الثمن. 2674 - وإذا بعت جزءاً شائعاً مرابحة من عروض ابتعتها معينة جاز، كنصف الجميع أو ثلثه، وكذلك الرقيق، لأنه بثمن معلوم. 2675 - وإن بعت رأساً من الرقيق بما يقع عليه من الثمن لم يجز، ولو ابتاع رجلان عروضاً ثم اقتسماها فلا يبع أحدهما حصته مرابحة [حتى يبين، ومن باع سلعة مرابحة، ثم ابتاعها بأقل مما باعها به أو أكثر، فليبع مرابحة] على الثمن الآخر، لأن هذا ملك حادث. (¬1) 2676 - ومن ابتاع نصف عبد بمائة ثم ابتاع غيره نصفه بمائتين ثم باعاه مرابحة بربح، فلكل واحد منهما ما نقد، والربح بينهما بقدر ذلك، [وإن باعاه بوضيعة من رأس ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (10/237) .

المال، فالوضيعة بينهما بقدر رؤوس أموالهما] . وإن باعاه مساومة فالثمن بينهما نصفان. 2677 - ومن ابتاع سلعة بعشرين ديناراً ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها، لم يبع مرابحة إلا على عشرين، لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله. وإن اشتركت في سلعة أو وليتها رجلاً، ثم حطك بائعك من الثمن ما يشبه استصلاح البيع، فإنك مجبور أن تضع عن من أشركته خاصة نصف ما حط عنك، ولا يلزمك ذلك فيمن وليته إلا أن تشاء أن تحط عنه ذلك الحطاط فيلزمه البيع، فإن لم تحط شيئاً خُيّر في أخذها بجميع الثمن أو ردها عليك، وكذلك إن بعتها مرابحة. ولو حطك بائعك جميع الثمن أو نصفه مما يعلم أنه لغير البيع، لم يلزمك أن تحط لمن ذكرنا شيئاً، ولا خيار لهم. (¬1) 2678 - ومن باع سلعة مرابحة فزاد في الثمن ولم تفت خُيّر المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها، غلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فتلزم المبتاع، فإن فاتت السلعة - ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد - فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها، إلا أن يكون ذلك أكثر من ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/492) .

الثمن بالكذب وربحه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه. ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن فلا فوت فيهان ويرد المبتاع المثل صفةً ومقداراً، وله الرضا بها بجميع الثمن [أورد مثلها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح، فيلزمه] . وروى علي عن مالك [أن السلعة إذا كانت قائمة خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن، أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وربحه فيلزم المبتاع، فإن فاتت بنماء أو نقصان، خير البائع بين أخذ الربح على ثمن الصحة أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح فيلزمه] . وفي رواية عن مالك في فوت السلعة أن البائع مخير بين أخذ الربح على المال، فالوضيعة بينهما بقدر رؤوس أموالهما] . وإن باعاه مساومة فالثمن بينهما نصفان. 2677 - ومن ابتاع سلعة بعشرين ديناراً ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها، لم يبع مرابحة إلا على عشرين، لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله. وإن اشتركت في سلعة أو وليتها رجلاً، ثم حطك بائعك من الثمن ما يشبه استصلاح البيع، فإنك مجبور أن تضع عن من أشركته خاصة نصف ما حط عنك، ولا يلزمك ذلك فيمن وليته إلا أن تشاء أن تحط عنه ذلك الحطاط فيلزمه البيع، فإن لم تحط شيئاً خُيّر في أخذها بجميع الثمن أو ردها عليك، وكذلك إن بعتها مرابحة. ولو حطك بائعك جميع الثمن أو نصفه مما يعلم أنه لغير البيع، لم يلزمك أن تحط لنم ذكرنا شيئاً، ولا خيار لهم. (¬1) 2678 - ومن باع سلعة مرابحة فزاد في الثمن ولم تفت خُيّر المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها، إلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فتلزم المبتاع، فإن فاتت السلعة - ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد - فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها، إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن بالكذب وربحه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه. ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن فلا فوت فيها، ويرد المبتاع المثل صفةً ومقداراً، وله الرضا بها بجميع الثمن [أورد مثلها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح، فيلزمه] . وروى علي عن مالك [أن السلعة إذا كانت قائمة خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن، أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وربحه فيلزم المبتاع، فإن فاتت بنماء أو نقصان، خير البائع بين أخذ الربح على ثمن الصحة أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح فيلزمه] . وفي رواية عن مالك في فوت السلعة أن البائع مخير بين أخذ الربح على ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/492) .

ثمن الصحة، وإلا فله قيمتها، إلا أن يشاء أن يثبت على ما اشتراها به، فإن أبى فعليه قيمتها يوم ابتاعها، إلا أن يكون أقل أو أكثر على نحو ما ذكر ابن القاسم. 2679 - وقال مالك فيمن باع سلعة مرابحة، وقال: قامت علي بمائة فأربح عشرة، ثم ثبت أنها قامت عليه بعشرين ومائة، فإن لم تفت خُيّر المشتري بين ردها أو يرضب له الربح على عشرين ومائة، وإن فاتت بنماء أو نقص فالمشتري مخير إن شاء لزمته قيمتها يوم التبايع، إلا أن تكون القيمة أقل من عشرة ومائة فلا ينقص منه، أو تكون أكثر من عشرين ومائة وربحها فلا يزاد عليه. قال ابن القاسم: فإن علم المبتاع أن البائع كذبه في الثمن فرضي بذلك لم يبع مرابحة حتى يبين ذلك. 2680 - ومن ابتاع من عبده أو مكاتبه سلعة بغير محاباة فليبع مرابحة ولا يبين. وكذلك في شراء العبد من سيده، [لأن للسيد محاصّة غرماء العبد بما داينه به من غير محاباة] ، إذ له أن يطأ بملك يمينه، وإن جنى أسلم بماله.

2681 - ومن ابتاع ثوباً فلبسه، أو دابة فركبها في سفر، فليبين ذلك في بيع المرابحة (¬1) ، ولو كانت أمة فوطئها لم يبين إلا أن تكون عذراء افتضها - وهي ممن ينقصها ذلك - فليبينه، وأما الوخش من [الرقيق] التي ربما كان ذلك أزيد لثمنها، فلا تبيين عليه [في ذلك] ، قال غيره: وليس عليه أن يبين ما خفّ من ركوب أو لباس إذا لم يتغير بذلك. 2682 - ومن ابتاع أمة فزوجها لم يبع مرابحة أو مساومة حتى يبين، لأنه عيب [حدث بها] . وإن باع ولم يبين وهي بحالها خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن أوردها، وليس ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/493) .

للبائع أن يلزمه إياها على أن يحط عنه قيمة العيب، ولا يفيت رد هذه حوالة الأسواق أو نقص خفيف ولا زيادة، لأنه من معنى الرد بالعيب، بخلاف من اطلع على زيادة في الثمن، فإن فاتت بعتق أو تدبير أو كتابة، فعلى البائع حصة العيب من الثمن بما يقع لذلك من رأس المال وربحه. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (5/276) .

(كتاب الوكالات)

(كتاب الوكالات) (¬1) 2683 -[قال ابن القاسم:] ومن أمر رجلاً يشتري له سلعة، فاشتراها الوكيل بعد موت الآمر ولم يعلم بموته، أو اشتراها ثم مات الآمر، فذلك لازم للورثة ويؤخذ الثمن من التركة إن لم يكن الوكيل قبضه. ولو اشترى بعد علمه بموت الآمر لم يلزم الورثة ذلك، وعليه غرم الثمن، وكذلك ما باع بهذا المعنى. 2684 - وإن أمرت رجلاً يسلم لك دراهم دفعتها إليه في طعام ففعل، ثم أتى البائع بدراهم زائفة ليبدلها، وزعم أنها التي قبض، فإن عرفها المأمور لزمت الآمر، أنكرها أم لا، لأنه أمينه، وإن لم يعرفها [المأمور] وقبلها، حلف الآمر أنه ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/211) ، والمدونة (10/243) ، الكافي لابن عبد البر (1/394) ، ومنح الجليل (6/356) .

لا يعرف أنها من دراهمه، وما أعطاه إلا جياداً في علمه، وبرئ وأبدلها المأمور لقبوله إياها. وإن لم يقبلها المأمور ولا عرفها حلف المأمور أنه ما أعطاه إلا جياداً في علمه ثم للبائع أن يُحلَّف الآمر أنه ما يعرفها من دراهمه، وما أعطاه إلا جياداً في علمه، ثم تلزم البائع. 2685 - ومن وكلته على بيع سلعة لم يجز له أن يبيعها بدين، وإن باع بالعرض ما يباع بالعين فهو متعد. وإن باع ولم يشهد على المبتاع فجحده، فإنه ضامن، كالرسول يقول: دفعت البضاعة وينكر المبعوث إليه أنه ضامن، إلا أن تقوم له بينة أنه دفعها إليه. 2686 - ومن أمرته بشراء سلعة فاشتراها معيبة، فإن كان عيباً خفيفاً يغتفر مثله، وقد يكون شراؤها به فرصة لزمتك، وإن كان عيباً مفسداً لم يلزمك إلا أن تشاء، وهي لازمة للمأمور. وإن أمرته بشراء عبد فابتاع من يعتق عليك غير عالم، لزمك وعتق عليك، وإن كان عالماً لم يلزمك.

2687 - وإن باع الوكيل أو ابتاع بما لا يشبه من الثمن أو بما لا يتغابن الناس بمثله لم يلزمك، كبيعه الأمة ذات الثمن الكثير بخمسة دنانير ونحوها، ويرد ذلك [كله] ما لم يفت فيلزم الوكيل القيمة، وإن باع بما يشبه جاز بيعه. وإن أمرته بشراء سلعة بعينها فابتاعها بألف درهم، وهي بثمانمائة، لم تلزمك إلا أن تشاء، وهي لازمة له، ولو كان شيئاً يتغابن الناس بمثله لزمك. ولا بأس أن تأمره يبتاع لك عبد فلان بطعامه هذا أو بثوبه هذا، وذلك قرض وعليك المثل فيهما، ومن أمرته يشتري لك برذوناً بعشرة دنانير فابتاعه بخمسة، فإن كان على الصفة لزمك وإلا فلا، [وإن ابتاعه بعشرين] فأنت مخير في أخذه بالعشرين أو رده، فيلزم الوكيل ويضمن لك الثمن. ولو زاد يسيراً مما يزاد في مثل الثمن لزمتك الزيادة، كالدينارين والثلاثة في المائة، وكالدينار والدينارين في الأربعين. 2688 - وإن باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال: بذلك أمرني ربها، وقال الآمر: ما أمرتك إلا باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر وأخذها، وإن فاتت حلف المأمور وبرئ ما لم يبع ما يستنكر.

وإن دفعت إليه ألف درهم فاشترى بها ثوباً أو تمراً وقال: بذلك أمرتني، وقلت له: ما أمرتك إلا بحنطة، فالمأمور مصدق مع يمينه، إذ الورق مستهلك كفوت السلعة. 2689 - وإن وكلته بشراء سلعة ولم تدفع إليه ثمناً فاشترى ما أمرته، ثم أخذ منك الثمن، فضاع منه، فعليك غرمة ثانية، وكذلك إن ضاع مراراً حتى يصل إلى البائع، ولو كنت دفعت إليه الثمن قبل الشراء فذهب منه بعد الشراء، لم يلزمك غرم المال [ثانية] إن أبيت، لأنه مال بعينه ذهب بخلاف الأول ويلزم المأمور، والسلعة له إلا أن تشاء أن تدفع إليه الثمن وتأخذها، كالعامل في القراض يشتري سلعة ثم يجد الثمن قد ذهب، فإن رب المال مخير في دفع المال ثانية، ويكون على قراضه أو يأبى، فتلزم العامل. 2690 - ومن وكل رجلاً [يشتري له] جارية بربرية، فبعث بها إليه

فوطئها، ثم قدم الوكيل بأخرى فقال: هذه لك والأولى وديعة، ولم يكن الوكيل بيّن ذلك حين بعث بها [إليه] ، فإن لم تفت حلف وأخذها ودفع إليه الثانية، وإن فاتت الأولى بولد منه أو بعتق أو كتابة أو تدبير، لم يُصدَّق المأمور إلا أن يقيم بينة فيأخذها وتلزم الآمر الجارية الأخرى. وإن أمره بشراء جارية بمائة، فبعث بها إليه، فلما قدم قال: ابتعتها بخمسين ومائة، فإن لم تفت خُيّر الآمر بين أخذها بما قال المأمور أو ردها، وإن فاتت بما ذكرنا لم تلزمه إلا المائة. 2691 - وإذا قال العبد لرجل: اشترني لنفسك بمال دفعه إليه ففعل، فعلى المبتاع غرم الثمن [ثانية] ويكون العبد له، فإن استثنى ماله فلا شيء عليه غير الثمن الأول. (¬1) 2692 - ومن أمر رجلاً يبيع له سلعة فباعها الآمر وباعها المأمور، فأول البيعتين أحق، إلا أن يقبض الثاني السلعة فهو أحق، كإنكاح الوليين. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/378) ، والتاج والإكليل (6/339) ، والشرح الكبير (4/378) ، ومختصر خليل (1/292) ، والمدونة (10/247) .

2693 - وإن باع المأمور سلعة بطعام أو عرض نقداً، وقال: بذلك أمرتني، وأنكر الآمر، فإن كانت مما لا تباع بذلك ضمن. وقال غيره: إن كانت السلعة قائمة لم يضمن المأمور، وخُيّر الآمر في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به، أو ينقض البيع ويأخذ سلعته، وإن فاتت خُير في أخذ ما بيعت به من عرض أو طعام، أو يضمن الوكيل قيمتها ويسلم ذلك إليه. وقال غيره: وإن ادعى المأمور أن الآمر بما لا يشبه من يسير الثمن في البيع أو كثيره في الشراء، أو أن يبيع أو أن يشتري بغير العين، وليس مثلها يباع به، أو أن يبيع بالعين إلى أجل، لم يصدق، وهو في بيعه بغير العين مبتاع غير بائع، لأن

العين ثمن وما سواه مثمون، ولا يبيعه حالاً من ليس هو عنده، ويجوز شراؤك بالعين وليس هو عندك، والبيع لا ينقض باستحقاق الثمن وينقض باستحقاق المثمونات. وكل قائم لم يفت فادعى فيه المأمور ما يمكن وادعى الآخر خلافه صُدِّق الآمر مع يمينه، [وكل مستهلك ادعى المأمور فيه ما يمكن، وادعى الآمر غيره، فالآمر مصدق مع يمينه] ، كالصانع يصبغ الثوب بزعفران، أو [الخياط] يقطعه قميصاً، ويقول: بذلك أمرتني، ويدعي ربه أنه أمره بصنعة أخرى، فالصانع مصدق مع يمينه فيما يشبه من الصنعة الفائتة بالعمل إذا كان ذلك كله من عمله. 2694 - ومن أمرته أن يسلم لك في طعام ففعل وأخذ رهناً أو حميلاً بغير أمرك جاز، لأنه زيادة توثق، فإن هلك الرهن قبل علمك به فهو من الوكيل، وإن هلك بعد علمك ورضاك به فهو منك، وإن رددته لم يكن للوكيل حبسه. 2695 - وإن بعث المكاتب بكتابته مع رجل، أو امرأة بعثت بمال اختلعت به من زوجها

مع رجل، أو رجل بعث بصداق امرأته مع رجل، أو أمر من له دين عنده أو وديعة بالدفع وإلا ضمن، كالوصي يدعي الدفع إلى الورثة، فعليه البينة، لأنهم غير من دفع إليه. ولو زعم الوصي أنه تلف ما بيده لم يضمن، لأنه أمين. 2696 - ومن أسلم لك في طعام، ثم أقال منه بغير أمرك، لم تلزمك إقالته، ولك أن تفعل ذلك دون المأمور إذا ثبت أن البيع باعترافه أو ببينة. وكذلك لو أخر البائع بالطعام بعد محله، لم يلزمك تأخيره. ولو باع لك سلعة بأمرك لم يكن له أن يقيل ولا يضع من ثمنها شيئاً، والعهدة للآمر على البائع فيما ابتاعه له وكيله إذا ثبت أن ابتياعه له، وإن لم يذكر ذلك الوكيل عند الشراء. وإن وجد الوكيل عيباً بالسلعة بعد الشراء وقد أمر بشرائها بعينها فلا رد له، إذ العهدة للآمر، وإن كانت بغير عينها فللمأمور الرد، ليس لأن العهدة له دون الآمر، ولكن لضمانه، لمخالفة الصفة، وهو قد علم وأمكنه الرد. قال

أشهب: فإن كانت موصوفة فالآمر مقدم في الرضى أو الرد، وله أن يأخذها بعد رد المأمور إياها إذا لم يجز رده، وإن فاتت ضمنها المأمور، لأنه متعد في الرد لسلعة قد وجبت للآمر، قال ابن القاسم: وهذا كله في وكيل مخصوص، فأما المفوض إليه فيجوز جميع ما صنع مما ذكرناه من إقالة أو رد بعيب ونحوه، على الاجتهاد بغير محاباة. 2697 - ومن اشترى لك سلعة بأمرك وأسلف لك الثمن من عنده، فليس له حبسها بالثمن، لأنها وديعة لا رهن، كمن أمر رجلاً يشتري له لؤلؤاً من بلد وينقد عنه، [فقدم فزعم أنه ابتاعه له ونقد فيه، ثم تلف اللؤلؤ، فليحلف على ذلك بالله الذي لا إله إلا هو أنه قد ابتاع له ما أمره به، ونقد عنه] [ويرجع بالثمن على الآمر، لأنه أمينه، فلو كان كالرهن] عنده لضمنه وصاقه بالقيمة في الثمن، إلا أن يقيم بينة بهلاكه.

ولو قال له: انقد عني فيه واحبسه حتى أدفع إليك الثمن، كان بمنزلة الرهن، ولو ابتاع له ذلك [ببينة] وهو مما يغاب عليه، ثم ادعى هلاكه لم يكلف ببينة ولا يضمن، ويرجع بالثمن على الآمر، وإن اتهم حُلّف. 2698 - وإن ادعى البائع أنه باع على خيار فأنكر [ذلك] المبتاع، فالمبتاع مصدق، وإن جاءه بالثمن فقال البائع: إنما بعتك على أنك إن لم تأت بالثمن في يوم قد مضى فلا بيع بيننا، فهو مدعٍ، ولو ثبت ذلك لم ينفعه ومضى البيع. 2699 - ومن ابتاع طعاماً فوجده معيباً فرد نصف حمل وقال: هذا الذي ابتعت بمائة، وقال البائع: بل بعتك حملاً [كاملاً] بمائة، فالقول قول المبتاع إن أشبه أن يكون نصف حمل بمائة درهم، لأن البائع قد أقرّ له بالثمن وادعى عليه زيادة في المثمون، وكذلك لو ردّ عبداً بعيب وقال له البائع: بل بعتك عبدين، إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه فيصدق البائع مع يمينه فيما يشبه، ويرد من الثمن نصفه، ولا غرم على المبتاع إذا حلف في نصف الحمل الباقي، لأن البائع فيه مدع.

2700 - ومن ابتاع سلعة بثمن ادعى أنه مؤجل، وقال البائع: بل حالّ، فإن ادعى المبتاع أجلاً يقرب لا يتهم فيه صدق مع يمينه، وإلا صدق البائع، إلا أن يكون للسلعة أمد معروف تباع عليه، فالقول قول مدعيه منهما. ومن ادُّعي عليه بقرض حال فادعى الأجل فالقول قول المقروض، ولا يشبه هذا البيع. 2701 - وإن باع الوكيل السلعة وقال: بذلك أمرني ربها، وقال ربها: بل أمرتك أن ترهنها، صدق ربها، فاتت أو لم تفت. ولو قال من هي بيده: ارتهنتنيها، وقال له ربها: بل استودعتكها، صدق ربها. وإن أمرته أن يرهن لك سلعة، فقال: أمرتني برهنها في عشرة ففعلت ودفعت العشرة إليك، وصدقه المرتهن، وقلت أنت: بل في خمسة وقد قبضتها، أو قلت: لم أقبضها، فالقول قول المرتهن فيما ارتهنه إن كانت قيمة الرهن مثلما قال، والقول قول الوكيل فيه، وفي دفعه إليك، لأن الوكيل على البيع موكل على قبض

الثمن، وإن لم يسم له القبض في أصل الوكالة، ويصدق في دفع الثمن إلا الآمر ويبرأ الدافع. وقال المخزومي: وإن أعرته إياها ليرهنها لنفسه فلا تكون رهناً إلا فيما أقررت أنت به، والمستعير مدعٍ. 2702 - قال مالك: ومن كان لك عليه دراهم من ثمن سلعة أو غيرها، فأمرته أن يشتري لك بها سلعة نقداً، جاز إن كنت أنت أو وكيلك حاضراً معه، وإلا فذلك مكروه، غير أن مالكاً قال - فيمن كتب إلى رجل في شراء سلعة ففعل وأسلفه الثمن، ثم كتب الرجل [إليه] أن يبتاع له بذلك الثمن سلعة -: إنه من المعروف الجائز [بين الناسٍ] ، قال ابن القاسم: وهذا والأول في القياس واحد. * * *

(كتاب البيع الغرر والملامسة)

(كتاب البيع الغَرَر والملامسة) (¬1) 2703 - ومن اشترى ثياباً مطوية ولم ينشرها ولا وصفت له، فالبيع فاسد، [قال ابن القاسم:] ومن اشترى سلعة غائبة على رؤية تقدمت منذ وقت لا يتغير مثلها فيه، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (10/250) ، والتقييد (4/68) .

جاز البيع، فإن رآها فقال: قد تغيرت فهو مدع والبائع مصدق مع يمينه، إلا أن يأتي المبتاع ببينة على ما ادعى، وقال أشهب: البائع مدع ولا يلزم المبتاع ما هو له جاحد، [قال ابن القاسم:] وقد قال مالك - رحمه الله - في الذي ابتاع أمة كان رأى لها ورماً، فلما قبضها ادعى أن الورم قد زاد: فالمبتاع مدع وعلى البائع اليمين. 2704 -[قال مالك:] والملامسة: شراؤك الثوب لا تنشره، ولا تعلم ما فيه، أو تبتاعه ليلاً ولا تتأمله، أو ثوباً مدرجاً لا يُنْشَر من جرابه. والمنابذة: أن تبيع ثوبك [من رجل] وتنبذه إليه بثوبه وينبذه إليك من غير تأمل منكما.

2705 - ومن الغرر شراء راحلة أو دابة قد ضلت أو عبداً قد أبق. 2706 - ومن رأى سلعة أو حيواناً غائباً منذ مدة تتغير في مثلها، لم يجز له شراؤها إلا بصفة مؤتنفة، أو على أنه بالخيار إذا رآها، ولا ينقد ثمنها، وإن كانت لا تتغير في تلك المدة جاز البيع. وكل ما وجد على ما كان يعرف منه، أو على ما وصف له، لزمه ولا خيار له. وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا ينعقد بيع إلا على أحد أمرين: إما على صفة توصف، أو رؤية قد عرفها، أو شرط في عقد البيع أنه بالخيار إذا رأى، فكل بيع ينعقد في سلعة بعينها على غير ما وصفنا فهو منتقض، قال ابن القاسم: وما ثبت هلاكه من السلعة الغائبة بعد الصفقة وقد كان يوم الصفقة على ما وصف للمبتاع، أو على ما كان رأى، فهي من البائع إلا أن يشترط أنها من المبتاع، وهو

آخر قولي مالك، وكان [مالك] يقول: إنها من المبتاع إلا أن يشترط أنها من البائع حتى يقبضها، ثم رجع إلى هذا، [وبهذا أخذ ابن القاسم] ، والنقص والنماء كالهلاك في القولين، وهذا في كل سلعة غائبة بعيدة الغيبة أو قريبة، خلا الدور والأرضين والعقار، فإنها من المبتاع من يوم العقد في القولين جميعاً وإن بعدت. 2707 - ومن ابتاع عِدلاً ببرنامجه جاز أن يقبضه، ويغيب عليه قبل فتحه، فإن ألفاه على الصفة لزمه، وإن قال: وجدته بخلاف الصفة، فإن لم يغب عليه، أو غاب عليه مع بينة، لم تفارقه أو تقاررا فله الرضا به أو رده، فإن لم يعلم ذلك إلا بقوله وأنكر البائع أن يكون مخالفاً للجنس المشترط، أو قال: بعتكه على البرنامج، فالقول قول البائع، لأن المبتاع صدقه، إذ قبضه على صفته. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/24) ، والتاج والإكليل (4/295) .

وكذلك من صرف ديناراً بدراهم، فغاب عليها ثم رد منها رديئاً فأنكره الصراف، فما عليه إلا اليمين أنه لم يعطه إلا جياداً في علمه. وكذلك من قبض طعاماً على تصديق الكيل، ثم ادعى نقصاً، أو اقتضى ديناً فأخذ صرّة، صدق الدافع أن فيها [كذا] ، ثم وجدها تنقص، فالقول قول الدافع. 2708 - ومن اشترى عدلاً ببرنامجه على أن فيه خمسين ثوباً فوجد فيه إحدى وخمسين، قال مالك: يكون البائع شريكاً معه في الثياب بجزء من إحدى وخمسين جزءاً من الثياب، ثم قال: يرد منها ثوباً كعيب وجده فيه، قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إليّ، فإن وجد فيه تسعة وأربعين ثوباً وضع عنه من الثمن جزءاً من خمسين جزءاً، قيل: فإن وجد فيه أربعين ثوباً؟ قال: وإن وجد في الثياب أكثر مما سمي لزمه بحصته من الثمن، وإن كثر النقص لم يلزمه أخذها، ورد البيع. ولو كان في العدل مائة ثوب أجناساً، عشرة أثواب من الخز ومن المروي كذا،

ومن غيره كذا، فأخذها بمائة دينار، كل ثوب بدينار، فوجد المبتاع ثياب الخزّ تنقص ثوباً، نظر ما قيمة ثياب الخز كلها يوم الصفقة، فإن كان الربع وضع عن المبتاع عشر ربع الثمن، قلّ أو كثر، قال مالك: وما زال الناس يجيزون بينهم بيع البرنامج، ومما ينبغي صفته في البرنامج عدة الثياب وأصنافها وذرعها وصفاتها. 2709 - ومن ابتاع من رجل داراً غائبة وقد عرفاها جاز، وإن لم يصفاها في الوثيقة. ومن باع غنماً عنده [غائبة] بعبد غائب، ووصف كل واحد منهما لصاحبه سلعته ثم تفرقا قبل القبض، فلا بأس به، فإن ضربا لقبضهما أو لقبض أحدهما أجلاً لم يجز، إذ لا يباع شيء بعينه إلى أجل إلا [إلى] مثل يوم أو يومين. وإن قال: إن لم آتك بها إلى يومين فلا بيع بيننا كرهته، فإن نزل أمضيته وبطل الشرط، ومن باع عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً أو ثياباً بعينها حاضرة أو قريبة الغيبة، مثل يوم أو يومين جاز ذلك، وجاز النقد فيه بشرط، وإن كان ذلك بعيد الغيبة جاز البيع، ولم يصلح النقد فيه بشرط، كان الثمن عيناً أو عرضاً.

وأما الدور والأرضون والعقار فالنقد فيها بشرط جائز، بعدت الغيبة أو قربت، كان الثمن عيناً أو عرضاً لغلبة الأمن في تغييرها، ولا تباع إلا [على] صفة أو رؤية متقدمة. 2710 - ومن مر بزرع فرآه ثم قدم فابتاعه وهو مسيرة اليومين، وشرط أنه منه إن أدركته الصفقة، فذلك جائز، وهو كالعروض في النقد فيه والشرط. ومن اشترى حيواناً غائباً بعينه لم يجز أن يأخذ به كفيلاً، قربت الغيبة أو بعدت، إذ لو هلك لم يكن على البائع مثله. 2711 - وإن ابتعت سلعة غائبة مما لا يجوز النقد فيها، لم يجز أن تتقايلا فيها، ولا أن تبيعها من باعها منك بمثل الثمن أو بأقل أو أكثر، لأنها إن كانت سالمة في البيع الأول فقد وجب له في ذمتك ثمن، بعت [به] منه سلعة لك غائبة، فهذا من ناحية الدين بالدين، قال سحنون: وهذا على قول مالك الأول: "إن ما أدركته الصفقة فمن المبتاع". قال ابن القاسم: ولا بأس أن يبيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، ولا ينتقد شيئاً من الثمن.

2712 - ولا بأس أن تقيل من أمة بعتها وهي في المواضعة لم تحض بعد، ولا استبراء عليك فيها، فإن أربحته أو زادك هو شيئاً على أن تتقايلا، فإن لم تتناقدا الزيادة حتى تحيض جاز ذلك، وإلا لم يجز. ويجوز للمبتاع بيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، ما لم [ينتقد] . 2713 - وإن استأجرت من رجل داراً بثوب في بيتك ووصفته، ثم اشتريته منه وهو بيدك، بعين أو بثوبين من صنفه، أو بسكنى دار لك، فجائز إن علم أنه عندك وقت الصفقة الثانية، ومن أكرى داره بدابة بعينها موصوفة، أو قد رآها وهي في مكان بعيد مما لا يجوز النقد فيها على أن يبتدئ بائع الدابة السكنى لم يجز. وإن شرط صاحب الدار أن لا يدفعها للسكنى حتى يقبض الدابة فجائز، وليس هذا من الدين بالدين، لأن هذا بعينه، وهو غائب، وإنما الدين بالدين المضمونان جميعاً. وإن لم يشترطا النقد في عقدة بيع الشيء الغائب، جاز أن يتطوع به المبتاع بعد الصفقة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (4/485) .

2714 - ولا بأس ببيع سلعة بعينها غائبة لا يجوز النقد فيها، بسلعة مضمونة إلى أجل أو بدنانير إلى أجل، وكذلك حوائط بالتمر] الغائبة يباع ثمرها كيلاً أو جزافاً بدين مؤجل، ذهب أو عرض، وهي على مسيرة خمسة أيام أو ستة [أو شبه ذلك] ، ولا يجوز فيها النقد بشرط. ولو بعدت الحوائط جداً كإفريقية من مصر لم يجز شراء ثمرها خاصة بحال، لأنها تُجذّ قبل الوصول إليها، إلا أن يكون ثمراً يابساً، وأما بيع رقابها فكبيع الرباع البعيدة يجوز بيعها والنقد فيها. 2715 - ومن ابتاع سلعة كان قد رآها، أو موصوفة، فهلكت قبل قبضها فادعى البائع أنها هلكت بعد الصفقة، [وقال المبتاع: قبل الصفقة] ، فإن لم يقم البائع بذلك بينة، كانت منه في قول مالك الأول ويحلف المبتاع على علمه أنها لم تهلك بعد وجوب البيع إن ادعى علمه، وإلا فلا يمين [له] عليه.

وإن قال المتبايعان: لا ندري أهلكت قبل البيع، أو بعده، فهي في هذا الوجه من البائع في قولي مالك جميعاً. 2716 - ويجوز لك شراء طريق في دار [رجل] ، أو موضع جذوع من جداره لتحمل عليها جذوعك إذا وصفتها، ويجوز هذا في الصلح. ولا بأس بشراء عمود عليه بناء للبائع، أو نصل سيف وجفنه دون حليته، وينقض البائع حليته إن شاء ذلك أحد المتبايعين. 2717 - ولا يجوز لك أن تبيع عشرة أذرع من هواء لك فوق عشرة أذرع من الهواء تبقى لك، إلا أن تشترط بناءً تبنيه قدر عشرة أذرع، وتصفه ليبني المبتاع فوقه [فيجوز] . ويجوز أن تبيع عشرة أذرع أو أكثر من فوق سقف لك لا بناء عليه إذا بيّن لك المبتاع ما يبني على جدارك. 2718 - ومن قال: أبيعك سكنى داري سنة، فذلك غلط في اللفظ، وهو كراء

صحيح، وفي كتاب العرايا ذكر شراء ما منحته أو أسكنته، ويجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو إلى عشرين [سنة] أو إجارة العبد عشر سنين. 2719 - وللغرماء بيع دار الميت، ويستثنون سكنى زوجته لعدتها، ويجوز لمن باع داره أو دابته أن يستثني سكنى الدار سنة، وركوب الدابة يوماً أو يومين، ولا يجوز ذلك فيما بَعُد ولا حياة البائع، ولا ركوب الدابة شهراً، فإن هلكت الدابة فيما لا يجوز استثناؤه فهي من البائع، لأنه بيع فاسد لم تقبض فيه السلعة، قال ربيعة: وكذلك ما بعد من استثناء خدمة العبد. 2720 - ومن له على رجل عرض ديناً فباعه من رجل آخر بدنانير أو دراهم فوجد فيها نحاساً أو رصاصاً فله بدله أو الرضا به، والبيع في ذلك تام. ومن باع سلعة بعين على أن يأخذه ببلد آخر فإن سميا البلد ولم يضربا لذلك أجلاً لم يجز، وإن ضربا أجلاً جاز ذلك، سميا البلد أو لم يسمياه، فإن حلّ الأجل فله أخذه بالعين أينما لقيه.

2721 - وإن باع سلعة بعرض وشرط قبضه ببلد آخر [إلى أجل] فليس له أخذه بعد الأجل إلا في البلد المشترط. فإن أبى الذي عليه العرض بعد الأجل أن يخرج إلى ذلك [البلد] أُجْبِر على أن يخرج أو يوكل من يخرج فيوفي صاحبه. 2722 - قيل: فإن قلت لرجل: يعني سلعتك بعشرة، فقال: قد فعلت، فقلت: لا أرضى، قال: [قال] مالك: فيمن أوقف سلعته للسوم فقلت له: بكم هي، فقال: بعشرة، فقلت: قد رضيت، فقال: لا أرضى، إنه يحلف ما ساومك على إيجاب البيع، ولكن لما يذكره، ويبرأ، فإن لم يحلف لزمه البيع [فكذلك مسألتك، ولو قلت له: قد أخذت منك غنمك هذه، كل شاة بدرهم، فقال: ذلك لك، فقد لزمك البيع] . 2723 - ولا باس بشراء زيت أو سمن [أو عسل] ، كل رطل بكذا على أن يوزن بالظروف، ثم يطرح وزنها إذا فرغت.

ولو ابتاعه على الكيل على أن يوزن بالظروف، فإذا فرغت [وزنت] وطرح وزنها ثم يحسب باقي الوزن أقساطاً على ما عرف من وزن القسط، فإن كان الوزن عندهم والكيل لا يختلف، فلا باس به، فإن وزن بظروفه ثم فرغ وتركت الظروف عند البائع إلى أن توزن، فقال المشتري بعد ذلك: ليس هي هذه وأكذبه البائع، فإن لم يفت السمن وتصادقا عليه أُعيد وزنه، فإن فات فالقول قول من تركت عنده الظروف مع يمينه، أنها هي من بائع أو مبتاع، لأنه مؤتمن. 2724 - ومن ابتاع جارية بمائة دينار، فقام فيها بعيب فأنكره البائع، فتطوع أجنبي بأخذها بخمسين على أن يتحمل البائع نصف الخمسين الباقية والمبتاع نصفها، فذلك لازم، كمن قال لرجل: ابتع عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم، فاشتراه لزمه ذلك الوعد. 2725 - ومن تعدى في متاع عنده وديعة، فباعه ثم مات ربه فكان المتعدي وارثه، فللمتعدي نقض ذلك البيع إذا ثبت التعدي، وهو بيع غير جائز. (¬1) 2726 - ومن اشترى عبداً واستثنى ماله - وماله دنانير ودراهم وعروض ورقيق - بدراهم نقداً أو إلى أجل، فذلك جائز. * * * ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/269) ، والتاج والإكليل (4/269) .

(كتاب العرايا)

(كتاب العرايا) 2727 - والعرايا في النخل وفي جميع الثمار كلها مما ييبس ويدخر، مثل العنب والتين والجوز واللوز وشبهه، يهب ثمرها صاحبها لرجل فأرخص لمعريها أن يشتري الثمرة إذا أزهت، وحل بيعها، لا قبل ذلك، بخرصها يابسة إلى الجذاذ إن كانت

خمسة أوسق فأقل، فإن كانت أكثر من خمسة أوسق لم يجز بيعها بتمر نقداً، ولا إلى الجذاذ ولا بطعام يخالفها إلى أجل، ويجوز له ولغيره شراء ما أزهى، وإن زاد على خمسة أوسق بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل أو بطعام يخالفها نقداً، ويتعجل جذاذها، فإن تفرقا في الطعام قبل القبض والجذاذ لم يجز. 2728 - وأرخص النبي ÷ في بيع العرايا بخرصها تمراً ما دون خمسة أوسق أو خمسة، - شكّ من حدّث مالكاً - وإنما يؤخذ تمراً عند الجذاذ. وتجوز عرية النخل والشجر قبل أن يكون فيها ثمر، أو يعري الرجل تمر نخلتين أو ثلاثاً بأكلها عاماً أو عامين، أو حياته، ولا يشتريها معريها حتى تزهى. 2729 - وإذا باع المعري حائطه أو أصله دون ثمرته، أو ثمرته دون أصله، أو الثمرة من رجل والأصل من آخر، جاز لمالك الثمرة شراء العرية الأولى بخرصها، ولو باع المعري عريته بعد الزهو بما يجوز له، أو وهبها، جاز لمعريها شراؤها بالخرص ممن صارت له، كمن أسكنته داراً حياته فوهب سكناه لغيره، كان لك أنت شراء

السكنى من الموهوب [له] كما كان لك شراؤه من الذي وهبته [له] . ولا يجوز لمن أسكنته حياته أن يبيع سكناه من غيرك، لأنه خطر، وله أن يهبه. 2730 - قال مالك: وإذا ملك رجل أصل نخلة في حائطك فلك شراء ثمرتها منه بالخرص، كالعرية إذا [أزهت] ، وأردت بذلك رفقه بكفايتك إياه مؤنتها، وإن كان لدفع ضرر دخوله فلا يعجبني، [وأراه من بيع التمر بالرطب] لأنه لم يعره شيئاً. 2731 - وأما العرية فيجوز شراؤها بالخرص لمعريها لوجهين، إما لدفع ضرر دخوله وخروجه، أو لرفق في الكفاية. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/181) ، والتاج والإكليل (4/502) .

وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا يجوز للمعري شراء ما أعرى إلا لدفع ضرر، وكذلك يجوز له شراء ثمرة نخلة أصلها لغيره في حائطه، قال: وليس بقياس، ولكنه موضع تخفيف. 2732 - قال مالك - رحمه الله -: ولمعري خمسة أوسق شراء بعضها بالخرص. وإن أعرى أكثر من خمسة أوسق فله شراء خمسة [أوسق] ٍ، وقد يجوز لمن أسكن رجلاً حياته شراء بعض السكنى. ومن مات من مُعْرٍ أو مُعْرى جاز لوارثه ما جاز له، وقال بعض كبار أصحاب مالك: إذا أعرى خمسة أوسق فأدنى، فلا يجوز أن يشتري بعض عريته، لأن الضرر [الذي أرخص به] قائم بعد.

2733 - قال ابن القاسم: ومن أعرى جميع حائطه وهو خمسة أوسق أو أدنى جاز له شراء جميعه أو بعضه بالخرص. وتوقف لي مالك في شراء جميعه بالخرص، وبلغني عنه إجازته، والذي سمعت أنا منه إجازة شراء بعضه وذلك عندي سواء، وإن لم يدفع به ضرراً، كما جاز شراء جميع السكنى أو بعضه ولا يدفع به ضرراً. 2734 - ومن أعرى أناساً شتى من حائط، أو من حوائط له في بلد واحد، أو في بلدان شتى، خمسة أوسق لكل واحد، أو اقل أو أكثر، جاز له أن يشتري من كل واحد [قدر] خمسة أوسق فأدنى. وكذلك إن أعراهم كلهم حائطاً له، والشركاء في حائط إذا أعروا منه خمسين وسقاً جاز لكل واحد شراء خمسة أوسق منه فأدنى. 2735 - ومن أعرى شيئاً من الخضر والفواكه، مثل التفاح والخوخ والرمان والبطيخ والموز والقصب والحُلو والبقول، فلا تباع بخرصها، لأنها

تقطع خضراء، ولكن بعين أو عرض حين جواز بيعه، لأنه لو أعرى ثمر نخل قد أزهت أو أرطبت لم يجز [له] شراؤها بخرصها رطباً، وكذلك معري ما لا يثمر من الرطب أو ما يتزبب من العنب لا يشتريه بخرصه تمراً أو زبيباً. ويجوز [بيعه] بالعين والعروض نقداً ومؤجلاً، وبخلافه من الطعام على الجذ قبل التفرق. فإن كان في أحدهما تأخير لم يجز. قال ابن وهب: قيل لمالك: والرجل يعري التين والزيتون وشبه ذلك، ثم يشتريه كما يشتري التمر؟، فقال: أرى بيع العرية جائزاً إذا كان مما ييبس كله ويدخر. 2736 - ولا بأس أن تمنح رجلاً لبن غنم لك أو إبل أو بقر، يحلبها عاماً أو أعواماً، ولا رجوع لك في منحة أو عرية أو إخدام عبد أو سكنى دارٍ تعميراً أو تأجيلاً مسمى. ولا بأس أن تشتري ما منحته أو أخدمته أو أسكنته بعين أو عرض أو طعام نقداً أو مؤجلاً، لجواز بيع شاة لبون بطعام إلى أجل، ولا بأس أن تبتاع من هذه الدار

سكنى وإن كانت تعميراً، بسكنى دار لك أخرى إلى أجل، وخدمة العبد بخدمة عبد لك آخر إلى أجل معلوم. 2737 - ومن أعرى نخلة ثم مات المعري قبل أن يطلع في النخل شيء، وقبل أن يحوز المعري عريته، أو مات وفي النخل تمر لم يرطب ولم يحزها المعري، أو منح لرجل لبن غنم، أو أسكنه [داراً] ، أو أخدمه [عبداً] ، ثم مات [رب ذلك] قبل أن تحاز عنه الغنم والدار [والعبد] ، أو شهد أن فرسه حبس في سبيل الله بعد سنة، فمات ربه قبل السنة، أو منح رجلاً بعيراً إلى الزراع ثم مات ربه قبل الزراع، أو تصدق على رجل غائب بدار فلم يقدم ليحوز حتى مات رب الدار، فذلك كله باطل، وللورثة رده، ويكون ميراثاً لهم. 2738 - وزكاة العرية وسقيها على رب الحائط، وإن لم تبلغ خمسة أوسق إلا مع بقية حائطه، أعراه جزءاً شائعاً، أو نخلاً معينة، أو جميع الحائط. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/505) .

2739 - ولو تصدق بثمرة حائطه قبل زهوه على المساكين، كان السقي عليه ولا يحاسب به المساكين. 2740 - ولو وهب ثمر حائطه، أو جزءاً منه، أو ثمر نخل معينة سنين قبل الزهو، أو أعمر ذلك، لم يجز له شراء ثمرة ذلك أو بعضه بخرصه، ولكن بعين أو عرض. والسقي في ذلك كله على الموهوب له أو المعمر، وعليه الزكاة إن بلغ حطه ما فيه الزكاة، وإن لم يبلغ فلا زكاة على واحد منهما. قال ابن القاسم: وقال أكابر أصحابنا: إن العرية مثل الهبة، وفرّق مالك بينهما في الزكاة والسقي. 2741 - ولا يجوز شراء العرية إذا أزهت بخرصها تمراً نقداً، وإن جذها مكانه، ولا بتمر من غير صنفها إلى الجذاذ، ولا برطب ولا بسر، وإنما يجوز شراؤها بخرصها تمراً من صنفها إلى الجذاذ، ولا يجوز شراؤها بطعام نقداً إلا أن يجذها مكانه، ولا يجوز بطعام إلى أجل، وإن جذها. ويجوز شراؤها بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل، ولا يجوز شراؤها قبل زهوها بعين ولا بعرض، إلا على أن يجذها مكانه، فأما إن اشتراه على أن يتركه لم يجز.

ولا يجوز له شراء عريته بخرصها تمراً من تمر حائط له آخر بعينه، ولكن بتمر مضمون عليه، ولا يسمي ذلك [في حائط بعينه] . ولمن ابتاع عريته من حائط بخرصها بيع جميع ثمرة ذلك الحائط رُطباً، وليس للمُعْرى طلبه بالخرص إلا إلى الجذاذ، لأن ذلك في ذمته، وليس عليه أن يعطيه ذلك من حائط بعينه. * * *

(كتاب التجارة إلى أرض الحرب)

(كتاب التجارة إلى أرض الحرب) (¬1) 2742 - وقد شدّد مالك الكراهية في التجارة إلى بلد الحرب، وقال: يجري حكم المشركين عليهم. ولا يُباع من الحربيين آلة الحرب من كُرَاع وسلاح وسرج أو غيرها ¬

(¬1) انظر: المدونة (10/275) ، والكافي (1/218) ، والقوانين الفقهية (ص192) ، ومراتب الإجماع لابن حزم (ص121) ، وأحكام أهل الذمة (ص342) ، ومواهب الجليل (3/366) .

مما يَتَقَوَّوْن به في الحرب من نحاس [وحديد أو خرثي أو غيره. ولا يشتري منهم بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله عز وجل لنجاستهم، كانوا أهل حرب أو عهد أو ذمة. قيل لمالك: إن في أسواقنا صيارفة منهم، أنصرف منهم؟ قال: أكره ذلك، ولا أرى للمسلم ببلد الحرب أن يعمل بالربا فيما بينه وبين الحربيين. 2743 - ولا بأس ببيع عبدك النصراني من النصراني.

وأما بيع الصقالبة منهم قال مالك: ما أعلمه حراماً وغيره أحسن منه. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يمنعوا من شرائهمزقال مالك: وإن ابتعت منهم صقلبية فلك ردها بعيب، وإن كنت نويت إدخالها في دينك. وقال ابن نافع عن مالك في المجوس: إنهم إذا ملكوا أُجبروا على الإسلام، ويُمنع النصارى من شرائهم، ومن شراء صغار الكتابيين، [ولا يمنعوا من شراء كبار الكتابيين] . 2744 - وإذا ابتاع مسلم خمراً من نصراني كسرتها على المسلم، فإن لم يقبض الذمي

الثمن تصدقت به أدباً له، ولا أنتزعه منه إذا قبضه. وكذلك إن ابتاعها منه نصراني لمسلم، والنصراني البائع عالم بذلك. وأما إن لم يعلم فالثمن له. 2745 - قال ابن القاسم: وأرض الصلح التي منع أهلها أنفسهم حتى صولحوا، فهي لهم بما صولحوا عليه من جزية الجماجم وخراج الأرض، فلهم بيعها، وتورث عنهم، إلا من لا وارث له فيكون ذلك للمسلمين. ومن أسلم منهم سقط الخراج عنه وعن أرضه، وكانت أرضه له. وإذا باع المصالح أرضه من مسلم أو ذمي فالخراج باق عليه، إلا أن يسلم فيسقط عنه. قال أشهب: [بل هو على المسلم] ، ويزول عنه بإسلام البائع. قال ابن القاسم: ولو ابتاعها المسلم على أن خراجها عليه كان بيعاً [فاسداً] ولا يحل، إذ لا يُدرى قدر بقائه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (4/452) .

وروى ابن نافع عن مالك في أهل الذمة إن أُخذوا هم وأرضهم عنوة ثم أُقروا فيها وضربت عليهم الجزية، فلا يشترى منهم أصل الأرض، لأنهم وأرضهم للمسلمين. وأما الذين صولحوا على الجزية فإن أرضهم لهم، يجوز لهم بيعها وهي كغيرها من أموالهم إذا لم يكن على الأرض جزية. قال ابن القاسم: وبلد العنوة التي غلبهم المسلمون عليها فأقرّوها بأيديهم وضربت عليهم الجزية، فليس لهم بيع أرض ولا دار، ولا لأحد أن يشتريها منهم. 2746 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يجوز شراء أرض مصر ولا تقطع لأحد. 2747 - ومن كان بيننا وبينه صُلح أو هدنة من الحربيين، على مال أو غير مال، فلا ينبغي شراؤهم ممن سباهم من أهل الأديان.

وكذلك النوبة، لأن لهم عهداً من عمرو بن العاص أو عبد الله بن سعد. 2748 - ولو قدم إلينا تجار من أهل الحرب - وبيننا وبينهم عهد في بلدهم على أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم أعطونا على ذلك شيئاً أم لا - فباعوا منا أولادهم لم يجز شراؤهم منهم، لأن لصغارهم من العهد ما لكبارهم. وأما من نزل عندنا ممن لا عهد له منا ببلده، فلنا أن نبتاع منه الآباء والأبناء والنساء وأمهات الأولاد. وليس نزولهم على التجارة ببلدنا بعهد، ثم ينصرفون كالعهد الجاري لهم ببلدهم منا على متاركة الحرب، بل هو كدخولنا إليهم لتجارة بعهد، فلنا شراؤهم منهم هنالك. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (5/21) .

2749 - والذمي والمعاهد إذا ابتاع مسلماً أو مصحفاً جُبر على بيعه من مسلم ولم ينقض شراؤه. ولو صالحنا قوماً من أهل الحرب على مائة رأس كل عام، لم ينبغ أن نأخذ منهم أبناءهم ولا نساءهم، إذ لهم من العهد ما لآبائهم، إلا أن تكون المدة سنة أو سنتين فلا بأس أن نأخذ منهم أبناءهم ونساءهم. 2450 - وإذا ابتاع الكافر عبداً بخيار فأسلم العبد في أيام الخيار لم ينفسخ البيع، وقيل لمالك الخيار: اختر أو رُدّ، ثم يباع على من صار إليه. فإن كان المبتاع مسلماً والخيار له، فله أخذه أو رده، فإن رده بيع على ربه. 2751 - وإذا أسلم عبد الكافر أو أمته بيع عليه، وكذلك عبده الصغير يسلم إن عقل الإسلام، أُجبر على بيعه، لأن مالكاً قال في الحر إذا عقل الإسلام فأسلم ثم بلغ فرجع عن الإسلام: إنه يجبر على الإسلام. وإذا كان لمسلم عبد نصراني فاشترى مسلماً فإنه يجبر على بيعه، إذ هو له حتى ينتزعه سيده، وقد يلحقه دين إن كان عليه.

2752 - وإذا أسلم عبيد زوجة المسلم النصرانية، فلا بأس أن ينقل ملكها عنهم ببيعهم من زوجها أو بصدقتهم على ولدها الصغار منه. 2753 - وإذا أسلم عبد النصراني وسيده غائب، فإن بعدت غيبته باعه السلطان عليه ولم ينتظره، وإن قربت غيبته نظر في ذلك السلطان وكتب إليه، كالنصراني الغائب تسلم زوجته ولم يبن بها، فإن كان قريباً نظر السلطان في ذلك خوفاً أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان بعيداً فسخ بغير طلاق، ونكحت مكانها - إن شاءت - ولا عدة عليها إن كان لم يبن بها، ولو كان قد بنى بها وغيبته بعيدة أمرها الإمام بالعدة وتنتظره وهي في العدة، فإن قدم بعد العدة وقد أسلم بعد انقضائها فلا سبيل له إليها، وكذلك لو لم يبن بها وقدم وقد أسلم بعد إسلامها، فإن أسلم في الوجهين قبلها أو أسلم في التي دخل بها بعدها في العدة، فهو أحق بها ما لم تنكح، ويدخل بها الثاني كالمفقود. 2754 - وإذا أسلم عبد نصراني فرهنه بعته عليه وعجلت الثمن إلا أن يأتي النصراني

برهن ثقة مكان العبد فيأخذ الثمن، ولو وهبه لمسلم للثواب فلم يثبه، فله أخذه ويباع عليه. ولو وهب مسلم عبداً مسلماً لنصراني، أو تصدق به عليه جاز ذلك، وبيع عليه والثمن له. 2755 - وإذا بيعت أمة مسلمة أو كافرة لم يفرق بينها وبين ولدها، وبيع معها، إلا أن يستغني الولد عنها في أكله وشربه ومنامه [وقيامه] . قال مالك: وجد ذلك الإثغار ما لم يعجل به، جواري كنّ أو غلماناً، بخلاف حضانة الحرة. وقال الليث: حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك. قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لأمه ولأبيه في البيع متى شاء سيده، وإنما ذلك في الأم خاصة.

وإذا قالت امرأة من السبي: هذا ابني لم يفرق بينهما، وكذلك جاء الأثر (¬1) ، ولا يتوارثان بذلك. 2756 - وإذا نزل الروم ببلدنا تجاراً ففرقوا بين الأم وبين ولدها لم أمنعهم، وكرهت للمسلمين شراءهم متفرقين. وإذا ابتاع مسلم منهم أماً وابنها لم يفرّق بينهما إن باع. (¬2) ¬

(¬1) انظر: رواه الترمذي (3/580) ، (1283) . (¬2) انظر: التاج والإكليل (4/372) .

وكذلك من ابتاع أمة قد كان ولدها في ملكه، أو كان لابنه الصغير فلا يفرق بينهما في البيع. 2757 - ولو كان الولد لرجل والأم لآخر لَجُبرا على أن يجمعانهما في ملك أو يبيعاهما معاً. وإذا ورث أخوان أمةً وابنها لزمهما أن يبقياهما في ملكهما أو يبيعاهما [معاً] ، وكذلك لو ابتاعهما رجلان جمعا بينهما. 2758 - ومن باع ولداً دون أمه فسخ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد. 2759 - وسئل مالك عن أخوين ورثا أمة وولدها صغير، فأرادا أن يتقاوما الأم فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد، وشرطا ألا يفرقا بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد؟ فقال: لا يجوز ذلك لهما وإن كان الأخوان في بيت واحد، وإنما يجوز لهما أن يتقاوما الأم وولدها، فيأخذها أحدهما بولدها أو يبيعاهما جميعاً، وهبة الولد للثواب كبيعه في التفرقة. 2760 - ولو وهب الولد وهو صغير لغير ثواب جاز، ويترك مع أمه ولا يفرق بينهما، ويجبر الواهب والموهوب له على أن يكون الولد مع أمه، إما أن يرضى صاحب الولد أن يرد الولد إلى الأم أو يضم سيد الأمةِ الأمةَ إلى ولدها، وإلا فليبيعاهما [جميعاً] .

وإذا جمعاهما فمن أراد البيع منهما أو أرهقه دين باع معه الآخر، وكذلك إن وهبه لابن له في حجره فرهق أحدهما دين. ومن تمام حوز الموهوب أن يجوز الولد مع الأم، ولا يقبض الولد وحده، فإن فعل أساء، وكان حوزاً إن فلس الواهب أو مات. 2761 - ومن له أمة وولدها صغير، فجنت الأم أو الولد، فاختار السيد إسلام الجاني، قيل له وللمجني عليه: بيعاهما معاً ثم يقسم الثمن على قيمتهما جميعاً. [ومن] ابتاع أمة وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيباً، فليس له رده خاصة، وله ردهما جميعاً أو حبسهما بجميع الثمن. ويجوز بيع نصف الأم ونصفالولد وليس بتفرقة. ومن أعتق ابن أمته الصغير، فله بيع أمه، ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته وأن لا يفرق بينه وبين أمه، وإن أعتق الأم جاز له أن يبيع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه. وإن كاتب الأم لم يجز له بيع ولدها إذ هي في ملكه بعد إلا أن يبيع كتابتها مع رقبة الابن من رجل واحد، فيجوز ذلك إذا جمع بينهما، وإذا أدبر أحدهما لم يجز له بيع الثاني وحده ولا مع خدمة الآخر. ولا بأس ببيع الأمة دون الولد، أو الولد دونها [قسمة] للعتق، وليس العتق بتفرقة.

ولا ينبغي بيع الأم من رجل والولد من عبد مأذون له لذلك الرجل، لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزع منه، إذ لو أرهقه دين كان في ماله، فإن بيعا كذلك أُمرا بالجمع بينهما في ملك السيد أو العبد، أو يبيعانهما معاً إلى ملك واحد، وإلا فسخ البيع. 2762 - ومن أوصى بأمة لرجل وبولدها لآخر جاز وجُبرا على الجمع بينهما بحال ما وصفنا في الهبة والصدقة. قال ابن القاسم: ومن باع أمة على أن الخيار له، ثم ابتاع ولداً لها صغيراً في أيام الخيار بغير خيار، لم ينبغ له أن يختار إمضاء البيع فيها، فإن فعل رُدّ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد. وإن كان الخيار للمبتاع فاختار الشراء أُجبر معه مبتاع الولد على أن يجمعاهما في ملك أحدهما أو يبيعاهما جميعاً. 2763 - وإذا أسلم عبد الذمي وله ولد من زوجته - وهي أمة لسيده - فولدها منه تبع له في الدين، ويباع العبد من مسلم، والأم لمّا صار ولدها مسلماً بإسلام أبيه وجب أن يباع الولد مع أمه من مسلم بالقضاء. ولو أسلمت الأم وحدها بيع معها الولد وكان على دين الأب، وإسلام الزوجة يوجب التفرقة إلا أن يسلم الزوج في العدة فيكون أحق بها.

وإذا أسلمت الذمية وهي حامل من ذمي، فولدها على دين أبيهم، والولد تبع للأب في الدين، كان الأب حراً أو عبداً. 2764 -[قال مالك - رحمه الله -:] ولا أعرض لأهل الذمة في تعاملهم بالربا، وإذا أسلم ذمي إلى ذمي درهماً في درهمين أو في خمر، ثم أسلما جميعاً فسخ ذلك فيما بينهما. قال مالك: وإن أسلم الذي له الحق فأما في الربا فيأخذ رأس ماله، وأما في الخمر فلا أدري [[ما حقيقته] ، لأني إن أمرت الذمي أن يرد رأس المال ظلمته، وإن أعطيت المسلم الخمر أعطيته ما لا يحل] ، وأما إن أسلم المطلوب فأما في الخمر فيرد رأس المال، وأما في الربا فلا أدري [ما حقيقته، لأني إن أمرته برد رأس المال] خفت أن أظلم الذمي. وقال ابن القاسم: إذا أسلم أحدهما تراجعا إلى رأس المال في الربا والخمر، لأنه حكم بين مسلم وذمي.

2765 - قال النبي ÷: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر" (¬1) . قال مالك: وهذا حديث متبع ليس [لأحد] فيه رأي. 2766 - قال ابن القاسم: والمصراة من جميع الأنعام سواء، وهي التي يترك حلبها ليعظم ضرعُها ويحسن حلابها ثم تباع، فإذا حلبها المشتري مرة لم يتبين ذلك، فإذا حلبها الثانية علم بذلك نقص حلابها، فإما رضيها وإما ردها وصاعاً من تمر [قال:] وإن كان ذلك ببلد ليس عيشهم التمر أعطى صاعاً من عيش ذلك البلد. قيل: فإن حلبها ثالثة؟ قال: إن جاء من ذلك ما يعلم أنه حلبها بعد أن تقدم له من حلابها ما فيه خبره فلا ردّ له، ويعد حلابه بعد الاختيار رضىً بها، ولا حجة عليه في الثانية، إذ بها يختبر أمرها. قال: وإذا ردها لم يكن له أن يرد اللبن معها إن كان قائماً بغير صاع، ولو كان له رده كان عليه في فواته مثله، ولو رضي البائع أن يقبلها مع اللبن بغير صاع ¬

(¬1) رواه البخاري (2/755) ، والشافعي في مسنده (ص189) ، وابن حبان في صحيحه (11/343) ، ومالك في الموطأ (2/683) ، والبيهقي (5/318) ، وانظر: بداية المجتهد (2/132) ، ونيل الأوطار (5/327) ، وسبل الإسلام (3/26) ، وتلخيص الجبر (3/22، 23) ، والتحقيق لابن الجوزي (2/182) ، والمدونة الكبرى (10/288) ، والفواكه الدواني (2/81) ، والتمهيد لابن عبد البر (18/210، 212) .

لم يعجبني، لأنه وجب له صاع طعام فباعه قبل قبضه بلبن، إلا أن يقبلها بغير لبنها فيجوز. 2767 - ومن باع شاة حلوباً غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر ما تحلب، فإن كانت الرغبة فيها إنما هي للبن - والبائع يعلم ما تحلب فكتمه - فللمبتاع أن يرضاها أو يردها، كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع، وإن لم يكن يعلم ذلك البائع فلا رد للمبتاع، وكذلك ما تُنوفس فيه للبن من بقر أو غنم أو إبل. ولو باعها في غير إبان لبنها ثم حلبها المبتاع في حين الإبان فلم يرضها فلا ردّ له، كان البائع يعرف حلابها أم لا. وإن ابتعتها في الإبان على أنها تحلب قسطين جاز، فإن وجدتها تحلب قسطاً فلك الردّ، وهو أقوى في الرد من المصراة للشرط فيها. 2768 - وإذا بنى رجل في أرضك على نهر لك رحىً فلك عليه كراء [الأرض] ، وأما الماء فلا كراء له. وإن كان في أرضك غدير أو بركة أو بحيرة فيها سمك

فلا يعجبني بيع ما فيها من السمك ولا تمنع من يصيد فيها ولا الشرب منها. ولا يمنع الماء لشفة أو لسقي كبد إلا ما لا فضل فيه عن أربابه. ومن له حصة في أصل عين مملوكة، فله بيع حصته أو بيع شرب يوم أو يومين، دون الأصل إذا جاءه حظه في الشرب كان له بيعه أو يبيع بعضه. وكره مالك بيع ماء المواجل التي على طريق أنطابلس. 2769 - ويجوز بيع فضل ماء الزرع من عين أو بئر وبيع رقابها. وللرجل بيع ما في داره أو أرضه من عين أو بئر للشفة أو للزرع، ويجوز بيعها وبيع مائها، وكذلك المواجل التي يحدثها الناس في دورهم لأنفسهم، فأما ما حفر في الفيافي والطرق من المواجل، كمواجل طرق المغرب فقد كره مالك بيعها، ولم يره بالحرام البين،

وجل ما كان يعتمد عليه الكراهية واستثقال بيع مائها، وهي مثل آبار الماشية التي في المهامه. 2770 - وكره مالك بيع أصل بئر الماشية أو مائها، أو فضلة حفرت في جاهلية أو إسلام، ربت من العمران أو بعدت، وأهلها أحق بمائها حتى يرووا، ويكون للناس ماء فضل، بينهم بالسواء، إلا من مرّ بهم لشفتهم ودوابهم فلا يمنعون. وأما من حفرها في أرضه فإن أراد بها الصدقة فهي هكذا، وإن أراد أن ينتفع هو بها فله منعها وبيع مائها بخلاف ما حفر هو في الفيافي. 2771 - قال مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكر، وإن لم يضر ذلك [بالناس ولا] بالسوق فلا باس به. وإن قدم أهل الريف إلى الفسطاط لشراء طعام، فمنعوهم وقالوا: تغلون علينا سعرنا، لم يمنعوا، إلا أن يضر ذلك بأهل

الفسطاط وعند أهل القرى ما يكفيهم، فإنهم يمنعون وإلا تركوا. وكذلك من خرج إلى قرية فيها سوق ليجلب منها على ما ذكرنا. 2772 - ولا يجوز أن تبتاع من رجل طعاماً على ما ابتاع منه فلان، أو تخيط له ثوباً بمثل ما خطت لفلان. وكذلك الصبغ والصياغة والإجارة إذا لم تعلم حينئذ ما كان أول ذلك. 2773 - ومن اشترى من رجل ثلاث جنيات من حائطه، على أن ما جنى منها أخذه كل أربعة آصع بدينار، فلا بأس به وهو أمر معروف، وذلك كشراء ثمر الحائط بأسره كيلاً أو زرعه اليابس على الكيل، أو صبرة لا يعلم ما فيها، فأما ابتياعه بأربعين ديناراً من رطب هذا الحائط على أن كذا وكذا صاعاً بدينار، فيأخذ من ذلك ما يجني كل يوم، فلا ينبغي ذلك حتى يسمي ما يأخذ كل يوم، وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر

معلوم ياخذ كل يوم شيئاً معلوماً ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء، وكذلك كل ما يباع في الأسواق، فلا يكون إلا بأمد معلوم يسمى ما يأخذ كل يوم، وكان العطاء يومئذ مأموناً ولم يروه ديناً بدين واستخفوه. 2774 - وإن اشتريت داراً أو ثوباً كل ذراع بدرهم ولم تسم عدد الأذرع، فقلت: قيسوا فقد أخذت كل ذراع بدرهم، فذلك جائز. 2775 - وإن اشتريت جملة غنم كل شاتين بدرهم، أو جملة ثياب كل ثوبين بدينار فأصبت في الثياب مائة ثوب وثوب، وفي الغنم مائة شاة وشاة، لزمتك الشاة أو الثوب بنصف دينار. 2776 - ولا باس أن يبيع الرجل الشاة أو البعير ويستثني جزءاً من ذلك، ثلثاً أو ربعاً أو نصفاً، وأما أن يستثني الجلد أو الرأس فقد أجازه مالك في السفر إذ لا ثمن له هناك، وكرهه للحاضر إذ كأنه ابتاع اللحم.

قيل: فإن أبى المبتاع ذبحها في السفر والبائع قد استثنى رأسها أو جلدها؟ قال: قال مالك فيمن وقف بعيره فباعه من أهل المياه لينحروه واستثنى جلده فاستحيوه: فإن عليهم شراء جلده أو قيمته كل ذلك واسع، فكذلك مسألتك. ولا يكون شريكاً بالجلد إذ على الموت باع، ولا يجوز أن يستثني الفخذ أو البطن أو الكبد. ولا بأس باستثناء الصوف والشعر. وإن استثنى من لحمها أرطالاً يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز، ويجبر المبتاع على الذبح ههنا، ولم يبلغ به مالك الثلث. وروى عنه ابن وهب أنه كان لا يجيز الاستثناء من لحمها وزناً ولا جزافاً، ثم رجع فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة، مثل الثلث فأدنى، وأجاز استثناء

الجلد والرأس، لأن المبتاع ضمنها بالشراء، وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقاً فلا يجوز، لأنها بعدُ في ضمان البائع. 2777 - قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبيعه رطلاً من لحمها قبل ذبحها وسلخها، وليس كاستثناء البائع ذلك، كما أنه يجوز استثناء البائع أصوعاً من ثمرة باعها رطبة دون الثلث يأخذها تمراً. ولا يجوز أن يبيع من ثمرة قد أزهت أصوعاً معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها تمراً. 2778 - ولا يجوز الاشتراء من لحوم الإبل والبقر والغنم وسائر الطير قبل ذبحها لحماً كل رطل بكذا، لأنه مغيّب لا يدري كيف ينكشف. 2779 - وإن ادعيت في دار دعوى فصالحك من ذلك على عشرة أرطال من لحم شاته هذه، لم يجز. 2780 - ومن اشترى لبن غنم بأعيانها جزافاً شهراً أو شهرين، أو إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله، فإن كانت غنماً يسيرة كشاة أو شاتين لم يجز، إذ ليست بمأمونة، وذلك جائز فيما كثر من الغنم كالعشرة ونحوها، إن كان في الإبان وعرفا وجه حلابها، وإن لم يعرفا وجهه لم يجز. فإن اشترى لبن عشرة من الغنم ثلاثة أشهر في إبانه فماتت خمس بعد أن حلب

جميعها شهراً، نظر فإن كانت الميتة تحلب قسطين [قسطين] والباقية تحلب قسطاً قسطاً نظر كم الشهر من الثلاثة في قدر نفاق اللبن ورخصه، فإن قيل: النصف، فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن، وهلك ثلثا النصف الباقي قبل قبضه، فله الرجوع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف الثمن، وذلك ثلث الثمن أجمع. 2781 - ولو كان موت هذه الميتة قبل أن تحلب شيئاً لرجع بثلثي جميع الثمن، وعلى هذا يحسب أن لو كانت حصة الميت الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع، ولو كنت أسلمت في لبنها سلماً على كيل فهلك بعضها، كان سلمك فيما بقي منها، بخلاف شرائك لبنها مطلقاً. 2782 - ويجوز السلم في لبن غنم معينة على الكيل كل قسط بكذا، كانت الغنم يسيرة أو كثيرة، كشاة أو شاتين، بعد أن يكون في إبان لبنها، ويسمي أقساطاً معلومة، ويضرب أجلاً لا ينقضي اللبن قبله. قيل: أفينقده الثمن؟ قال: نعم، إذا شرع في أخذ اللبن، أو كان يشرع فيه إلى أيام يسيرة، فإن زال الإبان ولم يأخذ لبناً رجع بالثمن، وإن اشترى لبنها في غير إبانه على جزاف أو كيل وشرطا أخذه في الإبان فلا خير فيه. وإن اكترى ناقة أو بقرة حلوباً واستثنى حلابها جاز إن عرف وجهه.

2783 - ولا يجوز شراء سمسم أو زيتون أو حب فجل بعينه على أن على البائع عصره، أو زرعاً قائماً على أن عليه حصاده ودرسه، وكأنه ابتاع ما يخرج من ذلك كله وذلك مجهول. فأما إن ابتعت منه ثوباً على أن يخيطه لك أو نعلين على أن يحذوهما فلا بأس به. وإن ابتعت منه قمحاً على أن يطحنه لك، [قال مالك مرة: لا خير فيه،] واستخفه بعد أن كرهه، وكان وجه ذلك عنده مكروهاً، وجل قوله في ذلك التخفيف على وجه الاستحسان لا القياس. * * *

(كتاب التدليس بالعيوب)

(كتاب التَّدليس بالعيوب) (¬1) 2784 - ومن ابتاع عبداً فألفاه معيباً ولم يحدث به عنده عيب مفسد، فإنما له التمسك به بجميع الثمن أو الرد، ولا يفيت الرد بالعيب حوالة سوق، ولا نماء، ولا عيب خفيف يحدث عنده ليس بمفسد، كالرمد والكي والدماميل والحمى والصداع، وإن نقصه ذلك فله رده ولا شيء عليه في مثل هذا، وكذلك ذهاب الظفر، وأما زوال الأنملة فهو كذلك في الوخش خاصة. وأما ما حدث عنده من عيب مفسد، كالقطع والشلل والعمى والعور وذهاب أصبع، بقطع أو بأمر من الله تعالى، أو قطع الأنملة في العلة وشبه ذلك، فإنه مخير بين رده بما نقصه ذلك أو التماسك [له] والرجوع بحصة العيب القديم من الثمن ¬

(¬1) انظر: الفواكه الدواني (2/81) ، ومواهب الجليل (4/481) ، والتاج والإكليل (5/195) .

فذلك له، إلا أن يرضى البائع بأخذ العبد معيباً [فيرد جميع الثمن] ، ولا يرجع على المبتاع في العيب الحادث عنده بشيء، فذلك له إلا أن يرضى المبتاع بالتماسك به معيباً بجميع الثمن، فذلك له. 2785 - ومن ابتاع عبدين في صفقة واحدة بمائة دينار فهلك أحدهما، ثم وجد بالباقي عيباً، رده وأخذ حصته من الثمن، فإن اختلفا في قيمة الهالك وصفاه وقومت تلك الصفة، فإن اختلفا في الصفة فالقول قول البائع [إن انتقد] مع يمينه، فإن لم ينتقد فالقول قول المبتاع. 2786 - ومن ابتاع شاتين مذبوحتين فأصاب إحداهما غير ذكية، أو طعاماً على أن فيه مائة إردب فلم يجد فيه إلا خمسين أو أربعين، فلا يلزمه أخذه، ولا أخذ الشاة المذكاة، وله رد الجميع، لأنه يقول: أردت شراء الجملة لرخصه، أو لحاجتي إليه، إلا أن يشاء أن يأخذ [الشاة] الذكية بحصتها من الثمن فذلك له. ولو نقصت

المائة إردب شيئاً يسيراً، أو ابتاع عشرين شاة مذبوحة فأصاب إحداهن ميتة لزمه الباقي بحصته من الثمن. وكذلك من ابتاع قُلّتي خل، أو قلالاً فيصيب إحداهن خمراً، فهو على ما وصفنا. وقال غيره: إذا اشترى شاتين، أو عبدين، أو قلتين متكافئتين، فهذا لم يبتع أحدهما لصاحبه، فإن أصاب بأحدهما عيباً، أو استحق، رجع بما يصيبه من الثمن ويرد المعيب. وكذلك يقول ابن القاسم في العبدين المتكافئين، بخلاف عبدين أحدهما تبع لصاحبه، أو جملة ثياب، أو رقيق، أو كيل، أو وزن، فإن استحق الأقل من ذلك، أو وجد به عيباً بعد أن قبضه أو قبل، لزمه الباقي بحصته من الثمن، وإن استحق أكثر ذلك حتى يضُرّ به لتبعيض صفقته، أو لرغبته في الجملة فله رد جميع الصفقة وأخذ الثمن.

وله أن يحبس ما سلم في يديه بحصته من الثمن إن كان ما اشترى على الكيل أو الوزن أو كان مما يعد، فاستحق منه جزءٌ شائع، كالنصف أو ثلاثة أرباعه، لأن ما بقي حصته من الثمن معلومة، وإن كان فيما يُعد إنما استحق بعض السلع بأعيانها، وذلك كثير من الصفقة لم يجز رضاه بما بقي، إذ لا يعلم حصة ذلك [من الثمن] إلا بعد القيمة، وكأنه بيع مؤتنف بثمن مجهول، لوجوب الرد في جميع الصفقة. وأما إن وجد عيباً في كثير من العدد حتى يضر ذلك به في صفقته، أو كثير من وزنه، أو في كيله، فليس له إلا أن يرضى بالمعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة، وليس له أخذ غير المعيب بحصته من الثمن وإن كان معروفاً، بخلاف الاستحقاق [في هذا] . 2787 -[قال ابن القاسم في باب بعد هذا: ومن ابتاع سلعاً كثيرة في صفقة فوجد ببعضها عيباً بعد أن قبضها أو قبل، فليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن إن لم يكن وجه الصفقة، فإن كان المعيب وجه الصفقة وفيه رجاء الفضل، فليس له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن، أو رد جميع الصفقة] . (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/459) ، والمدونة (10/332) ، والكافي (1/348) .

2788 - ومن باع عبداً بثوبين فهلك عنده أحدهما وألفى الآخر معيباً، فإن كان المعيب وجه الصفقة رده وقيمة الهالك وأخذ عبده إن لم يفت، فإن فات العبد بحوالة سوق أو بدن، نظر إلى الثوب الباقي كم كان من التالف، فإن كان ثلثاً أو ربعاً رجع بحصة ذلك من قيمة العبد، لا في عينه، ولو كان العيب بالعبد رده مشتريه، ثم إن كان الحاضر من الثوبين أرفعهما ولم يفت بحوالة سوق أو غيره، أخذه مع قيمة الهالك ما بلغت، وإن فات الحاضر بتغير سوق، أو غير ذلك، أو كان لم يفت وليس بوجه الثوبين، أسلمه وأخذ قيمة ثوبيه ما بلغت. 2789 - ومن اشترى جارية بيعاً صحيحاً، فلم يقبضها إلا بعد [شهر] أو شهرين وقد حالت الأسواق عند البائع، فقبضها، وماتت عند المشتري، ثم اطلع على عيب كان عند البائع، فالتقويم في قيمة البيع الصحيح يوم الصفقة، والقيمة في البيع الفاسد يوم القبض، لأن المشتري في البيع الفاسد لا يضمن إلا بعدما يقبض، لأن له أن يترك ولا يقبض، والبيع الصحيح يلزمه قبضه ومصيبته منه، ولو لم يقبضها المبتاع في البيع الصحيح حتى ماتت عند البائع، أو حدث بها عنده عيب وقد قبض الثمن أم لا، فضمانها من المبتاع، وإن كان البائع احتبسها بالثمن كالرهن، هذا إذا كانت الجارية لا يتواضع مثلها وبيعت على القبض.

وقد قال ابن المسيب: من باع عبده وحبسه حتى يقبض الثمن فمات عنده فمصيبته من البائع. وقال سليمان بن يسار: هو من المبتاع. وقال مالك بقوليهما. قال ابن القاسم: ولو كان بهذه الجارية عيب ولم يعلم به المبتاع حين الشراء، فلم يقبضها حتى هلكت عند البائع أو أصابها عنده عيب مفسد، مثل القطع والشلل وشبههما، فضمانها من المبتاع حتى يقضى له بردها أو يبرئه منها البائع. ويجوز فيها عتق المبتاع إذ له الرضا بالعيب، ولا يجوز فيها عتق البائع، ولو كان البيع فاسداً جاز عتق البائع فيها، ولم يكن للمبتاع معه عتق، إلا أن يعتق المبتاع قبل البائع فيكون قد أتلفها. ومسألة من اشترى جارية غائبة على صفة، مذكورة في كتاب شراء الغائب.

2790 - قال مالك: ومن ابتاع أمة بيعاً صحيحاً وبها عيب لم يعلم به حتى ماتت، أو أعتقها، أو تصدق بها، أو وهبها لغير ثواب، أو كاتبها، أو دبرها، أو ولدت منه، فذلك فوت يوجب له الآن قيمة العيب. وأما إن باعها، أو وهبها لثواب، أو أجّرها أو رهنها، ثم اطلع على عيب فلا يرجع بشيء، فإذا زالت من الإجارة أو الرهن يوماً فله ردها بالعيب إن كانت بحالها، وإن دخلها عيب مفسد رد معها ما نقصت عنده. قال أشهب: إن افتكها حين علم بالعيب [فله ردها بالعيب ويرجع بالثمن كله] ، وإلا رجع بما بين الصحة والداء. قال ابن القاسم: وإن ولدت الأمة عند المبتاع من غيره ثم وجد بها عيباً، فلا يردها إلا مع ولدها أو يمسكها.

وإن مات ولدها وبقيت هي فليردها بالعيب، ويرجع بالثمن كله ولا شيء عليه في الولد، إلا أن تنقصها الولادة فيرد ما نقصها كعيب حادث، ولو ماتت الأم أو قتلت وبقي الولد عنده ثم علم بالعيب، لم يكن له رد الولد مع قيمة الأم، وإنما له أن يرجع على البائع بحصة العيب من الثمن بعد أن تُقوّم الأم يوم الصفقة بغير ولد. قال أشهب: إلا أن يكون ما وصل إليه من قيمة الأم حين قتلت مثل الثمن الذي يرجع به على البائع، فلا حجة له، لأن الأم لو ماتت بغير قتل فقال البائع: أنا آخذ الولد على أن أرد جميع الثمن، فذلك له، إلا أن يتماسك المبتاع بالولد بغير شيء فذلك له، فإذا كان بيده مثل الثمن والولد زيادة فلا حجة له. 2791 - وإن بعت ثوباً من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه، ثم ظهر على عيب كان عندك، فليس للذي باع نصيبه أن يرجع إليك بشيء، وللذي ملك جميعه أن يرد عليك نصف الثوب، ويأخذ نصف الثمن، ويبقى في يده نصف الثوب وفي يدك نصفه. 2792 - ومن ابتاع جارية على أنها بربرية فأصابها خراسانية فله أن يردها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/427) ، والمدونة الكبرى (10/247، 309) .

وإن اشترطها صقلبية أو أبرية أو أشبانية، فأصابها بربرية أو خراسانية فلا يردها، لأن ذلك الجنس أفضل مما شرط، وإنما تذكر الأجناس لفضل بعضها على بعض، فإذا وجد أرفع جنساً مما طلب فلا رد له، إلا أن يعلم أن المبتاع أراد بذلك وجهاً، فيرد مثل أن يكره البربرية، لما يخاف من أصولهن وجرأتهن وسرقتهن ونحو ذلك فيرد. وما لم يكن على هذا الوجه وليس فيه عيب يرد به أو يضع من الثمن، فلا رد له. وقال مالك في رجل ابتاع جارية، فأراد أن يتخذها أم ولد، فإذا نسبها من العرب، فأراد ردها لذلك خوفاً أن تلد منه وتعتق، فتجر العرب ولاءها دون ولده: إنه ليس بعيب ترد به. 2793 - وإن ابتعت عبداً بخمسين ديناراً، فظهرت منه على عيب قديم، وحدث به عندك

عيب مفسد، فإن اخترت أخذ [قيمة] العيب القديم، قيل: ما قيمة العبد صحيحاً يوم الصفقة؟ فيقال: مائة، ثم يقال: ما قيمته يومئذ بالعيب الأقدم؟ فيقال: ثمانون، فقد نقصه الخمس [وهو عشرون ديناراً] ، فترجع بخمس الثمن وهو عشرة دنانير إذ لم تأخذ لها عوضاً، وإن اخترت رده ورد ما نقصه العيب الحادث عندك. قيل: ما قيمته أيضاً بالعيبين جميعاً إن لو كان به العيب الذي حدث عند المبتاع يوم الصفقة؟ فإن قيل: ستون، رددت معه خمس الثمن. 2794 - ومن باع عبداً دلس فيه بعيب، فهلك العبد بسبب ذلك [العيب] أو نقص، فضمانه من البائع، ويرد جميع الثمن، كالتدليس بالمرض فيموت منه، أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك أو يحيا، أو بالإباق فيأبق فيهلك. قال ابن شهاب: أو بالجنون فيخنق فيموت. قال مالك: وهذا بعد أن يقيم المبتاع بينة أن العيب قديم وأن البائع باع بعد علمه [به] ، ولا شيء على المبتاع فيما حدث بالعبد من سبب عيب التدليس. وأما ما حدث [به] من غير سبب عيب التدليس، فلا يرده إلا مع ما نقصه

ذلك، أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرنا. 2795 - ومن ابتاع عبداً أعجمياً فعلمه البنيان أو صنعة [نفيسة] فارتفع ثمنه لذلك، أو ابتاع أمة فعلمها النسج والغزل ونحوه، فارتفع لذلك ثمنها، ثم ظهر على عيب فليس ذلك فوتاً، وله أن يرد أو يحبس ولا شيء له. وأما الصغير يكبر أو الكبير يهرم، فذلك فوت يمنع من رده ويوجب الرجوع بقيمة عيبه وإن كره البائع. 2796 - وإن زوج الأمة من عبده أو من رجل حر، ثم ظهر بها عيب فله ردها، وليس للبائع فسخ النكاح، وعلى المبتاع ما نقصها النكاح، وإن لم ينقصها فلا شيء عليه، وإن نقصها وقد ولدت وفي قيمة الولد ما يجبر به النقص، ردها ولا شيء عليه. وقال غيره: يرد ما نقصها النكاح ولا يجبر النقص بالولد. وذلك كالنماء

فيها، وقد قال مالك - رحمه الله -: لا يجبر به النقص. 2797 - وإن ابتعت من رجل عبداً بعبد أو بعرض فأصبت به عيباً فلك رده، ولا شيء عليك فيما دخله عندك من نقص خفيف أو حوالة سوق، وترجع فيما دفعت من عبد أو عرض فتأخذه، إلا أن يهلك عند مبتاعه منك أو يبيعه أو يتغير عنده في سوق أو بدن فلا يكون لك أخذه ولا أخذ ما باعه به، وإنما لك قيمته يوم ابتاعه منك. ولو كنت ابتعت العبد بما يكال أو يوزن من طعام أو غيره، فرددته بالعيب وقد تلف الثمن الذي دفعت فيه، فإنك ترجع بمثل ما دفعت من الكيل أو الوزن كالعين. 2798 - ومن ابتاع عبداً بيعاً فاسداً فلم يقبضه حتى أعتقه المبتاع لزمه العتق، ويصير ذلك قبضاً ويغرم قيمته إن كان له مال، فإن لم يكن له مال لم يجز عتقه، كما لو ابتاع عبداً غائباً بيعاً صحيحاً، واشترط على البائع أنه منه حتى يقبضه فأعتقه المبتاع بعد الشرط جاز عتقه، وإن كان في ضمان البائع. 2799 - ومن اشترى عبداً فللبائع أن يمنعه من قبضه حتى يدفع إليه الثمن، فإن أعتقه المبتاع بعد الصفقة وقبل دفع الثمن جاز عتقه إن كان له مال، ويؤخذ منه الثمن، فإن

لم يكن له مال رُدّ العتق وبيع في الثمن، إلا أن يوسر قبل البيع فيجوز ذلك العتق، ولو بيع بالقضاء ثم رجع إليه بشراء أو غيره لم يعتق عليه. 2800 - وإن ابتعت سلعة حاضرة بسلعة في بيتك أو بموضع قريب يجوز فيه النقد ووصفتها جاز ذلك، فإن هلكت سلعتك قبل وجوب الصفقة رددت التي قبضت، إلا أن تفوت التي قبضت عندك بيع أو عتق، إن كانت جارية فيلزمك قيمتها يوم التبايع. ولو كانت سلعتك بموضع بعيد لا يصلح فيه النقد وشرطت قبض التي قبضت فسد البيع، وترد التي قبضت إن كانت قائمة، وإن بعتها أو أعتقتها بعد ذلك لزمتك قيمتها يوم قبضها، ولو أعتقتها في الوجهين ولا مال لك رد العتق. 2801 - وكل بيع فاسد فضمان ما يحدث بالسلعة في سوق أو بدن من البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كانت جارية فأعتقها المبتاع قبل أن يقبضها، أو كاتبها [أو دبرها] ، أو تصدق بها، فذلك فوت إن كان له مال، فإن قبضها المبتاع فكاتبها ثم عجزت بعد أيام يسيرة فله الرد، إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه فذلك

فوت، فإن عاد [السوق] لهيئته، أو مضى للأمة مثل الشهر فلا بد أن تتغير في بدنها فتفوت. (¬1) وأشهب: يفيتها بعقد الكتابة وإن عجزت بقرب ذلك. وإن اشتراها بيعاً فاسداً فرهنها أو أجرها فذلك فوت، إلا أن يقدر على افتكاكها من الرهن لملائه، أو يقدر على فسخ الإجارة. وإن اتخذها أم ولد في البيع الفاسد، أو باعها كلها، أو باع نصفها، أو حال سوقها فقط، فذلك فوت في جميعها. وإن اشترى مسلم جارية من ذمي بخمر فأعتقها أو أحبلها، فذلك فوت وعليه قميتها. 2802 - ومن ابتاع عبداً فوجد به عيباً قديماً لا يحدث مثله فرفعه إلى الإمام والبائع غائب، فعلى المبتاع البينة أنه ابتاع بيع الإسلام وعهدته، فإن أقامها لم يعجل الإمام على القريب الغيبة، وأما البعيد فيتلوّم له إن كان يطمع بقدومه، فإن لم يأت قضى عليه برد العبد ثم يبيعه عليه، ويعطى المبتاع ثمنه الذي نقد بعد أن ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/385) .

تقول بينة: إنه نقد الثمن وهو كذا وكذا ديناراً، فما فضل حبسه الإمام للغائب عند أمين. وإن كان نقصاناً رجع المبتاع على البائع بما بقي له من الثمن. ولو أقام المبتاع البينة أنه ابتاع منه عبداً بيعاً فاسداً، فإن لم يتغير في سوق أو بدن فعل فيه الإمام كفعله في العيوب، وإن تغير في سوق أو بدن حكم عليه الإمام بقيمته، كانت أقل من الثمن أو أكثر، ويفسخ البيع ويتراد هو والبائع الفضل متى ما لقيه. 2803 - وإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد لم ينظر هل هي أقل من الثمن أو أكثر، إلا في البيع والسلف ونحوه، وهذا مذكور في البيوع الفاسدة. 2804 - قال ربيعة: ومن ابتاع جارية على أن لا يبيع ولا يهب، أو على أن يلتمس ولدها، فلا يحل للمبتاع وطؤها على شيء من هذه الشروط، ويخير البائع بين إمضاء البيع بلا شرط أو فسخ البيع.

وقد قال عمر للذي ابتاع أمة من زوجته على أنه متى ما باعها كانت أحق بها بالثمن: لا تقربها وفيها شرط لأحد. 2805 - ومن باع جارية حاملاً، فدلس [بحملها] فماتت منه ولم يعلم به المبتاع، فله الرجوع بالثمن، ولو علم فلم يردها حتى ماتت منه كانت من المبتاع. قال أشهب: إلا أن يبادر في الطلب، ولم يفرط بقرب ذلك، أو يعلم عندما ضربها الطلق فطلب الرد فلم يصل إليه أو إلى السلطان حتى ماتت، فهي من البائع. وكذلك لو مضى بعد علمه وقت في مثله ما يرد ولكنه لا يعدّ فيه راضياً لقربه كاليوم ونحوه، ويحلف بالله إنه لم يكن منه رضاً ولا كان إلا على القيام، فإن لم يدلس له البائع فإنما له الرجوع بما بين الصحة والداء. ومن ابتاع أمة فلم يقبضها حتى ولدت عند البائع، ثم قبضها وظهر على عيب قديم وحدث بها عنده عيب آخر، فأراد الرجوع بحصة العيب القديم فإنها تُقوّم يوم البيع صحيحة ثم معيبة بلا ولد، فيرجع بحصة العيب [القديم] من الثمن.

2806 - وإن ابتاع المأذون أو المكاتب رقيقاً، ثم عجز المكاتب، أو مات قبل الأداء، أو حجر على المأذون له، فللسيد القيام بما لهما من العهدة في الرد بالعيب أو الرضا به، وليس للعبد أن يرضى به، ولو رضي به قبل العجز أو الحجر على وجه النظر بغير محاباة، أو أقام البائع بينة أنه تبرأ من ذلك إلى المكاتب قبل موته لزمه ذلك، وللوارث أن يقوم بالعيب فيما ابتاعه الميت، فإن ادعى البائع أنه تبرأ منه كُلف البينة، وإلا حلف من يُظن به من الورثة علم ذلك على علمهم. ولا يمين على من يرى أنه لا يعلم ذلك. وإذا رد عبد بعيب على المكاتب بعد عجزه أخذ الثم من ماله، فإن لم يكن له مال بيع عليه في الثمن، فما فضل فله، وما نقص أتبع به. وإن كان عليه مع ذلك دين فإن رضي المبتاع بالرد كان أسوة الغرماء في ثمن العبد. 2807 - وإذا بعت عبدك من نفسه بأمة له، فقبضتها ثم استُحقت، أو وجدت بها [عيباً] ، لم يكن لك ردها عليه، وكأنك انتزعتها منه وأعتقته. ولو بعته نفسه

بها وليست له يومئذ، رجعت عليه بقيمتها لا بقيمته، كما لو قاطعت مكاتبك على أمة في يديه فقبضتها وأعتقته وتمت حرمته، ثم استحقت أو وجدت بها عيباً، فإنك ترجع عليه بقيمتها ديناً، وهذا كالنكاح بها، بخلاف البيوع. 2808 - ومن اشترى داراً فوجد بها صدعاً، فأما ما تخاف منه سقوط جدار فليرد به، وإلا فلا. 2809 - ومن ابتاع أمة فوجدها رسحاء: وهي الزلاء، فليس بعيب، [والزعر في العانة عيب، والدين على العبد عيب يرد به إن شاء أو يتماسك به، والدين باق عليه. 2810 - ومن ابتاع عبداً له ولد أو زوجة، أو ابتاع أمة لها ولد أو زوج ولم يعلم بذلك، فذلك عيب يوجب الرد. ومن ابتاع أمة فألفاها قد زنت عند البائع، فليس على المبتاع بواجب

أن يحدها إلا أن ذلك] عيب يرد به في الوخش والعلية، وهو عيب في العبد أيضاً. 2811 - وإن اشتريت عبداً من رجل ثم بعته، فادعيت بعد بيعك العبد أن عيباً كان به عند بائعك فليس لك خصومته الآن، إذ لو ثبت ذلك لم أرجعك عليه. فأما إن رجع إليك العبد بهبة أو شراء أو غيرها فلك القيام بالعيب. وقال أشهب: عن رجع العبد إليك بشراء، فلك رده على بائعه منك أخيراً، لأن عهدتك عليه ثم هو مخير في الرضا به أو رده عليك، لأن عهدته عليك فإن رده

عليك رددته إن شئت على بائعك الأول، فإن لم يرده عليك ورضي بعيبه فقد اختلف الرواة، فقال بعضهم: لا رجوع لك على بائعك الأول بشيء، كان ما بعته به أقل مما اشتريته به أو أكثر. وقال بعضهم: ينظر فإن كنت بعته من هذا الراضي [بالعيب] بأقل مما ابتعته به، رجعت على بائعك الأول بالأقل من تمام ثمنك أو من قيمة العيب من ذلك الثمن. ولو بعته بمثل الثمن فأكثر فلا رجوع لك [عليه] . قال أشهب: وإن لم ترده أنت على بائعه منك أخيراً، فلك رده على بائعك الأول وأخذ ثمنك، ثم لا رجوع لك بقيمة العيب على البائع منك آخراً، لأخذك الأول

بالعهدة، ولو أن المبتاع له منك أخيراً باعه منك بأقل مما ابتاعه [به] منك، فله الرجوع عليك بتمام ثمنه لا بالأقل، لأن له رده عليك وها هو ذا في يديك. ولو باعه من غيرك بأقل مما ابتاعه به منك فرضيه مبتاعه لم يرجع عليك ههنا إلا بالأقل. ولو وهبكه المبتاع منك أو تصدق به عليك لرجع عليك بقيمة العيب من الثمن الذي بعته به منه، ثم لك رده على بائعك الأول وأخذ جميع الثمن منه ولا كلام له. ولو ورثته من مبتاعه منك كان لك رده على البائع الأول وأخذه بجميع الثمن، لأن ما وجب للميت عليك قد ورثته عنه. 2812 - وإذا ابتاع رجلان عبداً فوجدا به عيباً، قال مالك: فلمن شاء منهما أن يرد أو يحبس دون الآخر، وكان يقول أولاً: للبائع مقال.

قال ابن القاسم: وجوب الرد لمن شاء منهما بين، إذ لو فلس أحدهما لم يتبع [الآخر] إلا بنصف الثمن. 2813 - ومن اشترى أمة مستحاضة، فذلك عيب ترد به. وإن اشتراها وهي حديثة السن ممن تحيض فارتفع حيضها عند المبتاع في الاستبراء فذلك عيب، إلا أنها لا ترد في ارتفاعه بعد مضي أيام حيضتها بأيام يسيرة حتى يطول ذلك، فيكون ضرراً في منع المبتاع من الوطء والسفر بها فترد، والسلطان ينظر في الضرر لطول تربص الحيض، ولم يحد مالك شهراً ولا شهرين. ولو أقام البائع بينة أنها حاضت قبل البيع بيوم لم ينفعه، إذ هي بعد في ضمانه فيما يحدث بها في المواضعة، إلا في التي لا تتواضع، فذلك كله من المبتاع، لأنه يحدث، وكذلك ما يحدث بها بعد العقد من عيب أو هلاك. 2815 - وإذا طعن المبتاع في عبد ابتاعه بعيب، فقال البائع: احلف لي أنه لم يكن به يوم بعته عيب، لم يجب بذلك يمين على البائع لا على البتّ، ولا على العلم، حتى

يدعي في عيب ظاهر أنه باعه [إياه] وهو به، ولو مكن من ذلك أحلفه كل يوم على ما شاء أنه لم يبعه وهو به، فإن ظهر به عيب يعلم أنه لا يحدث مثله عند المبتاع وجب به الرد، وإن كان مما يمكن حدوثه عند أحدهما، فإن كان ظاهراً حلف البائع على البت، وإن كان [مما] يخفى مثله، حلف على العلم، وعلى المبتاع البينة، فإن أحلفه عالماً ببينته فلا قيام له، وإن لم يعلم بها فله القيام بها كسائر الحقوق. 2816 - ومن ابتاع عبداً فأبق عنده بقرب البيع، فقال للبائع: أخشى أنه لم يأبق لقرب البيع إلا وقد أبق عندك فاحْلِف، فلا يمين عليه. وما جهل أمره فهو على السلامة حتى تقوم بينة. وإن دلس البائع بعيب في العبد فرد عليه، فليس له أن يُحلّف المبتاع أنه لم يرض [به] بعد علمه به، إلا أن يدعي علم رضاه بمخبر أخبره انه تسوق به بعد علمه بالعيب أو رضيه، أو يقول: قد بينته له فرضيه. وكذلك إن قال: احلف أنك لم تر العيب عند الشراء، فلا يمين له عليه حتى يدعي أنه أراه إياه فيحلّفه، أو يقيم بينة فيقضي [له] بها. (¬1) 2817 - ويرد العبد إن وجد مخنثاً. وكذلك الأمة المذكرة إن اشتهرت بذلك. وإن وجد ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/457) .

العبد والأمة ولدي زنا فهو عيب يردان به. والحمل في الوخش والعلية عيب ترد به. وقاله لنا مالك - رحمه الله - حين خالفني ابن كنانة في الوخش. ومن باع أمة رائعة كانت تبول في الفراش ثم انقطع عنها، فللمبتاع الرد بذلك، لأن على البائع أن يبينه [له] ، إذ لا يؤمن عودته، [وكذلك الجنون] . وقال أشهب: إلا أن ينقطع ويمضي كثير من السنين مما يؤمن عودته، فليس عليه أن يبينه، وأما انقطاع لا تؤمن عودته فله الرد.

قلت: أرأيت من ابتاع أمة فوجدها صهباء الشعر؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئاً، ولكن سمعته يقول فيمن اشترى جارية فوجد شعرها قد جُعّد أو سُوّد: فإنه عيب ترد به. وترد الرائعة بالشيب، ولا ترد به غير الرائعة، إلا أن يكون ذلك عيباً يضع من ثمنها. قال ابن وهب عن مالك: والبخر في الفم عيب ترد به، والخيلان في الوجه والجسد إن كان عند الناس عيباً ينقص الثمن رُدّ به، ولا ترد بالكي الخفيف وشبهه الذي ينقص الثمن، ولا يتفاحش وإن كان عند النخاسين عيباً. وإذا اتُهم عبد بسرقة فحبس ثم أُلفي بريئاً لم يكن ذلك عيباً وإن لم يبينه بائعه، وقد ينزل ذلك بالحر فلا يجرحه. 2818 - ومن اشترى عبداً عليه دين فلم يرده حتى أسقطه عنه ربه أو أداه البائع، أو كان له ولد صغير أو كبير، فلم يعلم به حتى مات الولد، أو حُم العبد في

الثلاث أو أصاب عينه بياض، ثم ذهب في الثلاث فلا يرد بذلك، وكذلك مبتاع أمة في عدة فلم يعلم حتى انقضت، أو بعينها بياض فلم يعلم حتى ذهب، وكل عيب كان فذهب قبل الرد [به] فلا يرد بعد ذلك. 2819 - ومن باع سلعة بمائة دينار، ثم أخذ بالمائة ثوباً فألفاه معيباً فرده، فليرجع بالمائة، وهذا مما لا اختلاف فيه. وكذلك من أخذ من ثمن الطعام طعاماً فإنما ينقض عليه البيع الآخر. 2820 - ومن ابتاع عشرة أثواب في صفقة بمائة دينار، وسموا لكل ثوب عشرة فأصاب بأحدها عيباً، لم ينظر إلى ما سمّوا لكل ثوب، ولكن يقسم الثمن على قيم الثياب، فإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة رده بحصته من الثمن، وإن كان وجه الصفقة لم يكن له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن، أو رد جميع الصفقة، فإن كان قيمة المعيب خمسين ديناراً وقيمة كل سلعة سواه نحو الثلاثين، لم يكن وجه الصفقة حتى تكون حصته أكثر الثمن، مثل أن يكون ثمن الجميع مائة دينار وثمن هذا المعيب سبعين ديناراً أو ثمانين، فهذا وجه الصفقة.

2821 - وإذا رددت عبداً أو داراً بعيب، كان ما اغتللت منهما لك بضمانك. وإن أصاب الدار أو العبد عندك عيب، رددت معهما ما نقصهما. وإذا ولدت الأمة عندك ثم رددتها بعيب رددت معها ولدها، وإلا فلا شيء لك. وكذلك ما ولدت الإبل والبقر والغنم، ولا شيء عليك في الولادة إلا أن ينقصها ذلك فترد ما نقصها، وليس عليك شيء فيما جززت من صوف أو وبر، أو حلبت من لبن، أو انتفعت به من زبد أو سمن، لأن ذلك غلة، سواء كان بيدك أو قد فات، وترجع بجميع الثمن. وكذلك في البيع الفاسد ترد، ولا شيء عليك من الغلات فيه. وأما الولد فيفيت البيع الفاسد ويوجب القيمة، ولو كان صوف الغنم يوم الصفقة تاماً فجززته، ثم رددتها بعيب فإنك ترد ذلك معها، أو مثله إن فات، ولا ترد للبن شيئاً، وإن كان في الضروع يوم التبايع وذلك خفيف. ولو كانت نخلاً فجذذتها زماناً ثم رددتها بعيب أو استحقت، فلا شيء عليك للثمرة، لأن الغلة بالضمان، وترجع على بائعك بالثمن كله، وإن كانت الثمرة يوم الشراء مأبورة فاشترطتها، فإنك إن ردد النخل بعيب رددت معها الثمرة، وإلا فلا شيء لك، فإن رددتها معها كان لك أجر سقيك وعلاجك فيها، ولما لم تكن واجبة إلا باشتراط صح أن لها من الثمن حصة، ولم ألزمها لك بحصتها من

الثمن كسلعة ثانية، فتصير إذا أُفردت بيع ثمرة لم يبد صلاحها. وهي كمال العبد إذا انتزعته رددته معه حين ترده بعيب، وإن هلك المال قبل انتزاعك لم يلزمك له نقص من ثمنك إن رددته بعيب. وكذلك ما يأتي على الثمن من أمر من الله سبحانه قبل جذاذها. قال أشهب في الثمرة وإن أُبرّت، وفي الصوف وإن تم يوم الصفقة: فهما غلة لا يرد ذلك في رده بالعيب. قال ابن شهاب: وكذلك الدابة يُسافَر عليها ثم يردها بعيب، فلا كراء عليه. 2822 - وكل ما حدث بالرقيق والحيوان والدور عند المبتاع من عيب مفسد، فلا يرده إن وجد به عيباً إلا بما نقصه ذلك عنده، دلّس له البائع بالعيب [أو لا] بخلاف

الثياب تقطع وتصبغ وتقصر، إذ لهذا تُشترى، فيفترق بها التدليس عن غيره، ويصير المدلس كالآذن في ذلك، فلا شيء له في الرد مما نقصها، إلا أن يفعل في الثياب ما لا يفعل في مثلها، أو يحدث فيها عيب مفسد من غير التقطيع، فلا يُرد إلا بما نقصها، فإن قطع الثياب قمصاً أو سراويلات أو أقبية، ثم ظهر على عيب لم يعلم به البائع، فالمبتاع مخير في حبسه والرجوع بقيمة العيب، أو رده وما نقصه القطع، فإن دلس له به البائع فلا شيء على المبتاع لما نقص القطع إن رده. فإن ادعى [المبتاع] أن البائع دلس له فأنكره، أحلفه. 2823 - ولو قال البائع: علمت بالعيب وأنسيته حين البيع، حلف أنه نسيه وكان له ما نقصه القطع، وكذلك الجلود تقطع خفافاً أو نعالاً، وسائر السلع إذا عمل بها ما يعمل بمثلها مما ليس بفساد، فإن فعل في ذلك ما لا يفعل في مثله كقطع الثوب الموشى خرقاً، أو تباين فليس له رده، وذلك فوت، ويرجع على البائع بقيمة العيب من الثمن. 2824 - وأما إن لبس الثوب لبساً ينقصه لم يرده إلا بما نقصه اللبس في التدليس وغيره، لأنه انتفه [به] وبحبسه، ويرجع بقيمة العيب، ولا يرد لِلّبس الخفيف شيئاً إذا لم ينقصه. وأما إن صبغ الثوب صبغاً ينقصه، أو قطعه والبائع مدلس، فللمبتاع الرد

بلا مغرم، أو التمسك [به] والرجوع بقيمة العيب، وإن لم يدلس البائع في الثياب فردها عليه المبتاع بعيب قد حدث بها عند المبتاع، وإن لم يفسدها فليرد معها ما نقصها، والعيوب في الثياب ليست كالعيوب في الحيوان، [لأن يسير الخرق في وسط الثوب ينقص ثمنه، والكيّة وشبهها تكون في الحيوان] لا تكاد تضع من ثمنه كبير شيء، إلا أن يحدث عند المبتاع الشيء الخفيف الذي لا خطب له فليرده ولا يرد معه شيئاً، ولو فعل في الثوب ما زادت به قيمته من صبغ أو غيره، فله حبسه وأخذ قيمة العيب أو رده، ويكون بما زادت الصنعة شريكاً، لا بقيمة الصنعة ولا بما أدى، سواء دلس في هذا أو لا. (¬1) 2825 - وكل ما بيع من غير الحيوان وفي باطنه عيب من أصل الخلقة يجهله المتبايعان، ولا يعلم بفساده، مثل الخشب وشبهها يشق فيلقى في داخلها عيب فليس له رد، ولا قيمة [عيب] ، وكذلك الجوز الهندي وسائر الجوز يوجد داخله فاسداً، أو القثاء أو البطيخ يوجد مراً فلا يُرد. [قال مالك - رحمه الله -: وأهل السوق يردونه [إذا وجدوه مراً] ، وما أدري ¬

(¬1) انظر: الموطأ (2/750) ، وشرح الزرقاني (4/51) ، والمدونة الكبرى (10/334) ، والكافي لابن عبد البر (1/351) .

بم ردوا ذلك؟، إنكاراً لرده] . وأما البيض فيرد لفساده، لأنه مما يعلم ويظهر فساده قبل كسره وهو من البائع. 2826 - وإذا ابتعت حنطة كانت مبلولة فجفت، أو عسلاً أو لبناً مغشوشاً، فلم تعلم حتى أكلت ذلك، فلك الرجوع بما بين الصحة والداء، إذ لا يوجد مثله بغشه، ولو وجدت مثله حتى يحاط بعلم ذلك، لرددت مثله وأخذت جميع الثمن. 2827 - ولو ابتعت أمة ذات زوج علمت به، ثم افتضها الزوج [عندك] ثم ظهرت على عيب، فلك ردها، ولا تغرم لنقص الافتضاض شيئاً. وإن اشتريت عبداً ثم بعته من الذي باعكه بمثل الثمن، فلا تراجع بينكما في تدليس ولا غيره، وإن بعته منه بأقل من الثمن قبل علمك بالعيب، رجعت عليه بتمام الثمن، دلّس لك [به] أم لا. وإن بعته منه بأكثر من الثمن، فلا رجوع له عليك إن كان مدلساً، وإن لم يدلس فله رده عليك وأخذ ثمنه منك، ثم لك رده عليه وأخذ ثمنك، فتتقاصان

إن شئتما. وإن وهبته لبائعه منك ثم اطلعت على العيب الذي كان به، رجعت عليه بحصة العيب من الثمن. وإن بعت نصفه من أجنبي ثم علمت بالعيب فالخيار هاهنا للبائع، لضرر الشركة فيه، في أن يغرم لك نصف قيمة العيب، أو يقبل نصف العبد بنصف الثمن، ولا شيء عليه للعيب. 2828 - ومن ابتاع خفين أو نعلين أو مصراعين أو شبه ذلك مما لا يفترق، فأصاب بأحدهما عيباً بعدما قبضهما أو قبل، فإما ردهما جميعاً أو رضيهما. وأما ما ليس بأخ لصاحبه أو كانت نعالاً فرادى، فله رد المعيب، على ما ذكرنا في اشتراء الجملة. 2829 - ومن باع بعيراً فتبرأ من دبرته، فإن كانت مُنْغِلة مفسدة لم يبرأ، وإن أراه إياها حتى يذكر ما فيها من نغل أو غيره. وكذلك إن تبرأ في عبد من إباق أو سرقة، والمبتاع يظن إباق [مثل] ليلة أو إلى مثل العوالي، أو سرقة الرغيف، فوجد

ينقب [البيوت] أو قد أبق إلى مثل مصر أو الشام، فلا يبرأ حتى يبين أمره. 2830 - ولو تبرأ من كي بلأمة فوجد الكي بالظهر والفخذين، فقال المبتاع: ظننته ببطنها، فلا رد له، إلا أن يكون متفاحشاً على ما ذكرنا في الدَبَرة والإباق. وإن تبرأ من عيوب الفرج، فإن كانت مختلفة ومنها المتفاحش، لم يبرأ حتى يذكر أي عيب هو، إلا من اليسير فإنه يبرأ. وأما الرَتق وما تفاحش فلا [يبرأ منه] ، ولو تبرأ من الرتق فوجد بها المبتاع رتقاً لا يقدر على علاجه، فإن كان من الرتق ما يقدر على علاجه، ومنه ما لا يعالج، لم يبرأ البائع حتى يبينه. 2831 - ومن كثر في براءته [من] أسماء العيوب، فلا يبرئه إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه، وقد منع عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أن يذكر في البراءة

عيوباً ليست في المبيع إرادة التلفيق. (¬1) قال النخعي: ولو قال: أبيعك لحماً على بارئة، لم يبرأ حتى يسمي العيب. قال شريح: حتى يضع يده عليه. 2832 - وإن أتى بائع الأمة فتبرأ من عيب ذكره، فإن كان ظاهراً فذلك له والمبتاع مخير، وإن لم يكن ظاهراً لم تنفعه براءته ولا رد [له] للبيع، ثم إن ظهر للمبتاع عيب قديم كان له الرد أو الرضا. ولو أقام البائع البينة أن بها عيباً باطناً مُكّن من ذلك، ثم خيّر المبتاع في أخذها أو ردها. ¬

(¬1) رواه ابن القاسم في المدونة (10/336) .

2833 - وما بيع من الرقيق بغير براءة فمات في الثلاث، أو أصابه مرض أو عيب، أو ما يعلم أنه داء فهو من البائع، وللمبتاع رده ولا شيء عليه. وكذلك إن مات، أو غرق، أو سقط من حائط، أو خنق نفسه، أو قُتل، كان من البائع في الثلاث، ولو جرح، أو قطع له عضو كان نقصه للبائع، ثم للمبتاع الخيار في رده أو قبوله معيباً بالثمن كله. ومن ابتاع عبداً فأبق في الثلاث كان من البائع، إلا أن يبيعه بيع براءة. قال ابن نافع عن مالك: فإن بيع على البراءة من الإباق، فأبق في الثلاث فهو من البائع، حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالماً. قال: ولا أعجل برد الثمن، وأضرب للعبد أجلاً، فإن علم أنه خرج من الثلاث سالماً كان من المبتاع، وإن جهل أمره كان من البائع.

ولو وجدناه بعد الثلاث لم تؤتنف فيه عهدة ولا حجة على البائع في إباقه، لأنه تبرأ منه. 2834 - قال مالك - رحمه الله -: ولا تنفع البراءة مما لا يعلم البائع في ميراث أو غيره في شيء من السلع والحيوان إلا في الرقيق وحده. ومن باع عبداً أو وليدة وشرط البراءة فقد برئ مما لا يعلم إلا من الحمل في الرائعة، لأنها تتواضع، ولا يبرأ مما علم. 2835 - وبيع السلطان للرقيق في الديون أو المغنم وغيره بيع براءة، وإن لم يشترط، وكذلك بيع الميراث في الرقيق إذا ذكر أنه ميراث، وإن لم يذكر البراءة، ولم يذكر ميراثاً لم يبرأ، إلا بذكر البراءة، وليس للمبتاع رده بعيب قديم ولا في ذلك عهدة ثلاث ولا سنة، وهو من المبتاع بعقد الشراء، ولا ينفع في غير الرقيق شرط البراءة، باعه وارث أو وصي أو سلطان. وقد

رجع مالك - رحمه الله - فقال: لا تنفع البراءة في الرقيق أيضاً، وإن باعه وصي أو ورثته أو غيرهم من الناس، إلا أن يكون عيباً خفيفاً فعسى. قال: ومن ذلك من يقدم عليه الرقيق فيبيع بالبراءة ولم يختبرها ولا كشفها، فلا براءة له، وإنما كانت البراءة فيما باع السلطان على مفلس ونحوه. قال ابن القاسم: وبأول قوله أقول. وثبت مالك على أن بيع السلطان بيع براءة، وقال: وهو أشد من بيع البراءة. وإذا كتم الورثة عيوباً يعلمونها لم ينفعهم شرط البراءة ولا ذكر الميراث. ولا يجوز بيع أمة رائعة بشرط البراءة من الحمل، ولا بأس بذلك في الوخش من الزنج وغيرهم إن لم يطأها البائع، إذ ليس بكبير نقص فيها، وربما زاد ثمنها به، وهو مخاطرة في الرائعة، لكثرة ما ينقصها إن كان بها، ولو كان بها [حمل] ظاهر وليس من

السيد جازت البراءة منه، وزال التخاطر، وثمن خمسين لها حكم الرائعة، وهي ممن تراد للوطء، ولا يبرأ البائع من عيب يعلمه في الرقيق حتى يسميه، ولا يبرأ في غيرها إلا مما سمى، علم عيباً أم لا. (¬1) 2836 - ولا عهدة في الرقيق على أهل الميراث ولا أيمان ولا تباعة، إلا أن يقيم المبتاع بينة أنهم كتموه عيباً علموه. قيل: فمن اشترى [عبداً] من مال رجل - فلّسَه السلطان - فأصاب به عيباً، على من يرده؟ أعلى السلطان أم على المفلس أم على الغرماء؟. قال: بلغني أن مالكاً - رحمه الله - قال: يرد على الغرماء الذين بيع لهم وأخذوا المال، [قال مالك:] ولو جمع السلطان متاعه فباعه لهم ثم تلف ما اجتمع من الأثمان قبل قسمها كانت من الغرماء، ولو تلف ما جمع للبيع من المتاع كان من المديان، فإن أعتق المديان أمته ولا مال له، فرد الغرماء عتقه وتركوها [موقوفة] في يديه [فلا يطؤها حتى تباع في دينه] أو تعتق إن أفاد مالاً. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (5/221) ، والتقييد للزرويلي (4/108) .

وإن باعها السلطان عليه في دَينه، ثم أيسر فاشتراها بقيت له رقاً، وحلّ له وطؤها. ومن وجد أمته التي باع بيد المبتاع بعد أن فلّس كان أحق بها، إلا أن يعجل له بقية الغرماء جميع الثمن، فإن فعلوا ثم هلكت الأمة قبل أن تباع كانت من المديان، وعليه خسارتها، وله ربحها، وليس له منعهم من أداء ثمنها عنه بأن يقول: إما أبرأتموني مما تدفعون فيها أو أسلموها. 2837 - ومن باع لرجل سلعة بأمره من رجل، فإن أعلمه في العقد أنها لفلان فالعهدة على ربها، فإن ردت بعيب فعلى ربها تُردّ، وعليه الثمن لا على الوكيل، وإن لم يُعلمه [الوكيل] أنها لفلان حلف الوكيل، وإلا ردت السلعة عليه. 2838 - وما باعه الطوافون في المزايدة مثل النخاسين وغيرهم، أو من يعلم أنه يبيع للناس، فلا عهدة عليهم في عيب ولا استحقاق، والتباعة على ربها إن وُجد، وإلا أُتبِع. وإذا رُدّت السلعة بعيب ردّ السمسار الجُعل على البائع.

ومن ابتاع سلعة لرجل فأعلم به البائع، فالثمن على الوكيل، كان نقداً أو إلى أجل حتى يقول له في العقد: إنما ينقد فلان دوني، فالثمن على الآمر حينئذ. 2839 - ولا عهدة على قاض أو وصي فيما وليا بيعه، والعهدة في مال اليتامى، فإن هلك مال الأيتام ثم استحقت السلعة فلا شيء على الأيتام. 2840 - قال ابن القاسم: وإذا باع السلطان عبداً لمفلس وقد كان أعتقه، وقسم الثمن بين غرمائه، ثم وجد به المبتاع عيباً قديماً لم يرده، لأنه بيع براءة، إلا أن يعلم أن المديان علم به فكتمه، فللمبتاع الرد، ويؤخذ الثمن من الغرماء إن كان المديان الآن عديماً، ثم يباع لهم ثانية بالبراءة من العيب، وإن نقص ثمنه عن حقهم اتبعوه به، ولو كان الآن ملياً أدى هو الثمن من ماله، ولم يتبع الغرماء بشيء، وكان العبد حراً، لأن البيع الأول لم يتم حين رده بالعيب. (¬1) ولو حدث به عيب آخر مفسد عند المبتاع كان له حبسه وأخذ قيمة العيب من ربه في ملائه، أو من الغرماء في عدمه، أو رده ورد ما نقصه العيب الثاني، ثم يعتق على البائع في ملائه ويغرم الثمن، أو يباع للغرماء في عدمه. 2841 - وما أصاب العبد [في عهدة الثلاث] ، وفي عهدة السنة من الجنون والجذام ¬

(¬1) انظر: الفواكه الدواني (2/98) .

والبرص، فمن [البائع] ، وللمبتاع الرد، وكذلك إن وسوس في السنة فأطبق عليه وذهب عقله أو وسوس رأس كل شهر، [ولو جُنّ في رأس شهر واحد من السنة] ، ثم لم يعاوده لرُدّ، إذ لا يعرف ذهابه. ولو جُنّ عنده مرة ثم انقطع لم يجز بيعه حتى يبين، إذ لا يؤمن من عودته. ولو أصابه في السنة جذام أو برص ثم برئ قبل علم المبتاع به لم يرده إلا أن يخاف عودته أهل المعرفة فيكون كالمجنون. وليس له رده من الجرب والحمرة وإن تسلخ وورم، ولا من البهق في السنة. ولو جنى عليه رجل في السنة بضربة أذهبت عقله لكان من المبتاع ولا يرد. ولو أصابه في السنة صمم أو خرس لم يرد إذا كان معه عقله. وإن ذهب من ذلك عقله كان من البائع، وعهدة السنة [وعهدة] الثلاث أمر قائم بالمدينة.

2842 - قال مالك - رحمه الله -: ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق فما حدث بالرأس في الثلاث من مرض أو موت فهو من البائع، ولا يجوز النقد في الثلاث بشرط. وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص لا غير ذلك والنقد فيها جائز. * * *

(كتاب الصلح)

(كتاب الصلح) (¬1) 2843 - وإن اشتريت من رجل عبداً بمائة دينار دفعتها إليه، ثم أصبت به عيباً ولم يفت العبد، فصالحك البائع على عشرة دنانير نقدها لك جاز، لأنك قد استرجعت عشرة من دنانيرك وأخذت العبد بتسعين. وإن تأخرت الدنانير على غير شرط جاز، وأما بشرط فلا يجوز، لأنه بيع وسلف منك للبائع. وإن صالحك على أن يدفع لك مائة درهم إلى شهر لم يجز، لأنه بيع عبدٍ نقداً ودراهم إلى أجل بدنانير نقداً، وذلك صرف مستأخر. ويجوز على دراهم نقداً إن كانت أقل من صرف دينار. وقال أشهب: ذلك جائز، وإن كانت أكثر من صرف دينار. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/88) ، ومواهب الجليل (5/398) ، والمدونة (11/360) ، والفروق للقرافي (2/249) ، وجواهر العقود (1/136) ، ومنح الجليل (6/135) ، والشرح الكبير (3/80) .

وإن فات العبد فصالحك على أن دفع لك دنانير، أو دراهم، أو عرضاً نقداً جاز ذلك بعد معرفتكما بقيمة العيب. وإن صالحك على دنانير إلى شهر، جاز ذلك إن كانت الدنانير مثل حصة العيب من الثمن أو أقل، وإن كانت أكثر لم يجز، لأنه تأخير بزيادة. وإن صالحك على دراهم، أو عرض إلى أجل لم يجز، لأنك فسخت حصة العيب من الذهب في ذلك. 2844 - وإن ابتعت طوق ذهب فيه مائة دينار بألف درهم محمدية نقداً، فوجدت به عيباً، فصالحك منه البائع على دينار نقدك إياه جاز [ذلك] ، وكأنه في عقد البيع. وإن صالحك على مائة درهم محمدية من سكة الثمن، فإن كانت نقداً جاز، وكأن البيع وقع بتسعمائة. وإن كانت إلى أجل لم يجز، لأنه بيع وسلف منك للبائع، وإن صالحك على مائة درهم يزيدية من غير سكة الثمن، أو على تبر فضة لم يجز، لأنه بيع ذهب وفضة بفضة.

2845 - ومن مات عن ولد وزوجة، وترك دنانير ودراهم حاضرة، وعروضاً حاضرة وغائبة، وعقاراً، فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة، فإن كانت قدر مورثها من الدراهم فأقل جاز ذلك، وإن كانت أكثر لم يجز، لأنها باعت عروضاً حاضرة وغائبة، ودنانير بدراهم نقداً، وهذا حرام. (¬1) 2846 - وإن صالحها الولد على دراهم أو دنانير من غير التركة، قَلّت أو كثرت لم يجز. فأما على عروض من ماله نقداً فذلك جائز بعد معرفتهما بجميع التركة وحضور أصنافها، وحضور من عليه العروض وإقراره. فإن لم يقفا على معرفة ذلك [كله] لم يجز. وإن ترك دنانير ودراهم وعروضاً، وذلك كله حاضر لا دين فيه ولا شيء غائب، فصالحها الولد على دنانير من التركة، فذلك جائز إن كانت الدراهم يسيرة. 2847 - وإن ترك دراهم وعروضاً فصالحها على دنانير من ماله، فإن كانت الدراهم يسيرة [قدر] حظها منها أقل من صرف دينار، جاز إن لم يكن في التركة دين، وإن كان في حظها منها صرف دينار فأكثر لم يجز. وإن ترك دنانير وعروضاً فصالحها على دنانير من غير التركة لم يجز، لأنه ذهب وسلعة بذهب. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/85) .

وإن كان في التركة دين من دنانير أو دراهم لم يجز الصلح على دنانير أو دراهم نقداً من عند الولد، وإن كان الدين حيواناً، أو عروضاً من بيع، أو قرض، أو طعام من قرض لا من سلم، فصالحها من ذلك على دنانير أو دراهم عجلها لها من عنده فذلك جائز، إذا كان الغرماء حضوراً مقرين، ووصف ذلك كله. 2848 - وإن ترك الميت دنانير حاضرة وعروضاً ديناً من دراهم ودنانير وطعاماً من سلم، فصالحها على دنانير من التركة نقداً، فإن كانت قدر مورثها من الدنانير الحاضرة فأقل جاز، وإن كانت أكثر لم يجز، وإن صالحها على دنانير أو دراهم من غير التركة لم يجز. 2849 - وإذا صالح شريك شريكه على دنانير من جميع ما بينهما، وبينهما دنانير ودراهم وعروض وفلوس لم يجز. ومن لك عليه مائة درهم حالة - وهو مقر بها - جاز أن تصالحه على خمسين [منها] إلى أجل، لأنك حططته وأخرته. ولا بأس أن تصالحه على عرض أو ذهب نقداً، ولا يجوز فيهما تأخير. والإقرار والإنكار فيما ذكرنا سواء، لأنك إن كنت محقاً لم يجز فسخك إياه من غيره، وإن كنت مبطلاً لم يجز لك أخذ شيء عاجل أو آجل.

2850 - وإذا كان بين الرجلين خلطة فمات أحدهما وترك ولدين، فادعى أحد الولدين أن لأبيه قبل خليطه مالاً، فأقر له أو أنكر، فصالحه على حظه من ذلك بدنانير، أو دراهم، أو عرض، فلأخيه أن يدخل معه فيما أخذ، وكل ذِكر حقَّ لهما، بكتاب أو بغير كتاب، إلا أنه كان من شيء بينهما فباعاه في صفقة بمال، أو بعرض يكال أو يوزن غير الطعام والإدام، أو من شيء أقرضاه من عين أو طعام، أو غيره مما يكال أو يوزن، أو ورثا هذا الذكر الحق، فإن ما قبض منه أحدهما يدخل فيه الآخر. وكذلك إن كانوا جماعة فإنه يدخل فيه بقية أشراكه، إلا أن [يكون الذي عليه الحق غائباً] ، فيشخص [إليه] المقتضي بعد الإعذار إلى شركائه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا، فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى، لأنه لو رفعهم إلى الإمام لأمرهم بالخروج أو التوكيل، فإن فعلوا وإلا خلى بينه وبين اقتضاء [حقه] ، ثم لم يدخل عليه أحد منهم فيما اقتضى.

فإن شخص لذلك دون الإعذار إليهم، أو اقتضى من حاضر فلشركائه أن يدخلوا معه فيما أخذ، قبض جميع حقه أو بعضه، أو يسلموا له ما قبض ويتبعوا الغريم، فإن اختاروا اتباع الغريم وسلّموا له ما قبض لم يدخلوا معه بعد ذلك فيما قبض وإن نوى ما على الغريم، لأن ذلك مقاسمة للدين، فصار كذكر حق بكتابين. والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى، ولم يدخل عليه فيه شركاؤه، وإن كان من شيء أصله بينهما أو باعاه في صفقة. وإن كان لهما مائة دينار من شيء أصله بينهما وهي بكتاب واحد أو بغير كتاب، فصالح أحدهما من جميع حقه على عشرة دنانير، ولم يشخص أو شخص ولم يعذر إلى شريكه، فشريكه مخير في تسليم ذلك واتباع الغريم بخمسين، أو يأخذ من شريكه خمسة ويرجع هو بخمسة وأربعين وصاحبه بخمسة، وهكذا قال غيره في كتاب المديان، وذكر فيه ابن القاسم أن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه خمسة ثم يرجع هو على الغريم بخمسين جميع حقه، فإذا قبضها دفع للمصالح الخمسة

التي أخذ منه، وقال غيره في كتاب الصلح: إن اختار الذي لم يصالح أن يدخل مع المصالح في العشرة، فإني أجعل دَينهما [كأنه] كان ستين ديناراً، فيكون له خمسة أسداس العشرة، وللمصالح سدسها، ثم يرجع المصالح بخمسة أسداسها على الغريم، ويرجع عليه الآخر بما بقي له، وذلك إحدى وأربعون ديناراً وثلثا دينار، وكذلك لو قبض أحدهما العشرة اقتضاء ثم حط عن غريمه أربعين، ثم قام عليه شريكه بعد ذلك فاختار مقاسمته، فليفعلا كما وصفنا، فأما لو قام عليه شريكه قيل الحطيطة فقاسمه العشرة بشطرين، ثم حطه الأربعين فلا يرجع عليه شريكه بشيء، لأنه قاسمه وحقه كامل، فمضى ذلك على ما قسما، ثم يتبعان الغريم هذا بخمسة وصاحبه بخمسة وأربعين.

2851 - ولو باع أحدهما حقه أو صالح منه على عشرة أقفزة قمحاً جاز، ولشريكه تركه واتباع الغريم، وأخذ نصف القمح من الشريك. قال سحنون: ثم تكون بقية الدين بينهما، وذلك أنه تعدى له على دين فابتاع به شيئاً، فهو كعرض باعه بغير أمره وليس كعين تعدى فيه. والصلح في غير موضع أشبه شيء بالشراء، وهكذا قال غيره في [كتاب] المديان. وقال فيه ابن القاسم: إن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه نصف العرض الذي صالح عليه، ثم إذا قبض هو جميع حقه ردّ على المصالح قيمة العرض الذي أخذ منه يوم وقع الصلح به. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/370) .

2852 -[قال ابن القاسم] في كتاب الصلح: ولو كان دينهما ثياباً أو عرضاً مما يكال أو يوزن، أو لا يوزن ولا يكال من غير الطعام والإدام فصالح أحدهما، أو باع حقه بعشرة دنانير جاز، ولشريكه أخذ نصفها ثم يكون ما بقي على الغريم بينهما، وإن شاء سلم له ذلك وأتبع الغريم بجميع حقه، ثم لا رجوع له على الشريك وإن أعدم الغريم. 2853 - ومن له عليك مائة دينار فرهنته بها شيئاً يغاب عليه قيمته، أقل من الدين أو أكثر، ثم صالحك على ألف درهم، أو باع منك المائة بألف درهم نقداً، ثم ادعى أن الرهن ضاع قبل الصلح أو بعده فهو له ضامن، إلا أن يقيم بذلك بينة، والبيع والصلح نافذ.

2854 - ومن وجب لك عليه دم عمد، أو جراحة فيها قصاص، فادعيت أنه صالحك على مال وأنكر الصلح، فليس لك أن تقتص منه، ولك عليه اليمين أنه ما صالحك. 2855 - والقاتل خطأ إذا صالح الأولياء على مالٍ نجموه عليه فدفع إليهم نجماً، ثم قال: ظننت أن الدية تلزمني، فذلك له، ويوضع عنه ويتبعون العاقلة بالدية، ويردون إليه ما قبضوا منه إذا كان يجهل ذلك. ولو أقر رجل بقتل رجل خطأ ولم تقم بينة، فصالح الأولياء على مال قبل أن تلزم الدية العاقلة بقسامة، وظن أن ذلك يلزمه فالصلح جائز، وقد اختلف عن مالك في الإقرار بالقتل خطأ. فقيل: على المقر في ماله. وقيل: على العاقلة بقسامة، في رواية ابن القاسم وأشهب.

وكل ما وقع به الصلح من دم عمد، أو جراح عمد، مع المجروح أو مع أوليائه بعد موته، فذلك لازم، كان أكثر من الدية أضعافاً أو أقل من الدية، لأن [دم] العمد لا دية فيه إلا ما اصطلحوا عليه، وإذا وجب لمريض على رجل جراحة عمد فصالحه في مرضه، على أقل من الدية، أو من أرش تلك الجراحة ثم مات من مرضه فذلك جائز لازم، إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وإن لم يدّع مالاً. (¬1) 2856 - ومن قتل رجلاً عمداً له وليان فصالحه أحدهما على عرض أو قرض، فللولي الآخر الدخول معه في ذلك ولا سبيل إلى القتل. قال غيره: وإن صالح من حصته على أكثر من الدية، أو على عرض قلّ أو كثر ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (6/168) .

فليس له غيره، ولم يكن لصاحبه على القاتل إلا بحساب الدية، ولا سبيل إلى القتل، إذ لو عفا الأول جاز عليه عفوه، ولا يدخل أحدهما على الآخر في هذا القول فيما أخذ، إذ ليس دم العمد بمال، وهو كعبد بينهما باع أحدهما حصته بما شاء فلا يدخل عليه الآخر فيه. قال أشهب: إن عفا أحد الابنين على الدية فأكثر منها، عن جميع الدم ولهما أخت، فذلك كله بين البنين على خمسة، للبنت [الخمس] ولكل ابن خمسان. ولو صالح بذلك على حصته فقط، كان للأخ والأخت اللذين لم يصالحا على القاتل ثلاثة أخماس الدية، يضمانه إلى ما صالح به أخوهما، ثم يقتسمون الجميع على خمسة

كما ذكرنا، هذا إذا كان صالحه من حصته على خمس الدية فأكثر، فإن كان على أقل من خمسي الدية فليس له غيره. ويرجع الأخ الآخر والأخت على القاتل بثلاثة أخماس الدية، فيكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. 2857 - وإن صالح عن الدم كله بأقل من الدية فله الخمسان من ذلك، ويسقط ما بقي عن القاتل من حصته، ويكون للأخ الآخر والأخت ثلاثة أخماس الدية كاملاً في مال القاتل. قال ابن القاسم: وكل ما صُولح به من دم العمد والخطأ فللزوجة ميراثها [فقط] ولسائر الورثة على فرائض الله تعالى. 2858 - وإذا قطع جماعة يد رجل، أو جرحوه عمداً، فله صلح أحدهم والعفو عمن شاء، والقصاص ممن شاء. وكذلك للأولياء في النفس. (¬1) ومن قطعت يده عمداً فصالح [القاطع] على مال أخذه، ثم نزى فيها فمات، فلأوليائه أن يقسموا ويقتلوا، ويرد المال ويبطل الصلح، فإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوا في قطع اليد. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/86) .

وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة، ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه. ولو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة: قد عادت [الجناية] نفساً فاقتلوني وردوا المال، فليس ذلك له، ولو لم يكن صالح [فقال ذلك وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقسمون فذلك لهم، وإن شاءوا أقسموا وقتلوا] . 2859 - ولا يجوز الصلح من جناية عمد على ثمرة لم يبد صلاحها فإن وقع ذلك ارتفع القصاص وقضي بالدية، كما لو وقع النكاح بذلك وفات بالبناء قُضي بصداق المثل. وقال غيره: يمضي ذلك إذا وقع وهو بالخلع أشبه، لأنه أرسل من يده بالغرر ما كان له أن يرسله بغير عوض، وليس كمن أخذ بضعاً ودفع فيه غرراً.

2860 - ومن صالح من دم عمد، أو خالع على عبد، فذلك جائز، فإن وجد به عيباً يرد من مثله في البيوع فإنه يرده ويرجع بقيمة العبد صحيحاً، إذ ليس للدم والطلاق قيمة تعلم فيرجع بها، وكذلك النكاح في هذا، وإذ للمقتول العفو عن دم العمد وجراحات العمد في مرضه، وإن لم يدع مالاً، أو له مال وعليه دين يغترقه وليس لورثته أن يقولوا فعله في ثلثه، ولا لغرمائه إن كان عليه دين أن يقولوا: فرّ عنا بماله، ولا ينظر إلى قولهم، وعفوه جائز. ولو صالح من ذلك، أو من جرح عمد يُخاف منه موته على مال، فثبت ثم حطّ المال بعد ذلك لم يجز إن أحاط الدين به، وإن لم يكن عليه دين كان ما فعل في ثلثه. ومن جنى جناية عمداً وعليه دين يحيط بماله فأراد أن يصالح منها على مال يعطيه من عنده ويسقط القصاص عن نفسه، فللغرماء رد ذلك.

2861 - قلت: فمن ادعى داراً في يدي رجل فأنكر، فصالحه المدعي على مال أخذه منه، ثم أقر له المطلوب؟ [قال:] قال مالك - رحمه الله -: فيمن ادعى قبل رجل مالاً أو داراً فأنكره فصالحه من ذلك على شيء أخذه منه ثم وجد بينة فإن كان الطالب عالماً بالبينة فلا قيام له، وإن كانت بينته غائبة فخاف موتهم أو إعدام الغريم إلى قدومهم، فلا حجة له في ذلك، ولو شاء تربص، وإن لم يعلم بالبينة فله القيام ببقية حقه، فهذا يدلك على مسألتك. 2862 - والصلح جائز على الإقرار وعلى الإنكار. ومن ادعى على رجل مالاً فأنكره أو أقر له، فصالحه منه على شيء قبضه، جاز ذلك وكان صلحاً قاطعاً لدعواه. وإن ادعيت على رجل ديناً فصالحك منه على عشرة أرطال من لحم شاته وهي حية، لم يجز. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/317) .

قال أشهب: أكرهه، فإن حبسها وعرف نحوها وشرع في الذبح جاز. 2863 - وإن استهلك لك بعيراً لم يجز أن تصالحه على بعير مثله إلى أجل، [لأنك فسخت] ما وجب لك من القيمة في بعير [لا تتعجله] . وكذلك إن استهلك لك متاعاً فصالحته على طعام، أو عرض مؤجل [لم يجز] ، فأما على دنانير مؤجلة فإن كانت أكثر من القيمة لم يجز، وإن كانت كالقيمة فأدنى، وكان ما استهلك لك يباع بالدنانير بالبلد، فذلك جائز، ويجوز على دراهم نقداً، أو عرض نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك من الدنانير، ولا يجوز ذلك إلى أجل، وإن كان مما يباع بالدراهم جاز الصلح على دراهم مؤجلة مثل القيمة فأدنى، ولا يجوز على دنانير أو عرض إلا نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك ن الدراهم، وإن اشترطتما تأخير ذلك إلى أجل لم يجز. ولو تعجلته بعد الشرط لم يجز، وكذلك إن ادعيت أنه استهلك لك عبداً أو متاعاً فالصلح فيه على عين أو عرض يجري عل ما ذكرنا.

ولو لم يفت العبد الذي ادعيت أو المتع ولا تغير، جاز صلحك منه على عين أو عرض نقداً أو مؤجلاً، إذا وصفت العرض المؤجل وكان مما يجوز أن تسلم فيه عرضك. وإن غصبك عبداً فأبق منه لم يجز أن تصالحه على عرض مؤجل، فأما على دنانير مؤجلة فإن كانت كالقيمة فأقل جاز، وليس هذا من بيع الآبق. وقد قال مالك - رحمه الله - في المكتري يتعدى إلى غير البلد فتضل الدابة: إن لربها تضمينه القيمة. (¬1) 2864 - ومن أوصى لرجل بما في بطن أمته، لم يجز للورثة مصالحته من ذلك على شيء. [وإن أوصى له بخدمة عبده، أو بغلّة نخله، أو سكنى داره، أو لبن غنمه، أو سمنها، أو صوفها، جاز للورثة مصالحته من ذلك على شيء] يدفعونه إليه، ويبرأ لهم من الوصية، لأن هذه الأشياء غلات ولهما مرجع إلى الورثة. والجنين ليس بغلة ولا لهم فيه مرجع. 2865 - وقد جوز أهل العلم ارتهان غلة الدار والغلام وثمرة النخل التي لم يبد صلاحها، ولم يجوزوا ارتهان الأجنة، وقد أُرخص في بيع العريّة ونُهي عن بيع الأجنة، لأن من ابتاع هذه الأشياء فاستغلها وكانت الغلة قائمة في يديه ثم استحقت، فلا شيء للمستحق من الغلة، لأن الغلة بالضمان. ولو استحق أمة له أو غنماً وقد ولدت أخذ الولد معها. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (6/177) .

2866 - وإن ادعيت شقصاً من دار بيد رجل [فأنكر] وله شريك فصالحك منه على دراهم، فإن كان على إقرار ففيه الشفعة، وإن كان على إنكار فلا شفعة فيه. 2867 - ومن صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص جاز، وفيه الشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص. وقال المخزومي: الصلح جائز، وتحمل دية الخطأ وهي خمسون على قيمة الشقص، فإن تكن الخمسون ثلث الجميع استشفع بخمسين ديناراً وثلثي قيمة الشقص، فهكذا يحسب فيما قل من الأجزاء أو كثر. 2868 - ومن ابتاع عبداً فطعن فيه بعيب فأنكره البائع فاصطلحا على مال جاز ذلك. وإن اشتريت عبداً بألف درهم إلى أجل فاطلعت على عيب به فأنكره البائع، وزعم أنه لم يكن عنده، فصالحته قبل الأجل على أن رددته إليه مع عبد آخر،

أو عرض نقداً فذلك جائز، لأن مالكاً قال: لا باس أن يشتري الرجل عبداً بذهب إلى أجل، ثم يستقيل قبل الأجل على أن يرد العبد ويرد معه عرضاً نقداً، وإنما يكره أن يرد معه دنانير أو دراهم نقداً قبل الأجل، [ويدخله إن زدت معه دنانير بيع وسلف منك له تقبضه من نفسك، وفي زيادة الدراهم تأخير الصرف] . ولو حلّ الأجل جاز أن يرد مع العبد عرضاً أو دنانير أو دراهم نقداً، ولا يجوز تأخير [شيء من] الزيادة، [ويدخله إن كانت ذهباً صرف مستأخر، وإن كانت فضة دخله البيع والسلف، وإن كانت عرضاً دخله الدين بالدين] . قال غيره: وإن اصطلحا على أن زاده البائع عرضاً أو عبداً نقداً ولم يفت العبد جاز، وكأنهما في صفقة أو استغلاه فزاده. قال: فإن زاده البائع دراهم نقداً

لم يجز، وذلك سلف من البائع [له] . ولو زاده البائع دنانير [إلى أجل] لم يجز، لأنه بيع عبد وذهب بفضة إلى أجل. وكذلك إن كان البيع بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً، فيصير عبد ودراهم [نقداً] بدنانير إلى أجل، فإن فات العبد بعتق أو موت أو تدبير، وقد ابتاعه بدراهم مؤجلة لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً، لأنها سلف للمبتاع يردها فيما عليه إلى أجل، وإنما ينبغي أن يضع عنه حصة العيب مما عليه قصاصاً. 2869 -[قال ابن القاسم: وإن بعت عبداً من رجل بذهب إلى أجل، ثم استقالك المبتاع قبل الأجل على أن رده إليك، أو رده معه عرضاً نقداً جاز، وإنما يكره أن يرد إليك معه ذهباً أو فضة قبل الأجل، وإن حل الأجل فلا بأس أن يرد إليك معه دنانير أو دراهم [أو عرضاً] نقداً، وإن أخرته بذلك لم يجز، ويدخله البيع والسلف والدين بالدين] .

2870 - قيل لابن القاسم: فمن باع من رجل عبداً ثم صالحه بعد العقد من كل عيب فيه على دراهم دفعها [إليه] . قال: قال مالك - رحمه الله - في المتبرئ في العقدة من كل عيب بالعبد أو مَشَشٍ بالدابة: إنه لا يبرأ حتى يريه ذلك أو يبينه، وإلا لم تنفعه في ذلك البراءة. ويجب القيام للمبتاع بما ظهر من عيب. ومن قال لرجل: هلم أصالحك من دينك الذي لك على فلان بكذا، ففعل، أو أتى رجل إلى رجل فصالحه على امرأته بشيء مسمى، لزم الزوج الصلح ولزم المصالح ما صالح به، وإن لم يقل: أنا ضامن، لأنه إنما قضى على الذي عليه الحق. (¬1) ولو كان على رجل ألف درهم نقداً، فصالحته [من ذلك] على مائة درهم، ثم فارقته قبل أن تقبضها، جاز ذلك. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/81) ، والمدونة الكبرى (11/379) .

ومن له على رجل دين عرض، أو طعام من سلم، فصالحه على رأس ماله ثم فارقه قبل أن يقبضه، لم يجز. وكره مالك أن يصالح الرجل من دراهم له جياد على زيوف، وهي المحمول عليها النحاس، أو بدراهم مبهرجة. وقال: أكره البيع [بها] والشراء وإن بيّن، وأرى أن تقطع. قال ابن القاسم: وذلك [كله] للصيارفة فيما أرى، ولا أدري هل كرهها لجميع الناس؟ وأرى الصلح بها جائزاً إن لم يَغُر [بها] أحداً وكان يقطعها.

ولو كان لك عل رجل دين حالّ، فأخذت به عبداً، أو جحدك فصالحك منه على عبد فلا تبعه مرابحة حتى تبين، فإن بعت ولم تبين ردّ، إلا أن يفوت فتجب لك القيمة، وهذا المعنى في كتاب المرابحة مذكور. وإن بعت من رجل طعاماً لك عليه من قرض بدراهم أو غيرها فلا تؤخره بها، فإن تأخر ذلك أو بعضه حتى فارقك لم يجز، وترد الدراهم ويبقى لك الطعام بحاله، ولا يجوز من ذلك حصة النقد إلا أن يكون افتراقكما شيئاً قريباً، مثل أن تذهب معه إلى البيت أو السوق فينقدك. ولو كان لك عليه دنانير وأخذت بها طعاماً، جاز أن يتأخر كيله إلى غد لتأتي بدواب ونحوها. ومن لك عليه طعام من قرض وعشرة دراهم، فصالحته على أحد عشر درهماً نقداً فذلك جائز، وإن كان من بيع لم يجز. ومن لك عليه مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة دينار ودرهم فذلك جائز، لأنك أخذت [الدنانير] قضاء من دنانيرك وأخذت درهماً من دراهمك وهضمت باقيها، بخلاف التبادل بها نقداً فذلك صرف، ولا يجوز فضة وذهب بمثلها يداً بيد عدداً ولا مراطلة، إذ لكل صنف حصة من الصنفين.

وإن صالحته على مائة درهم مؤخرة وعشرة دراهم نقداً لم يجز شيء منه، إذ لِما تأخّر حصة من الذهب والفضة، وهذا صرف يدخله بيع وسلف بخلاف الأول. وإن ادعيت على رجل عشرة دنانير فصالحك على مائة درهم، أو صرفت منه عشرة دنانير نقدتها له بمائة درهم، فدفع إليك منها خمسين، ثم فارقته قبل أن تقبض ما بقي، أو أسلمت إلى رجل مائة دينار في طعام إلى أجل فدفعت إليه خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل الطعام، فذلك كله يبطل. ولا يجوز حصة ما نقد ولا حصة ما لم ينقد. وإن صرفت الدنانير بدراهم فأصبت منها درهماً زائفاً، انتقض [منها] صرف دينار، وإن كان ما أصبت أكثر من صرف دينار انتقض منها صرف دينارين، وإن زاد فعلى هذا ينبني. وإن كان لك على رجل دراهم نسيتما مبلغها، جاز أن تصطلحا على ما شئتما من ذهب أو ورق أو عرض نقداً، وتتحالا، ومَغْمَز التقية في ذلك كله سواء. ولا يجوز تأخير ما تصالحه به، لأنه يدخله الخطر والدين بالدين.

وإن صالحته من دين لك عليه، على ثوب، على أن عليه صبغه، أو على عبد أنت فيه بالخيار ثلاثاً لم يجز ويفسخ ذلك، وهو دين في دين. وإن كان لك عليه ألف درهم حالة، فأشهدت له أنه إن أعطاك مائة من الألف الحالة إلى شهر فباقيها ساقط عنه، وإن لم يفعل فالألف كلها لازمة، فذلك جائز ولكما لازم. (¬1) وقد بقي باب من آخر هذا الكتاب جرى ذكره قبل هذا. * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (5/75) .

(كتاب الجعل والإجارة)

(كتاب الجعل والإجارة) (¬1) 2871 - ومن باع من رجل سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة، كان كمن آجره على أن يتجر له بهذه المائة [دينار] سنة، أو يرعى له غنماً بعينها سنة، فإن شرط في العقد خلف ما هلك منها أو تلف، جاز، وإلا لم يجز. وإن شرط ذلك فهلك من ذلك شيء فأبى ربُّه خَلَفَه قيل له: أوفِ الإجارة واذهب بسلام، وتكون له أجرته تامة. ولو آجره على رعاية مائة شاة غير معينة جاز، وإن لم يشترط خلف ما مات منها، وله خلف ما مات منها بالقضاء، وإن كانت معينة فلا بد من الشرط، وليس له أن يزيده فيها. 2872 - ولا بأس باجتماع بيع مع إجارة. ولا يجوز اجتماع بيع وجُعل في صفقة، ولا إجارة وجُعل معاً. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/392) ، والمدونة الكبرى (11/402) .

ومن باع من رجل نصف ثوب، أو نصف دابة، أو غيرها، على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد، جاز إن ضربا لبيع ذلك أجلاً، ما خلا الطعام فإنه لا يجوز. فإن باع ذلك في نصف الأجل فله نصف الإجارة، فإن تم الأجل ولم يقدر على بيع ذلك فله الأجر كاملاً. وإن باع منه نصف هذه السلع على أن يبيع له النصف الباقي ببلد آخر لم يجز، وإن كان بالبلد ولم يضربا أجلاً لم يجز أيضاً، لأنه في السلع اليسيرة كالدابة أو الثوب أو الثوبين يدخله جعل وبيع. والسلع الكثيرة لا يجوز فيها الجُعل، فصارت إجارة غير مؤجلة، فأفسدتها مع ما عُقد معها من بيع. 2873 - وروي عن مالك - رضي الله عنه - أنه إذا باعه نصف ثوب على أن يبيع له النصف الآخر فلا خير فيه. قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلاً؟ قال: فذلك أحرم له. * * *

[في الإجارة والجُعل على بيع السلع، وما يجوز من ذلك وما لا يجوز] 2874 - والإجارة تلزم بالعقد، ولا تجوز إلا بالأجل، وليس لأحدهما الترك حتى يحل الأجل، والجُعل بخلاف ذلك، يدعه العامل متى شاء، ولا يكون مؤجلاً، ألا ترى أن من قال لرجل: بع لي هذا الثوب ولك درهم، أنه جائز، وقّت له في الثوب ثمناً أم لا، وهو جعل، فإن قال: اليوم، لم يصلح، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء، لأنه إن مضى اليوم ولم يبع ذهب عمله باطلاً، وإن باع في نصفه أخذ الجعل كاملاً، وسقط عنه بقية عمل اليوم، فهذا أخطر. 2872 - والجعل لا يكون مؤجلاً إلا أن يكون متى شاء أن يردّه ردّه. وقد قال [مالك] في مثل هذا: إنه جائز، وهو جل قوله [الذي يعتمد عليه] . 2876 - ولا يجوز الجُعل على بيع كثير السلع والدواب والرقيق، كالعشرة الأثواب ونحوها، ولا على ما فيه مشقة سفر من قليلها. ويجوز الجعل في بيع قليل السلع في البلد، سمّوا لها ثمناً أم لا، مثل الدابة أو العبد أو الثوب والثوبين، إذ لا يقطعه ذلك عن شغله، فإن باع أخذ ولا شيء له إن لم يبع.

وكل ما جاز فيه الجعل جازت فيه الإجارة، وليس كل ما جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل. 2877 - وتجوز الإجارة على بيع قليل السلع وكثيرها والأعكام من البز، وكثير الطعام إن ضرب للبيع أجلاً، وإلا لم تجز الإجارة، فإن باع لتمام الأجل فله أجره كاملاً، وإن باع في ثلثه أو نصفه فله حصة ذلك من الأجر، إلا أنه إن ضرب الأجل للبيع وسمّى الأجر فلا يجوز النقد في هذا، لأنه إن باع في نصف الأجل رد نصف ما قبض، فيدخله بيع وسلف. وإن لم ينقده شيء ومضى من الأجل يوم أو يومان، فللأجير قبض حصة ذلك من الأجر. ومن أجرته على بيع سلع كثيرة شهراً على أنه متى شاء ترك جاز ذلك، لأنها إجارة على خيار، ولا يجوز فيه النقد. وإن أجرته شهراً على أن يبيع لك ثوباً وله دراهم، جاز ذلك إن كان إذا باع قبل ذلك أخذ بحساب الشهر. 2878 -[وإذا دفعت إلى حائك غزلاً ينسج لك منه ثوباً بعشرة دراهم على أن يسلفك فيه

رطلاً من غزل لم يجز، لأنه سلف وإجارة. (¬1) ولا بأس أن تؤجره على طحين إردب بدرهم وبقفيز من دقيقه، لأن ما جاز بيعه جازت الإجارة به] . ولو أجرته يطحنه لك بدرهم وبقسط زيت زيتون قبل أن يعصر، جاز ذلك. 2879 - ولو بعت منه دقيق هذه الحنطة، كل قفيز بدرهم قبل أن يطحنها جاز، لأن الدقيق لا يختلف، فإن تلفت هذه الحنطة كان ضمانها من البائع، وإن كان الزيت والدقيق يختلف خروجه إذا عصر أو طُحن، لم يجز ذلك فيه حتى يُطحن أو يعصر. وقد خفف مالك أن يبتاع الرجل حنطة على أن على البائع طحينها، إذ لا يكاد الدقيق يختلف، ولو كان خروجه مختلفاً ما جاز. ولا يجوز بيع لحم شاة حية أو مذبوحة، أو لحم بعير كسير قبل الذبح والسلخ، كل رطل بكذا من حاضر ولا مسافر. ولا تجوز الإجارة على سلخها بشيء من لحمها. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/396) .

2880 - وإن أجرت رجلاً يخيط لك ثوباً، وإن خاطه اليوم فبدرهم، وإن خاطه غداً فبنصف درهم، أو قلت له: إن خطته خياطة رومية فبدرهم، وإن خطته خياطة عربية فبكذا، لم يجز، وهو من وجه بيعتين في بيعة، فإن خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص. قال غيره في المسألة الأولى: إلا أن يزيد على الدرهم أو ينقص من نصف درهم فلا يزاد ولا ينقص. ولا يجوز أن يؤاجره على دبغ جلود أو عملها، أو نسج ثوب، على أن له نصف ذلك، إذ لا يدري كيف يخرج ذلك، ولأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز أن يُستأجر به. ولو قلت له: انسج لي هذا الغزل بغزل آخر عجلته له، جاز. وإذا دفعت إليه دابة أو إبلاً أو داراً أو سفينة أو حماماً على أن يكري ذلك وله نصف الكراء، لم يجز.

فإن نزل كان لك جميع الكراء، وله أجر مثله، كما لو قلت له: بع سلعتي فما بعتها به فبيني وبينك، أو قلت له: فما زاد على مائة فبيننا، فذلك لا يجوز، والثمن لك، وله أجر مثله. 2881 - ولو أعطيته الدابة أو السفينة أو الإبل ليعمل عليها، على أن ما أصاب بينكما لم يجز ذلك، فإن عمل عليها فالكسب ههنا للعامل، وعليه كراء المثل في ذلك ما بلغ، وكأنه اكترى ذلك كراء فاسداً، والأول أجر نفسه منك إجارة فاسدة، فافترقا. 2882 - ولا يجوز أن يحمل لك طعاماً إلى بلد كذا بنصفه، إلا أن تنقده نصفه مكانك، لأنه شيء بعينه بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل. وإن أجرت رجلاً على حمل طعام بينكما إلى بلد يبيعه به، على أن له عليك كراء حصتك، وسميتما ذلك، فإن شرطت أن لا يميز حصته منه قبل البلد لم يجز، فإن نزل ذلك وباع الطعام كان له أجر مثله في حصتك. وإن كان على أنه متى شاء ميزها قبل أن يصل أو يخرج، جاز إن ضرب للبيع أجلاً.

وكذلك إن أجرته على طحينه، فإن كان إذا شاء أفرد طحين حصته جاز، وإن كان على ألا يطحنه إلا مجتمعاً لم يجز، فإن طحنه كان له أجر مثله في حصتك. 2883 - وكذلك إن أجرته على رعاية غنم بينكما جاز ولزمته الإجارة، إذا كان له أن يقاسمك حصته، أو يبيعها متى شاء، وشرطت خلف ما هلك من حصتك. قال غيره: إذا اعتدلت في القسم. (¬1) ولا يجوز أن تؤاجره على نسج غزل بينكما بدراهم مسماة، إذ لا يقدر على [بيع] حصته منه حتى ينسجه. 2884 -[ولا بأس أن تؤاجره على بناء دارك هذه والجص والآجر من عنده، [وهذه إجارة وشراء جص وآجر في صفقة واحدة] ، ولما تعارف الناس ما يدخلها وأمد فراغها كان عرفهم كذكر الصفقة والأجل، لأن وجه ذلك أمر قد عرف. ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/248) ، وحاشية الدسوقي (4/15) ، والتاج والإكليل (5/426) ، والفواكه الدواني (2/115) ، والشرح الكبير (4/15) ، ومواهب الجليل (5/414) ، والقوانين لابن جزي (ص220) ، وحاشية العدوي (2/256) .

وقال غيره: إذا كان على وجه القبالة ولم يشترط عمل يده، فلا بأس به إذا قدم نقده] . 2885 - ولا بأس أن تؤاجر حافتي نهرك ممن يبني عليه بيتاً، أو ينصب عليه رحاً، ويجوز أن تستأجر طريقاً في دار رجل، أو مسيل مصب مرحاض. وأما إجارة مسيل ماء ميازيب من دار رجل فلا يعجبني، لأن المطر يقل ويكثر، ويكون ولا يكون. ولا يجوز أن تكري بيت الرحا من رجل، والرحا من آخر، ودابة الرحا من رجل ثالث في صفقة واحدة، كل شهر بكذا وكذا، إذ لا يعلم ما لكل واحد من

الثمن إلا بعد القيمة، وكذلك في الاستحقاق، وأجازه غيره. 2886 - ولا بأس بإجارة رحا الماء بالطعام وغيره. فإن انقطع عنها الماء فهو عذر تفسخ به الإجارة. وإن رجع الماء في بقية المدة لزمه باقيها، وإن اختلفا في انقطاع ماء الرحا فقال ربها: انقطع عشرة أيام، وقال المكتري: بل شهراً، فإن تصادقا في أول السنة وآخرها صُدّق رب الرحا. وكذلك اختلافهما في انهدام الدار في بعض المدة، أو قال المكتري بعد السنة: كان انهدام الدار وانقطاع الماء في السنة كلها، فالمكتري في ذلك كله مُدّع. وإن قال رب الرحا أو الدار: قد انقضت السنة، وقال المكتري: ما مضى منها إلا شهران وقد انهدمت الدار الآن وانقطع ماء الرحا، صُدّق المكتري. ومن استأجر رحا ماءٍ شهراً على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمته الإجارة، لم يجز ذلك.

2887 - ومن استأجر فسطاطاً، أو بساطاً، أو غرائر، أو آنية إلى مكة ذاهباً وجائياً جاز، فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة، صُدّق في الضياع، ولزمه الكراء كله، إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع، وإن كان معه قوم في سفر فشهدوا أنه أعلمهم بضياع ذلك وطلبه بمحضرهم حُلّف، وسقط عنه من يومئذ حصة باقي المدة. وقال غيره: هو مصدق [في الضياع] ولا يلزمه من الإجارة إلا ما قال: إنه انتفع به. وقال أشهب عن مالك في رجل اكترى جفنة وادعى الضياع أنه يضمن، إلا أن يقيم بينة على الضياع.

2888 - ومن استأجر فسطاطاً أو ثوباً شهراً فحبسه فلم يلبسه سائر المدة، لزمه جميع الأجر، ولو حبسه بعد المدة أياماً لزمه أجر حبسه بغير لباس [ليس كأجر اللابس] . وقاله ابن نافع. وقال غيره: بل بحساب ما استأجره، إن كان ربه حاضراً. 2889 - وتجوز إجارة متاع البيت مثل الآنية والقدور والصحاف ومتاع الجسد. 2900 - ومن استأجر ثوباً يلبسه فادعى أنه ضاع أو سُرق منه أو غصب فهو مصدق، لأن المستأجر لا يضمن، إلا أن يتعدى أو يفرّط. وإن استأجره يومين فلبسه يوماً، ثم ضاع في اليوم الثاني، فأصابه بعد ذلك فرده، لم يلزمه أجر مدة الضياع، كالدابة تكترى أياماً فتضيع في بعضها، فإنما

عليه حصة الأيام التي لم تضع فيها، وإن استأجرت ثوباً تلبسه يوماً إلى الليل فلا تعطه غيرك ليلبسه، لاختلاف اللبس والأمانة، وإن هلك بيدك لم تضمنه، وإن دفعته إلى غيرك كنت ضامناً إن تلف. 2901 - قال: وكره مالك - رحمه الله - لمكتري الدابة لركوبها كِراها من غيره، كان مثله أو أخف منه، فإن أكراها لم أفسخه، وإن تلفت لم يضمن إن كان أكراها في ما اكتراها فيه من مثله في حاله وأمانته وخفته. ولو بدا له عن السفر أو مات، أكريت من مثله. (¬1) وكذلك الثياب في الحياة والممات، وليس ككراء الحمولة والسفينة والدار، هذا له أن يكري ذلك من مثله في مثل ما اكتراها له. وإن اكتريت فسطاطاً إلى مكة فأكريته من مثلك في حالك وأمانتك، ويكون صنيعه في الخباء كصنيعك، وحاجته إليه كحاجتك، فذلك جائز. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/407، 416) ، ومواهب الجليل (5/416، 417) .

2902 - ولا بأس بإجارة حلي الذهب بذهب أو فضة، وأجازه مالك - رحمه الله - ثم استثقله، وقال: ليس بحرام بيّن، وما هو من أخلاق الناس، وأجازه ابن القاسم. ويجوز إجارة المكيال والميزان والدلو والفأس وشبه ذلك. 2903 - وتجوز إجارة المصحف لجواز بيعه، وأجاز بيعه كثير من التابعين. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ما لم يجعله متجراً. وأما ما عملته بيدك فجائز. قال ابن القاسم: وتجوز الإجارة على كتابته.

ولا بأس بالإجارة على تعليم القرآن، كل سنة، أو كل شهر بكذا، أو على الحِذاق للقرآن بكذا، أو على أن يعلمه القرآن كله أو سدسه بكذا. (¬1) وتجوز الإجارة على تعليم الكتابة فقط، أو على الكتابة مع القرآن مشاهرة. قال ابن وهب عن مالك: ولا بأس أن يشترط مع أجرته شيئاً معلوماً كل فطرٍ أو أضحى. 2904 - وأكره الإجارة على تعليم الفقه والفرائض، كما أكره بيع كتبها. وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنحو، أو على كتابة ذلك أو إجارة كتب فيها ذلك أو بيعها. وكره مالك بيع كتب الفقه فكيف بهذه. وما كره بيعه فلا تجوز إجارته. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/418) ، والتاج والإكليل (5/423) ، ومواهب الجليل (5/419، 423) .

2905 - وكره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف بالغناء. وكره مالك بيع الأمة بشرط أنها مغنية. قال ابن القاسم: فإن وقع فسخ البيع. 2906 - وكره مالك الإجارة على الحج، وعلى الإمامة في الفرض والنافلة وفي قيام

رمضان. [وهو عندي في المكتوبة أشد كراهية] . 2910 - ومن استأجر رجلاً على أن يؤذن لهم ويقيم ويصلي بهم جاز، وكأن الأجر إنما وقع على الأذان والإقامة والقيام بالمسجد لا على الصلاة. 2911 - ومن أجرته على تعليم عبدك القرآن والكتابة سنة وله نصفه، لم يجز، إذ لا يقدر على قبض ماله فيه قبل السنة، وقد يموت العبد فيها فيذهب عمله باطلاً. وإن دفعت عبدك إلى خياط، أو قصار، أو غيره ليعلموه ذلك العمل بعمل الغلام سنة جاز ذلك، وقال غيره: بأجر معلوم أجوز. 2912 - ولا تعجبني إجارة الدف والمعازف في العرس، وكره ذلك مالك وضعّفه،

ولا بأس بالإجارة على قتل قصاص، أو على ضرب عبدك وولدك للأدب، كما تجوز إجارة الطبيب، وهو يقطع ويبطّ، وأما لغير ما ينبغي من الأدب فلا يعجبني. وإن آجره على قتل رجل ظلماً فقتله، [قُتل به] ولا أجر له. 2913 - وكل مستأجر على ما لا يجوز من ذلك، فعلى الأجير القصاص، وعلى الذي آجره الأدب. والأطباء إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء، فإن برئ فله حقه، وإلا فلا شيء له، إلا أن يشترطا شرطاً حلالاً فينفذ بينهما، كالشرط أن يكحله شهراً، أو كل يوم بدرهم، فيجوز إن لم ينقده، [وهذه إجارة] ، فإن برئ قبل الأجل أخذ بحسابه، إلا أن يؤجره وهو صحيح العينين بكحله شهراً بدرهم، فيجوز فيه النقد، إذ لا يتقي فيه رد ما بقي بعد البرء، ويلزمهما تمامه.

2914 - وكره مالك إجارة قسّام الدور أو قسام القاضي وحسّابهم، وقال: قد كان خارجة ومجاهد [يقسمان مع القضاة ويحسبان] ولا يأخذان لذلك جُعلاً، ولا يصلح [لأحد] أن يبني مسجداً ليكريه ممن يصلي فيه، أو يكري بيته ممن يصلي فيه. وأجاز ذلك غيره في البيت.

2915 - وكره مالك السكنى بالأهل فوق ظهر المسجد. 2916 - ولا بأس أن يكري أرضه على أن تُتخذ مسجداً عشر سنين، فإذا انقضت كان النقض للذي بناه ورجعت الأرض إلى ربها. 2916 - ولا يجوز لمسلم أن يكري داره، أو يبيعها ممن يتخذها كنيسة، أو بيت نار في مدينة أو قرية لأهل الذمة.

ولا يكري لهم دابة ليركبوها لأعيادهم، أو يبيع منهم شاة يعلم [أنهم] يذبحونها لذلك. 2917 - قال مالك - رحمه الله -: وليس لأهل الذمة أن يحدثوا في بلد الإسلام كنائس إلا أن يكون لهم أمر أعطوه. (¬1) قال ابن القاسم: ولهم أن يحدثوها في بلدة صولحوا عليها، وليس ذلك لهم في [بلد] العنوة، لأنها فيء ليست لهم، ولا تورث عنهم، ولو أسلموا لم يكن لهم فيها شيء. قال: وما اختطه المسلمون عند فتحهم وسكنوه، كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها من مدائن الشام، فليس لهم إحداث ذلك فيها، إلا أن يكون لهم عهد فيوفى به، لأن تلك المدائن صارت لأهل الإسلام دون أهل الصلح، يبيعونها ويتوارثونها. وقال غيره: كل بلدة افتتحت عنوة وأُقروا فيها وأوقفت الأرض لنوائب ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/424) .

المسلمين وأعطياتهم فلا يمنعوا من كنائسهم التي فيها، ولا من أن يحدثوا فيها كنائس، لأنهم أقروا [فيها] على ما يجوز لأهل الذمة، ولا خراج عليهم في قراهم التي أقروا فيها، وإنما الخراج على الأرض. 2918 - ولا يجوز لمسلم أن يؤجر نفسه، أو عبده، أو دابته في حمل الخمر، أو داره، أو حانوته، أو شيئاً مما يملكه في أمر الخمر، [فإن نزل ذلك تصدق به] . ولا يعطى من الإجارة شيئاً لا ما سموا ولا أجر مثله، كمسلم باع خمراً فلا يعطى من ثمنها شيئاً، ويفعل فيه، إن كان قبض الإجارة أو لم يقبض، مثل ما وصفنا في ثمن الخمر. 2919 - وإن آجر نفسه من ذمي يرعى له الخنازير أُدّب، إلا أن يعذر بجهل، وتؤخذ الإجارة من الذمي ولا تترك له، مثل قول مالك في الخمر، ويتصدق بها على المساكين، ولا يحل للمسلم أخذها أدباً له.

2920 - ولو باع منه الذمي خمراً وهو يعلم أنه مسلم أُدّب الذمي على ذلك، ويتصدق بالثمن على المساكين أدباً للذمي، وتكسر الخمر في يد المسلم، وأكره لمسلم أن يؤجر نفسه من ذمي لحرث، أو بناء، أو حراسة، أو غير ذلك، أو يأخذ منه قراضاً. 2921 - ولا بأس بالإجارة على طرح الميتة والدم والعذرة، ولا يؤجر على طرح الميتة بجلدها، إذ لا يجوز بيعه وإن دبغ، ولا يصلى عليه ولا يلبس. وأما الاستسقاء في جلود الميتة إذا دبغت، فإنما كرهه مالك في خاصة نفسه، ولم يحرمه، ولا بأس أن يغربل عليها ويجلس، وهذا وجه الانتفاع الذي جاء في الحديث. * * *

[في إجارة نزو الفحل] 2922 - ولا بأس بإجارة الفحل للإنزاء، كان فرساً، أو حماراً، أو بعيراً، أو تيساً، على نزو أكوام معلومة، أو أشهر بكذا، فإن شرط نزو الفحل حتى تعلق الرمكة لم تجز الإجارة. (¬1) وذكر بيع ماء العيون قد جرى مستوعباً في كتاب التجارة [بأرض الحرب] . 2923 - وكره مالك - رحمه الله - أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، فإن فعل، أو أجر الوصي نفسه من يتيم في حجره تعقبه الإمام، فما كان خيراً لليتيم أمضاه. وكذلك الأب في ابنه الصغير. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/427) .

ومن أجر ابنه للخدمة، فإن كان الابن محتلماً جاز ذلك، وكان له الأجر. 2924 - وإن أجر صبياً صغيراً في عمل بغير إذن وليه، أو عبداً محجوراً عليه بغير إذن سيده لم يجز ذلك إلا بإذنهما، فإن [فعل] بوعملا] فعليه الأكثر مما سمى، أو أجر المثل، كالتعدي والغصب في الدابة، وإن عطبا وكان عملاً يعطبان في مثله، فالسيد مخير في أخذ الكراء ولا شيء له من قيمة العبد، أو يأخذ قيمة العبد ما بلغت ولا كراء له. وأما في الصبي فعلى المكتري الأكثر من أجر مثله، أو ما سمي له، والدية على عاقلته. قال ابن وهب عن مالك: وإذا أنكر السيد أن يكون أذن له في الإجارة لم يضمن مستعمله أجر هلاكه، إلا أن يستعمله في غرر كالبئر ذات الحَمْأة، أو الهدم تحت الجدران بغير إذن أهله فيضمن. وكذلك إن أطلقه ربه في الإجارة ضمن من استعمله في هذا الغرر بغير إذن سيده، لأنه لم يؤذن له في التغرير بنفسه. وإن خرج به في سفر بغير إذن أهله ضمن.

2925 - قال ربيعة: من استعان عبداً فيما فيه الإجارة ضمنهن وكذلك إن أجره في غرر والعبد قد أرسل في الإجارة. وأما حُرّ كبير فما علمت فيه شيئاً، إلا أن يستغفل أو يستجهل في أمر لا يعلم منه ما يعلم من أجره. ومن استعان غلاماً غير بالغ فيما في مثله الإجارة ضمن ما أصابه، وأما ما لا إجارة فيه كمناولة القدح والنعل وشبه ذلك، فلا عقل فيه في حر ولا عبد. قال ابن القاسم: ومن آجر عبداً يخدمه شهراً بعينه، على أنه إن مرض قضاه ذلك في غيره، لم يعجبني، لاختلاف أيام الشتاء والصيف عن تمادى مرضه. (¬1) 2926 - ولا بأس بإجارة الحائط لحمل خشب، أو لبناء سترة عليه، أو لضرب وتد، أو تعليق ستر كل شهر بكذا. ¬

(¬1) انظر: حاشية العدوي (2/476) .

والحديث في غرز الخشب إنما هو ندب ولا يقضى به. (¬1) 2927 - ولا بأس بإجارة العبد ذي الصنعة على أن يأتيك بالغلة، ما لم تُضمّنه في أصل الإجارة خراجاً معلوماً، وإن وضعته عليه بعد ذلك ولم تضمنه إن لم يأت به جاز ذلك. قال ابن وهب: قال مالك: وإن آجرت أجيراً سنة بدنانير ليعمل لك في السوق على أن يأتيك بثلاثة دراهم كل يوم، لم يجز، لأنه إن أعطاك فضة فهو ذهب في فضة مؤجلة، وإن كان على أن يعطيك به طعاماً فهو سلم في حنطة بغير سعر معلوم، وقد يكثر ما يعطيك بثلاثة دراهم لرخص الطعام، وقد يقل لغلائه فهو غرر. ¬

(¬1) رواه البخاري (1215) ، ومسلم (1609) .

2928 - وأكره للأعزب أن يؤاجر حرة ليس بينه وبينها محرم أو أمة لخدمته، يخلو معها أو يعادلها في محمل. 2929 - ولا بأس بإجارة العبد عشر سنين أو خمس عشرة سنة، وجواز ذلك في الدور أبين.

والموصى له بخدمة [عبد] عشر سنين لا بأس أن يكريه عشر سنين. وقال غيره: لا تجوز إجارة العبد السنين الكثيرة لما في الحيوان من سرعة التغير، وهو في الدواب أبين غرراً. 2930 - ومن أجّر عبده أو نفسه في خياطة شهراً، لم يجز أن يفسخ ذلك في قصارة أو غيرها، لأنه دين بدين [إلا أن تكون الإجارة يوماً ونحوه فيجوز ذلك، لأنه لا يكون ديناً بدين] . 2931 - ومن استأجر عبداً يخدمه جاز أن يؤاجره في مثل ذلك. ومن استأجر عبداً للخياطة كل شهر بكذا فلا يستعمله في غيرها، فإن فعل فعطب ضمنه إن كان عملاً يعطب في مثله. 2932 - ومن أجر أجيراً في الخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار، كمناولته إياه ثوبه، أو الماء في ليله، وليس فيما يمنعه النوم، إلا في

أمر يعرض له المرة يستعمله فيه بعض ليله، كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحنه في ليله، إلا أن يخفّ عمل نهاره فليستطحنه ربه في ليله إن شاء من غير [إكراء ولا] إفداح. وكُره ما أجهد أو قل أمنه. 2933 - ومن استأجر أجيراً للخدمة فليس له أن يسافر به، ولا يجوز أن يشترط أنه إن سافر أو حرث استعمله في ذلك. 2934 - ولا بأس باشتراط ما شابه الخدمة من عجن وخبز وكنس، والمُتباعد خطراً لتفاوت قيم الأعمال. 2935 - ومن أجر عبده ثم باعه، فالإجارة أولى به، فإن كانت إجارته قريبة، كيوم أو يومين، جاز البيع، وإن بعد الأجل فسخ البيع، ولم يكن للمبتاع أخذه بعد الإجارة، إذ لا يجوز بيع عبد على أن يقبض إلى شهر.

2936 - والعبد المستأجر يمرض مرضاً بيناً أو يأبق أو يهرب إلى بلد الحرب، فإن الإجارة تفسخ، ولو رجع أو أفاق في بقية المدة لزمه تمامها. قال غيره: إلا أن يكون فُسخ الإيجار. وقال في باب بعد هذا: إلا أن يتفاسخا قبل ذلك. ولو هرب السيد إلى بلد الحرب كانت الإجارة بحالها لا تنتقض. ولا تكرى أم الولد في الخدمة. 2937 - ومن استأجر عبداً للخدمة فألفاه سارقاً فهو عيب يرد به كالبيع. 2938 - ومن استؤجر على رعاية غنم كثيرة لا يقوى على أكثر منها، فليس

له أن يرعى معها غيرها، إلا أن يدخل معه راعياً يقوى به، إلا أن تكون غنماً يسيرة فذلك له، إلا أن يشترط ربها عليه ألا يرعى معها غيرها، فيجوز ويلزمه. وأكره هذا الشرط في قليل القراض، إذ ليس بإجارة معلومة، وهذا يحيله عن وجه رخصته. والإجارة تجوز مؤجلة، أو على بيع متاع، أو شرائه ببلد آخر بخلاف القراض. فإن رعى [غنماً] غيرها بعد هذا الشرط فالأجر لرب الأولى. وكذلك أجيرك للخدمة يؤجر نفسه من غيرك يوماً أو أكثر، فلك أخذ الأجر وتركه، أو إسقاط حصة ذلك اليوم من الأجر عنك. قال غيره: إن لم يدخل برعاية الثانية [على الأولى تقصير في الرعاية، فأجر الثانية] للراعي، وليس للراعي أن يأتي بغيره يرعى مكانه،

ولو رضي بذلك رب الغنم لم يجز. 2939 - ومن مر براعٍ فلا ينبغي له أن يستسقيه لبناً، وإذا توالدت الغنم حُملا في رعاية الولد على عرف الناسن فإن لم تكن لهم سُنة لم يلزمه رعايتها. 2940 - ولا ضمان على الرعاة إلا ما تعدّوا فيه، أو فرطوا في جميع ما رعوه من الغنم والدواب لناس شتى، أو لرجل واحد، ولا يضمن [الراعي] ما سُرق إلا أن تشهد بينة أنه ضيع أو فرط. قال أبو الزناد: وإلا لم يلزمه إلا يمين. (¬1) قال ابن وهب: قال مالك - رحمه الله -: ولا ضمان عل العبد الراعي إلا أن ينحر شيئاً فيضمنه. قال أبو الزناد: وإن استُرعي العبد بغير إذن سيده فنحر أو باع، فليس على سيده ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/427) ، ومواهب الجليل (5/428) .

ولا في رقبة العبد شيء من ذلك. قال ابن القاسم: وإن اشترط على الراعي الضمان فسدت الإجارة ولا شيء عليه وله أجر مثله بغير ضمان، [نافَ] على التسمية أو نقص. وقال غيره: إن كان ذلك أكثر من التسمية لم يزد عليها. قال: ومحال أن تكون أكثر. قال ابن القاسم: وكذلك إن شرطوا على الراعي أنه إن لم يأت بسمة [على] ما مات منها ضمن، فلا يضمن وإن لم يأت بها، وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه. وإن خاف الراعي الموت على شاة فذبحها، لم يضمن ويصدق إذا جاء بها مذبوحة. وقال غيره: يضمن ما نحر. والراعي مصدق فيما هلك أو سُرق، ولو قال: ذبحتها ثم سُرقت، صُدّق.

وقال غيره: بالذبح ضَمِن. وإن أنزى الراعي على الإبل أو البقر والغنم والرمك بغير إذن أهلها فعطبت ضمن. قال غيره: لا يضمن. وإن شرط عليه الرعاية بموضع فرعى في غيره ضمن قيمتها يوم تعدى، كالتعدي في الدابة، وله الأجر إلى يوم تعديه. 2941 - ولا باس بإجارة الظئر على إرضاع الصبي حولاً أو حولين بكذا. (¬1) وكذلك إن شرطت عليهم طعامها وكسوتها، وليس لزوجها وطؤها إن أجرت ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/364) ، (5/425) ، ومواهب الجليل (5/412) .

نفسها بإذنه، وإن كان بغير إذنه فله أن يفسخ إجارتها، وترضعه حيث اشترطوا، فإن لم يشترطوا موضعاً فشأن الناس الرضاع عند الأبوين، إلا امرأة لا ترضع مثلها عند الناس، أو يكون الأب وضيعاً لا يرضع مثلها عنده فذلك لها، ويُحمّلون فيما يحتاجه الصبي من المؤنة في غسل خرقه، وتحميمه ودهنه ودق ريحانه وطيبه، على ما تعارفه الناس، فإذا حملت الظئر فخيف على الصبي فلهم فسخ الإجارة، ولا يلزمهما أن تأتي بغيرها ترضعه، وكذلك تفسخ الإجارة بموت الصبي ولها بحساب ما أرضعت، وليس لها ولا لأبويه أن يأتوا بصبي غيره ترضعه، كمن اكترى دابة ليركبها، فليس له كراؤها من غيره في مثل حاله وخفته، لأنه قد يجد من هو مثله في الأمانة والحال والخفة، ولا يكون مثل في الرفق. وإن سافر الأبوان فليس لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع الأجر. 2942 - وإن أجرت الشريفة نفسها لرضاع صبي لزمها ذلك، وإن لم يقض على مثلها برضاع ولدها، لأنها ألزمت ذلك نفسها، كما لو شاءت رضاع ولدها لم تمنع. 2943 - وإذا مرضت الظئر مرضاً لا تقدر معه على الرضاع فسخت الإجارة. ولو صحت في بقية منها جُبرت على الرضاع [بقيتها] ، ولها من الأجر بقدر

ما أرضعت، وليس عليها أن ترضع ما مرضت. قال غيره: إلا أن يكون الكراء فسخ بينهما فلا يعود. [قال ابن القاسم:] وإن تمادى مرضها حتى انقضى وقت الإجارة فلا تعود إلى الرضاع. ولو آجرها على رضاع صبيين حولين، فمات أحدهما بعد حول، وضع عنه قدر ما ينوبه، وذلك ربع الإجارة، إلا أن يختلف ذلك من رخص الكراء أو غلائه، وباختلاف الأزمنة من شتاء وصيف، وصبي كبير وصغير، فيحسب ذلك. ثم لها أن ترضع مع الباقي غيره بإجارة. ولو آجرها على إرضاع صبي لم يكن لها أن ترضع غيره معه. ومن آجر ظئرين فماتت واحدة، فللباقية ألا ترضع وحدها.

وكذلك الأجيران في رعاية الغنم، يموت أحدهما. وإن آجر واحدة ثم [آجر] أخرى تطوعاً، فماتت الثانية فالرضاع للأولى لازم كما كانت، وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتي بمن يرضع مع الثانية. 2944 - وإن هلك الأب فحصة باقي المدة من الأجر في مال الولد، قدمه الأب أو لم يقدمه، وترجع حصة باقي المدة [من الأجر] إن قدمه الأب ميراثاً، وليس ذلك عطية وجبت، [إذ] لو مات الصبي لم يورث عنه، وكان للأب خاصة دون أمه، ففارق معنى الضمان في الذي يقول لرجل: اعمل لفلان عملاً أو بعه سلعتك والثمن لك عليّ، فالثمن في ذمة الضامن إن مات، ولا طلب على المبتاع ولا على الذي عمل له. وإن مات الأب ولم يدع مالاً، ولم تأخذ الظئر من أجرتها شيئاً، فلها فسخ الإجارة. ولو تطوع رجل بأدائها لم تفسخ، وما وجب للظئر فيما مضى ففي ذمة الأب، ولا طلب فيه على الصبي. ولو أرضعته باقي المدة لم تتبعه بشيء، وكذلك إن قالت: أرضعه على أن أتبعه، فهي متطوعة، كمن أنفق على يتيم لا مال له، وأشهد أن يتبعه إن طرأ له مال، فذلك غير لازم له، وهو على وجه الحسبة.

ولا بأس أن يؤجر الرجل أمه أو أخته أو ذات رحم على رضاع ولده، أو يؤجر زوجته أو خادمتها على رضاع ولده من زوجة له أخرى. وأجر رضاع اللقيط، ومن لا مال له [من اليتامى] على بيت المال. 2945 - وحامل الدُّهن والطعام لا يضمن ما عثر به فاهراق أو انكسر، أو فيما ربضت به الدابة أو انقطع به الحبل، إلا أن يعلم أنه غر من عثار أو ضعف حباله، أو غرر في رباطه، أو أخرق في سوق دابته، وإن لم يعلم ذلك لم يضمن، وهو مصدق فيما ادعى من ذلك، إلا في الطعام والإدام، فلا يصدق في ذهابه إلا ببينة. ولا ضمان على من جلس يحفظ ثياب من دخل الحمام، لأنه أجير.

ولا يضمن أجير الخدمة ما كسر من آنية، أو أفسد من طحين، أو أهراق من ماء أو لبن، أو ما وطئ عليه فكسره أو خرقه إلا أن يتعدى. وقال غيره: ما وطئ ليه أو عثر عليه فهي جناية، وما سقط من يده أو عثر به لم يضمن. وللصناع منه ما عملوا حتى يقبضوا أجرهم، وهم أحق به في الموت والفَلَس. وكذلك حامل المتاع والطعام على رأسه أو دابته أو سفينته. 2946 - ولو آجرته على بناء دار فالأداة والماء والفؤوس والقفاف والدلاء على من تعارف الناس أنها عليه.

وكذلك حيثان التراب في حفر القبر، ونقش الرحا وشبهه، فإن لم تكن لهم سنة فآلة البناء على رب الدار ونقش الرحا على ربها. وإذا انهدم من حمام أو دار أو رحا ما أضر بالمكتري في السكنى، أو منعه العمل فأراد فسخ الإجارة وأبى ربها فقال: أنا أصلح، فالقول قول المكتري. ومن أجرته على بناء حائط ووصفته له فبنى نصفه ثم انهدم، فله بحساب ما بنى [من أجره، لأنك قابض لكل ما بنى] ، وليس عليه بناؤه ثانية، كان الآجر والطين [من عندك أو] من عنده. وقال غيره: هذا في عمل رجل بعينه، وعليه في المضمون تمام العمل. 2947 - وإن آجرته على حفر بئر صفتها كذا، فحفر نصفها ثم انهدمت فله بقدر ما عمل، ولو انهدمت بعد فراغها أخذ جميع الأجر، حفرها في ملكك أو في غير ملكك، إلا أن يكون بمعنى الجعل.

فإن انهدمت قبل إسلامها إليك فلا شيء له، وإسلامها إليك فراغه من حفرها. وقد قال مالك - رحمه الله - في الأجير على حفر قبر: فإن انهدم قبل فراغه فلا شيء له، وإن انهدم بعد فراغه فله الأجر. (¬1) قال ابن القاسم: وذلك فيما لا يملكه من الأرضين. ولا بأس بالإجارة على حفر بئر بموضع كذا عمقها كذا، وقد خبر الأرض، فإن لم يخبرها لم يجز، لأنه قد يسهل أعلاها ثم يظهر له حجر أو صلابة، وكذلك الإجارة على حفر فُقُر النخل إلى الماء إن خبر الأرض جاز، وإلا لم يجز. قال أبو الزناد: وعلى حافر البئر إخراج الماء. قال ربيعة: ذلك في أرض متقاربة في خروج الماء، فأما مختلفة فمزارعة أحب إليّ. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (2/246) .

2948 - ومن آجرته على حفر قبر فحفره شقاً، فقلت أنت: أردته لحداً، حملتما على سنة الناس. وإن أجرت رجلين على حفر بئر فحفرا بعضها ثم مرض أحدهما فأتمها الآخر فالأجر بينهما. ويقال للمريض: أرض الحافر من حقك، فإن أبى لم يقض عليه، والحافر متطوع له. 2949 - وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل [الفراغ] وامتنع رب العمل حُملوا على المتعارف بين الناس فيه، فإن لم تكن لهم سنة لم يقض لهم إلا بعد فراغ أعمالهم، وأما في الأكرية في دار، أو راحلة، أو في إجارة بيع السلع ونحوه فبقدر ما مضى. وليس للخياط إذا خاط نصف القميص أخذ نصف الأجرة حتى يتم، إذ لم يأخذها على ذلك.

2950 - وإن ادعى رب المتاع أن الصانع عمله له باطلاً، وقال الصانع: [بل] بأجر كذا، صدق الصانع فيما يشبه من الأجر، وإلا رد إلى إجارة مثله. وقال غيره: يحلف الصانع ويأخذ الأقل مما ادعى أو من أجر مثله. ومن ادعي على صباغ أو صانع فيما قد عمله أنه أودعه إياه، وقال الصانع: بل استعملني فيه، فالصانع مصدق، لأنهم لا يشهدون في هذا، ولو جاز هذا لذهبت أعمالهم. وقال غيره: بل الصانع مدع.

وإذا أقرّ الصانع بقبض متاع، وقال: عملته ورددته ضمن، إلا أن يقيم برده بينة، وإن ادعي على أحدهم فأنكر لم يؤخذ إلا ببينة أن المتاع قد دفع [إليه] وإلا حلف. وإذا قال الصانع: استعملتني هذا المتاع، وقال ربه: بل سُرق مني، تحالفا، ثم قيل لربه: ادفع إليه أجر عمله وخذه، فإن أبى قيل للعامل: ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه غير معمول، وهذا بقيمة عمله، لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه. وقال غيره: العامل مدع، ولا يكونان شريكين. 2951 - قال ابن القاسم: وكذلك إن ادعى أن الصانع سرقه منه، إلا أنه ههنا إن كان الصانع ممن لا يشار إليه بذلك، عوقب رب الثوب، وإلا لم يعاقب. 2952 - وإن أقمت بينة على قميص بيد رجل أنها كانت ملحفة لك لم تأخذه إلا بغرم

قيمة الخياطة، وإلا قضى بما ذكرنا في السرقة. وقاله مالك - رضي الله عنه - في يتيم باع ملحفة فتداولتها الأيدي بالبيع وقد صبغها آخرهم، فإنهم يترادّون الربح فيما بينهم، ولا شيء على اليتيم من الثمن، إلا أن يكون قائماً بيده فيرده، ويكون اليتيم والذي صبغها آخراً شريكين، هذا بقيمة الصبغ، واليتيم بقيمة الملحفة بيضاء، وبيعه للملحفة كلا بيع. وإذا قلع الحجام ضرس رجل بأجر فقال له: لم آمرك أن تقلع إلا الذي يليه، فلا شيء بله] عليه، لأنه علم به حين قلعه، وله أجره، إلا أن يصدقه الحجام فلا يكون له أجر. وقال غيره: الحجام مدع.

ومن لتّ سويقاً بسمن وقال لربه: أمرتني أن ألته لك بعشرة دراهم، وقال ربه: لم آمرك أن تلته بشيء، قيل لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له ما قال وخذ السويق ملتوتاً، فإن أبى قيل للاّت: اغرم له سويقه غير ملتوت، وإلا فأسلمه إليه بلتاته ولا شيء لك، ولا يكونان شريكين في الطعام لوجود مثله. وقال غيره: إن امتنع رب السويق أن يعطيه ما لتّه به قُضي له على اللاّت بمثل سويقه غير ملتوت. فإن قال: أمرتني أن ألته بعشرة ففعلت، فقال ربه: بل أمرتك بخمسة وبها لتَتّه، فاللات مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه سمن بعشرة، لأنه مدع عليه الضمان. وكذلك الصباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفراً وقال لربه: بذلك أمرتني،

وقال ربه: بل ما أمرتك أن تجعل فيه إلا بخمسة دراهم عصفراً، فالصباغ مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه بعشرة [دراهم] ، وإن أتى بما لا يشبه صٌدّق رب الثوب، فإن أتيا جميعاً بما لا يشبه فله أجر مثله، واللات مثله سواء. ولو قال رب الثوب: كان لي فيه صبغ متقدم، أو في السويق لتات متقدم، لم يصدق، لأنه ائتمن الذي أسلمه إليه، والقول قول الصباغ واللات مع أيمانهما، وهذا في جميع ما ذكرنا، إذا أسلم إليه السويق والثوب، وأما إن لم يسلمه إليه، ولم يغب عليه فرب السويق مصدق في قوله: أمرتك بخمسة، إذا لم يأتمنه، وهو كمبتاع يقول: لم أشتر إلا بخمسة، فالقول قوله، وإن قال أهل النظر: فيه سمن بعشرة [دراهم] ، فإن لم يدع ربه أنه تقدم له فيه سمن فاللات مصدق، وإن قال ربه: كان لي فيه لتات، فهو مصدق، إذ لم يسلمه إليه، ولو أسلمه إليه لصدق رب السمن، ولم يصدق ربه أنه تقدم له فيه لتات. 2953 - ومن آجر يتيماً في حجره ثلاث سنين، فاحتلم بعد سنة، ولم يظن ذلك به، فلا يلزمه باقي المدة إلا أن يبقى كالشهر ويسير الأيام، ولا يؤاجره وصي ولا أب بعد احتلامه، وأما إن أكرى ربعه ودوابه ورقيقه سنين ثم احتلم بعد مضي السنة، فإن كان يظن بمثله أنه لا يحتلم في تلك المدة، فعجل عليه الاحتلام وأنس منه الرشد،

فلا فسخ له ويلزمه باقيها. وقال غيره: لا يلزمه إلا فيما قل. قال ابن القاسم: وإن عقد عليه أمداً يعلم أنه يبلغ فيه، لم يلزمه في نفسه ولا فيما يملك من ربع وغيره، وكذلك الأب. وأما سفيه بالغ آجر عليه وليّ أو سلطان، ربعه أو رقيقه سنتين أو ثلاث ثم انتقل إلى حال الرشد، فذلك يلزمه، لأن الولي عقد يومئذ ما يجوز له. قال غيره: إنما يجوز للولي هذا أن يكري عليه هذه الأشياء كالسنة ونحوها، لأنه جُل كراء الناس، وإذ ترجى إفاقته كل يوم، فأما ما كثر فله فسخه. 2954 - وتجوز إجارة السمسار والجعل في شراء كثير الثياب بخلاف بيعها. ومن دفع إلى بزاز مالاً وجعل له في كل مائة ديناراً يشتري له بها بزّاً كذا وكذا جاز، وهذا جُعل.

قال ربيعة: إن كان ذلك موجوداً، فإن اشترى أخذ وإلا فلا شيء له. قال مالك - رحمه الله -: وله رد المال متى شاء، وإن ضاع بيده لم يضمن. وإن فوض إليه في شراء مائة ثوب ولم يصفها، فاشترى له ما يشبه في تجارته أو في كسوته لزمه ذلك. 2955 - ومن قال لرجل: إن جئتني، أو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله أو فلك عشرة دنانير، وسمى موضعاً [هو فيه] ، أو لم يسم ولم يعرف السيد موضعه، جاز ذلك، ولمن جاء به العشرة. وإن قال: من جاءني به فله نصفه، لم يجز، لأنه لا يدري ما دخله، وما لا يجوز بيعه فلا يجوز [أن يكون] ثمناً لإجارة أو جعل، فإن جاء به على هذا فله أجر مثله، وإن لم يأت به فلا شيء له. ومن جعل لرجل في عبدين أبقا عشرة دنانير، إن أتى بهما، لم يجز، فإن

أتاه بأحدهما فله أجر مثله في عنائه لا خمسة. وقال ابن نافع: له خمسة. وإن جعل في عبد واحد لرجل خمسة، ثم جعل لآخر عشرة فأتيا به جميعاً فالعشرة بينهما على الثلث والثلثين. وقال ابن نافع: لكل واحد منهما نصف ما جعل له. 2956 ومن قال لرجل: احصد زرعي هذا ولك نصفه، أو جذ نخلي هذه ولك نصفها، جاز، وليس له تركه، لأنها إجارة. وكذلك لقط الزيتون، وهو كبيع نصفه، وإن قال: فما حصدت أو لقطت فلك نصفه، جاز، وله الترك متى شاء، لأن هذا جعل وغيره لا يجيز هذا.

وإن قال له: احصد اليوم أو التقط اليوم، فما اجتمع فلك نصفه، فلا خير فيه، إذ لا يجوز بيع ما يحصد اليوم، ولا أجيزه ثمناً مع ضرب الأجل في الجعل، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء فيجوز. وإن قال له: انفض شجري، أو حركها فما نفضت أو سقط فلك نصفه، لم يجز، لأنه مجهول. [وإن قال له: اعصر زيتوني، أو جلجلاني، فما عصرت فلك نصفه، لم يجز، إذ لا يدري كيف يخرج، وإذ لا يقدر على الترك إذا شرع، وليس

هكذا الجعل] ، والحصاد يدعه متى شاء إذا قال: فما حصدت من شيء فلك نصفه. وأما قوله: احصده ولك نصفه، فتلك إجارة لازمة. وإن قال له: احصد [زرعي هذا] وادرسه لك ونصفه، لم يجز، لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب، وهو لا يدري كم يخرج [ولا كيف يخرج] ، ولأنك لو بعته زرعك جزافاً وفد يبس على أن عليك درسه وحصاده وذريه، لم يجز، لأنه اشترى حباً جزافاً لم يعاين جملته. ولو قال: على أن كل قفيز بدرهم، جاز، لأنه معلوم بالكيل وهو يصل إلى صفة القمح بفرك سنبله، وإن تأخر في درسه على مثل عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً، فهو قريب، وليس ذلك كحنطة في بيتك، تلك لا بد فيها من صفة أو عيان وهذا معين.

وكره مالك الجعل على الخصومة، على أنه لا يأخذ إلا بإدراك الحق. قال ابن القاسم: وإن عمل على ذلك فله أجر مثله. (¬1) وقد روي عن مالك أنه جائز. * * * ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (14/49) .

(كتاب تضمين الصناع)

(كتاب تضمين الصناع) 2957 - قال ابن القاسم: ومن دفع غزلاً إلى حائك لينسجه سبعة في ثمانية، فنسجه ستة في سبعة فله أخذه، وللحائك أجره كله. وقال غيره: بل بحساب ما عمل. قال ابن القاسم: وإن شاء تركه وضمن الصانع قيمة الغزل، لأن من

استهلك لرجل غزلاً أو ثوباً فعليه قيمته. وقال غيره: يضمن في الغزل مثله، لأنه مما يوزن. 2958 - وإذا احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض، وليس لربه أن يُغرّم الصانع قيمة الثوب مفروغاً ويعطيه أجره. 2959 - وإذا دعاك الصانع إلى أخذ الثوب وقد فرغ منه ولم تأخذه، فهو له ضامن حتى يصل إليك. 2960 - وإذا أفسد الخياط القميص في قطعه فساداً يسيراً فعليه قيمة ما أفسد، وإن كان كثيراً ضمن قيمة الثوب كله يوم قبضه وكان له. وقد قضى الخلفاء بتضمين الصناع وهو صلاح للعامة. ويضمن القصار ما أفسد أجيره ولا شيء على الأجير، إلا أن يتعدى أو يفرط.

2961 - وإذا احترق الخبز فإن لم يفرط صاحب الفرن ولا غر من نفسه لم يضمن، لغلبة النار، فإن غر أو فرط ضمن. (¬1) 2962 - وإذا أخطأ الصباغ فصبغ غير ما أمر به فلك أن تعطيه قيمة الصبغ وتأخذ ثوبك، أو تضمنه قيمته يوم قبضه. وإذا أخطأ القصار فدفع ثوبك بعدما قصره إلى غيرك، فقطعه وخاطه ودفع إليك ثوباً غيره، فإن لك أن ترده [ثم لك أن] تضمن القصار [ثوبك] أو تأخذه مخيطاً بعد دفع أجر الخياطة للذي خاطه، نقصه ذلك أو زاده، ثم لا شيء لك على القصار. 2963 - وليس لك تضمين القاطع ولا أن تأخذ منه الثوب مع ما نقصه القطع، إذ لم يتعد، ولا لك أخذ الثوب بغير غرم أجر الخياطة، ولك أخذ ما خاطه الغاصب بغير غرم أجر الخياطة لتعديه. 2964 - ومن اشترى ثوباً فغلط البائع فدفع إليه غيره، فقطعه قميصاً ولم يخطه، فللبائع أخذه مقطوعاً، وليس القطع بزيادة من الذي قطعه ولا نقصان، فإن خاطه المبتاع لم يأخذه البائع حتى يدفع قيمة الخياطة للمبتاع إذ لم يتعد. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/389) ، ومواهب الجليل (5/429) .

وإن سألت خياطاً قياس ثوب، فزعم أنه يقطع قميصاً فابتعته لقوله فلم يقطع قميصاً فقد لزمك، ولا شيء لك عليه ولا على البائع. وكذلك الصيرفي يقول في درهم تريه إياه: إنه جيد، فيلفى رديئاً، فإن غرا من أنفسهما عوقبا ولم يغرما. 2965 - وما قامت [فيه] بينة أنه ضاع، أو سرق، أو أنه احترق بمعاينة بينة بغير سبب الصانع لم يضمنه. ويغرم القصار قرض الفأر، إذ لا يعرف أنه قرض فأر، ولو علم أن الفأر قرضه من غير تضييع وقامت [بذلك] بينة، لم يضمن. 2966 - ولو مرّ حطّاب بثوب على حبل الصباغ فخرقه ضمن، ولم يضمن الصباغ وإن كان المار معدماً، لأن هذا مما ظهر بغير سبب الصباغ، لأن له أن ينشر الثياب، فلما نشره في الطريق لم يكن لهذا أن يخرقه [لأنه] كاصطدام الأحمال في الطريق.

وكذلك لو أوقف دابة محملة في الطريق، فصدمها رجل فكسر ما عليها أو قتلها لضمن، أو وضع قلالاً في الطريق فعثر عليها رجل فكسرها ضمن. 2967 - وما عمله الصناع في بيتك لم يضمنوه إن ضاع. وكذلك كل ما لم تسلمه إليهم، إلا أن يتعدوا. وكذلك رب الحنطة يصحب الكرى فتضيع فلا يضمن الحمال. وإذا صبغ الصباغ الثوب أحمر أو أسود، وقال لربه: بذلك أمرتني، وقال ربه: أمرتك بأخضر، فالصباغ مصدق، إلا أن يصبغ صبغاً لا يشبه مثله. 2968 - وإذا صاغ الصائغ سوارين، فقال ربهما: أمرتك بخلخالين، فالصائغ مصدق. 2970 - وإذا أقر جميع الصناع بقبض متاع، وزعموا أنه ضاع، أو ردوه إلى ربه فعليهم البينة بذلك، وإلا ضمنوا، عملوه بأجر أو بغير أجر، قبضوه ببينة أو بغير بينة.

2971 - وإذا اختلف المتبايعان في [قلة] الثمن وكثرته، والسلعة بيد البائع أو بيد المبتاع، وقد غاب عليها، إلا أنها لم تتغير في بدن ولا سوق، أحلف البائع أولاً أنه ما باع إلا بكذا، ثم خيّر المبتاع في أخذها بذلك، أو يحلف أنه ما ابتاع إلا بكذا ثم يترادّان المبيع. فإن فاتت بيد المبتاع بتغير سوق فأعلى صدق مع يمينه، إذا أتى بما يشبه. وثبت مالك على هذا. 2972 - وإن مات المتبايعات فورثتهما في الفوت وغيره مكانهما، إن ادعوا معرفة الثمن. وإن تجاهل ورثتهما الثمن وتصادقا على البيع حلف ورثة المبتاع أنهم لا يعلمون بما ابتاعها به أبوهم، ثم يحلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون بم باعه [به] أبوهم، ثم ترد، فإن فاتت بما ذكرنا لزمت ورثة المبتاع بقيمتها في ماله. وإن ادعى معرفة الثمن ورثة أحدهما، وجهله ورثة الآخر، حلف من ادعى معرفته، وصُدّق إن أشبه ذلك ثمن السلعة، وإن اتفق المتبايعان في الثمن واختلفا في الأجل، فقال البائع: بعتها حالّة، [أو إلى شهر] ، وقال المبتاع: بل إلى شهرين، فإن لم تفت حلفا

وردت، وإن فاتت بيد المبتاع، فأما في قول البائع: بعتها إلى شهر، فالمبتاع مصدق مع يمينه، لأن البائع أقرّ بالأجل وادعى حلوله، وأما في قول البائع بعتها حالّة فيصير المبتاع مدعياً للأجل. وروى ابن وهب عن مالك في الوجهين [جميعاً] أن السلعة إن لم يقبضها المبتاع صدق البائع مع يمينه [إن ادعى ما يشبه] ، [وإن قبضها المبتاع صدق مع يمينه] [إن ادعى ما يشبه] . وإن تصادقا أن الأجل شهر، فادعى البائع حلوله وأنكر المبتاع، حُلّف المبتاع وصُدّق، وكذلك رب الدار والأجير يدعي تمام أجل الكراء، فهو مدع، إلا أن يقيم بينة فيقضى بها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الفواكه الدواني (2/85) ، ومواهب الجليل (4/462) ، والمدونة (10/302) ، والتمهيد (24/299) .

2973 - وإذا قال الرسول: دفعت المال إلى المبعوث إليه، أو قال الوصي: دفعت المال إلى الأيتام، فهو ضامن إن كذبوه، إلا أن يقيم بينة [فيقضى بها] . 2974 - ومن فتح في جداره كوة أو باباً يضر بجاره في التشرف منه عليه، مُنع، وأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه، وفيه مضرة على جاره، لا يمنع منه. 2975 - ومن كفل يتيماً فأنفق عليه، ولليتيم مال، فله أن يرجع بما أنفق عليه في مال اليتيم، أشهد أو لم يشهد، إذا قال: إنما أنفقت عليه لأرجع في ماله. والنفقة على اللقيط احتساب، فإن لم يجد الإمام من يحتسب فيه أنفق عليه من بيت المال، ولا يتبع اللقيط بشيء مما أنفق عليه. وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم. ولو قال من في حجره يتيم عديم: أنا أنفق عليه فإن أفاد مالاً أخذته منه وإلا فهو في حل، فذلك باطل، ولا يتبع اليتيم بشيء، إلا أن يكون له أموال عروض فيُسلفه حتى يبيع عروضه، فذلك له، وإن قصر ذلك المال عما أسلفه لم يتبعه بالنايف، وكذلك اللقيط.

2976 - ومن التقط لقيطاً فأنفق عليه فأتى رجل فأقام بينة أنه ابنه، فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الأب موسراً في حين النفقة، لأنه ممن تلزمه نفقته، [هذا] إن تعمد الأب طرحه، وإن لم يكن الأب هو الذي طرحه فلا شيء عليه. قال مالك - رحمه الله - في صبي صغير ضل من والده، فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشيء، وكذلك اللقيط، لأن النفقة عليه على وجه الحسبة. 2977 - ومن أنفق على ولد غائب وهم صغار بغير أمره، أو أنفقت زوجته على نفسها في غيبته [بغير أمره] ثم قدم، فلهما أن يرجعا عليه بما انفقا إن كان موسراً في غيبته، وإلا فلا. ولو غاب وهو موسر فأمر الإمام رجلاً [بالنفقة] على ولده الصغير لزمه ذلك. وكذلك لو أنفق هو عليه بغير أمر الإمام على وجه السلف [له] لأتبعه بذلك إذا حلف أن ذلك منه بمعنى السلف، وكانت له على النفقة بينة، وإن كان الأب معسراً في ذلك لم يتبع بشيء، ولو أيسر بعد عسره فمات لم يتبع بشيء.

2978 - ومن التقط لقيطاً فكابره عليه رجل فنزعه منه فرفعه إلى الإمام، نظر الإمام للصبي فأيهم كان أقوى على مؤنته وكفالته وكان مأموناً، دفعه إليه. قيل لابن القاسم: فمن التقط لقيطاً في مدينة الإسلام، أو في قرية للشرك في أرض، أو كنيسة، أو بيعة وعليه زي أهل الذمة أو المسلمين؟ قال: إن التقطه في قرى المسلمين ومواضعهم فهو مسلم، وإن كان في قرى الشرك وأهل الذمة ومواضعهم فهو مشرك، فإن وجد في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين فهو للنصارى ولا يعرض له، إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه. 2979 - ومن وهب لرجل لحم شاة ولآخر جلدها، فغفل عنها [حتى] نتجت فالنتاج لصاحب اللحم وعليه مثل الجلد أو قيمته لصاحب الجلد، وليس لصاحب الجلد قيمة جلد الولد ولا مثله. ولو هلكت الشاة لم يكن له في الولد شيء وكذلك الناقة، ولصاحب اللحم أن يستحيي الشاة ويغرم لصاحب الجلد مثله أو قيمته. 2980 - قال مالك - رحمه الله -: ومن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره، ثم ضاع من الجملة دينار فهما فيه شريكان، صاحب الدينار بجزء من مائة وجزء، وصاحب المائة

دينار بمائة جزء من مائة وجزء. وقال ابن أبي سلمة وابن القاسم: لصاحب المائة الدينار تسعة وتسعون، ويقسمان الدينار الباقي نصفين. 2981 - ومن انفلت له باز فلم يقدر على أخذه حتى استوحش فهو لمن وجده. (¬1) وإن هربت النحل ولحقت مكانها بالجبال، فإن كان أصل النحل عند أهل المعرفة [بها] وحشية، فهي بمنزلة ما وصفنا من الوحش. وإذا خرجت النحل من جبح هذا إلى جبح هذا، فإن علم ذلك وقدر ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/211) ، ومواهب الجليل (5/253) .

على ردها إلى صاحبها ردها، وإلا فهي لمن ثبتت في أجباحه. وكذلك حمام الأبرجة. 2982 - ولا يحكم الإمام بين أهل الذمة في تعاملهم بالربا وشبهه، ولكن من امتنع منهم من دفع ثمن أو مثمون في البيع حُكم بينهم فيه، لأن هذا من التظالم. ولا يعرض لهم فيما يجري بينهم من فساد بيع أو سلف، إلا أن يتحاكموا إليه، فيكون الإمام مخيراً، إن شاء حكم أو ترك. قال مالك: وترك الحكم بينهم في ذلك أحبّ إلي، فإن حكم بينهم يحكم بحكم الإسلام، والذين حكم النبي ÷ فيهم بالرجم لم يكونوا أهل ذمة.

2983 - وإن وقع رطل من زيت في زق زنبق لرجل، فلك عليه رطل من زيت، فإن أبى أخذت رطلك الذي وقع في الزنبق من الزنبق. قال سحنون: الزيت قد أعاب الزنبق لا محالة ويُسأل عن الزنبق، فإن كان قد أعاب الزيت كانا شريكين في ثمنه، هذا بقيمة زنبقه معيباً وهذا بقيمة زيته معيباً. وإن كان الزنبق لا يضر الزيت ولا يعيبه ضرب بقيمة الزيت غير معيب، كالشعير يختلط بالقمح من غير عداء من أربابه، فالقمح لم يعب الشعير، والشعير هو الذي أعاب القمح، فيباع ذلك ويشتركان في ثمنه، هذا بقيمة شعير غير معيب، وهذا بقيمة قمحه معيباً. 2984 - قال مالك - رحمه الله -: ومن اعترفت من يده دابة وقضي عليه، فله وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها إلى بلد البائع منه لتشهد لبينة على عينها. وكذلك في العروض أو العبد أو الأمة، إلا أنه في الأمة إن كان أميناً دفعت إليه، وإلا فعليه أن يستأجر معه أميناً.

قال مالك - رحمه الله -: ويطبع في أعناقهم، ولم يزل ذلك من أمر الناس، فإن رجع بذلك، وقد أصابه في الحيوان أو في الرقيق عور، أو كسر، أو عجف فهو لها ضامن، ولا يضمن إن نقص سوق ذلك كله، وله رده وأخذ القيمة التي وضع. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (5/131) .

(كتاب المساقاة)

(كتاب المساقاة) 2985 -[قال مالك - رحمه الله -:] ولا بأس بالمساقاة على أن للعامل جميع الثمرة كالربح في القراض. ولا بأس بمساقاة النخل، وفيها ما لا يحتاج إلى سقي قبل طيبه. وتجوز المساقاة على النصف والثلث والربع وأقل من ذلك أو أكثر. 2986 - وقد ساقى رسول الله ÷ يهود خيبر على شطر ما أخرجت من ثمر أو حب. (¬1) قال مالك - رحمه الله -: وكان بياض خيبر يسيراً بين أضعاف السواد. قال: ¬

(¬1) رواه البخاري (2203) ، ومسلم (1551) .

وبذلك قضى أهل العلم أن البياض إذا كان يسيراً، سوقيت بالجزء مما يخرج منها، وإن كان هو الأكثر أكريت بالذهب والورق. (¬1) 2987 - ولا بأس بمساقاة حائط ببلد بعيد إذا وصف كالبيع، نفقة العامل في خروجه إليه عليه، بخلاف القراض، وهذه سنة المساقاة. 2988 - وما كان في الحوائط يوم عقد المساقاة من رقيق أو دواب لربه، فللعامل اشتراطهم، ولا ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع ذلك منه، فيصير كزيادة شرطها، إلا أن يكون قد نزعهم قبل ذلك، وما لم يكن في الحائط يوم العقد، فلا ينبغي أن يشترطه العامل على رب الحائط، إلا بما قَلّ كغلام أو دابة في حائط كبير، ولا يجوز ذلك في صغير. (¬2) ورب حائط تكفيه دابة واحدة لصغره، فيصير في هذا يشرط جميع العمل على ربه، فلا يجوز، وإنما يجوز اشتراط ما قل فيما كثر. 2989 - ولا يجوز للعامل أن يشترط على رب المال دواباً أو رقيقاً ليسوا في الحائط، ولا خلف ما أدخل العامل فيه. وأما ما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب ورقيق، فخلف ما مات منهم على ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/379) . (¬2) انظر: التقييد (5/133) .

رب الحائط، وإن لم يشترط العامل ذلك عليه، إذ عليهم عمل العامل، ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز. 2990 - ولو شرط رب المال إخراج رقيقه ودوابه منه، أو اشتراطهم العامل على ربه وليسوا فيه لم يجز، فإن نزل ذلك فللعامل أجر مثله والثمرة لربها، ولا يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط بنفسه، فإن نزل ذلك فله مساقاة مثله، لأن مالكاً أجاز أن يشترط عليه دابة أو غلاماً، إذا كان لا يزول، وإن مات أخلفه له رب الحائط. 2991 - ووجه العمل في المساقاة أن جميع العمل والنفقة وجميع المؤونة على العامل، وإن لم يشترط ذلك عليه، وعليه نفقة نفسه ونفقة دواب الحائط ورقيقه، كانوا له أو لرب الحائط، [ولا يجوز أن يشترط نفقته أو نفقة العامل نفسه على رب الحائط] . قال ربيعة: ولا بينهما، ولا يكون شيء من النفقة في ثمرة الحائط، ولا أرى للعامل أن يأكل من الثمرة شيئاً. 2992 - والجذاذ والحصاد والدراس على العامل. وقال في الزيتون: إن شرطا قسمه حباً جاز، وإن شرطا عصره على العامل جاز ذلك.

وإن اشترط العامل على رب النخل صرام النخل لم ينبغ ذلك، لأن مالكاً قد جعل الجذاذ مما يشترط على العامل، ولا بأس باشتراط التلقيح على رب المال، فإن لم يشترط فهو على العامل. 2993 - وتجوز مساقاة ما لم يزه من ثمر نخل أو شجر، كما تجوز لو لم تظهر الثمرة، وإذا أزهى بعض الحائط لم تجز مساقاة جميعه لجواز بيعه. 2994 - وإن عجز العامل وقد حل بيع الثمرة لم يجز أن يساقي غيره، ويستأجر من يعمل له، فإن لم يجد إلا أن يبيع نصيبه، ويؤجر به فعل. فإن كان فيه فضل فله، وإن نقص كان [ذلك] في ذمته، إلا أن يرضى رب الحائط أخذه ويعفيه [من العمل] ، فذلك له. ولمن سوقي في أصل أو زرع مساقاة غيره في مثل أمانته، وإن ساقى غير أمين ضمن.

قال ابن أبي سلمة: المساقاة بالذهب والورق كبيع ما لم يبد صلاحه. ولا يجوز أن يربح في المساقاة إلا [ثمراً] مثل أن يأخذ على النصف ويُعطي على الثلث، أو [يأخذه على النصف ويعطي] على الثلثين، فيربح السدس أو يربح عليه. 2995 - قال ابن القاسم: وإن شرطا أن لأحدهما مكيلة من الثمر معلومة وما بقي بينهما، لم يجز، ويكون للعامل أجر مثله، أثمرت النخل أم لا، وما كان من ثمر فهو لرب الحائط. وإن شرطا أن للعامل ثمر نخلة معلومة وما بقي بينهما، أو على أن لرب الحائط نصف البرني، وباقي الحائط للعامل لم يجز، لأنه خطر. ولو شرط العامل أن يخرج نفقته من ثمرة الحائط ثم يقتسمان ما بقي لم يجز. ومن طابت ثمرة نخله فساقاه هذه السنة، وسنتين بعدها لم يجز، وفسخ. 2996 - وإن جذ العامل الثمرة كان له أجره، وما أنفق فيها، وإن عمل بعد جذاذه الثمرة لم تفسخ بقية المساقاة، وله استكمال الحولين الباقيين، وله فيهما مساقاة مثله،

ولا أفسخها بعد تمام الحول الثاني، إذ قد تقل ثمرة العام الثاني، وتكثر في الثالث فأظلمه، وذا كأخذ العروض قراضاً إن أدرك بعد بيعه وقبل أن يُعمل فُسخ، وله أجر بيعه، وإن عمل فله قراض مثله وله أجر بيعه. 2997 - وإذا اشترط رب الحائط على العامل بناء حائط حول النخل، أو تزريعها، أو حفر بئر لسقيها أو لسقي زرع، أو إخراق مجرى العين إليها، لم يجز، ويكون أجيراً إذا كان ما ازداد ربه من ذلك يكفيه به مؤونة ليست بيسيرة. 2998 - وإنما يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل ما تقل مؤونته، مثل: سَرْو الشرب: وهو تنقية ما حول النخل من منافع، وخم العين: وهو كنسها، وقطع الجريد، وإبار النخل: وهو تذكيرها وسد الحظار، واليسير من إصلاح الظفيرة ونحوها مما تقل مؤونته فيجوز اشتراطه على العامل، وإلا لم يجز. (¬1) وأجاز مالك لمن انهارت بئره دفع حائطه مساقاة إلى جاره، يسوق ماءه إليه للضرورة. قال ابن القاسم: ولولا أنه أجازه لكرهته. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/11) ، ومواهب الجليل (5/382) .

وإذا اشترط أن يسقي العامل النخل بمائة، ويصرف رب النخل ماءه حيث شاء، لم يجز للزيادة المشترطة، كاشتراط زيادة دينار واحد، وقد يساوي الماء مالاً عظيماً. 2999 - ولا بأس أن يشترطا الزكاة في حظ أحدهما، لأنه يرجع إلى جزء معلوم ساقى عليه، فإن لم يشترطا شيئاً فشأن الزكاة أن يبدأ بها، ثم يقتسمان ما بقي. 3000 - والشأن في المساقاة إلى الجذاذ، ولا تجوز شهراً أو سنة محدودة، وهي إلى الجذاذ، إذ لم يؤجّلا، وإن كانت تطعم في العام [الواحد] مرتين فهي إلى الجذاذ الأول، حتى يشترط الثاني، ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جداً. قيل: فعشرة؟ قال: لا أدري تحديد عشرة ولا ثلاثين ولا خمسين. 3001 - ومن أعطى رجلاً أرضاً يغرسها شجراً كذا ويقوم عليها حتى إذا بلغت الشجرة

كانت بيده مساقاة سنين سماها لم يجز، لأنه خطر، ولا يجوز مساقاة نخل أو شجر لم يبلغ حد الإطعام خمس سنين، وهي تبلغه إلى حولين. 3002 - ومن ساقى رجلاً ثلاث سنين فليس لأحدهما المتاركة حتى ينقضي [الأجل] ، لأن المساقاة تلزم بالعقد وإن لم يعمل، وليس لأحدهما الترك إلا أن يتتاركا [جميعاً] ، بغير شيء يأخذه أحدهما من الآخر، فيجوز، وليس هذا بيع ثمر لم يبد صلاحه، إذ للعامل أن يساقي غيره، فرب الحائط كأجنبي إذا تاركه. (¬1) 3003 - وإذا عجز العامل عن السقي قيل له: ساقِ من شئت أميناً، فإن لم يجد أسلم الحائط إلى ربه ثم لا شيء له ولا عليه، لأنه لو ساقاه إياه جاز كجوازه لأجنبي، ولو اجتمعا على بيع التمر قبل زهوه، أو الزرع قبل طيبه ممن يجذ أو يحصد ذلك مكان جاز ذلك، وما أرى فيه مغمزاً، وما سمعت فيه شيئاً. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/104) ، ومواهب الجليل (5/382) .

3004 - ومن ساقيته حائطك، أو أكريته دارك، ثم ألفيته سارقاً لم يفسخ لذلك مساقاة ولا كراء وليتحفظ منه. (¬1) وكذلك من باع من رجل سلعة إلى أجل وهو مفلس، ولم يعلم بذلك البائع، فقد لزمه البيع. 3005 - ومن ساقيته حائطك لم يجز أن يقيلك على شيء تعطيه إياه، كان قد شرع في العمل أم لا، لأنه غرر، إن أثمرت النخل فهو بيع الثمرة قبل زهوها، وإن لم تثمر فهو أكل المال بالباطل. 3006 - وما كان [من] سواقط النخل، أو ما يسقط من بلح أو غيره، والجريد والليف وتبن الزرع فبينهما على ما شرطا من الأجزاء. 3007 - وإذا اختلفا في المساقاة فالقول قول العامل فيما يشبه. وإذا ادعى أحدهما فساداً فالقول قول مدعي الصحة. فإن وكلت رجلاً على دفع نخلك مساقاة فقال: دفعتها إلى هذا [الرجل] ، فصدقه الرجل وأكذبته أنت فالقول قوله، كوكيل البيع يقول: بعت، وأنت تنفي أن يكون باع، بخلاف الرسول يقول: دفعت المال، والمبعوث إليه يكذبه. وهذا لم يكذبه المبتاع، فإن لم يقم الرسول البينة بالدفع ضمن. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/387) .

3008 - ولا يجوز أن تدفع إلى رجل حائطين مساقاة أحدهما على النصف، والآخر على الثلث في صفقة [واحدة] ، وهو خطر في أن يثمر أحد الحائطين دون الآخر. ولا بأس أن يكونا على جزء واحد، وإن كان أحدهما أفضل من الآخر مما لو أفرد لسوقي هذا على الثلث وهذا على الثلثين. وقد كان في خيبر الجيد والرديء حين ساقاها النبي ÷ كلها على الشطر. ومن ساقى رجلاً نخلاً على النصف، وزرعاً على الثلث لم يجز، حتى يكونا على جزء واحد جميعاً ويعجز عن الزرع ربه، وإن كانا في ناحيتين وذلك كحائطين متفرقين. 3009 - ولا يجوز أن يساقيه حائطاً على أن يعمل له في حائط آخر بغير شيء، والنخل بين الرجلين لا بأس أن يسقيها أحدهما الآخر.

3010 - ويجوز للوصي دفع حائط الأيتام مساقاة، لأن بيعه وشراءه لهم جائز. وللمأذون له دفع المساقاة أو أخذها. 3011 - وللمديان دفع المساقاة ككرائه لأرضه وداره، ثم ليس لغرمائه فسخ ذلك، [ولو ساقى أو أكر بعد قيامهم فلهم فسخ ذلك] . 3012 - وللمريض أن يساقي نخله كما يجوز بيعه، إلا أن يحابي فيه فيكون ذلك في ثلثه. ويجوز للرجلين أن يأخذا حائطاً مساقاة من رجل، وكذلك حائط لقوم يجوز أن يساقوه لجماعة أيضاً. 3013 - وإذا مات العامل في النخل قيل لورثته: اعملوا كعمله، فإن أبوا لزم ذلك في ماله، وإن كانوا غير مأمونين لم يأخذوه وأتوا بأمين. وإن مات رب المال أو العامل لم تنتقض المساقاة بموت واحد منهما. وليس للعامل أن يعري من الحائط، إذ ليس له نخلة معينة، إلا أن يعريه حظه من نخلات معينات فيجوز.

3013 - ولا بأس بمساقاة شجر البعل التي على غير ماء، لأنها تحتاج إلى عمل ومَؤُونة كشجر إفريقية والشام. قيل: فزرع البعل كزرع إفريقية ومصر وهو لا يسقى؟ قال: إن احتاج من المؤنة إلى ما يحتاج إليه شجر البعل، ويخاف هلاكه إن ترك جازت مساقاته، وإن كان لا مؤونة فيه إلا حفظه [وحصاده] ودراسه لم يجز، وتصير إجارة فاسدة، وليس زرع البعل كشجره، وإنما تجوز مساقاة زرعه على الضرورة والخوف عليه، ولا بأس بمساقاة نخلة أو نخلتين، أو شجرة أو شجرتين. 3014 - وكره مالك أخذك من نصراني مساقاة أو قراضاً، ولست أراه حراماً. ولا بأس أن تدفع نخلك إلى نصراني مساقاة إن أمنت أن يعصره خمراً. 3015 - وإن فلس رب الحائط لم تفسخ المساقاة، كان قد عمل العامل أم لا، ويقال للغرماء: بيعوا الحائط على أن هذا مساقى فيه. قيل: لم أجزته؟ ولو أن رجلاً باع حائطه واستثنى ثمرته لم يجز؟ قال: هذا وجه الشأن فيه.

وذكر أجير السقي والصباغ والأكرية في كتاب التفليس. 3016 - ومن أخذ نخلاً مساقاة وفيها بياض يسير، على أن يزرعه العامل ببذره، أو ببذر ربه، ويعمل فيه العامل على أن ما أنبتت فلرب النخل، لم يجز، كزيادة يسيرة تشترط على العامل. ولا يجوز أن يشترط فيه نصف البذر على رب الحائط، أو حرث البياض فقط، وإن جعلا الزرع بينهما. وإن كان على أن يزرعه العامل من عنده ويعمله، وما أنبتت [الأرض] فبينهما فجائز. 3017 - قال مالك - رحمه الله -: وأحب إلي أن يلغى البياض فيكون للعامل، وهذا أَحَلُّه. وإن ساقاه زرعاً فيه بياض، وهو تبع له، جاز أن يشترط العامل ليزرعه لنفسه خاصة، كبياض النخل، ولو كان في الورع شجر متفرقة هي تبع له، جاز أن

تشترط على ما اشترطا في الزرع، ولا ينبغي أيشترطها العامل لفسه وإن قلّت، بخلاف البياض. ولا يجوز على أن ثمرتها لأحدهما دون الآخر، وإنما يجوز على أن ثمرتها بينهما على ما شرطا في الزرع. 3018 - ومن أخذ نخلاً مساقاة خمس سنين، وفيها بياض تبع لها على أن يكون البياض أول سنة للعامل يزرعه لنفسه، ثم يعود لرب الحائط يزرعه لنفسه باقي السنين، لم يجز، لأنه خطر. ومن أخذ حائطين مساقاة على النصف، على أن يعمل أول سنة فيهما ثم يرد أحدهما في العام الثاني ويعمل في الآخر لم يجز، لأنه خطر. 3019 - ولا تجوز مساقاة الزرع إلا أن يعجز عنه ربه، وإن كان له ما يسقيه به، لأنه قد يعجز ربه عن الدواب والأجراء، وكذلك إن كان ماؤه سيحاً، فعجز عن الأجراء، وإنما تجوز مساقاته إذا استقل من الأرض، وإن أسبل إذا احتاج إلى الماء وإن تُرك مات، وأما بعد جواز بيعه فلا تجوز مساقاته. والمساقاة في كل ذي أصل من الشجر جائزة ما لم يحل بيع ثمرها [فلا تجوز مساقاته] .

ولا بأس بمساقاة الورد والياسمين والقطن. وأما المقاثي والبصل وقصب السكر، فكالزرع يساقى إن عجز عنه ربه. وإذا حلّ بيع المقاثي لم يجز مساقاتها، وإن عجز عنها أيضاً. وكذلك كل ما حل بيعه، وإنما تجوز مساقاتها قبل أن يحل بيعها. 3020 - ولا تجوز مساقاة القصب، لأنه يسقى بعد جواز بيعه، وكذلك القرظ والبقل والموز، وإن عجز عن ذلك ربه، لأن ذلك كله بطن بعد بطن، وجزة بعد جزة، وليس كثمرة ذات أصل تجتنى في مرة، ويتفاوت طيبها، ولكن من شاء اشترى ذلك واشترط خلفته على ما يجوز. 3021 - ولا بأس بمساقاة نخل تطعم في السنة مرتين، كما تجوز مساقاة عامين، وليس ذلك مثل ما كرهنا من مساقاة القصب، لأن القصب يحل بيعه، وبيع ما يأتي بعده. والشجر لا تباع ثمرتها قبل أن تزهي. 3021 - ولا تجوز مساقاة شجر الموز، وإن عجز عنها ربها، وإن لم يكن فيها ثمرة.

ولا بأس بشراء الموز في شجره إذا حل بيعه، ويستثني من بطونه خمسة أو عشرة بطون، أو ما تطعم هذه السنة، أو سنة ونصف، وذلك معروف والقصب مثله. وأصل قولهم في المساقاة أن كل ما يجزّ أصله فيخلف لا تجوز مساقاته، وكل ما تجنى ثمرته ولا يخلف وأصله ثابت أو غير ثابت فمساقاته جائزة. * * *

(كتاب الجوائح)

(كتاب الجوائح) 3022 - وما بيع مما يطعم بطوناً كالمقاثي والورد والياسمين وشبه ذلك، أو من الثمار مما لا يخرص ولا يدخر، وهو مما يطعم في كره إلا أن طيبه يتفاوت، ولا يحبس أوله على آخره، كالتفاح والأترج والخوخ [والتين] والموز ونحو ذلك، فإن أجيح شيء من ذلك نظر، فإن كان ما أصابت منه الجائحة قد ثلث الثمرة في النبات فأكثر، في أول مجناه أو في وسطه أو في آخره، حطّ من الثمن قدر قيمته في زمانه من قيمة باقيه، كان في القيمة أقل من الثلث أو أكثر. (¬1) وإن كان المجاح من الجميع أقل من الثلث في كيل، أو وزن، لا في القيمة، فلا توضع فيه جائحة، نافت قيمته على الثلث أو نقصت، مثل أن يبتاع مقثاة بمائة درهم فأجيح بطن منها، ثم جنى بطنين، فإن كان المجاح مما لم يجح قدر ثلث النبات بعد معرفة ناجية النبات، وضع عنه قدره، وقيل: ما قيمة المجاح في زمانه؟ فإن قيل: ثلاثون، والبطن الثاني عشرون، والثالث عشرة ¬

(¬1) انظر: المدونة (12/25) ، ومواهب الجليل (4/505) ، وشرح حدود ابن عرفة (ص401) .

[في زمانيهما] لغلاء أوله وإن قل، ورخص آخره وإن كثر فيرجع بنصف الثمن، وكذلك لو كان المجاح تسعة أعشار القيمة لرجع بمثله من الثمن، وإن كان أقل من الثلث في النبات لم يوضع فيه شيء، وإن كانت قيمته تسعة أعشار الصفقة، وكذلك فيما يتفاوت طيبه مما ليس بطناً بعد بطن. وراعى أشهب في وضع الجائحة القيمة فيما بلغ عنده في القيمة الثلث فأكثر، وضع عنه حصته من الثمن وإن نقص من الثلث في النبات، ولا يوضع ما نقص عن ثلث القيمة وإن جاوز الثلث في النبات. قال: لأنها حينئذ ليست مصيبة عليه. وما كان بطناً واحداً فثلث الثمرة بثلث الثمن، إذا كانت الثمرة صنفاً واحداً لا تقويم في ذلك. 3023 - قال ابن القاسم: وأما ما بيع من الثمر مما ييبس ويدخر ويترك حتى يجذ جميعه، مما يخرص أم لا، كالعنب والنخل والزيتون واللوز والفستق والجوز وما أشبه ذلك، فأصابت الجائحة قدر ثلث الثمرة فأكثر، في كيل أو مقدار لا في القيمة، وضع عن المبتاع قدر ذلك من الثمن، فإن أجيح أقل من ثلث الثمرة في المقدار لم يوضع عنه لذلك شيء، ولا تقويم في هذه الأشياء، لأن لمبتاعها تعجيل جذها وتأخيره حتى تيبس. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (5/5) .

وأما التفاح [والرمان] والخوخ والأترج والموز والمقاثي وشبهها، فإنما تشترى على طيب بعضه بعد بعض، ولو ترك أوله حتى يطيب آخره كان فساداً لأوله. وإن كان في الحائط أصناف من التمر، برني وصيحاني وعجوة وشقيم وغيره، فأجيح أحدهما، فإن كان قدر الثلث في الكيل من الأصناف، وضع من الثمن قدر قيمته من جميعها، ناف على ثلث الثمن أو نقص. وأصل قول مالك - رحمه الله -[في هذا] أن ينظر، فكل ما يقدر على ترك أوله على آخره ولا يكون فساداً حتى ييبس، فهو بمنزلة النخل والعنب، وكل ما لا يستطاع ترك أوله على آخره حتى ييبس في شجره، فهو كالمقاثي. 3024 - وإن اشترى أول جزة من الفصيل فأجيح ثلثها، فثلث الثمن موضوع بغير قيمة. ولو شاء فصله يوم الشراء وقد أدرك جميعه، ولو اشترط خلفته كان

كالمقاثي، إن أجيح قدر الثلث من أوله أو من خلفته، على ما ذكرنا في التقويم. وهكذا يحسب فيمن اكترى أرضاً سنين، فتعطش منها سنة، أو ربعاً [كدور مكة] ، فتخرب في بعض السنين إن كانت السنون تختلف قيمتها في الكراء. قيل: فالتين أيضاً [أليس] مما يطعم بعضه بعد بعض، وهو مما يدخر فييبس، فكيف يعرف شأنه؟ قال: يُسأل عنه أهل المعرفة. ومن اشترى مقثاة وفيها بطيخ وقثاء فأجيح أول بطن منها، فإن كانت قدر الثلث فأكثر من باقي البطون فكما ذكرنا. 3025 - وأما جائحة البقول كالسلق والبصل والفجل والجزر والكراث وغيره، فيوضع قليل ما أجيح فيه وكثيره.

وروى علي بن زياد وابن أشرس عن مالك: أنها لا توضع جائحة البقول حتى تبلغ الثلث. 3026 - ومن ابتاع فولاً أخضر أو قطنية على أن يقطعها خضراء، فذلك جائز، وتوضع فيه الجائحة إن بلغت الثلث وضع عنه ثلث الثمن، ولا يجوز اشتراط تأخيره حتى ييبس. ولا توضع في القصب الحلو جائحة، إذ لا يجوز بيعه حتى يطيب ويمكن قطعه وليس ببطون. (¬1) قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: توضع جائحة القصب الحلو، وهو أحسن. 3027 - وكل ما لا يباع إلا بعد يبسه من الحبوب، من قمح، أو شعير، أو قطنية وشبهها ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (5/283) .

من [الحبوب] ، أو سمسم، أو حب فجل الزيت، فلا جائحة في ذلك، وهو بمنزلة ما لو باعه في الأنادر. وما بيع من ثمر نخل، أو عنب وغيره بعد أن ييبس فصار تمراً أو زبيباً، فلا جائحة فيه. ولو اشترى ذلك حين الزهو ثم أجيح بعد إمكان الجذاذ [واليبس] فلا جائحة فيه، وكأنك ابتعتها بعد إمكان الجذاذ واليبس. ولا جائحة فيما بيع بأصله ولم يؤبر، ولا فيما اشترطه المبتاع مع الرقاب مما أبر، وهو بلح، أو بسر، أو رطب، أو تمر، وهو لغو، وإن أوجبها الاشتراط، وهو كمكتري الدار فيها نخل لم يطب، وهي تبع للكراء، فإن اشترطها فذلك جائز، ولا جائحة في ثمرها، إذ لا حصة لذلك من الثمن في الكراء، وكمن ابتاع عبداً فاستثنى ماله، ثم هلك ماله ثم رده بعيب، فإنه يرجع بجميع الثمن، ولا يحط لمال العبد من الثمن شيء، إذ لا حصة له منه.

3028 - ومن ابتاع زرعاً لم يبد صلاحه على أن يحصده، ثم اشترى الأرض جاز أن يبقيه فيها حتى يبلغ. وكذلك لو ابتاع نخلاً قد أبرت، ولم يشترط الثمرة فله شراؤها قبل الزهو، كما كان له جمعها في أول الصفقة، ثم لا جائحة فيهما، إذ كأنهما في صفقة. ومن ابتاع ثمرة نخلة واحدة ففيها الجائحة إن بلغت ثلث ثمرتها، ووضع الجائحة. 3029 - وتوضع الجائحة عن مشتري [ما] أعرى من العرية بخرصها مثل ما يوضع عنه في الشراء سواء. ومن أسلم في حائط بعينه فأجيح بعضه أتبعه بحقه في بقيته، لأنه على كيل، بخلاف مبتاع جميع ثمرته، هذا إن أصاب الحائط جائحة أذهبت ثلثه، وضع عنه ثلث الثمن.

3030 - ومن اشترى ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها وشرط تأخيرها، فأصابت الثمرة جائحة بعد ما بدا صلاحها، فهي من البائع وإن كانت أقل من الثلث، إذ هو بيع فاسد لم يقبضه مبتاعه، ولو اشتراه على الجذ مكانه [قبل أن يطيب] فأُجيح قبل الجذ وضعت فيه الجائحة إن بلغت الثلث، كالثمار لا كالبقل. (¬1) وكذلك إن اشترى بلح جميع الثمار أو اشترى ما لم يطب من جوز [ولوز] [وجِلَّوْزٍ] وفستق على أن يجذه، فأجيح قبل الجذ، فهو كالثمار، وتوضع فيه الجائحة [إن بلغت الثلث] . 3031 - وكل ما جاء من الله عز وجل فهو جائحة، كالجراد والريح والنار والغرق والبرد والمطر والطين الغالب والدود وعفن الثمرة في الشجر، والسموم، [فذلك جائحة توضع عن المبتاع إن أصابت الثلث فصاعداً] . وأما إن هلكت [الثمرة] من انقطاع ماء السماء أو انقطع عنها عين سقيها، ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (2/174) ، والتاج والإكليل (4/209) ، والمدونة الكبرى (12/34) .

فذلك يوضع قليل ما هلك بسببه وكثيره، بخلاف الجوائح، لأنه باعها على حياتها من الماء، فما كان من قبل الماء فهو من البائع. والجيش والسارق جائحة. ولم ير ابن نافع السارق جائحة. 3032 - قال مالك - رحمه الله -: وتوضع الجائحة في المساقاة. وحفظ سعد عن مالك: أنه إن أجيح دون الثلث لم يوضع عنه شيء من سقي الحائط [كله] ، وإن كان الثلث فأكثر خيّر، فإن شاء سقى جميع الحائط، وإلا ترك جميعه.

3033 - قال مالك: ومن اكترى أرضاً فيها سواد قدر الثلث فأدنى فاشترطه جاز ذلك [قال ابن القاسم: فإن اشترط ذلك فأثمر السواد، ثم أصابت جميع ثمره جائحة، فلا جائحة في ثمره، لأن السواد كان ملغىً] ، ولا جائحة في ثمرته. وإن لم يكن ذلك السواد تبعاً فاشترط ثمرته، فإن لم تزه فسدت الصفقة كلها، فإن أزهى جازت. 3034 - فإن أصابت الثمرة جائحة نظر إلى قيمة الثمرة، وإلى مثل كراء الأرض يوم الصفقة، فيقسم الثمن على ذلك، فما قابل الثمرة منه فهو ثمنها، فإن أصابت الجائجة ثلث الثمرة وضع عنه ثلث حصة الثمرة، من جميع الثمن الذي نقد في الكراء. وإن أصابت الجائحة أقل من ثلث الثمرة لم يوضع عنه قليل ولا كثير. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (5/311) .

(كتاب كراء الرواحل والدواب)

(كتاب كراء الرواحل والدواب) 3035 - ومن اشترى عبداً واكترى راحلة بعينها إلى مكة بمائة دينار في صفقة واحدة، جاز ذلك إن لم يشترط خلف الراحلة إن هلكت، وإن اشترط ذلك لم يجز إلا أن يكون الكراء مضموناً في أصل الصفقة. 3036 - وكراء الدواب على وجهين: مضمون في ذمة، أو في دابة بعينها، فالدابة المعينة إن هلكت انفسخ الكراء، ولا يأتي بغيرها، إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون، فإن اشترط في المعينة إن ماتت أتاه بغيرها، لم يجز، والدابة هاهنا كالراعي لا يشترط إن مات أن يؤتى ببديل من ماله، وتفسخ الإجارة بموته. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/425) ، والشرح الكبير (4/34) ، ومواهب الجليل (5/436) ، ومختصر خليل (1/247) .

وإذا استؤجر لغنم يرعاها أو دواب يقوم عليها، فماتت الغنم والدواب لم تنفسخ الإجارة، وإنما تنفسخ الإجارة بموت الأجير لا بموت المستأجر عليه. 3037 - ومن باع دابة واستثنى ركوبها يوماً أو يومين، أو أن يسافر عليها اليوم، أو إلى المكان القريب، جاز ذلك، ولا ينبغي ما بَعُد، إذ لا يدري المبتاع كيف ترجع إليه، وضمانها من المبتاع فيما يجوز استثناؤه، ومن البائع فيما لا يجوز استثناؤه. 3038 - ومن اكترى راحلة بعينها على أن يركبها إلى اليوم واليومين وما قرب، جاز ذلك، وجاز فيه النقد. وإن كان الركوب إلى شهر أو شهرين، جاز ما لم ينقده. وقال غيره: لا يجوز. 3039 - ولا يصلح النقد في كراء الخيار، إلا أن يشترط الخيار في مجلسهما ذلك قبل أن يفترقا. وإن اكتريت ن رجل دابة بعينها، أو داراً فباعها ربها، أو وهبها،

أو تصدق بها، لم يجز ذلك، لأن المكتري أحق بهما في الموت والفلَس بقية المدة، كطعام بعينه مات بائعه، أو فلس قبل كيله، فمبتاعه أحق به من الغرماء حتى يستوفي حقه. 3040 - وإن ذهب مبتاع الدابة بها فلم يوجد، فسخ الكراء وترجع فيما نقدت. ولو قدرت عليها وربها غائب فأقمت بينة على كرائك كنت أحق بها، ونقض البيع، وللمبتاع الرضا بتأخيرها إلى تمام مسافتك إن قربت، وإن بعدت لم يجز. 3041 - ومن اكترى دابة لركوب أو حمل، أو داراً، أو استأجر أجيراً بشيء بعينه من عرض، أو حيوان، أو طعام، فتشاحا في النقد ولم يشترطا شيئاً، فإن كانت سنة البلد في الكراء على النقد جاز، وقضي بقبضها، وإن لم تكن سنتهم النقد فيه لم يجز الكراء وإن عجلت هذه الأشياء، إلا أن يشترط النقد في العقد. كما لا يجوز بيع ثوب، أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ويفسخ. قال ابن القاسم: وإن اكترى ما ذكرنا بدنانير معينة ثم تشاحّا في النقد، فإن كان الكراء في البلد بالنقد قضي بنقدها، وإلا لم يجز الكراء، إلا أن يعجلها، كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غيره، فإن شرط ضمانها إن

تلفت جاز، وإلا لم يجز البيع، [فأرى] إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز، إلا أن يشترط في الدنانير إن تلفت فعليه مثلها. ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ولا عرض في بيع ولا كراء، لأنه مما يبتاع لعينه، فلا يدري أي الصفقتين ابتاع، ولا يراد من المال عينه. وقال غيره في الدنانير: هو جائز. وإن تلفت فعليه الضمان. 3042 - قال ابن القاسم: ومن اكترى إلى مكة بعرض بعينه، أو بطعام بعينه، أو بدنانير معينة والكراء عندهم ليس على النقد، فقال المكتري: أنا أعجل العرض والدنانير والطعام، ولا أفسخ الكراء، فلا بد من فسخه لفساد العقد. وقال غيره مثله، إلا في الدنانير فإنه جائز عنده. 3043 - قال ابن القاسم: وإن اكترى بهذه المعينات من عرض ونحوه، وشرط عليه أن لا ينقد ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، لم يعجبني ذلك، إلا لعذر من ركوب دابة ولبس ثوب إن كان مما يلبس وخدمة عبد وغيره، أو توثقا حتى يشهدا فذلك جائز،

وإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته، ولا أفسخ به البيع، ولا أحب أن يعقد الكراء على هذا. وقد أجاز مالك تأخير الكيل اليوم واليومين للمشتري من صبرة معينة، ورأى في المشترط إن لم يأت بالثمن إلى أيام فلا بيع، له انفاذ البيع وسقوط الشرط، عجل النقد أو أخّره، ويقضى عليه بالنقد، وأما الدنانير المعينة فلا يعجبني تأخيرها اليوم واليومين، إلا أن يشترط المكتري ضمانها، أو يضعها رهناً بيد غيره، ولم يكرهه غيره، وإن بقيت بيده، لأنه لو ابتاع بها بعينها فاستحقت لقضي عليه بمثلها، والبيع تام. 3044 - قال ابن القاسم: وإذا هلك هذا العرض المعين بيد المكترى له، وقد شرط حبسه للوثيقة، أو للمنفعة، [فهو من المكري، لأنه أمر يعرف هلاكه، ولو حبسه المكتري وهو مما يُغاب عليه للوثيقة فهلك بيده] ، كان منه إن لم يعرف هلاكه وانتقض الكراء، ولا يقال له: إيت بمثله، وكذلك إن استحق في هذا، أو إذا كان رأس مال السلم، وكذلك في المبيع يحبسه البائع لنفعه به،

أو للثمن، فهو منه إلا أن تقوم بينة بهلاكه، فيكون كالحيوان ضمانه من المبتاع والبيع تام. 3045 - ولا يجوز اشتراط ضمان ما هلك مما يتأخر قبضه اليوم واليومين، إلا في العين وحده. قال غيره في الثياب والحيوان وما لا يكال أو يوزن من العروض: يحبسها البائع لركوب، أو لباس ثوب، أو نفع، أو خدمة [عبد وغير ذلك] ، بشرط يوم أو يومين، فالنقد في ذلك جائز لقربه، وضمانها من المبتاع، لأنه كأنه قبضه وتلف في يديه، وكذلك إن اكترى بها دابة أو داراً وحبسها لذلك. 3046 - قال ابن القاسم: ومن اكترى من رجل دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رفعته وذرعه، لم يجز كالبيع. 3047 - ولا بأس أن تكتري إبلاً من رجل على أن عليك رحلتها. أو تكتري دابة بعلفها، أو أجيراً بطعامه، أو إبلاً على أن عليك علفها وطعام ربها، أو على أن عليه هو طعامك ذهاباً وراجعاً، فذلك جائز، وإن لم توصف النفقة، وذلك معروف، والزوج إذا تزوج لا يحد للزوجة نفقة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (5/151) .

3048 - ولا بأس أن يؤاجر الحر أو العبد أجلاً معلوماً بطعامه في الأجل، أو بكسوته [فيه] ، وكذلك إن كان مع الكسوة أو الطعام دنانير، أو دراهم، أو عروض بعينها، جاز ذلك إذا كانت العروض معجلة، وإن كانت عروضاً مضمونة بغير عينها جاز تأخيرها إن ضربا لذلك أجلاً. 3049 - ومن اكترى دابة ليركبها في حوائجه شهراً، فإن كانت على ما يركب الناس الدواب جاز، وكذلك إن اكتراها لطحين قمح شهراً بعينه ولم يذكر كم يطحن كل يوم، جاز، لأن وجه طحين الناس معروف. 3050 - ومن استأجر دوابّ لرجل واحد في صفقة ليحمل عليها مائة إردب قمحاً، ولم يسم ما تحمل كل دابة، جاز ذلك، وليحمل على كل دابة بقدر قوتها. وإن كانت الدواب لرجال شتى وحملها مختلف، لم يجز، إذ لا يدري كل واحد بم أكرى دابته كالبيوع. ولا يجوز كراء دابة ليشيِّع عليها رجلاً حتى يسمي منتهى التشييع. قال غيره: إلا أن يكون مبلغ التشييع بالبلد قد عرف فلا بأس به.

3051 - ومن اكترى دابتين، واحدة إلى برقة وأخرى إلى إفريقية، لم يجز حتى يعين [التي إلى برقة] والتي إلى إفريقية. 3052 - وإن اكتريت من رجل على أنه إن أدخلك مكة في عشرة أيام فله عشرة دنانير، وإن أدخلك في أكثر فله خمسة دنانير، لم يجز، ويفسخ قبل الركوب، وإن نزل ذلك وبلّغك إلى مكة، فله كراء مثله في سرعة السير وإبطائه، ولا ينظر إلى ما سميتما. ومن اكترى دابة ولم يسم ما يحمل عليها، لم يجز، إلا من قوم قد عرف حملهم، فذلك لازم على ما عرفوا من الحِمل. قال غيره: ولو سمى حمل طعام أو بز أو عطر، جاز، وحملها قدر مثلها. ولو قال: احمل عليها حمل مثلها مما شئت، لم يجز، لاختلاف ضرر الأشياء في الحمل، وكذلك ليركبها إلى أي بلد شاء، لم يجز، لاختلاف الطرق بالسهولة والوعورة، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما يتباعد الاختلاف فيه، لأن في ذلك

ما هو أضر بالجدران، ولأن رب الدابة والمسكن باع من منافعهما ما لا يدري، ألا ترى أن من حمل ما ليس بأضر مما شرط لم يضمن، كمن اكترى [دابة] ليحمل حنطة، فحمل مكانها شعيراً مثله، أو سمسماً لم يضمن إن عطبت الدابة. وكذلك إن اكتراها على أن يحمل شطوياً فحمل عليها بغدادياً أو بصرياً أو ما أشبهه من نحوه وخفته وثقله، لم يضمن. 3053 - ولو حمل رصاصاً أو حجارة بوزن ذلك فعطبت ضمن، لاختلاف ما بين ذلك. 3054 - قال ابن القاسم: ومن تكارى من رجل إلى مكة بمثل ما يتكارى الناس، لم يجز. ومن أكرى إبله بطعام مضمون ولم يضرب له أجلاً، ولا ذكر موضع قبضه، فإن [لم] يكن للناس في ذلك سُنة معروفة، لم يجز، إلا أن يتراضوا على أمر جائز. وإن اكترى المشاة على حمل أزوادهم على أن لهم حمل من مرض منهم، لم يجز. 3055 - ومن اكترى من رجل دابة على أنه إن بلغه موضع كذا يوم كذا، وإلا فلا كراء له، لم يجز.

وكل من ركب أو حُمل في كراء فاسد فعليه كراء المثل. 3056 - وإذا تكارى قوم دابة ليزفوا عليها ليلتهم عروساً فلم يزفوها تلك الليلة فعليهم الكراء. ومن أكرى دابة ليشيع عليها رجلاً إلى موضع معروف، أو ليركبها إلى موضع [معلوم] سمّاه، فبدا له أو للرجل، فقد لزمه الكراء، وليكر الدابة إن شاء إلى الموضع في مثل ما اكترى. (¬1) وإن اكتراها ليركبها يومه بدرهم، فأمكن منها فلم يركبها حتى مضى اليوم، لزمه الكراء. 3057 - وإن اكتراها إلى حج أو إلى بيت المقدس، فعاقه مرض أو سقط أو مات أو عرض له غريم حبسه في بعض الطريق، فالكراء عليه، وله كراء الدابة، أو لورثته في مثل ما اكترى من مثله، وصاحب الإبل أولى بما على إبله من الغرماء حتى يقبض كراه، وللغرماء أن يكروها في مثل ما اكترى. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/414، 437) ، والمدونة الكبرى (14/360) .

3058 - وإن اكتريت ثوراً لتطحن عليه إردبين كل يوم بدرهم، فوجدته لا يطحن إلا [إردباً، فلك رده، وعليه في الإردب نصف درهم، وإن اكتريت دابة بعينها أو بعيراً بعينه فإذا هو] عضوض أو جموح أو لا يبصر بالليل، أو دُبر تحتك دبرة فاحشة يؤذيك ريحها، فما أضر من ذلك براكبها فله فيه الفسخ، لأنها عيوب، والكراء [فيها] غير مضمون. 3059 - وإذا مرض العبد في مدة الإجارة، فسخ الكراء وسقط عنك كراء أيام مرضه، [إلا أنه] إذا صح في بقية المدة عاد إلى عمله. وإذا اعتلت الدابة المكتراة في الطريق فسخ الكراء، [وإن صحت بعد ذلك لم يلزمه] كراؤها بقية الطريق، بخلاف العبد، للضرر في صبر المسافر عليها، وهي إن صحت لم تلحقه، وإن لحقته فلعله قد اكترى غيرها، ولو رضي المكتري بالمقام عليها وأبى ربها إذا مرضت إلا بيعها، فإن كان مرضاً يرجى برؤه إلى ما قرب من اليومين ونحوهما مما لا ضرر فيه على المكتري حُبس لذلك، فإن كان فيه ضرر فسخ.

3060 - وإن اكتريت دابة بعينها فليس لربها أن يحمل تحتك متاعاً، ولا يردف رديفاً، وكأنك تملك ظهرها، وكذلك السفينة، وإن حمل في متاعك على الدابة متاعاً بكراء، أو بغير كراء فلك كراؤه، إلا أن تكون اكتريت منه حمل أرطال مسماة، فالزيادة له. (¬1) قال أشهب: إن أكراه ليحمله وحده أو مع متاعه فكراء الزيادة للمكري وقد كان للمكتري منعه من الزيادة عليها [إذا أكراه الدابة] . 3061 - ومن اكترى دابة ليركبها فحمل [مكانه] مثله في الخفة والأمانة، لم يضمن. وإن أكرى ممن هو أثقل منه أو من غير مأمون، ضمن. وإن أكرى من غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني، إلا أن يأتي من سببه أو يتبين كذبه. ويضمن المكتري الأول لربها [قيمتها] بتعديه، وأكره له أن يكري من ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (2/253) ، وحاشية الدسوقي (4/35) ، والفواكه الدواني (2/113) ، والمدونة الكبرى (11/476، 500) .

غيره، إذ قد يكري منه لحاله وحسن ركوبه، فإن فعل لم يضمن إن حمل مثله في الثقل والحال، وأما في موته فلورثته حمل مثله، وأكثر قول مالك أن ذلك له في الحياة. ومن اكترى من رجل على حمولة إلى بلد فليس له صرفها إلى غير البلد الذي اكترى إليه، وإن ساواه في المسافة والصعوبة والسهولة، إلا بإذن الكري، ولم يجزه غيره وإن رضيا، لأنه فسخ دين في دين، إلا بعد صحة الإقالة. وإذا زاد المكتري على الدابة في الحمل الذي شرط فعطبت، فإن زاد ما تعطب

في مثله خُيّر ربها بين أخذ المكتري بقيمة كراء ما زاد على الدابة بالغاً ما بلغ مع الكراء الأول، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولا كراء له، فإن زاد ما لا تعطب في مثله، فله كراء الزيادة [بالغاً] ما بلغ فقط مع كرائه الأول، ولا ضمان عليه، وكذلك الرديف فيما ذكرنا. 3062 - وكذلك لو اكتراها ليشيع عليها رجلاً، فأردف خلفه رجلاً فعطبت، فينظر إن عطبت لذلك، كما ذكرنا، وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما تعطب في مثله، قال مالك: فليس ذلك كغيره، وقد عُرفت للحاج زيادات من السفر والأطعمة ولا ينظر فيها المكاري، ولا يعرف ما حمل، فلا ضمان عليه في ذلك. قال: وذلك إذا كان الكري قد رأى ذلك وحمله فالضمان ساقط، وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها ثم زاد ميلاً ونحوه [فعطبت الدابة] ، فلربها كراؤه الأول، والخيار في أخذ [قيمة] كراء الميل الزائد ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولو ردها بحالها بعد زيادة ميل أو أميال، أو بعد أن حبسها اليوم ونحوه، لم يضمن إلا كراء زيادة الأمد. 3063 - وإن اكتراها يوماً فحبسها أياماً أو شهراً وردها بحالها، فلربها كراء اليوم، والخيار

في أخذ قيمتها يوم التعدي، أو قيمة كرائها فيما حبسها فيه من عمل، أو [قيمة] حبسه إياها بغير عمل ما بلغ ذلك، وإن لم تتغير. قال غيره: إن كان ربها حاضراً معه بالمصر فإنما له عليه فيما حبسها بحساب كرائها الأول، وكأنه رضي به، لأنه كان قادراً على أخذها، وإن كان غائباً عنه ورد الدابة بحالها، فله في الزيادة الأكثر من قيمة كراء ذلك أو من حساب الكراء الأول، عمل عليها شيئاً أو لا، وإن شاء فقيمة الدابة يوم حبسها والكراء الأول له في كل حال. (¬1) 3064 - قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة لحمل محمل، فحمل عليها زاملة فعطبت، فإن كان ذلك أقل ضرراً من المحمل أو مساوياً له، لم يضمن، وإن كان أضر ضمن. وكذلك حمله مكان كتان صوفاً، أو مكان بَزّ دُهْناً، أو مكان دهن رصاصاً، فربما تساوى الوزن وتفاوت الضرر، لأن ما حمل أضر لجفائه، أو لأنه ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/44) ، ومواهب الجليل (5/439) ، والمدونة الكبرى (11/482) .

أضغط لظهور الدواب، كالرصاص ونحوه، وكذلك إن اكترى ليركب، فحمل غيره أثقل أو أضر منه، فما ضَمّنْته به من ذلك كله، فإن لرب الدابة إن شاء كراء الفضل في الضرر والتعب، أو قيمة الدابة. 3065 - وكذلك إن اكترى رحاً ليطحن حنطة، فطحن شعيراً أو عدساً أو غير ذلك من القطاني، فانكسرت الرحا، فإن كان طحين ذلك ليس بأضر من الحنطة، لم يضمن، وإن كان ذلك أضر، ضمن. وكذلك إن اكترى دابة ليحمل عليها حنطة، فحمل عليها شعيراً أو ثياباً أو دهناً. [قال:] وله حمل غير ما سمى إن لم يكن أضر، ولا أثقل، ولا أتعب، ورب زاملة أثقل من محمل، وهي أرفق بالإبل. والحديد أضغط لظهورها. 3066 - ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة ذاهباً وراجعاً إلى مصر، فتمادى إلى إفريقية وعاد إلى مصر، فرب الدابة مخير في أخذ قيمة كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهباً وراجعاً إلى برقة ما بلغ مع كرائه الأول، أو نصف الكراء الأول مع قيمتها ببرقة يوم التعدي، ردها بحالها أو تغير حالها، لأن سوقها قد تغير، وقد حبسها المكتري عن نفعه بها وعن أسواقها.

وإن أكراها إلى بلد ذاهباً وجائياً، فعطبت يوم وصولها إلى البلد، لم يضمن المكتري، ولربها نصف الكراء فقط. وإن جاوزها فلربها أخذ قيمتها يوم تعديه مع كرائها إلى ذلك الموضع، وإن شاء [أخذ] دابته وكراء ما تعدى فيه. ومن اكترى ثوراً ليطحن عليه كل يوم إردباً، فطحن عليه إردبين فعطب الثور، فلربه إن شاء كراء الإردب الأول وقيمة الثور وقت ربطه في الثاني، وإن شاء قيمة طحين الثاني ما بلغ مع كراء الأول. 3067 - وإذا اختلف المتكاريان قبل الركوب أو بعد مسير لا ضرر في رجوعه فقال المكري: أكريتك إلى برقة بمائة، وقال المكتري: إنما اكتريت منك إلى إفريقية بمائة، تحالفا وتفاسخا نَقَد الكراء أو لم ينقده. قال غيره: إذا انتقد الجمّال وكان يشبه ما قال فالقول قوله،

لأنه مدعى عليه، ألا ترى أنه لو قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، وقال المبتاع: بل اشتريت بها منك مائتي إردب إلى سنة، وكان ما قال البائع يشبه أن القول قوله والمشتري مدع. 3068 - وإذا اختلفا في المسافة فقط فقال المكري: إلى برقة، وقد بلغاها، وقال المكتري: إلى إفريقية، فإن انتقد الكراء فهو مصدق إن أشبه أن يكون كراء الناس إلى برقة بمائة درهم، ويحلف، وإن لم يشبه إلا قول المكتري كان للجمال حصة مسافة برقة على دعوى المكتري بعد أن يتحالفا ولا يلزمه التمادي، وإن لم ينتقد وأشبه ما قالا - لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه - تحالفا وفُضّ الكراء وأخذ الجمال حصة مسافة برقة ولم يتماد، وأيهما نكل قُضي لمن حلف، وإن أقام البينة قبل الركوب أو بعد بلوغ برقة قُضي بأعدل البينتين، ولو تكافأتا [تحالفا] ، فإن لم يركب فسخ الكراء كله.

قال غيره: يُقضى بالزيادة، وليس بتهاتر، وقاله ابن القاسم في اختلاف المتبايعين قبل القبض في الثمن، أنه يقضى ببينة البائع إذا زادت. [قال ابن القاسم:] ولو قال المكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين وقد بلغاها، وقال المكتري: بل إلى مكة بمائة، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه، لأنه ائتمنه، ويحلف له المكتري في المائة الثانية، ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة، ويتفاسخان، وإن أقاما بينة قضي بأعدلهما، وإن تكافأتا سقطتا، وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة، وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما، ويقضى الكراء على ما يدعي المكتري، والبينة في ذلك كما ذكرنا أولاً.

وقال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالا أو ما قال المكتري. وأما إن أشبه قول المكري خاصة، فالقول قوله، ويحلف على دعوى المكتري. قال غيره: يُقضى ببينة كل واحد منهما، إذا كانت عادلة، لأن كل واحد ادعى فضلة، أقام عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر، وسواء انتقد أو لم ينتقد. قال ابن القاسم: وإن قال المكتري: دفعت الكراء، وأكذبه الجمال وقد بلغ الغاية، فالقول قول الجمال إن كانت الحمولة بيده، أو بعد أن سلمها بيوم أو بيومين وما قرب، وعلى المكتري البينة. وكذلك الحاج إن أقام الكري بقرب بلوغهم، صُدّق ما لم يبعد مع يمينه، فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه، إلا أن يقيم بينة. وكذلك قيام الصناع بالأجر بحدثان رد المتاع، فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول رب المتاع وعليه اليمين.

3069 - قال مالك: وإذا تكاريا من مصر إلى مكة فاختلفا في الكراء بأيلة، فالقول قول المكتري إن أتى بما يشبه في كراء مضمون أو معين. قال: وهو في المضمون إذا قبض البعير الذي يحمل عليه لم يكن للجمال نزعه منه إلا بإذنه، وهو أحق به في الفلس، وهو في حوزه إياه كالمعين. وقال غيره: ليس الراحلة بعينها مثل المضمون. 3070 - قال ابن القاسم: وإن أجرت رجلاً على تبليغ كتاب من مصر إلى إفريقية بكذا، فقال بعد ذلك: أوصلته، فأكذبته، فالقول قوله في أمد يبلغ في مثله، لأنك ائتمنته عليه، وعليك دفع كرائه إليه، وكذلك الحمولة كلها.

قال غيره: على المكرى البينة أنه أوفاه قه وبلغه غايته. 3071 - وإذا طلب الجمال أخذ الكراء قبل الركوب أو بعد المسير القريب فامتنع المكتري، حُملا على سنة الناس في نقد الكراء أو تأخيره، وإن لم تكن لهم سنة كان كالسكنى لا يعطيه إلا بقدر ما سكن، وإن عجل له الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه، فإن أراد أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه، وطلب الآخر نقد بلد التعاقد، قُضي بنقد البلد الذي انعقد فيه الكراء، وإذا اكتريت بدراهم ولم تشترط نقدها، وكراء الناس مؤخر، أو لم يكن مؤخراً، وشرطت تأخيرها لم يجز أن تعطي بها دنانير نقداً قبل الركوب أو بعده، ما لم تحل الدراهم ببلوغ الغاية. وكذلك لو دفعت دراهم عن دنانير، ولو شرطتما النقد أو كان كراء الناس بالنقد جاز دفعك من الدراهم دنانير نقداً، كان الكراء معيناً أو مضموناً، ثم إن هلكت الراحلة بعينها ببعض الطريق رجعت بحصة ما بقي [دنانير] كما نقدت، ولو كنت دفعت عن

الدراهم عرضاً لرجعت بدراهم كما عقدت عليه، ولا تأخذ من ذهب لك إلى أجل فضة نقداً، ولا من فضة إلى أجل ذهباً [نقداً] ، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد. ومن أكرى بعيراً له بطعام بعينه كيلاً، أو بطعام إلى أجل فلا يبعه حتى يقبضه. وإن كان الذي بعينه مصْبراً، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه. 3072 - ومن اكترى إلى مكة فأراد تعجيل الخروج وأباه الجمال، فإن كان في الزمان بقية لم يجبر إلا إلى خروج الناس. وإذا انتقصت زاملة الحاج أو نفدت، فأراد تمامها وأبى الجمال، حملا على ما تعارفه الناس. قال غيره: وإن لم تكن لهم سنة، فله حمل الوزن الأول المشترط إلى تمام غاية الكراء.

ومن اكترى دابة أو بعيراً إلى الفسطاط فله النزول بمنزله وإن كان منزله بأقصى الفسطاط، وليس للمكري أن ينزله بأول الفسطاط، إلا أن يريد ذلك المكتري. 3073 - ومن استأجرته يحمل لك على دابة دهناً أو طعاماً أو متاعاً إلى موضع كذا، فعثرت الدابة [فسقطت] فانكسرت القوارير فذهب الدهن، أو هلك الطعام، أو انقطعت الحبال فسقط المتاع ففسد، لم يضمن المكري قليلاً ولا كثيراً، إلا أن يغر من عثار، أو ضعف الأحبل عن حمل ذلك، فيضمن حينئذ، وإلا لم يضمن فإن فِعْل العجماء جبار، ما لم يفعل بها رجل شيئاً عثرت له، فيضمن الفاعل. (¬1) 3074 - وكل ما عطب من سبب حامله من دابة أو غيرها من عثار وغيره، فلا كراء له فيه، إلا على البلاغ. ولا يضمن الحمال إلا أن يُغرّ. وكذلك ما حمله رجل على ظهره فعطب، فلا كراء له، ولا ضمان عليه، وليس على المكتري أن يأتي بمثل ذلك ليحمله. وكذلك هروب الدابة. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/427) .

وكذلك السفينة إذا غرقت في ثلثي الطريق، وغرق ما فيها من طعام وغيره فلا كراء لربها، ولا ضمان عليه في شيء من ذلك، لأنه من أمر الله تعالى، ورأى مالك أن ذلك على البلاغ. قال غيره: ليس الدواب كالسفن فيما هلك من سبب حامله، إذ لا يضمنون لسبب العثار إن لم يغرّوا، ولهم جميع الكراء فيما هلك عن العثار، ولربه حمل مثله إلى غايته، كالذي هلك بلصوص أو سيل، وإن غروا ضمنوا. [وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت] . 3075 - قال ابن القاسم: وما استحملت في السوق على رجل أو دابة من كل شيء، إلى بيتك أو إلى بلد، فعطب أو سرق أو غصب، أو كان ذلك طعاماً

فثبت ذلك ببينة، فللمكري الكراء بأسره، وعليه حمل مثله. وكذلك الدواب والإبل، إذا هلك ما حملت من طعام بعينه أو متاع بأمر من الله تعالى من غير سبب الدواب، فالكراء قائم بينهما لا يفسخ، وللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثل ذلك. 3076 - وللمكتري أن يأتي بمثل ذلك فيحمله أو يكري الإبل في مثل ذلك، وإلا فلا شيء له على الجمال، وللجمال الكراء كاملاً، فإن لم يكن مع الجمال صاحب الطعام، ولا خليفته، رفع ذلك الجمال إلى عامل البلد، فيكري له الإبل، فإن لم يجد كراءً، فليطلب ذلك الجمال أمامه، فإن لم يجد فله جميع الكراء، لأن مالكاً قال في الرجل يتكارى إلى الحج أو المرأة، فيهلك أو تهلك في الطريق، فإنه يكرى للميت مثله، ويطلب ذلك في الطريق، فإن وجد من يكري أكرى له، وإلا كان على الميت لرب الإبل الكراء كله كاملاً. وإن كان رب الطعام مع المكاري فأصاب الطعام تلف من السماء، أو من غير السماء لم يلزم المكاري شيء، لأن رب الطعام معه، وكذلك إن كان في السفينة مع طعامه فلا شيء على صاحب السفينة، وإن كان المكري وحده فلا يصدق في الطعام والإدام، إذا قال: سُرق مني، حمله على نفسه أو على دوابه [أو في سفينته] ، إلا أن تقوم له بنية أن ذلك تَلِف من غير فعله، فلا يضمن.

ويصدق في كل عرض إذا قال: هلك أو سُرق، أو قد عثرت الدواب فانكسرت القوارير، إلا أن يُستدل على كذبه. قال يحيى بن سعيد: ويضمن ما ضيع. 3077 - قال السبعة من فقهاء التابعين: لا يكون كراء بضمان، إلا أن يشترط على الجمال أن لا ينزل ببلد كذا أو وادي كذا أو لا يسري بليل، فيتعدى ما شرط عليه فيتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي، فيضمنه. (¬1) 3078 - قال ابن القاسم: ويضمن الأكرياء ما ذكرنا من الطعام والإدام، إلا أن تقوم بينة أنه هلك بغير سبب حامليه، أو يصحبه ربه فيبرءون، ولهم جميع الكراء إن بلغوه غايته، ولا يضمنون سائر العروض، ويصدّقون فيها، إلا أن لهم منع أهلها منها حتى يقبضوا كراهم، فإن حازوها بذلك حيازة الرهن، فإنهم يضمنونها كالرهن، ولهم الكراء كله إن بلغوا ذلك غايته، ضمنوه أو لم يضمنوه. 3079 - وإذا حمل الجمال لرجل طعاماً، فزاد أو نقص ما يشبه الكيل فلا شيء له، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/491) ، ومنح الجليل (7/521) .

ولا عليه من ضمان، ولا حصة كراء، وإن زاد ما لا يشبه فلم يدع الجمال تلك الزيادة، وقال: زيدت علي غلطاً، فإن صدقته أخذتها وغرمت كراءها، وإن أنكرت الغلط لم يصدق الجمال، وربما اغترق كراؤه ثمنه، إلا أن تشاء أنت أخذه وغرم كرائه. وإن زاد الكيل وقال رب الطعام: أنا آخذ طعامي ومقدار زيادة كيلي، فليس له أن يأخذ إلا كيل طعامه خاصة، إلا أن تكون زيادة الكيل أمراً معروفاً عند الناس، ولكل صانع أو حمال على ظهر أو سفينة منع ما حمل أو عمل حتى يقبض أجره، فإن هلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم، إلا أن تقوم بينة على الضياع، فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم، لأنهم لم يسلموا ما عملوا إلى أربابه. ومن اكتريت منه دابة أو ثوراً للطحين، فكسر المطحنة لمّا ربطته فيها فأفسد آلتها، لم يضمن إلا أن يغرك، وهو يعلم ذلك منه فيضمن، لأن مالكاً قال فيمن

أكرى دابته من رجل وهي ربوض أو عثور، وقد علم ذلك فلم يعلمه بذلك فحمل عليها فربضت أو عثرت فانكسر ما عليها: إنه ضامن. (¬1) ومن اكترى من رجل دابة فحمل عليها دهناً من مصر إلى فلسطين فغره منها وعثرت بالعريش، ضمن قيمة الدهن بالعريش. قال غيره: قيمته بمصر إن أراد لأنه منها تعدى. 3080 - ومن حمل على ظهره أو دابته دهناً أو طعاماً بكراء، فزحمه الناس فانكسرت الآنية وهلك ما فيها من الطعام والدهن، فالذي زحمه ضامن. 3081 - وقد قال مالك: في الرجلين يحملان جرتين أو غير ذلك، على كل واحد منهما جرة، فيصطدمان في الطريق، قال: إن انكسرت إحداهما ضمن الذي سلم للذي لم يسلم، وإن انكسرتا جميعاً ضمن كل واحد منهما لصاحبه. 3082 - وإذا اصطدم الفارسان فمات الفرسان والراكبان، ففرس كل واحد [منهما] ¬

(¬1) 0انظر: المدونة الكبرى (11/492) .

في مال الآخر، ودية كل واحد على عاقلة الآخر، وإذا سلم أحدهما بفرسه ففي ماله فرس الآخر، وعلى عاقلته دية راكبه. 3083 - وأما اصطدام السفينتين فلا شيء عليهما إذا كان أمراً غالباً من الريح لا يقدر على دفعه، ولو عُلِم أن النوتيّ يقدر أن يصرفها فلم يفعل لضمن. وإذا كان الفرس في رأسه اعتزام، فحمل بصاحبه فصدم، فراكبه ضامن، لأن سبب فعله وجمحه من راكبه، وفعله به إما أذعره فخاف منه، أو غير ذلك، إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه. وإن كان غيره فعل به ما جمح به، فذلك على الفاعل، والسفينة لا يذعرها شيء، والريح هو الغالب، فهذا فرق ما بينهما. وإذا غرقت السفينة من مد النواتية، فإن صنعوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا، فإن تعدوا فأخرقوا في مد أو علاج، ضمنوا ما هلك من الناس فيها والحمولة، كتعدي من استعملته في بيتك من صانع أو طبيب أو غير ذلك. ومن اكتريت منه [دابة] لحمل صبي مملوك إلى موضع من المواضع وأسلمته

إليه، فساق به، فعثرت الدابة فسقط فمات لم يضمن، إلا أن يخرق في سوقه. وكذلك البيطار في طرح الدابة لا يضمن، إلا أن يتجاوز في طرحها فيضمن. وإذا ضرب المكتري الدابة أو كبحها فأذهب عينها أو كسر لحييها ضَمِن. والرائض مثله. ولو ضربها كضرب الناس لم يضمن. وكل شيء صنعه الراعي مما لا يجوز له فعله، فأصاب الغنم من فعله عيب، فهو ضامن. وإن صنع ما يجوز له أن يفعله، فعيبت الغنم، فلا ضمان عليه. 3084 - ومن اكترى من مكة أو من إفريقية إلى مصر جاز، وهو إلى الفسطاط، وإن لم يذكراه، لأنه المتعارف، وليس كمن اكترى إلى الشام، أو إلى خراسان، لأنها كُوَر وأجناد، فلا يجوز حتى يسمي أي كورة أو مدينة، وأما إلى فلسطين فإن كان المتعارف عندهم إلى الرملة، كان إليها وجاز. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/498، 499) .

ومن اكترى من رجل على حمل رجلين أو امرأتين جاز، وإن لم يرهما لتساوي الأجسام، إلا الخاص، فإن أتاه بفادحين لم يلزمه ذلك. 3085 - ويجوز كراء محمل لا يذكر وِطاءه، ويحمل كوُطأ الناس، وكذلك على زاملة لا يخبره بما فيها، ويحملان على المتعارف من زوامل الحاج أو غيره، وعليه حمل المتعارف من معاليق وغيرها. ولو شرط عليه حمل هدايا مكة، فإن كان أمر عرف وجهه، جاز، وإلا لم يجز. وأجاز للمكتري أن يحمل في عيبته ثوباً أو ثوبين لغيره، ولا يخبر بذلك الجمال، وهو من شأن الناس، ولو بيّن هذه الأشياء ووزنها كان أحسن. 3086 - وإذا ولدت المكترية أجير الكري على حمل ولدها، وإن لم يشترط. ولا بأس أن يكتري محملاً ويشترط عقبة الأجير.

3087 - وإن اكتريت من رجل إبله ثم هرب الجمال وتركها في يديك، فأنفقت عليها، فلك الرجوع بذلك. وكذلك إن اكتريت من يرحِّلها رجعت بكرائه. ولو هرب بإبله والكراء أو غيّرها، تكارى لك عليه الإمام ورجعت بما اكتريت به عليه. (¬1) وإذا تغيب الجمال يوم خروجك فليس لك عليه إن لقيته بعد ذلك إلا الركوب أو الحمل، وله كراؤه، وهذا في كل سفر في كراء مضمون، إلا الحاج فإنه يفسخ، وإن قبض الكراء رده، لزوال إبّانه. 3088 - وكذلك قال مالك في الدابة بعينها يكتريها ليركبها في غد [إلى موضع كذا] ، فيغيب بها ربها، ثم يأتي بها بعد اليومين أو الثلاثة، فليس له إلا ركوبه. قال غيره: ولو رفع ذلك إلى الإمام نظر وفسخ ما آل إلى الضرر، كمن اكترى دابة فاعتلت في سفره. قال ابن القاسم: فإن اكتراها بعينها إلى بلد ليركبها في غده، فأخلفه الكري ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/500) .

فليس له إلا ركوبه أو يكري الدابة من مثله إلى البلد. وإن أكراها أياماً معينة انتقض الكراء فيما غاب منها، كالعبد يستأجر شهراً بعينه، فيمرضه أو يأبقه، فإنه تنتقض الإجارة، وكذلك شهراً بعينه في الراحلة بعينها لركوب أو طحين أو غير ذلك، بخلاف المضمون وإذا هرب المكتري في كراء مكة أو غيرها رفع الجمال ذلك إلى الإمام، فأكرى الإبل للهارب، ويقضي من ذلك للجمال كراه، وإن لم يجد له كراء تركها وأتبعه بجميع الكراء. 3089 - وقاله مالك فيمن اكترى على حمل متاع أو طعام وكيله ببلد آخر فلم يجد الجمال الوكيل، فإن الإمام يتلوم له بغير ضرر، فإن جاء الوكيل وإلا أكرى الإبل للمكتري وكان الكراء له، وإن لم يجد كراء تركها، وكان للجمال جميع كرائه، ولو رجع الجمال ولم يرفع ذلك إلى السلطان وبالبلد سلطان، فليرجع ثانية فيحمل، وإن لم يكن بها سلطان فتلوم الكري وانتظر فأشهد، كان ذلك له عذراً، وله الكراء ولا يرجع. قال ابن وهب عن مالك: ولو واعد المكتري الجمال إلى موضع، فجاء الجمال فلم يجده، رفع ذلك إلى الإمام إلا أن يجد الكراء، فإن انصرف ولم يكر ولم يعلم الإمام، فلا شيء له إذا كان الكراء بالبلد ممكناً

إلى البلد الذي أكرى إليه، وإن لم يكن الكراء موجوداً أو جهل إعلام الإمام لم أر أن يبطل عمله. 3090 - ومن اكترى إلى الحج وغيره، ثم تقايلا برأس المال أو بزيادة وقد نقده أو لم ينقده، فإن كان قبل الركوب وقبل النقد أو بعد النقد وقبل غيبته عليه، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، فإن نقده وتفرقا جازت الزيادة من المكتري قصاصاً ولم تجز من المكري، لأنه [ردّ] أزيد مما أخذ، وصار الكراء محللاً، وكذلك بعد سيرهما يسيراً من المسافة، للتهمة أن يكون ذلك محللاً. وأما بعد المسير الكثير من الطريق مما لا يتهمان فيه، فجائز أن يزيده الكري إذا عجل الزيادة. (¬1) وهذا بخلاف البيوع وأكرية الدور، ويدخل في تأخير الزيادة الدين بالدين، وإنما تجوز زيادة المكتري بعد النقد قصاصاً، وإلا لم تجز، ركبا أو لم يركبا. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/437) .

قال غيره: لا يزيد الكري إن غاب على النقد قبل الركوب أو بعد يسير الركوب أو كثيره، لأنه بيع وسلف. 3091 - وإن فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع حتى يقبض كراه. ويكرى الغرماء الإبل في مثل كرائه، سار قليلاً أو كثيراً، أو لم يركب بعد وقد قبض المتاع. وكذلك الصناع. * * * "انتهى كتاب كراء الدواب والرواحل" ولله الحمد والمنة * * *

(كتاب كراء الدور والأرضين)

(كتاب كراء الدور والأرضين) 3092 - قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً أو أرضاً وفيها سدرة أو دالية، أو كان في الأرض نبذ من نخل أو شجر، ولا ثمرة فيها حينئذ، أو فيها ثمرة لم تزه، فالثمرة للمكري، إلا أنه إن اشترط المكتري ثمرة ذلك، فإن كانت تبعاً مثل الثلث فأقل جاز ذلك، وبلغني توقيت الثلثعن مالك، فأما في سؤالي إياه فلم يبلغ به الثلث، ومعرفة ذلك أن يقوَّم كراء الأرض أو الدار بغير شرط الثمرة، فإن قيل: عشرة، قيل: ما قيمة الثمرة فيما عرف مما تطعم كل عام بعد طرح قيمة المؤونة والعمل؟ فإن قيل: خمسة فأقل، جاز ذلك. وهذا كالمساقاة إذا كان معها بياض قدر الثلث فأدنى، في قيمة كرائه من قيمة الثمرة على عرف نباتها بعد إلغاء قيمة مؤونتها، جازت المساقاة فيه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/424) .

وإن كانت الثمرة أكثر من الثلث لم يجز للمكتري أن يشترطها، إذا كانت غير مزهية، فإن وقع فالثمرة لرب الأرض، وللمكتري أجر ما سقى [وعالج] ، وعليه قيمة كراء الأرض بلا ثمر، إن كان قد زرعها، ولو كانت الثمرة مزهية، جاز للمكتري اشتراط جميعها، وإن جاوزت الثلث لجواز بيعها مفردة. ومن اكترى أرضاً وفيها زرع أو بقل لم يطب فاشترطه، فإن كان تافهاً جاز، ولا أبلغ به الثلث، وإذا كانت الثمرة تبعاً فاشترط المكتري نصفها لم يجز، وإنما جاز إذ هي تبع أن تلغى بالسنة، فإذا اشترط نصفها صار ذلك كبيع ثمر قبل زهوه، وكذلك حلية السيف والخاتم ومال العبد.

وجائز في المساقاة اشتراط [ما خرج من] البياض بينهما، لأن العمل والزريعة من عند العامل، ومن اكترى أرضاً فيها سواد هو الثلث فأدنى، فاشترط نصف السواد لم يجز. 3094 -[قال ابن القاسم:] ومن اكترى داراً أو حماماً فاشترط كنس المراحيض والتراب وغسالة الحمام على المكري، جاز، لأنه معروف وجهه. ومن اكترى داراً أو حماماً على أن ما احتاجا إليه من مرمّة رمّها المكتري، فإن اشترط على أن ذلك من الكراء جاز ذلك، [وإلا لم يجز] ، ولو شرط أن ما عجز عنه المكري أنفقه الساكن من عنده لم يجز، ولو شرط أن عليه ما احتاجت الدار من يسير مرمّة أو كسر خشبة، فلا خير فيه، إلا أن يكون ذلك من كرائها. ومن اكترى داراً فعلى ربها مرمتها وكنس مراحيضها وإصلاح ما وهى من الجدارات والبيوت. 3095 - وإذا اختلف رب الحمام والمكتري في قدر الحمام، فهي لرب الحمام، لأنها بمنزلة

البنيان، ومن اكترى حماماً على أن عليه لربه ما احتاج إليه أهله من نورة أو حميم، لم يجز حتى يسمي شيئاً معروفاً، ومن اكترى داراً على أن عليه تطيين البيوت جاز ذلك إذا سمى تطيينها في السنة مرة أو مرتين، أو في كل سنتين مرة، لأنه معلوم، وأما إذا قال: كلما احتاجت طيّنتها، فهذا مجهول لا يجوز، ولا بأس بكراء الحمامات. (¬1) ومن اكترى حمامين أو حانوتين فانهدم أحدهما، فإن كان الذي انهدم وجه ما اكترى رد الجميع، وإن لم يكن وجهه لزمه الباقي بحصته من الكراء. 3096 - وتجوز إجارة نصف دابة أو نصف عبد يكون للمستأجر يوماً وللذي له النصف الآخر يوماً كالبيع. وما جاز لك بيعه من ثمرتك جاز [لك] الإجارة به، والطعام وكل ما يوزن أو يكال أو يعد مما لا يعرف بعينه، يجوز أن يكترى به، ولا يجوز أن يكرى. ولا بأس بكراء نصف دار أو سدسها أو جزء شائع قل أو كثر كالشراء، وإذا اكترى رجلان داراً بينهما فلأحدهما أن يكري حصته، قال مالك - رحمه الله -: ولا شفعة فيه لشريكه بخلاف البيع. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/509) ، وحاشية العدوي (2/259) .

ومن أكرى مساكن له واستثنى ربعها بربع الكراء أو بغير كراء، جاز ذلك، وكذلك من باع داره واستثنى ثلاثة أرباعها، فإنه جائز، لأنه إنما باع ربعها، ولا ينظر على اللفظ إذا صح العمل بينهما. 3097 - ومن استأجر داراً سنة بسكنى دار له أخرى [سنة] جاز ذلك. ومن اكترى داراً أو أرضاً بثوب أو بعبد مضمون بغير صفة أو بصفة، ولم يضرب له أجلاً لم يجز، فإن سكن أو زرع فعليه كراء المثل. وإن أكريت دارك بعبد بعينه على أن تقبضه، فمات بيد المكتري فهو منك، والكراء يلزمك كالبيع. ولو كان بثوب بعينه في بيت المكتري، وقد وصفه كان منه وانتقض الكراء باقي المدة، ولك فيما سكن كراء المثل، وكذلك لو قبضته فاستحق أو رددته بعيب بعد أن سكن نصف المدة، وليس لك إذا وجدت العيب في الثوب أن تحبسه وتأخذ قيمة عيبه، وإنما لك حبسه معيباً، ولا ترجع بشيء أو ترده ويكون كما وصفنا، ولو كان العيب خفيفاً لا يتقص ثمن الثوب لم يكن لك رده، وإن كان عند الناس عيباً. ولو اطلعت على العيب بعد أن بعت الثوب لم ترجع بقيمة عيبه، وأما إن وهبته أو تصدقت به، أو لبسته أو هلك، ثم اطلعت على العيب، فلك أن ترجع بحصة العيب، وينتقض من الكراء بقدر حصة قيمة العيب، لأنه ثمنه.

3098 - ومن استأجر بيتاً شهراً بعشرة دراهم، على أنه إن سكن منه يوماً واحداً فالكراء له لازم جاز إذا كان له أن يسكن البيت بقية الشهر أو يكريه إذا خرج، وإلا لم يجز على حال، وللمكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي، إلا أن يكون بينهما شرط، فيحملان عليه. وإن أكراها في رأس الهلال كل شهر بكذا، فكان الشهر تسعة وعشرين [يوماً] فله كراء الشهر كاملاً. 3099 - ومن قال لرجل: أكتري منك دارك أو حانوتك في كل سنة، أو كل سنة بدرهم، أو في كل شهر، أو كل شهر بدرهم، فلرب الدار أن يخرجه متى شاء، وللمكتري أن يخرج متى شاء، ويلزمه فيما سكن حصته من الكراء، إلا أن يكتري منه سنة بعينها، أو شهراً بعينه، فلا يكون لأحدهما فسخ الكراء إلا أن يتراضيا جميعاً. قال ابن شهاب: ومن مات بعد أن أكرى داره عشر سنين، فليس للورثة إخراج المكتري إلا برضاه، ولهم بيعها على أن للمكتري سكناه، وإن مات المكتري وقد سكن أو لم يسكن لزم ورثته الكراء في تركته. قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنة أو سنتين ولم يسمّ متى يسكن، جاز، ويسكن أو يُسكن غيره متى شاء، ما لم يأت من ذلك ضرر بيّن على الدار.

3100 - ومن اكترى داراً سنة بعد أن مضت عشرة أيام من الشهر، حسب إحدى عشر شهراً بالأهلة، وشهراً على تمام هذه الأيام ثلاثين يوماً، كالعدة والأيمان. ومن اكترى داراً ثلاث سنين، فمنعه ربها من سكناها سنة، فخاصمه بعدها، فإنه يقضى للمكتري بسكنى عامين وعليه كراؤهما فقط، كالعبد يمرض أو يأبق في الإجارة، فليس عليه قضاء ذلك. ولو أمكنه رب الدار منها فتركها المكتري سنة، فإن لم يكن رب الدار فيها، أو ساكن من قِبَله أو شاغل لها، فجميع الكراء للمكتري لازم، كمن اكترى إبلاً أو دواب ليركبها، فأتاه بها ربها فأبى أن يركبها، فإن عليه جميع الكراء. وإن اكتريت من رجل داراً هو فيها ساكن، فبقي في طائفة منها [لم يخرج، وسكنت أنت طائفة، لم يجب عليك إلا حصة ما سكنت. 3101 - ولو سكن أجنبي طائفة من دارك] وقد علمت به فلم تخرجه لزمه كراء كل ما سكن. (¬1) ومن اكترى داراً فله أن يكريها من مثله بأكثر من الكراء أو أقل. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/444) ، ومواهب الجليل (5/391) .

ومن اكترى حانوتاً للقصارة فله كراءه من حداد أو طحان أو غيره، إلا أن يكون ذلك أكثر ضرراً بالبنيان فيمنع، وله ذلك في المساوي، وإذا اتخذ مكتري الدار فيها تنوراً يجوز له فاحترقت منه الدار وبيوت جيرانه لم يضمن، وإن شرط ربها أن لا يوقد فيها ناراً فأوقد المكتري فيها ناراً لخبزه فاحترقت الدار ضمن. ولو أكراها المكتري من غيره فهدمها الثاني ضمن الثاني لربها، ولا شيء على الأول، لأنه [إنما] فعل ما يجوز له. 3102 - وإذا ربط المكتري بباب الدار دابة فرمحت فكسرته أو قتلت ابن رب الدار فذلك جبار، وكذلك من نزل عنها بباب المسجد أو بباب الأمير أو بباب حانوت نزله لحاجة، فما أصابت فهو جبار، [ولا يضمن، لأنه فعل ما يجوز له] . ومن اكترى داراً فله أن يدخل فيها ما شاء من الدواب والأمتعة، وينصب فيها الحدادين والقصارين والأرحية، ما لم يكن ضرراً على الدار، أو تكون داراً لا ينصب ذلك في مثلها لارتفاعها، ويمنع مما تعارف منعه. ومن اكترى بيتاً وشرط أن لا يسكن معه أحد، فتزوج أو ابتاع رقيقاً، فإن لم يكن في سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له أن يمنعه، وإن كان في سكناهم ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر في ذلك.

3103 - وأكره للمسلم كراء حانوته أو داره من ذمي ليبيع فيها خمراً أو خنازير، أو دابته ليحمل ذلك عليها، أو ممن يعلم أنه يريدها لذلك، فإن فعل فالكراء فاسد، وإن لم يكن يعلم أنه يفعل ذلك فيها، فذلك جائز من كتابي أو مجوسي، فإن فعل ذلك فيها فله منعه من ذلك كان في قرية أو مدينة، ولا يفسخ الكراء. وكذلك إن اتخذ في الدار كنيسة يصلي فيها هو وأصحابه وأراد أن يضرب فيها ناقوساً، فلرب الدار منعه من ذلك. 3104 - ومن نكح امرأة وهي في بيت اكترته سنة، فدخل بها وسكن فيه باقي السنة، فلا كراء عليه لها، ولا لربها، وهي كدار تملكها، إلا أن تبين [له] : إني بالكراء [أسكن] فإما وَديْت أو خرجت. وقال غيره: عليه الأقل من كراء المثل، أو ما اكترت به.

3105 - ومن اكترى داراً بإفريقية وهو بمصر جاز ذلك كالشراء، ولا بأس بالنقد فيها، لأنها مأمونة، فإن قدم فلم يرضها حين رآها، أو قال: هي بعيدة من المسجد، فالكراء لا يصلح إلا أن يكون قد رأى الدار، وعرف موضعها أو على صفة، وإلا لم يجز. 3106 - ومن اكترى داراً على أن يبتدئ سكناها إلى شهر أو شهرين، جاز ذلك وإن نقد الكراء، والدور والأرضون المأمونة مخالفة للرقيق والحيوان في الكراء. ومن اكترى داراً بدنانير لم يصفها، والنقد مختلف، فإن عرف لنقد الكراء سُنّة قضي بها، وإلا فسخ الكراء، وعليه فيما سكن كراء مثلها. 3107 - ولا بأس بكراء دار أو رقيق عشر سنين ويعجل النقد. وقال أكثر الرواة: إنّ بُعْد الأجل في الرقيق خطر، ومن اكترى داراً سنة ولم يشترط عليه النقد غرم بحساب ما سكن إلا أن يكون كراء الناس عندهم على النقد، فيقضى به، وكذلك الدواب. 3108 - ولا ينتقض الكراء في الدور، ولا الكراء المضمون في الدواب والإبل بموت أحد المتكاريين.

وإذا ظهرت من مكتري الدار خلاعة [أو دعارة] أو فسق أو شرب خمر، لم ينتقض الكراء [ولكن] الإمام يمنعه من ذلك، ويكف أذاه عن الجيران، وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه وأكراها عليه. 3109 - وإن اكترى قصار وحداد حانوتاً، فأراد كل واحد مُقَدَّمه، ولم يقع كراؤهما على أن لأحدهما مقدم الحانوت من مؤخره، فالكراء لهما لازم، ويقسم بينهما إن انقسم، وإلا أكري عليهما، لأنه ضرر، والبيت مثله. 3110 - ومن اكترى بيتاً فهطل عليه، لم يجبر رب البيت على الطَّر، ولا للمكتري أن يطر من كرائها ويسكن، وله الخروج في الضرر البيّن من ذلك، إلا أن يطرّها رباه فلا خروج له. قال غيره: الطر وكنس المراحيض مما يلزم رب الدار.

3111 - ومن اكترى داراً فانهدمت كلها، أو بيت منها أو حائط، لم يجبر ربها على البنيان، إلا أن يشاء، فإن انهدم منها ما فيه ضرر على المكتري قيل له: إن شئت فاسكن أو فاخرج، وناقضه الكراء، وليس له أن يصلح من كرائها ويسكن، إلا أن يأذن له ربها في ذلك، فإن بناها ربها في بقية من وقت الكراء، لزم المكتري أن يسكن، ولم يكن له أن ينقض الكراء، هذا إن بناها ربها قبل خروج المكتري، وأما إن بناها بعد خروجه، وقد بقي من الأمد شيء لم يلزم المكتري الرجوع لتمام ما بقي. وإن لم يكن فيما انهدم ضرر على المكتري، ولم يبنه رب الدار، لزم المكتري السكنى وجميع الكراء، ولم يوضع عنه لذلك من الكراء شيء، وانهدام الشرفات لا يضر بسكنى المكتري وإن أنفق فيها كان متطوعاً لا شيء عليه. ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها ثم غارت [عينها] أو انهدمت بئرها

وأبى رب الأرض أن ينفق عليها، فللمكتري أن ينفق فيها حصة تلك السنة خاصة من الكراء، ويلزم ربها، وإن زاد على كراء سنة فهو متطوع، وكذلك من أخذ نخلاً مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى، فله أن ينفق عيها قدر حصة صاحب الأرض من الثمرة سنته تلك لا أكثر. وليست الدور كذلك، لأن المكتري لا نفقة له فيها، والذي زرع أو ساقى قد تقدمت له نفقة فيها وعمل، وفي نفقته إحياء للزرع، ولو لم يزرع الأرض ولا سقى النخل حتى غارت لم يكن للمكتري أن ينفق فيها شيئاً، وصارت بمنزلة الدور. 3112 - وإذا انهدمت الدار وربها غائب فليُشهِد المكتري على ذلك، ولا شيء عليه، ولا عذر ينقض به الكراء إلا هدم الدار، أو ينهدم منها ما يضر بالسكنى، فللمكتري أن يتركها إن أحب، وكذلك إن خاف أن تسقط عليه وكان البنيان مخوفاً فله أن يناقضه [الكراء] . 3113 - ولا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه حداداً أو قصاراً أو طحاناً إذ لم يضر ذلك بالبنيان، وإن كان [ذلك] ضرراً على البنيان أو فساداً للحانوت لم يكن له أن يعمله، وإن اشترط المكتري أن يعمل في الحانوت ما ذكرنا، وفيه ضرر على البنيان لزم ذلك ربه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/538) .

3114 - ومن اكترى حانوته من رجل فإذا هو جزار أو قصار، ولا ضرر في عمله على البنيان إلا أنه يقذر الحانوت، فكره رب الحانوت تقذيره فله منعه، لأن فيه ضرراً على الحانوت. قال غيره: إذا كانت الأعمال يتفاوت ضررها وأكريتها، لم يجز الكراء، إلا على شيء معروف يعمل فيه، وإن لم يختلف فلا بأس به. 3115 - وإذا قال رب الدار: أكريتكها سنة بمائة دينار، وقال المكتري: بل بمائة إردب حنطة، تحالفا وتفاسخا كالبيوع. وكذلك لو سكن [المكتري] أياماً أو شهراً أو شهرين أو أكثر من سنة، ثم اختلفا تحالفا، ويبدأ رب الدار باليمين، ويفسخ الكراء كله، ويأخذ رب الدار فيما مضى كراء المثل، وكذلك لو قال رب

الدار: أكريتك بعشرة، وقال المكتري: بدينار، [وقالا جميعاً] ما لا يشبه، وقد سكن أو لم يسكن فهو كما ذكرنا. ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء، فادعى أنك أسكنته بغير كراء، فالقول قولك فيما يشبه من الكراء مع يمينك، وقال غيره: على الساكن الأقل من دعواك، أو من كراء المثل بعد أيمانكما. 3116 - قال ابن القاسم: وكل ما ادعى الساكن أنه زاده في الدار من خشبة أو من فرش قاعة أو سترة جدار، فالقول قول ربها في تكذيبه، وما كان ملقى في الأرض من حجر أو باب أو خشبة أو سارية، فالقول فيه قول المكتري. وإذا أذن له رب الدار أن ينفق من كرائها، فزعم أنه أنفق، وأكذبه رب الدار فالمكتري مصدق، لأنه أمين، إن تبين للعمل أثر، وإن تبين كذبه، لم يصدق، والعمل والبناء يتبين أثره، كبيت جديد يشبه أن يكون من بنيان المكتري، أو مرمة جديدة. قال غيره: على المكتري البينة، لأن الكراء دين لزمه، وعلى المكري اليمين.

وإذا انقضى أجل الكراء وقد أحدث المكتري في الدار بناء، أو غيره مما ينتفع به بأمر رب الدار أو بغير أمره من غير الكراء، فما كان لنقضه قيمة، لرب الدار أن يعطيه قيمته مقلوعاً، وليس للمكتري أن يأبى، لأنه مضار، ولرب الدار أن يأمره بقلعه أحدثه بأمره أو بغير أمره، لأنه يقول: لم آذن لك في نفعك لأغرم لك شيئاً، وأما ما لا ينتفع به إن نقض من جص وطين، فلا شيء له فيه، إلا أن يكون له فيه نفع فيكون كما ذكرنا. 3117 - ومن وكل رجلاً يكري داره فأكراها بغير العين، أو حابى في الكراء، فهو كالبيع لا يجوز، ولو أعارها أو تصدق بها أو وهبها أو أسكنها أو حابى فيها رجع ربها على الوكيل بالكراء في ملائه، ثم لا رجوع للوكيل على الساكن. وإن كان الوكيل عديماً رجع ربها على الساكن بالكراء، ثم لا رجوع للساكن على الوكيل. 3118 - ومن اكترى داراً سنة فسكن فيها ستة أشهر ثم فلس، فربها أحق ببقية السكنى إلا أن يدفع إليه الغرماء حصة باقي الشهور من الكراء بالتقويم، فإن أبوا خير في الحصاص بجميع الكراء وإسلام الدار، أو أخذ باقي السكنى بحصته من الكراء، والحصاص بحصة كراء ما مضى.

3119 - ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها سنة أو سنتين ثم تهَوَّر بئرها، أو انقطعت عينها، قوّم العام الأول على قدر نفاقه، وتشاح الناس فيه، وليس كراء الأرض في الشتاء والصيف واحداً، وكذلك يحسب كراء الدور في الهدم، ولا يحسب على عدد الشهور والأعوام، وقد تكرى سنة لأشهر فيها كدور بمصر وبمكة، تكثر عمارتها في المواسم. 3120 - ومن اكترى أرضاً ليزرعها فغرق بعضها قبل الزراعة أو عطش، فإن كان أكثرها ردّ جميعها، وإن كان تافهاً حط عنه بقدر حصته من الكراء في كرمه ورداءته، لا بقدر مساحته منه إذا كانت مختلفة، ولزمه ما بقي من الأرض بحصته من الكراء، وكذلك في استحقاق بعض الأرض فيما يقل ويكثر. (¬1) 3121 - ولا بأس بكراء أرض المطر عشر سنين إن لم ينقد، فإن اشترط النقد فسد الكراء. وإن كان اكتراها سنين، وقد أمكنت للحرث، جاز نقد حصة عامه هذا، فإن اكتراها قرب الحرث، وحين توقع الغيث، لم يجز النقد حتى تروى ويتمكن من الحرث. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (11/528) ، والتاج والإكليل (5/444) .

قال غيره: لا تكرى أرض المطر التي تروى مرة وتعطش أخرى، إلا قرب الحرث وتوقع الغيث، إذا لم ينقد، ولا يجوز كراؤها بالنقد حتى تروى رياً [مأموناً] متوالياً مبلغاً للزرع أو لأكثره، مع رجاء مطر غيره، ولا يجوز كراؤها إلا عاماً واحداً، إلا أن تكون مأمونة كأمن النيل في سقيها فلا بأس بكرائها قرب إبان شربها، بالنقد أو بغير النقد. 3122 - قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً ليزرعها فقحطت السماء فلم يقدر على الحرث وقد أمكن من الأرض، أو غرقت أو لم يقدر أن يزرع أو كان لها بئر أو عين، فانهارت قبل تمام الزرع، فهلك الزرع لذلك، أو امتنع الماء الذي يحيا به الزرع من السماء أو من بئر أو عين حتى هلك الزرع فلا كراء على الزارع، وإن نقده رجع به، فإن جاءه بما] كفى بعضه أو هلك بعضه فإن حصد ماله بال،

وله فيه نفع، فعليه من الكراء بقدره، ولا شيء عليه إن حصد ما لا بال له، ولا نفع له فيه. وأما إن هلك زرعه ببرد أو جليد أو جائحة فالكراء عليه، وأما إن أتى مطر بعدما زرع فغرق زرعه أياماً، أو شهراً فأماته، فإن كان غرقه بعد مضي إبان الحرث، كان كالجليد والجراد والبرد، وإن كان غرقه في إبان لو انكشف الماء عن الأرض أدرك زرعها ثانية، فلم ينكشف حتى فات الإبان، فذلك كغرقها في الإبان قبل أن تزرع حتى فات الحرث فلا كراء عليه، ولو انكشف الماء في إبان يدرك فيه الحرث لزمه الكراء، وإن لم يحرث. 3123 - ويجوز النقد في أرض النيل قبل ريّها لأمنها. قيل لمالك: فإن كانت أرض المطر فيما اختبر منها لا تخلف، أيجوز النقد فيها؟ قال: النيل أبين شاناً، وأرجو جواز النقد فيها إن كانت هكذا، بخلاف التي تخلف من أرض المطر، أو ذات بئر قل ماؤها، يخاف أن لا يقوم بها، فالنقد في هاتين خطر، لغلبة الغرر في أن يكفي ماؤها، فيغبن المكتري رب الأرض، أو لا يكون فيها ما يكفي، فيكون المكتري مغبوناً، ويصير النقد لهذا الغرر تارة ثمناً، وتارة سلفاً،

كالنقد في المواضعة والخيار وبيع العهدة، ولم يدخلا في الماء المأمون في غرر، وإن انقطع الماء بأمر حادث فللمكتري إنفاق كراء سنته في غور بئر، أو عين، وليس له [ذلك] في غير المأمونة، إن أبى ربها. 3124 - ومن زرع في أرض الخراج بكراء مثل أرض مصر فغرقت أو عطشت فلا كراء عليه إذا لم يتم الزرع من العطش. وأما أرض الصلح التي صالحوا عليها، إذا زرعوا فعطش زرعهم فعليهم الخراج. قال غيره: هذا إذا كان الصلح وظيفة عليهم، فأما إن صولحوا على خراج على الأرض معروف فلا شيء عليهم. 3125 - ومن اكترى أرضاً ليزرعا عشر سنين، فأراد أن يغرس فيها شجراً، فإن كان ذلك أضر بها منع، وإلا فله ذلك، كحمله على الراحلة غير ما اكتراها له.

وإن اكتريت أرضاً سنين مسماة، فغرست فيها شجراً فانقضت المدة، وفيها شجرك فلا بأس أن تكتريها من ربها سنين مستقبلة، ولو اكتريت أرضاً فأكريتها من غيرك فغرسها ثم انقضت مدة الكراء وفيها غرسه، فلك أن تكريها من ربها سنين مؤتنفة، ثم إن أرضاك الغارس وإلا قلع غرسه. قال غيره: لا ينبغي ذلك حتى يتعامل الغارس ورب الأرض على ما يجوز، ثم يكري أرضه إن شاء، إلا أن يكريك أرضه على أن يقلع عنك الشجر. 3126 - قال ابن القاسم: ولو كان موضع الشجر زرعاً أخضر لم يكن لرب الأرض أن يكريها ما دام زرع هذا فيها، لأن الزرع إذا انقضت الإجارة لم يكن لرب الأرض قلعه، وإنما له كراء أرضه، وله أن يقلع الشجر فافترقا، إلا أن يكريها إلى تمام الزرع فلا بأس بذلك. قال سحنون: إن كانت الأرض مأمونة. وإذا انقضت السنون وفي الأرض للمكتري زرع لم يبد صلاحه لم يجز لرب

الأرض شراؤه، وإنما يجوز بيع زرع أخضر يشترط مع الأرض في صفقة، وكذلك الأصول بثمرها، وإن لم يشترطه المبتاع كان ما أثبر من الثمر أو ما ظهر في الأرض من الزرع للبائع، وإن لم تؤبر الثمرة ولم يظهر الزرع [في الأرض] فذلك للمبتاع. 3127 - ومن اكترى أرضاً فغرسها شجراً، ثم انقضت المدة فصالح ربها على بقاء الغرس في أرضه عشر سنين على أن له نصف الشجر، لم يجز، لأنه أكراه نصف الشجر يقبضها إلى عشر سنين، وقد تسلم أو لا تسلم. ولو بتل له الآن نصف الشجر جاز. وقال غيره: لا يجوز، لأنه فسخ دين في دين. ومن اكترى أرضاً عشر سنين على أن يغرسها المكتري شجراً سماها، على أن الثمرة للغارس، فإذا انقضت المدة فالشجر لرب الأرض، لم يجز، لأنه أكراها بشجر لا يدري أيسلم أم لا؟. ومن اكترى أرضاً يزرعها كل سنة بكذا، ولم يسم سنين بأعيانها، جاز ذلك، ولكل واحد منهما أن يترك متى شاء، ما لم يزرع المكتري، فحينئذ لا ترك لأحدهما

تلك السنة خاصة، ويلزمه كراؤها، ويترك بعد ذلك إن شاء. وإن قال المكتري: أنا أقلع زرعي، وأؤدي حصة ما مضى، لم يكن له ذلك، كان في إبان الحرث أو بعده، نه حين زرع فقد رضي بأخذ الأرض سنة. وإن اكتريت من رجل أرضه قابلاً، وفيها الآن زرع له أو لمكتري عامه جاز، فإن كانت مأمونة كأرض النيل جاز شرط النقد فيها، وإلا لم يجز شرطه. ومن اكترى داراً على أن لا يقبضها [إلا] إلى سنة، جاز ذلك، وجاز النقد فيها لا منها، فإن بَعُد الأجل جاز الكراء، ولا أحب النقد فيه، ولم يجز في سائر العروض والحيوان شراؤه على أن لا يقبض [إلا] إلى أجل، لغلبة الغرر في تغيره. (¬1) 3128 - ومن اكترى أرضاً سنة فحصد زرعه قبل تمام السنة، فأما أرض المطر فمحمل السنة فيها الحصاد، ويقضى بذلك فيها، وأما ذات السقي التي تكترى على أمد الشهور والسنين، فللمكتري العمل إلى إتمام سنته، وإن تمت وله فيها زرع أخضر أو بقل، فليس لرب الأرض قلعه، وعليه تركه إلى تمامه، وله فيما بقي كراء مثلها على حساب ما أكراها منه. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (8/58) .

قال غيره: إن بقي من السنة بعد حصاده ما لا يتم فيه زرع فلا ينبغي أن يزرع، فإن فعل فعليه في زيادة المدة الأكثر من الكراء الأول، إذ كأنه رضيه أو كراء المثل. 3129 - ومن اكترى أرضاً ليزرعها شعيراً فأراد أن يزرعها حنطة، فإن كان ذلك أضر بالأرض منع، وله أن يزرع ما ضرره مثل ضرر الشعير فأدنى. 3130 - وإذا قال المكتري: اكتريت الأرض عشر سنين بخمسين، فقال ربها: بل خمس سنين بمائة. فإن كان بحضرة الكراء تحالفا [وتفاسخا] وإن كان قد زرعها سنة أو سنتين ولم ينقد فلربها فيما مضى ما أقر به المكتري إن أشبه تغابن الناس ويحلف، وإن لم يشبه فعلى قول ربها إن أشبه مع يمينه، فإن لم يشبه فله كراء المثل فيما مضى، ويفسخ باقي المدة على كل حال، وإنما فسخنا الكراء بقية الخمس سنين، وإن أقر بها رب الأرض لدعواه في كرائها أكثر من دعوى المكتري، وهذا إذا لم ينتقد، ومن قول مالك - رحمه الله -: إن رب الأرض والدابة والدار مصدق في الغاية [والمدة] فيما يشبه، وإن لم ينتقد.

قال غيره: إذا انتقد فالقول قول ربها مع يمينه فيما يشبه من المدة، فإن لم يأت بما يشبه، وأتى المكتري بما يشبه صدق فيما سكن على ما أقر به، ويرجع ببقية المال على ربها بعد يمين ربها [على ما ادعى عليه] ، ويمين [المكتري] فيما ادعى عليه من طول المدة، وإن لم يشبه ما قال واحد منهما تحالفا وفسخ الكراء، وعلى المكتري قيمة كراء ما سكن، وإن أتيا بما يشبه صدق رب الدار، لأنه انتقد مع يمينه، ولم يسكن المكتري إلا ما أقر به المكري. قال سحنون: وروى نحوه ابن وهب عن مالك: وهذا هو الأصل في الدور والرواحل والعبيد وغيرها، فرد إليه ما خالفه. 3131 - قال ابن القاسم: ومن زرع أرض رجل، وادعى أنه اكتراها منه، وربها منكر،

فربها مصدق مع يمينه، إلا أن يعلم به ربها حين زرع، ولم ينكر عليه، فإن قامت بذلك بينة أو لم تقم بينة، فأحلف عليه فنكل، فليس له إلا ما أقر به المكتري مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه. قال غيره: علم به أو لم يعلم، فله الأكثر من كراء المثل، أو ما أقر به المكتري مع يمينه على دعوى المكتري إن كان كراء المثل أكثر من دعواه. قال ابن القاسم: وإن لم يعلم وقد مضى إبان الزراعة، فله كراء المثل ولا يقلعه وإن لم يفت الإبان ولم تقم [له] بينة أنه علم به فتركه، ولا أنه أكراه، حلف على ذلك ثم خُيّر بين أن يأخذ من المكتري ما أقر به، قال غيره: أو كراء المثل. قالا: فإن أبى فله أن يأمره أن يقلع زرعه، إلا أن يتراضيا على ما يجوز فينقد

بينهما، ولو تركه لرب الأرض جاز ذلك إن رضي بها، وإن لم يكن للمكتري في الزرع نفع إذا قلعه، لم يكن له قلعه، وبقي لرب الأرض، إلا أن يأباه فيأمره بقلعه. 3132 - ومن اكترى من رجل أرضاً فتشاحا في النقد، فإن كان لأهل البلد سنة في كراء الأرض حملا عليها، وإلا نظر، فإن كانت كأرض النيل التي تروى في مرة، لزم المكتري النقد إذا رويت، وإن كانت لا يتم زرعها إلا بالسقي أو المطر فيما يستقبل بعد الزراعة، لم ينقده إلا بعد تمام ذلك. (¬1) قال غيره: إن كانت من أرض السقي وكان السقي مأموناً، وجب له كراؤه نقداً. قال ابن القاسم: وإن كانت تزرع بطوناً كالقصب والبقول نقده لكل بطن ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/393) ، ومواهب الجليل (5/394) .

حصته بعد أن يسلم. قال غيره: عليه بقدر حصة أول بطن. والفرق بين النقد في الدور والرواحل، وبينه في الأرض غير المأمونة، أنه ليس له في الأرض بحساب ما يمضي إذ لا كراء له إذا عطش الزرع، وفي تينك في كل وقت يمضي قد وجب كراؤه وتم نفعه، فإذا لم يكن للنقد فيها سنة وجب له كراء ما مضى. 3133 - ومن اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إن انكشف عنها الماء، وإلا فلا كراء بينكما، جاز إن لم تنقد، ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافه، قال غيره: إن خيف أن لا ينكشف لم يجز وإن لم ينقد.

3134 - ومن اكترى أرضاً أو داراً كراءً فاسداً وقبض ذلك، فلم يسكن ولم يزرع حتى مضت المدة، فعليه كراء المثل، ولو لم يقبض الأرض، ولا الدار، لم يلزمه كراء، وكذلك الدابة. وكل كراء فاسد ففيه إن سكن كراء المثل، كان أقل من التسمية أو أكثر، ولا ينتقض الكراء بموت المتكاريين أو أحدهما. ومن اكترى داراً أو أرضاً فلم يجد بذراً، أو سجنه سلطان باقي المدة، فالكراء يلزمه، ولا يعذر بهذا، ولكن يكريها إن لم يقدر هو على أن يزرعها. 3135 - ونهى النبي ÷ عن المزابنة والمحاقلة. (¬1) والمزابنة: اشتراء الرطب بالتمر، والمحاقلة: اشتراء الزرع بالحنطة، واكتراء ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/624، 625) ، والبخاري (2381) ، ومسلم (1536) ، وأبو داود (3304) ، والترمذي (1290) ، وابن ماجة (2266) ، وأحمد في المسند (3/360) ، وأبو عوانة (3/307، 321) ، والشافعي في مسنده (ص146) .

الأرض بالحنطة. (¬1) قال ابن القاسم: ومن المحاقلة اكتراؤها بشيء مما تنبته، كمن اكترى الأرض بكتان فزرعها كتاناً، وفي حديث آخر أنه عليه السلام نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، وهي المخابرة التي نهى عنها في حديث آخر، فلا يجوز كراء الأرض بشيء مما تنبت بفيما] قل أو كثر، ولا بطعام تنبت مثله، أو لا تنبته، ولا بما تنبته من غير الطعام، من قطن أو كتان أو أصطبة، إذ قد يزرع ذلك فيها فيصير ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني (3/345، 346) ، والتمهيد (2/313) ، (6/441، 443) .

محاقلة، ولا بقضب أو قرظ أو تبن أو علف، ولا بلبن محلوب أو في ضروعه، ولا بخبز أو سمن أو عسل أو تمر أو صير أو ملح، ولا بسائر الأشربة والأنبذة. وإذا خيف في اكترائها ببعض ما تنبت من الطعام أن يدخله طعام بمثله إلى أجل خيف في اكترائها بطعام لا تنبته أن يكون طعاماً بطعام خلافه إلى أجل، ولا تكتري بفلفل ولا بزيت زريعة الكتان، أو بزيت الجلجلان، ولا بالسمك ولا بطير الماء الذي هو للسكين، ولا بشاة لحم، لأن هذا من الطعام، ولا بزعفران، لأنه مما تنبته، ولا بطيب يشبه الزعفران، ولا بعصفر. ولا بأس بكرائها بالعود والصندل والحطب والخشب والجذوع، ويجوز كراؤها بالعين، وروي ذلك عن النبي ÷، وقاله عدد من الصحابة والتابعين. ومن أكرى أرضه بدنانير مؤجلة، فحلّت، فلا يأخذ بها طعاماً ولا إداماً، وليأخذ ما يجوز أن يبتديا به كراها. ويجوز أن تكري أرضك بشجر بأصولها، وتأخذها من المكتري، إن لم يكن فيها

يومئذ ثمر، فإن كان فيها [يومئذ] ثمر لم يجز، كما كره مالك شراء [شجر] فيها ثمر، بطعام عاجل أو آجل، ويجوز بيع رقبة الأرض بشجر فيها ثمر، كما تباع بطعام عاجل أو آجل. 3136 - ولا باس ببيع نخل بتمر إلى أجل يثمر النخل إليه، كشاة لا لبن فيها في لبن إلى أجل يصير إليه فيها اللبن. 3137 - ولا يباع كتان بثوب كتان إلى أجل، لأنه يخرج منه، إلا أن يكون أجلاً قريباً لا يعمل في مثله من الكتان ثوب، فلا بأس به، كالقصيل يُسلم فيه شعير. وأما القصيل بالشعير إلى أجل قريب أو بعيد فلا باس به، ولا بأس بكراء دار بدار أو أرض بأرض. 3138 - ويجوز أن تكتري من رجل أرضه تزرعها أنت العام بأرضك عاماً قابلاً ليزرعها هو، إن كانت أرضك مأمونة، يجوز النقد فيها، لأن أرضه كعرض انتقدته في أرضك.

ومن اكترى أرضاً يقبضها قابلاً بألف درهم، إلى عشر سنين [جاز ذلك] ، وكذلك شراء الغائب بثمن إلى أجل أبعد من مسافته جائز، وليس ديناً بدين. ومن أكرى أرضه بدنانير معلومة على أن يأخذ لكل دينار عشرين درهماً جاز، وكذلك بدراهم [على أن] يأخذ لكل عشرين منها ديناراً، والتعاقد واقع على المقبوض واللفظ لغو، ولو ثبت الكراء بدراهم مؤجلة لم يجز أن يأخذ بها دنانير معجلة أو مؤجلة حتى تحل، فيأخذ بها دنانير نقداً. 3139 - ومن اكترى أرضاً بدراهم وخمر في صفقة، فسد جميعها ولم تجز حصة الدراهم، وإن رضي المكري بترك الخمر لم يجز، وليس كالبيع والسلف. ولا بأس بكراء الأرض بصوف على ظهور الغنم إن شرع في الجزّ مكانه أو إلى ما قرب من خمسة أيام أو عشرة. ومن أكرى أرضه بدراهم إلى أجل، فلما حلّ الأجل فسخها في ثياب بعينها على أن يقبضها إلى ثلاثة أيام، لم يجز، إلا أن يقبض الثياب قبل أن يفترقا، لأنه من وجه الدين بالدين [ويجوز كراؤها بثياب موصوفة إذا ضرب لها أجلاً] . ويجوز الكراء بالخيار لأحدكما أو لكما، وإن لم تؤجلاه جاز، وأجله الإمام

إلا أن يكون قد مضى مقداره، فيوقف الآن من له الخيار. وإن كانا بالخيار فاختلفا في الأخذ والرد، فالقول قول من أراد المرد. (¬1) ومن اكترى أرضاً على أنه إن زرع حنطة فبكذا، أو شعيراً فبكذا، أو اكتراها بهذا الثوب أو بهذا العبد لم يجز، وكذلك إن قال: [أكريك هذه الدار] بقفيز حنطة، أو قفيزين شعيراً أيهما شاء المكري أو المكتري، وذلك كله معين أو مضمون قد لزمهما، أو أحدهما لم يجز، وذلك من بيعتين في بيعة، فأما على غير الإلزام لأحدهما ومن شاء ردّ، فذلك جائز. 3140 - ومن أكرى أرضه من رجل [على أن] يزرعها قصباً أو قصيلاً أو بقلاً أو قمحاً أو شعيراً أو قطنية، على أن ما أنبتت بينهما، أو هو مع الأرض بينهما لم يجز، وإن قال له: اغرسها شجراً، أو قال: نخلاً فإذا بلغت النخل كذا أو كذا سعفة، والشجر قدر كذا، فالأصول والشجر بينهما نصفين، فذلك جائز. وإن ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (9/590) .

قال: فالأصول بيننا فقط، فإن كان مع مواضعها من الأرض جاز، وإن لم يشترط ذلك، وشرط له ترك الأصول في أرضه حتى تبلى لم يجز. وإن أعطيت لرجل أرضك فليزرع لك فيها حنطة من عنده بطائفة من أرضك يزرعها لنفسه لم يجز، لأنك أكريته الأرض بما تنبت الأرض، وإن دفعت إليه أرضك يزرعها بحبك، على أن له طائفة أخرى من أرضك غير مزروعة جاز ذلك. وإن قلت له: اغرس لي أرضي هذه نخلاً أو شجراً بطائفة أخرى من أرضي، جاز ذلك، وهذا ككراء الأرض بالخشب. 3141 - ومن اكترى ربع أرض ليزرعها أو جزءاً شائعاً قلّ أو كثر جاز ذلك كالشراء. ومن اكترى من رجل مائة ذراع من أرضه التي بموضع كذا جاز ذلك [كالشراء] إذا كانت متساوية، ولا يجوز في المختلفة حتى يسمي من أي موضع منها. قال غيره: فإن استوت لم يجز حتى يسمي الموضع.

3142 - ومن اكترى أرضاً على أن يكريها ثلاث مرات ويزرعها في الكراء الرابع جاز ذلك، وكذلك على أن يزبلها إن كان الذي يزبلها به شيئاً معروفاً، وإن شرط على أن يحرثها له ربها جاز ذلك، ولا بأس بالبيع والكراء في صفقة. 3143 - ولا بأس بكراء أرض أو دار غائبة ببلد قريب أو بعيد، على صفة أو رؤية متقدمة وينقده كالبيع، ثم لا رد له إن وجدها على الصفة، وإنما يجوز ذلك على رؤية متقدمة منذ أمد لا تتغير في مثله. 3144 - وللرجل بيع مراعي أرضه إذا بلغ خصبها أن يرعى، لا قبل ذلك فيبيع مرعاها سنة لا أزيد. وليس للرجل أن يكري ربع زوجته إلا بإذنها. ولا أحب للوصي أن يشتري لنفسه شيئاً من مال يتيمه أو يكتري أرضاً له

من نفسه، فإن نزل أعيد ما اشترى إلى السوق، فإن زيد عليه بيع، وإلا لزم الوصي ما سمى، وكذلك الكراء، إلا أن يكون إبّان الكراء قد مات، فيسأل أهل المعرفة عن الكراء، فإن كان فيه فضل غرمه الوصي، وإلا أدى ما عليه، و [لا] يرجع بالفضل إن كان له. 3145 - وإذا انتشر للمكتري في حصاده حب في الأرض، فنبت قابلاً فهو لرب الأرض، وكذلك من زرع زرعاً فحمل السيل زرعه إلى أرض غيره فنبت فيها. قال مالك: فالزرع لمن جره السيل إلى أرضه ولا شيء للزارع. 3146 - ومن ابتاع زرعاً أخضر على أن يحصده الآن، ثم أذن له رب الأرض في بقائه بكراء، أو بغير كراء، لم يجز، إلا أن يشتري الأرض بعد شرائه للزرع، فيجوز أن يبقيه فيها.

3147 - ومن اكترى أرضاً بعبد أو بثوب بعينه، فاستحق بعد الحرث أو الزراعة، فعليه كراء مثلها، وكذلك إن اكتراها بحديد أو رصاص أو نحاس بعينه، وقد عرفا وزنه فاستحق فالكراء ينتقض، إلا أن يكون قد زرعها أو حرثها أو أحدث فيها عملاً فعليه كراء المثل. ومن أكرى أرضه من رجل سنة ثم اكتراها من غيره سنة أخرى بعد الأولى جاز ذلك. 3148 - ولا بأس أن يكري المسلم أرضه من ذمي إذا كان لا يغرس فيها ما يعصر منه خمراً. وأكره للمسلم كراء أرض الجزية ذات الخراج، وإن اكتريتها فجار السلطان عليك فأخذ منك الخراج، فإن لم يكن الذمي أداه رجعت عليه بالخراج المعلوم لا بما جار وزاد عليك السلطان، وإن كان الذمي قد أداه لم ترجع عليه بشيء. 3149 - وإذا فلس المكتري أو مات بعد أن زرع ولم ينقد، فربها أحق [بالزرع في الفلس

وهو في الموت أسوة الغرماء، وكذلك رب الدار في فلس المكتري أحق] بالسكنى كلها إن لم يسكن المكتري، وإن سكن شيئاً فكلام غير هذا، وقد ذكرناه. وإن فلس الجمال فالمكتري أحق بالجمال حتى يتم حمله، إلا أن يضمن له الغرماء حِملانه ويكتروا له من أملياء ثم يأخذون الإبل ويبيعونها في دَينهم. وقال غيره: لا يجوز أن يضمنوا حملانه. وإن فلس المكتري أو مات فالجمال أولى بالمتاع، حتى يقبض كراءه، ويكري الغرماء الإبل في مثل ما اكترى، وجميع الصناع أحق بما في أيديهم في الموت والفَلَس. وإن اكتريت أرضاً بدراهم، ثم أقالك ربها، على إن زدته دراهم فذلك جائز. * * *

(كتاب القراض)

(كتاب القراض) 3150 - ولا تصلح المقارضة إلا بالدنانير والدراهم لا بالفلوس، لأنها تحول إلى الفساد والكساد، وليست عند مالك بالسكة البينة كالعين، وقد أخبرني عبد الرحيم أن مالكاً كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم، ثم رجع فكرهه.

وقد ذكر بعض أصحابنا أن مالكاً سهل في القراض بنقر الذهب والفضة، فسالت مالكاً عن ذلك، فقال: لا يجوز. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/87) .

3151 - قال ابن القاسم: ولا خير في القراض بطعام أو عرض، كان مما يكال أو يوزن أم لا، للغرر بتغير الأسواق عند المفاصلة، ويفسخ ذلك، وإن بيع ما لم يعمل بالثمن، فإن عمل به فله أجر مثله في بيعه، وقراض مثله في الثمن، ولا ينظر إلى ما شرط له من الربح. وكذلك إن دفعت إليه مالاً [قراضاً] على النصف على أن يشتري عبد فلان ثم يشتري بعدما يبيعه ما شاء، فهو أجير في شرائه وبيعه، وفيما بعد ذلك له قراض المثل، وكذلك إن دفعت إليه دنانير على أن يصرفها ثم يعمل بها، أو على أن يقبض من غريمك ديناً ثم يعمل به فله أجر الصرف أو التقاضي وقراض مثله إن عمل. ولا تدفع إليه وديعة لك عنده، أو ديناً لك عليه قراضاً، إلا أن تقبضه [منه] ثم تعيده إليه، لأن هذا اغتزاء الزيادة بتأخير الدين، ولعله أنفق الوديعة فيصير كالدين.

قال عبد العزيز: ولا تدفع إليه سلعتك وتقول: قامت عليّ بكذا، فما كان من ربح بعد ذلك فبيني وبينك، وهذا له أجر مثله فيما عمل، وما كان في سلعتك من ربح أو وضيعة فلك أو عليك. 3152 - ولا يجوز اشتراط عمل يد العامل لخفاف أو صناعة أو غيرها، فإن نزل كان أجيراً، والربح والوضيعة لرب المال أو عليه. 3153 - وتجوز المقارضة على النصف [والثلث والربع] والخمس أو أكثر من ذلك أو أقل، قلت: فإن أعطيته مالاً قراضاً على أن الربح كله للعامل؟ [قال:] قال مالك - رحمه الله - فيمن أعطى لرجل مالاً يعمل به على أن الربح للعامل، ولا ضمان عليه أنه لا بأس به، وكذلك المساقاة. وإن قارضه ولم يسمّ ما له من الربح، وتصادقا على ذلك، أو على أن له شِرْكَاً في المال لم يسمه، كان على قراض مثله إن عمل.

وقال غيره: إذا قال: لك شرك في المال ولم يسمه وتصادقا، فذلك على النصف. وإن أعطيته قراضاً على النصف، ثم تراضيتما بعد أن عمل أن [تجعلاه] على الثلثين له أو لك جاز ذلك. وإن قارضت رجلين على أن لك نصف الربح ولأحدهما الثلث وللآخر السدس لم يجز، كما لو اشتراه العاملان على مثل هذا، لم يجز، لأن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه بغير شيء. 3154 - وإذا اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل، رد المال، إلا أن يرضى بقول ربه، وإن اختلفا بعد العمل فالقول قول العامل، كالصانع إذا جاء بما يشبه، وإلا رد إلى قراض مثله، وكذلك المساقاة، وإن ادعى أحدهما ما لا يجوز، مثل أن يدعي أن

له من الربح مائة درهم ونصف ما بقي أو ثلثه، وادعى الآخر أن له الثلث أو النصف من الجميع، صدق مدعي الحلال منهما إذا أتى بما يشبه. وإذا اشترط المتقارضان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين، جاز ذلك، ولا أحب لهما أن يرجعا فيه، ولا يقضى بذلك عليهما. 3155 - وإذا كان العامل مقيماً في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة. قال الليث: إلا أن يشغله البيع فيتغدى بالأفلُس. ولا ينفق منه في تجهزه في سفره حتى يظعن، فإذا شخص [به] من بلده

كانت نفقته من المال في طعامه، وفيما يصلحه بالمعروف من غير صرف، ذاهباً وراجعاً إن كان المال يحمل ذلك، ولا يحاسب بذلك في ربحه، ولكن يلغى، وسواء [في ذلك] قرب السفر أو بعد، وإن لم يشتر شيئاً، وله أن يرد ما بقي بعد النفقة إلى صاحبه، فإذا رجع إلى مصره لم يأكل منه، وله أن يكتسي منه في بعيد السفر، إن كان المال يحمل ذلك، ولا يكتسي في قريبه، إلا أن يكون مقيماً بموضع إقامة يحتاج فيه إلى الكسوة. 3156 - ومن قدم إلى الفسطاط وأخذ مالاً قراضاً على أن يقيم يتجر به بالفسطاط وليست ببلده، فلينفق في مقامه، لأن المال حبسه بها، إلا أن يوطئها، أو ينتقل لسكناها، وإن لم يكن [له] بها أهل فلا نفقة له، ولو خرج بالمال إلى بلد فنكح [بها] وأوطنها فمن يومئذ تكون نفقته على نفسه. ولو أخذ مالاً قراضاً بالفسطاط، وله بها أهل، فخرج به إلى بلد له بها أهلن فلا نفقة له في ذهابه ولا في رجوعه، لأنه ذهب إلى أهله، ورجع إلى أهله. ولو أخذه في بلد ليس فيه أهله، ثم خرج إلى البلد الذي فيه أهله، فاتجر هناك فلا نفقة له في ذهابه إلى أهله، ولا في إقامته عندهم، وله النفقة في رجوعه. وللعامل أن يؤاجر من مال القراض من يخدمه في سفره، إن كان المال كثيراً،

وكان مثله لا يخدم نفسه، وله أن يؤاجر أُجراء للأعمال التي لا بد له من ذلك فيها ويكتري البيوت والدواب لما يحمل أو يخزن. 3157 - ولا ينبغي للعامل أن يهب منه شيئاً ولا يولي ولا يعطي عليه ولا يكافئ [فيه] أحداً، فأما أن يأتي بطعام إلى قوم، ويأتون بمثله، فأرجو أن يكون ذلك واسعاً، إذا لم يتعمد أن يتفضل عليهم، فإن تعمد ذلك بغير إذن صاحبه فليتحلل صاحبه، فإن حلله فلا بأس، وإن أبى فليكافئه بمثله إن كان ذلك شيئاً له مكافأة. قيل لمالك: إن عندنا تجاراً يأخذون المال قراضاً فيشترون به متاعاً يشهدون به الموسم، ولولا ذلك ما خرجوا، هل لهم في المال نفقة؟ فقال: لا نفقة لحاج ولا لغاز في مال القراض في ذهاب ولا رجوع. (¬1) 3158 - ومن تجهز لسفر بمال أخذه قراضاً من رجل، فاكترى وتزود ثم أخذ [مالاً] قراضاً ثانياً من غيره، فليحسب نفقته وركوبه على المالين بالحصص، وكذلك من أخذ مالاً قراضاً فسافر به وبمال لنفسه، فالنفقة على المالين. وإن خرج في حاجة لنفسه فأعطاه رجل قراضاً فله أن يفُضّ النفقة على مبلغ قيمة نفقته في سفره، ومبلغ القراض، فيأخذ من القراض حصته ويكون باقي النفقة عليه. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/368) .

3160 - وإذا أنفق العامل في السفر من مال نفسه رجع به في مال القراض، فإن هلك المال لم يلزم رب المال شيء، وكذلك إن اشترى بجميع مال القراض سلعاً واكترى لها دواب من ماله، فإن أدى ذلك رب المال وإلا كان للعامل أن يأخذ من ثمن المتاع كراءه وإن اغترقه، وإن لم يف بحقه فلا شيء له، ولا يكون بالكراء شريكاً في السلع. 3161 - وأما إن صبغ الثياب أو قصرها بمال من عنده، فذلك كزيادة في ثمن السلعة على السلف لرب المال، فإما دفع إليه رب المال ما أدى وكان على قراضه وإلا كان العامل شريكاً له بما أدى من ماله، لأن هذا عين قائمة بخلاف الكراء. قال غيره: إن دفع إليه رب المال قيمة الصبغ لم يكن الصبغ على القراض [الأول] ، لأنه كقراض ثان، على أن يخلط بالأول بعد أن عمل، بخلاف زيادة العامل على رأس المال في ثمن السلعة عند الشراء على السلف، لأن هذا كقراض ثان

قبل انشغال الأول، وذلك إنما صبغ الثياب بعد الشراء، فإن أعطاه رب المال قيمة الصبغ لم يكن على القراض، وله أن لا يعطيه ذلك، وأن يضمنه قيمة الثياب، فإن كان في القيمة فضل فللعامل حصته منه، وإن أبى أن يضمنه، كان العامل شريكاً في الثياب بقيمة الصبغ من قيمة الثياب. (¬1) 3162 - ولا يزكي العامل رأس المال ولا ربحه، وإن أقام في يده أحوالاً حتى ينض ويحضر ربه ويقتسمان، فإن كان العامل يدير زَكيّاً لكل سنة بقدر ما كان المال فيه من عين أو قيمة عرض، فإن كان أول سنة قيمة المتاع مائة، والسنة الثانية مائتين، والسنة الثالثة ثلاثمائة، زكى لكل سنة قيمة ما كان يسوى المتاع فيها، إلا ما نقصت الزكاة كل عام، [قال ابن القاسم:] وإن أخذ تسعة عشر ديناراً فعمل بها شهراً فكان تمام حول رب المال، ثم افترقا وقد ربحا ديناراً فلا زكاة عليهما، لأن رب المال لم يكمل له في رأس ماله وربحه ما فيه الزكاة. ولو أخذ قراضاً بعد ستة أشهر من يوم زكاه ربه فعمل به أربعة أشهر ثم تفاصلا، زكى رب المال لتمام حوله، ولا يزكي العامل حصة ربحه حتى يتم الحول من يوم اقتسما، وفي ربحه عشرون ديناراً، أو كان له مال قبل ربحه إذا أضافه إلى ربحه بلغ ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/327) .

ما تجب فيه الزكاة، فليزكه لتمام حول من يوم اقتسما، لأن الفائدة الأولى تضم إلى حول الثانية. 3163 - وإذا ضاع بعض المال بيد العامل قبل العمل أو بعده أو خسره أو أخذه اللصوص أو العاشر ظلماً، لم يضمنه العامل إلا أنه إن عمل ببقية المال أجبر بما ربح فيه أصل المال، فما بقي بعد تمام رأس المال الأول، كان بينهما على ما شرطا، ولو كان العامل قد قال لرب المال: لا أعمل حتى تجعل ما بقي رأس المال، ففعلا وأسقطا الخسارة فهو أبداً على القراض الأول، وإن حاسبه وأحضره ما لم يقبضه منه، وليس ما استهلك العامل منه مثل ما ذهب أو خسر، لأن ما استهلك قد ضمنه، ولا حصة لذلك من الربح، إلا أنه تمام رأس المال. 3164 - وإن تسلف العامل نصف المال أو أكله، فالنصف الباقي رأس المال، وربحه على ما شرطا، وعلى العامل غرم النصف فقط، ولا ربح لذلك النصف. ومن أخذ مائة قراضاً، فربح فيها مائة، ثم أكل منها مائة، ثم اتجر في المائة الباقية فربح مالاً، فالمائة في ضمانه، [وما بقي في يده] وما ربح بعد ذلك فهو بينهما على ما شرطا، ولو ضاع ذلك فلم يبق إلا المائة

التي في ذمته ضمنها لرب المال، ولا تعد ربحاً، إذ لا ربح إلا بعد [تمام] رأس المال. 3165 - وإن اشترى بالقراض وهو مائة [دينار] عبداً يساوي مائتين، فجنى عليه رب المال جناية نقصته مائة وخمسين ثم باعه العامل بخمسين، فعمل فيها فربح مالاً أو وضع لم يكن ذلك من رب المال قبضاً من رأس ماله وربحه حتى يحاسبه ويفاصله ويحسبه عليه، فإذا لم يفعل فذلك دين على رب المال مضاف إلى هذا المال. 3166 - وإذا اشترى العامل سلعة ثم ضاع المال خيّر ربه في دفع ثمنها [وتكون] على القراض، فإن أبى لزم العامل الثمن، وكانت له خاصة، وإن لم يكن له مال بيعت عليه، فما ربح فله، وما وضع فعليه. (¬1) وإن نقد فيها رب المال كان ما نقد فيها، لأن رأس ماله دون الذاهب، وإن ضاعت السلعة والمال قبل النقد، فلا شيء على رب المال، ويغرم العامل. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/367) ، والشرح الكبير (3/529) .

3167 - وإذا خاف العامل إن قدم ماله على مال القراض، أو أخّره [وقع] الرخص في ماله، فالصواب أن يخلطهما، ويكون ما اشترى بهما من السلع على القراض، وعلى ما نقد فيها، فحصة القراض بعلى] رأس مال القراض، وحصة العامل على ما نقد فيها، ولا يضمن العامل إذا خلطهما بغير شرط، ولا يجوز أن يقارضه على أن يخلطا ذلك بشرط. ولا يجوز للعامل أن يشارك بمال القراض أحداً، وإن عملا جميعاً، فإن فعل ضمن، ولا يجوز له أن يشارك عاملاً آخر لرب المال، كما لا يستودع المودع الوديعة عند من لربها عنده وديعة، ولا عند غيره. ولا يبيع أحدهما من الآخر بيعاً يحابيه فيه، وإن كان في المال فضل، فإن فعل لم يجز، لأنه قد يجبر ما يخسر بذلك [وينتفع به فيه] ، ولا يبضع العامل من المال بضاعة، فإن فعل ضمن، ولو أذن له رب المال في ذلك جاز، ما لم يأخذه على ذلك.

ولا يبضع مع عبد لرب المال اشترط معونته، ولا يوجه أيضاً مع عبد نفسه بعض المال إلى بلد يتجر فيه، فإن فعل ضمن. 3168 - ولو أذن رب المال للعامل أن يبيع بالنقد والنسيئة فلا يودع أحداً شيئاً إلا لعذر كالمودع، فإن كان لغير عذر ضمن، ويعذر بالسفر أو بمنزل خرب، إذ ليس بحرز أو ليس عنده من يثق به، ولا يضمن في هذا، ولا يشارك بالمال أو يقارض به إلا بإذن ربه. (¬1) وإن أخذه على النصف فتعدى فدفعه إلى غيره قراضاً على الثلثين ضمن، فإن عمل هب الثاني فربح، كان لرب المال نصف الربح، وللعامل الثاني نصفه، ثم يرجع الثاني ببقية شرطه وهو السدس على العامل الأول، وكذلك المساقاة، ولو كانت ثمانين ديناراً فخسر الأول أربعين ثم دفع أربعين إلى الثاني على النصف، فصارت مائة، ولم يكن الثاني علم بذلك، فرب المال أحق بأخذ الثمانين، رأس ماله ونصف ما بقي وهو عشرة، ويأخذ الثاني عشرة، ويرجع على الأول بعشرين ديناراً، وهي تمام نصف ربحه على الأربعين. قال أشهب: لا يحسب رب المال على الثاني إلا أربعين، رأس ماله فيأخذها ¬

(¬1) انظر: الكافي (1/385) ، والقوانين الفقهية (ص186) ، والتاج والإكليل (5/365) .

ثم يأخذ نصف الربح، وهو ثلاثون، فإن كان الأول أتلف الأربعين الأولى تعدياً رجع عليه رب المال بتمام عشرة ومائة إلى ما أخذه، وإن هلكت بأمر من الله رجع عليه بتمام التسعين، وذلك عشرون ديناراً، عشرة بقية رأس ماله، وعشرة حصته من الربح، ولا يأخذ ذلك من الثاني فيظلمه [في] عمله، وأرجعناه على الأول، لأنه ضامن بتعديه. قال ابن القاسم: وإن أمر العامل من يقتضي ديونه بغير إذن رب المال ضمن ما تلف بيد الوكيل مما قبض. 3169 - وإذا باع العامل سلعة من القراض، فأخر رب المال المبتاع بالثمن، جاز ذلك في حظ رب المال خاصة، فإن توى حظ رب المال، وقد قبض العامل حصته لم يرجع عليه رب المال بشيء، وكذلك ما وهب يجوز في حظه. وللمأذون [له] دفع القراض وأخذه، ولا يضمنه، وللعامل أن يأخذ قراضاً من رجل آخر، إن لم يكن الأول كثيراً يشغله الثاني عنه، فلا يأخذ حينئذ من غيره شيئاً، فإن أخذهما وهو يحتمل العمل بهما،

فله أن يخلطهما، ولا يضمن، ولا يجوز أن يكون ذلك بشرط من الأول أو الثاني. 3170 - ولا بأس أن يقارض الرجل عبده أو أجيره للخدمة إن كان مثل العبد. قال سحنون: ليس الأجير كالعبد، وللمكاتب أن يبضع أو يدفع قراضاً أو يأخذه على ابتغاء الفضل. 3171 - ولا أحب مقارضة من يستحل الحرام، أو من لا يعرف الحلال من الحرام، وإن كان مسلماً.

3172 - وأكره للمسلم أخذ قراض من ذمي، أو مساقاة [من ذمي] أو يؤاجر منه نفسه للمذلة، وليس بحرام، ولا بأس أن يدفع المسلم كرمه مساقاة إلى ذمي إن كان الذمي لا يعصر حصته خمراً. 3173 - ومن دفعت إليه مائتين قراضاً، على أن يعمل بكل مائة على حدة، وربح مائة لأحدكما وربح الأخرى بينكما، أو ربح مائة بعينها لك، وربح الأخرى للعامل لم يجز [للغرر] ، ويكون العامل أجيراً في المائتين. وكذلك على أن مائة على النصف ومائة على الثلث، ويعمل بكل مائة على حدة فلا خير فيه إذا كان لا يخلطهما، وكذلك في مساقاة الحائطين حتى يكونا على جزء واحد. 3174 - وإن أخذ المال على أن لرب المال درهماً من الربح ثم ما بقي بينهما

فسد القراض والربح كله لرب المال، والوضيعة عليه، وللعامل أجر مثله، [لا ضمان عليه] ، وإن ضاع المال فهو بأجره أسوة الغرماء في المال وفي غيره. 3175 - وإن أخذ قراضاً على أن يسلفه رب المال سلفاً كان أجيراً، والربح كله لرب المال، لأن السلف زيادة ازدادها العامل، وما لم يشترط فيه زيادة لأحدهما من القراض الفاسد، ففيه إن نزل قراض مثله، [كالقراض على ضمان، أو إلى أجل] ، فإنه يرد إلى قراض مثله، ولا ضمان عليه، وإن اشترطت على العامل إخراج مثل المال من عنده يعمل به مع مالك وله ثلاثة أرباع الربح، لم يجز، لأنه نفع اشترطته لكثرة المال، وكذلك إن اشترطت عليه أن يخرج من عنده أقل من مالك أو أكثر على ما ذكرنا. 3176 - ومن أخذ قراضاً على أن يعمل معه رب المال في المال، لم يجز، فإن نزل كان العامل أجيراً، وإن عمل رب المال بغير شرط كرهته، إلا العمل اليسير.

ولا يبيع رب المال عبداً من القراض بغير إذن العامل، [فإن فعل] فللعامل رده أو إجازته. 3177 - ويجوز للعامل أن يشترط على رب المال أن يعينه بعبده أو دابته في المال خاصة لا في غيره، ولم يجزه عبد العزيز في الغلام. قال ابن القاسم: ولا يصلح لرب المال أن يشترط معونة عبد العامل أو دابته. 3178 - ومن أخذ قراضاً على أن يخرج به إلى بلد يشتري منه تجارة فلا خير فيه، قال مالك: يعطيه المال ويقوده كما يقاد البعير؟ ّ، وإنما كره مالك من هذا أنه قال: يحجر عليه أن لا يشتري إلى أن يبلغ ذلك الموضع. وقد تقدم ذكر من أخذ قراضاً

على أن يبتاع عبد فلان. وفي كتاب المساقاة مسألة من طابت ثمرة نخله فدفعها مساقاة سنين. 3179 - ولا يجوز أن تقارض رجلاً على أن يشتري هو وتنقد أنت وتقبض ثمن ما باع، أو تجعل معه غيرك لمثل ذلك أميناً عليه، وإنما القراض أن تسلم إليه المال. ولا خير في أن يجعل رب المال ابنه مع العامل ليبصّره التجارة، لأنه نفع ازداده رب المال في تبصرة ولده، وكذلك إن جعل معه أجنبياً أراد نفع الأجنبي بذلك كصديق ملاطف أفسدت به القراض. 3180 - وإن قارضت رجلاً على النصف فلم يعمل حتى زدته مالاً آخر على النصف على أن يخلطهما فهو جائز. قيل: فإن زدته مالاً على الثلث؟ قال: لم يجز مالك دفع المالين [إليه] أحدهما على النصف والآخر على الثلث إذا كان لا يخلطهما. 3181 - وإن أخذ الأول على النصف فابتاع به سلعة، ثم أخذ الثاني على مثل جزء الأول

أو اقل أو أكثر على أن يخلطه بالأول لم يعجبني، إذ قد يخسر في الثاني فيلزمه جبره بما ربح في الأول. وإن كانت قيمة سلع الأول كرأس المال الأول فإن الأسواق قد تحول، وأما على أن لا يخلطه فجائز، فإن خسر في الأول وربح في الآخر، فليس عليه أن يجبر هذا بهذا، وإن اتجر في الأول وباع فنضّ في يديه ثم أخذ الثاني، فإن كان باع [بمثل] رأس مال [الأول] سواء، جاز أخذه للثاني على مثل جزء الأول، لا أقل ولا أكثر، وإن نضّ الأول وفيه ربح أو وضيعة، لم يجز أخذ الثاني عل مثل جزء الأول، أو أقل أو أكثر، لا على الخلط ولا على غير الخلط. وقال غيره: إن ربح في الأول جاز أخذه الثاني على مثل القراض الأول في الربح على أن لا يخلطه.

3182 - وإن دفعت إليه قراضاً على أن يبيع بالنسيئة فباع بالنقد، لم يجز هذا القراضز وقال غيره: فإن باع بالنقد تعدى، كمن قارض رجلاً على أن لا يشتري إلا صنف كذا غير موجود، كان قراضاً لا يجوز، فإن اشترى غير ما أمر به [فقد] تعدى، فإن ربح فله فيما ربح قراض مثله، وإن خسر ضمن، ولا أجر له في الوضيعة، ولا أعطيه إن ربح إجارته، إذ لعلها تغترق [الربح] وتزيد فيصل بتعديه إلى ما يريده. وقد قال ربيعة في المتعدي في القراض إن وضع ضمن الوضيعة، ويكون له في الربح قدر شرطه، وكذلك المتعدي في القراض الفاسد. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/115) ، والتاج والإكليل (5/360) .

3183 - قال مالك: ولا يجوز للعامل أن يبيع بالنسيئة إلا بإذن رب المال، فإن فعل بغير إذنه ضمن. ولا ينبغي أن يقارض رجلاً على أن لا يشتري إلا البزّ، إلا أن يكون موجوداً في الشتاء والصيف فيجوز، ثم لا يعدوه إلى غيره، ولا يبيع البز بعرض سواه، فيصير مبتاعاً لغير البز. وإن قلت له بعد أخذه المال وقبل أن يشغله في شيء لا تتجر به إلا في البز، فذلك لك إن كان البزّ موجوداً في الشتاء والصيف - كما ذكرنا -. 3184 - ويجوز أن تشترط عليه أن لا ينزل به وادياً، ولا يسري به بليل، ولا يبتاع به سلعة كذا، ولا يحمله في بحر، فإن فعل شيئاً من ذلك ضمن المال، وقاله السبعة رحمة الله عليهم أجمعين. وإن نهيته عن شراء سلعة في عقد القراض الصحيح أو بعد العقدة وقبل أن يعمل ثم اشتراها فهو متعد، ويضمن، ولك تركها على القراض أو تضمينه المال، ولو كان قد باعها كان الربح بينكما على شرطكما، والوضيعة عليه خاصة، وكذلك إن تسلف من المال ما ابتاع به سلعة لنفسه ضمن ما خسر، وكان [ما] ربح بينكما.

3185 - وإن ابتاع مُقارضك سلعة نهيته عنها، فأتى بها وفيها وضيعة، أو اتجر بما تعدى فيه فخسر، فجاء ومعه سلع لا وفاء فيها، أو عين لا وفاء فيه برأس المال فأردت تضمينه فقام غرماؤه، فقالوا: أنت أسوتنا إن ضمنته، فإن كان معه عين فأنت أحق به [منهم] وإن كان معه سلع فأنت مخير بين أن تشركه فيها، أو تسلمها وتضمنه رأس المال، فإن أسلمتها كنت أسوة الغرماء. 3186 - ومن نهيته عن الخروج بالمال من مصر، فخرج به إلى إفريقية عيناً ورجع به عيناً قبل أن يتجر فيه، ثم اتجر به بمصر فخسر أو ضاع منه بمصر، لم يضمن، لأنه رده قبل أن يحركه، كمن أخذ وديعة بمصر فليس له أن يخرجها من مصر، فإن فعل ضمنها إن تلفت، فإن ردها إلى مصر لم يضمن، وكذلك إن أنفق وديعة عنده أو بعضها ثم رد ذلك مكانه فضاعت لم يضمن. وللعامل أن يتجر بالمال في الحضر والسفر حيث شاء، إلا أن يقول له رب المال حين دفعه إليه بالفسطاط: لا تخرج من أرض مصر، أو من الفسطاط، فلا ينبغي له أن يخرج، فإن لم يشترط ذلك فليس له أن ينهاه عن السفر إذا أشغل [المال] ، ولو هلك رب المال بعد تجهزه به كان له النفوذ [به] إلى البلد الذي تجهز إليه.

3187 - وإن قارضته على أن يجلس به ههنا في حانوت في البزازين والسقاطين، يعمل فيه ولا يعمل في غيره، أو على أن يجلس في القيسارية، أو على أن لا يشتري لا من فلان أو من سلعة فلان، أو على أن لا يتجر إلا في سلعة كذا، وليس وجودها بمأمون، أو على أن يزرع فلا ينبغي ذلك، فإن نزل ذلك [كله] كان للعامل أجره، وما كان من زرع أو فضل أو خسارة، فلرب المال وعليه، ولو علم رب المال أنه يجلس في حانوت فهو جائز، ما لم يشترطه عليه. 3188 - ولو زرع العامل من غير شرط في أرض اشتراها من مال القراض، أو اكتراها، جاز ذلك إن كان بموضع أمن وعدل، ولا يضمن. وأما إن خاطر به في موضع ظلم وغرر يدري أنه خطر، فإنه ضامن. ولو أخذ العامل نخلاً وأنفق عليها من مال القراض، كان كالزرع، ولم يكن متعدياً. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/362) .

3189 - وإن أخذ العامل ألف درهم قراضاً، فابتاع بها سلعة، فلم ينقد حتى ابتاع أخرى على القراض بألف، أو ابتاع سلعة بأكثر من رأس المال ليضمن ما زاد ديناً ويكون في القراض، لم ينبغ ذلك أن يضمن العامل الدين، ويأخذ رب المال ربحه، [هذا لا يجوز] . وإن أخذ مائة قراضاً فاشترى سلعة بمائتين نقداً كان فيها شريكاً لرب المال، يكون نصفها على القراض ونصفها للعامل، وإن كانت المائة الثانية مؤجلة على العامل، قومت المائة المؤجلة بالنقد، فإن ساوت خمسين كان العامل شريكاً بالثلث. 3190 - ومن اشترى سلعة فعجز عن بعض ثمنها فأخذ من رجل قراضاً ونقده فيها، لم أحب ذلك، وأخاف أن يكون قد استغلى، وإن ابتاع سلعة ثم سأل رجلاً ليدفع

إليه مالاً ينقده فيها، ويكون قراضاً بينهما، فلا خير فيه، فإن نزل لزمه ردّ [ذلك] المال إلى ربه، وما كان فيها من ربح أو وضيعة فله وعليه، وهو كمن أسلفه رجل ثمن سلعة على أن له نصف ربحها. 3191 - وإن باع العامل سلعة فطعن عليه بعيب فحط من الثمن أكثر من قيمة العيب أو أقل، أو اشترى سلعة من والده أو ولده فما كان من هذا نظراً بغير محاباة جاز. 3192 - وإن اشترى بجميع المال عبداً، ثم رده بعيب فرضيه رب المال، فليس ذلك لرب المال، لأن العالم إن أخذه كذلك جبر ما خسر فيه بربحه، إلا أن يقول له رب المال: إن أبيت فاترك القراض واخرج، لأنك إنما تريد رده، فأنا أقبله، فذلك له، ولو رضي العامل بالعيب على وجه النظر جاز، وإن حابى فهو متعد، ولا تجوز محاباته في البيع إلا في حصته من ربح تلك السلعة.

3193 - وإن باع العامل سلعة من القراض فاحتال بالثمن على مليء أو معدم إلى أجل ضمن، كبيعه بالدين بغير أمر رب المال. 3194 - وإذا دفع العامل ثمن سلعة بغير بينة، فجحده البائع وحبس السلعة، فالعامل ضامن، وكذلك الوكيل على شراء سلعة بعينها، أو بغير عينها، يدفع الثمن فيجحده البائع، فهو ضامن، ولرب المال أن يغرمه [إياها] وإن علم بقبض البائع الثمن بإقراره عنده ثم جحده أو بغير ذلك، ويطيب له ما يقضى له به من ذلك، إلا أن يدفع الوكيل الثمن بحضرة رب المال، فلا يضمن. (¬1) 3195 - وإن اشترى لك رجل سلعة ودفعها إليك، ثم دفعت إليه ثمنها لينقده فضاع بيده، فعليك غرمه ثانية، ولا يغرم المأمور، لأنه رسول مؤتمن، وقال بعض المدنيين: لا يغرم رب المال شيئاً. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/123) .

وأكره أن يشتري العامل من رب المال سلعة، وإن صح منهما لم يصح من غيرهما، لأن رأس المال قد رجع إلى ربه، وصار القراض بهذا العرض. 3196 - وإذا اشترى العامل أباه أو من يعتق عليه، فإن كان قد علم وهو مليء عتقوا عليه، وغرم لرب المال رأس ماله وحصة ربحه على ما قارضه، [وإن لم يعلم وكان فيهم فضل فكذلك أيضاً، وإن لم يكن فيهم فضل لم يعتقوا وبيعوا، وإن كان فيهم فضل ولا مال للعامل] بيع منهم لرب المال بقدر رأس ماله وحصة ربحه، وعتق ما بقي على العامل علم أو لم يعلم.

3197 - وإن اشترى أباً لرب المال، ولم يعلم عتق على الابن وكان له ولاؤه، وعليه للعامل حصة ربحه [فيه] إن كان فيه فضل، وإن علم العامل وهو مليء عتق عليه لضمانه بالتعمد، والولاء للابن، ويغرم العامل ثمنه للابن، فإن لم يكن له مال بيع منه بقدر رأس مال الابن، وحصة ربحه، وعتق على العامل ما بقي منه، وقد اختلف في هذه المسألة، وهذا أحسن ما فيها من الاختلاف. 3198 - وإن وطئ العامل أمة من المال فحملت وله مال ضمن قيمتها، فجبر به راس المال، وإن أعتق العامل عبداً من المال وهو مليء، جاز وغرم لرب المال رأس ماله، وحصة ربحه إن كان فيه ربح، وإن كان عديماً بيع منه بقدر رأس ماله وحصة ربحه وعتق حصة العامل، ولو أعتقد رب المال جاز، وضمن للعامل ربحه إن كان فيه ربح. 3199 - وإذا قتل عبد لرجل عبداً من القراض فاختار العامل أو رب المال القصاص واختار الآخر العفو على أخذ الجاني، فالقول قول العافي على أخذ العبد وجعله على القراض كما كان المقتول، وكذلك إن قتله سيده فقيمة العبد في القراض.

3200 - وإذا باع العامل سلعة بثمن إلى أجل بإذن رب المال لم يجز لرب المال أن يبتاعها بأقل من الثمن نقداً. ومن أخذ من رجل مالاً فقال: هو في يدي وديعة أو قراض، وقال ربه: بل أسلفتكه، فالقول قول رب المال مع يمينه، وإن قال العامل قراضاً، وقال رب المال: بل أبضعتكه لتعمل به، فالقول قول رب المال مع يمينه، وعليه للعامل أجر مثله. قال سحنون: إلا أن يكون ما ادعى العامل من الربح أقل من أجر مثله فليأخذ الأقل، وإن نكل رب المال صدق العامل مع يمينه إذا كان مثله يستعمل في القراض. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/380) .

3201 - وإن قال رب المال: أودعتكه، وقال العامل أخذته قراضاً، صدق ربه، والعامل مدع لطرح الضمان عن نفسه، وإن قال ربه: قراض، وقال العامل: قرض، صدق العامل، لأن ربه ههنا مدع في الربح، ولا يلتفت إلى قول هذا: أخذت منك أو أخذت مني. وإن قال العامل: راس المال ألف، وقال ربه: ألفان، صدق العامل، لأنه أمين. ولو خسر في البُرّ فادعى رب المال أنه نهاه عنه فتعدى، فالقول قول العامل أنه لم ينهه. 3202 - وإن قال العامل: رددت إليك رأس مالك والذي بيد ربح، وقال ربه: لم تدفع إليّ شيئاً، صدق رب المال ما دام في المال ربح وعلى العامل البينة. وإن قال العامل: أنفقت في سفري من مالي مائة درهم لأرجع بها في مال القراض، صدق، ربح أو خسر، ويرجع بها في المال إن أشبه ذلك نفقة مثله، وإن ادعى ذلك بعد المقاسمة لم يصدق. 3203 - ولرب المال ردّ المال ما لم يعمل به العامل أو يظعن لسفر، وليس له أن يقول بعد ظعنه: ارجع، وأنا أنفق عليك، وإن ابتاع به سلعاً لم يكن لرب المال أن يجبره على بيعها ليرد القراض، ولينظر السلطان [في ذلك]

فيؤخر منها ما يرجى له سوق، فإن لم يكن لتأخيرها وجه بيعت، واقتسما ربحها إن كان. وإذا لم يشغل العامل المال حتى نهاه ربه أن يتجر به، فتعدى فاشترى به سلعة، لم يكن قراضاً، وضمن المال والربح له، كمن تعدى على وديعة عنده فاشترى بها سلعة، فهو ضامن للوديعة والربح له، بخلاف الذي نهاه رب المال عن شراء سلعة فابتاعها، وقد ذكرناه. 3204 - وإذا باع العامل بالديون بإذن رب المال، فأراد أن يحيله بها ويبرأ وفي المال وضيعة، فلربه أن يجبره على التقاضي أو يدعه، وكذلك إن كان فيه ربح، فعليه التقاضي، إلا أن يدعه رب المال ويسلم له العامل ربحه، وإذا شخص [العامل] في اقتضاء الديون أنفق من المال، وإن كانت فيه وضيعة. وإن اشترى العامل بجميع المال سلعاً يرجو بها الأسواق، فقال رب المال: أنا آخذ قيمة رأس مالي سلعاً وأقاسمك باقيها على ما شرطنا، وأبى العامل، فذلك للعامل، لأنه يرجو الزيادة فيما يأخذه رب المال إذا جاءت أسواقها، وإن أراد العامل بيع ما معه، وأراد رب المال أخذه بما يسوى، فهو فيه والأجنبي سواء.

3205 - وإذا مات العامل قيل للورثة: تقاضوا الدين وبيعوا السلع، وإن لم يؤتمنوا أتوا بأمين وكانوا على سهم وليهم، وإن لم يأتوا بأمين ولم يكونوا مأمونين أسلموا ذلك إلى ربه ولا ربح لهم، وكذلك في موت العاملين. (¬1) 3206 - وإن مات رب المال فالعامل على قراضه، فإن أراد الورثة أخذ المال فذلك لهم إن كان المال عيناً وليس ذلك لهم إن كان سلعاً، وهم في هذا كوليهم سواء، فإن علم العامل بموت رب المال، والمال بيده عيناً فلا يعمل به، وإن لم يعلم بموته حتى ابتاع به سلعاً مضى ذلك على القراض. 3206 - ومن هلك وقبله قراض وودائع لم توجد، ولم يوص بشيء فذلك في ماله، ويحاص به غرماؤه، وإن أقر بوديعة بعينها أو قراض بعينه في مرضه، وعليه دين ببينة في صحته، أو بإقرار في مرضه هذا قبل إقراره بذلك أو بعد، فلرب الوديعة والقراض أخذ ذلك بعينه دون غرمائه، وإن لم يكن بعينها وجب الحصاص فيها مع غرمائه. والله الموفق للصواب. * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/370) ، ومواهب الجليل (6/405) ، والمدونة (12/130) .

(كتاب الشركة)

(كتاب الشركة)

3207 - ولا تجوز الشركة إلا بالأموال أو على عمل الأبدان إذا كانت صنعة واحدة، فأما بالذمم بغير مال على أن يضمنا ما ابتاع كل واحد منهما فلا يجوز، كانا في بلد واحد، أو في بلدين يجهز كل واحد منهما على صاحبه تفاوضا، كذلك في تجارة الرقيق وفي جميع التجارات أو في بعضها. وكذلك إن اشتركا بمال قليل على أن يتداينا، لأن أحدهما يقول لصاحبه: تحمّل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت، إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة أو غائبة فيبتاعاها بدين، فيجوز ذلك إذا كانا حاضرين، لأن العهدة وقعت عليهما، وإن ضمن أحدهما عن صاحبه فذلك جائز. وإذا أقعدت صانعاً في حانوت على أن تتقبل عليه المتاع ويعمل هو، فما رزق الله بينكما نصفان، لم يجز. 3208 - ولا تجوز الشركة في عمل الأيدي إلا أن يكون عملها نوعاً واحداً، كالصباغين والخياطين ويعملان في حانوت واحد، وإن فضل أحدهما الآخر في العمل، وهذا ما لا بد منه.

ولا يجوز أن يشتركا على أن يفترقا في قريتين أو حانوتين، وإن اتفقت الصنعة، ولا يشترك ذوا صنعتين وإن كانا في موضع واحد كحداد مع قصار ونحوه. وإن اشترك ذوا صنعة عل عمل أيديهما ولا يحتاجا إلى رأس مال على أن على أحدهما ثلث العمل وله ثلث الكسب، وعليه ثلث الضياع، وثلثا ذلك على صاحبه، وله ثلثا الكسب، فذلك جائز كالأموال، وكذلك شركة الجماعة على ما وصفنا. 3209 - وما احتاج شريكا الصنعة من رأس المال أخرجاه بينهما بالسوية وعملاً جميعاً، وإن أخرج أحدهما ثلث رأس المال، والآخر الثلثين، على أن العمل عليهما جميعاً، والربح بينهما نصفان، لم تجز هذه الشركة، وإن كان بقدر ما يخرج كل واحد من رأس ماله في عدد أو وزن يكون له من الربح وعليه من العمل والوضيعة فذلك جائز. 3210 - وإن اشترك قصّاران لأحدهما الحانوت وللآخر الأداة، والكسب بينهما، أو أتى رجل بدابة والآخر برحا، فاشتركا يعملان كذلك، على أن ما أصابا فبينهما نصفان، لم يجز ذلك إذا كانت الإجارة مختلفة، فإن تطول أحد القصارين على

صاحبه بشيء تافه من الماعون لا قدر له في الكراء، كالقصرية ومدقة جاز، فأما إن تطول أحدهما على صاحبه بأداة لا يلغى مثلها لكثرتها، لم يجز حتى يشتركا في ملكها، أو يكري من الآخر نصفها كالمتزارعين يشتركان فيخرج أحدهما أرضاً لها قدر من الكراء فيلغيها لصاحبه ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر، فلا يجوز إلا [على] أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض، ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية، أو تكون أرضاً لا خطب لها في الكراء كأرض المغرب وشبهها، فيجوز أن يلغي كراءها لصاحبه ويخرجان ما بعد ذلك بينهما بالسوية. () (¬1) 3211 - وقد اختلف عن مالك في [الشركة] في الحرث، فروى عنه بعض الرواة أنه لا يجوز الشركة حتى يشتركا في رقاب الدواب والآلة، ليضمنا ما هلك، وروى غيرهم أنه إن ساوى كراء ما يخرج هذا من البقر والأداة كراء ما يخرج الآخر من الأرض والعمل، جاز ذلك بعد أن يعتدلا في الزريعة. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/44) .

وإذا اشترك ثلاثة [نفر] أتى أحدهم برحا والآخر بدابة والثالث بالبيت على أن يعملوا بأيديهم والكسب بينهم أثلاثاً فعملوا على ذلك، وجهلوا أنه لا يجوز، فإن ما أصابوا يقسم بينهم أثلاثاً إن كان كراء البيت والرحا والدابة معتدلاً، وتصح الشركة، لأن كل واحد منهم أكرى متاعه بمتاع صاحبه، ألا ترى أن الرحا والبيت والدابة لو كان ذلك لأحدهم فأكرى ثلثي ذلك من صاحبيه وعملوا جازت الشركة. وإن كان كراء ما أخرجوه مختلفاً قسم لمال بينهم أثلاثاً، لأن رؤوس أموالهم عمل أيديهم، وقد تكافؤوا فيه، ويرجع من له فضل كراء على صاحبه فيترادون ذلك فيما بينهم وإن لم يصيبوا شيئاً، لأن ما أخرجوه مما يكرى، وقد اكترى كراءً فاسداً ولم يتراجعوا في عمل أيديهم، لتساويهم فيه. وإن اشترط صاحب البيت والرحا أن العمل على رب البغل فعمل على هذا كان الربح والوضيعة لصاحب الدابة، لأن عمله كأنه رأس المال، وعليه أجر الرحا والبيت، وإن لم يصب شيئاً كالدابة يعمل عليها الرجل على نصف ما يكسب. 3212 - وإذا مرض أحد شريكي الصنعة أو غاب يوماً أو يومين فعمل صاحبه فالعمل بينهما، لأن هذا أمر جائز بين الشركاء، إلا ما تفاحش من ذلك وطال، فإن

العامل إن أحب أن يعطي لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك إن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر فبينهما، فإن عقدا على هذا لم تجز الشركة، فإن نزل ذلك كان ما اجتمعا فيه من العمل بينهما على قدر عملهما، وما انفرد به أحدهما له خاصة، وما عمل أحد شريكي الصنعة لزم الآخر عمله وضمانه ويؤخذ بذلك وإن افترقا. 3213 - وتجوز شركة المعلمين في مكتب واحد لا في موضعين، وكذلك الأطباء إذا كان [ثمن] ما يشترون به الدواء بينهما. ولا تجوز شركة الحمالين على رؤوسهم ودوابهم، لافتراقهم فيما يحملونه، كصانعين في حانوتين، إلا أن يجتمعا في حمل شيء بعينه إلى غاية واحدة، فجائز على الرؤوس والدواب، وإن جمعا دابتيهما على أن يكرياهما ممن أصابا، والكراء بينهما لم يعجبني ذلك، إذ لا يدوم ذلك، وقد يكري هذا ويبقى هذا، وكذلك على رقابهما وقد تختلف الغايات، إلا فيما لا يفترقان فيه فيجوز.

3214 - ومن استأجر نصف دابة رجل ثم اشتركا في العمل عليها فجائز، وإن اشتركا ليحتطبا أو ليحتشّا ثمار البرية [أو بقلها ويحملانه] على رقابهما أو دوابهما، فأما من موضع واحد فجائز، ولا يجوز إن افترقا. 3215 - ولا بأس أن يشتركا في صيد السمك والطير والوحش بنصب الشرك والشباك إذا عملا جميعاً لا يفترقان في التعاون بالنصب وغيره. (¬1) ولا يجوز أن يشتركا على أن يصيدا ببازيهما أو كلبيهما، إلا أن يملكا رقابهما أو يكون الكلبان أو البازيان طلبهما وأخذهما واحد لا يفترقان. 3216 - قال ابن القاسم: ولا باس أن يشتركا في حفر القبور والمعادن والآبار والعيون، والبنيان وعمل الطين وضرب اللَّبِن وطبخ القراميد وقطع الحجارة إذا لم يفترقا في ذلك. ولا يجوز في موضعين، ولا هذا في غار وهذا في غار من المعدن، وإن عملا في المعدن معاً فأدركا نيلاً كان بينهما. ¬

(¬1) انظر: المدونة (12/51) .

قلت: فمن مات منهما بعد إدراكه النيل؟ قال: قال مالك في المعادن: لا يجوز بيعها، لأنها إذا مات صاحبها الذي عملها أقطعها الإمام غيره، فأرى المعادن لا تورث. وإذا مات صاحبها فالسلطان يقطعها لمن يرى وينظر في ذلك للمسلمين. ومعادن الرصاص والنحاس والكحل والزرنيخ مثله. ولا بأس أن يشتركا في إخراج اللؤلؤ من البحر والعنبر بصفته وجميع ما يقذف به البحر، وما يغاص عليه فيه، إذا عملا جميعاً كتعاون صيادي الحوت، وكذلك في طلب الكنوز والدفائن والركاز، إذا كانا بموضع واحد. وكره مالك الطلب في قبور الجاهلية وبيوتهم وآثارهم وقال: لا أراه حراماً، وأجازه ابن القاسم واستخف غسل ترابهم. 3217 - ولا تصلح الشركة في الزرع إلا أن يخرجا البذر بينهما نصفين ويتساويا في قيمة [أكرية] ما يتخارجانه بعد ذلك، مثل أن يكون لأحدهما الأرض

وللآخر البقر والعمل عليهما، أو على أحدهما إذا تساويا. ولا أحب أن يفضل أحدهما الآخر في كراء أرض ولا بقر، إلا أرضاً لا بال لها إنما تمنح، فلا بأس أن تلغى بينهما ويتساويا فيما سوى ذلك من البذر والعمل، وإن أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر، والعمل بينهما وقيمة البذر وكراء الأرض سواء، لم يجز، لأنه أكرى نصف أرضه بنصف طعام لصاحبه. 3218 - ولو اكتريا أرضاً من أجنبي جاز أن يخرج أحدهما البذر كله، والآخر البقر والعمل وكراء ذلك، وقيمة البذر سواء، وإن اشتركا على أن البذر والعمل بينهما بالثلث والثلثين جاز ذلك. 3219 - وإن تساويا في الزريعة، والأرض لأحدهما والعمل على الآخر، على أن متولي العمل يكرب الأرض العام ويزرع قابلاً، لم يجز ذلك إلا في أرض مأمون رواؤها في كل عام للغرر إن لم ترو، وانتفاع صاحب الأرض بعمل الآخر باطلاً.

وإن اشترك ثلاثة فأخرج أحدهما الأرض والآخر البقر والآخر العمل، وتساووا [في الكراء] وفي إخراج الزريعة جاز، فإن كان البذر من عند رجلين، ومن عند الآخر الأرض وجميع العمل، لم يجز، ويقضى بالزرع لصاحب الأرض ولهذين عليه مثل بذرهما. وروى ابن غانم عن مالك أن الزرع لصاحبي الزريعة، ولهذا كراء أرضه وعمله كقراض فاسد، وإنما يجعل الربح لما لا يؤاجر، وفيه الخسارة كالمال. 3220 - ولا باس أن يشتركا بعرضين مختلفين أو متفقين أو طعام عروض، على قيمة ما أخرج كل واحد [منهما] يومئذ، فبقدره الربح والعمل، وإن اتفق قيمة العرضين المختلفين وعرفا ذلك في العقدة واشتركا بهما جاز، وهذا بيع لنصف عرض هذا بنصف عرض الآخر، [فإن قوما وأشهدا على الشركة جاز،]

وإن لم يذكرا بيعاً ولو شرطا التساوي في الشركة بالسلع، فلما قوما سلعتيهما تفاضلت القيمة، فإن لم يعملا أخذ كل واحد سلعته وزالت الشركة. وإن فاتت السلعتان وعملا على ذلك، كان رأس مال كل واحد منهما ما بيعت به سلعته وبقدر ذلك ربحه ووضيعته، ويرجع من قبل ماله بفضل عمله على صاحبه، ولا يكون على صاحب السلعة القليلة ضمان في فضل سلعة صاحبه، لأن فضل سلعته لم يقع فيه بينهما بيع. (¬1) 3221 - وإذا وقعت الشركة بالعروض فاسدة فرأس مال كل واحد [منهما] ما بيعت به سلعته لا ما قومت به، ويقتسمان الربح على قدر ذلك، فأما في الشركة الصحيحة فرؤوس أموالهما ما قوما به سلعتيهما يوم اشتركا، ولا ينظر إلى ما بيعتا به كان أكثر مما قوما به أو أقل، لأنهما حين قوّما صار كل واحد منهما قد باع نصف سلعته بنصف سلعة صاحبه، وصار ضمانهما منهما، وفي الفاسد لم يقع لأحدهما في سلعة الآخر ملك ولا ضمان. 3222 - وتجوز الشركة بما سوى الطعام والشراب من سائر العروض ومما يكال أو يوزن أو لا يكال ولا يوزن من مسك وعنبر وحناء وكتان وغيره، كانت من صنف واحد أو من صنفين إذا اتفقت القيم. 3223 - وتجوز الشركة بالطعام ودراهم أو بعين وعروض على ما ذكرنا من القيم، وبقدر ذلك يكون الربح والعمل. ¬

(¬1) انظر: الكافي (1/391) .

3224 - ولا تجوز الشركة عند مالك بشيء من الطعام والشراب، كان مما يكال أو يوزن أم لا، من صنف واحد أو صنفين.

وأجاز ابن القاسم الشركة بطعام متفق في الصفة والجودة من نوع واحد على الكيل. قال: ورجع مالك عن إجارة الشركة بالطعام وإن تكافأ، ولم يجزه لنا منذ لقيناه، ولا أعلم لكراهيته فيه وجهاً. قال ابن القاسم: وأما إن أخرج أحدهما محمولة والآخر سمراء أو أخرج هذا قمحاً والآخر شعيراً، وقيمة ذلك متفقة أو مختلفة، وباع هذا نصف طعامه بنصف [طعام] الآخر، لم يجز على حال كيفما شرطا، كما لا أجيز الشركة بدنانير ودراهم متفقة قيمتها. 3225 - وإذا وقعت الشركة بالطعام فاسدة، فرأس مال كل واحد ما بيع به طعامه، إذ هو في ضمانه حتى يباع، ولو خلطاه قبل البيع جعلت رأس [المال] قيمة طعام كل واحد يوم خلطاه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/58) ، ومواهب الجليل (5/125) ، والكافي (ص391) .

3226 - قال ابن القاسم: وتجوز الشركة بالعين، وصفة ذلك أن يخرجا دنانير ودنانير، ودراهم ودراهم متفقة النفاق والعين، بقدر ما يخرج كل واحد من رأس ماله في عدد أو وزن يكون له من الربح، وعليه من العمل أو الوضيعة. وإن تساويا في المال والأعمال على أن يتفاضلا في الربح لم يجز، وإن تفاضلا في المال على أن يتساويا في ربح أو عمل، لم يجز، ولو أن العمل على أحدهما وتساويا في المال والربح أو تفاضلاً، لم يجز، فإن نزل ذلك كله فالربح والخسارة على قدر رؤوس الأموال. وكذلك لو لحقهما دين من تجارتهما بعد أن خسر المال كله وذهب، فيرجع من له فضل عمل بفضل عمله على الآخر، ويبطل ما شرطا، ولا يضمن القليل المال لصاحبه نصف ما فضله به، وليس بسلف، لأن ربحه لربه. 3227 - ولو صح عقد المتفاضلين في المال ثم تطوع الذي له الأقل فعمل في الجميع جاز، ولا أجر له، وإن تساويا في المال والربح على أن يمسك أحدهما راس المال معه، فإن كان ليتولى التجارة دون الآخر لم يجز، وإن تولياها جميعاً جاز. وتجوز الشركة في المال الغائب إن أخرج ذلك المال. وإن أخرج أحدهما ألفاً والآخر ألفاً، منها خمسمائة غائبة، ثم خرج ربها

ليأتي بها، وخرج بجميع المال الحاضر فلم يجدها فاشترى بما معه تجارة، فإنما له ثلث الفضل، ولا يرجع بأجر في فضل المال كشريكين على التفاضل طاع أحدهما بالعمل. وإن أخرج هذا دنانير هاشمية، وأخرج الآخر دنانير مثل وزنها دمشقية، أو أخرج هذا دراهم يزيدية، والآخر مثل وزنها محمدية، وصرفهما مختلف، لم يجز، إلا في اختلاف يسير لا بال له فيجوز [وهذا] فيما كثر، كتفاضل المالين. ولو جعلا الربح والعمل بينهما بقدر فضل ما بين السكتين لم يجز، إذ صرفاهما إلى القيم، وحكمهما الوزن في البيع والشركة، وإن كانت السكتان متفقتي الصرف يوم الشركة جاز. فإن افترقا وقد حال الصرف لم ينظر إلى ذلك، ويقتسمان ما في أيديهما بالسوية، عرضاً كان أو عيناً أو طعاماً، وإن أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم لم يجز، وإن باع نصف ذهبه بنصف فضة صاحبه، لأنه صرف وشركة. 3228 - ولا يصلح مع الشركة صرف ولا قراض، وهما أيضاً نوعان مما لا يقوّمان، فإن عملا فلكل واحد مثل رأس ماله، ويقتسمان الربح لكل عشرة دنانير ديناراً، ولكل عشرة دراهم درهماً، وكذلك الوضيعة، وكذلك إن عرف كل واحد السلعة التي اشتريت بماله فإن السلع تباع ويقسم الثمن كله كما ذكرنا. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (5/236) .

وقال غيره: لكل واحد السلعة التي اشتريت بماله إن عرفت، ولا شركة له في سلعة الآخر، وإن تفاضل المال فلأقلهما مالاً أجرة في عون صاحبه، وإن لم تعلم السلعة فالربح والخسارة بينهما على قيمة الدراهم من الدنانير يوم اشتركا ولأقلهما مالاً أجره في عون صاحبه [لشركة فاسدة بطعام خلطاه ثم باعاه] . قال ابن القاسم: ولا باس أن يخرج هذا ذهباً وفضة، وهذا مثله من ذهب وفضة، وإن اشتركا بمالين سواء، فأخرج كل واحد ذهبه فصرّها على حدة وجعلا الصرتين بيد أحدهما أو في تابوته أو خرجه فضاعت واحدة، فالذاهبة، منهما، وإن بقيت صرة كل واحد منهما بيده فضياعها منه حتى يخلطا أو يجعلا الصرتين عند أحدهما، وكذلك إن كانتا فيما ذكرنا مختلفتي السكة، إلا أن الصرف واحد، ولو تفاضل الصرف فسدت الشركة وكانت الذاهبة من ربها.

وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع بها أحدهما أمة على الشركة وتلفت الصرة الأخرى والمالان متفقان فالأمة بينهما والصرة من ربها. وقال غيره: لا تنعقد بينهما شركة حتى يختلطا. 3229 - ولا بأس أن يشتركا بمال كثير يتفاوضان فيه، وهما في بلدين، على أن يجهز كل واحد منهما على صاحبه، ويلغيان نفقتهما، كانا في بلد واحد أو بلدين، وإن اختلف سعراهما كانا ذوي عيال أو لا عيال لهما، وإن كان لأحدهما عيال وولد، وليس للآخر أهل ولا ولد، حسب كل واحد [منهما] ما أنفق، وما ابتاع أحدهما مما يلغى من طعام أو كسوة له أو لعياله فللبائع أن يتبع أيهما شاء بالثمن، لأن النفقة والكسوة لهما أو لعيالهما مما يلغى، وهي من مال التجارة إلا كسوة

لا يبتذلها العيال، كوشي أو قصبي ونحوه، فهذا لا يلغى، وإن ابتاع أحدهما طعاماً أو كسوة له أو لعياله لم يدخل فيه الآخر، إذ لا بد لهما من ذلك وعليه عقدا. 3230 - والمفاوضة على وجهين: إما في جميع الأشياء، وإما في نوع واحد من المتاجر يتفاوضان فيه كشراء الرقيق يتفاوضان فيه إذا اشتركا على أصل مال. قال ابن القاسم: وأما شركة عنان فلا أعرفه من قول مالك، ولا رأيت أحداً من أهل الحجاز يعرفه.

3231 - ومن أقام البينة على رجل أنه مفاوضه على الثلث أو على الثلثين جاز ذلك وكانا متفاوضين، ويكونان متفاوضين ولأحدهما هين أو عرض دون صاحبه، ولا يفسد ذلك المفاوضة بينهما. (¬1) 3232 - ومن أقام بينة أن فلاناً مفاوضه، كان جميع ما في أيديهما بينهما، إلا ما قامت فيه بينة أنه لأحدهما بميراث أو هبة أو صدقة عليه، أو كان له قبل التفاوض، وأنه لم يفاوض عليه فيكون له خاصة، والمفاوضة فيما سواه قائمة، وما ابتاع أحد المتفاوضين من بيع صحيح أو فاسد لزم الآخر، ويتبع البائع بالثمن أو القيمة في فوت الفاسد أيهما شاء، ومن عليه دين لأحدهما فقضاه لشريكه جاز. 3233 - ويجوز للمأذون له مفاوضة الحر، [كما يجوز له أن يدفع قراضاً،] . وتجوز شركة العبيد إذا أُذن لهم في التجارة. ولا يصلح لمسلم أن يشارك ذمياً إلا أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء ولا قضاء ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم. وتجوز الشركة بين النساء أو بين النساء والرجال. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (6/254) .

وأكره أن يخرجا مالاً على أن يتجرا به، وبالدين مفاوضة، فإن فعلا فما اشترى كل واحد منهما فبينهما وإن جاوز رأس ماليهما، وإن تفاوضا بالمالين ولم يذكرا في أصل شركتهما أن يبيعا بدين فباع أحدهما بدين، فذلك جائز على شريكه. 3234 - وإن تفاوضا بأموالهما في جميع التجارات، وليس لأحدهما مال دون صاحبه، فاشترى أحدهما من مال الشركة جارية لنفسه، وأشهد على ذلك، خيّر شريكه بين أن يجيز له ذلك، أو يردها في الشركة، قيل: فإن ابتاعها للوطء، أو للخدمة من مال الشركة، أتكون له أم في الشركة؟ قال: قيل لمالك: إذا كان كل واحد منهما يشتري الأمة [من مال الشركة] فيطؤها ثم يبيعها ويرد ثمنها في رأس المال؟ قال: لا خير في ذلك، قيل: فما يصنعان بما في أيديهما من الجواري مما قد اشتريا على هذا الشراء؟ قال: يتقاومانهن فيما بينهما، فمن صارت له الأمة كانت له بثمن معلوم وحلّ له الوطء. قال ابن القاسم: وإن شاء الشريك أنفذها لشريكه الذي وطئها بالثمن الذي

اشتراها به، وليس من فعل ذلك من أحد المتفاوضين كغاصب للثمن، أو متعد في وديعة ابتاع بها سلعة، هذا ليس عليه لرب الدنانير إلا مثل دنانيره، ولكنه كمبضع معه في شراء سلعة أو مقارض تعدى، فرب المال مخير في أخذ ما اشترى أو تركه، لأن هؤلاء أذن لهم في تحريك المال، فلكل متعد سُنّة يحمل عليها، إلا أن الذي ابتاع الأمة ووطئها من المتفاوضين إذا لم يسلمها له الشريك بالثمن وقال: لا أقاومه ولكن أردها في الشركة، لم يكن له ذلك، وقال غيره: له ذلك. 3235 - وإذا أخر أحد المتفاوضين غريماً بدين أو وضع له منه نظراً واستيلافاً في التجارة ليشتري منه في المستقبل جاز. وكذلك الوكيل على البيع إذا كان مفوضاً إليه، وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف لم يلزم، ولكن يلزم الشريك في حصته، ويرد صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل من ذلك فيضمنه الوكيل. وإن باع أحدهما سلعة بثمن إلى أجل لم يصلح لشريكه أن يبتاعها بأقل من ذلك [الثمن] نقداً، لكن يبتاعها بما يجوز لبائعها أن يشتريها به.

وإن أبضع أحدهما مع رجل دنانير من الشركة ليشتري بها شيئاً [ثم علم الرجل بموت الذي بعثها معه، أو بموت شريكه، فإن علم أنها من الشركة فلا يشتر بها شيئاً] وليردها على الباقي وعلى الورثة، وإن بلغه افتراقهما فله أن يشتري، لأن ذلك لهما بعد، وفي الموت يقع للورثة بعضه، وهم لم يأمروه بذلك. ولأحد المتفاوضين أن يبضع أو يقارض دون إذن الآخر. 3236 - وأما إيداعه فإن كان لوجه عذر لنزوله ببلد فيرى أن يودع، إذ منزله الفنادق وما لا أمن فيه، فذلك له. وما أودع لغير عذر ضمنه. وإن أودعك أحدهما وديعة فزعمت أنك رددتها إليه فأنكر، فأنت مصدق، إلا أن يودعك ببينة، فلا تبرأ إلا ببينة، فإن زعمت أنها هلكت فأنت مصدق وإن أخذتها ببينة، وإن رددتها إلى الآخر منهما [بغير بينة] برئت إن صدقك القابض وإن أنكر لم تبرأ إلا ببينة ودفعك لثمن ما ابتعت منهما، أو من أحدهما إلى أحدهما، مبايعك أو غيره، فذلك يبرؤك إن صدقك القابض، وإلا لم تبرأ إلا ببينة.

3237 - وإن أودع أحد المتفاوضين وديعة لرجل فأودعها ذلك الرجل لشريكه المفاوض ضمن، إلا أن يكون ذلك لعذر من عورة بيت أو سفر أراده. ومن دفعت إليه منهما وديعة كانت بيده دون صاحبه، فإن مات ولم تعرف الوديعة بعينها، كانت في حصته ديناً دون حصة شريكه إذ ليست من التجارة. وإذا أودع رجل لأحدهما وديعة فعمل بالوديعة تعدياً فربح، فإن علم شريكه بالعداء ورضي بالتجارة بها بينهما، فلهما الربح والضمان عليهما، وإن لم يعلم فالربح للمتعدي وعليه الضمان خاصة. وقال غيره: إن رضي الشريك وعمل معه فإنما له أجر مثله فيما أعانه، وهو ضامن، وإن رضي ولم يعمل معه فلا شيء له ولا ضمان عليه، ولا يوجب الرضا بذلك دون بسط اليد ضماناً ولا ربحاً، إلا من وجه قول الرجل للرجل: لك نصف ما أربح في هذه السلعة، فله طلبه بذلك ما لم يفلس أو يمت.

ولا يجوز لأحدهما أن يفاوض شريكاً إلا بإذن شريكه، وأما إن شاركه في سلعة بعينها غير شركة مفاوضة فجائز. (¬1) وإن أخذ أحدهما قراضاً فلا ربح للآخر فيه، ولا ضمان عليه فيما تعدى فيه الآخذ له، لأن المقارضة ليست من التجارة وإنما هو أجير أجر نفسه فلا شيء لشريكه في ذلك. وإن استعار أحدهما بغير إذن الآخر ما حمل عليه لنفسه أو لمال الشركة [فتلف] فضمانه من المستعير، ولا شيء على شريكه، لأن شريكه يقول: كنت أستأجر لئلا أضمن. قال غيره: لا يضمن الدابة في العارية إلا بالتعدي، وإن استعاراها جميعاً فتعدى عليها أحدهما ضمن المتعدي خاصة في ماله، [وإن استعارها أحدهما لحمل طعام من الشركة فحمله شريكه الآخر عليها بغير أمر شريكه] فعطبت، لم يضمن، إذ فعل بها [شريكه] ما استعيرت له وشريكه كوكيله، ولو استعار رجل دابة ليحمل عليها غلاماً له فربطها في داره ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/128) ، ومواهب الجليل (5/118) .

وأتى أجنبي فحمل عليها ذلك الغلام نفسه فعطبت، كان ضامناً إذ لم يأذن له ربها ولا وكله المستعير. 3238 - وليس لأحد المتفاوضين أن يعير من مال الشركة إلا أن يوسع له في ذلك شريكه أو يكون شيئاً خفيفاً كعارية غلام يسقي دابة أو نحوه، فأرجو أن لا يكون به بأس، والعارية من المعروف الذي لا يجوز لأحدهما أن يفعله في مال الشركة إلا بإذن صاحبه إلا أن يكون أراد به استيلاف التجارة. وإن وهب أحدهما أو أعار على المعروف ضمن حصة شريكه، إلا أن يفعل ذلك لاستيلاف التجارة فلا يضمن، وإن باع أحدهما جارية ثم وهب ثمنها لم يجز ذلك، إلا في حصته. وعبد المتفاوضين ليس لأحدهما أن يأذن له في التجارة، ولا يكاتبه ولا يعتقه على مال يتعجله منه بغير إذن شريكه، إلا أن يأخذ مالاً من أجنبي على عتقه مثل قيمته فأكثر فيجوز، وهو كبيعه. 3239 - ولا يلزم أحدهما كفالة الآخر، لأنهما معروف، وما جنى أحدهما أو غصب أو استهلك أو أصدق أو آجر فيه نفسه، فلا يلزم شريكه منه شيء.

3240 - ومن ابتاع من أحدهما عبداً فظهر على عيب فله رده بالعيب على بائعه [إن كان حاضراً] وإن كان غائباً غيبة قريبة كاليوم ونحوه فلينتظر لعل له حجة، وإن كانت غيبته بعيدة فأقام المشتري بينة أنه ابتاع [منه] بيع الإسلام وعهدته، نظر في العيب، فإن كان قديماً لا يحدث مثله، رُدّ العبد على الشريك الآخر، وإن كان يحدث مثله فعلى المبتاع البينة أن هذا العيب كان عند البائع، وإلا حلف الشريك الآخر بالله: ما أعلم أن هذا العيب كان عندنا، وبرئ، فإن نكل حلف المبتاع [على البتّ] أنه ما حدث عنده ثم رده عليه. 3241 - ومن ابتاع سلعة من أحد المتفاوضين بثمن إلى أجل فقضى الثمن بعد افتراقهما للذي باع منه أو لشريكه، فإن لم يعلم بافتراقهما فلا شيء عليه، وإن علم ضمن حصة الآخر. 3242 - وأما من كان له وكيل قد فوض إليه في البيع والشراء واقتضاء الديون وأشهد له بذلك ثم خلعه وأشهد على خلعه، ولم يعلم بذلك غرماؤه فلا يبرأ غريم مما دفع إليه بعد خلعه، كان ذلك من ثمن شيء باعه الوكيل أم لا. وقال غيره: إن لم يعلم

الوكيل ولا الغريم بالحجر فالغريم بريء، وإن علم بذلك أحدهما والآخر عالم أم لا، لم يبرأ الغريم. ولا بأس أن يشتري أحد المتفاوضين من الآخر سلعة من تجارتهما لنفسه لقنية أو لتجارة. (¬1) 3243 - وإن اشترى أحدهما عبداً فوجد به عيباً فرضيه هو أو شريكه لزم ذلك الآخر، فإن رده مبتاعه ورضيه شريكه لزمه رضاه، لأن مشتريه لو رده ثم اشتراه شريكه وقد علم بالرد وبالعيب لزم ذلك شريكه. وإقالة أحدهما فيما باعه هو أو شريكه وتوليته لازمة كبيعه، ما لم تكن محاباة، فيكون كالمعروف لا يلزم إلا ما جرّ به إلى التجارة نفعاً، وإلا لزمه قدر حصته منه وإقالته لخوف عُدْم الغريم [ونحوه] من النظر، فهو كشراء حادث. وإن أقرّ ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (6/415) .

أحدهما بدين من شركتهما لأبويه أو لولده أو لجده [أو لجدته] أو لزوجه أو صديق ملاطف ومن يتهم عليه، لم يجز ذلك على شريكه، ويجوز إقراره بذلك لأجنبي ممن لا يتهم عليه ويلزم شريكه. ولو أن شريكين في دار أو متاع أو غير ذلك من العروض أقر أحدهما لأجنبي بنصف ما في أيديهما، حلف المدعي [معه] واستحق لأنه شاهد كإقرار وارث بدين على الميت. 3244 - وإن مات أحد الشريكين لم يكن للباقي أن يحدث في المال ولا في السلع قليلاً ولا كثيراً، إلا برضى الورثة لانقطاع الشركة. وإن اشتركا شركة صحيحة فادعى أحدهما أنه ابتاع سلعة وضاعت منه صدق، لأنه أمين فيما يلي. 3245 - وإن مات أحد المتفاوضين فأقر الحيّ منهما أنهما رهنا متاعاً من الشركة عند فلان، وقال ورثة الهالك: بل أودعته أنت إياه بعد موت وليّنا، فللمرتهن أن يحلف مع شاهده الحي ويستحق الجميع رهناً، فإن أبى فله حصة المقر رهناً، لأن مالكاً قال في أحد الورثة يقر بدين على الميت: إن صاحب الدين يحلف معه ويستحق جميع حقه من مال الميت، وإن نكل أخذ من المقر ما ينوبه من الدين، ولا يأخذ من حصته دينه كله.

وإن جحد أحد المتفاوضين الشركة فأقام عليه الآخر البينة فهلك المال بيد الجاحد في الخصومة فإنه ضامن لحصة الآخر، لأنه كالغاصب يمنعه. 3246 - وإن مات أحد الشريكين فأقام صاحبه بينة أن مائة دينار من الشركة كانت عند الميت فلم توجد، ولا علم مسقطها، فإن كان موته قريباً من أخذها فيما يظن أن مثله لم يشغلها في تجارة، فهي في حصته، وما تطاول وقته لم يلزمه، أرأيت لو قالت البينة: إنه قبضها منذ سنة، وهما يتجران أيلزمه؟ أي [أنه] لا شيء عليه. * * *

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية 3247 - وإذا قضى القاضي بقضية فيها اختلاف بين العلماء، ثم تبين له أن الحق غير ما قضى به، رجع فيه، وإنما لا ينقض ما حكم فيه غيره مما فيه اختلاف. ولا ينبغي للقاضي أن يكثر الجلوس جداً، وإذا دخله هم أو نعاس أو ضجر فليقم. قال مالك: والقضاء في المسجد من الحق، وهو من الأمر القديم، ولأنه يرضى فيه بالدون من المجلس، وتصل إليه المرأة والضعيف، وإذا احتجب لم يصل إليه الناس. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/144) .

ولا يقيم في المسجد الحدود وشبهها، ولا بأس فيه بخفيف الأدب، ولا بأس أن يضرب الخصم إذا تبين لدده وظلمه. 3248 - ولا يقضي بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر، فإن زُكوا في السر أو في العلانية اكتفى بذلك، ولا يقبل في التزكية أقل من رجلين، ويزكى الشاهد وهو غائب عن القاضي، ومن الناس من لا يسأل عنه ولا يطلب فيه تزكية لشهرة عدالته عند القاضي والناس، وإذا استقال الشاهد بعد الحكم لم يقل. ولا تجوز شهادته فيما يُستقبل، وإن استقال قبل الحكم وادعى وهماً وجاء بشبهة أُقيل، ولا تبطل شهادته إلا أن يعرف كذبه فيما شهد به، فترد شهادته في هذا وفي غيره. وإذا عرف الشاهد خطه في كتاب فيه شهادته، فلا يشهد حتى يذكر الشهادة ويوقن بها، ولكن يؤدي ذلك كما علم ثم لا تنفع الطالب. 3249 - وإذا مات القاضي أو عزل وفي ديوانه شهادة البينات وعدالتها، لم ينظر فيه من ولي بعده ولم يجزه إلا أن تقوم عليه بينة، وإن قال المعزول: ما في ديواني قد شهدت به البينة عندي، لم يقبل قوله، ولا أراه شاهداً، فإن لم تقد بينة على ذلك أمرهم القاضي المحدث بإعادة البينة.

وللطالب أن يحلِّف المطلوب بالله أن هذه الشهادة التي في ديوان القاضي ما شهد عليه بها أحد، فإن نكل حلف الطالب وثبتت له الشهادة ثم نظر فيها الذي ولي بما كان ينظر المعزول، ولا تجوز شهادة المعزول على ما حكم به. 3250 - ولا يتخذ القاضي كاتباً من أهل الذمة ولا قاسماً ولا عبداً [ولا مكاتباً] ولا يتخذ في شيء من أمور المسلمين إلا العدول المسلمين. 3251 - وإذا كتب قاض إلى قاض، فمات الذي كتب الكتاب أو عزل قبل أن يصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، أو مات المكتوب إليه أو عزل، ووصل الكتاب إلى من ولي بعده، فالكتاب جائز ينفذه من وصل إليه، وإن كان إنما كتب إلى غيره. (¬1) 3252 - وتجوز كتب القضاة إلى القضاة في القصاص والحدود وغيرها، لجواز الشهادة على ذلك. ومن أقام بينة على غائب ثم قدم قبل الحكم لم تعد البينة بحضوره، ألا ترى ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/146) ، والتاج والإكليل (6/142) .

أنه يقضى عليه في غيبته، ولكن يخبر بمن شهد عليه وبالشهادة، فلعل له حجة، فإن كانت عنده حجة وإلا حكم عليه. 3253 - وسُئل مالك عن أشياء قضت فيها ولاة المياه، فرأى أن تجوز إلا في جور بيّن، وكذلك والي الفسطاط أمير الصلاة إن حكم، وكذلك والي الإسكندرية إن قضى بقضية أو استقضى قاضياً فقضى، فإنما يُنقض من ذلك الجور البين. ولو أن رجلين حكّما بينهما رجلاً فحكم بينهما، فليمضه القاضي ولا يرده، إلا أن يكون جوراً بيناً. ومسألة من اعتُرفت في يده دابة [أو غيرها، فسأل وضع قيمتها ليخرج بها إلى بلد بائعه] قد تقدم ذكرها في كتاب تضمين الصناع. 3254 - وكره مالك إجارة قسام القاضي، وأنا أرى إن وقع ذلك أن يكون على عدد

الرؤوس لا على قدر الأنصباء إذا لم يشترطوا بينهم شيئاً. ولا تجوز شهادة القُسّام على ما قسموا، وإذا اقتسم الورثة ثم ادعى أحدهما الغلط فذلك مذكور في كتاب القسم. وإذا دفع القاضي مالاً إلى رجل فأمره أن يدفعه إلى فلان، فقال: دفعته إليه، وكذبه فلان، فالرسول ضامن إلا أن يقيم بينة. 3255 - وإذا وجد السلطان أحداً على حدّ من حدود الله تعالى رفع ذلك إلى من فوقه، وإن رآه السلطان الأعلى الذي ليس فوقه سلطان فليرفعه إلى القاضي، فإن رآه مثل أمير مصر رفعه إلى القاضي، وكان شاهداً، دون أن يرفعه إلى أمير المؤمنين. وإن سمع السلطان قذفاً، فإن كان معه شهود لم يجز فيه عفو الطالب، إلا أن يريد ستراً، مثل أن يخاف أن يثبت ذلك عليه إن لم يعف، قيل لمالك: فكيف يعرف ذلك؟ قال: يسأل الإمام عن ذلك سراً، فإن أخبر أن ذلك أمر قد سمع أجاز عفوه. 3256 - ولا يقضي القاضي بعلمه قبل أن يلي أو بعد، ولو أقرّ أحد الخصمين عند القاضي بشيء وليس عنده أحد، ثم يعود [المقر] إليه فيجحد ذلك الإقرار، فإنه لا يقضي عليه به إلا ببينة سواه، فإن لم تكن عنده بينة شهد هو بذلك عند من فوقه، وكذلك ما اطلع عليه من حد لله عز وجل أو رأى من غصب، أو سمع من قذف، فليرفعه إلى من فوقه ويكون شاهداً.

وفرق أهل العراق بين الحدود والإقرارات، وقالوا يحكم من الإقرار بما سمع في ولايته لا بما علم قبل أن يلي، ورأى مالك ذلك كله سواء. 3257 - ولا عهدة على قاضٍ أو على وصي فيما وليا بيعه، وعهدة المبتاع في مال اليتامى فإن هلك مال الأيتام ثم استحقت السلعة فلا شيء على الأيتام. 3258 - وإذا عزل القاضي [وقد حكم بأحكام] فادعى من حكم عليه جوره، لم ينظر في قوله، ولا خصومة بينهما، وقضاؤه نافذ، إلا أن يرى الذي ولي بعده جوراً بيّناً فيرده، ولا شيء على الأول، ولا يتعرض الذي ولي قضاء من كان قبله إلا في الجور البين. 3259 - قال مالك: ولا يستقضى من ليس بفقيه (¬1) . وقال عمر بن عبد العزيز: لا يستقضى حتى يكون عارفاً بآثار من مضى مستشيراً لذوي الرأي. قال مالك: ولا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس أهلاً للفتيا. قال ¬

(¬1) انظر: المدونة (12/149، 150) .

سحنون: الناس هاهنا العلماء. قال ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلاً لذلك. قال مالك: وليس علم القضاء كغيره من العلم، ولم يكن بهذا البلد أحد أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وكان قد أخذ شيئاً من علم القضاء من أبان بن عثمان وأخذ ذلك أبان من أبيه عثمان. 3260 - وإذا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم بينهما فليقل لهما: أبَقِيت لكما حجةظ فإن قالا: لا، حكم بينهما، ثم لا يقبل من المطلوب حجة إلا أن يأتي بما له وجه، مثل بينة لم يعلم بها، أو يكون أتى بشاهد عند من لا يقضي بشاهد ويمين، فحكم عليه، ثم وجد شاهداً آخر بعد الحكم، وقال: لم أعلم به، فليقض بهذا الآخر. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لبدر الدين بن جماعة الشافعي - بتحقيقنا - ط دار الكتب العلمية، وكذلك مثله: رسائل في السياسة الشرعية.

(كتاب الشهادات)

(كتاب الشهادات) 3261 - ولا تجوز شهادة من هو في عيال رجل له، وكذلك الأخ والأجير إذا كانا في عياله، فإن لم يكونا في عياله جازت شهادتهما إذا كانا مبرزين في العدالة في الأموال والتعديل. وقال النبي ÷: لا تجوز شهادة خصم

ولا ظنين ولا جارٍّ لنفسه ولا دافعٍ لها. (¬1) 3262 - ولا تجوز شهادة السؤال إلا في التافه اليسير فتجوز إذا كان عدلاً، ولا تجوز شهادة المغنّي والنائحة إذا عرفوا بذلك. (¬2) 3263 - قال مالك: ولا تجوز شهادة الشاعر الذي يمدح من أعطاه ويهجو من منعه، وإن كان لا يهجو أحداً، [ويأخذ ممن أعطاه] قُبِل إذا كان عدلاً. 3264 - ومن أدمن على اللعب بالشطرنج لم تجز شهادته [وإن كان إنما هو المرة بعد المرة فشهادته جائزة] إذا كان عدلاً، وكره مالك اللعب بها وإن قلّ، وقال: هي أشر من النرد. ¬

(¬1) انظر الآثار المروية في ذلك: مصنف ابن أبي شيبة (7/258) ، والسنن الكبرى للبيهقي (10/150) ، والموطأ (2/720) . (¬2) انظر: المدونة (12/138) ، (13/153) ، والتاج والإكليل (6/167) ، والقوانين (ص203) .

3265 - وتجوز شهادة المولى لمن أعتقه، ما لم يدفع بها عن نفسه شيئاً أو يجره إليها. ولا تجوز شهادة الرجل لمكاتبه ولا لعبد ابنه، وإن شهد لأمة بالعتق زوجها ورجل أجنبي لم تجز شهادة الزوج. 3266 - وإذا شهد صبي أو عبد أو نصراني شهادة، ثم أدوها بعد الحلم أو العتق أو الإسلام جازت الشهادة، ولو أدوها في حالتهم الأولى فردت لم تجز أبداً، وروي ذلك عن عثمان وغيره. 3267 - ولا تجوز شهادة الأبوية أو أحدهما للولد، ولا الولد لهما، ولا أحد الزوجين لصاحبه، ولا الجد لابن ابنه ولا الرجل لجده، ولا تجوز في [أحد من] هؤلاء شهادة للآخر في حق أو تزكية أو في تجريح من شهد عليه. وتجوز شهادة الأخ لأخيه، والرجل لمولاه ولصديقه الملاطف، إلا أن يكون في عياله أحد من هؤلاء يمونه، فلا تجوز شهادته له. (¬1) وتجوز شهادة الرجل لشريكه المفاوض إذا شهد له في غير التجارة إذا كان لا يجرّ بذلك إلى نفسه شيئاً. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/155) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص203) ، والتاج والإكليل (6/155) ، ومنح الجليل (8/394) .

3268 - ولا تجوز شهادة أهل الكفر على مسلم أو كافر من أهل ملتهم أو من غيرها، ولا على وصية ميت [مات] في سفر، وإن لم يحضره مسلمون، وتجوز شهادة المسلمين عليهم. 3269 - ولا تجوز شهادة نساء أهل الكفر في الاستهلال أو الولادة، وتجوز في ذلك شهادة امرأتين مسلمتين، وكل شيء تقبل فيه شهادة النساء وحدهن، فلا يقبل فيه أقل من امرأتين، ولا تجوز شهادة امرأة واحدة في شيء من الشهادات. 3270 - وتجوز شهادة من تاب ممن حُدّ في القذف، وحسنت حاله وزاد على ما عرف به من حسن الحال، في الحقوق والطلاق. 3271 - وتجوز الشهادة على الشهادة في الحد والطلاق والولاء، وفي كل شيء. وشهادة رجلين تجوز على شهادة عدد كثير. ولا ينقل أقل من اثنين في الحقوق عن واحد فأكثر. 3272 - ولا يجوز نقل واحد عن واحد مع يمين الطالب في مال، لأنها بعض شهادة شاهد، والنقل بعينه ليس بمال فيحلف عليه من الناقل، ولو أجيز ذلك لم يصل إلى

قبض المال إلا بيمين، وإنما قضى النبي ÷ في الأموال بشاهد ويمين واحدة. (¬1) 3273 - ولا تجوز شهادة النساء في الحدود والقصاص والطلاق والنكاح والنسب والعتاق والولاء، شهدن في ذلك على علمهن أو على السماع، كنّ وحدهن أو مع رجل [قال مالك:] ولا تجوز شهادتهن إلا حيث ذكرها الله في الدين وما لا يطلع عليه أحد إلا هن للضرورة إلى ذلك. 3274 - ويحلف الطالب مع شهادة امرأتين في الأموال ويقضى له، وتجوز شهادتهن على الشهادات في الأموال أو في الوكالة على الأموال إذا كان معهن رجل، وهنّ وإن كثرن كرجل [واحد] ، ولا ينقلن شهادة إلا مع رجل، نقلن عن رجل أو امرأة ¬

(¬1) رواه مسلم (1712) ، وأبو داود (3608) ، ومالك في الموطأ (2/721) ، وابن ماجة (2369) .

وقاله أشهب. وقال غيره: لا تجوز شهادتهن على شهادة، ولا على وكالة في مال. قال ابن القاسم: وما لا تجوز فيه شهادتهن فلا يجوز أن يشهدن فيه على شهادة غيرهن، كان معهن رجل أم لا. 3275 - قال مالك: وتجوز شهادتهن في المواريث إذا ثبت النسب بغيرهن، وإنما جازت في اختلافهم في الميراث، لأنه مال، والنسب معروف بغير شهادتهن. وتجوز في قتل الخطأ لأنه مال، قال ربيعة وسحنون: إنما أُجزن في قتل الخطأ والاستهلال ضرورة لفواتهما، وأما الجسد فهو يبقى، فإن شهد رجلان على رؤية جسد القتيل والجنين، وإلا لم تجز شهادتهن. 3276 - قال مالك: وتجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح ما لم يفترقوا أو يخيبوا، ولا تجوز إلا شهادة اثنين منهم فأكثر، بعضهم على بعض

إذا كانوا صبياناً كلهم. ولا تجوز فيه شهادة واحد، ولا تجوز شهادة الإناث من الصبيان في الجراح فيما بينهم. ولا تجوز شهادة الصبيان في الجراح لكبير على صغير أو كبير، وإذا شهدت بينة على قول صبي أن فلاناً الصبي قتله، لم ينفع هذا إلا ببينة على القتل، ولا يقسم بذلك وإن اعترف القاتل، وليس في الصبيان قسامة فيما بين بعضهم لبعض إلا أن يشهد كبير أن كبيراً قتل صغيراً، فيقسم ولاته على ما شهد به الشاهد من عمد أو خطأ. قال أشهب أو غيره: لا تجوز شهادة الصبيان في القتل، ولا تجوز شهادة الإناث. وقال المخزومي: إن الإناث تجوز شهادتهن وإن شهادة الصبيان في القتل جائزة. وقال ابن نافع وغيره في صبي شهد عليه صبيان أنه

جرح صبياً ثم نزى في جرحه فمات، أن ولاته يقسمون لَمِنْ ضَرْبه مات، ويستحقون الدية. 3276 - وتجوز شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت، وإن شهد لصاحب الدين بذلك واحد من الورثة، فإنه يحلف معه إن كان عدلاً ويستحق حقه، فإن نكل أخذ من شاهده قدر ما يصيبه من الدين، وإن كان سفيهاً لم تجز شهادته، ولم يرجع عليه في حصته بقليل ولا كثير. وشهادة الوصيين أن الميت أوصى لفلان معهما جائزة، وقال غيره: إذا ادعى ذلك فلان، ولم يجرا بذلك إلى أنفسهما نفعاً وكذلك الوارثان. 3277 - وتجوز شهادة الوارثين على نسب يلحقانه بالميت، أو دين أو وصية أو أن فلاناً وصي، وإن شهدا أن أباهما أعتق هذا العبد ومعهما أخوات أو زوجة للأب، فإن لم يتهما في ولائه لدناءته جازت شهادتهما، وإن كان يُرغب في ولائه ويتهمان على جره لم تجز شهادتهما.

3278 - ولا تجوز شهادة وصي بدين للميت، إلا أن يكون الورثة كباراً [عدولاً] وكان لا يجرّ بشهادته شيئاً يأخذه فشهادته جائزة. قال مالك: فإن شهد الوصي لورثة الميت بدين لهم على الناس، لم تجز شهادته، لأنه الناظر لهم، إلا أن يكونوا كباراً عدولاً يلون أنفسهم فتجوز شهادته لهم، لأنه لا يقبض لهم شيئاً وهم يقبضون لأنفسهم إذا كانت حالهم مرضية. (¬1) 3279 - ولا تجوز شهادة النساء وحدهن أو مع رجل أن فلاناً وصى، إذا كان في الوصية عتق وأبضاع نساء. وقال غيره: لا تجوز في الوصي بحال، لأن ذلك ليس بمال. قال سحنون: الوصية والوكالة ليستا بمال، إذ لا يحلف وصي أو وكيل مع شاهد رب المال إذ المال لغيرهما. وإن شهدن لرجل أن فلاناً أوصى له بكذا جازت شهادتهن مع يمينه، وامرأتان في ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/164، 165) ، ومواهب الجليل (6/172) ، والكافي لابن عبد البر (ص461، 462) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص212) .

ذلك، ومائة امرأة سواء، يحلف معهن ويستحق، ولا يحلف مع امرأة واحدة، فإن شهدن لعبد أو لامرأة أو لذمي فإنه يحلف ويستحق. وأما إن شهدن لصبي فإنه لا يحلف حتى يبلغ، وإن كان في الورثة كبار أو أصاغر حلفوا وأخذوا مقدار حقهم، فإن نكلوا وبلغ الصغار، كان لهم أن يحلفوا ويستحقوا حقهم. 3280 - وإن شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة ضمن المال ولم يقطع، ولو شهد عليه بالسرقة رجل واحد حلف الطالب وضمن له السارق ولم يقطع، كما لو أقام شاهداً أن عبد فلان قتل عبده عمداً أو خطأ، فإنه يحلف معه يميناً واحدة، ويستحق العبد ولا يقتله وإن كان عمداً. وكل جرح لا قصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والمأمومة وشبهها، فالشاهد واليمين فيه جائز، لأن العمد والخطأ فيه إنما هو مال. 3281 - ومن أقام شاهداً بمائة دينار ديناً، وشاهداً بخمسين، فإن شاء حلف مع شاهد المائة وقُضي له بها، وإلا أخذ خمسين بغير يمين.

3282 - وإذا شهد وارثان أن فلاناً تكفل لفلان ولوالدهما بمال، أو شهد رجلان أن لهما أو لفلان على فلان مائة دينار، لم يجز شيء من ذلك. وقال مالك فيمن شهد على وصية أُوصي له فيها بشيء تافه لا يتهم فيه جازت له ولغيره إذ لا يصح بعض الشهادة ويرد بعضها. وقال غيره عن مالك: إذا اتهم لم تجز شهادته له ولا لغيره. قال سحنون: وفي هذا الأصل اختلاف عن مالك [وغيره] ، قال يحيى بن سعيد: إن كان معه شاهد غيره جازت له ولغيره، وإن كان وحده جازت لغيره ولم تجز له، وروى ابن وهب عن مالك أنها لا تجوز له ولا لغيره. 3283 -[وقال يحيى بن سعيد في قوم مسافرين في قبائل شتى، توفي أحدهم فأوصى لهم

بوصية ولم يشهد على الوصية [غيرهم] : إن شهادة بعضهم لبعض في الوصية لا تجوز، إلا أن يشهد لهم من ليس له في الوصية حق] . 3284 - وإن شهد شاهد على وصية فيها عتق، ووصايا لقوم لم تجز شهادته في العتق، وتجوز في الوصايا للقوم مع أيمانهم، فإن ضاق الثلث فإنما لهم من الثلث ما فضل عن العتق، وإنما تبطل كلها لو شهد لنفسه فيها. 3285 - ومن أودعك وديعة فشهدت عليه أنه تصدق بها على فلان، أو أقرّ بها له، حلف فلان مع شهادتك واستحقها إن كان حاضراً، وإن غاب لم تجز شهادتك إن كانت غيبة تنتفع أنت بمثلها في المال. 3286 - ومن سمع رجلاً يذكر شهادته أن لفلان [على فلان] كذا، أو يقول: سمعت فلاناً يقذف فلاناً، أو يطلق زوجته، فلا يشهد على شهادته حتى يقول له: اشهد على شهادتي، وإن سمع رجلاً يطلق زوجته أو يقذف رجلاً فليشهد بذلك، وإن لم يشهده وعليه أن يشهد ويخبر بذلك من له الشهادة.

3287 - وقال مالك في الحدود: إنه يشهد بما سمع إن كان معه غيره، وسمعته قبل ذلك يقول فيمن مرّ برجلين يتكلمان في أمر فسمع منهما شيئاً ولم يشهداه، ثم يطلب أحدهما تلك الشهادة، قال: فلا يشهد له. قال ابن القاسم: إلا أن يستوعب كلامهما من أوله [إلى آخره] فليشهد وإلا فلا، إذ قد يكون قبله كلام يبطله أو بعده. (¬1) 3288 - وإن شهد شاهدان أنهما سمعا أن هذا الميت مولى فلان هذا لا يعلمان له وارثاً غير ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (12/133) ، (13/169) ، والشرح الكبير (4/179) ، وحاشية الدسوقي (4/179) .

هذا، أو شهد شاهد واحد أنه مولاه اعتقه، استوني بالمال، فإن لم يستحقه أحد غيره قضي له به مع يمينه، ولا يجر بذلك الولاء. 3289 - وإن كان شاهد واحد على السماع، لم يقض له بالمال وإن حلف، لأن السماع نقل شهادة، ولا تجوز شهادة واحد على شهادة غيره، وكثير من هذا المعنى في كتاب الولاء أتم مما ههنا فأغنى عن إعادته. وإن شهد لرجل أعمامه أن فلاناً الميت مولى أبيه أعتقه، فإن لم يدّعِ ولداً ولا مولى وإنما ترك مالاً جازت الشهادة لارتفاع التهمة، وإن ترك ولداً ومولى يتهمون بذلك على جرّ ولائهم يوماً ما لقُعْدُدهم، لم يجز. وقد قال مالك في ابني عمٍ شهدا لابن عمهما على عتق: إنه إن كان ممن يتهمان لقربهما منه في جر الولاء لم يجز ذلك، وإن لم يتهما الآن في جر الولاء لبعدهما منه جازت الشهادة، وإن كان الولاء قد يرجع إليهما يوماً ما. 3290 - والشهادة على السماع في الأحباس جائزة لطول زمانها يشهدون أنا لم نزل نسمع أن هذه الدار حبس، تحاز بحوز الأحباس، وإن لم ينقلوا عن بينة

معينين إلا قولهم سمعنا وبلغنا، ولو نقلوا عن قوم عدول أشهدوهم لم يكن سماعاً وكانت شهادة. قال مالك: وليس عندنا أحد ممن شهد على أحباس الصحابة إلا على السماع. 3291 - وسئل مالك عن قوم شهدوا على السماع في حبس على قوم وأنه يعرف أن من مات منهم لا يدخل في نصيبه زوجته، وتهلك ابنة الميت، فلا يدخل فيه ولدها ولا زوجها. قال: أراه حبساً ثابتاً وإن لم يشهدوا على أصل الحبس، ولم يذكروا ذلك كله وذكروا من السماع ما يستدل به فذلك جائز. ومن أقامت في يده دار خمسين سنة أو ستين ثم قدم رجل كان غائباً فادعاها، وثبت الأصل له، وأقام بينة أنها لأبيه أو جده، وثبتت المواريث حتى صارت له، فقال الذي بيده الدار: اشتريتها من قوم، وقد انقرضوا وانقرضت البينة وأتى ببينة يشهدون على السماع، فالذي ينفعه من ذلك أن يشهد قوم أنهم سمعوا أن الذي في يديه الدار أو أحد من آبائه ابتاعها من القادم أو من أحد آبائه أو ممن ورثها القادم عنه، أو ممن ابتاعها من أحد ممن ذكرنا، فذلك يقطع حق القادم منها. قال مالك: وها هنا دور يعرف لمن أصلها بالمدينة قد تداولتها الأملاك فشهادة السماع على مثل هذا جائزة، وإن أتى الذي في يديه الدار ببينة يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الذي في يديه الدار أو أحد من آبائه ابتاعها ولا يدرون ممن [ابتاعها]

فلا ينفعه ذلك، ولو أقام بينة يشهدون على السماع أن أباه ابتاعها ممن ذكرنا منذ خمس سنين ونحوها، لم ينفعه ذلك، ولا يقبل في مثل هذا القرب إلا بينة تقطع على الشراء، فإن لم يأت الحائز ببينة يشهدون على علم الشراء في قريب الزمان أو على السماع في بعيده قضي بها للقادم الذي استحقها. 3292 - ومن أقرّ أنه كان تسلف من فلان الميت مالاً وقضاه إياه فإن كان ما يذكر من ذلك حديثاً لم يطل زمانه لم ينفعه قوله: قضيته، وغرم لورثته إلا أن يقيم بينة قاطعة على القضاء، وإن طال الزمان حلف المقرّ وبرئ، إلا أن يذكر ذلك على معنى الشكر، يقول: جزى الله فلاناً خيراً أسلفني وقضيته، فلا يلزمه في هذا شيء مما أقر به، قرب الزمان أو بعد. 3293 - ومن أقام شاهداً على رجل أنه تكفل له بماله على فلان حلف مع شاهده واستحق الكفالة [بماله] قِبَلَه، ويحاص من قضى له في دينه بشاهد ويمين مع من قضى له بشاهدين. وإن أقام الطالب شاهداً وأبى أن يحلف معه فله يمين المطلوب فإن نكل غرم،

ولا يرد اليمين على الطالب، لأنه هو ردها، وإذا ثبتت الخلطة ولم يأت الطالب بشاهد واستحلف المطلوب فنكل لم يقض الإمام للطالب حتى يرد اليمين عليه، وإن جهل المطلوب أن يسأله ردها، فعليه أن يعلمه بذلك، ولا يقضي حتى يردها، وإن نكل الطالب فلا شيء له. (¬1) 3294 - وإن حلف المطلوب ثم وجد الطالب بينة فإن لم يكن علم بها قضي له بها، وإن استحلفه بعد علمه ببينته تاركاً لها، وهي حاضرة أو غائبة فلا حق له، وإن قدمت بينته. وإن قال الطالب للإمام بينتي غائبة فأحلفه لي، فإذا قدمت بينتي قمت بها نظر الإمام، فإن كانت بينته بعيدة الغيبة وخاف تطاول الأمر وذهاب الغريم أحلفه له وكان له القيام ببينته إذا قدمت، وإن كانت بينته قريبة الغيبة على مثل اليومين والثلاثة، لم يحلفه إلا على إسقاطها. 3295 - ومن ادعى قبل رجل كفالة ولا خلطة بينهما فلا يمين له عليه. ومن باع سلعة من رجلين فقبض من أحدهما حصته ثم لقي الآخر فقال له: قد دفعت إلى صاحبي يدفع إليك، فسأل البائع صاحبه فأنكر، فأراد يمينه، فلم ير مالك هذه خلطة توجب اليمين. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/265) ، والكافي لابن عبد البر (1/414) .

3296 - ومن ادعى قبل رجل ديناً أو غصباً أو استهلاكاً فإن [كان] عُرِف بمخالطته في معاملته أو علمت تهمته فيما ادعى قبله من التعدي والغصب، نظر فيه الإمام، فإما أحلفه أو أخذ له كفيلاً حتى يأتي بالبينة، وإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكر لم يعرض له، ولا تجب اليمين حتى تثبت الخلطة، وكذلك قال السبعة من فقهاء التابعين. 3297 - وقد قال مالك في امرأة ادعت أن فلاناً استكرهها أنه إن كان ممن [لا] يشار إليه بذلك حُدّت، وإن كان ممن يشار إليه بذلك نظر الإمام في ذلك، وقد تركت هنا مسائل كثيرة قد تقدم ذكرها في كتب النساء والعبيد مستوعبة فأغنى عن إعادته. 3298 - ومن ادعى على رجل أنه ولده أو والده [فأنكر] فلا يمين عليه. ومن ادعى قبل رجل حداً فقدمه إلى القاضي وادعى بينة قريبة يأتي بها في يومه أو غده، فليوقفه القاضي ولا يحبسه.

ولو أقام الطالب شاهداً عدلاً حبسه القاضي له، ولا يؤخذ في هذا كفيل، وكذلك في الجراح، وما يكون في الأبدان لا يؤخذ به كفيل. 3299 - ومن ادعى عبداً بيد رجل وأقام شاهداً عدلاً يشهد على القطع أنه عبده، أو أقام بينة تشهد أنهم سمعوا أن عبداً سرق له مثل ما يدعي، وإن لم تكن شهادة قاطعة وله بينة ببلد آخر فسأل وضع [قيمة] العبد ليذهب به إلى بينته لتشهد على عينه عند قاضي تلك البلدة فذلك له، وإن لم يقم شاهداً ولا بينة على سماع ذلك، وادعى بينة قريبة بمنزلة اليومين والثلاثة فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته لم يكن ذلك له. فإن قال: أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي، لم يكن له ذلك، إلا أن يدعي بينة حاضرة على الحق، أو سماعاً يثبت له به دعواه، فإن القاضي يوقف العبد ويوكل به حتى يأتيه ببينته، [أو بما يثبت به دعواه] فيما قرب من يوم ونحوه، فإن جاء بشاهد أو بسماع وسأل إيقاف العبد ليأتي ببينته، فإن كانت بعيدة وفي إيقافه ضرر استحلف القاضي المدعى عليه وسلمه إليه بغير كفيل، وإن ادعى شهوداً حضوراً على حقه أوقف له نحو الخمسة الأيام

والجمعة وهذا التحديد لغير ابن القاسم. ورأى ابن القاسم أن يوقف له، لأن الجائي بشاهد أو بسماع له وضع القيمة عند مالك، والذهاب به إلى بينته، فهذا كالإيقاف، ونفقة العبد في الإيقاف على من يُقضى له به. وقال غيره: وإنما يوقف مثل ما يشهد على عينه من الرقيق والحيوان والعروض، لأن ذلك يحول وتزول عينه. 3300 - قال ابن القاسم: يوقف ما لا يؤمن تغيره وزواله، فأما المأمون كالرباع والعقار وماله من ذلك الغلة فإنما يوقف وقفاً يمنع فيه من الإحداث فيها، والغلة أبداً إنما هي للذي هي بيده، لأن ضمانها منه حتى يُقضى بها للطالب. قال سحنون: هذا إذا كان مبتاعاً أو صارت إليه من مبتاع.

قال غيره: وإن ادعى عليه ديناً أو شيئاً مستهلكاً وطلب كفيلاً، سأله القاضي بيّنة على خلطة أو معاملة أو ظنة، فإن ادعى على الخلطة بيّنة قريبة وُكّل بالمطلوب حتى يأتي بما يوجب اللطخ ما بينه وبين يوم وشبهه، فإن جاء بذلك وادعى على الحق بينة بعيدة استُحلِف المطلوب وأطلقه بغير كفيل، وإن ادعى قربها أخذه بكفيل بنفسه ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة، ولا يأخذه بكفيل بالمال، وإنما يأخذ الكفيل بنفسه ليحضره فتشهد عليه البينة، كما يوقف الحيوان والعروض، لأنه يحتاج إلى إحضاره لتشهد البينة على عينه، وأما ما لا يحتاج إلى إحضاره لتشهد البينة على عينه، فلا يؤخذ فيه كفيل. (¬1) 3301 - وإن كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم ورَطِب الفواكه، وقد أقام لطخاً أو شاهداً على الحق، وأبى أن يحلف وادعى بينة قريبة على الحق، أجّله القاضي بإحضار شاهدين أو شاهد إن أتى بشاهد قبله، ولم يحلف معه، ما لم يخف فساد ذلك الشيء، فإن أتى بما ينتفع وإلا أسلم ذلك الشيء إلى المطلوب، ونهي المدعي عن التعرض له، فإن كان الطالب قد أقام شاهدين، فأوقف القاضي ذلك الشيء إلى الكشف عنهما، فإن خاف فساده باعه وأوقف ثمنه، فإن زكيت بينة المدعي وهو ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/184) .

مبتاع أخذه وأدى الثم الذي قالت بينته، كان أقل من ذلك أو أكثر، ويقال للبائع إذا كان يأخذ أكثر من الثمن الموقوف: أنت أعلم بالمُخْرَج عن الزيادة، وإن لم تُزكّ البينة أخذ المدعى عليه الثمن من الموقوف، لأنه عليه بيع نظراً، ولو ضاع الثمن قبل القضاء أو بعده كان ممن قضي له به. 3302 - قال ابن القاسم: ومن بعث بمال صلة لرجل أو هبة أو صدقة مع رجل فقال: قد دفعته إليه وأنكر القابض، فعلى الرسول البينة وإلا غرم، وكذلك إن أمره بصدقته، على مساكين بأعيانهم، فإن لم يكونوا معينين فهو مصدق. وإن أمرت غريمك أن يدفع دينك إلى رجل بعينه فقال: قد دفعته، وأنكر القابض لم يبرأ المأمور إلا ببينة، وإن قال القابض: قبضته وضاع مني، لم يبرأ الدافع إلا ببينة. وكذلك من وكلته على قبض مال من يد رجل فقال: قبضته وضاع، فلا يبرأ الدافع إلا ببينة، ولو قال الوكيل: قبضت المال، أو قال: برئ إلي من المال، لم يبرأ الدافع إلا ببينة أنه دفع إليه المال، أو يأتي الوكيل بالمال [إلا أن يكون الوكيل] مفوضاً إليه فهو مصدق بخلاف وكيل مخصوص. 3303 - ومن كانت في يديه دور أو عبيد أو عروض أو دنانير أو دراهم

أو غير ذلك من الأشياء، فادعى ذلك رجل وأقام بينة أن ذلك له، وأقام من ذلك بيده بينة أنها له، قضي بشهادة أعدلهما وإن كانت أقل عدداً، فإن تكافأتا في العدالة سقطتا، وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف، ولا أقضي بأكثرهما، لأن التكافؤ في العدالة لا في العدد، حتى لو كانت بينة أحدهما رجلين أو رجلاً وامرأتين، فيما تجوز فيه شهادة النساء، وبينة الآخر مائة رجل فاستووا كلهم في العدالة سقطوا وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف، [وكذلك إن كانت دار بيد رجل يدعيها لنفسه فادعاها رجلان وأقام كل واحد منهما بينة أنها له وتكافأت بينتهما، فإن الدار تبقى بيد الذي هي في يديه] وذلك أن كل بينة قد كذبت الأخرى وجرحتها فسقطتا. قال غيره: ليس هذا بتجريح، ولكن البينة لما تكافأت صارت كأنها لم تأت بشيء، ويقران على الدعوى. 3304 - قال مالك: وإن تداعيا في شيء وليس هو بيد واحد منهما وأقام كل واحد بينة أنه له، قضي باعدل الشهود وإن قلّوا، فإن تكافئوا في العدالة وكان الذي شهدوا فيه مما يرى الإمام منعهما منه، فعل حتى يأتيا ببينة أعدل منهما، وإن كان مما لا

ينبغي للإمام أن يقره [ولا] يرى أنه لأحدهما قسّمه بينهما بعد أيمانهما كشيء لا شهادة لهما فيه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك في القوم يتنازعون عفواً من الأرض فيأتي هؤلاء ببينة وهؤلاء ببينة، فإنه يقضى في ذلك بأعدل البينتين، وإن كانت أقل عدداً، ويحلف أصحابها مع شهادتهم، فإن تكافأت البينتان سقطتا، وبقيت الأرض كغيرها من عفو بلاد المسلمين، حتى تستحق بأثبت من هذا. قال ابن القاسم: مثل أن يأتي أحدهما ببينة هي أعدل من الأولى. وقال ابن القاسم عن مالك في باب بعد هذا: إن كل ما تكافأت فيه البينتان وليس هو في يد واحد منهما، وكان مما لا يخاف عليه، مثل الدور والأرضين ترك حتى يأتي أحدهما بأعدل مما أتى به صاحبه، فيُقضى له به، إلا أن يطول الزمان، ولا يأتيا بشيء غير ما أتيا به أولاً، [فإنه يقسّم بينهما، قال ابن القاسم: لأن ترك ذلك ووقفه يصير إلى الضرر. قال مالك:] وما كان يخشى تغيره مثل الحيوان والرقيق والعروض والطعام، فإنه يستأنى به قليلاً، لعل أحدهما يأتي بأثبت مما أتى به صاحبه فيقضى له به، فإن لم يأتيا بشيء وخيف عليه قسّمه بينهما. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/211) .

قال ابن القاسم: وكذلك زرع ادعياه في أرض رجل لا يدعيه، ولو ادعاه رب الأرض كان أحقّ به في تكافؤ بينتيهما، ولو كان الزرع في يد أحدهما، كان أولى به إذا أقام البينة. 3305 - ومن أقام بينة في دار أنه ابتاعها من فلان وأنه باعه ما ملك، فأقام من هي بيده بينة أنه يملكها قضي بأعدلهما، وإن تكافأتا سقطتا وبقيت الدار بيد حائزها، كما لو ادعاها الذي يزعم هذا المدعي أنه ابتاعها منه لقضي بها لحائزها عند تكافؤ البينتين، وإن لم يقم الحائز بينة قضي بها للمدعي إلا أن تكون طالت حيازة الحائز بحال ما وصفنا في الحيازة، والمدعي حاضر، فذلك قطع لدعواه، وإذا أقام كل واحد من المدعي والحائز بينة على نتاج أو نسج، كان ذلك لمن هو بيده منهما. ولو أن أمة ليست بيد أحدهما، فأتى أحدهما ببينة أنها له، لا يعلمونها خرجت من ملكه حتى سرقت له، وأقام الآخر بينة أنها له، ولدت عنده، ولا يعلمونها خرجت من ملكه بشيء، قضي بها لصاحب الولادة. قال غيره: إذا كانت البينة الناتج عدولاً وإن كانت الأخرى أعدل، وليس هذا

من التهاتر، ولكن لما زادت بقدم المالك كانت أولى، كما لو شهدت بينة أن هذا يملكها منذ عام، وبينة الآخر أنه يملكها منذ عامين فإني أقضي ببينة أبعد التاريخين إن عُدِّلت، وإن كانت الأخرى أعدل، ولا أبالي بيد من كانت الأمة منهما، إلا أن يحوزها الأقرب تاريخاً بالوطء والخدمة والادعاء لها بمحضر الآخر، فهذا يقطع دعواه. 3306 - قال ابن القاسم: ومن مات وترك ولدين مسلماً ونصرانياً، كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه، وأقاما على ذلك بينة مسلمين، فتكافأت في العدالة أو لم تكن لهما بينة، فالميراث يقسم بينهما، كمالٍ تداعياه، فإن كان قد صلّى هذا المسلم على أبيه ودفنه في مقبرة المسلمين، فليس الصلاة بشهادة، ولو لم يأتيا ببينة وقد كان يعرف بالنصرانية فهو على ذلك، وابنه النصراني أحث بميراثه حتى يقيم المسلم بينة على ما ذكر. (¬1) وقال غيره: إذا تكافأت البينتان قضى بالمال للمسلم بعد أن يحلف على دعوى النصراني، لأن بينة المسلم زادت حين زعمت أنه مسلم. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/89) .

3307 - قال مالك: ومن أقامت بيده دار سنين ذوات عدد يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني، فأقام رجل بينة أن الدار داره، أو أنها لأبيه أو لجده وأثبت المواريث، فإن كان هذا المدعي حاضراً يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له، وذلك يقطع دعواه، وإن كان غائباً ثم قدم فادعاها فقد تقدم الجواب في ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك من حاز على حاضر عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً فذلك كالحيازة في الرباع إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن، والدواب تركب وتكرى، والأمة توطأ، ولم يحد لي مالك في الحيازة في الرباع عشر سنين ولا غير ذلك. وقال ربيعة: حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر، إلا أن يقيم بينة أنه إنما أكرى أو أسكن أو أعار ونحوه، ولا حيازة على غائب.

وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي ÷ قال: "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له". (¬1) قيل لابن القاسم: أرأيت لو أن داراً في يدي ورثْتُها عن أبي ثم أقام ابن عمي بينة أنها دار جده، وطلب مورثه؟ قال: هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك. 3311 - ومن قامت له بينة أنه ابن فلان الميت، لم يستحق ميراثه حتى يقولوا: لا نعلم له وارثاً غيره، وكذلك إن شهدوا مع ذلك بأن هذه الدار لأبيه أو جده، فلا تتم الشهادة حتى يقولوا: لا نعلم أنها خرجت من ملكه إلى أن مات وتركها ميراثاً لهذا، وإنا لا نعلم به وارثاً غيره، فإن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة له آخرين، لم يعط هذا منها إلا مقدار حظه، ويترك القاضي باقيها في يد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقها. ¬

(¬1) رواه أبو داود في المراسيل (394) ، وانظر: التاج والإكليل (6/210) ، والفواكه الدواني (2/245) ، والشرح الكبير (4/234) ، ومواهب الجليل (6/221، 223، 225) ، والمدونة الكبرى (13/192) .

قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا، وروي عن مالك أنه قال: تنزع من يد المطلوب، وتوقف. قال ابن القاسم: وإن قالت البينة: لا نعرف كم الورثة، لم يقض لهذا بشيء من الدار ولا ينظر إلى تسمية المدعي للورثة، وتبقى الدار للذي هي في يده حتى يثبت عدد الورثة [ببينة] . 3312 - قال مالك: ومن ادعى أرضاً وتبين لدعواه وجه، والذي هي في يديه يحفر فيها عيناً فإنه يمنع ويوقف، وليس له أن يقول: دعوني أعمل، فإن ثبتت له هدَمْت ذلك. وقال غيره: ومن أقام بينة غير قاطعة في أرض فليس للذي هي في يديه أن يبيع،

لأن البيع حينئذ غرر. [قال ابن القاسم: له أن يبيع ويصنع ما شاء وليس بيعه بالذي يبطل حق المدعي] . 3313 - ومن ادعى عيناً قائمة من رقيق أو حيوان أو طعام أو عروض أو ناض أو غير ذلك بيد رجل، وأتى ببينة على ملكه لذلك، فمن تمام شهادتهم أن يقولوا: وما علمناه باع ولا وهب ولا خرج من ملكه، ثم لا يقضى له به حتى يحلف على البت أنه ما باع، ولا وهب ولا خرج من ملكه بوجه من الوجوه، فإن قال: أعرتها أو استودعتها، لم يكن ذلك خروجاً من ملكه. قال مالك: وليس عليه أن يأتي ببينة يشهدون على البت أنه ما باع ولا وهب ولو شهدت البينة بذلك كانت زوراً، وإن أقام بما ذكرنا شاهداً واحداً حلف [معه] وقضي له.

3314 - ومن أقام شاهدين على حق له، فليس عليه أن يحلف مع شاهديه، إلا أن يدعي المديان أنه قد قضاه فيما بينه وبينه فإنه يُحلفه، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ. 3315 - ومن قُضى له بمورّث أو غيره لم يؤخذ منه كفيل، وذلك جزر ممن فعله. 3316 - ومن اشترى منك ثوباً ونقدك الثمن فقبضته وجحدت الاقتضاء وطلبت يمينه فأراد هو أن يحلف أنه لا حق لك قبله، فليس له ذلك. قال مالك - رحمه الله -: ولك أن تحلفه أنه ما اشترى منك سلعة كذا بكذا، لأن هذا يريد أن يورّك. قال ابن القاسم: يريد بقوله: "يورك": الإلغاز.

3317 - وإن ادعى أحد المتفاوضين على رجل ديناً من شركتهما فجحده، فليس للمطلوب أن يقول لهذا المفاوض: لا أحلف إلا على حصتك وليحلف على حصته وحصة صاحبه، لأن فعل أحدهما كفعلهما، فإن حلف لهذا ثم أتى صاحبه لم يكن له أن يحلفه، لأنه قد حلف لشريكه. وكذلك لو وكّلت رجلاً يقبض مالك على فلان فجحده، فحلّفه الوكيل ثم لقيته أنت لم يكن لك أن تحلفه. 3318 - ويحلف المدعى عليه، أو من حلف مع شاهده بالله الذي لا إله إلا هو، لا يزيد على هذا، وكل شيء له بال فإنما يحلف عليه في جامع بلده في أعظم مواضعه وليس عليه أن يستقبل القبلة، ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر إلا منبر النبي ÷ في ربع دينار فأكثر. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/198) .

3319 - وتخرج المرأة فيما له بال من الحقوق فتحلف في المسجد، فإن كانت ممن لا تخرج نهاراً فلتخرج ليلاً، وتحلف في اليسير في بيتها إن لم تكن ممن تخرج، ويبعث إليها القاضي من يحلفها لصاحب الحق ويجزيه رجل واحد. وأم الولد مثل الحرة فيمن تخرج أو لا تخرج. والعبد ومن فيه بقية رق فهو كالحر في اليمين. ولا يحلف الصبيان إذا ادعي عليهم، ولا مع شاهد يقوم لهم حتى يبلغوا. 3320 - وإذا قامت بينة لميت بدين فادعى المطلوب أنه قضى الميت حقه لم ينفعه ذلك، وله اليمين على من يظن به أنه علم ذلك من بالغي ورثته على العلم، ولا يمين على من لا يظن به علم ذلك ولا على صغير، ومن نكل ممن لزمته اليمين منهم سقط من الدين حصته فقط. 3321 - ولا يحلف اليهودي والنصراني في حق أو لعان أو غيره إلا بالله، ولا يزاد عليهم الذي أنزل التوراة والإنجيل، ويحلفون في كنائسهم وحيث يعظمون، ويحلف المجوسي في بيت نارهم وحيث يعظمون.

3322 - ولا يقضي القاضي بشهادة الشهود حتى يكشف عنهم، وهذا مستوعب في كتاب الأقضية. ومما يجرح به الشاهد أن تشهد عليه بينة أنه [شاهد زور] ، أو شارب خمر [أو آكل خنزير] أو آكل ربا، أو صاحب قيان، أو كذاب في غير شيء واحد ونحو هذا. ولا يجرحه إلا اثنان عدلان. 3323 - قال ربيعة: ترد شهادة الخصم الذي يجر إلى نفسه، والظنين وهو المغموص عليه في خلائقه وشكله، ومخالفته حال العدل، وإن لم يظهر منه قبيح عمل، وترد شهادة العدو الذي لا يؤمن ما شهد عليه. قال مالك: وإذا ظهر الإمام على شاهد الزور ضربه بقدر رأيه وطاف به في المجالس. قال ابن القاسم: يريد [بقوله] في المجالس: المسجد الجامع، ولا تقبل له شهادة أبداً وإن تاب وحسنت حاله.

3324 - وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله بالشام إذا أخذتم شاهد الزور فاجلدوه أربعين جلدة وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس ويطال حبسه ويحلق رأسه ولحيته. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/203) ، والتاج والإكليل (6/270) ، ومنح الجليل (8/303) ، والأثر رواه البيهقي في الكبرى (10/142) ، وابن أبي شيبة في المصنف (28713) ، وكذا عبد الرزاق (15392) .

(كتاب المديان)

(كتاب المديان) 3325 - قال مالك: ولا يحبس في الدين حر ولا عبد إذا لم يتبين [لدده] ، ولا اتهم أن يكون غيب ماله، ولكن يستبرأ أمره، إلا أن يحبسه قدر تلومه في اختباره وكشف حاله، أو يأخذ عليه حميلاً لذاك، فإذا لم يجد له شيئاً ولا غيّب شيئاً لم يحبسه، ويحبس من اتهمه أن يكون غيب مالاً. ومثل من يقعد من التجار بأموال الناس ويقول: ذهبت مني، ولا يعلم أهل موضعه أنه أجيح بحريق أو سرقة ونحو ذلك فإنهم يحبسون. وإذا حبس لتهمة أو لدد، لم يكن لطول ذلك حد، ولكن يحبس حتى يقضي أو يتبين عُدْمه، فإن تبين عدمه أطلق. ثم ليس لرب الدين ملازمته ومنعه من تصرفه، ولا أن يوكل به من يلازمه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/204) .

وروي أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانا يستحلفانه أنه ما يجد قضاءً من قرض ولا عرض، وأنه إن وجد ليقضيَّن. (¬1) ويحبس فيما ذكرنا أحد الزوجين لصاحبه، والولد [يحبس] في دين الأبوين، ولا يحبسان في دينه. وقد قال مالك: لا أرى أن يحلف الأب للابن في دعواه. [وإن استحلفه فهي جرحة على الابن] ، وإن لم أحبس الأبوين للولد فلا أظلم الولد لهما. قال: ويحبس له من سواهما من الجدود والأقارب. وتحبس النساء والعبيد ومن فيه بقية رق، وأهل الذمة وهم في هذا مثل الأحرار سواء، ويحبس النساء في القصاص والحدود. 3326 - قال مالك: ولا يؤجَّر الحر إذا أفلس. قال ابن القاسم: ولا يستعمل لقول الله تعالى: ×وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ% [البقرة: 280] . ويُحبس السيد في دين مكاتبه إن لدّ به، ولا يحبس المكاتب لعجز عن كتابته، إذ ليست بدين ثابت في ذمته ولكن يتلوم له. 3327 - قال مالك: وإن هلك رجل وعليه دين للناس وترك مالاً ليس فيه وفاء بديونه، ¬

(¬1) رواه البيهقي في الكبرى (6/53) ، وانظر: التاج والإكليل (5/48) ، ومختصر خليل (ص204) ، والتقييد (5/287) .

فأخذه الوارث أو الوصي فقضاه بعض غرمائه، فإن لم يعلموا ببقية الغرماء ولم يكن الميت موصوفاً بالدين فلا شيء عليهم، ويرجع الغرماء القادمون على الذي اقتضوا بما كان ينوبهم في المحاصة من المال، فإن علموا بدينه أو كان موصوفاً بالدين، رجع الغرماء القادمون على الورثة أو الوصي بحصصهم، ويرجع الورثة أو الوصي بذلك على الغرماء الذين اقتضوا أولاً. قال ابن القاسم [في باب بعد هذا] : إذا قضى الورثة من حضرهم وهم يعلمون بدين القادم، فإنه إن وجد الغرماء معدومين رجع على الورثة بما ينوبه من ذلك، ثم يرجع الورثة بما أدوا من ذلك على الغرماء الأولين. وإن مات وترك وفاءً بديونه فقضى الوصي أو الورثة بعض غرمائه ثم تلف ما بقي، فليس للباقين رجوع على من قبض من الغرماء شيء، إذ فيما بقي وفاء لدين الباقين. 3328 - وإن باع الورثة مال الميت وقضوا ديونه وفضلت فضلة بأيديهم، ثم قدم غريم، فإنما يتبع الورثة ولا يتبع الغرماء إن كان في الفضلة كفاف دينه، وجد الورثة أملياء أو عدماء، فإن لم يكن فيما فضل كفاف دين القادم فله اتباع

الورثة بمثل الفضلة في ملائهم وعدمهم. فإن كان لو حضر نابه في الحصاص أكثر من الفضلة فليتبع الغرماء ببقية ما نابه. وتفسير ذلك أن تكون التركة مائتين وخمسين، والدين ثلاثمائة لثلاثة رجال، لكل واحد مائة، وأحدهم غائب لم يعلم به، فأخذ الحاضر مائتين والورثة الخمسين، ثم قدم الغائب، فقد علمت أنه لو حضر لنابه في الحصاص ثلاثة وثمانون وثلث، فله خمسون منها في ذمة الورثة، ويبقى له ثلاثة وثلاثون وثلث يرجع بها على الغريمين بينهما نصفين. ولو كانت التركة كفاف دينهما فقبضاه، لرجع عليهما بحصاصة فيها، وإن ألفاهما عديمين اتبع ذمتيهما، ولم يتبع من قضاهما من ورثة أو وصي بشيء إن قضوهما ولم يعلموا بدينه. 3329 - وإذا باع الورثة التركة فأكلوا ذلك واستهلكوه، ثم طرأت ديون على الميت، فإن كان الميت يُعرف بالدين فباعوا [ماله] مبادرة، لم يجز بيعهم، وللغرماء انتزاع عروضه ممن هي في يديه، ويتبع المشتري الورثة بالثمن. وإن لم يعرف الميت بالدين وباعوا على ما يبيع الناس اتبع الغرماء الورثة بالثمن، كان فيه وفاء أو لم يكن، ولا تباعة على من ذلك المال بيده.

بشيء، والقول الأول أعجب إليّ، وعليه جماعة الناس. وله أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، وسواء قام غرماؤه بإثر ذلك أو تأخر قيامهم إذا كان يبيع ويتاجر الناس، فبيعه وقضاؤه ورهنه جائز. 3330 - وإذا كان لرجلين دين على رجل فأخّره أحدهما بحصته، لزمه ذلك، فإن أعدم الغريم وقد اقتضى الآخر حصته فلا رجوع لصاحبه عليه. وأما صلح أحدهما للغريم على شيء من حقه، فقد جرى مستوعباً في كتاب الصلح. 3331 - وإذا عزل الورثة دين الغريم واقتسموا ما بقي ثم ضاع ما عزلوا، لم يضمنه الغريم، ويرجع عليهم فيما قبضوا، ولو عزله القاضي وقسم الباقي بين ورثته أو غرمائه، كان ضياع ذلك ممن أوقف له. 3332 - ومن أوصى بتأخير دين له على رجل وقد حلّ ولا يحمله الثلث أو هو جميع ماله، خُيّر الورثة بين التأخير أو القطع له بثلث جميع التركة.

3333 - ويجوز إقرار المريض بقبض الدين، إلا من وارث أو ممن يتهم بالتأليج إليه، وكذلك لا يجوز إقرار الزوجة بقبض المهر المؤجل من زوجها في مرضها، [ولا يجوز إقرار المريض لبعض ورثته بدين، وأما إن أقرّ لزوجته في مرضه] بدين أو مهر، فإن لم يعرف منه إليها انقطاع وناحية [محاباة] وله ولد من غيرها، فذلك جائز، وإن عرف بانقطاع إليها ومودة، وقد كان بينه وبين ولده من غيرها تفاقم - ولعل لها منه ولداً صغيراً - فلا يجوز إقراره، قيل: أفغيرها من الورثة بهذه المنزلة فيمن له منه انقطاع أو بُعْد؟ قال: لا، وإنما رأى ذلك مالك للزوجة، لأنه لا يتهم إذا لم يكن له ولد منها، ولا يعرف بانقطاع مودة إليها، أن يفرّ إليها بماله عن ولده، فأما إن [كان] ورثته إخوته أو بنوه فلا يجوز إقراره لبعضهم. ولو ترك ابنة وعصبة يرثونه لقرابة أو ولاء، فأقرّ لهم بمال فذلك جائز، ولا يتهم أن يفر إلى العصبة [بماله] دون الابنة، وأصل هذا قيام التهمة. فإذا لم يتهم بمن يفر إليه دون من يرث معه، جاز إقراره، فهذا أصل ذلك. 3334 - ومن كان عليه دين لأجنبي ببينة يغترق ماله، فلا يجوز إقراره بدين لصديق ملاطف، أو لزوجته، أو لغيرها من ورثته.

3335 - وإذا مرض رجل وعليه دين، فليس له أن يقضي بعض غرمائه، لأن قضاءه الساعة على وجه التأليج (¬1) ، فإن فعل لم يجز ذلك إذا كان الدين يغترق ماله. وقال غيره: المريض لم يحجر عليه في التجارة، وهو كالصحيح في تجارته وفي إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه. 3336 - ورهن من أحاط الدين بماله جائز ما لم يفلس، ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء. وقد كان روي مرة عن مالك أن الغرماء يدخلون معه [في الرهن] وليس ذلك وقد قال مالك فيمن عليه دين فأقر لأخت له بدين، فلا شيء لها إلا ببينة على أصل الدين، أو تقيم بينة أنها كانت تقتضيه في حياته. قال سحنون: يعني فيلزمه إقراره لها. 3337 - وإن هلك رجل وترك ولدين وترك مائتين، فأقرّ أحدهما أن لفلان على أبيه مائة وأنكر الآخر، فإن كان المقر عدلاً حلف معه المقرّ له وأخذ المائة، وإن أبى أن يحلف رجع على المقر بنصف المائة التي في يديه، لأنه إنما يلزمه إقراره في حقه دون حق أخيه، وإن كان سفيها لم تقبل شهادته [في] هذا، ولا يؤخذ من ماله شيء. وإن أقر رجلان من الورثة له بذلك قضى بهما إن كانا عدلين. 3338 - ومن أقرّ أن لفلان بضعة عشر درهماً، فالبضع ما بين الثلاث إلى التسع، فإن اختلفا في البضع لم يقض له إلا بثلاثة، إلا أن يزيد المقر عليها، ويحاص من قضي له [في دينه] بشاهد ويمين مع من قضي له بشاهدين. 3339 - ومن قال لرجل لا شيء له عنده: ادفع إلى فلان مائة درهم صلة مني له، ¬

(¬1) بعض المحاباة والدخول، وانظر: التاج والإكليل (4/69) .

فمات الآمر قبل دفع المأمور إياها، أو بعث لرجل بهدية فمات الباعث قبل وصولها إلى الموهوب [له] ، فإن [كان] أشهد في الوجهين فهي نافذة، وإن لم يشهد فهي رد. وكذلك إن تصدق على رجل بدين له على آخر وأشهد، كقول مالك فيمن ساق عن ناكح صداقاً، فمات السائق قبل قبض الزوجة الصداق، فهو لازم للميت، [يؤخذ من رأس ماله] . وقال غيره: إذا مات الذي وصل الرجل بالصلة قبل قبض الموصول إياها حتى تصير بالقبض ديناً على الواصل، فلا شيء للمعطى. 3340 - وإن أمرت من لك عليه دراهم يدفعها إلى من استقرضكها فأعطاه بها دنانير

برضاه فذلك جائز، وليس لك منعه، وأستحبُّ لك اتباع الآخر بدراهم، والقول فيه من مالك مختلف. ولو قبض فيها عرضاً لم تتبعه إلا بالدراهم. وإن استقرضك دنانير فأمرت من لك عليه دنانير يدفعها إليه، وله [هو] على المستقرض دراهم، فأراد مقاصاته بها، جاز ذلك إن حلا. وإن أمرت رجلا يقضي عنك ألف درهم فدفع فيها دنانير أو طعاماً أو عرضاً، فإنما يتبعك بمثل ما أمرته، لأنه سلف منه لك. وقد ذكر فيه اختلاف عن مالك، وأنه لا يربح في السلف. 3341 - ومن سأل رجلاً أن يقضي عنه لفلان ألف درهم، فأنعم له فمات الآمر قبل القضاء، فإن كان الطالب [رب الدين] اتعد من المأمور على وعدٍ ورضيا بذلك وانصرفا عليه، لزمه الغرم، وهذه حمالة.

3342 - وإن كان لك على رجل دين دنانير أو دراهم إلى أجل وعجلها لك قبل الأجل، أُجبرت على أخذها، كانت من بيع أو قرض. ولو كان دينك عرضاً أو طعاماً أو حيواناً من قرض، فعجله لك قبل الأجل، أجبرت على أخذه، ولو كان ذلك من بيع لم تجبر على أخذه قبل الأجل. 3344 - ومن مات وعليه دين، فتبرع رجل فضمن دينه، فذلك لازم له ولا رجوع له عن ذلك، فإن كان للميت مال رجع فيه بما أدى، إن قال: إنما أديت لأرجع في ماله، وإن لم يكن له مال والضامن بذلك عالم، فإنه لا يرجع في مال إن ثاب للميت، لأنه بمعنى الحسبة. ومن ضمن لرجل ماله على ميت، ثم بدا له فقد لزمه ذلك، لأن المعروف كله إذا أشهد به الرجل على نفسه لزمه. ومن أدى عن رجل ديناً عليه بغير أمره أو دفع عنه مهراً لزوجته، جاز ذلك إن فعله رفقاً بالمطلوب، وأما إن أراد الضرر بطلبه وإعناته، أو أراد سجنه لعُدْمه لعداوة بينه وبينه، منع من ذلك. وكذلك إن اشترى ديناً عليه تعنتاً له، لم يجز البيع، ورُدّ إن علم بذلك.

3345 - ومن وكل وكيلاً يقبض ديناً له على رجل، فقال: قبضته وضاع مني، أو قال: قد برئ إليّ من المال، وقال الرجل: دفعته إليه، لم يبرأ الدافع إلا أن يقيم بينة أنه دفعه إليه، أو يأتي الوكيل بالمال، إلا أن يكون الوكيل مفوضاً إليه أو وصياً، فهو مصدق، بخلاف الوكيل المخصوص. وإن قال الوصي: قبضت من غرماء الميت ما عليهم، لم يكن لليتامى إن بلغوا الرشد اتباعهم، وذلك يبرئهم. وكذلك إن قال: قبضته وضاع مني، صدق وبرئوا. قال ابن هرمز: فإن ادعى الغرماء أنهم دفعوا المال إلى الوصي، وأنكر ذلك الوصي، حلف، وإن نكل ضمن. وأما مالك فضمنه بنكوله في اليسير، وتوقف في الكثير، قال ابن القاسم: ورأيي على قول ابن هرمز أنه يضمن في القليل والكثير. وإذا قضى الوصي غرماء الميت بغير بينة فأنكروا، ضمن إن لم يأت ببينة. 3346 - قال الله تبارك وتعالى: ×وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ

رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ% [النساء: 6] . فاشترط الرشد مع البلوغ. قال ابن القاسم: فلا يخرج المولّى عليه بأب أو وصي من الولاية، وإن حاضت الجارية وتزوجت ودخلت بيتها واحتلم الغلام أو خضب بالحناء، ولا يدفع إليه ماله إلا برشد الحال. (¬1) 3347 - ولا يجوز للمولّى عليه عتق ولا بيع ولا هبة ولا صدقة، ولا يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيزه الآن. وأستحبّ له إمضاءه ولا أجبره عليه. وما ليس فيه إلا المتعة ففعله فيه جائز، فيجوز طلاقه زوجته وعتقه أم ولده، وأما النكاح فلا، إلا بإذن وليه، وما وُهب له من مال فإنه يدخل تحت الحجر. وكذلك إن اتجر فربح. ولا يجوز شراؤه أيضاً إلا فيما لا بد له منه من عيشه، مثل الدراهم يبتاع به لحماً، ومثل خبز أو بقل ونحوه، يشتري ذلك لنفسه مما يُدفع إليه من نفقته. 3348 - وللرجل منع أم ولده من التجارة في مالها كما له انتزاعه، وليس له منع زوجته من التجارة، وله منعها من الخروج. وإذا عقل الصبي التجارة ولم يؤنس رشده فأذن له أبوه أو وصيه أن يتجر، لم يجز ذلك الإذن، لأنه مولّى عليه، ولو دفع الوصي إلى المولّى عليه بعد الحلم بعض ¬

(¬1) انظر: شرح الرزقاني (3/161) ، والتاج والإكليل (5/75) ، والمدونة الكبرى (15/132) ، والفتح (9/383) ، واختلاف الفقهاء (ص255) ، وبداية المجتهد (2/211) .

المال يختبره به فلحقه [فيه] دين، فلا يلزمه الدين فيما دفع إليه ولا فيما أبقى، لأنه لم يخرج من الولاية بذلك، وهو بخلاف العبد يأذن له سيده في التجارة، لأن العبد لم يمنع لسفه فيه وإنما منع من البيع والنكاح وغيره، لأن ملكه بيد غيره، فإذا أذن له جاز، والصبي والسفيه ليس ملكه بيد أحد، فليس الإذن مزيلاً للسفه. وقال غيره في اليتيم المختبر بالمال: يلحقه ما ادّان فيه خاصة. قال ابن القاسم: ولو دفع أجنبي إلى محجور عليه من يتيم أو عبد مالاً يتجر فيه، فما لحقهما من دين فيه كان في ذلك المال خاصة، بخلاف دفع الوصي، ولا يلزم ذمتهما ولا ذمة الدافع شيء. وصفة من يحجر عليه من الأحرار أن يكون يبذر ماله سرفاً في لذاته من الشراب والفسق وغيره، ويقسط فيه سقوط من لا يعد المال شيئاً. وأما من أحرز ماله ونمّاه وهو فاسق في حاله غير مبذر لماله، فلا يحجر عليه، وإن كان له مال عند وصي قبضه. 3349 - ويحجر على البالغ السفيه في ماله وإن كان شيخاً، ولا يتولى الحجر إلا القاضي، قيل: فصاحب الشُّرط؟ قال: القاضي أحب إليّ.

3350 - ومن أراد الحجر على ولده أتى به إلى الإمام ليحجر عليه ويشهر ذلك في الجامع والأسواق ويشهد على ذلك، فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود. ومن أمر رجلاً أن يدفع لفلان ألف درهم، قال: عني، أو لم يقل، ففعل ثم قال الآمر: كانت لي ديناً على المأمور، وأنكر المأمور وقال: بل أسلفته إياها، فالقول قول المأمور. * * *

(كتاب التفليس)

(كتاب التفليس) 3351 - وإذا أقام رجل واحد بالمديان، فله أن يفلسه كقيام الجماعة، وإن أقرّ حينئذ بدين لغائب لم يصدق إلا أن يقر قبل التفليس، أو تقوم بينة للمقر له، فيحاص للغائب وتعزل حصته. وإذا فلس رجل فاقتسم غرماؤه ماله، ثم طرأ غريم له لم يُعلم به، رجع على الغرماء بقدر ما [كان] ينوبه في المحاصة، فيتبع ذامة كل واحد منهم بحصاصه في ملائه أو عُدْمه، والموت والفَلَس بمنزلة واحدة. قال ابن وهب: قال مالك: ومن

قام بدين على غائب - ولعله كثير المداينة لغير من حضر - فأرى أن تباع عروضه لمن حضر، ويقضى، وليس كالميت في الاستيناء (¬1) لاجتماع من يطرأ من غرمائه لبقاء ذمة هذا وزوال ذمة الميت، وجعله غيره كالميت، ويستأنى بأمره إن كان معروفاً بالدين. قال مالك: يُستأنى بقسم مال الميت المعروف بالدين لاجتماع بقية غرمائه، وكذلك إن مات في غيبته، وإن لم يعرف بالدين قضى لمن حضر ولم ينتظر به. قال ابن القاسم: ومن كان من غرماء الحي حاضراً عالماً بتفليسه، فلم يقم مع من قام، فلا رجوع له على الغرماء، وذلك رضاً منه ببقاء دينه في ذمة الغريم، كعلمهم بعتقه وسكوتهم عنه، فلا يرد لهم العتق إن قاموا بعد ذلك. وقيل: توقف لهم حقوقهم كالغائب، إلا أن يتبين من الحاضر تركاً لدينه في ذمة الغريم، ورضاً بما قبض غيره. ¬

(¬1) هو بمعنى التربص والإمهال وانظر: حاشية الدسوقي (4/128) ، والتاج والإكليل (6/316) ، والمدونة الكبرى (14/364) ، (15/59) ، ومنح الجليل (6/35) .

3353 - ومن كان عليه دين في صحته ببينة أو بإقرار منه، فأقر في مرضه بدين لوارث أو لذي قرابة أو لصديق ملاطف، لم يقبل قوله إلا ببينة. وإن أقرّ في مرضه لأجنبي جاز، وحاصص من له دين ببينة أو من أقر له في الصحة. 3354 - ومن أقر لرجل قبل التفليس بمال فإنه يدخل مع من ديّنه ببينة، وإن أقرّ له بعد التفليس فلا يدخل فيما بيده من مال، ويتحاص فيه أهل دينه دون هذا المُقرّ له [وإن أفاد مالاً بعد ذلك دخل فيه هذا المقر له] حين التفليس ومن بقي له من الأولين شيء، لأن التهمة إنما كانت في المال الأول، فإن أفاد مالاً بعدما فلسوه فلم يقم [فيه] الغرماء الأولون ببقية دينهم ولا المقر له حتى أقر بدين لرجل آخر، فإقراره له جائز، ما لم يقر له عند قيام الأولين، لتفليسه ثانية، فإذا أُقر له قبل قيامهم جاز له ذلك. 3355 - وإذا أفلس ثانية كان المقر له آخراً، أولى بما في يديه من الغرماء الأولين، إلا أن يفضل شيء عن دينه، لأن ما بيده هو من المعاملة الثانية، إذا كان قد عومل بعد التفليس وباع واشترى، لأن مالكاً قال: إذا داين الناس بعد التفليس ثم فلّس ثانية، فالذين داينوه آخراً أولى من الغرماء الأولين، لأنه مال لهم.

فإن كان المال الذي أفاد بعد التفليس، إنما أفاده بموروث أو صلة أو أرش جناية أو نحوه، فإن الغرماء الأولين والآخرين يدخلون فيه. 3356 - قال مالك: وما دام قائم الوجه فإقراره جائز. ولا يجوز له عتق ولا صدقة ولا هبة إذا أحاط الدين بماله، وأما رهنه وقضاؤه لبعض غرمائه دون بعض، فجائز ما لم يفلس. وقد كان مالك يقول: إذا تبين فَلَسه فليس له ذلك، وإن لم يقم به غرماؤه، ثم رجع عنه. قيل: وإذا حبسه أهل دينه فأقرّ في الحبس بدين لرجل آخر أيجوز إقراره؟ قال: إذا صنعوا به هذا ورفعوه إلى السلطان حتى حبسوه، فهذا وجه التفليس، فلا يجوز إقراره إلا ببينة، ويبيع الإمام ما ظهر له من مال فيتوزعه غرماؤه ويحبس فيما بقي إن تبين لدَدُه أو اتهم. وينبغي للقاضي أن يعزل لمن غاب من غرماء المفلس حصته، ثم إن هلك ما عزل كان ممن عزل له.

3357 - وإذا اقتسم الغرماء المال في فلس أو موت، ثم قدم غريم لم يعلم به، فليرجع على جميعهم بما يجب له في الحصاص إن لو حضر، يتبع كل واحد بما صار بيده من ذلك، ولا يأخذ مليئاً أو حاضراً عمن مات أو أعدم، وليتبع ذمة كل واحد، مثل أن يكون ثلاثة لكل واحد مائة، غاب أحدهم فلم يعلم به وبيد المفلس مائة فاقتسمها الحاضران، فإن القادم يتبع كل واحد بسبعة عشر إلا ثلثاً. 3358 - ومن أقرّ في مرضه لأجنبي بمائة ولابنه بمائة ولم يترك إلا مائة، فليتحاصّا فيها، فما صار للأجنبي أخذه، وما صار للابن دخل فيه بقية الورثة، إلا أن يجيزوه له، ولا حجة للأجنبي أنه أقرّ لوارث، لأن الأجنبي إنما أخذ بإقراره. 3359 - ولو كان دين الأجنبي ببينة كانت له حجة، ولم يدخل مع الوارث بحصاص. وإذا أراد واحد من الغرماء تفليس الغريم وحبسه، وقال الباقون: ندعه يسعى، حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده، ثم إن شاء الآخرون محاصّة القائم في ماله فذلك لهم، ثم لهم قبض ما نابهم أو إبقاؤه [بيده] ، فإن أقروه بيده لم يكن للقائم أن يأخذ منه شيئاً في بقية دينه إلا أن يربح فيه أو يفيد

فائدة من غيره، فيضرب في الربح أو الفائدة للقائم بما بقي له، وهؤلاء بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده، لأنهم فيما ردوا إليه كمن عامله بعد التفليس، فيكون من عامله آخراً أولى بما في يده بقدر ما داينوه به، ثم يتحاصون مع القائم في الربح أو الفائدة كما وصفنا. وإن كان فيما أبقوا بيده وضيعة، وطرأت له فائدة من غير الربح، ضربوا فيها من الوضيعة، وبما بقي لهم أولاً وضرب فيها القائم بما بقي له. وإن كان ما بيده الآن عرض قوم فما فضل فيه من ربح عن قدر ما أبقوا بيده تحاص في ذلك الربح القائم بما بقي له وهؤلاء بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده، وإن هلك جميع ما أبقوا بيده وطرأت له فائدة، ضرب فيها القائم بما بقي له وهؤلاء بجميع دينهم ما ردّوا إليه وما بقي لهم، ولم يزد رسول الله ÷ غرماء معاذ على أن خلع لهم ماله ولم يأمر ببيعه. (¬1) 3360 - وإن أسلفت رجلاً سلفاً بلا رهن أو برهن، [ثم] أسلفته بعده سلفاً آخر، على أن أخذت منه رهناً بالسلف الأول والثاني، وجهلتما أن الرهن الثاني فاسد، فقامت الغرماء [على الراهن] في فَلَس أو موت، فالرهن الأول في السلف ¬

(¬1) رواه ابن ماجة (2357) ، (2/789) ، وانظر: مصباح الزجاجة للبوصيري (3/52) .

الأول، والرهن الثاني في السلف الثاني، ولا يكون الثاني رهناً في شيء من السلف الأول، لأنه سلف جرّ منفعة. 3361 - ومن فلس ولعبده دين فلا يضرب العبد مع غرماء سيده بدينه، لأنه يباع لغرماء سيده، إلا أن يكون على العبد دين لأجنبي، فإن العبد يضرب بدينه ويكون غرماؤه أحق بما وقع له، أو بما في يديه ويتبعون ذمته بما بقي لهم، وتباع رقبته لغرماء سيده. 3362 - ومن جنى جناية [خطأ] لا تحملها العاقلة وعليه دين يحيط بماله، فرهن في الجناية رهناً قبل قيام الغرماء عليه، ثم فُلس، فصاحب الجناية أحق بالرهن، ولو لم يرهنه شيئاً كان للمجني عليه محاصة غرمائه، ولا حجة لهم أن يقولوا: إن ذلك ليس من ابتياع أو تجارة. 3363 - وما كان على مفلس أو ميت من دين مؤجّل فإنه يحل حينئذ، وما كان له من دين مؤجل فإنه إلى أجله، وللغرماء تأخيره إن شاؤوا إلى أجله أو بيعه الآن.

3364 - ومن فلس أو مات وقد ارتهن منه رجل زرعاً لم يبد صلاحه، وهو مما لا يباع حين الحصاص، فإن المرتهن يحاصص [الغرماء] بجميع دينه الآن ويترك الزرع، فإذا حلّ بيعه بيع، فإن كان ثمنه مثل دينه أو أزيد منه، قبض منه دينه، ورد الزيادة إن كانت مع ما كان أخذ في الحصاص فكان بين الغرماء، وإن كان ثمنه أقل من دينه نظرت [إلى] ما بقي له من دينه بعد مبلغ ثمن الزرع فعلمت أن بمثله كان له الحصاص أو لام، فما وقع له على ذلك فليحبسه مما كان قبض، ويرد ما بقي فيتحاص فيه الغرماء. 3365 - وليس للمفلس أن يتزوج في المال الذي فلس فيه، وله أن يتزوج فيما أفاده بعده، وإذا تغيرت الهبة للثواب بيد الموهوب بزيادة أو نقص بدن وقد فلس، فللواهب أخذها إلا أن يرضى الغرماء بدفع قيمة الهبة إليه فذلك لهم. (¬1) 3366 - ومن ابتاع من رجل سلعة فمات المبتاع قبل أن يدفع ثمنها وهي قائمة بيده فالبائع أسوة الغرماء في ثمنها، وإن فلس المبتاع وهي قائمة بيده كان البائع أحق بها وإن لم يكن للمفلس مال غيرها إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها إليه فذلك لهم. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/42) .

3367 - ومن ابتاع أمة فولدت عنده ثم ماتت فبقي ولدها ثم فلس، فللبائع المحاصة إن شاء بجميع الثمن أو أخذ الولد بجميع دينه، إلا أن يعطيه الغرماء جميع الثمن ويأخذوا الولد فذلك لهم. وأما إن ابتاع أمة أو غنماً، ثم فلس فوجد البائع الأمة قد ولدت والغنم قد تناسلت، فله أخذ الأمهات والأولاد كالرد بالعيب. وأما ما كان من غلة أو صوف جزه أو لبن حلبه فذلك للمبتاع. وكذلك النخل يجني ثمرها فهو كالغلة إلا أن يكون يوم الشراء على ظهور الغنم صوف قديم، وفي النخل ثمر قد أُبر واشترط ذلك الثمر، فليس كالغلة. وقال غيره: إن جذ الثمرة وجز الصوف فهما كالغلة. 3370 - والأجير على سقي زرع أو نخل أو أصل، فإن سقاه فهو أحق به في الفلس حتى يستوفي حقه وهو في الموت أسوة الغرماء. وأما الأجير على رعاية الإبل أو رحلتها أو علف الدواب فهو أسوة الغرماء الموت والفلس.

وأرباب الحوانيت والدور أسوة غرماء مكتريها في الموت والفلس وليسوا أحق بما فيها من متاع. وجميع الصناع أحق بما أسلم إليهم في الموت والفلس، وكذلك المكرى على حمل متاع إلى بلد فهو أحق بما حمل على دوابه في الموت والفلس، كان قد أسلم دوابه إلى المكتري أو كان معها، ورب المتاع معه أو لا، وهو كالرهن، ولأنه على دوابه وصل إلى البلد. 3371 - وليس للغرماء أن يجبروا المفلس على انتزاع مال أم ولده أو مدبره، وله هو انتزاعه إن شاء لقضاء دينه، أو ينتزعه إن شاء على غير هذا الوجه لنفسه، وأما إن مرض ولا دين عليه فليس له انتزاعه، لأنه إنما ينتزعه لورثته وفي الفلس ينتزعه لنفسه. وله انتزاع مال عبده المعتق إلى سنين ما لم يتقارب الأجل. قيل له: فإن بقيت سنة؟ قال أرى أن يأخذ ماله ما لم يتقارب، ولم ير السنة قرباً. وإن فلس المريض لم يكن له أن يأخذ مال مدبره للغرماء، فإن مات بيع المدبر بماله إن أحاط الدين بماله. 3372 - ولا بأس للسيد بمبايعة عبده المأذون له، ويضرب بدينه مع غرمائه، وكذلك يضرب بدينه مع مكاتبه من غير الكتابة، ولا يضرب بالكتابة في فلس ولا موت.

3373 - وإن ارتد رجل ولحق بدار الحرب وعليه دين ثم قاتل فقتل وفتحت البلاد وظفر [المسلمون] بماله فغرماؤه أحق بماله، ولا يكون في المقاسم إلا ما فضل عن دينهم. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التمهيد لابن عبد البر (2/18) .

(كتاب المأذون له في التجارة)

(كتاب المأذون له في التجارة) 3374 - ومن خلّى بين عبده وبين التجارة اتجر فيما شاء، ولزم ذمته ما داين به الناس من جميع أنواع التجارات، لأنه أقعده للناس ولا يدري الناس لأي أنواع التجارات أقعده. وأما إن أقعده ذا صنعة مثل قصار وأمره بعمل القصارة فلا يكون ذلك إذناً في التجارة ولا في المداينة فيها. 3375 - وإذا أخّر المأذون غريماً له بدين أو حطه [عنه] نظراً واستيلافاً، جاز. ولا تجوز على غير ذلك كالوكيل [المفوض] ، وأما الوكيل المخصوص على بيع سلعة يضع من ثمنها بعد البيع فلا يلزم ذلك ربها. 3376 - وليس للعبد الواسع المال أن يعق عن ولده ويطعم لذلك الطعام إلا أن يعلم أن

سيده لا يكره ذلك، ولا له أن يصنع طعاماً ويدعو إليه الناس إلا أن يأذن سيده، إلا أن يفعل ذلك المأذون استيلافاً للتجارة، فيجوز. ولا له أن يعطي من ماله شيئاً بغير إذن سيده، كان مأذوناً أو غير مأذون، وكذلك العارية. 3377 - وما استدان العبد ولم يؤذن له في التجارة فلا يتبع بشيء من ذلك إلا أن يعتق يوماً ما فيتبع بذلك في ذمته، إلا أن يفسخه عنه سيده أو السلطان، لأن ذلك يعيبه، وليس لمن داينه بغير إذن سيده أن يوجب في رقبته عيباً فإذا فسخه عنه سيده أو السلطان برئت ذمته ولم يتبع به إن عتق. وكل ما صار بيد المأذون على الطوع من معطيه من دين أو وديعة أو أمانة فاستهلكه، [فذلك] في ذمته لا في رقبته، وليس للسيد فسخه عنه. 3378 - قيل لمالك (¬1) : أيبيع المأذون أم ولده؟ قال: إن أذن له سيده [فله أن يبيعها] . قال ابن القاسم: وأما فيما عليه من دين فإنها تباع، لأنها مال له ولا حرية فيها ولم يدخلها من الحرية ما دخل أم ولد الحر، وأما ولده منها فلا يباع في دينه، لأن ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/77) ، ومنح الجليل (6/61) .

ولده ليس بمال له. ولو اشترى المأذون ولده وعليه دين فإنهم يباعون [عليه] في دينه، لأنه أتلف أموال غرمائه وهم في هذا الموضع ملكه. 3379 - وللسيد رد ما وهب العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد لو تصدقوا به، وإن استهلك ذلك من أخذه غرم القيمة لهم، إلا أن يكون ذلك من السيد انتزاعاً من غير المكاتب، فيقبض هو القيمة، ولو رده ولم ينتزعه وأقره لهم ثم مات السيد أو فلس فذلك لهم، ولو أعتقهم تبعهم ذلك. ولو كان إذ رده استثناه لنفسه كان ذلك له، إلا في المكاتب فإنه للمكاتب إذ لا ينتزع ماله، أو يكون إنما رده في مرضه، فإنّ رده جائز، ولكن يبقى ذلك للمدبر وأم الولد، ولا ينتزعه إذ لا ينتزع أموالهما في المرض. 3380 - ومن استتجر عبده بمال دفعه إليه فلحق العبد دين، كان دينه فيما دفع إليه سيده وفي مال العبد، ويكون بقية الدين في ذمة العبد، لا في رقبته، ولا يكون في ذمة السيد من ذلك الدين شيء. 3381 - ولا يحاص السيد غرماء عبده بما دفع إليه من مال استتجره به، إلا أن يكون عامله بعد ذلك فأسلفه أو باعه بيعاً صحيحاً بغير محاباة، فإنه يضرب بذلك فيما دفع إليه من المال ليتّجر به وفي مال العبد، وإن دفع العبد إلى سيده في ذلك رهناً كان السيد أحق به.

3382 - وإن ابتاع من سيده سلعة بثمن كثير لا يشبه الثمن مما يعلم أنه توليج لسيده، فالغرماء أحق بما في يد العبد، إلا أن يبيعه بيعاً يشبه الثمن، فهو يحاص به الغرماء. 3383 - وما وُهِب للمأذون وقد اغترقه دين، فغرماؤه أحق به من سيده، والسيد أحق بكسبه وعمل يده وأرش جراحه وقيمته إن قُتل، وإن خارجه سيده لم يكن للغرماء من [عمل] يده شيء، ولا من خراجه ولا مما يبقى في يد العبد بعد خراجه، وإنما يكون لهم ذلك في مال إن وُهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصى به فقبله العبد، فإن أعتق العبد يوماً ما، بقي الدين في ذمته. (¬1) 3384 - ولو باعه السيد سلعة بعينها ففلس العبد وهي قائمة في يده فسيده أحق بها، إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها إلى السيد فذلك لهم. 3385 - وإن أسلمت إلى عبدك المأذون أو إلى أجنبي دنانير في طعام ثم فلس والدنانير قائمة بيده لم تفت، فإن شهدت عليها بينة لم تفارقه أنها بعينها، فأنت أحق بها من الغرماء. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/77) ، وحاشية الدسوقي (3/305) .

3386 - قال ابن وهب عن مالك: ومن ابتاع زيتاً فصبّه على زيت له بمحضر بينة، ثم فلس المبتاع، فالبائع أحق بمقدار زيته منه، وهو كعين قائمة، وليس خلط المبتاع إياه يمنع البائع من أخذه، وكذلك إن دفع إلى صرّاف دنانير فصبها في كيسه بمحضر بينة ثم بان فلسه. والرجل يشتري بزاً فيرقمه ويخلطه ببز عنده فليس هذا وشبهه بالذي يمنع الناس من أخذ ما وجدوا من متاعهم إذا فلس المبتاع. قال أشهب: هو أحق بالعرض، وأما العين فهو فيه أسوة الغرماء. 3387 - وإقرار المأذون في صحته أو في مضره بدين لمن لا يتهم عليه جائز، إلا أن يقر بعد قيام غرمائه، فلا يجوز ذلك كالحر في الوجهين. ويجوز إقراره بالدين فيما بيده من المال، وإن حجر عليه سيده فيه ما لم يفلس. ولا تلزم السيد عهدة فيما يشتري المأذون إلا أن يكون قال للناس: بايعوه وأنا له ضامن، فيلزم ذلك ذمة السيد وذمة العبد أيضاً، ويباع العبد عليه في ذلك إن لم يوف عنه سيده.

3388 - قال مالك: ولا أرى للمسلم أن يستتجر عبده النصراني ولا يأمره ببيع شيء لقول الله تعالى: ×وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ% [النساء: 161] . 3389 - ولا يجوز لأحد الشريكين في العبد أن يأذن له في التجارة دون صاحبه وكذلك قسمة ماله، ولا يلزم ذلك من أبى منهما، لأنه ينقص العبد. ومن دعا إلى بيعه منهما فذلك له، إلا أن يتقاوماه بينهما. 3390 - وإذا كان على المأذون دين يحيط بماله فادعى السيد في مال بيد العبد أنه له، وقال العبد: بل هو لي، فالقول قول العبد، ولو كان محجوراً عليه كان القول قول السيد، كقول مالك في ثوب بيد العبد يقول: فلان أودعنيه، وسيده يدعيهن فالسيد مصدق إلا أن يقيم فلان بينة. 3391 - ومن أراد أن يحجر على ولده فلا يحجر عليه إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس ويسمع به في مجلسه ويشهد على ذلك، فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود عليه.

وكذلك المأذون له لا ينبغي للسيد أن يحجر عليه إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس، ويأمر به فيطاف به حتى يعلم ذلك منه. 3392 - ولا يجوز للعبد المحجور عليه في ماله بيع [ولا شراء] ولا إجارة ولا أن يؤجر عبداً له إلا بإذن سيده في ذلك كله. 3393 - وإذا لحق المأذون دين يغترق ماله فلسيده أن يحجر عليه ويمنعه من التجارة، ودَيْنه في ماله، ولا شيء لسيده في ماله، إلا أن يفضل عن دينه شيء، أو يكون السيد داينه، فيكون أسوة الغرماء، وليس للغرماء أن يحجروا عليه، وإنما لهم أن يقوموا [عليه] فيفلسوه وهو كالحر في هذا. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/77) .

(كتاب الحمالة)

(كتاب الحمالة) (¬1) 3394 - ومن قال لرجل: أنا حميل لك بفلان أو زعيم أو كفيل أو ضامن أو قبيل أو هو لك عندي أو عليّ أو إليّ أو قبلي، فذلك كله حمالة لازمة إن أراد الوجه لزمه، وإن أراد المال لزمه ما شرط، فإن شرط بالمال فأتى بالغريم عند الأجل عديماً لم يبرأ وغرم. وأما إن تكفل برجل أو بنفسه أو بعينه أو بوجهه إلى أجل، ولم يذكر مالاً، فإنه إذا أتى بالرجل عند الأجل مليّاً أو معدماً [برئ] ، فإن لم يأت به حينئذ والغريم حاضر أو غائب، قريب الغيبة مثل اليوم وشبهه، تلوّم السلطان للحميل، فإن أتى به بعد التلوم فلا شيء عليه وإلا غرم. ¬

(¬1) ويقال: الضمان كما في جامع الأمهات لابن الحاجب (ص391) ط اليمامة-دمشق. ويقال أيضاً: الكفالة والزعامة والإذانة والقبالة وجميعها بمعنى واحد. وانظر: شرح حدود ابن عرفة (445) .

3395 - وإن بعدت غيبة المكفول به غرم الحميل مكانه، ولو شرط حميل الوجه أني أطلبه فإن لم أجده برئت من المال، ولكن عليّ طلبه حتى آتي به، لم يلزمه إلا ما شرط. قال غيره: لا يلزمه من المال شيء جاء بالرجل، أو لم يأت به، إلا أن يمكنه بعد الأجل إحضاره ففرّط فيه حتى أعوزه، فهذا قد غره. وإذا مات الغريم برئ حميل الوجه، لأن النفس المكفولة قد ذهبت، ولو غرم الحميل ثم أتى ببينة أن الغريم مات في غيبته قبل القضاء، رجع الحميل بما أدى على رب الدين، لأنه لو علم أنه ميت حين أخذ به الحميل لم يكن عليه شيء، وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كان حياً، ولو قدم الغريم [أو أتى به بعد غرم الحميل] لم يرجع إلا عليه. قال: وإن أخذ به فلم يقض عليه الحاكم بالغرم حتى أحضره برئ، ولو كان قد حكم عليه بالمال بعد التلوم لزمه المال ومضى الحكم. 3396 - وإذا حبس المحمول بعينه فدفعه الحميل إلى الطالب وهو في السجن برئ الحميل،

لأن الطالب يقدر على أخذه في السجن، ويحبس له في حقه، بعد تمام ما سجن فيه. وكذلك إن دفعه إليه بموضع فيه حكم وسلطان وإن لم يكن ببلده، فيبرأ. وإن دفعه إليه بموضع لا سلطان فيه أو في حال فتنة أو بمفازة أو بمكان يقدر الغريم على الامتناع منه، لم يبرأ منه الحميل حتى يدفعه إليه بموضع يصل إليه وفيه سلطان فيبرأ، وإن أمكن الغريم الطالب من نفسه وأشهد أني قد دفعت نفسي إليك براءة للحميل، لم يبرأ بذلك الحميل، وإن كان بموضع تُنفّذ فيه الأحكام، حتى يدفعه الحميل بنفسه أو وكيله إلىالطالب، فإن لم يقبل ذلك الطالب أشهد عليه وكان ذلك له براءة. 3397 - قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل حقاً فأنكره فقال له رجل: أنا به حميل إلى غد، فإن لم أوفّك به في غد فأنا ضامن للمال، فلم يأت به في غد فلا يلزم الحميل شيء حتى يثبت الحق ببينة فيكون حميلاً بذلك، وإن أنكر المدعى عليه ثم قال للطالب: أجلني اليوم فإن لم أوفك غداً فالذي تدعيه، قبلي، فهذا مخاطرة ولا شيء عليه. ×فقال له رجل: أنا بها كفيل، فأتى فلان فأنكرها، لم يلزم الكفيل شيء حتى يثبت ذلك ببينة. 3398 - ومن أدى عن رجل حقاً بغير أمره فله أن يرجع به عليه.

وكذلك من تكفل عن صبي بحق قضي به عليه، فإن أداه عنه بغير أمر وليه فله أن يرجع في مال الصبي. وكذلك لو أدى عنه ما لزمه من متاع كسره أو أفسده أو اختلسه، لأن ما فعل الصبي من ذلك يضمنه. 3399 - ومن له على رجل ألف درهم من قرض، وألف من كفالة فقضاه [الغريم] ألفاً، ثم ادعى أنها القرض، وقال المقتضي: بل هي الكفالة، قُضي بنصفها عن القرض ونصفها عن الكفالة. (¬1) وقال غيره: القول قول المقتضي مع يمينه، لأنه مؤتمن مدعى عليه، وورثة الدافع في قوليهما كالدافع. 3400 - قال مالك: ومن تحمل برجل أو بمال عليه فليس للذي له الحق إذا كان الغريم حاضراً مليئاً أن يأخذ من الكفيل شيئاً إلا ما عجز عنه الغريم. وكان مالك ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/102) .

يقول: يتبع أيهما شاء في ملاء الغريم، ثم رجع إلى هذا وأخذ به ابن القاسم ورواه ابن وهب. 3401 - قال مالك: ولو كان الغريم غائباً مليئاً أو مدياناً حاضراً يخاف الطالب إن أقام عليه المحاصة، فله اتباع الحميل، إلا أن يكون للغائب مال حاضر يعدى فيه، فلا يتبع الحميل. قال غيره: إلا أن يكون في تثبيت ذلك وفي النظر فيه بُعد فيؤخذ من الحميل. 3402 - وإذا مات الكفيل قبل الأجل فللطالب تعجيل الدين من تركته، ثم لا رجوع لورثته على الغريم حتى يحل الأجل، وله محاصة غرمائه أيضاً. وإن مات الغريم تعجّل الطالب دينه من ماله، فإن لم يدع مالاً لم يتبع الكفيل حتى يحل الأجل.

3403 - وإن مات الغريم مليئاً والطالب وارثه برئ الحميل، لأنه إن غرم للطالب شيئاً رجع عليه بمثله في تركة الميت، والتركة في يده فصارت كمقاصة. 3404 - وإن مات الغريم معدماً ضمن الكفيل، وأما في الحوالة فذلك على المحال عليه بأصل الدّين، مات الغريم الموروث مليئاً أو معدماً. (¬1) 3405 - ومن تكفل لرجلين بحق لهما، فغاب أحدهما وأخذ الحاضر من الكفيل حصته من الدين، فللغائب إذا قدم أن يدخل معه فيما قبض إن كان الدين بكتاب واحد. [وكذلك] قال مالك في رجلين لهما دين [على رجل] بصك واحد، فاقتضى أحدهما نصيبه دون صاحبه، فإن صاحبه يشاركه فيما اقتضى، إلا أن يكون المقتضي أعذر إلى صاحبه عند السلطان، أو أشهد على ذلك دون السلطان، فلم يخرج معه، ولا وكل، فحينئذ يكون له ما قبض خاصة، وهذا في التفليس مذكور، ولو رفع ذلك إلى الإمام وشريكه غائب والغريم مليء بحقيهما، فقضى للحاضر بأخذ حقه لم يدخل الغائب عليه فيه وإن أعدم الغريم. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/338) ، والتاج والإكليل (5/104) ، ومواهب الجليل (5/98) ، والمدونة (13/254) .

ولو قام الحاضر على الغريم فلم يجد عنده إلا قدر حقه، قضى له الإمام بما ينويه في المحاصة لو كان صاحبه معه، فإن جهل الإمام فقضى له بجميع حقه، كان للقادم أن يدخل معه فيه، لأنه كالتفليس. وقال غيره: يدخل عليه القادم، قُضي له بذلك كله أو بنصفه كالتفليس. 3406 - ومن قال لرجل: ما ثبت لك قِبَل فلان الذي تخاصمه فأنا له [به] كفيل، فاستحق قبله مالاً كان هذا الكفيل ضامناً له. وكل من تبرع بكفالة لزمته، فإن مات هذا الكفيل قبل ثبات الحق، ثم ثبت الحق بعد موته، لزم ذلك في مال الكفيل. (¬1) ومن قال لرجل: احلف أن الدين الذي تدعي قِبل أخي حق وأنا له ضامن، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/259) .

ثم رجع، لم ينفعه رجوعه، ولزمه ذلك إن حلف الطالب، وإن مات كان ذلك في ماله. 3407 - وإن أشهد رجل على نفسه أنه ضامن بما قُضي لفلان على فلان، أو قال: أنا كفيل لفلان بماله على فلان، وهما حاضران أو غائبان، أو أحدهما غائب، لزمه ما أوجب على نفسه من الكفالة والضمان، لأن ذلك معروف، والمعروف من أوجبه على نفسه لزمه. ومن قال لرجل: بايع فلاناً أو داينه، فما بايعته به من شيء أو داينته به، فأنا له ضامن، لزمه ذلك إذا ثبت مبلغه. قال غيره: إنما يلزمه من ذلك ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ويبايع به. قال ابن القاسم: ولو لم يداينه حتى أتاه الحميل فقال له: لا تفعل فقد بدا لي في الحمالة، فذلك له، بخلاف قوله: احلف وأنا ضامن، ثم يرجع قبل اليمين هذا، لا ينفعه رجوعه، لأنه حق وجب.

3408 - وإذا تكفل رجلان بمال، وكل واحد ضامن عن صاحبه، فغاب أحدهما وغاب الغريم وغرم الحاضر الجميع، ثم قدم الغائب والغريم وهما مليئان، فللكفيل اتباع الغريم بالجميع، وإن شاء أتبعه بالنصف ثم أتبع الكفيل الآخر بما أدى عنه، لأنه كدين له قبله لا كغريم حضر مع كفيل. 3409 - وإذا تكفل ثلاثة رجال بمال على رجل، فأعدم الغريم، لم يكن للطالب على من لقي من الحملاء إلا ثلث الحق، إلا أن يشترط في أصل الكفالة أن بعضهم حميل ببعض فحينئذ إن غاب أحدهم أو أعدم أخذ من وجد منهم مليئاً بجميع الحق، فإن لقيهم أملياء لم يأخذ من كل واحد إلا ثلث الحق، إذ لا يُتبع الكفيل في حضور المكفول به وملائه، ولو شرط أيكم شئت أخذت بحقي، ولم يقل: بعضكم كفيل لبعض، فله أخذ أحدهم بجميع الحق، وإن كانوا حضوراً أملياء، ثم لا رجوع للغارم على صاحبيه، إذ لم يؤد بالحمالة عنهم، ولكن على الغريم. قال: [ولو] قال: بعضكم كفيل ببعض، وقال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي، أو لم يقل فإنه إن أخذ من أحدهم في هذا جميع المال رجع الغارم على صاحبيه إذا لقيهما بالثلثين، وإن لقي أحدهما رجع عليه بالنصف. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/111) .

3410 - قال ابن وهب: قال مالك: إن من أمر الناس الجائز عندهم أن يكتب الرجل حقه على الرجلين، ويشترط أن حيكما عن ميتكما ومليكما عن معدمكما، وذلك كحمالة أحدهما عن الآخر. 3411 - قال غيره: وإذا كان لرجل ستمائة درهم على ستة رجال على أن بعضهم حميل عن بعض بجميع المال، أو على أن كل واحد منهم حميل [بجميع المال، قال عن أصحابه أو لم يقل، أو قال: على أن كل واحد منهم حميل] عن واحد أو اثنين أو ثلاثة منهم أو أكثر أو عن جميعهم، إلا أنه قال: بجميع المال، قال في ذلك: ولا براءة له إلا بأدائها، أو لم يقل، فإن قال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي، فله أخذ أحدهم بالجميع، كان الباقون حضوراً أملياء أم لا، وإن لم يذكر أيكم شئت أخذت بحقي، فإنه إن لقيهم مياسير أخذ كل واحد بمائة، ولم يكن له أن يأخذ بعضهم ببعض، لأن الحميل لا يؤخذ بالحق في حضور الغريم وملائه، وإنما يؤخذ به إذا كان الغريم عديماً أو غائباً أو مُلِدّاً ظالماً، فأما إن لقي أحدهم فليأخذه بستمائة [درهم] ، ثم إن لقي الغارم للستمائة أحد أصحابه، أخذه بمائة

أداها عنه، وبنصف الأربعمائة [التي] أدى عن الباقين، لأنه حميل معه بهم، فذلك ثلاثمائة، ثم إن لقي أحدهما أحد الأربعة [الباقين] ، أخذه بخمسين عن نفسه، وبخمسة وسبعين بالحمالة. وكذلك إذا لقي الرابع المأخوذ منه المال الثالث من الباقين فإنه يأخذه بما أدى عنه من أصل الدين، وبنصف ما أدى عن أصحابه، فإن لقي الرابع المأخوذ منه المال الآخر من الأولين الذي لم يرجع على الرابع، فقال له: بقي لي مما أديت بالحمالة مائتان عن أربعة أنت أحدهم فعليك خمسون في خاصتك، فيأخذها منه، ثم يقول له: بقيت لي خمسون ومائة أديتها عن أصحابك، وأنت معي بهم حميل، فيقول له: هذا الرابع قد أديت عنهم أنا بالحمالة خمسة وسبعين أيضاً لغيرك ساويتك في مثلها بقيت لك خمسة وسبعون لك [عليّ] نصفها، فيدفع إليه سبعة وثلاثين ونصفاً، وهكذا تراجعهم إن لقي بعضهم بعضاً حتى يؤدي كل واحد منهم مائة، لأن كل واحد منهم كان عليه من أصل الدين مائة. وأما إن تحمل بعضهم عن بعض، على أن كل اثنين حميلان أو ضامنان بجميع المال، قالا في ذلك عن أصحابهم أو عن اثنين أو عن واحد، أو على أن كل واحد حميل بنصف جميع المال فذلك كله سواء، فإن لقي رب المال اثنين منهم أخذ كل

واحد بثلاثمائة، وإن لم يلق إلا واحداً أخذه بثلاثمائة وخمسين، مائة منها عليه من أصل الدين ومائتان وخمسون بالحمالة، لأنه بنصف ما بقي تكفل، ثم إن لقي هذا الغارم أحد الباقين، أخذه بخمسين عن نفسه وبنصف المائتين التي أداها بالحمالة عن [أصحابه] ، [ثم] إن لقي هذا الغارم الثاني [أحداً] ممن لم يغرم، قال له: أديت مائة بالحمالة عن أربعة أنت أحدهم، فهلُمّ خمسة وعشرين عن نفسك ونصف ما بقي بالحمالة، فهكذا تراجعهم حتى يستوون في الغرم، وأما إن تحمل بعضهم عن بعض على أن كل ثلاثة حملاء [عن جميع المال، أو على أن كل ثلاثة حملاء] عن ثلاثة أو اثنين، أو عن واحد بجميع المال، أو على أن كل واحد حميل بثلث المال فذلك سواء، فإن لقي ثلاثة أخذهم بالجميع، وإن لقي واحداً أخذه بمائة عنه وبثلث ما بقي، وذلك مائة وستة وستون وثلثان، وإن لقي اثنين أخذهما بمائة عنهما ثم بثلثي ما بقي، وذلك مائتان وستة وستون وثلثان. 3412 - وإذا لقي ثلاثة فأخذ منهم جميع المال، ثم لقي أحدهم أخذ الذين لم يغرموا، فإنه يقول: أديت مائة بالحمالة عن ثلاثة أنت أحدهم، فلهم ثلثها عن حصتك ونصف باقيها بالحمالة عن الباقين، ثم إن لقي الآخذ لذلك أحد الثلاثة الغارمين معه رجع عليه بنصف ما فضله به، حتى يكونا في الغرم سواء، فإن اقتسما ذلك ثم لقيا

الباقي الذي غرم معهما أولاً، دخل عليهما فيما بأيديهما من قبل الثالث المرجوع عليه حتى يصير ما أخذ من الثالث بينهم أثلاثاً، ثم إن لقي أحدهم أحداً ممن لم يغرم شيئاً فأخذ منه ما يجب له، فلا بد أن يشارك فيه من لقي من الاثنين الغارمين معه أولاً حتى يكون ما أخذ كل واحد منهم بالسوية، لأنهم حملاء عن أصحابهم فهكذا تراجعهم. 3413 - قال ابن القاسم: ومن أخذ من غريمه كفيلاً بعد كفيل، فله في عُدم الغريم أن يأخذ بجميع حقه أي الكفيلين شاء، بخلاف كفيلين في صفقة لا يشترط حمالة بعضهما ببعض، وليس أخذ الحميل الثاني إبراء للحميل الأول، ولكن كل واحد منهم حميل بالجميع. (¬1) ومن أخذ من الكفيل كفيلاً لزمه ما لزم الكفيل. قال غيره: وكذلك لو تحمل رجل بنفس رجل وتحمل آخر بنفس الحميل، فذلك جائز. وكذلك لو تحمل ثلاثة رجال بنفس رجل، وكل واحد منهم حميل بصاحبه، جاز. ومن جاء به منهم برئ هو والباقيان، لأنه كوكيلهما في إحضاره، وإن لم يكن بعضهم حميلاً ببعض، فإن جاء به أحدهم برئ [هو] وحده، ولم يبرأ صاحباه. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/111) .

3414 - قال ابن القاسم: وإذا أخر الطالب الحميل بعد محلّ الحق فذلك تأخير للغريم، إلا أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما كان ذلك مني تأخيراً للغريم، فيكون له طلبه، لأنه لو وضع الحمالة بعنه] كان له طلب الغريم إن قال: وضعت الحمالة دون الحق، فإن نكل لزمه تأخيره، ولو أخّر الغريم كان تأخيراً للكفيل، ثم للكفيل أن لا يرضى بذلك خوفاً من إعدام الغريم، فإن لم يرض خُيّر الطالب، فإما أبرأ الحميل من حمالته ويصح التأخير، وإلا لم يكن له ذلك إلا برضى الحميل. وإن سكت الحميل وقد علم بذلك لزمته الحمالة، وإن لم يعلم حتى حلّ أجل التأخير حلف الطالب ما أخّره ليُبرئ الحميل وتثبت الحمالة. قال غيره: إذا كان الغريم مليئاً فأخره تأخيراً بيناً سقطت الحمالة، وإن أخره ولا شيء عنده فلا حجة للكفيل، وله طلب الكفيل أو تركه.

3415 - قال ابن القاسم: ومن تكفل بمائة دينار هاشمية، فأداها دمشقية وهي دونها برضى الطالب رجع بمثل ما أدى. ولو دفع فيها عروضاً أو طعاماً فالغريم مخير في دفع مثل الطعام، أو قيمة العرض، أو ما لزمه من أصل الدين، ولو دفع ذهباً عن ورق لم يجز ذلك، ورجع الكفيل بما أدى وكان للطالب أصل دينه، والحميل به حميل، وهو بخلاف المأمور يدفع خلاف ما أمر به من العين، وذلك مذكور في كتاب المديان. [وقد] ٍ قال ابن القاسم وغيره: إن المأمور والكفيل إذا دفعا ذهباً عن ورق أو طعاماً أو عرضاً، أن الغريم والآمر مخير إن شاء دفع ما عليه أو ما دفع هذا عنه، لأنه تعدى فيما دفع، وهذا أصل، التنازع فيه كثير. 3416 - قال ابن القاسم: ومن تكفل عن رجل بألف درهم، فأخذ الكفيل من الغريم سلعة على أن يدفع عنه الألف ثم أغرمها الطالب للغريم، فللغريم الرجوع بالألف على الكفيل، لأنه باعه السلعة [بها] . ومن تكفل لك بمائة حالة، فأبرأته من خمسين، على أن دفع إليك خمسين،

فلا يرجع [هو] إلا بما أدى، ولك اتباع الغريم بخمسين، لأن تلك البراءة براءة من الحمالة فقط، وإن تكفل رجلان بألف فأخذ أحدهما من الآخر مائة على أن يدفع الألف عنه وعن نفسه، فإن حل الأجل والطالب حاضر فقبضها مكانه، جاز، وإن اغتزى نفعاً بسلف لتأجيل الدين أو لغيبة الطالب أو لغير ذلك، لم يجز. قال غيره: فإن أخذ المائة على أمر جائز ثم صالح الطالب على خمسين، جاز، ورد إلى صاحبه خمسة وسبعين، ثم رجعا على الغريم بخمسين بينهما نصفين، [وإن صالحه على خمسين ومائة، جاز، ورد إلى صاحبه خمسة وعشرين، ورجعا على الغريم بخمسين ومائة بينهما] . وإن صالحه على مائتين جاز، ورجعا على الغريم، كل واحد منهما بمائة. وإن صالحه على خمسمائة جاز، ورجعا على الغريم بما أديا، مُخرج المائة بمائة، والآخر بالأربع مائة، فإن ألفياه عديماً لم يكن للذي أدى أربع مائة أن يرجع على صاحبه بشيء، ويتبعان جميعاً الغريم بما أديا عنه. (¬1) 3417 - ومن تكفل لرجل بما أدركه من درك في جارية ابتاعها من رجل أو دار أو غيرها، جاز ذلك، ولزمه الثمن حين الدرك في غيبة البائع وعدمه. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (1. 3/269) .

ولو شرط خلاص السلعة لم تجز الكفالة ولم تلزم. وقال غيره: يلزمه، وهو أدخل المشتري في غُرم ماله، فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق، أو الثمن الذي أدى، إلا أن يكون الغريم مليئاً حاضراً، فيبرأ. قال ابن القاسم: ولو شرط المبتاع على البائع خلاص السلعة في الدرك وأخذ منه بذلك كفيلاً، بطل البيع والكفالة، كمن باع ما ليس له وشرط خلاصه، ولولا أن الناس يكتبون ذلك في وثائق الأشرية، لا يريدون به الخلاص، ولكن تشديداً في التوثيق لنقضت به البيع، ولو عقد البيع على اشتراطه فسد البيع. 3418 - وما ابتعت من شيء بعينه، لم يجز أن تأخذ به كفيلاً، كان حاضراً، أو غائباً على صفة، قربت الغيبة أو بعدت، كما لا يجوز للبائع ضمان مثله إن هلك. 3419 - ولا تجوز الكفالة بكتابة المكاتب، وأما من عجل عتق عبده على مال، جازت الكفالة بذلك، وكذلك من قال لرجل: عجل عتق مكاتبك وأنا بباقي كتابته كفيل، جاز [له، وله] الرجوع بذلك على المكاتب.

3420 - ومن له دين على رجل إلى أجل، فأخذ به منه قبل الأجل حميلاً أو رهناً على أن يوفيه حقه إلى الأجل أو إلى دونه، فذلك جائز. وإن أخره به بعد الأجل برهن أو حميل جاز، لأنه ملك قبض دينه مكانه، فتأخيره به كابتداء سلف على حميل أو رهن، وإن لم يحل الأجل فأخره به إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن، لم يجز، لأنه سلف بنفع. قال غيره: ولا يلزم الحميل شيء ولا يكون الرهن به رهناً، وإن قبض في فلس الغريم أو موته. 3421 - ومن قال لرجل: إن لم أوفك بغريمك غداً فأنا ضامن لما عليه، فمضى الغد وادعى الحميل أنه أوفاه به، فالبينة عليه وإلا غرم، إلا أن بوافيه به الآن قبل الحكم عليه فيبرأ من المال. 3422 - ومن كان بينه وبين رجل خلطة في معاملة، فادعى عليه حقاً، لم يجب له عليه كفيل بوجهه حتى يثبت حقه.

وقال غيره: إذا ثبت الخلطة بينهمان فله عليه [كفيل] بنفسه، ليوقع البينة على عينه. قال ابن القاسم: وإن سأله وكيلاً بالخصومة حتى يقيم البينة عند القاضي، لم يلزم المطلوب ذلك، إلا أن يشاء، لأنا نسمع البينة في غيبة المطلوب، وإن سأله كفيلاً بالحق حتى يقيم البينة، لم يكن ذلك له إلا أن يقيم شاهداً، فله أخذ كفيل وإلا فلا، إلا أن يدعي بينة [قريبة] يحضرها من السوق أو من بعض القبائل فليوقف القاضي المطلوب عنده لمجيء البينة، فإن جاء بها وإلا خلي سبيله. ومن قُضي له برَبع أو غيره أنه وارثه فلا يؤخذ بذلك من المقضي له كفيل، وهذا جور ممن فعله من القضاة. وكذلك من استحق ديناً قِبَل غائب وله رباع أو عروض حاضرة، فإن القاضي يبيعها ويوفي دينه، ولا يؤخذ من المقضي له بذلك كفيل. 3423 - ومن تكفل لك بطعام من سلم أو قرض، فلا يجوز ذلك أن تصالح الكفيل أو الغريم قبل الأجل على بعض الطعام، وتترك باقيه، وإن حلّ الأجل جاز ذلك منهما، ويرجع الكفيل بما أدى.

ولا يجوز ذلك قبل الأجل أن تصالح الغريم أو الكفيل على حنطة، مثل [كيل] حنطتك إلا أنها أجود منها أو أدنى. ولا يجوز لك صلح الكفيل بعد محل أجل السلم على مثل الكيل، والجنس أجود صفة أو أدنى، ولا على أقل كيلاً وأجود صفة. ويجوز أن تأخذ من الغريم بعد الأجل مثل الكيل، أجود صفة أو أدنى، لأن ذلك بدل، وتبرأ ذمته. 3424 - وفي الكفيل يدخله بيع الطعام قبل قبضه، لأن المطلوب مخير، عليه إن شاء أعطاه مثل ما أدى، أو ما كان عليه، وأما في القرض فجائز أن يأخذ من الكفيل بعد الأجل مثل المكيلة أجود صفة أو أدنى. 3425 - وإن اشترى ثلاثة رجال سلعة من رجل، وتحمّل بعضهم ببعض في الثمن على أن يأخذ البائع أيهم شاء بحقه، فمات أحدهم، فادعى ورثته أن الميت دفع جميع الثمن إلى البائع، وأقاموا شاهداً، فإنهم يحلفون معه ويبرأ وليهم ويرجعون على الشريكين بما ينوبهما، فإن نكل الورثة لم يحلف الشريكان، لأنهما يغرمان، إلا أن يقولا: نحن أمرناه ووكلناه بالدفع عنه وعنا ودفعنا ذلك إليه، وإنما هو حق علينا، والشاهد لنا فيحلفان ويبرآن.

3426 - ولا تجوز الكفالة في الحدود ولا في الأدب والتعزير ولا تلزم. قال بكير: ولا في دم أو زناً أو سرقة أو شرب خمر. ولا في شيء من الحدود. 3427 - وما فهم عن الأخرس أنه فهمه من كفالة أو غيرها، لزمه. (¬1) 3428 - ومن تكفل في مرضه فذلك في ثلثه، وإن تداين بعد ذلك في مرضه كان دينه من رأس ماله مبدأً، فإن اغترق الدين ماله سقطت الكفالة، ولا يحاص بها الغرماء، لأنها من الثلث، وما كان من رأس المال أولى، كمن أوصى لرجل بثلث ماله ثم اغترق الدين جميع ماله، فالوصية تبطل. 3429 - ومن تكفل في مرضه لوارث أو غير وارث ثم صح لزمه ذلك، كما لو بتل صدقة في مرضه لوارث أو غير وارث ثم صح، لزمته الصدقة إذا لم تكن على وجه وصية. 3430 - ومن أقر في مرضه أنه تكفل في مرضه هذا، فإن كان [ذلك] لوارث لم يجز، وإن كان لأجنبي أو لصديق ملاطف جاز إقراره في ثلثه، إلا أن يكون عليه دين يغترق ماله، فلا يجوز. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (3/419) .

وكذلك لو أقر للصديق الملاطف بدين في مرضه، فإنما يرد إقراره إذا كان عليه دين يغتر قماله، فإن لم يكن عليه دين [يغترق] ، جاز إقراره إن ورثه ولده، وتجوز الوصية له في الثلث ورث بولد أو كلالة، وما أقرّ المريض أنه فعله في مرضه ذلك من عتق [أو غيره، فهي وصية، وما أقر به الصحيح أنه فعله فللذين أقر لهم أخذ ذلك ما لم يمرض المقر أو يمت، فإن مرض أو مات فلا شيء لهم، وإن قامت لهم بذلك بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إذا قامت بعد موته بينة أنه أقرّ في صحته بعتق عبد أو كفالة أو جبس أو صدقة أو غيرها لوارث أو غير وارث، كان ذلك في رأس ماله، لأنه دين قد ثبت في ماله في صحته] . وما أقر به المريض أنه فعله في صحته من عتق أو كفالة أو حبس أو صدقة أو غيرها لوارث، فإقراره باطل، ولا يجوز ذلك في ثلث ولا غيره، ويكون ميراثاً، وإن أوصى بذلك مع وصايا، كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعد ذلك، فإن قصر الثلث عن وصيته لم تدخل الوصايا في شيء مما أقرّ به. 3431 - ومن أجرته لخدمتك شهراً، لم يجز أن تأخذ منه حميلاً بالخدمة، وإن مات عبد في إجارتك فأعطاك سيده عبداً يعمل كعمله، لم يجز، وهو دين في دين. والحمالة أيضاً في هذا لا تجوز، لأن الغلام إن مات لم يلزم الحميل أن يأتي بغيره يخدم.

ومن أجرته يخيط ثوبك بنفسه جاز [ذلك] . 3432 - ولا تجوز الحمالة بذلك العمل في حياة الصانع أو مماته، ولا كفيل به حتى يعمله، ولا بأس بأخذ حميل بالحمولة المضمونة. ولا تجوز في دابة بعينها، إلا أن يتكفل برد بقية الكراء عند موتها، فيجوز. وكذلك أجير الخياطة والخدمة، وإن فرّ الكريّ في المضمون فأكري الكفيل للطالب بضعف الكراء، وجب للكفيل الرجوع بذلك على الكري، ولا ينظر إلى الكراء الأول، وهذا مذكور في كراء الرواحل. 3433 - ولا يجوز لعبد أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد، عتق ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو معروف عند الناس إلا بإذن السيد. فإن فعلوا ذلك بغير إذنه لم يجز إن رده السيد، فإن رده لم يلزم وإن عتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك، علم به السيد قبل عتقهم أو لم يعلم. وقال غيره: لا يجوز ذلك للمكاتب وإن أذن له سيده، لأنه داعية إلى رقه.

3434 - ولا تجوز كفالة المأذون إلا بإذن سيده، وإن كان عليه دين يغترق ماله، لم تجز كفالته وإن أذن له السيد، كما لا تجوز كفالة الحر ومعروفه إذا اغترق الدين ماله. 3435 - وتجوز حمالة العبيد ووكالتهم في الخصومة وغيرها بإذن السيد، لأن من وكل عبده لقضاء دينه فقام للعبد شاهد أنه قد قضى، حلف العبد وبرئ [السيد] ، كالحر سواء، ولا يحلف السيد. وإن تحمل عبد بدين على سيده بإذن السيد، [ثم فلس السيد أو مات، فإن أتبع الطالب بدينه ذمة السيد بيع العبد في ذلك، وإن رضي باتباع العبد دون السيد كان ذلك في ذمة العبد] . قال غيره: ليس له أن يتبع ذمة العبد إلا بما عجز عنه مال السيد. قال ابن القاسم: وإن تحمل بالدين عن أجنبي بأمر سيده كان ذلك في ذمته لا في رقبته. 3436 - وتجوز كفالة العبد أو من فيه بقية رق لسيده، ولا يجبره السيد على ذلك، ولا يلزمه إن أجبره.

قال ابن القاسم: وإن أبى العبد أن يتكفل وقال: أخاف إن عتقت لزمتني هذه الكفالة، فأشهد السيد أنه ألزمه الكفالة عنه، لم تلزم العبد إلا برضاه. 3437 - وقال مالك في الرجل يعتق عبده وعليه مائة دينار: إن ذلك لازم للعبد وإن كره العبد ذلك. 3438 - ومن باع من عبده سلعة بدين إلى أجل، أو تكفل عنه بدين، فأداه عنه ثم باعه أو أعتقه فإن ذلك باق في ذمته، إلا أن ذلك عيب في البيع إن لم يبينه، فالمبتاع مخير في الرضى بذلك أو رد البيع. 3439 - ومن له على عبده دين فأخذ به منه كفيلاً، لزم ذلك الكفيل، لأن السيد يحاص به غرماء عبده. 3440 - ومن قال لرجل: إن لم يوفك فلان حقك فهو علي، ولم يضرب لذلك أجلاً، تلوم له السلطان بقدر مات يرى، ثم ألزمه المال، إلا أن يكون الغريم حاضراً مليئاً، فإن قال له: إن لم يوفك حقك حتى يموت فهو عليّ، فلا شيء على الكفيل حتى يموت الغريم. 3441 - ولا بأس أن يتكفل بمال إلى خروج العطاء، وإن كان العطاء مجهولاً، إن كان في قرض أو تأخير في ثمن بيع صحت عقدته، وإن كان في أصل بيع، لم يجز.

3442 - وليس للكفيل أخذ الغريم بالمال قبل أن يؤخذ منه، إلا أن يتطوع [الغريم] ، لأنه لو أخذه منه ثم أعدم الحميل أو فلس، كان للذي له الحق أن يتبع الغريم. 3443 - وإذا دفع الغريم الحق إلى الكفيل فضاع فإن كان على الاقتضاء فهو من الكفيل، عيناً كان أو عرضاً. 3444 - وإذا عنست الجارية البكر في بيت أبيها، أو أنس منها الرشد، جاز عتقها وهبتها

وكفالتها، وإن كره الوالد. قيل: أهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي، وقوله: إن ذلك ليس بجائز، هو الذي يعرف. 3445 - قال ابن القاسم: وقد سئل مالك - رحمه الله - عن الجارية المعنسة تعتق أجائز؟ قال: إن أجازه الوالد [جاز] . وسئل ابن القاسم في باب آخر عن البكر التي عنست في بيت أهلها، أتجوز

كفالتها؟ قال: قال مالك في هبتها وصدقتها: لا تجوز، فكذلك كفالتها في هذا لا تجوز، لأن بضعها بيد أبيها. وكان مالك مرة يقول - فيما وجدت في كتاب عبد الرحيم -: إنها إذا عنست جاز أمرها. قال ابن القاسم: وأما البكر التي في بيت أهلها وقد حاضت إلا أنها لم تعنس، فلا تجوز كفالتها، ولا بيعها، ولا صدقتها، ولا هبتها، ولا عتقها، ولا شيء من معروفها، وإن أجازه الوالد لم ينبغ للسلطان أن يجيزه، وهي في هذا كالصبي والمولى عليه. وإن أعطت لأبويها شيئاً من مالها، لم يجز ذلك لها، كما لو أعطت ذلك لأجنبي. ولا يجوز لها بعد البناء في مالها بيع ولا شراء ولا شيء من المعروف، أجاز ذلك زوجها أو لم يجزه، حتى يتبين رشدها، وإذا عُرف بعد البناء رشدها وصلاح حالها، جاز بيعها وشراؤها في مالها كله، وإن كره الزوج إذا لم تحاب. فإن حابت أو تكفلت أو أعتقت أو وهبت أو تصدقت أو صنعت شيئاً من المعروف، فإن حمل ذلك ثلثها وهي لا يؤلى عليها جاز، وإن كره الزوج. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (6/222) ، وجامع الأمهات لابن الحاجب (ص385) ط اليمامة-دمشق.

وإن جاوز الثلث فللزوج رد الجميع أو إجازته، وإن جاوز الثلث فللزوج رد الجميع أو إجازته، إلا أن يزيد على الثلث كالدينار وما خفّ، فهذا يعلم أنها لم ترد ضرراً، فيمضي الثلث مع ما زادت. 3446 - قال مالك فيمن أوصى بجارية له أن تُعتق إن حملها الثلث [وإلا فلا] ، فزاد ثمنها على الثلث ديناراً أو دينارين، قال: لا تحرم العتق بمثل هذا. قال ابن القاسم: وتغرم الجارية ما زاد على الثلث إذا كان يسيراً، فإن لم يكن معها أتبعها به الولد ديناً. 3447 - ولو حلفت ذات زوج بعتق رقيقها فحنثت، والثلث يحملهم، عتقوا، فإن كانوا أكثر من ثلثها فللزوج رد ذلك، ولا يعتق منه شيء، فإن مات زوجها أو طلقها رأيت أن تعتقهم بغير قضاء، وهي في عطيتها لأبويها [وولدها] كعطيتها الأجنبي. وقال المغيرة في ذات الزوج تزيد على ثلثها: إنه يجوز منه الثلث كالوصايا.

وقال غيره: ليس كالوصايا، إذ قد تجوز وصية من لم يبلغ الحلم، ولا يجوز صنيعه في صحته في ثلث ماله ولا غيره. 3448 - قال ابن القاسم: وإذا أجاز الزوج كفالة زوجته الرشيدة في أكثر من الثلث جاز، تكفلت عنه أو عن غيره، وإن تكفلت عنه بما يغترق جميع مالها فلم يرض، لم يجز من ذلك ثلث ولا غيره. وتجوز عطيتها لزوجها جميع مالها إذا لم تكن سفيهة. وإن تكفلت بزوجها ثم ادعت أنه أكرهها، لم تصدق إلا ببينة، ويلزمها ذلك وإن أحاط بمالها إذا كانت مريضة. وإذا كانت المرأة أيّماً لا زوج لها فلها أن تتكفل بمالها كله وتعطيه إذا لم يولّ عليها. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (5/332) ، والمقدمات لابن رشد (2/352) .

(كتاب الحوالة)

(كتاب الحوالة) (¬1) 3449 - وإذا أحالك غريمك على من له عليه دين، فرضيت باتباعه، برئت ذمة غريمك، ولا ترجع عليه في غيبة المحال عليه أو عدمه، ولو غرك من عدم يعلمه بغريمه أو تفليس فلك طلب المحيل، وإن لم يغرك كانت الحوالة لازمة لك، وإن لم تقبض ما أحالك به حتى أفلس المحيل أو مات، فلا دخول لغرمائه معك في ذلك الدين، لأنه كبيع نفذ. وإن أحالك على من ليس له قِبَله دين، فليست حوالة، وهي حمالة سبيلها سبيل ما وصفنا في الحمالة. قال ابن القاسم: ولو علمت حين أحالك عليه أنه لا شيء للمحيل عليه، وشرط عليك المحيل براءته من دينك فرضيت لزمك، ولا رجوع لك على المحيل إذا كنت قد علمت، وإن كنت لم تعلم فلك الرجوع. ¬

(¬1) انظر: صحيح البخاري (2287) ، ومسلم (1564) ، حيث إثبات أصل مشروعيتها، ومنح الجليل لعليش (6/178) ، وجامع الأمهات لابن الحاجب (ص390) ، ومواهب الجليل (5/94) ، والتاج والإكليل (5/95) .

وروى ابن وهب عن مالك فيمن قال لرجل: حرِّق صحيفتك [التي لك] على فلان واتبعني بما فيها، من غير حوالة بدين كان له عليه، فأتبعه حتى فلس الضامن أو مات ولا وفاء له، أن للطالب الرجوع على الأول، وإنما يثبت من الحوالة ما أحيل به على أصل دين. 3450 - قال ابن القاسم: ومن اكترى من رجل داراً سنة بعشرة دنانير على أن يحيله بها على رجل ليس له عليه دين، جاز، وكانت حمالة جائزة، وليس للمكري طلب الحميل إلا في فلس المكتري أو موته عديماً، وإن أحاله بالدنانير قبل السكنى على رجل له عليه دين، جاز ذلك إن كان الكراء عندهم بالنقد أو شرطوه، وإن لم يشرط ولا كان سنتهم النقد، لم يجز، لأنه فسخ دين لم يحل في دين حل أو لم يحل.

3451 - ولا بأس بأن تكتري من رجل عبده أو داره، بدين لك حال أو مؤجل على رجل آخر مقر حاضر، وتحيله عليه إن شرعت في السكنى أو الخدمة. 3452 - وإن بعت من رجل عبداً بمائة دينار، ولرجل عليك مائة دينار، فأحلته بها على المبتاع فرضي، ثم استحق العبد، فعلى مبتاعه أداء ثمنه لغريمك، لأنه شيء لزم ذمته، ثم يرجع هو بالثمن عليك. 3453 - وإن أحالك مكاتبك بالكتابة على مكاتب له، وله عليه مقدار ما على الأعلى، فلا يجوز ذلك إلا على أن تَبُتّ أنت عتق الأعلى فيجوز، ثم إن عجز الأسفل كان لك رقاً، ولا ترجع على المكاتب الأعلى بشيء، لأن الحوالة كالبيع، وقد تمت حرمته. 3454 - ولا تجوز حمالة بكتابة، فأما الحوالة فإن أحالك على من لا دين له قِبَلَه، لم يجز، لأنها حمالة، وإن كان [على من] له عليه دين حل أو لم يحل، جازت الحوالة إن كانت الكتابة قد حلت، ويعتق مكانه. وكذلك إن حلّ عليه نجم فلا بأس أن يحيلك به على من له عليه دين حل أو لم يحل، ويبرأ المكاتب من ذلك النجم، وإن كان آخر نجومه كان حراً مكانه، وإن لم يحل النجم لم يجز أن يحيلك به على من له عليه دين حال، لأن هذا ذمة بذمة، ورباً بين السيد ومكاتبه، وكذلك

إن لم تحل الكتابة لم تجز الحوالة بها وإن حل الدين، لأنه فسخ دين لم يحل في دين حل أو لم يحل. وقال غيره: تجوز الحوالة ويعتق مكانه، لأن ما على المكاتب ليس بدين ثابت وكأنه قد عجل عتقه على دراهم نقداً، أو مؤجلة، والكتابة دنانير لم تحل، وكمن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر، ثم قال: إن جئت بخمس مائة درهم أو بعشرة دنانير فأنت حر، فإن جاء بها كان حراً، ولم يكن بيع فضة بذهب، ولا فسخاً لدين في أقل منه، وكأن لم يكن قبله إلا ما أدى. قال ابن القاسم: ذلك لا ينبغي، لأن مالكاً كره للسيد بيع الكتابة من أجنبي بعرض أو غيره إلى أجل، ووسع في هذا بين السيد ومكاتبه، فلما كره ذلك مالك بين السيد والأجنبي من قِبل أنه دين بدين، كرهنا الحوالة أيضاً، إذا لم تحل الكتابة، لأنه دين بدين. قال مالك: وسمعت بعض أهل العلم يقولون: الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين. * * *

(كتاب الرهون)

(كتاب الرهون) (¬1) 3455 - ولا بأس برهن [جزء] مشاع غير مقسوم من رَبْع أو حيوان أو عَرَض، وقبضه أن يحوزه المرتهن دون صاحبه، والحوز في ارتهان نصف ما يملك الراهن جميعه من عبد أو دابة أو ثوب قبض جميعه، فإن كان النصف الآخر من هذه الأشياء لغير الراهن، فإن المرتهن يقبض حصة الراهن، فيحل محله، ولا بأس أن يضعاه على يدي الشريك. وكذلك الدار المشتركة إن حل المرتهن محل الراهن، وحاز نصيبه وكان يكريه ويليه مع من له فيه شريك، فتلك حيازة. ¬

(¬1) انظر: الأصل في مشرعيته البخاري (2069) ، والترمذي (1215) ، وانظر: منح الجليل (5/417) .

وإن كان مما يقسم من طعام ونحوه، فرهن حصته منه، جاز ذلك إذا حازه المرتهن، فإن شاء الشريك البيع قاسمه ذلك الراهن، وهو في يد المرتهن، فإن غاب الراهن أقام الإمام من يقسم له، ثم تبقى حصة الراهن بيد المرتهن رهناً ويطبع على ما لا يعرف بعينه. 3456 - ومن رهن حصته من دار ثم اكترى حصة شريكه وسكن، بطل حوز الرهن إن لم يقم المرتهن من يقبض حصة الراهن من الدار ويقاسمه، لأنه لما سكن نصف الدار وهي غير مقسومة، صار المرتهن غير حائز لما ارتهن، ولا أمنع الشريك أن يكري نصيبه من الراهن، ولكن تقسم الدار فيحوز المرتهن رهنه، ويكري الشريك نصيبه ممن شاء. 3457 - ومن ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده، لم يضمن إلا نصفه، كالمعطي لغريمه ديناراً ليستوفي منه نصف دينار له عليه ويرد ما بقي، فزعم أنه ضاع، فضمان النصف من المقتضي وهو مؤتمن في النصف الآخر، ولا يمين عليه إلا أن يتهم فيحلف. 3458 - ومن ارتهن دابة أو داراً أو ثياباً واستحق نصف ذلك من يد المرتهن، فباقيه رهن بجميع الحق، فإن شاء المستحق البيع، قيل للراهن وللمرتهن: بيعا معه، وقيل

للمرتهن: لا تسلم رهنك ولكن يباع وهو بيدك، وتصير حصة الراهن من الثمن رهناً بيد المرتهن بجميع حقه أو بيد ن كان الرهن على يديه. 3459 - ولو ترك المستحق حصته بيد المرتهن وهو ثوب، ثم ضاع، لم يضمن المرتهن إلا نصف قيمته للراهن، فإن كان الراهن والمرتهن قد وضعها على يدي المستحق أو غيره ثم ضاع، لم يضمنه المرتهن وبقي دينه بحاله. 3460 - وما وضع من رهن يغاب عليه أم لا، على يدي عدل فضمانه من الراهن. وما قبضه المرتهن من رهن لا يغاب عليه من ربع أو حيوان أو رقيق، فالمرتهن مُصدّق فيه ولا يضمن ما زعم أنه هلك أو عطب أو أبق أو دخله عيب. وأما ما يغاب عليه فالمرتهن يضمنه إذا قبضه، إلا أن يقيم بينة على هلاكه من غير سببه بأمر من الله، أو بتعدي أجنبي، فذلك من الراهن، وله طلب المتعدي، فإذا غرم المتعدي القيمة، فأحب ما فيه إليّ - إن أتى الراهن برهن ثقة مكان ذلك - أخْذ القيمة، وإلا جعلت هذه القيمة رهناً. 3461 - وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه، فإن أجازه المرتهن جاز البيع وعُجّل للمرتهن حقه، شاء الراهن أو أبى. (¬1) وإن باعه بإذن المرتهن فقال المرتهن: لم آذن له في البيع إلا لإحياء الرهن لا ليأخذ ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/13، 19) ، والشرح الكبير (3/248) ، ومواهب الجليل (5/20) .

الراهن الثمن، خلف على ذلك، وقيل للراهن: إن أتيت برهن ثقة يشبه الرهن الذي بعت وتكون قيمته كقيمة الرهن الأول فلك أخذ الثمن، وإلا بقي الثمن رهناً إلى الأجل، ولم يُعجَّل للمرتهن حقه، وخذا إذا بيع بإذن المرتهن، ولم يسلمه من يده إلا إلى المبتاع، وأخذ منه الثمن. وأما إن أسلمه إلى الراهن فباعه خرج من الرهن، وإن تعدى المرتهن فباع الرهن أو وهبه، فلربه رده حيث وجده، فيأخذه ويدفع ما عليه فيه، ويتبع المبتاع بائعه بالثمن. 3462 - ومن ارتهن ثمرة نخل أو زرعاً قبل بدو صلاحهما أو بعده جاز ذلك، إن حازه المرتهن، أو عدل يرضيان به، ويتولى من يحوزه سقيه وعمله، وأجر السقي في ذلك على الراهن، كما أن عليه نفقة الدابة والعبد الرهن، وعليه كسوة العبد وكفنه إن مات ودفنه، وللذي ارتهن الثمرة أن يأخذ النخل معها، وله قبض الأرض مع الزرع ليتم له الحوز، ثم لا يكون رهناً في قيام الغرماء، إلا الثمر أو الزرع خاصة والنخل والأرض للغرماء. 3463 - ومن ارتهن أمة حاملاً كان ما في بطنها وما تلد بعد ذلك رهناً [معها] ، وكذلك نتاج الحيوان كله. 3464 - ومن ارتهن نخلاً لم يدخل في الرهن ما فيها من ثمر، أُبِّر أو لم يؤبّر، أزهى أو لم يزه، ولا ما يثمر بعد ذلك إلا أن يشترط ذلك.

وولد الأمة في هذا بخلاف ما تثمره الأصول، لأن من باع أمة حاملاً كان ما في بطنها للمبتاع. 3465 - ومن باع نخلاً قد أُبّر ثمرها فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، [وكذلك] الثمرة وكراء الدور وإجارة العبيد كل ذلك للراهن، ولا يكون في الرهن إلا أن يشترطه المرتهن، وكذلك صوف الغنم وألبانها، إلا صوفاً كمل نباته يوم الرهن فإنه رهن معها. ولا يكون مال العبد الرهن رهناً إلا أن يشترطه المرتهن كالبيع، فيدخل في البيع والرهن، كان ماله معلوماً أو مجهولاً. وما وهب له فليس برهن، وهو كماله موقوف بيده إلا أن ينتزعه سيده. (¬1) 3466 - وإن تكفلت لرجل بدين وأعطيته به رهناً جاز ذلك، فإن هلك الرهن عند المرتهن وهو مما يغاب عليه ضمنه، فإن كانت قيمته كفاف الدين فقد استوفى المرتهن حقه، وترجع أنت على الذي عليه الحق بقيمة رهنك، وسواء في هذا تكفلت عن المطلوب بأمره أو بغير أمره، أو أعطيت الرهن بأمره أو بغير أمره، فأما إن رهنته بأمر المطلوب وقيمة الرهن أكثر من الدين رجعت على المطلوب خاصة بمبلغ الدين من رهنك، ويسقط دين المرتهن، وترجع بفضل ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (13/221) .

قيمة رهنك على المرتهن إن شئت، أو على المطلوب، فإن أغرمت المطلوب الزيادة رجع هو بها على المرتهن. وإن كنت رهنته بغير أمر المطلوب رجعت على المطلوب بالدين فقط، ولا يتبع بالزيادة إلا المرتهن خاصة. 3467 - ويجوز الرهن في دم الخطأ إن علم الراهن أن الدية على العاقلة، ولو ظن أن ذلك يلزمه وحده لم يجز، وله رد الرهن، وكذلك الكفالة فيه. 3468 - وإن استعرت من رجل دابة على أنها مضمونة عليك لم تضمنها، وإن رهنته بها رهناً فمصيبتها من ربها والرهن فيها لا يجوز، فإن ضاع الرهن عنده ضمنه، إذ لم يأخذه على الأمانة. 3469 - ومن ارتهن ما يغاب عليه، وشرط أن لا ضمان عليه فيه، وأنه مصدق لم ينفعه شرطه، وضمن إن ادعى أنه ضاع. ويجوز الرهن بالعارية التي يغاب عليها، لأنها مضمونة. (¬1) 3470 - ومن استأجر عبدَ رجلٍ وأعطاه بالإجارة رهناً جاز. 3471 - ومن ادعى قبل رجل ديناً فأعطاه به رهناً يغاب عليه، فضاع الرهن عنده ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/16) .

وتصادقا أن دعواه باطل، وكان قد اقتضاه ولم يعلم فهو ضامن للرهن إذا لم يأخذه على الأمانة، وكذلك إن أعطاه دراهم حتى يصارفه بها من دنانير له عليه ديناً فزعم أن الدراهم ضاعت. وكذلك ما عمله الصناع بغير أجر، فضمانه منهم، وكذلك لو قبض [المرتهن] دينه أو وهبه للراهن، ثم ضاع الرهن بعد ذلك ضمنه المرتهن وإن زادت قيمته على الدين، وإن صرف دراهم بدنانير فقبض الدراهم وأعطاه بالدنانير رهناً، وجهلا، فالرهن إن ضاع من المرتهن، فإن كانت قيمة الرهن مثل الدراهم برئ الراهن، وإن زادت أو نقصت ترادّا الفضل. 3472 - ومن أخذ رهناً بقراض لم يجز، إلا أنه إن ضاع ضمنه، إذ لم يأخذه على الأمانة. وإن دفعت إلى رجل رهناً بكل ما أقرض لفلان جاز ذلك. 3473 - ومن ارتهن رهناً وجعلاه على يد عدل أو على يد المرتهن، إلى أجل كذا وشرطا إن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل، وإلا فلمن على يديه الرهن بيعه، فلا يباع إلا بإذن السلطان وإن شرط ذلك، فإن بيع نفذ بيعه ولم يرد، وإن لم يأذن له في بيعه رفعه المرتهن إذا حل الأجل إلى السلطان، فإن أوفاه حقه وإلا باع له الرهن فأوفاه حقه.

3474 - وإذا قبض الرهن وكيل المرتهن بأمر من الراهن فهلك بيده وهو مما يغاب عليه، فهو من المرتهن، لأن قبض وكيله كقبضه، وليس كالعدل الذي تراضيا عليه. 3475 - وإن تعدى العدل في رهن في يديه فدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن فضاه، وهو مما يغاب عليه، فإن دفعه إلى الراهن ضمن للمرتهن، وإن دفعه للمرتهن ضمنه للراهن، فإن كان الرهن كفاف الدين سقط دين المرتهن لهلاكه بيده، فإن كان فيه فضل ضمن العدل الفضل للراهن. وإذا مات العدل وبيده رهن فليس له أن يوصي عند موته بوضعه عند غيره، وذلك إلى المتراهنين. (¬1) 3476 - وإذا أمر السلطان رجلاً ببيع الرهن ليقضي المرتهن حقه فباعه، ثم ضاع الثمن من يده لم يضمنه المأمور وصُدّق في ضياعه، فإن اتهم حلف، وكان الثمن من الذي له الدين كقول مالك في ضياع ثمن ما باعه السلطان لغرماء المفلس أنه من الغرماء. وإن قال المأمور: قد بعت الرهن بمائة وقبضها المرتهن، وقال المرتهن: ما أخذت شيئاً، صدق المرتهن، ولو قال المرتهن: إنما باعه بخمسين وقضانيها، ضمن المأمور الخمسين الباقية بإقراره أنه باعه بمائة، كمأمور يدفع مائة دينار إلى رجل يدعي أنه دفعها وقال الرجل: لم أقبض إلا خمسين، فالمأمور ضامن للخمسين. وإذا باع السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن، ثم استحق الرهن وقد فات عند المبتاع، أو غاب المبتاع فلم يوجد، فللمستحق إجازة البيع وأخذ الثمن من المرتهن، ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/23) .

ويرجع المرتهن بحقه على الراهن. وقاله مالك فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها وقد دارت في أيدي رجال، أنه يأخذ الثمن من أيهم شاء. وإن باع المأمور الرهن بحنطة أو شعير أو عرض لم يجز، ثم إن ضاع ما قبضه منه ضمنه المأمور بتعديه. ولو باع بالعين لم يضمن. وكذلك الوكيل على بيع سلعة يبيعها بغير العين. وإن قال الراهن: لم يحلّ الأجل، وقال المرتهن: قد حل، صدق الراهن، لأن المرتهن مقر بأجل يدعي حلوله، وهذا إذا أتى الراهن بأمر لا يستنكر وادعى أجلاً يشبه، وإلا لم يصدق. 3477 - قال مالك: وإذا قال مبتاع السلعة بعد أن فاتت عنده: ابتعتها بثمن إلى أجل،

وقال البائع: بل بثمن حال، فإن ادعى المبتاع أجلاً قريباً صُدق، وإن ادعى أجلاً بعيداً لم يصدق. قال ابن القاسم: لا يصدق في الأجل، ويؤخذ بما أقر به من المال حالاً، إلا أن يقر بأكثر مما ادعاه البائع، فلا يكون للبائع إلا ما ادعاه. 3478 - ومن ارتهن رهناً فقبضه، ثم أودعه للراهن أو أجره منه أو أعاره إياه أو رده إليه بأي وجه كان حتى يكون الراهن هو الحائز له، فقد خرج من الرهن. وليس للمرتهن إن أعاره إياه رده في الرهن، إلا أن يعيره [إياه] على ذلك، فإن أعاره على ذلك ثم لم يرتجعه حتى قامت الغرماء [على الراهن] أو مات، كان أسوة الغرماء.

وكذلك إن ارتهنت أرضاً فزرعها الراهن بإذنك وهي بيدك، كان خروجاً من الرهن. 3479 - وإذا أجر المرتهن الرهن، أو أعاره بإذن الراهن، وولي المرتهن ذلك ولم يسلمه إلى الراهن، لم يكن ذلك خروجاً من الرهن، وهو على حاله، فإن ضاع الرهن عند المستأجر، وهو مما يغاب عليه فضياعه على الراهن، لإذنه فيه، وإن لم يقبض المرتهن الرهن حتى مات الراهن أو فلس، كان أسوة الغرماء في الرهن. وإذا كان الحق إلى أجل وأخذ به رهناً، فمات الراهن قبل الأجل بِيع [الرهن] وقضي المرتهن حقه، لأن من مات فقد حلت ديونه. 3480 - ومن رهن لامرأته رهناً قبل البناء بجميع الصداق جاز ذلك، لأن عقد النكاح يوجب لها الصداق كله، إلا أن يطلق قبل البناء، فإن طلق قبل البناء لم يكن له أخذ نصف الرهن، والرهن أجمع رهن بنصف الصداق، كمن قضى بعض الدين أو وُهِب

له، فالرهن رهن بما بقي له، فإن هلك الرهن وهو مما يغاب عليه ضمن المرتهن جميعه، وقد اختلف قول مالك في رهن [من] أحاط الدين بماله، وقد ذكرناه في كتاب المديان. (¬1) 3481 - وإذا كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهناً، ثم قضاك مائة وقال: هي التي فيها الرهن، وقلت أنت: هي التي لا رهن فيها، وقامت الغرماء أو لم يقوموا، فإن المائة يكون نصفها لمائة الرهن، ونصفها للمائة الأخرى، وإن أسلمت في طعام إلى أجل وأخذت به رهناً، ثم تقايلتما بعد ذلك الأجل أو قبله، ولم تقبض رأس المال مكان الرهن الذي في يديك، لم تجز الإقالة، إلا أن تقبض رأس المال مكانك قبل أن تفترقا، وإلا دخله بيع الطعام قبل قبضه. 3482 - ومن ارتهن عبداً فجنى العبد جناية خُيّر السيد أولاً، فإن فداه كان على رهنه، وإن أسلمه خير المرتهن أيضاً، فإن أسلمه كان لأهل الجناية بماله، قل أو كثر، وبقي دين المرتهن بحاله، وإن فداه المرتهن لم يكن لسيده أخذه حتى يدفع ما فداه به مع الدين. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/309) .

ولا يكون ماله رهناً بأرش ولا دين، إذ لم يشترط في الدين أولاً. وإن أبى سيده أن يأخذه بِيع العبد بعد حلول [أجل] الدين، لا قبله، وبدئ بما فداه به المرتهن من الجناية، فإن ساوت رقبته أقل مما فداه به، لم يتبع السيد بما بقي من ذلك، لأنه فداه بغير أمره، وأتبعه بدينه الأول. وإن كان فيه فضل كان الفضل من رقبته في الدين، وإن افتداه المرتهن بأمر الراهن، أتبعه المرتهن بما فداه به وبالدين جميعاً. 3483 - ولو أقر الراهن أن العبد الرهن جنى جناية، أو استهلك مالاً وهو عند المرتهن، ولم تقم بذلك بينة، فإن كان الراهن معدماً لم يصدّق، وإن كان مليئاً قيل له: أتفديه أم تسلمه؟ فإن فداه بقي رهناً على حاله، وإن أسلمه لم يكن له ذلك حتى يحل الأجل، فإذا حل [الأجل] أدى الدين ودفع العبد بجنايته التي أقر بها، وإن فلس قبل الأجل فالمرتهن أحق به من أهل الجناية، وليس ذلك كثبوت الجناية ببينة. 3484 - وإذا أخذت من رجل رهناً بدين لك عليه ثم استقرضك دراهم أخرى على ذلك

الرهن، [جاز] ، وكان بالدينين [جميعاً] رهناً. 3485 - وإذا ارتهنت ثوباً قيمته مائة دينار في خمسين ديناراً ثم رهن رب الثوب فضلته لغيرك، لم يجز، إلا أن يكون ذلك بإذنك فيجوز، وتكون حائزاً للمرتهن الثاني، فإن هلك الثوب بيدك بعدما ارتهن الثاني فضلته ضمنت منه مبلغ دينك، وكنت في الباقي أميناً، ويرجع المرتهن الثاني بدينه، لأن فضلة الرهن على يدي عدل، وهو المرتهن الأول. 3486 - وإن أنفق المرتهن على الرهن بأمر ربه أو بغير أمره، رجع بما أنفق على الراهن، ولا يكون ما أنفق في الرهن إذا أنفق بأمر ربه، لأن ذلك سلف إلا أن يقول له: أنفق على أن نفقتك في الرهن، فله حبسه بنفقته وبما رهنه فيه، إلا أن تقوم الغرماء على الراهن، فلا يكون المرتهن أحق منهم بفضله عن دينه لأجل نفقته، أُذن له في ذلك أو لم يؤذن، إلا أن يقول له: أنفق والرهن بما أنفقت رهناً. (¬1) فأما المنفق على الضالة فهو أحق بها من الغرماء حتى يستوفي نفقته، إذ لا يقدر على صاحبها، ولا بد من النفقة عليها، والرهن يأخذه راهنه بنفقته، فإن غاب رفع ذلك إلى الإمام. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (4/193) .

3487 - وللوصي أن يرهن من متاع اليتيم رهناً فيما يبتاع له من كسوة أو طعام، كما يتسلف لليتيم حتى يبيع له بعض متاعه، وذلك لازم لليتيم. وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة. ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه، إلا أن يتجر لليتيم فيه أو يقارض له به غيره. وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار، ثم يبيع ويستوفي، وإن لم يكن لهم يوم السلف مال فقال الوصي: أنا أسلفهم فإن أفادوا مالاً رجعت عليهم، لم يكن له ذلك. والنفقة عليه حينئذ على وجه الحسبة ولا يرجع [عليهم] بشيء [وإن أفاد اليتيم مالاً] . وليس للوصي أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهناً، إلا أن يكون تسلف لليتيم مالاً من غيره أنفقه عليه، ولا يكون أحق بالرهن من الغرماء، لأنه حائز لنفسه من نفسه، وهو والغرماء في ذلك سواء.

3488 - ومن قال: لله عليّ أن أصوم شهراً متتابعاً أجزأه التبييت لأول ليلة ولا يحتاج أن يبيّت الصوم كل ليلة. 3489 - ولا يدفع أحد الوصيين رهناً من التركة إلا بإذن صاحبه، وإن اختلفا نظر الإمام، وكذلك البيع والنكاح. وإذا عزل الورثة دين الغريم فضاع، فمذكور في كتاب المديان. 3490 - ومن زوج أمته وأخذ مهرها قبل البناء بها فاستهلكه وأعتقها، ثم طلقها الزوج قبل البناء ولا مال للسيد، لم يُردّ عتقها، لأن الدين إنما لزم السيد حين طلق الزوج لا يوم العتق. قال مالك - رحمه الله -: وليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز، ولكن يجهزها به كالحرة. وإذا رهن الأب من متاع ابنه الصغير في دين على الأب ولم يستدنه للولد، لم يجز الرهن، لأنه لا يجوز له أخذ مال ولده من غير حاجة، وإنما يجوز بيع الأب عليه على وجه النظر وكذلك الوصي.

ولا بأس أن يشتري الأب أو الوصي لبعض من يليان عليه من بعض. 3491 - وإذا اشترط المرتهن منفعة الرهن فإن كان الدين من قرض لم يجز ذلك، لأنه سلف جر منفعة. وإن كان الدين من بيع، وشرط منفعة الرهن إلى أجل مسمى، قال مالك: لا باس به في الدور والأرضين وكرهه في الحيوان والثياب، إذ لا يدري كيف يرجع إليه، وأجاز ذلك كله ابن القاسم إذا سميا أجلاً كالإجارة، وهذه إجارة وبيع. 3492 - ولا بأس برهن المصحف، ولا يقرأ فيه، فإن لم يشترط في أصل السلف أن يقرأ فيه فوسع له رب المصحف أن يقرأ فيه لم يعجبني، كان الرهن من بيع أو قرض.

3493 - ولا يجوز لمسلم أن يؤجر نفسه في شيء مما حرم الله عز وجل، وهذا مذكور في كتاب الجعل والإجارة. 3494 - ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس، وما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام، وما يكال أو يوزن، إلا أن يطبع على ذلك، ليمنع المرتهن من النفع به، ويرد مثله. وأما الحلي فلا يطبع عليه، حذر اللبس، كما لا يفعل ذلك في سائر العروض، لأن ذلك يعرف بعينه. 3495 - ولا يجوز لمسلم أن يرتهن من ذمي خمراً أو خنازير. وإذا ولدت الأمة الرهن ثم ماتت، كان ولدها رهناً بجميع الدين. وإن رهنك خلخالين من ذهب في مائة درهم فاستهلكتهما قبل الأجل أو كسرتهما، وقيمتهما مائة درهم، لم أجعل ذلك قَصَاصاً بدينك، ولكن تؤخذ القيمة منك دراهم فتوضع بيد عدل مطبوع عليها رهناً، فإذا حل الأجل أخذتها في حقك، وكذلك إن كان من فضة فلزمتك قيمتها دنانير، كانت رهناً كما ذكرنا إلى الأجل، فإن وفاك حقك أخذ الدنانير، وإلا صُرفت لك، وأخذت منها حقك. وكان ابن القاسم يقول: إذا كسر الخلخالين فإنما عليه ما نقص الصناعة، ثم رجع إلى أن يغرم قيمتها، ويكونان له، ولا يكون الرهن بما فيه ولكن المرتهن ضامن لجميع قيمته. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/319) .

3496 - ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو قرض، فرهنك به رهناً على أنه إن لم يفتكه منك إلى الأجل، فالرهن لك بدينك، لم يجز ذلك، وينقض هذا الرهن، ولا ينتظر به الأجل، ولك أن تحبس الرهن حتى تأخذ حقك، وأنت أحق به من الغرماء، وإن حلّ الأجل والرهن بيدك أو بيد أمين، فقبضته أنت لأجل شرطك ذلك، لم يتم لك ملك الرهن فيما شرطت فيه، ولكن ترده إلى ربه ما لم يفت، وتأخذ دينك، ولك أن تحبسه حتى تأخذ دينك، وأنت أحق به من الغرماء، فإن فات الرهن بيدك بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة سوق فأعلى في الحيوان والسلع، وأما الدور والأرضون فلا يفيتهما حوالة سوق ولا طول زمان، وإنما يفيتهما الغرس والبناء والهدم، وسواء هدمتها أنت أو انهدمت بأمر من الله، فذلك فوت، فحينئذ لا ترد الرهن ويلزمك بقيمته يوم حل الأجل، لأنه بيع فاسد وقع يوم حل الأجل، وأنت للسلعة يومئذ قابض وتقاضيه بدينك وتترادان الفضل. 3497 - ومن أسلفته فلوساً وأخذت به رهناً، ففسدت الفلوس، فليس لك عليه إلا مثل فلوسك، ويأخذ رهنه. وإن بعته سلعة بفلوس إلى أجل، فإنما لك نقد الفلوس يوم البيع، ولا يلتفت إلى كسادها، وكذلك إن أقرضته دراهم فلوساً وهي يومئذ مائة فلس بدرهم، ثم صارت مائتي فلس بدرهم فإنما يرد إليك ما أخذ لا غير ذلك.

3498 - وإذا أخذت رهناً يغاب عليه في ثمن شيء بعته، أو قرض عين أو عرض أو حيوان أو طعام، فهلك الرهن بيدك وقامت عليك الغرماء ولا مال لك غير الدين الذي لك على غريمك، فعلى غريمك غرم دينك، وله محاصة غرمائك بقيمة رهنه، ولا يكون دينك عليه رهناً له بذلك، ولا له المقاصة بذلك، لأنك لم ترهنه إياه. وكذلك إن أسلفته مالاً، ثم ابتعت منه سلعة بثمن ولم تذكر أن ذلك من دينك، ثم قامت الغرماء على أحدكما، فلا يكون ما في ذمته له رهناً بما في ذمة الآخر، ولكنه يغرم ويحاص. وإن تكلفت عن رجل بحق عليه، وأخذت منه بذلك رهناً فذلك جائز. 3499 - وإذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ الدين، فالرهن كشاهد للمرتهن، إذ حيازته وثيقة له، فإذا كانت قيمته يوم الحكم والتداعي لا يوم الرهن مثل دعوى المرتهن فأكثر، صدق المرتهن مع يمينه. وإن تصادقا على أن قيمته يوم التراهن أقل من ذلك فزاد سوقه، لم أنظر إلا إلى قيمته الآن، زادت أو نقصت. (¬1) فإن قال الراهن: هو في مائة، وقال المرتهن: في مائتين، صُدّق المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن يوم الحكم ويحلف. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/30) .

فإن ادعى أكثر من قيمة الرهن الآن، لم يصدق فيما زاد عليها، وحلف الراهن على ما قال، فإن حلف فإنما يبرأ من الزيادة على قيمة الرهن، ويؤدي مبلغ قيمته ويأخذه إن أحب، وإلا فليس له أخذه. 3500 - وإن قال المرتهن: ارتهنته في مائة دينار، وقال الراهن: المائة لك عليّ ولم ارهنك إلا بخمسين، فالقول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن لم يساو إلا خمسين فعجل الراهن الخمسين قبل الأجل ليأخذ رهنه، وقال المرتهن: لا أسلمه حتى آخذ المائة، فللراهن أخذ رهنه إذا عجل الخمسين قبل أجلها، وتبقى عليه خمسون بغير رهن، فكما لو أنكرها لم تلزمه، فكذلك لا تلزمه بما رهنه في أكثر من قيمته. 3501 - وإذا ضاع الرهن عند المرتهن فاختلفا في قيمته تواصفاه، ويكون القول في الصفة قول المرتهن مع يمينه، ثم يدعى لتلك الصفة المقوِّمون، ثم إن اختلفا في الدين صدق المرتهن إلى مبلغ قيمة تلك الصفة. 3501 - وإن رهنه ثوبين فضاع عنده أحدهما فاختلفا في قيمته صدق المرتهن مع يمينه في قيمته يسقط من الدين مبلغ قيمة الثوب الذاهب. 3502 - وإذا كان بيد المرتهن عبدان، فادعى أنهما رهن بألف، وقال الراهن: رهنتك بالألف أحدهما، وأودعتك الآخر فالقول قول الراهن، [لأن] من ادعى في سلعة بيده أو عبد أن ذلك رهن وقال ربه: بل عارية أو وديعة صدق ربه،

ولو كانا نمطا وجُبّة فهلك النمط فقال المرتهن: أودعتنيه والجبة رهن، وقال الراهن: النمط هو الرهن، والجبة وديعة، فكل واحد مدع على صاحبه، فلا يصدق الراهن في تضمين المرتهن لما هلك، ولا يصدق المرتهن أن الجبة رهن، ويأخذها ربها. (¬1) 3503 - وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميموناً بحقك وفارقته قبل قبضه، لم يبطل الرهن، ولك أخذه منه رهناً، ما لم تقم عليه الغرماء، فتكون أسوتهم. وإن باعه قبل أن تقبضه منه، مضى البيع، وليس لك أخذه برهن غيره، لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك إياه لذلك، وبيعك الأول غير منتقض. وإن بعت منه سلعة بثمن إلى أجل على أن تأخذ به رهناً ثقة من حقك، فلم تجد عنده رهناً، فلك نقض البيع وأخذ سلعتك أو تركه بلا رهن. 3504 - ومن ارتهن عصيراً فصارت خمراً، فليدفعها إلى الإمام لتهراق بأمره، وكذلك الوصي يجد في التركة خمراً خوفاً من أن يتعقب بأمر. وإذا ملك المسلم خمراً أهريقت عليه، ولا يخللها، فإن أصلحها فصارت خلاً فقد أساء، ويأكله. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/29) .

3506 - ولا بأس برهن جلود السباع المذكّاة وبيعها دبغت أو لا، ولا يجوز رهن جلود الميتة ولا بيعها دبغت أم لا، ويجوز ارتهان ما لا يجوز بيعه في وقت، وقد يجوز بيعه بعد ذلك، مثل زرع أو ثمر، لم يبد صلاحه، فإن ارتهنت ذلك منه، ثم مات الراهن قبل أجل الدين، ولم يبد صلاح الزرع أو الثمر، حل الدين الذي لك عليه بموته، وتعجلت دينك من ماله، وسلّمت الرهن لورثته، وإن لم يدع مالاً انتظرت أن يحل بيع ما ذكرنا، فيباع وتأخذ دينك من ثمنه، فإن فلّس الراهن أو مات، فقام عليه غرماؤه، والذي بيدك من الرهن لم يبد صلاحه، فمذكور في كتاب التفليس. ويحكم بين أهل الذمة في تظالمهم في الرهان. 3507 - وإذا رهن المكاتب أو ارتهن، جاز ذلك إن أصاب وجه الرهن، لأنه جائز البيع والشراء، وكذلك المأذون. 3508 - وإذا وجد السيد مع المكاتب قبل حلول أجل الكتابة مالاً فيه وفاء بالكتابة أو أقل منها، فليس له أخذه. 3509 - وإذا أعطاك أجنبي رهناً بكتابة مكاتبك لم يجز ذلك، كما لا تجوز الحمالة بها، وإن خاف المكاتب العجز، جاز أن يرهن أم ولده، فأما ولده فلا، وذلك كالبيع.

3510 - ومن رهن عبداً ثم أعتقه أو كاتبه جاز ذلك إن كان ملياً وعجل الدين، وأما إن دبره جاز، وبقي رهناً على حاله، لأن الرجل يرهن مدبره. وروى ابن وهب عن مالك أن التدبير مثل العتق سواء فليعجل له دينه. وإذا أعتقه السيد قبل محل الدين فليس له أن يرهنه سواه حتى يحل الأجل، وليعجل له حقه في ملائه. وإن أعتقه وهو عديم بقي العبد رهناً فإن أفاد ربه قبل الأجل مالاً أخذ منه الدين ونفذ العتق. 3511 - ومن رهن أمته ثم وطئها الراهن فأحبلها، فإن وطئها بإذن المرتهن أو كانت مُخْلاة تذهب [حيث شاءت] وتجيء في حوائج المرتهن فهي أم ولد للراهن، ولا رهن للمرتهن فيها، وإن وطئها على وجه الغصب والتسور بغير إذن المرتهن عجل ربها الحق إن كان ملياً وكانت له أم ولد، وإن لم يكن له مال بيعت الجارية بعد

الوضع، ولا يباع ولدها وهو حر لاحق النسب، فإن نقص ثمنها عن دين المرتهن أتبع السيد بذلك، فإن وطئها المرتهن فولدت منه حُدّ ولم يلحق به الولد وكان مع الأم رهناً وعليه للراهن ما نقصها الوطء، بكراً كانت أو ثيباً إن كرهها، وكذلك إن طاوعته وهي بكر، فأما إن كانت ثيباً فلا شيء عليه والمرتهن وغيره في ذلك سواء. فإن اشترى المرتهن هذه الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها لأنه لم يثبت نسبه منه. 3512 - وإذا أعتق المديان عبده فأراد الغرماء رد العتق وبيع العبد فقال لهم العبد خذوا دينكم بمني] ولا تردوا العتق، أو تبرع بذلك لهم أجنبي، فذلك للعبد. 3513 - ومن استعار سلعة ليرهنها جاز ذلك، ويقضى للمرتهن ببيعها إن لم يؤد الغريم ما عليه، ويتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته، ولو هلكت السلعة عند المرتهن وهي مما يغاب عليه لأتبع المعير المستعير بقيمتها. وإن كانت مما لا يغاب عليه لم يضمنها المستعير ولا المرتهن.

3514 - ومن أعرته سلعة ليرهنها في دراهم مسماة فرهنها في طعام فقد خالف، وأراه ضامناً. 3515 - ومن استعار عبداً ليرهنه فرهنه ثم أعتقه المعير، فإن كان المعير ملياً جاز العتق، وقيل له: عجّل الدين إلى ربه إذ أفسدت رهنه، إلا أن تكون قيمة العبد أقل من الدين فلا يلزمه إلا قيمته ويرجع المعير على المستعير بذلك بعد محل أجل الدين لا قبله. 3516 - ومن رهن عبداً ثم أقر أنه لغيره لم يجز إقراره في هذا. 3517 - ومن رهن رهناً على أنه إن مضت سنة خرج من الرهن فلا أعرف هذا من رهون الناس، ولا يكون هذا رهناً. 3518 - ومن قال لعبده: أدّ إليّ الغلة، لم يكن بهذا مأذوناً له. وإذا اشترى المأذون من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عُتقوا عليه وهو يعلم، لم يجز ذلك، كما لو أعطاه سيده مالاً يشتري له عبداً فاشترى من يعتق على سيده لم يجز، وليس له أن يتلف مال سيده. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/330) .

ومن أمرته أن يبيع لك سلعة فباعها وأخذ [لك] بثمنها رهناً، لم يجز ذلك عليك، كما ليس له بيعها بالدين إلا بأمرك، فإن أمرته أن يبيع بالدين فباع وأخذ رهناً فأنت مخير في قبوله ويكون ضمانه منك إن تلف، وإلا رددت الرهن إلى ربه وبقي البيع على حاله، فإن تلف الرهن قبل علمك به فضمانه من المأمور. 3519 - ولا يجوز للمقارض الشراء بالدين على القراض، فإن اشترى بجميع المال عبداً ثم اشترى عبداً ثانياً بدين فرهن فيه الأول لم يجز ذلك، ولو أمره رب المال أن يشتري بالدين على المضاربة كانت مضاربة لا تحل، ولو جاز هذا جاز أن يقارضه بغير مال. 3520 - ومن ارتهن نخلاً ببئرها أو زرعاً أخضر ببئره فانهارت البئر فأبى الراهن أن يصلح فأصلح المرتهن لخوف هلاك الزرع والنخل، فلا رجوع له بما أفق على الراهن، ولكن يكون له ذلك في الزرع، وفي رقاب النخل يبدأ فيه بنفقته، فما فضل كان في دينه، فإن بقي بعد ذلك شيء كان لربه، كالمكتري سنين أو المساقي ينفق في مثل ذلك، فليس له أن ينفق

ما زاد على كراء تلك السنة خاصة في الكراء، أو على حظ رب النخل من ثمرة تلك السنة في المساقاة، وهذا مذكور في كتاب الأكرية. وإن أخذ الراهن مالاً من أجنبي فأنفقه في ذلك الزرع لخوف هلاكه فالأجنبي أحق بمبلغ نفقته من ثمن الزرع من المرتهن، فما فضل كان للمرتهن، فإن لم يفضل [منه] شيء رجع المرتهن على الراهن بدينه. 3521 - ومن رهن أرضاً ذات نخل لم يسمها أو رهن النخل ولم يسم الأرض، فذلك موجب لكون الأرض والنخل رهناً، وكذلك [هذا] في الوصية والبيع. 3522 - ون ارتهنت أرضاً فأخذ منك السلطان خراجها لم ترجع به على الراهن إلا أن يكون ذلك الخراج حقاً وإلا فلا. 3523 - وإذا ارتهن رجلان ثوباً فرضيا، ورضي الراهن كونه بيد أحدهما جاز، فإن هلك ضمن الذي هو في يديه حصته، ولا يضمن الآخر شيئاً، وضمان حصته من الراهن، وإن لم يجعله ربه بيد أحدهما جعلاه حيث شاء، وهما ضامنان [له] .

3524 - وإذا كان لرجلين على رجل دين مفترق، لهذا مال ولهذا طعام، أو لهذا قرض ولهذا سلم، فأخذا به رهناً واحداً جاز ذلك، إلا أن يكون أحدهما أقرضه قرضاً على أن يبيعه الرجل الآخر بيعاً ويأخذا بذلك جميعاً رهناً، فلا يجوز، لأنه قرض جرّ منفعة. (¬1) وأما إن وجب الدين من بيع أو [من] قرض بغير هذا الشرط فذلك جائز، ولو أقرضاه جميعاً معاً واشترطا أن يرهنهما فلا بأس به. قيل: فإن قضى أحدهما دينه هل له أخذ حصته من الرهن؟ قال: قال مالك في رجلين رهنا داراً لهما في دين فقضى أحدهما حصته من الدين فإن له أخذ حصته من الدار، فكذلك مسألتك إلا أن في مسألتك إن كتبا دينهما في كتاب واحد وكان دينهما واحداً فليس لأحدهما أن يقبض شيئاً دون صاحبه، وإن كان دينهما مفترقاً شيئين لهذا مال وللآخر قمح فلا يدخل أحدهما فيما اقتضى الآخر، كتبا الصنفين في كتاب واحد أم لا، وإنما الذي ليس لأحدهما أن يقبض دون الآخر أن يكتبا كتاباً بينهما بشيء واحد يكون ذلك لشيء بينهما أو يكون الرهن لهما في شيء واحد، وإن لم يكتبا به كتاباً - مثل أن تكون دنانير كلها أو قمحاً كله أو نوعاً واحداً - فليس لواحد ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/335) .

[منهما] أن يقبض دون صاحبه، وفي كتاب التفليس ذكر من جنى جناية لا تحملها العاقلة فرهن فيها رهناً. 3525 - وإن ارتهنت عبدين فقتل أحدهما صاحبه فالباقي رهن بجميع الدين، لأن مصيبة العبد من الراهن. 3526 - ومن حبس على صغار ولده داراً، أو وهبها لهم، أو تصدق بها عليهم، فذلك جائز، وحوزه لهم حوز، إلا أن يكون ساكناً في كلها أو جلها حتى مات، فتبطل جميعها وتورث على فرائض الله عز وجل، وأما الدار الكبيرة ذات المساكن يسكن أقلها وأكرى لهم باقيها، فذلك نافذ لهم فيما سكن وفيما لم يسكن، ولو سكن الجل وأكرى الأقل بطل الجميع. وكذلك دور يسكن واحدة منها هي أقل حُبُسه أو أكثره على ما ذكرنا. 3527 - ومن غصبك عبداً فجنى عنده [جناية] ثم رده إليك والجناية في رقبته فأنت

مخير في إسلامه وتأخذ قيمته من الغاصب أو تفتكه بدية الجناية ولا ترجع على الغاصب بشيء. 3528 - ومن ارتهن عبداً فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله، لم يضمن هو ولا المستعير. وكذلك إن استودعه رجلاً، إلا أن يستعمله المودع أو المستعير عملاً، أو يبعثه مبعثاً يعطب في مثله، فيضمن. 3529 - ومن ارتهن جارية لها زوج، أو ابتاعها لم يمنع زوجها من وطئها، ومن رهن أمة عبده أو رهنهما معاً فليس للعبد وطؤها في الرهن، ثم هي في الوجهين بعد فداء الرهن للعبد كما كانت، وافتكاكهما جميعاً أبين. ومن رهن أمته ثم زوجها لم يجز تزويجه، لأن ذلك عيب إلا برضا المرتهن. 3530 - ومن أقرضته مائة درهم وأخذت منه بها رهناً قيمته مائة درهم، ثم استقرضك مائة أخرى ففعلت على أن يرهنك بالمائتين رهناً آخر قيمته مائتان، لم يجز،

لأنك انتفعت بزيادة وثيقة في المائة الأولى. وكذلك لو كانت المائة الأولى بغير رهن ثم استقرضك مائة أخرى على أن يرهنك بها وبالمائة الأولى رهنا فلا خير فيه. قال: فإن نزل ذلك وقامت الغرماء على المتسلف في فلس أو موت فالرهن الثاني رهن بالدين الآخر خاصة دون الأول. (¬1) * * * تم الكتاب بحمد الله وعونه * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/11) ، ومواهب الجليل (5/12) .

(كتاب الغصب)

(كتاب الغصب) 3531 - ومن تعدى على صحفة، أو عصا لرجل [بعينه] فكسرها، أو خرّق ثوباً، فإن أفسد ذلك فساداً كثيراً خير ربه في أخذ قيمة جميعه، أو أخذه بعينه، وأخذ ما نقصه من المتعدي، وإن كان الفساد يسيراً فلا خيار لربه وإنما له ما نقصه بعد رفء المتعدي للثوب. وقد كان مالك يقول: يغرم ما نقصه، ولا يفصل بين قليل ولا كثير، ثم قال هكذا.

وكذلك من تعدى على دابة رجل فقطع لها عضواً، أو فعل بها ما أفسدها فساداً يسيراً أو كثيراً، فهي كالثوب فيما وصفنا، وكذلك سائر الحيوان. 3532 - وأما من تعدى على عبد رجل ففقأ عينه، أو قطع له جارحة أو جارحتين، فما كان من ذلك فساداً فاحشاً حتى لم يبق فيه كبير منفعة، فإنه يضمن قيمته ويعتق عليه، وكذلك الأمة. 3533 - ومن غصب أمة فزادت قيمتها عنده أو نقصت، ثم قتلها أو وهبها أو تصدق بها، ففاتت بعنده] ، فإنما عليه قيمتها يوم الغصب فقط، ولو غصبها وقيمتها مائة، ثم باعها وقيمتها مائتان، بخمسين ومائة، ثم لم يعلم للأمة موضع، فإنما لربها على الغاصب إن شاء الثمن الذي قبض فيها أو قيمتها يوم الغصب، ولو قتلها عند الغاصب أجنبي وقيمتها يومئذ أكثر من قيمتها يوم الغصب، فلربها أخذ القاتل بقيمتها يوم القتل بخلاف الغاصب، فإن كانت قيمتها يومئذ أقل من قيمتها يوم الغصب، كان له الرجوع بتمام القيمة على الغاصب. وما أصاب السلعة بيد الغاصب من عيب قل أو كثر بأمر من الله تعالى، فربها مخير في أخذها معيبة، أو يضمنه قيمتها يوم الغصب.

وإن كانت جارية فأصابها عنده عور، أو عمى، أو ذهاب يد [بأمر] من الله تعالى بغير سببه، فليس لربها أن يأخذها، وما نقصها عند الغاصب إنما له أخذها ناقصة، أو قيمتها يوم الغصب. وليس للغاصب أن يلزم ربها أخذها، ويعطيه [قيمة] ما نقصها إذا اختار ربها أخذ قيمتها، ولو ماتت عند الغاصب ضمن قيمتها. ولو كان الغاصب هو الذي قطع يدها، فلربها أن يأخذها وما نقصها، أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم الغصب. ولو قطع يدها أجنبي، ثم ذهب فلم يقدر عليه، فليس لربها أخذ الغاصب بما نقصها، وله أن يضمنه قيمتها يوم الغصب، ثم للغاصب اتباع الجاني بما جنى عليها، وإن شاء ربها أخذها وأتبع الجاني بما نقصها دون الغاصب. 3534 - ومن غصب أمة شابة فهرمت عنده، فذلك فوت يوجب لربها قيمتها. [قال:] وإن غصبها صغيرة وهي تساوي مائة، فكبرت عنده حتى نهدت فصارت تساوي ألفاً ثم ماتت، فإنما يضمن مائة، ولو ولدت عند الغاصب ثم مات

الولد، لم يضمنهم، ولو قتلهم الغاصب ضمن قيمتهم، ولو باعها الغاصب من رجل لم يعلم بالغصب فماتت عند المبتاع، فلا شيء عليه، ولربها أخذ الغاصب بقيمتها يوم الغصب لا يوم البيع أو الثمن الذي أخذه فيها، [و] لو قتلت عند المبتاع فأخذ لها أرشاً ثم استحقت، فلربها إن شاء أخذ قيمتها يوم الغصب من الغاصب، وإن شاء أخذ منه الثمن وأجاز البيع، وإن شاء أخذ من المبتاع ما قبض فيها من القاتل، ثم يرجع المبتاع على الغاصب بالثمن. ولو كان المبتاع هو الذي قتلها، فلربها أخذه بقيمتها يوم القتل، ثم يرجع المبتاع على الغاصب بالثمن. قال ابن القاسم: وإنما ضمن المبتاع قيمتها، لأن مالكاً قال فيمن ابتاع طعاماً فأكله، أو ثياباً فلبسها حتى أبلاها، ثم استحق ذلك [مستحق] : إن المستحق يأخذ من المبتاع مثل طعامه وقيمة الثياب، وإنما وضع عن المبتاع موت الجارية، لأنه من أمر الله تعالى [يعرف] . (¬1) وكذلك ما عرف هلاكه من [أمر] الله تعالى من الثياب والطعام، فلا يضمنه المبتاع. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/277، 290) .

وكذلك إن قطع المبتاع يدها أو فقأ عينها، فلربها أخذها ويضمن المبتاع ما نقصها ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب، وإن شاء ربها أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب، أو أغرمه القيمة يوم الغصب. وكذلك من اشترى ثوباً من غاصب ولم يعلم، فلبسه لبساً ينقصه ثم استحق، فالجواب [فيه] كما ذكرنا في قطع المبتاع يد الأمة، ولو كان ذهاب عين الجارية، أو قطع يدها عند المبتاع بأمر من الله تعالى من غير سببه، لم يضمن المبتاع ذلك، والمغصوب منه مخير في أخذ جاريته ناقصة، ولا شيء له على المبتاع ولا على الغاصب، أو يأخذ من الغاصب الثمن أو القيمة يوم الغصب. ومن غصب عبداً أو دابة فباعها ثم استحقها رجل وهي بحالها، فليس له تضمين الغاصب قيمتها وإن حالت الأسواق، وإنما له أن يأخذها أو يأخذ الثمن من الغاصب، كما لو وجدها بيد الغاصب قد حال سوقها، فليس له تضمينه قيمتها إلا أن تتغير في بدنها، وإن أجاز ربها البيع بعد أن هلك الثمن بيد الغاصب، فإن الغاصب يغرمه. وليس الرضا ببيعه، يوجب له حكم الأمانة في الثمن. 3535 - وإذا باع الغاصب الأمة، فولدت عند المبتاع أو ماتت، ثم أجاز ربها البيع، فذلك جائز. وإن أقمْت شاهداً أن فلاناً غصبك هذه الأمة، وشاهداً آخر على إقرار الغاصب

أنه غصبكها، تمت الشهادة، ولو شهد أحدهما أنها لك وشهد الآخر أنه غصبكها، فقد اجتمعا على إيجاب ملكك لها، فيقضى لك بها، ولم يجتمعا على إيجاب الغصب. فإن دخل الجارية نقص، كان لك أن تحلف مع الشاهد بالغصب، ويضمن الغاصب القيمة. 3536 - ومن أقام شاهداً أن هذه الأرض له، وشاهداً آخر أنها [في] حيزه، قضي له بها، لأنهما قد اجتمعا على الشهادة، ومعنى حيزه كقولك: هذا حيز فلان، [وهذا حيز فلان] . 3537 - ومن غصب أمة بعينها بياض فباعها، ثم ذهب البياض عند المبتاع، فأجاز ربها البيع، ثم علم بذهاب البياض فقال: إنما أجزت ولم أعلم بذهابه وأما الآن فلا أجيزه، لم يلتفت إلى قوله ولزمه البيع. وقد قال مالك في المكتري: يتعدى [في] المسافة، فتضل الدابة فيغرم قيمتها ثم توجد: فهي للمتعدي، ولا شيء لربها فيها، ولو شاء لم يَعْجَل.

ومن غصب أمة فباعها، فقام ربها وقد أعتقها المبتاع، فله أخذها ونقض العتق، نقصت أو زادت، وله أن يجيز البيع، فإن أجازه تم العتق بالعقد الأول، والعتق منعقد بظاهر الشراء، والبيع لم يزل جائزاً إلا أن للمستحق فيه الخيار. 3536 - ومن باع أمة ثم أقر أنه غصبها من فلان، لم يصدق على المبتاع، ويضمن لربها قيمتها يوم غصبها، إلا أن يشاء ربها أخذه بالثمن، فذلك له. 3537 - ومن ابتاع أمة من غاصب ولم يعلم [به] ، ثم ابتاعها الغاصب من ربها، فليس للغاصب نقض ما باع، لأنه تحلل صنيعه وكأنه غرم القيمة له. ولو باعها ربها من رجل غير الغاصب ممن رآها وعرفها، كان نقضاً لبيع الغاصب، وللمبتاع أخذها من الذي اشتراها من الغاصب. 3538 - وإن باع الغاصب ما غصب، ثم علم المبتاع بالغصب والمغصوب منه غائب، فللمبتاع رد البيع بحجة أنه يضمنه، ويصير ربه مخيراً عليه إذا قدم. وليس للغاصب أن يقول: أنا أستأْني رأي صاحبها. ولو حضر المغصوب منه فأجاز البيع، لم يكن للمبتاع رده، وكذلك من افتيت عليه في بيع سلعته في غيبة ربها أو حضوره.

وإن أقمت بينة على رجل أنه غصبك جارية لا يدرون قيمتها وقد هلكت، قيل لهم: صفوها! وتُقوّم تلك الصفة. وإن شهدت البينة أنه غصبك ثوباً أو جارية، لا يدرون لمن تلك الجارية أو الثوب، فذلك تمليك، ويقضى عليه برد ذلك إليك. 3539 - وإذا ادعى الغاصب هلاك ما غصب من أمة أو سلعة، واختلفا في صفتها، صدق الغاصب في الصفة مع يمينه، فإن جاء بما لا يشبه صدق المغصوب منه في الصفة مع يمينه، ولو قضينا بقول الغاصب في القيمة ثم ظهرت السلعة، أو الأمة عنده بعد الحكم، فإن علم أنه أخفاها، فلربها أخذها ورد ما أخذ، وإن لم يعلم ذلك لم يأخذها [ربها، قال ابن القاسم:] إلا أن يظهر أفضل من تلك الصفة بأمر بين، فلربها الرجوع بتمام القيمة، وكأن الغاصب لزمته القيمة فجحد بعضها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/299) .

3540 - ومن غصب أو انتهب صرة ببينة، ثم قال: كان فيها كذا، والمغصوب يدعي أكثر، فالقول قول الغاصب مع يمينه. 3541 - وإذا ولدت الأمة بيد الغاصب من وطئه، أو من زوج تزوجها علم أنها أمة ولم يعلم بالغصب، أو ولدت من زناً، فلربها أخذها وأخذ الولد رقاً، ويحد الغاصب في وطئه إن أقر بالوطء، ولا يثبت نسب ولده، ويثبت نسب ولد الزوج ويكون رقاً، إلا أن يتزوجها أنها حرة، فيكون عليه لربها قيمة الولد ويكون حراً. 3542 - ومن ابتاع أمة [من غاصب] فأعتقها، فليأخذها ربها، وينتقض العتق إن قامت له بينة أنها غُصبت منه أو سرقت، أو أنها له ولم تذكر البينة غير ذلك، وإذا ولدت من المبتاع فمذكور في كتاب الاستحقاق. 3543 - ومن ابتاع ثوباً من غاصب ولم يعلم فلبسه حتى أبلاه ثم استحق، غرم المبتاع لربه قيمته يوم لبسه، وإن شاء ربه ضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، أو أجاز البيع وأخذ الثمن.

ولو تلف الثوب من عند المبتاع [بأمر من الله تعالى، لم يضمنه، ولو تلف عند الغاصب] بأمر من الله، ضمنه. ومن غصب من رجل طعاماً أو إداماً فاستهلكه، فعليه مثله بموضع غصبه، فإن لم يجد هناك مثلاً، لزمه أن يأتي بمثله، إلا أن يصطلحا على أمر جائز. فإن لقيه ربه بغير البلد الذي غصبه فيه لم يقض عليه هناك بمثله ولا بقيمته، وإنما له عليه مثله بموضع غصبه فيه. 3544 - وأما العروض والرقيق والحيوان، فله قيمة ذلك ببلد الغصب يوم الغصب يأخذه بتلك القيمة أينما لقيه من البلدان، نقصت القيمة في غير البلد أو زادت. وما أثمر عند الغاصب من نخل أو شجر، أو تناسل من الحيوان، أو جز من الصوف، أو حلب من اللبن، فإنه يرد ذلك كله مع ما اغتصب لمستحقه، وما أكل رد المثل فيما له مثل، والقيمة فيما لا يقضى بمثله.

وليس له اتباع المستحق بما أنفق في ذلك، وسقى، وعالج، ورعى، ولكن له المقاصة بذلك فيما بيده من غلة، وإن عجزت الغلة عن ذلك، لم يرجع على المستحق بشيء، وإن ماتت الأمهات وبقي الولد، أو ما جز منها وحلب، خير ربها: فإما أخذ قيمة الأمهات ولا شيء له فيما بقي من ولد، أو صوف، أو لبن [ونحوه] ولا في ثمنه إن بيع، وإن شاء أخذ الولد إن كان ولد، أو ثمن ما بيع من صوف، أو لبن ونحوه. وما أكل الغاصب أو انتفع به من ذلك، فعليه المثل فيما له المثل، والقيمة فيما يقوّم، ولا شيء عليه من قبل الأمهات، ألا ترى أن من غصب أمة ثم باعها فولدت عند المبتاع ثم ماتت، فليس لربها أن يأخذ أولادها، وقيمة الأمة من الغاصب، وإنما له أخذ الثمن من الغاصب أو قيمتها يوم الغصب أو يأخذ الولد من المبتاع، ثم لا شيء له عليه [ولا على الغاصب] من قيمة الأم، ولكن للمبتاع الرجوع على الغاصب بالثمن. ولا يجتمع على الغاصب غرم ثمنها وقيمتها. 3545 - وكل ربع اغتصبه غاصب فسكنه أو اغتله، أو أرضاً فزرعها، فعليه كراء ما سكن أو زرع لنفسه، وغرم ما أكراها به من غيره ما لم يحاب، وإن لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها، فلا شيء عليه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/28) .

3546 - وما اغتصب أو سرق من دواب أو رقيق، فاستغلها شهوراً، أو طال مكثها بيده، أو أكراها وقبض كراها، فلا شيء عليه في ذلك، وله ما قبض من كرائها، وإنما لربها عين شيئه، وليس له أن يلزمه قيمتها إذا كانت على حالها لم تتغير في بدن، ولا ينظر إلى تغير سوق. 3547 - ولو استعمل الدابة حتى أعجفها أو أدبرها، فتغيرت في بدنها، فلربها أن يضمنه قيمتها يوم غصبها أو سرقها، وإلا أخذها ولا كراء له، ولم يكن على الغاصب أو السارق كراء ما ركب من الدواب، بخلاف ما سكن من الربع أو زرع، لأنه أنفق عيهم، وهو لو أنفق على الصغير من رقيق أو حيوان حتى كبر، كان لمستحقه أخذه بزيادته، ولم يكن له ما أنفق أو أعلف أو كسا، ولو كان ذلك ربعاً وأحدث فيه عملاً، كان له أخذ ما أحدث فيه، فهذه وجوه مفترقة. وأما المكتري أو المستعير يتعدى المسافة تعدياً بعيداً، أو يحبسها أياماً كثيرة ولم يركبها ثم يردها بحالها، فربها مخير في أخذ قيمتها يوم التعدي،

أو يأخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة، وله في الوجهين على المكتري الكراء الأول. والغاصب أو السارق ليس عليه في مثل هذا قيمة ولا كراء إذا ردها بحالها. ابن القاسم: ولولا ما قاله مالك لجعلت على السارق كراء ركوبه [إياها] ، وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها كالمكتري، ولكن آخذ فيها بقول مالك. ولقد قال جُلّ الناس إن الغاصب والسارق والمكتري والمستعير، بمنزلة واحدة لا كراء عليهم، [وليس عليهم] إلا القيمة، أو يأخذ دابته. قال ابن القاسم: وإذا زاد مكتري الدابة أو مستعيرها في المسافة ميلاً أو أكثر،

فعطبت، ضمن وخيّر ربها، فإما ضمّنه قيمتها يوم التعدي ولا كراء له في الزيادة، وإما ضمّنه كراء الزيادة ولا شيء له من قيمتها، وله على المكتري الكراء الأول على كل حال. ولو ردها بحالها والزيادة يسيرة، مثل البريد أو اليوم وشبهه، لم يلزمه قيمتها، ولا يضمن إلا كراء الزيادة فقط. 3548 - وما مات من الحيوان، أو انهدم من الربع بيد غاصبه بقرب الغصب، أو بغير قربه بغير سبب الغاصب، فإنه يضمن قيمة ذلك يوم الغصب. 3549 - ومن استعار دابة ليشيع عليها رجلاً إلى ذي الحليفة فبلغها، ثم تنحى قريباً، فنزل ثم رجع، فهلكت في رجوعه، فإن كان الذي تنحى إليه مثل منازل الناس، لم يضمن، وإن جاوز منازلهم ضمن. ولا تحمل العاقلة دم العبد، عمداً كان قتله أو خطأ. 3550 - ومن وهب لرجل طعاماً، أو إداماً فأكله، أو ثياباً فلبسها حتى أبلاها، ثم استحق ذلك رجل، فليرجع بذلك على الواهب إن كان ملياً، فإن كان عديماً أو لم يقدر عليه رجع بذلك على الموهوب، ثم لا يرجع الموهوب على الواهب بشيء. وكذلك لو أعاره الغاصب هذه الثياب فلبسها

لبساً ينقصها، فعلى ما ذكرنا، ثم لا يرجع المستعير بما يغرم من نقص الثوب على المعير، وأما إن كرى منه الثوب فلبسه لبساً ينقصه، فلربه أن يأخذ ثوبه من اللابس ويضمّنه ما نقص اللبس، ثم للمكتري الرجوع على الغاصب بجميع الكراء ويصير كالمشتري. 3551 - ومن ادعى على رجل غصباً وهو ممن لا يتهم بهذا عوقب المدعي، وإن كان متهماً بذلك نظر فيه الإمام وأحلفه، فإن [حلف برئ، وإن] نكل لم يقض عليه حتى ترد اليمين على المدعي كسائر الحقوق. وفي كتاب الشهادات ذكر المرأة تدعي أن فلاناً استكرهها. 3552 - وإذا قال الغاصب: غصبت الثوب خَلِقاّ، وقال رب الثوب: بل كان جديداً، صدق الغاصب مع يمينه، فإن حلف أدى قيمته خلقاً، فإن قامت بينة تشهد أنه غصبه جديداً، فإن كان ربه عالماً بالبينة فلا شيء له، وإن لم يكن عالماً

رجع بتمام القيمة، وهذا في كل الحقوق، [و] حلف عند السلطان أو عند غيره. 3553 - ومن غصب ثوباً فصبغه، خُيّر صاحبه في أن يأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه، أو يعطيه قيمة صبغه ويأخذ الثوب، [ولا يكونان شريكين في الغصب] . 3554 - ومن غصب حنطة فطحنها دقيقاً، فأحب ما فيه إلي أن يضمن مثل الحنطة. ومن غصب لرجل سوارين من ذهب فاستهلكهما، فعليه قيمتهما مصوغين من الدراهم، وله أن يؤخره بتلك القيمة، وكذلك من غصب لرجل ثوباً فحكم عليه بقيمته، فلا بأس أن يؤخره بها، وأما من كسر لرجل سوارين، فإنما عليه قيمة الصياغة، لأنه إنما أفسد له صنعة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/85) .

ومن بيده [سلعة] وديعة [أو عارية] أو بإجارة، وربها غائب، فادعاها رجل وأقام بينة أنها له، فليقض له بها، لأن الغائب يقضى عليه بعد الاستيناء، إلا أن يكون ربها بموضع قريب، فيتلوم له القاضي ويأمر أن يكتب إليه حتى يقدم. 3555 - ومن غصب لرجل قمحاً، ولآخر شعيراً فخلطهما، فعليه لكل واحد مثل طعامه. ومن غصب خشبة أو حجراً فبنى عليها، فلربه أخذها وهدم البناء. وكذلك إن غصب ثوباً فجعله ظهارة لجبة، فلربه أن يأخذها أو يضمنه قيمة الثوب، ولو عمل الغاصب من الخشبة باباً، أو غصب تراباً فعمله بلاطاً، أو حنطة فزرعها فحصد منها [حباً] كثيراً، أو سويقاً فلته بسمن، أو غصب فضة فصاغها حلياً، أو ضربها دراهم، أو غصب حديداً، أو نحاساً، أو رصاصاً فعمل منه قدوراً أو سيوفاً، أو أتلفه، فعليه في ذلك كله مثل ما غصب في صفته ووزنه وكيله، أو القيمة فيما لا يكال ولا يوزن. (¬1) وكذلك في السرقة، لأن من ابتاع ما يكال أو يوزن بيعاً حراماً فأتلفه، فإنما عليه مثل صفته ووزنه أو كيله، فكذلك الغصب. ¬

(¬1) انظر: المدونة (14/363) ، والتاج والإكليل (5/280) .

3556 - ومن غصب ودياً صغاراً من نخل، أو شجراً صغاراً فقلعها وغرسها في أرض فصارت بواسق، فلربها أخذها، [كصغير من الحيوان يكبر، وإن غصب مسلم خمراً من مسلم فخللها، فلربها أخذها] . ومن ملك من المسلمين خمراً فليهرقها، فإن اجترأ فخللها فليأكلها. 3557 - ومن غصب جلد ميتة غير مدبوغ فعليه - إن أتلفه - قيمته، كما لا يباع كلب ماشية أو زرع أو صيد، وعلى قاتله قيمته ما بلغت. ولم يؤقت مالك أن في كلب الماشية شاة، وفي كلب الصيد

أربعين درهماً، وفي كلب الزرع فرقاً من طعام، وإنما على قاتله قيمته. وكره مالك بيع جلود الميتة والصلاة فيها أو عليها، دبغت أو لم تدبغ، ولكن إذا دبغت جاز الجلوس عليها، وتفرش وتمتهن للمنافع، ولا تلبس. قيل لمالك: أيستقى بها؟ قال: أما أنا فأتقيها في خاصة نفسي، ولا أحب أن أضيق على الناس، وغيرها أعجب إلي منها. وإذا ذكيت جلود السباع، جاز أن تلبس وتباع ويصلى عليها، دبغت أو لم تدبغ. 3558 - وليس كل غاصب محارباً، لأن السلطان يغصب فلا يعد محارباً.

والمحارب: القاطع للطريق، أو من دخل على رجل بيته فكابره على ماله، أو كابره عليه في طريق بعصاً أو بسيف أو بغير ذلك. 3559 - ومن غصب شيئاً ثم أودعه فهلك عند المودع، فليس لربه تضمين المودع إلا أن يتعدى. 3560 - قيل لمالك: يا أبا عبد الله! إنا نكن في ثغورنا بالإسكندرية، فيقال لنا: إن الإمام يقول: لا تحرسوا إلا بإذني، [قال مالك:] ويقول أيضاً: لا تصلوا إلا بإذني، فلا يلتفت إلى قوله وليحرس الناس. 3561 - ومن أقر أنه غصبك هذا الخاتم، ثم قال: وفصه لي، أو أقر لك بجبة، ثم قال: وبطانتها لي، أو أقر [لك] بدار، ثم قال: وبناؤها لي، لم يصدق إلا أن يكون كلامه نسقاً. ومن غصب أرضاً فغرس فيها غرساً، أو بنى [بناءً] ثم استحقها رجل، قيل للغاصب: اقلع البناء والأصول، إن كان لك فيه منفعة، إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة البناء والأصل مقلوعاً.

وكل ما لا منفعة فيه للغاصب بعد القلع كالجص والنقش، فلا شيء له فيه. وكذلك [كل] ما حُفِر من بئر أو مطمر، فلا شيء له في ذلك. ومن غصب لذمي خمراً فأتلفها، فعليه قيمتها يقومها من يعرف القيمة من المسلمين. 3561 - وإذا تظالم أهل الذمة في غصب الخمر أو فسادها، قضينا بينهم فيها، إذ هي من أموالهم، ولا أقضي بينهم في تظالمهم في الربا، وترك الحكم بينهم في الربا أحب إلي

لقول الله عز وجل: ×فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ% [المائدة: 42] . 3562 - وإذا دُفن رجل وامرأة في قبر، جعل الرجل مما يلي القبلة، قيل: فهل يجعل بينهما حاجز من الصعيد، أو يدفنان في قبر واحد من غير ضرورة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئاً [إلا ما أخبرتك] . وعصبة المرأة أولى بالصلاة عليها من زوجها، وزوجها أحق منهم بغسلها وإدخالها في قبرها، ويُدخلها [أيضاً] في قبرها ذوو محارمها، فإن اضطر إلى الأجنبيين، جاز أن يُدخلوها في قبرها. (¬1) 3563 - ومن اشترى أرضاً فحفر فيها مطامر أو آباراً، أو بنى فيها، ثم استحقها رجل، قيل له: ادفع إلى المبتاع قيمة العمارة والبناء وخذ أرضك بما فيها، فإن أبى، قيل للمبتاع: اغرم له قيمة أرضه وخذها واتبع من اشتريت منه بالثمن، فإن أبى ¬

(¬1) انظر: منح الخليل (7/168) .

كانا شريكين [فيها] ، هذا بقيمة أرضه والمبتاع بقيمة ما أحدث، وكذلك من أحيا أرضاً وهو يظن أنها مواتاً ليست لأحد، ثم استحقها رجل، قيل له: ادفع قيمة العمارة، فإن أبى قيل لهذا: أعطه قيمة الأرض، فإن أبى كانا شريكين في الأرض والعمارة، هذا بقيمة أرضه، وهذا بقيمة العمارة. وقد اختلف في هذه المسألة، قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت. 3566 - وإن حفر المبتاع في الأرض بئراً، أو عمرها بأصل جعله فيها، ثم استحق رجل نصف الأرض وأراد الأخذ بالشفعة، قيل له: ادفع إلى المبتاع قيمة نصف ما عمر وخذ نصف الأرض باستحقاقك، ولا شفعة لك في النصف الآخر حتى تدفع للمبتاع نصف قيمة ما عمر، فإن أبى من دفع ذلك فيما استحق واستشفع قيل للمبتاع: ادفع [إليه] نصف [قيمة] الأرض الذي استحق، وارجع على البائع بنصف الثمن، فإن أبى كانا شريكين في [ذلك] النصف، للمستحق فيه بقدر ما استحق

وللمبتاع بقدر ما عمر، ويكون للمبتاع النصف الآخر ونصف ما أحدث. قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت فيها. 3567 - ومن مات وعليه دين وترك دنانير أو دراهم، فشهد قوم أن الميت غصب هذه الدنانير أو هذه الدراهم بأعيانها من فلان، فإن عرفوها بأعيانها، فهو أحق بها من غرماء الميت. * * *

(كتاب الاستحقاق)

(كتاب الاستحقاق) 3568 - ومن اكترى أرضاً سنين، للبناء، والغرس، والزرع، فبنى فيها أو غرس أو زرع، وكانت تزرع السنة كلها، ثم قام مستحق قبل تمام المدة، فإن كان الذي أكراها مبتاعاً، فالغلة له بالضمان إلى يوم الاستحقاق، وللمستحق أن يجيز كراء بقية المدة أو يفسخ، فإن أجاز فله حصة الكراء من يومئذ، ثم له بعد تمام المدة أن يدفع إلى المكتري قيمة البناء والغرس مقلوعاً، أو يأمره بقلعه. (¬1) 3569 - وإن فسخ الكراء قبل تمام المدة، لم يكن له قلعه، ولا أخذه بقيمته مقلوعاً، ولكن يقال له: ادفع قيمة البناء والغرس قائماً، فإن أبى قيل للمكتري: أعطه قيمة أرضه، فإن أبى كانا شريكين، وكان عليه في الزرع إذا فسخ الكراء، الصبر إلى انقضاء البطن الذي أدرك، وله فيها الكراء من يومئذ على حساب السنة. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/368) ، والكافي (1/370) ، ومواهب الجليل (6/12) .

وإن كانت أرضاً تزرع في السنة مرة، فاستحقها وهي مزروعة قبل فوات إبان الزريعة، فكراء تلك السنة للمستحق، وليس له قلع زرعه، لأن المكتري زرع بوجه شبهة. ولو كان الزارع غاصباً، كان لرب الأرض قلعه إن كان في إبان الزراعة. وإن استحقها بعد إبان الزراعة وقد زرعها مشتريها أو مكتري منه، فلا كراء للمستحق في تلك السنة، وكراؤها للذي أكراها إن لم يكن غاصباً، وكانت بيده بشراء أو ميراث. وكذلك إن سكن الدار مشتريها، أو أكراها أمداً، ثم استحقها رجل بعد الأمد، فلا كراء له وكراؤها للمبتاع. وإذا كان مكري الأرض لا يُعلم أغاصب هو أم مبتاع، فزرعها المكتري منه ثم استحقت، فمكريها كالمشتري حتى يُعلم أنه غاصب. وإن كان مكري الأرض وارثاً ثم طرأ له أخ شريكه لم يعلم به أو علم به، فإنه يرجع على أخيه بحصته من الكراء إن لم يحاب، فإن حابى في الكراء رجع على أخيه بالمحاباة إن كان ملياً، وإن لم يكن له مال رجع على المكتري. وقال غيره: بل يرجع في المحاباة على المكتري في ملائه وعدمه، كان أخوه

ملياً أو معدماً، إلا أن يعلم الأخ أن معه وارثاً فيرجع عليه أخوه في عدم المكتري. قال ابن القاسم: وأما إن سكنها الوارث أو زرع فيها لنفسه، ثم طرأ له أخ لم يعلم به، فالاستحسان أن لا رجوع لأخيه عليه بشيء، بخلاف الكراء إلا أن يكون به عالماً، فيغرم له نصف كرائها. وقد روى [علي بن زياد] عن مالك أن له [عليه كراء] نصف ما سكن، ولو كان إنما ورث الأرض عن أخيه فأكراها ممن زرعها ثم قدم ولد للميت حجبه، فليس له قلع الزرع وله الكراء، قدم في إبان الحرث أو بعده، لأنها لو عطبت كانت في ضمان القادم، وإنما الذي يدخل مع الورثة فيشاركهم في الكراء والغلة من دخل معهم في الميراث بسبب واحد.

3570 - فأما من استحق داراً بوراثة أو بغير وراثة من يد من ابتاعها أو ورثها من أبيه، فإنما له الكراء من يوم استحق، ولا كراء له فيما مضى إلا أن تكون الدار بيد غاصب. (¬1) 3571 - ومن اكترى أرضاً بعبد أو بثوب فاستحق، أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه فاستحق ذلك، فإن كان استحق قبل أن يزرع أو يحرث انفسخ الكراء، وإن كان بعدما زرع أو أحدث فيها عملاً، فعليه قيمة كراء الأرض. 3572 - ومن ابتاع من رجل طعاماً بعينه، ففارقه قبل أن يكتاله، فتعدى البائع على الطعام فباعه، فعليه أن يأتي بطعام مثله، ولا خيار للمبتاع في أخذ دنانيره. ولو هلك الطعام بأمر من الله تعالى انتقض البيع، وليس للبائع أن يأتي بطعام مثله ولا ذلك عليه. 3573 - ومن اكترى داراً سنة من غير غاصب، فلم ينقده الكراء حتى استحقت الدار في نصف السنة، فكراء ما مضى للأول، وللمستحق فسخ ما بقي أو الرضا به، فيكون له بقية كراء السنة، فإن أجاز الكراء، فليس للمكتري أن يفسخ الكراء ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/210) .

فراراً من عهدته إذ لا ضرر عليه، لأنه يسكن، فإن انهدمت الدار أدى بحساب ما سكن. ولو انتقد الأول كراء السنة كلها، لدفع إلى المستحق حصة باقي المدة إن كان مأموناً، ولم يخف من دين أحاط به ونحوهن ولا يرد باقي الكراء على المكتري. ومن اكترى داراً فهدمها تعدياً ثم قام مستحق، فله أخذ النقض إن وجده، وقيمة الهدم من الهادم، ولو كان المكري قد ترك للمكتري قيمة الهدم قبل الاستحقاق لرجع بها المستحق على الهادم، كان ملياً أو معدماً، لأن ذلك لزم ذمته بالتعدي، ولا يرجع على المكري، إذ لم يتعد، وفعل ما يجوز له، وهو كمن ابتاع عبداً فسرقه منه رجل [ثم هلك بيده] فترك له قيمته، ثم قام [مستحقه] ، فإنما يتبع السارق خاصة. ولو باع النقض هادمه، كان عليه للطالب إن شاء الثمن الذي قبض فيه أو قيمته. ولو هدمها المكري، لم يلزمه لربها قيمته، وإنما له النقض بعينه إن وجده، وإن بيع فله ثمنه. 3574 - ومن ابتاع داراً فاستحق منها بيتاً بعينه، فإن كان اليسير من الدار مثل دار

عظمى لا يضرها ذلك، لزم البيع في بقيتها، ورجع بحصة ما استحق منها. وكذلك النخل الكثيرة يستحق منها النخلات اليسيرة. وأما إن استحق نصف الدار، أو جلها، أو دون النصف مما يضر بالمشتري، فهو مخير في ردها كلها وأخذ الثمن، أو التمسك بما لم يستحق منها بحصته من الثمن، إن كان الذي استحق النصف رجع بنصف الثمن، وإن كان الثلث رجع بثلث الثمن. (¬1) والذي يكتري داراً فيستحق منها شيء، فهو مثل ما وصفنا في البيوع. وقال غيره: ليس الكراء كالشراء في هذا، وليس للمكتري التماسك بما بقي إن استحق نصف الدار أو جلها، لأن ما بقي مجهول. [وقال سحنون: يعني إن اختلف قيمة كراء الشهور، وأما إن لم يختلف فليس ذلك بمجهول] . 3575 - ومن ابتاع داراً أو عبيداً من غاصب ولم يعلم، فاستغلهم زماناً ثم استحقوا، ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/376) .

فالغلة للمبتاع بضمانه، وكذلك إن ورثهم عن أبيه ولم يدر بما كانوا لأبيه، فاستغلهم ثم استحقوا، فالغلة للوارث، ولو وهب ذلك لأبيه رجل، فإن علم أن الواهب لأبيه هو الذي غصب هذه الأشياء من المستحق، أو من رجل هذا المستحق وارثه، فغلة ما مضى للمستحق، فإن جهل أمر الواهب أغاصب هو أم لا؟ فهو على الشراء حتى يعلم أنه غاصب. 3576 - ومن غصب داراً أو عبيداً فوهبهم لرجل فاغتلهم وأخذ كراهم، ثم قام مستحق فإن كان الموهوب له عالماً بالغصب، فللمستحق الرجوع بالغلة على أيهما شاء وإن لم يعلم الموهوب بالغصب، فإن المستحق يرجع أولاً بالغلة على الغاصب، فإن كان عديماً رجع بها على الموهوب. (¬1) وكذلك من غصب ثوباً أو طعاماً فوهبه لرجل فأكله، أو لبس الثوب فأبلاه، أو كانت دابة فباعها وأكل ثمنها، ثم استحقت هذه الأشياء بعد فواتها بيد الموهوب، فعلى ما ذكرنا. ولو أن الغاصب نفسه استغل العبد، أو أخذ كراء الدار، لزمه أن يرد الغلة والكراء للمستحق. 3577 - ولو مات الغاصب وترك هذه الأشياء ميراثاً فاستغلها ولده، كانت هذه الأشياء وغلتها للمستحق، [ويرجع على الولد بما استغل أو استأجر] . [قال ابن القاسم:] والموهوب لا يكون في عدم الواهب أحسن حالاً ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/291) .

من الوارث، ألا ترى أن من ابتاع قمحاً فأكله، أو ثياباً فلبسها حتى أبلاها، أو شاة فذبحها وأكل لحمها، ثم استحق ذلك رجل أن له على المبتاع مثل طعامه، أو قيمة ما لا مثل له ن الثياب وغيرها، ولا يضع ذلك عنه أنه اشتراه، فإن هلك ذلك بيد المبتاع بغير سببه وانتفاعه، فإن لم يعلم بالغصب وقامت بهلاك ما يغاب عليه من ذلك بينة، فلا شيء عليه، ولا يضمن ما هلك من الحيوان، أو الربع، أو انهدم بغير سببه، فكما كان المشتري حين أكل ولبس لم يضع عنه الاشتراء الضمان، كان من وهبه غاصب، فاستغل أحرى أن يرد ما استغل في عدم الواهب، لأنه أخذ هذه الأشياء بغير ثمن. 3578 - ولو نزل عبد ببلد فادعى الحرية فاستعمله رجل [في عمل] ، فعمل له عملاً له بال من بناء أو غيره بغير أجر، أو وهبه مالاً، فلربه إذا استحقه أخذ قيمة عمله ممن استعمله، إلا أن يكون عملاً لا بال له كسقي الدابة، ويأخذ من [ذلك] الموهوب ما وهب له، وما أكله الموهوب، أو باعه فأخذ ثمنه فعليه غرمه، وما هلك من ذلك بيد الموهوب بغير سببه، فلا شيء له عليه بخلاف الغاصب، لأن الغاصب لو هلكت هذه الأشياء عنده بغير سببه ضمنها، ولو اغتلها رد الغلة، والموهوب لو اغتلها ولم يعلم بالغصب، لم يلزمه رد الغلة إلا في عدم الواهب.

ولو هلكت عنده بغير سببه لم يضمن، لأنه لم يتعد إلا أن يغتلها وقد علم بالغصب، فيصير كالغاصب سواء. 3579 - ومن ابتاع من غاصب - ولم يعلم - دوراً، أو أرضين، أو ثياباً، أو حيواناً، أو ماله غلة، أو نخلاً، فأثمرت عنده، فالغلة والثمرة للمبتاع بضمانه إلى يوم يستحقها ربها، ولو كان الغاصب إنما وهبه ذلك لرجع المستحق بالغلة على الموهوب في عدم الغاصب، لأن الموهوب لم يضمن في ذلك ثمناً أداه، ويكون للموهوب من الغلة قيمة عمله وعلاجه. 3580 - ومن ابتاع سلعة بدنانير فدفع فيها دراهم، ثم استحقت السلعة أو ردها بعيب، فإنما يرجع بما دفع من العين بعضه عن بعض، ولو دفع في الدنانير عرضاً لم يرجع على البائع إلا بالدنانير، ولو استحق هذا العرض من يد البائع رجع على المبتاع بالدنانير، لأن أخذه لهذا العرض لم يكن ثمناً للسلعة التي باع، وإنما هي صفقة ثانية، كما لو قبض الدنانير من المبتاع ثم ابتاع بها منه سلعة أخرى فاستحقت من يده فإنما يرجع عليه بالدنانير. 3581 - ومن ابتاع أمة فوطئها وهي ثيب، أو بكر فافتضها، ثم استحقت بملك أو حرية، فلا شيء عليه للوطء، ولا صداق ولا ما نقصها، فإن أولدها المبتاع فلمستحقها بالملك أخذها إن شاء مع قيمة ولدها يوم الحكم عبيداً، وعلى هذا جماعة

الناس، وقاله مالك، وأخذ به ابن القاسم ثم رجع عنه مالك فقال: يأخذ قيمتها، لأن في ذلك ضرراً على المبتاع، ويأخذ قيمة الولد أيضاً [يومئذ] ٍ، فإن أُخذت الأمة من المبتاع على أحد قولي مالك رجع بالثمن على بائعه، ولا يرجع بما أدى من قيمة الولد، كما لو باع من رجل عبداً سارقاً ودلس له به فسرق متاعه، لم يضمن البائع ذلك، فإن أخذ منه المستحق الأمة وألفاه عديماً أتبعه بقيمة الولد ديناً، وإن كان الولد ملياً أدى القيمة، ثم لا يرجع بها على أبيه إن أيسر، وإن كانا مليين فذلك على الأب، ولا يرجع به الأب على الولد، وإن كانا عديمين أتبع أولهما يسراً، ولا يؤخذ من الابن قيمة الأم في عدم الأب أو يسره،

[وقال غيره: لا شيء على الابن من قيمة نفسه في عدم الأب أو يسره] . قال ابن القاسم: وليس للمستحق فيمن مات من الولد قيمة، وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس وفي الجراح وفي الغرة قبل الاستحقاق أو بعده، ولا يضع القصاص عن القاتل استحقاق هذه الأمة، لأنه حر، ومن قتل من الولد خطأ فديته كاملة للأب، وعليه لسيد الأمة الأقل من قيمة الولد يوم القتل عبداً، أو ما أخذ من ديته، وإن قتل عمداً فاقتص الأب من قاتله، لم يكن على الأب فيهم قيمة، ويغرم قيمة الولد الحي وإن جاوزت الدية. ولو قطعت يد الولد خطأ فأخذ الأب ديتها ثم استحقت أمه، فعلى الأب للمستحق قيمة الولد أقطع اليد يوم الحكم فيه، وينظر كم قيمة الولد صحيحاً وقيمته أقطع اليد يوم جني عليه، فيغرم الأب الأقل مما بين القيمتين أو ما قبض في دية اليد، فإن كان ما بين القيمتين أقل، كان ما فضل من دية اليد للأب. ولو ضرب رجل بطن هذه الأمة وهي حامل من سيدها فألقت جنيناً ميتاً، فللأب عليه غرة [عبد أو وليدة] كالحر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من

عشر قيمة أمه يوم ضرب بطنها، وليس على المبتاع ما نقصتها الولادة، لأنها لو ماتت لم تلزمه قيمتها، لأنه مبتاع. وقد تقدم في كتاب الغصب ذكر الأمة تلد من الغاصب، وفي كتاب النكاح ذكر الأمة تزوج نفسها أو يزوجها أجنبي على أنها حرة. 3582 - ومن بنى داره مسجداً ثم استحقها رجل، فله هدمه، كمن ابتاع عبداً فأعتقه ثم استحق، فلربه رد العتق. 3583 - ومن ابتاع ثياباً كثيرة، أو صالح بها من دعواه، فاستحق بعضها أو وجد بها عيباً قبل قبضها أو بعد، فإن كان ذلك أقلها رجع بحصته من الثمن فقط، وإن كان وجه الصفقة، انتقض ذلك كله ورد ما بقي، ثم لا يجوز أن يتماسك بما بقي بحصته من الثمن وإن رضي البائع، إذ لا يعرف حتى يقوّم وقد وجب الرد، فصار بيعاً مؤتنفاً بثمن مجهول، ولو كان ما ابتاع مكيلاً أو موزوناً، فإن استحق القليل [منه] رجع بحصته من الثمن ولزمه ما بقي، وإن كان كثيراً فهو مخير في أن

يحبس ما بقي بحصته من الثمن أو يرده، وكذلك في جزء شائع مما لا ينقسم، لأن حصته من الثمن [معلومة قبل الرضا به، ومن ابتاع سلعاً كثيرة في صفقة واحدة، فإنما يقع لكل سلعة منها حصتها من الثمن] يوم وقعت الصفقة. 3584 - ومن ابتاع صبرة قمح وصبرة شعير جزافاً في صفقة بمائة دينار، على أن لكل صبرة خمسين ديناراً، أو ثياباً أو رقيقاً، على أن لكل عبد أو ثوب من الثمن كذا وكذا، فاستحقت إحدى الصبرتين أو أحد العبيد أو الثياب، فإن الثمن ينقسم على جميع الصفقة، فما أصاب الذي استحق من الثمن وضع عن المبتاع، ولا ينظر إلى ما سميا من الثمن. ولو اشترى صبرة القمح وصبرة الشعير على الكيل، على أن كل قفيز بدينار لم يجز البيع. 3585 - ومن ابتاع عبدين في صفقة، فاستحق أحدهما بحرية بعد أن قبضه أو قبل، فإن كان وجه الصفقة، فله رد الباقي، وإن لم يكن وجهها لزمه الباقي بحصته من الثمن، وإنما يقوّم المستحق قيمته أن لو كان عبداً، وكذلك لو كان المستحق مكاتباً أو مدبراً أو أم ولد. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/85) ، ومواهب الجليل (5/305) ، والتاج والإكليل (5/305) .

3586 - ومن ادعى شيئاً بيد رجل، ثم اصطلحا على الإقرار على عرض، فاستحق ما أخذ المدعي، فليرجع على صاحبه ويأخذ منه ما أقر له به إن لم يفت، فإن فات بتغير سوق أو بدن، وهو عرض أو حيوان أخذ قيمته، وإن كان الصلح على الإنكار فاستحق ما بيد المدعى عليه، فليرجع بما دفع إن لم يفت، فإن فات بتغير سوق أو بدن، رجع بقيمته. ومن كان له على رجل مائتان، فصالحه على أن يترك له مائة، وعلى أن يأخذ منه بالمائة الباقية عبده ميموناً، فذلك جائز، وإن استحق العبد فإنه يرجع بالمائتين، لأنه من باع سلعة بثمن سماه، على أن يأخذ بذلك الثمن سلعة بعينها نقداً أو مضمونة مؤجلة، فإنما وقع البيع بتلك السلعة، ولا ينظر إلى اللفظ، ولكن إلى ما انعقد [من] الفعل. 3587 - ومن صالح من دم عمد وجب له على رجل بعبد، جاز ذلك، فإن استحق العبد رجع بقيمته ولا سبيل إلى القتل. وكذلك من نكح بعبد فاستحق، أو وجدت به المرأة عيباً، فإنها ترده وترجع على الزوج بقيمة العبد وتبقى زوجة له على حالها، والخلع بهذه المنزلة. (¬1) ومن اشترى عبداً فأصاب به عيباً، فصالحه البائع من العيب على عبد آخر دفعه ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/308) .

إليه، جاز ذلك، وكأنهما في صفقة [واحدة] ، فإن استحق أحدهما فليفضّ الثمن عليهما، وينظر هل هو وجه الصفقة [أم لا] على ما ذكرنا. ومن باع عبداً بعبد فاستحق أحدهما من يد مبتاعه أو رده بعيب، فإنه يرجع في عبده الذي أعطي فيأخذه إن وجده، وإن فات بتغير سوق أو بدن، لم يكن له إلا قيمته يوم الصفقة، ولا يجتمع لأحد في مثل هذا خيار في أخذ سلعته أو تضمينها. 3588 - وإن بعت عبداً بثوب فاستحق الثوب وقد عتق العبد، فإنك ترجع بقيمة العبد، وإن ابتعت جارية بعبد فحال سوقها عندك أو ولدت أولاداً، ثم استحق [العبد] بملك أو حرية، فإنما عليك قيمة الجارية يوم الصفقة. وكذلك إن زوجت الأمة ثم استحق العبد أو وجد به عيب، فذلك في الجارية فوت أخذت لها مهراً أو لم تأخذ، وعليك قيمتها يوم الصفقة، لأن التزويج عيب. وقد قال مالك - رحمه الله -: إن التزويج ينقصها وإن كانت وخشاً، ولا يردها مبتاعها بعيب إذا زوجها إلا ومعها ما نقصها.

3589 - ومن كاتب عبده على عرض موصوف، أو حيوان، أو طعام، فقبضه وعتق العبد ثم استحق ما دفع العبد من ذلك، [قال:] فأحب إليّ أن لا يرد العتق، ولكن يرجع عليه بمثل ذلك، فإن أعتقه على شيء مما ذكرنا بعينه وهو عبد غير مكاتب، ثم استحق ذلك، فالعتق ماض ولا يرد، وكأنه انتزعه منه ثم أعتقه.

3590 - ومن وهب لرجل هبة فعوضه فاستحق العوض، فإنه يرجع في هبته إن كانت قائمة، إلا أن يعوضه قيمتها فيلزمه، وليس للواهب قيمة العوض وإن كان أكثر من الهبة، لأن الذي زاده أولاً في عوضه على قيمة هبته إنما كان تطولاً، وإن استحقت الهبة رجع في العوض إلا أن يفوت في بدن [أو تغير] سوق، فيأخذ قيمته. (¬1) 3591 - ومن باع جارية بعبد فقبضه ثم أعتقه، ثم استحق نصف الجارية قبل حوالة سوق، فلمبتاعها حبس نصفها الباقي والرجوع بنصف قيمة عبده، أو رد باقيها وأخذ قيمة عبده لفوته بالعتق، وكذلك إن كان الغلام هو الذي استحق نصفه والجارية هي المعتقة على ما ذكرنا. 3592 - ومن أوصى بحج أو غيره، ثم مات فبيعت تركته وأنفذت وصيته، ثم استحقت رقبته، فإن كان معروفاً بالحرية، لم يضمن الوصي ولا متولي الحج شيئاً، ويأخذ السيد ما كان قائماً من التركة لم يُبع، وما بيع وهو قائم بيد مبتاعه، فلا يأخذه السيد إلا بالثمن ويرجع بذلك الثمن على البائع. ¬

(¬1) انظر: المدونة (14/391) ، (15/141) .

3593 - وكذلك قال مالك - رحمه الله - فيمن شهدت بينة بموته، فبيعت تركته وتزوجت زوجته ثم قدم حياً، فإن كان الشهود عدولاً وذكروا ما يعذرون به في دفع تعمد الكذب، مثل أن يروه في معركة القتل فظنوا أنه ميت، أو طعن فلم يتبين لهم أن به حياة، أو شهدوا على شهادة غيرهم، فهذا ترد إليه زوجته وليس له من متاعه إلا ما وجده لم يبع، وما بيع فهو أحق به بالثمن إن وجده قائماً لم يتغير عن حاله. قال ابن القاسم: والذي أراد مالك تغير البدن وليس له أخذ ذلك حتى يدفع الثمن إلى من ابتاعه، وما وجده قد فاتت عينه عند مبتاعه، أو تغير عن حاله في بدنه، أو فات بعتق، أو تدبير، أو كتابة، أو أمة تحمل من السيد، أو صغير يكبر، فإنما له الرجوع بالثمن على من باع ذلك كله، فإن لم تأت البينة بما تعذر به من شبهة دخلت عليهم، فذلك كتعمدهم للزور، فيأخذ متاعه حيث وجده إن شاء بالثمن الذي بيع به وترد إليه زوجته، وله أخذ ما أُعتق من عبد، أو كوتب، أو دُبر، أو صغير كبر، أو أمة اتخذت أم ولد، فيأخذها وقيمة ولدها من المبتاع يوم الحكم، كالمغصوبة يجدها بيد مشتر.

3594 - وإن أسلمت دنانير في طعام أو غيره، فاستحقت بيد المسلم إليه قبل أن تقبض ما سلمت فيه أو بعد [ذلك] ، فالسلم تام وعليك مثلها، وكذلك الدراهم والفلوس، وكذلك في البيعالناجز. ولو أسلمت عرضاً، أو حيواناً، أو رقيقاً، أو شيئاً مما يكال أو يوزن، من طعام أو عرض فيما يجوز أن تسلمه فيه، فاستحق ما دفعت، أو وجد به عيباً [يرده] به، فرده قبل أن تقبض ما أسلمت فيه أو بعد قبضه، فالسلم ينتقض. وكذلك ينتقض البيع الناجز، وترد ما قبضت إن كان قائماً أو مثله إن كنت استهلكته. ومن أسلف في طعام مضمون فلما قبضه استحق من يده، فإنه يرجع بمثله ولا ينتقض السلف. 3595 - ومن ابتاع طعاماً كيلاً أو وزناً فتلف قبل أن يقبضه، انتقض البيع، وليس على البائع أن يأتي بمثله.

3596 - ومن ابتاع سلعة على أن يهبه البائع، أو يتصدق عليه، فإن كان شيئاً معلوماً، جاز ذلك، فإن استحقت السلعة وفاتت الهبة فإن الثمن يفض على قيمتها من قيمة الهبة، فيرجع من الثمن بحصة السلعة. 3597 - ومن قال لرجل: أبيعك عبدي هذا بخمسة أثواب موصوفة إلى أجل، فالعبد رأس المال، ولو قال: أشتري منك عبدك هذا بعشرة أثواب [موصوفة] إلى أجل، فالعبد رأس المال، فإن استحق العبد بطل السلم. 3598 - ومن أسلم ثوباً في عشرة أرادب حنطة إلى أجل، وفي عشرة دراهم إلى أجل أبعد منه، جاز ذلك، فإن استحق نصف الثوب قبل أن يدفعه أو بعد، فالمسلم إليه يخير في رد باقي الثوب وينتقض السلم، أو التماسك بنصفه، ويلزمه نصف الطعام ونصف الدراهم، لأن من ابتاع عبداً أو ثوباً بثمن فاستحق نصف ذلك، خير المبتاع في رد باقيه أو يتماسك به ويرجع على البائع بنصف الثمن وإن كره. 3599 - ومن أسلم ثوبين في فرس موصوف، فاستحق أحدهما، فإن كان وجه الثوبين بطل السلم، وإن كان الأدنى رده ورجع بقيمته وثبت السلم، وهذا وما بيع يداً بيد سواء، ما يفسخ في بيع يد بيد يفسخ في السلم.

وما أسلمت فيه من الحيوان إلى أجل فقبضته، ثم استحق، فإنك ترجع بمثله في صفته التي شرطت، ولا تنظر زاد عندك أم نقص. ومسألة من ابتاع إناء فضة بدراهم فاستحقت، مذكورة في كتاب الصرف، وفيه مسألة الخلخالين موعبة. والله الموفق. * * *

(كتاب الشفعة)

(كتاب الشُّفْعة) 3600 - قال: وإذا كانت دار بين مسلم وذمي، فباع المسلم حصته من مسلم أو ذمي، فلشريكه الذمي الشفعة كما لو كان مسلماً، ولو كانت بين ذميين فباع أحدهما، لم أقض بالشفعة بينهما إلا أن يتحاكما إلينا. (¬1) 3601 - ومن هلك وترك ثلاثة بنين: اثنان شقيقان والآخر لأب، وترك بينهم داراً، فباع أحد الشقيقين حصته قبل القسم فالشفعة بين الشقيقين والأخ للأب سواء، إذ بالبنوة ورثوا، ولا ينظر إلى الأقعد بالبائع. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/453) ، ومواهب الجليل (5/311) ، والتاج والإكليل (5/310) .

ولو ولد لأحدهم أولاد ثم مات، فباع بعض ولده حصته، فبقية ولده أشفع من أعمامهم، لأنهم أهل مورث ثان، فإن سلّموا فالشفعة لأعمامهم. وإن باع أحد الأعمام، فالشفعة لبقية الأعمام مع بني أخيهم لدخولهم مدخل أبيهم. وإن ترك ابنتين وعصبة، فباعت إحدى الابنتين، فأختها أحق من العصبة، لأنهما أهل سهم واحد، فإن سلّمت فالعصبة أحق ممن شركهم بملك. ولو باع أحد العصبة فالشفعة لبقية العصبة والبنات، وكذلك الأخوات مع البنات [حكمهن] حكم العصبة، لأن العصبة ليس لهم فرائض مسماة. ولو ترك داراً بينه وبين رجل وورثته عصبة فباع أحدهم حصته قبل القسمة، فبقيتهم أحق بالشفعة من الشريك الأجنبي، لأنهم أهل مورثه، [فإن سلّموا فللشريك الآخذ] . 33602 - وإن ترك أختاً شقيقة وأختين لأب، فأخذت الشقيقة النصف وأخذ الأختان للب السدس تكملة الثلثين، فباعت إحدى الأخوات للأب، فالشفعة بين الأخت الأخرى للأب وبين الشقيقة، إذ هن أهل سهم.

وإذا ورثت الجدتان السدس، فباعت إحداهما، فالشفعة [أيضاً] لصاحبتها دون ورثة الميت، لأنهما أهل سهم واحد. ولا يرث عند مالك من الجدات أكثر من جدتين، وكذلك الإخوة للأم إذا ورثوا الثلث، فباع أحدهم حصته من الدار، فالشفعة لبقيتهم دون غيرهم من الورثة، لأنهم أهل سهم. 3603 - وإذا وجبت الشفعة للشركاء، قسمت بينهم على قدر أنصبائهم لا على عددهم. وإذا اقتسم قوم داراً وتركوا الساحة لم يقتسموها، فباع أحدهم ما صار له من الدار، فلا شفعة بينهم، وإن كانت الساحة واسعة وأرادوا قسمتها ليحوز كل إنسان حصته إلى منزله فيرتفق به، فإن لم يكن ضرر، فلا بأس به. ولا شفعة بالجوار والملاصقة في سكة أو غيرها، ولا بالشركة في الطريق. ومن له طريق في دار رجل فبيعت الدار، فلا شفعة له فيها، ولا شفعة في شيء

سوى الدور، والأرضين، والنخل، والشجر، وما يتصل بذلك من بناء أو ثمرة. ولا شفعة في دين، ولا حيوان، ولا سفن، ولا بز، ولا طعام، ولا عرض، ولا غيره مما ينقسم أو لا ينقسم. 3604 - وإذا بنى قوم في دار حبست عليهم ثم مات أحدهم فأراد أحد ورثته بيع نصيبه من البناء، فللآخرين فيه الشفعة، واستحسنه مالك وقال: ما سمعت فيه شيئاً. 3605 - ومن بنى في عرصة رجل بإذنه ثم أراد الخروج منها، فلرب العرصة أن يعطيه قيمة النقض أو يأمره بقلعه. وإن بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه، ثم باع أحدهما حصته من النقض، فلرب الأرض أخذ ذلك النقض بالأقل من قيمته، أو من الثمن الذي باعه به، فإن أبى فللشريك الشفعة للضرر، والضرر أصل الشفعة.

3608 - وللصغير الشفعة يقوم بها أبوه أو وصيه، فإن لم يكونا فالإمام ينظر له. ولو كان له جد لم يأخذه له، ولكن يرفع ذلك إلى الإمام، وإن لم يكن له أب ولا وصي وهو بموضع لا سلطان فيه، فهو على شفعته إذا بلغ. ولو سلّم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة الصبي، لزمه ذلك، ولا قيام له إن كبر. فإن كان له أب، فلم يأخذ له بالشفعة ولم يترك، حتى بلغ الصبي، وقد مضى لذلك عشر سنين، فلا شفعة للصبي، لأن والده بمنزلته، ألا ترى أن الصغير لو بلغ فترك أخذ شفعته عشر سنين، كان ذلك قطعاً لشفعته. 3609 - قال مالك - رحمه الله -: والشفيع على شفعته حتى يترك، أو يأتي من طول الزمان ما يُعلم أنه تارك لشفعته، وإذا علم بالاشتراء، فلم يطلب شفعته سنة، فلا يقطع ذلك شفعته، وإن كان قد كتب شهادته في الاشتراء، ولم ير مالك التسعة الأشهر ولا السنة بكثير، إلا أنه إذا تباعد

هكذا يحلف: ما كان وقوفه تركاً لشفعته، وإذا جاوز السنة بما يعد به تاركاً، فلا شفعة له. وإن كانت الدار بغير البلد الذي هما فيه، فهو كالحاضر مع الدار [الحاضرة] فيما تنقطع إليه الشفعة. (¬1) ولا حجة للشفيع أنه لا ينقد حتى يقبضها، لجواز النقد في الرَّبع الغائب. والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء، وإن لم يعلم، فذلك أحرى ولو كان حاضراً. 3606 - ومن اشترى داراً وشفيعها حاضر، ثم سافر الشفيع بحدثان الشراء، فأقام سنين كثيرة ثم قدم فطلب الشفعة، فإن كان سفره يعلم أنه لا يؤوب منه إلا بعد أمد تنقطع في مثله شفعة الحاضر فجاوزه، فلا شفعة له، وإن كان سفراً يؤوب منه قبل ذلك فعاقبه أمر بعذر به فتخلف له، فهو على شفعته ويحلف بالله ما كان تاركاً لشفعته، أشهد عند خروجه أنه على شفعته أم لا. وإذا اكترى الشفيع الشقص من المبتاع، أو ساومه ليشتريه، أو ساقاه في النخل فذلك قطع للشفعة. 3607 - وإذا اختلف الشفيع والمبتاع في الثمن، صدق المبتاع، لأنه مدعىّ عليه، إلا أن ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/323) .

يأتي بما لا يشبه مما لا يتغابن الناس بمثله، فلا يصدق إلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم في الدار اللاصقة بداره فيثمنه، فالقول قوله إذا أتى بما يشبه، وإن أقاما بينة وتكافأت في العدالة كانا كمن لا بينة لهما ويصدق المبتاع، لأن الدار في يده، وعهدة الشفيع على المبتاع خاصة، وإليه يدفع الثمن، كان بائعه قد قبض الثمن أم لا. ولو غاب المبتاع قبل أن ينقد الثمن ولم يقبض الدار، نظر الإمام في ذلك. وللبائع له منه الشقص حتى يقبض الثمن، فإن شاء الشفيع أن ينقده [الثمن] ، فذلك له، ويقبض الشقص وعهدته على المبتاع، لأنه عنه أدى. وإن كان على مبتاع الشقص دين، فلم يقبض الشقص ولا دفع الثمن حتى قام غرماؤه وقام الشفيع، قيل للشفيع: ادفع الثمن إلى البائع قضاء عن المبتاع واقبض الدار ولا شيء للغرماء، لأن للبائع منع الشقص حتى يقبض الثمن، ولأن الشفيع لو سلمها بيعت الدار، فأعطى البائع الثمن الذي باع به، وكان أحق به الغرماء، إلا أن يقوم غرماء المبتاع فيفلسوه، فيكون البائع أولى بداره، إلا أن يضمن له الغرماء الثمن، ويقضى للشفيع بالشفعة في غيبة المبتاع كالقضاء عليه به حاضراً، ويكون على حجته.

3610 - ومن ابتاع شقصاً بثمن إلى أجل، فللشفيع أخذه بالثمن إلى ذلك الأجل إن كان ملياً أو أتى بضامن ثقة مليء. وإن قال البائع للمبتاع: أنا أرضى أن يكون مالي على الشفيع إلى الأجل، لم يجز، لأنه فسخ ما لم يحل من دينه، في شيء [لم يتعجله، فصار ديناً في دين] . وإن عجل الشفيع الثمن، فللمبتاع قبضه، ثم ليس عليه أن يعجله للبائع، وليس للبائع أن يمنعه من قبض الدار. 3611 - ومن ابتاع شقصاً من دار لها شفيعان، فسلم أحدهما، فليس للآخر أن يأخذ بقدر حصته إذا أبى عليه المبتاع، فإما أخذ الجميع أو ترك، وإن شاء هذا القائم أخذ الجميع، فليس للمبتاع أن يقول: لا تأخذ إلا بقدر حصتك. 3612 - ومن ابتاع شقصاً من دارين في صفقة واحدة، وشفيع كل دار على حدة فسلم أحدهما، فللآخر أن يأخذ شفعته في التي هو شفيعها دون الأخرى. ولو اشترى ثلاثة أشقاص من دار، أو من دور في بلد، أو في بلدان من رجل، أو رجال وذلك في صفقة واحدة وشفيع ذلك كله واحد، فليس له أن يأخذ [إلا] الجميع أو يسلم.

وكذلك إن اشترى من أحدهم حصته في نخل، ومن آخر حصته في قرية، ومن آخر في دار، في صفقة واحدة، أو كان بائع ذلك كله واحد، أو شفيع ذلك كله واحد، فإما أخذ الجميع أو سلم. ولو ابتاع ثلاثة ما ذكرنا من واحد، أو من ثلاثة في صفقة، والشفيع واحد، فليس له أن يأخذ من أحدهم دون الآخر، وليأخذ الجميع أو ليدع. 3613 - ومن اشترى حظ ثلاثة رجال من دار في ثلاث صفقات، فللشفيع أن يأخذ ذلك [أو] يأخذ أي صفقة شاء، فإن أخذ الأولى، لم يستشفع معه فيها المبتاع، وإن أخذ الثانية، كان للمبتاع معه الشفعة فيها بقدر صفقته الأولى فقط، وإن أخذ الثالثة خاصة، شفع فيها بالأولى والثانية. 3614 - ومن ابتاع شقصاً هو شفيعه مع شفيع آخر، تحاصّا فيه بقدر حصتيهما، يضرب فيه المبتاع بقدر نصيبه من الدار قبل الشراء، ولا يضرب ما اشترى. ومن ابتاع شقصاً من دار لها شفعاء غُيَّب إلا واحد حاضر فأراد أخذ الجميع، فمنعه المبتاع أخذ حظوظ الغياب، أو قال له المبتاع: خذ الجميع، وقال الشفيع: لا آخذ إلا حصتي، فإنما للشفيع في الوجهين أن يأخذ الجميع أو يترك، وإن قال: أنا آخذ حصتي فإذا قدم أصحابي فإن أخذوا شفعتهم وإلا أخذت، لم يكن

ذلك له، إما أن يأخذ الجميع أو يدع، [فإن سلم، فلا أخذ له مع أصحابه إن قدموا، ولهم أن يأخذوا الجميع أو يدعوا] ، فإن سلموا إلا واحداً قيل له: خذ الجميع أو دع. ولو أخذ الحاضر الجميع ثم قدموا، فلهم أن يدخلوا معه كلهم إن أحبوا فيأخذوا بقدر ما كان لهم من شفعتهم، وإن أخذ بعضهم وأبى البعض لم يكن للآخذ أن يأخذ بقدر حصته فقط، ولكن يساوي الآخذ قبله فيما أخذ أو يدع. 3615 - ومن ابتاع شقصاً من دار وعرضاً في صفقة واحدة بثمن، فالشفعة في الشقص خاصة بحصته من الثمن، بقيمته من قيمة العرض يوم الصفقة، تغيرت الدار بسكنى أو لم تتغير، وليس للشفيع أخذ العرض ولا ذلك عليه إن أباه. 3616 - وإذا أُخبر الشفيع بالثمن فسلم، ثم ظهر أن الثمن دون ذلك، فله الأخذ بالشفعة، ويحلف ما سلم إلا لكثرة الثمن. وإن قيل له: قد ابتاع فلان نصف نصيب شريكك، [فسلم] ، ثم ظهر أنه

ابتاع جميع النصيب، فله القيام أيضاً بشفعته، فإن قيل له: ابتاعه فلان فسلم، ثم ظهر أنه ابتاعه مع آخر، فله القيام [أيضاً بشفعته] وأخذ حصتهما. 3617 - وإن قال الشفيع بعد الشراء: اشهدوا أني أخذت بشفعتي، ثم رجع فإن علم بالثمن قبل الأخذ لزمه، وإن لم يعلم به، فله أن يرجع، وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد البيع، فلا قيام له. ولو قال للمبتاع قبل الشراء: اشتر فقد سلمت لك الشفعة، وأشهد بذلك، فله القيام بعد الشراء، لأنه سلم ما لم يجب له بعد. وإن سلم بعد الشراء على مال أخذه، جاز، وإن كان قبل الشراء، بطل وردّ المال وكان على شفعته. 3618 - وإن قال البائع: بعت الشقص بمائتين، وقال المبتاع: بمائة، وقال الشفيع: بخمسين، أو لم يدع شيئاً، فإن لم تفت الدار بطول زمان [أو تغير أسواق] ، أو تهدُّم الدار، أو تغير المساكن، أو بيع أو هبة ونحوه وهي بيد المبتاع أو البائع،

فالقول قول البائع، ويترادان بعد التحالف، ثم ليس للشفيع أن يقول: إنما آخذها بمائتين، ولا يردوا البيع. ولا شفعة حتى يتم البيع فتصير العهدة على المبتاع، وههنا هي على البائع. وإن تغيرت الدار بما ذكرنا وهي بيد المبتاع، صدق مع يمينه وأخذها الشفيع بذلك. ولا شفعة في هبة الثواب إلا بعد العوض، وإنما جازت [الهبة] على غير عوض مسمى، لأنه على وجه التفويض في النكاح. (¬1) وفي القياس لا ينبغي أن يجوز، ولكن قد أجازه الناس. 3619 - ومن اشترى شقصاً بألف درهم، ثم وضع عنه البائع تسع مائة [درهم] بعد أخذ الشفيع أو قبل، نظر، فإن أشبه أن يكون ثمن الشقص عند الناس مائة درهم إذا تغابنوا بينهم أو اشتروا بغير تغابن، وضع ذلك عن الشفيع، لأن ما أزهرا من الثمن الأول إنما كان سبباً لقطع الشفعة، وإن لم يشبه ثمنه أن يكون مائة، لم يحط الشفيع شيئاً وكانت الوضيعة هبة للمبتاع. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/315) .

وقال في موضع آخر: إن حط عن المبتاع ما يشبه أن يحط في البيوع، وضع ذلك عن الشفيع، وإن كان مما لا يحط مثله، فهي هبة، ولا يحط للشفيع شيء. 3620 - ومن ابتاع شقصاً من دار له شفيع غائب، فقاسم شريكه، ثم جاء الشفيع، فله نقض القسم وأخذه، إذ لو باعه المشتري كان للشفيع رد بيعه، ولو بنى فيه المشتري بعد القسم مسجداً، فللشفيع أخذه وهدم المسجد. 3621 - ولو وهب المبتاع ما اشترى من الدار أو تصدق [به] كان للشفيع إذا قدم نقض ذلك وأخذه والثمن للموهوب [له] أو المتصدق عليه، لأن الواهب علم أن له شفيعاً، فكأنه وهبه الثمن، ومن ابتاع شقصاً ثم باعه، فتداولته الأملاك فللشفيع أخذه بأي صفقة شاء، وينتقض ما بعدها، وإن شاء أخذه بالبيع الآخر، وثبتت البيوع كلها. وكذلك إن بيع الشقص على المبتاع في دين لغرمائه، في حياته أو بعد وفاته، فللشفيع الأخذ بالبيع الأول وينقض الثاني، [وإن شاء أخذ بالثاني] .

3622 - وإذا زاد المبتاع البائع في الثمن بعد البيع، فللشفيع الأخذ بالثمن الأول، لأنه بيع قد وجب. ولو أقال منه فالشفعة للشفيع وتبطل الإقالة، وليس له أخذه بعهدة الإقالة، والإقالة عند مالك: بيع حادث في كل شيء إلا في هذا، فإن سلّم الشفيع صحت الإقالة. 3623 - وإن اشترت المرأة شقصاً فخالعت به، فإن شاء الشفيع أخذه وتكون عهدته على الزوجة، فليأخذه بالثمن الذي اشترته به، وإن شاء كانت عهدته على الزوج، فليأخذه منه بقيمته يوم الخلع، فإن أخذه من الزوجة بالثمن رجع عليها الزوج بقيمته يوم الخلع. ومن اشترى شقصاً فنكح به فمثل هذا سواء، يكون الزوج في النكاح كالزوجة في الخلع. 3624 - ومن قام بالشفعة ولم يحضره الثمن، تلوم له [اليوم و] اليومين والثلاثة. وإن أخذ بالشفعة ثم لم يقبض الشقص حتى انهدمت الدار، فضمان الشقص من الشفيع.

وكذلك في البيوع ما أصاب الدار بعد الصفقة، فمن المشتري. 3625 - ولك أن توكل بأخذ الشفعة غبت أو حضرت، ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض إليه في الأخذ أو الترك. ولو أقر الوكيل أنك سلمتها، فهو كشاهد يحلف معه المبتاع، فإن نكل حلفت أنت وأخذت، وإن أقام الوكيل بينة أن فلاناً الغائب وكّله على طلب شفعته في هذه الدار، مُكِّن من ذلك. 3626 - ومن اشترى شقصاً من دار لرجل غائب، كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة، ولا يضمن المبتاع للشفيع ما حدث عنده في الشقص من هدم، أو حرق، أو غرق، أو ما غار من عين أو بئر. ولا يحط الشفيع لذلك من الثمن شيئاً، فإما أخذ بجميع الثمن أو ترك. وكذلك لو هدم المبتاع البناء ليبنيه أو ليتوسع فيه، فإما أخذ ذلك الشفيع مهدوماً مع نقضه بجميع الثمن أو ترك. 3627 - ولو هدم المبتاع ثم بنى قيل للشفيع: خذ بجميع الثمن وقيمة ما عمّر فيها، وإلا فلا شفعة لك.

3628 - ومن اشترى داراً فهدمها وباع النقض، ثم استحق رجل نصفها وقد فات النقض عند مبتاعه، فإن أبى المستحق أن يجيز البيع في نصيبه من الدار، أخذ نصفها ونصف ثمن القض باستحقاقه، ثم إن شاء أخذ بقيتها بشفعته، فإن أخذه قسم ثمن نصف الدار [باستحقاقه الدار] على قيمة نصف الأرض، وقيمة نصف النقض يوم الصفقة، ثم أخذ نصف الأرض بما ينوبها ولا ينظر إلى ثمن ما باع منه. (¬1) وأما ما قابل ذلك [من النقض] ، فلا شفعة فيه لفواته وثمن ذلك للمبتاع. ولو وجد المستحق النقض لم يبع، أو وجده قد بيع وهو حاضر عند مبتاعه لم يفت، فله أخذ نصفه ونصف العرصة بالاستحقاق وباقيها بالشفعة، ولا يضمن المبتاع في الوجهين لهدمه شيئاً، فإن أبى أن يأخذ ما استحق من الدار مهدوماً، قيل له: فارجع على البائع بالثمن الذي باع به حصتك إن أحببت. 3628 - ولو هدم الدار أجنبي تعدياً وأتلف النقض، فلم يقم عليه المبتاع حتى قام المستحق ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/437) .

فاستشفع، فله الشفعة فيما بقي بحصته بالتقويم ثم يقضي الثمن على قيمة ما هدم وما بقي، فيأخذ ذلك بحصته من الثمن، ثم يتبع المشتري الهادم بنصف قيمة ما هدم، فكان له، وكان بمنزلة ما باع، ويتبعه المستحق بمثل ذلك. ولو كان المبتاع قد ترك للهادم قيمة ما هدم، فللمستحق طلب الهادم بنصف قيمة ذلك من النصف المستحق، وتسقط عنه حصة المبتاع. وإن كان الهادم عديماً أتبعه المستحق دون المبتاع، ومن اشترى داراً فوهبها لرجل فهدمها، أو وهب نصفها لرجل فهدمها، ثم استحق رجل نصفها، فلا شيء على الهادم فيما هدم، وهو كالمشتري، ولو وهب الدار مبتاعها لرجل، ثم استحق رجل نصفها وأخذ باقيها فالشفعة بثمن النصف المستشفع للواهب، بخلاف من وهب شقصاً ابتاعه وهو يعلم أن به شفيعاً فهذا ثمنه للموهوب إذا أخذه الشفيع. 3629 - ومن وهب لرجل أمة فاستحقت بحرية أو أنها مسروقة، فما رجع به من ثمنها فللواهب أو لورثته دون الموهوب. * * *

(كتاب الوصايا)

(كتاب الوصايا) 3630 - وإذا شهد ولدان للميت أن أباهما أعتق هذا العبد، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لرجل، والعبد هو الثلث، فإن كان عبداً يتهمان في جر ولائه، لم تجز شهادتهما وجازت الشهادة بالوصية، وإن لم يتهما، فهي جائزة، وهذا كشهادتهما بذلك ومعهما من الورثة نساء، فما يتهمان فيه مع النساء يتهمان فيه مع الموصى له. [ابن القاسم:] ومن قال في وصيته: يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر، ولم يدع سواه، فإن لم يجز الورثة، بُدئ بالعتق، فعتق ثلث العبد بتلاً وتسقط الخدمة. [قال سحنون: وعلى هذا أكثر الرواة] . 3631 - ويفسخ البيع الفاسد في الدور وغيرها إذا لم يفت، ولا شفعة فيه، ولو علم به بعد أخذ الشفيع [بالشفعة] فسخ بيع الشفعة والبيع الأول، لأن الشفيع دخل مدخل المشتري، وكذلك لو باعها المبتاع من غيره بيعاً فاسداً لرد البيع الأول والآخر جميعاً إلا أن يفوت، وتجب في ذلك القيمة فلا يرد. وإذا لم يفسخ البيع الأول حتى فات ولزمت المبتاع قيمته يوم قبضه، ففيه حينئذ الشفعة بتلك القيمة. ويفيت الرَّبع في البيع الفاسد، الهدم والبناء والغرس وبناء البيوت أو عطب الغرس، وليس تغير سوق الرباع فوتاً، ولا أعرف أن تغير البناء فوت أو طول المدة السنتين والثلاثة. وإذا فاتت الدار ببنيان زاده المبتاع فيها، لم يأخذها الشفيع حتى يدفع إلى المبتاع قيمة ما أنفق مع القيمة التي لزمته، وإن انهدمت الدار لم ينقص الشفيع الهدم شيئاً وقيل له: خذها بجميع القيمة التي لزمت [المبتاع] أو دع.

وإن باعها المشتري من غيره بيعاً صحيحاً فذلك فوت أيضاً، وللشفيع الأخذ بثمن البيع الصحيح ويتراد الأولان القيمة. وكذلك من ابتاع شيئاً من جميع الأشياء بيعاً فاسداً، ثم باعه بيعاً صحيحاً قبل أن يفوت عنده، نفذ البيع الثاني، ويتراد الأولان القيمة. قال: وليس للشفيع الأخذ بالبيع الأول الفاسد، لأنا نُزيل البيع الذي أفاته، ويعود بيعاً فاسداً لا فوت فيه، وهذا إذا لم يفت ببناء أو هدم، فأما إن فاتت بذلك فليأخذ الشفيع إن شاء بالثمن الصحيح أو بالقيمة في الفاسد، وإن لم يفت بهذا إلا أن المتبايعين يترادان القيمة بعد البيع الثاني، فللشفيع أن يأخذ بأي ذلك شاء لتمام البيع بأخذ القيمة، ترادّاها بقضية أو بغير قضية، لأن مبتاع الصحة لو ردّ ذلك بعيب وجده بعد أن تراد الأولان القيمة، لم يكن له الرد بالعيب، ويأخذ القيمة التي دفع.

وقد قال مالك في المكتري يتعدى الموضع فيتلف الدابة فيغرم القيمة ثم توجد بحالها، فليس لربها أخذها، لأنه قد أخذ قيمتها. 3632 - ولا تجوز التولية في البيع الفاسد وترد، لأن المبتاع إن كان ابتاع على أن أسلف فقد دخل الثاني مدخله. ولو قال له: هذه السلعة قامت عليّ بمائة دينار وأنا أبيعكها بذلك، كان كاذباً، لأنه إن كان اشتراها بمائة [دينار] على أن أسلفه عشرة دنانير، وقيمة السلعة خمسون ديناراً، فلم تقم عليه بمائة، ويخير المبتاع في أخذ السلعة بمائة أو ردها. فإن فاتت بيده قبل أن يختار، لزمه الأقل من قيمتها أو من المائة. 3633 - ومن ابتاع شقصاً فيه فضل فقام غرماؤه في فَلَسه أو موته، فللشفيع إن قام أخذ الشقص دونهم. وإن ترك من أحاط الدين بماله القيام بشفعته، فليس لغرمائه أخذها ولا أن يجبروه على أخذها، وذلك إليه أخذ أو سلم.

3634 - ولا يجوز للشفيع أن يعطيه أجنبي مالاً، على أن يقوم الشفيع بشفعته ويربحه ذلك المال. ولا يجوز بيع الشقص قبل أخذه إياه بشفعته، ولا يجوز له أن يأخذ شفعته لغيره. (¬1) ومن وكل رجلاً يبيع له شقصاً أو يشتريه له والوكيل شفيعه، ففعل، لم يقطع ذلك شفعته، وإذا كانت دار بيد أحد رجلين، فأقام كل واحد منهما بينة أنه ابتاعها من الآخر، قضيت بأعدلهما، فإن تكافأتا، بقيت الدار لمن هي في يديه. 3635 - ومن ابتاع داراً وأخذ من البائع كفيلاً بما أدركه من درك، فبنى في الدار، ثم استحقت، لم يلزم الكفيل من قيمة البناء شيء، ولكن يقال للمستحق: ادفع إلى المبتاع قيمة ما بنى أو خذ قيمة دارك، فإن دفع ذلك وأخذ الدار، رجع المبتاع بالثمن على البائع، فإن كان غائباً أو عديماً، رجع به على الحميل. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/479) ، والتاج والإكليل (5/331) ، والمدونة الكبرى (14/407) .

3636 - ومن ابتاع شقصاً من دار بعبد بعينه، فمات بيده قبل دفعه، فمصيبته من البائع، وللشفيع الأخذ بقيمة العبد، وعهدته على المبتاع، لأن الشفعة وجبت له بعقد البيع. 3637 - وإن أخذ الشفيع بقيمة العبد، ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيباً، فله رده ويأخذ من المبتاع قيمة الشقص وقد مضى الشقص للشفيع بشفعته، بخلاف البيع الفاسد الذي تبطل فيه الشفعة في ذلك، لأن البيع فسد بعيبه، وفي العيب لو رضيه البائع لزمه، فإن استحق العبد قبل قيام الشفيع، بطل البيع ولا شفعة في ذلك. فإن استحق [العبد] بعد أن أخذ الشفيع، فقد مضت الدار للشفيع، ويرجع بائع الشقص على مبتاعه بقيمة الشقص كاملاً، كان ذلك أكثر مما أخذ [فيه] من الشفيع أو أقل، ثم لا تراجع بينه وبين الشفيع، إذ الشفعة كبيع ثانٍ.

3638 - ومن ابتاع شقصاً بحنطة بعينها، فاستحقت الحنطة قبل أخذ الشفيع، فسخ البيع، ولا شفعة في ذلك. وكذلك إن ابتاع الحنطة بثمن فاستحقت، بطل البيع ويرجع بالثمن، وليس على البائع أن يأتي بمثلها. 3639 - ومن ابتاع شقصاً من دار بعرض، فاختلف المبتاع مع الشفيع في قيمته، وقد فات في يد البائع أو لم يفت، فإنما ينظر إلى قيمته يوم الصفقة لا اليوم، فإن كان مستهلكاً صُدّق المبتاع في قيمته مع يمينه، فإن جاء بما لا يشبه، صدق الشفيع فيما يشبه، فإن جاء بما لا يشبه، وصفه المبتاع وحلف على صفته، وأخذ الشفيع بقيمة تلك الصفة يوم الصفقة أو ترك، فإن نكل المبتاع حلف الشفيع على ما يصف هو، وأخذ بقيمة صفته. وإذا أنكر المشتري الشراء وادعاه البائع تحالفا وتفاسخا، وليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة بإقرار البائع، لأن عهدته على المشتري، فإذا لم يثبت للمشتري شراء، فلا شفعة للشفيع.

3640 - ومن باع عبداً قيمته ألف درهم، بألف درهم وبشقص قيمته ألف درهم، ففي الشقص الشفعة بنصف قيمة العبد، وذلك خمسمائة. 3641 - ومن كان بينه وبين رجل عرض مما لا ينقسم، فأراد بيع حصته، قيل لشريكه: بِعْ معه أو خذها بما يعطى، فإن رضي فباع حصته مشاعة، فلا شفعة لشريكه. 3642 - وإن كانت بينهما أرض ونخل ولها عين، فاقتسما الأرض والنخل خاصة، ثم باع أحدهما نصيبه من العين، فلا شفعة فيه، وهو الذي جاء فيه ما جاء: "لا شفعة في بئر". (¬1) وإن لم يقتسموا ولكن باع أحدهم حصته من العين، أو البئر خاصة، أو باع حظه من الأرض والعين جميعاً، ففي ذلك الشفعة، ويقسم شرب العين بالقِلد، وهو القدر. ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/454، 520) ، وعبد الرزاق في المصنف (8/88) ، والبيهقي في الكبرى (6/105) ، وانظر: بداية المجتهد (2/194) ، والتحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي (2/217) ، والمحلي (9/83) ، والمدونة الكبرى (14/424) ، والفواكه الدواني (2/151) ، والتاج والإكليل (5/319) .

وإن كان بينهما أرض ونخل فاقتسما النخل خاصة، فلا شفعة لأحدهما فيما باع الآخر من النخل، [لأن ما قسم عند مالك، فلا شفعة فيه] . 3643 - ومن باع نخلة في جنان رجل، فلا شفعة لرب الجنان فيها. ومن اشترى شقصاً من أرض فزرعها، فللشفيع أخذها بالشفعة ولا كراء له، والزرع للزارعز ولو غرسها المبتاع شجراً أو نخلاً، فإما أدى الشفيع قيمة ذلك قائماً مع ثمن الأرض، وإلا فلا شفعة له. 3644 - ومن ابتاع أرضاً فزرعها، ثم استحقها رجل، فلا شيء له في الزرع ولا كراء له، إلا أن يقوم في إبان الزراعة على ما [وصفنا] ، فيكون له كراء مثلها، وإن استحق نصف الأرض خاصة واستشفع، فله كراء ما استحق إن قام في إبان الزراعة على ما وصفنا، ولا كراء له فيما استشفع.

ومن ابتاع أرضاً بزرعها الأخضر، فاستحق رجل نصف الأرض [خاصة] واستشفع، فالبيع في النصف المستحق باطل، ويبطل في نصف الزرع خاصة، لانفراده بالأرض، [لأنه صار بيع الزرع قبل بدو صلاحه] ، ويرد البائع نصف الثمن، ويصير له نصف الزرع وللمستحق نصف الأرض، ثم يبتدئ الشفيع بالخيار في نصف الأرض الباقي، فإن أحب، أخذه بالشفعة، ولم يكن له في نصف الزرع شفعة. [قال ابن القاسم:] فإن لم يستشفع خُيّر المبتاع بين رد ما بقي في يديه من الصفقة وأخذ جميع الثمن، لأنه قد استحق من صفقته ما له بال وعليه فيه الضرر، وبين أن يتماسك بنصف الأرض ونصف الزرع، ويرجع بنصف الثمن. 3645 - ومن ابتاع أرضاً ذات زرع أخضر دون زرعها، ثم ابتاع الزرع في صفقة أخرى، أو ابتاع الجميع في صفقة ثم استحق رجل جميع الأرض خاصة، بطل البيع في الزرع لانفراده، وإنما أجيز بيعه أخضر مع أرضه في صفقة [واحدة] ، أو ابتياعه بعد ابتياعه الأرض، فيبقيه فيها ويحل محل البائع، ثم له بيع الأرض دون الزرع، ولا يبطل البيع في الزرع، لأن شراءه الأرض لم ينتقض، وفي الاستحقاق قد انتقض.

وإذا كان بين قوم ثمر في شجرة قد أزهى، فباع أحدهم حصته منه قبل قسمته، والأصل لهم أو بأيديهم في مساقاة أو حبس، فاستحسن مالك لشركائه فيه الشفعة ما لم ييبس قبل قيام الشفيع، أو تباع وهي يابسة، وقال: ما علمت أن أحداً قاله قبلي. وأما الزرع يبيع أحدهم حصته منه بعد يبسه فلا شفعة فيه، وهذا لا يباع حتى ييبس. وكل ما بيع من سائر الثمار قبل يبسه مما فيه الشفعة، مثل التمر والعنب مما ييبس في شجره، فبيع بعد اليبس في شجره، فلا شفعة فيه كالزرع، كما لا جائحة فيه حينئذ ولا في زرع. ومن ابتاع نخلاً لا تمر فيها، أو فيها تمر لم يؤبر، ثم استحق رجل نصفها

واستشفع، فإن قام [المستحق] يوم البيع أخذ النصف بملكه والنصف بشفعته، بنصف الثمن، ورجع المبتاع على بائعه بنصف الثمن، وإن لم يقم حتى عمل فيها المبتاع، فأبرت وفيها الآن بلح أو فهيا ثمرة قد أزهت، ولم تيبس، فكما ذكرنا ويأخذ الأصل بثمره، و [يكون] عليه للمبتاع [قدر] قيمة ما سقى وعالج، فيما استحق واستشفع، وإن لم يستشفع، فذلك عليه يما استحق فقط، فإن أبى أن يغرم ذلك فيما استحق، فليس له أخذه وليرجع بالثمن إن شاء على البائع ويجيز البيع، فإن قام بعد يبس الثمرة أو جذاذها لم يكن له في الثمرة شفعة، وله أن يأخذ نصف الأصول بالشفعة بنصف الثمن، ولا يحط عنه للثمر شيء، إذ لم يقع عليها من الثمن يوم البيع حصة. وقال بعض المدنيين: إذا قام الشفيع وقد أبرت النخل، فهي للمبتاع دونه، وأباه مالك وقال: وإذا ابتاع النخل والثمرة مأبورة أو مزهية فاشترطها، ثم استحق رجل نصفها واستشفع، فله نصف النخل ونصف الثمرة باستحقاقه، [يريد في هذا: وإن جزت] .

[قال ابن القاسم:] وعليه للمبتاع في ذلك قيمة ما سقى وعالج، ويرجع المبتاع بنصف الثمن على بائعه، فإن شاء المستحق الشفعة في النصف الباقي، فذلك له ويكون له أخذ الثمرة بالشفعة مع الأصل ما لم تجذ أو تيبس، ويغرم قيمة العلاج أيضاً. وإن قام بعد اليبس أو الجذاذ، فلا شفعة له في الثمرة، كما لو بيعت حينئذ، ويأخذ الأصل بالشفعة بحصته من الثمن بقيمته من قيمة الثمرة يوم الصفقة، لأن الثمرة وقع لها حصة من الثمن. 3646 - وأما من ابتاع نخلاً لا ثمر فيها، أو فيها ثمر قد أبر أو لم يؤبر، ثم فلس وفي النخل ثمرة قد حل بيعها، فالبائع أحق بالأصل والثمرة ما لم تجذ، إلا أن يعطيه الغرماء الثمن [بخلاف البيع. 3647 - ومن ابتاع أرضاً بزرعها الأخضر ثم قام شفيع بعد طيبه، فإنما له الشفعة في الأرض] دون الزرع بما ينوبها من الثمن بقيمتها من قيمة الزرع على غرره يوم الصفقة، لأن الزرع وقعت له حصة من الثمن في الصفقة، وليس كنخل بيعت وفيها ثمر لم يؤبر، ثم قام شفيع بعد يبس الثمرة، هذا لا شيء له من الثمرة، ولا ينقص لذلك من الثمن شيء، لأن الثمرة لم يقع لها حصة من الثمن، ولأن النخل إذا بيعت وفيها طلع لم يؤبر فاستثناه البائع، لم يجز استثناؤه، والأرض إذا بيعت وفيها زرع لم يبد صلاحه، كان الزرع للبائع فافترقا.

ولو كانت الثمرة يوم البيع مأبورة وقام بعد يبسها لسقط عنه حصاصها من الثمن، فظهور الزرع من الأرض كإبار الثمرة في النخل في هذا، وفي أن ذلك للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فيصير له بالاشتراط حصة من الثمن، ولم يكن للشفيع في الزرع شفعة، لأنه غير ولادة، وليس له منه شيء، والثمرة ولادة وللشفيع نصفها، فإذا قام قبل يبسها كانت له الشفعة. ومن ابتاع نخلاً لا ثمر فيها فاغتلها سنين، فلا شيء للشفيع إن قام من الغلة، ومن ابتاع ودياً صغاراً، ثم قام شفيع بعد أن صارت بواسق، فإنه يأخذها ويدفع إلى المبتاع قيمة ما عمل. وفي كتاب المرابحة مسألة من ابتاع نخلاً فاغتلها، هل تباع مرابحة [أم لا] ؟. 3648 - وليس في رحا الماء شفعة، وليست من البناء، وهي كحجر ملقى، ولو بيعت

معها الأرض أو البيت التي نصبت فيه ففيهما الشفعة دون الرحا بحصة ذلك، وسواء أجراها الماء أو الدواب. وفي الحمام الشفعة. (¬1) ولا شفعة في بئر لا بياض لها، ولا نخل لها وإن سُقي بها زرع أو نخل، والنهر والعين مثلها، ولو أن لها أرضاً أو نخلاً لم تقسم، فباع [أحدهما] حصته من البئر أو العين خاصة، ففيه الشفعة، بخلاف بيعه [لمشاع] البئر بعد قسم الأصول أو الأرض. 3650 - ولا بأس بشراء شرب يوم، أو شهر، أو شهرين، يسقي به زرعه في أرضه دون شراء [أصل] العين. قال مالك - رحمه الله -: فإن غار الماء فنقص قدر ثلث الشرب الذي ابتاع، وضع عنه كجوائح الثمار. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه مثل ما أصاب الثمرة من قبل الماء فإنه، يوضع ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (4/424) ، والفواكه الدواني (2/151) ، والتاج والإكليل (5/320) .

عنه إن نقص شربه ما عليه فيه ضرر بين، وإن كان أقل من الثلث، إلا ما قل مما لا خطب له، فلا يوضع لذلك شيء. ومن ابتاع أرضاً ولم يذكر شجرها، فهي داخلة في البيع كبناء الدار، إلا أن يقول البائع: أبيعك الأرض بلا شجر، وأما إن كان فيها زرع، فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. ولو تصدق بالشجر ولم يذكر الأرض، أو تصدق بالأرض ولم يذكر الشجر كانت الأرض داخلة مع الشجر في الصدقة. ومن ابتاع أرضاً بعبد فاستحق نصف الأرض قبل تغير سوق العبد فله رد بقية الأرض وأخذ عبده، فإن شاء المستحق أن يأخذ بقيتها بالشفعة بنصف قيمة العبد فذلك له، وعهدته على المبتاع. 3651 - ومن ابتاع نخلاً ليقلعها ثم ابتاع الأرض فأقر النخل فيها، ثم استحق رجل نصف جميع ذلك، فله أ×ذ نصف النخل والأرض بنصف ثمنها، لا بالقيمة في أحدهما.

وليس للمبتاع حجة في النخل أنه ابتاعها للقلع، فإن لم يستشفع خير المبتاع بين التماسك بما بقي أو رده. 3652 - وقال في باب بعد هذا، فيمن اشترى عرصة [بشقص] من دار فيها بنيان، على أن النقض لرب الدار، ثم اشترى بعد ذلك النقض، أو اشترى التقض أولاً، ثم اشترى العرصة بعد ذلك، فقام شفيع، فله أخذ العرصة والنقض جميعاً بشفعته يأخذ العرصة بالثمن، والنقض بقيمته قائماً. [قال ابن القاسم:] ومن ابتاع نقض شقص شائع من رجل أو حصته من نخل على أن يقلع ذلك المبتاع وشريك البائع غائب، لم يجز، إذ لا يقدر هذا البائع على القلع إلا بعد القسم، وإذ لو شاء البائع أن يقاسم شريكه النخل خاصة ليقلعها، لم يكن ذلك له إلا مع الأرض. 3653 - ومن ابتاع نقض دار قائماً على أن يقلعه، ثم استحق رجل نصف الدار، فللمبتاع رد بقية النقض، ولا شفعة فيه للمستحق، لأنه بيع على القلع، ولم يبع الأرض، وأما إن استحق جميع الأرض دون النقض، أو كانت نخلاً بيعت

للقلع فاستحق رجل الأرض دون النخل، كان البيع تاماً في النقض والنخل، وكان للمستحق أخذ ذلك من المبتاع [بقيمته مقلوعاً لا بالثمن، لأنه ليس بمعنى الشفعة، ولكن للضرر، وليس للمبتاع أن يمنعه من ذلك،] لأنه في امتناعه من ذلك مضار، فإن أبى المستحق من أخذ ذلك بقيمته، قيل للمبتاع: اقلعه. وكذلك من غرس في أرض اكتراها فانقضت المدة. 3654 - ومن بنى أو غرس في أرض يظنها له فاستحقت، فعلى المستحق في هذه قيمة ذلك قائماً للشبهة فإن أبى دفع إليه الذي عمر قيمة أرضه، فإن أبيا كانا شريكين على القيم بخلاف المكتري، لأنه غرس إلى مدة. ومن ابتاع عبداً فوهبه لرجل ثم استحق، قيل للمستحق: إن شئت فاتبع البائع بالثمن، وإلا فاطلب العبد، فإن وجدته أخذته، ولا شيء لك على الواهب. 3655 - ومن وهب شقصاً من دار لثواب، أو تصدق به على عوض، أو أوصى به على عوض، فهو بيع وفيه الشفعة، فإن سمى العوض فالشفعة بقيمة العوض إن كان مما له قيمة من العروض، أو بمثله في المقدار والصفة إن كان عيناً، أو طعاماً، أو إداماً، كانت الهبة بيد الواهب أو قد دفعها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/437) .

وإن وهبه على عوض يرجوه لم يسمه، فلا قيام للشفيع إلا بعد العوض، ولا يجبر الموهوب على ثواب إذا لم تتغير الهبة في بدن، وللواهب ردها إن لم يثبه الموهوب فإن أثابه مثل القيمة لزم الواهب، وإن أثابه أقل، لم يلزمه إلا أن يشاء، وله أخذ هبته، إلا أن تتغير في البدن، فلا يأخذها، ويقضى له على الموهوب [بقيمتها يوم قبضها، ويقال للشفيع: خذه الآن أو دع، إذا قضي على الموهوب] بالقيمة. ولو أثابه بعد تغيرها أضعاف القيمة قبل قيام الشفيع، ثم قام، لم يأخذها الشفيع إلا بذلك، كالثمن الغالي، وإنما يهب الناس ليعاضوا أكثر، ومن أوصى أن يباع شقصه من فلان بكذا، فلم يقبل، فليس للشفيع أخذه بذلك. وكذلك إن قال: اشهدوا أني بعت شقصي من فلان بكذا وكذا إن قبل فإن لم يقبل، فلا شفعة للشفيع، ومن باع شقصاً على خيار له أو للمبتاع، فلا شفعة فيه حتى يتم البيع. 3656 - ومن وهب شقصاً لغير ثواب، فعُوض فيه فقبل، فإن رأى أنه لصداقة أو صلة رحم، فلا شفعة فيه. ومن عوض من صدقة وقال: ظننته يلزمني، فليرجع في العوض إن كان قائماً، فإن فات، فلا شيء له.

ومن وهب شقصاً من دار لابنه الصغير على عوض، جاز وفيه الشفعة. ولا تجوز محاباة في قبول الثواب، ولا ما وهب، أو أعتق، أو تصدق من مال ابنه الصغير، ويرد ذلك كله، إلا أن يكون الأب موسراً فيجوز ذلك على الابن [في العتق] ، ويضمن قيمته في ماله، ولا تجوز في الهبة وإن كان موسراً، وإنما يجوز بيع الأب مال ابنه [الصغير] على وجه النظر. 3657 - وهبة الوصي لشقص اليتيم، كبيع ربعه، لا يجوز ذلك إلا لنظر كثمن يرغبه فيه، [مثل] ملك يجاوره، أو ملي يصاقبه، وليس في غلته ما يكفيه، أو لوجه نظر، فيجوز، وفيه الشفعة، وهبة المكاتب والمأذون على عوض تجوز بلا محاباة، وفي ذلك الشفعة.

3658 - ومن ابتاع شقصاً بخيار وله شفيع، فباع الشفيع شقصه قبل تمام الخيار بيعاً بتلاً فإن تم بيع الخيار، فالشفعة للمبتاع، وإن رُدّ، فهو لبائعه، ومن ابتاع شقصاً على خيار له فانهدم [قبل أن يختار] ، فله رده ولا شيء عليه، كما كان له الرد وهو قائم، ولا شفعة فيه حتى يتم البيع. 3659 - ومن نكح، أو خالع، أو صالح من دم عمد على شقص، ففيه الشفعة بقيمته، إذ لا ثمن معلوم لعوضه. وإن أخذه من دم خطأ، ففيه الشفعة بالدية. فإن كانت العاقلة أهل إبل، أخذه بقيمة الإبل، أو أهل ورق أو ذهب، فبذهب أو ورق، ينجم ذلك على الشفيع كالتنجيم على العاقلة، الدية في ثلاثة أعوام: ثلثها في عام، وثلثاها في عامين، والنصف [قال مرة: يؤجل عامين، وقال] مرة: يجتهد فيه الإمام [على قدر ما يرى، ولم يحد فيه حداً.

قال ابن القاسم:] ثم كذلك يؤجل به الشفيع، ويأول قوله - إن نصف الدية يقطع في عامين - أقول. 3660 - ومن اكترى إبلاً إلى مكة بشقص، ففيه الشفعة بمثل كراء الإبل إلى مكة، ولو آجر به أجيراً سنة فبقيمة الإجارة. ولو اكترى به داراً، فبقيمة كرائها. ومن تمفل بنفس رجل فغاب، فصالح الطالب الكفيل على شقص، فجائز إن عرفا مبلغ الدين، وفيه الشفعة بمثل الدين، ويرجع الكفيل على المطلوب بالأقل من المال الذي عليه، أو قيمة الشقص. وإن لم يعرف كم الدين، فلا يجوز الصلح فيه. 3661 - ومن تكفل بنفس رجل ولم يذكر ما عليه، جاز، فإن غاب المطلوب، قيل للطالب: أثبت حقك ببينة وخذه من الكفيل، فإن لم تقم بينة وادعى أن له على المطلوب ألف درهم، فله أن يُحلِّف الكفيل على علمه، فإن نكل حلف الطالب واستحق.

3662 - ومن صالح من قذف على شقص أو مال، لم يجز، ورد ولا شفعة فيه، بلغ الإمام أو لا، وللمقذوف أن يعفو ما لم يبلغ الإمام، فإذا بلغه أقيم الحد [إلا أن يريد ستراً] . 3663 - ومن قتل قتيلاً في حرابة، ثم أخذ قبل أن يتوب، لم يجز فيه عفو الأولياء وإن بلغوا الإمام، ولا صلح لهم على مال، وذلك مردود. ومسألة الصلح من الموضحتين على شقص، مذكورة في كتاب الصلح. 3664 - والشفعة في الغياض والآجام إن كانت الأرض بينهما. ومن ابتاع داراً فهدمها وبناها، ثم استحق رجل نصفها واستشفع، فإن دفع إليه في حصة الشفعة قيمة نصف بنيانه وإلا فلا شفعة له، ويقال له في النصف الذي استحق: ادفع إليه قيمة نصف بنيانه أيضاً، فإن أبى، قيل للآخر: ادفع إليه قيمة نصف الأرض بغير بنيان إن

كان قد هدم جميع بنيانها أيضاً، فإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد منهما. قال مالك: ومن ابتاع داراً فاستحق رجل منها شقصاً، فله أن يأخذ بقية الدار بالشفعة، فإن اصطلحوا على أن يأخذ المستحق بالشفعة بيتاً ن الدار بما يصيبه من الثمن بعد تقويم جميع الدار، فذلك جائز. (¬1) 3665 - وليس لأحد المتفاوضين فيما باع الآخر شفعة، لأن بيع أحدهما يلزم صاحبه. قيل: فإن تفاوضا في الدور؟ قال: ما أعرف المفاوضة في الدور، فإن نزل ذلك فلا شفعة للآخر. وليس لرب المال أن يبيع شيئاً مما بيد العامل بغير أمره. 3666 - وإذا اشترى المقارض من المال شقصاً هو شفيعه، فله الشفعة، ولا يمنعه رب المال، ولو كان رب المال هو الشفيع، فله القيام أيضاً. 3667 - ولأم الولد والمكاتب الشفعة، وللعبد المأذون [الشفعة] ، وإن لم يكن مأذوناً فذلك لسيده، إن أحب أخذ الشفعة لعبده أو ترك، وإن سلّمها المأذون، فلا قيام ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/81) .

لسيده، ولو أراد أخذها المأذون وسلمها السيد، فإن لم يكن العبد مدياناً، جاز تسليم السيد، [وإن كان مدياناً وله فيه فضل، فلا تسليم للسيد] ، ولو سلمها المكاتب لزمه ولا أخذ للسيد. ولذات الزوج تسليم شفعتها ولها الشراء والبيع، ولا يمنعها الزوج من ذلك، ولا من أن تتجر، فإن حابت في الشراء والبيع، فذلك في ثلثها، فإن جاوزته، بطل جميعه إن لم يجزه الزوج، وليس لأحد رد محاباتها إذا لم تكن سفيهة في عقلها ولم يول عليها غير الزوج. وفي كتاب الكفالة [شيء] من هذا. وتورث الشفعة عن الميت. 3668 - ومن أعمر عمرى على عوض، لم يجز، ورُدّ ولا شفعة فيه، لأنه كراء فاسد،

ويرد المعمر الدار [الذي أُعمرها] ، وإن استغلها رد غلتها، وعليه إجارة ما سكن، لأن ضمانها من ربها، ويأخذ عوضه. ومن تصدق على رجل بدار على أن ينفق عليه حياته، فهذا بيع فاسد، والغلة للمتصدق عليه، لأنها في ضمانه، ويرجع بما أنفق ويرد الدار. ولو هلكت الدار بيده بغرق أو غيره، ضمن قيمتها يوم قبضها، وتجوز الهبة غير مقسومة. 3669 - والشفعة في دور القرى، كهي في دور المدائن. وإن أقر رجل أنه ابتاع هذا الشقص من فلان الغائب، فقام الشفيع، فلا يقضى له بالشفعة بإقرار هذا حتى تقوم بينة على الشراء، لأن الغائب إذا قدم فأنكر البيع [كان له] أن يأخذ داره ويرجع على مدعي الشراء إذا قدم بكراء ما سكن، وإذا قضى بها قاض للشفيع بإقرار [هذا] ، لم يرجع عليه الغائب بذلك، ولا على مدعي الشراء، فيبطل حق الغائب في الغلة [والدار] بلا بينة.

3670 - ومن لا تجوز شهادته من القرابة لقريبه، فلا يجوز [له] أن يشهد له أن فلاناً وكله على شيء، ويجوز أن يشهد أنه وكل غيره. وما لا تجوز فيه شهادة النساء من عتق، أو طلاق، أو قتل، فلا تجوز شهادتهن على الوكالة فيه. وتجوز شهادتهن في الأموال أو في الوكالة عليها. وتجوز شهادتهن في الوكالة على أخذ الشفعة، أو تسليمها، أو على أنه شفيع، أو يشهدن على المبتاع أنه أقر بأن فلاناً شفيع هذه الدار، فذلك جائز، لأنه مال، فكل ما جازت فيه شهادتهن، جاز أن يشهدن على الوكالة فيه. ولا تجوز تزكيتهن على حال للرجال ولا للنساء في شهادة مال ولا غيره. 3671 - ولا يأخذ الوصي للحمل بالشفعة حتى يولد ويستهل، إذ لا ميراث له حتى يولد ويستهل. وفي كتاب التجارة بأرض الحرب، ذكر العبد يسلم والزوجة والسيد والزوج غائب. 3672 - ومن بنى مسجداً على ظهر بيته، أو في أرضه على وجه الصدقة، والإباحة، أو حبس عرصة له، أو بيتاً في المساكين، أو على المسلمين، لم يجز له بيع ذلك.

3673 - وإذا كان حائط بين رجلين فباع أحدهما حظه منه، فالشفعة [فيه] لشريكه، وإن ملكه أحدهما وللآخر فيه حمل خشب، فلا شفعة فيه لمن له الحمل. ومن له علو دار ولآخر سفلها فلا شفعة لأحدهما فيما باع الآخر منها. ولا شفعة في أرض العنوة ولا يجوز بيعها. وأما أرض الصلح تباع، فإن كان على أن خراج الأرض باق على الذمي البائع، فجائز وفيه الشفعة إن شركه مسلم، فإن شرط الخراج على المبتاع المسلم، لم يجز، إذ بإسلام الذمي ينقطع الخراج عنه وعن الأرض، فهذا غرر مجهول. 3674 - ولا ينبغي لرجل أن يبيع أرضاً من رجل، على أن على المبتاع كل عام شيئاً يدفعه. 3675 - ومن اشترى أرضاً ونخلاً في صفقة، والأرض أرض النخل فاستُحق من النخل شيء [يسير] ، وضع عنه حصته من الثمن، ولزمه البيع في الباقي.

وإن استُحق من النخل كثير، فله رد جميع ذلك، أو التماسك بما بقي في يديه، ويأخذ من الثمن بقدر ما استحق، وإن كانت الأرض على حدة، والنخل على حدة فابتاعهما في صفقة [واحدة] ، ثم استحق بعض النخل، فإن كان ما استحق منها وجه صفقته، وفيه رجاء الفضل، فله رد جميع ذلك، وإن لم يكن وجه الصفقة، كان له رد جميع النخل خاصة إن كان المستحق منها أكثرها، وإن كان تافهاً فإنما ينتقض من الصفقة [بقدر] حصة ذلك، ويرجع بما يصيبه من الثمن، وتصح بقية الصفقة. وإن ابتاع دارين في صفقة، فاستحق بعض واحدة، وهي ليست بوجه ما اشترى، فإن كان ما استحق من هذه الدار تافهاً منها، رجع بحصته من الثمن فقط، وإن كان أكثر تلك الدار وهو ضرر، رد تلك الدار فقط بحصتها من الثمن، ولا يرد الأخرى، فإن كانت وجه الدارين فاستحق جلها أو ما فيه ضرر، رد الدارين بذلك، وإن استحق منها تافهاً لا ضرر فيه، رجع بحصته من ثمن الدارين فقط. (¬1) 3676 - ومن ادعى حقاً في دار بيد رجل فصالحه منه، فإن جهلاه جميعاً جاز ذلك. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/327) .

وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه، فإن لم يسمه بطل الصلح ولا شفعة فيه، [لأن الصلح لا يجوز فيه المجهول] . [وكذلك] الزوجة إذا صالحت الورثة على ميراثها، فإن عرفت هي وجميع الورثة مبلغ التركة، جاز الصلح، وإن لم يعرفوه، لم يجز. وإن ادعيت سدس دار بيد رجل فأنكر، فصالحك منه على شقص من دار له أخرى دفعه إليك، فالشفعة في الشقص الذي دعوى فيه بقيمة المدعى فيه، لأن قابضه مقر أنه اشتراه، ودفع في ثمنه السدس المدعى فيه. ولا شفعة في الشقص المدعى فيه، لأن قابضه يقول: إنما أخذت حقي وافتديته بما دفعت فيه، ولم أشتره. 3677 - ومن ادعيت عليه أنه قتل دابتك، فصالحك على شقص، ففيه الشفعة بقيمة الدابة، والقول قولك في قيمتها ولا تكلف صفتها، لأن مالكاً قال في الذي يشتري داراً بعرض فيفوت العرض: إن القول فيه قول المشتري، ويقال للشفيع: خذ بذلك أو دع، ولم يقل مالك: يقال له: صف، فإن ادعى في قيمة ذلك العرض ما لا يشبه، صدق الشفيع فيما يشبه.

3678 - قيل: فما وُهِب للقيط أو تُصدق به عليه، أيكون الذي [هو] في حجره قابضاً له ولم يجعله له السلطان ناظراً ولا وصياً؟ قال: نعم، لأن مالكاً قال: من تصدق على غائب بصدقة ودفعها إلى أجنبي ليحوزها له والغائب غير عالم بالصدقة، إن ذلك جائز. 3679 - ومن غصب عبداً فابتاع [به] شقصاً، فلا قيام للشفيع ما دام العبد لم يفت، فإن فات فوتاً يجب به على الغاصب قيمته فللشفيع الأخذ بقيمة العبد يوم اشترى به الدار. 3680 - ولو غصب ألف درهم، فابتاع بها شقصاً، فالشراء جائز، وللشفيع الشفعة مكانه وعلى الغاصب مثلها، وإن وجدها المغصوب منه بعينها بيد البائع وأقام عليها بينة أخذها ورجع البائع على المبتاع بمثلها، والبيع تام. (¬1) 3681 - وإذا ادعى المبتاع أنه بنى في الدار [بناءً] ، فأكذبه الشفيع، فالمبتاع مدع، وعليه البينة. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (4/326) .

والموهوب له الشقص والمتصدق به عليه يقول له الشفيع: أخاف أنك ابتعته منه أو عاوضته فيه سراً، وأردتما قطع الشفعة بما أظهرتما، فاحلف، فإن كان ممن يتهم أحلفه وإلا لم يحلفه. 3682 - وإذا كانت دار بين رجلين بنصفين، فباع أحدهما نصفاً منها بعينه قبل القسم بغير أمر شريكه، ثم قدم الشرك، فله نصف المبيع، إما أجاز بيعه وإلا أخذ منه حصته وأخذ باقيه بشفعته إن شاء، ودفع نصف الثمن إلى المشتري، ويرجع المشتري بنصف الثمن الباقي إن شاء على البائع، ثم يقاسم الشفيع شريكه النصف الباقي إن شاء، قيل: فلم لا يقاسم هذا الذي لم يبع شريكه الذي باع، فإن وقع النصف المبيع في حصة بائعه مضى عليه؟ قال: لا، ولكن يفعل كما ذكرنا. والنخلة بين الرجلين يبيع أحدهما حصته منها، فلا شفعة لصاحبه فيها.

3683 - ومن تزوج امرأة على امرأة له أخرى، فحلف للأولى بطلاق الثانية إن آثر الثانية عليها، ثم طلق الأولى، فإن الثانية تطلق عليه، لأنه لما طلق الأولى فقد آثر الثانية عليها. 3684 - وقال مالك في دار بين رجلين، حبس أحدهما نصيبه على رجل، وولده [وولد ولده] ، فباع شريكه في الدار نصيبه، فليس للذي حبس ولا للمحبس عليهم أخذه بالشفعة، إلا أن يأخذه المحبس فيجعله في مثل ما جعل نصيبه الأول. * * *

(كتاب القسم)

(كتاب القَسْم) (¬1) 3685 - قال مالك: ومن باع من رجل مورثه من هذه الدار، فإن عرفا مبلغه جاز وإن لم يسمياه، وإن جهله أحدهما أو كلاهما، لم يجز. وإن تصدق بذلك أو وهبه، جاز وإن لم يسمه. 3686 - وإن ورث رجلان دارين، فباع كل واحد منهما من صاحبه نصيبه في إحداهما بنصيب الآخر في الأخرى، فإن عرف كل واحد نصيبه ما هو من نصيب صاحبه، جاز وإن لم يسمياه. وكذلك إن رضيا بأن يأخذ أحدهما بمورثه نصف إحدى الدارين وثلث الأخرى، ويسلم بقيتهما لصاحبه، فإن جهل أحدهما مبلغ ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/87) .

حقه منهما، لم يجز، كما لا يجوز صلح الزوجة على مورث لها في دار لا تعلم مبلغه. 3687 - ولو أن داراً بين ثلاثة رجال رضوا بأن يأخذ أحدهم بيتاً من الدار على أن يكون للآخرين بقية الدار، جاز ذلك، وإنما لا يجمع بين رجلين في القسم بالسهم، ومن اشترى من رجل ممراً في داره من غير أن يشتري من رقبة البنيان شيئاً، [جاز ذلك] . 3688 - وإن اقتسم رجلان داراً بينهما، فأخذ هذا طائفة وهذا طائفة، على أن الطريق لأحدهما وللآخر فيه الممر، أو اقتسماها على أن يأخذ أحدهما الغرف والآخر السّفل، أو على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة من الدار، فذلك كله جائز ولهما لازم، ولا رجوع لأحدهما وإن لم تنصَّب الحدود، لأن هذا بيع من البيوع.

وإذا كان بين قوم دور أو قرى، أو حوائط، أو أقرحة - وهي الفدادين - فشاء بعضهم جمع كل صنف من ذلك في القسم ليجتمع له حظه في موضع، وقال آخرون: بل نقسم كل دار أو حائط أو قريح على حدة، فإن كانت الدور في النفاق والرغبة في مواضعها والتشاح فيها سواء وكان بعضها قريباً من بعض، جمعت في القسم، وإن اختلفت مواضعها قسمت كل دار على حدتها، إلا أن تتفق [داران منها أو ثلاث في الصفة والنفاق لا في مواضعها، فتجمع المتفقة] في القسم، ويقسم باقيها كل دار على حدة. وكذلك الداران في المصر، فواحدة بناحية منه وأخرى بناحية [أخرى] ، فإن تساوى الموضعان في الرغبة والتشاح، جمعا في القسم، وإن اختلفا أو كان بين الدارين مسيرة يوم أو يومين وتساوى الموضعان في الرغبة [والتشاح] والنفاق، لم يجمعا في القسم. 3689 - وإذا تشاح الورثة في دار من دور الميت كانوا يسكنونها، فأراد كل وارث أخذ حظه منها، وترك الميت [دوراً] غيرها [بالبلد، ودوره في المواضع]

والتشاح فيها سواء، وهذه [الدار] في موضع غير موضع بقية دوره، [فلتقسم هذه الدار بينهم وحدها، فيأخذ كل واحد منهم نصيبه فيها، ثم يجمع في القسم بقية دوره] المتفقة في النفاق والتشاح على مواضعها، وبعضها قريب من بعض. 3690 - قال: وأما القرى والأرضون فما تقارب [منها] في أماكنه وتساوى في كرمه من قرى كثيرة، أو حوائط، أو أقرحة، جمع في القسم. والمِيْل وشبهه بين ذلك، قريب. 3691 - وإن تباعد ما بين كل قرية، أو حائط، أو قريح، فكان بينهم مثل اليوم واليومين، لم يجمع في القسم، وإن اتفقت في الكرم والنفاق، وتقسم كل قرية [أو حائط] أو قريح على حدة، وإن تقاربت الأماكن واختلف النفاق، لم تجمع.

وإن كانت قرية ذات دور، وأرض بيضاء وشجر، فليقتسموا الدور والأرض على ما وصفنا، وأما الأشجار فإن كانت مختلفة، مثل: تفاح ورمان وأُترج وغيرها، وكلها في جنان واحد، فإنه يقسم كله مجتمعاً بالقيمة، كالحائط يكون في البرني، والصيحاني، والجعرور، وأصناف التمر، فإنه يقسم على القيمة ويجمع لكل واحد حظه من الحائط في موضع. وإن كان كل صنف من تفاح ورمان وغيره في جنان على حدة، قسم بينهم كل جنان على حدة، بالقيمة إن انقسم. 3692 - وإذا ورث قوم أراضي وعيوناً كثيرة، فأراد أحدهم قسمة [كل عين وأرض] ، وأراد غيره اجتمع حصته من ذلك، فإن استوت الأرض في الكرم وتقاربت أماكنها، واستوت العيون في سقيها الأرض، جُمعت في القسم، وإن اختلفت الأرض في الكرم، والعيون في الغور، قسمت كل أرض وعيونها على حدة. وإن ورثوا أرضاً فيها شجر متفرقة، فليقتسموا الأرض والشجر جميعاً. ولو أفردنا قسمة الأصول، وقعت أصول الرجل في أرض غيره.

وإن ورثوا قرية على أجزاء مختلفة، ولها ماء ومجرى ماء، ورثوا أرضها وماءها وشجرها وشربها، قسمت الأرض بينهم على قدر مواريثهم منها، ولا يقسم [مجرى] الماء، ويكون لهم من الماء على قدر مواريثهم [منه] . 3693 - وكل شركاء في قلد [من الأقلاد] يبيع أحدهم نصيبه منه، فشركاؤه دِنْية أحق به بالشفعة دون [سائر] شركائهم في الماء، والدنية: هم أهل وراثة يتوارثون [بالشفعة] دون شركائهم، وإن قسموا الأرض خاصة ثم باع أحدهم حظه من الماء، فلا شفعة فيه. وقد تقدم هذا في الشفعة.

قيل: [فمن] ادعى في دار بيد غائب أنه وارثها مع الغائب، أو أنها لأبيه لا حق للغائب فيها، وأقام بينة؟ قال: سمعت من يذكر عن مالك أنه لا يقضى على الغائب في الدور. قال ابن القاسم: وهو رأيي إلا في البعيد الغيبة، مثل: الأندلس أو طنجة، وما بَعُد فليقض عليه السلطان. وإن كانت الغيبة [قريبة] مثل ما يسافر الناس إليه ويقدمون مما ليس بالمنقطع بالغيبة] ، فليكتب إليه الإمام فليوكل أو يَقْدُم. ولا يقيم الإمام لغائب أو طفل وكيلاً يقوم بحجته. (¬1) 3694 - وإذا ورث قوم [أرضاً و] شجراً ونخلاً، وفيها ثمر [وزرع] ، فلا يقسموا الثمر مع الأصل، وإن كان الثمر بلحاً أو طلعاً، ولا يقسم الزرع مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول، ويترك الثمر والزرع حتى يحل بيعهما، فيقسموا ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/373) .

ذلك حينئذ كيلاً، أو يبيعوه ويقتسموا ثمنه على فرائض الله، ولا يقسم الزرع [الذي طاب] فدادين ولا مذارعة ولا قتاً، ولكن كيلاً، ويدخل في قسم الزرع مع الأرض طعام وأرض بطعام وأرض. وإنما يجوز بيع الزرع مع الأرض بعين أو عرض لا بطعام، كان الزرع أقل من ثلث قيمة الأرض أو أكثر. 3695 - وأما ثمر النخل والعنب فإنه إذا طاب وحل بيعه واحتاجوا إلى قسمته، فإن كانت حاجتهم إليه واحدة، مثل أن يريدوا كلهم أكله أو بيعه رطباً، فلا يقسم بالخرص ولكن كيلاً، وإن اختلفت حاجتهم [إليه] : فأراد بعضهم بيعه، و [أراد] آخر أكله رطباً، وآخر تَيْبيسه، قُسّم بينهم بالخرص إن وجدوا من يعرف الخرص، وعلى كل واحد سقي نخله وإن كان ثمرها لغيره، إذا كانوا قد اقتسموا الأصل قبل الثمرة، لأن على صاحب الأصل سقيه إذا باع ثمرته، وإن لم يطب ثمر النخل والعنب، فلا يقسم بالخرص، ولكن يجذونه فيقسمونه كيلاً.

3696 - قال ابن القاسم: ولا يقسم البقل القائم بالخرص، وليقسم ثمنه، ولا يقسم شيء مما في رؤوس الشجر من الفواكه والثمار بالخرص، وإن اختلفت فيه الحاجة، إلا في النخل والعنب إذا حل بيعهما واختلفت حاجة أهلهما كما ذكرنا، لأن أمر الناس إنما مضى على الخرص فيهما خاصة. وسألت مالكاً عما روي عنه من إجازة ذلك في غيرهما من الفواكه،

[فقال: لا أرى ذلك، ثم سألته غير مرة فأبى أن يرخص لي فيه] . ولا خير في بيع فدان كراث بفداني كراث، أو سريس، أو خس، أو سلق، إلا أن يجذ الجميع قبل التفرق. وكذلك لا خير في بيع ثمرة قد طابت في رؤوس النخل، بثمرة مخالفة لها يابسة، أو هي في شجرها مزهية، إلا أن يجذا ما في الشجر من ذلك قبل أن يتفرقا. وإن جذ أحدهما وتفرقا قبل أن يجذ الآخر، لم يجز، وكذلك لو اشترى ما في رؤوس النخل بحنطة، فدفعها وتفرقا قبل الجذاذ، [لم يجز] . 3696 - ومن باع حائط نخل بمثله ولا ثمر فيهما، أو في أحدهما ثمر مزه أو غير مزه ولا شيء في الآخر، فذلك جائز، وإن كان فيهما طلع قد أُبر، أو بلح، أو تمر قد أزهى، أو رطب، فلا خير في أن يشترط كل واحد ثمرة صاحبه مع أصلها، فإن

تبايعا الأصلين دون ثمرتهما واشترط أحدهما ثمرة الآخر ولم يشترط الآخر شيئاً، جاز ذلك فيهما [إذا كانت ثمرتاهما مأبورة] ، وإن لم تؤبر لم يجز التبادل فيهما بحال، لأن الثمرة إن استثناها بائعها، لم يجز، وإن لم يستثنها وبقيت تبعاً دخله التأخير في بيع الطعامين. وإن أبرت ثمرة أحدهما ولم تؤبر ثمرة الآخر، جاز أن يبيع أحدهما لصاحبه إن بقيت المأبورة خاصة لربها، وإن اشترطها الذي لم تؤبر ثمرته، لم يجز. وأصل ما كره مالك من هذا أن النخل إذا كان فيها بلح، أو طلع، أو رطب، أو تمر، لم يصلح بيعها بما في رؤوسها بشيء من الطعام، إلا أن يجذ ذلك ويتقابضا قبل التفرق، فيجوز إذا كان الطعام مخالفاً لثمر النخل. ويجوز بيعها مع ثمرها بعين أو عرض. 3697 - ولا بأس بقسمة الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالتحري، على أن يجذاه مكانهما إن كان يستطاع أن يعدل بينهما في قسمته تحرياً، وكذلك القضب والتين. وإن ترك الزرع حتى صار حباً انتقض القسم، وقسما ذلك كله كيلاً، وإن

حصد أحدهما حصته، وترك الآخر [حصته] حتى تحبب الزرع، انتقض القسم، إذ لا يجوز بيع ذلك على أن يترك إلى طيبه، وليرد الذي حصد قيمة ما حصد. [قال ابن القاسم:] فتكون تلك القيمة مع الزرع القائم بينهما، لأن القسمة ههنا بيع من البيوع. والبلح الكبير إن اختلفت حاجتهما فيه في أن يأكل هذا بلحاً، ويبيع الآخر بلحاً، جاز قسمه بالخرص، وهو كالبسر في تحريم التفاضل فيه. ومن عرف ما صار له منه، فهو قبض فيه وإن لم يجذه، وإن جذه بعد يوم أو يومين، أو ثلاثة، أو أكثر من ذلك، جاز ما لم يتركه حتى يُزهي، فإن ترك أحدهما حصته أو تركاه جميعاً حتى أزهى، بطل القسم، إذ لا يجوز بيع ذلك على أن يترك حتى يزهي. 3698 - وأما الذين يقتسمون الرطب بالخرص لاختلاف حاجتهم، فللذي يأكل رطباً أن يجذ كل يوم حاجته منه، وإن تركاه أو أحدهما حتى أتمر، لم يبطل القسم، وكذلك في بيعه. ولا بأس بقسمة البسر أو الرطب - بعد أن يجذ - كيلاً، وإن كان يختلف نقصانه إذا يبس، فلا يضره ذلك. ولا بأس بقسمة البلح الصغير بالتحري، على أن يجذاه مكانهما إذا اجتهدا

حتى يخرجا من وجه الخطر، وإن لم تختلف حاجتهما إليه، وإن اقتسماه وفضل أحدهما صاحبه بأمر يعرف فضله، جاز ذلك، كما يجوز [التفاضل] في البلح الصغير، بلح نخلة ببلح نخلتين على أن يجذاه مكانهما، وإنما هو بمنزلة البقل والعلف. وإن تركاه حتى صار بلحاً كبيراً، فإن كان اقتسماه على تفاضل انتقض القسم، وإن اقتسماه على تساو وكان إذا كبر تفاضل [في] الكيل انتقض أيضاً، وإلا لم ينتقض إلا أن يزهي قبل أن يجذاه، أو قبل أن يجذ أحدهما، أو يكونا قد جذا إلا أن أحدهما [قد] بقي له شيء في رؤوس النخل حتى أزهى، فإن أكل أحدهما جميع ما صار له، وأكل الآخر نصف حظه وبقي نصفه حتى أزهى، بطل القسم فيما أزهى ورد الآكل قيمة جميع حظه مع نصف قيمة ما جذ [صاحبه] ، فيقتسمان ذلك مع ما أزهى. 3699 -[قال ابن القاسم:] ولا يجوز قسم اللبن في الضروع، لأن هذا مخاطرة، وأما إن فضل أحدهما الآخر بأمر بيّن على المعروف، وكانا إن هلك ما بيد هذا من

الغنم رجع فيما بيد صاحبه، فذلك جائز، لأن أحدهما ترك للآخر فضلاً بغير معنى القسم. (¬1) 3700 - قال ابن القاسم: ولا بأس بقسمة الصوف على ظهور الغنم إن جزّاه الآن، أو إلى أيام قريبة يجوز بيعه إليها، ولا يجوز ما بَعُد. ويقسم العبيد إذا انقسموا وإن أبى ذلك بعضهم. 3701 - ويجمع في القسم البز كله، من ديباج، [وحرير،] وخز، وثياب كتان، ويجمع مع ذلك ثياب الصوف والأبرية إذا لم يكن في كل صنف من ذلك ما يحمل القسم في انفراده، وإن كان في كل صنف من ذلك ما يحمل القسم في انفراده، قسم منفرداً. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/343) ، والمدونة الكبرى (14/472) .

وقال في باب آخر بعد هذا: فيمن ترك ثياب خز، وحرير، وقطن، وكتان، وجباب، وأكسية، أيقسم كل نوع على حدة، أم يجعل ذلك كله في القسم كنوع واحد؟ قال: أرى أن يجعل ذلك كله في القسم كنوع واحد، فيقسم على القيمة، كما يجمع الرقيق وفيها: صغير، وكبير، ودني، وفاره. وكذلك تقسم الإبل وفيها أصناف، والبقر وفيها أصناف. ولو ترك قُمصاً وجباباً وأردية وسراويلات، جمع ذلك كله في القسم على القيمة، ولا يجمع مع الأمتعة والثياب، بسط أو وسائد. قال ابن القاسم: ولا يجمع في القسم بالسهاد الخيل، والبغال، والحمير، والبراذين، ولكن يقسم كل صنف على حدة، فالخيل والبراذين صنف، والحمير صنف، والبغال صنف، والجذع يكون بين الرجلين، والثوب الواحد والثوب الملفق قطعتين من العدني وغيره، والباب، والمصراعان، والخفان، والنعلان، والرحا، لا يقسم شيء من ذلك إلا بالتراضي، والساعدان، والساقان، والفص،

والياقوتة، واللؤلؤة، والخاتم، هذا كله لا يقسم، فإن اجتمع من كل صنف من ذلك عدد يحمله القسم، قسم كل صنف على حدة، ولا يجمع من ذلك صنفان في القسم، والغرارتان إن لم تكن في قسمتهما فساد، قسمتا، وإلا لم تقسما. والحبل والخرج إذا أبى أحدهما قسمته لم يقسم. والمحمل إذا كان في قسمته ضرر ونقص ثمن، لم يقسم، إلا أن يجتمعا على ذلك. وتقسم الجبنة وإن أبى أحدهم كالطعام. 3702 - ومن هلك وترك عروضاً حاضرة وديوناً على رجال شتى، فاقتسم الورثة، فأخذ أحدهم العروض، وأخذ آخر الديون على أن يتبع الغرماء، فإن كان الغرماء حضوراً [مقرين] وجمع بينه وبينهم، جاز، وإن كانوا غُيّباً، لم يجز، إذ لا يجوز شراء دين على غريم غائب. وإن ترك ديوناً على رجال، لم يجز للورثة أن يقتسموا الرجال فتصير ذمة بذمة، وليقتسموا ما على كل واحد.

3703 - وإذا ادعى أحد الشركاء بعد القسم غلطاً، مضى القسم ويحلف المنكر، إلا أن تقوم للمدعي بينة، أو يتفاحش الغلط فينقض، كمن باع ثوباً مرابحة ثم ادعى وهماً، فلا يقبل منه إلا ببينة، أو يأتي من رقم الثوب ما يدل على الغلط فيصدق مع يمينه، وكذلك في القسم، ولو قسما عشرة أثواب فأخذ هذا ستة وهذا أربعة، ثم ادعى صاحب الأربعة ثوباً من الستة في قسمه، لم ينتقض القسم إذا شبه قسم الناس، وحلف حائز الستة، وكذلك إن أقاما جميعاً البينة فتكافأت، وكذلك الغنم. وليس هذا كمن باع عشرة أثواب من رجل فقبضها المبتاع ثم قال البائع: لم أبع إلا تسعة وغلطت بالعاشر، وقال المبتاع: بل اشتريت العشرة، هذا إذا كانت الثياب قائمة انتقض البيع فيها بعد أيمانها بخلاف القسم. 3704 - ولو اقتسما داراً فتداعيا بيتاً منها، وليس ذلك البيت بيد أحدهما، تحالفا وتفاسخا، ومن حاز البيت وأقام بينة، صدق. ومن لزمته منهما لصاحبه يمين فنكل، لم يقض لصاحبه حتى يرد اليمين عليه. ولو قال كل واحد [منهما] : حد الساحة من ههنا، ودفع إلى جانب

صاحبه، فإن كانا اقتسما البيوت على حدة [والساحة على حدة] ، تحالفا إن لم تكن بينهما بينة، وفسخ قسم الساحة وحدها. ولو جمعاهما في القسم تراضياً بذلك، فسخ الجميع إذا حلفا. وإن قسما أرضاً على أن لا طريق لأحدهما على الآخر، وهو لا يجد طريقاً إلا عليه، لم يجز بالقسم] ، وليس هذا من قسم المسلمين. 3705 - وإذا انقلعت نخلة لك في أرض رجل من الربح، أو قلعتها أنت، فلك أن تغرس مكانها نخلة أو شجرة من سائر الشجر، تعلم أنها لا تكون أكثر انتشاراً ولا أكثر ضرراً في الأرض من النخلة [الأولى] ، ولا تغرس مكانها نخلتين، وإن كانت لك في أرض رجل نخلة، فليس له منعك من الدخول إليها، لإصلاحها ولجذاذها، أنت ومن يلي ذلك لك، وإن كانت أرضه مزروعة، فلك السلوك فيها من غير ضرر له مع من يجذها لك. (¬1) وليس لك أن تجمع لذلك نفراً يطؤون زرعه، ولو كان لك في وسط أرضه المزروعة أرض لك فيها رعي، لم يكن لك السلوك بماشيتك فيها إليه لترعاها، ولك الدخول لاحتشاشه. وإذا كان لك نهر ممرُّه في أرض قوم، فليس لك منعهم أن يغرسوا في حافتيه ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/101) .

شجراً، فإذا كنست نهرك حملت على سنّة البلد في طرح الكناسة، فإن كان الطرح بضفتيه، لم تطرح ذلك على شجرهم إن أصبت دونها من ضفتيه متسعاً، فإن لم يكن فبين الشجر، فإن ضاق عن ذلك طرحت فوق شجرهم إذا كان سنة بلدهم طرح طين النهر على حافتيه. 3706 - ومن هلك وعليه دين وترك داراً بيع منها بقدر الدين، ثم قسَّم الورثة باقيها، إلا أن يخرج الورثة الدين من أموالهم، فتبقى لهم الدار فيقتسمونها، وإن هلك وعليه دين وترك دوراً ورقيقاً، وصاحب الدين غائب، فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة، أو لم يعلموا بالدين، فاقتسموا ميراثه، ثم علموا بالدين، فالقسمة ترد حتى يُوفى الدين إن كان ما اقتسموا قائماً، فإن أتلف بعضهم حظه وبقي حظ بعضهم بيده، فلرب الدين أخذ دينه مما بيده، فإن كان دينه أقل مما بيده، أخذ قدر دينه وضم ما [بقي] بيد هذا الوارث بعد الدين إلى ما أتلف بقية الورثة، فكان هو التركة، فما بقي بيد الغارم كان له، ويتبع جميع الورثة بتمام مورثه من مال الميت بعد الدين إن بقي له شيء. ويضمن كل وارث ما أكل أو استهلك مما أخذ، وما باع فعليه ثمنه لا قيمته إن لم يجاب.

قال مالك: وما مات بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله عز وجل من عرض أو غيره، فلا ضمان على من هلك ذلك بيده، وضمانه من جميعهم. [قال] ابن القاسم: لأن القسمة كانت بينهم باطلة، للدين الذي على الميت. وإذا جُني على الرقيق بعد القسم قبل لحوق الدين، فإن جميعهم يتبع الجاني لانتقاض القسم بلحوق الدين. وإذا قسم القاضي بينهم، لم يأخذ منهم كفيلاً بما لحق من دين. فإن قسم القاضي بينهم ثم طرأ دين، انتقضت القسمة، كقسمتهم بغير أمر القاضي وهم رجال. وإذا أقر أحد الورثة بعد القسمة بدين على الميت، فإن كان عدلاً حلف الطالب معه واستحق، فإن قال الورثة: إنما أقر لينقض القسم، قيل لهم: فادفعوا أنتم وهو الدين، ويتم القسم، وإلا أبطلنا القسم وأعطينا هذا دينه وقسمنا بينكم ما بقي. فإن أخرجوا مَنابَتَهم من الدين وأبى المقر إلا نقض القسم قيل له: إما أخرجت منابتك من الدين، وإلا بعنا عليك فيه ما صار لك بالقسم.

ولو أقر قبل القسم وحلف معه الطالب، لم يجز لهم أن يقتسموا حتى يأخذ رب الدين دينه. وإذا طرأ [على الورثة] وارث أو موصى له بالثلث بعد القسم، والتركة عين أو عرض، فإنما يتبع كل وارث بقدر ما صار إليه من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك. ولا [يكون لهذا الوارث الذي طرأ على ورثة الميت أن] يتبع المليئ منهم بما على المعدم، وليس كغريم طرأ على ورثة، ولكن كغريم طرأ على غرماء وقد قسموا مال الميت أجمع وأَعْدَم بعضهم، فلا يتبع المليئ إلا بما عنده من حصته في الحصاص. وهذا مذكور في كتاب المديان. وإن كانت التركة دوراً ليس فيها عين، فاقتسمها الورثة، ثم قدم وارث أو موصى له بالثلث، نقض القسم، كانوا قد جمعوا الدور في القسم أو قسموا كل دار على حدة. ولو قدم موصى له بدنانير أو دراهم يحملها الثلث، كان كلحوق الدين، إما أدّوه أو نقض القسم، ولا يجبرون على أدائه من أموالهم، ومال الميت قائم، وما هلك بأيديهم مما أخذوه من مال الميت بغير سببهم، لم يضمنوه.

ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية أو الدين، وأبى أحدهم، وقال: انقضوا القسم وبيعوا لذلك واقسموا ما بقي، فذلك له، وهذا إذا كان ما في يد الذي أبى قد تغير بانهدام مساكن، أو بحوالة سوق الحيوان، أو بنقص دخلها في أبدانها. فأما إذا مات ما أخذ من [الحيوان و] الرقيق، أو صارت المساكن خرباً، أو نحو هذا من التلف، فلا يرجع عليه بشيء من قبل الدين. ولا يرجع هو على من قاسمه بشيء، ويقال للذين بقوا: إما أديتم جميع الدين وتبقى قسمتكم بحالها، وإلا نقض القسم بينكم وأديتم الدين مما [بقي] في أيديكم خاصة. ولو دعوا إلى نقض القسم إلا واحداً قال: أنا أؤدي جميع الدين، والوصية عيناً كانت أو طعاماً، ولا أتبعكم بشيء ولا تنقضوا القسم، لرغبته في حظه، وقد قسموا ربعاً أو حيواناً، فذلك له. 3707 - وإذا ورث قوم نصف دار والشريك غائب، فأحبوا القسم، فالقاضي يلي ذلك على الغائب ويعزل حظه، وكذلك هذا في الرقيق وجميع الأشياء.

وإنما يتوقف في الحكم على الغائب ويستأنى إذا ادعي في ربعه، وكذلك إن كان الشريك حاضراً وغاب بعض الورثة فقام الحاضرون، أو قام موصى له بالثلث والورثة غياب، فطلب القائم القسم، فالقاضي يلي ذلك ويوكل من يقسم بينهم، ويعزل نصيب الغائب، فإن رفعوا ذلك إلى صاحب الشرطة، فسمع منهم وقسم بينهم، لم يجز ذلك إلا بأمر القاضي. 3708 - ولا تقسم أصناف مختلفة بالسهم، مثل أن يجعلوا [[البقر حظاً] ، والعروض، حظاً و] الدور حظاً، والرقيق حظاً، ويستهموا، وإن اتفق قيم ذلك، لأنه خطر، وإنما تقسم هذه الأشياء كل نوع على حدة، [والبقر على] [حدة،] والغنم على حدة، والعروض على حدة، إلا أن يتراضوا على شيء بغير سهم، [فيجوز] . وكذلك لا يجوز أن يجعلوا دنانير ناحية، وما قيمته مثلها ناحية من ربع أو عرض أو حيوان، ويقترعون. وأما بالتراضي بغير قرعة، فجائز. (¬1) ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/337) .

وأما داران في موضع [واحد] وإن تفاضلتا في البناء، كواحدة جديدة وأخرى قديمة، أو دار بعضها رثيث وباقيها جديد، فذلك يجمع في القسم، لأنه صنف واحد، منه جيد ودون بالقيم، كقسمة الرقيق على تباينها. وكل صنف لا بد من ذلك فيه، فإن كان كل صنف من ذلك لا يحمله القسم، بيع عليهم الجميع، إلا أن يتراضوا على شيء بغير سهم، فيجوز. 3709 - ومن هلك وترك متاعاً وحلياً، قسم المتاع بين الورثة بالقيمة، والحلي بالوزن، فإن قال أحدهم: أعطوني حظكم من الحلي بوزنه ذهباً يداً بيد، فرضوا، جاز ذلك. وإذا كان في الحلي جوهر لا يبين منه، فإن كانت الفضة أو الذهب فيه قدر الثلث فأدنى، أو كانت سيوفاً محلاة كذلك، حلية كل سيف منها الثلث فأدنى، جاز قسم ذلك بالقيمة كالعروض، إذ يجوز بيع السيف فضته الثلث فأقل بفضة نقداً، أقل مما فيه أو أكثر. [ويجوز أن يباع]

بفضة وعرض، أو بسيف فضته أكثر من الثلث أو أدنى، وكذلك القسمة. فأما إن كان فضة كل سيف أكثر من الثلث، لم يجز قسمتها بالقيمة، وكذلك الحلي، 3710 - وإذا قسم القاسم بين قوم فلم يرض أحدهم بما أخرج السهم له أو لغيره، وقال: لم أظن هذا يخرج لي، فقد لزمه، وقسم القاسم ماض، كان في ربع أو حيوان أو غيره. وكذلك إن قالوا له: غلطت، أو لم تعدل، مضت قسمته ونظر الإمام في ذلك، فإن كان قد عدل في القسمة أمضاه، وإلا رده، ولم ير مالك قسمة القاسم بمنزلة حكم القاضي. ولا يجوز لأجنبي أن يشتري [من] أحدهم ما يخرج له بالسهم من الثياب، إذ لا شركة له فيها، وإنما جاز ما أخرج السهم في تمييز حظ الشريك خاصة، لأن القسمة عند مالك بالقرعة ليست من البيوع.

والقسمة تفارق البيوع في بعض الحالات، وإذا دعا أحد الشريكين إلى قسمة ثوب بينهما، لم يقسم، وقيل لهما: تقاوياه فيما بينكما أو بيعا، فإذا استقرا على ثمن فلمن أبى البيع أخذه، وإلا بيع. 3711 - وإذا ورثا نخلاً وكرماً، لم يعرفاه ولم يرياه، أو عرف ذلك أحدهما، فرضيا أن يأخذ أحدهما الكرم والآخر النخل، لم يجز ذلك إلا أن يكونا رأيا [ذلك] ، أو وصف لهما. ولا بأس أن يقتسما داراً غائبة على ما وصف لهما من بيوتها وساحتها، ويميزا حصتيهما منها بالصفة، كبيعها على الصفة، ولو قسما على أن لأحدهما الخيار أياماً يجوز مثلها في البيع في ذلك الشيء، فجائز، وليس لمن لا خيار له منهما رد، وذلك لمشترطه. وإذا بنى من له الخيار، أو هدم، أو ساوم للبيع، فذلك رضى كالبيوع. 3712 - ويجوز أن يقاسم على الصغير أبوه، أو وصيه، الدور والعقار وغيره، ملك

ذلك بمورث عن أمه أو بغير ذلك، ولا يقسم الوصي بين الأصاغر حتى يرفع [ذلك] إلى الإمام ويراه نظراً. وإن كان معهم [إخوة] أكابر، أحببت له أن يرفع [أمرهم] إلى الإمام، فإن قاسم الكبار [وصي] للصغار دون الإمام، جاز إذا اجتهد، حضر الأصاغر أو غابوا، وما صار لكل صغير منهم بقسم وصي أو قاض مع أكابر، بقي بحاله لا تخلط أنصباؤهم بعد ذلك، ولو غاب أحد الأكابر، لم تجز قسمة الوصي عليه، ولا يقسم لغائب إلا الإمام، ويوكل بذلك ويجعل ما صار له بيد أمين. وليس لوصي الأصاغر أن يقول: ابقوا حظ الغائب بيدي. وقال في الجالفة: لتقاسمنّ أخوتها أحب إليّ أن يرفعوا ذلك إلى القاضي، فيأمر من يقسم بينهم خوفاً من الدلسة فتحنث. وإذا قاسم على الصغير أبوه فحابى، لم تجز محاباته في ذلك، ولا هبته، ولا صدقته بمال ابنه الصغير، ويرد ذلك إن وجده بعينه.

قال: وترد الصدقة وإن كان الأب موسراً، فإن فات لك عند المعطى وتلف ضمنه الأب إن كان موسراً، يوم يختصمون دون المعطى، فإذا غرم الأب في ملائه، لم يكن للأب ولا للابن على الأجنبي شيء، وإن كان الأب عديماً رجع الولد على المعطى، فإن كان الأب والمعطى عديمين اتبع الولد أولهما يسراً بالقيمة، ومن أدى منهما لم يرجع على صاحبه بشيء. ولو أيسر الأب أولهما، لم يكن للابن تركه واتباع الأجنبي، كما ليس له ذلك في ملائهما. وإن أعتق الأب غلام ابنه الصغير، جاز ذلك إن كان الأب موسراً يوم أعتق، وعليه الثمن في ملائه. وإن كان معسراً يوم أعتق لم يجز عتقه ورُدّ، قال مالك: إلا أن يتطاول زمان ذلك، وينكح الحرائر وتجوز شهادته فلا يرد عتقه ويتبع الأب بقيمته. وفي كتاب الشفعة ذكر بيع الوصي عقار اليتامى. (¬1) 3713 - وإذا أسند مسلم وصيته إلى ذمي أو مسخوط، لم يجز ذلك ولا يكون وصياً. وإذا هلكت امرأة وتركت ولداً صغيراً يتيماً لا وصي له، فأوصت بالصبي وبمالها إلى رجل، لم يجز ذلك ولا يكون وصياً، ولا تجوز مقاسمته عليه، إلا أن المال ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/494) ، ومواهب الجليل (5/74) .

الذي ورث الولد من أمه لا ينزع من الوصي إن كان يسيراً نحو ستين ديناراً، استحسنه مالك وليس بقياس. وإن أوصت إليه بتنفيذ ثلثها، جاز [وله] تنفيذه، ولا يكون وصي العم، أو الجد، أو الأخ وصياً في يسير مال ولا كثيره، والأم بخلافهم إذ لها اعتصار ما وهبت لولدها. وهذا المال الذي أوصوا به، ينظر فيه السلطان ويحوزه على الصغير والغائب. 3714 - ولا تجوز قسمة الأب على ابنه الكبير وإن غاب، ولا الأم على ابنها الصغير إلا أن تكون وصية، ولا الكافر على ابنته المسلمة البكر، كما لا [يجوز له] تزويجها. ويجوز قسم ملتقط اللقيط عليه. (¬1) ومن كنف أخاً له صغيراً، أو ابن أخ له احتساباً، فأوصى له أحد بمال فقام عليه، لم يجز بيعه له ولا قسمه. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (14/493) .

وكذلك لو وثب على تركة أخيه وولده بغير إيصائه، فهو كالأجنبي، ولا يجوز قسم الزوج لزوجته البكر ولا قبض مالها، والأب أو وصيها أولى بذلك وإن دخلت حتى يؤنس رشدها بعد الدخول، فيدفع إليها مالها حينئذ. وليس للزوج قضاء في مالها قبل البناء ولا بعده، وإن مات الأب ولم يوص، لم يجز للزوج أن يقسم لها إلا بأمر قاض. 3715 -[قال ابن القاسم:] وإذا اقتسم شريكان دوراً، أو أرضين، أو رقيقاً، أو عروضاً، فوجد أحدهما ببعض ما أخذ عيباً، فإن كان وجه ما نابه أو أكثره ردّ الجميع وابتديا بالقسم إلا أن يفوت بيد صاحبه ببيع، أو هبة، أو حبس، أو صدقة، أو هدم، أو بناء، فيرد قيمته يوم قبضه، فيقتسمان تلك القيمة مع الحاضر المردود، وليس حوالة الأسواق في الدور فوتاً، وإن كان المعيب الأقل، رده ولم يرجع فيما بيد شريكه وإن لم يفت، إذ لم ينقض القسم، ولكن ينظر فإن كان المعيب قدر سُبع ما بيده، رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمناً، ثم يقتسمان هذا المعيب.

وكذلك إن اقتسما داراً واحدة ثم وجد أحدهما عيباً يسيراً أو كثيراً، أو اقتسما على التراضي، فأخذ أحدهما نخلاً ودوراً ورقيقاً وحيواناً، وأخذ الآخر بزاً وعطراً وجوهراً، فأصاب أحدهما بصنف مما أخذ عيباً فعلى ما ذكرنا، ولو بنى أحدهما في حصته من الدار وهدم بعد القسمة، ثم وجد عيباً، فذلك فوت، ويرجع بنصف قيمة العيب ثمناً على ما فسرنا. 3716 - ومن ابتاع داراً عظمى أو نخلاً فاستحق بعضها، أو وجد بها عيباً، فأما اليسير كبيت من دار عظمى، أو نخلات يسيرة من كثيرة، فإن ذلك يرجع بحصته من الثمن، ويلزمه البيع فيما بقي، وإن كان كثيراً رد البيع. وكذلك القسمة. 3717 - وإذا اقتسم رجلان حنطة، فأصاب أحدهما بما أخذ عيباً بعد أن طحنها، رد قيمتها، ويرد الآخر الطعام أو مكيلته إن فات، ثم يقتسمان ذلك، وليس له أن يرجع بنصف قيمة العيب في حنطة صاحبه فيدخله التفاضل في الطعام، ولا عليه أن يأتي بحنطة معيبة مثلها، إذ لا يحاط بمعرفته. وكذلك من ابتاع عرضاً أو حيواناً أو غيره، فوجد به عيباً بعد أن فات عنده، فليس عليه ولا له أن يأتي بسلعة معيبة مثلها، إذ لا يحاط بذلك ولا بمعرفته،

ولو كان يحاط بمعرفته، كان له أن يخرج مثلها فيما يكال أو يوزن. 3718 - وإذا تبادلا قمحاً عفناً بعفن مثله، فإن اشتبها في العفن فلا بأس بذلك وإن تباعدا لم يجز، وإن كانا مغشوشين، أو كان أحدهما أو كلاهما كثير التبن أو التراب حتى يصير خطراً، لم يجز أن يتبادلا إلا في الغلث الخفيف، أو يكونا نقيين. وكذلك سمراء مغلوثة بشعير مغلوث، لا يجوز إلا أن يكون ذلك شيئاً خفيفاً. وليس حشف التمر بمنزلة غلث الطعام، لأن الحشف من التمر، والغلث في الطعام من غير الطعام. ولو كان الطعام المغلوث صبرة واحدة، جاز أن يقتسماها، وإن كانا صبرتين مختلفتين، لم يجز ذلك، للغرر في موضع غلث هذه من غلث هذه. والذي أجيز من القمح بالقمح أو بالشعير، أن يكونا نقيين ويكونا مشتبهين، ولا يكون أحدهما مغلوثاً والآخر نقياً. قال مالك: ويغربل القمح للبيع، وهو الحق الذي لا شك فيه.

ومن اشترى عبداً فباع نصفه، ثم استحق [رجل ربع] جميع العبد، فقد جرى الاستحقاق فيما بيع وفيما بقي. ومن قول مالك فيمن ابتاع عبداً كاملاً، فاستحق أيسره، أن له رده كله لضرر الشركة، أو يحبس ما بقي من العبد بحصته من الثمن. [قال ابن القاسم:] فالمستحق في مسألتك يأخذ الربع من جميع ما باع المبتاع ومما أبقى، ثم للمبتاع الثاني أن يرجع من ثمنه على بائعه بقدر ما استحق من العبد من حصته، أو يرد بقية صفقته إن شاء، ويخير المشتري الأول أيضاً كما وصفنا. ولو اطلع المبتاع على عيب به بعد أن باع نصفه، فرضي به المبتاع الثاني، فأراد المشتري الأول رده، فالخيار ههنا للبائع في أن يغرم له نصف قيمة العيب، أو يقبل نصف العبد بنصف الثمن. 3719 - وإن اقتسما عبدين فأخذ هذا عبداً وهذا عبداً، فاستُحق نصف أحدهما، فللذي استُحق ذلك من يديه أن يرجع على صاحبه بربع العبد الذي في يديه إن كان قائماً، وإن فات ببيع أو حوالة سوق فأعلى، رجع على صاحبه بربع قيمته يوم قبضه، ولا خيار له في [غير] هذا.

وأما إن ابتاع عبداً، فله رده باستحقاق أيسره، لضرر الشركة فيه من منع السفر أو الوطء في الأمة، بخلاف مبتاع عبدين متكافئين يستحق أحدهما، أو مبتاع لدور أو سلع، لا ترد في تلك الصفقة إلا باستحقاق أكثرها. وقد تقدم كثير من هذا المعنى في كتاب الاستحقاق، و [في كتاب] العيوب. 3720 - وإن اقتسما داراً، فأخذ هذا ربعها من مقدمها، وأخذ الآخر ثلاثة أرباعها من مؤخرها، جاز ذلك، فإن استُحق نصف نصيب أحدهما، رجع على صاحبه بربع قيمة ما بيده، ولا تنقض القسمة في هذا إذا [كان الذي] استحق من يد كل واحد منهما تافهاً يسيراً، وإن استحق جل ما بيده انتقضت القسمة ورد ما بقي بيده وابتدأ بالقسم، إلا أن يفوت نصيب صاحبه، فيخرج قيمته بحال ما وصفنا. 3721 - وإن اقتسما عشرين شاة، فوقع لهذا خمسة عشر، ولهذا خمسة بالقيمة والسهم، جاز [ذلك] . فإن استحقت شاة من يد أحدهما، لم ينتقض القسم، ونُظر فإن كانت قدر خمس ما بيده، رجع على صاحبه بعشر قيمة ما بيده، وإن استحق جُلّ ما صار

لأحدهما، انتقض القسم، ولا يجوز في قسم ثمر الحائط تفضيل أحد في الكيل، لرداءة حظه، ولا [على] التساوي في المقدار على أن يودي آخذ الجيد ثمناً لصاحبه. ولا يجوز بيع حنطة ودراهم، [بحنطة] مثلها. ولو اقتسما ثلاثين قفيزاً من قمح، وثلاثين درهماً، فأخذ أحدهما الدراهم وعشرة أقفزة، وأخذ الآخر عشرين قفيزاً، فإن كان القمح مختلفاً سمراء ومحمولة، أو نقياً ومغلوثاً لم يجز. وإن تساوى القمح في النقاء والجودة والجنس، أو كان من صبرة يتفق أعلاها وأسفلها، فذلك جائز بخلاف المتبايعين، لأن هاهنا لم يأت أحدهما بطعام [وأتى] الآخر بطعام ودراهم، فيكون فاسداً. ولو اقتسما مائة قفيز من قمح، ومائة من شعير، فأخذ هذا ستين قمحاً وأربعين شعيراً، وأخذ الآخر ستين شعيراً وأربعين قمحاً، فذلك جائز. وإن اقتسما حنطة وقطنية، فأخذ هذا الحنطة، [وأخذ] هذا القطنية يداً بيد، جاز.

ولو كان الصنفان زرعاً قد يبس، لم يجز إلا على أن يحصداه مكانهما. [قال مالك:] ولو كان الزرع كله صنفاً واحداً، لم تجز قسمته وإن يبس حتى يحصد ويدرس ويقسم كيلاً. 3722 - وإن اقتسما داراً أو أرضاً فبنى أحدهما أو غرس، ثم استحق نصف نصيبه، فذلك فوت، وكذلك إن استحق نصف نصيب الذي لم يبن، فليرد الذي لم يبن ما بقي، ويرد الذي [غرس أو] بنى قيمة جميع حظه لفوته بالعمارة، ويقتسمان ذلك كله إن كان ما استحق كثيراً، وإن كان يسيراً تُركت القسمة ونظر إلى ما قابل ذلك مما بيد صاحبه، فيرجع عليه بنصف قيمته. ولو كان الاستحقاق في نصيب الذي عمَّر، فإما دفع إليه المستحق قيمة ما عمَّر قائماً، وإلا دفع إليه هذا قيمة أرضه [براحاً] ، إذ ليس بغاصب، ونظر، فإن كان الذي استحق قليلاً قدر ربع ما بقي في يديه، لم ينتقض القسم ورجع على صاحبه بثمن قيمة ما في يديه، ولا يرجع بذلك في حظ شريكه وإن كان قائماً.

قال ابن القاسم: وأنْظُر أبداً إلى ما استحق، فإن كان كثيراً كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك فيما بيد صاحبه شريكاً فيه إن لم يفت، وفي اليسير يرجع بنصف قيمة ذلك ثمناً من دنانير أو دراهم. وكذلك في العبيد. 3723 -[قال مالك:] ومن اشترى مائة إردب [قمح] ، فاستحق منها خمسون، خُيّر المبتاع بين أخذ ما بقي بحصته من الثمن أو رده. وإن أصاب بخمسين إردباً منها عيباً، أو بثلث الطعام، أو بربعه، فإنما له أخذ الجميع أو رده، وليس له رد المعيب وأخذ الجيد خاصة، وإن اقتسما عشرين داراً بالسهم أو التراضي، فوقع لكل واحد عشر دور فاستحقت واحدة، أو وُجد بها عيب، فإن كان جل ما بيد من وقعت له أو أكثره ثمناً، انتقض القسم، وإن لم يكن جله فإن كانت قدر عشر نصيبه وقد استحقت، رجع بنصف عشر قيمة ما بيد الآخر ثمناً، ولا يرجع فيه وإن كان قائماً. وإن كان [إنما] وجد بها عيباً فيردها، وليرد الآخر عشر قيمة ما بيده، ثم يكون ذلك مع الدار المعيبة بينهما، إذا لم ينتقض القسم. واستحقاق دار من دور في البيوع بخلاف الدار الواحدة يبتاعها، ثم يستحق بعضها لما يدخل عليه من الضرر فيها فيما يريد أن يبني أو يسكن، إلا أن لا يضره

ذلك في بقيتها فيكون كالدور، واستحقاق النصف أو الثلث فيها كثير، يوجب له رد بقيتها أو حبسه بحصته من الثمن. 3724 - وإن اقتسما جاريتين فأخذ كل واحد منهما واحدة، فاستحقت جارية أحدهما بعد أن أولدها، فلربها أخذها وقيمة ولدها، ويرجع هذا على صاحبه بنصف الجارية الأخرى إن لم تفت، فإن فاتت بتغير سوق فأعلى، أخذ منه نصف قيمتها يوم قبضها. وقد قال مالك فيمن استحق أمة وقد ولدت من مبتاعها: إنه يأخذها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق، وأخذ به ابن القاسم، ثم رجع مالك فقال: لا يأخذها، لأن في ذلك على المبتاع ضرراً لما يلحقه من العار ويلحق ولده إذا أخذت منه، ولكن يأخذ المستحق قيمتها وقيمة ولدها. قال ابن القاسم: ولو رضي المستحق بأخذ قيمتها، لم يكن للذي أولدها أن يأبى ذلك، ويجيز حينئذ في قولي مالك جميعاً على غرم قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق. [قال مالك:] وإنما يأخذ قيمتها يوم يستحقها، لأنها لو ماتت عند

المبتاع قبل أن يستحقها ربها، لم تلزم المبتاع قيمتها، [ولو لزمته قيمتها] إذا هلكت ما لزمه من قيمة ولدها شيء، فليس لربها إلا قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق. ومن باع أمة في سوق المسلمين بعين، أو عرض، أو حيوان، ثم استحقت من يد المبتاع بعد أن حالت بيده في سوق أو بدن بأمر من الله، وحال الثمن الذي بيعت به إن كان عرضاً، بزيادة أو نقص في سوق أو بدن بأمر من الله تعالى، فليس لربها إلا أن يأخذها بحالها، أو يجيز البيع ويأخذ من بائعها ما بيعت به على ما هو [به] من نقص أو نماء، لأن من باع عرضاً بعرض فوجد أحدهما بالعرض الذي أخذ عيباً وقد حال سوقه، فليرده ويأخذ عرضه ما لم يفت بحوالة سوق، [فإن فات] ، فلا يكون له إلا قيمته. والموصى له بالثلث إذا قاسم الورثة فأخذ ثلث الربع فبناه، ثم استحق ما بيده فللمستحق أن يعطيه قيمة بنائه، وإلا أعطاه هذا قيمة أرضه براحاً، فإن دفع إليه المستحق قيمة البناء وكان ذلك أقل مما أنفق فيه بحوالة سوق النقض، لم يرجع بنقض ذلك على الورثة ولا [على] غيرهم، وينتقض القسم، ويرجع فيقاسم الورثة

ما في أيديهم من الربع إلا أن يفوت ببناء أو بيع، فيرجع عليهم بقيمة الرباع يوم قبضوها، فيقتسمون تلك القيمة. وإن فات ذلك بهدم، لم يكن له غير ثلث ذلك مهدوماً مع ثلث النقض. وإن بيع من النقض شيء، فله ثلث ثمنه فقط ولا قيمة له عليهم، لأن من ابتاع داراً فهدمها، أو احترقت في يديه، ثم استحقت، فللمستحق إن شاء اتباع البائع بالثمن أو أخذ داره مهدومة، ولا تباعة له على المبتاع إلا أن يكون باع من النقض شيئاً، فعليه الثمن الذي قبض فيه. وكذلك إن ابتاع جارية فعميت عنده، ثم استحقت، فلا شيء عليه، وإنما لربها أخذها بحالها، أو أخذ ثمنها من البائع. 3725 - وإذا كان بين رجلين نقض دون القاعة، جاز أن يقتسماه على تراض، أو بالقيمة والسهم، ويجبر من أباه منهم لمن أراده، فإن أراد هدم النقض ورب العرصة غائب، رفعا ذلك إلى الأمام، فإن رأى شراء ذلك للغائب بقيمة النقض منقوضاً، فعل، وإلا تركهم ولزم الغائب ما فعل السلطان، قيل: فمن أين يدفع الإمام الثمن عن الغائب؟ قال: هو أعلم بذلك.

فإن نقضا البناء دون الإمام، فلا شيء عليهما ويقتسمان النقض. وفي كتاب العارية ذكر [أمدٍ] ما يقيم النقض في العرصة المعارة. وإذا بنيا في عرصة رجل بإذنه، فأقام بناؤهما [في العرصة] قدر ما يعار إلى مثله، ثم أراد ربها إخراج أحدهما، فإن قدر على قسمة البناء قسم وخُير في المُخْرَج، فإما أعطاه قيمة حصته أو أمره بقلعه، وإن لم ينقسم قيل للشريكين: لا بد أن يقلع هذا الذي قال له رب العرصة: اقلع نقضك، فاصطلحا، إما تقاوياه أو بِيعاه، فإن باعا وبلغ ثمناً فللمقيم في العرصة أخذ ذلك بشفعته ما بلغ. ولا يقسم الطريق في الدار إذا امتنع بعضهم، ويقسم الجدار إن لم يكن فيه ضرر وكان ينقسم، فإن كان فيه ضرر لم يقسم، وإن كان لكل واحد عليه جذوع لم يقسم وتقاوماه. وتأول مالك قول الله تعالى: ×مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا% [النساء: 7] ،

فرأى أن يقسم البيت الصغير وإن لم يقع لأحدهم ما ينتفع به، والأرض القليلة، والدكان الصغير في السوق وإن كان أصل العرصة بينهم، والحمام والماجل، وكل شيء عنده [يقسم] . 3728 - قال ابن القاسم: وإنما لم يقسم الطريق والجدار إذا كان في ذلك ضرر، لأنه لا كبير عرصة لهما، فلا يقسمان إلا بتراض أو على غير ضرر. وأنا أرى أن [كل] ما لا ينقسم إلا بضرر ولا يكون فيما يقسم منه منتفع من دار، أو أرض، أو حمام، فإنه لا يقسم، ويباع فيقسم ثمنه، لقول النبي ÷: "لا ضرر ولا ضرار". (¬1) ¬

(¬1) رواه ابن ماجة (2/784) ، والشافعي في مسنده (1/224) ، والحاكم في المستدرك (2/66) ، ومالك (2/745) ، والدارقطني في سننه (3/77) ، (4/227) ، وانظر: نيل الأوطار (5/387) ، وبداية المجتهد (2/200) ، والمدونة (14/436) ، ومواهب الجليل (5/171) .

وكذلك الماجل، إلا أن يصير لكل واحد ماجل ينتفع به، فليقسم. 3729 - ولا يقسم أصل العيون ولا الآبار، ولكن يقسم شربها بالقِلْد، قيل: فإن كانت نخلة وزيتونة بين رجلين هل يقسمانهما؟ قال: إن اعتدلتا في القسم وتراضيا [بذلك] بينهما قسماهما، فأخذ هذا واحدة وهذا واحدة، فإن كرها لم يجبرا، وإن لم يعتدلا في القسم تقاوماهما، أو باعاهما مثل ما لا ينقسم من ثوب أو عبد أو غيره، ومن دعا منهما إلى البيع أُجبر عليه من أباه، فإذا استقر على ثمن فلمن أبى البيع أخذ ذلك بما بلغ ولا بيع. وإذا كانت دار داخلها لقوم، وخارجها لقوم، وللداخلين الممر على أهل خارجها، فأراد أهل خارجها تحويل بابها إلى موضع قريب من مكانه، لا ضرر

على الداخلين فيه، فذلك لهم، وإن لم يقرب موضعه فللداخلين منعهم، ولهم منعهم من تضييق باب الدار. (¬1) 3730 - ولو اقتسم أهل الداخلة، فأراد أهل كل نصيب [منهم] فتح باب لنصيبه إلى الخارجة لممره، فللخارجين منعهم ألا يدخلوها إلا من الباب الأول. [قال مالك - رحمه الله -: وليس العمل على حديث عمر - رضي الله عنه - في الخليج الذي أمرَّه في أرض رجل بغير رضاه] . وإذا كانت دار بين رجلين لأحدهما دار تلاصقها، فأراد أن يفتح في المشتركة باباً يدخل منه إلى داره، فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح. فإن قسّما فقال: اجعلوا نصيبي إلى جنب داري حتى أفتح فيه باباً، لم يقبل منه ذلك، وقسمت الدار بالقيمة، فحيث وقع سهمه أخذه وإن كان في الناحية الأخرى. وإن اقتسما هذه الدار فاشترى أحد النصيبين رجل يلاصق داره، ففتح إلى النصيب من داره باباً وجعل يمر من داره إلى طريق هذا النصيب هو ومن اكترى منه، أو سكن معه، فذلك له إن أراد ارتفاقاً، ولا يمنع. وإن أراد أن يجعل ذلك فيه، كسكة نافذة لممر الناس يدخلون من باب داره ويخرجون كالزقاق، فليس له ذلك. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/283) .

وإن قسما داراً على أن يأخذ كل واحد طائفة، فإن من صارت الأجنحة في حظه، فهي له ولا تعد من الفناء، وإن كانت في هوى الأفنية، وهي تُعد من البناء. قال: وفناء الدار لهم أجمعين، للمرفق به، ولا بأس بالتفاضل في قسمة التراضي، أو يزيد أحدهما الآخر عرضاً أو حيواناً بعينه، نقداً أو موصوفاً إلى أجل معلوم، أو عيناً نقداً أو مؤجلاً، أو [على] هبة، [أو هدية] أو صدقة معلومة كذلك. ولا يجوز على دين مسمى إلا أن يضربا أجلاً. 3731 - ولا بأس بأرزاق القضاة والعمال إذا عملوا على حق، وكل عامل للمسلمين على حق، وما بعث فيه الإمام من أمور الناس، فالرزق فيه من بيت المال. وأكره لقسام القاضي والمغنم أن يأخذوا على القسم أجراً، لأنه إنما يفرض

لهم من أموال الناس اليتامى وسائر الناس، كما أكره ارتزاق صاحب السوق من أمول الناس، وإن كانت أرزاق القسام من بيت المال، جاز. (¬1) ولا بأس أن يستأجر أهل مورث، أو مغنم قاسماً برضاهم، وأجر القاسم على جميعهم ممن طلب القسم أو أباه. وكذلك أجر [كاتب] الوثيقة، قال مالك في قوم أرادوا أخذ مال لهم عند رجل، فيستأجرون من يكتب بينهم كتاباً يتوثق لهم وله، فأجره عليهم وعليه. وقد تقدم في كتاب العتق ذكر من أعتق أو دبر في مرضه. 3732 - وإذا اقتسما داراً مذارعة بالسهم، فإن كانت الدار كلها سواء، جاز، وإن كان بعضها أجود من بعض أو كانت كلها سواء وجعلا في ناحية أكثر من ناحية، لم يجز، إلا أن يتراضوا [بذلك] بغير سهم فيجوز. ولا بأس أن يقتسما البناء بالقيمة، والساحة بالذرع، إذا تساوت الساحة في القيمة والذرع، وإن كانت متفاضلة، لم يجز. وإذا تداعوا إلى قسم البناء والساحة معاً، وكان يصير لكل واحد في حصته من الساحة ما ينتفع به في مدخل، أو مخرج، أو مربط دابة، أو غيره، قسمت الساحة ¬

(¬1) انظر: الشرح الكبير (3/510) .

مع البناء، وإن صار منها تلك المنافع لبعضهم ويصير لأقلهم نصيباً من الساحة ما لا ينتفع به أو ما لا ينتفع به إلا في دخوله وخروجه فقط، قسم البناء وتركت الساحة لانتفاعهم، وللأقل نصيباً من الانتفاع بالساحة ما للأكثر نصيباً، سكن معهم أو لم يسكن، ولهم منع من بيني في الساحة منهم. وإذا كانت بين قوم دار فيها بيوت وساحة، ولها غرف وسطوح بين يديها، فقسموا البناء على القيمة وأبقوا الساحة، فالسطح يقوم مع البناء، تقوم الغرفة بما بين يديها من المرتفق، ولصاحب العلو أن يرتفق بساحة السفل [كارتفاق صاحب السفل] ، ولا ارتفاق لصاحب السفل في سطح الأعلى، إذ ليس من الأفنية، ويضيف القاسم قيمة خشب السطح والغرف، مع قيمة البيوت التي تحت ذلك. وما رَث من خشب العلو [الذي] هو أرض الغرف والسطح، فإصلاحه على رب الأسفل وله ملكه، كما عليه إصلاح ما وهى ورث من جدار السفل.

3733 -[وإذا سقط العلو الذي على السفل فهدمه، جبر رب السفل] على أن يبنيه، أو يبيع ممن يبنيه حتى يبني رب العلو علوه، فإن باعه ممن يبنيه فامتنع من بنائه أُجبر المبتاع أيضاً على أن يبنيه، أو يبيع ممن يبنيه. (¬1) 3734 - وإذا اقتسم قوم داراً وتركوا الساحة مرتفقاً، فكل واحد منهما أولى بما بين يدي [باب] بيته من الساحة في الارتفاق، وإن أراد بعضهم أن يطرح بين يدي [باب] غيره العلف والحطب، لم يكن له ذلك إن كان في الدار سعة عن ذلك، وإن احتاج إلى طرح ذلك في الساحة، ويقع بعض ذلك على باب غيره طرحه، إلا أن يكون في ذلك ضرر على من يطرحه على بابه، فيمنع أن يضر به. وإذا اقتسموا البناء والساحة رفعوا الطريق، ولا يعرض فيها أحدهم لصاحبه. وإن اقتسموا على أن يصرف كل واحد منهم بابه لناحية أخرى، ولا يدعوا طريقاً بتراض، جاز، ولا ترفع لهم طريق، وليصرف كل واحد طريقه حيث شاء إن كان له حيث يصرفه. ¬

(¬1) انظر: التقييد (6/112) .

وإن اقتسموا البناء ثم قسموا الساحة ولم يذكروا رفع الطريق، فوقع باب الدار في حظ أحدهم ورضي بذلك صاحبه، فإن لم يشترطوا في أصل القسم أن طريق كل حصة ومدخلها فيها خاصة، فإن الطريق بينهما عل حالها، وملك باب الدار لمن وقع في حظه، ولباقيهم فيه الممر. وإن قسموا الساحة وهي واسعة يقع لكل واحد ما يرتفق به إذا قسمت بينهم، ليس لهم طريق ولا مخرج إلا من باب الدار، فاختلفوا في سعة الطريق، فقال بعضهم: اجعلها ثلاثة أذرع، وقال بعضهم: أكثر من ذلك، جعلت بقدر دخول الحمولة ودخولهم، ولا أعرف عرض باب الدار. فإن قسما داراً [بتراض] ، فأخذ أحدهما دبر الدار وأعطي الآخر مقدمها على ألا طريق لصاحب المؤخر على المقدم، جاز ذلك على ما شرطا ورضيا إن كان له موضع يصرف إليه بابه، وإلا لم يجز. وكذلك إن اقتسموا داراً على أن أخذ أحدهم الغرف، على ألا طريق له في الأسفل، فعلى ما ذكرنا. 3735 - وإن دعا أحد الأشراك إلى قسم ما يقسم من ربع أو حيوان أو عرض، وشركتهم بمورث أو غيره، أجبر على القسم من أباه، فإن لم ينقسم ذلك، فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه، ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطى فيه، وكل

ما قسم من ربع أو غيره فعلى قيمة عدل، ثم يضرب بالسهم، فمن خرج سهمه لزمه، ووجه قسم الربع بالسهم، وإن اختلفت الأنصباء: لواحد خمس، ولآخر ربع، ولآخر سدس، أن يقسم على أقلهم سهماً. وكذلك من ترك زوجة وأماً وأختاً، إلا أن من خرج له سهم [في ناحية] جمع له تمام باقي حصته [فيها] ولا يفرق، وإذا تشاحوا على أي الطرفين يضرب، أسهم بأيهم يبدأ، فما خرج عرفه، ثم أسهم للقسم، فمن خرج سهمه أعطاه من ذلك الطرف، وضم إليه فيه سهمانه مجتمعة. وإن كثرت يضرب الفريضة في الانكسار، ثم يضرب أيضاً بسهام من بقي، فيضرب على أقلهم سهماً، فإن تشاحوا على أي الطرفين يضرب، فعلى ما ذكرنا أولاً، فإذا بقي منهم اثنان فتشاحا على أي الطرفين يضرب، لم ينظر إلى قول واحد منهما وضرب القاسم على أي الطرفين شاء. وإن ترك زوجة وابناً، أو عصبة، لم يسهد للزوجة إلا على أحد الطرفين لا في الوسط، فأي الطرفين خرج لها أخذته وكان الباقي للولد أو للعصبة، وكذلك إن كان الولد أو العصبة عدداً. ولا يجمع حظ رجلين في القسم وإن أراد ذلك الباقون، إلا في مثل هذا.

3736 - وما أحدثه الرجل في عرصته من فرن، أو حمام، أو أرحية ماء، أو غيرها، أو كير للحديد، أو أفران لتسييل الذهب والفضة، أو آبار، أو كُنُف، فكل ما أضر بجدار جاره من ذلك منع منه، واستخف اتخاذ التنور. وليس لك أن تفتح في سكة غير نافذة، باباً يقابل باب جارك أو يقاربه، ولا تحول باباً لك هنالك إذا منعك، لأنه يقول: الموضع الذي تريد أن تفتح فيه بابك، لي فيه مرفق أفتح فيه بابي، وأنا في سترة، ولا أدعك أن تفتح قبالة بابي أو قربه، فتتخذ علي فيه المجالس وشبه هذا، فإذا كان هذا ضرراً فلا يجوز أن تحدث على جارك ما يضر به. وأما في السكة النافذة، فلك أن تفتح ما شئت، وتحول بابك حيث شئت منها. ومن رفع بنيانه فتجاوز به بنيان جاره ليشرف عليه، لم يمنع من رفع بنيانه، ومنع من الضرر.

وإن رفع بنيانه فسد على جاره كواه، أو أظلمت أبواب غرفه وكواها، ومنعه الشمس أن تدخل في حجرته، لم يمنع من هذا البناء. * * *

(كتاب الوصايا)

(كتاب الوصايا) 3738 - قال: ومن أوصى بعتق عبد من عبيده فماتوا كلهم، بطلت الوصية، وكذلك من أوصي له بعبد فمات العبد، فلا حق [له] في مال الميت. قال غيره: لأن ما مات أو هلك قبل النظر في الثلث، فكأن الميت لم يتركه، وكأنه لم يوص [فيه] بشيء، لأنه لا يقوّم ميت ولا يقوّّم على ميت. (¬1) ومن أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم وعدد عبيده خمسون، فمات منهم ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/2) ، والكافي (1/553) .

عشرون قبل التقويم، عتق ممن بقي منهم عشرة أجزاء من ثلاثين جزءاً بالسهم، خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر، [ولو هلكوا كلهم إلا عشرين، عتق نصفهم في ثلث الميت] ، ولو هلكوا إلا خمسة عشر عتق ثلثاهم. ولو هلكوا إلا عشرة إن حملهم الثلث، [وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالقرعة ورق ما بقي] ، وكذلك من أوصى لرجل بعدد من رقيقه، أو أوصى بعشرة من إبله في سبيل الله وله إبل كثيرة فهلك بعضها، فعلى ما وصفنا. ومن قال: ثلث رقيقي أحرار، عتق ثلثهم بالسهم لا من كل واحد ثلثه، فإن قال: ثلثهم لفلان وهلك بعضهم، أو أوصى له بثلث غنمه فاستحق ثلثاها، فإنما للموصى له ثلث ما بقي من العبيد أو الغنم إن حمل ذلك الثلث، وسواء بقي ثلثهم أو أقل، فإن لم ينقسموا كان شريكاً بثلثهم. وإن أوصى له بجميع غنمه فهلك بعضها أو استحق، فللموصى له ما بقي إن حمله الثلث. وإن أوصى له بعشرة من غنمه وله مائة شاة، فللموصى له عشرها [بالسهم] ، يدخل فيه ما دخل، فإن هلكت الغنم كلها إلا عشرة، فهي للموصى

له، وإن كانت تعدل نصف الغنم إذا حملها الثلث، وإن أوصى له بعشر غنمه وهي مائة، فهلكت كلها إلا عشرة لم يكن للموصى له إلا عشرها. ومن أوصى بنسمة تشترى فتعتق، لم تكن بالشراء حرة حتى تعتق، لأنه لو قتله رجل أدى قيمته عبداً، وأحكامه في جميع أحواله أحكام عبد حتى يعتق، فإن مات بعد الشراء وقبل العتق، كان عليهم أن يشتروا رقبة أخرى ما بينهم وبين مبلغ الثلث. 3739 - ومن أوصى بعتق نسمة تشترى [فتعتق] ولم يسم ثمناً، أُخرجت بالاجتهاد بقدر قلة المال وكثرته، وكذلك إن قال: عن ظهاري، وإن سمى ثمناً لا يسعه الثلث اشتري بثلثه إن كان فيه ما يشترى به رقبة، فإن لم يبلغ شورك به في رقبة، فإن لم يبلغ أعين به مكاتب في آخر كتابته. وإن سمى ثمناً فيه كفاف الثلث فاشترى الوصي به قبة فأعتقها، ثم لحق الميت دين يغترق جميع المال رد العبد رقاً، وإن لم يغترق الدين جميع ماله، ردّ العبد

وأعطي صاحب الدين دينه، ثم عتق من العبد مقدار ثلث ما بقي من مال الميت بعد قضاء الدين. [قال مالك - رحمه الله -:] ولا يضمن الوصي إذا لم يعلم [بالدين] . 3740 - ومن قال في وصيته: اشتروا عبد فلان لفلان، أو فأعتقوه، أو بيعوا عبدي من فلان، أو ممن أحب، أو ممن يعتقه، فامتنع المشتري أن يشتريه بمثل ثمنه، أو امتنع الذي يبتاع منه أن يبيعه بمثل الثمن، فإنه يزاد في المشترى، وينقص في المبيع ما بينك وبين ثلث ثمنه لا ثلث الميت، وإن لم يذكر الميت أن يزاد أو ينقص، فإن أبى المشتري أن يأخذه إلا بأقل من ثلثي ثمنه، أو أبى الذي يبتاع منه أن يبيعه إلا بأكثر من ثمنه وثلث ثمنه، فذلك يختلف، أما الموصى أن يشترى فيعتق، [قال ابن القاسم:] يستأنى بثمنه، فإن بيع وإلا رد ثمنه ميراثاً، وفي رواية ابن وهب

وغيره عن [مالك] أن الثمن يوقف ما رجي بيع العبد إلا أن يفوت بعتق أو موت. [قال سحنون:] وعليه أكثر الرواة. [قال ابن القاسم:] وأما الذي يُشترى لفلان إن امتنع سيده من بيعه ليزداد ثمناً دفع ثمنه وزيادة ثلث ثمنه إلى الموصى له،

فإن امتنع [سيده] من بيعه أصلاً ضناً منه بالعبد عاد ذلك ميراثاً وبطلت الوصية. (¬1) وقال غيره: إن امتنع [سيده أن يبيعه] لزيادة، أو ضناً به، لم يلزم الورثة أكثر من زيادة ثلث الثمن، وليكن ثمنه موقوفاً حتى يؤيس من العبد، فإذا يئس منه رجع المال ميراثاً ولا شيء للموصى له، لأن الميت إنما أوصى له برقبة لا بمال. قال ابن القاسم: وأما الذي قال: بيعوه من فلان، فطلب المشتري وضيعة أكثر من ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة بين بيعه بما سئلوا، أو يقطعوا له بثلث العبد بتلاً. وأما الذي يباع ممن أحب [وليس من رجل بعينه] فيطلب المشتري ¬

(¬1) انظر: منح الجليل لعليش (9/536) .

وضيعة أكثر من ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة بين بيعه بما سئلوا، أو يعتقوا ثلث العبد بتلاً. [قال سحنون:] وروى غير واحد عن مالك أن الورثة إذا بذلوه لمن أحب بوضيعة الثلث فلم يجدوا من يشتريه إلا بأقل، فليس عليهم غير ذلك. وقال ابن وهب: قال مالك - رحمه الله -: وذلك الأمر عندنا. وقال ابن القاسم عن مالك: وأما الذي يباع ممن يعتقه فيخير الورثة بين بيعه بمنه] بما أعطاهم، أو يعتقوا ثلث العبد، وهذا مما لم يختلف فيه قول مالك. قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل باختلاف الرواة [فيه] قبل هذا.

[مالك: وإذا لم يذكر حطيطة فإنه يحط عن المشتري، لأنها وصية] . 3741 - قال [مالك] : ومن أوصى [في مرضه] بعتق عبده فلم يقبل [العبد] ، فلا قول له، ويخرج إذا مات سيده من الثلث إن حمله [الثلث] ، أو ما حمل [الثلث] منه. وإن أوصى أن تباع جاريته ممن يعتقها فأبت، فإن كانت من جواري الوطء، فذلك لها، وإلا بيعت ممن يعتقها، وقيل: لا يلتفت إلى قولها وتباع للعتق، إلا أن لا يوجد من يشتريها بوضيعة ثلث الثمن إن كان للميت مال يحمل [ثلث] الجارية. 3742 -[قال مالك - رحمه الله -:] ومن اشترى ابنه في مرضه، جاز إن حمله الثلث وعتق، وورث باقي المال إن انفرد أو حصته مع غيره.

[قال ابن القاسم:] وإن أعتق عبداً له، واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث، فالابن يُبدّأ إذا حمله الثلث [ويكون وارثاً] . ومن أوصى أن يشترى أبوه بعد موته، فإنه يشترى ويعتق في ثلث وإن لم يقل: أعتقوه. 3743 - ومن قال لعبده لفظاً بغير كتاب: إن مت من مرضي هذا، أو في سفري هذا، فأنت حر، أو قال: لفلان كذا، فهي وصية [له] ، وله أن يغيرها [ببيع أو غيره] ، فإن مات قبل أن يغيرها، جازت من ثلثه إن مات من مرضه أو في سفره، وإن برئ من مرضه أو قدم من سفره فلم يغيرها حتى مات، فذلك باطل ولا ينفذ منه شيء، إلا أن يكون كتب بذلك كتاباً ووضعه على يدي رجل، فلم يغيره بعد قدومه أو إفاقته وأقره حتى مات، فهي وصية تنفذ. (¬1) وإن كتب وصيته عند سفره أو عند مرضه، ووضعها على يدي رجل [أمين] ، ثم قدم من سفره أو برئ من مرضه، فقبضها ممن هي عنده وأقرها بيده حتى مات، فهي باطل وإن أشهد عليها، وإنما تنفذ إذا جعلها على يدي رجل [أمين] . ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/370) .

3744 - وإن كتب وصيته في مرض أو صحة أو عند سفر، إلا أنه لم يقل فيها: إن مِتّ في سفري أو في مرضي هذا، وإنما كتب فيها متى حدث [بي حدث الموت] ، [أو إن حدث بي حدث الموت] ، وأقرها عند نفسه أو أخرجها من يده، فهي جائزة، مات في ذلك [المرض] أو بعده [إذا شهدت عليه بينة] . [قال ابن القاسم: هذا إذا كانت وصيته مبهمة، لم يذكر فيها موته من مرضه أو من سفره، وإنما كتب فيها] : متى حدث [بي] حدث الموت، [وأقرها عند نفسه] ، أو أخرجها من يده، [أو كانت على يديه] ، فهي جائزة، مات في ذلك أو بعده إذا شهدت عليه بينة، وإنما اختلف الناس في السفر والمرض، [وروى مالك أن النبي ÷ قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين

إلا ووصيته عنده مكتوبة"] . (¬1) 3745 - قال مالك: ومن كتب وصيته، فليقدم ذكر التشهد [قبل الوصية] . قال ابن القاسم: ولم يذكر لنا مالك كيف هو. [وروى ابن وهب أن مالك بن أنس قال: كانوا يوصون أن يشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له] ، وأن محمداً عبده ورسوله، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ربهم، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مسلمين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: ×يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ%] ، وأوصى إن مات في مرضه هذا. قال مالك - رحمه الله -: وإن كتبها بغير محضر البينة ولا قرأها عليهم، دفعها إليهم وأشهدهم على ما فيها، فإن عرفوا الكتاب بعينه فليشهدوا بما فيه. ¬

(¬1) رواه مسلم (1627) ، (3/1250) ، ومالك في الموطأ (2/761) ، والبخاري (2738) ، والنسائي (6/239) ، وفي الكبرى (4/100) ، وانظر: المدونة (15/10، 15) ، والتمهيد (14/290) ، وشرح الزرقاني (4/76) .

قال عنه ابن وهب: ولو طبعها ثم دفعها إليهم وأشهدهم [أن ما فيها منه، وأمرهم] أن لا يفضوا خاتمها حتى يموت، جاز أن يشهدوا بما فيها بعد موته. قال عنه ابن القاسم: وللموصي أن يغير وصيته، ويرجع ويزيد وينقص، أوصى في صحة أو في مرض، بعتق أو غيره. 3746 - وإن قال في وصيته: إن مت [من مرضي] فكل مملوك مسلم لي، حر، وله عبيد مسلمون ونصارى، ثم أسلم بعضهم قبل موته، لم يعتق منهم إلا من كان يوم الوصية مسلماً، لأني لا أراه أراد غيرهم. وإن قال: أعتقوا عبدي بعد موتي بشهر، أو قال: هو حر بعد موتي بشهر، فذلك سواء، [وهو قول مالك] ، فإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين أن يجيزوا أو يعتقوا، لأن محمل الثلث [منه] بتلاً، فإن أجازوا الوصية خدمهم تمام الشهر ثم خرج جميعه حراً.

3747 - ومن قال: اشهدوا على أن فلاناً وصيي، ولم يزد على هذا، فهو وصيه في جميع الأشياء، وإنكاح صغار بنيه ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن، والثيب بإذنها، وفي النكاح إيعاب هذا. وإن قال: فلان وصيي على كذا، لشيء خصه، فإنما هو وصي على ما سمى فقط، وإن قال: [فلان] وصي على قبض ديوني وبيع تركتي، ولم يذكر غير هذا. قال مالك: فأحب إليّ أن لا يزوج بناته [حتى] يرفع إلى السلطان، فإن لم يرفع رجوت أن يجوز. ولو قال: فلان وصيي على اقتضاء ديني أو قضائه، وفلان وصيي على مالي، وفلان وصيي على بضع بناتي، أو قال: فلان وصيي حتى يقدم فلان فيكون وصيي، فذلك جائز، ويكون كما قال.

3748 - وإن مات الوصي فأوصى إلى غيره، جاز ذلك، وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح وغيره. قال يحيى بن سعيد: وإن كانا وصيين أو ثلاثة، فأوصى أحدهم عند موته بما أوصى به إليه من تلك الوصية إلى غير شريكه في الوصية، جاز ذلك، وأباه سحنون. 3749 - وللمرأة أن توصي في مالها في إنفاذ وصاياها وعلى قضاء دينها، وإن لم يكن عليها [دين] ، فلا يجوز إيصاؤها بمال ولدها الطفل إلا أن تكون وصية من [قيل] أب، وإلا لم يجز إذا كان المال كثيراً، وينظر فيه الإمام، وإن كان يسيراً نحو ستين ديناراً فجائز إسنادها فيه إلى العدل، وذلك فيمن لا أب له ولا وصي. وقال غيره: لا يجوز للمرأة أن توصي بمال ولدها.

ولا تجوز وصية الجد بولد الولد، ولا أخ بأخ له صغير، وإن لم يكن لهم أب ولا وصي وإن قل المال، إلا أن يكون وصياً بخلاف الأم. (¬1) 3750 - وإذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي، فلا رجوع له بعد موته، ولا تجوز الوصية إلى ذمي أو مسخوط أو من ليس بعدل، ويعزل إن أوصي إليه. وإن أوصى ذمي إلى مسلم، فإن لم يكن في تركته خمر أو خنازير ولم يخف أن يلزم بالجزية، فلا بأس بذلك. 3751 - ومن أوصى إلى وصيين، فليس لأحدهما بيع، ولا شراء، ولا إنكاح، ولا غيره دون صاحبه إلا أن يوكله. قال غيره: لأن إلى كل واحد منهما [ما إلى] صاحبه. قال ابن القاسم: وإن اختلفا [في مال الميت] نظر السلطان، ولا يقسم المال بينهما، وليكن عند أعدلهما، فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند أكفئهما. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (9/586) .

ولو اقتسما الصبيان، فلا يأخذ كل واحد حصة من عنده من الصبيان، ولا يخاصم أحد الوصيين خصماً للميت إلا مع صاحبه. ومن ادعى على الميت دعوى وأحدهم حاضر، خاصمه ويقضى له، ويكون الغائب إذا قدم على حجة الميت. 3752 - ومن أسند وصية إلى مكاتبه أو عبده، جاز ذلك، فإن كان في الورثة أصاغر وأراد الأكابر بيع نصيبهم من العبد، اشترى للأصاغر حصة الأكابر منه إن كان لهم مال يحمل ذلك، فإن لم يحمل ذلك نصيبهم وأضر بهم بيعه، باع الأكابر حصتهم منه خاصة، إلا أن يضر ذلك بالأكابر ويأبوا، فيقضى على الأصاغر بالبيع معهم. 3753 - ولا يبيع الوصي عقار اليتامى، ولا العبد الذي أحسن القيام بهم، إلا أن يكون لبيع العقار وجه من ملك يجاوره يرغبه في الثمن، أو ما لا كفاية في غلته وليس لهم مال ينفق منه عليهم، فيجوز بيعه، ولا يشتري الوصي لنفسه من تركة الميت ولا يدس أو يوكل من يشتري [له] ، فإن فعل تعقب ذلك، فإن كان فيه فضل [كان] لليتامى وإلا مضى.

وأرخص مالك لوصيّ سأله عن حمارين [من حمر الأعراب] في تركة الميت، ثمنهما ثلاثة دنانير، تسوق بهما الوصي في المدينة والبادية [واجتهد] ، فأراد أخذهما لنفسه بما أُعطي، فأجاز ذلك واستخفه لقلة الثمن. ولا يبيع الوصي على الأصاغر التركة إلا بحضرة الأكابر، وإن كانوا بأرض نائية وذلك حيوان أو عروض، رفع ذلك إلى الإمام فأمر من يلي معه البيع للغائب. ولا يجوز للوصي أن يؤخر الغريم بالدين إن كان الورثة كباراً، وإن كانوا صغاراً جاز ذلك على وجه النظر لهم، ولم يجز ذلك غيره. وفي كتاب النذور من هذا. 3754 - وإذا قال الميت: قد كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فأنفذوها وصدقوه، فإنه يصدق وينفذ ما فيها. وكذلك إن قال: قد أوصيته بثلث [مالي] فصدقوه، جاز ذلك وأنفذ ما قال. فإن قال الوصي: إنما أوصي بالثلث لابني، فقال أشهب:

يصدق، وقال ابن القاسم: لا يصدق، لأن مالكاً قال فيمن أوصى فقال: اجعل فلان ثلثي حيث تراه: إنه إن أعطاه لولد نفسه أو لقرابة له، لم يجز إلا أن يكون لذلك وجه يظهر صوابه. (¬1) 3755 - وإن شهد وارثان أن أباهما أوصى إلى فلان، جاز ذلك. قال غيره: إن لم يجرا بذلك نفعاً إلى أنفسهما، وإن جرا بذلك نفعاً إلى أنفسهما لم يجز. فإن شهدت امرأتان مع رجل على موت ميت، فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبد ونحوه وليس إلا قسمة المال، فشهادتهن جائزة. وقال غيره: لا تجوز. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (9/576) .

وتركت [ذكر] شهادة الوصي [أو الوارث] أو النساء في وصية أو دين أو غيره، وذلك كله مذكور في كتاب الشهادات. 3756 - ومن أسند وصيته إلى أم ولده على أن لا تتزوج، جاز، فإن تزوجت عزلت. وكذلك لو أوصى لها بألف درهم على أن لا تتزوج فأخذتها، فإن تزوجت أخذت منها. ومن أوصى لحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصي، فلا شيء له إلا أن يستهل صارخاً. 3757 - وإذا قال الوصي: قد دفعت إلى الأيتام أموالهم بعد البلوغ والرشد، فأنكروا، لم يصدق إلا ببينة وإلا غرم، وقد قال الله تعالى: ×فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ% [النساء: 6] . قال مالك - رحمه الله -: ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره إن لم يأت

بسرف، وإن ولي النفقة غيره ممن يحضنهم من أم أو غيرها، لم يصدق على دفع النفقة إلى من يليهم إلا ببينة. 3758 - وإن شهد وارث بوصية لرجل، حلف معه إن كان عدلاً وقضي له، وإن نكل أخذ من حصة المقر ما يصير عليه من ذلك إن لم يول على المقر. وكذلك إن أقر أن هذا الشيء أو العبد لفلان عند أبيه وديعة، فإن نكل فلان فله نصيب المقر فقط من ذلك الشيء. ومن أوصى بعتق أمته بعد موته بسنة، والثلث يحملها، فما ولدت بعد موته وقبل مضي السنة، فهم بمنزلتها يعتقون بعتقها. وأرش جراحها وقيمتها إن قتلت قبل السنة للورثة، وتقوم كالأمة. وما أفادت بعطية أو اكتسبت من الأموال، فهو لها مقر بيدها لا ينتزعونه، وقيل: ينتزعونه ما لم يقرب الأجل. وإن جنت خير الورثة، فإما فدوا الخدمة بجميع الجناية أو أسلموا الخدمة

للمجني عليه، ويقاص بها في الجناية، فإن أوفت قبل السنة رجعت تخدم الورثة بقية السنة. وإن مضت السنة وقد بقي من أرش الجناية شيء، عتقت وأتبعت بما بقي في ذمتها. ومن أوصى بعتق أمته إلى أجل والثلث يحملها، فعجل الوارث عتقها قبل الأجل، جاز لا رجوع له، وهو وضع خدمة، والولاء للميت. وإن كانا وارثين فأعتقها أحدهما، فعتقه هاهنا وضع خدمة، فيوضع عن الأمة حق هذا من الخدمة، ويكون نصيبه منها حراً، ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها، وتخدم هي الآخر نصف خدمتها إلى تمام الأجل، ثم تخدم حرة. 3759 - قال مالك - رحمه الله -: ومن أوصى لعبد بثلث ماله وقيمته الثلث، عتق جميعه، وما فضل من الثلث كان للعبد، [وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله، قال ابن القاسم: وإذا لم يحمله الثلث وكان مع العبد مال استتم عتقه، ولو لم يعتق فيما بيده من مال، عتق فيما بقي من ثلث سيده الذي بيده رقبته، وكذلك إن أوصى له بسدس وقيمته سدس، فإنه يعتق، وقاله ربيعة والليث، وقال ابن وهب عن مالك: إنه إذا أوصى لعبده بثلث ماله أو سدسه جعل ذلك في رقبة العبد، وإن كان قيمة العبد السدس خرج حراً، قال مالك:] وإن لم يترك

غير العبد وأوصى له بثلث ماله وبيد العبد ألف دينار، فلا يعتق من العبد إلا ثلثه، [ولا يعتق فيما بيده من المال] ، ويوقف المال بيده، وقاله بعض كبار أصحاب مالك. 3760 - قال ربيعة: وإن كان للعبد امرأة حرة وولده منها أحرار، فأوصى سيد العبد لجميعهم بثلث ماله، عتق العبد في ذلك، لأن ولده ملكوا منه بعضه، وملك [هو] من نفسه البعض. 3761 - ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة، لم يجز للورثة بيعه على أن يقبضه المشتري إلى سنة، وإن أوصى له بخدمة عبده أو سكنى داره سنة، جعل في ثلث قيمة الرقاب،

فإن حملها الثلث نفذت الوصايا، وإن لم يحمل [الثلث] ذلك خير الورثة في إجازة ذلك، أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل شيء بتلاً، والوصية في العبد بالخدمة أو بالغة سواء. (¬1) وما ولدت بالأمة] الموصى بعتقها قبل موت سيدها، فهم رقيق، وما ولدت بعد موته، فهم بمنزلتها يعتقون [بعتقها] معها في الثلث أو ما حمل [الثلث] منهم بغير قرعة. وما ولدت المدبرة بعد التدبير، فهو بمنزلتها يكون مدبراً معها. ومن وهب حمل أمته، أو تصدق به، أو أوصى به ثم أعتقها هو أو ورثته، عتقت بما في بطنها وبطلت الوصية والعطية، ألا ترى أنه لو وهب ما في بطنها لرجل ثم فلس، بيعت وكان ما في بطنها لمن اشتراها. 3762 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين، ثم بعد ذلك وهبه لرجل آخر فقبضه المخدم، ثم مات السيد في الأجل، فقَبْض المخدم للعبد قَبض لنفسه وللموهوب له، وسواء ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/127) .

كانت الهبة والخدمة معاً أو وهبه بعد الخدمة وقبضه المخدم في صحة السيد، فالعبد بعد الأجل للموهوب له. ومن قال في مرضه: يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر، فلم يقبل فلان الخدمة، خدم العبد ورثة الميت سنة ثم يعتق، ولو وهبها للعبد أو باعها منه عتق مكانه. وإن كان الموصى له غائباً ببلد ناء، أجره له السلطان وأُعتق للأجل، إلا إن كان أريد به وجه الكفالة والحضانة، فينتظر به ويكتب إليه أو يخرج العبد إليه، فإن انقضت السنة فيما بين ذلك ولم يجده، كان حراً خدم فيها أو لا، ولا شيء عليه، كمن أبق أو مرض في الأجل الذي أعتق إليه. ومن قال في وصيته وهو صحيح: عبدي حر بعد موتي بخمس سنين، فإنما يحسب له من يوم موته لا من يوم وصيته. 3763 - والأمة الموصى بخدمتها لرجل حياته أو أجلاً مسمى، وبرقبتها لآخر بعد الخدمة إذا ولدت في الخدمة، فولدها يخدم معها. وكذلك ولد العبد المخدم من أمته يولد في الخدمة، ونفقة الموصى بخدمته في الخدمة على المخدم. ومن أوصى لوارث بخدمة عبده سنة، ثم هو حر والثلث يحمله، دخل بقية الورثة

مع ذلك الوارث في الخدمة على المواريث إن لم يجيزوا له الخدمة، فإذا مضت السنة فهو حر. 3763 - وتجوز وصية المحجور عليه والسفيه والمصاب في حال إفاقته، ولا تجوز [في حال] خبله، ولا وصية مغلوب عل عقله. 3764 - وتجوز وصية صبي ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية وذلك إذا لم يكن فيها اختلاط. وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان، أجاز وصية جارية ابنة ثمان سنين [أو تسع] . (¬1) ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/762) .

3765 - ومن أوصى أن يشترى عبد أبيه فيعتق، لم يزد على قيمته بخلاف الأجنبي. ولا تجوز وصية رجل لعبد وارثه إلا بالتافه، كالثوب ونحوه مما يريد به ناحية العبد لا نفع سيده، كعبد كان قد خدمه ونحوه، ومن أوصى لعبد ابنه ولا وارث له غيره، جاز، ولا ينزع ذلك منه الابن. وإن أوصى لعبد نفسه بمال، كان للعبد إن حمله الثلث، وليس للوارث انتزاعه، ويباع بماله، ولمن اشتراه انتزاعه. وإن أوصى بمال لعبد أجنبي، فلسيده انتزاعه. وإن أوصى لمكاتب نفسه بوصية، جاز ذلك. 3766 - والموصى له إذا قتل الموصي خطأ، جازت الوصية في ماله دون الدية، وإن قتله عمداً، فلا وصية له في مال ولا في دية، كمن قتله وارثه خطأ، فإنما يرث من المال دون الدية، وإن قتله عمداً، لم يرث من مال ولا دية. ولو أوصى له بعد أن ضربه وعلم به، فإن كانت الضربة خطأ، جازت الوصية في المال والدية. وأما في العمد، فتجوز في ماله دون الدية، لأن قبول الدية فيه كمال لم يعلم به.

وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فالوصية لورثة الموصى له، علم بها أو لا، ولهم ألا يقبلوها، كشفعة له أو خيار في بيع ورثوه. 3768 - ومن أوصى لوارث، لم تجز وصيته، وإن أوصى له ثم حدث من يحجبه، جازت الوصية إن مات [بعد علمه بمن يحجبه] ، لأن تركه لها بعد علمه بمن يحجبه إجازة [لها] . قال أشهب: يجوز، علم بمن يحجبه أو لم يعلم. 3769 - ومن أوصى لامرأة، ثم تزوجها في صحته، ثم مات عنها، بطلت الوصية. 3770 - وتجوز الوصية للصديق الملاطف بالثلث فأقل منه، وإن زاد على الثلث، لم يجز منه إلا الثلث إلا أن يجيزه الورثة. وإن أقر له في المرض بدين، جاز إن ورثه ولد، أو ولد ولد. وأما إن كان ورثته أبوين أو زوجة أو عصبة ونحوه لم يجز [إقراره له] .

3771 - ومن أوصى في مرضه، فَعَال على ثلثه، جاز منه الثلث. وأما ذات الزوج إذا عالت على ثلثها في عطاياها في الصحة فرده الزوج، لم يجز منه شيء عند مالك، [لأن المريض لا يريد الضرر، وإنما يريد البر لنفسه، فيجوز من فعله الثلث. والمرأة إذا زادت على ثلثها، فذلك ضرر عند مالك فيرد كله، ولا ينبغي أن يجاز بعض الضرر ويترك بعضه] . 3772 - ومن أوصى لرجل بعبد له قيمته أل [درهم، ولآخر بدار قيمتها ألف] وترك ألفاً، فلم تجز الورثة، فالثلث بين الموصى لهم في الأعيان، فيكون لهذا نصف العبد ولهذا نصف الدار، وكل وصية فلا تدخل إلا فيما علم به الميت. 3773 - وأما المدبر في الصحة فيدخل فيما علم به أو لم يعلم، من غائب أو حاضر. فمن أوصى بثلثه أو بعتق أو بغيره ولا مال له يومئذ، أو كان له مال ثم هلك عن مال بفائدة أو مورث، فإن علم بالمال المستفاد قبل موته في صحته أو مرضه، دخلت فيه الوصايا، وإن لم يعلم به لم يدخل فيه إلا المدبر في الصحة، وكل دار ترجع بعد موته من عمري أو [من] حبس هو من ناحية التعمير، فالوصايا تدخل فيه، ويرجع فيه من انتقض من وصية، وإن بعد عشرين سنة.

وأما الحبس المبتّل، فلا يرجع ميراثاً ولا ترجع فيه الوصايا. 3774 - ومن أوصى بعتق كل مملوك له، وقد ورث رقيقاً لم يعلم بهم، فلا يعتق منهم إلا من علمه [منهم] ، والدين مبدأ على الوصايا، والإجماع على ذلك. وأول من يبدأ في الثلث، المدبر في الصحة على كل وصية وعلى العتق الواجب وغيره، وليس للميت أن يرجع في تدبيره قبل موته، وله أن يرجع في الوصية بالعتق قبل موته، بخلاف ما بتل في مرضه. ويبدأ المدبر في الصحة على ما بتل في المرض أو ما أوصى به مما فرط فيه، من زكاة أو كفارة أو نذر. وما أوصى به من زكاة فرط فيها أو كفارة أو نذر فهو في الثلث. فأما المريض يحل حول زكاته، أو يقدم عليه مال حلّ حوله، فما عرف من هذا فأخرجها في مرضه أو أمر بذلك ثم مات، فإنها خارجة من رأس ماله، فإن لم يأمر بها لم يقض بها على الورثة، وأمروا بغير قضاء. (¬1) وإذا أقر المريض بدين، وأوصى بزكاة فرط فيها، وبتل في المرض [ودبّر فيه] ، وأوصى بعتق عبد له بعينه، وبشراء عبد بعينه ليعتق، وأوصى بكتابة عبد له [بعينه] ، وبحجة الإسلام، وبعتق نسمة بغير عينها، فالديون تخرج من ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/379) .

رأس ماله وإن كانت لمن يتهم فيه. وهذا الذي ذكرنا في ثلث ما بقي، فإن كان الدين لمن يجوز إقراره له أخذه. وإن كان لمن لا يجوز إقراره له، رجع ميراثاً ثم يبدأ بالزكاة فيما ذكرنا، ثم المبتاع والمدبر في المرض معاً، ثم الموصى له بالعتق [بعينه] والمشترى بعينه معاً، ثم المكاتب بعينه ثم النسمة بغير عينها مع الحج معاً. وقد قال: يبدأ بالرقبة لضعف أمر الحج. ومن قال: أعتقوا عبدي فلاناً بعد موتي واشتروا نسمة فأعتقوها عني، بدئ بالعبد الذي بعينه. ومن أوصى بشيء في السبيل، بدئ بأهل الحاجة منهم، وإن قال: ثلث مالي لفلان وللمساكين، أو في السبيل والفقراء واليتامى، قسم بينهم بالاجتهاد لا أثلاثاً ولا أنصافاً.

ومن أوصى بعتق عبده بعد موته بسنة، ولفلان بثلثه أو بمائة دينار، والعبد هو الثلث بدئ بالعبد ولم يعتق إلا بعد سنة، وخُيّر الورثة: [بين] أن يعطوا المائة أو الثلث للموصى له بالثلث ويأخذوا الخدمة، وبين أن يسلموا هذه الخدمة للموصى له، لأنها بقية الثلث، فإن أسلموها إليه فمات العبد قبل السنة عن مال، فهو لأهل الوصايا، وإن لم يحمل العبد الثلث خير الورثة في إجازة الوصية أو العتق من العبد مبلغ الثلث بتلاً وتسقط [جميع] الوصايا، [لأن العتق مبدأ على الوصايا] . وقاله جميع الرواة إلا أشهب. قال مالك: ومن دبّر عبداً في مرضه وقال لآخر: إن حدث بي حدث

الموت فأنت حر، فالمدبر مبدأ. [قال سحنون:] وكذلك عند جميع الرواة إلا أشهب. 3775 - ومن باع في مرضه عبداً أو حابى فيه، وقيمة العبد الثلث، وأعتق عبداً له آخر وقيمة المعتق الثلث، بُدئ بالمعتق، كما لو أعتق عبداً وأوصى بوصية، كان العتق مبدأ. وإن قال: إن مت فمرزوق حر، وميمون حر على أن يؤدي إلى ورثتي مائة دينار، فإن عجل ميمون المائة تحاصا، وإلا بُدئ مرزوق. فإن بقي من الثلث ما لا يحمل ميموناً خُيّر الورثة بين إمضاء الوصية أو يعجلوا فيه عتق بقية الثلث. وقيل: يبدأ الموصى بعتقه على الذي قال يؤخذ منه مال ويعتق. [وإن أوصى

بعتق هذا وبكتابة هذا، بدئ العتق] . وإن أوصى بعتق عبد معجل وآخر إلى شهر، تحاصّا لقرب الأجل، ولو بعد الأجل كالسنة ونحوها بُدئ بالمعجل في الثلث. وإن أوصى بمال وأوصى بحج، تحاصا. وكذلك إن أوصى بمال وأوصى بعتق نسمة بغير عينها، تحاصا. والموصي برقبة وبحج، وثلثه يحمل الرقبة وبعض الحجة، فبدّينا بالرقبة، فإنه يُحج عنه ببقية الثلث من حيثما بلغ ولو من مكة. وإن أوصى أن يحج عنه، فلم يبلغ ثلثه ما يحج [به] عنه إلا من المدينة أو من مكة، فلتنفذ وصيته، وإن لم يوص فلا يحج عنه. وكره مالك أن يتطوع الولد من مال نفسه فيحج عن أبيه، وكان يقول: لا يعمل أحد عن أحد. ومن أعتق في مرضه عبداً بعينه يملكه، أو أوصى بعتقه بعد موته وأوصى بوصايا، فالعبد إذا كان بعينه يبدأ. وكذلك إن أوصى بشراء رقبة بعينها فتعتق، فهي أيضاً مبدأة.

وإن أوصى بدنانير في رقبة، فهو يحاص أهل الوصايا. 3776 - وروى [ابن وهب] أن النبي ÷ أمر بتبدية العتق على الوصايا، وفعل ذلك أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -. (¬1) ولا يقدم ما قدم الميت في لفظ أو كتاب ولا يؤخر ما أخر وليقدم الأوكد إلا أن ينص على تبدئة غير الأوكد فيقول: ابدءوا عتق النسمة بغير عينها على التي بعينها فينفذ. [ولو] لم يبدّه الميت لكان المعتق بعينه أولى بالثلث، فإن فضل شيء كان للآخر، [ولا يلتفت إلى اللفظ في كلام الموصي إلا أن يبديه الميت كما وصفنا. ¬

(¬1) رواه الدرامي (2/506) ، والبيهقي في الكبرى (6/276، 277) ، وابن أبي شيبة في المصنف (6/223، 224) ، وانظر: المدونة الكبرى (15/43) ، والمحلي (9/333) ، وتلخيص الحبير (3/96) .

وقد قال الله تبارك وتعالى: ×مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ% [النساء: 11] ، فأجمع أهل العلم أن الدين يُبدّا على الوصايا] .

(كتاب الوصايا)

(كتاب الوصايا) 3630 - وإذا شهد ولدان للميت أن أباهما أعتق هذا العبد، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لرجل، والعبد هو الثلث، فإن كان عبداً يتهمان في جر ولائه، لم تجز شهادتهما وجازت الشهادة بالوصية، وإن لم يتهما، فهي جائزة، وهذا كشهادتهما بذلك ومعهما من الورثة نساء، فما يتهمان فيه مع النساء يتهمان فيه مع الموصى له. [ابن القاسم:] ومن قال في وصيته: يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر، ولم يدع سواه، فإن لم يجز الورثة، بُدئ بالعتق، فعتق ثلث العبد بتلاً وتسقط الخدمة. [قال سحنون: وعلى هذا أكثر الرواة] .

3777 -[قال مالك:] ومن أوصى [لرجل] بخدمة عبده سنة، أو سكنى داره سنة، وليس له مال غير ما أوصى فيه، [أو له مال لا يخرج ما أوصى به من الثلث] ، خيّر الورثة في إجازة ذلك أو القطع بثلث الميت من كل شيء للموصى له. [قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم لا أعلم بينهم فيه اختلافاً] . قال مالك: وأما إن أوصى له برقبة عبد أو دار، والثلث لا يحمل ذلك، فإنه يقطع لذلك محمل الثلث في تلك الأعيان. [قال سحنون: وهذا في الوصية بالخدمة والسكنى قول الرواة كلهم، لا أعلم بينهم فيه اختلافاً، وهو أصل من أصول قولهم. وكذلك قال ابن أبي سلمة إذا أوصى بسكنى داره ولا مال له غيرها: إن الورثة يخيرون في إجازة ذلك أو يقطعون له بثلثها بتلاً] .

3778 - ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة، أو حياته ثم هو لفلان، فإن حمله الثلث بُدئت الخدمة، فإذا انقضت [الخدمة] أخذه صاحب الرقبة، زادت قيمته [الآن] أو نقصت عن القيمة التي نفذت في الثلث، وإن حمل الثلث بعضه، خدم ذلك البعض، إن كان نصفه، خدم الموصى له بالخدمة يوماً وللورثة يوماً، فإذا انقضى أجل الخدمة صار نصفه لصاحب الرقبة، وللورثة بيع حصتهم قبل السنة. (¬1) 3779 - ومن هلك ولم يدع غير ثلاثة أعُبد قيمتهم سواء، فأوصى بأحدهم لرجل، وبخدمة الآخر لآخر حياته، فإن لم يجز الورثة أسلموا الثلث، فضرب فيه صاحب الرقبة بقيمتها، وصاحب الخدمة بقيمتها على غررها على أقل العمرين: عمر العبد [أو عمر] المُخْدَم، [يقال: بكم يتكارى هذا العبد إلى انقضاء أقلهما عمراً، المخدوم أو العبد، إن حيي إلى ذلك فهو لكم، وإن مات [قبل ذلك] بطل حقكم، فما صار لصاحب الرقبة أخذه فيها، وما صار لصاحب الخدمة كان به شريكاً في سائر التركة بتلاً. وكذلك إن أوصى مع ذلك لآخر بالثلث فإنهم يتحاصون في ثلث الميت، إذا لم يجز الورثة كما ذكرنا. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/46) .

3780 - ومن أوصى لرجل بمائة دينار، ولآخر بخدمة عبده حياته ثم هو حر، والعبد كفاف الثلث. قال مالك - رحمه الله -: يعمر الموصى له بالخدمة حياته، أو العبد إن كان أقصرهما عمراً، فتقوم خدمة العبد تلك السنين ذهباً، ثم يتحاص هو والموصى له بالمائة في خدمة العبد، فإذا هلك الموصى له بالخدمة، خرج العبد حراً. وإن لم يحمل العبد الثلث ولم يجز الورثة، عتق من العبد مبلغ الثلث، وسقطت الوصايا بالخدمة وغيرها. وإن قال في وصيته: لفلان مائة دينار، ولفلان خدمة عبدي [هذا] حياته، ثم هو لفلان، والثلث لا يحمل وصيته، فإن لم يجز الورثة، أسلموا الثلث فضرب فيه صاحب المائة بمائة، ولا يضرب معه صاحب الرقبة وصاحب الخدمة إلا بقيمة الرقبة فقط، فما صار لهما في المحاصة من الثلث أخذاه في [العبد] ، وما صار لهما من العبد بُدئ فيه المخدم [بالخدمة] ، فإن مات المخدم، رجع ما كان من العبد [في] الخدمة لصاحب الرقبة، وما صار لصاحب المائة، كان به شريكاً للورثة في جميع التركة، ولا يعمر المخدم في هذه المسألة، ويعمر في التي قبلها.

وإن قال في وصيته: عبدي يخدم فلاناً، ولم يقل: حياته ولا أجلاً، وأوصى أن رقبته لفلان، ولم يقل: من بعده، قومت الرقبة وقومت الخدمة على غررها حياة الذي أخدم، ثم تحاصا في رقبة العبد بقدر ذلك. وقال أشهب: بل هي وصية واحدة، والخدمة حياة فلان، ثم يرجع إلى صاحب الرقبة. وإن أخدمت عبدك رجلاً أجلاً مسمى، فمات الرجل قبل انقضاء الأجل، خدم العبد ورثته بقية الأجل إذا لم يكن من عبيد الحضانة والكفالة، وإنما هو من عبيد الخدمة. ومن قال: قد وهبت خدمة عبدي لفلان، ثم مات فلان، فإن لورثته خدمة العبد ما بقي، إلا أن يستدل من قوله: [إنه] إنما أراد حياة المخدم. وقال

أشهب: يحمل على أنه [أراد] حياة فلان، ولو كانت حياة العبد كانت هبة لرقبته. ومن أوصى بخدمة عبده لرجل حياته، وقال: ما بقي من ثلثي فلفلان، فكان العبد هو الثلث، بدئ بالخدمة، فإذا انقضت كانت الرقبة لصاحب باقي الثلث، زادت قيمته الآن أو نقصت. وكذلك من قال: داري حبس على فلان حياته، وما بقي من ثلثي فلفلان، والدار كفاف الثلث، فإذا رجعت الدار، كانت لصاحب [باقي] الثلث.

3781 -[ومن أوصى بشيء] يخرج كل يوم إلى غير أمد، من وقيد في مسجد، أو سقي ماء، أو بخبز كل يوم بكذا وكذا أبداً، وأوصى مع ذلك بوصايا، فإنه يحاص بها المجهول في الثلث، وتوقف حصته لذلك، [وهو قول أكثر الرواة] . 3782 -[قال مالك - رحمه الله -:] ومن أوصى بسكنى داره لرجل [حياته] ولا مال له غيرها، قيل للورثة: أسلموا إليه سكناها وإلا فاقطعوا له بثلثها بتلاً. وقاله ابن أبي سلمة وجميع الرواة.

وإن أوصى أن يؤاجر أرضه منه سنين مسماة، بثمن معلوم، وقيمة الأرض أكثر من الثلث، فلم يجز الورثة، قيل لهم: فأخرجوا له من ثلث الميت بتلاً بغير ثمن. 3783 - ومن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائب، ولا تخرج الوصايا مما حضر، خُيّر الورثة بين إخراجها مما حضر، أو إسلام ثلث الحاضر والغائب لأهل الوصايا يتحاصون فيه، وكذلك إن أوصى لرجل بمائة دينار، وهي لا تخرج من ثلث ما حضر، خُيّر الورثة بين تعجيلها مما حضر أو يقطعوا له بثلث الميت في الحاضر والغائب، وإن لم يترك إلا مائة عيناً ومائة عيناً، فأوصى لرجل بثلث العين ولآخر بثلث الدين، فذلك نافذ، ولكل واحد ثلث مائته بلا حصاص. (¬1) 3784 - وإن أوصى لهذا بخمسين من العين، ولآخر بأربعين من الدين، فإن لم يجز الورثة أسلموا ثلث العين والدين إليهما، ونظر كم قيمة الأربعين الدين نقداً، فإن قيل: عشرون، كان ثلث الدين والعين بينهما على سبعة أجزاء للموصى له بخمسين خمسة أجزاء، وللموصى له بأربعين جزآن. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/51) .

3785 - ومن أوصى لرجل بدين لا يحمله الثلث وله عين حاضرة، فإما أجازه الورثة، أو قطعوا له بثلث العين والدين، وكذلك إن أوصى من العين بأكثر من ثلث العين وله عقار وعروض كثيرة، فقال الورثة: لا نسلم العين ونأخذ العروض، فإما أعطوه ذلك من النقد، وإلا قطعوا له [بثلث] ما ترك الميت من عرض، أو دين، أو عين، أو عقار، أو غيره إلا في خصلة واحدة، فإن مالكاً اختلف فيها قوله، فقال مرة: إذا أوصى له بعبد بعينه أو بدابة بعينها، وضاق الثلث، فإن لم يجز الورثة قطعوا له بالثلث من كل شيء. وقال مرة: بمبلغ الثلث من جميع التركة في ذلك الشيء بعينه، وهذا أحب إليّ. 3786 - ومن أوصى بعتق عبده وهو لا يخرج مما حضر، وله مال غائب يخرج فيه، فإن العبد يوقف لاجتماع المال، فإذا اجتمع قوّم حينئذ في ثلثه، وليس له أن يقول: أعتقوا مني ثلث الحاضر الساعة. قال سحنون: إلا أن يضر ذلك بالموصى له وبالورثة فيما يعسر جمعه ويطول.

ومن ردّ ما أوصي له به، رجع ميراثاً بعد أن يحاص به أهل الوصايا، مثل أن يوصي لثلاثة نفر بعشرة عشرة، وثلثه عشرة، فيرد أحدهم وصيته، فللباقين ثلثا الثلث. وهذا قول جميع الرواة لا اختلاف بينهم فيه. 3787 - ومن أوصى لرجل بماله، ولآخر بنصفه، ولآخر بثلثه، ولآخر بعشرين ديناراً، والتركة ستون، فخُذْ لصاحب الكل ستة أجزاء، ولصاحب النصف ثلاثة [أجزاء] ، ولصاحب الثلث اثنين، ولصاحب العشرين سهمين، لأن عشرين هي الثلث، فذلك ثلاثة عشر جزءاً يقسم عليها الثلث فيأخذ كل واحد ما سميناه له. وكذلك إن أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربعه، ولآخر بسدسه أو خمسه، ولم يجز الورثة تحاصوا في الثلث من عين ودين وغيره على الأجزاء، وهذا على حساب عول الفرائض. قال مالك - رحمه الله -: وما أدركت الناس إلا على هذا. قال سحنون: وهو قول جميع الرواة لا اختلاف بينهم فيه. ومن أوصى لرجل بثلثه، ولآخر بعبده، وقيمته الثلث، فهلك العبد بعد موت السيد وقبل النظر في الثلث، فإن ثلث ما بقي للموصى له بالثلث، وكأن الميت لم يوص إلا بثلثه لهذا فقط.

ومن أوصى بثلث ماله لرجل، وبربع ماله لآخر، وأوصى بأشياء بعينها لقوم، نظر إلى قيمة هذه المعينات وإلى ما أوصى له من ثلث وربع، فيضربون في ثلث الميت بمبلغ وصاياهم، فما صار لأصحاب الأعيان من ذلك أخذوه في ذلك، وما صار للآخرين كانوا به شركاء مع الورثة. وإن هلكت الأعيان بطلت الوصايا فيها، وكان ثلث ما بقي بين أصحاب الثلث والربع، يتحاصون فيه. ومن أوصى لرجل بعبده، ولآخر بسدس ماله، والعبد هو الثلث، فللموصى له بالعبد ثلث الثلث في العبد، والآخر شريك للورثة بسبع ما بقي من بقية العبد وسائر التركة. وإن كان العبد السدس، كان جميعه للموصى له بالعبد، والآخر شريك للورثة بخمس بقية التركة، وقاله علي بن زياد [ورواه] عن مالك. (¬1) 3788 - وروى ابن وهب أن النبي ÷ قال: لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة. (¬2) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/54) . (¬2) رواه الترمذي (4/433) ، والبخاري (3/1008) ، وابن أبي شيبة في المصنف (6/208) ، وعبد الرزاق (9/68، 70) ، وابن ماجة (2/905) ، والبيهقي في الكبرى (6/85) ، وابن الجارود (238) ، وانظر: الزرقاني (4/86) ، والشرح الكبير (4/437) ، والمواهب (4/368) ، والمدونة (6/36) ، والتمهيد (23/442) .

ومن أوصى لوارث وأجنبي، تحاصا، وعاد حظ الوارث موروثاً إلا أن يجيز الورثة، ولو لم يدع إلا هذا الوارث الموصى له، لم يحاص الأجنبي في ضيق الثلث وبُدئ الأجنبي. قال يحيى بن سعيد فيمن أوصى بثلثه في السبيل، فإن وليّه يضعه في السبيل، فإن أراد أن يغزو به وله ورثة غيره يريدون الغزو، فإنهم يغزون به بالحصص، فإن لم يرثه غيره، فلا بأس باستنفاقه منه فيما وضع فيه. قال ربيعة: وإن أوصت امرأة لبعض ورثتها بوصية، وفي السبيل بوصية، فأجاز الزوج ذلك ثم قال: إنما أجزت رجاء أن يعطوني الوصية التي في السبيل، لأنه غاز، فليس ذلك له، ويلزمه ما أجاز.

3789 - ومن أوصى عند موته أن يحج عنه، أنفذ ذلك، ويحج عنه من قد حج [عن نفسه] أحب إليّ. وإن استؤجر من لم يحج، أجزأ، وتحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة، ولا يجزئ أن يحج عنه صبي، أو عبد، أو من فيه علقة رق، إذ لا حج عليهم، ويضمن الدافع إليهم، إلا أن يظن أن العبد حر وقد اجتهد ولم يعلم، فإنه لا يضمن. قاله سحنون: وقال غيره: لا يزول عنه الضمان بجهله. وإن أوصى أن يحج عنه عبد، أو صبي بمال، فذلك [جائز] نافذ، ويدفع ذلك إليه ليحج به عنه إن أذن السيد لعبده والوالد لولده، وذلك أنه كتطوع

أوصى به، فهو لو لم يكن صرورة فأوصى بحجة تطوعاً، أنفذت ولم ترد، فهذا مثله. وإن لم يكن للصبي أب، فأذن له الوصي في ذلك، فإن كان على الصبي فيه مشقة وضرر، وخيف عليه في ذلك ضيعة، فلا يجوز إذنه له، وإن كان الصبي قوياً على الذهاب وكان ذلك نظراً له جاز إذنه، لأن الولي لو أذن له أن يتجر وأمره بذلك، جاز. ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي، لم بكن به بأس، فكذلك يجوز إذنه له في الحج على ما وصفنا. وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن له في هذا. قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه، وقف المال لبلوغه، فإن حج به وإلا رجع ميراثاً، لأنه حين أوصى بحج الصبي والعبد، أراد التطوع لا الفريضة، ولو كان صرورة فسمى رجلاً بعينه يحج عنه، فأبى ذلك الرجل فيحج عنه غيره، بخلاف المتطوع الذي قد حج إذا أوصى أن يحج عنه رجل [بعينه] تطوعاً، هذا إن أبى الرجل أن يحج عنه رجعت ميراثاً، كمن أوصى لمسكين بعينه بمال من ثلثه، فمات المسكين قبل الموصي أو أبى أن يقبل، فذلك يرجع ميراثاً، وكمن أوصى لرجل بشراء عبد بعينه للعتق في غير عتق عليه واجب، فأبى أهله أن يبيعوه، فالوصية ترجع ميراثاً بعد الاستيناء واليأس من العبد.

وقال غيره في الموصي بحجة تطوعاً إذا أبى الرجل أن يحج عنه: لا يرجع ميراثاً. والصرورة في هذا وغير الصرورة سواء، لأن الحج إنما أراد به نفسه، بخلاف الوصية لمسكين بعينه بشيء يرده أو شراء عبد بعينه للعتق. قال ابن القاسم: ومن قال في وصيته: أحجوا فلاناً، ولم يقل: عني، أُعطي من الثلث قدر ما يحج به، فإن أبى أن يحج، فلا شيء له، وإن أخذ شيئاً رده، إلا أن يحج به. وإن أوصى أن يحج عنه وارث في فرض أو تطوع، أنفذت وصيته، ولم يزد الوارث على النفقة والكراء شيئاً. وكان مالك يكره الوصية بهذا، فإن نزل أمضاه، وإن قال: ادفعوا ثلثي لفلان يحج به عني، فإن كان وارثاً لم يدفع إليه إلا قدر نفقته، وكراه ويرد ما بقي من الثلث، وإن كان أجنبياً كان له ما فضل من الثلث كالأجير، وأما الذي يحج على البلاغ، فهو كرسول لهم ويرد ما فضل [من الثلث] .

والبلاغ قولهم: تحج بهذه الدنانير عن فلان، وعلينا ما نقص عن البلاغ، أو: خذها فحج منها عن فلان. والإجارة: أن يستأجره بمال على أن يحج عن فلان، فهذا يلزمه الحج، وله ما زاد وعليه ما نقص، وقد عرف الناس الإجارة والبلاغ. 3790 - ومن أوصى لرجل بدينار من غلة داره كل سنة، أو بخمسة أوسق من غلة حائطه كل عام، والثلث يحمل الدار والحائط، فأخذ ذلك عاماً ثم بار ذلك أعواماً، فللموصى له أخذ وصيته كل عام ما بقي من غلة العام الأول شيء، فإذا لم يبق منه شيء، فإذا غل [ذلك] ، أخذ ذلك منه لكل عام مضى [لم] يأخذ له شيئاً. ولو أكرى الدار في أول سنة بعشرة دنانير، فضاعت إلا ديناراً، كان ذلك الدينار للموصى له، لأن كراء الدار لا شيء لورثة منه إلا بعد أخذ الموصى له منه وصيته، وكذلك غلة الجنان. ولو قال: أعظه من غلة كل سنة خمسة أوسق، أو من كراء كل سنة ديناراً، لم يكن له أن يأخذ من غلة سنة عن سنة أخرى لم تغل.

ولو أكريت الدار أول عام بأقل من دينار، وجاءت النخل بأقل من خمسة أوسق، لم يرجع بتمام ذلك في عام بعده. ومن أوصى بغلة داره أو بغلة جنانه للمساكين، جاز ذلك. 3791 - وإن أعمرك رجل حياتك خدمة عبد، أو سكنى دار، أو ثمرة حائط، جاز أن يشتري ذلك منك هو أو ورثته، أو يصالحوك على مال، وإن لم تثمر النخل. وإن أوصى لك بذلك حياتك، جاز شراؤه للورثة بنقد أو دين، كما يجوز للمعطي، وكالمعري يبيع باقي الحائط، فيجوز للمشتري شراء العرية بخرصها، ولم تختلف الرواة في سكنى الدار فيما ذكرنا. (¬1) ولو صالحوك من الخدمة على مال، ثم مات العبد وأنت حي، فليس لهم رجوع عليك، ولا يجوز لك أن تبيع هذه الخدمة من أجنبي، أو تؤاجره العبد إلا مدة قريبة كسنة وسنتين وأمد مأمون، ولا تكريه إلى أجل غير مأمون، وأما لو أوصى لك بخدمة العبد عشر سنين فأكريته فيها، جاز، كمن واجر عبده عشر سنين. قال مالك: ولم أر من فعله، ولو فعل جاز، وهذا خلاف المخدم حياته، لأنه إذا مات المخدم سقطت الخدمة، والمؤجل يلزمه باقيها لورثة الميت. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/434) .

وللرجل أن يؤاجر ما أوصى به له من سكنى دار، أو خدمة عبد، إلا أن يكون عبداً قال له: اخدم ابني ما عاش، أو حتى يبلغ [أو ينكح] أو أجلاً مسمى، ثم أنت حر، وعلم أنه أراد ناحية الحضانة، فليس للابن أن يؤاجره، ولو مات الابن قبل ذلك عتق مكانه، إلا أن يكون من عبيد الخدمة، [أو] ممن أريد به الخدمة، فإنه يخدم ورثته بقية الأجل إن كان أجلاً. قال ربيعة: وإن قال: إذا تزوج ابني فأنت حر، فبلغ الابن النكاح وهو موسر، فأبى أن ينكح وتسرر، فإن العبد يعتق الآن، لأنه أراد بلوغ رشده وأن يستعين بالعبد فيما قبل ذلك من السنين. 3792 - ومن أوصى لرجل برقبة جنانه، أو بأمته، أو بعتقها، فأثمر الجنان عاماً أو عامين، أو ولدت الأمة، وذلك كله قبل موت الموصي، والثلث يحمل الجنان وما أثمر، أو الأمة وولدها، فإن الولد والثمرة للورثة دون الموصى له. وكذلك إذا أبرت النخل وألقحت الشجر قبل موت الموصي، فالثمرة للورثة دون الموصى له، وما أثمر الجنان بعد موته قبل النظر في الثلث، فتلك الثمرة للموصى له. ولا تقوم الثمرة مع الأصل، وإنما تقوم مع الأصل بعد موت الموصي في الولادة

وشبهها، والثمرة هاهنا كالغلة والخراج، لا كولادة الأمة، وكذلك ما أفاد المدبر والموصى بعتقه، والموصى به لرجل من فوائد بعد موت الموصي قبل النظر في الثلث، فلا يقوّم معهم في الثلث، وإنما يقوم معهم من أموالهم ما مات السيد وهو بأيديهم، أو ما نما من ربحه بعد موته. وليس لهم أن يتجروا فيه بعد موته، فإن فعلوا فالربح بمنزلة رأس المال، وكذلك لا يقوم مع المبتل في المرض، ما أفاد بعد عتقه قبل موت السيد أو بعد موته. فهذه فوائد لهم وللموصى له بالعبد إن حمل الثلث رقابهم، وإن حمل بعض الرقاب، وقف المال بأيديهم. واستحداث الميت للدين في المرض يرد ما بتل من العتق في مرضه، ويضر العبد، كما يضره ما تلف من المال. قال سحنون: وقد قال غير هذا، وهو قول أكثر الرواة: إن ما اجتمع في

الإيقاف بعد الموت لاجتماع المال للمدبر، أو للموصى له بعتقه، أو برقبته لرجل من مال تقدم [لهم] ، أو ما ربحوا فيه من تجارة، أو من عمل أيديهم، أو بهبة، أو بغيرها من الفوائد، فإن ذلك يقوم في الثلث معهم، خلا أرش ما جنى على المدبر، فليس له، وذلك للسيد كبعض تركته. وكذلك المبتل في المرض يقوم معه ماله، وما أفاد من ذلك كله بعد العتق قبل موت السيد أو بعده. وكذلك الجنان الموصى بها لرجل، أن ما أثمرت بعد موت الموصي، يقوم مع الأصول في الثلث، وإن حمل الثلث جميع العبيد الذين ذكرنا، كان المال لهم وللموصى له بالعبد. وكذلك النخل إذا حملها الثلث بثمرها كانت الثمرة للموصى له، وإن حمل الثلث نصف ما ذكرنا، وقف المال بأيدي العبيد ولا ينزع ممن جرت فيه حرية منهم، ويكون للموصى له بالجنان نصف النخل ونصف الثمرة. قال سحنون: وهذا أعدل أقوال أصحابنا. 3792 - ومن قال في صحته: غلة داري للمساكين، وأنا ألي غلتها وأفرقها ما دمت

حياً، فإن ردها ورثتي بعد موتي، فهي وصية في ثلثي، تباع ويتصدق بثمنها، فذلك نافذ كما قال. ولو قال: هي لبعض ورثتي، وألي أنا قسمتها، فإن رد ذلك ورثتي بعد موتي، بيعت، وتصدق بثمنها من ثلثي، لم يجز ووُرثت. وإذا أوصى بثلثه لوارث وقال: فإن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل، لم يجز ذلك، وهو من باب الضرر. وكذلك بعبد، فإن لم يجيزوا فهو حر، فإنه يورث إن لم يجيزوا. ولو قال: هو حر أو في السبيل، أو قال: داري أو فرسي في السبيل إلا أن يشاء ورثتي أن ينفذوا ذلك لابني، فذلك نافذ على ما أوصى [به] . 3793 - ومن أوصى لرجل بثلاثين ديناراً، ثم أوصى له تارة أخرى بالثلث، فله أن يضرب مع أهل الوصايا بالأكثر. قال مالك: ومن أوصي له بمبذر عشرين مدياً من أرضه، فإن كانت الأرض مبذرها مائة، فله خمسها بالسهم، وقع له أقل من عشرين أو أكثر لكرم

الأرض أو رداءتها، وإن أوصى له بدار ثم أوصى له بعشرة دور، وللميت عشرون داراً، فله الأكثر إن حمله الثلث، أو ما حمل الثلث إلا أن يجيز الورثة، وإن كانت الدور في بلدان شتى أخذ النصف من كل دار بالسهم. ومن أوصى بوصية بعد أخرى فإن لم تتناقضا أنفذتا جميعاً، وإن كانتا من صنف واحد فزادت إحداهما، أنفذت الزائدة فقط، وإذا تناقضتا، أخذ بالآخرة وبطلت الأولى، كمن أوصى لرجل بشيء بعينه من صنف، ذكر منه كيلاً، أو وزناً، أو عدداً من طعام، أو عرض، أو عين، أو غيره، أو بعدد بغير عينه من رقيق عنده، أو غنم، ثم أوصى له من ذلك الصنف بأكثر من تلك التسمية أو أقل، فله أكثر الوصيتين كانت الأولى أو الآخرة. وإن كان أوصى له آخراً بنصف آخر، فله الوصيتان جميعاً. 3794 - ومن أوصى بشيء بعينه من دار، أو ثوب، أو عبد، أو دابة لرجل، ثم أوصى بذلك لرجل آخر، [فهو بينهما، وكذلك لو أوصى بثلثه، ثم أوصى لرجل آخر] بجميع ماله، لم يعدّ رجوعاً، وكان الثلث بينهما على أربعة أسهم. 3795 - ومن له ثلاثة دور أوصى بثلثهن لرجل، فاستُحق منها داران، أو أوصى بثلث داره فاستُحق ثلثاها، فللموصى له ثلث ما بقي، وإن قال: العبد الذي أوصيت به لزيد، هو [وصية] لعمرو، فذلك رجوع.

وإن أوصى بعتق عبد بعينه، ثم أوصى به لرجل، أو أوصى به أولاً لرجل، ثم أوصى به للعتق، فالآخرة تنقض الأولى، إذ لا يشترك في العتق. 3796 - ومن أوصى لرجل بمثل مصاب أحد بنيه فإن كانوا ثلاثة، فله الثلث. قال مالك - رحمه الله -: وإذا قال: لفلان مثل ما يصيب أحد ورثتي، وترك رجالاً ونساء، فليقسم المال على عدد رؤوسهم فيعطى جزءاً منه، ثم يقتسم ما بقي بين الورثة إن كانوا ولده، للذكر مثل حظ الأنثيين. 3797 - ومن أوصى لولد ولده بثلثه ولا يرثونه، فذلك جائز، قيل: فإن مات أحدهم وولد غيرهم بعد موت الموصي قبل قسمة المال؟ قال: [فإن] ذلك كقول مالك في الموصي لأخواله وأولادهم أو لمواليهم. قال ابن القاسم: أو لبني عمه أو لبني فلان بثلثه، فذلك لمن حضر القسم، لا يحسب من مات بعد موت الموصي ولا يحرم من ولد، لأنه لم يسم قوماً بأعيانهم.

وقال ابن القاسم في باب بعد هذا، فيمن أوصى بثلثه لموالي فلان، فمات بعضهم، وولد لبعضهم، وعتق آخرون قبل القسم: إن ذلك لمن حضر القسم كالوصية لولد الولد. وإن قال: ثلثي لهؤلاء النفر، وهم عشرة، فإن من مات منهم يرث نصيبه وارثوه. قيل له: فإن قال: ثلثي لولد فلان، وولد [فلان] ذلك الرجل عشرة ذكور وإناث؟ قال: الذي سمعت من مالك أنه إذا أوصى بحبس داره أو ثمرة حائطه على ولد فلان، أو على ولد ولده، أو على بني فلان، فإنه يؤثر أهل الحاجة [منهم] في السكنى والغلة، وأما الوصايا فلا أحفظ قول مالك فيها، ولكني أراها بينهم بالسوية. قال سحنون:

فهذه المسألة أحسن من المسألة التي قال فيمن أوصى لأخواله وأولادهم. وقد روى ابن وهب في الأخوال مثل رواية ابن القاسم، إلا أن قول عبد الرحمن ابن القاسم في هذه المسألة أحسن، وكذلك يقول غيره. وليس وصيته لأخواله، أو ولد فلان بشيء ناجز، كوصيته لهم بغلة موقوفة تقسم إذا حضرت كل عام، فهذا قد علم أنه أراد بها غير معين، فهي على مجهول ممن يأتي، فإنما تكون الغلة لمن حضر قسمتها كل عام، فأما وصيته لأخواله، أو ولد فلان بمال ناجز وهم معروفون لقلتهم، وتعلم عدتهم، فكالوصية لقوم مسمّين. (¬1) 3798 - وإذا كانت الوصية لقوم مجهولين لا تعرف عدتهم لكثرتهم، مثل قوله على بني تميم، أو بني زهرة، أو المساكين، فهذا لم يرد قوماً بأعيانهم، لأن ذلك لا يحصى ولا يعرف، فإنما يكون ذلك لمن حضر القسم، وتركت مسألة من حبس داراً على قوم حبساً صدقة، لأنها مذكورة في آخر كتاب الهبات أتم مما هنا. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/72) ، والتاج والإكليل (6/374) .

3799 - ومن قال: ثلثي لولد فلان. وقد علم أنه لا ولد له، جاز، وينتظر أيولد له أم لا، ويساوى فيها بين الذكر والأنثى. وإن لم يعلم أنه لا ولد له، فذلك باطل. وكذلك وصيته لميت ولا يعلم بموته، فوصيته باطلة، وإن علم بموته، نفذت الوصية لورثة الموصى له وقضى بها دينه. 3800 - وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فالوصية لورثة الموصى له، علم بها أو لا، وإن مات قبل موت الموصي، بطلت الوصية، علم الموصي بموته أم لا. قال مالك: ويحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا في ضيق الثلث، ثم تورث تلك الحصة. [وقد قال مالك - رحمه الله -: إذا علم الموصي بموت الموصى له، بطلت الوصية، ولا يحاص بها أهل الوصايا. [قال سحنون: وعلى هذا قول الرواة، وإنما تحاص الورثة أهل الوصايا]

بوصية الموصى له، إذا مات الموصى له قبل موت الموصي، والموصي لا يعلم أن الموصى له مات، والأمر عنده أن وصيته لمن أوصى له جائزة، فلما بطلت بموت الموصى له، رجع ما كان له إلى مال الميت ودخل الورثة، فحاصوا أهل الوصايا بوصيته، لأنه هو كان كذلك، كان يحاصهم بوصيته] . وأكثر الرواة على أنهم يتحاصون بها إن لم يعلم بموته ولا يتحاصون بها إن علم، وقاله أيضاً مالك. 3801 - مالك: ومن أوصى بثلثه لبني تميم أو لقيس، جاز وقسم على الاجتهاد، قال: ولقد نزلت أن رجلاً أوصى لخولان بوصية، فأجازها مالك ولم ير فيها شيئاً للموالى. ومن أوصى بثلثه لموالى فلان، كان لمواليه الأسفلين دون الأعلين. ومن قال: ثلثي لفلان وفلان، أحدهما غني والآخر فقير، فالثلث بينهما نصفين، فإن مات أحدهما بعد موت الموصي ورث نصيبه ورثته، وإن مات قبله فللباقي نصف الثلث، ولا شيء لورثة الآخر، ويرجع نصيبه إلى ورثة الموصي. 3802 - وإن أوصى لفلان بعشرة، ولفلان بعشرة، والثلث عشرة، فمات أحدهما قبل

موت الموصي، فكان مالك يقول: إن علم الموصي بموته فالعشرة للباقي، وإن لم يعلم حوصص بينهما، فيصير للحي خمسة، وترجع الخمسة التي وقعت للميت لورثة الموصي ميراثاً، وعليه أكثر الرواة. ثم قال مالك: تكون العشرة للباقي علم الموصي بموته أم لا. ثم قال [آخر زمانه] : أرى أن يحاص بها الباقي، علم الموصي بموت الآخر أم لا. قال ابن القاسم: وبه آخذ، [وقد ذكر ابن دينار أن قوله هذا الآخر هو الذي يعرف من قوله قديماً. قال ابن القاسم:] وكذلك قوله: ثلث مالي لفلان، وثلثا مالي لفلان، فيموت أحدهما [قبل الموصي] على اختلاف القول في صاحبي العشرة سواء. فإن

كان الميت منهما صاحب الثلث كان للباقي منهما ثلثا الثلث في قول مالك الآخر، [ويحاصه الورثة، علم الموصي بموت الآخر أم لا، وبه أقول] . وفي قول مالك الأول يختلف، إن علم أو لم يعلم بحال ما وصفنا. وفي قوله الأوسط يكون للباقي جميع الثلث، فعلى هذا فقس ما يرد عليك. 3803 - قلت: فمن أوصى في مرضه بأكثر من ثلثه، فأجاز ورثته ذلك قبل موته من غير أن يطلبهم الميت بذلك، أو طلبهم فأجازوا، ثم رجعوا بعد موته. قال: قال مالك - رحمه الله -: إذا استأذنهم في مرضه فأذنوا له، ثم رجعوا بعد موته، فمن كان عنه بائناً من ولد، أو أخ، أو ابن عم، فليس ذلك لهم. ومن كان في عياله من ولد قد احتلم، أو بناته، أو زوجاته، فذلك لهم، وكذلك ابن العم الوارث إن كان ذا حاجة إليه، ويخاف إن منعه، وصح أن يضربه في منع رفده إلا أن يجيزوا بعد الموت، فلا رجوع لهم بعد ذلك. ولا يجوز إذن البكر والابن السفيه وإن لم يرجعا، ومن أوصى

بجميع ماله وليس له إلا وارث واحد مديان، فأجاز ذلك، فلغرمائه رد الثلثين وأخذه في دينهم. 3804 - وإن أقر الولد أن أباه أوصى لرجل بثلث ماله، وعلى الولد دين يغترق مورثه، وأنكر غرماؤه الوصية، فإقراره قبل القيام عليه بالدين جائز. ولا يجوز إقراره بعد القيام عليه، وكذلك إقراره بدين على أبيه، أو بوديعة عند أبيه، فإقراره بعد قيام الغرماء عليه، لا يقبل إلا ببينة، وإقراره قبل أن يقام [عليه] جائز. فإن كان المقر له حاضراً، حلف واستحق، كمن شهد أن هذا الذي في يديه تصدق به فلان على فلان وتركه له في يدي، وأنكر الذي هو له، فإن حضر المشهود له، جاز ذلك مع يمينه، وإن كان غائباً لم يجز، لأن المقر يتهم على بقاء ذلك الشيء بيده. * * *

(كتاب الوديعة)

(كتاب الوديعة) (¬1) 3805 - ومن أودعته مالاً فدفعه إلى زوجته أو خادمه، لترفعه له في بيته، ومن شأنه أن ترفع له، لم يضمن ما هلك من ذلك، وهذا [ما] لا بد منه. وكذلك إن دفعه إلى عبده أو أجيره الذي في عياله، أو رفعه في صندوقه أو بيته ونحوه، لم يضمن، ويصدق أنه دفعه إلى أهله، أو أنه أودعه على هذه الوجوه التي ذكرنا أنه لا يضمن فيها، وإن لم تقم له بينة. وإن أراد سفراً أو خاف عورة منزله ولم يكن صاحبها حاضراً، فيردها عليه، فليودعها ثقة ولا يُعرِّضها للتلف، ثم لا يضمن، وإن أودعها لغير هذا الذي يعذر به ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/3) ، والتاج والإكليل (4/249) ، ومواهب الجليل (5/259) ، والكافي (ص403) ، والمدونة الكبرى (15/144) .

ضمن، إلا أنه لا يصدق إن أراد سفراً أو خاف عورة منزله فأودعها، إلا أن يعلم سفره وعورة منزله، فيصدق، وإن سافر فحمل الوديعة معه، ضمن. وإن أودعت المسافر مالاً فأودعه في سفره فضاع، ضمن، [بخلاف الحاضر يسافر] . 3806 - قال مالك - رحمه الله في امرأة ماتت بالإسكندرية فكتب وَصِيُّها إلى ورثتها وهم بالمدينة، فلم يأته منهم خبر، فخرج بتركتها إليهم فهلكت في الطريق، فهو لها ضامن حين خرج بها بغير أمر أربابها. ومن أودعته دنانير ودراهم فخلطها بمثلها ثم ضاع المال كله، لم يضمن، وإن ضاع بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما، لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه، ولو عرفت بعينها كانت مصيبة دراهم كل واحد منه، ولا يغيرها الخلط. وإن أودعته حنطة فخلطها بحنطة، فإن كانت مثلها وفعل ذلك بها على الإحراز لها والرفع، فهلك الجميع لم يضمن، وإن كانت مختلفة ضمن، وكذلك إن خلط حنطتك بشعير ثم ضاع الجميع، فهو ضامن، لأنه قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها. وإن أودعته حنطة فخلطها صبي أجنبي بشعير للمودع، ضمن الصبي ذلك في ماله، وإن لم يكن له مال ففي ذمته، لهذا مثل حنطته ولهذا مثل شعيره، وإن اختارا

ترك الصبي ويكونان في المخلوطين شريكين بقدر طعام كل واحد بعد العلم بكيله فَعَلا، ولو أعطى أحدهما الآخر مثل طعامه على أن يدع له جميع المخلوط، لم يجز، [لأنه بيع] ، إلا أن يكون هو المتعدي في خلطه، فيجوز ذلك، لأنه قضاء لما لزمه. ومن أودعته دراهم أو حنطة أو ما يكال أو يوزن، فاستهلك بعضها ثم هلك بقيتها، لم يضمن إلا ما استهلك [أولاً] . ولو كان قد ردّ ما استهلك، لم يضمن شيئاً، وهو مصدق أنه رد فيها ما أخذ، كما يصدق في ردها إليك وفي تلفها. وكذلك إن تسلف جميعها ثم رد مثلها مكانها لبرئ، كان أخذه إياها على السلف أو على غيره، فلا شيء عليه إن هلكت بعد أن ردها. ولو كانت ثياباً فلبسها حتى بليت، أو استهلكها ثم رد مثلها، لم تبرأ ذمته من قيمتها، لأنه إنما لزمته قيمتها. 3807 - ومن بيده وديعة أو قراض لرجل، فقال له: رددت ذلك إليك، فهو مصدق، إلا أن يكون قبض ذلك ببينة، فلا يبرأ إلا ببينة، ولو قبضه ببينة فقال: ضاع مني أو سرق، صدق.

وإن دفعت إليه مالاً ليدفعه إلى رجل، فقال: دفعته إليه، وأنكر ذلك الرجل، فإن لم يأت الدافع إليه ببينة، ضمن، قبض [ذلك منه] ببينة أو بغير بينة. ولو شرط الرسول أن يدفع المال إلى من أمرته بغير بينة، لم يضمن، وإن لم تقم له بينة بالدفع إذا ثبت هذا الشرط. وإن قال الرسول: لم أجد الرجل فرددت المال إليك صدق، إلا أن يكون قبضه ببينة [فلا يبرأ إلا ببينة] . 3808 - ولو قال في الوديعة والقراض: قد رددت ذلك إلى ربه مع رسولي، ضمن، إلا أن يكون رب المال أمره بذلك. 3809 - وإن بعثت بمال إلى رجل بلد فقدمها الرسول ثم مات بها، وزعم الرجل أن الرسول لم يدفع إليه شيئاً، فلا شيء لك في تركة الرسول ولك اليمين على من يجوز أمره من ورثته أنه ما يعلم لك شيئاً. ولو مات الرسول قبل أن يبلغ البلد فلم يوجد للمال أثر، فإنه يضمن ويؤخذ من تركته. 3810 - ومن هلك وقبله قراض وودائع لم توجد ولم يوص بشيء، فذلك في ماله ويحاص

بذلك غرماؤه، وإن قال عند موته: هذا قراض [فلان] وهذه وديعة فلان، فإن لم يتهم صدق، وذلك للذي سمى له. ومن بعثت معه بمال ليدفعه إلى رجل صدقة أو صلة أو سلفاً، أو من ثمن بيع، أو ليبتاع لك به سلعة، فقال: دفعته إليه وأكذبه الرجل، لم يبرأ الرسول إلا ببينة، وكذلك إن أمرته بصدقته على قوم معينين، فإن صدقه بعضهم وكذّبه بعضهم، ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقته على غير معينين صدق مع يمينه [و] إن لم يأت ببينة. 3811 - ومن أودع وديعة بيده لغير عذر، ثم استردها فهلكت عنده، لم يضمن، كرده لما تسلف منها. [ومن أودعته] وديعة فجحدك إياها وأقمت عليه بينة، فإنه يضمن. 3812 - ومن قال لرجل: أقرضتك كذا وكذا، وقال الرجل: بل أودعتنيه وتلف، صدق رب المال، ولو قال ربه: بل غصبتنيه وسرقته مني، فهو مدع، لأنه من معنى التلصص، فلا يصدق عليه، ولا يضمن له الرجل شيئاً.

ومن أخذ من رجل مالاً فقال الدافع: إنما قضيتكه من دينك [الذي] لك عليّ، أو رددته [إليك] من القراض الذي لك عندي، وقال الآخر: بل أودعتنيه فضاع عندي، صدق الدافع مع يمينه. 3813 - وإن كانت لك عند رجل ألف درهم قرضاً وألف درهم وديعة، فأعطاك ألفاً أو بعث بها إليك، ثم زعم أنها القرض وأن الوديعة قد تلفت، وقلت أنت: بل الذي قبضت الوديعة، فالقول قول المستودع كما يصدق في ذهاب الوديعة. 3814 - ومن أودع صبياً صغيراً وديعة بإذن أهله أو بغير إذنهم فضاعت، لم يضمن. ومن باع منه سلعة فأتلفها فليس له اتباعه بثمن ولا قيمة. (¬1) ولو ابتاع من الصبي سلعة ودفع الثمن إليه فأتلفه، فالمبتاع ضامن للسلعة ولا شيء له قبل الصبي من الثمن. ¬

(¬1) انظر: مختصر خليل (1/227) ، ومواهب الجليل (5/567) ، والفواكه الدواني (2/116) ، والتاج والإكليل (5/267) ، وحاشية الدسوقي (3/296) .

وإن أودعت عبداً محجوراً عليه وديعة فأتلفها، فهي في ذمته إن عتق يوماً ما، إلا أن يفسخها عنه السيد في الرق، فذلك له، لأن ذلك يعيبه فيسقط ذلك عن العبد في رقه وبعد عتقه. 3815 - وما أتلف المأذون [له] من وديعة بيده فذلك في ذمته لا في رقبته، لأن الذي أودعه متطوع بالإيداع، وليس للسيد أن يفسخ ذلك عنه. وكذلك ما أفسد العبد الصانع المأذون له في الصناعة مما دفع إليه ليعمله أو يبيعه فأتلفه. وكذلك من ائتمنه على شيء أو أسلفه فإن ذلك في ذمته، لا في رقبته ولا فيما في يديه من مال السيد، وليس للسيد فسخ ذلك عنه. وما قبضه العبد والمكاتب وأم الولد والمدبر من وديعة بإذن ساداتهم فاستهلكوها، فذلك دين في ذممهم لا في رقابهم، بخلاف الصبي يقبض وديعة بإذن أبيه فيتلفها هذا، لا يلزمه شيء ولا ينبغي ذلك لأبيه. ومن أودعته وديعة فاستهلكها ابنه الصغير، فذلك في مال الابن، فإن لم يكن له مال فذلك في ذمته. ومن أودعته وديعة فاستهلكها عبده فهي جناية في رقبته، فإما فداه بذلك أو أسلمه، ومن قتل عبداً فقيمته في ماله حالّة ولا تحملها العاقلة.

3816 - ومن أودعته وديعة فادعى أنك أمرته أن يدفعها إلى فلان ففعل، وأنكرت أنت أن تكون أمرته، فهو ضامن، إلا أن تقوم له بينة أنك أمرته بذلك. وإن بعثت إليه بمال فقال: [قد] تصدقت به [عليّ] ، وصدقه الرسول وأنت منكر للصدقة، فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه ويكون المال صدقة عليه. قيل: كيف يحلف ولم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه. 3817 - وإن بعت من رجل ثوباً وبعثت معه عبدك أو أجيرك ليقبض الثمن فقال: قبضته وضاع مني، فإن لم يقم المشتري بينة بالدفع إلى رسولك ضمن بخلاف من دفعت إليه مالاً ليدفعه إلى رجل فقال: دفعته إليه بغير بينة، وصدقه الرجل، هذا لا يضمن. 3818 - ومن أودعته أمة فوطئها، فعليه الحد والولد عبد لك.

ومن أودعته وديعة فأتى رجل فزعم أنك أمرته بأخذها، فصدقه ودفعها إليه فضاعت، فالدافع ضامن، فإن ضمّنته كان له الرجوع على آخذها منه. ومن أودع رجلين وديعة أو استبضعهما فليكن ذلك عند أعدلهما كالمال بيد الوصيين، وإذا لم يكن في الوصيين عدل خلعهما السلطان ووضع المال عند غيرهما. [قال ابن القاسم: ولم أسمع من مالك في الوديعة والبضاعة شيئاً وأراه مثله] . 3819 - ومن استودعك دابة وغاب فأنفقت عليها بغير أمر السلطان، فإنك إن أقمت بينة أنه أودعكها منذ وقت كذا فإن الإمام يبيعها ويقضيك ما ادعيت من النفقة وإن لم يشهدوا بها إذا لم تدع شططاً. ومن أودعته بقراً أو أًتناً أو نوقاً فأنزى عليهن فحملن فمتن من الولادة

أو كانت أمة فزوجها فحملت وماتت من الولادة، فهو ضامن. وكذلك لو عطبت تحت الفحل. (¬1) وقد روي عن مالك - رحمة الله عليه - فيمن رهن جارية عند رجل فزوّجها المرتهن بغير أمر صاحبها، فحملت وماتت من النفاس، أن ضمانها من الراهن. وقال ابن القاسم: ضمانها من المرتهن. 3820 - ومن أودعته إبلاً فأكراها إلى مكة ورجعت بحالها إلا أنه حبسها ¬

(¬1) انظر: التقييد (6/212) .

عن أسواقها ومنافعك فيها فأنت مخير في تضمينه قيمتها يوم تعديه ولا كراء لك، أو [تأخذها] وتأخذ كراها، وكذلك المستعير يزيد في المسافة أو المكترى. 3821 - ومن أودعته وديعة فقال: أنفقتها على أهلك وولدك وصدقوه في ذلك، فهو ضامن إلا أن يقيم بينة ويكون ما أنفق يشبه نفقتهم ولم تكن أنت تبعث إليهم بالنفقة، فيبرأ. ومن أودعته أمة فزوجها بغير إذنك فهو ضامن لما نقصها التزويج، وإن ولدت وكان في الولد ما يجبر به نقص النكاح لم يغرم لنقص النكاح شيئاً، وربها مخير إن شاء أخذها وولدها وإن شاء ضمّنه قيمتها بلا ولد. وقاله مالك - رحمه الله - فيمن رد أمة ابتاعها بعيب وقد زوجها وولدت أنه يجبر نقص النكاح بالولد، كما يجبره بزيادة قيمتها، والنكاح ثابت، زوّجها من عبد أو من حر، لأنه زوجها وهي في ملكه كما لو أعتقها جاز عتقه، وإن أعتقها بعد علمه بالعيب لم يرجع بشيء، وإن لم يعلم رجع بحصته، ولو تسوق بها بعد علمه بالعيب لزمته ولم يردها.

3822 - ومن أودعته مالاً فتجر فيه فالربح له، وليس عليه أن يتصدق بالربح. [وتكره التجارة بالوديعة] ومن لك عليه مال من وديعة أو قراض أو بيع [فجحدك ثم صار بيدك مثله بإيداع أو بيع] أو غيره. قال مالك - رحمه الله -: فلا يعجبني أن تجحده. (¬1) ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (7/22) ، وحاشية الدسوقي (3/425) .

وقد روي: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". (¬1) 3823 - ومن أودعك وديعة ثم غاب فلم تدر أين موضعه، أحي هو أم ميت، ولا مَنْ ورثته، فإنك تستأني بها، فإن طال الزمان ويئست منه، فينبغي أن تتصدق بها عنه. وإن أودعته وديعة فاستهلكها ثم ادعى أنك وهبتها له وأنكرت، فالقول قولك. 3824 - ومن أودعك عبداً فبعثته في سفر أو في أمر يعطب في مثله فهلك، ضمنته. ¬

(¬1) رواه الترمذي (3/564) ، (1264) ، وأبو داود (3535) ، والدارمي (2/343) ، والحاكم في المستدرك (2/46) ، والدارقطني (3/35) ، والبيهقي (10/270، 271) ، وانظر: كفاية الطالب (2/359) ، وحاشية الدسوقي (3/431) ، والفواكه الدواني (2/170) ، والمدونة (15/160) ، وحاشية العدوي (2/359) ، والتمهيد (20/159) ، وشرح الزرقاني (4/40) .

وأما إن بعثته لشراء بقل أو غيره من حاجة تقرب من منزلك، لم تضمن، لأن الغلام لو خرج في مثل هذا لم يمنع منه. وإن أودعك عبد وديعة وهو مأذون أو غير مأذون ثم غاب فقام سيده ليأخذها، فله ذلك. وقاله مالك - رحمه الله - فيمن ادعى متاعاً بيد عبد غير مأذون وصدّقه العبد وقال رب العبد: بل المتاع لي، أو قال: لعبدي، فالقول قول السيد، ولو كان العبد مأذوناً كان القول قول العبد. وكذلك في إقراره بدين. * * *

(كتاب العارية)

(كتاب العارية) 3825 - ومن استعار دابة ليركبها حيث شاء وهو في الفسطاط، فركبها إلى الشام أو إفريقية، فإن كان وجه عاريته إلى مثل ذلك فلا شيء عليه، وإلا ضمن، والذي يسأل رجلاً يسرج له دابته ليركبها في حاجة له، فيقول له ربها: اركبها حيث أحببت، فهذا يعلم الناس أنه لم يسرجها له إلى الشام ولا إلى إفريقية. قال ابن القاسم: وقد وجدت في مسائل عبد الرحيم.

وقال مالك - رحمه الله - فيمن استعار دابة ليركبها إلى موضع، فلما رجع زعم ربها أنه أعارها إياه إلى دون ما ركبها إليه، أو إلى بلد آخر: فالقول قول المستعير إن ادعى ما يشبه مع يمينه، ويكون عليه فضل ما بين كراء الموضع الذي [أقر المعير أنه أعار إليه، وبين كراء الموضع الذي] ركب إليه المستعير [إذا ادعى ما لا يشبه] . وكذلك إن اختلفا فيما حمل عليها، [صُدّق المستعير فيما يشبه] . 3826 - ومن استعار مهراً فحمل عليها حمل بز، لم يصدق أنه استعاره لذلك، وإن كان بعيراً، صُدّق. ومن استعار دابة ليحمل عليها حنطة، فحمل عليها حجارة، فكل ما حمل عليها مما ÷وأضر بها مما استعارها له فعطبت به، فهو ضامن. وإن كان مثله في لضرر لم يضمن، كحمله عدساً في مكان حنطة أو كتاناً أو قطناً في مكان بز.

وكذلك من اكتراها لحمل أو ركوب، فأكراها من غيره في مثل ما اكتراها له فعطبت، لم يضمن. وإن استعارها لحمل حنطة فركبها فعطبت، فإن كان ذلك أضر بها وأثقل ضمن، وإلا لم يضمن. وإن استعارها ليركبها إلى موضع فركب وأردف رديفاً تعطب في مثله فعطبت، فربها مخير في أخذ كراء الرديف فقط، أو يضمنه قيمة الدابة يوم أردفه. وفي كتاب الأكرية ذكر المكتري يزيد في الحمل ما تعطب الدابة في مثله أو لا. 3827 - وإن استعارها إلى مسافة فجاوزها بها فتلفت، فربها مخير في أن يضمنه قيمتها يوم التعدي أو كراء التعدي فقط. ومن استعار ما يغاب عليه من ثوب أو غيره فكسره أو خرقه أو ادعى أنه سرق منه أو احترق، فهو له ضامن وعليه فيما أفسده إفساداً يسيراً ما نقصه، وإن كان كثيراً ضمن قيمته كلها إلا أن يقيم بينة أن ذلك هلك بغير سببه، فلا يضمن إلا أن يكون منه تضييع أو تفريط فيضمن. قال ابن القاسم: وكذلك وجدت هذه المسألة في مسائل عبد الرحيم.

ولا يضمن ما لا يغاب عليه من حيوان [أو غيره] ، وهو مصدق في تلفه، ولا يضمن شيئاً مما أصابه عنده إلا أن يكون بتعديه. 3828 - وإن أمرت من يضرب عبدك عشرة أسواط ففعل، فمات العبد منها، فلا شيء لك عليه، واستحب له أن يكفر كفارة الخطأ. وإن ضربه أحد عشر سوطاً أو عشرين سوطاً، فمات من ذلك، فإن زاد زيادة أعانت على قتله، ضمن. 3829 - ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس، فلما فعل أردت إخراجه، فأما بقرب إذنك له مما لا يشبه أن تعيره إلى مثل تلك المدة القريبة، فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق. وقد قال في باب بعد هذا: قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد. وإذا أردت إخراجه بعد أمد يشبه أنك أعرته إلى مثله فلك أن تعطيه قيمة البناء والغرس مقلوعاً وإلا أمرته بقلعه إلا أن يكون مما لا قيمة له ولا نفع فيه من جص ونحوه فلا شيء للباني فيه، وكذلك لو ضربت لعاريته أجلاً فبلغه، وليس لك ههنا إخراجه قبل الأجل، وإن أعطيته قيمة ذلك قائماً، وكذلك لو لم يبن ولم يغرس حتى أردت إخراجه، فليس ذلك لك قبل الأجل، ولو لم تضرب أجلاً كان ذلك لك.

وإذا سميت له أجلاً ولم يسم ما يبنى [فيه] ويغرس، فليس لك منعه مما يبني ويغرس إلا فيما يعلم أنه يضر فيه بأرضك، وإن [ضربا أجلاً] فأراد الباني أن يخرج قبل الأجل، فله قلع بنائه أو غرسه إلا أن تشاء أنت أخذه بقيمته مقلوعاً إن كان إذا قلع فيه منفعة، وإن لم تكن فيه منفعة، فلا شيء له عليك. وإن أعرته أرضك للزرع فزرعها، فليس لك إخراجه حتى يتم الزرع، إذ ليس مما يباع حتى يطيب، فتكون فيه القيمة، وليس لك أخذه بكراء من يوم رمت إخراجه، ولا فيما مضى، إلا أن تكون إنما أعرته للثواب، فهذا بمنزلة الكراء، وإن أعرته أرضك يبني فيها ويسكن عشر سنين، ثم يخرج ويدع البناء، فإن بيّن صفة البناء ومبلغه وضرب لذلك أجلاً، فهو جائز، وهي إجارة، وإن لم يصفه لم يجز، وإن وصفه وقال: أسكن ما بدا لي، ولم يؤجّل، فمتى خرجت فالبناء لك، لم يجز ذلك، فإن بنى على هذا وسكن، فله قلع بنائه ولك عليه كراء أرضك، ولك أن تعطيه قيمته مقلوعاً ولا ينقضه. وإن أعرته أرضك عشر سنين على أن يغرسها أصولاً، على أن يكون لك بعد

المدة شجرها، لم يجز، إذ ليس للشجر حد معروف، والمغارسة من ناحية الجعل، وإنما يجوز أن تعطيه أرضك يغرسها أصولاً نخلاً وكرماً أو فرسكاً أو تيناً أو شبه ذلك، فإن بلغت شباباً كذا، فالشجر والأرض بينكما على النصف أو الثلث أو ما سميتما. وإن أعطيتها له سنتين أو ثلاثاً يغرسها شجراً كذا، فإذا خرجت من الأرض فهي لك، لم يجز، بخلاف البناء، لغرر الغراسة، إذ لا يدرى ما ينبت منها، كما لو استأجرته يغرس لك كذا وكذا شجرة مضمونة عليه إلى أجل، لم يجز، ولو كان بناء معلوماً يوفيكه إلى أجل معلوم، جاز. (¬1) 3830 - ومن استعار مسكناً عشر سنين ثم مات، فورثته بمثابته، كان قد قبضه أو لم يقبضه، وإن مات المعير قبل القبض بطلت العارية. وإن مات بعد القبض نفذ ذلك كله إلى أجله. ومن أعمر رجلاً داراً حياته، رجعت بعد موته إلى المعطي، والناس عند ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/299) .

شروطهم، وتكون العمرى في الرقيق والحيوان كله، ولم أسمع ذلك في الثياب، وهي عندي على ما أعارها عليه من شروط. 3831 - ولم يعرف مالك الرقبى، وفُسّرت له فلم يجزها، وهي أن تكون دار بين رجلين فيحبسانها على أن من مات منهما [أولاً] فنصيبه حبس على الآخر، وسألته عن العبد بينهما يحبسانه على أن من مات أولاً فنصيبه يخدم آخرهما موتاً حياته، ثم يكون العبد حراً بعده، فلم يجزه مالك، إلا أنه ألزمهما العتق إلى موتهما، ومن مات منهما فنصيبه يخدم ورثته دون صاحبه ويبطل ما أوصى به في الخدمة، لأنه خطر. وإذا مات آخرهما كان نصيب كل واحد حراً من ثلثه، كمن قال: إذا مت فعبدي يخدم فلاناً حياته، ثم هو حر. ولو قال: عبدي حر بعد موت فلان، كان من رأس ماله. وكذلك لو كان ذلك في العبد الذي بين الرجلين،

فمات أحدهما لكان نصيب الحي حراً من راس ماله في قوله: نصيبي منه بعد موت فلان حر. 3832 - ومن استعار دنانير أو دراهم أو فلوساً أو طعاماً، فذلك سلف مضمون لا عارية. وقال مالك فيمن حبس على رجل مائة دينار يتجر بها أمداً معلوماً، فإنه ضامن لما نقصت، وهي كالسلف، وذلك جائز، فإن شاء قبلها على ذلك أو ردها، فترجع ميراثاً. وقال في امرأة حبست دنانير على ابنة ابنتها على أن تنفق منها إذا أرادت الحج أو نفست، فذلك نافذ فيما شرطت، وليس للابنة أن تتعجلها قبل [ذلك على] أن تضمنها. 3833 - ومن اعترف دابة فأقام البينة أنها له، سألهم القاضي عن علمهم، فإن شهدوا أنهم لا يعلمون أنه باع ولا وهب، قُضي له بها بعد يمينه على البت أنه

ما باع ولا وهب ولا خرجت عن ملكه بوجه من الوجوه، فإن شهدوا أن الدابة له ولم يقولوا: لا نعلم أنه باع ولا وهب ولا تصدق، حلف على البت كما ذكرنا ويقضى له، [قال أشهب: هذا إذا لم يقدر على كشف الشهود] . وإن شهدوا على البت أنه ما باع ولا وهب كانت شهادتهم زوراً. 3834 - ومن استأجر دابة فعطبت [تحته] [ثم استحقت] ، فليس لمستحقها أن يُضمّنه قيمتها، بخلاف من ابتاع طعاماً فأكله، وإنما يضمن المبتاع ما هلك بانتفاعه. وليس للعبد أن يعير شيئاً من متاعه أو يدعو إلى طعام إلا بإذن سيده، وهذا مذكور في كتاب المأذون. 3835 - ومن استعار سيفاً ليقاتل به فضرب به [فانكسر] ، لم يضمن، لأنه فعل ما أذن له فيه، وهذا إذا كانت له بينة أو عرف أنه كان معه في اللقاء، وإلا ضمن.

قلت: فمن استعار دابة إلى مسافة فجاوزها بميل ونحوه، ثم رجع بها إلى الموضع الذي استعارها إليه، ثم رجع بها ليردها إلى ربها فعطبت في الطريق، وقد رجع إلى الطريق الذي أذن له فيه، هل يضمن؟ [قال: قال مالك: هو ضامن إلا أن يكون مثل منازل الناس، فلا شيء عليه] . 3836 - قال: [وسمعت مالكاً] يُسأل عمن تكارى دابة إلى ذي الحليفة فتعداها، ثم رجع فعطبت بعد أن رجع إلى ذي الحليفة، فقال: إن كان تعدى إلى مثل منازل الناس فلا شيء عليه، وإن جاوز ذلك بمثل الميل والميلين، ضمن. قال ابن القاسم: ومن بعث رسولاً إلى رجل يعيره دابة إلى برقة، فقال له الرسول: يسألك فلان أن تعيره إياها إلى فلسطين فأعاره، فركبها المستعير ولا يدري فعطبت، فإن أقر الرسول بالكذب ضمنها، وإن قال: بذلك أمرتني، وأكذبه المستعير فلا يكون الرسول ههنا شاهداً، لأنه خصم، [والمستعير ضامن إلا أن يأتي ببينة أنه أمره إلى برقة.

3837 - قال ابن القاسم:] ومن ركب دابة لرجل إلى بلد وادعى أنه أعاره إياها، وقال ربها: بل أكريتها منه، فالقول قول ربها، إلا أن يكون ليس مثله يكري الدواب لشرفه وقدره. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/271) .

(كتاب الحبس)

(كتاب الحبس) 3838 - قال: ومن حبّس في سبيل الله فرساً أو متاعاً، فذلك في الغزو، ويجوز أن يصرف في مواحيز الرباط، كالإسكندرية ونحوها، وأمر مالك في مال جُعل في السبيل أن يُفرَّق في السواحل من الشام ومصر [وتونس بالغرب] ولم يَرَ جُدَّة من ذلك. قيل: قد نزل بها العدو. قال: كان ذلك أمراً خفيفاً. (¬1) [وسأله قوم: أيام كان من دهلك ما كان، وقد تجهزوا يريدون ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/32) ، والتقييد (6/157) .

الغزو إلى عسقلان وإلى الإسكندرية أو بعض السواحل، فاستشاره قوم أن ينصرفوا إلى جدة فنهاهم عن ذلك وقال لهم: الحقوا بالسواحل] . 3839 - قال ربيعة: كل ما جعل حبساً أو حبساً صدقة، فذلك يصرف في مواضع الصدقة على نحو النفع به، إن كانت دواب ففي الجهاد، وإن كانت غلة أموال فرأي الإمام في [أي وجه] الصدقة [يضعها] . ومن قال: داري حبس فقط، ولم يجعل لها مخرجاً في وصيته، فهي حبس على الفقراء [والمساكين] إلا أن يُرى لذلك وجه يصرف إليه، مثل أن يكون بموضع رباط كالإسكندرية، وجُلّ ما حبس الناس بها في السبيل فيجتهد فيها الإمام. (¬1) 3840 - ومن حبس رقيقاً أو دواب في السبيل، استعملوا في ذلك ولم يباعوا، ولا بأس أن يحبس الرجل الثياب والسروج. وما ضعف من الدواب المحبسة في السبيل، وما بلي من الثياب حتى لا ينتفع به، ¬

(¬1) انظر: منح الجليل لعليش (8/145) .

بيع فاشتُري بثمن الدواب فرس أو برذون أو هجين، فإن لم يبلغ أُعين به في فرس. ابن وهب عن مالك: وكذلك الفرس يكْلِب أو يخبث، فلا باس أن يباع ويشترى فرس مكانه. قال ابن القاسم: وأما الثياب فيشترى بثمنها ثياباً ينتفع بها، فإن لم يبلغ، تصدق بها في السبيل. وقد روى غيره أنه لا يُباع ما حبس من عبد أو ثوب، كما لا تباع الرباع الداثرة [الحبس إذا خربت، وبقاء أحباس السلف خراباً دليل على أن بيعه غير

مستقيم] ، وإن كان قد روي عن ربيعة في الرباع والحيوان خلاف هذا، إذا رأى ذلك الإمام. 3841 - مالك: ومن قال: هذه الدار حبس على فلان وعقبه، أو عليه وعلى ولده وولد ولده، أو قال: حبس على ولدي، ولم يجعل لها مرجعاً، فهي موقوفة لا تباع ولا توهب، وترجع بعد انقراضهم حبساً على أولى الناس، بالذي حبس يوم المرجع وإن كان حياً. قال مالك: وإن تصدق بدار له على رجل وولده ما عاشوا، ولم يذكر شرطاً ولا مرجعاً فانقرضوا، فإنها ترجع حبساً في فقراء أقارب الذي حبس ولا تورث.

قال غير ابن القاسم: كل حبس أو صدقة لا مرجع لها على مجهول [يأتي] فهو الحبس الموقوف، مثل أن يقول: على ولدي، ولم يسمهم، [هذا مجهول] ، ألا ترى أن من حدث من ولده بعد هذا القول يدخل فيه؟. وكذلك لو قال: على ولدي وعلى من يحدث لي بعدهم، فإنها لا ترجع ملكاً. قال ربيعة: وكذلك على قوم لا يحاط بعددهم. قال ربيعة: فأما الصدقة على قوم بأعيانهم - ومعناه: ما عاشوا ولم يذكر تعقيباً - فهو تعمير ترجع إليه إذا ماتوا مُلْكاً. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المقدمات لابن رشد (2/420) ، والتقييد (6/160) .

3842 -[قال مخرمة بن بكير: أو لورثته إن مات ملكاً] . وأصل قول مالك أنه إذا قال: حبساً، ولم يقل: صدقة، فهي حبس إذا كانت على غير قوم بأعيانهم، وإن كانت على قوم بأعيانهم فقال: حبس، ولم يقل: صدقة، لا تباع ولا توهب، فقد اختلف قوله فيه، فمرة قال: ترجع بعد انقراضهم إلى ربها إن كان حياً، أو إلى ورثته بعد موته ملكاً تباع. وقال مرة: لا ترجع ملكاً، وتكون حبساً، كقوله: لا تباع.

وإن قال في المعينين حبساً صدقة، أو قال: لا تباع، فانقرضوا، فلم يختلف قوله أنها لا تباع وترجع إلى أولى الناس به يوم المرجع حبساً، ولا ترجع إليه وإن كان حياً، وعليه أكثر الرواة. 3843 - وقال ربيعة: ومن حبس داره على ولده وولد غيره، فليسكنوها بقدر مرافقهم، فإن انقرضوا فهي لولاته دون ولاة من ضم مع ولده. قال يحيى بن سعيد: من حبس داره على ولده، فهي على ولده وولد ولده: ذكرهم وأنثاهم، إلا أن ولده أحق من أبنائهم ما عاشوا، إلا أن يكون فضل فيكون لولد الولد. وقال مالك: من قال حبس على ولدي فإن ولد الولد يدخلون مع الآباء، ويؤثر الآباء. وإن قال: على ولدي وولد ولدي، دخلوا أيضاً ويبدأ بالولد، فإن كان فضل كان لهم وكان المغيرة وغيره يساوي بينهم.

3844 - قال مالك: ولا شيء لولد البنات، للإجماع أنهم لم يدخلوا في قول الله عز وجل: ×يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ% [النساء: 11] . [ابن القاسم:] ومن حبس في مرضه داراً على ولده وولد ولده والثلث يحملها، ثم مات وترك [أماً] وزوجة، فإنها تقسم على عدد الولد وولد الولد، فما صار لولد الولد نفذ لهم في الحبس، وما صار للأعيان كان بينهم وبين الأم والزوجة على الفرائض موقوفاً بأيديهم حتى ينقرض ولد الأعيان، فتخلص الدار كلها لولد الولد حبساً، [ولو ماتت الأم أو الزوجة كان ما بيدهما لورثتهما موقوفاً، وكذلك يورث نفع ذلك عن وارثهما [أبداً] ما بقي أحد من ولد الأعيان] ، فإن مات أحد ولد الأعيان قسم نصيبه [بالتحبيس] على من بقي من ولد الأعيان وعلى ولد الولد، [لأنهم هم الذين حبس عليهم] ، ثم تدخل الأم والزوجة وورثة الميت من ولد الأعيان في الذي أصاب ولد الأعيان من ذلك على فرائض الله تعالى، فإن هلكت الأم أو الزوجة أو هلكتا جميعاً، دخل ورثتهما في حظوظهما ما دام أحد من ولد الأعيان حياً.

فإذا انقرضت الأم أو الزوجة أولاً دخل ورثتهما مكانهما. فإن انقرض أحد ولد الأعيان بعد ذلك، قسم نصيبه على من بقي من ولد الأعيان [وعلى ولد الولد، ورجع من بقي من ورثة ذلك الهالك من ولد الأعيان] وورثة الزوجة وورثة الأم في الذي أصاب ولد الأعيان، فيكون بينهم على الفرائض، فإن مات ورثة الزوجة والأم وبقي ورثة ورثتهم دخل في ذلك ورثة ورثتهم، وورثة من هلك من ولد الأعيان أبداً، ما بقي من [ولد الأعيان أحد بحال ما وصفنا، فإن انقرض ولد الأعيان و] ولد الولد، رجعت الدار حبساً على أقرب الناس بالمحبس.

3845 - ومن حبس داراً على رجل وعلى [ولده و] ولد ولده، واشترط على الذي حبس عليه إصلاح ما رثّ منها من ماله، لم يجز، وهو كراء مجهول، ولكن يمضي [ذلك] ولا مرمة عليه، وترم من غلتها، وقد فاتت في سبيل الله ولا يشبه البيوع. 3846 - وقال مالك في الفرس يحبس على الرجل ويشترط على المحبس عليه حبسه سنة وعلفه فيها: إنه لا خير فيه، إذ قد يهلك الفرس قبلها فيذهب علفها باطلاً.

3847 - قال ابن القاسم: وأرى إن لم يمض الأجل أن يخير الذي حبس الفرس، فإما ترك الشرط وبتل الفرس للرجل، أو أخذه وأدى للرجل ما أنفق عليه، وإن مضى الأجل لم يؤد، وكان للذي بتل له بعد السنة بغير قيمة. (¬1) 3848 - وأما بائع العبد على أنه مدبر على المبتاع، فلا خير فيه، إلا أنه لا يفسخ، لأنه بيع [قد] فات بالتدبير، ويرجع البائع على المبتاع بتمام الثمن، إن كان البائع هضم له من الثمن [لذلك] شيئاً. ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (12/204) .

3849 - ويكره لمن حبس أن يخرج البنات من حبسه، [ولا يخرج من الحبس أحد لأحد] . [وروى ابن وهب أن عائشة - رضي الله عنها - كانت إذا ذكرت صدقات الناس

اليوم وإخراج الناس بناتهم منها، تقول: ما وجدت للناس مثلاً اليوم في صدقاتهم إلا ما قال الله تبارك وتعالى: ×وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء% [الأنعام: 139] . قال سحنون: فهذا من قول عائشة يدل أن الصدقات فيما مضى إنما كانت على البنين والبنات، ولقد كتب عمر بن عبد العزيز أن ترد صدقات [الناس] التي أخرجوا منها البنات. ولا يخرج من الحبس أحد لأحد] . ومن لم يجد مسكناً فلا كراء له، ومن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه، وأما من سافر لا يريد مقاماً، فهو على حقه إذا رجع. قال عطاء: لا يخرج أحد لأحد إلا أن يكون بيده فضل مسكن.

3850 - قال مالك: ومن حبس على ولده وأعقابهم ولا عقب له يومئذ، فأنفذه في صحته ثم هلك هو وولده وبقي ولد ولده وبنوهم، فذلك بين جميعهم إن تساووا في الحال، والمؤنة سواء بينهم إلا أن الأولاد ما داموا صغاراً لم يبلغوا أو ينكحوا أو تعظم مؤنتهم، فإنه لا يقسم لهم، ولكن يعطى الأب بقدر ما يمون، وإذا نكح الأبناء وعظمت مؤونتهم كانوا بقسم واحد مع آبائهم. وقد قال مالك: وإذا بنى بعض أهل الحبس فيه، أو أدخل خشبة، أو أصلح ثم مات ولم يذكر لما أدخل في ذلك ذِكْراً، فلا شيء لورثته فيه. قال ابن القاسم: وإن كان قد أوصى به أو قال: هو لورثتي، فذلك لهم، وإن لم يذكر ذلك، فلا شيء لهم، قلّ أو كثر. وقال المغيرة: لا يكون من ذلك صدقة محرمة إلا فيما لا بال له من الميازيب والسُّتَر، وأما ما له خطر، فإنه مال له يورث عنه ويقضى به دينه.

3851 - ومن حبس نخل حائط على المساكين في مرضه والثلث يحمله فلم يخرجه من يده حتى مات، فذلك نافذ، لأنها وصية، وأما من حبس في صحته مالاً غلة له مثل السلاح والخيل وشبه ذلك، فلم ينفذها ولا أخرجها من يده حتى مات، فهي ميراث، وإن كان يخرجه في وجوهه ويرجع إليه، فهو نافذ من رأس ماله. وإن أخرج بعضه وبقي بعضه فما أخرج فهو نافذ وما لم يخرج فهو ميراث. وكذلك ما حبس صحته أو تصدق به على المساكين من حائط أو دار أو شيء له على، فكان يكريه ويفرق غلته كل عام على المساكين، ولم يخرجه من يده حتى مات لم يجز ذلك، لأن هذا غير وصية إلا أن يخرج ذلك من يده قبل موته أو يوصي بإنفاذه في مرضه لغير وارث، فينفذ من ثلثه. ولا يجوز من فعل الصحيح إلا ما قُبِض وحيز قبل أن يموت أو يفلس. وكذلك إن وهب أو تصدق على من يقبض لنفسه من وارث أو غيره فلم يقبض ذلك المعطى حتى مات المعطي، لم يكن للمعطى قبضها الآن، وكانت إن مات مال وارث، وكذلك الحبس والعمرى والعطايا والنحل.

[وروي أن أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - وغيرهم قالوا: لا تجوز صدقة حتى تقبض] . وقال عثمان بن عفان: إلا أن ينحل ولده الصغير الذي لم يبلغ أن يحوز [نحلته] ، فيعلن بها ويشهد، فيجوز وإن وليه الأب. 3852 - ومن حبس ثمرة حائطه على رجل بعينه حياته فكان يغتلها، ثم مات المعطي وفيه ثمرة قد طابت، فهي لورثته، وإن لم تطب فهي لرب الحائط، كما قال مالك فيمن حبس حائطاً على قوم معينين فكانوا يلونه ويسقونه، فمات أحدهم بعد طيب الثمرة، فإن نصيبه لورثته، وإن أُبرت ولم تطب فجميع الثمرة لبقية أصحابه يقوون بها على العمل. قال: وإن لم يلوا عملها وإنما تقسم عليهم الغلة، فنصيب الميت ها هنا لرب النخل. ثم رجع مالك فقال: بل يرد ذلك على من بقي من أصحابه. وبهذا أخذ ابن القاسم أن ذلك يرجع على من بقي منهم كان مما تنقسم غلته أو كانوا يلونه بأنفسهم.

وروى الرواة كلهم عن مالك: ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن نافع وعلي والمغيرة، أنه قال فيمن حبس على قوم بأعيانهم ما يقسم من غلة دار أو غلة عبد أو ثمرة: إن من مات منهم رجع نصيبه إلى الذي حبسه، [لأن هذا مما يقسم عليهم] ، وأما دار يسكنونها أو عبد يخدمهم، فنصيب الميت لباقيهم، لأن سكناهم الدار سكناً واحداً، واستخدامهم العبد كذلك. (¬1) فثبت الرواة [كلهم] عن مالك على هذا، وقاله المغيرة على هذا فيما يقسم وفيما لا يقسم، على ما وصفنا، إلا ابن القاسم فإنه أخذ برجوع مالك في هذا بعينه، فقال: يرجع على من بقي، كان مما ينقسم أو لا ينقسم، وهذا ما اجتمعوا عليه. ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (8/140) .

فإن مات منهم ميت والثمرة قد أبرت، فحقه فيها ثابت، قاله غير واحد من الرواة. 3853 - ومن أسكن رجلاً داراً سنين مسماة، أو حياته على أن عليه مرمتها، لم يجز، وهو كراء مجهول. وأما إن أعطاه رقبتها على أن ينفق على ربها حياته فهو بيع فاسد، والغلة للمعطي بالضمان، وترد الدار على ربها ويتبعه بما أنفق عليه. (¬1) * * * ¬

(¬1) انظر: البيان والتحصيل (12/187) .

(كتاب الصدقة)

(كتاب الصدقة) 3854 - ومن تصدق على رجل بدار، فلم يقبضها المعطى حتى باعها المعطي، فإن علم المعطى بالصدقة فلم يقبضها حتى بيعت، تم البيع وكان الثمن للمعطى، وإن لم يعلم فله نقض البيع في حياة البائع وأخذها، فإن مات المعطي قبل أن يقبضها المعطى فلا شيء له، بيعت أو لم تبع. (¬1) قال أشهب: إن خرجت من ملك المعطي بوجه ما وحيزت عليه، فليس ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (8/186) .

للمعطى شيء، وكل صدقة أو حبس أو هبة أو عطية بتلها مريض لرجل بعينه أو للمساكين، فلم تخرج من يده حتى مات، فذلك نافذ في ثلثه كوصاياه، لأن حكم ذلك وحكم ما أعتق الإيقاف ليصح المريض فيتم ذلك أو يموت، فيكون في الثلث، ولا يتم فيه للقابض في المرض قبض. ولو قبضه كان للورثة إيقافه، وليس لمن قبضه أكل غلته إن كانت له، ولا أكله إن كان مما يؤكل، ولا رجوع للمريض فيه، لأنه بتل بخلاف الوصية، ولا يتعجل الموهوب قبضه إلا على أحد قولي مالك في المريض له مال مأمون، فينفذ ما بتل من عتق أو غيره. 3855 - ومن تصدق على ابنه الصغير بجارية فتبعتها نفسه، فلا باس أن يقومها على نفسه، ويشهد ويستقضى للابن. 3856 - ومن تصدق على أجنبي بصدقة، لم يجز له أن يأكل من ثمرتها ولا يركبها ولا ينتفع بشيء منها.

وأما الأب والأم إذا احتاجا، أُنفق عليهما مما تصدقا [به] على الولد. ولا يشتري الرجل صدقته من المتصدق عليه ولا من غيره. 3857 - وإن تصدقت على رجل بدراهم وجعلتها على يدي غيره، والموهوب له حاضر عالم جائز الأمر، فلم يقم [ولا قبض] حتى مت أنت، فذلك نافذ إن لم تكن أنت نهيت الذي هي على يديه عن دفعها إليه إلا بأمرك. فإن كنت نهيته فذلك لورثتك، وإن لم تنهه فللمعطى أخذها بعد موتك، لأنه إنما تركها في يدي رجل قد حازها له، ولو شاء أخذها منه في حياتك ولا رجوع لك فيها، ولو دفعت في الصحة مالاً لمن يفرقه في الفقراء وفي السبيل ثم مت قبل إنفاذه، فإن كنت شهدت فإنه ينفذ ما فات وما بقي وهي من رأس المال. وإن لم تشهد فالباقي لورثتك، وإن فرق باقيه بعد موتك ضمن البقية لورثتك. 3858 - وما اشترى الرجل من هدية لأهله في سفره من كسوة ونحوها، ثم مات قبل أن يصل إلى بلده، فإن كان أشهد على ذلك فهو لمن اشتراه له، وإن لم يشهد فهو ميراث. وإن بعث [رجل] بهدية أو صلة لرجل غائب، ثم مات المعطي أو المعطى قبل

وصولها، فإن كان أشهد فهي للمعطى أو لورثته، وإن لم يشهد فهي للذي أعطى أو لورثته. 3859 - ومن تصدق بحائط على رجل وفيه ثمرة فزعم أنه لم يتصدق عليه بثمرها، فإن كانت الثمرة يوم الصدقة لم تؤبّر فهي للمعطى، وإن كانت مأبورة فهي للمعطي، ويقبل قوله ولا يمين عليه، وكذلك الهبة. قال: ويحوز المعطى الرقاب، والسقي على المعطي، لمكان ثمرته، [و] يتولى ذلك المعطى فيتم الحوز. 3860 - ومن وهب لرجل نخلاً واستثنى ثمرتها لنفسه عشر سنين، فإن كان الموهوب له يسقيها بمائه لم يجز، وهو غرر. وقد قال مالك فيمن دفع فرسه إلى رجل يغزو عليه سنتين أو ثلاثاً وينفق عليه المدفوع إليه الفرس من عنده ثم هو للمدفوع إليه الفرس بعد الأجل، واشترط عليه أن

لا يبيعه قبل الأجل: [إنه لا خير فيه، إذ قد يهلك الفرس قبل الأجل] فتذهب نفقته باطلاً، فهو غرر. قال ابن القاسم: ولو كانت النخل بيد الواهب يسقيها ويقوم عليها جاز، وكأنه وهبها له بعد عشر سنين، فإن سلمت النخل إلى ذلك الأجل ولم يمت ربها ولم يلحقه دين فله أخذها، وإن مات ربها أو لحقه دين فلا حق له فيها. (¬1) قال أشهب في الفرس إن شرطه: ليس مما يبطل العطية، وهو كمن أعاره لرجل يركبه سنة ثم هو لفلان فترك المعار عاريته لصاحب البتل أنه يتعجل قبضه فإذا [جعله عارية له و] كان مرجعه إليه من نفسه كان أحرى أن يتعجله ويزول الخطر. ¬

(¬1) انظر: الكافي (1/354) .

3861 - وإذا تزوجت الجارية ولم تدخل بيتها فلا يجوز عتقها ولا صدقتها في ثلث ولا غيره حتى تدخل بيتها وتكون رشيدة، فذلك لها حينئذ في ثلثها، وليس بعد الدخول حد مؤقت يجوز إليه صنيعها، وحدها الدخول إن كانت مصلحة. قال ربيعة: ثم لها رد ما أعطت قبل جواز أمرها. * * *

(كتاب الهبة)

(كتاب الهبة) (¬1) 3862 - ومن وهب من مال ابنه [الصغير] شيئاً، لم يجز، فإن تلفت الهبة ضمنها الأب. ومن تصدق على رجل أو وهبه شقصاً له في دار أو عبد، فذلك جائز، ويحل المعطى فيه محله، فيكون ذلك حوزاً. 3863 - وإن وهبت رجلاً عشرة أقساط زيت من زيت جلجلانك هذا، جاز ذلك كهبتك له ثمرة نخلك قابلاً ويلزمك عصره. ولا ينبغي أن تعطيه من زيت غيره مثله لخوف التأخير في طعام بمثله، ولعل الجلجلان الذي وهبته من زيته يهلك قبل ذلك فتكون قد أعطيته زيتك باطلاً. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/248) ، ومواهب الجليل (4/380) ، والمدونة الكبرى (15/118) ، وأنيس الفقهاء (ص255) ، والمطلع (11/591) ، وشرح حدود ابن عرفة (597) .

3864 - ربيعة: ومن قال: [اشهدوا] أن لفلان في مالي صدقة مائة دينار، لزمه ذلك إن حملها ماله، وإلا لم يتبع بما عجز. ورأى ابن شهاب أن من وهب لرجل من عطائه وكتب له به كتاباً، فلا رجوع له فيما أعطى، ومن وهب لرجل نصيباً من دار ولم يسمه، [قيل للواهب: أقر بما شئت مما يكون نصيباً] . وإن وهبه مورثه من فلان وهو لا يدري كم هو ربع أو سدس أو وهبه نصيبه من دار أو جدار، ولا يدري كم ذلك، فهو جائز. والغرر في الهبة لغير الثواب يجوز، لا في البيع. وإذا وهبت دينك لأحد ورثة غريمك، كان له دونهم. وإن وهبت هبة لحر أو عبد فلم يقبض حتى مات، فلورثة الحر وسيد العبد قبضها، وليس لك أن تمتنع من ذلك. 3865 - ومن وهب عبداً له مأذوناً قد اغترقه الدين، جاز، ويجوز بيعه إياه إذا تبين أن عليه ديناً.

ومن باع عبداً له، أو وهبه، أو تصدق به بعد أن جنى جناية وهو بجنايته عالم، لم يجز ذلك إلا أن يتحمل الجناية، فإن أبى حلف ما أراد حملها ورد، وكانت الجناية أولى به في رقبته. 3866 - ومن باع عبده بيعاً فاسداً، ثم وهبه لرجل قبل تغيره في سوق أو بدن، جازت الهبة إن قام بها الموهوب، ويرد البائع الثمن، ولو مات الواهب قبل تغير سوقه وقبل قبض الموهوب إياه، بطلت هبته، ولو وهبه بعد تغيره في سوق أو بدن، لم تجز الهبة، لأنه لزم المبتاع بقيمته. وكذلك إن أعتقه قبل تغيره في سوق أو بدن، جاز عتقه إذا ردّ الثمن، لأن البيع بينهما مفسوخ ما لم يفت العبد. وإن وهبت لرجل عبداً قد رهنته، جاز، ويقضى له عليك بافتكاكه إن كان لك مال، وإن لم يقم عليك حتى فديته، فله أخذه ما لم تمت أنت فتبطل الهبة، وليس قبض المرتهن قبضاً للموهوب له إن مات الواهب، لأن للمرتهن حقاً في رقبة العبد بخلاف المخدم، وإن وهبته عبدك المغصوب، جاز ذلك إن قبضه قبل موتك، وليس حوز الغاصب حوزاً للموهوب.

[قلت] : ولِمَ والهبة ليست في يد الواهب؟ قال: لأن الغاصب لم يقبض للموهوب له، ولم يأمره الواهب أن يحوزها الموهوب له، فيحوزها إن كان غائباً، وإن كان الموهوب له حاضراً غير سفيه وأمر الواهب رجلاً يقبض له [ذلك] ويحوزه له، لم يجز هذا، فالغاصب ليس بحائز. وكذلك خليفتك على دار ليس حوزه حوزاً للموهوب له. ولو وهبته عبداً وأجّرته من رجل، فليس حوز المستأجر حوزاً للموهوب له إلا أن يسلم إليه إجارته معه، فيتم الحوز. وأما العبد المخدم أو المعار إلى أجل، فقبض المستعير والمخدم له قبض للموهوب، وهو في رأس المال إن مات الواهب قبل ذلك. 3867 - ويقضى بين المسلم والذمي في هبة أحدهما للآخر بحكم المسلمين، وإن كانا ذميين فامتنع الواهب من دفع الهبة لم أعرض لهما، وليس هذا من التظالم الذي أمنعهم منه.

3868 - ولا باس بهبة ما لم يبد صلاحه من زرع أو ثمر، أو ما تلد أمته أو غنمه، أو ما في ضروعها من لبن أو ما على ظهورها من صوف أو ثمر قد طاب في شجره، والحوز في ذلك كله حوز الأرض أو رقاب النخل أو الأمهات، وعلى الواهب تسليم ذلك إليه بالقضاء والسقي فيما يسقى على الموهوب، وحيازة من أسكنته أو أخدمته حوز للدار أو العبد. 3869 - ومن وهب لرجل ما تلد أمته أو ثمر نخله عشرين سنة، جاز ذلك إذا حاز الأصل أو الأمة، أو حاز ذلك أجنبي، وإن لم يخرج ذلك من يده حتى مات، بطل، ولا يقضى بالحيازة إلا بمعاينة بينة لحوزه في حبس، أو رهن، أو هبة، أو صدقة. 3870 - ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض، وشهدت عليه بإقراره بينة، ثم مات، لم يقض بذلك إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز. 3871 - قال ابن القاسم: ومن وهب عبداً لابنه الصغير ولأجنبي، فلم يقبض الأجنبي حتى مات الواهب، فذلك كله باطل، كقول مالك فيمن حبس على ولده الصغار والكبار فمات قبل أن يقبض الكبار: إنه يبطل كله، بخلاف ما حبس عليهم وهم صغار كلهم، هذا إن مات كان الحبس لهم جائزاً.

وروى ابن نافع وعلي عن مالك فيمن تصدق على ولده الصغير مع كبير أو أجنبي، أن نصيب الصغار جائز ويبطل ما سواه، ولو كان حبساً بطل جميع الحبس، لأنه لا يقسم أصله. والصدقة يملكونها وتقسم بينهم، وقد حازها للصغير من يحوز حوزه. 3872 - ومن وهبك ديناً له عليك فقولك: قد قبلت، قبض، فإذا قبلت سقط، وإن قلت: لا أقبل، [سقطت الهبة و] بقي الدين بحاله، وإن كان الدين على غيرك فوهبه لك، فإن أشهد لك وجمع بينك وبين غريمه، ودفع إليك ذكر الحق إن كان عنده، فهذا قبض، وإن لم يكن كتب عليه ذكر حق فأشهد لك وأحالك عليه، كان ذلك قبضاً، وكذلك إن أحالك [به] عليه في غيبته فأشهد لك وقبضت ذكر الحق، فهكذا قبض الديون. 3873 - ومن تصدق عليه رجل بأرض، فقَبْضُها حيازتها، فإن كان لها وجه تحاز به من كراء يكريه، أو حرث يحرثه، أو غلق يغلق عليها، فإن أمكنه شيء من

ذلك فلم يفعله حتى مات المعطي، فلا شيء له، وإن كانت أرضاً قفاراً مما لا تحاز بغلق، ولا فيها كراء يكرى، ولا أتى لها إبان تزرع فيه، أو تمنح، أو يحوزها بوجه يعرف حتى مات المعطي، فهي نافذة للمعطى، وحوز هذه [الأرض] الإشهاد. وإن كانت داراً حاضرة أو غائبة فلم يحزها حتى مات المعطي، بطلت، وإن لم يفرط، لأن لها وجهاً تحاز به. وإذا قل في الأرض الغائبة: قد قبلت وقبضت، لم يكن ذلك حوزاً، وذلك كالإشهاد على الإقرار بالحوز، إلا أن يكون له في يديك أرض، أو دار، أو رقيق بكراء، أو عارية، أو وديعة وذلك ببلد آخر، فوهبك ذلك، فإن قولك: قبلت، حوز، وإن لم تقل: قبلت، حتى مات الواهب، فذلك لورثته. وقال غيره: ذلك حوز لمن ذلك في يديه. 3874 - والواهب إذا اشترط الثواب، أو رُئي أنه أراد الثواب فلم يثب، فله أخذ هبته

إن لم تتغير في بدنها بنماء أو نقصان، والهبة في هذا الوجه بخلاف البيع، وكذلك إن أثابه أقل من قيمتها، فإما رضي الواهب بذلك أو أخذها إن كانت قائمة، ولا يجبر الموهوب على ثواب إذا لم تتغير الهبة عنده، إلا أن يرضى بدفع قيمتها، فيلزم الواهب أخذها، ولا كلام له في الهبة، وإن فاتت [الهبة] عند الموهوب بزيادة بدن أو نقصان، لزمته قيمتها. قال عمر بن عبد العزيز وغيره: يوم قبضها.

3875 - قال ابن القاسم: وليس للموهوب ردها في الزيادة إلا أن يرضى الواهب، ولا للواهب أخذها في نقص البدن إلا أن يرضى الموهوب. (¬1) [قال ابن القاسم:] ولا يفيتها عند الموهوب حوالة سوق. [[قال ابن وهب:] قال مالك - رحمه الله -: وله أن يمسكها أو يردها] . [قال ابن القاسم:] وإذا عوض الموهوب للواهب أقل من قيمة الهبة، ثم قام الواهب بعد ذلك يطلب، فليحلف بالله ما قبل ذلك، ولا سكت إلا انتظاراً ¬

(¬1) انظر: المقدمات لابن رشد (2/447، 448) .

لتمام الثواب، ثم إما أتم له الموهوب القيمة، وإما رد الهبة إن لم تفت، وأخذ عوضه. ومن تصدق بصدقة على ثواب فهي كالهبة. ومن وهب لرجل ديناً له على آخر لغير ثواب، جاز، ولا رجوع له فيه، وإن وهبه إياه لثواب لم يجز أن يثيبه إلا يداً بيد. 3876 - ومن وهب لحاضر وغائب أرضاً، فقبض الحاضر جميعها، فقبضه حوز للغائب وإن لم يعلم ولا وكله. وكذلك إن وهب لغائب، أو تصدق عليه بشيء فأخرجه من يده وجعل من يحوزه له حتى يقدم فيأخذه، فذلك نافذ. ألا ترى أن أحباس السلف كان قابضها يحوز قبضه على الغائب والحاضر الكبير المالك لأمره، وعلى الصغير ومن لم يولد بعد، قيل: فالعبيد، والحيوان، والعروض، والحلي كيف يكون قبضه؟ قال: بالحيازة. قال ابن القاسم: ومن وهب لصغير هبة، وجعل من يحوزها له إلى أن يبلغ وترضى حاله فتدفع إليه وأشهد له بذلك، فذلك حوز، وإن كان له أب أو وصي حاضر، فإذا بلغ فله أن يقبض. وأما إن وهب لحاضر غير صغير ولا سفيه ولا عبد، وجعل من يحوز له، وأمره أن لا يدفعها إليه، لم تكن هذه حيازة إن لم يقبضها الموهوب حتى مات الواهب، لأن

الموهوب له جائز الأمر وهو حاضر، فلم يسلمها إليه، فعلى أي وجه حازها هذا له، وإلى أي أجل يدفعها إليه؟ وهذا بخلاف الصغير، لأنه أراد في الصغير ارتقاب بلوغ رشده، أو لئلا يأكله الأب، ولا يرتقب في كبير حاضر شيئاً، ولا يكون حوز غيره له حوزاً إلا أن يحبس عليه غلة نخل، ويجعل ذلك بيد من يجري عليه الغلة ويتولاه، فذلك جائز. وكذلك كانت أحباس الماضين. وقال غيره: الصغير والسفيه لهما وقت يقبضان إليه [الهبة] ، وهو البلوغ في الصغير مع حسن الحال، وحسن الحال في السفيه وهذا البالغ الذي أعطي عطية، تكون له مالاً تراثاً لما منع من قبضها لغير شيء عقده فيها [مما مثله يعقد في الصدقات] ، يدل على أنه لم يرد أن يبتلها له ويعطيه إياها. 3877 - ومن وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب، لم يجز، إلا أن يكون سفيهاً أو صغيراً فيشترط ذلك عليه ما دام في ولاية، فيجوز. وإن اشترط ذلك عليه بعد زوال الولاية لم يجز، كان ولداً للواهب أو أجنبياً، ولا تكون الأم حائزة لما وهبت لصغار بنيها وإن أشهدت، ولا لما تصدقت به

عليهم، بخلاف الأب، إلا أن تكون وصية للوالد أو وصية وصي للوالد، فيتم حوزها لهم ولابنتها البكر وإن حاضت، والأب يحوز لصغار ولده ولمن بلغ من أبكار بناته ما وهبهم هو وأشهد [لهم] عليه، ولا يزول حوزه حتى يبلغ الذكور ويدخل بالبنات أزواجهن بعد المحيض، ويؤنس من جميعهم مع ذلك رشد، فإن مات الأب قبل رشدهم، فذلك لهم نافذ، وإن بلغوا مبلغاً تجوز حيازتهم فلم يقبضوا حتى مات الأب، بطلت هبة الأب من ذلك. وليس للابنة وإن ولدت أولاداً وهي سفيهة، ولا للابن البالغ السفيه، حوز ولا أمر، وكذلك إن كانت الابنة بالغة مرضية، لم تبرز إلى زوجها، وذلك على الأب والوصي. 3878 - ومن وهب لابنه الصغير - وهو عبد لرجل - هبة وأشهد، لم يكن حائزاً له، لأن سيده يحوز ماله دون الأب، فإن جعل الأب هذه الهبة بيد أجنبي يحوزها للصبي، جاز ذلك، وكان حوزاً رضي سيده أو كره. 3879 - وما وهب الزوج لزوجته [البكر] قبل البناء، أو تصدق به عليها وأشهد، ولم يخرج ذلك من يده حتى مات، فليس ذلك لها بحوز، إلا أن يجعله بيد من يحوزه لها، وكذلك بعد دخوله بها وهي سفيهة أو مجنونة. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/134) ، والتاج والإكليل (6/59) ، وحاشية الدسوقي (2/435) .

ولا يكون واهب حائزاً للموهوب إلا والد، أو وصي، أو من يجوز أمره عليه. والزوج لا يجوز أمره عليها ولا بيعه ما لها، وأبوها: الحائز بلها] وإن دخل بها زوجها، ما دامت سفيهة وفي حال لا يجوز لها أمر. 3880 - وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة أبيه، أو ولدها الكبار، إلا أن ينكحوا أو يتداينوا، فإن لم يكن للصغير أب حين وهبته أو نحلته، فليس لها أن تعتصر، لأنه يتيم ولا يعتصر من يتيم، وتعد كالصدقة عليه. وإن وهبتهم وهم صغار لا أب لهم ثم بلغوا ولم يحدثوا في الهبة شيئاً، فليس لها أن تعتصر، لأنها وهبت في حال اليتم، [وهي بمنزلة الصدقة] . وإن وهبتهم وهم صغار والأب مجنون جنوناً مطبقاً، فهو كالصحيح في وجوب الاعتصار لها. وللأب اعتصار ما وهب أو نحل لبنيه الصغار والكبار، وكذلك إن بلغ الصغار ما لم ينكحوا، [أو يحدثوا ديناً] ، أو يحدثوا في الهبة حدثاً، أو تتغير الهبة عن حالها.

وللأب أن يعتصر من الأصاغر وإن لم تكن لهم أم، لأن اليتم من قبل الأب. ولو وهب لولده الكبير أمه فقبضها الولد، ثم وطئها، لم يكن للأب أن يعتصرها بعد الوطء. ولا يعتصر الأب ما وهب أجنبي لولده. ولا يعتصر الأبوان ما تصدقا به على [ولدهما] ، صغيراً كان أو كبيراً. وأما الهبة، والعطية، والعُمر، والنحل، فلهما الاعتصار في ذلك. وأما الحبس فإن كان بمعنى الصدقة لم يُعتصر، وإن كان بمعنى الهبة، يكون سكنى أو عمرى إلى شهر أو شهرين، ثم مرجعهما إليه، فإنه يعتصر. وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن نحل ابنه أو ابنته بعد أن نكحا، أن له أن يعتصر، إلا أن يتداينا أو يموتا. [قال - أيضاً - عمر بن عبد العزيز: ما وهب الأب لابنه أو لابنته، فله أن يعتصر ذلك ما لم ينكحا أو يموتا] .

قال ربيعة ومالك: ولا يعتصر الصدقة من ابنه وإن عقه. وليس لغير الأبوين أن يعتصر هبة، لا جد، ولا جدة، ولا غيرهما، إلا الأبوان من الولد. قال ربيعة: وليس للولد أن يعتصر من والده شيئاً. 3881 - ومن وهب لرجل هبة لغير ثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب، جاز قبضه، إذ يقضى على الواهب بذلك إذا منعه إياها، فأما هبة الثواب، فللواهب منعها حتى يقبض العوض كالبيع، ولو قبضها الموهوب قبل الثواب وقف، فإما أثابه أو ردها. ويتلوم لهما تلوماً لا يضر بهما فيه، فإن مات الواهب للثواب والهبة بيده، فهي نافذة كالبيع، وللموهوب قبضها إن دفع العوض للورثة. 3882 - وإن مات الموهوب قبل أن يثيب الواهب، فلورثته ما كان له. ولا ثواب في هبة الدنانير والدراهم، وإن وهبها فقير لغني، إلا أن يشترط

الثواب، فيثاب عرضاً أو طعاماً، وإن وهب حلياً للثواب، فله عوضه عرضاً، ولا يعوض عيناً ولا من حلي فضة ذهباً. 3882 - وإذا قدم غني من سفره فأهدى له جاره الفقير الفواكه والرطب وشبهها، ثم قام يطلب الثواب، فلا شيء له، ولا له أخذ هبته وإن كانت قائمة بعينها. 3883 - ولا يقضى بين الزوجين بثواب، ولا بين ولد ووالده، إلا أن يظهر ابتغاء الثواب بينهم كالزوجة تهب لزوجها الموسر جارية فارهة يسألها إياها لما تستجلب من صلته، أو الزوج يهبها لذلك، والابن لما يستغزر من أبيه، فلذلك حُكم الثواب، ولو شرطا ثواباً لزمهما. 3884 - وما وهبت لقرابتك أو ذوي رحمك وعلم أنك أردت ثواباً، فذلك لك، إن أثابوك، وإلا رجعت فيها. وما علم أنه ليس للثواب كصلتك لفقيرهم وأنت غني، فلا ثواب لك ولا تصدق أنك أردته ولا رجعة لك في هبتك. وكذلك هبة غني لأجنبي فقير، أو فقير لفقير ثم يدعي أنه أراد الثواب، فلا يصدق إذا لم يشترط في أصل الهبة ثواباً،

ولا رجعة له في هبته، وأما إن وهب فقير لغني، أو غني لغني، فهو مصدق أنه أراد الثواب، فإن أثابوه وإلا رجع في هبته. 3885 - وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ومن وهب هبة يُرى أنه أراد [بها] الثواب، فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها، فإن هلكت، فله شَرْواها بعد أن يحلف بالله ما وهبها إلا رجاء أن يثيبه عليها. (¬1) 3886 - قال ابن القاسم: وإن وهبت [لرجل] [هبة] فعوضك، منها فلا رجوع لأحدكما في شيء مما أعطى. ومن وهب عبداً لرجلين، فعوضه أحدهما من حصته، فله الرجوع في حصة الآخر إن لم يعوضه، كمن باع عبداً من رجلين في صفقة واحدة، فنقده أحدهما وفلس الآخر، كان أحق بنصيب الآخر من الغرماء، وإذا عوض الواهب أجنبي عن الموهوب بغير أمره، لم يرجع على الواهب [له] به، ولكن إن ¬

(¬1) روى مالك في الموطأ (2/754) ، أثر عمر رضي الله عنه.

رئي أنه أراد ثواباً من الموهوب، رجع عليه بقيمة العوض إلا أن يكون العوض دنانير أو دراهم، فلا يرجع عليه بشيء إلا أن يريد به سلفاً، فله اتباعه، فإن لم يرد ثواباً ولا سلفاً فلا شيء له. وباقي مسائل هذا الكتاب قد تقدمت قبل هذا، وفي كتاب الاستحقاق ذكر العوض في الهبة يستحق. * * *

(كتاب الهبات)

(كتاب الهبات) (¬1) 3887 - قال: وإذا تغيرت الهبة عند الموهوب في بدنها بزيادة أو نقصان، لزمته قيمتها، وليس له ردها، ولا تفيتها حوالة الأسواق، ومن وهبك حنطة، أو تمراً، أو غيره من مكيل الطعام أو موزونه، إلا أن تعوضه قبل التفرق طعاماً من كعام، فإنه يجوز، لأن هبة الثواب بيع. قال: إلا أن تعوضه طعاماً مثل طعامه صفة وجنساً ومقداراً، فذلك جائز. ولا تعوضه دقيقاً من حنطة ولا من جميع الحبي [إلا] عرضاً. وإن وهبك ثياباً فسطاطية، فعوضته بعد ذلك أثواباً فسطاطية أكثر منها، لم يجز. وإن وهبته داراً ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/108) ، والتاج والإكليل (4/482) ، ومواهب الجليل (4/83) ، والمدونة (15/79) ، والتقييد (6/184) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص9) ، وشرح حدود ابن عرفة (ص605) .

أو عرضاً، فعوضك بعد تغير الهبة في بدنها سكنى دار، أو خدمة عبد، أو عرضاً له موصوفاً على رجل إلى أجل، لم يجز ذلك لفسخك ما وجب لك من القيمة فيما لا تتعجله من خلافها. ولو لم تتغير الهبة أو تغيرت بحوالة سوق فقط، جاز ذلك إن كانت الهبة مما يسلم في ذلك العرض المؤجل، وكأنك بعتها بذلك. وإن عوضك بعد تغير الهبة في بدنها ديناً له حل أو لم يحل، جاز ذلك إذا كان مثل القيمة في العين والوزن، ومثل العدد فأقل، لأنها حوالة ومعروف صَنَعْته بالموهوب. وإن كان الدين المؤجل أكثر من قمية الهبة، لم يجز، لأنك أخرته بزيادة، ولو لم تتغير الهبة، جاز ذلك. 3888 - وقد قال مالك: افسخ ما حلّ من دينك، فيما قد حل وفيما لم يحل، إذا فسخته في مثل دينك من عين أو عرض صفة ومقداراً. ومن لك عليه دراهم [حالة] ، فأحالك على دنانير له على رجل، وهي كصرف دراهمك، وقد حلت أو لم تحل لم يجز. وكذلك لو فسخت دراهمك في طعام ولم تقبضه. وإن كان لك عليه عرض من بيع، أو قرض قد حل، فلا بأس أن تفسخه في

عرض له على رجل آخر من بيع أو قرض إذا كان مثل عرضك الذي لك عليه، وإن كان مخالفاً له، لم يجز، لأنه دين بدين، وكذلك إن كان لك عليه طعام من قرض قد حلّ فأحالك على طعام له من قرض قد حل أو لم يحل، جاز. وإن أحالك على طعام له من سلك لم يحل وهو مثل طعامك، لم يجز، لأنه يدخله بيع الطعام قبل قبضه. وإن حلّ أجل الطعامين، جاز. وكذلك إن كان الذي لك من سلم والذي له [من] قرض قد حلا، فلا بأس في الوجهين أن يؤخر المحال من أحيل عليه. وإن كان الطعام الذي لك من سلم، فلا يجوز أن يحيلك على طعام له من سلم وإن حلا. وكل دين لك من عين أو عرض، فلك بيعه من غير غريمك قبل محله، أو بعد بثمن يتعجله. فإن كان دنانير أو دراهم، بعته بعرض، وإن كان عرضاً، بعته بعين أو بعرض يخالفه نقداً. قال مالك - رحمه الله -: وهذا إذا كان الذي لك عليه الدين حاضراً مقراً، وإن كان لك عليه ثوب فسطاطي من بيع أو قرض إلى أجل، فبعته من غيره قبل الأجل بثوب مثله في صفته نقداً وأحلته به، فليس ببيع، ولكنه قضاك عن الرجل على أن أحلته عليه. فإن كان النفع لك، جاز، وإن اغتزى هو نفع نفسه لسوق يرجوه ونحوه، لم يجز.

ولو بعته من غيره أيضاً قبل الأجل بثوب مثله إلى أجل من الآجال، لم يجز، لأنه دين بدين، وإن كان دينك دنانير فعجله لك رجل على أن أحلته عليه، لم يجز، كان النفع ههنا له أو لك دونه، لأنه بيع الذهب بالذهب إلى أجل. قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: لا بأس بهذا إذا كانت المنفعة لقابض الدنانير، وهو أسهل - إن شاء الله -، وهذا حسن. 3889 - وللمأذون أن يهب للثواب كالبيع، ويقضى عليه أن يعوض من وهبه. ومن وهب لعبد هبة فأخذها منه سيده، قضي على العبد بقيمتها في ماله.

وللأب أن يهب من مال ابنه الصغير للثواب ويعوض عنه واهبه للثواب، وبيع الأب جائز على ابنه الصغير. 3890 - وإذا وجد الموهوب بالهبة عيباً، فله ردها وأخذ العوض. وإن وجد الواهب عيباً بالعوض، فإن كان عيباً فادحاً لا يتعاوض بمثله كالجذام والبرص، فله رده وأخذ الهبة إن لم تفت، إلا أن يعوضه، وإن لم يكن فادحاً نظر إلى قيمته بالعيب، فإن كان كقيمة الهبة فأكثر لم يجب له غيره، لأن ما زاده على القيمة تطوع غير لازم، وإن كان دون قيمتها فأتم له القيمة برئ. وليس للواهب رد العوض إلا أن يأبى الموهوب أن يتم له قيمة هبته، لأن كل ما عوضه مما يجري بين الناس في الأعواض لزم الواهب قبوله، وإن كان معيباً وفيه وفاء بالقيمة، فذلك لازم له قبوله، وإن عوضته تبناً، أو حطباً، لم يلزمه أخذه، إذ ليس مما يتعاوضه الناس، وفي كتاب الشفعة مسألة من وهب شقصاً من دار للثواب، هل فيه شفعة؟. 3891 - ومن وهب هبة لغير الثواب، فامتنع من دفعها، قضي بها عليه للموهوب.

ولو خاصمه فيها الموهوب في صحة الواهب، وأقام بينة، وأوقفت الهبة والسلطان ينظر فيها حتى مات الواهب قبل قبض الموهوب، فإنه يقضى بها للموهوب إن عُدّلت بينته، كالمفلس يخاصمه الرجل في عين سلعته، وتوقف السلعة ثم يموت المفلس، إن ربها أحق بها إن ثبتت ببينة. ولو لم يقم الموهوب فيها حتى مرض الواهب، فلا شيء له إلا أن يصح. 3892 - ومن لزمه دين لرجل، أو ضمان عارية يغاب عليها، فحلف بالطلاق ثلاثاً ليؤدين ذلك، وحلف الطالب بالطلاق ثلاثاً أن قبله، فأما الدين فيجبر الطالب على قبضه ويحنث، ولا يجبر في أخذ قيمة العارية، ويحنث المستعير إن أراد ليأخذنه مني، فإن أراد ليغرمنّه له، قبله أو لم يقبله، لم يحنث واحد منهما. والفرق أن الدين لزم ذمته والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها، فإنما يقضى بالقيمة لمن طلبها في ظاهر الحكم وله تركها، وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها، وفوات الهبة عند الموهوب يوجب عليه قيمتها. والفوت فيها في العروض والحيوان خروجها من يده.

3894 - وحدوث العيوب والهلاك، وتغير الأبدان، والعتق وشبهه، وليس حوالة الأسواق في ذلك فوتاً. ولو باع الموهوب الهبة ثم اشتراها، فذلك يفيتها وإن لم تحل. وولادة الأمة عند الموهوب فوت يوجب عليه قيمتها. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: يوم الهبة. 3895 - قال ابن القاسم: وجناية العبد عند الموهوب فوت، وتلزمه القيمة، [لأنه نقص دخله] . قال ابن القاسم: وإن كانت الهبة عبداً بعينه بياض، أو به صمم، فبرئ عند الموهوب وزال صممه وبياض عينه، فذلك فوت، لأنه نماء وتلزمه القيمة، والهدم والبناء في الدار والغرس في الأرض، فوت يوجب القيمة. وليس له أن يقول: أقلع بنياني وشجري وأردها، والبيع حرام مثله، وإحالتها عن حالها رضىً بالثواب.

[قال ابن القاسم:] وإن وهبه ثوباً فصبغة بعصفر، أو قطعه قميصاً ولم يخطه، فذلك فوت. وإن كان عبداً فأعتقه، أو دبره، أو كاتبه، أو وهبه، أو تصدق به، فإن كان ملياً جاز ولزمته القيمة، وإلا منع من ذلك. ولو كانت بدنة فقلّدها وأشعرها ولا مال له، فللواهب أخذها، ولو ابتاعها ففعل ذلك بها، فإنها ترد وتحل قلائدها وتباع على المشتري في الثمن، [وبيع الهبة فوت] . وإن كانت داراً، فباع نصفها، قيل له: اغرم القيمة، فإن أبى خُير الواهب، فإما أخذ نصف الدار ونصف قيمتها، وإما أخذ قيمة جميعها. وإن كانا عبدين فباع أحدهما وأبى أن يثيب قيمتهما، فإن باع وجههما [وفيه كثرة الثمن] ، لزمته قيمتهما. وإن لم يكن وجه الهبة، غرم قيمته يوم قبضه ورد الباقي، وإن وهبه عبدين فأثابه

من أحدهما ورد عليه الآخر، فللواهب أن يأخذ العبدين، إلا [أن] يثيبه منهما جميعاً، لأنها صفقة واحدة. 3896 - ومن وهب لرجل هبة لغير الثواب، ثم ادعى رجل أنه ابتاعها من الواهب وجاء ببينة، فقام الموهوب يريد قبضها، فالمبتاع أحق. وكذلك قول مالك في الذي حبس على ولد له صغار حبساً، ومات وعليه دين لا يدري اقبل الحبس أو بعده؟ فقال البنون: قد حُزْناه بحوز الأب علينا، فإن أقاموا البينة أن الحبس كان قبل الدين، فالحبس لهم، وإلا بيع للغرماء، فكذلك الهبة لغير ثواب. 3897 - ومن قال: داري صدقة على المساكين أو على رجل بعينه في يمين، فحنث، لم يقض عليه بشيء، وإن قال: لك في غير يمين بتلاً، فليقض عليه إن كان لرجل بعينه. وإن قال: كل مال أملكه صدقة على المساكين، لم أجبره على صدقة ثلث ماله،

وأما المكاتبون فيخرج ثلث قيمة كتابتهم، فإن رقوا يوماً نظر إلى قيمة رقابهم، فإن كان ذلك أكثر من قيمة كتابتهم، يوم أخرج ذلك، فليخرج ثلث الفضل. قال: وإن لم يخرج ثلث ماله حتى ضاع ماله كله، فلا شيء عليه، فرّط أو لم يفرط. وكذلك إن قال ذلك في يمين فحنث، فلم يخرج ثلثه حتى تلف جل ماله، فليس عليه [إلا إخراج ثلث ما بقي بيده] . 3898 - ومن قال لرجل: قد أعمرتك هذه الدار حياتك، أو قال: هذا العبد، أو هذه الدابة، جاز ذلك. وترجع بعد موته إلى الذي أعمرها أو إلى ورثته. قيل: فإن أعمر ثياباً أو حلياً؟ قال: لم أسمع من مالك في الثياب شيئاً، وأما الحلي فأراه بمنزلة الدور.

ومن قال لرجلين: عبدي هذا حبس عليكما وهو للآخر منكما، جاز، وهو للآخر يبيعه ويصنع به ما شاء. ومن قال لرجل: داري هذه لك صدقة سكناها، فإنما له السكنى دون رقبتها. وإن قال له: قد أسكنتك هذه الدار وعقبك من بعدك، أو قال: هذه الدار لك ولعقبك سكناها، فإنها ترجع إليه ملكاً له بعد انقراضهم، فإن مات فإلى أولى الناس به [يوم مات] ، أو إلى ورثتهم، لأنهم هم ورثته، وأما إن قال: حبس عليك وعلى عقبك، قال مع ذلك: صدقة، أو لم يقل، فإنها ترجع بعد انقراضهم إلى أولى الناس بالمحبس يوم المرجع من ولد أو عصبة، ذكورهم وإناثهم سواء، يدخلون في ذلك حبساً، ولو لم تكن إلا ابنة واحدة كانت لها حبساً، ولا ترجع إلى المحبس وإن كان حياً، وهي لذوي الحاجة من أهل المرجع دون الأغنياء، فإن كانوا كلهم أغنياء، فهي لأقرب الناس بهم من الفقراء. 3899 - وهبة المريض عبداً للثواب، تجوز كبيعه، فإن قبض منه الموهوب أو المبتاع ذلك فأعتق ولا مال له، لم يجز ذلك، ولو باعه كان لورثة الواهب منعه حتى يأخذوا العوض. (¬1) ومن أوصى لرجل بدار وثلثه يحملها فقال الورثة: نعطيك ثلث جميع ماله ولا نعطيك الدار، فليس ذلك لهم، وله أخذ الدار، لأنها لو غرقت فصارت بحراً ¬

(¬1) انظر: الكافي (1/545) .

بطلت الوصية فيها، ويقضى بين المسلم والذمي فيما وهب أحدهما للآخر أو تصدق عليه بحكم الإسلام، لأن كل أمر يكون بين مسلم وذمي، فإنما يحكم بينهما بحكم الإسلام، وقد بقي من هذا الكتاب مسائل يسيرة، تقدم ذكرها في كتاب الأحباس وفي الوصايا فأغنى عن إعادتها. * * *

(كتاب اللقطة والضوال)

(كتاب اللقطة والضوال) 3900 - قال: ومن التقط دنانير، أو دراهم، أو حلياً مصوغاً، أو عروضاً، أو شيئاً من متاع أهل الإسلام، فليعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا لم آمره بأكلها، كثرت أو قلّت، درهماً فصاعداً، إلا أن يحب بعد السنة أن يتصدق بها، ويخير صاحبها إن جاء في أن يكون له ثوابها أو يغرمها له، فعل. وأكره له أن يتصدق بها قبل السنة، إلا أن يكون الشيء التافه. (¬1) 3901 - وإن التقط العبد لقطة فاستهلكها قبل السنة كانت في رقبته، وإن استهلكها بعد السنة لم تكن إلا في ذمته، لأن النبي ÷ قال للسائل عن القطة: "اعرف عفاصها ¬

(¬1) انظر: كفاية الطالب (1/624) ، ومواهب الجليل (6/73) ، والقوانين الفقهية (ص224) .

ووكاءها ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" (¬1) ، فاختلف الناس في قوله: فشأنك بها] . 3902 - ويُعرِّف باللقطة حيث وجدها، وعلى أبواب المساجد، وحيث يظن أن ربها هنالك أو خبره، ولا يحتاج في ذلك إلى أمر الإمام. وما وجد على وجه الأرض مما يعلم أنه من مال [أهل] الجاهلية، ففيه الخمس كالركاز. ¬

(¬1) رواه مسلم (1722) ، (3/1347) ، والبخاري (2429) ، (2/836) ، وابن حبان (11/250، 252، 261) ، ومالك في الموطأ (2/757) ، والبيهقي في الكبرى (3/419، 420) ، وابن ماجة (2/836) ، (2504) ، وأبو عاونة (4/181) ، وعبد الرزاق (10/130) .

وكذلك ما وجد بساحل البحر من تصاوير الذهب والفضة، [ففيه الخمس. وأما التراب يوجد بساحل البحار فيغسل فيخرج فيه ذهب أو فضة] ، ففيه الزكاة كالمعدن. ومن التقط لقطة فإن أتى رجل فوصف عفاصها ووكاءها وعدتها، لزمه أن يدفعها إليه ويجبره السلطان على ذلك، فإن جاء آخر فوصف مثل ما وصف الأول وأقام بينة أن تلك اللقطة كانت له، فلا شيء له على الملتقط، لأنه دفعها بأمر يجوز له. ولا يتجر باللقطة في السنة ولا بعد السنة أيضاً، كالوديعة. 3904 - ومن التقط ما لا يبقى من الطعام فأعجب إلي أن يتصدق به، قلّ أو كثر. ولم يوقت مالك في التعريف به وقتاً، فإن أكله أو تصدق به، لم يضمنه لربه، كالشاة يجدها في الفلاة، إلا أن يجدها في غير فلاة.

3905 - ومن وجد ضالة الغنم بقرب العمران عرف بها في أقرب القرى إليه، ولا يأكلها، وإن كانت في فلوات الأرض والمهامه، أكلها، ولا يعرف بها، ولا يضمن لربها شيئاً، لقول النبي ÷: " [هي] لك أو لأخيك أو للذئب". (¬1) وضالة البقر إن كانت بموضع يخاف عليها، فهي كذلك، وإن كانت بموضع يؤمن عليها من السباع والذئب، فهي كالإبل، وإن وجد ضالة الإبل في الفلاة تركها، فإن أخذها عرف بها سنة، وليس له أكلها ولا بيعها، فإن لم يجد ربها فليخلها بالموضع الذي وجدها فيه. وإن رفعت إلى الإمام، فلا يبعها، وليفعل بها هكذا، وكذلك فعل عمر. وكان عثمان يبيعها ويوقف أثمانها لأربابها. وإن وجد الخيل والبغال والحمير، فليعرفها، فإن جاء ربها أخذها، وإن لم يأت تصدق بها. ¬

(¬1) رواه البخاري (2429) ، ومسلم (3/1347، 1348) ، والترمذي (3/655) ، وأبو داود (2/135، 137) ، والنسائي في الكبرى (3/416) ، وابن ماجة (2/836) ، والدارقطني (3/194) ، (4/235) .

وما أنفق على هذه الدواب، أو أنفق على ما التقط من عبد أو أمة، أو على إبل قد كان ربها أسلمها، أو على بقر، أو على غنم، أو متاع أكرى عليه فحمله من موضع إلى موضع بأمر سلطان أو بغير أمره، فليس لرب ذلك أخذه حتى يدفع إليه ما أنفق فيأخذه إلا أن يسلمها إليه، فلا شيء عليه. 3906 - ومن أخذ آبقاً رفعه إلى الإمام، فالإمام يوقفه سنة وينفق عليه، ويكون فيما أنفق عليه كالأجنبي، فإن جاء صاحبه وإلا باعه وأخذ من ثمنه ما أنفق، وحبس بقية الثمن لربه في بيت المال. وأمر مالك ببيع الأُبّاق بعد السنة، ولم يأمر بإطلاقهم يعملون ويأكلون، ولم يجعلهم كضوال الإبل، لأنهم يأبقون ثانية. قيل: هل لمن وجد آبقاً خارج المصر أو داخله جعْل إن طلبه؟ [قال:] قال مالك فيه، ولم يذكر خارج المصر أو داخله، إن كان ذلك شأنه يطلب الضوال لذلك [ويردها] فله الجعل بقدر بعد الموضع الذي أخذه فيه أو قربه، وإن لم يكن ذلك شأنه، وإنما وجده فأخذه، فلا جعل له وله نفتقه.

3907 - ومن أخذ متاعاً مما عطب بساحل البحر فهو لربه ولا شيء عليه لمن وجده. وإذا بيعت اللقطة بعد السنة، فليس لربها إن جاء أن يفسخ البيع وإن بيعت دون أمر الإمام، ولربها أخذ الثمن ممن قبضه، وإن ضاعت اللقطة من الملتقط، لم يضمن. وإن قال له ربها: أخذتها لتذهب بها، وقال هو: بل لأعرفها، صُدق الملتقط. ومن التقط لقطة فبعد أن حازها وبان بها ردها بموضعها أو بغيره، ضمنها، فأما إن ردها في موضعها مكانه من ساعته، كمن مرّ في إثر رجل فوجد شيئاً فأخذه وصاح به: أهذا لك؟ فيقول: لا، فتركه فلا شيء عليه. قال مالك في واجد الكساء بإثر رفقة فأخذه وصاح: أهذا لكم، فقالوا: لا، فرده، قال: قد أحسن في رده ولا يضمن. 3910 - ومن حل دواباً من مرابطها فذهبت، ضمنها، كالسارق [يسرق و] يدع

باب الحانوت مفتوحاً، وليس فيه ربه، فيذهب ما في الحانوت، فالسارق يضمنه، [ولو كان فيها ربها قائماً، لم يضمن] . 3911 - ومن فتح باب دار فيها دواب فذهبت، فإن كانت الدار مسكونة فيها أهلها لم يضمن، وإن لم يكن فيها أربابها ضمن، ولو كان فيها ربها نائماً، لم يضمن. وكذلك السارق يدع الباب مفتوحاً وأهل الدار فيها نيام [أو غير نيام] ، فلا يضمن ما ذهب بعد ذلك، وإنما يضمن إذا ترك البيت مفتوحاً وليس أرباب البيت فيه. ولو خرجت امرأة من بيتها لزيارة جارة لها وأغلقت على متاع لها الباب، فسرق منه سارق وتركه مفتوحاً، فسرق ما بقي في البيت [بعده] ، ضمنه. وكذلك الحوانيت يتركها مفتوحة وليست بمسكونة. ومن فتح باب قفص فيه طير فذهبت الطير، ضمن. ومن حل عبداً من قيد قُيّد به لخوف إباقه، فذهب العبد، ضمن.

3912 - وإذا تصدق باللقطة بعد السنة، ثم جاء ربها، فإن كانت قائمة بأيدي المساكين، فله أخذها وإن أكلوها فليس له تضمينهم، لأنه قد قيل في اللقطة: يعرّفها سنة ثم شأنه بها، بخلاف الموهوب يأكل الهبة ثم تستحق هذا، لربها أن يضمنه إياها. * * *

(كتاب الآبق)

(كتاب الآبق) 3913 - ومن وجد آبقاً فأبق منه، فلا شيء عليه، وإن أرسله بعد أن أخذه، ضمنه. (¬1) ومن اعترف آبقاً عند السلطان وأتى بشاهد، حلف معه، وأخذ العبد، ولا يستحلف طالب الحق مع شاهدين. وإذا ادعى أن هذا الآبق عبده ولم يقم بينة، فإن صدقه العبد دفع إليه. وكذلك متاع يوجد مع لصوص يدعيه قوم لا يعرف ذلك إلا بقولهم، فليتلوم الإمام فيه، فإن لم يأت سواهم دفعه إليهم. ¬

(¬1) انظر: مختصر اختلاف العلماء (4/348) .

3914 - وإذا جاء رب الآبق بعد أن باعه الإمام بعد السنة والعبد قائم، فليس له إلا الثمن، ولا يرد البيع، ولو قال ربه: كنت أعتقته، أو دبرته بعدما أبق، [أو قبل أن يأبق] ، لم يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة، لأنه لو باعه هو نفسه ثم قال: كنت أعتقته، لم يقبل قوله. ولو كانت أمة فباعها الإمام بعد السنة ثم جاء سيدها فقال: قد كانت ولدت مني وولدها قائم، فإنها ترد إليه إن كان ممن لا يتهم. وقاله مالك فيمن باع جارية له وولدها ثم استلحق الولد، أنه إن كان ممن لا يتهم على مثلها، رُدّت عليه. ولو قال: كنت قد أعتقتها، لم يصدق ولم ترد عليه إلا ببينة. قيل: فإن لم يكن معها ولد فقال بعد ما باعها: كانت ولدت مني؟ قال: أرى أن يصدق وترد إن لم يتهم فيها. 3915 - ويجوز لسيد الآبق عتقه وتدبيره وهبته لغير ثواب، ولا يجوز [له] بيعه ولا هبته لثواب. وإذا زنى الآبق، أو سرق، أو قذف، أقيم عليه الحد في ذلك كله.

3916 - وإذا أتى رجل بكتاب من قاض إلى قاض، يذكر أنه شهد عندي قوم، أن فلاناً صاحب كتابي هذا إليك قد هرب منه عبد صفته كذا، فوصفه ولاجه في الكتاب، وعند هذا القاضي عبد آبق محبوس على هذه الصفة، فليقبل كتاب القاضي والبينة التي شهدت فيه على الصفة، ويدفع إليه العبد. (¬1) قال: وترى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة ويكتب [بها] إلى قاضٍ آخر؟ قال: نعم، لأن مالكاً قال في المتاع الذي يسرق بمكة إذا اعترفه رجل ووصفه [بصفة] ولا بينة له أن يستأنى الإمام فيه، فإن جاء من يطلبه وإلا دفعه إليه، فالعبد الذي أقام البينة على صفته، أحرى أن يدفع إليه، فإن ادعى العبد ووصفه ولم تقم البينة عليه فأرى أنه مثل المتاع ينتظر به الإمام ويتلوم، فإن جاء أحد يطلبه وإلا دفعه إليه وضمنه إياه. قيل: ولا يلتفت ههنا إلى العبد إن أنكر أن هذا هو مولاه، إلا أنه يقر أنه عبد لفلان ببلد آخر، قال: يكتب السلطان إلى ذلك الموضع وينظر في قول العبد، فإن كان كما قال وإلا ضمنه هذا وأسلمه إليه كالأمتعة، ومن اعترفت من يده دابة وقضي عليه، فادعى أنه اشتراها من بعض ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/142) .

البلدان وأراد أن لا يذهب حقه، فله وضع قيمتها بيد عدل ويمكنه القاضي من الدابة ليخرج بها إلى بلد البائع منه لتشهد البينة على عينها، فإن قال مستحقها: أنا أريد سفراً وإنما يريد أن يعوقني عنه، قيل له: فاستخلف من يقوم بأمرك، ويمكن المطلوب من الخروج بها، ويطبع له في عنقها ويكتب له كتاباً إلى قاضي ذلك البلد: [إني] قد حكمت بهذه الدابة لفلان، فاستخرج له ماله من بائعه إلا أن يكون للبائع حجة، فإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه، أو اعورت أو انكسرت أو نقصها في ذهابه أو مجيئه فهي من الذاهب بها، والقيمة للذي اعترفها إلا أن يرد [إليه] الدابة بحالها. وكذلك الرقيق إلا أن تكون جارية، فإنه إن كان أميناً دفعت إليه، وإلا فعليه أن يستأجر أميناً يذهب بها معه وإلا لم تدفع إليه. قيل: فإذا وصل كتاب القاضي إلى القاضي وثبت عنده بشاهدين، هل يكلف الذي جاء بالبغل [أن يقيم بينة] أن هذا البغل هو الذي حكم به عليه؟ قال: إن كان البغل موافقاً لما في كتاب القاضي من صفته وخاتم القاضي في عتقه، لم يكلف ذلك. 3917 - وإذا شهد قوم غرباء في بلد لا يعرفون [به] ، لم يقبلوا إلا بعدالة، لأن البينة لا تقبل إلا بعدالة، [وإن شهد قوم على حق، فعدَّلهم قوم غير معروفين، فعدَّل

المعدلين آخرون] ، فإن كان الشهود غرباء، جاز ذلك، وإن كانوا من أهل البلد، لم يجز ذلك، لأن القاضي لا يقبل عدالة على عدالة إذا كانوا من أهل البلد، حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي. 3918 - قال مالك: لم أزل أسمع أن الآبق يحبس على ربه سنة، ثم يباع. ومن وجد آبقاً فلا يأخذه، إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه، فأحب إلي أن يأخذه، وهو من أخذه في سعة. والآبق إذا اعترفه ربه بيدك ولم تعرفه، فأرى أن ترفعه إلى الإمام إن لم تخف ظلمه. 3919 - ومن استأجر آبقاً فعطب في عمله ولم يعلم أنه آبق، ضمنه لربه. (¬1) وقاله مالك فيمن أجر عبداً على تبليغ كتاب إلى بلد ولم يعرف أنه عبد، فعطب في الطريق، إنه يضمنه، لأن من ابتاع سلعة من السوق فأتلفها هو نفسه، إنه يضمنها [إن استحقت] ، وإن أجرت الآبق فالإجارة لربه، وإن استعملته لزمتك قيمة عمله لربه، لأن ضمانه منه ونفقته عليه، وإنما يضمن الآبق إذا استعمله في عمل يعطب في مثله، فهلك فيه. وإن استعملته في شيء فسلم، فلربه الأجر فيما له بال من الأعمال. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/85) .

وكذلك من استعمل عبداً لرجل. 3920 - وإذا أبق المكاتب لم يكن فسخاً لكتابته إلا بعد حلول النجم، وبعد تلوم الإمام له. ومن أعتق عبداً آبقاً عن ظهاره، لم يجزه، إذ لا يدري أحيّ هو أم ميت، أو معيب أو سليم، إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب، فيجزيه، [أو لم] يعلم ذلك إلا بعد العتق، فيجزيه وإن جهله أولاً. وإذا عرف أن الآبق عند رجل، جاز أن يباع منه أو من غيره ممن يوصف له إذا وصف أيضاً للسيد حاله الآن وصفته، ولا يجوز النقد فيه إذا كان بعيداً، وهو كعبد غائب لرجل باعه. 3921 - وإذا أبق العبد الرهن، لم يضمنه المرتهن وصدق في إباقه وأُحلف وكان على حقه، وإن وجده سيده وقامت الغرماء عليه، فالراهن أولى به إذا كان قد حازه المرتهن، لكونه بيده قبل الإباق، إلا أن يعلم المرتهن بكونه بيد الراهن فتركه حتى فلس، فهو أسوة الغرماء.

3922 - وإن أبق عبد مسلم إلى بلد الحرب فدخل إليهم مسلم فاشتراه، لم يأخذه ربه منه إلا بالثمن الذي [ودّى] ، اشتراه بأمره أو بغير أمره، وكذلك عبيد أهل الذمة. 3923 - وإذا أسر العدو ذمياً فظفرنا به، رُدّ إلى جزيته، وقع في المقاسم أو لم يقع، لأنه لم ينقض عهداً ولم يحارب. (¬1) فإن فات العبد بعتق عند الذي اشتراه ببلد الحرب، أو كانت أمة فأولدها مشتريها، مضى ذلك ولم ترد، بخلاف من ابتاع عبداً في سوق المسلمين ولا يعلم أن له سيداً غير بائعه، فأعتقه ثم استحقه سيده، إنه يأخذه، لأن هذا أخذه بغير ثمن، والأول لا يأخذه إن شاء إلا بالثمن، ما لم يفت بعتق - كما ذكرنا -. * * * ¬

(¬1) انظر: مختصر خليل (242) .

(كتاب تحريم الآبار)

(كتاب تحريم الآبار) 3924 - وليس لبئر ماشية أو لبئر زرع، حريم محدود، ولا للعيون إلا ما يضر بها. ومن الآبار آبار تكون في أرض رخوة، وأخرى في أرض صلبة أو في صفا، فإنما ذلك على قدر الضرر بالبئر، ولأهل البئر منه من أراد أن يبني أو يحفر بئراً في ذلك الحريم، لأنه حق للبئر وضرر بهم.

وكذلك لو لم يكن على البئر من حَفْر بئر أخرى ضرر لصلابة الأرض، كان لهم منعه لما يضر بهم في مناخ الإبل ومرابض المواشي عند وردها. 3925 - وكل من حفر في أرضه أو داره بئراً، فله منعها وبيع مائها، وله منع المارة من مائها إلا بالثمن، إلا قوم لا ثمن معهم وإن تركوا إلى أن يردوا إلى ماء غيره هلكوا، فلا يمنعون ولهم جهاد من منعهم. فأما من حفر في غير ملكه بئراً لماشية أو شفة، فلا يمنع فضلها من أحد، وإن منعوه حل قتالهم، فإن لم يقو المسافرون على دفعهم حتى ماتوا عطشاً، فدياتهم على عواقل المانعين، والكفارة عن كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء مع وجيع الأدب، وقال النبي ÷: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ". (¬1) قال ابن القاسم: و [ذلك] في الصحاري، وأما في القرى والأرض المحوزة، فللرجل منع كلئه - عند مالك - إن احتاج إليه، وإلا فليخل بين الناس وبينه. ¬

(¬1) رواه مسلم (3/1198) ، وأبو عوانة (3/350) ، والترمذي (3/572) ، ومالك في الموطأ (2/744) ، والبخاري (2/830) ، والبيهقي (6/15، 151، 152) ، والشافعي في المسند (1/382) ، وأبو داود (3/277) ، والنسائي في الكبرى (3/407) ، وابن حبان (11/329) .

وإذا حرث جارك على غير أصل ماء، فلك أن تمنعه أن يسقي بفضل ماء بئرك التي في أرضك إلا بثمن إن شئت. وأما إن حرث ولأرضه بئر فانهارت، فخاف على زرعه، فإنه يقضى له عليك بفضل ماء بئرك بغير ثمن. وإن لم يكن في مائك فضل، فلا شيء له. وسئل مالك عن ماء الأعراب يرد عليهم أهل المواشي يسقون منها فيمنعونهم؟ فقال: أهل ذلك الماء أحق بمائهم حتى يرووا، فإن كان فضل، سقى هؤلاء، والحديث: "لا يمنع فضل الماء" (¬1) هو ما يفضل عنهم. وكذلك بئر الماشية، الناس أولى بفضلها، وأما بئر الزرع، فصاحب الزرع أولى بالفضل. 3926 - ولا بأس بشرائك شرب يوم أو يومين، من عين أو بئر دون الأصل، أو شراء أصل شرب يوم أو يومين من كل شهر، ولا شفعة في ذلك إن كانت الأرض قد قسمت. وإذا قُسمت الأرض وترك الماء فباع أحدهم نصيبه من الأرض بغير ماء أو باع نصيبه من الماء فلا شفعة في ذلك، وإنما الشفعة في الماء إذا لم تقسم الأرض. ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

وإذا باع أحدهم حصته من الماء، ثم باع آخر بعده حصته من الماء، لم يضرب البائع الأول معهم في الشفعة في الماء بحصته من الأرض. وكذلك لو باع حصته من الأرض، ثم باع آخر حصته من الأرض، لم يكن للأول فيها شفعة، لمكان ما بقي له من الماء. وإذا كانوا شركاء في أرض [وماء] ، فاقتسموا الأرض، ثم باع أحدهم حصته من الماء، فلا شفعة له فيما باع بحصته نم الأرض. 3927 - وإن كان لرجل ماء خلف أرضك، وله أرض دون أرضك، فأراد أن يجري ماءه في أرضك لأرضه، فلك منعه من ذلك. وكذلك لو كان له في أرضك مجرى ماء أراد أن يحوله في أرضك إلى موضع أقرب إليه، فلك منعه. وليس العمل على ما روي عن عمر في هذا.

3928 - وإن اكتريت من رجل شرب يوم من كل شهر، أو من هذه السنة من قناته بأرضك هذه يزرعها سنته هذه، جاز ذلك، لأنك لو أكريت أرضك بدين، جاز. 3929 - وإن كانت بئر بين رجلين فانهارت، أو عين فانقطعت، فعملها أحدهما وأبى الآخر أن يعمل، لم يكن للذي لم يعمل من الماء قليل ولا كثير، وإن كان فيه فضل إلا أن يعطي شريكه نصف ما أنفق. وإذا احتاجت قناة أو بئر بين شركاء لسقي أرضهم إلى الكنس لقلة مائها، فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخرون - وفي ترك الكنس ضرر بالماء وانتقاص، والماء

يكفيهم ولا يكفي الذين شاءوا الكنس [خاصة - فللذين شاءوا الكنس خاصة] أن يكنسوا، ثم يكونون أولى بما زاد في الماء كنسهم دون من لم يكنس حتى يؤدوا حصتهم من النفقة، فيرجعون إلى أخذ حصتهم من جميع الماء. وكذلك بئر الماشية إذا قل ماؤها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخرون، فهي كبئر الزرع، فإن كنسها بعضهم كان جميعهم فيما كان من الماء قبل الكنس على قدر حقوقهم [فيه] ، ثم يكون الذين كنسوا أحق بما زاد الماء بكنسهم، فإذا رووا كان الناس وأُباة الكنس في الفضل سواء، حتى يؤدوا حصتهم من النفقة، فإذا أدوه كان جميع الماء بينهم على قدر ما كان لهم، ثم الناس في الفضل [شرعاً] سواء، ولا شفعة في بئر ماشية، ولا تباع [و] إن احتاج أهلها إلى بيعها. ولا بأس ببيع بئر الزرع وفيها الشفعة إذا لم تقسم الأرض. 3930 - ومن أرسل في أرضه ماءً أو ناراً، فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه، فإن

كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها، فتحاملت النار بريح أو غيرها فأحرقت، فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن وصول ذلك لقربها، فهو ضامن، وكذلك الماء، وما قتلت تلك النار من نفس، فعلى عاقلة مرسلها. قيل: فمن كانت له أرض وإلى جانبها أرض لغيره، وله عين خلف أرض جاره، وليس له ممر إلا في أرض جاره، فمنعه من الممر إلى العين؟ قال: سئل مالك عن رجل له أرض وحواليها زرع للناس في أرضهم، فأراد أن يمر بماشيته إلى أرضه في زرع القوم، فقال: إن كان ذلك يفسد زرعهم فلهم منعه. 3931 - وإن كانت بركة أو غدير أو بحيرة في أرضك وفيها سمك، فلا تمنع من الصيد فيها ممن ليس له فيها حق، ولا تبع سمكها ممن يصيد فيها سنة، لأنها تقل وتكثر. ولا بأس أن تبيع خصباً في أرضك ممن يرعاه عامه ذلك، ولا تبعه عامين ولا ثلاثة، وإنما يجوز بيعه بعد ما ينبت.

3932 - ومن أحيا أرضاً ميتة بغير إذن الإمام، فهي له، وإحياؤها شق العيون، وحفر الآبار، وغرس الشجر، والبناء، والحرث، فما فعل من ذلك فهو إحياء. وتفسير الحديث الذي جاء: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" (¬1) ، إنما ذلك في الصحاري [والبراري] ، وأما ما قرب من العمران، وما يتشاح الناس فيه، فليس له أن يحييه إلا بقطيعة من الإمام. قيل: هل كان مالك يعرف هذا الذي يحجر الأرض، أنه يترك ثلاث سنين فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها؟ قال: ما سمعت من مالك في التحجير شيئاً، وإنما الإحياء عند مالك ما وصفت لك. 3933 - ومن أحيا أرضاً مواتاً ثم تركها حتى دثرت وطال زمانها وهلكت أشجارها، وتهدمت آبارها، وعادت كأول مرة، ثم أحياها غيره، فهي لمحييها آخراً، وهذا إذا ¬

(¬1) رواه أبو داود (3073) ، والترمذي (1378) ، ومالك في الموطأ (2/743) ، وابن أبي شيبة (4/466) ، والطحاوي في شرح المعاني (3/268، 270) ، والبيهقي (6/99، 141، 142) ، والدارقطني (3/35) ، والشافعي في المسند (1/224) ، والنسائي في الكبرى (3/404، 405) .

أحيا في غير أصل كان له، فأما من ملك أرضاً بخطة أو شراء ثم أسلمها فهي له، وليس لأحد أن يحييها. 3934 - ولو نزل قوم أرضاً من أرض البرية فرعوا ما حولها أو حفروا بئراً لمواشيهم، لم يكن هذا إحياء لمرعاهم، [و] هم والناس في المرعى سواء، ولا يمنع الكلأ إلا رجل له أرض قد عرفت له، فهذا الذي يمنع كلأها، أو يبيعه إن احتاج إليه، وهؤلاء أحق ببئرهم حتى يرووا ثم يكون فضلها للناس، وليس لهم بيعها ولا منع فضل مائها. 3935 - ومن سيّل ماءً عن أرض غَرِقَة، أو نزل بغيضة فقطع شجرها، فذلك إحياء. ومن حفر بئراً بعيدة من بئرك، فانقطع ماء بئرك من حفر بئره وعُلم ذلك، فلك ردمها عليه. 3936 - ومن حفر بئراً حيث لا يجوز له، ضمن ما عطب فيها من دابة أو إنسان.

وإن حفرت بئراً في وسط دارك أو إلى جنب جدارك، فحفر جارك خلفها في داره بئراً أو حفرة في وسط داره، فإن كان ذلك مضراً ببئرك منع من ذلك. وكذلك لو أحدث كنيفاً يضر ببئرك منع من ذلك، ومن رفع بناه ففتح كوى يشرف منها على جاره، منع من ذلك. وكتب عمر - رضي الله عنه - في هذا أن يوقف على سرير فإن نظر إلى ما في دار جاره منع، وإلا لم تمنع [من ذلك] . (¬1) قال مالك: يمنع من ذلك ما فيه ضرر، وأما ما لا ينال منه النظر [إليه] ، فلا يمنع. وإن رفع بناءه ولم يفتح فيه كوة فستر جاره من الشمس وهبوب الريح، لم يمنع. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/160) .

3937 - وإن كانت بين قوم أرض وعين فاقتسموا الأرض وبقيت العين، فأراد أحدهم أن يسقي بحصته من الماء أرضاً له أخرى، أو يؤجر ذلك ممن يسقي له أو يبيعه، [فله ذلك] ، ثم لا شفعة فيه لشركائه. 3938 - ومن غصبك أرضاً فزرعها، أو داراً فسكنها، أو بئراً فسقى بها أرضه، فعليه كراء ذلك. وإن غصبك دابة فركبها، فلا كراء عليه. 3939 - ومن ارتهن عيناً أو قناة، أو جزءاً من شرب بئر أو عين أو نهر، جاز ذلك إذا قبضه المرتهن وحازه وحال بين صاحبه وبينه. وليس للراهن أن يكري ذلك، ولا للمرتهن أن يكريه بغير أمر ربه، فإن أمره بذلك أكراه المرتهن وكان الكراء للراهن. وكذلك من ارتهن داراً، فليس لرب الدار أن يكريها، ولكن يتولى المرتهن كراها بأمره، ويكون الكراء لرب الدار، ولا يكون رهناً إلا أن يشترطه.

وإن اشترط أن يكريها ويأخذ كراها في حقه، فإن كان دينه من قرض، جاز، وإن كان من بيع، [لم يجز] إلا أن [يكون] ذلك الشرط بعد عقد البيع، فجائز، وإن عقد البيع على هذا، لم يجز، إذ لا يدري ما يقتضي أيقل أم يكثر، إذ لعل الدار تنهدم قبل أن يقتضي. وللمرتهن أن يمنع الراهن أن يسقي زرعه بما ارتهن منه من بئر أو قناة. وإن أذن له أن يسقي [بها] زرعه، خرجت من الرهن. [وكذلك من ارتهن داراً فأذن لربها أن يسكن أو يكري، فقد خرجت من الرهن] حين أذن له، وإن لم يسكن ولم يكر. ومسألة إنخساف البئر في أيام الخيار وما بعدها إلى آخر الكتاب، قد تقدم ذكره في كتاب بيع الخيار، فأغنى عن إعادتها ههنا. * * *

(كتاب الحدود في الزنا)

(كتاب الحدود في الزنا) 3940 - وينبغي للقاضي إذا شهدت عنده بينة على رجل بالزنا، أن يكشف عن شهادتهم: كيف رأوه؟ وكيف صنع؟ فإن رأى في شهادتهم ما تبطل به الشهادة، أبطلها. وإذا عدلت البينة والقاضي لا يعرف أبكر هو أم ثيب؟ فينبغي له أن يقبل قول الزاني: إنه بكر، ويجلده مائة جلدة، إلا أن يشهد على الزاني شاهدان بالإحصان، فيرجم. 3941 - ولا يجوز في الإحصان شهادة النساء مع الرجال ولا وحدهن، ولا في النكاح.

3942 - ومن تزوج امرأة وتادم مكثه معها بعد الدخول [بها] ، فشهد عليه بالزنا فقال: ما جامعتها مذ دخلت عليها، فإن لم يعلم وطؤه: بولد يظهر أو بإقرار، لم يرجم، وإن علم منه إقرار بالوطء قبل ذلك، رُجم. ولا يجتمع الرجم والجلد في الزنا على الثيب، والثيب حده الرجم بغير جلد، والبكر حده الجلد بغير رجم، بذلك مضت السنة، ولا نفي على النساء ولا على العبيد، ولا تغريب. (¬1) ¬

(¬1) انظر: سبل السلام (4/77) ، وفتح الباري (12/165) ، والتمهيد لابن عبد البر (9/88، 89) .

ولا يُنفى الرجل الحر إلا في الزنا، أو في حرابة، ويسجنان جميعاً في الموضع الذي ينفيان إليه: يسجن الزاني سنة، والمحارب حتى تعرف له توبة. والرجم على من أُحصن بنكاح يصح عقده ويصح الوطء فيه. وقد ذكرنا مسائل الإحصان في كتاب النكاح. 3943 - ومن خاصم في قذف، فمات قبل إيقاع البينة، فلورثته القيام بذلك، ويحدّ لهم القاذف إن أتوا ببينة. ولو لم يقم المقذوف بقذفه حتى مت سنة، أو أقل أو أكثر، ولم يسمع منه عفو ثم مات فقام بذلك وارثه، فإن لم يمض من [طول] الزمان ما يعدّ به المقذوف تاركاً، فلورثته القيام، وإن مضى من طول الزمان ما يُرى أنه تارك، فلا قيام لهم، فأما لو قام المقذوف نفسه بعد طول الزمان لَحَلَف بالله ما كان تاركاً لذلك، ولا كان وقوفه إلا أن يقوم بحقه إن بدا له، حُدّ له بخلاف ورثته. ومن قتل وله أم وعصبة، فماتت الأم، فورثتها مكانها، إن أحبوا أن يقتلوا قتلوا، ولا عفو للعصبة دونهم، كما لو كانت الأم باقية.

3944 - ومن افترى على رجل مجلود في الزنا، أو مرجوم في الزنا، فلا حد عليه. ومن قال لرجل: يا ابن الزانية، وقال: أردت جدة من جداته لأمه، فإن كانت جدة له لأمه قد عرفت بذلك، حلف أنه ما أراد غيرها، ولا حد عليه، وعليه العقوبة. قيل: فهل يُنكل في قذف هؤلاء الزناة؟ قال: إذا آذى مسلماً نكل. 3945 - وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا، فرجع أحدهم قبل إقامة الحد، أو وُجد عبداً، أو مسخوطاً، فإنهم يحدون كلهم حد الفرية. وإن رجع شهود الزنا بعد الرجم حُدوا، وكانت الدية في أموالهم. وإن رجع واحد بعد قيام الحد، جلد الراجع وحده دون الثلاثة الذين بقوا.

وإن علم بعد الرجم والجلد أن أحدهم عبد، حُدّ الشهود أجمعون. وإن كان مسخوطاً لم يحد واحد منهم، لأن شهادتهم قد تمت باجتهاد الإمام في عدالتهم، ولم تتم في العبد، ويصير من خطأ الإمام، فإن لم يعلم الشهود كانت الدية في الرجم على عاقلة الإمام، وإن علموا فذلك على الشهود في أموالهم، ولا شيء على العبد في الوجهين. وما أخطأ به الإمام من حد [هو] لله، يبلغ به ثلث الدية فأكثر فعلى عاقلته، وما كان دون الثلث ففي ماله خاصة. ولا تجوز شهادة الأعمى في الزنا، ويُحدّ. 3946 - وإذا حكم القاضي بشاهدين في مال، ثم تبين أن أحدهما عبد، أو ممن لا تجوز شهادته، حلف الطالب مع شاهده الباقي ونفذ الحكم، فإن نكل حلف المطلوب واسترجع المال. وإن شهدا عليه بقطع يد [أو] رجل عمداً، فاقتص منه، ثم تبين أن أحدهما عبد، أو ممن لا تجوز شهادته، لم يكن على متولي القطع شيء، وهذا من خطأ الإمام. وإن شهد أربعة على رجل بالزنا، فرجمه الإمام، ثم أصابوه مجبوباً، لم يحد

الشهود، إذ لا يحد من قال لمجبوب: يا زاني، وعليهم الدية في أموالهم مع وجيع الأدب وطول السَّجن. (¬1) وإذا شهدوا على الحدود فماتوا، أو غابوا، أو عموا، أو أُخرسوا، [أو جنوا] ، ثم زكوا بعد ذلك، فليقم الإمام الحد إذا كان قد استقصى شهادتهم، وكذلك الحقوق. 3947 - ولم يكن مالك يعرف أن البينة تبدأ بالرجم، ثم الإمام، ثم الناس، وأنه في الإقرار والحمل يبدأ الإمام ثم الناس. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/200) ، والكافي (1/573) ، والمدونة (16/244) ، ومواهب الجليل (4/30) .

قال: وليأمر الإمام بالرجم في ذلك كله كسائر الحدود، ولا يربط المرجوم ولا يحفر له، وكذلك المرأة. وفي الحديث: فرأيت الرجل يحني على المرأة ولو كان في حفرة ما حنى عليها. (¬1) ويغسل المرجوم ويكفن ويصلى عليه ويدفن، ولا يصلي عليه الإمام. ¬

(¬1) رواه أبو داود (4440) ، والنسائي (7197) .

3950 - وإذا قالت امرأة: زنيت مع هذا الرجل، وقال الرجل: هي زوجتي، وقد وطئها، أو وجدا في بيت فأقرا بالوطء وادعيا النكاح، فإن لم يأتيا ببينة حُدا. 3951 - ومن زنا بصغيرة يوطأ مثلها ولم يحصن، فعليه الحد. 3952 - وإن زنت امرأة بصبي مثله يجامع إلا أنه لم يحتلم، فلا حد عليها. وإن زنت بمجنون، فعليها الحد. ويحد قاذف المجنون. 3953 - وإن زنى مسلم بذمية، حُدّ، وردت هي إلى أهل دينها، وإن شاءوا رجمها لم أمنعهم. 3954 - ومن زنى بمجنونة لا تعقل، أو أتى نائمة، أو اغتصب امرأة، فعليه الحد والصداق لكل واحدة منهن. 3955 - ومن وطئ أمة بيده رهناً، وقال: ظننتها تحل لي، حُدّ، ولا يعذر بذلك أحد، ولا العجم إذا ادعوا الجهالة.

ولم يأخذ مالك بالحديث الذي قالت: "زنيت بمرغوس بدرهمين" وأرى أن يقام الحد في هذا. 3956 - ومن اشترى حرة وهو يعلم بها، فأقر أنه وطئها، حُدّ. ويضرب المحدود في الزنا والخمر والقذف [على ظهره، ويجرد الرجل في الحد والنكال، ويكشف ظهره بغير ثوب، ويقعد ولا يقام ولا يمد] ، وتجلد المرأة

وتقعد، ولا تجرد مما لا يقيها الضرب، وإن جعلت على ظهرها ما يقيها الضرب، من لَبد ونحوه، نُزع. وبلغ مالكاً أن بعض الأئمة أقعد امرأة للجلد في قفة، فأعجبه ذلك. وصفة الجلد في الزنا والشرب والفرية والتعزير واحد، ضرباً بين الضربين، ليس بالمبرح ولا بالخفيف. ولم يحد مالك ضم الضارب يده إلى جنبه. ولا يجزئ في الحدود الضرب بقضيب، ولا بشراك، ولا درة، ولكن بالسوط. وإنما كانت درة عمر للأدب. فإذا وقعت الحدود، قَرّب السوط. 3957 - وإذا دعاك إمام عادل عارف بالسنة، إلى قطع يد رجل، أو رجله، في سرقة، أو إلى قطع أو قتل في حرابة، أو إلى رجم في زنا، وأنت لا تعلم صحة ما قضى به إلا بقوله، فعليك طاعته، فأما الجائر فلا، إلا أن تعلم صحة ما أنفذ، وعدالة البينة، فعليك طاعته لئلا تضيع الحدود.

3958 - ووجه الشهادة في الزنا: أن يأتي الأربعة الشهداء في وقت واحد، فيشهدوا على وطء واحد، في موضع واحد، بصفة واحدة، فبهذا تتم الشهادة. قال: ويسألهم الإمام كيف رأوه؟ فإن وصف ثلاثة الزنا، وقال الرابع: رأيته بين فخذيها، حُدّ الثلاثة للقذف وعوقب الرابع، ولو لم يبينوا كيف رأوه، وقالوا: لا نزيدك على هذا، لم يحد الشهود عليه، وحُدّ الشهود حد القذف، وإن شهد رجلان أنه زنى بها في قرية كذا، وشهد اثنان أنه زنى بها في قرية أخرى، لم يجز ذلك، ويحد الأربعة للقذف، وكذلك كل ما شهدوا به في الزنا من فعلين مختلفين. 3959 - وتجوز الشهادة على الشهادة في الزنا، مثل أن يشهد أربعة على شهادة أربعة، أو اثنان على شهادة اثنين، واثنان على شهادة اثنين [آخرين] ، فتتم الشهادة. ولو شهد اثنان أو ثلاثة على شهادة أربعة، لم يجز ذلك، ويحد الشهود

للقذف، إلا أن يقيموا أربعة سواهم على شهادة أربعة أشهدوهم، فلا يحدوا ويحد الزاني أو يرجم. 3960 - ولو شهد ثلاثة على شهادة ثلاثة، وواحد على شهادة واحد، لم يجز حتى يشهد على الواحد اثنان. وكذلك إن شهد ثلاثة على رؤية أنفسهم، وواحد على شهادة واحد، لم تتم الشهادة، ويحد الشهود للقذف حتى يشهد اثنان على شهادة الرابع، فتتم الشهادة حينئذ، ويحد المشهود عليه إذا كانت شهادتهم كلها على وطء واحد، في موضع واحد كما وصفنا. ومن قال لرجل: سمعت فلاناً يشهد أنك زان، أو يقول لك فلان: يا زاني، فإنه يحد إلا أن يقيم بينة على قول فلان. ومن سمع رجلاً يقذف رجلاً غائباً، فليشهد له إن كان معه غيره. قال مالك - رحمه الله -: ومن مرّ برجلين يتكلمان في أمر، فسمع منهما شيئاً ولم يشهداه، ثم طلب أحدهما تلك الشهادة، فلا يشهد له. قال ابن القاسم: إذ قد يكون قبله أو بعده كلام لا تتم الشهادة أو تسقط إلا به، ولا يجيز القاضي شهادة مثل هذا إلا أن يستوعب كلامهما من أوله [إلى آخره] ، فليشهد وإن لم يشهداه. قيل لمالك - رحمه الله -: فمن شهد بين رجلين في حق فنسي بعض الشهادة وذكر بعضها؟ فقال: إن لم يذكرها كلها فلا يشهد. قيل له:

فرجلان تنازعا في أمر فأدخلا بينهما رجلين على ألا يشهدا بما سمعا منهما فيتقارران ثم يفترقان فيتجاحدان؟ قال: فليعذر الشاهدان إليهما ولا يعجلا، فإن تماديا على الجحد فليشهدا عليهما. 3961 - ومن قذف رجلاً، فلما ضرب أسواطاً قذف آخر، أو قذف الذي يُجلد له، ابتدئ الجلد عليه ثمانين من حين يقذفه، ولا يعتد بما مضى من السياط. ومن قذف رجلاً، حُدّ له، ثم إن قذفه، حد له ثانية. ومن عفى عن قاذفه، جاز عفوه ما لم يبلغ الإمام، فإن عفى عنه على أنه متى شاء قام بحده، وكتب بذلك كتاباً، وأشهد على ذلك، فذلك له متى قام به، فإن مات كان لولده أن يقوم عليه بذلك الكتاب. ولا تبطل شهادة القاذف حتى يحد. وكذلك إن عفى عنه، فإذا ضرب، سقطت شهادته حتى يحدث توبة [وخيراً] .

3962 - ومن قذف وشرب خمراً سكر منه أو لم يسكر، جُلد حداً واحداً. وإذا اجتمع على الرجل مع حد الزنا حد قذف، أو شرب خمر، أُقيما عليه جميعاً، ويجمع ذلك الإمام عليه، إلا أن يخاف عليه فيرى أن يفرق عليه الحدين، فذلك إلى اجتهاده، وكذلك المريض إذا خيف عليه من إقامة الحد، فليؤخر. قال مالك - رحمه الله -: وكذلك إذا خيف على السارق إن قطع في البرد، فليؤخر. قال ابن القاسم: والذي يضرب الحد في البرد عندي، بمنزلة القطع في البرد إذا خيف عليه، فليؤخره ويحبس. والحر بمنزلة البرد في ذلك. وأحب إليّ أن يُبدأ بحد الزنا، إذ لا عفو فيه، واختلف في العفو في حد القذف بعد بلوغ الإمام، فأجازه مالك مرة، ثم رجع عنه.

3963 - ومن عفا عن قاذفه، لم يكن لغيره أن يقوم بحده، وإن رفع القاذف إلى الإمام أجنبي غير المقذوف، لم يمكّن من ذلك ولا يحد له، لأن هذا لا يقوم به عند الإمام إلا صاحبه. 3964 - ولا تجلد البكر الحامل في الزنا حتى تضع وتستقل من نفاسها، لأنه مرض. ولو كانت محصنة أمهلت حتى تضع، فإذا وضعت حُدّت ولم تؤخر، وهذا إذا وجد للمولود من يرضعه، وإن لم يوجد [أو لم يقبل غيرها] ، أُخّرت حتى ترضع ولدها لخوف هلاكه. 3965 - وإذا زنت امرأة، فقالت: إني حامل، فكيف إن قالت البينة: [إنا] رأيناها تزني منذ شهرين، أو ثلاثة أشهر، أو أربعة فإنه ينظر إليها النساء، فإن صدقتها لم يعجل عليها، وإلا حُدّت.

وإذا شهد عليها بالزنا أربعة عدول، فقالت: إني عذراء، أو رتقاء، ونظر النساء إليها فصدقنها، لم ينظر إلى قولهن، وأقيم عليها الحد، لأنه قد وجب، ألا ترى أن البكر إذا أنكر زوجها الوطء بعد إرخاء الستر، وادعته، وشهد النساء أنها بكر، أن قولهن لا يقبل وتصدق المرأة. ولا يُكشف الحرائر على مثل هذا. وإذا شهدت بينة على امرأة أنها زنت منذ أربعة أشهر، والزوج غائب منذ أربعة أشهر، وادعت هي الحمل وصدقها النساء في الحمل، فاخرت حتى وضعت، ثم رجمت، ثم قدم الزوج فنفى الولد وادعى الاستبراء، فإن كانت المرأة [قالت] قبل أن ترجم: ليس الولد منه، وقد استبرأني، نفى الولد بلا لعان، لأن مالكاً قال فيمن ظهر بامرأته حمل قبل البناء فنفاه، وصدقته هي أنه من زنا، وأنه لم يطأها، فإنه ينفي بلا لعان وتحد هي، وإن كانت بكراً جُلدت وبقيت له زوجة إن شاء طلق أو أمسك، وإن لم تذكر المرأة قبل موتها الاستبراء في المسألة الأولى، ولم تقل شيئاً، وادعى الزوج الاستبراء ونفى الولد، فلا ينفيه هاهنا إلا بلعان. وكذلك لو نفاه ولم يدع الاستبراء، فإنه يلتعن وينفي الولد.

قيل: أليس من قول مالك: من لم يدع الاستبراء فنفى الولد، ضرب الحد وألحق به الولد؟ قال: لا، ولكن قال مالك: إذا رأى الرجل امرأته تزني وقد كان يطؤها قبل الرؤية، لاعن ونفى الولد، إلا أن يطأ بعد الرؤية فيلحق به الولد، ويحد، وإن لم يطأ بعد الرؤية إلا أنها كانت حاملاً يوم قال: رأيتها تزني، فإنه يلاعن ويلحق به الولد إذا كان حملها يومئذ بيناً مشهوداً عليه، أو مقراً به قبل ذلك، لأنه لم ينتف من الحمل، فإن لم يلتعن صار قاذفاً ولحق به الولد. 3966 - وحد العبد في الخمر والسكر والفرية، أربعون جلدة، وإذا زنى العبد، أو قذف، أو شرب خمراً، ثم قامت بينة أنه أعتق قبل ذلك، فإنه يكون له وعليه حكم الحر في ذلك كله، وفي القصاص بينه وبين الحر. (¬1) وإن قد كان طلق زوجته تطليقتين بعد العتق، جعلت له عليها الثالثة، علم العبد في ذلك كله بعتقه، أو لم يعلم، كان السيد مقراً بالعتق أو منكراً. وأما القول في خدمته وغلته، فمذكور في كتاب العتق. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/252) .

3967 - وما تظالم أهل الذمة فيه بينهم من قطع جارحة، أخذ ذلك من بعضهم لبعض وإن قتل ذمي ذمياً، قُتل به، وإن سرق ذمي من مسلم أو ذمي، قطع، ولا يقبل في شيء من ذلك إلا شهادة المسلمين. 3968 - ومن دخل بزوجته البكر، فأفضاها ومثلها يوطأ، فماتت من جماعه، [فإن علم أنها ماتت من جماعه] فديتها على عاقلته، وإن لم تمت فعليه ما شانها بالاجتهاد في ماله، وتبقى له زوجة، إن شاء طلق أو أمسك. فإن بلغ الاجتهاد في ذلك ثلث الدية فأكثر، كان على العاقلة، وقد جعل فيها بعض الفقهاء ثلث الدية على عاقلته، ونحا ناحية الجائفة. 3969 - وإن وطئ أمته فأفضاها، لم تعتق عليه إذ لم يقصد به إلى المثلة، كالأدب يؤول إلى المثلة. وإن زنى بامرأة فأفضها، فلا شيء لها إن أمكنته من نفسها، وإن اغتصبها، فلها

الصداق مع ما شانها جميعاً، كمن أوضح رجلاً فسقطت عينه من ذلك، فعليه دية الموضحة ودية العين جميعاً، ولا يدخل بعض ذلك في بعض. 3970 - ومن وطئ امرأة في دبرها [زناً] ، ففيه الحد، وهو وطء يغتسل منه، وقد جعله الله وطئاً، فقال تعالى: ×إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ% [العنكبوت: 28] . (¬1) ومن زنى بصغيرة لم تحض طائعة، ومثلها يوطأ، فحد ثم قذفها رجل بعد أن بلغت، فإنه يحد، لأن ما فعلته في الصبا لم يكن زناً. ومن قذفها [بالزنا] وهي لم تبلغ المحيض ومثلها يوطأ، فعليه الحد. ولا يحد من قذف صبياً لم يحتلم، وإن كان مثله يطأ. 3971 - ومن آلى من امرأته فجامعها في دبرها، [فقد] حنث وسقط عنه الإيلاء، وتلزمه الكفارة. قيل: أيسقط عنه الإيلاء وهو لم يكفر؟ قال: نعم، لأن هذا عند مالك جماع لا شك فيه، إلا أن يكون نوى الفرج بعينه حين حلف، فلا تلزمه كفارة في الدبر، وهو مول بحاله. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/213) .

وإن وطئها المولي فيما دون الفرج ولا نية له، فعليه الكفارة، ويسقط عنه الإيلاء إذا كفّر، لأنه لو كفّر قبل أن يطأ لسقط عنه الإيلاء، فكيف إذا كفّر للإيلاء. وفي كتاب الإيلاء هذا المعنى. 3972 - وإذا زنا الكافران، لم يحدّا، ورُدّا إلى أهل دينهما. (¬1) وإن أعلنوا الزنا وشرب الخمر فلينكلوا، فأما إن وجدوا على ذلك ولم يعلنوه، فلا. 3973 - قيل: فإن شهد أربعة على رجل بالزنا، فقالوا: تعمدنا النظر إليهما لتثبت الشهادة؟ فقال: وكيف يشهد الشهود إلا كذا. فإن قال المشهود عليه: هم عبيد، وقال الشهود: نحن أحرار، فهم على قولهم أنهم أحرار، والبينة عليه. وأصل الناس عند مالك الحرية حتى يثبت رقهم. ومن قذف رجلاً لا يعرف برق وهو يدعي الحرية، وقال القاذف: بل هو عبد، فهو على الحرية، ومن يعرف الشامي والبصري والإفريقي في ¬

(¬1) انظر: منح الجليل (9/123) .

المدينة؟ فأرى أن يحد له، إلا أن يأتي ببينة على رقه، فإن ادعى بذلك بينة قريبة، لم يعجل عليه، وإن كانت بعيدة جلد الحد ولم يلتفت إلى قوله، ثم إن أقام تلك البينة بعد الضرب زالت عنه جرحة الحد، وجازت شهادته، ولا يكون له من أرش الضرب شيء. 3974 - وإن أقر القاضي أنه رجم، أو قطع الأيدي، [أو زنى] تعمداً للجور، أقيد منه. 3975 - ولا بأس أن يقيم السيد على مملوكه حد الزنا والقذف وحد الخمر. وأما السرقة فلا، وإن شهد بها عند السيد عدلان سواه، ولا يقيمها على العبد إلا الوالي. فإن قطعه السيد دون الوالي، وكانت البينة عادلة وأصاب وجه القطع، عوقب، ولا يحد السيد عبده في الزنا إلا بأربعة شهداء سوى السيد، فإن كان السيد رابعهم، فلا يحده، وليرفعه إلى الإمام، فيقيم الإمام عليه الحد، ويكون السيد شاهداً، ألا ترى أن الإمام إذا شهد على حد فلم تتم الشهادة إلا به، أنه لا يقيم الحد في ذلك، ولكن يرفعه إلى من فوقه، فيقيمه ويكون هو شاهداً.

وإن شهد على العبد سيده وأجنبي أنه سرق، وهما عدلان، قطع الإمام يده، ولا يقطعه سيده دون الإمام. 3976 - ومن زنت جاريته ولها زوج، فلا يقيم عليها الحد، وإن شهد عليها أربعة سواه حتى يرفع ذلك إلى الإمام. ولا يقيم الرجل على عبده قصاصاً، حتى يرفعه إلى الإمام. [وكذلك إذا كان له عبدان فجرح أحدهما صاحبه، فلا يقتص منه حتى يرفعه إلى الإمام] . وقال ناس: إذا كان العبدان له، فلا قصاص بينهما، لأن ماله جرح ماله، وأبى ذلك مالك. 3977 - ولا تجوز شهادة آكل الربا، أو شارب الخمر، أو لاعب بالحمام إذا كان يقامر عليها، ولا شهادة من يعصر الخمر ويبيعها، وإن كان لا يشربها. وإذا طلب المشهود عليه تجريح البينة، أُمكن من ذلك، فمن أقام البينة عليه بشيء أنه فيه، مما لو شُهد عند القاضي [ابتداءً فعلمه القاضي] منه، أبطل به شهادته، كان ذلك له تجريحاً.

وإذا ادعى الخصم بينة بعيدة في التجريح، لم ينتظر، لأن الحق قد وجب [عليه] . وإنما يتلوم له القاضي في التجريح بقدر ما يرى، فإن جرحهم وإلا أمضى الحكم عليه. 3978 - وإن جرح واحداً من شهود الزنا وهم أربعة، حُدّ جميعهم حد الفرية. ومن شهدت عليه بينة بالزنا فقذفهم، حُدّ للزنا، وحُد لقذفهم حد القذف، ولا تبطل شهادتهم بالزنا لطلبهم حد القذف منه. 3979 - وإذا شهد الإمام على حد، رفعه إلى من فوقه، فإن لم ينك فوقه أحد، رفعه إلى قاضيه وشهد عنده. 3980 - وإذا كتب قاض [إلى قاض] بما ثبت عنده من شهادة على رجل في حد، أو قصاص، أو حق سواه، [أو بقضاء] أنفذه في ذلك كله، فثبت عند المكتوب إليه أن هذا كتاب القاضي الذي كتب إليه وطابعه، أو كان فيه طابع فانكسر، أو ثبت [أنه] كتابه ولا طابع فيه، فذلك سواء، وينبغي لهذا الذي جاءه الكتاب

إنفاذ ما فيه، فإن عُزل المكتوب إليه، أو مات ووصل الكتاب إلى من ولي بعده، فلينفذه، وكذلك إن عُزل الذي كتب به [إليه] ، أو مات قبل وصوله أو بعده، فلينفذه من وصل إليه. وإن لم تشهد البينة على ما في كتاب القاضي، لم يلتفت إلى طابعه. وينبغي أن يقيم الحدود في القتل ولاة المياه، وليجلب إلى الأمصار، ومصر كلها لا يقام القتل فيها إلا بالفسطاط، أو يكتب إلى والي الفسطاط، فيكتب إليه [يأمره بإقامة ذلك] . والله الموفق. * * *

(كتاب القطع في السرقة)

(كتاب القطع في السرقة) 3981 - وينبغي للإمام إذا شهدت عنده بينة على رجل، أنه سرق ما يقطع في مثله، أن يسألهم عن السرقة ما هي؟ وكيف هي؟ ومن أين أخذها؟ وإلى أين أخرجها؟ كما يكشفهم عن شهادتهم على رجل بالزنا، فإن كان في ذلك ما يدرأ الحد به، درأه. 3982 - ومن سرق ذهباً وزنه ربع دينار، قُطع وإن كانت قيمته درهماً واحداً، وإن لم يبلغ وزنه ربع دينار، لم يقطع وإن ساوى ثلاثة دراهم فأكثر، وكذلك من سرق فضة نظر إلى وزنها دون قيمتها من الذهب، وإنما يقوّم غير الذهب والفضة من سائر الأشياء، فمن سرق عرضاً قيمته ثلاثة دراهم قُطع وإن لم يساو من الذهب ربع دينار. ولو ساوى ربع دينار ولم يساو ثلاثة دراهم، لم يُقطع. وإنما تُقوّم الأشياء بالدراهم، وصرف الدينار في حد القطع والدية اثنا عشر درهماً، ارتفع الصرف أو انخفض.

3983 - ومن سرق متاعاً سراً لرجل غائب فقام به أجنبي، قُطع. ولو قال السارق: رب المتاع أرسلني، قُطع السارق وإن صدّقه ربه أنه بعثه، كان معه في بلد أو لم يكن. وإن أُخذ في جوف الليل ومعه متاع، فقال: فلان أرسلني إلى منزله فأخذت له هذا المتاع، فإن عرف منه إليه انقطاع وأشبه ما قال، لم يقطع، وإلا قطع ولم يصدق. وإذا لم يقم رب المتاع على السارق وتركه بعد أن أخذ منه السرقة، أو لم يأخذها، أو عفا عنه، ثم رفعه بعد ذلك [بزمان] هو أو غيره إلى السلطان، قطع. (¬1) وليس للوالي أن يعفو إذا انتهت إليه الحدود. ولو قال رب المتاع: ما سرق مني شيئاً، وشهدت بينة أنه سرق، قُطع. ويحبس السارق حتى تزكى البينة. 3984 - ولا يؤخذ في الحدود والقصاص كفيل، فإن زُكّوا أقام الحد، غاب الشهود أو رب السرقة، أو حضروا، وكذلك إن زكوا بعد أن ماتوا أو عموا أو جنّوا أو خرسوا أنفذ الإمام الحد الذي شهدوا به من زنا أو سرقة. وكذلك الحقوق. وإن ارتدوا أو فسقوا قبل الحكم، لم يحكم بما شهدوا فيه وسقطوا. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/341) ، والتاج والإكليل (6/307، 310) ، والمدونة (16/269، 274) ، ومنح الجليل (9/309) .

وإذا ظهر منهم فسق، أو أخذوا يشربون خمراً، وذلك بعد أن حكم الإمام بإقامة الحدود أو القصاص إلا أن ذلك لم يقم [بعد] ، فإن ذلك ينفذ ويقام الحد والقصاص، وكذلك هذا في الحقوق، لأنه حكم نفذ بالأمر به. 3985 - وإذا شهدت البينة في الحدود، لم يفرقهم الإمام إذا كانوا عدولاً مبرزين، إلا أن يستنكر شيئاً. ولا تجوز شهادة أهل الكفر في سرقة أو غيرها، على مسلم أو كافر. 3986 - وإن سرق جماعة ما تعاونوا في إخراجه من الحرز لثقله، قُطعوا كلهم، وإن لم تكن قيمته إلا ثلاثة دراهم فأكثر. وكذلك إن حملوه على ظهر أحدهم في الحرز ثم خرج به إذا لم يقدر على إخراجه إلا برفعهم معه، ويصيرون كأنهم حملوه على دابة، فيقطعون إذا تعاونوا على رفعه عليها لثقله أو لكثرته. وإن حملوه على ظهر أحدهم وهو قادر على حمله دونهم، كالثوب والصرة، لم يقطع إلا الخارج [به] ن كما لو خرج به دون عونهم، ولا يقطع من أعانه،

ولو خرج كل واحد منهم حاملاً لشيء دون الآخر، وهم شركاء فيما أخرجوا لم يقطع إلا من أخرج منهم ما قيمته ثلاثة دراهم. 3986 - ومن سرق عرضاً قيمته ثلاثة دراهم وهو لرجلين، قُطع. وإن سرق متاعاً ممن هو بيده وديعة أو عارية أو بإجارة، قُطع، لأنه حرز له. [ومن سرق متاعاً، فسرقه منه سارق، ثم سرقه من السارق سارق ثالث، قُطعوا كلهم] . ومن سرق متاعاً، فقطع فيه، ثم سرقه ثانية، قُطع أيضاً. 3987 - ومن قام من الناس بسارق أو زان إلى الإمام، أقام عليه الحد إذا ثبت ذلك عنده، بخلاف القاذف يرفعه غير المقذوف هذا لا يحده حتى يحضر الطالب. ولو سمع الإمام رجلاً يقذف رجلاً ومعه من تثبت شهادته عليه، أقام عليه الإمام الحد. 3988 - ومن عفا عن قاذفه قبل بلوغ [الإمام] ، لزمه ولا رجوع له في ذلك، وكان

مالك يقول: في القذف العفو وإن بلغ الإمام، وقاله عمر بن عبد العزيز، ثم رجع مالك، فقال: لا عفو له إذا بلغ الإمام إلا أن يريد ستراً. 3989 - وإذا سرق الذمي قُطع، لأن السرقة من الفساد في الأرض، فلا يقروا عليها. وأما إن زنى، فلا يقام عليه الحد، ويرد إلى أهل دينه، ولا أمنعهم رجمه إن شاءوا. ولا قطع في سرقة خمر أو نبيذ مسكر أو خنزير، وإن كان لذمي سرقه مسلم أو ذمي، إلا أن للذمي المعاهد قيمته على المسلم، وكذلك على الذمي إذا حكمنا بينهما. 3990 - ولا يحل للبينة الكف عن الشهادة على السرقة إذا رفع السارق إلى الإمام،

ولا بأس بالشفاعة [للسارق] إذا لم يعرف منه أذى للناس، إذا كانت [تلك] منه زلة ما لم يبلغ الإمام أو الشرط أو الحرس، فإذا بلغهم لم تجز الشفاعة. وأما المعروف بالفساد فلا ينبغي أن يتشفع له أحد، ويترك حتى يحد. وإذا عاينت البينة إخراج المتاع من البيت ولا يدرون لمن هو، فلا يشهدوا بملكه لرب البيت، ولكن يؤدّون ما عاينوا وعلموا. وتقطع يد السارق ويقضى بالمتاع لرب الدار، وكذلك إن عاينوا أنه غصبه ثوباً. وكذلك يشهدون لبائع السلعة في فلس المبتاع أنه باعها منه، ولا يقولوا: أنها له حين باعها، ولا يشهدوا في ذلك إلا بما عاينوا أو علموا. 3991 - وإذا جمع السارق المتاع وحمله، فأُدرك في الحرز قبل أن يخرجه، لم يقطع. قيل: فإن أخرجه من البيت إلى الدار، والدار مشتركة مأذون فيها، والبيت محجور عن الناس؟ قال: قال مالك - رحمه الله -: يقطع إذا أخرجه من البيت إلى الدار والدار مشتركة، لأنه قد صيره إلى غير حرزه.

3992 -[قيل:] فإن كانت داراً مأذوناً فيها، وفيها تابوت فيه متاع لرجل قد أغلقه، فأتى رجل ممن أُذن له فكسره أو فتحه، فاخرج المتاع منه، فأُخذ بحضرة ما أخرج المتاع من التابوت قبل أن يبرح به. قال: لا يقطع هذا، وإن كان ممن لم يؤذن له لم يقطع أيضاً، لنه لم يبرح بالمتاع ولم يخرجه من حرزه. وقد سئل مالك - رحمه الله - عن الضيف يسرق من بعض منازل الدار المغلقة عنه؟ فقال: لا يقطع، لأنه ائتمنه حين أدخله داره. وقال مالك - رحمه الله - في بيت مغلق في دار مأذون فيها: إن السارق إذا أخرج نم البيت شيئاً فأُخذ في الدار، لم يقطع، فكذلك التابوت. قال ابن القاسم: والدار المشتركة المأذون فيها إذا سرق رجل منها دواب من مرابطها، قطع. وكذلك لو كان لها مرابط معروفة في السكة، فسرقها رجل من ذلك الموضع قطع، لأن ذلك حرزها. ومن احتلها من مرابطها المعروفة لها فأخذها، قُطع. ولو نشر أحد - من أهل دار مشتركة مأذون فيها - ثوبه على ظهر بيته، وبيته محجور عن الناس، وإن نشره في صحن الدار، لم يقطع إن كان سارقه

من أهل الدار، وإن كان من غيرها قُطع، إلا أن تكون الدار مباحة لا يمنع منها أحد، فلا يقطع سارقه، كان من أهل الدار أو من غيرها. 3993 - وإذا نقب السارق فأدخل يده فأخرج الثوب بقصبة أو عود، قطع. وإن دخل الحرز فأخذ متاعاً، فناوله رجلاً [آخر] خارجاً من الحرز، قُطع الداخل وحده، أُخذ في الحرز أو بعد أن خرج. ولو خرج بالمتاع من حرزه إلى خارجه، قُطع. قال ابن القاسم: ولو أُخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارجاً منه، فقد شك فيه مالك بعد أن قال لي: يُقطع، وأنا أرى أن يقطع. ولو ربطه الداخل بحبل وجره الخارج، قُطعا جميعاً. وإن ناول أحدهما المتاع لصاحبه وهما في الدار، لم يقطع إلا من خرج به.

ولو قربه [أحدهما] إلى باب الحرز أو النقب، فتناوله الخارج، قُطع الخارج وحده، إذ هو أخرجه، ولا يقطع الداخل. ولو التقت أيديهما في المناولة في وسط النقب، قُطعا جميعاً. 3994 - ومن شهدت عليه بينة أنه سرق هذا المتاع من يد هذا، فقال السارق: حلّفوه انه ليس لي، فإنه يُقطع ويحلف له الطالب ويأخذه، فإن نكل حلف السارق وأخذه. 3995 - ويقطع من سرق ما وضع في أفنية الحوانيت [للبيع] ، أو في الموقف للبيع وإن لم يكن هناك حانوت، كان ربه معه أو لا، سرقه في ليل أو نهار. وكذلك إن سرق شاة أوقفها ربها في سوق الغنم للبيع، وهي مربوطة أو غير مربوطة، فعليه القطع. 3996 - ويُقطع من سرق من الحوانيت، والمنازل والبيوت والدور حرز لما فيها، غاب أهلها أو حضروا. وكذلك ظهور الدواب. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/308) .

وإذا اجتمع في الجرين الحب أو التمر، وغاب ربه وليس عليه باب أو حائط ولا غلق، قُطع من سرق منه. 3997 - ولا قطع في شيء من المواشي في مراعيها حتى يأويها المراح، فإذا آواها المراح وإن كان مراحها إلى غير الدور وليس عليها حيطان ولا أغلاق - فعلى من سرق منها القطع وإن لم يبت معها أهلها، كالدواب في مرابطها المعروفة، وإن لم يكن دونها أبواب ولا غلق. والمتاع في الأفنية للبيع ولا غلق على ذلك ولا معه أهله، ففي ذلك القطع. 3998 - ومن سرق متاعاً من الحمام فإن كان معه من يحرزه، قطع وإلا لم يقطع، إلا أن يسرقه أحد لم يدخل الحمام [من] مدخل الناس من بابه، مثل أن يتسور أو ينقب ونحو ذلك، فإنه يقطع وإن لم يكن مع المتاع حارس. ومن جر ثوباً منشوراً على حائط، بعضه في الدار وبعضه خارج منها إلى لطريق، أو سرق متاعاً من صنيع، لم يقطع.

ومن أذنت له في دخول بيتك أو دعوته إلى طعامك فسرقك، فلا قطع فيه، وهذه خيانة. 3999 - ومن كابر رجلاً بسلاح أو غيره على مال له في زقاق، أو دخل عليه حريمه في المصر، حكم عليه بحكم الحرابة. وإذا سرقت الحرة أو من فيها علقة رق أو ذمية، قُطعت. وإذا دخل الحربي بأمان فسرق قُطع، لأنه لو قَتَل قتلته، ولو تلصص قضي عليه بحكم الحرابة. 4000 - ولا يقطع الصبي إذا سرق ولا المجنون ولا المطبق، وأما الذي يجن ويفيق: فإن سرق [في حال جنونه لم يقطع وإن سرق] في حال إفاقته قُطع [إلا أنه إن سرق في حال إفاقته فأُخذ] في حال جنونه، استؤني به حتى يفيق. 4001 - وإذا سرق أحد الأبوين من مال الولد، لم يُقطع، وكذلك الأجداد من قبل الأب

والأم، أحب إلي أن لا يُقطعوا، لأنهم آباء، ولأن الدية تغلظ على أب الأب إذا قتل ابن ابنه ولا يقتل. فإن قيل: إن الجد يقطع، لأن نفقة ولد ولده لا تلزمه، قيل له: فالأب لا تلزمه نفقة ابنه الكبير ولا ابنته الثيب، وهو لا يقطع فيما سرق من أموالهما ولا يحد فيما وطئ من جواريهما فكذلك الجد لا حد عليه ولا قطع ولا نفقة. 4002 - وإن سرق الابن من مال أبيه، قُطع، وإن زنى بجارية أبيه حُد. وتقطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها من غير بيتها التي تسكنه، وكذلك إن سرق خادمها من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم، أو سرق خادم الزوج من مال المرأة من بيت حجرته عليهم. 4003 - وإن سرق الأب مع أجنبي من مال الولد ما قيمته ثلاثة دراهم، لم يقطع واحد منهما. وكذلك إن سرق منك رجل أجنبي مع عبدك، أو مع أجيرك الذي ائتمنته على دخول بيتك، لم يقطع واحد منهما، وإن تعاونا في السرقة.

4004 - وإذا سرق رجل مع صبي صغير أو مجنون ما قيمته ثلاثة دراهم، قُطع الرجل. 4005 - وإذا سرق الشريك من متاع الشركة مما قد أغلق عليه، لم يقطع، وإن كانا أودعاه لرجل فسرقه أحدهما منه، قُطع إن كان فيما سرق من حصة شريكه فضلٌ عن حصته ربع دينار. (¬1) وشهادة الأخوين لأخيهما أن هذا الرجل سرق متاعه، جائزة إذا كانا عدلين، كالحقوق. 4006 - وإذا سرق المكاتب من مال سيده، أو سرق السيد من مال مكاتبه أو من مال مكاتب ابنه أو من عبد، لم يقطع. 4007 - ومن سرق ما قيمته ثلاثة دراهم من الطعام الذي لا يبقى في أيدي الناس، مثل: اللحم والبطيخ والقثاء وشبهه، قُطع. والأترجة التي قطع فيها عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -، كانت تؤكل. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/308) .

4008 - وإذا كان في الحائط نخلة زال رأسها فقطعها رجل من أصلها فسرقها أو قلع نخلة بثمرها لم يقطع. وكذلك جميع الشجر. ولو قطع هذا الجذع ربه ووضعه في الحائط فكان ذلك حرزاً له، فسرقه رجل، قُطع. ويقطع سارق البقل إذا آواه حرزه، ما لم يكن قائماً. ويقطع سارق الزرنيخ والنطرون والنورة والحجارة والماء، إذا بلغت قيمته ثلاثة دراهم. 4009 - ومن سرق شيئاً من الطير بازياً أو غيره، قُطع. وأما سباع الوحش التي لا يؤكل لحمها إذا سرقها، فإذا كان في قيمة جلودها إذا ذكيت دون أن تدبغ ثلاثة دراهم، قُطع، لأن لصاحبا بيع جلودها ما ذكى منها، والصلاة عليها وإن لم تدبغ. 4010 - ولا قطع في جلد ميتة لم يدبغ، فأما إن دبغ ثم سُرق فإن كان قيمة ما فيه من الصنعة دون الجلد ثلاثة دراهم، قُطع. ومن سرق كلباً صائداً أو غير صائد، لم يقطع، لأن النبي ÷ حرّم ثمنه. (¬1) ¬

(¬1) رواه مسلم (1569) ، والنسائي (4668) .

4011 - وإذا وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجاً من خبائه، وذهب لحاجته، فسرقه رجل، أو سرق لمسافر فسطاطاً مضروباً بالأرض، أو احتل بعيراً من القطار في سيره وبان به، أو سرق مصحفاً، أو باب دار، أو كفناً من قبر، أو حلّ الطرّار من داخل الكم أو من خارجه، أو أخرج من الخف ما قيمته ثلاثة دراهم، أو سرق من محمل شيئاً مستسرّاً، أو أخذ من على البعير غرائر، أو شقها فأخذ منها متاعاً، أو أخذ ثوباً من على ظهر البعير [مستسراً] قُطع في ذلك كله إن بلغ ثمنه ما فيه القطع. 4012 - وإن أخذ الثوب غير مستتر فهو خلسة، ولا قطع على مختلس، والرفقة في السفر ينزل كل واحد على حدته، فإذا سرق أحدهم من الآخر، قُطع، كأهل الدار ذات المقاصير يسرق أحدهم من بعضها.

ومن ألقى ثوبه في الصحراء، وذهب لحاجته وهو يريد الرجعة [إليه] ليأخذه، فسرقه رجل سراً، فإن كان منزلاً نزله، قُطع سارقه وإلا لم يقطع. 4013 - ومن سرق صبياً حراً أو عبداً من حرزه، قُطع، وإن سرق عبداً [كبيراً] فصيحاً، لم يقطع، وإن كان عجمياً، قُطع. 4014 - ومن سرق ثوباً لا يساوي ثلاثة دراهم، فيه دراهم أو دنانير مصرورة ولم يعلم أن ذلك فيه، قال مالك - رحمه الله -: أما الثوب وشبهه مما يعلم الناس أنه يرفع ذلك في مثله، فإنه يقطع وإن لم يدر ما فيه. 4015 - ولو سرق شيئاً لا يرفع ذلك فيه، كالحجر والخشبة والعصا، لم يقطع إلا في قيمة ذلك دون ما رفع فيه من فضة أو ذهب. 4016 - وإذا شهد على رجل شاهد [عدل] أنه سرق نعجة، وشهد آخر أنه سرق

كبشاً، لم يقطع. وكذلك إن قال هذا: سرق يوم الخميس، وقال هذا: [سرق] يوم الجمعة، لم يقطع إذا لم يشهدا على عمل واحد. 4017 - وإذا دخل السارق الحرز فأكل الطعام فيه ثم خرج، لم يقطع وضمنه. وإن دهن رأسه ولحيته في الحرز بدهن ثم خرج، فإن كان بما] في رأسه من الدهن إن سُلت بلغ ربع دينار، قُطع، وإلا لم يقطع. وإذا ذبح شاة في الحرز أو خرق ثوباً أو أفسد طعاماً ثم خرج بذلك، فإن كانت قيمة ذلك بعد خروجه به بتلك الحال ثلاثة دراهم، قُطع، ولا ينظر إلى قيمته داخل الحرز وإنما ينظر إلى قيمة السرقة يوم سرقها [السارق] ، ولا تبالي زادت قيمتها يوم القيام به أو نقصت. 4018 - ومن سرق مرة بعد مرة قُطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى، ثم يده اليسرى، ثم رجله اليمنى. وإن سرق ولا يمين له أو له يمين شلاّء، قُطعت رجله [اليسرى] ، قاله مالك،

ثم عرضتها عليه فمحاها، وقال: تقطع يده اليسرى، و [أراه] تأول قول الله عز وجل: ×فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا% [المائدة: 38] . وقوله في الرجل: أحبّ إلي وبه آخذ. (¬1) ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/332) ، وشرح الزرقاني (4/192) ، وموطأ مالك (2/834) ، والتمهيد (4/153) ، والمدونة (16/288) ، ومنح الجليل (9/293) .

ومن سرق ولا يدان له ولا رجلان، أو كان أشلّ اليدين والرجلين فاستهلكها وهو عديم، لم يقطع منه شيء، ولكن يضرب ويحبس ويضمن قيمة السرقة. وإن سرق وقد ذهبت من يده اليمنى أصبع، قطعت يده، كما لو قطع يمين رجل وإبهام يده مقطوعة، فإن يده تقطع، وإن لم يبق من يمنى يده إلا أصبع أو أصبعان قطعت رجله اليسرى، فإن كانت يداه ورجلاه كلها كذلك، لم يقطع وضُرب وسُجن وضمن قيمة السرقة. 4019 - ومن سرق فأُخذ مكانه، أو بعد ذلك ويُسْره متصل، فقطع وقد استهلك السرقة، ضمنها، فإن كان معسراً يوم قطعت يده، أو كان يسره ذلك قد ذهب ثم أعسر، ثم قطعت يده وقد أيسر ثانية، أو سرق وهو معسر ثم أُخذ وهو موسر، فقطعت يده، لم يضمن السرقة إن كان قد استهلكها، وإنما يضمنها إذا سرق وهو موسر فتمادى يسره إلى أن قُطع.

4020 - وإذا شهد رجلان على رجل بالسرقة، ثم قالا قبل القطع: أوهمنا، بل هو هذا الآخر، لم يقطع واحد منهما. وما بلغ من خطأ الإمام ثلث الدية فأكثر، فعلى عاقلته مثل خطأ الطبيب والمعلم والخاتن. قال ابن القاسم: وأبى مالك أن يجيبنا في خطأ الإمام بشيء. 4021 - وإذا رجع الشاهدان قبل الحكم ولهما عذر بين يُعرف به صدقهما، وكانا بيّني العدالة، أُقيلا وجازت شهادتهما بعد ذلك، وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما يستقبلان، ولو أُدّبا لكانا لذلك أهلاً. وإن رجعا بعد الحكم وقد شهدا على دين أو طلاق أو حد أو عتق أو غير ذلك، فإنهما يضمنان الدين، ويضمنان العقل في القصاص في أموالهما، ويضمنان قيمة المعتق. 4022 - وفي الطلاق إن دخل بالزوجة، فلا شيء عليهما، وإن لم يدخل ضمنا نصف الصداق للزوج، ولا يقضي القاضي ببينة حتى يُزكّوا عنده، ولو لم يطعن فيهم الخصم. ويكشف عنهم إن شاء في السر أو في العلانية، ولا يقبل

إلا تزكية رجلين عدلين لا أبالي فيم كانت الشهادة: في حق الله أو للناس، من حد أو قصاص. 4023 - وإذا ارتضى القاضي رجلاً للكشف، جاز أن يقبل منه ما نقل إليه من التزكية عن رجلين لا أقل من ذلك، فإذا زكت البينة والمطلوب يجهل وجه التجريح [هو] من جهلة الرجال أو من ضعفة النساء، فليخبره القاضي بماله من ذلك، ويبينه له، لعل بينه وبينهم عداوة أو شوكة مما لا يعلمه المعدلون. وإن كان مثله لا يجهل التجريح لم يدعه إليه، وليس كرد اليمين، لأن الحكم لا يتم إلا بردها. 4024 - وإن أقام المشهود عليه بينة على الشهود بعد أن زكوا أنهم شربة خمر، أو أكلة ربا، أو فجار، أو أنهم يلعبون بالشطرنج أو النرد، أو بالحمام، فذلك مما تجرح به شهادتهم، وإن ثبت أنهم حدوا في قذف، فمن تاب ممن حُد في القذف وحسنت حاله وزاد على ما عرف منه من حسن حاله، جازت شهادته. 4025 - ولو حد نصراني في قذف ثم أسلم بالقرب، قُبلت شهادته. 4026 - ولا تجوز شهادة العبد في شيء من الأشياء. وإن شهد رجل وامرأتان على رجل

بالسرقة، لم يقطع، وضمن قيمة ذلك، ولا يمين على صاحب المتاع. وإن شهد بذلك رجل [واحد] حلف الطالب مع شاهده وأخذ المتاع إن كان قائماً بعينه، ولا يقطع السارق. وإن كان المتاع مستهلكاً، ضمن السارق قيمته وإن كان عديماً. 4027 - وتجوز الشهادة على الشهادة في السرقة وغيرها، إذا شهد رجلان على شهادة رجل. وإذا شهدت بينة على رجل غائب بسرقة ثم قدم، فإنه يقطع ولا تعاد البينة، حضروا أم غابوا، إذا كان الإمام قد استكمل تمام الشهادة. 4028 - وإذا لم يقم بالسرقة حتى طال الزمان وحسنت حال السارق، ثم اعترف، أو قامت بينة بذلك، فإنه يقطع. وكذلك حد الخمر والزنا، ولا يحد السكران حتى يصحو.

4029 - وإن باع السارق السرقة، فقُطع ولا مال له، ثم أُلفيت عند المبتاع قائمة، فلربها أخذها ويتبع المبتاع السارق بالثمن. وكذلك لو كانت غنماً فتوالدت عند المبتاع لأخذها ربها وأولادها، فإن هلكت السرقة عند المبتاع بسببه أو باعها، فلربها أن يرجع على المبتاع بقيمتها. وإن هلكت عنده بأمر من الله سبحانه، فلا شيء عليه. (¬1) ومن سرق ثوباً فصبغه، ثم قُطع ولا مال له غيره، فلرب الثوب أن يعطيه قيمة الصبغ ويأخذ ثوبه، فإن أبى بيع الثوب وأخذ ربه من الثمن قيمته يوم السرقة، وكان الفضل للسارق. وإن عجز ثمنه لم يتبع السارق بشيء لِعُدْمه. وإن قطعه السارق وجعله ظهارة لجبة أو لقلانس وأراد ربه فتقه وأخذه مقطوعاً فذلك له كما لو سرق خشبة فبنى عليها كان له أخذها، وإن أخرب بنيانه بذلك. فإن أبى أن يأخذ ثوبه مقطوعاً والسارق عديم، صنع به كما وصفنا في الصبغ. ومن سرق حنطة فطحنها سويقاً ولتها، ثم قُطع ولا مال له غيره، فأبى رب الحنطة أخذ السويق، فهو مثل ما وصفنا: يباع السويق ويشترى له من ثمنه مثل حنطته. ¬

(¬1) انظر: التقييد (6/251) .

وإن سرق فضة فصاغها حلياً أو ضربها دراهم، ثم قُطع ولا مال له غيرها، فليس لربها إلا وزن فضته، لأني إن أجزت له [أخذها] بلا شيء، ظلمت السارق، وإن أمرته بأخذها ودفع أجرة الصياغة، كانت فضة بفضة وزيادة، فهذا ربا. وإن سرق نحاساً فعمل منه قمقماً فعليه مثل وزنه، وهذا في كتاب الغصب مذكور. 4030 - ومن شهدت عليه بينة زكية أنه سرق، فحبسه القاضي حتى يقطعه، فقطع رجل يمينه في السجن، لم يقتص منه ونُكّل، وأجزأ ذلك من [قطع] السرقة، ولو فعل به ذلك قبل عدالة البينة أرجئ، فإن عدلت كان الأمر كذلك، وإن لم تعدل البينة اقتص منه. وإذا أمر القاضي بقطع يمين السارق، فغلط القاطع فقطع يساره، أجزأه، ولا يقطع يمينه، ولا شيء على القاطع.

وإذا قُطعت يمين السارق كان ذلك لكل سرقة تقدمت، أو قصاص وجب في تلك اليد، وإذا ضرب في شرب الخمر، أو أقيم عليه حد الزنى، فهذا [كله] لما كان قبله من ذلك. وإن فعل بعد ذلك شيئاً، أقيم عليه ذلك. 4031 - ومن سرق فقطعت يده ولا مال عنده إلا قدر قيمة السرقة فغرمها، ثم قام قوم سرق منهم قبل ذلك، فإن كان من وقت سرق منهم لم يزل ملياً بمثل هذا الذي غرم الآن، تحاصوا فيه كلهم، وإن أعدم في خلال ذلك ثم أيسر، فكل سرقة سرق من يوم يسره المتصل إلى الآن، فأهلها يتحاصون في ذلك دون من قبلهم، وإن لم يحضروا يوم القطع كلهم فلمن غاب الدخول عليهم فيما أخذوا، كغرماء المفلس. 4032 - ويقوم السرقة أهل النظر والعدل، قيل: فإن اختلف المقومون؟ قال: إذا اجتمع عدلان بصيران أن قيمتها ثلاثة دراهم، وجب القطع، ولا يقطع بقيمة رجل واحد.

4033 - ومن سرق من سفينة، قُطع. وإن سرق السفينة [نفسها] ، فهي كالدابة تحبس وتربط وإلا ذهبت. فإن كان معها من يمسكها قُطع سارقها، كالدابة بباب المسجد أو في السوق، فإن كان معها من يمسكها قُطع سارقها وإلا فلا. وإن نزلوا بالسفينة في سفرهم منزلاً فربطوها، فإنه يقطع سارقها، كان معها ربها أو ذهب لحاجته، وكلما درأت به الحد في السرقة، ضمنت السارق قيمة السرقة وإن كان عديماً. 4034 - وإن سرق مسلم من حربي دخل بأمان، قُطع. وإن سرق الحربي وقد دخل بأمان، قُطع. 4035 - ويقيم أمير الجيش الحدود ببلد الحرب على أهل الجيش في السرقة وغيرها، وذلك

أقوى له على الحق. وإن دخل المسلمون دار الحرب بأمان، فسرق بعضهم من بعض، أو زنى أو شرب الخمر، ثم قدموا فشهد بعضهم على من فعل ذلك، فإنه يُحد. وإذا أكل المسلم لحم خنزير عوقب. وإن شرب خمراً في رمضان جُلد للخمر ثمانين، ثم يضرب للإفطار في رمضان، وللإمام أن يجمع ذلك عليه أو يفرقه. 4036 - ومن شهدت عليه بينة أنه أقر بالسرقة أو بالزنى فأنكر، فإن ذكر أنه [إنما] أقر لأمر يعذر به، أو جحد ذلك الإقرار أصلاً، أُقيل. وإذا أقر عبد أو مدبر أو مكاتب أو أم ولد بسرقة، قُطعوا إذا عينوا السرقة وأظهروها، فإن ادعى السيد أنها له، صُدّق مع يمينه. (¬1) 4037 - وقاله مالك - رحمه الله - في أمة ادعى رجل في ثوب بيدها فصدقته، وادعاه السيد [لنفسه] ، أنه يقضى به للسيد مع يمينه، إلا أن يقيم المدعي بينة. ولا يجب على الصبيان حد في سرقة أو زنا، حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية، أو يبلغوا سناً لا يبلغه أحد إلا بلغ ذلك: من احتلام أو حيض. قيل: فإن أنبت ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/313) .

الشعر قبل ذلك؟ قال: قد قال مالك - رحمه الله -: يُحد إذا أنبت، وأحبّ إليّ أن لا يحكم بالإنبات. وقد أصغى مالك إلى الاحتلام حين كلمته في الإنبات. 4038 - ومن أقر بشيء من الحدود بوعيد، أو سجن، أو قيد، أو ضرب، أو قتل، وذلك كله إكراه، فإن تمادى [على إقراره بعد زوال الإكراه، فإنه يحبس حتى يُسْتَبْرأ أمره، فإن تمادى] على إقراره بعد أمن، أقيم عليه الحد إذا أتى بأمر يعرف به صدقه [مثل أن] يعين السرقة ونحو ذلك، فإنه يحد، وإلا لم يحد في قطع ولا غيره، لأن الذي كان من إقراره أول مرة قد انقطع، وهذا كأنه إقرار حادث.

وإن أخرج السرقة أو القتيل في حال التهديد لم أقطعه ولم أقتله حتى يقر بعد ذلك آمناً. ولو جاء ببعض المتاع وأتلف بعضه، لم أضمنه ما بقي إن جاء بأمر يعذر به في إقراره، وكذلك لا أضمنه الدية في القتل إذا جاء بوجه يعذر به. ومن قامت عليه بينة بسرقة، لم أر للإمام أن يقول له: قل ما سرقت. 4039 - قال: قال مالك - رحمه الله -: ومن سرق في شدة البرد، فخيف عليه الموت إن قُطعت يده، فليؤخره الإمام إلى بعد ذلك. قال ابن القاسم: وإن كان [في] الحر أمر يعرف [به] خوفه كالبرد، فأراه مثله. 4040 - ومن سرق وقتل عمداً، فإنه يقتل ولا يقطع، والقطع داخل في النفس. ولو عفا عنه ولي المقتول، قطعته للسرقة.

وإن سرق وقطع يمين رجل، قطع للسرقة فقط، إذ هي أوكد، إذ لا عفو فيها، ولا شيء للذي قطعت يده، كما لو ذهبت يد القاطع بأمر من الله تعالى. ولو سرق وقطع شمال رجل، قطعت يمينه للسرقة، وشماله قصاصاً، وللإمام أن يجمع ذلك عليه أو يفرق، بقدر ما يخاف عليه أو يأمن. وكذلك الحد والنكال يجتمعان على رجل. 4041 - وإذا اجتمع عليه حد لله تعالى وحد للعباد بدئ بالحد الذي هو لله تعالى، إذ لا عفو فيه. فإن عاش أخذ منه حد العباد، وإن مات بطل ذلك، ويجمع الإمام ذلك كله عليه، إلا أن يخاف عليه الموت، فيفرق ذلك عليه. 4042 - وإن أقر أنه سرق من فلان شيئاً، وكذبه فلان، فإنه يقطع بإقراره ويبقى المتاع له، إلا أن يدعيه ربه فيأخذه. ولو قال [فلان] إن المتاع الذي أُخذ متاعه، أو قال: كان استودعنيه أو بعثه معي إليه رجل، لم يقبل ذلك، وقطع بإقراره. 4043 - ومن سرق من بيت المال أو من المغنم، وهو من أهل [ذلك] المغنم، قُطع. قيل: أليس له في المغنم حصة؟ قال: قال مالك: وكم تلك الحصة؟ ٍ!.

ولا تقطع أم الولد إذا سرقت من مال سيدها، وكذلك العبد والمكاتب. والقطع في السرقة في الرجل والمرأة سواء. 4044 - وإذا شُهد على الأخرس بسرقة، قُطع، وكذلك إن أقر بوجه يعرف به إقراره وعين، قُطع وإلا لم يقطع. ومن سرق سرقة فلم يقطع حتى ورثها، أو اشتراها، أو وُهبت له أو تُصدق بها عليه، فلا بد من قطعه. وإن سرق متاعاً كان أودعه رجلاً فجحده إياه، فإن أقام بينة أنه كان استودعه هذا المتاع نفسه، لم يقطع. 4045 - ومن سرق سرقة لرجلين وأحدهما غائب، فإنه يقطع إن كانت قيمتها ثلاثة دراهم فأكثر، ويقضى للحاضر بنصف قيمتها إن كانت مستهلكة، ثم إن قدم الغالب والسارق عديم: فإن كان يوم القطع ملياً بجميع القيمة، رجع على الشريك بنصف ما أخذ واتبعا جميعاً السارق بنصف القيمة، وإن لم يكن معه يوم القطع إلا ما أخذ الشريك، رجع على الشريك بنصف ما أخذ ولم يتبعا السارق بشيء. وهذا مثل ما قال مالك في الشريكين لهما دين على رجل، يقبض منه أحدهما

حصته وصاحبه غائب ثم يقدم الغائب فيجد الغريم عديماً: فإنه يدخل مع صاحبه فيما كان أخذ. (¬1) 4046 - ومن ادعى على رجل أنه سرقه، لم أُحلّفه إلا أن يكون متهماً يوصف بذلك، فإنه يُحلف ويُهدد ويُسجن وإلا لم يعرض له، فإن كان من أهل الفضل وممن لا يشار إليه بهذا، أُدب الذي ادعى ذلك عليه. وقد تقدم في الشهادات ذكر المرأة تدعي أن فلاناً أكرهها. ومن أقر أنه سرق من رجل ألف درهم بغير محنة ثم جحد، لم يقطع، ويغرم الألف لمدعيها. والله الموفق. * * * ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (3/241) .

(كتاب المحاربين)

(كتاب المحاربين) (¬1) 4047 -[قال:] ومن حارب من أهل الذمة أو المسلمين، فأخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً ولم يقتلوا، فإن الإمام مخير: إن شاء قتل وإن شاء قطع. قال مالك: ورب محارب لم يقتل، هو أخوف وأعظم فساداً في خوفه ممن قتل، فإذا نصب، وعلا أمره، وأخاف، وحارب ولم يقتل، وأخذ المال أو لم يأخذ مالاً، كان الإمام مخيراً [فيه] ، إن شاء قتله أو قطع يده ورجله. ولا يجتمع مع القتل قطع ولا ضرب. ولا يضرب إذا قطعت يده ورجله. قال مالك - رحمه الله -: وليس كل المحاربين سواءً منهم من يخرج بعصاً أو بخشبة وشبه ذلك، فيوجد على تلك الحال بحضرة الخروج، ولم يخف ¬

(¬1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب المالكي (ص523) ، ومختصر خليل (275) .

بالسبيل] ولم يأخذ المال، فهذا لو أخذ فيه بأيسر الحكم، لم أر به بأساً، وذلك الضرب والنفي ويسجن في الموضع الذي نفي إليه. وليس للإمام أن يعفو عنه ولا عن أحد من المحاربين، ولكن يجتهد الإمام في ضربه ونفيه. وقد نفى عمر بن عبد العزيز محارباً أخذ بمصر، إلى شغب. قال مالك - رحمه الله -: وقد كان يُنفى عندنا إلى فدك وخيبر، ويسجن في الموضع الذي نفي إليه، حتى تعرف له توبة. قال: وإذا أخذه الإمام وقد قَتَل وأخذ المال وأخاف السبيل، فليقتله، ولا يقطع يده ولا رجله، والقتل يأتي على ذلك كله، وأما الصلب مع القتل، فذلك إلى الإمام [يصنع فيه] بأشنع ما يراه.

4048 - قال مالك: ولم أسمع أن أحداً صلب إلا عبد الملك بن مروان، فإنه صلب الحارث - الذي تنبأ - وهو حي، وطعنه بالحربة بيده. وكذلك يفعل بمن صُلب من المحاربين. وحكم العبيد في الحرابة، مثل ما وصفنا في الأحرار، إلا أنه لا نفي على العبيد. وحكم لمحارب فيما أخذ من المال من قليل أو كثير سواء، وإن كان أقل من ربع دينار، وإن قطعوا على المسلمين أو على أهل الذمة، فهم سواء، وقد قتل عثمان بن عفان مسلماً، قتل ذمياً على وجه الحرابة على مال كان معه. 4049 - وإذا أتى المحارب تائباً قبل أن يقدر عليه، سقط عنه ما يجب لله تعالى من حد الحرابة، وثبت ما للناس بعليه] من نفس أو جرح أو مال، ثم للأولياء القتل أو العفو فيمن قتل، وكذلك للمجروح في القصاص، وإن كانوا جماعة فقتلوا رجلاً، ولي أحدهم قتله وباقيهم عون له، فأُخذوا على تلك الحال، قُتلوا كلهم.

وإن تابوا قبل أن يؤخذوا، دُفعوا إلى أولياء المقتول، فقتلوا من شاءوا وعفوا عمن شاءوا، وأخذوا الدية ممن شاءوا. وقد قتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ربيئة كان ناظوراً للباقين. وإذا ولي أحدهم أخذ المال وكان الباقون له قوة، ثم اقتسموا فتاب أحدهم ممن لم يل أخذ المال، فإنه يضمن جميع المال، ما أخذ في سهمه وما أخذ أصحابه. وإذا أخذوا المال ثم تابوا وهم عُدم، فذلك عليهم دين. وإن أخذوا قبل أن يتوبوا فأقيم عليهم الحد، قُطعوا أو قتلوا ولهم أموال، أُخذت أموال الناس من أموالهم، وإن لم يكن لهم يومئذ مال، لم يتبعوا بشيء مما أخذوا كالسرقة. 4050 - وإن أخذهم الإمام وقد قتلوا وجرحوا وأخذوا الأموال، فعفى عنهم أولياء القتلى و [أهل] الجراح والأموال، لم يجز العفو ها هنا لأحد ولا للإمام، ولا يصلح لأحد أن يشفع فيه، لأنه حد لله تعالى بلغ الإمام. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/301) .

وإن تابوا قبل أن يقدر عليهم وقد قتلوا ذمياً، فعليهم ديته لأوليائه، إذ لا يقتل مسلم بذمي، ولو كانوا أهل ذمة أقيد منهم به، لأن النصراني يقتل بالنصراني، وتعرف توبة المحاربين من أهل الذمة، بترك ما كانوا فيه قبل أن يقدر عليهم. 4051 - وإن كان فيهم نساء، فلهم حكم الرجال في ذلك. وأما الصبيان فلا يكونون محاربين حتى يحتلموا، وإن قطعوا الطريق إلى مدينتهم التي خرجوا منها فاخذوا، فهم محاربون. 4052 - وإذا قطع الإمام يد المحارب ورجله، ثم حارب ثانية فأخذه الإمام فرأى أن يقطعه، فليقطع يده الأخرى ورجله. وإذا أخذ الإمام محارباً وهو أقطع اليد اليمنى، فأراد قطعه، فليقطع يده اليسرى ورجله اليمنى. وإذا خرج محارب بغير سلاح ففعل فعل المحارب من التلصص وأخذ المال مكابرة، فهو محارب، ويكون الرجل الواحد محارباً. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (15/152) ، والتمهيد (14/391) .

4053 - وتجوز على المحاربين شهادة من حاربوه إن كانوا عدولاً، لا سبيل إلى غير ذلك، شهدوا بقتل أو بأخذ مال أو غيره. ولا تقبل شهادة أحد منهم في نفسه، وتقبل شهادة بعضهم لبعض. 4054 - والمحاربون إذا أُخذوا ومعهم أموال، فادعاها قوم لا بينة لهم، فلتدفع إليهم بعد الاستناء في استبراء ذلك من غير طول، فإن لم يأت من يدعيها، دفعت إليهم بعد أيمانهم بغير حميل، ولكن يُضَمِّنَهم الإمام إياها إن جاء لذلك طالب ويُشهِد عليهم. 4055 - وإذا خرج تجار إلى أرض الحرب، فقطع بعضهم الطريق على بعض ببلد الحرب، أو قطعوها على أهل الذمة، [أو] دخلوا دار الحرب بأمان، فهم محاربون. والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون.

ومن قتل أحداً قَتْل غيلة، فرفع إلى قاض يرى أن لا يقتله، وقضى بأن أسلمه إلى أولياء المقتول فعفوا عنه، فذلك حكم قد مضى، ولا يغيره من ولي بعده لما فيه من الاختلاف. 4056 - ومن دخل عل رجل في حريمه ليأخذ ماله، فهو كالمحارب. وإن قامت بينة على محارب، فقتله رجل قبل أن تزكى البينة، فإن زُكيت أدبه الإمام، وإن لم تزكّ قُتل به. (¬1) قال مالك: وجهاد المحاربين جهاد. والله الموفق. * * * ¬

(¬1) انظر: التقييد للزرويلي (6/262) .

(كتاب القذف)

(كتاب القذف) (¬1) 4057 - ومن شهد عليه أربعة أنه وطئ هذه المرأة ولا يدرون ما هي منه، فعليه الحد إلا أن يقيم بينة أنها زوجته أو أمته، أو يكونا طارئين، فلا شيء عليه، إذا قال: هي امرأتي أو أمتي، وأقرت له بذلك، إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال. 4058 - وإذا افترى ذمي على مسلم، حُد ثمانين. ومن تزوج خامسة، أو امرأة طلقها ثلاثاً البتة قبل أن تنكح زوجاً غيره، ¬

(¬1) انظر: جامع الأمهات (ص517) ، ومنح الجليل (9/269) .

أو أخته من الرضاعة أو النسب، أو شيئاً من ذوات المحارم [عليه] ، عامداً عارفاً بالتحريم، أُقيم عليه الحد، ولم يلحق به الولد، إذ لا يجتمع الحد وثبات النسب. 4059 - وإن تزوج امرأة في عدتها، [أو على عمتها] أو خالتها، أو نكح نكاح متعة عامداً، لم يحد في ذلك وعُوقب. وكل وطء درأت فيه الحد عن الرجل - وإن كان ذلك الوطء لا يحل - فعلى من قذفه الحد. 4060 - ومن أقر أنه وطئ أمة رجل، أو قامت عليه بينة بذلك وادعى أنه ابتاعها منه وأنكر ذلك ربها، فإن لم يأت بالبينة على الشراء، حَدَدْته وحَدَدْت الأمة. وإن أتى بامرأة تشهد على الشراء، لم يزل عنه الحد بذلك. وإن طلب الواطئ يمين السيد أنه لم يبعها منه، أحلفته له، فإن نكل حلف الواطيء، وقُضي له بها، ودرئ عنه الحد. ومن وطئ امرأة وادعى نكاحها، وصدقته هي ووليها، وقالوا: عقدنا النكاح

ولم نشهد، ونحن نريد أن نشهد الآن، فعلى الرجل والمرأة الحد، إلا أن تقوم بينة غير الولي. وإن حددتهما وهما بكران، وأرادا أن يحدثا إشهاداً على ذلك النكاح ويقيما عليه، لم يجز حتى تُستبرأ من ذلك الماء، ثم يأتنفا نكاحاً إن أحبّا. 4061 - قال مالك - رحمه الله -: ومن دفع إلى امرأته نفقة سنة أو كسوتها، بفريضة قاض أو بغير فريضة، ثم مات أحدهما بعد يوم أو يومين، أو شهر أو شهرين، فلترد من بقية النفقة بقدر ما بقي من السنة. وأستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا مات أحدهما بعد أشهر، ولا تتبع المرأة فيها بشيء.

قال ابن القاسم: وأما إن ماتت بعد عشرة أيام ونحوها فهذا قريب، ووجه ما قال [مالك] ، إذا مضى الأشهر. 4062 - وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما وهو عالم بتحريم ذلك، لم يحد لشبهة الملك، وعليه الأدب إن لم يعذر بجهل، ويخير الشريك إن لم تحمل بين أن تقوّم عليه أو يتماسك بحصته منها، فإن قومها عليه فلا صداق له، وإن تماسك فلا صداق له أيضاً ولا ما نقصها، لأن القيمة وجبت له فتركها [وتمسك] بنصيبه ناقصاً. وإن حملت والواطيء مليء، فلا بد أن تقوم عليه يوم حملت، ولا شيء عليه من قيمة ولده، وتكون له أم ولد. وإن كان معسراً خُير شريكه، فإن شاء تماسك بنصيبه واتبعه بنصف قيمة الولد، ولحق [الولد] بأبيه، وإن شاء أخذه بنصف قيمتها يوم حملت، وبيع

ذلك النصف على الواطئ بعد أن تضع فيما لزمه من نصف قيمتها يوم حملت، فيأخذه شريكه [إن كان كفافاً لما لزم الواطئ] ، ويتبعه بنصف قيمة الولد ديناً. [قال:] وإن كان نقص ذلك من نصف قيمتها يوم حملت، أتبعه بالنقصان مع نصف قيمة الولد، ولو ماتت هذه الأمة قبل أن يحكم فيها، كان عليه نصف قيمتها مع نصف قيمة ولدها. وإذا أعتق أحد الشريكين في الأمة حصته منها وهو مليء، ثم وطئها المتمسك بالرق قبل التقويم، لم يحد، لأن حصته في ضمانه قبل التقويم، ولا صداق عليه إن طاوعته ولا ما نقصها. وإن أكرهها فعليه نصف ما نقص من قيمتها بلا صداق، لأن من اغتصب أمة فوطئها إنما عليه ما نقصها مع الحد. وإن كان نصفها حراً فوطئها رجل مكرهة، فعليه الحد وعليه ما نقصها، يكون بينها وبين السيد، وكذلك أرش جراحها وأحكامها أحكام أمة. (¬1) وإن جنت هي، خُيّر السيد: بين أن يسلم نصفها أو يفديه بنصف الأرش. وأما مهرها الذي تتزوج به بإذن سيدها، فجميعه يكون موقوفاً بيدها كالفوائد. ويزوجها المتمسك بالرق برضاها دون الآخر. ¬

(¬1) انظر: المدونة (16/205) .

4063 - قال مالك: وإن أعتق الشريكين في الأمة جميعها وهو مليء، لزم ذلك شريكه. قال ابن القاسم: ثم ليس لشريكه عتق حصته. ولو وطئها الآخر بعد علمه بعتق المليء [لجميعها] ، لحُدّ إن لم يعذر بجهل، فإن جهل أن عتق الشريك يلزمه، فلا حد عليه. وإن كان المعتق لجميعها عديماً، لم يحد الواطئ بحال، ولو كان ملياً، ولم يؤخذ بالقيمة حتى أعدم، فإن علم الآخر بعتقه فتركه ولو شاء قام عليه فأخذه بذلك، فالعتق ماض، ويلزمه نصف القيمة ديناً، وإن كان غائباً أو لم يعلم بالعتق حتى أعسر المعتق، فهو على حقه منها. 4064 - ومن وطئ مكاتبته، فلا حد عليه: غصبها أو طاوعته، وينكل إن لم يعذر بجهل، وعليه ما نقصها إن اغتصبها، ولا صداق لها، وإن وطي مكاتبة بينه وبين رجل، فلا حد عليه. 4065 - ومن طلق امرأته قبل البناء طلقة [واحدة] ، ثم وطئها بعد التطليقة، وقال: ظننت أنه لا يبينها مني إلا الثلاث، فلها صداق واحد، ولا حد عليه إن عذر بالجهالة.

ولو طلّقها بعد البناء ثلاثاً، ثم وطئها في العدة [أو أعتق أم ولده، ثم وطئها في العدة] ، وقال: ظننت ذلك يحل لي، فإن عُذر بالجهالة لم يحد. وكذلك من تزوج خامسة، أو أخته من الرضاعة وعذر بالجهالة في التحريم، لم يحد. وليس على الذي وطئ في العدة بعد الطلاق البائن، أو العتق البتل، صداق مؤتنف، وذلك داخل في الملك الأول، كمن وطئ بعد حنثه فيهما ناسياً ليمينه أو لم يعلم بحنثه. 4066 - ومن ارتدت أم ولده، فوطئها وهو عالم أنها لا تحل له في حال ردتها، لم يحد. ولو وطئ بملك يمينه من ذوات محارمه من يعتق عليه إذا ملكه، وهو عالم بتحريم ذلك، لم يحد للملك الذي له في ذلك، ويلحق به الولد، ولكن ينكل عقوبة موجعة، وتعتق ساعتئذ. (¬1) 4067 - وإذا شهد على امرأة بالزنا أربعة، أحدهم زوجها، ضُرب الثلاثة ولاعن الزوج، لأنه قاذف. وقد تقدم في كتاب الحد في الزنا ذكر الشهادة على الشهادة في الزنا. ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (4/414) .

4068 - ومن قذف رجلاً بالزنا، فقال القاذف حين رفع إلى القاضي: أنا آتي بالبينة أنه زان، أُمكن من ذلك، ولا يجوز في ذلك إلا أربعة شهود. ومن قال عند الإمام أو عند غيره: زنيت بفلانة، فإن أقام على قوله حُدّ للزنا وللقذف، وإن رجع [عن ذلك] حُد للقذف، وسقط عنه حد الزنا، ويقبل رجوعه، قال: أقررت لوجه كذا، أو لم يقل. والمعترف بالزنا لا يكشف كما تكشف البينة، ويلزمه الحد رجماً كان أو جلداً، بإقراره مرة واحدة، ولا يقر أربع مرات، فإذا رجع أُقيل.

وكذلك إن رجع بعد ما أخذت الحجارة مأخذها، أو بعد أن ضُرب بعض الحد [أو أكثره] ثم رجع، فإنه يقال. 4069 - وإن ظهر بامرأة حمل، فقالت: تزوجني فلان، وهذا الحمل منه، فإن لم تقم بينة بالنكاح، حُدّت، ويحد الزوج إن صدقها ولا يلحق به الولد. 4070 - ومن زنى بأمه، أو أخته، أو بعمته، أو خالته، أو بذات [رحم] [محرم] منه، فعليه الحد، ولا يحد الأب إذا وطئ أمة ولده. وكذلك الجد لا يحد في أمة ولد ولده، لأنه كالأب في رفع القود وتغليظ الدية. 4071 - وكل من أُحلت له جارية أحلها له أجنبي، أو أحد من أقاربه، أو امرأته، فإنها ترد أبداً إلى سيدها إلا أن يطأها الذي أحلت له، فيدرأ عنه الحد بالشبهة، كان جاهلاً أو عالماً، وتلزمه قيمتها، حملت أو لم تحمل، وليس لربها التماسك بها بعد الوطء، بخلاف وطء الشريك، فإن كان له مال أخذ منه قيمتها، وإن كان عديماً وقد حملت كانت القيمة في ذمته، وإن لم تحمل بيعت عليه في ذلك، فكان له الفضل [وعليه] النقصان.

4072 - ومن أسلم ثم أقر أنه زنى في حال كفره، لم يحد، لأن ذلك زنا لا حد فيه. وإن زنى مسلم بذمية، حُدّ وردت هي إلى أهل دينها. وإن دخل مسلم دار الحرب بأمان، فزنى بحربية فقامت [عليه] بينة من المسلمين أو أقر بذلك، فعليه الحد. 4073 - وما أقر به العبد من قصاص أو حد لله تعالى يحكم به في بدنه، أقامه عليه الإمام بإقراره. وإن أقر أنه جرح عبداً، فليس لسيد العبد المجروح إلا القصاص، وليس له أن يعفو عن العبد على أن يأخذه، لأن العبد يتهم حينئذ أنه أراد الخروج من يد سيده إلى هذا. وكذلك إن أقر أنه قتل عبداً أو حراً، فإنما لسيد العبد وأولياء الحر القصاص، وليس لهم أن يستحيوه ويأخذوه. 4074 - ومن اجتمع عليه قصاص في بدنه للناس وحدود [لله] ، بدئ بما هو لله تعالى،

فإن كان فيه محمل، أقيم عليه ما للناس مكانه، وإن خيف عليه، أُخّر حتى يبرأ أو يقوى. وقد تقدم هذا. 4075 - وإن سرق وزنى وهو محصن، رجم ولم تقطع سيده، لأن القطع يدخل في القتل، ولا يتبع بقيمة السرقة إن كان معدماً. وإن طرأ له ما لعلم أنه أفاده بعد السرقة بهبة أو غيرها، لم يأخذ منه المسروق شيئاً في قيمة سرقته، إلا أن يعلم أن هذا المال كان له يوم سرق، لأن اليد لم يترك قطعها وإنما دخل قطعها في القتل. ومن أقر أو شهدت عليه بينة أنه زنى بعشر نسوة، أجزأه حد واحد. وإن شهدوا عليه أنه زنى وهو بكر، ثم زنى بعد أن أحصن فإنما عليه الرجم ولا يجلد. ومن حد لله أو قصاص اجتمع مع قتل، فالقتل يأتي على ذلك كله، إلا حد القذف فإنه يقام [عليه] قبل القتل، وذلك لحجة المقذوف من لحوق عار القذف به إن لم يحد له. 4076 - ومن عمل عمل قوم لوط، فعلى الفاعل والمفعول به الرجم، أُحصنا أو لم يحصنا، ولا صداق في ذلك في طوع أو إكراه.

4077 - وإن كان المفعول به مكرهاً أو صبياً طائعاً، لم يرجم، ورجم الفاعل، والشهادة فيه كالشهادة على الزنا. 4078 - وإن أتى امرأة أجنبية في دبرها، وليست له بزوجة ولا ملك يمين، أقيم عليه حد الزنا، وإن أكرهها فعليه المهر مع الحد. (¬1) 4079 - وإن أتى بهيمة، لم يحد ونكل، ولا تحرق البهيمة ولا يضمنها، ولا باس بأكل لحمها. وأنكر مالك الحديث: "إن غلّ أحرق رحله". ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/291) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (233) .

ومن قال لرجل: يا لوطي، أو: يا عامل عمل قوم لوط، فعليه حد الفرية. وإن قذفه ببهيمة أُدّب موجعاً ولم يحد، إذ لا يحد من أتى بهيمة. وكل ما لا يقام فيه الحد، فليس على من رمى رجلاً بذلك حد الفرية. ومن قذف رجلاً بالزنى، فعليه الحد، وليس له أن يحلف المقذوف أنه ليس بزان، وإن علم المقذوف من نفسه أنه كان [قد] زنى، فحلال له أن يحده.

4080 - ومن شهد عليه شاهد أنه قال يوم الخميس لفلان: يا زان، وشهد آخر أنه قال [له] يوم الجمعة: يا زان، فعليه الحد. وكذلك الطلاق والعتاق. وإن شهد عليه رجل أنه قال يوم السبت: إن دخلت دار فلان فامرأتي طالق البتة، وشهد عليه آخر أنه حلف بتلك اليمين يوم الاثنين، فإنه إن حنث طلقت عليه بشهادتهما، ولو شهد واحد أنه طلق [عنده] امرأته في رمضان، وآخر في رجب، طلقت عليه. وإن شهد واحد أنه قال: إن دخل دار فلان فامرأته طالق البتة، وشهد آخر أنه حلف: إن ركب دابة فلان فامرأته طالق البتة، وشهدت عليه بينة أنه دخل الدار وركب الدابة، لم تطلق عليه. والعتق [في] مثل هذا سواء. ولو شهد شاهد على رجل أنه شج فلاناً موضحة، وشهد عليه آخر أنه أقر أنه شجه موضحة، قضي بشهادتهما، لأن الإقرار والفعل ههنا شيء واحد، ولو اختلف الفعل والإقرار، لم يقض بشهادتهما. ولو شهد عليه رجل أنه ذبح فلاناً ذبحاً، وقال آخر: أشهد أنه أقر عندي أنه أحرقه بالنار، فالشهادة باطلة.

4081 - ومن قذف جماعة في مجلس، أو مفترقين في مجالس شتى، فعليه حد واحد. فإن قام به أحدهم فضرب له، كان ذلك الضرب لكل قذف كان قبله، ولا يحد لمن قام به منه بعد ذلك، وليس في حد القذف عفو إذا بلغ الإمام، أو صاحب الشرط أو الحرس، إلا أن يريد المقذوف ستراً. وأما النكال والتعزير، فيجوز فيه العفو والشفاعة وإن بلغ الإمام. وقد قال مالك - رحمه الله - فيمن يجب عليه التعزير أو النكال، وانتهى إلى الإمام، قال: إن كان من أهل العفاف والمروءة وإنما هي طائرة منه، تجافى السلطان عن عقوبته، وإن عرف بالأذى ضربه النكال. 4082 - ومن عفا عن قاذفه قبل بلوغ الإمام ولم يكتب عليه بذلك كتاباً، فلا قيام له بعد ذلك، وكذلك إن عفا في النكال.

4083 - ويجوز العفو في القصاص الذي للناس بعد بلوغ الإمام. ومن قال لرجل: يا مخنث، فرفعه إلى الإمام حُدّ، إلا أن يحلف أنه لم يرد قذفاً، فإن حلف أُدّب ولم يحد. 4084 - ولا يقوم بالقذف إلا المقذوف. وإن شهد قوم على رجل أنه قذف فلاناً وفلان يكذبهم، ويقول: ما قذفني، لم تجز شهادتهم، إلا أن يكون المقذوف هو الذي أتى بهم وادعى ذلك، ثم أكذبهم بعد أن شهدوا عند السلطان، أو قال: ما قذفني، فإنه حَدّ وجب لا يزيله هذا، بمنزلة عفوه، ويضرب القاذف الحد، وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد: ما شهدنا إلا بزور، دُرئ الحد [عنه] . (¬1) 4085 - وإذا شهد رجل على رجل بشرب الخمر أو بالزنا، وقال للقاضي: أنا آتيك بشهود على ذلك، فإن ادعى أمراً قريباً في الحضر، حُبس هو والمشهود عليه، ولا يؤخذ في هذا كفيل، وقيل له: ابعث إلى من يشهد معك، فإن أتى بمن يشهد معه أقيم على المشهود عليه الحد في الخمر، وإن لم يأت ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/305) ، والمدونة الكبرى (16/216) .

به أو ادعى شهادة بعيدة، لم ينتظر ونُكّل. وأما في الزنا فلا يخرجه من حد القذف، إلا أن يأتي بأربعة سواه. وكذلك لو قذفه بالزنا قاذف، ثم جاء هو وثلاثة يشهدون، فإنهم يحدون [أجمعون] . 4086 - ومن قال لرجل: يا سارق، على وجه المشاتمة، نُكل. فأما إن قال له: سرقت متاعي، ولا بينة له، وكان الذي قيل له ذلك من أهل التهم، فلا شيء عليه، وإن شهد عليه [شاهد] أنه سرق متاع فلان، حلف صاحب المتاع واستحقه، ولم يقطع السارق بشهادة واحد، وإن لم يكن للسرقة طالب، مثل أن يقول: رأيته دخل داراً فأخذ منها شيئاً، فإن كان الشاهد عدلاً، لم يعاقب وإلا عوقب، إلا أن يأتي بالمخرج من ذلك. 4087 - وتجوز كتب القضاة إلى القضاة في الحدود والقصاص والأموال.

4088 - ومن قال لأجنبية: زنيت [وأنت صبية، أو زنيت] وأنت نصرانية، أو قال ذلك لرجل، فعليه الحد، لأنه لا يخلو أن يكون قاذفاً أو معرضاً. 4089 - وكذلك لو قال لهما: رأيتكما تزنيان في حال الصبا، أو في حال كفر تقدم، أو قذفهما بالزنا قذفاً، [ثم] أقام بينة أنهما زنيا في حال الصبا، أو في حال كفر تقدم [منهما، لم ينفعه ذلك] ويحد، لأن هذا لا يقع عليه اسم زنا. ومن قال لعبد وأمة قد عتقا: زنيتما في حال رقكما، أو قال لهما: يا زانيان، ثم أقام بينة أنهما زنيا في حال الرق، لم يحد، لأن اسم الزنا في الرق لازم لهما، وإن لم يُقم البينة، حُد. 4090 - ومن قال لزوجته: زنيت وأنت مستكرهة، أو قال ذلك لأجنبية، فإنه يلاعن الزوجة، ويحد للأجنبية.

ولو جاء في هذا ببينة، لم يحد وإن لم يلحقها بالاستكراه اسم الزنا، لأنه علم أنه لم يرد إلا أن يخبر بأنها قد وُطئت غصباً. ومن عرض بالزنا لامرأته ولم يصرح بالقذف، ضرب الحد إن لم يلتعن. ويكون الذي قذف التي أسلمت أو التي أعتقت، أو الصغيرة التي قد بلغت، أو امرأته، قاذفاً حين تكلم بذلك. ومن قال لامرأة قد أسلمت: كنت [قد] قذفتك في نصرانيتك بالزنا، فإن كان إنما سألها العفو متمخياً، أو أخبر بذلك أحداً على وجه الندم على ما مضى من ذلك، فلا شيء عليه، وإن لم يقل ذلك لوجه يعذر به، فعليه الحد. 4091 - ومن قذف ميتاً كان لولده، وولد ولده، ولأبيه، وجده لأبيه أن يقوموا بذلك، ومن قام منهم أخذه بحده، وإن كان ثم من هو أقرب منه، لأنه عيب يلزمهم. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/305) .

وليس للإخوة وسائر العصبة قيام مع هؤلاء، فإن لم يكن من هؤلاء أحد، فللعصبة القيام، وللأخوات وللجدات القيام بالحد، إلا أن يكون له ولد. وإن لم يكن لهذا المقذوف وارث، فليس للأجنبي أن يقوم بحده، وأما الغائب فليس لولد ولا لغيره، القيام بقذفه إلا أن يموت، وإن مات ولا وارث له فأوصى بالقيام بقذفه، فلوصيه القيام به. 4092 - وإذا قذفت امرأة ميتة أو غائبة، فقام بحدها ولد، أو ولد ولد، أو أخ، أو أخت، أو ابن أخ، أو عم، أو أب، فأما في الموت فيمكن من ذلك، وأما في الغيبة فلا. 4093 - ومن وطئ أمة له مجوسية، أو امرأته وهي حائض، فقذفه رجل، فعليه الحد. 4094 - ومن قذف بالزنا صبياً لم يحتلم، فلا حد عليه، وإن كان مثله يطأ. وإن قذف بذلك صبية لم تبلغ المحيض ومثلها يوطأ، فعليه الحد. ولا يحد الصبي والصبية في الزنا أو غيره من الحدود، حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية، أو يتأخر ذلك حتى يبلغا سناً لا يبلغه أحد إلا رأى ذلك، من احتلام

أو حيض، فإن أنبت الغلام، وقال: لم أحتلم، ويمكن فيمن بلغ سنه أن [لا] يحتلم، فلا يحد حتى يحتلم أو يبلغ سناً لا يبلغه أحد لا احتلم. 4095 - ومن قذف عبداً أو أم ولد، أُدّب. ومن قذف ذمياً، زُجر عن أذى الناس [كلهم] . ومن قذف نصرانية، ولها بنون مسلمون أو زوج مسلم، نكل بإذايته المسلمين. وكل من فيه علقة رق إذا زنا أو قذف، فحده حد العبيد. (¬1) 4096 - ويؤخذ المحارب إذا تاب، بما قذف في حال حرابته وبحقوق الناس. وإذا قذف حربي في دار الحرب مسلماً، ثم أسلم الحربي بعد ذلك أو أسر فصار عبداً، لم يحد للقذف، ألا ترى أن القتل موضوع عنه. ويقطع الذمي إذا سرق، ولا يحد إذا زنى. وقد تقدم هذا. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/221) ، ومواهب الجليل (6/302) ، والتاج والإكليل (6/298) .

وإذا أتى حربي بأمان فقذف مسلماً، فإنه يحد. 4097 - ومن قال لامرأته: يا زانية، فقالت له: زنيت بك، حُدت للزنا وللقذف، إلا أن ترجع عن الزنا فتحد للقذف فقط، ولا يحد الرجل، لأنها صدّقته. ومن قال لرجل: يا فاجر، [أو] يا فاسق، أو قال [له] : يا ابن الفاجرة أو يا ابن الفاسقة، فعليه في ذلك النكال. وإن قال له: يا خبيث، حلف ما أراد [بذلك] القذف ونكل، فإن لم يحلف، لم يحد ونكل. ولو قال له: يا ابن الخبيثة، حلف أنه ما أراد قذفاً، فإن لم يحلف سجن حتى يحلف، فإن طال سجنه نكل، والنكال على قدر ما يراه الإمام. وحالات الناس في ذلك مختلفة، فالمعروف بالأذى يبالغ في عقوبته. وأما ذو الفضل والمروءة تقع منه الفلتة، فليعاقب بالشتم الفاحش عقوبة مثله، وإن كان شيئاً خفيفاً، فليتجاف عنه.

4098 - ومن قال لرجل: يا شارب الخمر، أو: يا خائن، أو: يا آكل الربا، أو: يا حمار، أو: يا ابن الحمار، أو: يا ثور، أو: يا خنزير، فعليه النكال. (¬1) وإن قال له: يا فاجر بفلانة، ضرب ثمانين، إلا أن يأتي ببينة على أمر صنعه بها من وجوه الفجور، أو يدعي أمراً له فيه مخرج، مثل أن يجحدها مالاً، فيقول: لم تفجر بي وحدي، قد فجرت بفلانة قبلي، للأمر الذي كان بينهما، فليحلف أنه ما أراد إلا ذلك ويصدق. 4099 - ومن قال لرجل: جامعت فلانة حراماً، أو باضعتها حراماً، أو وطئتها حراماً، ثم قال: لم أرد قذفاً، [و] أردت أنك تزوجتها تزويجاً حراماً، أو حكى ذلك عن نفسه فطالبته المرأة، فقال: لم أرد قذفاً وأردت أني [كنت] قد وطئتك بنكاح فاسد، فإنه يحد، إلا أن يقيم في الوجهين بينة أنه تقدم [له] فيها نكاح فاسد منه، أو من الرجل المقذوف، أو تزوجها في عدتها تزويجاً حراماً، ويحلف أنه ما أراد إلا ذلك، فيدرأ عنه الحد. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/223) ، ومواهب الجليل (6/303) ، والشرح الكبير (4/330) .

وكذلك قوله لرجل: كنت وطئت أمك، وقال: أردت بنكاح، فإن أتى ببينة أنه تزوجها لم يحد، وإلا حد. 4100 - ومن قال لرجل: ما أنا بزان، أو قال: قد أخبرت أنك زان، حُد، لأن في التعريض الحد كاملاً. وإن قال: أشهدني فلان أنك زان، حُد، إلا أن يقيم بينة على قول فلان. وكذلك إن قال له: يقول لك فلان: يا زان، قال ذلك كله عند الإمام أو عند غيره. 4101 - وإن قال رجل حر لعبد: يا زان، فقال له العبد: لا، بل أنت، نكل الحر وجُلد العبد حد الفرية أربعين. ومن قال لرجل: زنى فرجك، أو يدك، أو رجلك، فعليه الحد. 4102 - ومن قال لرجل مسلم: لست لأبيك، وأبوه نصراني وأمه نصرانية، أو كان أبوه عبداً مسلماً، فإنه يحد لأنه نفاه.

وكذلك إن قال له: لست ابن فلان لجده، وجده كافر. أو قال لرجل من ولد عمر بن الخطاب: لست ابن الخطاب، فإنه يحد، لأنه قطع نسبه. وإن قال له: ليس أبوك الكافر ابن أبيه، لم يحد، حتى يقول للمسلم: لست من ولد فلان. [وكذلك] لو قال لكافر: لست لأبيك، أو ليس أبوك فلاناً، أو يا ولد زنا، أو يا ابن الزانية، فلا يحد وإن كان للمقذوف ولد مسلم. وإن قال لرجل: لست ابن فلان لجده، وقال: أردت أنك لست ابنه لصلبه، لأن دونه لك أب، لم يصدق وعليه الحد، كان جده مسلماً أو كافراً. وإن قال له: أنت ابن فلان، نسبه إلى جده في مشاتمة أو غيرها، لم يحد. وكذلك إن نسبه إلى جده لأمه، لم يحد، لأنه كالأب يحرم عليه ما نكح. ولو نسبه إلى عمه، أو خاله، أو إلى زوج أمه، لحد. وكذلك إن نسبه إلى غير أبيه في سباب أو في غير سباب، فعليه الحد. ومن قال لعربي: لست من بني فلان، لقبيلته التي هو منها، حُد، وإن كان مولى لم يحد بعد أن يحلف أنه لم يرد نفياً، لأنه من عرض بقطع نسب رجل، كمن عرض بالحد.

وكذلك إن قال لعربي: يا نبطي، فعليه الحد، وإن قال [ذلك] لرجل من الموالي، حلف أنه لم يرد نفياً، ونكل، وإن لم يحلف، لم يحد ونكل. (¬1) وإن قال لرجل من الموالي: لست من موالي بني فلان، وهو منهم، ضرب الحد، لأنه قطع نسبه. وكذلك إن قال له: لست من الموالي، وله أب معتق، أو قال له: لست من موالي فلان، وفلان قد أعتق أباه أو جده، فإنه يحد. وإن قال: لست مولى فلان، وفلان قد أعتقه نفسه، لم يحد، لأنه لم ينفه من نسب. ومن قال لرجل: لست ابن فلان، وأمه أم ولد، ضُرب الحد، [لأنه قطع نسبه] . 4103 - ومن قال لعبده وأبواه حران [مسلمان] : لست لأبيك، ضرب سيده ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (6/227) ، والأنباط: جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين، وهم ليسوا من العرب، اللسان (14/22) .

الحد. وكذلك إن قال له: يا ابن الزانية، أو يا ابن الزاني، فإن كان أبوا العبد قد ماتا ولا وارث لهما، أو لهما وارث، فإن للعبد أن يحد سيده في ذلك. وإن قال [لعبده] : لست لأبيك، وأبوه مسلم وأمه كافرة أو أمة، فقد وقف فيها مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يحد، لأنه حمل أباه على غير أمه. 4104 - ومن قال: إن فلاناً الميت ليس لأبيه، فلأب الميت القيام بالحد، لما نفاه من نسب ولده. ومن قال لعربي: لست من العرب، أو قال [له] : يا حبشي، أو: يا فارسي، أو يا رومي، أو: يا بربري، فعليه الحد. وإن قال للفارسي: يا رومي، أو يا حبشي، أو [لبربري: يا فارسي، أو: يا حبشي، أو نحو هذا، لم يحد] . وقد اختلف عن مالك - رحمه الله - في الذي يقول لبربري أو لرومي:

يا حبشي، أن عليه الحد أو لا حد عليه، وأنا أرى أن لا حد عليه حتى يقول له: يا ابن الأسود، فإن لم يكن في آبائه أسود، فعليه الحد. وأما إن نسبه إلى جنس فقال له: يا ابن الحبشي، وهو بربري، فالحبشي والرومي في هذا سواء إذا كان بربرياً. وإن قال لفارسي أو بربري: يا عربي، فلا حد عليه. وإن قال لعربي: يا قرشي، أو لمصري: يا يماني، أو ليماني: يا مصري، أو لقيسي: يا كلبي، أو لرجل من كلب: يا تميمي، فعليه الحد، لأن العرب

تنسب إلى آبائها [وهذا] نفي لها من آبائها. (¬1) وإن قال لقرشي: يا عربي، فلا يحد، لأن كل قبيلة من العرب يجمعها هذا الاسم. 4105 - ومن قذف ولده، أو ولد ولده، أو ولد ابنته، فقد استثقل مالك أن يحد لولده، وقال: ليس ذلك من البر. قال ابن القاسم: وأنا أرى إن قام على حقه أن يحد له. ويجوز في ذلك عفوه عند الإمام، وكذلك ولد الولد. ولا يقاد من أب أو جد، في نفس أو جارحة، وتُغلظ عليهما الدية، إلا في العمد البين، مثل أن يضجعه فيذبحه أو يشق جوفه. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/227) .

وإن قال له [أبوه] : يا ابن الزانية، فله القيام بحد أمه إن ماتت، وإن كانت حية فلا قيام له بذلك إلا أن توكله. ومن قال لبنيه: ليسوا بولدي، فقام عليه أخوتهم لأمهم من رجل غيره، فطلبوا حد أمهم وقد ماتت، فإن حلف أنه لم يرد قذفاً وأنه أراد في قلة طاعتهم له، لم يحد، وإن نكل، حد، ولو كانت الأم حية كان لها القيام دون بنيها. 4106 - ومن قذف رجلاً بين يدي القاضي وليس معه غيره، فلا يقيم عليه الحد، وإن شهد معه [غيره] ، فلا يحده هو أيضاً، وليرفع ذلك إلى من هو فوقه [فيقيم الحد] ، وكذلك إن رأى رجلاً اغتصب من رجل مالاً ولم يره غيره، فلا يحكم به، وليرفع ذلك إلى من فوقه ويكون هو شاهداً. وهذا المعنى مستوعب في كتاب الأقضية. 4106 - ومن قال لرجل: يا ابن الزانيين، فإنما عليه حد واحد. ومن قال لرجل: لست ابن فلانة، لأنه، لم يحد. ومن قال لامرأته في ولدها منه: إنك لم تلديه، وقالت هي: بل قد ولدته، فإن

كان مقراً به قبل ذلك، فهو ولده ولا يلاعن فيه، [وليس] بقاذف، وإن كان لم يقرّ [به] قط، ولم يعلم بالحمل، فالولد ولده، إلا أن ينفيه [بلعان] ، لأن من أقر بالوطء فالولد ولده، فإن نفاه التعن، وإن نكل عن اللعان، لزمه الولد ولم يحد، وكان كمن قال لرجل: لست لأمك. 4107 - ومن أقر بوطء أمته ثم أتت بولد، فقال لها: لم تلديه، ولم يدع استبراء، وقالت الأمة: بل [قد] ولدته منك، فهي مصدقة والولد لاحق به. 4108 - وإذا نظرت امرأة إلى رجل فقالت: ابني، ومثله يولد لمثلها، فصدقها، لم يثبت نسبه منها، إذ ليس ههنا أب يلحق به. 4109 - ومن قال لرجل: يا ابن الأقطع، أو المقعد، أو الأعمى، أو الأحمر، أو الأزرق، أو الأصهب، أو الآدم، فإن لم يكن أحد من آبائه كذلك، جُلد الحد، وإن قال له: يا ابن الأسود، رب الحد، عربياً كان أو مولى، إلا أن يكون من آبائه أسود. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/302) ، ومواهب الجليل (6/303) .

4110 - وإن قال له: يا ابن الحجام، أو: يا ابن الخياط، فإن كان من العرب ضُرب الحد، إلا أن يكون من آبائه أحد يعمل ذلك [العمل] ، وإن كان من الموالي رأيت أن يحلف بالله ما أراد قطع نسبه، ولا يحد وعليه التعزير، لأن ذلك [من] أعمال الموالي. وسُئل مالك - رحمه الله - عمن قال لرجل: يا ابن المطوق، يعني: الراية [التي] تُجعل في الأعناق وهو مولى فقال: لا يُحد، وكأني رأيته أن لو كان عربياً لجعل عليه الحد. 4111 - ومن قال لرجل أبيض: يا حبشي، فإن كان من العرب حُد، وإن كان من غير

العرب ودعاه بغير جنسه من البيض كلهم، فلا حدّ عليه، وإن قال له: يا بربري، وهو حبشي لم يُحد. ومن قال لرجل: يا أعور يا مقعد - وهو صحيح - على وجه المشاتمة، فإنما عليه الأدب، ومن آذى مسلماً أُدّب. ومن قال لعربي: يا مولى، أو: يا عبد، فعليه الحد، وإن قال لمولى: يا عبد، لم يحد. 4112 - ومن قال لرجل: يا أبي، أو يا ابني، فلا شيء عليه. وإن قال له: يا يهودي، أو يا نصراني، أو يا مجوسي، ونحوه، نُكل، ولم يحد مالك في النكال حداً، وإن قال له: يا ابن اليهودي، أو يا ابن المجوسي، أو: [يا] ابن عابد وثنٍ، حد، إلا أن يكون أحد من آبائه كذلك فينكل. (¬1) 4113 - ومن قال: جامعت فلانة بين فخذيها، أو في أعكانها، فعليه الحد. قال مالك - رحمه الله: ولا يجب الحد إلا في قذف، [أو نفي،] أو تعريض يُرى أنه أريد به القذف، ولا تعريض أشد من هذا، وإن قال: فعلت بفلانة في دبرها، فلها أن تطلبه بحدها، فإن ثبت على إقراره، حُد حد الزنا. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/233) ، ومواهب الجليل (6/302) .

4114 - ومن قذف رجلاً، ثم ارتد المقذوف، أو قذفه وهو مرتد، لم يحد قاذفه، ولو رجع إلى الإسلام لم يحد له، كمن قذف رجلاً بالزنا فلم يحد له حتى زنا المقذوف، فلا يحد قاذفه. ومن قذف رجلاً ثم ارتد القاذف، أو قذف وهو مرتد، فإنه يحد، أقام على ردته أو رجع إلى الإسلام. 4115 - ومن قذف ملاعنة التعنت بولد أو بغير ولد، حُد، ومن قال لولد الملاعنة: لست لأبيك، فإن كان في مشاتمة حُد، وإن كان على وجه الخبر، لم يحد. 4116 - ومن وطئ جارية عنده رهناً، أو عارية، أو وديعة، أو بإجارة، فعليه الحد. والله الموفق. * * *

(كتاب الأشربة)

(كتاب الأشربة) (¬1) 4117 - قال: وما أسكر كثيره من الأشربة، فقليله حرام. ومن شرب خمراً، أو نبيذاً مسكراً، قليلاً أو كثيراً، سكر منه أم لا، فعليه الحد ثمانون جلدة، وكذلك إن شهدت عليه بينة أن به رائحة مسكر، جلد الحد، كان أصله نبيذ زبيب، أو عصير عنب أو تمر أو تين أو حنطة أو غير ذلك، وكذلك الأُسْكُرْكُة إذا أسكرت، لأنها عنده خمراً إذا كانت تسكر، وعصير العنب ونقيع الزبيب وجميع الأشربة، شربها حلال ما لم تسكر، فإذا أسكرت فهي خمر. ¬

(¬1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (524) ، والتقييد للزرويلي (6/306) ، ومنح الجليل (9/463) .

ولا أَحُدّ في مقام الانتباذ قدراً من توقيت أو غليان، والسكر علة التحريم ولا ينظر إلى الغليان. قال مالك - رحمه الله -: وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره، ولا أرى ذلك، ولكن إذا طبخ حتى لا يسكر كثيره، حل، وإن أسكر كثيره، حرم قليله، ولا يجعل درديّ المسكر وعكره في شراب يضران به، ولا في شيء من الأشربة أو الأطعمة. وأرخص مالك أن يُجعل في النبيذ عجين، أو سويق، أو دقيق، ليعجله أو ليشتد به قليلاً، ثم نهى عنه، وقال: بالمغرب تراب يجعلونه في العسل فأنا أكرهه، وهذه أشياء يريدون بها إجازة الحرام. قال ابن القاسم: ولا أرى به بأساً ما لم يسكر، ولا يعجبني أن ينبذ البسر المذنب الذي قد أرطب بعضه، حتى يكون بسراً كله أو رطباً كله.

4118 - ولا يجوز أن ينبذ تمر مع زبيب، ولا بسر أو زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير أو شيء من ذلك مع تين أو عسل، لأن النبي ÷ نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً، أو الزهة والتمر جميعاً. (¬1) قال مالك - رحمه الله -: وإن نبذ كل واحد مما ذكرنا على حدة، لم ينبغ أن يخلطا عند الشراب. وما حلا من النبيذ، فلا يجوز فيه الخليطان، لنهي النبي ÷ الذي جاء. ¬

(¬1) رواه أبو داود (3703) ، والترمذي (1876) ، ومالك (2/844) ، ومسلم (1991) ، (3/1576) ، والبخاري (5/2120، 2121، 2126) ، والنسائي (8/288، 290) .

وإذا خلط العسل بنبيذ لم يصلح أن يشربه، ويجوز أن يخلط نبيذه بالماء ويشربه، لأن الماء لا ينتبذ، وإنما يكره أن يخلطه بشيء يكون منه نبيذ. ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ، لأن الخبز ليس بشراب. قيل: فهل ينقع في نبيذه الخبز ويدعه يوماً أو يومين ثم يشربه قبل أن يسكر؟ قال: هذا مثل ما أعلمتك من الجذيذة وشبه ذلك أن مالكاً كرهه في قوله الآخر. ولا ينتبذ في الدباء والمزفت. قيل: أليس نهى النبي ÷ عن الظروف ثم وسع فيها؟ قال: قال مالك - رحمه الله -: قد ثبت نهي النبي عليه السلام عن الدباء.

والمزفت (¬1) ، فلا ينبذ فيهما، ولا أكره غير ذلك من الفخار أو غيره من الظروف وأكره مزفت الدباء وغير مزفته، وأكره كل ظرف مزفت كان فخاراً أو دباء أو غيرهما، والزفت شيء يعرفه الناس يزفتون به قلالهم وظروفهم. 4119 - قال مالك - رحمه الله -: إذا ملك المسلم خمراً فليهرقها، فإن اجترأ فخللها فصارت خلاً أكلها وبئس ما صنع. * * * ¬

(¬1) رواه مسلم (1992) ، ومالك في الموطأ (2/443) .

وسئل مالك - رحمه الله - عن الخمر يجعل فيها الحيتان فيصير مرياً، فقال: لا أرى أكله، وكرهه.

(كتاب جنايات العبد)

(كتاب جنايات العبد) 4120 - قال ابن القاسم: ولو أن عبداً قتل رجلاً له وليان، فعفا أحدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه ورضي بذلك السيد، فإن دفع السيد إلى أخيه نصف الدية، تم فعله، وإن أبى خُيّر العافي بين أن يكون العبد بينهما أو يرده، فإذا رده فلهما القتل أو العفو، فإن عفوا عنه خُيّر السيد بين إسلامه أو فدائه منهما بالدية. وقد قال أيضاً: إن للأخ الدخول مع أخيه في العبد، فيكون بينهما لشركتهما في الدم، وكذلك إن عفا أحدهما على أن دفع إليه السيد [العبد] القاتل وزاده عبداً آخر، فإن السيد إن دفع إلى الذي لم يعف نصف الدية، تم ما صنع وإن أبى: قيل للعافي:

ادفع إلى أخيك نصف القاتل وحده فيتم فعلك، فإن أبى، رد العبدين وقتلا القاتل إن أحبا. وقد قيل: إن الولي يدخل مع أخيه في العبدين، لأنه ثمن للدم الذي بينهما. (¬1) 4121 - ومن أعتق عبده بعد علمه أنه قد قتل قتيلاً خطأ، سئل سيده، فإن أراد حمل الجناية فذلك له، وإن قال: ظننت أنها تلزم ذمته ويكون حراً يتبع بها، حلف على ذلك ورد عتقه، وكذلك لو جرح الحر جرحاً، [و] حلف السيد [ما أراد حمل الجناية بعتقه] ، فإن كان للعبد مال مثل الجناية، أو وجد معيناً على أدائها مضى عتقه، وإلا بيع منه بقدرها وعتق ما فضل، فإن كان لا فضل فيه، أسلم رقاً لأهل الجناية، وإن باعه بعد علمه أنه قد جنى، حلف ما أراد حملها، ثم إن دفع الأرش لأهل الجناية، وإلا كان لهم إجازة البيع وقبض الثمن، ولهم فسخه وأخذ العبد. قال غيره: إلا أن يشاء المبتاع دفع الأرش إليهم، فذلك له، ويرجع على البائع بالأقل مما افتكه به أو الثمن. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/328، 336) .

قال ابن القاسم: ولو افتكه البائع فللمبتاع رده بهذا العيب، إلا أن يكون البائع بيّنه له، فيلزمه البيع. قال غيره: هذا في العمد، وأما في الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب. 4122 - وإذا قتل عبد رجلاً له وليان، فعفا أحدهما، ثم قال: عفوت ليكون لي نصف العبد، لم يصدق إلا أن يأتي بدليل، فإن جاء به كان العبد بين الوليين إلا أن يفديه سيده بجميع الدية، وله فداء نصفه بنصفها من أحدهما، وإسلام نصفه إلى الآخر. 4123 - ومن عفا عن عبد قتله عمداً، جاز عفوه وبقي العبد لسيده، إلا أن يعفو على أن يسترقه، فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه، وإن كان خطأ فكانت قيمته قدر ثلث تركة القتيل، جاز عفوه، وإلا جاز منه قدر الثلث. قال سحنون: وقد قيل: إنما يكون في الثلث الأقل من قيمة العبد أو الدية. ومن جنى عبده جناية، فقال: أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه، فليس له ذلك

إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون، أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليومين ونحوهما، وإلا فداه أو أسلمه، فإن باعه ودفع [إلى] المجني عليه دية الجرح، جاز بيعه وإلا لم يجز. 4124 - وإذا ولدت الأمة بعد أن جنت، لم يسلم ولدها معها، إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه، وقد زايلها الولد قبله، ولكن تسلم بمالها، وهو قول أشهب في الولد والمال. 4125 - وإذا جنى عبد مأذون له وعليه دين من تجارة، ثم أسره العدو، فابتاعه رجل من العدو فلم يفده سيده بالثمن، فليس لأهل الجناية أخذه إلا بدفع الثمن الذي صار به لمبتاعه، إذ لو أسلمه سيده أولاً بالجناية، لم يكن [لمن صار] له أخذه إلا بدفع الثمن، وأما الدين فباق في ذمته، وإنما يسقط عن العبد وعمن يصير له ما كان قبل أن يؤسر العبد في رقبته.

4126 - وإذا جنى عبد فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات على قوم، فإن سيده بالخيار، إما فداه بدياتهم أجمع، وإلا أسلمه إليهم فتحاصوا فيه بقدر مبلغ جناية كل واحد منهم، ولو فداه ثم جنى، فعليه أن يفديه ثانية أو يسلمه. 4127 - ومن أعتق نصف عبده، ثم جنى قبل القضاء [عليه] بعتق بقيته، لم يكن كالحر، إذ لو مات السيد أو لحقه دين قبل الحكم، رق باقيه، ولكن يلزم السيد الأقل من نصف قيمته، أو من نصف الأرش للمجني عليه ويعتق جميعه، لأنه لو أسلمه لقَوَّمْته عليه أيضاً إن كان موسراً وعتق، ويكون نصف الأرش الباقي في ذمة العبد بكل حال، ولو مات السيد قبل القيام، كان نصف الأرش في ذمة العبد، ويخير الورثة في النصف الرقيق بين إسلامه رقاً، وبين أن يفدوه ويكون لهم رقاً. ولو أعتق المليء شقصاً له من عبد بينه وبين رجل، ثم جنى العبد قبل التقويم خير المتمسك بين أن يفدي شقصه منه ثم يقومه على المعتق، أو يسلمه فيقومه المسلم إليه على المعتق بقيمته يوم الحكم معيباً، ويتبع العبد لا العاقلة بنصف الجناية وإن جاوزت ثلث الدية، لأن العاقلة لا تحمل عن عبد. (¬1) ومن أعتق حصته من عبد، ثم وهب المتمسك منه حصته لرجل بعد العتق، ¬

(¬1) انظر: الكافي (1/504، 505) ، والتمهيد (14/277، 278) ، والتاج والإكليل (6/338) .

جاز ذلك، وكان التقويم للموهوب له، بخلاف البيع، لأنه في البيع باع نصفه بعين أو عرض، على أن يأخذ المبتاع قيمته مجهولة، فذلك غرر، ولا غرر في الهبة. وإذا جنى المعتق بعضه أو جُني عليه، فلسيده أو عليه بقدر ملكه منه، وللعبد بقدر ما عتق منه، وتبقى حصة العبد فيما يأخذ من أرش بيده. وكان مالك يقول: يأخذ الأرش كله من له فيه الرق، ثم قال: هو بينهما. 4128 - ومن أوصى، فقال: عبدي حر بعد موتي بشهر، فمات السيد والثلث لا يحمله، قيل للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فأعتقوا منه الثلث بتلاً، فإن أجازوا [الوصية] خدمهم تمام الشهر ثم خرج كله حراً، فإن جنى قبل مضي الشهر، قيل للورثة: افدوا خدمته أو أسلموها، فإن أسلموها خدم العبد في الجناية، فإذا أتم الشهر، عتق واتبع ببقية الأرش في ذمته، وإن افتكه الورثة خدمهم بقية الشهر، ثم عُتق ولم يتبع بشيء، وإن لم يجيزوا الوصية، عتق من العبد محمل الثلث، ثم إن جنى أتبع بما يقع منه ويخير الورثة في إسلام ما رق منه أو فدائه. ولو جنى قبل أن يجيز الورثة في ضيق الثلث، خُيّروا بين أن يفدوه ويخدمهم إلى

الأجل ويعتق ولا يتبع بشيء، فيكونوا قد أجازوا الوصية، وإن أبوا عتق منه بتلاً ما حمل الثلث وأتبع من الأرش بحصة ذلك، وخُيّروا في فداء ما رق منه أو إسلامه. 4129 - وإذا جنى موصىً بعتقه قبل موت السيد، كان للسيد أن يدفعه أو يفتديه، فإن فداه كان على الوصية إذا لم يغيرها قبل موته، فإن أسلمه بطلت الوصية، إذ له أن يغيرها، وإن لم يقم ولي الجناية حتى مات السيد، فالعبد رهن بالجناية إن أسلمه الورثة للمجني عليه، وإن افتكوه عتق في ثلث سيده. 4130 - ومن بتل في مرضه عتق عبده، ثم جنى العبد، فإن كان يوم بتله له مال مأمون من ربع وعقار، كان كالحر في جنايته، والجناية عليه يقتص في العمد ويتبع العاقلة في الخطأ، وإن كان المال كثيراً وليس بمأمون، أوقف إلى موته، فكان كالمدبر إن حمله الثلث أتبع بالجناية أو بحصة ما حمل منه، وخُيّر الورثة فيما رق. وكذلك إن أوصى بعتقه، فجنى بعد موت السيد، وقبل أن يقوم في الثلث، فإن حمله الثلث عتق وأتبع بالجناية ديناً عليه، كالمدبر، لنه في حدوده وحرمته كالعبد ما لم يقوم في الثلث وإن كان الثلث يحمله، إلا أن تكون أموال السيد مأمونة فيكون في جنايته، والجناية عليه كالحر. قال سحنون: وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون.

ولو بتله في المرض ولا مال له، أو له مال غير مأمون، فجنى العبد جناية فلم ينظر فيها حتى أفاد السيد في مرضه مالاً مأموناً، فإني أبتل عتق العبد ويتبع بالجناية في الذمة، ولا تحملها العاقلة، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل [العاقلةٍ] جريرته، والعاقلة لا تحمل جريرته حتى يحمل هو معها ما لزمها من الجرائر. 4131 - ولو جني عليه في مرض السيد أو قتل، فعقله عقل عبد، إذ لا تتم حرمته حتى تكون أموال السيد مأمونة، والذي قال مالك في المال المأمون: إنه الدور والأرضون والنخل. وإن بتله في المرض ثم جنى جناية، ثم مات السيد ولا مال له غيره، عتق ثلثه واتبع بثلث الأرش، وخير الورثة في فداء مارق منه أو إسلامه، وهذا كالمدبر سواء، وإن صح السيد، عتق العبد وأتبع بالجناية. وإذا أوقف المبتل لم يقل لسيده: أسلمه أو افده، كما يخير في المدبر، لأن هذا لا خدمة له فيه ولا رق، وله في المدبر الخدمة إلى الموت.

قال سحنون: وعلى هذا ثبت بعد أن قال غيره: وهو أصل قولهم وأحسنه، وكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا، فأصلحه على هذا. وإذا وقف المبتل في المرض أوقف ماله معه، وإن جنى لم يسلم معه في جنايته، لأنه قد يعتق بعضه إذا مات سيده، ولا مال له غيره، وليس للورثة إن افتكوا ما رق منه أن يأخذوا ماله، وإن أسلموه فلا يأخذ المجني عليه شيئاً ويكون المال موقوفاً معه، لأن من دخلت فيه شعبة من الحرية، وقف ماله معه، ولم يكن للذي له بقية الرق أن يأخذ من ماله شيئاً. قال سحنون: هذه المسألة أصل مذهبهم، فلا تعدها إلى غيرها. 4132 - وكل عبد بين رجلين، فليس لأحدهما أن يأخذ من ماله قدر نصيبه، إلا أن يجتمعا على أخذ ماله، وإن أذن أحدهما لصاحبه في أخذ حصته من المال، وترك هو نصيبه في يد العبد، جاز، لأنه إن كانت هبة منه أو مقاسمة، فهي جائزة، ثم إن

باعها العبد بعد ذلك فاشترط المبتاع ماله فالثمن بينهما نصفين، لأن ماله ملغى، ولا حصة له من الثمن. ومن بتل في مرضه عتق عبده، وماله غير مأمون، وللعبد مال، فهو كمن لا مال له. 4133 - ومن قال: اعتقوا عبدي فلاناً بعد موتي، فجنى العبد بعد موته [قبل أن يعتقوه] ، فهو كالمدبر يجني بعد موت سيده، فإن حمله الثلث عتق وكانت جنايته في ذمته، وإن لم يحمله، قيل للورثة: ادفعوا ما بقي لكم من العبد بما بقي من الجناية أو افدوه بأرش ما بقي من الجناية، وإن أوصى أن يشتري عبد بعينه فيعتق، فاشتروه ثم جنى [العبد] قبل العتق، كان كالموصى بعتقه [بعينه] يجني بعد الموت، فإنه يعتق ويتبع بالجناية في ذمته، بخلاف عبد ليس بعينه، لأن لهم إذا اشتروه أن لا يعتقوه، ويستبدلوا به غيره إذا كان ذلك خيراً للميت. 4134 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين معلومة أو حياة الرجل، فجنى العبد، خَيّر مالك رقبته، فإن فداه بقي في خدمته، وإن أسلمه خير المخدم [بين أن يفديه أو يسلمه للمجني عليه] ، فإن فداه خدمه، فإذا تمت خدمته فإن دفع إليه السيد ما فداه به

أخذه، وإلا أسلمه للمخدم رقاً، وأما الموصى بخدمته لرجل سنة وبرقبته لآخر، والثلث يحمله إذا جنى، فإن صاحب الخدمة يبدأ، فإن فداه، خدمه ثم أسلمه بعد الأجل للموصى له بالرقبة، ولا يتبع بشيء مما أدى، وإن أسلمه خير صاحب الرقبة فإن فداه أخذه وسقطت الخدمة. قال سحنون: اختلف قوله في هذا الأصل، وأحسن ما قال هو وغيره: إن من أخدم عبده رجلاً سنين، أو أوصى بذلك ثم برقبته لآخر، والثلث يحمل الموصى بذلك فيه، ثم جنى، أن يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير، فإن فداه خدمه بقية الأجل، ثم لم يكن لصاحب الرقبة سبيل إليه حتى يعطيه ما افتكه به، وإلا كان للذي فداه رقاً، وإن أسلمه سقط عنه، وقيل لصاحب الرقبة: أسلم أو افتد، فإن أسلمه استرقه المجني عليه، وإن فداه صار له وبطلت الخدمة. 4135 - وإذا أوصى بخدمته لرجل سنين، وأوصى مع ذلك برقبته لآخر والثلث يحمله، فقتله رجل أو قطع يده في الخدمة، كان ما يجب في ذلك لمن له مرجع الرقبة، قاله مالك، واختلف فيه أصحابه، وهذا أصل مذهبهم.

وإن جنى المعتق إلى أجل، خُيّر سيده، فإما فدا الخدمة أو أسلمها، فإن فداها عتق العبد للأجل ولم يتبعه بشيء، وإن أسلمها خدم العبد في الجناية، فإن أوفاها قبل الأجل رجع إلى سيده، وإن حل الأجل ولم تتم عتق وأتبع ببقية الأرش. 4136 - قال مالك - رحمه الله -: وإذا جنى المدبر وله مال، دفع ماله لأهل الجناية، فإن لم يكن فيه وفاء، قيل لسيده: أسلم خدمته، أو افدها بباقي الجناية. وإن جنى المدبر على جماعة فأسلم إليهم، تحاصوا في خدمته، ولو جرح واحداً فأسلم إليه خدمته ثم جرح آخر، تحاص مع الأول في الخدمة، هذا بجنايته والأول بما بقي له. قال ابن وهب وابن نافع عن مالك وعبد العزيز: إذا جنى المدبر خير سيده بين أنه يفدي خدمته بما جنى، أو يسلم خدمته فيختدمه المجني عليه فيما يجب له، فإن تم قصاصها وسيده حي، رجع إليه مدبراً. وإن مات السيد فعتق في ثلثه، كان بما

بقي من جنايته ديناً عليه، قالا: فإن أدركه دين [يرقه] إذا مات سيده، والدين والجناية يغترقانه، فالمجني عليه أحق برقبته، إلا أن يفديه أهل الدين ببقية الجناية، وإن كانا لا يغترقانه، بيع منه للجناية وللدين، ثم عتق منه ثلث ما بقي. 4137 - قال ابن القاسم: إذا جنى المدبر في حياة سيده، وعلى سيده دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترقه، فأهل الجناية أحق بخدمته، إلا أن يدفع إليهم الغرماء الأرش فيأخذوه ويؤاجروه حتى يستوفوا دينهم، فإن لم يأخذه الغرماء وأسلم للمجني عليه يختدمه، ثم مات السيد وعليه دين، وفي رقبة المدبر كفاف للدين [والجناية] وفضلة، بيع منه لذلك، وبدئ بالبيع للجناية ثم للدين، ثم عتق ثلث ما بقي، وإن كان لا فضل في قيمته عنهما أو قيمته أقل منها، قيل للغرماء: أهل الجناية أحق به منكم إلا أن تزيدوا على قيمة الجناية فيأخذوه، ويحط عن الميت بقدر الذي زدتم، فذلك لكم. (¬1) وإن جنى المدبر، وله مال وعليه دين، فغرماؤه أحق بماله، فإن لم يكن له مال، كان دينه في ذمته والجناية في خدمته، وإذا جنى العبد وعليه دين، كان دينه أولى بماله، وجنايته أولى برقبته، ويقال للسيد: ادفع أو افتد. وإذا مات سيد المدبر وعليه دين يغترق قيمة المدبر، وعلى المدبر دين، فليبع في دين سيده، ويكون دينه في ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/238) .

ذمته يتبع به، أو في ماله إن كان له مال، ولغرماء السيد أن يؤاجروا المدبر في دينهم إن أعدم السيد. وفي كتاب المدبر طرف من هذا. وإذا جنى العبد على سيده، فلا شيء عليه، وأما المدبر يجني على سيده، فإن عبد الحكم بن أعين أخبرني عن مالك، أنه قال: يختدمه السيد بالجناية، فإن مات السيد ولم يتمها عتق في ثلثه وأتبع ببقية الجناية، وإن عتق بعضه في الثلث أتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها وسقط ما بقي. قال غيره: لا يختدمه السيد بجنايته، إذ له عظم رقبته، و [إذ] لو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه ولا اختدمه فيه، ولو أسلمه لأتبعه [المجروح] بما بقي إن عتق في الثلث.

قال ابن القاسم: وإن جنى المدبر على سيده وعلى أجنبي، اختدماه بقدر جنايتهما. قال سحنون: وهذا مثل الأول. ولو أن مدبراً ورجلاً حراً، قتلا قتيلاً خطأ، كانت نصف ديته على عاقلة الرجل، ونصف الدية في خدمة المدبر. 4138 - وإذا قتل المدبر رجلاً عمداً، فعفا أولياؤه على أخذ خدمته، فذلك لهم، إلا أن يفديها السيد بجميع الدية، وليس لهم العفو على رقه وإن رضي السيد. وإذا جنى المدبر ثم أعتقه سيده، فإن أراد حمل الجناية لزمه، وإلا حلف ما أراد حملها، ثم ردت خدمته، وخير بين أن يسلمه أو يفتديه مدبراً، فإن أسلمه وكان للمدبر مال، أديت منه الجناية وعُتق، [فإن لم يكن في ماله وفاء للجناية، أُخذ منه وخدم المجروح بما بقي له وعتق] ، وإن لم يكن له مال أخدمته المجروح، فإن استوفي عَقْل جُرحه والسيد حي، خرج المدبر حراً. 4139 - وإن مات السيد قبل وفاء ذلك، وكان المدبر يحمله الثلث، عتق وأتبع ببقية الجناية، وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه وأتبع ببقية الأرش، ورق باقيه للمجروح

إن كان قيمة [ذلك] مثل ما قابله من بقية الأرش، ولا خيار فيه للورثة، لأن صاحبهم قد تبرأ منه لما أسلمه. (¬1) وإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية، عتق وكانت الجناية على السيد، فإن لم يكن له مال، رد عتقه وأسلم إلى المجروح يختدمه، فإن أدى في حياة سيده، عتق ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه. وإن لم يوفها حتى مات السيد وقد استحدث بعد عتقه ديناً يغترق المدبر، لم ينظر إلى ذلك وعتق ثلثه، وأتبع [بثلث] بقية الأرش، ثم إن كان له معين في فداء ثلثيه بثلثي باقي الخدمة، عتق، وإلا رق ثلثاه لأهل الجناية، إلا أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية، فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي [باقي] الجناية ويعتق ما بقي، ولو كان للسيد مال يخرج من ثلثه، عتق وأتبع بباقي الجناية، وإن كان دين السيد قبل العتق وقبل الجناية، كان كمدبر لم يجعل له عتق سواء. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (3/377) ، والفواكه الدواني (2/141) .

4140 - ولو أن عبداً بين رجلين، دبر أحدهما نصيبه، فرضي شريكه وتماسك هو بنصيبه، جاز ذلك، فإن جنى خيّر من دبر في إسلام [خدمة] نصف العبد، أو دفع نصف الجناية، وخير المتمسك في إسلام نصف الرقبة، أو دفع نصف الجناية، وما جنى العبد أو استهلك من الأموال، فهو في رقبته. وأما المدبر يجني أو يستهلك مالاً، فذلك سواء، وهو في خدمته إلا أن يكون للمدبر مال، فيدفع في جنايته، فإن كان فيه وفاء بالجناية رجع إلى سيده، وإن كان لم يف بذلك أو لم يكن معه شيء، خُيّر سيده، فإما فدى خدمته بجميع ما جنى أو استهلك أو بما عجز عنه ماله من ذلك، أو يدفع إليهم خدمته، فيتحاصون فيها، فإن مات السيد والثلث يحمله، عتق وأتبعوه بما بقي لهم، وإن لم يترك غيره عتق ثلثه وأتبعوه بثلث ما بقي لهم، وخُير الورثة في فداء ما رق منه، أو إسلامه. وما جنى على المدبر فعقله لسيده وليس كماله، ومهر المدبرة كمالها، وهي أحق به بعد موت السيد من ورثته، إذ به استحلت. 4141 - وإذا جنى مدبر الذمي - والمدبر ذمي - خير بين إسلامه عبداً، إذ لا أمنعه بيعه،

كما لو أعتق عبده فلم يخرج من يده، كان له بيعه، وإن فدى المدبر، بقي على تدبيره. ولو أسلم مدبره ثم جنى، خير في إسلام خدمته، أو فدائها، فيؤاجر له ولا يختدمه، لأن مدبر الذمي إذا أسلم، ألزمته فيه التدبير وأجرته عليه، وصار حكماً بين مسلم وذمي، ولا يعتق عليه. ولو حلف ذمي بعتق رقيقه، فأسلم السيد ثم حنث، لم يعتقوا عليه. ولو حلف بعتقهم ومنهم مسلمون، فحنث، عتقوا عليه، إذ لو أعتق النصراني عبده المسلم، لزمه ذلك. وإذا أسلم مدبر الذمي، ثم قتل أو جرح، كان عقله لسيده. 4142 - قال مالك - رحمه الله -: أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش جنايتها، أو من قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت، فذلك عوض عن إسلامها لَمّا لم يكن سبيل إلى رقها، وكذلك ما استهلكت، أو أفسدت بيدها أو دابتها، أو بحفرة حفرتها حيث لا ينبغي لها، أو اغتصبت أو اختلست، لأن هذا كله من العبيد جناية، وعلى السيد فيها الأقل - كما ذكرنا -، وإن كان ذلك أكثر من قيمتها [و] لم يتبع السيد بما ناف على قيمتها، ولا هي إن أعتقت، لأنها إن كانت أمة فأسلمت لم يكن عليها فضل الجناية، وإخراج قيمتها بأمر قاض أو بغير أمره سواء، ويحاص أهل جنايتها بذلك غرماء سيدها،

وتقوّم أمةً بغير مالها، وقيل: تقوم بمالها ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية. وأما إن أسلم السيد عبده أو أمته بجرح أصابه واحد منهما، فليس عليه أكثر من ذلك. ومن قتلت أم ولده رجلاً خطأ، فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر، فليدفع قيمتها تكون بين أوليائهما نصفين. ولو حكم في الأول بالأقل، ثم جنت على ثان، وجب للثاني الأقل أيضاً ثانية يوم الحكم له، وكذلك يفديها كلما جنت، إلا أن يتأخر الحكم حتى يجتمع لها جنايات كل جناية مثل قيمتها فأكثر، فلا يغرم إلا قيمة واحدة، يتحاصون فيها بقدر جناية كل واحد كالعبد يجني فيفديه السيد، ثم يجني، فعليه أن يفتديه أيضاً أو يسلمه. وإذا اجتمعت عليه جنايات قبل أن يفتديه، خُيّر السيد بين أن يدفع قيمة ما جنى لكل واحد منهم، أو يسلمه فيتحاصون فيه بقدر جنايتهم. وأما المدبر يجني فتسلم خدمته، ثم يجني على آخر، فإنه يحاص الأول في الخدمة، ولا يخير سيده ههنا ولا من أسلم إليه، بخلاف العبد.

4143 - وإن جنت أم الولد على رجل أقل من قيمتها، ثم جنت على آخر أكثر من قيمتها، فعلى سيدها قيمتها لهما، يقتسمانها بقدر جناية كل واحد منهما. ولو جنت، ثم جنت على آخر، فقام أحدهما والآخر غائب، فله الأقل من أرشه أو مما ينوبه في المحاصة مع الغائب من قيمتها الآن، ثم إن قام الآخر، فله الأقل من أرش جرحه أو حصته من قيمتها يوم تقوم. ولو جنت فلم يحكم عليه حتى جنى عليها ما أخذت له أرشاً، فعلى سيدها أن يخرج الأقل من أرش الجناية أو من قيمتها، معيبة يوم الحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها. وكذلك العبد يجني ثم يُجنى عليه قبل أن يحكم فيه بشيء فسيده مخير بين إسلامه مع ما أخذ في أرشه، أو يفتديه، وهذا إذا كان ما أخذ في أرشه أقل من دية ما جنى، فإن كان فيه وفاء لذلك أو أكثر، فلا خيار للسيد، ويؤدي من ذلك للمجني [عليه] أرش جرحه، ويبقون لسيدهم. 4144 - وأم الولد إذا قتلت رجلاً عمداً فعفا أولياؤه على أخذ قيمتها من السيد، لم يلزم

السيد ذلك إلا أن يشاء، فإن أبى، فلهم القتل أو العفو، كالحر يُعفى عنه في العمد على غرم الدية فيأبى. قال غيره: يلزم السيد في أم الولد، غرم الأقل من قيمتها أو من الأرش، وليست كالحر، ولها حكم العبد. وقال أشهب في الحر: تلزمه الدية وإن كره، ولا يقتل. قال ابن القاسم: ولو عفا الولي في العمد على أخذ رقبتها لم يكن له ذلك وإن رضي السيد. وكذلك المدبر، وإن جنت ولم يحكم فيها حتى ماتت، فلا شيء على السيد، ولو تمت ومات السيد ولا مال له، فلا شيء على أم الولد. (¬1) ¬

(¬1) انظر: التقييد (6/320) .

قال غيره: هذا إذا قاموا على السيد وهو حي، وأما إن مات السيد قبل قيامهم، فلا شيء عليه، وذلك عليها، لأنها هي الجانية، وما جني على أم الولد، فعقله لسيدها، وكذلك المدبرة. 4145 - ومن اغتصب حرة نفسها، فعليه صداقها، وإن اغتصب أمة نفسها أو أم ولد أو مكاتبة أو مدبرة، فلم ينقصها ذلك فلا شيء عليه إلا الحد، وإن نقصها غرم ما نقصها، وكان ذلك للسيد، إلا في المكاتبة فإن سيدها يأخذه، ويقاصها به في آخر نجومها، وإنما يقوم من ذكرنا، ممن فيه علقة رق في الجناية عليه قيمة عبد. وإذا جنت أم الولد على سيدها، فلا شيء [له] عليها. وأما المعتق إلى أجل، فهو في جنايته على سيده كالمدبر. وقد ذكرناه. 4146 - وإذا ولدت أم الولد ولداً، من غير السيد بعدما صارت له أم ولد، فجنى ذلك الولد جناية أكثر من قيمته أو أقل، فإن السيد مخير بين أن يفديه ويبقى على حاله، أو يسلم خدمته فيختدم بالأرش، فإن أوفى رجع إلى سيده، وإن مات السيد قبل أن يوفي، عتق ورجع ببقية الأرش عليه، وهو بخلاف أمه فيما جنت، وللمجني عليه أن يأخذ خدمة الولد حتى يتم حقه، إلا أن يفتكه السيد بدية الجناية.

4147 - وإذا جنت أم ولد الذمي، فله أن يفديها بالأقل، وله إسلامها رقاً للمجني عليه، إذ لا أمنعه من بيعها، ويحل وطؤها لمن أسلمت إليه أو لمبتاعها. وما استدانت أم الولد من تجارة أذن لها فيها، ففي ذمتها كالعبد. 4148 - قال مالك - رحمه الله -: ولا قود بين الأرقاء وبين الأحرار في الجراح كلها، فأما في النفس، فلا يقتل حر بعبد. قال ربيعة: إلا في حرابة. قال مالك - رحمه الله -: ويقتل العبد بالحر إن شاء الولي [قتله] ، فإن استحياه خُيّر سيده فإما أسلمه أو فداه بدية الحر. وإن قتل حر عبداً، فعليه قيمته ما بلغت وإن جاوزت الدية، وإن جرحه فعليه ما نقصه بعد برئه. قال مالك - رحمه الله -: وموضحة العبد ومنقلته وجائته ومأمومته في ثمنه

بمنزلتها في دية الحر. قال عبد العزيز: إذ [قد] لا ينقص ثمنه إذا برئ، فلا بد أن يكون فيهن ما ذكرنا. 4149 - وإذا جنت أمة، ثم وطئها السيد فحملت، فإن لم يعلم بالجناية، أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش، فإن لم يكن معه أتبع به، وإن علم بالجناية قبل الوطء، لزمه جميع الأرش وإن جاوز قيمتها، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى المجني عليه، ولا شيء عليه في الولد، إذ لا تسلم أمة بولدها، وكذلك الابن يطأ من تركة أبيه أمة، فتحمل وعلى الأب دين يغترقها، فإن علم به وبادر الغرماء، لزمته لهم قيمتها، فإن لم يكن له مال بيعت لهم في دينهم، وإن لم يعلم بدين أبيه، أتبع بقميتها في عدمه، وكانت له أم ولد. وقال غيره: هذا بخلاف وطء السيد، وعلى السيد إسلامها في عدمه إن لم يعلم

بالجناية، إذ لو باعها ولم يعلم بالجناية فأعتقها المبتاع، لم يكن ذلك فوتاً يبطل حق المجني عليه. ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين، فأعتقها المبتاع، لم يرد العتق، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا أتبعوا به من أخذه. 4150 - والقصاص في المماليك بينهم، كهيئته بين الأحرار: نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه، يخير سيد المجروح إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل، إلا أن يسلم الجاني سيده. 4151 - وإن جرح عبد عبداً، فقال سيد المجروح: لا أقتص، ولكن آخذ العبد الجارح، [فذلك له] إلا أن يفديه سيده بالأرش. ولو قال سيد الجارح: إما أن تقتص أو تدع، فالقول قول سيد المجروح. وكذلك في القتل. (¬1) وإذا جنى العبد جناية، فسيده مخير فيها بين إسلامه أو فدائه، فإن مات العبد قبل أن يختار السيد بطلت الجناية، وإن كان للعبد مال، كانت رقبته وماله في جنايته، يقال لسيده: ادفعه وماله، أو افده بعقل [جميع] جنايته، ولو كان العبد مدياناً، فأهل دينه أولى بماله، وجنايته في رقبته. ¬

(¬1) انظر: المدونة (6/366) .

وللرجل أن يقتص من عبده لعبده، في النفس والجراح، ولا يكون ذلك إلا عند السلطان ببينة ثبتت. وكذلك في [قطع] السرقة، لا يقطع إلا عند السلطان. وإنما للسيد أن يقيم حد الخمر والزنا، فإن قطع يد عبده في سرقة دون الإمام، عوقب، إلا أن يعذر بجهل، ولا يعتق عليه إذا كانت له بينة، لأن بعض الصحابة قد قطع دون الإمام، وإنما زجر الناس عن ذلك، لئلا يدعي من مثّل بعبده أنه سرق. وكذلك إن عدى رجل، فقتل قاتل وليه دون الإمام، فإن كان إليه العفو أو القتل، لم يلزمه إلا الأدب، لئلا يجترئ على الدماء. 4152 - وإذا جرح رجل عبداً أو قذفه، فأقر سيده أنه أعتقه العام الأول، لم يصدق على الجرح والقذف إلا ببينة، وكان له حكم العبد في ذلك الجرح، وكان ذلك للعبد، لأن السيد قد أقر أنه لا شيء له فيه.

ولو قامت البينة على ما قاله السيد، كان له حكم الحر في ذلك كله أقر السيد أو جحد. ولو جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك، والسيد جاحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم بعليه] بالعتق، وجعل ابن القاسم حكمه حكم الحر مع الأجنبيين، بخلاف السيد. وقال غيره: إذا جحد عبده العتق، فأثبت ذلك ببينة، فله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح، له أو عليه، مع أجنبي أو مع السيد، ذلك سواء، وبه قال سحنون. وقد تقدمت هذه المسألة في كتاب العتق الثاني أتم مما هنا. 4153 - قال مالك - رحمه الله -: وإن اغتصب العبد حرة أو أمة نفسهما، ففي

رقبة العبد للحرة صداق مثلها، وللأمة ما نقصها، إما فداه بذلك سيده أو أسلمه. قال ربيعة في عبد افتض بكراً: فهو لها إلا أن يكون صداقها دون رقبته، فإنه يباع بغير أرضها، فيأخذ صداقها من ثمنه، وما فضل فلسيده. قال مالك - رحمه الله -: ومن باع عبداً سارقاً دلس به، فسرق من المبتاع، فرده على سيده بالعيب، فذلك في ذمته إن عتق يوماً ما. وإن سرق من أجنبي مالاً، فقطع فيه فرده المبتاع، فهي جناية: إما أسلمه البائع أو فداه [بها] ، بخلاف سرقته من المبتاع، إذ لا يقطع فيها للإذن في الدخول، وسرقته من أجنبي يقطع فيها، وإنما يلزم المبتاع ما حدث من العيوب عنده من غير العيب الذي دلس له به البائع. (¬1) 4154 - قال ابن القاسم: وما سرق العبد من سيده فلا يتبع بشيء منه، عتق أو رق، قلّ ما سرق من ذلك أو كثر. ¬

(¬1) انظر: المدونة (16/384) ، ومواهب الجليل (5/159) .

4155 - وإن أقر عبد أنه وطئ هذه الأمة، أو هذه المرأة غصباً، لم يصدق إلا أن تأتي وهي مستغيثة أو متعلقة به، وهي تدمي إن كانت بكراً، وإن كانت ثيباً أدركت وهي تستغيث متعلقة به، فإنه يصدق. وكذلك إن أقر أنه قطع أصبع صبي، فإن أدرك الصبي وهو متعلق به وأصبعه تدمي، صدق في مثل هذا، وخير سيده في أن يفديه أو يسلمه، ولا يتهم ههنا بفرار إلى شيء، وما لم يتبين هكذا لم يصدق، ولا يلزم ذمته إن عتق. وفي كتاب الديات ذكر الحر يقر بقتل خطأ. 4156 - وقضى عمر بن عبد العزيز في أمة أقرت أنها عضّت أصبع صبي وقد طمرت أصبعه فمات، أن يحلف ولاته خمسين يميناً لمات من عضها، وتكون الأمة لهم، وإلا فلا شيء لهم. (¬1) قال ابن القاسم: وما أقر به العبد مما يلزمه في جسده: من قتل، أو قطع، أو غيره، فإنه يقبل إقراره. قال أبو الزناد: إذا أقر طائعاً غير مسترهب. وما آل إلى غرم سيده، فلا يقبل فيه إقراره إلا ببينة على فعله، مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها، ولم يكن من تعلقها به ما وصفنا، أو بجرح، أو بقتل ¬

(¬1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (18299) ، (10/45) .

خطأ، أو باختلاس مال، أو استهلاكه أو سرقة لا قطع فيها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فلا يصدق ولا يتبع بشيء من ذلك إن عتق. وإن أقر العبد أنه قتل حراً عمداً، فلوليه القصاص، فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك، وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له، كعفو الولي عن حر قتل وليه عمداً على أخذ الدية، فيأبى القاتل أداءها، فللولي أن يقتله. 4155 - وإن أقر بسرقة، فقال المسروق منه: أنا آخذ السرقة وأعفو عن قطع يده ولا أرفعه إلى الإمام، لم يكن له شيء من ذلك. 4156 - قال مالك - رحمه الله -: أحسن ما سمعت في جناية المكاتب، أنه إن أدى جميع العقل حالاً وإن جاوز قيمة رقبته، أو كان ديناراً أو أكثر، بقي على كتابته، وإلا عُجِّز وخُير سيده في أن يسلمه رقاً أو يفتديه بالأرش، وعجزه عن الأرش قبل القضاء عليه به وبعده سواء، ولو قوي على أداء ما حلّ من الكتابة دون الأرش حالاً، فقد عجز ولا ينجم عليه الأرش بخلاف العاقلة. قيل: فإن عجز المكاتب عن أداء العقل وأداه عنه سيده، هل يبقى علة كتابته؟ قال: إذا لم يقو على [أداء] الجناية، رق مكانه، وخير سيده بين أن يدفعه أو يفتديه. وكذلك إن جنى على سيده فلم يعجل له الأرش، عجّزه.

وللمكاتب دفع أم ولده في جنايته إن خاف العجز، كما لو بيعها في عجزه عن الكتابة. 4157 - وإذا جنى مكاتب جناية عمداً، فصالحه منها أولياء الجناية على مائة دينار فلم يؤدها حتى عجز، فإن ثبتت خير في إسلامه أو افتدائه بالأقل من المائة، أو قيمة الأرش. وإذا أقر مكاتب بقتل عمداً أو خطأ، فصالح منه على مال، لم يجز، ولهم في العمد قتله بإقراره، فإن لم يقتصوا لم يكن لهم في مال المكاتب شيء، ولا في رقبته إن عجز. وإن أقر مكاتب بقتل خطأ، لم يلزمه شيء، عجز أو عتق. ولو أقر بدين لزم ذمته، عتق أو رق. وإن قتل المكاتب رجلاً له وليان عمداً، فعفا أحدهما، فإن أدى المكاتب إلى الآخر نصف الدية، وإلا عُجّز وخُيّر سيده في إسلام نصفه، أو افتدائه بنصف الدية، ولا شيء للعافي، أدى نصف الدية [المكاتب] أو السيد بعد عجزه، إلا أن يزعم أنه عفا لأخذ الدية ويستدل على ذلك، وإلا لم يقبل قوله. وإذا جنى المكاتب ثم أدى الكتابة وعتق قبل القيام عليه، فلا عتق له إلا أن يؤدي.

الجناية حالة للقائم بها، وإلا رق وخير سيده، فإما فداه، أو أسلمه ورد معه ما اقتضى من نجم بعد الجناية، ولا يحبس ذلك إذا أسلمه. 4160 - وإذا مات مكاتب وترك مالاً، وعليه دين وجناية خطأ، فأهل الدين أولى بماله، لأن الجناية في رقبته والدين في ماله، فإن فضل من ماله شيء، كان لأهل الجناية حتى يستوفوا الجناية. وإن مات ولا دين عليه فأهل الجناية أولى بماله من سيده، إلا أن يدفع إليهم السيد الأرش، والعبد مثله، وإن مات ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين. 4161 - وإن كان على المكاتب دين [وجناية] ، ومعه ولد حدثوا في الكتابة، لم يلزم الولد دينه، وتلزمه الجناية في حياة الأب إن لم يقدر عليها الأب، فإن لم يؤدها الابن عجّز. قال غيره: وكذلك الدين إن لم يؤده الولد عجز، إذ لا تؤدى كتابة قبل دين، قالا: فإن عجز أسلم السيد الجاني وحده أو فداه، والدين باق في ذمته. قال غيره: ولو أدى الولد الدين أو الجناية وعتقا، لم يرجع على أبيه بشيء.

قال ابن القاسم: ولو مات الأب قبل القيام عليه ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين، ولم يلزم ولده من ذلك شيء، وإنما كان للأب معونة مال الولد في خوف العجز في حياته، فإذا مات عديماً لم يلزم ولده من دينه شيء ولا من جنايته. ولو قام ولي الجناية في حياة الأب ولا مال له، فاختار الولد أداءها، ويتمادون على كتابتهم، فإن لم يؤدوها حتى مات الأب لزمتهم. 4158 - وإذا مات مكاتب وعليه دين، وترك عبداً قد جنى قبل موته أو بعده، فولي الجناية أحق بالعبد، إلا أن يفتكه غرماء المكاتب بالأرش، فذلك لهم، وكذلك عبد الحر المديان يجني جناية. ومن جنى ما لا تحمله العاقلة وعليه دين وليس له غلا العبد، ضرب فيه أهل دينه وأهل جنايته، لأن ذلك كله لزم ذمته. 4159 - ومن قتل مكاتبه عمداً أو خطأ، ومعه ولد في الكتابة، فليقاصوا السيد بقيمته في آخر نجومه ويسعون فيما بقي، وإن أوفى ذلك بالكتابة عتقوا. وإن كان فضل أخذوه بينهم بالميراث، كانوا ممن كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة. وكذلك إن قتله أجنبي فأخذ السيد قيمته، فليقاص ولده بها كما وصفنا. ولو شجه السيد موضحة، فليقاصه في آخر نجومه بنصف عشر قيمته،

مكاتباً على حاله في أدائه وقوته. وكذلك إن جرحه فليحسب له ذلك في آخر كتابته. وكذلك المكاتبة تلد ولداً في كتابتها فيقتله السيد، فإنه يغرم قيمته، فإن كان فيه وفاء بالكتابة، كان قصاصاً، وإن كان فيه فضل عن الكتابة، أخذت الأم من ذلك الفضل قدر مورثها. 4162 - وكذلك إن قتل المكاتب ومعه في الكتابة أبواه وولده لعجل السيد قيمته، فيحسب من آخر النجوم، فإن أوفت بالكتابة، عتقوا فيها ولا تراجع بينهم، وإن كان في القيمة فضل، فهو لورثته الذين معه في الكتابة ميراثاً. وكذلك لو كان السيد هو الجاني. وليس لغرماء المكاتب أو العبد في قيمتهما إذا قُتلا شيء، قتلهما أجنبي أو السيد، ولا في شيء من قبل رقبتيهما من نفس أو جرح، كما لا يدخلون في ثمن العبد إن بيع، والدين [باق] في ذمتهما، وعلى قاتل المكاتب، قيمته عبداً مكاتباً في قوة مثله على الأداء وصفته، ولا ينظر إلى قلة ما بقي عليه وكثرته، حتى لو بقي عليه دينار فقط، وآخر لم يؤد شيئاً، فقتلهما رجل وكانت قوتهما على الأداء سواء [وقيمة رقابهما سواء] ، فقيمتهما متفقة، وإن تفاضلت قيم الرقاب خاصة وقوة الأداء واحدة، فقيمتهما مختلفة، وغنما يقوم على قدر قوته على الأداء

مع قيمة رقبته. وفي كتاب المكاتب ذكر من وضع عن مكاتبه ما عليه في المرض. 4163 - ومن كاتب عبده وأمته - وهما زوجان في كتابة - فحدث بينهما ولد، ثم جنى على الولد ما قيمته أكثر من الكتابة، فللسيد تعجيل الكتابة من ذلك ويعتقون، وما فضل فللولد ولا يرجع على أبويه بما عتقا به. وأما ما اكتسب الابن فهو له، وعليه أن يسعى معهما ويؤدي في الكتابة على قدر قوته وأداء مثله، وليس للأبوين أن يأخذا ماله إلا أن يخافا العجز، فلهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد. وكذلك إن كان للأبوين مال وخاف الولد العجز، فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين، وليس للأبوين أن يعجزا أنفسهما إذا كان لهما مال ظاهر، وكذلك الولد، ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدى عن صاحبه. وفي كتاب المكاتب إيعاب هذا. 4164 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً لا سعاية فيهم رقوا مكانهم، إلا أن يكون فيما ترك ما يؤدي عنهم نجومهم، إلا أن يبلغوا السعي فيفعل ذلك بهم، أو يترك ولداً ممن يسعى فيدفع المال إليهم، فإن لم يقووا ومعهم أم ولد للأب، دفع إليها إن لم يكن فيه وفاء ولها أمانة وقوة على السعي، فإن لم يكن فيها ذلك وكان في المال مع

ثمنها إن بيعت كفاف الكتابة، بيعت وأديت الكتابة وعتق الولد. أو يكون في ثمنها مع المال ما يؤدي إلى بلوغ الولد السعي، فإن لم يكن ذلك رقوا أجمعون مكانهم. قال مالك - رحمه الله -: لا اختلاف عندنا أن ما جني على المكاتب كجناية عبد، وأن ذلك يتعجله السيد، ويحسب عليه من آخر النجوم، لحجته أن يعجز العبد فيرجع إليه معضوباً. 4165 - وإذا جنى عبد المكاتب، فله أن يسلمه أو يفديه على وجه النظر، والمكاتب إذا قتله عبده فللسيد أن يقتص منه في النفس والجراح بأمر الإمام، كعبدين له، إلا أن يكون مع المكاتب ولد في كتابته، فيصير له مثل ما للسيد من الحجة في النفع بماله، فإن اجتمع هو وهم على القصاص، قتلوا، ومن أبى ذلك من سيد أو ولد فلا قتل للثاني. ثم إن صار العبد للولد بالأداء أو للسيد بالعجز، لم يكن لمن كان عفا عنه منهم أن يقتله إن صار إليه. وإن صار لمن كان أراد القتل من ولد أو سيد، فله أن يقتل.

وإذا قتل المكاتب رجلاً عمداً، فعفا الأولياء على استرقاقه، بطل القتل وعادت كالخطأ، وقيل للمكاتب: أد الدية حالة، فإن عجز عن ذلك خير السيد بين إسلامه أو افتدائه [بالدية] ، وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمداً، فعفا عنه الأولياء على أن يكون لهم، فسيده يخير كما ذكرنا. 4166 - وإذا جنى مكاتب على عبد لسيده، أو على مكاتب آخر لسيده وهو معه في كتابة أو ليس معه في الكتابة، فعليه تعجيل قيمته للسيد، فإن عجز رجع رقيقاً وسقط ذلك عنه، وكذلك ما استهلك له، لأنه أحرز ماله، بخلاف العبد يجني على السيد، لأن العبد لو استهلك مالاً لسيده، لم يلزمه غرمه. 4167 - ومن كاتب عبدين له في كتابة، فقتل أحدهما الآخر عمداً أو خطأ - وهما أخوان أو أجنبيان - فللسيد أخذ القيمة في الخطأ، ويُخيّر في العمد بين أن يقتص أو يعفو على أخذ القيمة، فإن أخذها في عمد أو خطأ وفيها وفاء للكتابة، عتق بها الجاني وأتبعه السيد بحصة ما عتق به منها في عمد أو خطأ، كان أخاً أو أجنبياً، ولا أتهم الجاني أن يكون أراد تعجيل العتق بالقيمة التي أدى، إذا كان على أدائها قادراً قبل العتق، ويعتق بها.

فأما إن لم يكن للجاني مال، أو كان معه أقل من القيمة وللمقتول مال، فلا أعتقه فيما ترك المقتول إن قتله عمداً، إذا استحيى، للتهمة على تعجيل العتق ههنا ويكون عليه قيمة المقتول، فإن كان كفاف الكتابة، عتق وأتبعه السيد بما ينوبه منها وإلا عجز. وإن أداها ولم تف بالكتابة، أخذها السيد وحسبها له في آخر الكتابة، وسعى هذا القاتل فيما بقي، فإن أدى وعتق، رجع عليه السيد بما كان حسبه له من القيمة في حصته من الكتابة. وإن كان القتل خطأ عتق القاتل في تركه المقتول، كان أخاً أو أجنبياً، لأنه لا تهمة عليه، إلا أن السيد يرجع على الأجنبي بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب وبقيمة المقتول أيضاً، ولا يرجع السيد على الأخ بما عتق من التركة، لأن أخاه لم [يكن] يرجع عليه لو أدى عنه، ويرجع عليه بقيمة أخيه، لأن الأخ لا يرث من القيمة. 4168 - والمكاتب إذا قتله أجنبي فأدى قيمته، عتق فيها من كان في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إذا كان ممن لا يجوز له ملكه. 4169 - وإذا جنى أحد المكاتبين في كتابة، فعجز عن الغرم، فإن لم يؤد من معه في الكتابة الأرش حالاً عجزا وإن لم يحل شيء من نجومها، وخير السيد في الجاني وحده،

ولو أدى الذي معه الأرش ثم عتقه رجع به عليه إلا أن يكون ممن يعتق عليه، [فلا يرجع عليه] كأدائه عنه الكتابة. 4170 - وإذا قتلت مكاتبة ولدها عمداً، لم تقتل به، ولا يقاد ن الأبوين إلا في مثل أن يضجعه فيذبحه. وليس للمكاتب أن يعفو عن قات لعبده عمداً أو خطأ، على غير شيء إن منعه سيده، لأنه معروف صنعه، لأن للسيد أن يمنعه من هبة ماله ومن صدقته، ويخير سيد الجاني بين فدائه، أو إسلامه رقاً للمكاتب. ولو طلب هو أن يقتص وعفا سيده على أخذ قيمة العبد، فذلك للسيد دونه إلا أن يعجل المكاتب كتابته، فيتم له ما يشاء من عفو أو قصاص. 4171 - وإذا قتل السيد مكاتباً لمكاتبه أو عبداً، غرم له قيمته معجلة ولم يقاصه بها في كتابته، لأنه جنى على مال له لا على نفسه، فإن كان للمكاتب الأسفل ولد في كتابته فللمكاتب الأعلى تعجيل تلك القيمة من سيده ويأخذها قصاصاً من آخر كتابة المقتول، ويبقى ولد المقتول فيما بقي، وإن كانت كفافاً عتقوا، وإن كان فضلاً ورثوه.

4178 - ومن عجل عتق عبده أو عتق مكاتبه، وكتب عليهما مالاً يدفعانه إليه وثبتت حريتهما، ثم ماتا أو أفلسا، لم يدخل السيد مع الغرماء، ولا يكون له إلا ما فضل بعد الدين. وليس للسيد أن يفلس مكاتبه إلا عند محل النجم، فينظر في حال العبد في العجز والأداء. 4179 - وإذا ولدت المكاتبة بعد أن جنت ثم ماتت، فلا شيء على الولد. وكذلك الأمة إذا ولدت بعد الجناية ثم ماتت، فلا شيء على الولد ولا على السيد، ولو لم تمت لم تكن الجناية إلا في رقبتها، ويكون ولدها في جنايتها، ولدتهم قبل الجناية أو بعدها. وبالله التوفيق. * * *

(كتاب الجراح)

(كتاب الجراح) (¬1) 4180 - قال مالك - رحمه الله -: شبه العمد باطل لا أعرفه، وإنما هو عمد أو خطأ، ¬

(¬1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص488) ، والتقييد (6/332) ، والمقدمات لابن رشد (286) .

ولا تغلظ الدية [إلا] في مثل ما فعله المدلجي بابنه، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها، مما يقاد من غير الولد فيه، فإن الأب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله حالة، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة. [قال ابن القاسم:] [وهي التي] في بطونها أولادها، لا تبالي من أي الأسنان كانت، ولا يرث الأب في هذا من مال الولد ولا من ديته شيئاً، لأنه من

العمد لا من الخطأ. ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة وورث من ماله لا من ديته، والأم في ذلك بمنزلة الأب، وتغلظ الدية على أب الأب كالأب، وكذلك الأب يجرح ولده أو يقطع شيئاً من أعضائه، أو كحال ما صنع المدلجي، فإن الدية تغلظ فيه وتكون في مال الأب حالة، كان أقل من ثلث الدية أو أكثر، ولا تحمله العاقلة. قال مالك: ولو أضجع رجل ابنه فذبحه ذبحاً، أو شق بطنه مما يعلم أنه تعمد القتل، أو صنعت ذلك والدة بولدها، ففيه القود، إلا أن يعفو من له العفو أو القيام، وقد قال غيره: إنه لا يقاد منه في هذا أيضاً. ولا تغلظ الدية في أخ، [ولا زوجة] ، ولا زوج، ولا واحد من القرابات. ولا تغلظ الدية في الشهر الحرام، ولا على من قتل خطأ في الحرم. وتغلظ الدية على أهل الذهب والورق، فينظر كم قيمة أسنان دية المغلظة، وكم قيمة أسنان دية الخطأ، وهي: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون

ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، فينظر كم زادت قيمة المغلظة على قيمة أسنان دية الخطأ، ثم ينظر كم ذلك الزائد من قيمة أسنان دية الخطأ، فإن كان قدر ربعها، كان له دية وربع. وكذلك ما قل أو كثر من الأجزاء، ولم يمض في هذا توقيت، ولكن ينظر فيه في كل زمان، فيزاد في الدية بقدر ما بين القيمتين. 4181 - ومن تعمد ضرب رجل بلطمة، أو بلكزة، أو ببندقة، أو بحجر، أو بقضيب، [أو بعصا، أو بغير ذلك] ، ففي ذلك كله القود إن مات من ذلك. قال مالك - رحمه الله -: ومن العمد ما لا قود فيه، كالمتصارعين، أو يتراميان على وجه اللعب، [أو يأخذ برجله على وجه اللعب] فيموت من ذلك، ففي هذا كله دية الخطأ على العاقلة أخماساً. ولو تعمد هذا على وجه القتال فصرعه فمات، أو أخذ برجله فسقط فمات، كان [له] في ذلك القصاص. 4182 - وفي الأنف الدية كاملة، قُطع من المارن أو من أصله كالحشفة، فيها الدية [كاملة] ، كما في استئصال الذكر.

وإذا قطع بعض الحشفة، فمن الحشفة يقاس لا من أصل الذكر، فما نقص منها، ففيه بحسابه من الدية. وكذلك ما قطع من الأنف، إنما يقاس من المارن لا من أصله، ألا ترى أن اليد إذا قطعت من المنكب تم عقلها، وإن قطع منها أنملة، فإنما فيها بحساب الأصبع. مالك: ومن خرم أنف رجل أو كسره خطأ، فبرئ على غير عثل، فلا شيء عليه، وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد. وقال سحنون: ليس فيه اجتهاد، لأن الأنف قد جاء فيه فرض

مسمى، فإذا برئ على عثل، كان فيه بحساب ما نقص من ديته، لأن العثل نقص. 4183 - قال مالك - رحمه الله -: وكل نافذة في عضو من الأعضاء إذا برئ ذلك وعاد لهيئته على غير عثل فلا شيء فيه. وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد، وليس العمل عند مالك على ما قيل: إن في كل نافذة في عضو ثلث دية ذلك العضو، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثل، وينبت الشعر في موضع الشجة فيكون فيها ديتها، وذلك نصف عشر الدية، لأن الموضحة فيها دية مسماة عن النبي ÷، وليس في خرم الأنف عقل مسمى. وفي موضحة الخدّ، عقل الموضحة.

وليس الأنف واللحي الأسفل بمن الرأس] في جراحهما، لأنهما عظمان منفردان، وإنما في موضحة ذلك الاجتهاد. وليس فيما سوى الرأس من الجسد إذا أوضح عن العظم، عقل الموضحة. وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين، زيد في عقلها بقدر الشين، ولم يأخذ مالك بقول سليمان بن يسار في موضحة الوجه أنه يزاد لشينها ما بينها وبين نصف عقلها، وعظم الرأس من حيث ما أصابه فأوضحه، فهو موضحة، وكل ناحية منه سواء، وحد ذلك منتهى الجمجمة، فإن أصاب أسفل من الجمجمة، فذلك من العنق لا موضحة فيه، والموضحة والمنقلة لا تكون إلا في الوجه والرأس. وحد الموضحة [ما أفضى] إلى العظم، ولو قدر إبرة. وحد المنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغر. (¬1) ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو بمدخل إبرة. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/316) ، والتاج والإكليل (6/246) .

وحدّ الجائفة: ما أفضى إلى الجوف ولو بمدخل إبرة. وإذا نفذت الجائفة [فقد اختلف فيها قول مالك، وأحب إلي أن يكون فيها ثلثا الدية] . 4184 - وإذا قطع اللسان من أصله، ففيه الدية كاملة، وكذلك إن قطع منه ما منع الكلام، وإن لم يمنع من الكلام شيئاً، ففيه الاجتهاد بقدر شينه إن شانه، وإنما الدية في الكلام لا في اللسان، بمنزلة الأذنين، إنما الدية في السمع لا في الأذنين. وإن قطع من لسانه ما ينقص من حروفه، فعليه بقدر ذلك، ولا يحسب فيما نقص الكلام على عدد الحروف، فرب حرف أثقل من حرف في المنطق، لكن بالاجتهاد في قدر ما نقص من كلامه. (¬1) ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/310) ، والتاج والإكليل (6/262) .

وفي اللسان القود إذا كان يستطاع القود منه، ولم يكن متلفاً، مثل: الفخذ والمنقلة والمأمومة وشبه ذلك، وإن كان متلفاً لم يقد منه. ومن قطعت حشفته فأخذ الدية، ثم قطع عسيبه، ففيه الاجتهاد، وينتظر بالمقطوع حشفته حتى يبرأ، لأن مالكاً، قال: لا يقاد من جراح العمد ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء. وإن طلب المقطوع الحشفة تعجيل فرض الدية، إذ لا بد [له] منها، مات أو عاش لم يكن له ذلك، ولعل أنثييه أو غيرهما تذهبان من ذلك. وكذلك إن أوضحه فأراد تعجيل دية الموضحة، فلا يعجل له شيء، إذ لعله يموت فتكون فيه القسامة. وكذلك إن ضرب مأمومة خطأ، فالعاقلة تحملها مات أو عاش، ولكن لا يعجل له شيء حتى يبرأ، لأنه لو مات منها لم تجب الدية إلا بقسامة، فإن أبى ورثته أن يقسموا، كان على العاقلة ثلث [الدية] لمأمومته، وإنما في هذا الإتباع. قال: وقد سمعت أهل الأندلس سألوا مالكاً عن اللسان إذا قطع، وزعموا أنه ينبت، فرأيت مالكاً يصغي إلى أنه لا يعجل له حتى ينظر إلى ما يصير [إليه] ، إذا كان القطع قد منعه الكلام. قلت: في الدية أو في القود؟ قال: في الدية.

4185 - قال مالك - رحمه الله -: في الصلب الدية. (¬1) قال ابن القاسم: وذلك إذا أقعد عن القيام، مثل اليد إذا شلت، وإن مشى وقد برئ على حُدب أو عثل، ففيه الاجتهاد، والصلب إذا كسر خطأ فبرئ على هيئته، فلا شيء فيه، وكذلك كل كسر خطأ يبرا ويعود لهيئته، فلا شيء فيه، إلا أن يكون عمداً يستطاع فيه القصاص، فإنه يقتص منه وإن كان عظماً، إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة وما لا يستطاع أن يقتص منه، فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الأدب. قال مالك: وفي عظام الجسد القود، مثل الهاشمة، إلا ما كان مخوفاً مثل الفخذ وشبهه، فلا قود فيه. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرأس، فلا قود فيها، لأني لا أجد هاشمة تكون في الرأس إلا كانت منقلة. ولا قصاص في الصلب والفخذ، و [لا في] عظام العنق. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/312) ، والتمهيد (17/340) ، وشرح الزرقاني (4/217) .

وفي كسر أحد الزندين - وهما قصبتا اليد - القصاص. وإن كان خطأ، فلا شيء فيه إلا أن يبرأ على عثل، فيكون فيه الاجتهاد، وفي كسر الذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والأصابع، القصاص. وفي كسر الضلع، الاجتهاد إذا برئ على عثل، وإن برئ على غير عثل فلا شيء فيه، وإن كسر عمداً، فهو كعظام الصدر إن كان مخوفاً كالفخذ، فلا قود فيه، وإن كان مثل اليد والساق، ففيه القصاص. وفي الترقوة إذا كسرت عمداً، القصاص، لأن أمرها يسير لا يخاف منه. وإذا كسرت خطأ، ففيها الاجتهاد إذا برئت على عثل، وإذا برئت على غير عثل فلا شيء فيها. وكذلك اليد والرجل وجميع عظام الجسد، إذا كسرت خطأ فبرئت على غير عثل، فلا شيء فيها. وإذا قطعت [اليد] من أصل الأصابع أو المنكب، فقد تم عقلها، وذلك على العاقلة في الخطأ، وإن كان عمداً، ففي ذلك القصاص، ويقتص في اليد من المنكب. والأنف إذا كسر عمداً، اقتص منه، فإن برئ الجاني على مثل حال المجني عليه أو أكثر، فقد مضى، وإن كان في الأول عثل وبرئ المقتص منه على غير عثل أو على

عثل دون عثل الأول، اجتهد للأول من الحكومة على قدر ما زاد [في] شينه، وهذا مثل اليد، وأما الباضعة والملطا والدامية والسمحاق، وشبه ذلك مما يستطاع منه القود، ففيه القود في العمد مع الأدب. وفي كل عمد القصاص مع الأدب، وإن كان ذلك خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ على غير عثل، وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد. 4186 - وفي العقل الدية. وليس في الأذنين إذا اصطُلمتا أو ضربتا فتشدخت، إلا الاجتهاد. وفي الأذنين [الدية] إذا ذهب السمع، اصطلمتا أو بقيتا. ومن طرحت سنه عمداً فردها فثبتت، فله القود فيها، والأذن كذلك. ولو رد السن في الخطأ فثبتت، لكان له العقل.

وفي كل سن خمس من الإبل، والأضراس والأسنان سواء. وفي السن السوداء خمس من الإبل كالصحيحة، إلا أن تكون تضطرب اضطراباً شديداً، فليس فيها إلا الاجتهاد. وإن كانت سن أو ضرس مأكولة قد ذهب بعضها، فقلعها رجل عمداً أو خطأ، ففيها على حساب ما بقي، لأنها غير تامة، وليس في جفون العين وأشفارها إلا الاجتهاد. وفي حلق الرأس إذا لم ينبت، الاجتهاد. وكذلك اللحية. وليس في [عمد] ذلك قصاص. وكذلك الحاجبان إذا لم ينبتا. وفي الظفر القصاص، إلا أن يقلع خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ وعاد لهيئته. وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد. 4187 - ومن ضرب عين رجل خطأ، فانخسفت، أو ابيضت، أو ذهب بصرها - وهي قائمة - ففيها ديتها، وإن كان ذلك عمداً فانخسفت العين، خُسفت عينه. وإن كان يستطاع القود من البياض في العين القائمة، أقيد وإلا فالعقل.

ومن ضرب عين رجل فنزل فيها الماء وابيضت، فأخذ فيها الدية ثم برئت، فليرد الدية. قال: وينتظر بالعين سنة، فإن مضت السنة والعين منخسفة لم تبرأ، فلينتظر برؤها، ولا يكون قود ولا دية إلا بعد البرء وإن ضربت فسال دمعها، انتظرها سنة، فإن لم يرق دمعها، ففيها حكومة. ومن ضرب يد رجل أو رجله فشلت، فقد تم عقلها، وإن كانت الضربة عمداً، فإن الضارب يضرب مثله قصاصاً، فإن شلت يده وإلا كان العقل في ماله دون العاقلة. 4188 - ولا يُمكّن بالذي] له القود في الجراح أن يقتص لنفسه، ولكن يقتص له من يعرق القصاص، وأما في القتل، فإنه يدفع إلى ولي المقتول [فيقتله] ، وينهى عن العبث عليه. وفي شلل الأصابع ديتها كاملة، ثم إن قطعت هذه الأصابع عمداً بعد ذلك أو خطأ، ففيها حكومة، ولا قود في عمدها. وفي الأنثيين إذا أخرجهما أو رضهما، الدية كاملة. قيل: فإن أخرجهما

أو رضهما عمداً؟ قال: قال مالك - رحمه الله -: في الأنثيين القصاص، ولا أدري ما قول مالك في الرض، إلا أني أخاف أن يكون رضهما متلفاً، فلا قود فيها. وكذلك كل ما علم أنه متلف، فلا قود فيه. وإن قطعت الأنثيان مع الذكر، ففي ذلك ديتان، وإن قطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية، وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية. ومن لا ذكر له ففي أنثييه الدية، [وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية، ومن لا ذكر له، ففي أنثييه الدية] ، ومن لا أنثيين له، ففي ذكره الدية. والبيضتان عند مالك سواء، اليمنى واليسرى في كل واحدة منهما نصف الدية، [وكذلك الشفتان، في كل واحدة منهما نصف الدية] : كانت السفلى أو العليا. ولم يأخذ مالك بقول ابن المسيب: إن في السفلى ثلثي الدية. وأليتا الرجل والمرأة فيهما حكومة. وليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد. وأما ثديا المرأة، ففيهما الدية، وإن قطع حلمتيها، فإن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده، ففيه الدية. وإن قطع ثديا الصغيرة، فإن استُيقن أنه قد أبطلهما فلا يعودان أبداً، ففيهما

الدية، وإن شك في ذلك وضعت الدية واستؤني بها كبر الصبية، فإن نبتتا فلا عقل لهما، وإن لم تنبتا أو انتظرت، فيبست أو ماتت قبل أن يعلم بذلك، ففيهما الدية. وفي المفصلين من الإبهام، عقل الأصبع تام. وفي كل مفصل، نصف عقل الأصبع. ومن قطعت إبهامه فأخذ دية الأصبع، ثم قطع رجل بعد ذلك العقد الذي بقي من افبهام في الكف، فليس فيه إلا حكومة. وإذا لم يكن في الكف أصبع، فعلى من قطعها أو بعضها حكومة عدل، ومن قطعت له أصبعان بما يليهما من الكف، ففيهما خمسا دية الكف، ولا حكومة له مع ذلك. 4189 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يؤخذ في الدية إلا الإبل والدنانير والدراهم، وتؤخذ في ثلاث سنين، كانت إبلاً أو ذهباً أو ورقاً. وثلث الدية في سنة. وإن كان أقل من ثلث، ففي مال الجاني حال. وثلثا الدية في سنتين، وأما نصفها، فقال فيه مالك مرة: تؤخذ في سنتين، وقال [أيضاً] : يجتهد فيه الإمام إن رأى أن يجعله في سنتين، أو في سنة ونصف فعل.

[قال] ابن القاسم: [في] سنتين أحب إلي، لما جاء أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو في أربع. قال: وثلاثة أرباعها في ثلاث سنين. قال: وفي خمسة أسداسها يجتهد الإمام في السدس الباقي. 4190 - قال مالك - رحمه الله - في كتاب الديات: إنما قوم عمر الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق إثنا عشر ألف درهم، حين صارت أموالهم ذهباً وورقاً، وترك دية الإبل على أهلها على حالها. (¬1) ¬

(¬1) انظر: الموطأ لمالك (2/850) .

قال مالك - رحمه الله -: فأهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، وأهل الإبل أهل البادية والعمود. ولا يقبل من أهل صنف من ذلك، صنف من غيره. ولا تقبل في الدية بقر ولا غنم ولا عروض. 4191 - والمرأة تعاقل لرجل في الجراح إلى ثلث الدية لا تستكمله، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وتفسير ذلك أن لها في ثلاثة أصابع ونصف أنملة، أحداً وثلاثين بعيراً وثلثي بعير، وهي والرجل في هذا سواء، فإن أصيب منها ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها، فكان لها في ذلك ستة عشر بعيراً وثلثا بعير. (¬1) وكذلك مأموتها وجائفتها إنما لها في كل واحدة منها ستة عشر بعيراً وثلثا بعير، وإن قطع لها أصبع، ففيه عشر من الإبل، وكذلك في ثان وثالث، ولو قطع لها ثلاثة أصابع معاً من كف واحدة، فلها ثلاثون من الإبل، ثم إن قطع لها من تلك اليد الأصبعان الباقيان في مرة أو مرتين، فإن في كل أصبع خمساً من الإبل. ولو قطع من يدها ثلاثة أصابع، فأخذت ثلاثين بعيراً، ثم قطع لها من اليد الأخرى أصبع أو أصبعان أو ثلاثة، في مرة أو مرتين، لابتدأ فيها الحكم ¬

(¬1) انظر: الموطأ (2/854) ، وشرح الزرقاني (4/222) ، والتاج والإكليل (6/264) ، والفواكه الدواني (2/190) .

كالأول، فيكون لها في الثلاثة الأصابع ثلاثون بعيراً. وإذا قطع لها أصبعان من كل يد في ضربة [واحدة] ، كان لها عشرون بعيراً، ثم إن قطع لها من إحدى اليدين أصبع، أخذت عشراً من الإبل، فإن قطع من اليد الأخرى أصبع، ففيها عشر. وكذلك لو قطع هذان الصبعان من اليدين، معاً ففيهما عشرون من الإبل، فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف، ففي كل أصبع خمس خمس، كان القطع معاً أو متفرقاً. وإن قطع لها ثلاثة أصابع من يد، وأصبع من الأخرى في ضربة، أخذت خمساً خمساً، ثم إن قطع من اليد المقطوع منها الثلاثة [أصابع، أصبع] رابع، ومن اليد الأخرى أصبع أو أصبعان، أخذت في الرابع من إحدى اليدين خمسة أبعرة، وفي الأصبع أو الأصبعين من اليد الأخرى عشرة عشرة، افترق القطع أو كان ذلك كله في ضربة واحدة، ما لم يقطع لها من اليدين في ضربة واحدة أربعة أصابع، وكذلك رجلاها على ما فسرنا في اليدين. قال ابن القاسم: ولو قطع لها أصبعان عمداً، فاقتصت أو عفت، ثم قطع من تلك الكف أصبعان أيضاً خطأ، فلها فيهما عشرون بعيراً،

وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ، ولو ضربها منقلة، ثم منقلة فلها في ذلك ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد، وكذلك لو كانت المنقلة الثانية في موضع الأولى نفسه بعد برئها، فلها فيها مثل ما للرجل، وكذلك المواضح. ولو أصابها في ضربة بمواضح أو نواقل تبلغ ثلث الدية، رجعت فيها إلى عقلها. 4192 - وفي لسان الأخرس الاجتهاد. قيل: كم في الرجل العرجاء؟ قال: العرج مختلف، وما سمعت [من مالك] فيه شيئاً، إلا أني سمعته يقول: كل شيء أصيب من الإنسان فانتقص، ثم أصيب بعد ذلك الشيء، فإنما له بحساب ما بقي من ذلك العضو. 4193 - قال مالك: وما كان من خلقة خلقها الله عز وجل، لم ينْقُص منه شيء، مثل استرخاء البصر، أو العين الرمدة يضعف بصرها، أو ضعف في يد

أو رجل، إلا أنه يبصر بالعين ويسمع بإذنه ويمشي برجله ويبطش بيده، ففي هؤلاء الدية كاملة. وكذلك الذي يصيبه أمر من السماء، مثل العِرْق يضرب في رجل الرجل فيصيبه منه عرج أو رمد، غلا أنه يمشي على الرجل، ويبصر بالعين وقد مسها ضعف، ففيها إن أصيبت الدية كاملة، ولو كان ضعف هذه العين أو اليد أو الرجل بجناية خطأ، أخذ فيها عقلاً ثم أصيبت بعد ذلك، فإنما له ما بقي من العقل. قال ابن القاسم: فالعرج عندي مثل هذا. 4194 - وقال مالك في باب بعد هذا، في العين يصيبها الرجل بالشيء ينتقص بصرها، أو اليد فيضعفها ذلك وبصرها قائم واليد يبطش بها ولم يأخذ لها عقلاً، فعلى من أصابها بعد ذلك العقل كاملاً، وذلك أن في السن السوداء إذا أصيبت العقل تاماً. قيل لمالك: فإن أخذ لنقص اليد والعين شيئاً؟ قال: ذلك أشكل، أي ليس له إلا ما بقي، ويقاص بما أخذ.

قال ابن القاسم: وقد قال لي [مالك] قبل: إن هذا ليس له [إلا على حساب] ما بقي. قال ابن القاسم: ولو أصيبت يد رجل أو عينه خطأ، فضعفت فأخذ لها عقلاً إلا أنه يبطش باليد ويعمل بها ويبصر بالعين، ثم أصابها بعد ذلك رجل عمداً، ففيها القصاص بخلاف الدية. مالك: وفي العين القائمة الاجتهاد. ولم يأخذ مالك بما ذكر عن زيد أن فيها مائة دينار. وإن كانت السن سوداء أو حمرا أو صفراء، فأسقطها رجل، ففيها العقل كاملاً، والسوداء أشد. قيل: فإن ضربه فاسودت أو احمرت أو اصفرت أو اخضرت؟ قال: إذا اسودت فقد تم عقلها، وإذا كان سائر ذلك كالسواد تم عقلها إلا فعلى حساب ما نقص.

وإن ضربت السن فتحركت، فإن كان اضطراباً شديداً تم عقلها، وإن كان تحريكاً خفيفاً، عقل لها بقدر ذلك، والسن الشديدة الاضطراب ينتظر بها سنة. 4198 - وإذا ذهبت أصبع من الكف بأمر من الله عز وجل، أو بجناية وقع فيها قصاص وعقل، ثم أصيبت الكف خطأ، ففيها أربعة أخماس دية اليد، ولو ذهب منها أنملة قد اقتص منها لقوصص بها في دية الكف. ومن قطع كفاً خطأ وقد ذهب بعض أصابعها، فإنما عليه بحساب ما بقي من الأصابع في الكف، فإن لم يسبق في الكف إلا أصبع واحدة، فعليه في الأصبع ديتها، واستحسن في الكف حكومة. ومن قطع كف رجل عمداً، وقد ذهب منها أصبعان أو ثلاثة بأمر من الله تعالى، أو بجناية وقع فيها القصاص أو عقل، لم يقتص منه، ولكن عليه العقل في ماله، ولو ذهب منها أصبع واحدة، قطعت يده قصاصاً عنها كانت الإبهام مقطوعة أو غيرها. ومن قطع يمين رجل عمداً ولا يمين له، فديتها في ماله لا على العاقلة، فإن كان عديماً ففي ذمته، ولا تغظ عليه الدية كدية العمد إذا قبلت. وعقل المأمومة والجائفة عمداً على العاقلة، كان للجاني مال أو لم يكن، وعليه ثبت مالك وبه

أقول. وكان قد قال مالك: إنه في ماله، إلا أن يكون عديماً فتكون على العاقلة ثم رجع. والفرق بين ذلك وبين اليدين، أن الجائفة والمأمومة موضعهما قائم لا قود فيها. (¬1) 4199 - قال مالك: وكل ما يجنيه عمداً، فلا يقتص منه [و] في جسده مثله، فعقل ذلك على العاقلة، وعلى الجانب الأدب، وكذلك في المأمومة والجائفة. وكذلك ما لا يستطاع منه القود إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية. وأما ما ذهب من جسد الجاني، ولو كان قائماً لاقتص منه، فعقل ذلك في ماله أو في ذمته في عدمه. ولا تحمل العاقلة أقل من الثلث، وإنما تحمل الثلث فصاعداً إذا كان خطأ. 4500 - ومن شج رجلاً ثلاث مأمومات في ضربة واحدة ففيها الدية كاملة، فإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملتها العاقلة، لأن هذا يبلغ أكثر من الثلث، وإن كان ذلك في ثلاث ضربات، وكان ضرباً متتابعاً لم يقلع عنه، فهو كضربة واحدة تحملها العاقلة، وإن كان مفترقاً في غير فور واحد لم تحمله العاقلة. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/324) ، والتاج والإكليل (6/248) .

ومن طرح سن صبي لم يثغر خطأ، وقف [عليه] عقله بيد عدل، فإن عادت لهيئتها، رجع العقل إلى صاحبه، وإن لم تعد أعطي العقل كاملاً، وإن مات الصبي قبل أن تنبت سنه، فالعقل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها الذي قلعت منه، كان له من العقل بقدر ما نقصت. ولو قُلعت عمداً، وقف له العقل أيضاً، ولا يعجل بالقود حتى يستبرأ أمرها، فإن عادت لهيئتها، فلا عقل فيها ولا قود، وإن عادت أصغر من قدرها، أعطي ما نقصت، فإن لم تعد لهيئتها حتى مات الصبي، اقتص منه وليس فيها عقل، وهو بمنزلة ما لم ينبت. * * *

(كتاب الديات)

(كتاب الديات) (¬1) 4195 - ودية اليهودي [والنصراني] ، مثل دية نصف الحر المسلم، ودية نسائهم على النصف من دية رجالهم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم، والمجوسية أربع مائة درهم، وجراحهم من دياتهم على قدر جراح المسلمين من دياتهم. وإن قتل مسلم ذمياً خطأ، حملت عاقلته الدية في ثلاث سنين. والديات كلها: دية المسلم والمسلمة، والذمي الذمية، والمجوسي والمجوسية، إذا وقعت تحملها العاقلة في ثلاث سنين، فإن جنى مسلم على مجوسية خطأ ما يبلغ ثلث ديتها، أو ثلث ديته، حملته عاقلته، [وكذلك لمن جنى على مسلمة ما يبلغ ثلث ديتها، حملته عاقلته،] مثل أن يقطع لها أصبعين، فتحمل ذلك عاقلته، لأن ذلك أكثر من ثلث ديتها. ¬

(¬1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص2500) .

ولو جنت امرأة على رجل ما يبلغ ثلث ديتها، حملته العاقلة أيضاً. قال مالك - رحمه الله -: والأول أبين، وأصل هذا أن الجناية إذا بلغت ثلث دية الجاني أو ثلث دية المجني عليه، حملتها العاقلة. 4196 - ولو جنى مجوسي أو مجوسية على مسلم ما يبلغ ثلث دية الجاني، حمل ذلك أهل عواقلهم، الرجال منهم دون النساء، وهم الذين يؤدون معهم الخراج. وإذا جنى النصراني جناية حمل ذلك أهل جزيته، وهم أه لكورته الذين خراجه معهم، وعلى قاتل عبيدهم [قيمتهم] ما بلغت قيمتهم، كعبيد المسلمين، وإن كانت القيمة أضعاف الدية، إلا أن في مأمومة العبد وجائفته في كل واحد ثلث قيمته، وفي منقلته عشر قيمته ونصف عشر قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته، وفيما سوى ذلك من جراحه ما نقص بعد برئه. وإذا قتل ذمي مسلماً خطأ، حمّل ذلك عاقلته.

4197 - وإن أصاب أهل الذمة بعضهم بعضاً، حمل ذلك عواقلهم، وما تظالموا بينهم فالسلطان يحكم فيه بينهم. قال مالك - رحمه الله -: إنما العقل على القبائل، كانوا أهل ديوان أم لا، ومصر والشام أجناد قد جندت، فكل جند عليهم جرائرهم دون غيرهم من الأجناد، ولا يعقل أهل مصر مع أهل الشام، ولا أهل الشام مع أهل مصر، ولا الحضر مع البدو، ولا أهل البدو مع أهل الحضر، إذ لا يكون في دية واحدة إبل ودنانير، [أو دنانير] ودراهم، وإن انقطع بدوي فسكن الحضر عقل معهم، وكذلك الشامي يوطن مصر، فإنه يعقل معهم، بمنزلة رجل من أهل مصر [مع أهل الشام] ، ثم إن جنى وقومه بالشام وليس بمصر من قومه من يحمل ذلك لقلتهم، ضم إليه أقرب القبائل بها إلى قومه، وإن لم يكن بمصر من قومه أحد فليضم إليه أيضاً أقرب القبائل من قومه حتى يقووا على العقل، غذ لا يعقل أهل الشام مع أهل مصر. ويحمل الغني من العقل بقدره، ومن دونه بقدره، وذلك على قدر طاقة الناس في يسرهم.

4501 - وإذا جنى الصبي والمجنون عمداً أو خطأ بسيف أو غيره، فهو كله [خطأ] تحمله العاقلة إن بلغ الثلث، وإن لم يبلغ الثلث ففي ماله، ويتبع به ديناً في عُدمه. وإن كان المجنون يفيق أحياناً فما جنى في حال الإفاقة، فكالصحيح في حكمه في الجراح والقتل. وإذا رفع للقود وقد أخذه الجنون، أُخّر لإفاقته. 4502 - وقضى النبي ÷ في الجنين يخرج ميتاً بجناية جان، بغرة عبد أو وليدة. (¬1) قال مالك: والحمران من الرقيق أحب إلي من السودان، فإن قل الحمران بتلك البلدة فليؤخذ من السودان. والقيمة في ذلك خمسون ديناراً أو ستمائة درهم، وليست القيمة بسنة مجمع عليها، وإنا لنرى ذلك حسناً. فإذا بذل الجاني عبداً أو وليدة، جبروا على أخذها إن ساوى ما بذل خمسين ¬

(¬1) رواه البخاري (6910) ، ومسلم (1681) .

ديناراً أو ستمائة درهم، وإن ساوى أقل من ذلك، لم يجبروا على أخذه إلا أن يشاءوا. وليس عل أهل الإبل في ذلك إبل، وقد قضى النبي ÷ [في] الغرة والناس يومئذ أهل إبل، وإنما تقويمها بالعين أمر مستحسن. 4503 - وإذا ضربت المرأة عمداً أو خطأ، فألقت جنيناً ميتاً، فإن علم أنه حمل - وإن كان مضغة أو علقة، أو مصوراً ذكراً أو أنثى - ففيه الغرة بغير قسامة في مال الجاني، ولا تحملها العاقلة، ولا شيء فيه حتى يزابل بطنها، وتورث الغرة على فرائض الله عز وجل. قيل: فهل على الضارب كفارة؟ قال: قال مالك: إنما الكفارة في كتاب الله عز وجل [في قتل الحر خطأ. واستحسن مالك الكفارة] في الجنين، وكذلك العبد والذمي إذا قتلا ففيهما الكفارة، وفي جنينهما الكفارة، ولو ضربها رجل [خطأ] فماتت، ثم خرج الجنين بعد موتها ميتاً، فلا غرة فيه، وإنما على عاقلته الدية، لأنه مات بموت أمه، وعليه كفارة واحدة. وإن ضرب بطنها فألقت جنيناً حياً، ثم ماتت بجنين في بطنها، ومات الخارج قبل موتها أو بعد، ففي الأم دية واحدة والكفارة، ولا دية في الجنين الذي لم يزايلها

ولا كفارة. والذي ألقته إن استهل صارخاً ففيه القسامة والدية، وإن لم يستهل [صارخاً] ففيه الغرة. وإذا خرج الجنين ميتاً أو حياً، فمات قبل موتها ثم ماتت بعده، ورثته. ولو ماتت هي وقد استهل ثم مات بعدها، لورثها، ولو خرج الجنين ميتاً ثم خرج آخر حياً بعده أو قبله، أو ولد للأب ولد من امرأة أخرى فعاش، أو استهل صارخاً ثم مات مكانه وقد مات الأب قبل ذلك كله، كان لهذا الذي خرج حياً [ميراثه من دية الذي خرج ميتاً، ألا ترى أن المولود إذا خرج حياً] يرث أباه الميت أو أخاه قبل ولادته. ولو ضر بالأب بطن امرأته [خطأ] فألقت جنيناً ميتاً، فلا يرث الأب من دية الجنين شيئاً ولا يحجب، وميراثه لسواه. ومن ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنيناً حياً، فاستهل ثم مات، ففيه القسامة، والدية على العاقلة، ولو ضرب بطنها عمداً [فألقت جنيناً حياً، ثم استهل فمات] ، ففيه القصاص بقسامة، وذلك إذا تعمد ضرب بطنها خاصة.

قال: ولم يكن في الجنين يخرج ميتاً قسامة، لأنه كرجل ضرب فمات ولم يتكلم، وإذا صرخ ثم مات كان كالمضروب يعيش أياماً، ففيه القسامة، إذ لا يدرى أمات الجنين من الضربة، أو لما عرض له بعد خروجه. 4504 - ولو ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ، فألقت جنيناً ميتاً، حملته عاقلة الضارب، وإن كان ذلك عمداً كان في مال الجاني. وفي جنين أم الولد من سيدها ما في جنين الحرة، وفي جنين الأمة من غير السيد عشر قيمة أمه، كان أبوه حراً أو عبداً. وفي جنين الذمية عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه، وهما سواء، [والذكر والأنثى في ذلك سواء] . ولو أسلمت نصرانية حامل تحت نصراني، ففي جنينها ما في جنين النصرانية، وذلك نصف عشر دية أبيه، ولو استهل صارخاً ثم مات، حلف من يرثه يميناً واحدة لمات من ذلك واستحقوا ديته، لأن مالكاً قال في النصراني يقوم على قتله شاهد عدل مسلم: إن ولاته يقسمون معه يميناً واحدة، ويستحقون الدية على من قتله مسلماً كان أو نصرانياً.

وإن تزوج عبد مسلم نصرانية، ففي جنينها ما في جنين الحر المسلم. وإن أسلمت مجوسية حامل تحت مجوسي ففي جنينها ما في جنين المجوسي، أربعون درهماً. 4505 - وإذا قتل رجل وصبي رجلاً عمداً، قُتل الرجل، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية، ولو كانت رمية الصبي خطأ، ورمية الرجل عمداً، فمات منهما جميعاً، فأحب إلي أن تكون الدية عليهما جميعاً، لأني لا أدري من أيتهما مات. ومن ثبت عليه أنه قتل رجلاً عمداً ببينة، أو بإقراره، أو بقسامة، فعفي عنه، أو سقط عنه القتل لأن الدم لا يتكافأ، فإنه يضرب مائة ويحبس عاماً، كان القاتل رجلاً أو امرأة، مسلماً أو ذمياً، حراً أو عبداً، لمسلم أو لذمي، [والمقتول مسلم أو ذمي، حر أو عبد، لمسلم أو لذمي] ، وكذلك العبد يقتل وليك عمداً فتعفو عنه على أن تأخذه، فإنه يضرب مائة ويحبس عاماً، وإذا قتل عبد وليك فعفوت عنه ولم تشترط شيئاً، فذلك كما لو عفوت عن الحر، ولا تشترط الدية ثم تطلب الدية.

قال مالك: لا شيء لك إلا أن يتبين أنك أردتها فتحلف بالله [إنك] ما عفوت على ترك الدية إلا لأخذها، ثم ذلك لك. وكذلك في العبد لا شيء لك إلا [أن يعرف] أنك عفوت لتسترقه، فذلك لك، ثم يخير سيده. ولو عفوت على أن تأخذه رقيقاً، وقال سيده: إما أن تقتله أو تدعه، فلا قول له، والعبد لك إلا أن يشاء ربه دفع الدية إليك ويأخذه، فذلك له. 4506 - ومن أقر بقتل خطأ، فإن اتهم أنه أراد غناء ولد المقتول كالأخ والصديق، لم يصدق، وإذا كان من الأباعد، صدق إن كان ثقة مأموناً، ولم يخف أن يرشا على ذلك، ثم تكون الدية على عاقلته بقسامة، ولا تجب عليه بإقراره. (¬1) وإذا لزمت العاقلة كانت في ثلاث سنين، فإن أبى ولاة الدم أن يقسموا فلا شيء لهم ولا في مال المقر، كما لو ضُرب رجل فقال: قتلني فلان خطأ، فإنه يصدق، ويكون العقل على عاقلة القاتل بقسامة، وإلا لم يكن لهم في مال المدعى عليه شيء. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/406) .

4507 - وإذا قتل عشرة رجال رجلاً خطأ وهم من قبائل شتى، فعلى قبيلة كل رجل عشر الدية في ثلاث سنين، ولو جنوا قدر ثلث الدية، حملته عواقلهم أيضاً في سنة، وما كان دون الثلث ففي أموالهم، ولا تحمله عواقلهم. 4508 - وإذا فقا أعور العين اليمنى عين رجل صحيح اليمنى خطأ، فعلى عاقلته نصف الدية، وإن فقأها عمداً، فعليه خمسمائة دينار في ماله، وهو كأقطع اليد اليمنى يقطع يد رجل اليمنى، فدية اليد في مال الجاني، ولا يقتص من اليد أو الرجل اليمنى باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، وكذلك العين. ولا يقاد لسن إلا بمثلها في صفتها وموضعها: الرباعية بالرباعية، والعليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، وإن لم يكن للجاني مثل الذي طرح رجع ذلك إلى العقل. قال: وإن كان المفقوءة عينه أعور العين اليسرى، فله في عينه اليمنى ألف دينار، إذ لا قصاص له في عين الجاني، [و] لأن دية عين الأعور عند مالك ألف دينار. [قال مالك: وإن فقأ الأعور عين الصحيح التي مثلها باقية للأعور،

فللصحيح أن يقتص [إن أحب] ، وإن أحب فله دية عينه، ثم رجع فقال: إن أحب أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار، وقوله الآخِر أعجب إلي. (¬1) وإن فقأ أعمى عين رجل عمداً، فديتها في ماله لا على العاقلة. وإن فقأ أعور عيني رجل [جميعاً] عمداً، فله القصاص في عينه ونصف الدية في العين الأخرى. 4509 - ومن ذهب سمع إحدى أذنيه، فضربه رجل فأذهب سمع الأخرى، [فعليه نصف الدية] بخلاف عين الأعور. وليست الدية في شيء واحد مما هو زوج في الإنسان، مثل: ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/549) .

اليدين والرجلين وشبههما، إلا في عين الأعور وحدها، لما جاء فيها من السنة، وإنما في كل واحد من ذلك نصف الدية، سواء ذهب أولاً أو آخراً. 4510 - ومن شجّ رجلاً موضحة خطأ، فأذهب سمعه وعقله، فعلى عاقلته ديتان ودية الموضحة، لأنها ضربة واحدة، وكذلك إن شجه موضحة ومأمومة في ضربة، فعقلهما على العاقلة. وإن شجه موضحة ومأمومة في ضربة متعمداً، اقتص من الموضحة، وحملت العاقلة المأمومة. وإن ضربه عمداً فأوضحه فأذهب منها سمعه وعقله، فإنه يقاد من الموضحة بعد البرء، ثم ينظر إلى المقتص منه، فإن برئ ولم يذهب سمعه وعقله من ذلك، كان في ماله عقل سمع الأول وعقله، وقد يجتمع في ضربة واحدة قصاص وعقل. 4511 - ولو قطع أصبع رجل عمداً، فشلت من ذلك يده أو أصبع أخرى، اقتص من

الجاني في الأصبع ويستأنى به، فإن برئ ولم تشل يده، عقل ذلك في ماله. قال مالك: وهذا أحب ما في ذلك [إلي] من الاختلاف، وإن ضرب [رجل] رجلاً خطأ فقطع كفه فشل الساعد، فعلى عاقلته دية اليد لا غيرها، لأنها ضربة واحدة. 4512 - وإذا أصيبت العين فنقص بصرها، أغلقت الصحيحة ثم جعل له بيضة أو شيء في مكان يختبر به منتهى بصر السقيمة، فإذا رآها، حولت له إلى موضع آخر، فإن تساوت الأماكن أو تقاربت، قيست الصحيحة ثم أعطي بقدر ما نقصت المصابة من الصحيحة، والسمع مثله، يختبر بالأمكنة أيضاً حتى يعرف صدقه من كذبه. وإن ادعى المضروب أن جميع سمعه أو بصره ذهب، صدق مع يمينه، والظالم أحق بالحمل عليه، ويختبر إن قدر على ذلك بما وصفنا. 4513 - ومن جنى من أهل الإبل ما لا تحمله العاقلة، فذلك في ماله من الإبل، فإن قطع أصبع رجل خطأ كان في ماله ابنتا مخاض، وابنتا لبون، [وابنا لبون] ،

وحقتان، وجدعتان، وكذلك لو جنى ما هو أقل من بعير، كان ذلك عليه في الإبل. وقاتل العمد إذا صولح على أكثر من الدية، فذلك جائز، كان من أهل الإبل أو من غيرهم. وإذا قبلن دية العمد، فهي في مال القاتل لا على العاقلة. ومن جنى جناية خطأ وهو من أهل الإبل، فصالح الأولياء عاقلته على أكثر من ألف دينار، فذلك جائز إن عجلوها، فإن تأخرت، لم يجز، لأنه دين بدين، ولو جنى عمداً فصالح الأولياء على مال إلى أجل، جاز ذلك، لأن هذا دم وليس بمال. ولو صالح الجاني على العاقلة، والجناية خطأ مما تحملها العاقلة، فقالت العاقلة: لا نرضى بصلحه ولكنا نحمل ما علينا من الدية، فذلك لهم. 4514 - وما أصاب النائم من شيء يبلغ ثلث الدية، فهو على عاقلته، وإذا نامت امرأة على ولدها فقتلته، فديته على عاقلتها وتعتق رقبة. (¬1) وإن شهد شاهد على رجل أنه قتل فلاناً خطأ، فليقسم أولياء القتيل ويستحقون الدية على العاقلة. ¬

(¬1) انظر: المدونة الكبرى (16/413) .

ولو شهد رجل على رجل أنه قتل فلاناً خطأ، وشهد آخر على إقرار القاتل بذلك، فلا يجب على العاقلة بذلك شيء إلا بالقسامة. وإن شهد شاهد على إقرار القاتل أنه قتله خطأ، فلا يثبت ذلك من إقراره إلا بشاهدين، فيقسمون حينئذٍ معهما ويستحقون [الدية] ، وذلك بخلاف من أقام شاهداً على إقرار رجل بدين، هذا يحلف مع شاهده ويستحق حقه. وإذا حسنت حال المحدود في القذف، جازت شهادته في الدم وغيره. 4515 - وتجوز شهادة النساء في جراح الخطأ وقتل الخطأ، لأن ذلك مال. وإن شهدن مع رجل على منقلة أو مأمومة عمداً، جازت شهادتهن، [لأن العمد والخطأ فيهما مال ليس بقود] . وإذا قال المقتول: دمي عند فلان قتلني عمداً أو خطأ، فلولاته أن يقسموا ويقتلوه في العمد، ويأخذون الدية في الخطأ من العاقلة، وليس للورثة أن يقسموا على خلاف ما قال المقتول.

وإن قال: قتلني: ولم يقل عمداً أو خطأ، فما ادعاه ولاة المقتول من عمد أو خطأ، أقسموا عليه واستحقوه. وإن قال بعضهم: عمداً، و [قال] بعضهم: خطأ، فإن حلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم أجمعين، ولا سبيل إلى القتل. وإن نكل مدعو الخطأ، فليس لمدعي العمد أن يقسموا، ولا دم لهم ولا دية. وإن قال بعضهم: عمداً، وقال الباقون: لا علم لنا بمن قتله ولا نحلف، فإن دمه يبطل. وإن قال بعضهم: خطأ، وقال الباقون: لا علم لنا، أو نكلوا عن اليمين حلف مدعو الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية، ولا شيء للآخرين، ثم إن أراد الآخرون أن يحلفوا بعد نكولهم ويأخذوا نصيبهم من الدية لم يكن لهم ذلك. قال مالك: إذا نكل مدعو الدم عن اليمين ردوا الأيمان على المدعى عليهم، ثم [إن] أرادوا بعد ذلك أن يحلفوا، لم يكن لهم ذلك. وكذلك من أقام شاهداً على مال وأبى أن يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له، وإن نكل المطلوب ههنا غرم، ولم يرد اليمين على الطالب. فإن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد فادعى الخطأ، فليحلف خمسين يميناً

ويستحق الدية كلها، وإن ادعى العمد لم يقتل المدعى عليه إلا بقسامة رجلين فصاعداً، فإن حلف معه آخر من ولاة الدم [و] إن لم يكن مثله في القعدد، قُتل وإلا ردت الأيمان على المدعى عليه، فإذا حلف خمسين يميناً برئ، وإن نكل حبس حتى يحلف. 4516 - قال مالك: والمتهم بالدم إذا ردت عليه الأيمان، لا يبرأ حتى يحلف خمسين [يميناً] ، ويحبس حتى يحلفها، وليس في شيء من الجراح قسامة، ولكن من أقام شاهداً عدلاً على جرح عمداً أو خطأ، فليحلف معه يميناً واحدة، ويقتص في العمد ويأخذ الدية في الخطأ، وإنما خمسون يميناً في النفس لا في الجراح. قيل لابن القاسم: لِمَ قال مالك ذلك في جراح العمد وليست بمال؟ فقال: كلمت مالكاً في ذلك فقال: إنه لشيء استحسناه، وما سمعت فيه شيئاً.

قال مالك: الأمر المجتمع عليه أنه لا يقسم في دم العمد أقل من رجلين. قال ابن القاسم: ولا أراه أخذه إلا من قبل الشهادة، إذ لا يقتل أحد إلا بشاهدين. فإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفوا، فلا سبيل إلى القتل، كانوا اثنين أو أكثر. 4517 - وإذا كان للمقتول أولاد صغار - والقتل بقسامة -، فلأولياء المقتول تعجيل القتل، ولا ينتظر أن يكبر ولده فتبطل الدماء. وإن عفوا، لم يجز عفوهم إلا على الدية لا أقل منها. وإن كان أولاد المقتول صغاراً وكباراً، فإن كان الكبار اثنين فصاعداً، فلهم أن يُقسموا ويقتلوا ولا ينتظر بلوغ الصغار، وإن عفا بعضهم فللباقين منهم وللأصاغر حظهم من الدية، وإن لم يكن له إلا ولدين كبير وصغير،

فإن وجد الكبير رجلاً من ولاة الدم يحلف معه، وإن لم يكن ممن له العفو، حلفا جميعاً خمسين يميناً، ثم للكبير أن يقتل، وإن لم يجد من يحلف معه حلف خمساً وعشرين يميناً واستؤنى بالصغير، فإذا بلغ حلف أيضاً خمساً وعشرين يميناً ثم يستحق الدم. (¬1) 4518 - وإن كان القتل بغير القسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب، فإنما للحاضر أن يعفو، فيجوز العفو على الغائب ويكون له حظه من الدية، وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب، ولا يكفل، إذ لا كفالة في الحدود ولا في القصاص. وإن كان للمقتول أولياء كبار وصغار فللكبار، أن يقتلوا ولا ينتظروا الصغار، وليس الصغير كالغائب، [لأن الغائب] يكتب إليه فيصنع في نصيبه ما شاء. والصغير يطول انتظاره فتبطل الدماء، وإن كان أحد الوليين مجنوناً مطبقاً، فللآخر أن يقتل، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر. وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو مبرسم، فإنه ينتظر إفاقته، لأن هذا مرض من الأمراض. ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (6/252) .

4519 - ولا يقسم النساء في دم العمد، ويقسمن في [دم] الخطأ. وإنما يحلف ولاة الدم في الخطأ على قدر مواريثهم من الميت، فإن لم يدع الميت إلا ابنة بغير عصبة، حلف خمسين يميناً وأخذت نصف الدية، وإن جاءت مع العصبة حلفت خمساً وعشرين يميناً والعصبة مثلها. فإن نكلوا لم تأخذ البنت نصف الدية حتى تحلف خمسين يميناً، [وإن كانت بنتاً وابناً غائباً لم تأخذ البنت ثلث الدية حتى تحلف خمسين يميناً] ، وإذا قدم الولد الغائب حلف ثلثي الأيمان وأخذ ثلثي الدية. وإذا انكسرت عليهم يمين نظر من يقع له أكثر تلك اليمين فيجبر عليه. وإن لزم واحداً نصف اليمين وآخر ثلث وآخر سدس، حلفها صاحب النصف. 4520 - وإن كان للمقتول أخ وجد، وأتوا بلوث من بينة، وادعيا الدم عمداً

أو خطأ، فليحلفا ويستحقا، وإن كان عشرة أخوة وجد، حلف الجد ثلث الأيمان والإخوة ثلثي الأيمان، فإن عفا الجد عن القتل دون الإخوة، جاز عفوه، وهو كأحدهم. وإن شهد شاهد على دم عمد أو خطأ، كانت القسامة. ولا يحبس المشهود عليه في الخطأ، لأن الدية إنما تجب على العاقلة. ويحبس في العمد حتى يزكوا الشهود، فتجب القسامة. وإن لم يزك فلا قسامة، إذ لا تجب القسامة إلا مع الشاهد العدل. ولا يقسم مع شاهد مسخوط. ولا يكفل في القصاص ولا في الحدود. وليس في قتل الخطأ حبس ولا تعزير. 4521 - وإذا وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم، ولا يدري من قتله، لم يؤخذ به أحد، وتبطل ديته ولا يكون في بيت المال ولا غيره. 4522 - وإذا قال المقتول: دمي عند فلان، وهو مسخوط أو غير مسخوط، فلا يتهم، وليقسم ولاته على قوله، وإن كانوا مسخوطين أيضاً فذلك لهم في

العمد والخطأ. وكذلك المرأة تقول: دمي عند فلان، ولا يشبه المقتول الشاهد إذا كان مسخوطاً، ألا ترى أن المدعي يحلف مع شاهده والمدعي مسخوط، أو امرأة، ويقسم مع قول المرأة وهي غير تامة الشهادة، ولا يقسم مع شهادتها. 4523 - وإذا قتل صبي صبياً، فقال المقتول: فلان الصبي قتلني، وأقر القاتل بذلك، وقامت على قول المقتول بينة عادلة، فلا يقسم على قوله، ولا يقبل إقرار الصبي، ولا يجوز في ذلك إلا عدلان على معاينة القتل، والصبي في هذا بخلاف المسخوط والمرأة، لأن الصبي لو أقام شاهداً على حقه لم يحلف [معه] . (¬1) 4524 - ولو قام لنصراني أو عبد شاهد على حق له، حلف معه واستحقه. ولو قال النصراني: دمي عند فلان، لم يقسم على قوله، لأن النصراني لا يقسم، وإنما يقسم المسلمون. وإذا قال المقتول: دمي عند فلان، فذكر رجلاً أورع أهل البلد، أقسم مع قوله، وإن رمى بذلك صبياً أقسم مع قوله، وكانت الدية على عاقلة الصبي. وإن رمى ذمياً أو عبداً كان لورثته أن يقسموا ويقتلوا في العمد، ¬

(¬1) انظر: مواهب الجليل (5/231) .

فإن استحيوا العبد، خير سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه. وإن ادعى الخطأ اقسموا، وخير سيده في غرم الدية أو إسلامه بها، وقيل لأهل جزية هذا الذمي: احملوا العقل. 4525 - وإذا قال ابن الملاعنة: دمي عند فلان، فإن كانت أمه معتقة فلمواليها أن يقسموا ويستحقوا الدم في العمد والدية في الخطأ. وإن كانت من العرب أقسمت في الخطأ أمه وأخوته لأمه، وأخذوا حظهم من الدية. وإن كان عمداً فلا قسامة فيه، وهو كمن لا عصبة له، فلا يقتل إلا ببينة، وليس لإخوته لأمه من الدم في العمد شيء. وفي كتاب الولاء والمواريث ذكر من يرثه. وإذا قتل ابن الملاعنة ببينة، فلأمه أن تقتل، كمن قُتل وله أم وعصبة فصالح العصبة وأبت الأم إلا أن تقتل، فذلك لها، وإن ماتت الأم فلورثتها ما كان لها، وكذلك ابن الملاعنة. 4526 - وإذا شهد شاهدان على رجل بالقتل، لم يكن في ذلك قسامة. ولو قال المقتول: دمي عند فلان وشهد شاهد أنه قتله، لم يجتزأ بذلك، ولا بد من القسامة. وإذا شهد رجل عدل أن هذا الرجل ضرب فلاناً حتى قتله، فلأوليائه أن يقسموا

ويقتلوا. وإن شهد أنه ضربه، وعاش الرجل وتكلم وشرب، ولم يسألوه أين دمك؟ حتى مات، ففيه القسامة. 4527 - ويحلف الورثة في القسامة بالله الذي لا إله إلا هو أن فلاناً قتله، أو مات من ضربه إن كان حياً، ولا يزاد في أيمانهم الرحمن الرحيم، وكذلك سائر الأيمان. 4528 - ويمين القسامة على البت، وإن كان أحدهم أعمى أو غائباً حين القتل. وما لزم العاقلة من الدية، فهو على الرجال خاصة دون النساء والذرية. ويؤدي الغني على قدره ومن دونه على قدره. وقد كان يحمل على الناس في أعطياتهم من كل مائدة درهم ونصف. 4529 - وإذا ادعى الدم ورثة المقتول على جماعة، وأتوا بلوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت بينة على أنهم ضربوه، أو حملوا صخرة فرموا بها رأسه فعاش بعد ذلك أياماً، وأكل وشرب ثم مات، فللورثة أن يقسموا على واحد أيهم شاءوا، ويقتلوا ولا يقسموا على جميعهم ويقتلوهم، لأن مالكاً قال: ولا يقسم في العمد إلا على واحد، وإن ادعو الخطأ على جماعة وأتوا بلوث من بينة، أقسم الورثة عليهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه، ثم تفرق الدية في قبائلهم في ثلاث سنين.

وكذلك إن قامت بينة أنهم جرحوه خطأ فعاش بعد ذلك أياماً ثم مات، فليس للورثة أن يقسموا على واحد ويأخذوا الدية من عاقلته، ولكن يقسمون على جميعهم وتفرق الدية على عواقلهم في ثلاث سنين. والفرق بين العمد والخطأ، أنه يقول: الضرب منا أجمعين، فلا تخصوا عاقلتي بالدية، ولا حجة له في العمد إلا أن يقسم عليه، لأن في القسامة على الجميع إيجاب لدمه إن شاءوا قتله، واللوث من البينة: الرجل الواحد العدل الذي يرى أنه حاضر الأمر. ومن أقام شاهداً أن فلاناً قتل عبده عمداً أو خطأ، حلف يميناً واحدة مع شاهده، لأنه مال، وغرم له القاتل قيمته، فإن كان القاتل عبداً خير سيده بين أن يغرم قيمة المقتول أو يسلم عبده، فإن أسلمه لم يقتل، لأنه لا يقتل بشهادة واحد، ولأنه لا قسامة في العبيد في عمد ولا خطأ. 4530 - وإذا قتل عبد رجلاً حراً، فأتى ولاة الحر بشاهد على ذلك، فلهم أن يحلفوا خمسين يميناً ويستحقون دم صاحبهم، فيقتلوا العبد إن شاءوا،

أو يستحيوه، فإن قالوا: نحلف يميناً واحدة ونأخذ العبد فنستحييه، لم يكن لهم ذلك، لنه لا يستحق دم الحر إلا ببينة عادلة، أو يحلفوا خمسين يميناً مع شاهدهم. وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة. 4531 - وإذا ضربت امرأة فألقت جنيناً ميتاً، وقالت: دمي عند فلان، ففي المرأة القسامة ولا شيء في الجنين إلا ببينة تثبت، لأنه جرح من جراحها ولا قسامة في جرح، ولا يثبت إلا ببينة أو بشاهد عدل، فيحلف ولاته معه يميناً واحدة ويستحقون ديته. وإن قالت: دمي عند فلان، فخرج جنينها حياً، فاستهل صارخاً ثم مات، ففي الأم القسامة، ولا قسامة في الولد، لأنها لو قالت: قتلني، وقتل فلانة [معي] ، لم يكن في فلانة قسامة [شيء] . وكذلك لو قالت: ضربن يفلان، وألقت جنيناً حياً فاستهل صارخاً ثم مات وعاشت الأم، لم يكن فيه قسامة، ولو قالت [وهي حية] : قتل ابني، لم يقبل قولها، ولا قسامة في ابنها.

4532 - ومن قال: دمي عند أبي، أقسم على قوله، وكانت الدية في الخطأ على العاقلة، وإذا كان عمداً ففي مال الأب. وإذا حلف الورثة في قسامة العمد، وهم رجال عدد، ثم أكذب نفسه واحد منهم قبل القتل، فلا سبيل إلى القتل إذا كان ممن لو أبى اليمين لم يقتل المدعى عليه. 4533 - ومن قتل رجلاً بحجر قُتل بحجر، وإن خنقه فقتله، قُتل خنقاً، وإن أغرقه أغرقته به، ولو كتفه فطرحه في نهر، فليُصنع به كذلك. قال مالك: يقتل بمثل ما قتله به، وإن قتله بعصا قُتل بعصا، وليس في مثل هذا عدد، فإن ضربه عصاوين فمات منهما، فإن القاتل يضرب بالعصا أبداً حتى يموت، وإن قطع يديه ثم رجليه ثم ضرب عنقه، فإنه يقتل، ولا تقطع يداه ولا رجلاه. وكل قصاص عليه، فالقتل يأتي على ذلك كله. وكذلك إن قطع يد رجل وفقأ عين آخر وقتل آخر، فالقتل يأتي على ذلك كله. وإن شهد شاهد أنه قطع يد رجل [خطأ] ، ثم قتله بعد ذلك عمداً، فدية اليد على عاقلته، ويقتل به القاتل، ويستحقون دية اليد بيمين واحدة، ولا يستحقون النفس إلا بقسامة.

وإذا قتل الصحيح سقيماً أجذم كان أو أبرص، أو مقطوع اليدين والرجلين عمداً، قتل به، وإنما هي النفس بالنفس، ولا ينظر إلى نقص البدن و [لا إلى] عيوبه. 4534 - ويقتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، وفي الجراح بينهما قصاص. وإذا اجتمع نفر على قتل امرأة أو صبي أو صبية عمداً، قتلوا بذلك، وكذلك إن اجتمعوا على قتل غيلة، قتلوا به. (¬1) 4535 - ولا يقتل الحر بالمملوك، ولا المسلم بالكافر إذا قتله عمداً، ولا قصاص بينهما في جرح ولا نفس إلا بقتله غيلة، وإن قطع يديه ورجليه غيلة، حكم عليه بحكم المحارب. 4536 - وإن قتل مسلم كافراً عمداً، ضرب مائة وحُبس عاماً. وإن قتله خطأ، فديته على عاقلته. وكذلك إن كانوا جماعة، فالدية على عواقلهم. وإن جرحه المسلم أو قطع يده أو رجله، أو قتله عمداً، فذلك في ماله، ¬

(¬1) انظر: القوانين الفقهية لابن جزي (ص227) .

ولا تحمل العاقلة من عمد المسلم في جنايته على الذمي إلا المأمومة والجائفة، وإنما استحسن مالك حمل العاقلة المأمومة والجائفة، ولم يكن عنده بالأمر البين. قال ابن القاسم: وقد اجتمع أمر الناس أن العاقلة لا تحمل العهد. وفي كتاب الجنايات ذكر القصاص بين العبيد. 4537 - وإذا قطع جماعة يد رجل عمداً، فله قطع أيديهم كلهم، بمنزلة القتل، والعين كذلك. ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، اقتص منه، وإذا قطع بضعة من لحمه، ففيها القصاص. 4538 - مالك: ولا قود في اللطمة. قال ابن القاسم: وفي ضربة السوط القود.

قال سحنون: وروي عن مالك أنه لا قود فيه كاللطمة، وفيه الأدب. 4539 - وإذا شهد صبيان على صبي قبل أن يفترقوا أنه جرح رجلاً أو قتله، لم تجز شهادتهم، وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم فقط. وهذا في كتاب الشهادات مذكور. 4540 - وإذا اغتالت المرأة رجلاً على مال فقتلته، حكم عليها بحكم المحارب. ومن قطع يد رجل أو فقأ عينه [على وجه الغيلة] ، فلا قصاص له، والحكم فيه إلى الإمام، إلا أن يتوب قبل أن يقدر عليه، فيكون عليه القصاص. ومن قتل وليه قتل غيلة، فصالح فيه على الدية، فذلك مردود، والحكم فيه إلى الإمام، إما أن يقتله أو يصلبه حياً ثم يقتله، على ما يرى من أشنع ذلك.

4541 - ومن فقأ أعين جماعة [اليمنى] وقتاً بعد وقت، ثم قاموا فلتفقأ عينه لجميعهم، وكذلك اليد والرجل، ولو أقام أحدهم وهو أولهم أو آخرهم، فله القصاص، ولا شيء لمن بقي. وكذلك لو قتل رجلاً عمداً، ثم قتل بعد ذلك رجالاً عمداً، قُتل ولا شيء عليه لهم. ولو قطع يمين رجل، ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من الله تعالى، أو سرق فقطعت يده، فلا شيء للمقطوعة يده، وقال في أقطع الكف اليمنى يقطع يمين رجل صحيح من المرفق، فالمجني عليه مخير إما أخذ عقل يده، وإما قطع اليد الناقصة من المرفق ولا عقل له، وكذلك من قطع يد رجل صحيح، والقاطع قد قُطعت من يده ثلاثة أصابع، فلصاحب اليد أن يأخذ العقل أو يقتص، ولا عقل له. ومن شج رجلاً موضحة فأخذت ما بين قرنيه، و [هي] لا تبلغ من الجاني إلا نصف رأسه، أو أخذت نصف رأس المشجوج وهي تبلغ من الجاني ما بين قرنيه، فإنما ينظر إلى قياس الجرح فيشق من رأس الجاني بقدره.

وإن أوضحه من قرنه إلى قرنه في ضربة، فهي موضحة بواحدة] ، وإن ضربه ضربة [واحدة] فأوضحه موضحتين، فله عقل موضحتين، وما دون الموضحة في العمد، ففيه القصاص. وإن قطع أشل اليد اليمنى يمنى رجل، فله العقل ولا قصاص له. وإن قطع يد رجل عمداً، ثم قطعت يد القاطع خطأ، فديتها للمقطوع الأول، وإن كان عمداً فللأول أن يقتص من قاطع قاطعه. 4542 - ومن قتل رجلاً [عمداً] ، فعدا عليه أجنبي فقتله، غرم ديته لأولياء المقتول الأول، ويقال لأولياء المقتول آخراً: ارضوا أولياء المقتول أولاً وشأنكم بقاتل وليكم في القتل أو العفو، فإن لم يرضوهم، فلأولياء الأول قتله أو العفو عنه، ولهم أن لا يرضوا بما بذلوا لهم من الدية أو أكثر منها. ومن قتل رجلاً عمداً فحبس للقتل، ففقأ رجل عينه أو جرحه في السجن عمداً أو خطأ، فله القود في العمد والعقل في الخطأ، وله العفو في عمده، ولا شيء لولاة المقتول في ذلك كله، وإنما لهم سلطان على من أذهب نفسه.

وكذلك لو حكم القاضي بقتله وأسلمه إليهم ليقتلوه، فقطع رجل يده عمداً، فله القصاص، بمنزلة ما وصفنا. ومن قتل وليك عمداً فقطعت يده، فله أن يقتص منك. ولو قطعت يده أو فقأت عينه خطأ، حملت ذلك عاقلتك، ويستقاد له ما لم يقد منه، وتحمل عاقلته ما أصاب من الخطأ. (¬1) ومن كسر بعض سن رجل، ففيه القصاص برأي أهل المعرفة. وقد تقدم في كتاب الجراح ذكر من يستقيد في الجراح والقتل. 4543 - ومن سقى رجلاً سماً فقتله، فإنه يقتل بقدر رأي الإمام. والذين يسقون الناس السيكران ويموتون منه ويأخذون أمتعتهم، كالمحاربين. ومن صالح من موضحة خطأ، على شيء أخذه ثم نزى منها فمات، فليقسم ولاته أنه مات منها، ويستحقون الدية على العاقلة، ويرجع الجاني فيما دفع، ويكون في العقل كرجل من قومه. ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/535) .

وإن قطع يده عمداً فعفا عنه ثم مات منها، فلأوليائه القصاص في النفس بقسامة، إن كان عفا عن اليد لا عن النفس. 4544 - وللمقتول أن يعفو عن قاتله عمداً، وكذلك في الخطأ إن حمل ذلك الثلث. 4545 - ومن ضُرب فمات تحت الضرب أو بقي مغموراً، لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات، فلا قسامة فيه، وإن أكل وشرب وعاش حياة [بينة] تعرف، ثم مات بعد ذلك، ففيه القسامة في العمد والخطأ، إذ لعله مات من أمر عرض له غير ذلك، وكذلك إن مكث يوماً أو يومين فتكلم، [ولم يأكل ولم يشرب، وكذلك إن قطع فخذه فعاش يومه، فأكل وشرب، ثم مات آخر النهار، ففيه القسامة، وأما إن شقت حشوته فتكلم] ، وأكل وعاش يومين أو ثلاثة، فإنه يقتل قاتله بغير قسامة إذا كان قد أنفذ مقاتله، ألا ترى أن الشاة إذا خرق السبع بطنها فشق أمعاءها ونثرها أنها لا تؤكل، لأنها غير ذكية، وهي لا تحيا على حال.

4546 - وإذا قتل جماعة رجلاً عمداً، فللولي قتل من أحب منهم، أو العفو أو الصلح فيمن أحب [منهم] . ولو عفا المقتول عن أحدهم، كان للورثة قتل من بقي. ومن قتل عمداً وله إخوة وجَدّ، فمن عفا من الإخوة أو الجد، جاز عفوه، وليس للإخوة للأم في العفو عن الدم نصيب، وإذا قامت بينة بالقتل عمداً، وللمقتول بنون وبنات، فعفو البنين جائز على البنات، ولا أمر لهن مع البنين في عفو ولا قيام، فإن عفوا على الدية دخل فيها النساء، وكانت على فرائض الله عز وجل، وقضي منها دينه. فإن عفا واحد من البنين سقط حظه من الدية، وكان بقيتها بين من بقي على الفرائض، وتدخل في ذلك الزوجة وغيرها. وكذلك إذا وجب الدم بقسامة، ولو أنه عفا على الدية، كانت له ولسائر الورثة على المواريث، وإذا عفا جميع البنين، فلا شيء للنساء من الدية، وإنا لهن إذا عفا بعض البنين. قال: والإخوة والأخوات إذا استووا فهم كالبنين [والبنات] فيما ذكرنا،

وإن كان الأخوات شقائق والإخوة للأب، [فلا عفو إلا باجتماعهم، لأن الإخوة للأب معهن عصبة، وإذا كان للمقتول بنات وعصبة، أو أخوات وعصبة، فالقول قول من دعا إلى القتل، كان من الرجال أو من النساء] . ولا عفو إلا باجتماعهم، إلا أن يعفو بعض البنات وبعض العصبة، أو بعض الأخوات وبعض العصبة، فلا سبيل إلى القتل، ويقضى لمن بقي بالدية. وإن قال بعض البنات: نقتل، وبعضهن: نعفو، نظر إلى قول العصبة، فإن عفوا تم العفو، وإن قالوا: نقتل، فذلك لهم. وإن قال بعض العصبة وبعض البنات: نقتل، وعفا من بقي من العصبة والبنات، فلا سبيل إلى القتل. وإن لم يترك إلا ابنته وأخته، فلابنة أولى بالقتل وبالعفو، وهذا إذا مات مكانه، وإن عاش وأكل وشرب ثم مات، فليس لهما أن يقسما، لأن النساء لا يقسمن في العمد، وليقسم العصبة، فإن أقسموا وأرادوا القتل وعفت الابنة، فلا عفو لها، وإن أرادت القتل وعفا العصبة، فلا عفو لهم إلا باجتماع منهم ومنها، أو منها وبعضهم. 4547 -[وإن كان رجلاً لا عصبة له وكان القتل خطأ، أقسمت أخته وابنته وأخذتا الدية] ، وإن كان عمداً لم يجب القتل إلا ببينة.

4548 - ومن أسلم من أهل الذمة أو رجل لا تعرف عصبته، فقتل عمداً أو مات مكانه وترك بنات، فلهن أن يقتلن، فإن عفا بعضهن وطلب بعضهن القتل، نظر السلطان بالاجتهاد في ذلك إذا كان عدلاً، فإن رأى العفو أو القتل أمضاه. وإن ادعى القاتل أن وليّ الدم عفا، فله أن يستحلفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل، فإن ادعى القاتل بينة غائبة على العفو تلوم له الإمام. وإذا كان للمقتول عمداً ولد صغير وعصبة، فللعصبة أن يقتلوا أن يأخذوا الدية ويعفوا، ويجوز ذلك على الصغير، وليس لهم أن يعفو على غير مال. وكذلك من وجب لابنه الصغير دم عمد أو خطأ، لم يجز للأب أن يعفو [فيه] إلا على الدية لا اقل منها، فإن عفا الأب في الخطأ وجعل الدية في ماله، جاز ذلك إن كان الأب ملياً يُعرف ملاؤه، فإن لم يكن ملياً لم يجز عفوه. وكذلك العصبة، وإن لم يكونوا أوصياء. 4549 - وإذا جرح الصبي عمداً وله وصي، فللوصي أن يقتص له، وأما إن قتل فولاته أحق من الوصي بالقيام بذلك، وليس للأب أن يعفو عمن جرح ابنه الصغير، إلا أن يعوضه من ماله.

وليس للوصي أيضاً أن يعفو في ذلك إلا على مال على وجه النظر، والعمد في ذلك والخطأ سواء. ولا يأخذ الأب والوصي في ذلك أقل من الأرش، إلا أن يكون الجارح عديماً فيرى الأب أو الوصي من النظر صلحه على أقل من دية الجرح، فذلك جائز. وإذا قُتل للصغير عمداً عبد، فأحب إليّ أن يختار أبوه أو وصيه أخذ المال، إذ لا نفع له في القصاص. 4550 - وسئل مالك - رضي الله عنه - عن خير الناس بعد نبيهم؟ فقال: أبو بكر [ثم عمر] ، ثم قال: أوفي ذلك شك؟ فقيل: فعلي وعثمان أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحداً ممن يقتدى به يفضل أحدهما على صاحبه ويرى الكف عنهما.

4551 - ومن وجب لهم الدم قبل رجل، فقتلوه قبل أن ينتهوا به إلى الإمام، فلا شيء عليهم غير الأدب. وإذا عفا المقتول خطأ عن ديته، جاز ذلك في ثلثه، فإن لم يكن له مال وأوصى مع ذلك بوصايا، فلتتحاص العاقلة وأهل الوصايا في ثلث ديته. ولو أوصى بثلثه لرجل بعد الضرب دخلت الوصية في ديته، لأنه قد علم أن قتل الخطأ مال. وكذلك إن أوصى بثلثه قبل أن يضرب وعاش بعد الضرب ومعه من عقله ما يعرف به ما هو فيه فلم يغير الوصية، فإنها تدخل في ديته [إلا أن تختلس نفسه ولا يعرف له بعد الضرب حياة، فلا تدخل الوصايا في ديته] . ولو كان القتل عمداً فقبل الأولياء الدية، لم تدخل فيه الوصايا وإن عاش بعد الضرب، وتورث على الفرائض، إلا أن يكون عليه دين فأهل الدين أولى بذلك.

4552 - ومن قتل رجلاً عمداً، فلم يقتل حتى مات أحد ورثة المقتول وكان القاتل وارثه، بطل القصاص، لأنه ملك من دمه حصة، فهو كالعفو، ولبقية أصحابه عليه حصتهم من الدية. وإن مات وارث المقتول الذي له القيام بالدم، فورثته مقامه في العفو والقتل. وإن مات من ولاة الدم رجل وورثه رجال ونساء، فللنساء من القتل أو العفو ما للذكور، لأنهم ورثوا الدم عمن له العفو أو القتل. ومن قُتل عمداً وله بنون وبنات، فماتت واحدة من البنات وتركت بنين ذكوراً، فلا شيء لهم من الدم في عفو ولا قيام، كما لم يكن لأمهم، وإنما لهم إن عفا بعض البنين الذكور عن الدم حصة أمهم من الدية لا غير. ومن قتل رجلاً عمداً فكان وليّ الدم ولد القاتل، فقد كره [له] مالك القصاص منه، وكان يكره أن يحلفه في الحق، فكيف يقتله؟!.

وإذا هرب القاتل، فلولاة الدم أن يقيموا عليه البينة في غيبته ويقضى عليه، لجواز القضاء على الغائب، فإذا قدم كان على حجته ولا تعاد البينة. وإذا أفلست امرأة، ثم تزوجت وأخذت مهراً، فليس لغرمائها فيه قيام بدينهم، ولا تقتضي منه ديناً، ويبقى زوجها بلا جهاز، إلا أن يكون الشيء الخفيف كالدينار ونحوه. وفي كتاب التفليس إيعاب هذا بحمد الله تعالى. 4553 - ومن دفع إلى صبي دابة أو سلاحاً يمسكه، فعطب بذلك، فديته عل عاقلته. وكذلك الدابة يسقيها له، وعليه عتق رقبة. ومن حمل صبياً على دابة يمسكها أو يسقيها، فوطئت رجلاً فقتلته، فالدية على عاقلة الصبي، ولا رجوع لعاقلته على عاقلة الرجل الذي حمله على الدابة بشيء، وإن كان رجلان مرتدفان على دابة فوطئت رجلاً بيديها أو برجليها فقتلته، فأراد على المقدم إلا أن يعلم أن المؤخر حركها أو ضربها فيكون عليهما، لأن المقدم بيده لجامها، أو يأتي من فعلها أمر يكون من المؤخر لا يقدر المقدم على دفعه، وذلك مثل أن يضربها المؤخر فترمح لضربه، فتقتل رجلاً، فهذا وشبهه

على عاقلة المؤخر خاصة. ولا يضمن المقدم النفحة إلا أن يكون سببها من فعله، وإذا كان صنيعها لفعل المؤخر لم يعلم به المقدم ولا استطاع حبسها، فذلك على المؤخر خاصة، وإن كان المقدم صبياً فإن كان قد ضبط الركوب، فهو كالرجل فيما ذكرنا. ولا يضمن المقدم ما كدمت إلا أن يكون ذلك بسببه. وكذلك الراكب على الدابة لا يضمن ما كدمت أو نفحت، غلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. ويضمن ما وطئت بيديها أو رجليها، لأنه هو يسيرها. وإن جمحت دابة براكبها فوطئت إنساناً فعطب، فهو ضامن. ومن نخس دابة [رجل، فوثبت] فقتلت إنساناً، فديته على عاقلة الناخس. ومن قاد قطاراً، فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو في آخره.

وإن نفحت رجلاً فأعطبته، لم يضمن القائد ذلك إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. والقائد والسائق ضامن لما وطئت الدابة بيديها أو برجليها. وإن اجتمع قائد وسائق وراكب، فما أوطئت الدابة فعلى القائد والسائق، إلا أن يكون فعلها بسبب الراكب، فذلك عليه، خاصة إذا لم يكن فيه عون من القائد أو السائق. 4554 - وقال مالك في جمّال حمل عدلين على بعير لغيره بإذنه وهو أجير، فسار به وسط السوق، فانقطع الحبل، فسقط عدل على أحد فقتله: إن الجمال ضامن من دون صاحب البعير. ومن سقط عن دابته على أحد فقتله، فالساقط ضامن، وذلك على عاقلته. 4555 - وما أشرع الرجل في طريق المسلمين من ميزاب، أو ظلة، أو حَفْر بئر، أو سرب للماء أو للريح في داره أو في أرضه، أو حفر شيئاً مما يجوز له في داره

أو في طريق المسلمين، مثل: بئر المطر أو مرحاض يحفره إلى جنب حائطه، فلا غرم عليه لما عطب في ذلك كله، وما صنعه في طريق المسلمين مما لا يجوز له من حفر بئر أو رباط دابة ونحوه، فهو ضامن لما أصيب بذلك. وإن حفر حفيراً في داره، أو جعل حبالة ليُعطب بها سارقاً، فعطب فيها السارق أو غيره، فهو ضامن لذلك. وإن حفر حفيراً في دار رجل بغير إذنه، فعطب فيه إنسان، ضمنه الحافر. 4556 -[مالك:] ومن اتخذ كلباً عقوراً، فهو ضامن لما أصاب إن تقدم إليه فيه. قال ابن القاسم: وذلك إذا اتخذه حيث يجوز له، فلا يضمن ما أصاب حتى يتقدم إليه فيه، وإن اتخذه بموضع لا يجوز له اتخاذه فيه كالدور وشبهها وقد عرف أنه عقور، ضمن ما أصاب. (¬1) والحائط المخوف إذا أُشهد [به] على ربه، ثم عطب تحته أحد، فربه ضامن، وإن لم يشهدوا عليه، لم يضمن وإن كان مخوفاً. وإن كانت الدار مرهونة أو مكتراة، لم ينفعهم الإشهاد إلا على ربها، ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (5/278) ، ومواهب الجليل (6/241) .

فإن غاب رفع أمره إلى الإمام ولم ينفعهم الإشهاد على الساكن، إذ ليس له هدم الدار. 4557 - ومن استأجر عبداً في بئر يحفرها له، ولم يأذن له سيده في الإجارة ولا في العمل، أو بعثه بكتاب إلى سفر بغير إذن سيده، فعطب فيه، فهو ضامن. 4558 - وإذا اصطدم فارسان، فمات الفارسان والراكبان، فدية كل واحد على عاقلة الآخر، وقيمة فرس كل واحد في مال الآخر. ولو أن سفينة صدمت سفينة أخرى، فكسرتها فغرق أهلها، فإن كان ذلك من ريح غلبتهم أو من شيء لا يستطيعون حبسها، فلا شيء عليهم، وإن كانوا قادرين على أن يصرفوها فلم يفعلوا، ضمنوا. ولو أن حراً أو عبداً اصطدما، فماتا جميعاً، فثمن الغلام في مال الحر، ودية الحر في رقبة الغلام، فإن [كان] في ثمن الغلام فضل عن دية الحر، كان في مال الحر، وإلا فلا شيء لسيد العبد. وإن قتل حر وعبد جميعاً رجلاً خطأ، فعلى عاقلة الحر نصف الدية، ويقال لسيد العبد: ادفع عبدك أو افده بنصف الدية.

4559 - ومن جرح رجلاً جرحين خطأ، وجرحه آخر جرحاً خطأ، فمات من ذلك فأقسمت الورثة عليهما، كانت الدية على عاقلتيهما بنصفين، لا على الثلث والثلثين. وإذا قتل العبد رجلاً له وليان، فعفى أحدهما، قيل لسيده: ادفع نصفه أو افده بنصف الدية، وإن قتل قتيلين وليهما واحد، فليس له أن يسلم نصفه بدية أحدهما ويفتك نصفه بدية الآخر، ولكن يسلمه كله أو يفتكه بديتيهما، وإن كان لكل قتيل أولياء، فعفا أولياء أحدهما، فلأولياء الآخر قتله، فإن استحيوه ليأخذوه، قيل لسيده: إما أن تسلم نصفه أو تفديه بالدية. 4560 - وإذا جرح العبد رجلاً، فبرأ جرحه، وفدى العبد سيده، ثم انتقض الجرح فمات منه، فليقسم ولاته ولهم قتله في العمد، فإن استحيوه على استرقاقه، صار العمد كالخطأ، وخير سيده بين أن يسلمه أو يفديه بالدية، فإن أسلمه رجع بما دفع أولاً في الجرح، وإن فداه قاصه به في الدية.

ولو أن عبيداً قتلوا رجلاً خطأ، أو جرحوه وهم لمالك واحد أو لجماعة، فدية النفس أو الجرح تقسم على عددهم، فمن شاء سيده منهم فداه بما يقع عليه أو أسلمه، قلّت قيمته أو كثرت، قلّ ما يقع عليه أو كثر، كانوا لواحد أو لجماعة. 4561 - ومن فقأ عيني عبد أو قطع يديه جميعاً فقد أبطله، ويعتق عليه ويضمن قيمته، فإن لم يبطله مثل أن يفقأ عينه الواحدة أو يجذع أذنه وشبهه فعليه ما نقصه ولا يعتق عليه. وقد سمعت أنه يسلم إلى من فعل ذلك به ويعتق عليه، وذلك رأيي إذا أبطله على صاحبه. 4562 - وإذا قطع عبدك يد رجل خطأ، وقتل آخر خطأ، فإن أسلمته فهو بينهما أثلاثاً، ولو استهلك مع ذلك مالاً، حاص أهل المال أهل الجراح في رقبته بقيمة

ما استهلك لهم، ولو قتل [رجلاً] واحداً خطأ، وفقا عين آخر، فلك أن تفدي ثلثيه في القتل بجميع الدية، وتسلم إلى صاحب العين ثلثه، فيكون معك في العبد شريكاً. 4563 - وقال في المدبر يجني، فتسلم خدمته في الجناية، فيموت السيد قبل أن يفي ما خدم بالجناية، فلم يحمله الثلث فيعتق منه محمل الثلث: فإنه ينظر ما بقي لأهل الجناية فيقسم [على] ما رق منه وما عتق، فإما فدى الورثة ما رق منه بما ينوبه أو أسلموه، وما وقع على المعتق منه أتبع به. قيل: أفيأخذون [منه] جميع كسبه حتى يستوفوا بقية الجناية التي صارت لهم على العتيق منه؟ قال: قد قال مالك - رحمه الله - في العبد نصفه حر يجني، فيفدي السيد حصته: إن ما بيد العبد من مال يؤخذ في نصف الجناية التي لزمته، وكذلك المدبر فيما بيده من المال.

وأما ما اكتسب العبد من مال، فلا يؤخذ من الجزء العتيق إلا ما فضل عن عيشه وكسوته، والذي أُخذ من العبد في جنايته إنما هو قضاء لنصيبه الذي عتق منه، فإن كان كفافاً لم يتبع بشيء، وإن كان فيه فضل، وقف الفضل بيده، وإن قصر عن ذلك أتبع به في حصة الحر، وأما ما رق لهم منه، فلا يتبعوه فيه بشيء من الجناية، لأنه رقيق لهم، وعليهم أن يطعموه ويكسوه بقدر الذي رق لهم. 4564 - قال مالك - رحمه الله - في عبد على برذون، مشى على أصبع صبي فقطعها، فتعلق به يقول: هذا فعل بي ذلك، وصدقه العبد: فما كان في مثل هذا، يتعلق به وهو يدمي، ويقر به العبد، [فهو] في رقبته إما فداه سيده أو أسلمه، وأما على غير هذا من إقرار العبد، فلا يقبل إلا ببينة، وإن أقر العبد بقتل عبد لهم، فلهم قتله، فإن استحيوه فليس لهم ذلك، للتهمة أن يكون أقر ليفر إليهم. 4565 - وإن جنى عبد في يديك عارية، أو وديعة، أو رهناً، أو بإجارة، وهو لرجل

غائب ففديته، ثم قدم [الغائب] ، فإما دفع إليك ما فديته وأخذه، وإلا أسلمه إليك ولا شيء عليه. 4566 - وإن عجز المكاتب وعليه دين، فديته في ذمته إلا أن يكون له مال حين عجز، فيؤدوا منه الدين، وكلما أفاد بعد عجزه، فللغرماء أن يأخذوه في دينهم، إلا ما كان من كسب يده وعمله في الأسواق. وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة، فرهق العبد دين، وعلى المكاتب دين، فقام الغرماء، فالعبد يباع في دين المكاتب ويثبتون أن عليه ديناً، ويبقى دين العبد في ذمته يتبع به. 4567 - وإذا جنت مكاتبة، ثم ولدت فماتت، فلا شيء على الولد من جنايتها، ولا مما في ذمتها من دين. وكذلك المدبرة تلد بعد الجناية، فلا يدخل ولدها في الجناية، وكذلك الأمة تجني وهي حامل، أو حملت بعد أن جنت ثم وضعت، فلا يسلم ولدها معها في الجناية، وتسلم بمالها، كسبته بعد الجناية أو قبلها. وإذا جنت الأمة، منع سيدها من وطئها حتى يحكم فيها.

4568 - وإذا قتلت أم الولد رجلاً عمداً له وليان، فعفا أحدهما، فعلى السيد الأقل من نصف قيمتها أو نصف الدية، وإذا قال: لا أدفع [إليكم] شيئاً، إنما لكم قتل، فليس ذلك له، كالحر يقتل رجلاً له وليان فيعفو أحدهما، فعليه للآخر نصف الدية، ويجبر على ذلك. 4569 - ولا تجوز شهادة النساء في دم العمد، ولا في العفو عنه. 4570 - ومن قطع أصابع رجل [عمداً] ، ثم قطع بقية كفه، فإنما عليه أن يقطع يده من الكف، إلا أن يكون فعل ذلك به على وجه العذاب، فيصنع به مثل ذلك. ولو طرح رجلاً في نهر ولم يدر أنه لا يحسن العوم، [فمات] ، فإن كان على [وجه] العداوة والقتال، قُتل به، وإن كان على غير ذلك، فعليه الدية ولا يقتل به.

4571 - وإن شهد رجل أن فلاناً قتل فلاناً بالسيف، وشهد آخر أنه قتله بالحجر، فذلك باطل، ولا يقسم بذلك. (¬1) 4572 - ومن وضع سيفاً في طريق المسلمين، أو في موضع يرصد به قتل رجل، فعطب به ذلك الرجل، فإنه يقتل بهن وإن عطب به غيره، فديته على عاقلته. قال المصنف - رضي الله عنه -: وقد تركت من هذا الباب مسائل كثيرة، قد تقدم ذكرها في كتاب التفليس، وفي كتاب الجنايات [وغيره] ، فأغنى عن إعادتها. * * * [قال خلف بن أبي القاسم البراذعي القروي: قد تضمن هذا الكتاب مسائل المدونة والمختلطة كلها، خلا كثيراً من تكرارها وآثارها، وأجريت فيه ذكر مالك وغيره من أصحابه، فيما لا غنى فيه عنه، مما هو في المدونة، وجعلت ما لم أذكر قائله من المسائل منسوباً إلى عبد الرحمن بن القاسم، وإن كانت كلها قول مالك، ¬

(¬1) انظر: التاج والإكليل (6/271) .

فمنها ما سمعه منه، أو بلغه عنه، أو قاسه على أصوله، إلا ما بيّن أنه خالفه فيه واختاره من أحد قوليه، فإني ذكرت ذلك حسبما هو في المدونة، وما كان في هذا الكتاب "وهو أحب إليّ"، أو "وبه أقول"، فهو اختيار ابن القاسم، والله تعالى أسأله التوفيق برحمته، وحسبنا الله ونعم الوكيل] . [تم جميع الديوان بحمد الله وعونه، في العشر الأواخر من شعبان المكرم، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، فرحم الله كاتبه وكاسبه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً الله على محمد خاتم النبيين وسلم تسليماً] . * * * تم بحمد الله

§1/1