التنكيت على الموطأ

عبد الله بن مانع الروقي

[مقدمة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .. أما بعد، فهذه تعليقات وفوائد لي ولبعض شيوخي كشيخنا ابن باز وابن عثيمين، وأضيفت إليها فوائد لبعض الأئمة المتقدمين وبعض الفوائد الحديثية، اسأل الله أن ينفع بها جامعها وقارئها، والأصل في كل ما في الحاشية أنه من كلام شيخنا ابن باز رحمة الله، إلا ما ذكرت خلافه، والحمد لله رب العالمين. وكتبه عبد الله بن مانع الروقي

1 - كتاب وقوت الصلاة

1 - كتاب وقوت الصلاة باب وقوت الصلاة 10 - وحدثني (¬1)، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه -، أنه قال: كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى عمرو بن عوف، فيجدهم يصلون العصر (¬2). باب وقت الجمعة 14 - وحدثني، عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن ابن أبي سليط (¬3): أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل. قال مالك: «وذلك للتهجير وسرعة السير». باب جامع الوقوت 20 - وحدثني، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه كان يقول: «إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم -أو أفضل- من أهله وماله». قال يحيى: قال مالك: «من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهيًا أو ناسيًا حتى قدم على أهله: أنه كان قدم على أهله -وهو في الوقت- فليصل صلاة المقيم. ¬

(¬1) يعني: يحيي بن يحيي الليثي، راوي الموطأ. (¬2) كأنهم يصلون في وسط الوقت المختار. (¬3) عبد الله بن أبي سليط، كما في التعجيل.

باب النوم عن الصلاة

وإن كان قد قدم- وقد ذهب الوقت- فليصل صلاة المسافر (¬1)؛ لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه». قال مالك: «وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا» (¬2) ... 24 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أغمي عليه، فذهب عقله، فلم يقض الصلاة. قال مالك: «وذلك فيما نرى -والله أعلم- أن الوقت قد ذهب، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي» (¬3). باب النوم عن الصلاة 25 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قفل من خيبر أسرى، حتى إذا كان من آخر الليل عرس، وقال لبلال: «اكلأ لنا الصبح»، ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكلأ بلال ما قدر له، ثم ¬

(¬1) بل يصليها تامة: صلاة مقيم؛ لأن السفر قد زال. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: عمن ذكر صلاة سفر في حضر؟ فقال: يتم: صلاة مقيم. (¬2) قلت: قال الحافظ ابن عبد البر -رحمة الله تعالى- في «التمهيد» (3: 4): «قال الدراوردي: إذا قال مالك: «وعليه أدركت أهل بلدنا، وأهل العلم ببلدنا»، و «الأمر المجتمع عليه عندنا» فإنه يريد: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وابن هرمز». (¬3) قلت: تكلم شيخنا عن الإغماء، والخلاف في القضاء فيمن حدده بإدراك وقت الصلاة، ومن حده بخمس صلوات -كالأحناف- فيقضي، وما زاد لا. ثم اختار: أن الأقرب ثلاثة أيام؛ لفعل عمار - رضي الله عنه -، فتكون حدا. فمن أغمي عليه أكثر لا يقضي، وأقل يقضي. ثم أمرني بعد ببحث المسألة. والله المستعان. هذا بحث للمؤلف ينبغي أن يثبت، فليراجع المؤلف «نفح العبير» (1/ 74).

استند إلى راحلته، وهو مقابل الفجر، فغلبته عيناه، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من الركب، حتى ضربتهم الشمس، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بلال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقتادوا»، فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئًا، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام الصلاة، فصلى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: «من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله - تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]» (¬1). 26 - وحدثني: عن مالك، عن زيد بن أسلم، أنه قال: عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بطريق مكة، ووكل بلالًا أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن يركبوا، حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: «إن هذا واد به شيطان»، فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن ينزلوا، وأن يتوضئوا، وأمر بلالًا: أن ينادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم، فقال: «يا أيها الناس، إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة - أو نسيها- ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها»، ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقال: «إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي، حتى نام»، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا، فأخبر ¬

(¬1) وهذا من رحمة الله، وحتى يحصل للناس الطمأنينة إذا وقع لهم مثل ذلك، فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. فإذا نام تحول عن مكانه، ثم يصليها بأذان وإقامة، وصلى سننها قبلها.

باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم، وتغطية الفم

بلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الذي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: أشهد أنك رسول الله (¬1). باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم، وتغطية الفم 30 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن المجبر: أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطي فاه - وهو يصلي- جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا، حتى ينزعه عن فيه (¬2). ¬

(¬1) وقد وقع هذا مرات. (¬2) هذا من اجتهاد سالم. والسنة أن يباشر من غير أن يكون على الوجه شيء؛ وقد يعيقه عن التسبيح والذكر، فالكشف من السنة.

2 - كتاب الطهارة

2 - كتاب الطهارة باب العمل في الوضوء 6 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن محمد بن طحلاء، عن عثمان بن عبد الرحمن: أن أباه حدثه: أنه سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1) يتوضأ بالماء لما تحت إزازه. باب الطهور للوضوء 14 - وحدثني عن مالك، عن يحي بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب (¬2): أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج في ركب - فيهم عمرو بن العاص- حتى وردوا حوضا. فقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل ترد حوض السباع؟ فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «يا صاحب الحوض، لا تخبرنا؛ فإنا نرد على السباع وترد علينا». باب ما لا يجب منه الوضوء 17 - وحدثني عن مالك: أنه رأي ربيعة بن [أبي] (¬3) عبد الرحمن يقلس مرارًا، وهو في المسجد، فلا ينصرف، ولا يتوضأ حتى يصلي. ¬

(¬1) في رواية مصعب: «أنه رأى عمر». (¬2) ثقة. (¬3) قلت: سقطت لفظة «أبي» من المطبوع.

باب ترك الوضوء مما مسته النار

قال يحي: وسئل مالك عن رجل قلس طعامًا، هل عليه وضوء؟ فقال: «ليس عليه وضوء، وليتمضمض من ذلك، وليغسل فاه» (¬1). 18 - وحدثني، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حنط ابنا لسعيد ابن زيد، وحمله، ثم دخل المسجد فصلى، ولم يتوضأ. قال يحيى: وسئل مالك: هل في القيء وضوء؟ قال: «لا، ولكن ليتمضمض من ذلك، وليغسل فاه، وليس عليه وضوء» (¬2). باب ترك الوضوء مما مسته النار 20 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار (مولى بني حارثة)، عن سويد بن النعمان - رضي الله عنه -، أنه أخبره: أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء (وهي من أدنى خيبر) نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به، فثري، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فمضمض ومضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ (¬3). باب جامع الوضوء 28 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وددت أني قدر رأيت إخواننا»، فقالوا: يا رسول ¬

(¬1) وليس بقيء. فمسح فمه، والحالة هذه، ولا يضر الصلاة. وحديث عائشة - رضي الله عنها -: «من أصابه قئ أو رعاف»، ضعيف. (¬2) نقض الوضوء بخروج القيء مسألة خلاف. والأحوط: الوضوء؛ خروجًا من الخلاف. (¬3) الوضوء مما مست النار على الاستحباب. وقال قوم: منسوخ. والأقرب الأول.

الله، ألسنا بإخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فطرهم على الحوض»، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، فلا يذادن (¬1) رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقًا، فسحقًا، فسحقًا». 30 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي (¬2): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض، خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه)، قال: «ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له» (¬3). 32 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة العصر- فالتمس الناس وضوءًا، فلم يجدوه، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء في إناء، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس يتوضئون منه. قال أنس: ¬

(¬1) أكثر الروايات (فليذادن). وهو الصواب. والمعنى على ما هاهنا: فلا تفعلوا مثل من يطرد. (¬2) مختلف في صحبته. (¬3) وشواهد حديثه هذا كثيرة.

«فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم» (¬1). 33 - وحدثني عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر: أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحي عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع؛ فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا»، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: «من أجل كثرة الخطا» (¬2). 34 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أنه سمع سعيد بن المسيب، يسأل عن الوضوء من الغائط بالماء، فقال سعيد: «إنما ذلك وضوء النساء» (¬3). 36 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «استقيموا ولن تحصوا، واعملوا وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» (¬4). [هذا مرسل. وقد قال ابن عبد البر في «التقصي»: «هذا يستند ويتصل من حديث ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق صحاح»] (¬5). ¬

(¬1) هذا من معجزاته العظيمة، وآيات الله. وهذا في السفر. (¬2) وجاء هذا في حديث أبي موسي - رضي الله عنه -: (أبعدكم، فأبعدكم ممشى). (¬3) وهذا من سعيد فيه نظر، بل هو غلط، بل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعله الناس. قلت: وأنكر غسل الدبر بالماء حذيفة وقال: «إذا لا يزال في يدي نتن» رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. (¬4) المقصود: أنه موصول عند الدارمي، وأحمد وابن ماجه. (¬5) قلت: وهو خبر ثابت.

باب ما جاء في المسح بالرأس والأذنين

باب ما جاء في المسح بالرأس والأذنين 37 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه (¬1). 38 - وحدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - سئل عن المسح على العمامة، فقال: «لا، حتى يمسح الشعر بالماء» (¬2). 39 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة: أن أبا (¬3) عروة بن الزبير كان ينزع العمامة ويمسح رأسه بالماء. 40 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أنه رأى صفية بنت أبي عبيد (امرأة عبد الله ابن عمر) تنزع خمارها وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذ صغير. وسئل مالك: عن المسح على العمامة والخمار، فقال: «لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما» (¬4). ¬

(¬1) هذا من اجتهاده. والأفضل: يمسحها مع الرأس. وكان ابن عمر يأخذ لهما ماء جديدًا. ورواية الحاكم ضعيفة. والمحفوظ رواية مسلم، كما في «البلوغ» .. [قلت: قال معناه شيخنا، وهو في البلوغ (ص:49) بلفظ: «وعنه [أي: عبد الله بن زيد]: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي. وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه. وهو المحفوظ»]. (¬2) وهذا ليس بثابت. والصواب: جواز المسح على العمامة، كما في حديث عمر بن أمية. وقال الشيخ عن كلام الزرقاني على هذا الموضع: «ليس بجيد». (¬3) الصواب: «أن أباه عروة»، سقطت الهاء. (¬4) سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: من على رأسها الحنا. فقال: تمسح على رأسها؛ لما روى أبو داود [254] عن عائشة قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد، ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محلات ومحرمات» إسناده صحيح، قلت: وصح عن أم سلمة مسحها على الخمار، أخرجه ابن المنذر في الأوسط».

باب ما جاء في المسح على الخفين

وسئل مالك: عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى جف وضوءه، قال: «أرى أن يمسح برأسه، وإن كان قد صلى أن يعيد الصلاة» (¬1). باب ما جاء في المسح على الخفين 41 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد (من ولد المغيرة ابن شعبة) عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجته في غزوة تبوك، قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته، فلم يستطع؛ من ضيق كمي الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعة التي بقيت عليهم، ففزع الناس. فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أحسنتم» (¬2). 42 - وحدثني عن مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار: أنهما أخبراه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -وهو أميرها- فرآه عبد الله ابن عمر يمسح على الخفين، فأنكر ذلك عليه، فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه، فقدم عبد الله، فنسى أن يسأل عمر عن ذلك، حتى قدم سعد، فقال: أسألت أباك؟ فقال: لا، فسأله عبد الله، فقال عمر - رضي الله عنه -: «إذا أدخلت رجليك في الخفين، وهما طاهرتان، ¬

(¬1) ويعيد الوضوء؛ لطول الفصل. (¬2) قد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا؛ ولهذا قال: «أحسنتم». وفيه: فضل عبد الرحمن؛ حيث أم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفيه: إعانة الرجل في الوضوء. وفيه: جواز لبس الضيق، عند الحاجة. وكان ذلك في غزوة تبوك.

فامسح عليهما»، قال عبد الله: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ فقال عمر: «نعم، وإن جاء أحدكم من الغائط» (¬1). 43 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها (¬2). 44 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، أنه قال: رأيت أنس بن مالك - رضي الله عنه - أتى قبا، فبال، ثم أتي بوضوء فتوضأ، فغسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم جاء المسجد فصلى. قال يحيى: وسئل مالك: عن رجل توضأ وضوء الصلاة، ثم لبس خفيه، ثم بال، ثم نزعهما، ثم ردهما في رجليه، أيستأنف الوضوء؟ فقال: «لينزع خفيه (¬3)، وليغسل رجليه (¬4)؛ وإنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين، وهما طاهرتان بطهر الوضوء، وأما من أدخل رجليه في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء، فلا يمسح على الخفين». قال: وسئل مالك: عن رجل توضأ وعليه خفاه، فسها عن المسح على الخفين حتى جف وضوءه وصلى، قال: «ليمسح على خفيه، وليعد الصلاة، ولا يعيد الوضوء» (¬5) ... ¬

(¬1) نعم، إذا لبسهما على طهارة، حتى تتم المدة، إلا من جنابة، فيخلع. «الكنادر»: لا يمسح عليها؛ لأنها دون الكعب، وإن مسح عليها مع الشراب جميعًا لا بأس، ويخلعهما جميعًا. (¬2) بعدما أخبره أبوه بالسنة. (¬3) قل: في نسخة أبي مصعب الزهري: «ثم ليتوضأ، وليغتسل». (¬4) مع الوضوء. - الخلع مبطل للمسح عند الجمهور. (¬5) قول ضعيف؛ طول المدة أبطل الوضوء، فيعيد.

باب العمل في المسح على الخفين

باب العمل في المسح على الخفين 45 - وحدثني عن مالك: أنه سأل ابن شهاب: عن المسح على الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف، والأخرى فوقه، ثم أمرهما. قال يحيى: قال مالك: «وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلى في ذلك» (¬1). باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف 51 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه (¬2): أن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - أخبره: أنه دخل على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر - رضي الله عنه -: «نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»، فصلى عمر - رضي الله عنه - وجرحه يثعب دمًا. باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي 56 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه سمعه - ورجل يسأله- فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي، أفأنصرف؟ فقال له سعيد: «لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضى صلاتي» (¬3). ¬

(¬1) ها غلط، وقول ابن شهاب غلط. الصواب: مسح ظاهر الخفين؛ لحديث المغيرة، ولحديث علي: «لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه»، رواه أبو داود بإسناد جيد. ومسح الباطن يزيده بلاءً. (¬2) قلت: الحفاظ يروونه بذكر: عروة، عن سليمان بن يسار، عن المسور. وهو المحفوظ. (¬3) قلت: حمله الزرقاني على السلس المستديم، ونقله عن مالك.

باب الوضوء من مس الفرج

باب الوضوء من مس الفرج 58 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن (¬1) محمد بن عمرو بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء: فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت هذا. فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ». باب الوشوء من قبلة الرجل امرأته 64 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول: «قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء» (¬2). 65 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان يقول: «من قبلة الرجل امرأته الوضوء» (¬3). ¬

(¬1) قلت: وقع في رواية: «عن محمد»، وهو خطأ. انظر: التمهيد ........ (2: 260). (¬2) وهذا من اجتهاده، جعل القبلة والمس باليد من الملامسة. والصواب: أن الملامسة الجماع، واللمس والتقبيل لا ينقض الوضوء، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يلمس ويقبل، ويصلي ولا يتوضأ. (¬3) والناس في هذا على أقوال: - اللمس ينقض مطلقًا. - ولا ينقض، مطلقًا. - والتفصيل: إن مس لشهوة، نقض. والصواب: عدم النقض مطلقًا. والناس مبتلون بهذا، في كل بيت زوجة، فلما لم يبين شيئًا على أنه لا ينقض.

باب العمل في غسل الجنابة

66 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب أنه كان يقول: «من قبلة الرجل امرأته الوضوء». قال نافع (¬1): قال مالك: «وذلك أحب ما سمعت إلى». باب العمل في غسل الجنابة 67 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله» (¬2). 69 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: كان إذا اغتسل من الجنابة: بدأ فأفرغ على يده اليمنى فغسلها، ثم غسل فرجه، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه، ونضج في عينيه (¬3)، ثم غسل يده اليمنى، ثم اليسرى، ثم غسل رأسه، ثم اغتسل وأفاض عليه الماء. ¬

(¬1) قلت: هو عبد الله بن نافع، فالصواب: «ابن نافع». (¬2) هذا هو الكمال، وإن عمم بغير ترتيب أجزأ. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: الاغتسال لغير الجنابة هل يجزئ عن الوضوء؟ - فقال: لا، لابد من الترتيب، وهذا (الإجزاء) في الجنابة. وهل هذا خاص بغسل الجنابة أم لكل غسل مشروع؟ - غسل الجنابة دون غيره. فقيل للشيخ -رحمة الله تعالى-: فلو اغتسل للجمعة لا بد من الوضوء؟ فقال: نعم. (¬3) وهذا من اجتهاده - رضي الله عنه -، وكان هذا سببًا في عماه. وله اجتهادات، وأخذ ما زاد على القبضة من اللحية، وصوم يوم الشك. قلت: وكان يغسل قدميه في الوضوء سبعًا، رواه ابن المنذر عنه بإسناد صحيح.

باب واجب الغسل إذا التقى الخناتان

70 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عائشة - رضي الله عنه - سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، فقالت: «لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من الماء، ولتضغث رأسها بيديها» (¬1). باب واجب الغسل إذا التقى الخناتان 71 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم- كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل (¬2). 72 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال: سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يوجب الغسل؟ فقالت: «هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟! مثل الفروج، يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها (¬3)! إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل» (¬4). 74 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن كعب (مولى عثمان ابن عفان): أن محمود بن لبيد الأنصاري - رضي الله عنه - سأل زيد بن ثابت - رضي الله عنه - عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقال زيد: يغتسل، فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك (¬5) قبل أن يموت. ¬

(¬1) ونقضه في الحيض أكمل، ولو تركت لا بأس؛ لحديث أم سلمة، وفي مسلم: «والحيضة». (¬2) قلت: انظر: إعلام الموقعين (1: 56) حيث ذكر ابن أبي شيبة: أن الصحابة - رضي الله عنه - اتفقوا على أن الغسل بمس الختان في عهد عمر - رضي الله عنه -. (¬3) تشير إلى أنك صغير ........ (¬4) وكان في أول الإسلام يكفي الوضوء. (¬5) يعني: رجع.

باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل

باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل 77 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنه - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت تقول: «إذا أصاب أحدكم المرأة، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل، فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة» (¬1). 78 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا أراد أن ينام أو يطعم - وهو جنب- غسل وجهه، ويديه على المرفقين، ومسح برأسه (¬2)، ثم طعم أو نام (¬3). باب إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسل ثوبه 79 - حدثني يحيى، عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم: أن عطاء بن يسار أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في صلاة من الصلوات (¬4)، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، فذهب، ثم رجع وعلى جلده أثر الماء (¬5). 80 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زييد بن الصلت، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما أراني إلا احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت، قال: ¬

(¬1) هذا هو السنة، إذا جامع يغسل ذكره ويتوضأ، وإن اغتسل فهو أفضل. (¬2) كأنه اختصره، وعدم ذكر الرجلين تساهل من الراوي، فالسنة الوضوء. (¬3) قلت: ذكر هذا الأثر أبو العباس، نقله عنه ابن مفلح في «الفرع»، وعزاه للبخاري، وهو كما ترى عند مالك ولم يخرجه البخاري. (¬4) في الرواية الأخرى المشهورة: «قبل أن يكبر». قلت: هي في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬5) الإقامة الأولى تكفي. والصواب ما في الصحيحين: قبل التكبير. قلت: انظر: الفتح (2: 144)، والتمهيد .... (2: 316).

فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم ير، وأذن أو أقام (¬1)، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا. 81 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن سليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلامًا، فقال: «لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس»، فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس (¬2). 83 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه اعتمر مع بن الخطاب - رضي الله عنه - في ركب فيهم عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عرس ببعض الطريق، قريبًا من بعض المياه، فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح، فلم يجد مع الركب ماءً فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل، فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «واعجبا لك يا عمرو بن العاص! لئن كنت تجد ثيابًا، أفكل الناس يجد ثيابًا؟! والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر (¬3)». قال مالك في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام ولا يدري متى كان، ولا يذكر شيئًا رأى في منامه، قال: «ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم، من أجل أن الرجل ربما احتلم ولا يرى شيئًا ويرى ولا يحتلم، فإذا وجد في ثوبه ماءً فعليه الغسل؛ وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه ولم يعد ما كان قبله» (¬4). ¬

(¬1) تكفيه الإقامة. (¬2) وصلاة المأمومين صحيحة، فيعيد، ولا يعيدون. (¬3) اللهم أرض عنهم. (¬4) وهذا هو الصواب، نص عليه أهل العلم، يعيد الصلاة من آخر نومة نامها.

باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل 84 - حدثني، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أن أم سليم - رضي الله عنه - قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل أتغتسل؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم، فلتغتسل»، فقالت لها عائشة - رضي الله عنه -: أف لك! وهل ترى ذلك المرأة؟! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تربت يمينك! ومن أين يكون الشبه» (¬1)»؟! باب جامع غسل الجنابة 87 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يعرق في الثوب وهو جنب، ثم يصلي فيه (¬2). وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري هل يطؤهن جميعًا قبل أن يغتسل؟ فقال: «لا بأس بأن يصيب الرجل جاريتيه قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى (¬3)، فأما أن يصيب الجارية ثم يصيب الأخرى وهو جنب، فلا بأس بذلك» (¬4). وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به فسها فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر الماء من بردة قال مالك: «إن لم يكن أصاب أصبعه أذى فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء» (¬5). ¬

(¬1) يخلق الولد من مائها، ويقل الاحتلام في النساء. (¬2) لأن الجنب طاهر، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «إن المسلم لا ينجس». (¬3) لأن الحرائر يجب العدل بينهن. لكن ثبت في الصحيحين: أنه طاف على نسائه بغسل واحد في ساعة مشتركة. (¬4) يعني: بعد الوضوء. (¬5) مثل ما قال مالك، ويده طاهرة، ما لم يكن عليها نجاسة.

باب في التيمم

هذا باب في التيمم 89 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء -أو بذات الجيش- انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة - رضي الله عنه -: فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء!! قالت عائشة - رضي الله عنه - فعاتبني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته (¬1). وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى، أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: «بل يتيمم لكل صلاة؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتعي الماء فلم يجده فإنه يتيمم» (¬2). ¬

(¬1) فيه: احتباس الإمام على حوائج أصحابه؛ «كلك راع ...»، ومراعاة ذلك. وفيه فضل عائشة - رضي الله عنه -. (¬2) والصواب: لا يلزمه طلبه مرة أخرى، بل يتيمم إن لم يكن هناك ماء.

باب العمل في التيمم

وسئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء، قال: «يؤمهم غيره أحب إلى، ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسًا» (¬1). قال يحيى: قال مالك -في رجل تيمم حين لم يجد ماء فقام وكبر ودخل في الصلاة فطلع عليه إنسان معه ماء قال-: «لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات» (¬2). قال يحيى: قال مالك: «من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة؛ لأنهما أمرا جميعًا، فكل عمل بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة» (¬3). باب العمل في التيمم 91 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يتيمم إلى المرفقين. وسئل مالك كيف التيمم وأين يبلغ به؟ فقال: «يضرب ضربه للوجه وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين» (¬4). ¬

(¬1) الأمر واسع. والصواب: لا بأس أن يؤمهم؛ كما فعل عمرو بن العاص بأصحابه. (¬2) وهذه مسألة خلاف. والأقرب: أنه يقطع؛ لقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6]. (¬3) صدق، رحمة الله. (¬4) وهذا قول ضعيف، وكان باجتهاد ابن عمر. والصواب: ضربة واحدة، والكفين فقط، ولا يمسح الذراعين، هكذا في «الصحيحين». - ويراعي الترتيب: فيقدم الوجه، ثم اليدين وجوبًا.

باب تيمم الجنب

باب تيمم الجنب 92 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة: أن رجلًا سأل سعيد ابن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء، فقال سعيد: «إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل» ... وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابًا إلا تراب سبخة، هل يتيمم بالسباخ؟ وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: «لا بأس بالصلاة في السباخ والتيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، [المائدة: 6]، فكل ما كان صعيدًا فهو يتيمم به: سباخًا كان أو غيره» (¬1). باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض 95 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة - رضي الله عنه - يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: «لتشد إزارها على أسفلها، ثم يباشرها، إن شاء» (¬2). باب طهر الحائض 97 - حدثني يحيى، عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، (¬3) عن أمه (مولاة عائشة أم المؤمنين) أنها قالت: ¬

(¬1) وهذا هو الصواب؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، [التغابن: 16]. فلو وجد رملا يتيمم به، وإن وجد التراب والسباخ لزمه التراب. (¬2) الأفضل: من وراء الإزار؛ لقوله: «افعلوا كل شيء إلا لنكاح». (¬3) قلت: علقه البخاري.

باب جامع الحيضة

كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهم: «لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء»، تريد بذلك: الطهر من الحيضة. 98 - وحدثني، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته، عن ابنة زيد بن ثابت، أنه بلغها: أن نساء كن يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا (¬1). 99 - وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماءً، هل تتيمم؟ قال: «نعم، لتتيمم، فإن مثلها مثل الجنب، إذا لم يجد ماءً تيمم» (¬2). باب جامع الحيضة 101 - وحدثني عن مالك: أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم، قال «تكف عن الصلاة». قال يحيى: قال مالك: «وذلك الأمر عندنا» (¬3). 103 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن فاطمة بنت المنذر ابن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنها قالت: سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ ¬

(¬1) ما هو بلازم ترى القصة؛ فبعض النساء لا ترى القصة. (¬2) وهذا هو الحق، إذا طهرت تغتسل، لكن لا تعجل بالغسل حتى تطهر، وإذا لم تجد ماءً تيممت. (¬3) وهذا القول مرجوح، والصواب: أن الحامل لا تحيض، لقوله: (فيطلقها حاملًا أ، طاهرًا)؛ فدمها دم فساد. قلت للشيخ: ولو انتظم الدم على الحامل شهريًا؟ قال: نعم، ولو ..

باب المستحاضة

فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل فيه» (¬1). باب المستحاضة 108 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: «ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل عسلًا واحدًا، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة». قال يحيى: قال مالك: «الأمر عندنا: أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها، وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم (¬2)، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، وإنما هي بمنزلة المستحاضة». قال يحيى: قال مالك: «الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة، عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلى في ذلك». باب ما جاء في بول الصبي 110 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أم قيس بنت محصن - رضي الله عنه -: أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فنضحه، ولم يغسله (¬3). ¬

(¬1) بعض النساء عندهن تكلف، تغسل الثوب كله إذا رأت فيه نقطًا! والواجب: غسل النقط، ولكن لو غسلته لأجل النظافة ... - بقاء اللون - إذا اجتهدت- لا يضر. (¬2) إلى الأربعين، فبعد الأربعين مستحاضة. انظر بحثنا (بذل الماعون بأن مدة النفاس أربعون) في «نفح العبير» (111 - 124) ط. الدار العالمية بالإسكندرية. (¬3) بول الصبي الذي لم يأكل الطعام يكفى النضح بلا عصر ولا دلك، أم الأنثى فيغسل.

باب ما جاء في البول قائما وغيره

باب ما جاء في البول قائمًا وغيره 111 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: دخل أعرابي المسجد فكشف، عن فرجه ليبول فصاح الناس به حتى علا الصوت فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتركوه»، فتركوه، فبال، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فصب على ذلك المكان (¬1). 112 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا (¬2). قال يحيى: وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر فقال: «بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضئون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول» (¬3). باب ما جاء في السواك 113 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن السباق (¬4): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: «يا معشر المسلمين! إن هذا يوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك». ¬

(¬1) وهذا فيه: حلمه - صلى الله عليه وسلم - ورفقه. (¬2) والبول قائمًا لا بأس به، والجلوس أفضل. (¬3) الأمر واسع، إن استجمر فبثلاثة أحجار، مع الإنقاء. والغسل أفضل. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: إذا خرج دم من الدبر، هل يمسحه؟ فقال: الأقرب: يغسل؛ مثل بقية النجاسات. (¬4) من ثقات التابعين، روى له الستة.

114 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» (¬1). ¬

(¬1) وفيه: تأكد السواك؛ لأن الأمر المنفي الوجوب ...

3 - كتاب الصلاة

3 - كتاب الصلاة باب ما جاء في النداء للصلاة 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أراد أن يتخذ خشبتين: يضرب بهما؛ ليجتمع الناس للصلاة، فأرى عبد الله بن زيد الأنصاري (ثم من بني الحارث بن الخزرج) خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟ فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استيقظ، فذكر له ذلك، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان (¬1). وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ فقال: «لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس». وسئل مالك عن تثنيه الأذان والإقامة ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة فقال: «لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه فأما الإقامة فإنها لا تثني وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا (¬2). وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له، إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس؛ فإن منهم الثقيل والخفيف، ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد» (¬3). ¬

(¬1) رواية عبد الله بن زيد عند أهل السنن وأحمد أبسط وأوضح في بدء الأذان. (¬2) التكبير يثنى، وكذا الإقامة (قد قامت الصلاة)، وإن أوتر الإقامة أو شفعها جاز. (¬3) وهذا مثل ما قال. ومن قال: يقوم عند قوله: «قد قامت الصلاة» لا دليل عليه؛ المطلوب قيامه إذا أراد أن يصلي.

وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا، قال مالك: «ذلك مجزئ عنهم، وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة» (¬1). وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة، ومن أول من سلم عليه؟ فقال: «لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول» (¬2). قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ، أيعيد الصلاة معهم؟ قال: «لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه فليصل لنفسه وحده» (¬3). 8 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه (¬4): أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائمًا فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح. وحدثني يحيى، عن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: «ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة» (¬5). ¬

(¬1) والصواب والسنة: الأذان ولو في السفر. وفي الحضر لو أقاموا كفى، يكفيهم أذان المسجد؛ مثل المرضى. (¬2) إذا كان ذهب إليه ينبهه لا بأس إذا كانوا اتفقوا على ذلك: يأتيه فيخبره أن الناس اجتمعوا. (¬3) قول مالك هذا، ليس بشيء؛ قال - عليه السلام -: «من يتصدق على هذا، فيصلي معه»؟ وقال لأبي ذر: «.. فصل معهم». (¬4) هذا بلاغ منقطع معضل، و «الصلاة خير من النوم» ثابتة في الحديث الصحيح، حديث أنس وغيره. (¬5) يعني: تغير الناس في عهد التابعين.

باب النداء في السفر وعلى غيره وضوء

9 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد (¬1). باب النداء في السفر وعلى غيره وضوء 10 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: «ألا صلوا في الرحال»، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: «ألا صلوا في الرحال» (¬2). 11 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح، فإنه كان ينادي فيها ويقيم، وكان يقول: إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه (¬3). 12 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة: أن أباه قال له: «إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت، وإن شئت فأقم ولا تؤذن». قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: «لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب» (¬4). 13 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: «من صلى بأرض فلاة صلى، عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال» (¬5). ¬

(¬1) هذا من اجتهاده. والسنة «ولا تسرعوا». (¬2) يقولها عند البرد أو المطر، سواء قالها بعد الأذان أو بعد «حي على الصلاة». (¬3) وهذا من اجتهاده. والصواب: الاذان مطلقًا؛ ولهذا قال - عليه السلام - لأبي سعيد: «إذا كنت في سفر فارفع صوتك بالنداء ..». (¬4) على مطيته لا بأس. والسنة القيام. (¬5) قلت: وصلة عبد الرازق والبيهقي وغيرهما من وجه آخر بسند صحيح. من طريق داور بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سلمان، يرفعه، نحوه، قال شيخنا: إسناده جيد.

باب قدر السحور من النداء

باب قدر السحور من النداء 14 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن بلالًا ينادى بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم» (¬1). باب افتتا الصلاة 16 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا، وقال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»، وكان لا يفعل ذلك في السجود (¬2). وحدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك (¬3). 21 - وحدثني عن مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله: أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة، قال: فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا (¬4). 22 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: «إذا أدرك الرجل الركعة فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة». قال مالك: «وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة». ¬

(¬1) الأصل الليل، فيتسحر حتى يطلع الصبح. (¬2) وفي البخاري كذلك، عند الرفع من التشهد الأول. (¬3) من فعل ابن عمر. والسنة المساواة. (¬4) قلت: سألت شيخنا: تصحيح بعض المعاصرين لأحاديث فيها الرفع عند السجود. فقال: لا، فيها ضعف، وجاء ذلك أحيانًا، لكن ابن عمر قال: «لا يفعل ذلك في السجود».

باب القراءة في المغرب والعشاء

وسئل مالك عن رجل دخل مع الإمام فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتى صلى ركعة، ثم ذكر أنه لم يكن كبر تكبيرة الافتتاح ولا عند الركوع وكبر في الركعة الثانية، قال: «يبتدئ صلاته أحب إلى ولو سها مع الإمام، عن تكبيرة الافتتاح وكبر الركوع الأول رأيت ذلك مجزيًا عنه إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح» (¬1). قال مالك في الذي يصلى لنفسه فنسى تكبيرة الافتتاح: «إنه يستأنف صلاته». وقال مالك في إمام ينسى تكبيرة الافتتاح حتى يفرغ من صلاته، قال: «أرى أن يعيد ويعيد من خلفه الصلاة، وإن كان من خلفه قد كبروا فإنهم يعيدون». باب القراءة في المغرب والعشاء 24 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، فقالت له: يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب (¬2). 25 - وحدثني عن مالك، عن أبي عبيد (مولى سليمان بن عبد الملك)، عن عبادة ابن نسي، عن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي، قال: قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ¬

(¬1) لا تنعقد صلاته. فإذا ما ذكر إلا بعد الصلاة يعيد. (¬2) يدل على شرعية قراءة الطوال في المغرب في بعض الأحيان، كما قرأ الأعراف، وكان يقرأ بها بقصار المفصل. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: هل قرأ بقصار المفصل في المغرب؟ فقال: نعم، وعندك «بلوغ المرام»، رواه النسائي بإسناد صحيح.

باب العمل في القراءة

سورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة فدنوت منه (¬1)، حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] (¬2). 26 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعًا في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن، وكان يقرأ بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة، ويقرأ في الركعتين من المغرب كذلك بأم القرآن وسورة سورة (¬3). 27 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عدي بن ثابت الأنصاري، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، أنه قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء فقرأ فيها بـ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] (¬4). باب العمل في القراءة 29 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي حازم التمار، عن البياضي (¬5): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على ¬

(¬1) دنا منه؛ ليسمع ما قرأ، قرأ بهذه الزيادة، وهذا من فقهه وعلمه - رضي الله عنه -. (¬2) وقراءة الصديق من قصار المفصل تدل على أن هذا مستقر من سنته - صلى الله عليه وسلم -. وسئل الشيخ -رحمة اله تعالى-: فعل أبي بكر سنة؟ فقال: قد يقال: من سنته - رضي الله عنه -، من سنة الخلفاء الراشدين. (¬3) هذا اجتهاده منه. والسنة: تحرى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وجاء في حديث أبي سعيد -عند مسلم- ما يدل على جواز الزيادة على الفاتحة في الأخريين أحيانًا. (¬4) وهذا في «الصحيحين». والظاهر: هذا في إحدى الركعتين، وزيادة النسائي: «في الركعة الأولى». وفي رواية: «والأخرى سورة القدر». (¬5) مختلف في اسمه. ذكره البغوي وغيره في الصحابة.

باب القراءة في الصبح

الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: «إن المصلي يناجي، ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» (¬1). 30 - وحدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنه - فكلهم كان لا يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذا افتتح الصلاة. (¬2) 32 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة: أنه إذا سلم الإمام قام عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فقرأ لنفسه فيما يقضي وجهر (¬3). باب القراءة في الصبح 33 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - (¬4) صلى الصبح، فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما (¬5). ¬

(¬1) إذا كانوا يصلون أو يقرؤون، لا يرفع صوته؛ كل يناجي ربه، يخفض؛ حتى لا يشوش بعضهم على بعض. (¬2) يعني: يسرونها، لا يجهرون بها. (¬3) وهذا اجتهاد منه. الصواب: أن لكل واحد صلاته، فإن كان فيما يجهر به جهر، كمن فاته واحدة من العشاء، مثلًا، وإن فاته ثنتان أسر ....... (¬4) عروة ما أدرك الصديق. قلت: وهو متصل من طريق معمر، عن الزهري، عن أنس، عن أبي بكر. انظر: مصنف عبد الرزاق: (رقم: 2711و 2712)، (2: 113). (¬5) كان - صلى الله عليه وسلم - يطيل الصبح، قرأ فيها سورة «المؤمنون»، فلما جاء ذكر موسى -أو عيسي- أخذته سعله، فركع. والظاهر: أنه أكملها في الركعة الثانية. وهذا أكثر ما ورد. - قسم السورة في الركعتين لا حرج ولا كراهة؛ كما قسم «المؤمنون» في «الفجر»، و «الأعراف» في المغرب. =

باب ما جاء في أم القرآن

34 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: صلينا وراء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الصبح، فقرأ فيها سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة. فقلت: والله إذا لقد كان يقوم حين يطلع الفجر، قال: أجل (¬1). 35 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد أن الفرافصة بن عمير الحنفي، قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إياها في الصبح، من كثرة ما كان يرددها لنا (¬2). 36 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل في كل ركعة بأم القرآن وسورة (¬3). باب ما جاء في أم القرآن 37 - حدثني يحيى، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب: أن أبا سعيد (مولى عامر بن كريز)، أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادي أبي بن كعب، وهو يصلى، فلما فرغ من صلاته لحقه، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على يده، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، فقال: «إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها»، قال أبي: فجعلت أبطئ في المشي ¬

= [قلت: وحديث قراءة سورة "المؤمنون" أخرجه مسلم (455) موصولاً من حديث عبد الله بن السائب في باب القراءة في الصبح، وهو في البخاري معلقًا في باب الجمع بين السورتين في الركعة، والشك فيه بين موسى وعيسى من الراوي]. (¬1) يعني: يبكر. (¬2) مثل ما قال ابن عبد البر: إن الصحابة أحبوا التطويل، فطول بهم عثمان ومن معه. (¬3) وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: القراءة في الصلاة بأواخر السور وأوسطها؟ فقال: الأمر واسع؛ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.

باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة

رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله، السورة التي وعدتني، قال: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟» قال: فقرأت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، [الفاتحة:2]، حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» (¬1). باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة 39 - حدثني يحيى، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أنه سمع أبا السائل (مولى هشام بن زهرة) يقول: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، هي خداج، هي خداج: غير تمام». قال: فقلت: يا أبا هريرة، إني أحيانًا أكون وراء الإمام؟ قال: فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله -تبارك وتعالى- قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» اقرءوا: يقول العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يقول الله -تبارك وتعالى-: حمدني عبدي. ويقول العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يقول الله: أثني علي عبدي. ¬

(¬1) هذه السورة أعظم السور في القرآن، وأم القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم، وتجب على الإمام، والمأموم على الصحيح، لكن إذا أدرك الركوع سقطت عنه؛ وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «لعلكم تقرؤون خلفي؟! فلا تفعلوا غلا بفتاحة الكتاب».

باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه

ويقول العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يقول الله: مجدني عبدي. يقول العبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فهذه الآية بيني وبين عبدي (¬1)، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل» (¬2). 42 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن رومان: أن نافع بن جبير بن مطعم كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك (¬3). باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه 44 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: «هل قرأ معي منكم أحد آنفًا؟» فقال رجل: نعم، أنا يا رسول الله، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني أقول ما لي أنازع القرآن؟!» فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه رسول الله بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

(¬1) تكرار الثناء. (¬2) يدل على وجوب قراءتها على المأموم. وسألت شيخنا عن حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»؟ فقال: حديث ضعيف. (¬3) وهذا هو الحث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينازع القرآن فيما يجهر به. وهذا فيما أسر، وفيما جهر، يقرأ الفاتحة لا يزد. [يعني: المأموم]. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: لو قرأ المأموم الفاتحة قبل إمامه؟ فقال: ما يضر، قبله أو بعده. (¬4) وهذا عام، تستثني منه الفاتحة؛ «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».

باب ما جاء في التأمين خلف الإمام

باب ما جاء في التأمين خلف الإمام حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (¬1). قال ابن شهاب: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «آمين». 45 - وحدثني عن مالك، عن سمي (مولى أبي بكر)، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين (¬2)؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» (¬3). باب العمل في الجلوس في الصلاة 48 - حدثني يحيى، عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المعاوي، أنه قال: رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرفت نهاني، وقال: اصنع كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟ قال: كان إذ جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسري على فخذه اليسرى، وقال: هكذا كان يفعل (¬4). ¬

(¬1) (إذا أمن) لا مفهوم له، بل إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ}، ولو لم يؤمن، فيؤمن المأموم. (¬2) يؤمن المأموم والإمام؛ حتى تتفق التأمينات. (¬3) التأمين واجب، ولا أعرف صارفا. والجمهور على أنه مستحب؛ لحديث المسيء في صلاته. والظاهرية على الوجوب، وقولهم قول قوي. وفيه: نصح الملائكة بني آدم، ومحبتهم لأهل الطاعة. (¬4) وهذا يعم: بين السجدتين، والتشهد، وصرح به في طاعة رواية وائل عند أحمد. قلت: أليس شاذًا؛ لتفرد عبد الرزاق به؟ =

باب التشهد في الصلاة

51 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر: أنه أخبره: أنه كان يرى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يتربع في الصلاة إذا جلس، قال: ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد الله، وقال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى، فقلت له: فإنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجلي لا تحملاني (¬1). باب التشهد في الصلاة 53 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري: أنه سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -وهو على المنبر- يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله (¬2)، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك -أيها النبي- (¬3) ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. 54 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يتشهد فيقول: بسم الله (¬4)، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدًا رسول الله. يقول هذا في الركعتين الأوليين، ويدعو إذا قضى تشهده بما بدا له، ¬

= فقال: لا، جيد. (¬1) عبد الله تأسي بأبيه عبد الله بن عمر فنهاه. (¬2) الزاكيات يدل على صحتها. وهنا لم يصرح عمر بالسماع، ويؤيده حديث ابن عباس عند مسلم. (¬3) قلت: هذا يدل على ضعف ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «كنا نقول: السلام عليك، فلما مات قلنا: السلام على النبي». ولو صح لكان من اجتهاده. (¬4) هذا من فعل ابن عمر. ولا أعلم عنه - صلى الله عليه وسلم - شيئًا.

باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام

فإذا جلس في آخر صلاته، تشهد كذلك -أيضًا- إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له، فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم، قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام، علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم عن يمينه، ثم يرد على الإمام، فإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه (¬1). باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام 57 - حدثني يحيى، عن مالك، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن مليح بن عبد الله السعدي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنه قال: «الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان». قال مالك فيمن سها فرفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود: إن السنة في ذلك أن يرجع راكعًا أو ساجدًا ولا ينتظر الإمام (¬2). وذلك خطأ ممن فعله؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه». وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان». باب من يفعل من سلم من ركعتين ساهيًا 59 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان (مولى ابن أبي أحمد)، أنه قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ ¬

(¬1) الواجب تسليمتان. وزيادة الثقة مقبولة. (¬2) وهذا هو الواجب: أن يرجع لو قدر أنه سها فسبقه في ركوع أو سجود.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن»، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس، فقال: «أصدق ذو اليدين؟» فقالوا: نعم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتم ما بقى من الصلاة، ثم سجد سجدتين بعد التسليم، وهو جالس (¬1). 60 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال: بلغني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر فسلم من اثنتين، فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما قصرت الصلاة، وما نسيت»، فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال: «أصدق ذو اليدين؟» فقالوا: نعم، يا رسول الله، فأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من الصلاة ثم سلم. 61 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة ابن عبد الرحمن مثل ذلك. قال مالك: «كل سهو كان نقصانًا من الصلاة فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام» (¬2). ¬

(¬1) والتكميل لا يحتاج إلى إقامة. وجاء في حديث عمران بن حصين الإقامة. والمحفوظ بدونها. قلت: كل ما جاء في السهو في الإقامة لما بقي في الصلاة أو التكبير للإحرام أو التشهد بعد سجود السهو فغير ثابت، انظر «الفتح» (3/ 98 - 99)، وابن خزيمة (2/ 128). (¬2) وهذا قول جماعة من أهل العلم. والأقرب: التقيد بالوارد، وأن السجود كله قبل السلام، إلا: إذا غلب على ظنه فيسجد بعد السلام، وكذلك إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر. وما سواهما قبل السلام. وإن سلم قبل السلام أو بعده في الحالتين جاز. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: إذا تردد في صلاته ثم زال التردد؟ فقال: إن عمل معه شيئًا يسجد للسهو، وإن لم يعمل معه شيئًا لا يسجد.

باب إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته

باب إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته 62 - حدثني يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رسول الله (¬1) قال: «إذا شك أحدكم في صلاته: فلم يدر كم صلى أثلاثًا أم أربعًا، فليصلي ركعة وليسجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم؛ فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان». باب النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها 69 - وحدثني مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أن أبا طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - كان يصلي في حائطه، فطار دبسي، فطفق يتردد يلتمس مخرجًا، فأعجبه ذلك، فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة، وقال: يا رسول الله، هو صدقة لله، فضعه حيث شئت (¬2). ¬

(¬1) سألت شيخنا عن معنى: (شفعن). فقال: صارت له شفعًا. قلت: وقال الباجي في «المنتقي» بمعنى كلامه: «يحتمل أن يريد أن الصلاة مبنية على الشفع، فإن دخل عليها ما يوترها من زيادة وجب إصلاح ذلك بما يشفعها». (¬2) هذا ضعيف.

4 - كتاب السهو

4 - كتاب السهو باب العمل في السهو 2 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني لأنسى -أو أنسى- لأسن «(¬1). ¬

(¬1) قبل للشيخ -رحمة الله تعالى-: هو ضعيف. فقال: هو الواقع، أن الله ينسبه؛ حتى يشرع للأمة ما تحتاج إليه.

5 - كتاب الجمعة

5 - كتاب الجمعة باب العمل في غسل يوم الجمعة 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن سمي (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن)، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنةً (¬1)، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر». 2 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة» (¬2). 3 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: دخل رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال عمر - رضي الله عنه -: «أية ساعة هذه»؟! فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت، فقال عمر - رضي الله عنه -: «والوضوء -أيضًا- وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل!» (¬3). ¬

(¬1) الساعات تبدأ من طلوع الشمس. (¬2) غسل الجمعة متأكد؛ لقوله - عليه السلام -: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام»، رواه مسلم. وحديث سمرة: «من توضأ فبها ونعمت ..». (¬3) ولو كان واجبًا لرجع واغتسل.

باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب

4 - وحدثني عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» (¬1). قال مالك: من اغتسل يوم الجمعة أول نهاره وهو يريد بذلك غسل الجمعة فإن ذلك الغسل لا يجزي عنه حتى يغتسل لرواحه؛ وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ابن عمر: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل». قال مالك: «ومن اغتسل يوم الجمعة معجلًا أو مؤخرًا وهو ينوي بذلك غسل الجمعة، فأصابه ما ينقض وضوءه فليس عليه إلا الوضوء، وغسله ذلك مجزئ عنه» (¬2). باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب 6 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة، فقد لغوت» (¬3). 7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا ¬

(¬1) قال العلماء: متأكد. والغسل فيه ثلاثة أقوال: واجب، ومستحب، وواجب لأهل المهن والحرف. والأصح: التأكد. (¬2) قلت: ومثله قال الشيخ. (بعدما سألته). (¬3) إذا شرع في الخطبة حرم الكلام. سألت الشيخ: من قال إن عمر صارف لقوله: «إذا سمعتم .. فقولوا ..»؟ فقال: لا فقد يتحدثون ويجيبون المؤذن، ولا منافاة.

خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون (¬1). قال ثعلبة: جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون (¬2) وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد. قال ابن شهاب: «فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام». 8 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن مالك بن أبي عامر: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقول في خطبته -قل ما يدع ذلك إذا خطب-: إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع، فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب؛ فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر (¬3). 9 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة فحصبهما: أن اصمتا (¬4). 10 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رجلًا عطس يوم الجمعة والإمام يخطب، فشمته إنسان إلى جنبه، فسأل عن ذلك سعيد بن المسيب، فنهاه عن ذلك، وقال: «لا تعد» (¬5). ¬

(¬1) المعروف: أنه مؤذن واحد، وقد يكون تسامح. يراجع: التمهيد. (¬2) ووقع في رواية أبي مصعب، ومحمد بن الحسن بلفظ: (المؤذن). انظر: الاستذكار. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: عن الاستياك عند الخطبة؟ فقال: لا؛ نوع عبث. (¬3) هذه عناية عظيمة منه - رضي الله عنه -، والذي لا يسمع ينصت. (¬4) هذا يدل على تسكيت المتكلم بالإشارة. (¬5) نعم؛ لأن الواجب الإنصات. - وإن سلم عليه هو في الخطبة رد إشارة.

باب فيمن أدرك ركعة يوم الجمعة

وحدثني عن مالك: أنه سأل ابن شهاب عن الكلام يوم الجمعة إذا نزل الإمام عن المنبر قبل أن يكبر، فقال ابن شهاب: «لا بأس بذلك» (¬1). باب فيمن أدرك ركعة يوم الجمعة 11 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب أنه كان يقول: «من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى». قال ابن شهاب: «وهي السنة». قال مالك: «وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة». قال مالك في الذي يصيبه زحام يوم الجمعة فيركع ولا يقدر على أن يسجد حتى يقوم الإمام أو يفرغ الإمام من صلاته: «إنه إن قدر على أن يسجد إن كان قد ركع فليسجد، إذا قام الناس وإن لم يقدر على أن يسجد حتى يفرغ الإمام من صلاته فإنه أحب إلى أن يبتدئ صلاته ظهرًا أربعًا» (¬2). ¬

(¬1) لأنه زالت الخطبة. وسئل شيخنا: لو صلى بخطبة واحدة؟ فقال: يعيدون الخطبة ولصلاة؛ لابد من خطبتين. وسئل: الخطبة لابد أن تكون بالعربية؟ فقال: لأن المقصود تذكيرهم ونصحهم، ولو ترجم لهم في أثناء الخطبة لا بأس، أو بعد الصلاة كله لا بأس. (¬2) الصواب: أنه يكمل، إذا قاموا من السجود سجد، ويكفي هذا إذا زحم. قلت: السجود على ظهر أخيه، جاء عن عمر، انظر: ابن المنذر (4:104)، والبيهقي (3:183)، وسنده صحيح.

باب ما جاء فيمن رعف يوم الجمعة

باب ما جاء فيمن رعف يوم الجمعة 12 - قال مالك: «من رعف يوم الجمعة والإمام يخطب فخرج فلم يرجع حتى فرغ الإمام من صلاته فإنه يصلى أربعًا». قال مالك في الذي يركع ركعة مع الإمام يوم الجمعة ثم يرعف فيخرج فيأتي وقد صلى الإمام الركعتين كلتيهما: «إنه يبني بركعة أخرى ما لم يتكلم» (¬1). قال مالك: «ليس على من رعف أو أصابه أمر لابد له من الخروج أن يستأذن الإمام يوم الجمعة إذا أراد أن يخرج». باب ما جاء في السعي يوم الجمعة 13 - حدثني يحيى، عن مالك: أنه سأل ابن شهاب عن قول الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. فقال ابن شهاب: «كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقرؤها: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله». قال مالك: «وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 205]، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: 8، 9]، وقال: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22]، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]». قال مالك: «فليس السعي الذي ذكر الله في كتابه بالسعي على الأقدام ولا الاشتداد، وإنما عنى العمل والفعل» (¬2). ¬

(¬1) هذا ضعيف. والصواب: أنه بطلت صلاته، فلو أحدث أو رعف وخرج، بطلت صلاته بما حدث له، بخلاف المسبوق بركعة، يأتي بأخرى. (¬2) ومعنى: {فَاسْعَوْا}: امضوا. ليس المراد: العدو، بل المشي المعتاد، ومنه {إِنَّ سَعْيَكُمْ}: عملكم.

باب ما جاء في الإمام ينزل بقرية يوم الجمعة في السفر

باب ما جاء في الإمام ينزل بقرية يوم الجمعة في السفر 14 - قال مالك: «إذا نزل الإمام بقرية تجب فيها الجمعة والإمام مسافر فخطب وجمع بهم فإن أهل تلك القرية وغيرهم يجمعون معه». قال مالك: «وإن جمع الإمام وهو مسافر بقرية لا تجب فيها الجمعة فلا جمعة له (¬1)، ولا لأهل تلك القرية، ولا لمن جمع معهم من غيرهم، وليتمم أهل تلك القرية وغيرهم ممن ليس بمسافر الصلاة» (¬2). قال مالك: «ولا جمعة على مسافر». باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة 16 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما حدثته أن قلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط من الجنة وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه». ¬

(¬1) في رواية أبي مصعب الزهري: «فلا جماعة له». - الجمعة لا يضم إليها العصر؛ أحوط، وإن فعل يعيد أحسن. (¬2) وهذا فيه التفصيل: إن كان من أهل الجمعة صلى الجمعة، أما إن كان واحدًا أو اثنين فلا جمعة عليهم، وأما الثلاثة فعليهم الجمعة. وأهل القرية إن كانوا مستوطنين يصلون، وللمسافر أن يؤمهم.

قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت (¬1)؛ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء -أو بيت المقدس-»، يشك. قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار، وما حدثته به في يوم الجمعة، فقلت: قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ قال: قال عبد الله بن سلام: كذب كعب، فقلت: ثم قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -: صدق كعب، ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: فقلت له: أخبرني بها، ولا تضن علي، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة: فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصادفها عبد مسلم وهو (¬2) يصلي»؟ وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها! فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلي»؟ قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: فهو ذلك (¬3). ¬

(¬1) أبو هريرة ذهب لتعبد، فأنكر عليه بصرة. كأن أبا هريرة رأى لهذا مزية. (¬2) ولفظة (قائم)، يعني: ينتظر. (¬3) المنتظر للصلاة فهو في صلاة.

باب الهيئة وتخطي الرقاب واستقبال الإمام يوم الجمعة

باب الهيئة وتخطي الرقاب واستقبال الإمام يوم الجمعة 18 - قال مالك: «السنة عندنا: أن يستقبل الناس الإمام يوم الجمعة إذا أراد أن يخطب من كان منهم يلي القبلة وغيرها» (¬1). باب القراءة في صلاة الجمعة، والاحتباء، ومن تركها من غير عذر. (¬2) 19 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: ماذا كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] (¬3). 20 - وحدثني عن مالك، عن صفوان بن سليم -قال مالك: «لا أدري أعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا» (¬4) -أنه قال: من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه. ¬

(¬1) المقصود صفوف: يستقبلون القبلة؛ كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب بهم وهم على صفوفهم، كما قال أبو سعيد: مستقبلين القبلة. قلت: الآثار في ذلك ضعيفة، كحديث ابن مسعود عن دالترمذي، وغيره. وقال الترمذي: «لا يصح في الباب شيء». (¬2) تركه أولى؛ لأنه يجلب النوم قلت: لم يذكر الشيخ حديثًا، والحديث ضعيف، وهو حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن الحبوة يوم الجمعة والأيام بخطب» أخرجه أبو داود [110] والترمذي [513] وأحمد وغيرهم وهو خبر غير ثابت. (¬3) سبح والغاشية، والجمعة والمنافقون، والجمعة والغاشية، ثلاث صفات في القراءة يوم الجمعة. وكلها في مسلم. (¬4) الغالب على «الموطأ» رواية المقاطيع والمراسيل، لا يذكر المسندات إلا قليلًا.

6 - كتاب الصلاة في رمضان

6 - كتاب الصلاة في رمضان باب ما جاء في قيام رمضان 3 - حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: «خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر - رضي الله عنه -: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قَارِئٍ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبي ابن كعب - رضي الله عنه - (¬1)، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر - رضي الله عنه -: نعمت البدعة هذه (¬2)، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون. يعني: آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله» (¬3). 4 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أنه قال: أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبي بن كعب وتميمًا الداري - رضي الله عنه - أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر (¬4). ¬

(¬1) لم يؤمهم عمر؛ لشغله بالخلافة. (¬2) قوله: «نعمة البدعة» من حيث اللغة، وإلا فهي قربة. (¬3) لأن أول الليل أرفق بهم، واستمر المسلمون على هذا، يصلون أول الليل جماعة. (¬4) يمكن هذا في بعض الأحيان. والمعروف: أنه كان يخفف، وفي بعضها ثلاث وعشرون، وفي بعضها ثلاثة عشر.

5 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن رومان، أنه قال: «كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في رمضان بثلاث وعشرين ركعة» (¬1). 6 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: «ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان» (¬2)، قال: «وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأي الناس أنه قد خفف» (¬3). 7 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول: «كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام؛ مخافة الفجر» (¬4). بدون - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن ذكوان أبا عمرو - وكان عبدًا لعائشة - رضي الله عنه - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعتنقه، عن دبر منها -كان يقوم يقرأ لها في رمضان (¬5). ¬

(¬1) فعل هذا تارة، وإحدى عشرة ركعة تارة. (¬2) يعني: في القنوت. (¬3) لشدة الرغبة في الخير. (¬4) يمكن في العشر الأخيرة. (¬5) وكان يقرأ من المصحف، كما في رواية البخاري. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: من يصلون أربع تسليمات خفيفة، ثم تسليمتين ثقيلة طويلة؟ فقال: الأمر واسع. وسئل: لو أخروا التراويح آخر الليل؟ فقال: لا بأس. وسئل: حديث: «أفضل صلاة المرء في بيته ..»؟ فقال: هذا في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وأما بعد فشرعت الجماعة في التراويح. وسئل: صلاة الليل جماعة أحيانًا في غير رمضان؟ فقال: جائز، بدون ترتيب، بل صدفة، بدون تواطؤ.

7 - كتاب الصلاة في الليل

7 - كتاب الصلاة في الليل باب ما جاء في صلاة الليل 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن رجل عنده رضا (¬1): أنه أخبره: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته (¬2)، وكان نومه عليه صدقة (¬3)» (¬4). 2 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما (¬5). قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. ¬

(¬1) عند النسائي الأسود بن يزيد. قلت: وقد سمي الرجل: الأسود بن يزيد، وذلك في طريق النسائي، والذي سماه: أبو جعفر الرازي، وهو ضعيف. وجاء موقوفًا عن أبي الدرداء. وانظر: الإرواء (2: 205). (¬2) قضاء الوتر شفعًا في الضحى أولى؛ لحديث عمر - رضي الله عنه -. وإن قضاه في اليوم؛ لحديث عائشة. وسئل: من فاتته صلوات، هل يقضيها مع رواتبها؟ فقال: المعروف الفجر، يقضيها مع راتبتها، والبقية يقضيها دون رواتبها. (¬3) وهذا من رحمة الله بوجوده، ومثل: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا». (¬4) حسن لغيره -وفي إسناده أبو جعفر الرازي- لكن بالشواهد: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا». (¬5) لا يضر الصلاة، وكذا كونها بين يديه. والذي يضر المرور.

باب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوتر

3 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع امرأة من الليل تصلي فقال: (من هذه)؟! فقيل له: هذه الحولاء بنت تويت لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى عرفت الكراهية في وجهه، ثم قال: «إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا (¬1)، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة». 7 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: «صلاة الليل والنهار (¬2) مثنى مثنى: يسلم من كل ركعتين (¬3)». قال مالك: «وهو الأمر عندنا». باب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوتر 8 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن (¬4). 9 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سأل عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد ¬

(¬1) على الوجه اللائق، لا يشابه العباد. (¬2) زيادة: «النهار» رواها الخمسة، وهي صحيحة. قلت: حديث: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» صححه البخاري. سنن البيهقي (2: 487). (¬3) هذا ثابت في «الصحيحين»: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة». (¬4) وهذا هو الأفضل؛ تأسيًا به - صلى الله عليه وسلم -. وكذا بعد سنة الفجر في البيت، وكان يصلي سنة الفجر في البيت.

في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا (¬1) فلا تسأل، عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل، عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا. فقالت عائشة: فقلت يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ فقال: «يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي». 10 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة (¬2)، ثم يصلى إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. 12 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه: أن عبد الله بن قيس ابن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فتوسدت عتبته أو فسطاطه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى (¬3) ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة. ¬

(¬1) يعني: بتسليمتين؛ لقولها: «كان يصلي من الليل عشر ركعات، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة». ويحتمل بطلان [صلاة] من صلى أربعًا، وجاء بلفظ الأمر: «صلوا مثنى مثنى». قلت: رواه مسلم [749] من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ: «من صلى فليصل مثنى مثنى ...» انفرد بهذا اللفظ عبيد الله عن سائر أصحاب ابن عمر. (¬2) وهذا في بعض الأحيان، وربما صلى إحدى عشرة، وهو الغالب. وربما: تسعًا أو سبعًا. (¬3) قلت: في هذا الحديث -في غير نسخة يحيي- ذكر ركعتين خفيفتين.

باب الأمر بالوتر

باب الأمر بالوتر 14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز: أن رجلًا من بني كنانة (يدعى المخدجي) سمع رجلًا بالشام (يكنى أبا محمد) يقول: إن الوتر واجب، فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خمس صلوات كتبهن الله - عز وجل - على العباد، فمن جاء بهم لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد: إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة» (¬1). 15 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن عمر، عن سعيد بن يسار، قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت، ثم أدركته، فقال لي عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أين كنت؟ فقلت له: خشيت الصبح فنزلت ¬

(¬1) السند بهذا ضعيف؛ لأجل المخدجي هذا. قلت: الحديث أخرجه مالك في «الموطأ» كما هنا وأحمد (5/ 315) وأبو داود [1420] والنسائي (1/ 230) وغيرهم في طرق عن يحيي بن سعيد الأنصاري به. والمخرجي قيل تفرد بالرواية عنه ابن محيريز. والحديث لا بأس به ويكفي إخراج مالك له مسندًا. ومتنه لا نكارة فيه قال أبو العباس: (والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ لا من ترك). انظر «البدر المنير» (5/ 389). «المسند» الرسالة (37/ 366). «مجموع الفتاوى» (22/ 49). وانظر كتابي: «الإنباه إلى حكم تارك الصلاة» نشر مكتبة بن خزيمة. والمعروف: أن من ترك الصلاة كفر.

فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة؟! فقلت: بلى والله، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر على البعير (¬1). 16 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إذا أراد أن يأتي فراشه أوتر، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوتر آخر الليل. قال سعيد بن المسيب: «فأما أنا فإذا جئت فراشي أوترت» (¬2). 19 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه قال: «كنت مع عبد الله بن عمر بمكة والسماء مغيمة، فخشي عبد الله الصبح، فأوتر بواحدة، ثم انكشف الغيم، فرأى أن عليه ليلًا، فشفع بواحدة (¬3)، ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة». 20 - وحدثني عن مالك، عن نافع: «أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته». 21 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب: «أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بعد العتمة بواحدة». قال مالك: «وليس على هذا العمل عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث» (¬4). ¬

(¬1) يعني: لو أوترت على البعير كفى. (¬2) من باب الحزم. (¬3) ليس بجيد أن يشفع. قلت: وانظر: ما صح من آثار الصحابة (ص:398)، ففيه: عن عائشة وابن عباس وغيرهما المنع من نقض الوتر. (¬4) وهذا كله لا بأس به: الإيتار بواحدة أو أكثر أجزأ. والأفضل: يكون معها زيادة ثلاث أو خمس، وفي حديث أبي أيوب: (من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل). والأفضل أن يفرد الواحدة.

باب الوتر بعد الفجر

22 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: «صلاة المغرب وتر صلاة النهار» (¬1). قال مالك: «من أوتر أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلى فليصل مثنى مثنى، فهو أحب ما سمعت إلى» (¬2). باب الوتر بعد الفجر 23 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري (¬3)، عن سعيد بن جبير: أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - رقد ثم استيقظ، فقال لخادمه: انظر ما صنع الناس، وهو يومئذ قد ذهب بصره، فذهب الخادم ثم رجع، فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام عبد الله بن عباس فأوتر، ثم صلى الصبح (¬4). 24 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة قد أوتروا بعد الفجر (¬5). ¬

(¬1) قلت: انظر: المسند (8: 456)، طبعة الرسالة، فقد جاء مرفوعًا من كريق: هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن ابن عمر. (¬2) هذا هو الصواب: يصلي مثنى مثنى؛ وتره الأول كاف. (¬3) قلت: وهو الأثر الوحيد الذي أخرجه مالك عنه. (¬4) وهذا ضعيف، عبد الكريم ضعيف لا يحتج به. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوتروا قبل أن تصبحوا»، وقال: «إذا طلع الصبح فلا وتر له»، وكان إذا فاته من الليل صلى بالنهار شفعًا. (¬5) بلاغات مالك ضعيفة: منقطعة أو معضلة. السنة حاكمة وواضحة، وهذه أفعال صحابة لو صحت.

25 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر» (¬1). 26 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: «كان عبادة بن الصامت يؤم قومًا، فخرج يومًا إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح، فأسكته عبادة حتى أوتر ثم صلى بهم الصبح» (¬2). 27 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة (¬3) يقول: إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة أو بعد الفجر، يشك عبد الرحمن أي ذلك قال. 28 - وحدثني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه القاسم بن محمد يقول: «إني لأوتر بعد الفجر». قال مالك: «وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر» (¬4). ¬

(¬1) ضعيف؛ لأن عروة لم يسمع من ابن مسعود، ولو صح فالسنة تخالفه. قلت: عروة بن الزبير مات سنة (92)، وقيل غير ذلك وابن مسعود مات سنة 32. (¬2) ضعيف؛ يحيي لم يدرك عبادة. ولو صح مثل ما تقدم. وإذا صح الحديث لا يعارض بفعل الصحابي ولا غيره؛ {? ? ? ? ? ? ... ? ?}. (¬3) عبد الله بن عامر تابعي -وقيل: صحابي صغير- وفي «الخلاصة»: صحابي صغير. (¬4) على كل حال، مثل ما تقدم، لا يتعمد، ولا يفعل حتى ولو لم يتعمد، وإنما يؤخر إلى الضحى شفعًا. مالك له أفراد ضعيفة: يقدم عمل أهل المدينة.

باب ما جاء في ركعتي الفجر

باب ما جاء في ركعتي الفجر 30 - وحدثني مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخفف ركعتي الفجر، حتى إني لأقول: أقرأ بأم القرآن أم لا؟! (¬1). 31 - وحدثني عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أصلاتان معًا؟! أصلاتان معًا؟!»، وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح (¬2). 32 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فاتته ركعتا الفجر فقضاهما بعد أن طلعت الشمس (¬3). ¬

(¬1) قلت: نقل الزرقاني عن مالك عدم الزيادة على الفاتحة. والجمهور على قراءة سورة بعد الفاتحة، وفيه حديث ابن عباس. (¬2) إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. فمتى أقيمت، قطع الصلاة. (¬3) وهذا هو الأفضل؛ كما جاء في الحديث: «فليصليهما بعدما تطلع الشمس»، وإن صلاها بعد صلاة الفجر فلا بأس. قلت: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر. انظره: في المسند (39: 171)، وخرجه مطولًا، وهو يروى من طريق: محمد بن إبراهيم، عن قيس. وهو منقطع؛ محمد لم يسمع من قيس، ووصله أسد ابن موسى، ووهموه. والحديث معلول، ضعفه أحمد والترمذي. وأما حكم المسألة: فالتحقيق ترك قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، هذا ما خلص إليه ابن رجب في شرح البخاري (3: 318 - 322). والمسألة تحتاج مزيد بحث وتحقيق.

8 - كتاب صلاة الجماعة

8 - كتاب صلاة الجماعة باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ 2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا» (¬1). 4 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن بسر بن سعيد: أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: (أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة) (¬2). باب ما جاء في العتمة والصبح 5 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما»، أو نحو هذا (¬3). ¬

(¬1) الفضل لا يدل على الجواز، لكن يدل على الصحة، والترك يأثم به. قلت: وجمع بينهما بجمع آخر في «الاختيارات» في باب صلاة الجماعة. فارجع إليه ونحو حديث أبي هريرة جاء حديث أبي سعيد. (¬2) رواه الشيخان مرفوعًا. وسألت شيخنا عن حديث: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر»؟ فقال: نفي الكمال الواجب. (¬3) صحيح مسلم [654]: عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النافق».

6 - وحدثني عن مالك، عن سمي (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن)، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له، فغفر له». وقال: «الشهداء خمسة (¬1): المطعون، والمبطلون، والغرق، وصاحب الهدم (¬2)، والشهيد في سبيل الله:، وقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا». 7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة (¬3): أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر - رضي الله عنه -: «لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة» (¬4). وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، أنه قال: جاء عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلًا فاضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة ¬

(¬1) من الشهداء. (¬2) ومن ذلك: حوادث السيارات: يصدم، أو ينقلب. (¬3) اسم أبي حثمة: عبد الله بن حذيفة، وقيل غير ذلك. (¬4) صدق - رضي الله عنه -. وسألت الشيخ عن حد المرض الذي يسقط صلاة الجماعة؟ فقال: الذي يشق عليه.

باب إعادة الصلاة مع الإمام

فجلس إليه، فسأله من هو؟ فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان - رضي الله عنه -: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة (¬1). باب إعادة الصلاة مع الإمام 8 - حدثني يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني الديل ... -يقال له: بسر بن محجن- عن أبيه محجن: أنه كان في مجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن بالصلاة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى، ثم رجع ومحجن في مجلسه لم يصل معه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منعك أن تصلى مع الناس؟! ألست برجل مسلم؟!» فقال: بلى، يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت» (¬2). 9 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن رجلًا سأل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، فقال: إني أصلي في بيتي، ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: ¬

(¬1) قلت: اختلف في رفعه ووقفه، والصحيح رفعه (1: 50) من العلل للدارقطني. وأخرجه مسلم من طريق: عثمان بن حكيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، به، مرفوعًا. وعثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف: ثقة، من الخامسة. (¬2) لا بأس به، ويغني عنه حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. وهذا هو المشروع، يصلي مع الجماعة، ولو لم يكن في المسجد [حال إقامة الصلاة]. قلت: في مسلم (1: 448) حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، في بعض ألفاظه: «فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل»، مفهومه: إذا كان خارج المسجد لا يصلي. ثم سئل أخرى عن رجل أقيمت الصلاة وهو في السوق، وهو مسافر؟ فقال: هذا ليس في المسجد. وتبسم. قلت: وللمصلى الذي قد صلى إذا شهد جماعة أن يصلى ركعتين ويجتزئ بهما. التمهيد (4: 248). وقال به: ابن عثيمين.

باب العمل في صلاة الجماعة

نعم، فقال الرجل: أيتها أجعل صلاتي؟ فقال له ابن عمر: أو ذلك إليك؟! إنما ذلك إلى الله، يجعل أيتها شاء (¬1). 10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن رجلًا سأل سعيد بن المسيب، فقال: إني أصلى في بيتي ثم آت المسجد فأجد الإمام يصلى أفاصلي معه؟ فقال سعيد: نعم، فقال الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما؟!، إنما ذلك إلى الله (¬2). 12 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما؟ قال مالك: «ولا أرى بأسًا أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعًا» (¬3). باب العمل في صلاة الجماعة 15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن رجلًا كان يؤم الناس بالعقيق، فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه. قال مالك: «وإنما نهاه؛ لأنه كان لا يعرف أبوه» (¬4). ¬

(¬1) الصواب: أن الأولى هي الفريضة؛ لقوله في الثاني: «تكن لك نافلة»، وخفي هذا على ابن عمر. (¬2) مثل ما تقدم، خفي على سعيد السنة. (¬3) وهذا ليس بشيء، وقول ابن عمر خفيت عليه السنة، وكذا مالك رحمه الله، بل يصليها: سواء كانت المغرب أو الفجر، أو غيرها. ويصليها على حالها. (¬4) إن صح لعله أزاله لشيءً آخر، فإذا استقام دينه يقدم على الناس، وإن لم يعرف نسبه.

باب صلاة الإمام وهو جالس

باب صلاة الإمام وهو جالس 16 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسًا فصرع فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد وصلينا وراءه قعودًا فلما انصرف قال: «إنما جعل الإمام ليئتم به، فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون» (¬1). 17 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شاك (¬2)، فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف، قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم له: فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا». باب فضل صلاة القائم على صلاة القاعد 19 - حدثني يحيى، عن مالك، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن مولى لعمرو بن العاص -أو لعبد الله بن عمر بن العاص- عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم» (¬3). ¬

(¬1) هذا السنة، الإمام الراتب إذا صلى جالسًا صلوا جلوسًا، وإن صلوا قيامًا لا بأس؛ كما فعل - صلى الله عليه وسلم - آخر حياته وأقرهم. فالأمر على الاستحباب. وقيل: بالنسخ. والجمع مقدم. وقيل: من بدؤوا قيامًا أتموا. وليس بجيد. (¬2) الذي ليس براتب لا يصلى وهو جالس، ولو كان اقرأهم. (¬3) قلت: وزيادة: «ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد»، انظر: التمهيد (1: 134)، وانظر «الحلل الإبريزية» (1/ 332). والظاهر: أن هذه الزيادة شاذة.

باب ما جاء في صلاة القاعدة في النافلة

20 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أنه قال: لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس وهم يصلون في سبحتهم (¬1) قعودًا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم» (¬2). باب ما جاء في صلاة القاعدة في النافلة 21 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب ابن أبي وداعة السهمي، عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في سبحته قاعدًا قط، حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها». 22 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنها أخبرته: أنها لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الليل قاعدًا قط حتى أسن، فكان يقرأ قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع (¬3). ¬

(¬1) «سبحتهم»: نافلتهم. (¬2) وإذا صلوا قعودًا وهم قادرون على القيام فلهم النصف. وإن عجزوا فالأجر كامل. من لا يستطيع القيام إلا باستناد؟ - لا يشق على نفسه، إن استطاع، وإلا فليجلس. (¬3) في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - تنوعت صلاته: ربما صلى قاعدًا وركع قاعدًا، وربما كما هنا. وكله واسع.

باب الصلاة الوسطى

24 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان (¬1). باب الصلاة الوسطى 26 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن رافع، أنه قال: كنت أكتب مصحفًا لحفصة أم المؤمنين، فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين (¬2). 27 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن ابن يربوع المخزومي، أنه قال: سمعت زيد بن ثابت - رضي الله عنه - يقول: «الصلاة الوسطى صلاة الظهر». 28 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - رضي الله عنه - كانا يقولان: «الصلاة الوسطى صلاة الصبح» (¬3). قال مالك: «وقول علي وابن عباس أحب ما سمعت إلى في ذلك» (¬4). ¬

(¬1) الجالس مخير: يتربع أو يحتبي. والتربع أفضل في محل القيام. قلت: التربع أفضل في محل القيام. كما بسطته في تعليقي على حديث عائشة في شرحي على بلوغ المرام. (¬2) وهذا من باب التفسير، صلاة العصر هي الوسطى؛ «شغلونا عن الصلاة الوسطى، وهي العصر»، كما قاله في الخندق. (¬3) وهذا كله ضعيف؛ للنص في ذلك. (¬4) لم يتعقبه شيخنا بيء؛ وكأنه اكتفى بما مضى.

باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد

باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد 31 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: سئل أبو هريرة - رضي الله عنه - هل يصلي الرجل في ثوب واحد فقال: نعم، فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ فقال: نعم إني لأصلى في ثوب واحد، وإن ثيابي لعلى المشجب (¬1). باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار 38 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن امرأة استفتته فقالت: إن المنطق يشق علي، أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم، إذا كان الدرع سابغًا (¬2). ¬

(¬1) والأفضل: جعله على عاتقيه مثل ما قال - صلى الله عليه وسلم - لجابر: «إن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به». ومع القدرة: يستر العاتقين، ويكفي واحد. (¬2) المقصود: الستر، إذا سترت رأسها وبدنها كفى. ويجب ستر الفدمين، وإن انكشفت في الصلاة بطلت. قلت: خبر أم سلمة وفيه: «نعم إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها» الصحيح وقفه كما صححه الأئمة. وذكر ذلك أبو داود في سننه، والدارقطني في «علله» وغيرهم، وهو الصواب، وانظر «نصب الراية».

9 - كتاب قصر الصلاة في السفر

9 - كتاب قصر الصلاة في السفر باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر 2 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة: أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أخبره: أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا (¬1)، ثم قال: «إنكم ستأتون غدًا -إن شاء الله- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتي». فجئناها، وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض بشيء من ماء، فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل مسستما من مائها شيئًا؟». فقالا: نعم، فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلًا قليلًا حتى اجتمع في شيء. ¬

(¬1) فيه: دلالة على الجمع ولو كان نازلًا. وكان - صلى الله عليه وسلم - يجمع إذا كان على ظهر سير، وإذا نزل واستقر لم يجمع، كما في منى وهذا في غالب أحواله. ولا باس أن يجمع، كما هنا. قلت: فيهك الدلالة على جمع النازل، ولو لم يجد في السير. (¬2) لأنهم خالفوا الأمر.

باب قصر الصلاة في السفر

ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها (¬1)، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا» (¬2). 4 - حدثني، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوف ولا سفر (¬3). قال مالك: «أرى ذلك كان في مطر». باب قصر الصلاة في السفر 7 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد: أنه سأل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فقال: يأبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر: يا ابن أخي، إن الله - عز وجل - بعث إلينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل (¬4). ¬

(¬1) قلت: جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - مج في زمزم. انظر: مسند أحمد (31: 134)، (5: 466)، طبعة الرسالة، وأطلت الكلام عليه في شرح كتاب «الحج من بلوغ المرام». (¬2) وهذا قد وقع، كله قد وقع. (¬3) هذا يحتمل، وقيل: منسوخ، وقيل: لعلة، وقيل: لمرض. والصواب: لا يجوز الجمع إلا لعلة؛ على هذا استقرت الشريعة. قلت: انظر لزامًا: كلام الحافظ في الفتح (2: 23 - 24)، والنسائي (1: 286)، و «الإرواء» (3: 36). (¬4) وهذا هو الواجب الاتباع؛ ما كل شيء في القرآن، فأعطاه الله الكتاب والحكمة، (وهي السنة)، وقد قصر في السفر.

باب ما يجب فيه قصر الصلاة

8 - وحدثني عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر (¬1)، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. 9 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: لسالم بن عبد الله: ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر فقال سالم: غربت الشمس ونحن بذات الجيش فصلى المغرب بالعقيق (¬2). باب ما يجب فيه قصر الصلاة (¬3) 15 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف وفي مثل ما بين مكة وعسفان، وفي مثل ما بين مكة وجدة (¬4). قال مالك: «وذلك أربعة برد وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة». قال مالك: «لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة، حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل أول بيوت القرية، أو يقارب ذلك» (¬5). ¬

(¬1) وهذا لا ينافي أن تكون مقصورة؛ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} بالنسبة للحضر. وحديث: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». (¬2) هذا لا بأس: إذا أخر المغرب إلى العشاء في وقتها. وهذا لما جاءه مرض زوجته، جد في السير. من أتم في السفر؟ لا بأس، ترك الأفضل. (¬3) يعني: ما يشرع فيه قصر الصلاة. (¬4) أصله أخرجه عبد الرزاق (2: 524)، وسنده صحيح. (¬5) وهذا هو السنة: يقصر بعد مفارقة البلد، ويقصر حتى يدخل البلد.

باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا

باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثًا 16 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: «أصلى صلاة المسافر ما لم أجمع مكثًا، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة» (¬1). 17 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنه - أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته (¬2). باب صلاة الإمام إذا أجمع مكثًا 18 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال: «من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة». قال مالك: «وذلك أحب ما سمعت إلي». وسئل مالك عن صلاة الأسير، فقال: «مثل صلاة المقيم إلا أن يكون مسافرًا» (¬3). ¬

(¬1) ظاهر قوله، ولو تجاوز أربع، ما لم يجمع إقامة. وهذا قول جماعة من أهل العلم. (¬2) المسافر ما لم يجمع إقامة فهو مسافر؛ ولهذا صلى ابن عمر سنة أشهر -لما حبسه الثلج- وهو يقصر، إذا حدد إقامته فمحل خلاف: الجمهور على أنه متى حدد أربعة فما دونها قصر؛ لإقامته بمكة في الحج من الرابع حتى الثامن. (¬3) السجناء: إذا كانوا مستوطنين عليهم أن يجمعوا (يصلى بهم جمعة). وإن لم يكونوا مستوطنين فصلوا مع الناس جمعة -وسمح لهم بذلك- جمعوا، وإلا فلا. إن كان المستوطنون ثلاثة جمعوا في السجن. انظر فتاوى شيخنا ابن باز (12: 345).

باب صلاة المسافر إذا كان إماما أو كان وراء إمام

باب صلاة المسافر إذا كان إمامًا أو كان وراء إمام 20 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعًا، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين (¬1). 21 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان (¬2)، أنه قال: جاء عبد الله ابن عمر - رضي الله عنه - يعود عبد الله بن صفون فصلى لنا ركعتين ثم انصرف فقمنا فأتممنا. باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة 22 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئًا قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل، فإنه كان يصلى على الأرض، وعلى راحلته حيث توجهت (¬3). 23 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبا بكر ابن عبد الرحمن كانوا يتنفلون في السفر. قال يحيى: وسئل مالك عن النافلة في السفر. فقال: «لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغني: أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك» (¬4). ¬

(¬1) إذا أتم إمامهم أتموا. (¬2) قلت: صفوان بن عبد الله بن صفوان، أبوه عبد الله تابعي وقبل: صحابي، قتل مع ابن الزبير، وهو متعلق بأستار الكعبة. (¬3) وهذا سنته - صلى الله عليه وسلم -، كان يصلي في السفر: سنة الفجر، والوتر، والصلاة بالليل. (¬4) لا حرج، صلاة الضحى وصلاة الليل، أما الرواتب فالسنة تركها.

باب صلاة الضحى

25 - وحدثني عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو على حمار وهو متوجه إلى خيبر (¬1). باب صلاة الضحى 27 - حدثني يحيى، عن مالك، عن موسى بن ميسرة، عن أبي مرة (مولى عقيل بن أبي طالب): أن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنه - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عام الفتح ثماني ركعات (¬2) ملتحفًا في ثوب واحد. 28 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله): أن أبا مرة (مولى عقيل بن أبي طالب) أخبره: أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنه - تقول: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب قالت: فسلمت عليه، فقال: «من هذه؟» فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: «مرحبًا بأم هانئ»، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات (¬3)، ملتحفًا في ثوب واحد، ثم انصرف، فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي علي: أنه قاتل رجلًا أجرته: فلان بن هبيرة، ¬

(¬1) وهذا يدل على جواز الصلاة النافلة على الراحلة في السفر. ويستحب عند الإحرام استقبال القبلة؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -. أخرجه أبو داود [1225] وسنده جيد. (¬2) وجاء عند ابن حبان: أنه صلى في بيتها ثمان ركعات. قلت: (لعله يعني: عائشة)، رواه ابن حبان أنه دخل على عائشة، فصلى ثمان ركعات. من طريق: عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن عائشة. فيه لين. وقيل اسمه: عبد الرحمن بن يعلى. (¬3) وعند أبي داود من طريق: عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب (مولى ابن عباس)، عن أم هانئ، وفيه «يسلم من كل ركعتين». وعياض فيه ضعف. ورواه ابن خزيمة من طريق أبي داود، وبوب عليه: السلام من كل ركعتين.

باب جامع سبحة الضحى

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» (¬1)، قالت أم هانئ: وذلك ضحى. 29 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنها قالت: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى قط (¬2)، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم» (¬3). 30 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عائشة (¬4) - رضي الله عنه -: أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول لو نشر لي أبواي ما تركتهن (¬5). باب جامع سبحة الضحى 31 - حدثني يحيى، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن جدته مليكة (¬6) دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام، فأكل منه، ثم ¬

(¬1) احتج به العلماء على أن المرأة تجير كالرجل، مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ويسعى بذمتهم أدناهم»، فيجار: إما يسلم، وإما يد إلى مأمنه. (¬2) عائشة: اختلفت الرواية عنها، جاء عنها: كان يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله، وجاء عنها: لا يصليها إلا أن يجيء من مغيبه، وجاء عنها -كما هنا- لا يصليها، فلعلها نسيت. (¬3) لا حد لصلاة الضحى؛ لحديث عمرو بن عبسة: «ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح ...» أخرجه مسلم. (¬4) قلت: «زيد، عن عائشة»، في قول ابن معين، وغيره مرسل. (¬5) السنة المداومة على صلاة الضحى، لأنه أواصى بها. وتركها؛ خشية أن تفرض علينا، والسنة تكون بالقول والفعل. إذا صلى الضحى جماعة أحيانًا لا بأس، كما فعل عندما زار أنسا وعتبان بن مالك. (¬6) جدة إسحاق. وانظر: الفتح (:).

باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قوموا فلأصلي لكم» (¬1)، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف (¬2). 32 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (¬3)، أنه قال: «دخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفا تأخرت فصففنا وراءه» (¬4). باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي 33 - حدثني يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبي فليقاتله؛ فإنما هو شيطان» (¬5). 34 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن بسر بن سعيد: أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم يسأله: ماذا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) واتخاذ محل خاص يصلي فيه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصده وصلى فيه فهذا خاص به - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) هذا فيه: سنة الضحى، أوصى بها أبا هريرة وأبا الرداء، وهي سنة. (¬3) قلت: عن أبيه، فالداخل أبوه عبد الله. وسقط من نسختي، وهي في نسخة بشار. (¬4) مثل ما فعل ابن عباس، فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه. (¬5) في أماكن الزحام في المسجد الحرام الأمر واسع، والمرأة لا تقطع في المسجد الحرام على الصحيح.

باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي

«لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه (¬1)، لكان أن يقف أربعين خيرًا (¬2) له من أن يمر بين يديه» (¬3). قال أبو النضر: «لا أدري أقال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة؟» (¬4). 35 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن كعب الأحبار قال: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يخسف به خيرًا له من أن يمر بين يديه» (¬5). 36 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يكره أن يمر بين أيدي النساء وهن يصلين (¬6). باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي 38 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: «أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ ¬

(¬1) قلت: في نسخة الكشميهني: (من الإثم)، ولا تصح، والكشميهني رواية، ليس من أهل العلم، كما قال ابن حجر. (¬2) خبر كان. (¬3) فيه: تحريم المرور بين يدي المصلي، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة، وهذا إذا كان قريبًا منه. (¬4) قلت: في رواية البزار: (أربعين خريفًا)، ولا تصح، والصحيح: عدم تفسيرها؛ للتفخيم. (¬5) كعب تابعي قد يكون أخذ من الكتب السابقة. (¬6) سألت الشيخ: عن تقديم النساء على الرجال في المسجد الحرام في الدور الثاني في بعض جوانيه؟ فقال: إذا رأى ولاة الأمر ... فقلت: السنة قضت في هذا. - فقال: إذا رأى ولاة الأمر.

باب سترة المصلي في السفر

قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي للناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد» (¬1). 40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه (¬2): أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي» (¬3). باب سترة المصلي في السفر 41 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يستتر براحلته إذا صلى (¬4). بدون - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة: أن أباه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة (¬5). ¬

(¬1) جواز ذلك بين المأمومين، أما الإمام والمنفرد فلا. (¬2) قلت: وصله عبد الرزاق، من طريق: أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. وصح من طريق: شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن علي وعثمان: «لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم». (¬3) وهذا ضعيف، والسنة مقدمة. فذكر للشيخ حديث أبي سعيد: «لا يقطع الصلاة شيء»،فقال: ضعيف. فقلت له: الحافظ الباغندي روى في مسند عمر بن عبد العزيز ص [50] والدارقطني في «سننه». (1/ 367) بإسناد قوي من حديث أنس نحوه فسكت الشيخ .. وقال في «تنقيح التحقيق». (2/ 955) وعلى تقدير ثبوت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقطع الصلاة شيء» لا يعارض به حديث أبي هريرة وعبد الله به مغفل لأنها خاصة فيجب تقديمها على العام. (¬4) جاء مرفوعًا عند البخاري من طريق: عبيد الله بن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وفعله ابن عمر عند البخاري (رقم: 430). (¬5) ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه صلى إلى غير سترة في بعض الأحيان.

باب مسح الحصباء في الصلاة

باب مسح الحصباء في الصلاة 42 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي جعفر القارئ، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - إذا أهوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحًا خفيفًا (¬1). 43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه: أن أبا ذر - رضي الله عنه - (¬2) كان يقول: «مسح الحصباء مسحة واحدة، وتركها خير من حمر النعم». [روي مرفوعًا عن أبي ذر، من طريق: سفيان، عن الزهري، عن أبي الأخوص] (¬3). باب ما جاء في تسوية الصفوف 44 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فأخبره أن قد استوت كبر (¬4). 45 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: «كنت مع عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء، بنعليه حتى جاءه رجال - قد كان وكلهم بتسوية الصفوف - فأخبروه: أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف، ثم كبر» (¬5). ¬

(¬1) لا بأس بهذا إذا دعت الحاجة؛ لأجل عدم العبث، ولأن الرحمة تواجهه. (¬2) وهذا بلاغ مرسل عن أبي ذر. (¬3) قلت: إسناده لا بأس به، تكلمت عليه في «البلوغ»، وليس فيه: «تركها خير من حمر النعم». (¬4) قلت: فيه انقطاع. وروى أبي شيبة عن: أبي عثمان، عن عمر، نحوه. وإسناده حسن. (¬5) السنة: أن الإمام يعتني بالصفوف، كما فعل عمر وعثمان. - وضع الخط مما يعين على التسوية لا حرج فيه.

باب وضع اليدين إحدهما على الأخرى في الصلاة

باب وضع اليدين إحدهما على الأخرى في الصلاة 47 - وحدثني عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -، أنه قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» (¬1). قال أبو حازم: «لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك». باب القنوت في الصبح 48 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان لا يقنت في شيء من الصلاة (¬2). باب النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته 49 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه، فحضرت الصلاة يومًا، فذهب لحاجته، ثم رجع فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة» (¬3). ¬

(¬1) هذا هو السنة، فلا منافاة، فإذا وضع يده اليمنى على اليسرى كانت أطراف الأصابع على الذراع. (¬2) القنوت في الصبح في النوازل في الحاجات، وثبت في العشاء والمغرب. وقنوته في الصبح دائمًا ضهيف، كما قال ابن القيم في «الهدي». - والقنوت بعد الركوع، وما وقع عند البخاري [957] من رواية عاصم الأحول عن أنس في القنوت قبل الركوع استكرها الأئمة، والحفاظ من أصحاب أنس يقولون بعد، وفي لفظ عاصم شذوذ واضطراب، وقد أنكر الأئمة على عاصم هذا، ومنهم أحمد ... وانظر كلام ابن رجب في شرح البخاري عند هذا الحديث. (¬3) هذا هو السنة، لقوله: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين»، فالمقصود فراغ القلب.

باب انتظار الصلاة والمشي إليها

50 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه» (¬1). باب انتظار الصلاة والمشي إليها 51 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه -ما لم يحدث- اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» (¬2). قال مالك: «لا أرى قوله: (ما لم يحدث) إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء». 54 - وحدثني عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر: أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: «إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد، ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي» (¬3). 55 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة (¬4)، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط». ¬

(¬1) منقطع. (¬2) في اللفظ الآخر: «لم يؤذ، ما لم يحدث». (¬3) هذا يدل على أنه قام من محله إلى آخر، فحكمه واحد؛ فالمسجد كله مصلى، والملائكة تستغفر له. (¬4) ولو كان في عمله يهتم بها فهي على باله، وأخرجه مسلم [251] من طريق مالك وجماعة كلهم من العلاء وميز ألفاظه وطرقه.

باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود

56 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن سعيد بن المسيب قال: «يقال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق» (¬1). 57 - وحدثني عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» (¬2). 58 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، أنه قال له: «ألم أر صاحبك إذا دخل المسجد يجلس قبل أن يركع». قال أبو النضر: «يعني بذلك: عمر بن عبيد الله، ويعيب ذلك عليه أن يجلس إذا دخل المسجد قبل أن يركع». قال يحيى: قال مالك: «وذلك حسن وليس بواجب» (¬3). باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود 59 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته. قال نافع: «ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء» (¬4). ¬

(¬1) وهذا إن كان بعير عذر؛ يدل على التثاقل عن الصلاة، وهذا من صفقات المنافقين، وفيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «فقد عصى أبا القاسم ..». (¬2) وسألت شيخنا: من دخل المسجد وهو محدث؟ قال: يجلس؛ معذور، ولا يكلف يذهب يتوضأ. (¬3) تحية المسجد نافلة؛ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها. (¬4) هذا هو السنة: أن يضع يديه على المصلى، على الأرض، أو الحصباء، أو الفراش حتى يخشع، إلا إذا كان هناك برودة.

باب الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة

60 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: «من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته، ثم إذا رفع فليرفعهما؛ فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه» (¬1). باب الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة 61 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف؛ ليصلح بينهم، وحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر - رضي الله عنه -، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر - رضي الله عنه - (¬2)، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر - رضي الله عنه - يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، ثم استأخر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى، ثم انصرف، فقال: «يا ¬

(¬1) قلت: أخرجه أبو داود (رقم: 892) مرفوعًا، فوصله من طريق: ابن علية، عن أيوب، عن نافع، وكذا النسائي ورواه البيهقي من طريق وهيب عن أيوب فرفعه ثم قال البيهقي كذا ورواه إسماعيل ابن عيلة عن أيوب فقال ورواه حماد بن زيد عن أيوب موقوفًا على ابن عمر ... الخ. قلت: وحماد بن زيد أثبت الناس في أيوب، وقال ابن معين من خالفه من الناس جميعًا فالقول قوله في أيوب، قلت: كيف وقد وافق مالكًا في وقفه؟ سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: الصلاة على فراش إسفنج؟ فقال: لا بأس به إذا كان طاهرًا، وكذا القطن وغيره، قلت: قال في عون المعبود (3/ 105) قال ابن حجر: «معناه فمكن من جبهتك من مسجدك، فيجب تمكينها بأن يتحامل عليها بحيث لو كان تحتها قطن انكبس» اهـ. (¬2) للحاجة يلتفت.

باب ما يفعل من جاء والإمام راكع

أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟!» فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح، من نابة شيء في صلاته، فليسبح؛ فإنه إذا سبح التفت إليه. وإنما التصفيح للنساء» (¬1). باب ما يفعل من جاء والإمام راكع 64 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال: «دخل زيد بن ثابت - رضي الله عنه - المسجد فوجد الناس ركوعًا، فركع ثم دب حتى وصل الصف» (¬2). 65 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان يدب راكعًا (¬3). باب العمل في جامع الصلاة 71 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء (¬4) راكبًا وماشيًا. ¬

(¬1) فيه فوائد: - إذا تأخر الإمام الراتب يصلي الناس ولا ينتظروه؛ لأن ذلك يشق عيهم. - أن الإمام يقر الإمام الذي صلى بهم، ولا ينبغي له الاعتراض؛ كفاه أن يستحي من التأخر (بحروفه). - الجماعة لا يصفقون بل يسبحون، يقولون: سبحان الله؛ (إنما التصفيق للنساء). فيه: جواز مثل هذا: رفع اليدين، والدعاء لو بشر بشيء. (¬2) لم تبلغه السنة، والسنة: لا يركع حتى يأتي في الصف، ولهذا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكرة. (¬3) وهذا -لو صح- محمول على عدم بلوغه السنة. (¬4) زاد البخاري ومسلم: «كل سبت».

72 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟» وذلك قبل أن ينزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هن فواحش، وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته»، قالوا: وكيف يسرق صلاته، يا رسول الله؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها» (¬1). 73 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم» (¬2). 80 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: «ما صلاة يجلس في كل ركعة منها ثم قال سعيد هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة وكذلك سنة الصلاة كلها» (¬3). ¬

(¬1) الحديث مرسل، قلت: ابن عبد البر في التمهيد ... وهو حديث صحيح يستند من وجوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد. قلت: حديث أبي سعيد أخرجه أحمد (3/ 56) وغيره من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد ... وعلى ضعيف، وحديث أبي هريرة اختلف فيه على الأوزاعي على وجهين (علل ابن أبي حاتم) (1/ 170) علل الدارقطني (6/ 141). فأما أبو حاتم فحكم أنه منكر من حديث الأوزاعي عن يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ومن روايته عن يحيي عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه. وأما الدارقطني فقال: ويشيه أن يكون حديث أبي هريرة أثبت والله أعلم. قلت: أقوى ما في الباب مرسل مالك. فيشد غيره. وسرقة الصلاة من أقبح الأشياء. (¬2) وصله البخاري من طريق: نافع، عن ابن عمر، وزاد: (ولا تتخذوها قبورًا). (¬3) إذا أدرك التشهد الأول. هذه المسألة يعايا بها.

باب جامع الصلاة

باب جامع الصلاة 81 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس (¬1)، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها (¬2). 82 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» (¬3). 83 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مروا أبا بكر فليصل للناس»، فقالت عائشة - رضي الله عنه -: إن أبا بكر يا رسول الله إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، قال: «مروا أبا بكر فليصل للناس»، قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، ¬

(¬1) صوابه: أبو العاص بن الربيع. وأخرجه البخاري [494] من طريق مالك، بإسناده ومتنه، وأخرجه مسلم من طريق مالك كذلك [543] وهي رواية أبي مصعب الزهري لموطأ مالك [566]. (¬2) كونه يرفع شيئًا ويضع شيئًا لا يضر في الصلاة. (¬3) لله در من شهدوا له بالصلاة في الجماعة في الخمس.

ففعلت حفصة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكن لأنتن صواحب يوسف (¬1)، مروا أبا بكر فليصل للناس»، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا. 84 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أنه قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل فساره، فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جهر: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟!» فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له، فقال: أليس يصلي؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أولئك الذين نهاني الله عنهم» (¬2). [قال ابن عبد البر: هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلًا، وعبيد الله لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3). ¬

(¬1) المقصود من هذا: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، [يوسف: 28]. وعائشة أرادت ألا يتشاءم الناس بأبي بكر - رضي الله عنه -، فلكن مقاصد ليست النصيحة الواضحة. قلت: «إنكن صواحب يوسف» مراده - عليه السلام - في قولهن: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} فلم يردن النصيحة إنما أردن رؤية هذا الذي فتن امرأة العزيز فتوسلن بهذه الحيلة إلى مرادهن وحصل مرداهن ... (¬2) هذا مرسل. والمقصود: أن من أظهر الإسلام لم يجز قتله إلا بدليل شرعي يوجب ذلك. (¬3) وصله روح عن مالك، وذكر عن رجل من الأنصار فالحديث متصل، قلت: رواية روح أخرجها ابن عبد البر في «التمهيد» والمحفوظ عن مالك الإرسال وكذا تابع مالكًا ابن عيينة وعقيل بن خالد عن الزهري به ووصله معمر والليث وابن أخي الزهري، فكبار أصحاب الزهري يرسلونه.

85 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رسول الله قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد (¬1)، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (¬2). [قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث]. 86 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع الأنصاري - رضي الله عنه -: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلي، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أين تحب أن أصلي؟» فأشار له إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 87 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن تميم، عن عمه: أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَلْقِيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى. وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهم - كانا يفعلان ذلك (¬4). ¬

(¬1) قلت: روى أحمد (2/ 246) في مسنده من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه وإسناده قوي. (¬2) زيارة حراء وثور للتعبد بدعة، وللفرجة لا بأس. (¬3) هذا يدل على تثبيت القبلة، وللبركة منه - عليه السلام - في اتخاذ المسجد، وهذا خاص به - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) الجمع في البيوت في المطر لا مانع؛ لأن الرخصة عامة، وإن وقت لا بأس. لا بأس بذلك؛ والنهي لأجل انكشاف العورة.

88 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال لإنسان: «إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع خروج، قليل من يسأل كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده، كثير من يسأل قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم» (¬1). 89 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني: أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه نظر فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله (¬2). [ورد في معناه حديث مرفوع عن أبي هريرة] (¬3). ¬

(¬1) صدق؛ «بدأ الإسلام غريبًا ..». (¬2) جاء هذا في حديث صحيح. (¬3) وأصح من حديث أبي هريرة: حديث تميم أبو داود من طريق: موسى بن إسماعيل، عن طريق حماد بن سلمه، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أبي أوفى، عن تميم، واختلف في سماع زرارة من تميم والصحيح بسماعه، وهو من طريق داود ابن أبي هند عنه عن تميم وفيه اختلاف آخر في بقية رفعه ووقفه. قال البيهقي (2/ 387) ورواه يزيد عن هارون عن داود بن ابي هند به موقوفًا ثم قال: «ووقفه كذلك سفيان الثوري وحفص بن غياث عن داود». وقال الدارمي [1395] بعد إخراجه من طريق حماد بن سلمة مرفوعًا قال ما نصه: ولا أعلم أحدًا رفعه غير حماد، قيل لأبي محمد، صح هذا، قال: لا، حسين سليم وفي طبعة «المسند» الرسالة (28/ 150). قيل لأبي محمد صح هذا؟ قال: إي! وبكل حال الخبر ثابت ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، وفي الباب أحاديث من أمثلها خبر تميم.

باب جامع الترغيب في الصلاة

91 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه - رضي الله عنه -، أنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ألم يكن الآخر مسلمًا؟!» قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما يدريكم ما بلغت به صلاته، وإنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر عذب بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقي من درنه؟! فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته» (¬1). 92 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عطاء بن يسار كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد، دعاه، فسأله: ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره: أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة (¬2). 93 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه (¬3): أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بني رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرًا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة. باب جامع الترغيب في الصلاة 94 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال ¬

(¬1) قلت: وانظر: أبا داود، باب النور يرى على قبر الشهيد، من كتاب الجهاد. (¬2) المسجد ما هو محل بيع، ولهذا في الحديث: «إذا رأيتم من يبيع فقولوا: لا أربح الله تجارتك». (¬3) روى من طريق آخر: مالك، عن أبي النضر، عن سالم، عن أبيه، عن عمر. وهذا إسناد جيد. قلت: كذا قال شيخنا. والمحفوظ: عن سالم، عن عمر. منقطع، وكذا في نسخة أبي مصعب الزهري (1/ 226) وهو أيضًا ما ذكره الحافظ في «فتح الباري» (13/ 156) من قوله: فقد أخرج مالك في «الموطأ» من طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال: بني عمر ... فذكره.

له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، قال: هل علي غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وصيام شهر رمضان»، قال: هل علي غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، قال: وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع»، قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفلح الرجل إن صدق» (¬1). 95 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله قال: «يعقد الشيطان على قافيه رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (¬2). ¬

(¬1) فمن أدى الواجبات وترك المحارم أفلح. والمستحبات زيادة. وهذا الحديث عام، يستثني منه: ما وجب بدليل خاص، كصدقة النذر، وصلاة النذر، وكفارة اليمين. - إدراك الصلاة من أول ركعة وأجب من تكبيرة الإحرام، إلا بعذر؛ حتى لا يتشبه بالمنافقين. (¬2) رجح الحافظ: أن وجود العقد خاص بمن لم يقرأ آية الكرسي، عند باب عقد الشيطان. فتح (3/ 27) واختاره شيخنا في شرح البخاري وقال: من فوائد قراءة آية الكرسي سلامته من العقد.

10 - كتاب العيدين

10 - كتاب العيدين باب العمر في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة 1 - حدثني يحيى، عن مالك: أنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم (¬1). قال مالك: «وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا». 2 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر اكان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (¬2). باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين 3 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة (¬3). ¬

(¬1) لا أذان ولا إقامة، ولا بـ «الصلاة جامعة». وهذا واضح في السنة، والأذان للصلوات الخمس، و «الصلاة جامعة» للكسوف. (¬2) وهذا إلحاق له بالجمعة، وهو من اجتهاد ابن عمر؛ لأنها صلاة اجتماع، فيحتاج إلى النظافة، ولا أعلم في ذلك سنة ثابتة، إلا على وجه إلحاقه بالجمعة؛ لكن الجمعة في وقت الحر في وسط النهار، فليسا من جنس واحد. قلت: روي عن علي، من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن زاذان، عن علي، وسنده حسن، وفيه: الاغتسال يوم العيد. قلت: وروي عن ابن عمر خلافه فقد روى عبد الرزاق (3/ 309) عن معمر بن ايوب عن نافع قال: ما رأيت ابن عمر قط اغتسل للسعيد قط ... وخبر مالك أصح وقد رواه أيضًا عبد الرزاق (3/ 309) فهي سنة صحابة وداخلة في التجمل. (¬3) قلت: أخرجه البخاري من طريق: عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.

باب الأمر بالأكل قبل الغدو في العيد

5 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد (مولى ابن أزهر)، قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فصلى، ثم انصرف فخطب الناس (¬1)، فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم (¬2). قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب (¬3)، وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له. قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعثمان - رضي الله عنه - محصور، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب (¬4). باب الأمر بالأكل قبل الغدو في العيد 6 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يأكل يوم عيد الفطر قبل أن يغدو (¬5). ¬

(¬1) خطبة العيد تبدا بالحمد. وذكر التكبير مرسل في الحديث. (¬2) وأيام التشريق وعيد الفطر والأضحب، فالجميع خمسة أيام، لا تصام، إلا أيام التشريق لمن يجد الهدي. - حديث النهي عن صيام يوم السبت ضعيف، مضطرب. (¬3) قلت: اختلف في أول من بدأ بالخطبة: فقيل: مروان، وهو المشهور. وقيل: معاوية. وقيل: عثمان. وفي إسناده ضعف، وروي عن ابن عمر أيضًا وهو منكر، ولا يصح عن أحد من الخلفاء وفي «صحيح البخاري» عن ابن عباس [962] قال: شهدت الصيد مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة، وانظر: «فتح الباري» (2/ 451 - 452). (¬4) وهذا هو السنة. (¬5) السنة في الفطر أن يطعم، قبل أن يخرج يأكل تمرات وترًا، وفي الأضحى يخرج قبل أن يطعم.

باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين

7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أنه أخبره: أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو. قال مالك: «ولا أرى ذلك على الناس في الأضحى». باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين (¬1) 8 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبا واقد الليثي - رضي الله عنه - ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ بـ: ق والقرآن المجيد، واقتربت الساعة وانشق القمر (¬2). 9 - وحدثني عن مالك، عن نافع (مولى عبد الله بن عمر)، أنه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬3)، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة (¬4). ¬

(¬1) خطبة العيد خطبتان. (¬2) قلت: وصله فليح، عن حمزة بن سعيد عن عبيد الله، عن أبي واقد قال: سألني عمر عما قرأ به رسول الله .. (أخرجه مسلم [891]) من الوجهين وذكر طريق مالك أولًا وعبيد الله سمع أبا واقد. وإلا عبيد الله عن عمر مرسل. وتابع مالكًا ابن عيينة عند ابن أبي شيبة: كتاب «الرد على أبي حنيفة»، وحديث مالك أصح وفليح بن سليمان متكلم فيه. (¬3) صلاة العيد: قبل: سنة. وقيل: فرض كفاية، وقيل: فرض عين. وهو أقوى، واختيار شيخ الإسلام. (¬4) المقصود: هذا هو السنة: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية. والأحوط: أن تكون تكبيرة الإحرام في السبع، فيكبر ستًا بعدها، وخمسًا في الثانية بعد تكبيرة القيام. - ما بين التكبيرات: ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - شيء. ولا أعلم في ذلك مرفوعًا.

باب ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما

قال مالك: «وهو الأمر عندنا». قال مالك في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد: «إنه لا يرى عليه صلاة في المصلى، ولا في بيته (¬1)، وإنه إن صلى في المصلى أو في بيته لم أر بذلك بأسًا، ويكبر سبعًا في الأولى قبل القراءة، وخمسًا في الثانية قبل القراءة» (¬2). باب ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما 10 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها (¬3). باب الرخصة في الصلاة قبل العيدين وبعدهما 11 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم: أن أباه القاسم كان يصلي قبل أن يغدو إلى المصلى أربع ركعات (¬4). 12 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة في المسجد (¬5). ¬

(¬1) بناءً على قول مالك والشافعي: إنها سنة. والأقرب أنها كالجمعة من تخلف عنها قضاها. (¬2) سئل الشيخ _رحمة الله تعالى-: الإيتار في الأفعال؟ فقال: قد يقال: «إن الله وتر يحب الوتر». (¬3) هذا هو السنة. (¬4) هذا لا أصل له، اجتهاد من القاسم. (¬5) يعني: تحية المسجد.

باب غدو الإمام يوم العيد وانتظار الخطبة

باب غدو الإمام يوم العيد وانتظار الخطبة 13 - حدثني يحيى، قال مالك: مضت السنة التي لا اختلاف فيها عندنا في وقت الفطر الأضحى: أن الإمام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلاه وقد حلت الصلاة. قال يحيى: وسئل مالك عن رجل صلى مع الإمام هل له أن ينصرف قبل أن يسمع الخطبة؟ فقال: «لا ينصرف، حتى ينصرف الإمام» (¬1). ¬

(¬1) وهذا صحيح، يستمع للإمام. وظاهر السنة: وجوب الاستماع؛ كالجمعة، ومن ترك السماع أخشى عليه الإثم.

11 - كتاب صلاة الخوف

11 - كتاب صلاة الخوف باب صلاة الخوف 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا (¬1)، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم (¬2). 2 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات: أن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - حدثه: أن صلاة الخوف: أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه، وطائفة مواجهة العدو، فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه، ثم يقوم فإذا استوى قائمًا ثبت، وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون وينصرفون، والإمام قائم، فيكونون وجاه العدو. ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الإمام، فيركع بهم الركعة ويسجد، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون (¬3). ¬

(¬1) سلموا. (¬2) هذا نوع من أنواع صلاة الخوف، وجاءت ستة أنواع أو سبعة. ولا تؤخر الصلاة، بل يصلي ما أمكن. (¬3) وهذه صفة أخرى: سلم الإمام ولم ينتظرهم، والأولى انتظرهم.

3 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا سئل عن صلاة الخوف؟ قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلى بهم الإمام ركعة، وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون. ويتقدم الذين لم يصلوا، فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام، وقد صلى ركعتين، فتقوم كل واحدة من الطائفتين، فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة (¬1) بعد أن ينصرف الإمام. فيكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين (¬2). فإن كان خوفًا هو أشد من ذلك صلوا رجالًا: قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا، مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها (¬3). قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حدثه إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر يوم الخندق حتى غابت الشمس (¬4). ¬

(¬1) زائدة، ووقع في نسخة أبي مصعب الزهري بحذفها (1/ 234) على الصواب. (¬2) هذا؛ لأنهم في السفر. أما في الحضر أربعًا. (¬3) إن أخر لا بأس، إذا اشتد الحرب، كما في الخندق، أخر العصر، وفي بعضها الظهر. (¬4) يعني: في بعض الأحيان. وسألت شيخنا عن صلاة الخوف ركعة؟ فقال: هذا إحدى الصفات الواردة. =

12 - كتاب صلاة الكسوف

12 - كتاب صلاة الكسوف باب العمل في صلاة الكسوف 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا»، ثم قال: «يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاُ ولبكيتم كثيرًا» (¬1). 2 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة. قال: ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه من الركوع، فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا ¬

= بعدما يكملون لأنفسهم ركعة. وبالطائفة الثانية ركعة. ويتمون لأنفسهم ركعتين انظر «المغني» (3/ 309) (تفسير القرطبي: النساء آية [102]، الفائدة الرابعة. وأكثر أهل العلم: أن الخوف لا ينقص عدد الركعات. (¬1) وهذا يفيد الحذر عند الآيات والريح، ولهذا خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الغيم.

طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد (¬1). ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال (¬2): «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله»، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء»، قالوا: لم يا رسول الله؟! قال: «لكفرهن»، قبل: أيكفرن بالله؟ قال: «ويكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط» (¬3). 3 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يهودية جاءت تسألها، فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائذًا بالله من ذلك، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة مركبًا، فخسفت الشمس (¬4)، فرجع ضحى، فمر بين ظهراني الحجر، ثم قام يصلي، وقام الناس وراءه، فقام قيامًا طويلًا، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، ¬

(¬1) وهذا هو الصحيح: ركعتان بركوعين، وهو أحسن ما ورد في هذا. وجاء ثلاث ركوعات، وجاء أربع، وجاء خمس. (¬2) الخطبة بعد صلاة الكسوف سنة مؤكدة، ولو كان الإمام قاعدًا في مكانه حين يسلم، إن قام وخطب قائمًا لا بأس، وإن ترك لا بأس. (¬3) هذا هو الغالب على طبيعة النساء. (¬4) والمعروف الكسوف واحد: حين مات إبراهيم.

وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، ثم قام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع ثم سجد، ثم انصرف، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم: أن يتعوذوا من عذاب القبر (¬1). ¬

(¬1) جاء الوحي بذلك: أن يتعوذ بالله من عذاب القبر، وهكذا في الصلاة، يتعوذ بالله منها. وهي سنة. وأوجبها طاووس، وأمر ابنه بالإعادة. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: عن خسوف القمر بعد الفجر هل يصلى للخسوف؟ فقال: الجمهور: لا صلاة؛ لأنه وقت نهي، ولذهاب سلطان القمر، وذهاب وقته. فإن فعل لا بأس، وإن ترك لا بأس. والأمر واسع. وقال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - في «فتاويه» (16/ 306) لو ظهر الخسوف وتبين بحيث يكون نور القمر باقيًا فإنه يصلى له، أما إذا كان بعد انتشار الضوء وخفاء نور القمر فإنه لا يصلى له.

13 - كتاب الاستسقاء

13 - كتاب الاستسقاء باب العمل في الاستسقاء 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني، يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقي وحول رداءه، حين استقبل القبلة (¬1). وسئل مالك عن صلاة الاستسقاء: كم هي؟ فقال: ركعتان، ولكن يبدأ الإمام بالصلاة قبل الخطبة (¬2)، فيصلي ركعتين (¬3)، ثم يخطب قائمًا، ويدعو ويستقبل القبلة، ويحول رداءه حين يستقبل القبلة، ويجهر في الركعتين بالقراءة، وإذا حول رداءه: جعل الذي على يمينه على شماله، والذي على شماله على يمينه، ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه، ويستقبلون القبلة وهم قعود (¬4). ¬

(¬1) - الشماغ والبشت يقلب. قلت: زاد ابن إسحاق: تحويل الناس أرديتهم. رواه عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو به، كما عند أحمد (4/ 41). وخالف مالك كما هنا. وابن عيينة كما في مسلم، ورواه خلف عن عباد فلم يذكروا ما ذكر ابن إسحاق، نعم السنة قلب الرداء للجميع. (¬2) الخطبة قبل الصلاة؛ كما في حديث عبد الله بن زيد. وفي حديث ابن عباس كالعيد (بعد الصلاة). وفي المملكة بعد الصلاة كالعيد، والأمر واسع. جائز هذا وهذا. لا يخالف الناس. - الخطبة واحدة، قلت: وهي تتضمن الاستغفار وإطالة الدعاء والإكثار من التضرع والسؤال هكذا السنة. (¬3) ركعتين مثل صلاة العيد. وعندما ينحرف إلى القبلة يحول رداءه، مثل ما قال محمد بن علي: حول النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه ليتحول القحط، يريد شيخنا ما رواه الدارقطني في «سنته» (2/ 422) من مرسل جعفر بن محمد بن علي عن أبيه قال: استسقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحول رداءه ليتحول القحط. (¬4) هذا لا حاجة له، قد يكون قاعدًا أو قائمًا.

باب ما جاء في الاستسقاء

باب ما جاء في الاستسقاء 3 - وحدثني عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وتقطعت السبل، فادع الله، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر»، قال: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب (¬1). باب الاستمطار بالنجوم 4 - حدثني يحيى، عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -، أنه قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «أتدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» (¬2). ¬

(¬1) وهذا من علامات النبوة. (¬2) الكفر هذا فيه تفصيل: إن اعتقد الاستقلال بالمطر كفر. وإن اعتقده سببًا شرك أصغر. وقول: «بنوء كذا» ممنوع. ولو أراد الوقت.

5 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» (¬1). 6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يقول -إذا أصبح وقد مطر الناس-: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] (¬2). ¬

(¬1) وصله الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيي، وهو متروك، فهذا الأثر ليس بسيء. (¬2) مطرنا بفتح الله. لو صح. وبلاغات مالك الأصل فيها الضعف. «مطرنا بنوء كذا» ممنوع مطلقًا بالباء، للحديث. ولو أرد الوقت فيأتي بـ «في».

14 - كتاب القبلة

14 - كتاب القبلة باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق (مولى لآل الشفاء، وكان يقال له: مولى أبي طلحة)، أنه سمع أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمصر - يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس؟! وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه»؟! (¬1). 2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن رجل من الأنصار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول (¬2). باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط 3 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن أناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، قال عبد الله: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين، مستقبل بيت المقدس لحاجته (¬3)، ثم قال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم؟! قال قلت: لا أدري، والله. ¬

(¬1) أبو أيوب أخذه من العموم. والحكمة -والله أعلم- للتعظيم. (¬2) وهذا هو الواجب في الصحراء. أما البيوت فالأمر واسع، إن تيسر الانحراف طيب، وإلا فلا حرج؛ لما في «الصحيحين» عن ابن عمر من استقباله لبيت المقدس واستدباره للكعبة. (¬3) لا بأس في البناء الاستدبار، وكذا الاستقبال؛ لأنهما شيء واحد. سألت شيخنا عن حديث جابر: «ثم رأيته قبل موته بعام يستقبلها»؟ فقال: ضعيف. =

باب ما جاء في القبلة

قال مالك: يعني الذي يسجد ولا يرتفع على الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض (¬1). باب ما جاء في القبلة 7 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة (¬2). 8 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت (¬3). ¬

= قلت: الأقرب: ثبوته، لكنه حمل على أن ذلك في البنيان، أخرجه أحمد (3/ 360) والترمذي من طريق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر وصرح ابن إسحاق بالسماع عند أحمد وغيره فالجمع ممكن. (¬1) السنة: أن يجافي؛ لا يصير مثل البهيمة. (¬2) وهذا يدل على أنهم كانوا يصلون إلى البيت المقدس، ثم نسخت القبلة، وحولها الله إلى الكعبة. فلو فعل ذلك شخص في البر اجتهادًا ثم بين له، ينحرف، ويجزيه ما مضي. (¬3) هذا منقطع؛ نافع لم يدرك عمر، وجاء مرفوعًا من حديث أبي هريرة وغيره.

15 - كتاب القرآن

15 - كتاب القرآن باب الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء 2 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان في قوم -وهم يقرءون القرآن- فذهب لحاجته، ثم رجع، وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟! فقال له عمر - رضي الله عنه -: من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟! (¬1). باب ما جاء في تحزيب القرآن 3 - حدثني يحيى، عن مالك، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن عبد الرحمن ابن عبد القاري: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: من فاته حزبه من الليل فقرأه حين تزول الشمس على صلاة الظهر فإنه لم يفته أو كأنه أدركه (¬2). 4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد رجلًا، فقال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك، فقال الرجل: أخبرني أبي: أنه أتى زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فقالب له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ ¬

(¬1) والمعنى: لا حرج، إذا كان على ظهر قلب من غير مس المصحف. والأثر منقطع؛ محمد لم يدرك عمر. (¬2) وهذا رواه مسلم في «الصحيح». من قرأه قبل الزوال كتب له الأجر، كما لو كان من الليل. وهذا في قراءة القرآن. قلت: أخرجه مسلم [747] من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله أخبراه عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمرو مرفوعًا.

باب ما جاء في القرآن

فقال زيد: حسن، ولأن أقرأه في نصف أو عشر أحب إلى، وسلني لم ذاك؟ قال: فإني أسألك، قال زيد: لكي أتدبره وأقف عليه (¬1). باب ما جاء في القرآن 5 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه: قال سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبيته بردائه فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أرسله»، ثم قال: «اقرأ يا هشام»، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هكذا أنزلت»، ثم قال لي: «اقرأ»، فقرأتها فقال: «هكذا أنزلت؛ إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف (¬2)، فاقرءوا ما تيسر منه». 7 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس -وهو أشده علي- فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا (¬3). ¬

(¬1) يعني: عدم العجلة، أقرأه في نصف، أو في سبع. (¬2) يعني: إن الله غفور رحيم، غفور حليم، ثم جمعهم عثمان على قراءة واحدة. - الأحرف السبعة غير منسوخة، وجمع عثمان ليس نسخًا لها، وإنما اجتماعهم على حرف واحد. (¬3) {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]، ويكون من غير واسطة، كما كان مع موسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - في المعراج.

8 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: أنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}. في عبد الله بن أم مكتوم، جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: يا محمد استدنيني (¬1)، وعند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه، ويقبل على الآخر (¬2)، ويقول: يا أبا فلان، هل ترى بما أقول بأسًا؟ فيقول: لا والدماء، ما أرى بما تقول بأسًا، فأنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}. 9 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسير معه ليلًا، فسأله عمر عن شيء، فلم يجبه، ثم سأل فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك عمر! نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري، حتى إذا كنت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه، فقال: «لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}» (¬3). 10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله ¬

(¬1) استدنني. (¬2) اجتهادًا منه - صلى الله عليه وسلم -، لهل الله يهدي هذا الكبير. فكان بعد ذلك يقرب ابن أم مكتوم. (¬3) يوم صلح الحديبية، فكان فتحًا.

باب ما جاء في سجود القرآن

- صلى الله عليه وسلم - يقول يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئًا وتنظر في القدح فلا ترى شيئًا وتنظر في الريش فلا ترى شيئًا وتتمارى في الفوق (¬1). 11 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها (¬2). باب ما جاء في سجود القرآن 15 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج (¬3): أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬4) قرأ بـ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}، فسجد فيها، ثم قام فقرأ بسورة أخرى (¬5). 16 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس لسجود، فقال: على رسلكم؛ إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، فلم يسجد، ومنعهم أن يسجدوا. ¬

(¬1) وهذا في الخوارج: عندهم سوء الفهم، وقلة البصيرة. قلت: والفوق: موضع الوتر من السهم، أي: تتشكك هل علق به شيء من الدم. (¬2) ليحفظها ويتعلم معانيها. (¬3) الأعرج لا أذكر له سماعًا من عمر. قلت: في نسخة: عن أبي هريرة، عن عمر. وهو في رواية أبي مصعب الزبيري. (¬4) قلت: وصله الطحاوي في شرح معاني الآثار (1: 356)، وعبد الرزاق (3/ 339) وغيرهم كرواية أبي مصعب. (¬5) ولا يلزمه أن يستفتح بسورة أخرى. قلت: وقع عند عبد الرزاق (3/ 339) والطحاوي (1/ 355) وبعض من أخرج أثر عمر تسمية السورة بالزلزلة وسنده صحيح وأصل الخبر ثابت.

قال مالك: ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد. قال مالك: الأمر عندنا: أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء (¬1). قال مالك: لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئًا بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر؛ وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والسجدة من الصلاة، فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين (¬2). سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد. قال مالك: لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران (¬3). وسئل عن امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع، أعليه أن يسجد معها؟ قال مالك: ليس عليه أن يسجد معها (¬4)، إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به، فيقرأ السجدة فيسجدون معه، وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة (¬5). ¬

(¬1) قوله: «وليس في المفصل شيء» ضعيف ومالك له شواذ، كما هنا، وسجد النبي في المفصل. (¬2) وهذا قول ضعيف؛ لييست صلاة، ولو كانت صلاة فيجوز في وقت النهي؛ بالأسباب. (¬3) وهذا قول ضعيف، بل يسجدان؛ المراد الخضوع. (¬4) وهذا هو الصواب؛ لأن المرأة لا تصير إمامًا. (¬5) وهذا فيه إجمال، إذا سجد الإمام سجد المستمع، فهو تبع له. المستمع يسجد بعد القارئ. وسئل الشيخ: لو قرأ قارئ في التلفاز أو الرادو على الهواء، هل يسجد المستمع؟ فقال: إذا علم سجود القارئ.

باب ما جاء في قراءة: {قل هو الله أحد}، و {تبارك الذي بيده الملك}

باب ما جاء في قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} 17 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنه سمع رجلًا يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ..}، يرددها، فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» (¬1). 18 - وحدثني عن مالك، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن عبيد بن حنين (مولى آل زيد بن الخطاب)، أنه قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: أقبلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلًا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وجبت»، فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: «الجنة». فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إليه فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فآثرت الغداء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب (¬2). 19 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه أخبره: أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، تعدل ثلث القرآن، وأن {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (¬3) تجادل عن صاحبها. ¬

(¬1) لا بأس بترديدها؛ ولهذا أقره النبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء في الصلاة وخارجها. (¬2) أبو هريرة قدم الغداء؛ لأمرين: 1 - محبة صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 2 - ولأنه محتاج وفقير. (¬3) تجمع طرق وأحاديث سورة تبارك. قلت: جاء أنها شفعت لصاحبها حتى غفر له، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من طرق عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة. =

باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى

باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى 20 - حدثني يحيى، عن مالك، عن سمي (مولى أبي بكر)، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة (¬1)، كانت له: عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك» (¬2). 21 - وحدثني عن مالك عن سمي (مولى أبي بكر)، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة، حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر» (¬3). ¬

= وعباس: ذكره ابن حبان في «الثقات». وله هذا الحديث الواحد وصح عن ابن مسعود موقوفًا تسميتها المانعة من عذاب القبر. أخرجه عبد الرزاق والطبراني وغيرهما من طرق عن عاصم عن زر عنه، وعاصم بن أبي النجود حسن الحديث. ومثله لا يقال بالرأي. وفضلها مشهور عند السلف. كما صح عن حميد بن عبد الرحمن أنها تجادل عن صاحبها كما هنا وعن مرة الهمداني كما عند الدارمي. وعن عطاء عند عبد الرزاق، فالحديث بهذه الطرق حسن بلا تردد. (¬1) مع حضور القلب أفضل، وإلا الحديث عام؛ «من قال ..». (¬2) وهذا فضل عظيم، ينبغي الاعتناء، وخاصة طالب العلم. (¬3) وهذا -عند أهل العلم- مع التوبة.

باب العمل في الدعاء

22 - وحدثني عن مالك، عن أبي عبيد (مولى سليمان بن عبد الملك)، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬1)، أنه قال: من سبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وكبر ثلاثًا وثلاثين، وحمد ثلاثًا وثلاثين، وختم المئة بـ «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، غفرت ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر). 23 - وحدثني عن مالك، عن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيب: أنه سمعه يقول في الباقيات الصالحات (¬2): إنها قول العبد: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله (¬3)، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. باب العمل في الدعاء 37 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: رآني عبد الله بن عمر وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد، فنهاني (¬4). 38 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن سعيد بن المسيب كان يقول: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده، وقال بيديه نحو السماء فرفعهما (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم مرفوعًا. (¬2) يعني: من الباقيات الصالحات. (¬3) «سبحان الله وبحمده»، أي: مع حمده أنزهه عن صفات النقص، وأثني عليه. (¬4) لأن الله واحد، ولهذا أنكره عليه. المقصود بالإشارة: الوحدانية. (¬5) مصداقه: الحديث الصحيح: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث»، ومنها: «أو ولد صالح يدعو له».

39 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: إنما أنزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] في الدعاء (¬1). قال يحيى: وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة، فقال: لا بأس بالدعاء فيها (¬2). 40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فيقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» (¬3). 41 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من داع يدعو إلى هدى إلا كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وما من داع يدعو إلى ضلالة إلا كان عليه مثل أوزارهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا» (¬4). ¬

(¬1) المشهور: أن الآية في القرآن. والدعاء المعروف: السر فيه. (¬2) «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد». (¬3) وهذا معروف في حديث معاذ. [قلت: وهو الحديث المشهور في اختصام الملأ الأعلى، أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن تفسير سورة ص، (رقم: 3249)، (5: 368)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر»]. (¬4) وهذا أخرجه مسلم في الصحيح. وأخرج -أيضًا-: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).

باب النهي عن الصلاة بعد الصلاة وبعد العصر

باب النهي عن الصلاة بعد الصلاة وبعد العصر 45 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» (¬1). 49 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقول: «لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإن الشيطان يطلع قرناه مع طلوع الشمس ويغربان مع غروبها»، وكان يضرب الناس على تلك الصلاة (¬2). ¬

(¬1) ونهى عن وسائل ذلك: بعد صلاة العصر حتى تغرب، وبعد صلاة الفجر حتى تطلع. (¬2) الصلاة وقت النهي لا تصح. سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: لا صلاة بعد العصر، إلا والشمس مرتفعة؟ - فقال: هذا مفهوم مخالفة لمنطوق الأحاديث لصحيحة، فلا يعمل بالمفهوم.

16 - كتاب الجنائز

16 - كتاب الجنائز باب غسل الميت 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص (¬1). 2 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية الأنصارية قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته، فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك -إن رأيتن ذلك- (¬2) بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا -أو شيئًا من كافور- فإذا فرغتن فآذنني»، قالت: فلما فرغنا آذناه، فأعطانا حقوه، فقال: «أشعرنها إياه» (¬3)، تعني: بحقوه: إزارة (¬4). ¬

(¬1) هذا هو المشهور: أنه غسل في ثيابه في قميصه. قلت: روى أبو زادان طريق ابن إسحاق حدثني يحيي بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة تقول: لما أر أدوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسلوا وعليه قميصه .. وإسناده حسن. والصواب: أنه كفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها قميص ولا عمامة، كما أخبرت عائشة في «الصحيحين». (¬2) الغاسلات يعتنين بالغسل ثلاثًا أو خمسًا حسب حاجة الميت، فأقل شيء ثلاث، الأفضل والواجب واحد؛ لحديث: من وقصته راحلته: «فاغسلوه»، ولم يأمر بالتكرار. (¬3) لما فيه من البركة. (¬4) سألت الشيخ: حديث أم عطية، ما أمر النسوة بالاغتسال؟ فقال الشيخ: يدل على عدم الوجوب.

باب ما جاء في كفن الميت

3 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر - رضي الله عنه -: أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - حين توفي، ثم خرجت، فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل عليَّ من غسل؟ فقالوا: لا (¬1). 4 - وحدثني عن مالك: أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها ولا زوج يلي ذلك منها، يممت: فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد (¬2). قال مالك: وإذا هلك الرجل وليس معه أحد إلا نساء يممنه أيضًا. قال مالك: وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف وليس لذلك صفة معلومة، ولكن يغسل فيطهر. باب ما جاء في كفن الميت 6 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - (¬3)، قال لعائشة - رضي الله عنه - وهو مريض: في كم كُفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: خذوا هذا الثوب (لثوب عليه قد ¬

(¬1) الغسل من تغسيل الميت مستحب؛ ولهذا لما سألتهم لم يأمروها. حديث: «من غسل ميتًا فليغتسل» ضعيف. قلت: هذا منقطع؛ عبد الله لم يدرك أسماء. لكن أحسن ما في الباب: ما رواه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي، عن طريق عبد الله بم أحمد بن حنبل، قال: قال لي أبي: كتبت حديث عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر: «كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل». وإسناده صحيح. من التخليص الحبير (1: 138). (¬2) المرأة: تغسلها النساء أو زوجها. والرجل: يغسله الرجال أو زوجته. - الميت بالحريق: ييمم وجهه وكفاه، وإن كان جزء منه سليمًا يغسل. (¬3) هذا منقطع. وصله البخاري من طريق: وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن أبي بكر.

باب المشي أمام الجنازة

أصابه مشق أو زعفران) فاغسلوه، ثم كفنوني فيه، مع ثوبين آخرين، فقالت عائشة - رضي الله عنه -: وما هذا؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، وإنما هذا للمهلة. 7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال: الميت يقمص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه (¬1). باب المشي أمام الجنازة 8 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب (¬2): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة والخلفاء هلم جرا وعبد الله بن عمر - رضي الله عنه -. [قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ، مرسل عند رواته. وقد أخرجه موصولًا عن ابن عمر ...] (¬3). 11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطإ السنة (¬4). ¬

(¬1) الأمر واسع: قميص، وإزار، ولفافة. أو ثلاث لفائف، وهو أفضل؛ كما فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أو قميص ولفافة. والواجب: ثوب واحد. وما زاد فضل. (¬2) قلت: أرسله الحفاظ عن الزهري، وخالفهم جمع. وصحح النسائي المرسل. - المشاة: أمام الجنازة، وخلفها، وعن يمينها، وعن شمالها. والراكب خلفها. (¬3) من طريق: ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه. (¬4) المشي خلفها جائز؛ كما جاءت السنة. والزهري تابعي، رحمة الله. - السيارات خلف السيارة التي فيها الجنازة. هذا هو السنة.

باب النهي عن أن تتبع الجنازة بنار

باب النهي عن أن تتبع الجنازة بنار 12 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه -: أنها قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت، ثم حنطوني، ولا تذروا على كفني حناطًا، ولا تتبعوني بنار (¬1). باب التكبير على الجنائز 14 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر أربع تكبيرات (¬2). 15 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرضها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المساكين ويسأل عنهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ماتت فآذنوني بها»، فخرج بجنازتها ليلًا، فكرهوا أن يوقظوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: «ألم آمركم أن تؤذنوني ¬

(¬1) لعل المراد النار خاصة. أما كونه يترك السراج المحتاج إليه لإضاءة الطريق فلا، ليس داخلًا، فالنار خاصة لعله المراد. والمصلحة في السراج ظاهرة، وفي بعض الروايات: دفن بعض الناس، دفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - زأسرج له. قلت: وكلفني الشيخ -رحمة الله- ببحثه. (¬2) استقرت السنة على أربع تكبيرات. وكبر النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسًا، وكلن السنة استقرت على أربع.

باب ما يقول المصلي على الجنازة

بها؟!» فقالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نخرجك ليلًا ونوقظك، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات (¬1). 16 - وحدثني عن مالك: أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه؟ فقال: يقضي ما فاته من ذلك (¬2). باب ما يقول المصلي على الجنازة 17 - حدثني يحيى، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه: أنه سأل أبا هريرة - رضي الله عنه - كيف تصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنا لعَمْر الله أخبرك: ¬

(¬1) وهذا ثابت في «الصحيحين». وهذا من تواضعه - صلى الله عليه وسلم -، وترغيبه للحاملين. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى- الصلاة على القبور الحديثة؟ فقال: ما أعرف له أصلًا، إنما يصلى على القبر المعروف، كقبر المرأة التي تقم المسجد فقصد قبرها، أما أنه يصلى على كل من هب ودب لا أصل له. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى- الصلاة على الجنازة قبل الدفن؟ فقال: لا بأس. وقال: الصلاة على القبر إلى شهر؛ هذا أكثر ما ورد. (¬2) لعموم الحديث: «وما فاتكم فصلوا». قلت: قال في «التمهيد» (6/ 342): «أجمع الفقهاء على أن من فاته بعض التكبير فإنه يكبر مع الإمام ما أدرك منه ويقضي ما فاته، وهو قول ابن شهاب واختلفوا إذا وجد الإمام قد سبقه ببعض التكبير. فروى ابن شهاب عن مالك أنه: يكبر أولًا ولا ينتظر الإمام، وهو قول الشافعي والليث والأوزاعي وأبي يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد: ينتظر الإمام حتى يكبر، فإذا كبر، كبر معه، وإذا سلم قضى ما عليه ... واختلفوا إذا رفعت الجنازة فقال مالك والثوري: يقضي ما فاته نسقًا متتابعًا ولا يدعو فيما بين ذلك بشيء، رفع النعش أو لم يرفع، وقال أبو حنيفة والشافعي: يقضي ما بقى عليه في التكبير ما لم يرفع، ويدعو ما بين التكبير ... الخ اهـ.

باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار

أتبعها من أهلها، فإذا وضعت، كبرت، وحمدت الله، وصليت على نبيه (¬1)، ثم أقول: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده (¬2). 18 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة - رضي الله عنه - على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول: «اللهم أعذه من عذاب القبر» (¬3). 19 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة (¬4). باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار 20 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن محمد بن أبي حرملة (مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب): أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة (¬5)، فأتي ¬

(¬1) القراءة بسورة الفاتحة مستحب؛ كما فعله ابن عباس. (¬2) الدعاء بأنواع الدعاء الوارد، مثل هذا وغيره. إذا شك في أمر ميت يشترط، لا بأس. اهـ. قلت: ونقله شيخ الإسلام لما أشكل عليه حال بعض الموتى. وفيه قصة انظرها في «الإعلام الموقعين» (3/ 399). (¬3) الدعاء للصبي بالعياذ من النار لا بأس؛ جاء هنا: (وأعذه من عذاب الجحيم)، كما يدعي للصحابة في الصلاة عليهم، وهم من أهل الجنة. (¬4) الحق: القراءة على الجنازة: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وهذا يعم الجنازة وغيرها، وابن عمر خفيت عليه السنة. وقد يحمل على الزيادة على الفاتحة. (¬5) قلت: طارق بن عمرو المكي، وثقة أبو زرعة. والمشهور: أنه من ولاة الجور، مات سنة (80).

باب الصلاة على الجنائز في المسجد

بجنازتها بعد صلاة الصبح، فوضعت بالبقيع، قال: وكان طارق يغلس بالصبح، قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس (¬1). 21 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما (¬2). باب الصلاة على الجنائز في المسجد باب الصلاة على الجنائز في المسجد 22 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات؛ لتدعو له، فأنكر ذلك الناس عليها، فقالت عائشة - رضي الله عنه -: ما أسرع الناس (¬3) ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد (¬4). 23 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه قال: صلي على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المسجد (¬5). ¬

(¬1) صلاة الجنازة من ذوات الأسباب. (¬2) هذا مفسر لما تقدم. (¬3) في رواية: «ما أسرع [ما نسي] الناس». (¬4) استنكر الناس الصلاة على سعد في المسجد؛ وقد صلي على ابن بيضاء في المسجد. والرسول، وأبي بكر، وعمر، وابن بيضاء. (¬5) الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخرج، وصلي عليه في المسجد، وخروجه للصلاة على النجاشي في المصلى؛ لعله لكثرة الناس. - الأقرب: أن الصلاة على النجاشي خاصة به، واختاره جمع.

باب جامع الصلاة على الجنائز

باب جامع الصلاة على الجنائز 24 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وأبا هريرة - رضي الله عنه - كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة (¬1). 26 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر (¬2). قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: لم أر أحدًا من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه (¬3). باب ما جاء في دفن الميت 27 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفى يوم الإثنين (¬4)، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد (¬5)، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما دفن نبي إلا في مكانه الذي توفي فيه»، ¬

(¬1) يقدم الرجل إلى الإمام، ثم المرأة، وإن كان طفلًا ذكرًا قدم مع الرحل. (¬2) لعموم: «لا تقبل صلاة بغير طهور». (¬3) وهذا الواجب، الصلاة على المسلمين. (¬4) كل أحاديث فضل الموت يوم الجمعة ضعيفة. فقيل: ما تشد بعضها؟ - قال: لا. (¬5) قلت: ذكر الزرقاني الخلاف: هل صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم هو دعاء مجرد؟ وصحح عياض الصلاة عن الجمهور.

باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر

فحفر له فيه، فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه، فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه - صلى الله عليه وسلم -. 30 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتها قال لها أبو بكر - رضي الله عنه -: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها (¬1). باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر 33 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الجنائز، ثم جلس بعد (¬2). 34 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يتوسد القبور ويضطجع عليها (¬3). ¬

(¬1) والقمر الثاني أبو بكر، والثالث عمر. (¬2) فدل على أن القيام مستحب. في بعض الروايات قال: «أليست نفسًا؟!» و «إن للموت فزعًا»، و «إنما قمنا للملائكة». القيام للمصافحة لا بأس، كما قام كعب بن مالك، وكما قال: «قوموا إلى سيدكم». والقيام [للمدرس] مكروه. قلت: وقال شيخنا في (4/ 394) من «فتاويه»: «أقل أحواله الكراهة». (¬3) هذا ضعيف، لا يليق بعلي؛ قد نهي عن الجلوس على القبور. وما روي عن زيد بن ثابت فمثله لو صح، فلم يبلغه النهي. وفي الزرقاني: صحيح، رواه الطحاوي. ولو سلم [يعني: بصحته] إلى علي لكان ما بلغه النهي. =

باب النهي عن البكاء على الميت

قال مالك: وإنما نهي عن القعود على القبور فيما نرى للمذاهب (¬1). 35 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر عن عثمان بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا أمامه بن سهل بن حنيف يقول: كنا نشهد الجنائز، فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا (¬2). باب النهي عن البكاء على الميت 36 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه أنه أخبره: أن جابر بن عتيك أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه، فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «غلبنا عليك يا أبا الربيع»، فصاح النسوة وبكين (¬3)، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية»، قالوا: يا رسول الله! وما الوجوب؟ قال: «إذا مات»، ¬

= قلت: أثر على أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 517) من طريق عمرو بن الحارث عن بكير أن يحيي بن أبي محمد حدثه أن مولى لعلي - رضي الله عنه - حدثه أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يجلس على القبور. قال المولى: كنت أبسط له في المقبرة، فيتوسد قبرًا ثم يضطجع ... اهـ. قلت: لا يصح، المولى: مبهم. وروى الطحاوي بعده من طريق عبد الله بن صالح عن بكر بن معز عن عمرو بن الحارث عن بكير أن نافعًا حدثه أن عبد الله بن عمر كان يجلس على القبور .. اهـ. وعبد الله بن صالح كاتب الليث له أغلاط ومناكير. (¬1) وهذا غلط من مالك، تأوله مالك: أن النهي لقضاء الحاجة عليه. ما من مذهب إلا وفيه شواذ، يخطئ فيها الرواة. والإمام تنقصه العصمة في الوحي؛ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]. (¬2) ترك الجلوس على قبر الكافر أحوط؛ للعموم. (¬3) هذا محمول على غير النوح.

باب الحسبة في المصيبة

فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك كنت قد قضيت جهازك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته. وما تعدون الشهادة»؟ قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد». 37 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - تقول وذكر لها أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودية يبكي عليها أهلها، فقال: «إنكم لتبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها» (¬1). باب الحسبة في المصيبة 38 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» (¬2). 39 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي النضر السلمي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من ¬

(¬1) عائشة تأولت هذا. والصواب: النهي عن النياحة على الميت. (¬2) يعني: إذا صبر واحتسب. الأفراط يحبسون عن النار، قيل: واثنين؟ قال: «واثنين».

باب جامع الحسبة في المصيبة

الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار»، فقالت امرأة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، أو اثنان؟ قال: «أو اثنان» (¬1). 40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامته، حتى يلقى الله وليست له خطيئة» (¬2). باب جامع الحسبة في المصيبة 41 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي» (¬3). 42 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أصابته مصيبة، فقال -كما أمر الله- {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرًا منها، إلا فعل الله ذلك به»، قالت أم سلمة - رضي الله عنه -: فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك، ثم قلت: ومن خير من أبي سلمة؟! فأعقبها الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها. 43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد أنه قال: هلكت امرأة لي، فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها، فقال: إنه كان في بني إسرائيل ¬

(¬1) وفي الواحد: «ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه فاحتسب إلا الجنة». (¬2) وفي اللفظ الآخر: «في نفسه، وماله، وولد» رواه أهل السنن، بإسناد جيد. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى- إذا جزع ما تكفر المصيبة الخطيئة؟ - فقال: هذا ظاهر النص؛ {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]. وإذا احتسب وصبر صار له أجر مع التكفير. (¬3) قلت: في «الاستذكار»: جاء من مرسل عطاء وغيره. وصححه الشيخ ناصر برقم: [1106] «السلسلة الصحيحة»، وفيه نظر فكل طرقه مراسيل أو بها رواة ضعاف.

باب ما جاء في الاختفاء

رجل فقيه عالم عابد مجتهد، وكانت له امرأة، وكان بها معجبًا ولها محبًا، فماتت، فوجد عليها وجدًا شديدًا، ولقي عليها أسفًا، حتى خلا في بيت وغلق على نفسه، واحتجب من الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد، وإن امرأة سمعت به فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته، فذهب الناس ولزمت بابه، وقالت: ما لي منه بد، فقال له قائل: إن ها هنا امرأة أرادت أن تستفتيك، وقالت: إن أردت إلا مشافهته، وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب، فقال: ائذنوا لها، دخلت عليه، فقالت: إني جئتك أستفتيك في أمر، قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حليًا، فكنت ألبسه وأعيره زمانًا، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم؟ فقال: نعم والله، فقالت: إنه قد مكث عندي زمانًا؟ فقال: ذلك أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانًا، فقالت: أي يرحمك الله، أفتأسف على ما أعارك الله، ثم أخذه منك وهو أحق به منك؟! فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها (¬1). باب ما جاء في الاختفاء 44 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المختفي والمختفية يعني: نباش القبور. ¬

(¬1) هذه المرأة موفقة، الإنسان لا يحتقر النصيحة من صغير أو كبير.

باب جامع الجنائز

[قال ابن عبد البر: روي عن عائشة مسندًا] (¬1). باب جامع الجنائز 47 - وحدثني، عن مالك، عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعدة بالغداة والعشي: إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة» (¬2). 48 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب» (¬3). 49 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، أنه أخبره: أن أباه كعب بن مالك كان يحدث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما نسمة المؤمن طير يعلق (¬4) في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» (¬5). ¬

(¬1) ظاهر كلام ابن عبد البر ثبوته عن جماعة. (¬2) أرواح المؤمنين في الجنة، ومع ذلك تعرض عليهم مقاعدهم. (¬3) الجسد ينال نصيبه من النعيم ما دام باقيًا. (¬4) يعلق: الأكل والرعي. (¬5) أرواح المؤمنين تعلق في شجر الجنة. والشهداء في حواصل طير خضر، فتأوي إلى قناديل معلقة، فروح المؤمن هي الطائرة. قلت: رواه أحمد في «مسنده» (3/ 455): عن الشافعي، عن مالك، به .. فهو مسلسل بالأئمة وله طرق عن الزهري وبهذا الإسناد هو أحد أفراد أسانيد الدنيا التي اجتمع فيها ثلاثة من أئمة الفقه الأربعة المشاهير، سوى النعمان وهي نحو أربعة أحاديث، وفي حكاية هذا الإسناد. فائدة: عليك بالأثر ودع التعقب يا من تريد الحق.

50 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تبارك وتعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه» (¬1). 51 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه، ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر؛ فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين. فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟! قال: من خشيتك يا رب، وأنت أعلم. قال: فغفر له» (¬2). 52 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء، هل تحس فيها من جدعاء؟!» قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» (¬3). ¬

(¬1) إذا بشر المؤمن بالجنة أحب لقاء الله، والكافر يبشر بالنار فيكره لقاء الله. (¬2) وهذا موحد، لكن جهل كمال القدرة، وجهل هذا الشيء الدقيق، فعفا الله عنه. وسئل الشيخ -رحمة الله تعالى- الميت يرى الملائكة عند الاحتضار؟ - فقال: هو الظاهر. (¬3) المولود على الفطرة .... الإسلام وفي الإرث على هذه الملة. فإن مات فهو في الجنة، إلا إن غير بعد كبره، ولهذا أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة. وهكذا أولاد المشركين، على الصحيح؛ لأنهم لا ذنب عليهم. والقول الثاني: يمتحنون. والراجح: أنهم في الجنة. - طفل المشركين يصلى عليه، إذا حكم بإسلامه، كأن يكون عندنا بلا والدين.

53 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه» (¬1). 54 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، عن معبد بن كعب بن ملك، عن أبي قتادة بن ربعي: أنه كان يحدث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه»، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» (¬2). وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله): أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ومر بجنازته: «ذهبت ولم تلبس منها بشيء» (¬3). 55 - وحدثني مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فلبس ثيابه، ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه، فتبعته حتى جاء البقيع، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف، فسبقته بريرة، فأخبرتني، فلم أذكر له شيئًا حتى أصبح، ثم ذكرت ذلك له، فقال: «إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» (¬4). ¬

(¬1) من شدة الفتن. (¬2) لأن الكافر تتضرر منه البلاد والشجر؛ بسبب المعاصي. (¬3) يعني: الدنيا. (¬4) المشهور: أنه دعا لهم، أو دعا لهم دعاءً خاصًا، وإنما يصلي على الميت قريبًا (إلى شهر).

17 - كتاب الزكاة

17 - كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة 3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على دمشق في الصدقة إنما الصدقة في الحرث (¬1) والعين (¬2) والماشية. قال مالك: ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء، في: الحرث، والعين، والماشية. باب الزكاة في العين من الذهب والورق 4 - حدثني يحيى، عن مالك، عن محمد بن عقبة (مولى الزبير): أنه سأل القاسم بن محمد، عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم (¬3)، هل عليه فيه زكاة؟ فقال القاسم: إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول. قال القاسم بن محمد: وكان أبو بكر - رضي الله عنه - إذا أعطى الناس أعطياتهم، يسأل الرجل: هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإذا قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال، وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئًا. 7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ... وقال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير، فتجر فيها، فحال عليها الحول، وقد بلغت عشرين دينارًا: إنه يزكيها مكانها، ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم ¬

(¬1) الزروع. (¬2) الذهب والفضة. (¬3) اتفق معه على شيء معلوم.

باب ما جاء في صدقة البقر

بلغت ما تجب فيه الزكاة (¬1)؛ لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون، ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت ... قال مالك: ومن أفاد ذهبًا أو ورقًا: إنه لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها (¬2). باب ما جاء في صدقة البقر 24 - حدثني يحيى، عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن طاوس اليماني: أن معاذ بن جبل الأنصاري - رضي الله عنه - أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا، وقال: لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئًا حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ بن جبل - رضي الله عنه - .... قال يحيى: قال مالك: من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها إلا أن يكون له قبلها نصاب ماشية والنصاب ما تجب فيه الصدقة إما خمس ذود من الإبل وإما ثلاثون بقرة وإما أربعون شاة فإذا كان للرجل خمس ذود من الإبل أو ثلاثون بقرة أو أربعون شاة ثم أفاد إليها إبلًا أو بقرًا أو غنمًا باشتراء أو هبة أو ميراث فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدقها وإن لم يحل على الفائدة الحول وإن كان ما أفاد من الماشية إلى ماشيته قد صدقت قبل أن يشتريها بيوم واحد أو قبل أن يرثها بيوم واحد فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدق ماشيته (¬3) ..... ¬

(¬1) والصواب: أنها لا تزكي حتى يحول عليها الحول، بعد ملك النصاب. (¬2) نعم. (¬3) اجتهاد منه، رحمة الله. والصحيح: لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول.

باب ما لا زكاة فيه من الثمار

قال مالك في رجل كانت له غنم لا تجب فيها الصدقة، فاشتري إليها غنمًا كثيرة تجب في دونها الصدقة، أو ورثها: إنه لا تجب عليه في الغنم كلها الصدقة حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها باشتراء أو ميراث (¬1)، وذلك أن كل ما كان عند الرجل من ماشية لا تجب فيها الصدقة من إبل أو بقر أو غنم، فليس يعد ذلك نصاب مال حتى يكون في كل صنف منها ما تجب فيه الصدقة، فذلك النصاب الذي يصدق معه ما أفاد إليه صاحبه من قليل أو كثير من الماشية. قال مالك: ولو كانت لرجل إبل أو بقر أو غنم تجب في كل صنف منها الصدقة ثم أفاد إليها بعيرًا أو بقرة أو شاة صدقها مع ماشيته حين يصدقها. قال يحيى: قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا (¬2) ... وقال مالك في الإبل النواضح والبقر السواني وبقر الحرث: إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة (¬3). باب ما لا زكاة فيه من الثمار 36 - قال مالك: إن الرجل إذا كان له ما يجد منه أربعة أوسق من التمر وما يقطف منه أربعة أوسق من الزبيب وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية إنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض وإنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة حتى يكون في الصنف الواحد من التمر أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما ¬

(¬1) إذا اشترى عرضا فهي تبع الأصل، هذا صحيح. (¬2) ما استفاد من إرث أو هبة فلا يزكى حتى يحول عليه الحول. (¬3) قال بعض أهل العلم: لا زكاة فيها. وهذا هو الصواب، حتى تكون سائمة أو للبيع.

يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة». وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه. وتفسير ذلك: أن يجذ الرجل من التمر خمسة أوسق، وإن اختلفت أسماؤه وألوانه، فإنه يجمع بعضه إلى بعض (¬2)، ثم يؤخذ من ذلك الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه. وكذلك الحنطة كلها السمراء والبيضاء والشعير والسلت كل ذلك صنف واحد. فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض ووجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه، وكذلك الزبيب كله أسوده وأحمره، فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه، وكذلك القطنية هي صنف واحد مثل الحنطة والتمر والزبيب، وإن اختلفت أسماؤها وألوانها، والقطنية الحمص والعدس واللوبيا والجلبان (¬3)، وكل ما ثبت معرفته عند الناس أنه قطنية فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان من أصناف القطنية كلها ليس من صنف واحد من القطنية، فإنه يجمع ذلك بعضه إلى بعض وعليه فيه الزكاة ... قال مالك: فإن قال قائل: كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ منها اثنين بواحد يدًا بيد ولا يؤخذ من الحنطة اثنان ¬

(¬1) هذا الصواب، مثل ما قال - رحمه الله -. (¬2) لأن التمر نوع واحد. (¬3) كلها صنف واحد، تجمع إلى بعضها؛ لأن المقصود واحد في الأدم، وجعلها المؤلف كالذهب والفضة في الثمنية.

بواحد يدًا بيد؟ قيل له: فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة، وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يدًا بيد. قال مالك في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر: إنه لا صدقة عليهما فيها، وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك في أرض واحدة، كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق، وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة (¬1)، وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها يحصد أو النخل يجد أو الكرم يقطف فإنه إذا كان كل رجل منهم يجد من التمر أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه، وإنما تجب الصدقة على من بلغ جداداه أو قطافة أو حصاده خمسة أوسق. قال مالك: السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها، ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين، ثم باعه: أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه، إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها، وأنه لم يكن للتجارة، وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض، يفيدها الرجل ثم يمسكها سنين، ثم يبيعها بذهب أو ورق، فلا يكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها، فإن كان أصل تلك العروض للتجارة، فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها، إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به (¬2). ¬

(¬1) وهذا هو الصواب، لا خلطة بينهما، من جز أقل من خمسة لا شيء عليه. (¬2) وهذا هو الصواب، إذا زكاها ثم تركها عنده يأكل منها، لا زكاة فيها، إلا إذا جعلها عروضًا.

باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول

باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم: أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة: الرمان والفرسك والتين، وما أشبه ذلك، وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه (¬1). قال: ولا في القضب ولا في البقول كلها صدقة، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة، حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها [وهو نصاب] (¬2). باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل 37 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» (¬3). 38 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار: أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى (¬4)، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فأبي عمر، ثم كلموه أيضًا، فكتب إلى عمر، فكتب إليه عمر - رضي الله عنه -: «إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم». قال مالك: معنى قوله رحمة الله: «وارددها عليهم»، يقول: على فقرائهم. ¬

(¬1) ليس فيها زكاة. هذا هو المقرر عند أهل العلم. (¬2) نسخة. (¬3) يعني: فرسه الذي يستعمله، والعبد الذي للخدمة. (¬4) لا زكاة فيها.

باب جزية أهل الكتاب والمجوس

39 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة (¬1). 40 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة (¬2). باب جزية أهل الكتاب والمجوس 41 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس البحرين (¬3). وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخذها من مجوس فارس، وأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أخذها من البربر (¬4). 42 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن ابن عوف - رضي الله عنه -: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (¬5). ¬

(¬1) لأن العسل ما ورد فيه شيء، لكن إن كان عرض تجارة زكاة. (¬2) البراذين: نوع من الخيل، من جنس الخيل لا زكاة فيها. (¬3) ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ألحقهم بأهل الكتاب في الجزية. أما غيرهم من الشيوعين والوثنيين فلا. إما السيف أو الإسلام. (¬4) كل من عبد النار فهو مجوسي، سواء كان من البربر أو غيرهم. (¬5) هذا منقطع، والمجوس مثل الوثنيين في كل شيء إلا في الجزية. قلت: قال الحافظ: منقطع، مع ثقة رجاله.

45 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله: أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون. قال مالك: مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم، وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم، وليس على أهل الذمة ولا على المجوس في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة؛ لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرًا لهم وردًا على فقرائهم، ووضعت الجزية على أهل الكتاب؛ صغارًا لهم، فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه، ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم، إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين، ويختلفوا فيها، فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات؛ وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم، ويقاتل عنهم عدوهم، فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر إليها فعليه العشر (¬1)، من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام، ومن أهل الشام إلى العراق، ومن أهل العراق إلى المدينة، أو اليمن، أو ما أشبه هذا من البلاد، فعليه العشر. ولا صدقة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم، مضت بذلك السنة، ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه، وإن اختلفوا في العام الواحد مرارًا في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا العشر؛ لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه ولا مما شرط لهم. وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا (¬2). ¬

(¬1) الجزية يجتهد ولي الأمر في جعلها عليهم: من يقدر منهم، وإذا اتجروا في البلاد فعليهم العشر. (¬2) الجزية فريضة إذا لم يقاتلوا، وأما إذا امتنعوا فيقاتلوا مع القدرة.

18 - كتاب الصيام

18 - كتاب الصيام باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان 4 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن الهلال رئي في زمان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بعشي، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس. قال يحيى: سمعت مالكا يقول في الذي يرى هلال رمضان وحده: إنه يصوم (¬1)،لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، قال: ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، ومن رأى هلال شوال نهارًا، فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك؛ فإنما هو هلال الليلة التي تأتي. قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول: إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت: أن هلال رمضان قد رئي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس (¬2). باب من أجمع الصيام قبل الفجر 5 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر (¬3). ¬

(¬1) الصواب: أنه لا يفطر ولا يصوم إلا مع الناس، إلا إذا كان في البرية، فإنه يصوم ويفطر. (¬2) إذا ثبت نهارًا فإنهم يفطرون، ويغدون لمصلاهم غدًا، كما في السنة. (¬3) صيام ستة من شوال، الأفضل أن يصوم من الفجر؛ حتى يحصل له صوم يوم كامل.

باب ما جاء في تعجيل الفطر

باب ما جاء في تعجيل الفطر 6 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (¬1). 8 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب (¬2) وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان (¬3). باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان 9 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن أبي يونس (مولى عائشة)، عن عائشة - رضي الله عنه -: أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على الباب وأنا أسمع-: يا رسول الله، إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصيام فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا أصبح جنبًا، وأنا أريد الصيام، فأغتسل، وأصوم»، فقال له الرجل: يا رسول الله، إنك لست مثلنا؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» (¬4). ¬

(¬1) السنة البدار. (¬2) الظاهر: أن حميدًا لم يسمع من عمر، فهو مرسل. قلت: قال في «التقريب»: «روايته عن عمر مرسله». (¬3) الفطر قبل الصلاة أفضل؛ كما فعل عليه الصلاة والسلام. (¬4) إذا جامع في الليل ثم لم يغتسل إلا بعد الصبح فلا حرج. وهكذا الحائض: إذا طهرت في الليل ولم تغتسل إلا بعد طلوع الصبح كذلك.

باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم

11 - وحدثني عن مالك، عن سمي (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام): أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم -وهو أمير المدينة- فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة، فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبد الرحمن وذهبت معه، حتى دخلنا على عائشة، فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان بن الحكم، فذكر له: أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة - رضي الله عنه -: ليس كما قال أبو هريرة، يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟! فقال عبد الرحمن: لا والله، قالت عائشة: فأشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة - رضي الله عنه - فسألها عن ذلك، فقالت مثل ما قالت عائشة، قال: فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي، فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر له ذلك، فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذاك، إنما أخبرينه مخبر (¬1). باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم 15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل (امرأة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -) كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو صائم فلا ينهاها (¬2). ¬

(¬1) في الرواية الأخرى: الفضل بن عباس. (¬2) هذا منقطع؛ يحيي بن سعيد لم يدرك عاتكة.

باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم

16 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله): أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم فقالت له عائشة - رضي الله عنه -: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟! قالت: نعم (¬1). باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم 18 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت إذا ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم، تقول: وأيكم أملك لنفسه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة قال عروة بن الزبير: لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير. 19 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - سئل عن القبلة للصائم، فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب (¬3). 20 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم (¬4). ¬

(¬1) هذا من باب المداعبة مع عبد الله. - تقبيل المحارم: لا بأس إذا كان في الجبهة أو الخد. (¬2) بالنسبة إلى بعض الناس إذا كان يخشى فإنه يترك، وإلا فقد رخص فيها سيد المتقين - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) من باب الاجتهاد؛ خوفًا من أ، يتساهل. قتل: والأحاديث المرفوعة في التفريق بين الشيخ الشاب كلها معلولة. (¬4) لعله لم يبلغه الخبر.

باب ما جاء في الصيام في السفر

باب ما جاء في الصيام في السفر 24 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إني رجل أصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» (¬1). 26 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه، فيصوم عروة، ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام (¬2). باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان 27 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا كان في سفر في رمضان، فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم (¬3). قال يحيى: قال مالك: من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم. قال مالك: وإذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم. قال مالك في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان: إن لزوجها أن يصيبها إن شاء (¬4). ¬

(¬1) وفي الحديث الآخر: «هي رخصة من الله». (¬2) لا حرج إذا صام في السفر، إلا إذا شق عليه الصوم. والأفضل في السفر الفطر. أما إذا كان الصوم يضعف عن الجهاد فالواجب الفطر؛ حتى يتقووا على قتال العدو. (¬3) الواجب على القادم من سفر أن يمسك. (¬4) قال شيخنا: غلط، ليس بشيء، بل يجب عليه الإمساك؛ لحرمة الزمن. وهي إذا طهرت عليها الإمساك. =

باب كفارة من أفطر في رمضان

باب كفارة من أفطر في رمضان 29 - وحدثني عن مالك، عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب نحره وينتف شعره، ويقول هلك الأبعد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وما ذاك؟» فقال: أصبت أهلي، وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله: «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» فقال: لا، فقال: «هل تستطيع أن تهدي بدنة؟» قال: لا، قال: «فاجلس»، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق تمر، فقال: «خذ هذا فتصدق به»، فقال: ما أحد أحوج مني، فقال: «كله وصم يومًا مكان ما أصبت» (¬1). باب ما جاء في حجامة الصائم 31 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كانا يحتجمان وهما صائمان (¬2). 32 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يحتجم وهو صائم ثم لا يفطر، قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم. ¬

= وقول ابن مسعود اجتهادًا منه. ومن أفطر أول النهار فليفطر آخره. - وقال الشيخ فيمن وطيء بعدما قدم من سفر: إن عليه الكفارة والتوبة. (¬1) هذا مرسل. ذكر البدنة ضعيف، وإنما الواجب: العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام. (¬2) ابن شهاب لم يسمع منهما. إن صح عنهما يحمل على أنهما لم يبلغهما النهي عن الحجامة. والصواب: أن الحجامة تفطر.

باب صيام يوم عاشوراء

قال مالك: لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، ولو أن رجلًا احتجم في رمضان ثم سلم من أن يفطر لم أر عليه شيئًا، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي، فلا أرى عليه شيئًا، وليس عليه قضاء ذلك اليوم (¬1). باب صيام يوم عاشوراء 33 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه (¬2). 35 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسل إلى الحارث بن هشام: أن غدًا يوم عاشوراء، فصم وأمر أهلك أن يصوموا (¬3). ¬

(¬1) وهذا اتباعًا لما روي عن أنس. والصواب: أن الحجامة تفطر الصائم، وهذا ما استقرت عليه السنة. (¬2) الأفضل: صوم يوم قبله أو بعده، ومن أفرده بالصيام لا بأس. قلت: صح عن ابن عباس صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، أخرجه الطبري في تهذيب الآثار». وهو راوي خبر عاشوراء «لئن عشت إلى قابل». (¬3) هذا ضعيف؛ لأنه بلاغ.

باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر

باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر 37 - وحدثني عن مالك: أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر (¬1) إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن صيامها وهي أيام منى ويوم الأضحى ويوم الفطر فيما بلغنا. قال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك. باب النهي عن الوصال في الصيام 39 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والوصال، إياكم والوصال»، قالوا: فإنك تواصل، يا رسول الله، قال: «إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» (¬2). باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر 40 - حدثني يحيى سمعت مالكًا يقول: أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه: أنه إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك، وهو يبني على ما قد مضى من صيامه، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها: أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام وهي تبني على ما قد صامت. وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض أو حيضة وليس له أن يسافر فيفطر (¬3). قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك. ¬

(¬1) هذا ضعيف؛ لقوله: «لا صام من صام الأبد». وحكمه: الكراهة الشديدة أو التحريم. وهو مشقة على الإنسان. (¬2) هذا يفيد كراهة الوصال كراهة شديدة، وإذا كان لا بد فإلى السحر والأفضل: أن لا يواصل، بل يفطر عند الغروب. (¬3) الصواب: مثل ما قال، رحمة الله، لا يجوز له السفر من أجل الإفطار.

باب ما يفعل المريض في صيامه

باب ما يفعل المريض في صيامه 41 - قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: الأمر الذي سمعت من أهل العلم: أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه ويبلغ ذلك منه، فإن له أن يفطر، وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته، فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس، ودين الله يسر، وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض، قال الله تعالى في كتابه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض. فهذا أحب ما سمعت إلي، وهو الأمر المجتمع عليه (¬1). باب النذر في الصيام، والصيام عن الميت 42 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر، هل له أن يتطوع؟ فقال سعيد: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع (¬2). قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك. قال مالك: من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها أو صيام أو صدقة أو بدنة فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه وهو يبدى على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله؛ وذلك أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ¬

(¬1) المريض يفطر إذا شق عليه الصوم. والمسافر مطلقًا يفطر. (¬2) النذر واجب على الفور إذا كان مطلقًا.

ليس بواجب، وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله (¬1)؛ لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه، حتى إذا حضرته الوفاة وصار المال لورثته، سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض، فلو كان ذلك جائزًا له، أخر هذه الأشياء، حتى إذا كان عند موته، سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله، فليس ذلك له. 43 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يسأل: هل يصوم أحد عن أحد، أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد (¬2). ¬

(¬1) والصواب: أنه من ماله لا من الثلث، سواء في مرضه أو غيره. وما قاله مالك ليس بجيد؛ والوصية هي التي من الثلث. (¬2) هذا مطلقًا في الحياة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، مقدم على قول ابن عمر، وغيره. - الصوم عن الميت يعم الولي وغيره.

19 - كتاب الاعتكاف

19 - كتاب الاعتكاف باب ذكر الاعتكاف 1 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (¬1). 3 - وحدثني عن مالك: أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف، هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها فإن كان مسجدًا لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه فإني لا أرى بأسًا بالاعتكاف فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فعم الله المساجد كلها ولم يخص شيئًا منها. قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة، إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة (¬2). ¬

(¬1) هذا هو السنة، لا بأس أن تمسه لغسل رأسه، ونحو ذلك. - السنة الخفاء للمعتكف، للصلاة، والذكر، والتلاوة. (¬2) يخرج للجمعة، وهذا هو الصواب، واستثناء مالك ليس بجيد.

قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه، إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد، ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه إلا في المسجد أو في رحبة من رحاب المسجد، ومما يدل على أنه لا يبيت إلا في المسجد: قول عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. ولا يعتكف فوق ظهر المسجد، ولا في المنار يعني: الصومعة (¬1). وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس (¬2) من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها، حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها، والمعتكف مشتغل باعتكافه لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات أو غيرها، ولا بأس بأن يأمر المعتكف بضيعته ومصلحة أهله، وأن يأمر ببيع ماله أو بشيء لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفًا، أن يأمر بذلك من يكفيه إياه. قال مالك: لم يسمع أحدًا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطًا (¬3)، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك، فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف. قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف للقروي والبدوي سواء. ¬

(¬1) والاعتكاف فوق سطح المسجد فلا بأس، والمنارة إذا كانت في المسجد فلا بأس. (¬2) الأفضل: أن يدخل بعد صلاة الفجر؛ كما قالت عائشة. (¬3) لا يشترط؛ ولا أعلم للاشتراط أصلًا.

باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به

باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به 4 - حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه: أن القاسم بن محمد ونافعًا (مولى عبد الله ابن عمر) قالا: لا اعتكاف إلا بصيام؛ بقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام. قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا: أنه لا اعتكاف إلا بصيام (¬1). باب خروج المعتكف للعيد 6 - حدثني يحيى، عن زياد، عن مالك: أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهاليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس. قال زياد: قال مالك: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا، وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك (¬2). ¬

(¬1) هذا مروي عن عائشة. والصواب: أنه يجوز الاعتكاف بلا صيام، وهكذا قال ابن عباس - رضي الله عنه -. (¬2) الأمر في هذا واسع، إذا انتهت العشر انتهى الاعتكاف، فإذا غربت الشمس انتهى الاعتكاف. كذا قال شيخنا وهو قول كثير من أهل العلم لكن قال البخاري باب الاعتكاف وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عشرين ... ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري وفيه: اعتكفنا مع رسول - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان قال: فخرجنا صبيحة عشرين، قال فخطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عشرين فقال: «أريت ليلة القدر وإني أنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في وتر ...» الحديث. هذا من حيث الأثر ظاهر، فإنهم خجوا صبيحة عشرين (يعني) بعد انقضاء العشر الوسطى .. ومن حيث النظر أن الاعتكاف شرع طلبًا لليلة القدر هذا هو الأصل فيه، ومعلوم ذهاب الليل بطلوع الفجر فالذي يظهر لي بناء على هذا أن من اعتكف العشر الأواخر ينتهي اعتكافه صبيحة آخر ليلة مع أن هذا لا يتصور في نهاية الشهر إلا في حال تمامه. =

باب قضاء الاعتكاف

باب قضاء الاعتكاف 7 - حدثني زياد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة - رضي الله عنه - وخباء حفصة وخباء زينب فلما رآها سأل عنها فقيل له هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (آلبر تقولون بهن)؟! ثم انصرف، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال. وسئل مالك عن رجل دخل المسجد لعكوف في العشر الأواخر من رمضان، فأقام يومًا أو يومين، ثم مرض، فخرج من المسجد: أيجب عليه أن يعتكف ما بقي من العشر إذا صح أم لا يجب ذلك عليه؟ وفي أي شهر يعتكف إن وجب عليه ذلك؟ فقال مالك: يقضي ما وجب عليه من عكوف إذا صح في رمضان أو غيره، وقد بلغني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد العكوف في رمضان، ثم رجع، فلم يعتكف، حتى إذا ذهب رمضان اعتكف عشرًا من شوال، والمتطوع في الاعتكاف في رمضان والذي عليه الاعتكاف أمرهما واحد، فيما يحل لهما ويحرم عليهما، ولم يبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان اعتكافه إلا تطوعًا (¬1) .... قال مالك في المرأة: إنها إذا اعتكفت، ثم حاضت في اعتكافها: إنها ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت، ثم تبني على ما مضى من اعتكافها، ¬

= وعليه لا حرج على من خرج من الفجر من آخر ليلة وقد أصاب السنة واعتكف العشر الأوارخ .. يعني العشر الليالي الأواخر، وقد نص على هذا شيخنا ابن باز في شرح البخاري، انظر «الحلل الإبريزية» (2/ 178) على حديث [2036]. (¬1) ليس عليه اعتكاف؛ فهو نافلة، ويكون فرضًا بالنذر.

باب النكاح في الاعتكاف

ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام شهرين متتابعين فتحيض ثم تطهر، فتبني على ما مضي من صيامها، ولا تؤخر ذلك (¬1). 8 - وحدثني زياد، عن مالك، عن ابن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت. قال مالك: لا يخرج المعتكف مع جنازة أبويه ولا مع غيرها (¬2). باب النكاح في الاعتكاف قال مالك: لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ما لم يكن المسيس والمرأة المعتكفة -أيضًا- تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس، ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار. قال يحيى: قال زياد: قال مالك: ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف، ولا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها. ولم أسمع أحدًا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحا في اعتكافهما، ما لم يكن المسيس فيكره، ولا يكره للصائم أن ينكح في صيامه (¬3). وفرق بين نكاح المعتكف ونكاح المحرم: أن المحرم: يأكل، ويشرب، ويعود المريض، ويشهد الجنائز، ولا يتطيب. ¬

(¬1) هذا صحيح، لكن لا يلزمها الاعتكاف؛ فهو نافلة. (¬2) الأفضل: لزوم المعتكف؛ كما ذكرت عائشة، وإذا قطعه لا بأس. الأقرب عندي: أنه يخرج معهما؛ لأنه من برهما. (¬3) العقد ليس مباشرة.

باب ما جاء في ليلة القدر

والمعتكف والمعتكفة: يدهنان، ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره، ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض. فأمرهما في النكاح مختلف، وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم. باب ما جاء في ليلة القدر 11 - وحدثني زياد، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر» (¬1). 15 - وحدثني زياد، عن مالك: أنه سمع من يثق به أهل العلم يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر (¬2). ¬

(¬1) قد تقع في الأشفاع؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «في سابعة تبقي، في تاسعة تبقى»، وفي الأوتار أحرى. (¬2) وهذا فيه نظر؛ وقد جاء في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - ما يدل على أنها ليست خاصة بهذه الأمة. أراد شيخنا ما أخرجه أحمد (5/ 171) واب نخزيمة [2170] والطحاوي في «شرح المعاني» (3/ 85) والحاكم (1/ 437)، (2/ 530 - 531) والبيهقي (4/ 307) من طرق عن عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل الحنفي، حدثني مالك بن مرثد بن عبد الله الزماني، حدثني أبي مرثد قال: سألت أبا ذر قلت: كنت سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها! قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: «بل هي في رمضان» قال: قلت: تكون مع أنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة، قال «بل هي إلى يوم القيامة ...» الحديث. وهذا إسناد ضعيف: مرثد بن عبد الله قال العقيلي لا يتابع على حديثه، وقال الذهبي في «الميزان»: فيه جهالة وفي لفظه بتمامه نكارة، وله إسناد آخر من طريق الأوزاعي عن مرثد بن أبي مرثد عن أبيه عن أبي ذر، ولم يقم الأوزاعي إسناده، ولم يحفظه، انظر: «التمهيد» (2/ 213) والخلاصة: أن الخبر ضعيف والظاهر اختصاص الأمة المحمدية بها.

وحدثني زياد، عن مالك، أنه بلغه: أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها (¬1). ¬

(¬1) لا شك، وكلما زاد كان أفضل.

20 - كتاب الحج

20 - كتاب الحج باب غسل المحرم 4 - حدثني يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه: أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة - رضي الله عنه - اختلفا بالأبواء: فقال عبد الله: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه (¬1). قال فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن عباس، أسألك: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه وهو محرم؟ قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. 6 - وحدثني مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا دنا من مكة بات بذي طوى بين الثنيتين حتى يصبح، ثم يصلي الصبح، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة، ولا يدخل إذا خرج حاجًا أو معتمرًا حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى، ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا (¬2). ¬

(¬1) الصابون الذي له رائحة والشامبو لا يسمى طيبًا، حتى ولو قيل ذلك. (¬2) لأنه ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا تيسر ذلك فهو حسن.

باب تخمير المحرم وجهه

7 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام. قال مالك: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه، وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة (¬1) فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث ولبس الثياب. باب تخمير المحرم وجهه 13 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال: أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي: أنه رأى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالعرج يغطي وجهه وهو محرم (¬2). - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: ما فوق الذقن من الرأس، فلا يخمره المحرم (¬3). باب مواقيت الإهلال 24 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن ¬

(¬1) حتى ولو قبل ذلك. (¬2) لعل عثمان لم يبلغه النص. قلت: رواية الوجه فيها ما فيها. وثبت عن خمسة من الصحابة تخمير الوجه. [يذكر بحثي في تخمير المحرم وجهه] هنا وهو موجود في «نفح العبير» بعنوان «الوجهة في حكم تخمير المحرم وجهه». (¬3) الكمام الذي يوضع على الأنف أو الفم يترك، يغطي أنفه بيده.

باب العمل في الإهلال

من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ويهل أهل اليمن من يلملم» (¬1). 25 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أهل من الفرع (¬2). 26 - وحدثني عن مالك، عن الثقة عنده: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أهل من إيلياء (2). 27 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل من الجعرانة (¬3) بعمرة. باب العمل في الإهلال 28 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك لبيك، والرغباء إليك والعمل (¬4). ¬

(¬1) لو تجاوزت الميقات ولم ينوه، ثم نوى بعد ذلك فيحرم من مكانه. (¬2) هذا من اجتهاده. والصواب: أن يحرم من الميقات. وهو من اجتهاداته - رضي الله عنه - التي يجب تركها. (¬3) التخفيف أفصح. [قلت: يعني: «الجعرانة»: بتخفيف الراء المفتوحة]. (¬4) ما زاد على تلبيته لا بأس؛ أقرهم على الزيادة، وهو - صلى الله عليه وسلم - لزم تلبيته، ولزومها أفضل.

باب قطع التلبية

30 - وحدثني، عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله: أنه سمع أباه يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة (¬1). باب قطع التلبية 44 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (¬2): أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية. قال يحيى: قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. 48 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن عبد العزيز غدا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عاليًا، فبعث الحرس يصيحون في الناس: أيها الناس، إنها التلبية (¬3). باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم 49 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا أهل مكة، ما شأن الناس يأتون شعثًا، وأنتم مدهنون، أهلوا إذا رأيتم الهلال (¬4). ¬

(¬1) ما يمنع أنه كرر؛ حتى يفهم الناس؛ كما في حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) هذا منقطع؛ محمد لم يسمع من جده. قلت: وجعفر وهو: ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وجعفر هو المعروف بالصادق، وأبوه محمد بن علي المعروف بالباقر، وحديثهما في الستة. (¬3) قد أحسن، - رحمه الله -؛ التلبية أفضل. (¬4) فيه انقطاع، السنة أن يهلوا مع الناس في اليوم الثامن، لمن كان مقيمًا في مكة.

باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي

باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي 50 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أقام بمكة تسع سنين، وهو يهل بالحج لهلال ذي الحجة (¬1)، وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك. قال يحيى: قال مالك: وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها، ومن كان مقيمًا بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم ... وسئل مالك عن رجل من أهل مكة: هل يهل من جوف مكة بعمرة؟ قال: بل يخرج إلى الحل فيحرم منه (¬2). 51 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة - رضي الله عنه - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، وقد بعثت بهدي فاكتبي إلى بأمرك أو مري صاحب الهدي، قالت عمرة: قالت عائشة - رضي الله عنه -: ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم بعث بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي، فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي (¬3). ¬

(¬1) الأفضل خلاف ذلك، وهو ما فعله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. (¬2) كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة بذلك. (¬3) وهذا هو الصواب. وما يروى عن ابن عباس قاله برأيه.

باب جامع ما جاء في العمرة

54 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: أنه رأى رجلًا متجردًا بالعراق (¬1)، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه -، فذكرت له ذلك، فقال: بدعة ورب الكعبة .... وسئل -أيضًا- عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بهديه ثم أقام فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه (¬2). باب جامع ما جاء في العمرة 67 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم؛ فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته: أن يعتمر في غير أشهر الحج (¬3). 68 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع. قال مالك: العمرة سنة (¬4)، ولا نعلم أحدًا من المسلمين أرخص في تركها ... ¬

(¬1) [قلت: المقصود: تجرد من لباسه المعتاد المخيط؛ ليلبس لباس الإحرام. قال أبو الوليد الباجي في «المنتقى»: «يريد أنه رآه متجردًا عن المخيط، إلا أنه لابس ثياب الإحرام، وذلك ببلد يلبس جميعهم المخيط، فأنكر عليه مخالفة عادة الناس، فلما سأل عنه، أخبر أنه إنما تجرد؛ لأنه أمر بهديه أن يقلد ...»]. (¬2) هذا هو الصواب. (¬3) الصواب خلافه. وهذا من اجتهاده - رضي الله عنه -. والعمرة في أشهر الحج أفضل، إلا ما جاء في رمضان خاصة. (¬4) أي: لازمة.

باب نكاح المحرم

باب نكاح المحرم 70 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب (أخي بني عبد الدار): أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان -وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان-: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر، فأنكر ذلك عليه أبان، وقال سمعت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» (¬1). 73 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المحرم، فقالوا: لا ينكح المحرم ولا ينكح. قال مالك في الرجل المحرم إنه يراجع امرأته: إن شاء إذا كانت في عدة منه (¬2). باب حجامة المحرم 74 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم فوق رأسه، وهو يومئذ بـ «لحيي جمل»: مكن بطريق مكة (¬3). ¬

(¬1) وهذا هو الصواب، وقد رواه مسلم في الصحيح. وإذا تزوج وهو محرم فالعقد باطل. قلت: وهو فتوى كبار الصحابة عمر وعلي ولا يعرف لهما مخالف. (¬2) المراجعة ليست نكاحًا. (¬3) إذا كانت الحجامة في محل الشعر لا بأس، وإذا فدى فهو أحوط.

باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد

باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد 76 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله التيمي)، عن نافع (مولى أبي قتادة الأنصاري)، عن أبي قتادة: أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا عليه، فسألهم رمحة، فأبوا، فأخذه، ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك، فقال: «إنما هي طعمة أطعمكموها الله» (¬1). 79 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمير بن سلمة الضمري، عن البهزي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «دعوه؛ فإنه يوشك أن يأتي صاحبه»، فجاء البهزي - وهو صاحبه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، فقسمه بين الرفاق، ثم مضى، حتى إذا كان بالأثابة بين الرويثة والعرج، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، فزعم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه (¬2). ¬

(¬1) إذا صاده لأجله أو لأصحابه المحلين فلا بأس أن يأكل منه المحرمون. (¬2) المحرم لا يشترى الصيد ولا يقبل فهو ميتة.

باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد

82 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، وجدوا لحم صيد، فأفتاهم كعب بأكله، قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالمدينة، ذكروا ذلك له، فقال: من أفتاكم بهذا؟! قالوا: كعب، فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا، ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد، فأفتاهم كعب: أن يأخذوه فيأكلوه، فلما قدموا على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟! قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟! قال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين (¬1). باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد 85 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - أنها قالت له: يا ابن أختي إنما هي عشر ليال، فإن تخلج في نفسك شيء فدعه تعني أكل لحم الصيد .... وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم، أيصيد فيأكله أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- لم يرخص للمحرم في أكل الصيد، ولا في أخذه في حال من الأحوال، وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة (¬2) ... ¬

(¬1) الصواب: أن الجراد من صيد البر، لا من صيد البحر، وحتى لو نثره البحر؛ فهو يعيش في البر، فلا يصيده المحرم. (¬2) الأقرب: أن الصيد أولى من الميتة؛ لأن الصيد محرم على المحرم وحده حلال لغيره.

باب الحكم في الصيد

باب الحكم في الصيد 87 - قال مالك: قال الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95]. قال مالك: فالذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يقتله وهو محرم، بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله، وقد نهى الله عن قتله، فعليه جزاؤه (¬1). والأمر عندنا: أن من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه بالجزاء ... باب ما يقتل المحرم من الدواب 88 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» (¬2). باب ما يجوز للمحرم أن يفعله 92 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقرد بعيرًا له -في طين بالسقيا- وهو محرم (¬3). قال مالك: وأنا أكرهه. ¬

(¬1) إنما يحرم عليه وهو محرم. وكالصيد إذا صادوه وهو حلال ثم دخل الحرم صار مملوكًا لهم؛ كالشاة والبعير لم يعد صيدًا. (¬2) سئل الشيخ -رحمة الله تعالى-: عن قتل بعض الناس الغراب ولو لم يؤذ؟ - فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في قتل الغراب مطلقًا، وهكذا الحية تقتل، والمؤذيات كالذئب. (¬3) هذا لا بأس؛ والقراد يؤذي الإبل.

باب الحج عمن يحج عنه

93 - وحدثني عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأل عن المحرم: أيحك جسده؟ فقالت: نعم، فليحككه، وليشدد، ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت (¬1). 95 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادًا، عن بعيره. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك (¬2). 96 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: اقطعه. وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه: أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسًا، ولو جعله في فيه لم أر بذلك بأسًا. قال مالك: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه، ويفقأ دمله، ويقطع عرقه، إذا احتاج إلى ذلك (¬3). باب الحج عمن يحج عنه 97 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة ¬

(¬1) مبالغة في ذلك. (¬2) الأمر في ذلك واسع. (¬3) وهذا من باب الدواء.

باب ما جاء فيمن أحصر بعدو

الله في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك ففي حجة الوداع (¬1). باب ما جاء فيمن أحصر بعدو 98 - حدثني يحيى، عن مالك قال: من حبس بعدو، فحال بينه وبين البيت، فإنه يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء (¬2). وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رءوسهم، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي، ثم لم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدًا من أصحابه، ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئًا، ولا يعودوا الشيء. 99 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه قال - حين خرج إلى مكة معتمرًا في الفتنة: «إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بعمرة؛ من أجل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل بعمرة عام الحديبية»، ثم إن عبد الله نظر في أمره، فقال: «ما أمرهما إلا واحد»، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: «ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة»، ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف طوافًا واحدًا، ورأى ذلك مجزيًا عنه، وأهدى. ¬

(¬1) وهذا يفيد الحج عن كبير السن العاجز إذا حج عنه قريبه أو غيره أو بنته. وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: المستطيع يحجج عن نفسه نافلة؟ فقال: لا الذي يحج عنه العاجز. وسئل: من حج عنه في سنة واحدة من أشخاص؟ - فقال: لا بأس. (¬2) المحصر: يحلق رأسه، وينحر هديه، وليس عليه الحج من قابل، ولم يأمر الرسول e بالقضاء لمن أحصر معه، إلا لمن يحج حجة الإسلام، فيلزمه الحج الفرض.

باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو

قال مالك: فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو، كما أحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، فأما من أحصر بغير عدو، فإنه لا يحل دون البيت (¬1). باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو 100 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب -التي لا بد له منها- أو الدواء صنع ذلك، وافتدى» (¬2). 102 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن رجل من أهل البصرة كان قديمًا، أنه قال: خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق، كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عمر والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة (¬3). ¬

(¬1) وهذا قول ضعيف، والصواب: أن الإحصار عام بمرض أو ضياع نفقة فيحل: يحلق رأسه، وينحر هديه، ويحج. وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت بالحج فرفض زوجها، وقال: إن حججت فأنت طالق. هل تكون محصرة؟ فقال: نعم إن كانت نافلة، وإن لم تكن نافلة، بل حجة الإسلام، فتحج، ولو وقع الطلاق. وسئل: إذا منع من الحج لعدم الترخيص له، هل يكون محصرًا؟ فقال: الظاره: نعم. (¬2) هذا قول جماعة من أهل العلم، والصواب: أن الإحصار عام. (¬3) الرجل مجهول، والصواب: أن المريض والمكسور كالمحصر. وسألت شيخنا: دم الإحصار هل يأمل منه أو بعضه الفقراء؟ فقال: يعطيه الفقراء.

باب ما جاء في بناء الكعبة

103 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه قال: «من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة» (¬1) ... قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو، وقد أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود - رضي الله عنه - حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر: أن يحلا بعمرة، ثم يرجعا حلالًا، ثم يحجان عامًا قابلًا، ويهديان. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (¬2). قال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطإ من العدد أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر. قال يحيى: سئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج، ثم أصابه كسر أو بطن متحرق أو امرأة تطلق؟ قال: من أصابه هذا منهم فهو محصر، يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا (¬3) ... باب ما جاء في بناء الكعبة 104 - قال يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟!» قالت: فقلت: ¬

(¬1) سند صحيح. وسئل الشيخ: إهداء الحجة للوالدين؟ فقال: لا، الحج لا يكون إلا عن واحد. (¬2) إذا لم يجد المحصر الهدي يصوم عشرة كالمتمتع والقارن. (¬3) هذا يخالف ما تقدم عنه - رحمه الله -.

باب الرمل في الطواف

يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت»، قال: فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم (¬1). 105 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - قالت: ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت (¬2). باب الرمل في الطواف 107 - حدثني يحيى، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف» (¬3). قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. 109 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة: أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة، يقول: اللهم لا إله إلا أنت، وأنت تحيي بعد ما أمت، يخفض صوته بذلك (¬4). ¬

(¬1) نعم كان - صلى الله عليه وسلم - يستلم الركنين اليمانيين؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، وقريش قصرت بهم النفقة، فلم يتموها. (¬2) لأنها أرادت أن تصلي بالكعبة، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلي في الحجر؛ فإنه من البيت». (¬3) هذا هو السنة الرمل من الحجر إلى الحجر. وسألت شيخنا عن الرمل عن بعد من البيت، أم الدنو بدونه؟ - فقال: الأفضل الرمل مع البعد؛ يحيي السنة. (¬4) يذكر الله في الطواف؛ وفي الحديث: «إنما جعل الطواف بالبيت ... لإقامة ذكر الله».

باب الاستلام في الطواف

110 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم، قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة (¬1). 111 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان إذا أحرم من مكة لم يطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى (¬2)، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة. باب الاستلام في الطواف 113 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: «كيف صنعت، يا أبا محمد في استلام الركن؟» فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أصبت» (¬3). 114 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة: أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه (¬4). ¬

(¬1) وهذا فيه الرد على من أنكر العمرة لأهل مكة، أو لمن كان بمكة، وفعلته عائشة، وإنه يرمل في الطواف. (¬2) هذا هو السنة؛ ولم يأمرهم أن يطوفوا، يحرم ويتوجه إلى منى ولا يرمل؛ لأنه ليس بغريب. من قدم صباح عرفة بإمكانه الاعتمار صباح عرفة، ويكون متمتعًا موافقًا للسنة. قلت: وفيه الرد على من منع ذلك مع المعاصرين. (¬3) فيه: إذا رأى زحمة ترك. وفي سماع عروة من عبد الرحمن نظر؛ فإن عبد الرحمن مات سنة (32)، وعروة قيل: ولد سنة (29)، فيكون عمره عند موت عبد الرحمن ثلاث سنين. ومعنى الأثر صحيح. (¬4) هذا هو السنة اليماني والأسود إذا تيسر استلامهما.

باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام

باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام 115 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود: «إنما أنت حجر، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك»، ثم قبله. قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه (¬1). باب ركعتا الطواف 116 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان لا يجمع بين السبعين، لا يصلي بينهما، ولكنه كان يصلي بعد كل سبع ركعتين، فربما صلى عند المقام أو عند غيره (¬2). وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به، فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر، ثم يركع، ما عليه من ركوع تلك السبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك، وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين (¬3). قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف؟ قال: يقطع إذا علم أنه قد زاد، ثم يصلي ركعتين، ولا يعتد بالذي كان زاد، ولا ينبغي له ¬

(¬1) هذا لا أصل له، إنما يستلمه، والأسود يقبله، واليماني: يستلمه، ولا يقبله، ولا يشير إليه. وهذا وهم من مالك، - رحمه الله -. (¬2) إن تيسر عند المقام، وإلا ففي أي مكان، وإن طاف أربعة عشر صلى أربعًا: ركعتين، ثم ركعتين. (¬3) هذا هو السنة والأفضل.

باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف

أن يبني على التسعة، حتى يصلي سبعين جميعًا؛ لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين (¬1). قال مالك: ومن شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف، فليعد فليتمم طوافه على اليقين، ثم ليعد الركعتين؛ لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع (¬2)، ومن أصابه شيء ينقض وضوءه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك، فإنه من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين. وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه، ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء (¬3). باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف 117 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره: أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى، فصلى ركعتين سنة الطواف (¬4). ¬

(¬1) وإن جمع سبعين صلى أربع ركعات منفصلتين، كل سبع ركعتان. (¬2) من شك بعد الطواف لا يعتد به. (¬3) الأفضل أن يسعى طاهرًا، ولا يبطل السعي بالحدث، أما الطواف فهو صلاة، لا يطوف إلا بوضوء، وإن أحدث في الطواف يستأنف؛ كالصلاة. (¬4) وهذا من عمر أن ركعتي الطواف داخلة في النهي، وذهب جمع إلى أن ذوات الأسباب لا باس بفعلها في وقت النهي، وهكذا ركعتا الطواف.

باب جامع الطواف

119 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، أنه قال: «لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد» (¬1). قال مالك: ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام، ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعًا، ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب، قال: وإن أخرهما حتى يصلي المغرب فلا بأس بذلك. قال مالك: ولا بأس أن يطوف الرجل طوافًا واحدًا بعد الصبح وبعد العصر، لا يزيد على سبع واحد، ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس، كما صنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء، وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب، لا بأس بذلك (¬2). باب جامع الطواف 123 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس ¬

(¬1) سئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: المسافر يقدم معتمرًا، هل يطوف في حال خطبة الجمعة؟ فقال: لا، بل يصلي ركعتين، ثم يجلس. ثم سألت الشيخ: الطواف حال خطبة الجمعة من المقيم بمكة؟ فقال: ما ينبغي، يجلس ويستمع. قلت: سئل شيخنا صالح الفوزان، فأجازه؛ لوجهين: 1 - قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]. 2 - حديث: «لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار». (¬2) والصواب: إذا طاف صلى في أي وقت؛ فالسنة هي الحق. - العقد يصح قبل التحلل الثاني وبعد الأول، ولا يبقى يحرم إلا الجماع.

وأنت راكبة»، قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي إلى جانب البيت، وهو يقرأ بـ: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1، 2] (¬1). 124 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي: أن أبا ماعز الأسلمي (عبد الله بن سفيان) أخبره: أنه كان جالسًا مع عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فجاءته امرأة تستفتيه، فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت، حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء؟ فقال عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي (¬2). 125 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن سعد بن أبي وقاص كان إذا دخل مكة مراهقًا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يطوف بعد أن يرجع. قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله (¬3). وسئل مالك: هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل؟ فقال: لا أحب ذلك له (¬4). قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر (¬5). ¬

(¬1) هذا طواف الوداع، في صباح الأربعاء، الرابع عشر؛ لأن حجته كانت بعرفة يوم الجمعة التاسع. (¬2) وهذا في حق من ليست حائضًا، من تصاب بها [أي: الدماء] وهي مستحاضة؛ لأن ظاهر الحال أنه أصابها ما هو على العادة. (¬3) إذا ضاق عليه الوقت وجاء مصيف [أي: متأخر] أخر الطواف، وإن أمكنه الطواف قبل طاف. (¬4) تركه أولى، لكن الكلمات اليسيرة أمرها سهل. (¬5) وأما الطهارة فلا تشترط للسعي، بل للطواف.

باب البدء بالصفا في السعي

باب البدء بالصفا في السعي 126 - حدثني يحيى، عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - حين خرج من المسجد، وهو يريد الصفا وهو يقول-: «نبدأ بما بدأ الله به»، فبدأ بالصفا (¬1). 127 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثًا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (¬2)، يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو. ويصنع على المروة مثل ذلك. 128 - وحدثني عن مالك، عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وهو على الصفا يدعو يقول اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم (¬3). باب جامع السعي 129 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قلت لعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ ¬

(¬1) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، ثم يبدأ. أول الآية؛ ولم يأت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل الآية. وكل إنسان يشرع له أن يقول: أبدأ لما بدأ الله به. (¬2) لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو ويدفع يديه، ثم يكرر ثلاثًا، فيكون التكبير تسعًا. (¬3) اللهم ارض عنه.

الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما، فقالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما؛ إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] (¬1). 130 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة: أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير، فخرجت تطوف بين الصفا والمروة في حج أو عمرة ماشية (¬2)، وكانت امرأة ثقيله، فجاءت حين انصرف الناس من العشاء، فلم تقض طوافها حتى ¬

(¬1) النبي طاف بهما، وقال: «خذوا عني مناسككم»، فدل على وجوب ذلك. سئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: عن تفطير الصائم وهو يطوف على تمرة؟ فقال: محل نظر؛ مشبه بالصلاة، ولا يأكل ولا يشرب في الصلاة، فالأحوط تركه. فقلت: اتصلت على شيخنا بالهاتف بتاريخ 17/ 11/1419 وذكرت له قول شيخ الإسلام في «المجموع» (26/ 198، 199) وفي «الموضع الآخر» (26/ 125) وفيه نقل الاتفاق. فقال - رحمه الله -: هذا عجيب من الشيخ (يعني شيخ الإسلام) - رحمه الله - يحتاج إلى تأمل فقلت: وهو نقل الاتفاق. فقال: لعلكم تراجعون المغنى والمجموع. فقلت: أأكتب فيه بحثًا؟ فقال: نعم اكتب. - رحمه الله -. وسئل الشيخ: عمن أكل وشرب؟ فقال: يعيد الطواف من أوله. (¬2) لابد من السعي، وإن أتى المرأة [يعني: الجماع] عليه: الهدي، وتكميل العمرة، وعمرة جديدة. وسألت الشيخ: عمن جامع بعد السعي في العمرة، هل تفسد عمرته؟ فقال الشيخ: نعم.

نودي بالأولى من الصبح، فقضت طوافها فيما بينها وبينه. وكان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب ينهاهم أشد النهي، فيعتلون بالمرض حياء منه، فيقول لنا فيما بيننا وبينه: لقد خاب هؤلاء وخسروا. قال مالك: من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة أنه يرجع فيسعى وإن كان قد أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي. وسئل مالك عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة فيقف معه يحدثه؟ فقال: لا، أحب له ذلك. قال مالك: ومن نسي من طوافه شيئًا أو شك فيه فلم يذكر إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة فإنه يقطع سعيه ثم يتم طوافه بالبيت على ما يستيقن ويركع ركعتي الطواف ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة (¬1). 131 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل من الصفا والمروة مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه. قال مالك في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت؟ قال: ليرجع فليطف بالبيت، ثم ليسع بين الصفا والمروة، وإن جهل ذلك حتى يخرج من مكة ويستبعد، فإنه يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، وإن كان ¬

(¬1) والشك الجديد بعد السعي أو بعد الطواف لا يضر.

باب صيام يوم عرفة

أصاب النساء: رجع فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة، ثم عليه عمرة أخرى، والهدي (¬1). باب صيام يوم عرفة 132 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن عمير (مولى عبد الله بن عباس)، عن أم الفضل بنت الحارث: أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشرب (¬2). 133 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه - كانت تصوم يوم عرفة. قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام، ثم تقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بشراب فتفطر (¬3). ¬

(¬1) هذا قول بعض أهل العلم، وقول الأكثرين. والصواب: جواز تقديم السعي؛ لكن لا يتعمد، فمن قدمه ساهيًا أو جاهلًا، فلا بأس؛ فقد روى أبو داوود -بسند صحيح-: «سعيت قبل أن أطوف»؟ قال: «افعل ولا حرج». قلت: هذا الخبر غير محفوظ كما بينا في شرح الحج من بلوغ المرام وغيره لكنه داخل في العموم «افعل ولا حرج». (¬2) السنة: أن يكون الواقف بعرفة مفطرًا؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. فسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: ولو كان شتاءً؟ فقال: ولو؛ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه. (¬3) وهذا منها اجتهاد، ظنت أنه لا بأس إذا لم تكن مشقة. والصواب: خلاف ما فعلته، ولعله لم يبلغها النهي. فقيل للشيخ: أليس حديث النهي ضعيفًا؟ فقال: لا؛ راجعنا طرقه، لا بأس به.

باب ما جاء في صيام أيام منى

باب ما جاء في صيام أيام منى 134 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي النضر (مولى عمر بن عبيد الله)، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام أيام منى. 135 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف يقول: إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله (¬1). 136 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الأضحى (¬2). 137 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي، عن أبي مرة (مولى أم هانئ أخت عقيل بن أبي طالب)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه أخبره: أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص فوجده يأكل، قال: فدعاني، قال: فقلت له: إني صائم، فقال: هذه الأيام التي نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهن، وأمرنا بفطرهن (¬3). قال مالك: هي أيام التشريق. ¬

(¬1) وهذا مرسل، لكن ثبت متصلًا: «بعث مناديًا ...»، إلا لمن لم يجد الهدي، كما في حديث ابن عمر وعائشة. (¬2) النهي عن صوم يوم العيد من الفطر والأضحى محل إجماع. (¬3) وهذا سند صحيح. فقلت للشيخ: يقع الصوم فاسدًا؟ فقال: نعم، باطل.

باب ما يجوز من الهدي

باب ما يجوز من الهدي 139 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال: «اركبها»، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة، فقال: «اركبها، ويلك» في الثانية أو الثالثة (¬1). 142 - وحدثني عن مالك، عن أبي جعفر القارئ: أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أهدى بدنتين، إحداهما بختية (¬2). باب العمل في الهدي حين يساق 147 - وحدثني مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: في الضحايا والبدن الثني فما فوقه (¬3). وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه، ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة (¬4). ¬

(¬1) والمعنى: لا بأس أن يركب الهدي ... في اللفظ الآخر: «إذا ألجئت إليها». (¬2) والأصل في هذا: إهداء النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسألت شيخنا: من أراد أن يضحى بثلاث ضحايا، هل يأخذ من شعره بعد ذبح الأولى؟ فقال: الأقرب: بعد ذبح الثلاث كلها؛ لقوله: «حتى يضحي». وسألته: يذبح الهدي في العمرة قبل عمرته أو بعدها؟ فقال: نعم، الأمر واسع. (¬3) لكن لا بأس بالجذع من الضأن، كما رخص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) إيصال الهدي إلى عرفة ما أعرف له أصلًا.

باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل

وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يقول لبنيه: يا بني لا يهدين أحدكم من البدن شيئًا يستحيي أن يهديه لكريمه؛ فإن الله أكرم الكرماء؛ وأحق من اختير له (¬1). باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل 148 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن صاحب هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها، ثم ألق قلادتها في دمها، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها» (¬2). 149 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: «من ساق بدنة تطوعًا فعطبت فنحرها ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها، فليس عليه شيء، وإن أكل منها أو أمر من يأكل منها غرمها» (¬3). 150 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: «من أهدى بدنة جزاء أو نذرًا أو هدي تمتع فأصيبت في الطريق فعليه البدل» (¬4). بدون - وحدثني عن مالك: أنه سمع أهل العلم يقولون: لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك (¬5). ¬

(¬1) يعني: اجتنبوا المعيبات. (¬2) لا يأكل منها شيئًا، هو ولا أهل رفقته. (¬3) يعني: هو ورفقته؛ سدًا للذريعة. (¬4) حتى يؤدي ما أوجب عليه؛ لأنه ما بلغ محله، والذي أصيب يذبحه في محله؛ ليؤكل. (¬5) إنما يأكل من التطوع. وما كان فدية محظور، أو لترك واجب فلا يأكل منه. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من دم التمتع.

باب هدي المحرم إذا أصاب أهله

باب هدي المحرم إذا أصاب أهله 152 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئًا. فقال سعيد: إن رجلًا وقع بامرأته، وهو محرم فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك، فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل، فقال سعيد بن المسيب: لينفذا لوجههما، فليتما حجهما الذي أفسداه، فإذا فرغا رجعا، فإن أدركهما حج قابل (¬1) فعليهما الحج والهدي، ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسداه، ويتفرقان حتى يقضيا حجهما (¬2). قال مالك: يهديان جميعًا بدنة بدنة. قال مالك: في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة: إنه يجب عليه الهدي وحج قابل، قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي (¬3)، وليس عليه حج قابل. قال مالك: والذي يفسد الحج أو العمرة حتى يجب عليه في ذلك الهدي في الحج أو العمرة التقاء الختانين (¬4) وإن لم يكن ماء دافق. ¬

(¬1) لو مات من أفسد حجه من قابل: إذا ترك مالًا يحج عنه. (¬2) يعني: إذا كان هذا قبل عرفة؛ قد أفسدا حجهما، وعليهما القضاء، سواء فريضة أم لا؛ لأنه وجب بالشروع، وهذا القضاء واجب مع القدرة. والتفريق إذا تيسر طيب؛ حتى لا يحصل بينهما شيء. (¬3) هذا قول بوجوب العمرة، ولكن ما هو بلازم، إذا كان قد اعتمر سابقًا، والهدي لا بد منه. (¬4) يعني: الجماع.

باب هدي من فاته الحج

قال: ويوجب ذلك أيضًا الماء الدافق إذا كان من مباشرة (¬1)، فأما رجل ذكر شيئًا حتى خرج منه ماء دافق فلا أرى عليه شيئًا (¬2). ولو أن رجلًا قبل امرأته ولم يكن من ذلك ماء دافق لم يكن عليه في القبلة إلا الهدي، وليس على المرأة التي يصيبها زوجها وهي محرمة مرارًا في الحج أو العمرة، وهي له في ذلك مطاوعة إلا الهدي وحج قابل إن أصابها في الحج، وإن كان أصابها في العمرة فإنما عليها قضاء العمرة التي أفسدت والهدي (¬3). باب هدي من فاته الحج 153 - حدثني يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني سليمان بن يسار: أن أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - خرج حاجا حتى إذا كان بالنازية (من طريق مكة) أضل رواحله، وإنه قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال عمر - رضي الله عنه -: «اصنع كما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلًا فاحجج، وأهد ما استيسر من الهدي» (¬4). 154 - وحدثني مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينحر هديه فقال: يا أمير المؤمنين، أخطأنا العدة، كنا ¬

(¬1) وبعضهم جعلها كفدية الأذى. (¬2) وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: شخص استمنى بعد التحلل الأول؟ فقال: يطعم ستة مساكين، أو ينسك شاة، أو يصوم ثلاثة أيام. وسئل: من جامع بعد التحلل الأول؟ فقال: عليه شاة. وسئل: من باشر وأنزل قبل التحلل الأول؟ فقال: يكفي شاة. (¬3) نعم. (¬4) هذا حكم الفوات. يتحلل بعمرة، وإذا تيسر الحج من قابل فعل، مع العمرة، والهدي ذبيحة واحدة.

باب هدي من أصاب أهله قبل أن يفيض

نرى أن هذا اليوم يوم عرفة، فقال عمر - رضي الله عنه -: اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا وارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال مالك: ومن قرن الحج والعمرة ثم فاته الحج فعليه أن يحج قابلًا ويقرن بين الحج والعمرة ويهدي هديين هديا لقرانه الحج مع العمرة وهديا لما فاته من الحج (¬1). باب هدي من أصاب أهله قبل أن يفيض 155 - حدثني يحيى، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -: أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة (¬2). 157 - وحدثني عن مالك: أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه -. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك. وسئل مالك عن رجل نسي الإفاضة حتى خرج من مكة ورجع إلى بلاده؟ فقال: أرى إن لم يكن أصاب النساء فليرجع فليفض، وإن كان أصاب النساء فليرجع، فليفض، ثم ليعتمر وليهد. ¬

(¬1) وظاره ما أفتى به عمر: أن الهدي يكون مع القضاء، وإن قدمه مع عمرته الحاضرة كفى، وقضاء الحج لمن فاته واجب مع القدرة. (¬2) من باب الاحتياط، ويكفيه شاة.

باب {ما استيسر من الهدي}

ولا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة وينحره بها، ولكن إن لم يكن ساقه معه من حيث اعتمر فليشتره بمكة، ثم ليخرجه إلى الحل فليسقه منه إلى مكة ثم ينحره بها (¬1). باب {مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} 1158 - وحدثني يحيى، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يقول: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]: شاة (¬2). 160 - وحدثني عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} بدنة أو بقرة (¬3). 161 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن (يقال لها رقية) أخبرته: أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة، قالت: فدخلت عمرة مكة يوم التروية، وأنا معها، فطافت بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم دخلت صفة المسجد، فقالت: أمعك مقصان؟ فقلت: لا، فقالت: فالتمسيه لي، فالتمسته حتى جاءت به، فأخذت من قرون رأسها، فلما كان يوم النحر ذبحت شاة (¬4). ¬

(¬1) ليس على هذا دليل، يكفيه أن يحره بمكة، يشتريه ويذبحه بمكة. وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: إلزامه بعمرة؟ فقال: ليس بظاهر. (¬2) أو سبع بدنة، أو سبع بقرة. (¬3) الصواب: شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة. (¬4) تصير متمتعة، يعني: حلت. وسئل الشيخ -رحمه الله تعالى-: من جامع في العمرة وهو متمتع؟ فقال: يقضي العمرة. وسئل الشيخ: لو ما استطاع؛ جاءه الحج؟ فقال: يحج، ويقضي العمرة بعد. قلت: وظاهر من شيخنا تصحيح الحج.

باب جامع الهدي

باب جامع الهدي 162 - حدثني يحيى، عن مالك، عن صدقة بن يسار المكي: أن رجلًا من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - وقد ضفر رأسه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني قدمت بعمرة مفردة، فقال له عبد الله بن عمر: لو كنت معك أو سألتني لأمرتك أن تقرن، فقال اليماني: قد كان ذلك، فقال عبد الله بن عمر: خذ ما تطاير من رأسك وأهد، فقالت امرأة من أهل العراق: ما هديه، يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: هديه، فقالت له: ما هديه؟ فقال عبد الله بن عمر: لو لم أجد إلا أن أذبح شاة لكان أحب إلى من أن أصوم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

§1/1