التنصير عبر الخدمات التفاعلية لشبكة المعلومات العالمية
محمد بن موسى المجممي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬1). أما بعد: فقد بعثَ الله خاتمَ أنبيائه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بآخِرِ رسالاته دينِ الإسلام الذي أكمله لعباده، وأتمَّ به عليهم النّعمة، ورضيه لهم ديناً، وفَرض اتِّباعه على الثّقلين سبيلاً أوحدَ للفوز في الدار الآخرة. وكانت آخرُ الرّسالات السّماوية قبله رسالةَ عيسى بن مريم - عليه السلام -. فدخل مَن كتب الله له منهم الهدايةَ في دين الإسلام، وأبى جلُّهم إلا الإعراضَ والتّكذيب، واختار بعضُهم مع ¬
ذلكَ الحربَ والمواجهة بشتّى الوسائلِ والطّرق. ولما ظهرت الوسائل الإعلاميّة، وكان لها ما كان من الأثر العظيم والميزات القويّة، قام النّصارى باستغلالها في نشر دينهم، ومحاربة الإسلام. وكان من آخر هذه الوسائل، ومن أكثرها تأثيراً وانتشاراً؛ شبكة المعلومات العالميّة، فلم يكن عجباً أن أولاها القومُ عنايةً واهتماماً. ومع ظهور الجيل الثاني لهذه الشّبكة -في حدود العام الهجري 1424 - تغير واقع الاتصال بين الخدمة والمستفيد إلى السمة التفاعليّة، فاتجه غالب مستخدمي الشّبكة إلى هذه الخدمات التفاعليّة، وأضحوا تحت تياراتها المؤثرة بغير اختيارهم. وقد استفاد المنصرون من هذه السمات التأثيريّة في عملهم الدّعوي، فنشأ عن ذلك جهدٌ تنصيري منظّم مدروس، تقف وراءه اتحادات وجمعيّات وكنائس ومؤسسات عاملةٌ مدعومةٌ بالأموال والعقول المفكرة والجهود البحثيّة والميدانيّة. وهكذا نشأت مشكلة البحث. ولما كان «من بعض حقوق اللهِ على عبدهِ ردُّ الطّاعنين على كتابه ورسوله ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسِّنان، والقلب والجَنان» (¬1)؛ رأيت أن أكتبَ في بيان واقع العمل التّنصيري من خلال الخدمات التّفاعليّة لهذه الشّبكة، تبصرةً لمن نظر فيه، وتعريفاً بالطرق المتبعة في الكيد للإسلام، ودحضاً لبعض الشّبه التي يكثر طرحها. وكان سببُ اختياري لهذا الموضوع الأمورَ التّالية: أولاً: تعاظُمَ الخطر التنصيري عبر شبكة المعلومات العالميّة بعد ظهور الخدمات التفاعليّة لهذه الشّبكة. ثانياً: ما تواجهه الأمة الإسلاميّة في الوقت الحاضر من حربٍ ضاريةٍ تستهدف زعزعةَ ¬
العقيدة في قلوب أبنائها، وغرسَ العقيدة النصرانيّة المحرفة عوضاً عنها، ونقلَ المسلمين وتحويلَهم إلى النصرانيّة إن تيسّر ذلك، أو إشغالَهم بما يشكِّكُهم في دينهم، ويزعزعُ يقينيّاتهم العقديّة. ثالثاً: الحاجةَ الماسّةَ لمعرفةِ الأساليب التي يتبعها المنصرون من خلال الخدمات التفاعليّة للشبكة، ورصدِ جهود المسلمين حيالها، للخروج بتوصيات نافعة بإذن الله. رابعاً: إضافةَ بحثٍ إلى منظومة الدراسات العلميّة التي طرقت التنصير عبر الوسائل الإعلاميّة والمعلوماتيّة؛ يخدم جانباً في هذا الباب. ويمكن إجمال أهداف البحث في الآتي: أولاً: بيانُ واقع العمل التنصيري على الشّبكة العالميّة باستخدام الخدمات التفاعليّة. ثانياً: إيضاحُ كيفيّة استغلال المنصرين لكل وسيلةٍ من هذه الوسائل التفاعليّة. ثالثاً: إيضاحُ أهمِّ الشبه التي يثيرها المنصرون في هذه الخدمات، والطرق المستخدمة في ذلك. رابعاً: بيانُ وتقييمُ الجهود التي يبذلها المسلمون في صدِّ هذه الهجمات التنصيريّة. ويقوم البحث على منهجِ تحليل المضمون (المحتوى)، وذلك بتتبعِ الجهود التنصيريّة عبر الخدمات التفاعليّة للشبكة باللغة العربيّة، واستقراءِ جوانب عملها، وتحليلِ جوانب أثرها على المتلقين، وعرضِ أهم الشبه المثارة، مع عرض وتقييم الجهد الإسلامي ومدى توافقه مع حجم الهجمة التنصيريّة، وصولاً إلى التوصية بأنجع السُّبُل –من وجهة نظر الباحث- لمواجهة العمل التنصيري عبر خدمات الشبكة التفاعليّة.
وقد وجدتُ من الدراسات السابقة ما درس العمل التنصيري القائم على استخدام الوسائل الإعلاميّة، ومن ذلك: - كتابٌ عُنوانه: "الإذاعات التّنصيريّة الموجهة إلى المسلمين العرب" لمؤلفه الدكتور كرم شلبي. صدر في عام 1412هـ، وخلص إلى أنّ المحطات الإذاعيّة تعمل ضمن خطّة منهجيّة واضحة لتنصير المسلمين، بتنسيق كامل مع مؤسسات وهيئات تنصيريّة تمدها بالبحوث والدراسات والتدريب. - بحثٌ عُنوانه: "دراسة لبعض المواقع التّنصيريّة العربية في الإنترنت دراسة وصفية"، وهو بحث للدكتور خالد بن عبدالله القاسم. كُتب قبل عام 1425هـ، وخلص إلى أنّ استفادة المنصرين من مواقع الشبكة في تزايد مستمر. - بحثٌ عُنوانه: "أبرز المواقع التّنصيريّة عبر شبكة المعلومات العالميّة الإنترنت دراسة تحليلة"، وهو رسالة ماجستير للباحثة "إنعام بنت محمد عقيل"، قدّم لنيل الدرجة من قسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة الملك سعود عام 1425/ 1426هـ. وخلص إلى بيان خطورة العمل التنصيري عبر مواقع الشبكة العالمية. - بحثٌ عُنوانه: "القنوات العربيّة التنصيريّة دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية"، وهو رسالة ماجستير للباحث "تركي بن خالد الظفيري"، قدّم لنيل الدرجة من قسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة الملك سعود عام 1425/ 1426هـ. وخلص إلى بيان الخطورة الكبيرة لهذه القنوات التي تستهدف المسلمين العرب. ولكون الدراستين القريبتين من موضوع البحث انصبتا على خدمة مواقع الشبكة، وهو ما يسمى بالجيل الأول للشبكة، وكانت الأخيرة منهما قبل ما يزيد عن ثمان سنين، وهي مدة طويلة جداً في عرف العالم التقني المعلوماتي، رأيت من الضروري الكتابةَ في مجال التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، لتكون إضافة مكملة لهذه المنظومة القيمة من الدراسات والبحوث.
وقد سرت في البحث على الخطة التالية: قسَّمت البحث إلى تمهيدٍ وثلاثةِ فُصولٍ وخاتمة: أما التمهيدُ فقد اشتمل على ثلاثةِ مباحث: - المبحث الأول في التعريف بالتنصير. - المبحث الثاني في التعريف بشبكة المعلومات العالميّة. - المبحث الثالث في بيان أدلة اهتمام المنصرين بالشّبكة. وأما الفصل الأول فقد خصص للحديث عن طرق التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، وقد احتوى على تمهيدٍ وخمسةِ مباحث، بيانها كالتّالي: - التمهيد في بيان اهتمام المنصرين بالخدمات التفاعليّة. - المبحث الأول في بيان التنصير عبر المنتديات الحواريَّة. - المبحث الثاني في بيان التنصير عبر المجموعات البريديّة. - المبحث الثالث في بيان التنصير بواسطة خِدمات المحادثة. - المبحث الرّابع في بيان التنصير عبر مواقع الشّبكات الاجتماعيّة. - المبحث الخامس في بيان التنصير عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة. وأما الفصل الثاني فقد خصص لدراسة أبرز شبه المنصرين عبر الخدمات التفاعليّة مع الردِّ عليها، وفيه تمهيدٌ وأربعةُ مباحثَ، بيانها كالتّالي: - التمهيدُ في بيان أنّ بث الشبهات هو أولى خطوات العمل التنصيري. - المبحث الأول في أبرز الشبه حول القرآن الكريم، والردِّ عليها. - المبحث الثاني في أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها. - المبحث الثالث في أبرز الشبه حول السنة النبويّة، والرد عليها. - المبحث الرّابع في أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي، والرد عليها.
ثم يجيء بعد ذلك الفصل الثالث؛ في بيان واقع مواجهة التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، وفيه تمهيدٌ وخمسةُ مباحثَ، بيانها كالتّالي: - التمهيد في بيان استفادة المسلمين من الشبكة العالمية في الذب عن الدين. - المبحث الأول في المواجهة باستخدام المنتديات الحواريّة. - المبحث الثاني في المواجهة عبر المجموعات البريديَّة. - المبحث الثالث في المواجهة عبر خدمات المحادثة. - المبحث الرابع في المواجهة عبر مواقع الشبكات الاجتماعيّة. - المبحث الخامس في المواجهة عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة. ثم تجيء خاتمة البحث مشتملةً على أهمِّ النتائج، وأبرز التوصيات. يعقب ذلك فهارسُ فنِّيَّة، وثبتٌ بالمصادر والمراجع، وفهرسٌ للموضوعات. هذا وقد كانت إجراءات البحث التي اتبعتها في إعداد رسالتي هذه ما يأتي: (1) حصرُ أشهر الخدمات التفاعليّة التي تتيحها الشبكة العالميّة مما يستعمله النصارى في عملهم الدّعوي. (2) اختيارُ خمس خدمات تفاعليّة، هي: المنتديات الحواريّة- المجموعات البريديّة- مواقع المحادثة- الشبكات الاجتماعيّة- مواقع مشاركة الملفات المرئيّة. (3) الدراسةُ الوصفيّة التحليليّة لكل خدمة على حدة، بعد الاطلاع على كثيرٍ من منافذها على الشبكة، مع التّركيز على النّماذج المختارة منها. (4) استخلاصُ أهم الشبه التي يثيرها المنصرون عبر الخدمات التفاعليّة، وذلك بالنّظر في الشبه الجديدة إن وجدت، ثمّ في الشبه التي يُكثر المنصرون تكرار طرحها، أو التي تحظى بتفاعل كبيرٍ من قِبَل المسلمين مناقشةً وردًّا. (5) الدراسةُ التحليليّة لهذه الشبه، من جهةِ المواردِ المستقاة منها، والطرقِ المعروضة
بها، وكيفيّاتِ التعاطي مع تفاعل المسلمين تجاهها. (6) الاعتمادُ في نقض الشبه على ما هو محل إيمان عند النصارى كالكتاب المقدس وغيره، ثمّ المناقشة العلميّة الموضوعيّة المعتمدة على الأدلة والبراهين العقليّة والنقليّة. (7) الجمع في فصل الرد على الشبه؛ بين مخاطبة شريحتين من مستخدمي الخدمات التفاعليّة. أولاها من المسلمين؛ بغية تزويدهم بقدر كاف من المعرفة بهذه المطاعن عرضاً وتفنيداً. والثانية من النّصارى؛ بغية إيضاح المناهج المتبعة في طرح هذه الطّعون، ومدى قربها أو بعدها من النّهج العلمي الموضوعي المنصف، ثمّ نقد هذه المثالب بالدليل العقلي أو النّقلي من الكتاب المقدّس، مع استخدام أسلوب المقارنة والمناظرة. (8) إعادةُ دراسة الخدمات التفاعليّة الخمس، من جهة استفادة المسلمين منها لمقاومة الجهد التنصيري. (9) استعراضُ الواقع الحالي لجهود المسلمين في مواجهة التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، مع تقييم الجهد المبذول، وإبراز النماذج المتميزة في جانب المواجهة. (10) إيرادُ الآيات القرآنيّة وفق الرّسم العثماني، من برنامج مصحف المدينة النبويّة للنشر الحاسوبي، الإصدار الأول. وقد حذفت علامة ترقيم الآية إذا كان النص المورَد آيةً واحدة، وأبقيتها إذا كان أكثر من ذلك. (11) عزوُ الآيات القرآنية إلى مواضعها من القرآن الكريم بذكر اسم السورة ورقم الآية. (12) تخريجُ الأحاديث النبويّة من كتب السّنّة، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بذكر ذلك، وإن لم يكن؛ ذكرتُ مرجعه من كتب السّنّة مع ذكر حكم أهل الفنّ عليه؛ خاصَّةً الشيخ الألبانيَّ، والغالبُ أن لا يخرج الحديثُ حينها عن السنن الأربعة. وأَسْبَقْتُ رقم الحديث بحرف الحاء. (13) التعريفُ في الحاشية بما رأيت مناسبة التعريف به من الفرق، والطوائف، والمنظّمات، ومعاني بعض الكلمات الغريبة. (14) الترجمةُ للأعلام عند أول موضع يرد فيه الاسم في البحث، مستثنياً المشتهرين
منهم كالأنبياء، والخلفاء الأربعة، وأصحاب المذاهب الفقهيّة، وشيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلميذه ابن القيم. (15) أخذُ نصوص الكتاب المقدس، من ترجمة الآباء اليسوعيين، الصادرة عن دار المشرق في بيروت، الطبعة الثالثة، لعام 1994م. وعند الحاجة لمقارنة النّصوص؛ استفدت من برنامج المصطفى الالكتروني (الإصدار الأول)، المشتمل على ست ترجمات أخرى. (16) أخذُ نصوص قاموس الكتاب المقدس من برنامج المصطفى المذكور، ومن موقع كنيسة الأنبا تكلا الحبشي بالاسكندريّة ( st-takla.org). (17) أخذُ النصوص المقتبسة من مجلة الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة من البرنامج الالكترونيِّ الصادرِ عن عمادة البحث العلميِّ بالجامعة، الإصدار الأوّل. (18) كتابةُ المصطلحات العلميّة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، مع التعريف بها. (19) الاكتفاءُ عند ذكر المرجع باسم الكتاب والمؤلّف ورقم الصفحة، اعتماداً على البيانات المفصلة في ثبت المراجع والمصادر. (20) الحرصُ على الدقة في وضع روابط المواقع التي أنقل عنها، والقيامُ بمراجعة ذلك بعد نهاية البحث، وتعديل ما تغير منها. (21) إيرادُ المصطلحات النصرانيّة كما هي عند أصحابها، مثلَ مصطلحِ الكتاب المقدس، ومصطلحاتِ مراتب رجال الكنيسة، وغيرِ ذلك. (22) قد يورد الباحث في هوامش البحث مراجع للاستزادة والفائدة؛ وإن لم يكن قد استفاد منها بشكل مباشر في صلب الرسالة. (23) عدمُ الالتزامِ ببيان حال الموقع الذي آخذُ منه، من جهة كون الوصول إليه متاحاً في السُّعوديَّة أو غيرَ متاح. (24) ذكرُ التاريخ الميلادي عندما يكون مصدر المعلومة محتوياً عليه، وعدم التزام النظر فيما يقابله بالتاريخ الهجري. (25) الاستفادةُ من المواقع الإنجليزيّة عند وجودِ الحاجة لذلك.
(26) تحديدُ تواريخِ دراسةِ منافذ الخدمات التفاعليّة في أوائل مباحثها، فيكون ما ذكر فيها من بيانات عرضةً للتغير بعد تلك التواريخ. هذا وقد كان في البحث صعوبات، لعلَّ من أبرزها: (1) قلةُ البحوث العلميّة والمؤلفات العربيّة التي كتبت عن الخدمات التفاعليّة للشبكة العالميّة، فضلاً عن التي طرقت الجهود التنصيريّة عبرها. (2) صعوبةُ إيجادِ وتطبيقِ منهجيّةِ بحثٍ محددة يُعالج من خلالها التنصير عبر الخدمات التفاعليّة. وإذا طُبق منهج على إحدى هذه الخدمات فقد لا يتيسر تطبيقه على الخدمات الأخرى. (3) التغيرُ السريع الذي يطرأ على محتويات الخدمات التفاعليّة، وروابطها، والإحصاءات الرّقميّة المتعلقة بها، خلال الدراسة أو بعدها بقليل. (4) كثرةُ محتويات الخدمات التفاعليَّة محلَّ الدِّراسة، وتداخلها وتكررها؛ الأمر الذي استلزم ضمَّ متفرقها تحت تصنيفات محدَّدة. (5) صعوبةُ التعامل مع كثرة الشبه المثارة في الخدمات التفاعليّة، لأجل الخروج بأبرزها. (6) الألمُ النّفسي من جرّاء الاطلاع على كم كبير من الموضوعات المتهجمة بالسب والشتم للمولى - جل جلاله -، وللمصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وللقرآن والسّنّة والتشريع الإسلامي. (7) عند الدخول لمنافذ الخدمات التفاعليّة يجد المسلم واجباً عليه أن يسجل في هذه المواقع للذب عن دين الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه الكريم، ولا سيّما مع كثرةِ الشّبه وقِلَّة المتصدِّين لها من المسلمين. وقد صرف هذا الأمرُ الجهدَ في أحايينَ؛ من البحث إلى الدّعوة والمنافحة، وليس في ذلك –بحمد الله- تضييع أو تفريط، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وبعدُ فإني أحمد الله تعالى وأشكره على ما مَنَّ به عليَّ مِن نعمٍ لا أحصيها، ولكنْ أسأله الإعانة على شكرها {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (¬1). ومن هذه النِّعم تيسر الدراسة في قسم الثقافة الإسلاميّة بكلية التربية، والتلقي عن الأساتذة والمشايخ الفضلاء فيه، فله الحمد والمنّة والفضل والنعمة والثناء الحسن. ثمَّ بعد حمد الله وشكره أسدي جزيل الشكر إلى والديّ الكريمين، عملاً بقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (¬2)، وليست أفضالهما عليّ محصورة فأستطيع ذكرها. ثم أتقدم بجزيل الشكر، وعظيم الامتنان، إلى المشرف على الرسالة، الدكتور عبدالله بن عمر العبدالكريم، على ما أسداه من توجيهات، وأجاب من تساؤلات، وبذل من وقته وعلمه، في رحابة صدر وحسن خلق وكريم تعامل. كما أشكر الشيخين الجليلين المناقشين؛ معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة، والدكتور محمد بن عبدالله السحيم، على ما خصصاه من وقت في سبيل سد خلل البحث، وتكميل نقصه، وتصحيح خطئه. والشكر موصول لكل من أسدى فائدةً أيًّا كان نوعها وحجمها، فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجزل لهم المثوبة والأجر أجمعين. وختاماً؛ فهذا جُهدُ المقلّ، وقوةُ الضعيف الذي لا يكاد يمضي حتى يَكِلّ، وما فيه من صوابٍ فمحضُ مِنّةِ اللهِ وفضلِه وتوفيقه، وما فيه من خطإٍ ونقصٍ فمن قصوري وضَعفي، والله المستعان. ”اللهم اجعل عملي كلَّه صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً“ (¬3). وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. ¬
التمهيد اهتمام المنصرين بوسيلة شبكة المعلومات العالمية
التَّمهيد اهتمام المنصِّرين بوسيلة شبكة المعلومات العالميّة وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأوّل: التَّعريف بالتَّنصير. المبحث الثّاني: التَّعريف بشبكة المعلومات العالميّة. المبحث الثّالث: أدِّلة اهتمام المنصِّرين بالشّبكة.
المبحث الأول: التعريف بالتنصير
المبحث الأول: التَّعريف بالتَّنصير هذا البحث يدرسُ وسيلةً من الوسائلِ التَّنصيريَّة، ولذا كان من المناسبِ في البدايةِ ذكرُ نبذةٍ تعريفيّةٍ عن التَّنصير كمدخل للدراسة. وسوف يكون الحديث هنا بشكل موجز مختصر، لأنَّ الموضوع قد خُدم بكتبٍ ورسائل علميّة -باللغة العربيّة- تناولته من جوانب مختلفة. ويمكن تصنيف هذه المؤلفات إلى أقسام؛ بيانها فيما يلي: 1) مؤلفات تناولت الموضوع بعمومه (¬1). 2) مؤلفات ركّزت على دراسة وسائل تنصيريَّة (¬2). 3) مؤلفات تحدثت عن المؤتمرات التَّنصيريَّة (¬3). 4) مؤلفات تتبعت الجهود التَّنصيريَّة في عموم البلاد الإسلاميّة، أو العربيّة (¬4)، أو ¬
الخليجيّة (¬1)، أو الإفريقيّة (¬2)، أو بلاد الشّام (¬3)، أو المغرب العربي (¬4). وهناك دراسات خصّت بالبحث بلداناً بعينها كفلسطين (¬5) وبنغلاديش (¬6) والكويت (¬7) والبحرين (¬8) وعُمان (¬9) والجزائر (¬10) وكوسوفا (¬11) والهند (¬12) وتركيا (¬13) وجبال النوبا (¬14) وموريشيوس (¬15). وسوف يتناول التَّعريف في هذا المبحث المطالب الثلاثة التّالية: ¬
المطلب الأول: تعريف مصطلحات: التنصير، التبشير، الكرازة
المطلب الأول: تعريف مصطلحات: التَّنصير، التَّبشير، الكرازة. عند الحديث عن هذا الموضوع نجد استخداماً لأحد هذه المصطلحات الثَّلاثة، وترجيحاً له على ما عداه. ولهذا كان من المناسب التَّعريف بهذه المصطلحات، وبيان أيها أقرب إلى حقيقة ما يقوم به الدّعاة إلى النَّصرانيَّة. أولاً: تعريف مصطلح التَّنصير لغةً: التّنصر: الدخول في النَّصرانيَّة، وتنصَّر الرَّجل: دخل في النَّصرانيَّة، ونَصَّره تنصيراً: جعله نصرانيًّا (¬1). ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) (¬2). اصطلاحاً: هناك تعريفات متعددة للتنصير، منها: التَّعريف الأول: تعريف الموسوعة الميسرة: "التَّنصير حركة دينية سياسية استعماريّة، بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة؛ بغية نشر النَّصرانيَّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصّة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب" (¬3). التَّعريف الثاني: تعريف الموسوعة العربيّة العالميّة: "مصطلحٌ يقصد به قيام مجموعة من النّصارى بنشر النَّصرانيَّة بين الناس في جميع أنحاء العالم بطريقة تنظيمية حتى يعتنقها الكثيرون ويرغبون عن دينهم الأصلي" (¬4). ¬
التَّعريف الثالث: تعريف الدكتور سلمان عبد المالك: "التَّنصير هو حركة غزو فكري تستهدف تحويل المسلمين في بعض الشعوب الإفريقية والآسيوية إلى النَّصرانيَّة، والوقوف في وجه انتشار الإسلام بين هذه الشّعوب" (¬1). ويلاحظ على التَّعريفات السّابقة أنّ فيها تضييقاً وحصراً في جانب ما: - فبعضها يحصر هدف التَّنصير في الجانب السياسي الاستعماري. وهذا غير مسَّلم لوجود من يدعو للتحول إلى النَّصرانيَّة ويكونُ باعثُهُ تنفيذَ وصية الكتاب المقدس الذي يؤمن به. وهناك من تكون لديه بواعث أخرى. - وبعضها يحصر الفئة المستهدفة بالعمل التَّنصيري في دول معينة. والواقع يشهد بأنَّ التَّنصير استهدف كل بلاد العالم ممن لا يدين بالنَّصرانيَّة بلا استثناء. والعمل الدّعوي موجودٌ داخل نطاق الدّيانة النّصرانيّة من طائفةٍ إلى أخرى، ولكنّ هذا غير داخلٌ فيما نعنيه بالتّنصير. - وبعضها يربط بداية العمل التَّنصيري بانتهاء الحروب الصليبيّة. وهذا لا يُسلَّم أيضاً لأنَّ الدّعوة للنّصرانيّة قديمة قدم الديانة نفسها، وإنّما الذي تغيّر هو شكل العمل التَّنصيري؛ من الاعتماد بشكل رئيسي على الاتصال الشخصي إلى التأكيد على الخدمات الإنسانيّة (¬2). ثمّ إنّ القول بانتهاء الحروب الصليبيّة فيه نظر. - وبعضها يُفهم منه أن التَّنصير لا بد أن يكون عملاً مؤسسيًّا مخططاً له، وهذا يُخرج التَّنصير الفردي الذي يقوم به شخص أو أكثر بصورة غير جماعيّة. وبعد استعراض التَّعريفات، والملاحظات عليها، يرى الباحث أن التَّعريف الأنسب؛ أن يقال: التَّنصير هو كل جُهْدٍ يُبذل لإدخال غير النصراني في النَّصرانيَّة. ثانياً: تعريف مصطلح التَّبشير لغةً: البشارة: الإخبار بالأمر السار، مأخوذة من أنَّ بشرة الإنسان تنبسط عند السُّرور. والبشرى والإبشار والتَّبشير ثلاث لغات. ¬
والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير، وإنما تكون بالشَّر إذا كانت مقيدة كما في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬1) (¬2)، ولعلها هنا من التبكيت (¬3). اصطلاحاً: جاء في قاموس الكتاب المقدس تعريف المبشر بأنه: "من يعظ ببشارة الخلاص، متنقلاً من مكان إلى آخر، لا يستقر في مكان مخصوص، إنما همه التجوّل؛ يعظ بالإنجيل ويؤسس الكنائس باسم المسيح" (¬4). ثالثاً: تعريف مصطلح الكرازة لغةً: لم أجد في معاجم اللغة ذكر لمصطلح الكِرازة، ولا التكريز؛ اللذين يستخدمهما النّصارى كثيراً. وبالرجوع لمادة (كَرَزَ) لا نجد من معانيها ما يتفق مع ما يقصده المنصِّرون بها؛ فالمعاني اللغوية لهذه المادة تدور حول الاختباء والتستر. قال ابن فارس (¬5): «الكاف والراء والزاء أصل صحيحٌ يدل على اختباءٍ وتستُّر ولِوَاذ، يقال: كارَزَ إلى المكان، إذا مال إليه واختبأ فيه» (¬6). والمكارَزَة: الميل إلى الشيء. وكارز في المكان إذا اختبأ فيه، ويقال كَرَزَ يَكْرُزُ كُرُوزاً فهو كارِزٌ إِذا استخفى في خَمَرٍ أَو غارٍ (¬7). اصطلاحاً: عرفت الكرازة في قاموس الكتاب المقدس بأنها "المناداة علناً بالإنجيل العالمَ غير المسيحي". وبأنها "التَّبشير العلني بعمل الله الفدائي بالمسيح يسوع". ¬
المطلب الثاني: أهداف التنصير
ويخبرنا القاموس أنَّ الفعل (كرز) مأخوذ من الكلمة اليونانيّة (???????)، وتُنطق (كريسُّو)، وتعني: يُعلن أو يُنادي أو يَهتف. وهو أكثر الأفعال استخداماً في العهد الجديد للدلالة على معنى التَّبشير، فقد استخدم نحو ستين مرة، بينما الفعل (بشر) ومشتقاته تكرر نحو خمسين مرة (¬1). وبعد استعراض تعريفات المصطلحات الثلاثة يرى الباحث أنّه عندما يتحدث المسلم عن النشاط الدّعوي من قبل المنصِّرين فإنّ استخدامه لمصطلح (التَّنصير) هو الأدق والأنسب والأصح من جهة المعنى اللغوي ومن جهة مطابقة الواقع، وقبل ذلك من جهة الشّرع كما في الحديث السّابق ذكره في تعريف التّنصير. وأمّا المصطلحان الآخران فلا يدلان على المعنى الذي يفهمه المسلم؛ لأن التَّبشير -بإطلاق- يكون بما فيه خير للمبشَّر؛ وليس في تحوله عن دينه خيرٌ له. ولأنَّ استخدام مصطلح الكرازة أو التّكريز غيرُ مستقيمٍ لغويًّا. وأمّا إن عبَّر النصراني بالتَّبشير أو الكرازة فلا مشاحة في ذلك؛ لأنّه يرى الخير والخلاص في اتباع دينه، ويرى أنّه يستخدم مصطلحين وردا في كتابه المقدس. المطلب الثاني: أهداف التَّنصير الدارسون للعمل التَّنصيري يذكرون مجموعة أسباب رئيسية دفعت المنصِّرين للقيام بدعوتهم، ولكنهم يختلفون في تحديد السبب المقدم منها على ما سواه. فمن الباحثين من يرى أنّ الدّوافع السياسيَّة والرغبة في استعمار البلدان والسيطرة على شعوبها وثرواتها هو الهدف الأسمى، وما عدا ذلك يكون ثانويًّا. ويستدل على ذلك بالواقع الإلحادي المادي للعالم الغربي إجمالاً، وبواقع الأفراد الذين مارسوا التَّنصير بنوازع شخصيّة يرافقها بُعْدٌ عن الأخلاق الحميدةِ واتصافٌ بالعَداءِ الظاهرِ للمسلمين؛ بل وللنَّصارى من ¬
أتباع الكنائس الأخرى (¬1). ومن الباحثين من يرى أنَّ الهدف الديني هو الأساس الباعث للجهود التَّنصيريَّة، ويستدل على ذلك باستقراء عمل بعض البعثات التَّنصيريَّة كالإرسالية الأمريكية التي عملت في الخليج قرابة أربع وثمانين سنة (من عام 1889م إلى عام 1973م) بقيادة صموئيل زويمر (¬2). فيرى أنَّ هذه الإرسالية كان هدفُها إدخالَ سكان الجزيرة العربية في النَّصرانيَّة (¬3). وهناك من يذكر الهدف الاقتصادي؛ بالتكسب من بيع الأناجيل ونحوها، أو العمل التجاري المعفى من الضرائب الجمركية (¬4). ومن الأهداف التي تذكر؛ الهدف الشخصي، حين يسعى المنصِّر إلى إثبات ذاته، والتعالي على أقرانه. ومنها السعي للحيلولة دون وصول الدعوة الإسلاميّة إلى النّصارى، أو إلى غيرهم من سائر الأمم، حتى يقف المد الإسلامي من جهة، وتزول العقبة الكبرى أمام تنصير بلدان كثيرة في القارة الإفريقية وغيرها (¬5). ويرى الباحث أنَّ للتنصير أهدافاً عدة، وأنَّ المقدَّمَ منها يعود إلى اعتبارات الزمانِ، والمكانِ، والقائمِ بالعمل التَّنصيري، والفئةِ المستهدفَة. ففي الحقبة التي تلت الحروب الصليبية، وهجمة احتلال البلاد الإسلاميّة (المسمّاة ¬
المطلب الثالث: وسائل التنصير
بالاستعمار) (¬1)، كان التَّنصير منصباً في الغالب لخدمة الجوانب السياسيّة والعسكريّة. وفي بعض الأماكن والبلدان يدفع المنصِّرَ إلى عمله حماستُه الدينية لإنقاذ المدعوين من دينونة الخطيئة، ومنحِهم البشارةَ والسعادة في الحياة وبعد الممات باتباع الإنجيل والدخول في مملكة الرب المخلص يسوع كما يعتقد. ويوجد مَن دفعته النّوازعُ الشخصيّة، أو الأطماعُ الدنيويّة إلى ممارسة العمل التّنصيري. وفي المجتمعات النَّصرانيَّة يكون الهدفُ تثبيتَ النصراني وتقويةَ إيمانه والحيلولةَ بينه وبين سماع رسالة الإسلام الحقّة النّقيّة من شوائب التحريف والتشويه، أو أي دعوة دينية أخرى. وهكذا في أوساط التجمعات النَّصرانيَّة داخل البلاد الإسلاميّة أو غيرها. وفي المجتمعات غير النَّصرانيَّة يهدف العمل التَّنصيري لوقف المد الإسلامي، ووقف انتشار أي دين آخر. وهذا التَّفصيلُ لا ينفي اجتماع أكثر من دافع، أو الاستفادة من العوامل الأخرى. المطلب الثالث: وسائل التَّنصير يقسم كثير من الباحثين الوسائل التَّنصيريَّة إلى مباشرة وغير مباشرة. ويعنون بالمباشرة، تلك المتمثلة في الدعوة الشخصية التي يقوم فيها المنصِّر بالتحدث مع من يستهدفه، ومحاولة إقناعه بالدخول في النَّصرانيَّة. ومن أشكالها -كذلك- إقامة المناظرات الدينيّة. ¬
وأما الوسائل غير المباشرة فهي ما يكون عبر التطبيب، أو التعليم، أو المطبوعات، أو الوسائل الإعلامية، أو الخدمات الاجتماعية، أو المؤتمرات والمراكز التَّنصيريَّة، أو غيرها (¬1). ويرى الباحث أنّ أهم الوسائل التي نُشِر التَّنصير عبرها هي خمس وسائل: الوسيلة الأولى: الخدمات الطبيّة حينما تذهب الإرسالية التَّنصيريَّة إلى بلد لا يوجد فيه طبيب واحد؛ لتعرض تقديم الخدمات الصحيّة؛ فإنّ حاجة النّاس ستجعلهم يتقبلون هذا الزائر ويتعاملون معه (¬2). وبهذا المدخل وجدت البعثات الطِّبيّة ترحيباً بها في أوساط المجتمعات الأخرى. ومع مرور الوقت تشكلت قناعة المنصِّرين بأنّ هذه الوسيلة يجب أنْ تُعطى الأولوية، وتكاثرت أقوالهم في تأييد هذا التّوجه، ولا سيَّما وهم يرون في ذلك سيراً على نهج المسيح - عليه السلام - وتلامذته من بعده، في تقديم العلاج للمرضى. ولهذا يقول صموئيل زويمر: "إنَّ جميع العاملين في ميدان التَّبشير في الجزيرة العربية متفقون على أن الطبيب القدير والجراح الماهر يحمل جوازاً يفتح الأبواب المغلقة" (¬3). وهكذا قام المنصرون بإنشاء المستشفيات، والمراكز الصحية الثابتة والمتنقلة، وتزويدها بالأطباء والممرضين والفنيين من الجنسين ممن تم تأهيله سلفاً للعمل التَّنصيري. ولهذا نجدهم في المؤتمرات يوصون بالتركيز على العمل الطبي (¬4). الوسيلة الثانية: الخدمات التعليميّة تؤكد أقوال كثير من المنصِّرين على أنَّ التعليم هو أحد أهم الوسائل التي استخدمت في ¬
التَّنصير، والتي يجب الاستمرار في تسخيرها لخدمة العمل التَّنصيري. يقول ميلر بروز (¬1): «لقد أدى البرهان إلى أنَّ التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان». ويقول منصِّر آخر: «إنَّ التعليم في مدارس الإرساليات المسيحية إنما هو واسطة إلى غاية فقط؛ هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح وتعليمهم حتى يصبحوا أفراداً مسيحيين وشعوباً مسيحيّة» (¬2). وهكذا انطلق المنصِّرون ينشؤون المدارس والمعاهد والكليات والجامعات (¬3)، ويبثون المعلمين المنصِّرين فيها، ويستقبلون الطلاب المبتعثين للدراسة في البلاد النَّصرانيَّة، ويحاولون الإسهام في صياغة مناهج التعليم في البلدان المستهدَفة بالتَّنصير، إلى غير ذلك من صور التَّنصير عبر الخدمات التعليمية. الوسيلة الثالثة: الوسائل الإعلاميّة قد يكون الإعلام اليوم هو السّلاح التَّنصيري الأول. ففي ظل طغيان العولمة الإعلاميّة ربما صار ممكناً الوصول إلى معظم النّاس عبر الإذاعة أو التلفاز أو الشبكة العالميّة. ولهذا فليس من المستغرب قيام العشرات من الهيئات والمنظمات النَّصرانيَّة في بلاد شتّى بإنشاء المحطات الإذاعيّة، والتخطيط لها، وتبادل الخبرات والاستشارات، وعقد المؤتمرات والندوات، والدورات التأهيليّة للكوادر العاملة في هذه المحطات، وإجراء البحوث والدراسات على المستمعين بغرض تقييم البرامج الإذاعية (¬4). ¬
وليس بغريب –كذلك- أن تكون هناك العديد من القنوات الفضائية التَّنصيريّة التي تبث باللغة العربيّة (¬1)، وبعضها يبث على أقمار صناعيّة عربيّة. وأمّا الجهد التَّنصيريّ عبر شبكة المعلومات العالميّة فهو كبير جدًّا، ولعل هذا البحث يُسهم في بيان شيء من جوانبه (¬2). الوسيلة الرابعة: المطبوعات أدرك المنصِّرون ما للكلمة المطبوعة من أثر في نفوس المدعوين يعمل على تغيير قناعاتهم وهز ثوابت عقائدهم. ولهذا سعوا في بث ترجمات كتابهم المقدس، وعملوا على طباعة الكتب الدينيّة والكتيبات والنشرات التعريفيّة والدّعويّة الموجّهة للمدعوين على اختلاف أعمارهم (¬3). وهكذا نجدهم في كل مكان يستهدفونه يهتمون بإقامة المكتبات، وتوزيع الأناجيل بأعداد كبيرة. وهم –كذلك- ينشئون قاعات للمطالعة في مؤسساتهم التَّنصيريَّة كالمستشفيات والمخيمات، ويسيرون المكتبات العائمة على متن السفن؛ كسفينة (لاغوس) التي ترسو أحياناً في مرافئ الخليج وتعلن عن معرض كتاب متنوع تباع فيه الأناجيل والمطبوعات التَّنصيريَّة بأسعار زهيدة (¬4). ومن طرقهم –كذلك- استئجار من يكتب مقالات في الصحف العربيّة، أو إنشاء صحف خاصّة بهم (¬5). ¬
ولهم اهتمام بالمجلات التَّنصيريَّة، ولعل أهمها مجلة العالم الإسلامي، التي لا تزال تصدر منذ قرابة مائة سنة. الوسيلة الخامسة: الخدمات الاجتماعيّة اهتم المنصِّرون كثيراً بهذه الوسيلة، وسخروها في تحقيق أهدافهم. فأنشؤوا المخيمات والمعسكرات وبيوت الطلبة وملاجئ الأطفال، وخصصوا بيوتاً للفتيات المطلقات والأرامل الصغيرات. وأقاموا الأندية الناشطة بالحفلات والمحاضرات وليالي السّمر. وهناك المطاعم ودور السينما وبيوت الرذيلة. ولهم اهتمام بالمشاريع الزراعية وتربية الدواجن ومخالطة مجتمع المزارعين. ولهم إسهام في المشروعات الصناعية، ومخالطة الحرفيين في مصانعهم. ولبعضهم توجه في تزويج النصرانيات من المسلمين بغية التأثير عليهم. إلى غير ذلك من صور الخدمات الاجتماعيّة (¬1). وبعد استعراض هذه الوسائل يجدر الإشارة إلى وجود غيرها، كالمؤتمرات التَّنصيريَّة التي تراجع آليات العمل التَّنصيري من حين لآخر. وكالمراكز المعنية بالدراسات والتدريب لخدمة هذا المجال. وكأسلوب صانعي الخيام الذي يتسلل من خلاله المنصِّرون تحت لباس المهن الطبيّة والتعليميّة والحرفيّة وغيرها (¬2). وكالأعمال الإغاثيّة التي تستغل في الدعوة للنصرانيّة في كثير من الأحيان. ولعل آخر الوسائل التي سخرت لخدمة العمل التَّنصيري هي شبكة المعلومات العالميّة. ولهذا يجيء هذا البحث لدراسة جوانب استخدام الخدمات التفاعليّة للشبكة من أجل نشر النَّصرانيَّة والدعوة إليها. ومن المناسب إيراد تعريف موجز بهذه الوسيلة، وذلك في المبحث التّالي. ¬
المبحث الثاني: التعريف بشبكة المعلومات العالمية
المبحث الثاني: التَّعريف بشبكة المعلومات العالميّة مفردة (الإنترنت) هي الاسم الشائع للشّبكة العالمية، وهي نقل حرفيّ للمصطلح الإنجليزي ( Internet) المشتق من كلمتين هما: ( International Network) ، ومعناها: الشّبكة العالميّة، أو الشّبكة الدّولية. تعرف الشبكة العالميّة بأنها شبكة عملاقة، تضم عشرات الألوف من الشبكات والحواسيب المرتبطة مع بعضها في عشرات الدول، مستخدمةً قوانين (برتوكولات) لتأمين الاتصالات الشبكية (¬1). وتعرف -كذلك- بأنها مجموعة من عشرات الآلاف أو أكثر من شبكات الحاسب الآلي، التي تتبادل المعلومات على أساس متفق عليه من الأنظمة والقوانين المنسقة فيما بينها، وبناءً على هذا التناسق يمكن لأي جهاز حاسب آلي متصل بالشبكة الاستفادة من أي جهاز حاسب آخر متصل بالشبكة في أي مكان من العالم (¬2). وهناك تعريفات أخرى غير ما ذكر. ويرى الباحث أنّ التَّعريف الأنسب أن يقال: الشّبكة العالميّة هي منظومة اتصال ومعلومات عالميّة، تربط كمًّا هائلاً من الشبكات والحاسبات، وتمكن كل مرتبط بها من الوصول للأجهزة الأخرى والاستفادة من محتوياتها التي وضعت للتشارك، والتواصل مع أصحابها بالنص والصوت والصورة. يعتبر العام الميلادي 1969 هو تاريخ ولادة الشبكة، وذلك حين أنشأت وكالة الأبحاث المتقدمة -الممولة من وزارة الدفاع الأمريكية- شبكة سمّتها (أربانت ARPANET) ، وذلك لربط أجهزة حاسب آلي في أربعة مواقع. ثم زاد عدد الشبكات المتصلة شيئاً فشيئاً، وتوسعت الشبكة، إلى أن جاء الحدث المهم والتطور الكبير في العام الميلادي 1991 حين أنشأت مؤسسة (سيرن CERN) مشروع ¬
الشبكة النسيجيّة العالميّة ( World Wide Web) التي يرمز لها اختصاراً بالرمز ( WWW). بعدها تضاعفت أعداد الشبكات، والحاسبات المتصلة، ومواقع الشبكة، والدول (¬1) والأشخاص المتصلين بالشبكة، والخدمات المتاحة. وللتمثيل على هذه الزيادات الكبيرة جداً فقد زاد عدد مواقع الشبكة من مائة وثلاثين موقعاً عام 1991م إلى ثمانمائة ألف موقعٍ عام 1998م ثم إلى ستة عشر مليون موقعٍ عام 1999م (¬2). وقد أصبحت الشبكة العالمية في الوقت الحاضر تقدم منظومة كبيرة من الخدمات المهمة. منها مواقع الشبكة (¬3) التي سبق ذكر نشأتها عام 1991م. ومن أهمها خدمة البريد الالكتروني (¬4). ومنها الخدمات التفاعليّة (¬5) كالمنتديات الحواريّة، والمجموعات البريديّة، والشبكات الاجتماعيّة، وخدمات المحادثة، ومواقع تشارك الملفات المرئيّة، والمدونات (¬6). ¬
ومنها ما يسمى بالحكومة الالكترونية (¬1)، والتجارة الالكترونية (¬2)، والتعليم الالكتروني (¬3)، والمكتبة الالكترونيّة، وغير ذلك من الخدمات. وللشبكة العالميّة فوائد كثيرة؛ يمكن حصر أهمها في خمسة أمور. الأول: الحصول على المعلومات في جميع التخصصات من مصادر متنوعة. الثاني: نشر المعلومات المتنوعة لتكون في متناول المتصلين بالشبكة من أي مكان في العالم. الثالث: إتمام الاتصالات الفرديّة والجماعيّة بأشكالها المتنوعة (المكتوبة والمسموعة والمرئية). الرابع: تبادل الملفات والوثائق والرسائل والبرامج الالكترونية بين الأفراد والمؤسسات. الخامس: توفير الجهد والمال والوقت في سبيل الحصول على المعلومة أو نشرها أو الاتصال بالآخرين (¬4). وفي مقابل هذه الفوائد هناك مضار ومخاطر كثيرة. فمنها الخطر على الأديان والمعتقدات، وهذا ما يواجهه المسلم فيما ينشر على الشبكة من الدعوة للإلحاد، أو الدعوة لاعتناق دين غير الإسلام، أو إثارة الشبهات والشكوك حول ¬
ما يتعلق بالإسلام (¬1). ومنها الخطر على الأفكار والثقافات، وذلك بإدخال القيم والسلوكيّات والأنماط والعادات الحياتيّة التي تفقد المسلم هويّته، وعزّته، وشعوره بالعلو لانتمائه لدينه القويم. ومنها الخطر على الأخلاق، وذلك بنشر المواد الإباحيّة التي تشيع الرذيلة والفاحشة والتجرد من القيم الأخلاقيّة (¬2). ومنها المخاطر على صحة الإنسان البدنيّة أو النفسيّة، وذلك حين يُعطي الإنسان جزءاً كبيراً من وقته لهذه الوسيلة، قد يوصله إلى حالة مرضيّة تعرف بإدمان الإنترنت. ومن المخاطر ما يستهدف ملفات أجهزة الحاسب الآلي بغية الاطلاع عليها، أو العبث بها بالتعديل أو المسح، أو استغلال ما فيها من بيانات، وهو ما يكون عن طريق نشر فيروسات الحاسب (¬3)، أو عن طريق اختراق الأنظمة والشبكات (¬4). ¬
وهناك مخاطر غير ما ذُكر (¬1). وقد أصبح للشبكة العالميّة أهمية كبرى لدى كثير من النّاس، وأصبحت مصدراً مهماً لتداول المعلومات، وتجاوز عدد المستخدمين لها ربع سكان المعمورة (¬2)، ولهذا فهي –قطعاً- أسرع وسائل الاتصال وصولاً إلى أكبر عدد من النّاس (¬3). وقد ساهم في ذلك قلة الكلفة الماديّة مقارنةً بغيرها، وتجاوزها الحدود الزّمانيّة (¬4) والمكانيّة (¬5)، وحتى اللغويّة عن طريق الترجمة الفوريّة للمواقع؛ التي تتيحها بعض محركات البحث بلا مقابل. وأسهم في ذلك –أيضاً- اتساع مساحة حريّة التعبير على الشبكة، وحريّة الحصول على المعلومة (¬6). ¬
المبحث الثالث: أدلة اهتمام المنصرين بالشبكة
المبحث الثالث: أدلَّة اهتمام المنصِّرين بالشبكة المطلب الأوّل: أسباب اهتمام المنصِّرين بالشبكة العالميّة في الدورة الأولى من البرنامج التدريبي للتنصير عبر الشبكة، الذي يقدمه اتحاد التَّنصير عبر الإنترنت، ذكر القائمون على البرنامج المبررات المسوّغة للاهتمام المتزايد بالشّبكة (¬1). ومن جملة ما ذكروا: أولاً: أنّ هناك العديد من المستخدمين للشبكة. وهذا السبب له أهميته فعلاً، فإنّ عدد مستخدمي الشبكة يقارب المليارين، بما يمثل 29% من عدد سكان العالم أجمع. وذلك بنسبة نمو تقارب 445% خلال السنوات العشر الأخيرة (من عام 2000 إلى 2010م) (¬2). ثانياً: أنّ هناك الكثير من النّاس ممّن يسعى للحصول على معلومات دينيّة أو روحيّة عن طريق الشبكة. وهؤلاء يمثلون رُبع مستخدمي الشبكة حسب إحصائيّة عام 2000م. وهم في أمريكا -وحدها- قرابة ثمانية وعشرين مليون شخص. ثالثاً: أنّ الشبكة تلغي عوائق الحدود الجغرافيّة، وتتيح الوصول إلى مناطق لا يمكن الوصول إليها عادة، وذلك كالدول التي تمنع دخول المنصِّرين. رابعاً: أنّ العروض التَّنصيريّة على الشبكة ستكون بشكل مستمر؛ متوفرة في كل يوم، وفي كل وقت، ويمكن الوصول إليها من كل مكان. خامساً: أنّ الشبكة تلغي عوائق التباعد الجغرافي المكاني، فقد يجتمع متحاورون من شتّى البلدان والقارات في غرفة واحدة من غرف الحوار. ¬
سادساً: أنّه يمكن استخدام الشبكة في حماية النّصارى أنفسهم من المخاطر العقديّة والأمنيّة وغيرها. سابعاً: أنّ الشبكة توفر للمنصرين الكتب التي يحتاجون قراءتها لتحسين أدائهم لمهمتهم في نشر الإنجيل. ثامناً: أنّ الشبكة توفر ما يسمى بالديمقراطيّة النقيّة، وذلك أنّ كل المستخدمين لها لديهم فرص متساوية في التعبير عن أنفسهم، وطرح ما لديهم، بِغَضَّ النظر عن اعتبارات الدين والجنس والعرق والثروة وغيرها. تاسعاً: أنّ الشبكة توفر المرونة الزّمانيّة، فهناك وسائل للاتصال المتزامن كغرف المحادثة مثلاً، وهناك وسائل للاتصال غير المتزامن كما في البريد الالكتروني والمجموعات البريديّة والمنتديات مثلاً. وهذه الأخيرة –أي وسائل الاتصال غير المتزامن- تتيح للمستخدم مساحة للتفكير وإعداد الرسالة التَّنصيريّة التي يود إيصالها. عاشراً: أنّ الشبكة توفر التعددية الاجتماعيّة، وذلك من خلال إمكان التواصل مع عدد كبير جداً من النّاس بسهولة كبيرة. وهذا السبب الذي ذكروه مهم جداً، فإنّ رسالة واحدة عبر المجموعة البريديّة تصل إلى ثلاثين ألف مشترك في لحظة واحدة (باعتبار أنَّ هذا هو عدد أعضاء هذه المجموعة البريديّة). وإنَّ عبارة موجزة ذات أثر؛ في غرفة محادثة؛ يقرؤها المئات من النّاس في نفس اللحظة. حادي عشر: أنّ الشبكة توفر إمكانيّة توصيل الرسالة التَّنصيريّة بشتّى اللغات. وهذه الميزة استفاد منها المنصِّرون كثيراً، فعلى سبيل المثال: - فيلم "آلام المسيح" يقدّم بألف لغة (¬1). ¬
- موقع الإجابات النَّصرانيَّة متاح باثنتين وأربعين لغة (¬1). - موقع راديو إذاعة الفاتيكان متاح بثمان وثلاثين لغة (¬2). - موقع إرسالية المسار القديم التَّنصيرية متاح بإحدى عشرة لغة (¬3). - موقع بابا الفاتيكان متاح بثمان لغات (¬4). ثاني عشر: أنّ أكثر من يستخدم الشبكة –حاليًّا- هم من جيل الشباب والمراهقين. وهؤلاء عندهم تطلع وانطلاق نحو المعرفة، ومن الممكن استغلال شغفهم هذا، والتأثير عليهم (¬5). هذه هي أهم الأسباب التي دفعت المنصِّرين للبحث عن سبل تسخير الشبكة لخدمة العمل التَّنصيري. وفي المطلبين التاليين بيانُ الأدلة القوليَّة والعمليَّة على اهتمام المنصرين بهذه الوسيلة، وبيانُ شيءٍ من جهودهم في سبيل استغلالها في العمل الدَّعويّ. ¬
المطلب الثاني: الأدلة القولية
المطلب الثّاني: الأدلَّة القوليَّة نظّم مجلس أساقفة إيطاليا في شهر إبريل من العام الميلادي 2010 مؤتمراً شارك فيه ألفٌ وثلاثمائةِ مشترك، وحاضر فيه خمسةٌ وعشرون خبيراً. كان عنوان المؤتمر: "شهود رقميون: وجوه ولغات في عصر تقاطع شبكات الاتصال"، وكان تركيزه على بيان أهمية الشبكة العالميّة في واقع النّاس اليوم، وكيفيّة الاستفادة منها في نشر الإنجيل. وفي ذات المؤتمر يقول البابا بنديكت السادس عشر (¬1): «فقط في ظل هذه الظروف؛ يصبح التحول التاريخي الذي نشهده غنياً ومليئاً بالفرص الجديدة. نحن نريد أن نمخر عباب البحر الرقمي من دون خوف، معتمدين على الملاحة غير المقيدة، وعلى الاندفاع الذي يدير دفة سفينة الكنيسة منذ ألفي سنة. إضافة إلى الموارد التقنية الضرورية؛ نريد أن نتميز بتواجدنا في هذا العالم بقلب مؤمن يسهم في إضفاء روح على تدفق الاتصالات الدائم على الشبكة». ثمّ يقول: «أحث جميع الخبراء في وسائل الإعلام على عدم الكلل من تغذية شغف الإنسان الذي يقرّب أكثر إلى اللغات التي يتكلمها وإلى وجهه الحقيقي. وستساعدكم في ذلك تنشئة لاهوتية قوية، ومحبة كبيرة لله يغذيها حوار مستمر مع الرب» (¬2). والبابا -نفسه- في خطابه للمشاركين في لقاء الجمعية العامة للمجلس الحبري للاتصالات الاجتماعية - الذي عقد في شهر مارس من العام 2007م-؛ يقول: «يعيش حقل الاتصالات الاجتماعية تغيرات سريعة. فبينما تسعى وسائل الإعلام المطبوعة جاهدة للاستمرار؛ تنمو وسائل أخرى كالراديو والتلفزيون والإنترنت على وتيرة مذهلة. وفي إطار العولمة، تتركز وسائل الإعلام الالكترونية هذه في يد عدد قليل من المؤسسات العالمية التي ¬
يتخطى تأثيرها حدود المجتمعات والثقافات». ثم يحدد رسالة الكنيسة تجاه هذه التأثيرات –التي لم يحدد نوعها؛ أهو عقدي أم أخلاقي سلوكي أم غير ذلك-؛ فيقول: «من ناحية أخرى، نلاحظ بسهولة أنّ القسم الأكبر مما يتم بثّه بأشكال مختلفة في بيوت ملايين العائلات في العالم هو مدمّر. من خلال توجيه نور المسيح على هذه الظلال، تولّد الكنيسة الرجاء. فلنعزز جهودنا من خلال تشجيع الجميع على وضع السراج على المنارة حيث تستطيع أن تنير جميع الذين في البيت، في المدرسة وفي المجتمع» (¬1). وفي المؤتمر العالمي للإعلام الكاثوليكي، الذي عقد في مدينة روما في شهر أكتوبر من العام 2010م تحت عنوان: "وسائل الإعلام الكاثوليكيّة في العصر الرّقمي"؛ يقول خيسوس كولينا (¬2): «عندما تنقل الكنيسة الشراكة عبر الإنترنت، أي بطريقة تفاعلية، تخلق الجماعة. وفي هذه الحال يتحول الإنترنت من فسحة افتراضية إلى مناسبة للقاء». ثمّ يقول: «إنّ إنتاج المضامين الصادرة مباشرة عن المستخدمين الأفراد، لاقى خلال السنوات الأخيرة نجاحاً كبيراً، مشيراً بذلك إلى مواقع ويكيبيديا، يوتيوب، فايسبوك، تويتر، غوغل نيوز، وغيرها من الخدمات، ولا بد للكنيسة من أن تتماشى مع العصر وأن لا يسبقها قطار التفاعل الرقمي» (¬3). وفي حوار مع المنَصِّر المصري زكريا بطرس (¬4)؛ ذكر أنّه كان يحلم بالذهاب إلى البلاد ¬
السعودية للتنصير، ولكنه منع من ذلك على الرغم من احتياطه لإخفاء شخصيّته الدّعويّة، وذلك بكتابة اسمه مجرداً عن الألقاب في جواز السفر، ووضع صورته من غير غطاء الرأس الكهنوتي. ولكن لما جاءت تقنية الشبكة استطاع الدخول إلى مكة والمدينة. ثم يقول: «هذه الوسيلة منحة من الرب يجب استغلالها» (¬1). ويقول المنصِّر روبي ريتشاردسون (¬2): «لقد نضجت شبكة الإنترنت كوسيلة اتصال، وهناك فرص كبيرة في جميع أنحاء العالم للاستفادة من هذه الوسيلة للبشارة» (¬3). وفي مقدمة أحد البرامج التدريبيّة للمنصِّرين على الشبكة نجد قولهم: «يجب استخدام التقدم التكنولوجي لنشر الإنجيل»، وقولهم: «لقد حان الوقت للمؤمنين لزيادة استفادتهم من إمكانات شبكة الإنترنت لأغراض التَّبشير العالمي» (¬4). هذه النقولات، وغيرها كثير، تبين أنّ المهتمين بالعمل التَّنصيري يدركون أهمية الشبكة العالميّة بوصفها واحدة من أهم الوسائل الإعلاميّة. ولهذا رأينا مناشدة بابا الفاتيكان كل من له خبرة بوسائل الإعلام أن يوصل رسالة الكنيسة من خلالها، ورأينا تركيزه على الوسائل الحديثة التي ذكر أنها في طريقها لإزاحة ما سبقها من وسائل، ثمّ تأكيده توجه الكنيسة للاستفادة القصوى السّبّاقة من فرص العصر الرّقمي. ¬
وهكذا باقي النقولات تأتي في هذا السّياق. ويمكن أن يكون قريباً من هذه الإشارات النّقليّة، بعض الجوانب التنظيميّة التي أصدرتها رئاسة الكنيسة الكاثوليكيّة في روما. فقبيل المجمع الفاتيكاني الثاني، أُنشئت لجنة بابوية خاصّة بالسينما والراديو والتلفزيون، ثم في عام 1959م جُعلت لجنةً دائمةً في الفاتيكان، وفي عام 1964م حُوّلت إلى لجنة حبريّة لوسائل الإعلام الاجتماعية؛ وأُضيف إلى دائرة صلاحياتها الإعلام المكتوب، وأخيراً في عام 1989م رُفعت إلى مصاف مجلس حبري لوسائل الإعلام الاجتماعية. ومنذ عام 1967م دَرج البابوات على إصدار رسائل حبريّة سنوية في مناسبة اليوم العالمي لوسائل الإعلام الاجتماعية (¬1). وهذا التدرج في ترقية درجة هذا التّنظيم، من لجنة عاديّة إلى لجنة دائمة، ثمّ إلى لجنة حبريّة، ثم إلى مجلس حبري، يدلُّ على تزايد الاهتمام بالوسيلة الإعلاميّة بشكل عام. وقريب من هذا الاهتمام ما قامت به مؤسسة التحالف العالمي الإنجيليّة ( World Evangelical Alliance)، وهي منظمة نصرانيّة كبرى، تضم مائةً وثمانياً وعشرين كنيسة في مختلف الدول، ومائةَ منظمة دوليّة، حيث قامت بإنشاء لجنة لتقنية المعلومات تُعنى بالاستفادة من معطيات تكنولوجيا المعلومات الحديثة لخدمة أهداف الكنيسة (¬2). إنّ كلّ هذا الاهتمام والتّنظيم له ما يبرره فعلاً. فإنّ الإعلام بعامّة، وشبكة المعلومات العالميّة بخاصّة، تملك من المقومات والإمكانات والتأثير؛ الشيءَ الكبير. وقد تقدَّمَ في المطلب السَّابق بيانُ شيءٍ من هذا. ¬
المطلب الثالث: الأدلة العملية
المطلب الثالث: الأدلة العمليَّة حوى المطلب السّابق بعضَ النُّقول عن المشتغلين بالتنصير تُعطي دلالةً على اهتمامهم بوسيلة الشَّبكة العالميّة. وفي هذا المطلب نستعرض بعض الخطوات العمليّة التي قام بها المنصرون، وهي تمثل مظاهرَ أخرى على عنايتهم واهتمامهم بهذه الوسيلة، ومن هذه المظاهر: المظهر الأول: إنشاء اتحاد التَّنصير عبر الإنترنت (¬1) لم يشأ المنصِّرون لجهودهم أن تبقى مبعثرةً يغلب عليها الطابع الاجتهادي الفردي، فقاموا في وقت مبكر -نسبيًّا- من انتشار استخدام الشبكة بين الناس؛ بإنشاء رباط يجمع العاملين في هذا المجال، وينسق جهودهم. ففي عام 1997م قامت الرابطة الوطنية الإنجيلية (¬2) ( National Association of Evangelicals) بإنشاء اتحادِ (أو رابطةِ، أو تحالفِ) التَّنصير عبر الإنترنت ( the Internet Evangelism Coalition) . يهدف هذا الاتحاد -كما نصّ عليه موقعه على الشّبكة- إلى تحفيز وتسريع الكرازة (التَّبشير) وفق هيئة عالميّة يتعاون الشركاء فيها لتحقيق هذه المهمة (¬3). ويضم الاتحاد لجنتين انتخابيتين: لجنة رئاسيّة مكونة من اثني عشر عضواً من الأساتذة والدكاترة والقسس. ولجنة عضويّة مكونة من أربعة وعشرين عضواً من الجمعيّات والمنظمات وروابط المتطوعين وكراسي البحث؛ ممّن يجمعهم التميز في خدمة العمل ¬
التَّنصيري من خلال الشبكة العالميّة. أنشئ هذا الاتحاد في عام 1997م –كما تقدم-، وبرعاية من مركز بيلي غراهام (¬1). وعقد في ذلك العام اجتماعاً حضره ثمانون ممثلاً عن الكنائس والجمعيّات المختلفة التي لها نشاط عبر الشبكة. وتم فيه تشكيل لجنة عمل، وصياغة لرسالة الاتحاد المتمثلة في هدفين. أولهما: تعزيز التَّنصير عبر الإنترنت بالتفكير الإستراتيجي الملهم وتنمية الموارد. وثانيهما: تشجيع الجهود التعاونيّة وربط الشركاء لإنجاز التَّنصير عبر الإنترنت وفق أصول العقيدة البروتستانتية. يعقد الاتحاد اجتماعاً سنويًّا لوضع الخطط والاستراتيجيّات للعمل التَّنصيري على الشّبكة، ويسمح بحضور من يدفع رسوم العضوية السنويّة (تتراوح من مائة دولار أمريكي إلى عشرة آلاف فأكثر)، ولكل مستوى عضويّة ميزات مختلفة. ويتيح الاتحاد عبر موقعه على الشبكة الاطلاع والاستفادة من العديد من إسهامات المشتركين في اجتماعه السنوي (على هيئة ملفات صوتيّة أو مرئية أو عروض تقديمية). يصدر الاتحاد نشرةً شهريّة تُرسل إلى عناوين البريد الالكتروني للمسجّلين في الخدمة. كما يوفّر خدمات التدريب المجانيّ المباشر عبر موقعه على الشبكة. ونختم التعريف بهذا الاتحاد بعرض عناوين بعض الأبحاث وأوراق العمل التي قدمت في مؤتمراته السّنويّة، أو في نشراته الشهريّة: - إنشاء المواقع الموجهة لمنكوبي كارثة تسونامي لتقديم الدعم الروحي والصلوات ¬
الإنجيلية وإجابة استفساراتهم الدينية، نشرة شهر يناير 2005م. - إنشاء واستخدام مقاهي الإنترنت في البلدان النّامية -حيث تكون ملكية جهاز حاسب بعيدة المنال- للتنصير، نشرة شهر مارس 2005م. - استخدام عروض الكرتون والفلاش لأجل التَّنصير، نشرة شهر مارس 2005م. - استخدام الكوميديا والدراما للتنصير عبر الإنترنت، نشرة شهر إبريل 2005م. - الاستراتيجيّات المناسبة على الإنترنت لتنصير الهندوس والبوذيين والمسلمين، نشرة شهر يوليو 2005م. - أكثر الوسائل فعاليّة للتنصير عبر الإنترنت، نشرة شهر يوليو 2005م. - كيف يمكن اختراق المجتمع الصيني وتنصيره باستخدام الإنترنت، نشرة شهر نوفمبر 2005م. - واقع التَّنصير اليوم عبر الشبكة، ديبرا بروان، مؤتمر 2006م. - حملة صليبيّة من أجل المسيح، آندي فيش، مؤتمر 2006م. - التواصل مع مجتمعك من خلال موقع كنيستك على الإنترنت، بيرفيز برنت، وَكام هول، مؤتمر 2007م. - إعادة التفكير في التَّنصير عبر الإنترنت، روبي ريتشاردسون، مؤتمر 2007م. المظهر الثاني: برامج تدريب المنصِّرين على الشبكة من جوانب استفادة المنصِّرين من الشبكة؛ إنشاء برامج تدريبيّة للمنصرين المهتمين بنشر الإنجيل عبر الشبكة. وغالب هذه البرامج مجاني، وبعضها برسوم يسيرة. وسنورد هنا مثالاً على كل من هذين النوعين. المثال الأول: البرنامج التدريبي الذي يقدمه اتحاد التَّنصير عبر الإنترنت (¬1) ¬
هذا البرنامج متاح بالمجان لكل من أراد التسجيل فيه، دون النظر حتى لانتمائه للنصرانيّة من عدمه، وإن كانوا ينصّون على أنّه وفق العقيدة الإنجيليّة، ويعتمد نسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس عندهم (¬1). وكان البرنامج يعطي شهادة لمن يتم الدورات التدريبيّة ثم رأى الاتحاد إيقاف ذلك. يتكون البرنامج من سبع دورات، في كل واحدة منها أربعة موضوعات. وفي آخر كل دورة أسئلة تقييمة يستطيع المتدرب من خلالها قياس فهمه لمحتوى الدورة، ولكن لا يشترط اجتياز التقييم لبدء الدورة التالية. يعرف البرنامجُ المتدربَ على الحاجة للتنصير عبر الشبكة، ويعرض له أهداف الكنيسة وسعيها لنشر الإنجيل، ثم يشرح له –بإسهاب- الطرق المثلى للتنصير عبر البريد الالكتروني ومواقع الشبكة والمنتديات وغرف المحادثة والمجموعات البريديّة. ويُقدَّم المحتوى على شكل نصوص أو ملفات مرئيّة. ويتطرق لموضوعات تنمي جوانب في شخصية المنصِّر، كالموضوعات الروحيّة، وكيفيّة فهم الشخصيات، وكيفيّة عرض الإنجيل للأطفال، وتوجيهات لأخلاقيّات العمل على الشبكة، وطرق تجنب سلبيات الشبكة كالتعرض لزعزعة العقائد أو إدمان الشبكة أو التعرض لمواد إباحيّة ونحو ذلك. المثال الثاني: برنامج معهد إرساليات الإنترنت (¬2) Cyber Messions هذا البرنامج التدريبي يختلف عن البرنامج السابق في أربعة أمور. الأول: اشتراط بلوغ المتدرب سن ثمان عشرة سنة فأكثر. الثاني: اشتراط دفع رسم قدره خمسة وعشرون دولاراً أمريكياً، وهو مبلغ رمزي، ولكنّ الغرض منه –كما ذكر الموقع- ضمانُ التزام المتقدم بإكمال البرنامج التدريبي. والثالث: أن تكون فترة الدورة ثلاثة أسابيع. والأمر ¬
الرابع: منح شهادة لمن يجتاز البرنامج بنجاح. محتوى البرنامج التدريبي يتكون من ثلاث مواد تشبه في صيغتها المواد الجامعية، وهي: 101 cybermissios, 102 cybermissions, 103 cybermissions. ، وتقدم كل مادة في أسبوع، وتحتوي على ستة موضوعات. ومن أبرز موضوعات هذا البرنامج: - من هم مستخدمو الإنترنت؟ وماذا يريدون؟ - مهارات التواصل عبر الإنترنت (المحادثة- القوائم البريديّة- الحوار .. ). - كيفيّة إدارة المجتمعات على الشبكة (المنتديات- الشبكات الاجتماعيّة .. ). - الكنيسة المحليّة والكنيسة الافتراضية. ويقصد بالكنيسة الافتراضيّة: التي تكون على الشبكة. المظهر الثالث: تخصيص يوم للتنصير عبر الشبكة انطلاقاً من عبارة "يوم الخلاص" في نص العهد القديم: (هكذا قال الرب: إستجبتُ لك في وقت الرضى، وأعنتكَ في يوم الخلاص، وجبلتكَ وجعلتكَ عهداً للشعب لتُنهض الأرضَ وتورِّثَ المواريث المدمِّرة) (¬1)؛ بادر اتحاد التَّنصير عبر الإنترنت بتخصيص يوم الأحد الأخير من شهر إبريل من كل عام يوماً للتنصير عبر الإنترنت (¬2). دفعَ الاتحادَ إلى هذا –كما ذُكر في صدر الصفحة الرئيسيّة لموقع اليوم على الشبكة- ثورةُ الاتصالات الرّقميّة التي حوّلت العالم في الأعوام الخمس عشرة الماضية إلى عالم رقمي؛ به قرابة ملياري مستخدم للشبكة، وثلاثة مليارات مستخدم للهاتف النقّال. رسالة هذا اليوم تتلخص في أمرين. الأول: حثّ الكنائس والأفراد وكل من له اهتمام بالعمل التَّنصيري؛ على التركيز في هذا اليوم على التَّنصير وفق الوسائل الحديثة. والثّاني: ¬
تكوين دليل مرجعي لكافة الأفكار والاستراتيجيّات المتعلقة بالتَّنصير عبر الإنترنت، وجعله متاحاً على الموقع في كل وقت. ولتحقيق الأمر الأول فإنّ موقع هذا اليوم على الشبكة يوفر للمهتمين كل الأدوات المعينة لقيامهم بهذه المهمة، من ملفات مرئية (فيديو)، ومواقع تفاعليّة على الشبكة، وعروض تقديميّة بتقنية الفلاش ( flash) أو البور بوينت ( Power Point)، والقصص المؤثرة والشهادات لمن اعتنق النَّصرانيَّة، والعروض المسرحيّة الدرامية القصيرة لعرضها على شاشة أمام الحضور، والمقطوعات الموسيقيّة، والمسابقات، والصور، والكتب، وأقراص CD و DVD، وشاشات التوقف للحاسبات، والدورات العلميّة، والعروض الحيّة لكيفيّة الدعوة من خلال غرف المحادثة، والملصقات والنشرات، وغير ذلك. ومن أراد تفعيل خدمته –أي دعوته للنصرانيّة- في هذا اليوم فما عليه سوى التواصل مع الموقع ليجد الدعم الفني والتقني والتدريبي. يقدم الموقع خدماته بتسع لغات، ويصدر نشرة دوريّة ترسل بالبريد الالكتروني لكل من يسجل عنوان بريده في خانة الخدمة. كما يقدّم الموقع دراسات ومقالات تتعلق بالإسلام والمسلمين، ومن موضوعاتها: الأسباب التي لأجلها يصعب تنصير المسلمين (¬1) - الطرق المثلى لفهم كيفيّة تفكير المسلمين لأجل اتخاذ طرق ناجعة لإقناعهم بالنَّصرانيَّة (¬2) - إطلاق جرس الإنذار من تزايد المدّ الإسلامي في البلاد النَّصرانيَّة كالمملكة المتحدة (¬3) - كيفيّة الرد على المسلمين الذين يهاجمون أصول المعتقدات النَّصرانيَّة (¬4). إلى غير ذلك من الموضوعات التي تتناول الإسلام والمسلمين. وهكذا نجد أنّ الجهد التَّنصيري من خلال هذا الموقع ضخم جداً؛ إذ يوفر الموارد الكثيرة والمتنوعة بهيئة جاهزة للعرض. ¬
ويلمس المطلع على هذه الموارد درجة الإتقان والتخصصيّة العالية فيها، كما يدرك نشاط القائمين على الموقع في تحديث المحتويات باستمرار. المظهر الرّابع: إقامة المؤتمرات المخصصّة للتنصير عبر الشّبكة في عام واحد؛ هو العام الميلادي 2010، هناك تخطيط وتنظيم لإقامة عدة مؤتمرات لمناقشة آليات العمل التَّنصيري الذي يؤدى من خلال الشبكة العالمية (¬1). ونذكر من هذه المؤتمرات على سبيل التّمثيل: أولاً: المؤتمر المسيحي للإعلام الجديد. يقام في لندن، في شهر أكتوبر، وهو مؤتمر سنوي ابتدأ عقده من العام الميلادي 2007. ومن الموضوعات التي يناقشها: الكنيسة وشبكة الإعلام- مسائل العقيدة في وسائل الإعلام الجديدة- مستقبل الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة- كيفية الاستفادة القصوى من البريد الالكتروني ومواقع الإنترنت والشبكات الاجتماعيّة على الإنترنت- كيفيّة الوصول لفئة الشباب من خلال هذه الوسائل (¬2). ثانياً: مؤتمر وسائل الإعلام على الإنترنت. يقام في شهر نوفمبر، في ولاية نورث كارولينا الأمريكيّة. ومن الموضوعات التي يناقشها: كنيستك ووسائل الإعلام الاجتماعيّة- كيف تشكل رسالتك عبر وسائل الإعلام الاجتماعيّة- قياس نجاح وسائل الإعلام الاجتماعيّة (¬3). ثالثاً: مؤتمر حكومة الإنترنت ( Internet Ministry Conference). يقام في شهر أكتوبر، في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الموضوعات التي يناقشها: تفعيل وسائل الإعلام الاجتماعيّة الجديدة- التربية والتعليم والتلمذة على الإنترنت- أدوات دراسة الكتاب المقدس على الإنترنت- مستقبل الإنترنت: 2011 وما بعدها- كيفيّة تفعيل ¬
البريد الالكتروني (¬1). هذه أمثلة على بعض المؤتمرات التي وقف الباحث على التخطيط لإقامتها في عام واحد. وهناك مؤتمرات أخرى مقرّرٌ إقامتها. منها مؤتمر الإنترنت النصراني الأوروبي السادس عشر؛ وقد خطط لعقده في ألمانيا، منتصف شهر يناير 2011م. وهو مؤتمر يتبع تحالف الكنائس اللوثريَّة، ويُعنى بالتَّنصير عبر الإنترنت. وهناك المؤتمر السّنوي الذي تقيمه رابطة من التقنيين وعلماء الإنجيل والعاملين في مجال الاتصالات، يُرمز لها باسم ( GIEN). تأسست هذه الرابطة في العام الميلادي 2004 بهدف تعزيز رسالة الكنيسة من خلال الاستخدام المبتكر لتكنولوجيا الإنترنت المعاصرة؛ كما ينصُّ عليه موقع الرّابطة على الشبكة. وفي سبيل تحقيق هذه الرسالة تمنح الرابطة جائزةً سنويّةً للكنائس والمؤسسات المتميزة في العمل التَّنصيري من خلال الشبكة (¬2). المظهر الخامس: قوة المحتوى التَّنصيري على الشبكة لا يجد المطّلع على الشبكة العالميّة تردداً في الجزم بقوة المحتوى النصراني فيها بشتى اللغات كمًّا وكيفاً. وللتمثيل على الكم العددي لهذه المواقع باللغة العربية؛ فإنّ "دليل المواقع العربيّة المسيحية" (¬3) فيه ما يزيد عن ستمائة وستين موقعاً. ومثله "دليل المواقع القبطيّة العربيّة" (¬4) فيه أكثر من أربعمائة موقع. ¬
وأمّا اللغات الأخرى فيضم بعضها أضعافاً مضاعفة لهذه الأعداد. فعلى سبيل المثال؛ باللغة الإنجليزيّة، يضم دليل "موقع ياهو" ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف موقع تحت تصنيف"الديانة النَّصرانيَّة" (¬1). وهناك "دليل الوصلات المضيئة" ( Light Links)، ويضم ألفي موقع ديني (¬2)، و"دليل المواقع النَّصرانيَّة" ويحوي مئات المواقع (¬3). وهناك موقع يتميز بقوة طرحه؛ هو "شبكة مواقع الكنيسة"، ويضم تحالفاً من قرابة أربعين موقعاً متميّزاً (¬4). وللتمثيل على المواقع الفرنسيّة؛ فإنّ "بوابة المواقع النَّصرانيَّة الفرنسيّة" تحتوي على أكثر من ألفي موقع (¬5). وأمّا من ناحية المحتوى فإنّ هذه المواقع تتّسم -في الغالب- بجمال التصميم، وغزارة المحتوى، والتركيز على استخدام الوسائط المتعددة كالأناشيد الدينيّة والملفات المرئيّة والسمعية، وتعدد اللغات، وتعدد الفئات المستهدفة من رجال ونساء وأطفال، والتركيز على الجوانب العاطفيّة، والإكثار من قصص المتحولين للنصرانيّة أو من وجدوا السعادة وتفريج الكربات بقوة تمسكهم بالإنجيل –كما تذكر هذه المواقع-، واستخدام طرق من الحيل والأكاذيب والغرائب. وهناك تركيز على الخدمات التفاعليّة للشبكة (¬6). إلى غير ذلك من السّمات التّي هي في مجملها نواحي قوة لهذه المواقع. ¬
المظهر السادس: تسخير الشبكة لخدمة الوسائل التَّنصيريّة الأخرى الوسائل التَّنصيريّة التي استفاد منها المنصرون لسنوات عديدة جداً؛ كل واحدة منها تكاد تكون محصورة في ذاتها إلا وسيلة الشبكة. فالمطبوعات تؤدي رسالتها إذا قرأها الشخص، والإذاعة إذا استمع إليها، والقنوات الفضائيّة إذا شاهدها من استهدف بالتَّنصير، والأنشطة التعليميّة والاجتماعيّة محصورة فيمن يشارك فيها. وأمّا الشبكة العالميّة فقد جمعت كُلّ هذه الوسائل تحت مظلتها. ولهذا واصل المنصرون جهودهم عبر المطبوعات من خلال الشبكة، فنشروا كتابهم المقدس، والمجلات والكتب والنشرات الدينيّة. وما أكثر الكتب الدينيّة التي تزخر بها مواقعهم على الشّبكة بشتى اللغات! (¬1) وأمّا الأنشطة التعليميّة فقد وجدت الميدان الرّحب المفتوح، فأنشأتِ المدارسُ والمعاهدُ والكليّاتُ والجامعاتُ مواقعَ لها تنشر من خلالها رسالتها، وتتواصل مع طلابها، وتنفذ برامج التعليم عن بعد، لتصل إلى مجموعات من الدارسين لم تكن لتصل إليهم بطريقتها القديمة التقليدية؛ مبنى في بقعة جغرافيّة يفد إليه الدارسون. وظهرت هناك مواقع تعليم الكتاب المقدس والعقيدة النَّصرانيَّة من خلال الشبكة، وغالبها بلا مقابل مادي (¬2). وواصل المنصرون عملهم عبر الإذاعة من خلال الشبكة، فأنشؤوا مواقع لمحطاتهم الإذاعيّة، تنشر البث الإذاعي الحي، وتعرف بالبرامج وأوقات بثها وطرق التواصل مع إدارة المحطات (¬3). ¬
وهكذا الحال مع القنوات الفضائيّة التي أنشأت لها مواقع إلكترونيّة تتيح من خلالها المشاهدة الحيّة أو المسجلة للبرامج، وتعرف ببرامجها وأوقات عرضها وتتواصل مع مشاهدي القناة (¬1). والمؤتمرات التَّنصيريّة وجدت في الشبكة فرصاً لتبادل الأبحاث وأوراق العمل، والتواصل مع المشاركين في المؤتمر قبل عقده بسنوات، وذلك لضمان التحضير القوي الذي يُنتج من القرارات ما يخدم العمل التَّنصيري. وهذا ما نجده مثلاً في الموقع الالكتروني للقاء الذي عقد في عام 2004م للتحضير لمؤتمر لوزان الثالث المقرر عقده في جنوب إفريقيا عام 2010م (¬2)، حيث يطرح قرابة خمس وستين ورقة عمل ويطلب إبداء الملاحظات عليها. ومثال آخر لخدمة المؤتمرات، الموقع الالكتروني لمؤتمر نيوزيلندا، المقرر عقده آخر شهر فبراير من العام الميلادي 2010، حيث نجد عرضاً لموضوعات النقاش، وإتاحة للتسجيل من خلال الشبكة، وبريداً إلكترونيًّا للتواصل مع المنظمين، إلى غير ذلك ممّا يعَرِّف بالمؤتمر وأهدافه وفعالياته (¬3). ولعل من العسير استقصاء جوانب اهتمام المنصِّرين بهذه الوسيلة التقنية الحديثة. وكل ما ذكر في هذا المبحث مجرد إضاءات على الموضوع، وأمثلة تقرب الصورة. والحقُّ أنّ الاهتمام الذي يوليه النّصارى لخدمة دينهم من خلال الشبكة هو أمر ملحوظ، وله تميزه من عدة جوانب. من أهمها الجانب التنظيمي المؤسسي، المبني على العمل الجماعي المخطط له وفق رؤية ¬
ورسالة محددة، بعيداً عن الجهود الفرديّة التي يصحبها –غالباً- الضعف والفتور والتعارض والتكرار. ومن هذه الجوانب دراسة الفئة المستهدفة، ومعاملتها بما يغلب على الظن فعاليته معها. ومنها تنوع الوسائل وكثرتها، وصرف الأوقات والأموال والجهود الكبيرة، واستنهاض الهمم وإشعال العواطف. وسوف تتضح هذه الأمور عند دراسة الجهد التنصيري من خلال خمس من الخدمات التفاعليَّة للشَّبكة، وهو ما سيوضحه الفصل التّالي من البحث.
الفصل الأول طرق التنصير عبر الخدمات التفاعلية
الفصل الأول طرق التّنصير عبر الخدمات التّفاعليّة وفيه تمهيدٌ وخمسةُ مباحث. تمهيد: اهتمامُ المنصرين بالخدمات التّفاعليّة. المبحثُ الأول: التّنصيرُ عبر المنتديات الحواريّة. المبحثُ الثاني: التّنصيرُ عبر المجموعات البريديّة. المبحثُ الثالث: التّنصيرُ بواسطة خِدمات المحادثة. المبحثُ الرابع: التّنصيرُ عبر مواقع الشّبكات الاجتماعيّة. المبحثُ الخامس: التّنصيرُ عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيَّة.
التمهيد: اهتمام المنصرين بالخدمات التفاعلية
التمهيد: اهتمام المنصِّرين بالخدمات التّفاعليّة تبيّنَ لنا في المبحث الثالث من التمهيد الرئيسي للرسالة الاهتمامُ الكبير الذي يُبديه المنصرونَ تجاه الشبكة العالميّة بصورة عامّة، وتظافرُ أقوالهم النَّاطقة بذلك، وتعددُ أفعالهم المترجمة لهذا الاهتمام. ولما كانت الخدمات التّفاعليّة مِن أهمِّ ما تُتيحه الشبكة للمستخدمين -وهي محلُّ البحث- كان من اللازم التَّعريفُ بها، وبيانُ أسبابِ اهتمام المنصرين بها، ودلائلُ ذلك ممّا نُقِل من أقوالهم، وعُرِف من أفعالهم. وبيان ذلك في المطالب التّالية: المطلب الأول: التَّعريف بالخدمات التّفاعليّة لم أجد خلال بحثي في كتب مصطلحات الحاسب والشبكة مصطلحاً محدداً بهذه المفردات، وإنما أَوْرَدْتُهُ اجتهاداً للتفريق في وصف واقع جيلين من أجيال الشبكة. فالجيلُ الثاني للشبكة، الذي يطلق عليه -بالإنجليزيّة- مصطلح ( Web 2) ، كان أهمَّ سماته؛ تغيرُ واقع الاتصال بين الخدمة والمستفيد. فإذا كانت السِّمة الطاغية قبل نشوء هذا المصطلح هي اتجاه المعلومة من الخدمة إلى المستفيد اتجاهاً أحادياً كما في مواقع الشبكة في تلك الفترة؛ فإنّ الاتصال بعد ذلك أصبح بين الخدمة والمستفيد في اتجاهين معاً، فأصبح الشخصُ مُرسِلاً ومُستقبِلاً في ذات الوقت (¬1). وللوصول إلى تعريف هذا المصطلح فإنَّنا نعرفه باعتبار جزأيه فنقول: الخِدْمات: جمع خِدمة. وهي في اللغة مصدرٌ من الفعل خَدَمَ. وأصل الخدمة الإطافةُ بالشيء، ومنه سمي الخلخال خَدَمَةً لإحاطته بالرِّجل، ثم كثر ذلك حتى سمي الاشتغال بما يَصلح به شأن المخدومِ؛ خِدْمةً. وقيل إنّ خدمة بالفتح مصدر، ¬
وبالكسر اسم (¬1). ولم أجد في المعاجم اللغوية القديمة أنّ كلمة خِدْمة تجمع على خِدْمَات، إلا أنّ صاحبَ "صبح الأعشى" أورد هذه الكلمة مضبوطةً فقال: «وأمراءُ الجيوش فَهُمُ السورُ الواقي بين يدي كل سور .. وما منهم إلا له خِدْمات سَلَفت، وحقوقٌ عُرفت» (¬2). وأمّا المعاجم الحديثة ففيها التّصريح بهذا الجمع. ولذا يرى صاحب "معجم الصّواب اللغوي" بأنّ جمع خِدْمة على "خِدْمات" فصيح، وعلى "خِدَمات" أو "خِدِمات" فصيحٌ مهمل، وعلى "خَدَمات" غير صحيح، معللاً ذلك بقوله: «عند جمع "فِعْلة" صحيحة العين واللام جمعَ مؤنث سالم، فإنّ فاءَها لا يتغيرُ ضبطُها، أمّا عينها فتبقى ساكنةً كما هي، ويجوز فيها الفتح والإتْباع لحركة الفاء» (¬3). وفي ضوء ما سبق؛ يمكن أن تُعرّف الخِدْماتِ بأنّها الوسائل والطُّرق التي تُقضى بها حاجاتُ المخدوم -وهو هنا مستخدم الشّبكة- بما يُصْلِحُ شأنَه ويحققُ مصالِحَه. وأمّا التّفاعليّة: فهي في اللغة نسبة إلى التفاعُل. والتفاعل في الميزان الصرفي مصدرٌ يُصاغ بزيادة تاءٍ في أول الفعل، وألفٍ بين فاء الفعل وعينه (¬4). ويجوز في كل شيء يشترك فيه فاعلان، نحو تخاصموا وتطاعنوا (¬5). وأمّا في الاصطلاح فهي سمة مميزة للاتصال الشخصي من خلال وجود رجع صدى فوري. وهي سمةٌ أساسية في الشبكة العالمية تميزها عن غيرها من وسائل الاتصال، وذلك من ¬
المطلب الثاني: أسباب اهتمام المنصرين بالخدمات التفاعلية
خلال بعض أدواتها الاتصالية كغرف المحادثة، والمنتديات، وغيرها (¬1). وقد عُرِّفت التّفاعليّة بتعريفات عدّة؛ خلاصتها: أنها سمة لاتصال تبادلي ذي اتجاهين بين المرسِل والمستقبِل بشكل تزامني أو غير تزامني. وعليه؛ فللتفاعليّة شكلان. شكلٌ تزامنيٌّ يكون الإرسال والاستقبال فيه في الوقت نفسه، كما في مواقع المحادثة، سواءً كانت كتابيّة أو صوتيّة أو مرئيّة. وشكل غير تزامنيٍّ يتأخر الإرسال فيه عن الاستقبال، كما في المنتديات الحواريّة. وفي الاتصال غير التزامني يمكن للفرد أنْ يُعدِّل ويراجعَ الرسالةَ الاتصاليّة أكثر من مرة قبل إرسالها إلى الطرف الآخر، حتى تصل بالشكل والمعنى الذي يرغبه. وهذه الميزة لا توجد في الاتصال الشّخصي (¬2). وبعد تعريف شِقَّي مصطلح "الخدمات التّفاعليّة" كلٌّ على حدة، يمكن أنْ تُعرَّف الخدمات التّفاعليّة للشبكة العالميّة بأنَّها: أدواتُ الشبكة العالميّة التي تتيح اتصالاً تبادليًّا، ذا اتجاهين بين المرسِل والمستقبِل، بشكل تزامنيٍّ أو غير تزامني. المطلب الثاني: أسباب اهتمام المنصِّرين بالخدمات التّفاعليّة سبق في المبحث الثالث من التمهيد الرئيسي للرسالة بيان أسباب اهتمام المنصِّرين بوسيلة الشبكة العالمية. وما ذكر هناك من أسباب، هو داخل في هذا المطلب، لأنَّ الخدمات التّفاعليّة جزءٌ من أدوات الشبكة، غير أنّ هناك ما تختص به هذه الخدمات دون غيرها. ومن ذلك: أولاً: أنَّ جُلَّ اهتمام غالبية مستخدمي الشبكة مُنْصَبٌّ على الخدمات التّفاعليّة. يظهر ذلك باستعراض ترتيب المواقع التي يفوق الدخول إليها باقي المواقع. فباستعراض ¬
هذا الترتيب (¬1)، نجد نصف المراكز العشرة الأولى لمواقعَ خدمات تفاعليّة، والباقي لمحركات بحث. فالمركزان الثاني، والعاشر، لموقعي فيسبوك ( FaceBook) وتويتر ( Twitter) ، وهما من مواقع الشبكات الاجتماعيّة. والمركز الثالث لموقع تشارك الملفات المرئيّة يوتيوب ( YouTube) . والمركزان السابع والثامن، لموقعي ويكيبيديا ( Wikipedia) وبلوقر ( Blogger) ، وهما من مواقع المدونات. وهذا يعطينا إشارةً إلى الكم العددي للأشخاص الذين يستخدمون هذه الخدمات. ويكفي في هذا أنْ نذكر أنّ عدد المسجلين في موقع الفيسبوك تجاوز النصف مليار منتصف العام 2010م، ولا زال العدد في تزايد مستمر، إلى الدرجة التي أصبح فيها الموقع يشكل ثالث بلد في العالم من حيث السكان بعد الصين والهند، وقد يتجاوزهما قريباً، وهو تعبير مجازي لكثرة عدد مستخدمي الموقع، الذي يخدم مائة لغة، ويُمضي المستخدمون للشبكة نصفَ أوقاتهم تقريباً بين صفحاته (¬2). ثانياً: أنّ هناك قوةَ طرحٍ هائلة في هذه الخدمات، من حيث عدد التدوينات، والصور والملفات المرئية المتبادلة، وموضوعات النقاش والرد، وملفات التحادث النصي والصوتي والمرئي، وغيرها. ويعطي الجدول التفاعلي في موقع " www.ecic.org" بيانات تُحَدَّثُ كلَّ ثانية ابتداءً من لحظة دخولك إلى الصفحة. وهذه الإحصاءاتُ -وإن كان الجزم بدقتها فيه نظر- إلا أنها تعطي دلالات على ضخامة محتوى الطرح. فخلال 420 ثانية (7 دقائق) (¬3)، تشير الصفحة إلى أكثر من 4 آلاف مشترك جديد في الفيسبوك، وقرابة 400 ألف صورة جديدة فيه. وقرابة نصف ¬
مليون إضافة في موقع تويتر، و 1450 مشترك جديد فيه. وحوالي 10 مليون ملف مرئي شوهد عبر اليوتيوب، ومليوني دقيقة اتصال عبر ( Skype) . وغير ذلك من الإحصاءات. ومثله موقع الإحصاءات " www.worldometers.info/ar" الذي يبين عدد مستخدمي الشبكة في لحظة البحث، وعدد التدوينات ورسائل البريد الالكتروني وطلبات البحث في محرك البحث " google" في نفس اليوم. وبصرف النظر عن مدى دقة هذه الإحصاءات -كما أسلفنا- فإنها تعطي بوضوح إشارةً على كم البيانات الهائل الذي يُدفع إلى الشبكة عبر هذه الأدوات. ويزيد الأمر وضوحاً إدخالُ المفردات الشائعة الاستخدام عند النّصارى في مواقع الخدمات التّفاعليّة أو محركات البحث، والنظرُ إلى حجم النتائج (¬1). فعلى سبيل المثال: لو بحثنا عن مفردة "يسوع"، وهو الاسم الذي يطلقه النّصارى على المسيح - عليه السلام -، فإنّنا سنجد أكثر من مليوني نتيجة في محرك البحث " google"، وأكثر من خمسة آلاف ملف مرئي في يوتيوب، ومئات المجموعات وآلاف المستخدمين في موقع فيسبوك. ثالثاً: أنَّ الاتصالَ التفاعليَّ -الذي يَظهر في الشبكة بأقوى صُوَرِهِ- مكّن مستخدم الشبكة من الاتصال المباشر مع الأفراد والجماعات في مختلف أنحاء العالم (¬2). ولهذا يقول خبير الاتصالات "سينثا وير Cyntha Ware": « التواصلُ عبر الإنترنت هو أسرعُ وأرخصُ وسيلةٍ للتواصل مع مجموعات كبيرة من النّاس» (¬3). لقد أضحت الشبكات الاجتماعية اليوم تشكل أفضلَ وسيلة على الشبكة للتواصلِ مع الآخرين، أو تكوينِ صداقات جديدة، أو الحصولِ على الأخبار والمعلومات والبحوث، أو ¬
تشاركِ الآراء والأفكار، أو حتى مجرد التسلية واللعب (¬1). ولهذا فإنّه كلما وُجدت لغةُ حديثٍ مشتركة كان بالإمكان -من خلال الخدمات التّفاعليّة- أن يلتقي المنصر بالمدعوين من سائر بلاد العالم، وأن يمارسَ معهم العمل الدعوي وهو في بيته لم يغادره. رابعاً: أنّ الاتصالَ التفاعليَّ يتسمُ بصفات تأثيريّة لا تكاد توجد في غيره. فمنها أنّه يتيحُ الحوارَ والنقاش وتبادل الآراء حول سائر الموضوعات، وفي جملتها المعتقدات والشعائر، بحرية كاملة. ومنها أنّ في بعض أدواته مشابهة للاتصال الشخصي، وذلك في خدمات المحادثة الصوتيّة، التي يتمكن من خلالها المنصِّر من الالتقاءِ بالمدعو مباشرة، وممارسةِ الخطاب الدّعوي معه، وتلقي ردوده ومن ثمّ الإجابة عليها، في صورةِ رجعِ صدى فوري. وهنا يكون للبيان اللغوي ونبرات الصوت وتعابير الجسد والإشارات أثرها الكبير، وخصوصاً إذا احتوت المحادثة على الخدمات المرئيّة بحيث يرى كل طرفٍ الطّرف الآخر. ومنها أنّ هذا الاتصال يتم في أماكنَ افتراضيّة يلتقي فيها أتباعُ الأديان والنّحل والمذاهب المختلفة، وكذا أهلُ الإلحاد والزّندقة والمتجردون من كُلِّ معتقد. وهؤلاء فيهم البسيط الجاهل، وفيهم من أوتي جدلاً ومعرفة بوسائل التأثير في الآخرين وهزّ قناعاتهم. وفيهم القادر على التأثير -كما أسلفنا-، وفيهم القابل للتأثر (¬2). ¬
المطلب الثالث: دلائل اهتمام المنصرين بالخدمات التفاعلية
ومن السمات التأثيريّة للاتصال التفاعلي أنّ فيه ما يسمى بالصوت الجماعي. وهذا الصوت الجماعي له أثره في تغيير القناعات. فإذا كان غالبُ التعقيبات التي يكتبها المستخدمون بعد موضوعٍ ما تصبُّ في اتجاه معين -ولو كان باطلاً-، فإنّه قد يكون لها وقعٌ في نفس القارئ. المطلب الثالث: دلائل اهتمام المنصِّرين بالخدمات التّفاعليّة في هذا المطلب نستعرض ما نُقل من أقوال المنصرين، وما عُرف من أفعالهم، ممّا يتعلق بالخدمات التّفاعليّة للشّبكة، لنستبين مدى اهتمامهم بهذا الشأن. وقد تقدَّم في التمهيد الرئيسي للرّسالة قولُ خيسوس كولينا، في المؤتمر العالمي للإعلام الكاثوليكي المنعقد في مدينة روما في شهر أكتوبر من العام 2010م: «إنّ إنتاج المضامين الصادرة مباشرة عن المستخدمين الأفراد، لاقى خلال السنوات الأخيرة نجاحاً كبيراً -مشيراً بذلك إلى مواقع ويكيبيديا، يوتيوب، فيسبوك، تويتر، قوقل نيوز، وغيرها من الخدمات- ولا
بد للكنيسة من أن تتماشى مع العصر وأن لا يسبقها قطار التفاعل الرقمي» (¬1). وهو بهذا يشير إلى خمسةٍ من أهم المواقع العالميّة التي تتيح لمستخدمي الشبكة فرصةَ نشر ما لديهم من نتاج، أيًّا كان نوعه، في هيئة نصوص مكتوبة، أو ملفات صوتية أو مرئيّة، أو صور، أو غير ذلك. وقبله، كان كبير الكاثوليك، بابا الفاتيكان، قد زار البرازيل في عام 2007م، وقال مخاطباً وسائل الإعلام: «لأنَّه بواسطة وسائل الإعلام بإمكان كلماتي وتعابيرِ محبتي الدخول إلى كل بيت وقلب» (¬2). وإذا كان كلام البابا لا يورد تفصيلاً لكيفيات التأثير على كل قلب، فإن القمص (¬3) أثناسيوس جورج (¬4) يفصح عن هذا فيقول: «لا شك أنّ النوعيةَ الهائلة في الإعلامِ الالكتروني، والبثِّ المرئي، واقترانِ الثورة المعلوماتية بالثورة المرئية، جعلت بيئةَ الإنسان تتشكل بفعل الإعلام المعاصر، والذي بات يشكل وعيَ ووجدان الناس عبر نقل الرسالة الإعلامية إلى الحد الذي يتطابق فيه الزمان مع المكان. بمعنى أنه في لحظة حدوث الحدث يتم الإعلان عنه مباشرة أيًّا كان موقعه، مما زاد التفاعلات بين المرسِل والمرسَل إليه، مع معرفة ردود الأفعال مع ما يبث مباشرة، في دمج وتزاوج الوسائط الالكترونية " Multi Media" عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الإرسال التلفزيوني والإنترنت واليوتيوب والفيسبوك والتويتر .. إنّ رسالتنا في الإعلام المسيحي تتحقق كمًّا وكيفًا متى وظّفنا التقنيات بطريقة حرفية ومهنية لتقدم الرسالة والرؤية الواضحة لحياتنا ومسيرتنا» (¬5). ¬
وهكذا نجد هذا الهم –الذي ختم به القمص كلامه- همًّا مشتركاً لدى سائر الجهات النصرانية التي تعنى بالإعلام، كما سطرته عبارة اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (¬1)، حين جعلوا من مهامهم: "استخدام وسائل الإعلام، وسائر وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة لنشر التعاليم المسيحية من كل نواحيها، ونشر الخبر الديني والمسيحي في لبنان والبلاد العربيّة وبلاد الانتشار" (¬2). أمّا موقع "اليوم العالمي للتنصير عبر الإنترنت" فيفصح عن إحدى قناعات القائمين عليه، فيقول: "يؤمن موقع اليوم العالمي للتنصير بشدة بأنَّ الإنترنت هي أداة أعطانا الله إياها للبشارة والتلمذة" (¬3). وبعد أنْ يستعرضَ العديدَ من الخدمات التّفاعليّة للشبكة يقول: "ولهذا فإنّ فرص التبشير على الإنترنت واسعة جداً وكثيرة" (¬4). ونختم هذه المقتطفات القوليّة بكلام القمص زكريا بطرس حين ذكر أنّه قرأ للمنصر الأمريكي بيلي جراهام كلاماً حماسيًّا حول مشروع موجه لتنصير المسلمين في السعوديّة، وأنّه تحمس لذلك وسعى لدخول البلاد السعوديّة دون جدوى، إلا أنّه مع تقنية البالتوك تمكن من الدخول إلى قلب مكة والمدينة، وحاور فيها مسلمين، ودعاهم إلى النصرانيّة. ثم يقول: «إنّ الله يفتح مجالات لا بد أن تستغلها، ومنها البالتوك» (¬5). ¬
وأمّا الجانب العملي فالدلائل فيه كثيرة جداً. ومنها على سبيل المثال: أولاً: تركيز موقع "اليوم العالمي للتنصير عبر الإنترنت" –وهو مرجع قوي في بابه- على جانب الخدمات التّفاعليّة للشبكة، فنجد في الموقع: - نافذة مخصصة لموقع الفيسبوك، تشرح كيفيّة عمل الموقع، والجوانب التي توضح أهميته ومكانته، والأسباب التي تجعل التّنصير من خلاله ذا أهمية قصوى. ثم تُسهب في بيان النصائح التي تحقق تنصيراً فعّالاً عبر هذا الموقع (¬1). - نافذة مخصصة لموقع تويتر، تبين كيفية عمل هذا الموقع، وتشرح الطرق المثلى لاستخدامه في نشر النصرانية (¬2). - نافذة مخصصة للشبكات الاجتماعيّة، تَذكر أهمية هذه الخدمة، وتُقدم نصائح للطرق المجدية في التّنصير عبر هذه الشبكات (¬3). - نوافذ لخدماتٍ أخرى يمكن الاستفادة منها في نشر النصرانيّة، كمواقع تدريس اللغة الإنجليزيّة، والمنتديات الحواريّة، والمدونات، ومواقع الأجوبة (¬4)، والمواقع التي تتيح وضع محتوى مثل فليكر (¬5) ويوتيوب وويكيبيديا (¬6). - نافذة مخصصة لشرح كيفية التّنصير عبر غرف المحادثة، مع إيراد قصصٍ لأشخاص ¬
سجلوا نجاحات بأن جلبوا للنصرانيّة أتباعاً جُدَدًا عبر هذه الخدمة (¬1). - نافذة مخصصة لما يسمى بالعالم الثاني، أو العالم الافتراضي، أو الحياة الثانية (¬2) ( Second Life). ويشرح الموقع كيف يمكن أن تشتري لك أرضاً في هذا العالم، وتبني لك مدينةً تؤسس فيها كنيستك، ثم تدعو الأصدقاء أو غيرهم للدخول لكنيستك ومشاركتك الصلاة. ويورد الموقع قصصاً لمن نجح عبر هذه الوسيلة في التّنصير، كقصة الداعية النصراني "مات " Matt الذي تحدث لمدة ساعتين في أحد مقاهي الحياة الثانية مع شخص التقى به هناك حول أسس العقيدة النصرانيّة، وكَسَب بعض قناعات الطرف المدعو (¬3). ثانياً: الواقع العملي لاستخدام منافذِ وأدواتِ الخدمات التّفاعليّة لأغراض التّنصير، وهو ما يسعى هذا البحثُ لبيانه فيما يتعلق بالمنتديات الحواريّة، والمجموعات البريديّة، ومواقع المحادثة، ومواقع الشبكات الاجتماعيّة، ومواقع تشارك الملفات المرئيّة. وهناك أدواتٌ أخرى لا زالت الحاجةُ قائمةً لدراستها، كالمدونات، ومواقع الإجابات، ومواقع تبادل الصور، ومواقع الحياة الافتراضيّة، وغيرها. ثالثاً: الواقع العملي لبعض المنصرين الذين سخَّروا بعضَ الخدمات التّفاعليّة لخدمة أعمالهم الدّعوية. ولعلّ من أبرز هؤلاء القمص زكريا بطرس، حيث قام بإنشاء غرفة له في برنامج ¬
البالتوك سنة 2001م (¬1)، ولا يزال منذ ذلك التاريخ يمارس نشاطه من خلالها بواقع ثلاثة أيام في الأسبوع. وقد وضع في موقعه الشخصي تسجيلاً لمعظم حلقاته خلال هذه السنوات (¬2). رابعاً: إقامة المؤتمرات والمعارض التي تُعنى بكيفيّة الاستفادة من الوسائل الإعلاميّة في العمل الدعوي التّنصيري. ومنها مؤتمر نشر النصرانيّة عبر المدونات، الذي عقد في يناير 2005م في الولايات المتحدة الأمريكيّة (¬3). ومنها المعرض السنوي للإعلام المسيحي، الذي ينظمه الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة- فرع لبنان. ويهدف هذا المعرض –كما نص القائمون عليه- إلى تشجيع المؤسسات المختلفة على الاهتمام بالإعلام ودعمه ليقوم برسالته من أجل نشر كلمة الله والحق والإنسان في بشارة جديدة ومتجددة، وإلى محاولة تطوير الإعلام المسيحي وتحصينه ضد التحديات، وإلى تشجيع طلاب المدارس والجامعات لاستخدام وسائل الإعلام في البشارة (¬4). والأمثلة على هذه المعارض والمؤتمرات والندوات كثيرة جداً. وبهذا يتبين تظافرُ أقوالِ المنصرين وأفعالِهم على الاهتمام الواضح بالوسائل الإعلاميّة بشكل عام، وبوسيلة الشبكة بشكل خاصّ، وبالخدمات التّفاعليّة للشبكة بشكل أخص. ولهم –كما تبين- جهودٌ كبيرةٌ متنوعة في التَّعريف بهذه الخدمات، وتبيين أنجح الوسائل التي دلّت التجارب على تأثيرها في نفوس المدعوين. كما أنّ هذه الجهود تتسم بالتنظيم، وتندرج تحت اتحادات وهيئات ومؤسسات تؤلف ¬
بينها، وتوفر لها الدعم الماديّ والاستشاري والتقني والفني. وهذا الفصلُ من الدراسة خصص للتفصيل في خمس خدمات تفاعليّة تتيحها الشبكة، لتبيين طرق نشر النصرانية من خلالها. وبيان هذا في المباحث الخمسة التالية.
المبحث الأول: التنصير عبر المنتديات الحوارية
المبحث الأول: التنصير عبر المنتديات الحواريّة المنتديات الحواريّة واحدةٌ من أقدم الخدمات التفاعليّة التي حظيت بإقبال كبير جداً من المستخدمين أولَّ ظهورها. ثم قلّ هذا الإقبال -بدرجةٍ ما- مع مزاحمة باقي الخدمات التفاعليّة التي ظهرت بعد ذلك (¬1). وقبل الدخول في دراسة العمل التنصيري من خلال المنتديات، يحسن تقديم تعريف موجز بها، وذلك في المطلب التّالي. المطلب الأول: التَّعريف بالمنتديات الحواريَّة المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي أولاً: التَّعريف اللغوي المنتديات جمع منتدى، وهو في اللغة: مجلس القوم ومتحدَّثهم ما داموا مجتمعين فيه. ومثله في المعنى: النّدوة، والنّادي، والمتندّى. ومنه قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} (¬2)، وقوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} (¬3)، ومنه سميت دار النّدوة بمكة لأنهم كانوا يَنْدُون فيها، أي يجتمعون للمشاورة (¬4). قال ابن فارس: «ندى: النون والدال والحرف المعتل يدل على تجمّع .. » (¬5). والحوار في اللغة: من المحاورة، وهي: المجاوبة ومراجعة النطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره وتحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم (¬6). ومنه قول الشّاعر: ¬
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... أو كان يدري ما جوابُ تكلُّمي (¬1) ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي وأمّا المعنى الاصطلاحي للمنتديات الحواريّة على الشبكة العالميّة؛ فقد عُرِّف المنتدى بأنّه «موقع على الإنترنت يجمع الأشخاص من ذوي الاهتمامات المشتركة ليتبادلوا الأفكار والنقاش عن طريق إنشاء موضوع من قبل أحد أعضاء المنتدى، ومن ثم يقوم باقي الأعضاء بعمل مشاركات وردود داخل الموضوع للنقاش مع صاحب الموضوع سواء بشكره .. أو نقده والتعليق على ما كتبه فيه» (¬2). وهناك تعريف ثان يرى أن المنتدى «موقع على الإنترنت يقوم بتنظيم مشاركات مجموعة من الأعضاء يَنْظَمُّون عن طريق آلية معينة (التسجيل) وتكون المشاركة إمّا بالنصوص أو الوسائط المتعددة أو البرامج» (¬3). ويرى الباحث أنّ التَّعريف الأنسب؛ أن يقال: المنتديات الحواريّة هي تجمُّعٌ مكاني افتراضي (¬4) على شبكة المعلومات العالميّة، لأناس يشتركون في جانب من الاهتمامات، عبر شكل من أشكال المواقع على الشبكة، يُمَكِّن العضو من كتابة موضوع يقرؤه بقية الأعضاء ويكتبون عليه ردودهم ومناقشاتهم. المسألة الثانية: نظرة على المنتديات على الرغم من كثرة المنتديات؛ إلا أنها متشابهة من حيث المظهر؛ فإنّ كل منتدى يضم أقساماً عديدة مختلفة الاهتمامات، وذلك حرصاً على ضم أكبر عدد من الأعضاء ممّن تلبي فروع المنتدى وأقسامه كل جوانب اهتماماتهم. تحدد إدارة كل منتدى ضوابط وشروط التسجيل، وتعين مشرفاً أو أكثر لكل قسم فيه ¬
للتحقق من الالتزام بهذه الضوابط. ويكون حق القراءة متاحاً لكل أحد؛ بينما يقتصر إدراج الموضوعات أو التعليق عليها للمسجلين. والتسجيل بلا مقابل إلا أنه يضمن لإدارة المنتدى وجود عنوان بريد إلكتروني (¬1) لمن يُعطى عضوية المنتدى. تُساهم هذه المنتديات في نشر المعرفة الفكريّة، والخبرات في شتّى المجالات؛ لما تيسّره من لقاء العلماء والمتخصصين وطلبة العلم وغيرهم، بنظرائهم في بلاد العالم المختلفة. ويُقبل النّاس عليها لما توفره من مساحةِ حريّةٍ كبيرة في طرح الموضوعات ونقاشها، ولما تتميز به من تمكين الكاتب من فرصة التأمل والنظر والتفكير قبل طرح ما يكتب أو يناقش. ولهذا فلا غرابة إذا وجدنا في بعض المنتديات أعداداً كبيرة جداً من الأعضاء المسجلين، وقُل مثل ذلك في أعداد الموضوعات والمشاركات (¬2). ولهذا فإنّ المنتديات قد تأتي في المرتبة الثانية بعد مواقع الشبكة من حيث غزارة المعلومات (¬3). ومن ميزات المنتديات -التي أسهمت في الإقبال عليها- القدرةُ على تحديد المجال الذي يريد الشخص القراءة فيه، ومعرفة المزيد حوله، ومناقشة الموضوعات المتعلقة به. وكذلك الحريّة في الكتابة والنقاش والتعليق في ظل التستر خلف اسم رمزي، وبيانات تسجيل لا يمكن التحقق منها، وعنوان بريد إلكتروني لا يُوصِل إلى صاحبه. ومن الميزات -كذلك- اجتماع عدد من المهتمين بمجال مشترك في مكان واحد، ¬
المطلب الثاني: مدخل إلى المنتديات التنصيرية
وسهولة التواصل معهم دون عناء كبير. وفي الجانب الآخر؛ فإن ضعف الموثوقيّة بكثير ممّا يُطرح؛ يعد سلبيّةً كبرى في المنتديات. ناهيك عن التأثير على الطرف الآخر بتغيير قناعاته، وهزّ ثوابت معتقده؛ بالأخذ والرد والمناقشة ممّن أوتوا أدواتِ إقناعٍ وفصاحةٍ وبيان؛ ممّا يعد خطراً واضحاً على من يدخل إلى المنتديات العقديّة والفكريّة المخالفة، ولا سيما ممن لا يمتلك قاعدةً رصينةً تدفع عنه تيارات الشّبه التي تملأ الشبكة العالميّة. ومن أمثلة هذه المخاطر على العقيدة؛ ما يُكتب في المنتديات التنصيرية من موضوعات لتقرير صحة العقائد النصرانيّة وبطلان ما عداها، أو لإثارة الشّبه حول الإسلام على وجه الخصوص. وهو ما ستناقشه مطالب هذا المبحث. المطلب الثاني: مدخل إلى المنتديات التنصيريّة عند الحديث عن المنتديات التنصيريّة فإنّ المقصود بها المنتديات التي تعرض الديانة النصرانيّة، والمنتديات التي تدعو لاعتناق النصرانيّة، والمنتديات النصرانيّة التي تهاجم الإسلام. أوَّلُ ما يلفتُ نظر الدارس لهذه المنتديات؛ العددُ الكبير لها. ويكفي لبيان ذلك أنّ موقعاً واحداً؛ هو "دليل المواقع العربيّة المسيحيّة" (¬1) يحوي روابطَ لقرابة سبعين منتدى (¬2). ويُلحظ في مواقع المنتديات التنصيريّة حسنُ التصميم والعرض، وكثرةُ الأقسام (¬3)، واتخاذُ الصليب أو صورة ترمز لعيسى - عليه السلام - أو أمِّه شعاراً، وقوة الاعتماد على الوسائط المتعددة (¬4) من صورٍ وملفاتٍ صوتيةٍ ومرئيةٍ وعروضٍ تقديميّةٍ ( Power Point) أو متحركةٍ ¬
( Flash) . كما أنّ هذه المنتديات تختار أسماءً تعطي انطباعاً بصحة العقيدة؛ مثل: منتديات طريق الحق، ومنتديات الحق والضلال. أو أسماءً وقعها حسن في النفس؛ مثل: منتديات المحبة، ومنتديات بستان الكلام، ومنتدى نور العالم، ومنتدى فرسان الكلمة، ومنتدى الميلاد الثاني. ويمكن تقسيم المنتديات التنصيرية باعتبار الكنيسة (¬1) التي تتبعها؛ إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: المنتديات التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية. ويندرج تحتها منتديات: 1) الكلدانيين (¬2). 2) الموارنة (¬3). 3) الرّوم الكاثوليك. 4) الأقباط الكاثوليك. ¬
القسم الثاني: المنتديات التي تتبع الكنيسة الأرثوذكسيّة. ويندرج تحتها منتديات: 1) الأقباط الأرثوذكس (¬1). 2) الروم الأرثوذكس (¬2). 3) الأرمن (¬3). 4) السريان الأرثوذكس (¬4). القسم الثالث: المنتديات التي تتبع الكنيسة البروتستانتية. ومنها: منتدى الإنجيليين (¬5). ومن المنتديات ما يتحرر من الانتماء إلى أي طائفة، ويرفع شعار الانتماء للمسيحيّة فقط. ويختلف عدد أعضاء هذه المنتديات بشكل متناسب تقريباً مع عدد أتباع كل طائفة. ¬
المطلب الثالث: المنتديات التي تعرض الديانة النصرانية
ويشكل الأقباط الأرثوذكس أكثريةَ المنتديات التّنصيريّة العربيّة وفق دراسة الباحث. وهناك تقسيم آخر للمنتديات التنصيريّة باعتبار موقفها من الأديان الأخرى. فهناك منتديات تقتصر على عرض الديانة النصرانية، ولا تسمح بالتعرض لغيرها من الأديان. وهناك منتديات تجمع -إلى جانب عرض الديانة النصرانية- مناقشة الدين الإسلامي تحت مسمى حوار الأديان، أو الحوار المسيحي الإسلامي، أو غير ذلك ممّا سيفصل لاحقاً. وهذا التقسيم هو الذي سيعتمده الباحث في المطلبين الآتيين. ويحسن هنا ذكرُ أنّ العمل التنصيري في المنتديات لا يقتصر على تلك التي ينشِئُها النّصارى؛ بل يمتد إلى المنتديات الإسلاميّة؛ ولا سيما تلك المتصديّة للرد على النّصارى، فنجد للنّصارى فيها كتاباتٍ وردوداً ومناظرات (¬1). المطلب الثالث: المنتديات التي تعرض الديانة النصرانيّة يشكل هذا النوع من المنتديات التنصيريّة القسم الأكبر، ويضم أقساماً تتناول الديانة النصرانيّة، ولا تتطرق لغيرها من الأديان. ومن أمثلة هذه المنتديات (¬2): (1) منتديات يسوعنا (¬3). ¬
(2) منتدى بحبك يا يسوع (¬1). (3) منتديات المحبّة (¬2). وسوف تتناول دراستنا لهذه المنتديات بيانَ الأقسام الفرعية التي تضمها، ثم نظرةً تحليليّة لواقع التنصير من خلالها. أولاً: الأقسام التي تضمها هذه المنتديات (¬3): 1. قسم الكتاب المقدّس (¬4): وتُعرض فيه الموضوعات التي تخدم الكتاب المقدس عند النصارى، بعرضه على الشبكة بعدة لغات، أو إتاحة تحميلِهِ بصيغةٍ مقروءةٍ أو مسموعة على جهاز الحاسب أو الهاتف الجوّال، أو إتاحة البرامج الخادمة له بالشرح والتفسير وأطالس الصور وبرامج البحث والفهارس والقواميس والموسوعات. وهناك الموضوعات التي تتحدث عن العقائد والشعائر فيه، وكذا النبوات والإعجاز العلمي -كما يعتقدون. أضف إلى ذلك موضوعاتٍ في التأمل فيه، والكيفيّة المثلى لقراءته وحفظه وتعليمه وتقديمه للناس. ¬
وهناك موضوعات في التَّعريف به، وردِّ الشبهات المثارة حوله من الطوائفِ غيرِ النصرانيّة، مع الإرشاد إلى المواقع على الشبكة العالميّة المختصة بخدمته. ويُلحق بهذا موضوعات المسابقات في الأسئلة والاستنباطات من داخل هذا الكتاب، وكذا الدورات التي تُعقد لدراسته عن طريق الشبكة. 2. قسم الخدمة: ويُقصد به الموضوعات التي تُعلم النصرانيّ كيفيّة الدعوة في الكنيسة، والخدمة في مدارس الأحد (¬1) لتعليم الصغار أمور العقيدة والشعائر. ويُعَلِّم هذا القسم كيفيّة إلقاءِ الدروس، وتنظيمِ مسابقات الأطفال، واستخدامِ كافة الأجهزة والأدوات والمواد المتاحة في الدعوة، مثل: الصور، والألواح الخشبية والكرتونيّة، والحاسب، وجهاز العرض (البروجيكتور)، وعرائس الأطفال، وغيرها. ويتعلم الخادم هنا كيفيّة تقديم عروضٍ مسرحيّة في مدارس الأحد، مع إيراد نماذج من المسرحيّات المناسبة لإيصال المفاهيم العقديّة للصغار. كما يتعلم الوسائل التي ترقى بأسلوبه وفكره وتعامله، ويتعرف على عيوب الخادم ليتجنبها، ويحاول إتقان لغة الإشارة ليتخاطب بها مع الصم. 3. قسم اللاهوت: وقد يسمى: قسم تثبيت الإيمان والعقيدة. ويُعرض فيه شرحٌ للعقائد النصرانيّة، ومحاولاتٌ للبرهنة على صحتها بأدلة عقلية ونقليّة من نصوص الكتاب المقدس أو من كتب رجال الكنيسة. ثم يُذكر ما يخالف هذه العقائد عند الكنائس الأخرى، ويُرد على ذلك، وقد يوسم بأنَّه بدعٌ وهرطقات. ثم يُورد ما يخالف هذه العقائد من أقوال المسلمين، ويُرد على هذه الطعون. ¬
4. قسم الصّلاة: وموضوعاته تدور حول الأدعية والابتهالات التي يُخَاطب بها عيسى - عليه السلام -، أو أمه، أو الروح القدس. كما يضم طلبات بعض الأعضاء من الآخرين أن يُصلوا من أجلهم (يدعو لهم) لما يمرون به أو يمر به أقاربهم من مرض أو فقر أو مصائب أو غيرها. 5. قسم الوسائط المسيحيّة (¬1): وتُعرض فيه موضوعاتُ الصور النصرانيّة؛ للمسيح وأمه والقديسين (¬2) والآباء (¬3) والكنائس (¬4) والأديرة (¬5) وغير ذلك. وتعرض فيه موضوعات الترانيم والألحان، والغالب تقديمها في قالب مؤثر في ملفات مرئية أو صوتيّة أو باستخدام تقنية الفلاش أو عرض الشرائح، مصحوبة بأدوات العزف والموسيقى، يقدمها منشدون ومنشدات. ¬
وتُعرض موضوعات القُدَّاسات (¬1) والعظات، وتكون في ملفات صوتيّة أو مرئيّة للاحتفالات والعظات التي تقام في الكنيسة. وكذا موضوعات الكتب النصرانيّة، والأفلام النصرانيّة الدينيّة، وبرامج الحاسب التي تخدم الديانة النصرانيّة، علماً بأنَّ كُلَّ ما سبق يتاح تنزيله لعضو المنتدى بلا مقابل. 6. القسم الرّوحي: وفيه تُعرض موضوعاتُ طُرُقِ تقوية الإيمان، ومقاومة ما يضعفه. ومن أمثلتها: الخطيئة والتوبة والصلاة والصوم والخلوة وغيرها. وهناك اهتمام بالحث على تخليص النفس من الأخلاق الرديئة كالحسد والطمع والظلم ونحو ذلك. وهناك أقسام لحفظ وتسميع بعض الآيات والمقتطفات من المزامير وغيرها، وملخصات لبعض الكتب الروحية. أضف لهذا موضوعاتُ التأملات الروحيّة مما كتبه الآباء والقديسون عندهم، أو مما كتبه أعضاء المنتدى. 7. أقسام تختص بالكنيسة القبطيّة: ومن أبرزها قسم الكنيسة القبطية، الذي تتحدث موضوعاته عن تاريخ الكنيسة القبطية، والطقوس التي تختص بها، والآباء والقسس الذين تسنموا مراكز عليا فيها. ومنها قسم رئيس الكنيسة الآن، وتعرض فيه صوره، وكتبه، ومقالاته، وأخباره، ومعجزاته -كما يعتقدون-، وفتاواه، وعظاته. ¬
ومنها قسم السنكسار (¬1) اليومي. 8. القصص المسيحيّة: يعتبر هذا القسم بالإضافة إلى قسم الوسائط المتعددة؛ الأكثر جذباً لزوّار هذه المنتديات. وفي هذا القسم تعرض قصص الأعضاء التي تظهر كيف أدخل إيمانهم بالمسيح السعادةَ إلى قلوبهم، وأنقذهم من الورطات، وحقق لهم المعجزات. 9. سير الآباء والقديسين: وتعرض هنا الموضوعات المتعلقة بسير وقصص ومعجزات (¬2) الذين كانت لهم مراتب عالية في الكنائس. 10. الرد على الشبهات حول المسيحية: وفيه تعرض الموضوعات التي تتناول ما يثار حول الديانة النصرانيّة عقيدةً وطقوساً وكتاباً ورسلاً ممّا يخالف المعتقد النصراني. فتكتب الموضوعات التي ترد على هذه الطعون. وتوفر في هذا القسم برامج جاهزة تحوي الشبه وردودها (¬3). 11. قسم الكتب والمخطوطات المسيحية: وفيه تعرض روابط لتحميل المؤلفات الدينيّة التي كتبها النّصارى، وكذا المخطوطات. ¬
12. قسم الأدب المسيحي: وفيه تعرض الموضوعات الشعرية والنثرية والقَصصية التي تخدم الديانة. ثانياً: نظرة تحليليّة لطرق التنصير في هذه المنتديات بعد عرض الأقسام الفرعيّة داخل المنتديات التي تعرض الديانة النصرانيّة؛ نجد أنّ التنصير من خلالها يتخذ الوسائل التالية: (أ) التركيز على الجوانب العاطفيّة، وذلك من خلال: 1 - إيراد الصور المصممة بهيئة ذات أثر ووقع في النفس لما تعرضه من صلب المسيح -كما يعتقد النّصارى- ودق المسامير في يديه وقدميه، والدماء التي تسيل من رأسه الملفوف بإكليل الشّوك، والجراحات التي ملئ بها جسده. وهذه الصور لها أقسام مستقلة متنوعة في كل منتدى، ويُرفقها الأعضاء كتوقيعات تظهر بعد كل موضوع أو مشاركة يكتبونها. 2 - التركيز على التّرانيم، وهي أناشيد تُعرض -في الغالب- في قوالبَ من جودةِ العرض وحسنِ الصوت ممّا قد يجعل لها أثراً في دعوة النصراني للتمسك بدينه، والتفاني في خدمته والدعوة إليه. وقد يمتد تأثيرها إلى المسلم، لما تظهره من رحمة الدين النصراني، ودعوته للمحبة والتآلف وسمو الأخلاق، والتضحية التي جاء بها المسيح وصُلب لأجلها؛ بحسب عقيدة القوم. 3 - الإكثار من وضع الملفات المرئية التي تتحدث عن آلام المسيح -كما يعتقد النّصارى-، وكذا سير الحواريين من بعده، وبذلهم في سبيل نشر النصرانيّة، وموتهم بالحرق أو الصلب فداءً وتضحيةً في خدمة هذا الدين. 4 - محاولة الاستفادة من حوادث الصدام الديني في البلاد الإسلامية بين المسلمين والنصارى، وتصوير ذلك على أنَّه شكل من أشكال الاضطهاد والظلم، ومنع الناس من ممارسة عباداتهم، والحيلولة دون تمتعهم بحرية التدين، إما بالقتل أو حرق الكنائس أو غير ذلك.
وفي هذا سعي لكسبِ تعاطف النّاس، والظهورِ بمظهر الفئة المتحضرة المسالمة التي تمارس عباداتها، بينما المسلمون أناسٌ أهل ظلم واعتداء وإجبار لغيرهم على ترك دينه والتحول عنه إلى الإسلام. (ب) التركيز على الموضوعات الروحية بغية رفع المستوى الإيماني عند أتباع الملة. ويلاحظ هنا كثرة هذه الموضوعات، وقلّة عدد من يقرؤها أو يعلِّق عليها. (ج) خدمة الكتاب المقدّس بأنواع متعددة من أشكال الخدمات، وقد سبق ذكر جوانب منها في أول هذا المطلب. ونتيجةً لهذه الجهود أصبح هذا الكتاب في متناول المتصفحين للشبكة على اختلاف لغاتهم (¬1)، مشفوعاً بالتفاسير والشروحات والأبحاث والدراسات والأطالس وبرامج البحث فيه (¬2). وهذا هدف مهم يسعون لتحقيقه، ولذا ينصون في برامج التدريب التي يقيمها (اتحاد التنصير عبر الإنترنت) على: "وجوب استخدام كل وسائل الاتصال الحديثة لنشر إنجيل ¬
يسوع المسيح في جميع أنحاء العالم" (¬1). (د) عرض المعتقدات النصرانيّة، ومحاولة تقريبها للنّاس، وتناول الطعون الموجّهة إليها بالنقد والرد والتمحيص. ومع هذا فإنّ المطلع على هذه الموضوعات يظهر له أنّ هذه المعتقدات يصعب على عقولهم تقبلها وفهمها (¬2) بدليل كثرة الموضوعات في هذه المنتديات من النَّصارى أنفسهم التي تستوضح عنها وتسأل عن الكيفيّة التي يمكن بها عرضها على غير النّصراني (¬3). ولعلّ مردّ هذا بعد كونها عريَّة عن الدّليل؛ أنّها تورد بتفسيرات فلسفيّة متكلفة. (هـ) إيراد الطعون حول المعتقدات، ومحاولة الرد عليها. وفي هذا تثبيت لمعتقدات النّصارى، وصدّ لهم عن محاولة التمادي في التفكير في شيء منها بما قد يوصل صاحبه لمرحلة التشكك. ويُلحظ اتصاف أكثر هذه الرّدود بضعف الدّليل العقلي والمنطقي والنّقلي. فانظر -مثلاً- تفسير كون المسيح - عليه السلام - لم يَدَّع صراحةً الرّبوبيّة، ولم يَدْعُ إلى عبادة نفسه؛ بقولهم "إنّ الرب باستمرارٍ يخفي قوته، وكان يخفيها من باب الإقناع، أو كان يخفيها عن الشيطان ليتحير أمام حقيقته فلا يبذل جهداً لعرقلة الفداء إذ هو لا يحب خلاص العالم" (¬4)! فهل إخفاء الرّبّ قوّته يُعد من وسائل الإقناع؟! أم كيف يخشى الرّبّ أن يبذل الشيطان جهداً يقاوم به أعظم مهمّة يقوم بها الرّبّ، وهي الموت على الصّليب فداءً عن البشريّة وفق عقيدتهم؟! وأيُّ عظمة لإله بهذا الضّعف؟! ¬
وعند محاولة التّوفيق بين نصوص الكتاب المقدّس المتناقضة يأتي الجواب أحياناً في منتهى الضّعف. فيذكر أحدهم أنّ التوفيق بين نَصّ: (فندم الرب عن الشر الذي قال إنّه يفعله بشعبه)، ونَصّ: (ليس الله إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم) أنَّ ندم الرب غير ندم الإنسان (¬1). وهو بهذا يثبت هذه الصّفة في حقّ الله تعالى، وكأنّه بلسان الحال يقول: "ندمٌ يليق به سبحانه وتعالى"! وعند تفسير سبب ظهور مريم العذراء في الرّسوم التي يتخيلونها تلبس غطاء الرأس، وكذا الراهبات؛ بينما واقع النصرانيّات تبرج وسفور؛ قالوا "إنّ غطاء الرأس في النصرانيّة لا يكون إلا في حالتين: الصلاة والتنبؤ، ولمّا كانت العذراء والراهبات في صلاة دائمة من أجل البشر فهن يلتزمن غطاء الرأس" (¬2)! وفي سياق تبرير تصنيف الأرنب حيواناً مجتراً في الإنجيل؛ بينما هو عند علماء الحيوان غيرُ ذلك؛ جاء الرّدّ متناقضاً غريباً. ففي بداية الرّدّ أُرجع الخطأُ إلى المترجم العربي الذي أوقعه قصور لغته العربيّة -كما ذكر في الموقع- إلى ترجمة اسم حيوان (الهير) المجتر بالأرنب. ثم في منتصف الرّدّ عاد الكاتب إلى أنّ الحيوان المذكور هنا هو الأرنب، مُرجعاً سرّ المسألة إلى المعنى الحقيقي للاجترار، قائلاً: «والأرنب -على اختلاف أنواعه- ليس من الحيوانات المجتره بالمقياس العلمي، أي أنَّ معدته لا تتكون من أربعة أقسام كسائر الحيوانات ¬
المجترة، ولكنْ من عادة الأرنب أن يبتلع ما يجده من طعام، ثم يعود لمضع ما عسر على معدته أن تهضمه، وهو نوع من الاجترار الجزئي». وفي آخر الرّدّ يُعرض عن مسائل الترجمة وعلم الحيوان إلى أنّ المقصود هو المعنى الرمزي، فيقول: «الأرنب يمثل الإنسان الخائف الذي لا يواجه، يختبئ عند شعوره بالخطر، يجتر؛ أي يعرف كلام ربنا ولكنّه لا يحارب الخطية لأنّه لا يشق الظلف أي لا يحارب الخطية والشهوات» (¬1). وبهذا الخلط بين التكذيب والتبرير، وتخطئة المترجِم وتأييده، والأخذ بالمعنى الحرفي والإعراض عنه، لا يخرج القارئ بشيء مقنعٍ متوافق مع المسلَّمات العلميّة والعقليّة. وهذه مجرد أمثلة على هذا المنهج الضّعيف في الرد على طعون الخصوم. (و) حثّ النَّصارى على التمسك بعقائدهم، والدعوة إلى الرقي بالمستوى الأخلاقي، والبعد عن الشهوات والكسب المحرم، والحرص على حسن التعامل مع الآخرين، لما لذلك من أثر في إقناع الآخرين بالنّصرانيّة. (ز) التّنادي بحرصٍ أن يبذل كل نصراني في سبيل الدعوة إلى دينه كل ما يستطيع. ولهذا نجدهم يولون الخدمة في مدارس الأحد عناية فائقة، وقلما تجد منتدى لا يخصص قسماً لهذا؛ بل نجد منتدياتٍ قائمةً لهذا الغرض وحده (¬2). وهناك منتديات تهتم بجانب العمل المسرحي في هذه المدارس (¬3). ومنتديات تستهدف ذوي الاحتياجات الخاصّة لأجل تعليمهم العقائد والطقوس والروحانيّات (¬4). (ح) الدلالة على المواقع النصرانيّة بمختلف أشكالها. ففي كل منتدى -غالباً- هناك قسم للدلالة على المواقع الجديدة أو التي يرون فيها تميزاً عن غيرها، سواءً كانت مواقعَ، أو منافذَ خدمات تفاعليَّة. ¬
المطلب الرابع: المنتديات التي تتعرض للإسلام
المطلب الرّابع: المنتديات التي تتعرض للإسلام وهذا النوع من المنتديات- إلى جانب عرضه لموضوعات الديانة النصرانيّة- ينشئ أقساماً غرضها النيل من الدين الإسلامي دون ما سواه من الأديان إلا فيما ندر. ومن أمثلة هذه المنتديات (¬1): (1) منتديات الكنيسة العربيّة (¬2). (2) منتدى الحق والضلال (¬3). (3) منتديات إنجيلي (¬4). هذه المنتديات تشترك مع النوع السابق في عرض الأقسام المتعلقة بالديانة النصرانيّة، وتنفرد في عرضها لأقسام أخرى. وسوف تتناول دراستنا لهذه المنتديات بيانَ الأقسام التي تفردت بذكرها، ثم نظرةً تحليليّة لواقع التنصير من خلالها. أولاً: الأقسام التي تضمها هذه المنتديات: 1) قسم الشّهادات: وتُعرض فيه الموضوعات التي تتحدث عن الاختبارات أو الشهادات، ويُقصد بها الملفات المكتوبة أو الصوتيّة أو المرئيّة لأناس يذكرون قصص تحولهم إلى الدين النصراني. وتُعرض هنا -كذلك- روابطُ لتسجيلاتِ برامجِ الفضائيّات العربيّة التنصيريّة المتعلقة ¬
بهذا الشأن، كبرنامج (سؤال جريء)، وبرنامج (حوار الحق)، وغيرهما (¬1). 2) قسم الحوار الإسلامي: وأحياناً يسمى قسم حوار الأديان. وهو عنوان يخفي غير ما يظهر، فليس المقصود هنا الحوار العلمي الرصين المبني على الحجة والبرهان، والملبس بإطار الخلق والاحترام للطّرف الآخر، ولكن المراد –كما يظهر من تتبع الموضوعات- إثارة الشّبهات حول الإسلام عقيدةً وشعائرَ ونبيًّا وكتاباً وسنّة. ولا يُسمح فيها بحال من الأحوال أن يُكتب ما يطعن في النصرانيّة أو يشكك أو يثير تساؤلات حولها (¬2). وفي بعض المنتديات التنصيريّة (¬3) ما يصرح بالهجوم والطعن والانتقاص، فينشئ أقساماً تحت مسمى: منتدى الفضائح الإسلاميّة- منتدى الأسئلة والحوار [شبهات تثار حول الإسلام والقرآن والسنة والنبي - صلى الله عليه وسلم -]- منتدى كذب الإعجاز القرآني- منتدى المرأة في الإسلام [شبهات حول تعامل الإسلام مع المرأة]- منتدى مقارنة الأديان [وهو مقتصر على مقارنة الإسلام مع النصرانيّة بطريقة تظهر سوء المعتقدات الإسلاميّة وتفوق ما يناظرها في النصرانيّة]. إلى غير ذلك من العناوين التي فيها التشكيك وإثارة الشّبهات وأخذ المتشابه من نصوص القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة، وترك المحكم فيهما. 3) قسم المناظرات: ويورد فيه مناظرات كتابيّة بين روّاد المنتدى من المسلمين والنَّصارى. ¬
ثانياً: نظرة تحليليّة لطرق التنصير في هذه المنتديات التنصير في هذا الشكل من المنتديات يأخذ صوراً وأساليب متنوعة. نذكر منها ما يلي: (1) التّنصير المباشر، بالدّعوة إلى اعتناق الديانة النصرانية صراحةً، وإظهار أنها سبيل من يبحث عن الحق، وأنها الدين الصحيح الخاتم (¬1). (2) إثارة الشبهات العديدة (¬2) حول التشريع الإسلامي، ومكانة المرأة في الإسلام، والقرآن الكريم، والنبي - صلى الله عليه وسلم -، والسنة النبويّة. ويلاحظ كثرة هذه الشّبهات (¬3)، وتجاوز بعضها إلى التّطاول على الذّات العليّة، بوصف المولى –جلّ وعلا- بما لا يليق به سبحانه جلّ شأنه (¬4). (3) الإظهار (بالصور والملفات المرئيّة) مشاهد إقامة المسلمين الحدود، كحد الزنا على المحصن، بما في هذه الصور والمقاطع من بشاعة منظر الرجم بالحجارة حتى الموت، ومقارنة ذلك مع قول المسيح للمرأة التي جيء بها وقد زنت: (من كان منكم بلا خطيئةٍ فليكن أوَّلَ من يرميها بحجر) (¬5). وهذا الأسلوب في العرض والمقارنة له وقع مؤثر في النفوس، ولا سيّما بإبراز منظر المرأة أو الرجل وهو يساق إلى موقع التنفيذ، وقد بدا عليه الخوف والرعب، ثم منظره وقد دفن في الحفرة إلا رأسه، ثم منظر من ينفذون الحكم، وتصويرهم على أنهم وحوش ضارية لا تعرف الرحمة إلى قلوبهم سبيلا، ثم منظر المحكوم وقد تهشم رأسه وفارق الحياة. وهم بعد هذا ¬
يظهرون النصراني الذي وقع في نفس الفعل قد تاب من فعله، وقبله المسيح فمضى لحال سبيله مكرمًّا. وهذه المقارنة هدفها الدعوة للنصرانية، والتنفير من الإسلام. وقل مثل ذلك في عرضهم لصور ومقاطع تنفيذ أحكام القصاص، وقطع يد السارق، بما يوقع الخوف والرعب في نفس من ينظر إليها. (4) التشكيك في صحة قصص المتحولين من النصرانيّة إلى الإسلام في القديم والحديث. (5) التركيز على إيراد قصص المتحولين إلى النصرانيّة، وتسميتها شهادات أو اختبارات، ولهم في ذلك أساليب متعددة، منها: أإظهار هذه القصص إما مكتوبة، أو مسجلة بالصوت، وأحياناً تكون بالصوت والصورة. وفي هذا تنويع لأساليب التأثير. ب التركيز على المتنصرين من المسلمين، ولا يذكر أتباع دين آخر إلا فيما ندر. ت يظهر التركيز على المتنصرين من المسلمين في السعوديّة (¬1)، ولعل مرد هذا علمهم أنّ هذه البلاد منطلق الإسلام، وأهلها من أشد النّاس تمسكاً به ودعوةً إليه، فمتى وُجد منهم مَن ينتقل منه إلى النّصرانيّة كان –في ظنّهم- حجّةً على ضعفه، ومطعناً فيه، ودافعاً للمسلمين خارج هذا البلد لإعادة قناعتهم في دينهم. ث محاولة إقناع القارئ بأنَّ هناك من يتنصر بأعداد كبيرة يوميّاً (¬2). ج محاولة إظهار أنَّ هؤلاء المتحولين من المسلمين هم إمَّا رجال دين تضلعوا في علوم ¬
الإسلام، أو مشايخ، أو قادة جهاد، أو أبناء قادة، أو حَمَلة شهادات علمية عليا (¬1). وكل هذا ليوحوا للقارئ بأنّ من فهم الإسلام حقيقةً تركه وتحول إلى النصرانية. ح من هذه القصص ما يكتبه رجال الكنيسة أنفسهم، ويصورون فيها ما وجدوه من السّعادة لما آمنوا بيسوع. ولا شك أنَّ دوافع هؤلاء مكشوفة. خ كتابة بعض هذه القصص بتفاصيل تحوي الطعن في الإسلام. فنجد أحدهم يكتب أنه كان مسلماً يسب النَّصارى، ويؤَمِّن على دعاء الخطباء بإهلاكهم جميعاً، لكنّه في قرارة نفسه لم يكن مقتنعاً بدين العبوديّة والطقوس الغريبة كالحجاب وغيره. ثم إنَّه شاهد قناة الحياة الفضائيّة، وأُعجب بشخص المسيح، وقرأ الإنجيل فلم يجد فيه أخطاءً كما وجد في القرآن (¬2). وهكذا نجد في هذه القصّة على اختصارها امتداحاً لجوانبَ كثيرةً في النصرانيّة، وطعناً في جوانبَ أخرى في الإسلام. على أنّ هذه القصص لا يوجد لها مستند صحيح، وأصحابها مجهولون. ولا يعني هذا إنكار وجود متحولين من الإسلام إلى النّصرانيّة، فهذا موجود في القديم والحديث، إلا أنّه من البعيد جداً على نحو يقرب من الاستحالة أنْ ينتقل المسلم سخطة على دينه وكرهاً له، لأنّ الإيمان إذا لامست بشاشته شغاف القلب بَعُد احتمال التخلي عنه وإن أُوذي الإنسان في ذلك وَعُذِّب (¬3). د محاولة الإيحاء بأنَّ النصرانيّة دين الفطرة (¬4)، ولهذا وُجد من اعتنقها من أبناء المسلمين ¬
ممن هو في سن صغيرة دون البلوغ (¬1). (6) توفير برامج تجاوز الحجب، ووضع الإعلان عنها في صدر الصفحة الرئيسيّة بشكل بارز. ولعل من دوافعهم لذلك السعي لوصول كل المتصفحين من كل الدول إلى المواقع التي تنشر النصرانيّة وتهاجم الإسلام لأنه ليس في هذه المنتديات دين يهاجم غير الإسلام (¬2)، ولعلمهم أنّ من الدّول الإسلاميّة من سيحجب هذه المواقع (¬3). (7) نشر مقالات بعض المحسوبين على الإسلام المشتملة على الطعن فيه (¬4). (8) الفرح بالفتاوى الشاذة التي يصدرها بعض المسلمين ممّن يُنظر لهم على أنهم مشايخ أو طلبة علم، ونشر هذه الفتاوى، وأخذها ذريعة للهجوم على الإسلام وإظهار مشايخه –على التعميم- بمظهر الرجعيين المتخلفين البلهاء (¬5). (9) التلبيس على المسلمين بإظهار أنَّ فئةً من كبار علماء المسلمين قد اعترفوا بصحة كثيرٍ من العقائد النصرانيّة، كالغزالي (¬6) وابن الباقلاني (¬7) وابن رشد (¬8) وابن عربي (¬9) وغيرهم. ¬
(10) إيراد الملفات المرئية المحتوية على سقطات فئام من المسلمين، من أمثال سقطات الفتاوى الغريبة، أو أفعال الغلاة التفجيريين، أو الفسّاق من المغنين والممثلين، أو اللاهثين لجمع المال عبر الدعايات الإعلانيّة الخادشة للحياء عبر القنوات الفضائيّة. وإظهار هذا كله على أنه تعبير عن تعاليم الإسلام، وتطبيق لها في واقع حياة المسلمين (¬1). وفي المقابل لا يكتبون شيئاً عمّا يكون في البلاد النصرانيّة من نظائر ذلك أضعافاً مضاعفة؛ من جرائم الإرهاب والقتل والاغتصاب والسّرقة والفساد الأخلاقي بشتّى صوره. وهذا الأسلوب مخالف للمنهج العلمي الموضوعي، لأنّ المثال الشاذّ يؤكد القاعدة ولا يهدمها. ذلك أنَّ قاعدة "لكل قاعدة شواذ"؛ منسجمة ومتكاملة مع قاعدة "الشذوذ يؤكد القاعدة"، ولكنْ وجد من النّاس من يأتي بالمثال الشاذّ ليسقط به القاعدة، في خروج فجٍّ عن الموضوعية والتفكير السليم (¬2). (11) الفرح بكل ما يسيء للإسلام، كنشر بعض الصحف الأوروبيّة الصور التي تسيء للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإعادة نشر هذه الصور، وبعضهم قد يتخذها توقيعاً لمشاركاته. (12) استغلال عدم قيام المسلمين بواجب الدعوة والذب عن دين الله تعالى، وعن كتابه الكريم، وعن رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وعن السنة المطهرة، في هذه المنتديات بشكل قويّ، وإظهار ذلك بأنّه دليل بطلان العقائد الإسلاميّة لأنّ أصحابها لا يملكون القدرة على الدفاع عنها. ¬
(13) الهجوم على المنتديات الإسلاميّة، وإظهار أنّ روّادها لا يتجاسرون على مناظرة النّصارى، ولا يسمحون لهم بالمشاركة في هذه المنتديات بحريّة (¬1)، وادّعاء أن بعض مدراء المنتديات الإسلاميّة يوافق على المناظرة شريطة أن يدخل على أنه امرأة حتى لا تهتز سمعته عند هزيمته. وكل هذه الأساليب والادعاءات من أجل أن يوصلوا للنّاس إيحاءً بضعف الدين الإسلامي وانعدام الحجة عند أتباعه. (14) حظر وإلغاء اشتراك من يكتب من المسلمين في بيان بطلان عقائدهم، أو في الذب عن الإسلام، والرد عن جناب المصطفى الكريم - صلى الله عليه وسلم -، أو بيان صحة التشريع والسنة النبويّة المطهرة، ولو كان هذا الكاتب متبعاً المنهج العلمي، ومتقيداً بالأدب والخلق في الطرح والمناقشة (¬2). (15) إبراز أخبار العمليات التي يقوم بها بعض المسلمين في فلسطين والعراق والجمهوريّات الروسيّة وأفغانستان وغيرها، على أنها ضروب من الهمجيّة والوحشيّة والإرهاب الذي يقوم به مسلمون تشبعوا بتعاليم دينهم، وضحوا بأنفسهم إنفاذاً لتعاليم دين يحث على الإرهاب وسفك الدماء ومعاداة السلام والإنسانيّة. وهم في المقابل لا يوردون شيئاً ممّا يفعله اليهود في فلسطين، والنَّصارى في العراق وأفغانستان والشيشان، وغيرها كثير، من بلاد المسلمين وغيرهم. (16) إظهار وتضخيم وإبراز التصرفات الشاذة التي تقع من بعض المسلمين، كأخبار جرائم القتل والاغتصاب. (17) استغلال الردود الضعيفة من المسلمين الغيورين على دينهم وكتابهم ونبيهم والسنة المطهرة؛ ممّن لا يملك الحجة وقوة الرد، من أجل تقوية شبهات هؤلاء المنصرين، ¬
والتعالي على المسلمين وإظهار الغلبة والنصر. (18) استغلال الكلمات المنافية للخلق الرفيع؛ الصادرة من بعض المسلمين في منتدياتهم ومواقعهم للتشنيع على المسلمين، والزعم بأنهم في هذا منفذون لتعاليم دينهم، ومبرهنون على ضعف حجتهم. (19) الاستفادة من بعض التقنيات التي توفرها برامج تصميم المنتديات الحواريّة، كتلك التي تطبع اسم العضو المسجل الذي دخل المنتدى باسم المستخدم وكلمة المرور؛ وإظهار أنَّ غالب الموضوعات ولا سيما المثبتة منها (¬1)؛ كأنها تخاطبه دون غيره. وهذا الأمر يشعر العضو بأهميته وحرص باقي أعضاء المنتدى على مخاطبته. ونتيجة لذلك فإنه يُقبل على قراءتها، ويحرص على فهم محتواها. (20) من الحيل الموجودة في أقسام الحوار المزعوم؛ وجود من يكتب موضوعات ويزعم أنه مسلم، وفيما يكتبه ركاكة وهشاشة وضعف، وكذا في ردوده، الأمر الذي يجعل النَّصارى يستطيلون عليه بالسخرية والاستهزاء به وبدينه (¬2). وبعد هذا العرض لنماذج من العمل التنصيري عبر المنتديات الحواريّة –بنوعيها- نخلص إلى القول بأنّ الجهد المبذول من قبل النّصارى في استغلال وسيلة المنتديات الحواريّة جهدٌ كبير في حجمه؛ متنوع في سبل عرضه؛ قوي في شكل طرحه. وهو في الجملة يأخذ ثلاثة أشكال رئيسية. أولها: عرض الديانة النصرانية وفق معتقد الكنيسة التي يرجع إليها أصحاب المنتدى. وثانيها: الدّعوة إلى اعتناق النصرانية والتحول إليها من سائر الطوائف التي لا تدين بها. ¬
وتشمل هذه الدّعوة أتباع الكنائس الأخرى (¬1). وثالثها: الهجوم على كل ما هو متعلق بالدين الإسلامي. وللوصول إلى كل هدف من الأهداف الثلاثة يسلكون طرقاً شتّى؛ بيّن الباحث ما وقف عليه منها. وبهذا يتم الحديث عن هذه الخدمة التّفاعلية، وبعده نتناول في المبحث التّالي ما يتعلق بالتّنصير عبر المجموعات البريديّة. ¬
المبحث الثاني: التنصير عبر المجموعات البريدية
المبحث الثاني: التنصير عبر المجموعات البريديّة المجموعات البريديّة هي استخدام خاص لخدمة البريد الالكتروني. ولها تسمية أخرى؛ هي القوائم البريديّة الإلكترونية ( Electronic Mailing List) . وسوف يكون التَّعريف بها في المطلب التّالي مبيِّناً للمعلومات الأساسيّة. المطلب الأوّل: التَّعريف بالمجموعات البريديّة المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي أولاً: التَّعريف اللغوي: المجموعة: أصلها من الفعل جَمَعَ. قال ابن فارس: "الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضامّ الشيء". وجَمْعُ المتفرق: ضمُّ بعضه إلى بعض، والمفعول من جَمَع: مجموعٌ وجميع (¬1). وأمّا البريد: فهي كلمة فارسيّة تعني -في الأصل- البغل المقطوع الذنب. ثمّ عربت وأطلقت على الرّسول، ولذا تقول العرب: "الحمّى بريد الموت"، أي رسولُه الذي يُنذر به. وتطلق على المسافة بين السِّكتين. وتطلق -كذلك- على الرّسائل (¬2). وعليه؛ فالمجموعة البريديّة هي عدد من الرسائل مضمومةٌ في مكان واحد، أو عدد من المرسلين انضم بعضهم إلى بعض في مكان واحد. ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي: ¬
هناك عدة تعريفات اصطلاحيّة. منها: التَّعريف الأوّل: المجموعات البريديّة هي «قوائم تضم عناوين البريد الالكتروني لمجموعة من المستخدمين الذين يتشاركون في الاهتمامات ذاتها، وينتسبون إلى جهة معينة، بهدف تلقي الرسائل التي تصدر من المشتركين حول موضوع معين» (¬1). التَّعريف الثاني: المجموعات البريديّة هي «مجموعةٌ من الأسماءِ والعناوينِ المستخدمةِ من قبل فرد أو منظمة؛ لإرسال المواد لعدة مستلمين» (¬2). التَّعريف الثالث: المجموعات البريديّة هي «نظامٌ لإدارة وتعميم الرسائل على مجموعة من الأشخاص المشتركين بالقائمة عبر البريد الالكتروني» (¬3). وهذا التَّعريف هو الذي يختاره الباحث لاختصاره وشموله ودقة توصيفه لهذه الخدمة. وأمّا التَّعريفات الأخرى فإنها تفتقر إلى شيء من الدقة في الوصف، وقد تُدْخِل في التَّعريف ما ليس بلازم؛ كاشتراط انتساب أعضاء المجموعة إلى جهة معينة، فإنّ هذا لا يكون إلا في نوع محدد من المجموعات البريديّة سيأتي بيانه. ومثله اشتراط أن تكون القائمة مخصّصَةً لموضوع معيّن، وهذا موجود، ولكنّ الغالب في المجموعات تنوّع موضوعاتها واهتماماتها. المسألة الثانية: مكونات المجموعات البريديّة وأنواعها تتكون أي مجموعة بريديّة من أربعة أشياء. الأوّل: قائمة بعناوين البريد الالكترونية. الثاني: المسجِّلون في المجموعة. الثالث: الرسائل البريديّة المرسَلة لهذه العناوين. الرابع: العنوان الرئيسي للمجموعة؛ الذي يستقبل كل رسالة، ثم يرسل منها نسخة إلى عناوين المسجِّلين. والقوائم البريديّة ليست نوعاً واحداً؛ بل هي أنواع متعددة. ولكنّ أشهرَها، وأكثرَها استخداماً؛ نوعان: ¬
النوع الأوّل: قوائم الإعلان ( Announcement List) . وهذه يكون الإرسال فيها باتجاه واحد. ومن أمثلتها القوائم البريديّة لدى المصارف، التي تزود عملاءها بكشوفات حساباتهم أو بتنبيهات أو غير ذلك. ومن الأمثلة قوائم المواقع الإلكترونية على الشبكة، التي تزود المهتمين بآخر تحديثات ومستجدات هذه المواقع. النوع الثاني: قوائم النقاش ( Discussion List) . وهذه يكون الإرسال فيها لكل المسجلين بها، ويكون فيها نقاش وتبادل للآراء والمعلومات (¬1). وهذا النوع هو الذي نتحدث عنه في هذا المبحث. كما توجد اختلافات بين المجموعات من حيث إتاحة الاشتراك مباشرة، أو اشتراط موافقة مالك المجموعة. ومن حيث الاحتفاظ بأرشيف للرسائل في موقع المجموعة أو عدم ذلك. وهناك فروق وتفصيلات جزئيّة أخرى. المسألة الثالثة: أشهر المجموعات البريديّة قَلَّ استخدام المجموعات البريديّة بعد ظهور الشّبكات الاجتماعيّة على ساحة الشّبكة العالميّة، والتي وفرت هذه الخدمة ضمن مجموعة كبيرة من الخدمات الأخرى. ومع هذا فلا زالت المجموعات البريديّة تحتفظ بشيء من شهرتها والإقبال عليها. وأشهر من يتيح هذه الخدمة موقعان، هما: 1) مجموعات موقع ياهو (¬2) ( Yahoo Groups) أنشئت عام 1998م، ويتجاوز عددها اليوم خمسة عشر مليون مجموعة (¬3). وهي متاحة لمن لديه بريد إلكتروني في هذا الموقع، وتقدم خدمات أخرى كوضع ملفات للمجموعة، وصور لها، وكذا إجراء المحادثة بين أعضاء المجموعة. وبها خيار تصفح الرسائل من خلال ¬
المطلب الثاني: مدخل إلى المجموعات البريدية التنصيرية
الموقع أو إرسالها دفعة واحدة يوميًّا إلى بريدك الإلكتروني أو إرسال كل رسالة لحظة وصولها للمجموعة. 2) مجموعات موقع قوقل (¬1) ( Google Groups) أنشئت عام 2001م، ويقرب عددها اليوم من خمسة ملايين مجموعة. وهي متاحة لمن لديه بريد إلكتروني في هذا الموقع. وتقدم خدمات أخرى كوضع ملفات للمجموعة، وصور لها، وكذا إجراء المحادثة بين أعضاء المجموعة. وبها خيار تصفح الرسائل من خلال الموقع أو إرسالها دفعة واحدة يوميًّا إلى بريدك الإلكتروني أو إرسال كل رسالة لحظة وصولها للمجموعة. المطلب الثاني: مدخل إلى المجموعات البريديّة التنصيرية المجموعات البريديّة التي يديرها نصارى كثيرةٌ جداً (¬2). ففي دليل (مجموعات موقع ياهو) تحت تصنيف الديانة النصرانية؛ هناك ما يزيد عن خمسة وستين ألف مجموعة (¬3). ولكنَّ هذا العدد يشمل سائر اللغات، وليس محصوراً على اللغة العربية. والعدد في دليل (مجموعات موقع قوقل) تحت تصنيف الديانة النصرانيّة يفوق ثمانية آلاف مجموعة. لكنّ الدراسة في هذا المبحث ستتناول ثلاث مجموعات بريديّة (¬4): الأولى: مجموعة "المسيح يحبك" (¬5) ( Jesus Loves You) ¬
وهي مجموعة قبطية أرثوذكسية أنشئت عام 2006م. عدد أعضائها يقرب من ستة عشر ألف عضو؛ كتبوا ما يقرب من تسعة عشر ألف موضوع. ومعدل الرسائل: ثلاث عشرة رسالة يوميٍّا (¬1). وشعارها الذي في صفحة الواجهة؛ صورة البابا كيرلس السادس (¬2)، وصورة البابا شنودة الثالث (¬3). الثانية: مجموعة "الخروف الضالّ" (¬4) ( Elkharoof Eldaal) وهي مجموعة قبطية أرثوذكسيّة أنشئت عام 2005م. عدد أعضائها يزيد عن ثلاثة وخمسين ألف عضو؛ كتبوا قرابة أربعة عشر ألف موضوع. ومعدل الرسائل: خمس رسائل يوميًّا. وشعار المجموعة: عدد من الصور الرمزية لنبي الله عيسى - عليه السلام - يسوق خرافاً أمامه. الثالثة: مجموعة "الله محبة" (¬5) ( God Is Love) وهي مجموعة قبطية أرثوذكسيّة أنشئت عام 2004م. عدد أعضائها يفوق أربعة وأربعين ألف عضو؛ كتبوا ما يزيد عن ألفي رسالة. ومعدل الرسائل: رسالة واحدة يوميًّا. وشعار المجموعة: صورة لكنيسة يشع منها النور، والنّاس يدخلون إليها أفواجاً. والدراسة تقوم على قراءة آخر ألف رسالة لكل مجموعة ممّا سبق. ففي المجموعة الأولى قرئت الرسائل من 17920 إلى 18919. وفي المجموعة الثانية قرئت الرسائل من 12907 إلى 13906. وفي المجموعة الأخيرة قرئت الرسائل من 1331 إلى 2330. ¬
المطلب الثالث: جوانب التنصير في المجموعات البريدية
المطلب الثالث: جوانب التنصير في المجموعات البريديّة بعد الاطلاع على ثلاثة آلاف رسالة في المجموعات البريديّة الثلاث محل الدراسة، أمكن الخروج بتصور يقسم موضوعات الرسائل -بشكل إجمالي- إلى أربعة أقسام: القسم الأوّل: موضوعات تختص بالديانة النصرانيّة. القسم الثاني: موضوعات تختص بالكنيسة التي تنتمي لها المجموعة. القسم الثالث: موضوعات تدعو إلى اعتناق النصرانيّة. القسم الرابع: موضوعات تهاجم الإسلام. وفيما يلي بيان هذه الأقسام، مع التعليق على ما يرى الباحث الحاجة إلى التعليق عليه، وختم كل قسم بخلاصة توضح محتواه بإجمال. القسم الأوّل: موضوعات تختص بالديانة النصرانيّة هذا القسم هو الغالب في موضوعات المجموعات البريديّة، ويحوي كتابات كثيرة جداً، يتم التطرق فيها غالباً إلى الآتي: 1. خدمة الكتاب المقدس، وذلك من خلال أوجهٍ عدّة. منها وضع روابط يُحمَّل منها الكتاب مكتوباً أو مسجلاً بالصوت، وكذا روابط الكتب التي فسّرته أو تناولت شيئاً من موضوعاته (¬1). 2. موضوعات في التأملات الروحيّة المأخوذة من بعض ما ورد في الكتاب المقدس عند النَّصارى (¬2). 3. الدلالة على مواقع تحميل الأناشيد الدينيّة، التي يسمونها التّرانيم. وهذه التّرانيم منها ¬
ما يكون بالصوت فقط، ومنها ما يصور بالصوت والصورة. والغالب أنّها تكون بأصوات جميلة، وبألحان وموسيقى مؤثرة، وبكلمات عاطفية آسرة. ويغلب عليها الصبغة الحزينة، وذكر قرب المسيح من أتباعه (¬1). 4. موضوعات تحوي قصصاً رمزية يُقصد من خلالها تقوية ارتباط النصراني بدينه، والتزام تعاليم هذا الدين. ومن ذلك البذل في سبيل الدعوة إلى النصرانية، كما في قصة صاحب المطعم الذي وضع في درج نقوده مسماراً، لكي يتذكر ما عاناه المسيح على الصليب -كما يعتقد النَّصارى-، وبعد بُخله أصبح سخيًّا في إعطاء المال لمندوبي الإرساليات كي يرد شيئاً من دَين المسيح عليه (¬2). وكثير من هذه القصص يُورد بشكل عاطفي لتطمين متبع الملة بقربِ المسيح منه، وحبِّه له، ودفاعِه عنه (¬3). 5. موضوعات في حبِّ المسيح، ووصفه بأوصاف عظيمة. منها أنّه الله الوحيد، ورب المجد، والقادر وحده على تقوية الإيمان، والفادي، ومصدر استنارة القلوب والأذهان (¬4). وإيراد قصص من استشفع بالمسيح فأنقذه من الهلكة أو الضائقة التي كانت به (¬5). 6. قصص معجزات القديسين عندهم. وفي بعضها ذكر أنّ هذه المعجزات يمتد إقناعها وأثرها حتى إلى غير النَّصارى. فهذا رجل غير نصراني يذهب للكنيسة للتبرع بالمال، وعند سؤاله عن السبب يذكر بأنَّه مرّ بضائقة، فرأى في المنام أحد القديسين يمسحه بالزيت ويبشره بذهاب كربته. ولما أصبح وجد تلك البشرى قد تحققت فعلاً، فقرر دعم الكنيسة (¬6). ¬
7. موضوعات حول ظهورات العذراء (¬1)، ومعجزات الاستشفاع بها (¬2). 8. قصص لبيان أنَّ الاستغاثة والاستشفاع بالقديسين يصنع المعجزات، وينتفع به النصراني غاية الانتفاع. فذلك الطالب المقبل على الامتحان لما استشفع بأحد القديسين رأى مسائل الامتحان على صفحات الكتاب، فاجتاز الامتحان، ثم لما بحث عن المسائل التي رآها لم يجدها في الكتاب (¬3). وفي قصة أخرى كان القمص يدعو مسلماً للتنصر فلم يستجب له، وكان أمامهما زجاجات خمر، فاستقبلها القمص وقام يصلي ويدعو إلى أن استحال السّائل فيها إلى كيروسين، فما كان من المسلم أمام هذه المعجزة إلا أن يدخل في النصرانيّة (¬4). وهذا النوع من القصص يُساق لأهداف عدة. منها تثبيت قلب النصراني بأنّه على الحق؛ إذ لو كان على باطل ما وقعت تلك المعجزات. وهذا المسلك –أي الاستدلال بالمعجزات على صحة العقائد- مشتهر جداً عند النَّصارى. ومنها ربط الأتباع بهؤلاء القديسين المعظَّمين عندهم. ومنها الإيحاء بأنّ لهؤلاء مكانة كبيرة عند الله، وعليه؛ فمكانة عيسى - عليه السلام - تكون أعظم وأعظم. 9. سرد جوانب مؤثرة من سير القديسين عندهم، لكي يتأسى بهم من بعدهم. ومن ذلك زهدهم في الدنيا، وكثرة مداومتهم على قراءة الكتاب المقدس، وتواضعهم وحسن تعاملهم مع النّاس، وحرصهم على هداية الوثنيين وغيرهم إلى اتباع المسيح، وتطوافهم في البلدان لأجل ذلك، وأنّ بعضهم –على أميته- كان يحفظ الكتب المقدسة عن ظهر قلب (¬5). ولا يخفى أنّ المقصودَ من هذا تعظيمُ الدِّين في قلوب أتباعه، وتحبيبُهم في هؤلاء القديسين، ودعوتهم للتأسي بهم في التحلي بالأخلاق الحسنة، وفي الاجتهاد في الدعوة إلى ¬
النّصرانيّة. 10. سرد أقوالٍ موجزة مؤثرة للقديسين عندهم، مدارها على تثبيت العقيدة في النفوس، وتبشير المهمومين والمحزونين بقرب الفرج، وربطُ جأش متبع الملة بأنّ المسيح معه على الدوام، وشفاعة القديسين تحيط به، وقوات السماء تحرسه، وأنَّه مأجور على كل ألم يصيبه (¬1). 11. الدلالة على مواقع تحميل الكتب الدينية النصرانيّة (¬2). 12. إحياء تِذكار مواعيد وفاة القديسين والشهداء عندهم. وذلك بكتابةِ موضوعات مطولة عن سير هؤلاء، مع وضع صور تخيليّة أو حقيقيّة لهم، وإنشادِ ترانيم في حبهم والشوق إليهم، وتسجيلِ ملفات مرئيّة (أفلام) عن سيرهم (¬3). وهذه الأقوال تختار بعناية، وتكتب في تصاميم جميلة. 13. الدلالة على مواقع تحميل الملفات المرئيّة (الأفلام) النصرانيّة الوثائقيّة التي أُنتجت عن بعض أنبيائهم، أو الأسفار المقدّسة عندهم (¬4). 14. الدلالة على مواقعِ ملفات مرئية تشرح بعض العقائد النصرانيّة وتقربها إلى أفهام العامّة، كعقيدة الفداء مثلاً (¬5). وبعض هذه الأفلام يكون موجهاً إلى الطفل بحيث تكون ¬
الشخصيات فيه كرتونيّة يقبل عليها الطفل (¬1). 15. الدلالة على مواقع القنوات الفضائيّة النصرانيّة العربيّة والأجنبيّة التي تبث من خلال الشبكة العالميّة (¬2)، وذكر أخبار هذه القنوات وبرامجها (¬3). 16. موضوعاتٌ في الدفاع عن النصرانيّة على الشبكة العالميّة. وذلك بالتواصي لعمل احتجاج إلكتروني لإدارات المواقع الكبرى التي يُنشر فيها ما يرون أنَّه يسيء للديانة النصرانيّة. ومن أمثلة ذلك: المطالبة بإلغاء بعضِ الحسابات في الشبكات الاجتماعية (¬4)، وبعضِ الملفات المرئيّة في مواقع تبادل الملفات المرئيّة (¬5). وهكذا نجد أنّ موضوعات هذا القسم غالبها تهدف إلى تثبيت العقيدة النّصرانيّة في نفوس أتباعها، وتقوية إيمانهم، بما يحول دون تأثرهم بما يخالف هذه العقائد في قليل أو كثير. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فإنّ المسلك الوحيد المتّبع هو سلوك الجانب العاطفي دون غيره من الجوانب العلمية أو العقليّة أو غيرها. فلا مجال لمناقشة العقائد أو الشعائر أو الطّقوس النصرانيّة إلا فيما ندر. وإنّما التركيز على التأملات الرّوحيّة، والقصص، والتّرانيم، والتّعلق بالمسيح وظهورات العذراء ومعجزات القديسين، وتَذَكُّر سيرهم. ولعلّ سبب تجنّب ذكر المسائل العقديّة تصادمها مع العقل. ولهذا يقول الحسن بن أيوب –وكان من كبار علماء النَّصارى-: «أُعلِمك –أرشدك الله- أنّ ابتداء أمري في الشّك الذي دخلني فيما كنت عليه، والاستبشاع بالقول به من أكثر من عشرين سنة، لما كنت أقف عليه في المقالة من فساد التّوحيد لله عز وجل بما أُدخل فيه من القول بالثلاثة ¬
الأقانيم، وغيرها ممّا تضمنته شريعة النَّصارى» (¬1). ومثلُه ما خَلُص الدكتور محمد فؤاد الهاشمي –وكان نصرانيًّا ثم أسلم- إلى التصريح به، فقال: «وإني لا يسعني هنا إلا أن أعلن أنَّ كلَّ ما آمنتُ به ودرستُه من قبل كان ألغازاً، وشِبهَ عُقَدٍ لم أستطع حلها آنذاك، ولكنْ لما أراد الله لي الهداية، وَضُح في أنه لا يقوم دليل واحد يُثبت صحة العقيدة التي نشأتُ عليها» (¬2). وكذا نقده لجملة من المعتقدات التي كان ملزماً في نصرانيته بالإيمان بها، فقال: «وبدأتُ تمحيص كل شيء، والبحث في كل شيء، فتعرضت لدين يقول إنّ الله ثلاثة أو ثالث ثلاثة، وصدمت بأنّ الله سُفك دمه على الصّليب تارة، وأنّ ابنه هو الذي صلب تارة أخرى. كما تفتحت عيني على أنّ غفران الذنوب متوقف على ارتكاب جريمة قتل. كما علمت أنّ كل بني آدم مظلومون (¬3) لأنهم خرجوا من صلب من عصى الله فورثوا الخطيئة فاستحقوا العذاب. فكان لزاماً على العقل المستنير أن يشك، بل يكفر .. » (¬4). وأمّا التركيز على التّراتيل والألحان فهو ديدن التعليم الكنسي غالباً. ولذا يذكر الدكتور الهاشمي أنّه أولَّ ما أنشئ فصل دراسي في كنيسة قريته؛ جيء بمعلم للخط والحساب، وآخر لتحفيظ الألحان والتّراتيل والتّرانيم والأناشيد (¬5). القسم الثاني: موضوعات تختص بالكنيسة التي تنتمي لها المجموعة. لما كانت المجموعات البريديّة الثلاث -محلَّ الدراسة- تنتمي للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية؛ فغالب الموضوعات يتحدث عمّا يتعلق بها. ومن ذلك: 1) أخبار رئيس الكنيسة، وعظاته، ومحاضراته (¬6). وإيراد روابط هذه المحاضرات ¬
بالصوت فقط، أو بالصوت والصورة، أو مفرغة كتابة (¬1). وكذا إيراد روابط الأفلام الوثائقية التي سجلت عنه، كالفيلم الذي سجلته قناة الجزيرة الوثائقيّة (¬2). 2) الدلالة على روابط البث المباشر للكنائس عبر الشبكة العالمية، وذلك ليأخذ البركة مَن لديه مشاغل تعوق دون حضوره الشخصي للكنيسة كما ذكروا (¬3). 3) الكتابة عن الأنشطة الدّعوية التي تقوم بها بعض الكنائس. ومن ذلك خدمة زيارة المرضى من النَّصارى والمسلمين في المستشفيات، وتقديم المساعدات المالية والعينية والغذائية لهم، إلى جانب الخدمة الدينية المتمثلة في القراءة من الإنجيل، ونقل مَن يرغب في الحضور إلى الكنيسة لإقامة صلاة القداس وحضور حفلات التّرانيم الدينيّة (¬4). 4) الدلالة على روابط الدروس التي تعلم اللغة القبطيّة (¬5). 5) تغطية فعاليات المظاهرات التي يقوم بها النَّصارى في مصر وخارجها (¬6). وهكذا فإنّ موضوعات هذا القسم تدور حول الكنيسة القبطيّة، ورئيسها الحالي، وبيان شيء من أنشطتها الدّعوية، وكذا الموضوعات التي لها تعلق بأخبار الأقباط، وتدارس اللغة القبطيّة. القسم الثالث: موضوعات تدعو إلى اعتناق النصرانيّة. وفي هذا القسم نجد الآتي: ¬
1) قَصصٌ مصورة تبين –حسب معتقد كاتبيها- النهاية الأليمة في نار جهنم لمن لم يؤمن بالمسيح، والنهاية السعيدة في الجنّة لمن آمن به (¬1). وفي هذا استخدام لأسلوبي التّرغيب والتّرهيب من أجل دعوة النّاس إلى اعتناق النصرانيّة، وترك دياناتهم. 2) قَصصُ المتحولين للنّصرانيّة من المسلمين أو غيرهم، وإن كان الغالب ذكر من تحولوا من المسلمين. وتساق هذه القصص بأساليبَ يُقصد من ورائها تشويه صورة الإسلام تصريحاً أو تلميحاً. فهذه شابّة مسلمة تذكر أنها نشأت في بيت إسلامي يجمع المتناقضات التي تبدأ من الأبِ المتدين المتشدد، ثم الأمِّ المتحجبة سليطة اللسان، والأخِ المتعاطي للمخدرات، وانتهاءً بالأخ الثاني الذي وصمته بالإرهابي. ولأنّها لم تكن تنجب؛ فقد ساقها زوجها المسلم إلى مشعوذة تعالج بالسحر، ثم قرر الزّواج عليها لأنَّ دينه يبيح التعدد بأربع كما ذكرت. ثم تسوق قصة تنصرها حين رأت كنيسة في آخر الطريق، فدخلتها ووجدت الرّاحة والطمأنينة النفسيّة. ولما حرمت من هذه السعادة بسبب اكتشاف أمرها ذاقت صنوف العذاب، إلى أنْ ظهر لها المسيح في غرفتها ذات ليلة، فملأ المكان نوراً؛ شاهده الزوج فتنصر. وهكذا بدأت طريقها في الدعوة التي كان نتاجها استجابةُ خمسة عشر شخصاً من عائلتها (¬2). ومثلها قصة تلك المسلمة التي تعرفت على النصرانية واعتنقتها بواسطة مشرف أحد المواقع النصرانيّة على الشبكة. وتذكر في قصتها أنها كانت حافظة للقرآن، ثم لما تنصرت ضربها والد زوجها [وهو داعية معروفٌ ذكرت اسمه] وحبسها في غرفة، وهددها بإقامة حد ¬
الردة عليها، وأخذ يقرأ عليها القرآن كل يوم (¬1). وهكذا نجد في سياق هذه القصص ما ينفر من الإسلام؛ من وصف أتباعه بالتشدد، وسوء الأخلاق، ومقارفة المخدرات، والقناعة بالشعبذات والأعمال السحرية، إضافة إلى اتصافهم بالإرهاب وترويع الآمنين. وفيها ما يصف القرآن بانعدام أثره في قلوب حافظيه؛ فضلاً عن قارئيه. واتهام الإسلام بإكراه الآخرين على الدّخول فيه. وكذا الطعن في بعض حدود الإسلام، كحد الردة، ولمز المشايخ والعلماء، والطعن فيهم. وفي المقابل يصور الدين النصراني بأنّه دين محبة ورحمة؛ إلى درجة ظهور المسيح لأتباعه وتجليه لهم تثبيتاً وتشجيعاً. وتصوير الكنائس في هيئة دورٍ مملوءةٍ بالسّعادة والأنس والاستقرار النفسي. 3) قصص رمزيّة تصور رحمة الديانة النصرانيّة، ودعوتها للمحبة والألفة، واحترامها لإنسانيّة الشخص، ولو كان فقيراً، طالما هو مقبل بقلبه على الكنيسة يصلي ويتضرع. فهذا طالب جامعي فقير، أراد أن يدخل الكنيسة للصلاة في يوم أحدٍ بثيابه الرّثة وشعره الأشعث وقدميه الحافيتين؛ ولما لم يجد مقعداً جلس على الأرض إلى جانب منبر الوعظ، وأعينُ النّاس ترمقه وتزدريه. وفي هذه اللحظة رآه شمّاس (¬2) قد بلغ من السن عتيًّا، فتقدم إليه في خطوات مثقلة، وجلس إلى جانبه على الأرض حتى لا يكون شاذًّا في تصرفه. وهنا يقول الواعظ: «كنتُ قد عزمتُ أن أعظكم اليوم، لكنْ مهما وعظتكم به فسوف تنسونه، إلا هذا المشهد فلن تنسوه أبداً. تعلموا كيف تعيشون المحبّة حتى يصير كلُّ واحد منكم إنجيلاً حيًّا مقروءاً من جميع النّاس» (¬3). ¬
وخلاصة موضوعات هذا القسم الدّعوة إلى اعتناق النصرانيّة بأسلوب صريح مباشر، أو عن طريق القصص التي يصور من خلالها تحول مسلمين عن دينهم إلى الدين النصراني، وكيف أنهم نعموا بالطمأنينة والسّعادة. أو بأسلوب القصص التي تحكي جوانب الرحمة والإنسانية في النصرانيّة. وفي بعض الأحيان يُلجأُ لأسلوب التّرهيب والتّخويف بسوء مآل مَن لم يؤمن بالمسيح مخلِّصاً. القسم الرابع: موضوعات تهاجم الإسلام. وفي هذا القسم نجد الآتي: 1) بث الشبهات حول كل ما يتعلق بالدين الإسلامي. ومن ذلك: حديث الإسلام عن صفات الله جل وعلا، وأنّ منها أنّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ثمّ يعاقب من يضل من عباده (¬1)، وأنه يأمر بالفسق، ويأمر بالقتل. وكذا الشبهات حول النبي - صلى الله عليه وسلم -. والطعن في دين الإسلام، ووصمه بالضعف، وفي المقابل يوصف الدين النصراني بالقوة الذاتيّة التي تجعل الداخلين فيه سنويٍّا بالملايين -كما ذكروا (¬2). 2) الحديث عن اعتداءات يقوم بها المسلمون ضد النَّصارى وكنائسهم. والتنادي إلى جمع صفوف النَّصارى للوقوف أمام الاضطهاد الديني الذي كان المسلمون ولا زالوا يمارسونه ضدهم –كما ذكروا (¬3). وتصوير هذه الاعتداءات بأنها سيقت بتأثير تعاليم الدين الإسلامي. فذلك المسلم يضع سكينه على رقبة القمص ويأمره بالنطق بالشهادتين إذا رغب أن لا يكون مصيره الذبح في الحال! وتلك المجموعة من المسلمين تتنادى: «الله أكبر! أموالُ النَّصارى حلال للمسلمين»، ثم تقتحم بيوت النَّصارى، وتقتل وتجرح وتنهب الأموال دون ¬
رأفةٍ حتى بالصبية والنساء (¬1). إنّ حوادث الصدام بين المختلفين في الأديان تقع في كل مكان، ولكنّ الإشكال في استغلال النَّصارى لهذه الحوادث للطّعن في الإسلام، وتصويره بالدّين الذي يجبر كل أحد على اعتناقه أو القتل والذبح بصور بشعة دمويّة. أو إظهاره بصورة دين همجي يبيح لأتباعه قتل المخالفين ولو كانوا أطفالاً أو نساءً أو رهباناً، واستحلال مهاجمة بيوتهم الآمنة، وسلب ما فيها من الأموال والممتلكات. 3) الهجوم على المواقع الإسلاميّة على الشّبكة، ووصفها بالإرهاب والانتماء إلى التنظيمات الإرهابيّة، وكذا تلقي الدّعم من دولٍ وهّابيّة (¬2) تسعى لنشر الفكر الوهّابي في بلاد أخرى؛ كما ذكروا. وتكذيب ما تذكره هذه المواقع الإسلاميّة ممّا يتعلق بالنّصارى (¬3). 4) تكذيب ما ينشره المسلمون من أخبار تسيء إلى الكنيسة القبطية، أو إلى رئيسها، كسوء معاملة من يعتنق الإسلام من أتباع الكنيسة (¬4). 5) عرض المقالات التي يكتبها أناس ينتسبون للإسلام، وفيها ما يطعن في الإسلام والمسلمين (¬5). ¬
وهذا المنهج –على انتقائيته وبُعده عن الإنصاف- لو عوملوا به مثلاً بمثل ما قبلوا. فإنّ من كبار علمائهم ومفكريهم في القديم والحديث مَن انتقد عقائدهم وشعائرهم وطقوس عباداتهم وكتابهم المقدس، مع بقائهم على نصرانيتهم، فضلاً عن أن يكون مصدر النقد من خارج هذه الدائرة. 6) مهاجمة المسلمين، واستنكار ما يقومون به من جهود دعويّة. ومنها دعوة النصرانيات إلى الإسلام. فيصورون أنّ الهدف من ذلك هو الاستمتاع بهن في الآخرة، وليس حب الخير لهن، بدليل أنَّ الإسلام –كما يقولون- يحتقر المرأة، ويرى أنها ناقصة دين وعقل، وأنها تنقض الوضوء، وأن النّساء أكثر أهل النّار. وبدليل أنَّ الشيوخ المسلمين إذا جاءهم المسلمات للتوبة وتعلم أمور الدين طردوهم شر طِردة –كما ذكر أحدهم أنه رأى ذلك مراراً (¬1). وهذه الأقاويل يراد من خلالها الطعن في الإسلام وأتباعه، وتصوير المسلمين على أنهم أهل شهوات. ويراد منها تنفير النَّصارى من الإسلام، وتبغيضه إلى قلوبهم. وكذا إرسال سهام الشك إلى قلوب المسلمات بأنّ دينهن لم يمنحهن المكانة اللائقة. والخلاصة أنّ موضوعات هذا القسم تسعى لتزيين الدين النصراني، وتشويه الدين الإسلامي. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف يوصم الإسلام بأنّه دين إرهاب وعدوان واستحلال لدماء وأموال المخالفين له إذا لم يدخلوا فيه مكرهين، وتُؤخذ الحوادث التي تقع من آحاد المسلمين لتعميمها على كلِّ مسلم ومسلمة بدعوى أنّها امتثال لأوامر الدّين الإسلامي الذي يحث على كلِّ قبيح، ولو تظاهر المسلمون بخلاف ذلك- كما يقولون. وهكذا يستمرون في الطعن في عقائد الإسلام وشرائعه، وفي نبيّه وكتابه، وفي السُّنّة النبوية. ¬
وفي سبيل تبغيض المسلمين في قلوب غيرهم يصمونهم بألقاب تَرَسَّخ في نفوس كثيرين كرهُها والنفرةُ منها. وهم في هذا يتنكبون الطريقة العلمية المنصفة في إصدار الأحكام، فيُبرزون المواقف والأفعال السيئة التي قد يقوم بها منتسب للإسلام، ثم يسقطونها على الدّين. ناهيك عن أساليب السباب والشتائم. وبهذا يتم الحديث على هذه الخدمة، وننتقل منها إلى خدمة مواقع المحادثة.
المبحث الثالث: التنصير بواسطة خدمات المحادثة
المبحث الثالث: التّنصير بواسطة خدمات المحادثة تمثل المحادثة عبر الشبكة العالمية مساحةً كبيرةً من حزمة البيانات المتبادلة بين مستخدمي الشبكة. وتعتبر الدافع الرئيسي وراء اتصال أكثر من ربع المستخدمين، بالرغم من أنها لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من إمكانات الشبكة (¬1). وأصل هذه الخدمة مشروع صغير أنشأه المبرمج جاركو أوركاينين، في أغسطس من عام 1988م، وسمّاه IRC اختصاراً لعبارة Internet Relay Chat أي: التحادث المتناوب عبر الشبكة (¬2). هذه الخدمة -التي بدأت بمشروع بسيط- أصبحت اليوم في مقدمة الخدمات التي يقبل عليها النّاس بشكل يومي. وفي المطلب التّالي نعرف بهذه الخدمة، ونبين جوانب أهميتها. المطلب الأوّل: التَّعريف بخدمات المحادثة المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي أولاً: التَّعريف اللغوي: كلمة المحادثة في الأصل مأخوذة من الحديث، وهو الخبر قليله وكثيره. وفي لسان العرب: «المحادثة مفاعلة من الحديث، والمحادثة والتحادث والتحدث والتحديث: معروفات» (¬3). وعليه؛ فالمحادثة تجاذب أطراف الحديث بين شخصين أو أكثر. ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي: هناك عدة تعريفات اصطلاحيّة للمحادثة عبر الشبكة العالميّة. منها: ¬
التَّعريف الأوّل: المحادثة عبر الشّبكة هي «حديث عبر شبكة الإنترنت، عبر برامج المحادثة، بين شخصين أو أكثر، في موضوع معين» (¬1). التَّعريف الثاني: المحادثة عبر الشّبكة هي «أي نوع من الاتصال عن طريق الإنترنت، لكن عادة ما تطلق على المحادثة الفردية بين شخصين، أو المحادثة النصية الجماعية في غرف الدردشة، باستخدام أدوات أو برامج المحادثة» (¬2). التَّعريف الثالث: المحادثة عبر الشبكة هي شكل من أشكال الاتصال التفاعلي المباشر الذي يمكن المستخدمين من إجراء محادثات في الوقت الحقيقي مع باقي المستخدمين الموجودين على الشبكة (¬3). ويرى الباحث أنْ تُعرف المحادثة بأنّها حديث مباشر عبر الشّبكة العالميّة، بواسطة برامج وغرف المحادثة، بين شخصين أو أكثر. وهو تعريف مبني على التَّعريف الأول، ومضاف إليه محددان هامّان. أولهما أن يكون هذا التحادث بشكل مباشر، أي في الوقت الفعلي ( Real-Time) ، ليخرج بذلك التحادث غير التزامني، كما في المنتديات الحواريّة، والبريد الالكتروني، والمجموعات البريديّة، وغيرها. والثاني إضافة (غرف التحادث) كوسيط آخر إلى جانب البرامج المستخدمة لهذا الشأن. كذلك حذفت عبارة (في موضوع معين) لأنها زيادة في التعبير. ويكثر استخدام كلمة (دردشة) لوصف هذه الخدمة، وهي كلمةٌ عربيّة تعني كثرةَ الكلام واختلاطَه (¬4). ولهذا فاستخدامها هنا صحيح بالنظر إلى كثرة المحادثات، وعدم التزام أغلبها بأصول الحوار من تقديم الأدلة، والتزام صحة النقل، وسلامة الكلام من التناقض، والبناء على ¬
القضايا المسلَّمة، والتجرد لقصد الحق بعيداً عن التعصب، وتحديد موضوع الحوار، والتزام آداب الحوار من حسن الاستماع، وعدم المقاطعة، ومنح كلِّ متحدث الفرصةَ الكافية لطرح وجهة نظره، وتقدير الخصم واحترامه وعدم التعرض لشخصه، وغير ذلك من أصول الحوار وآدابه (¬1). وأمّا كلمة (شات) فهي أعجمية، وهي نقل حرفي للمصطلح الإنجليزي ( chat) ، ومن معانيه: المحادثة بلا كلفة، والثرثرة، واللغو (¬2). وبرامج المحادثة على الشبكة العالميّة كثيرة، ولعل من أشهرها: PalTalk، InSpeak، Meebo، Tokbox، Userplane، SeeToo، Skype، Windows Live Messenger. وهي برامج يقوم المستخدم بتنزيلها على جهازه وتنصيبها، وبعد أن يتصل بالشبكة يبدأ بتشغيلها والتحادث من خلالها مع أي متصل بالشبكة عندما يستخدم نفس البرنامج. وتختلف هذه البرامج في ميزاتها، وفي التكلفة الماليّة التي تفرضها على المستخدم لقاء المزيد من الخدمات الإضافيّة. المسألة الثانية: أهمية خدمات المحادثة يمكن إبراز أهمية هذه الخدمات في الآتي: (1) سهولة الوصول إلى عدد كبير من النّاس، وذلك نتيجة الإقبال الكبير على هذه الخدمة، لما فيها من ميزات تواصليّة بين المستخدمين، في ظل سهولة التعامل وقلة التكاليف. (2) كثرة التطبيقات المفيدة لهذه الخدمة، ومن ذلك عقد الاجتماعات المباشرة بالصوت والصورة بين المهتمين بأمر مشترك دعوي أو تعليمي أو عملي أو اقتصادي أو سياسي أو غير ذلك، مهما تباعدت المسافات، دون الحاجة للسفر إلى مكان الاجتماع. ¬
المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر خدمات المحادثة
المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر خدمات المحادثة منافذ خدمات المحادثة التي تتيحها الشبكة كثيرة جداً، ولأجل الخروج بتصور واضح عن كيفية التّنصير عبرها فلعله من المناسب اختيارُ شكل بارز لهذه الخدمات، ودراستُه بالقدر الذي يغلب على الظن أن يكون كافياً للخروج بنتائج صحيحة. وقد جرى اختيار الباحث على برنامج البالتوك للمحادثة عبر الشبكة العالمية ليكون محل الدراسة (¬1)، وذلك للأسباب التالية: أولاً: يحتل الموقع مركزاً متقدماً في إحصائيات أكثر المواقع دخولاً، وذلك على مستوى الدول الإسلاميّة بخاصّة، أو على مستوى دول العالم بعامّة (¬2). ولذلك ففي الإحصائيات العالميّة فإنَّ أكثر الدخول للموقع يتم عن طريق المستخدمين في الولايات المتحدة الأمريكية (بنسبة 22%)، ثم المستخدمين في المملكة العربية السعودية (بنسبة 13%)، ثم المستخدمين في جمهوريَّة مصر العربيَّة (بنسبة 8%). ثانياً: كثرة عدد الأعضاء المسجلين في الموقع. ويتجاوز عددهم أربعة ملايين مستخدم، منهم قرابة سبعين ألف مستخدم فعلي في كل لحظة (¬3). ثالثاً: جمعه بين أشكال التحادث الثلاثة: الكتابيّة والصوتيّة والمرئيّة. وسوف تكون الدراسة لهذا البرنامج من خلال المسائل التالية: المسألة الأولى: التَّعريف ببرنامج البالتوك البالتوك هو موقع على الشّبكة العالميّة، يجمع قرابة أربعة ملايين مستخدم نشط شهريّاً -باعتبار أنّ المستخدم النشط هو الذي يسجل دخولاً للموقع ولو مرة واحدة خلال التسعين يوماً الأخيرة-، وقرابة السبعين ألف مستخدم على الشبكة في وقت واحد، موزعين ¬
على قرابة خمسة آلاف غرفة (¬1). وهو واحد من أشهر برامج المحادثة الفورية على الشبكة. وقد اكتسب هذه الشهرة لتقديمه تقنية مجانيّة (¬2) في نقل المحادثة النصية والصوتية والمرئية بشكل جماعي، وبجودة ونقاوة عالية، وبواجهة برمجيّة تمتاز بتسهيل التعامل مع البرنامج إلى حد كبير جداً. تعود ملكية البرنامج إلى الشركة الأمريكيّة ( AVM Software) ، التي تأسست في نيويورك عام 1998م. يتميز البرنامج بإتاحة النقل المباشر للمحاضرات والدروس والاجتماعات والمؤتمرات، وبإمكانية الالتقاء بالمختصين والمهتمين بجانب معين من جوانب المعرفة أيًّا كان مكانهم في العالم، والتناقش معهم في المسائل الدينيّة أو الاقتصاديّة أو العلميّة أو السياسيّة أو غيرها، في جو من اللقاء والحوار المباشر، بالنص أو الصوت أو الصورة أو بها مجتمعة. وبتكلفة زهيدة جداً إذا ما قورنت بتكاليف الاجتماع بنفس العدد بعيداً عن تقنيات الشبكة والاتصالات الحديثة. ومع كل هذه الميزات إلا أنّ هذا البرنامج يقف مجحفاً في صف مستخدميه من دول ما يسمّى بالشرق الأوسط، فلا يتيح لهم الدخول باسم المستخدم المجاني إلا إلى الغرف المدفوعة، باستثناء المستخدمين من داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، ومعظمهم من اليهود. ويواصل تحيزه بمضاعفة رسوم اشتراك المستخدمين من دول الشرق الأوسط إلى ضعفي نظرائهم من داخل الولايات المتحدة الأمريكيّة (¬3). يقدم هذا البرنامج خدمات المحادثة من خلال ما يسمى بالغرف ( Rooms) . وعند فتح ¬
أيٍّ من هذه الغرف نجد أنّ شاشةَ الغرفة مكونةٌ من جزء علوي به المعلومات الأساسية للغرفة كالاسم، واسم المالك، وعدد المستخدمين الموجودين في الغرفة في نفس اللحظة، وعدد المفعِّلين منهم للمحادثة المرئية. ثم الجزء التالي من التصميم مخصص لرسالة الغرفة، وهي عبارة موجزة يكتبها مالك الغرفة. ثم يأتي الجزء الثالث من التصميم -وهو الأكبر مساحة- ليبين أسماء المستخدمين في جزء منه، ويخصص الجزء الأكبر للحوار النصي. وفي الجزء السفلي من الغرفة خصصت المساحة للإعلانات الدعائيّة. المسألة الثانية: واقع التّنصير عبر برنامج البالتوك تحت تصنيف الأديان والروحانيّات ( Religion & Spirituality) - وهي غرف محادثة غير عربيّة- نجد خمساً وستين غرفة نصرانيّة، واثنتين وخمسين غرفة إسلاميّة، وسبعاً وثلاثين غرفة للأديان الأخرى. ولكن هذا التفوق للغرف النصرانيّة لا يستمر عندما ننتقل للغرف العربيّة، فتحت تصنيف الشرق الأوسط ( Middle East) نجد اثنتين وأربعين غرفة نصرانيّة، في مقابل مائة وثلاث غرف إسلاميّة. وهذا العدد للغرف غير ثابت، لعدة أسباب، منها أنّ من الغرف ما ينتهي اشتراكها ولا تجدد فتختفي من القائمة، ومنها ما تنشأ فتضاف للقائمة، ومنها ما يتحكم به مالك الغرفة فلا تظهر في القائمة إلا بعد دخوله إليها. وسوف يكون تركيز الدراسة على غرف المحادثة داخل التصنيف الأخير، لأنّ لغة الحديث فيها هي العربيّة. وقد تم اختيار أبرز ثلاث غرف منها، وهي التي حافظت على المراكز المتقدمة من حيث عدد الزوار طيلة فترة الدراسة. وهذه الغرف هي: 1 - غرفة: In Jesus all things have become new وترجمتها: في المسيح يصبح كل شيء جديداً.
ومتوسط عدد الزوّار فيها (¬1): 727 زائراً. 2 - غرفة: Voice of the Oppressed Christians وترجمتها: صوت المسيحيين المضطهدين. ومتوسط عدد الزوّار فيها: 225 زائراً. 3 - غرفة: ZILZAL وترجمتها: زلزال. ومتوسط عدد الزوار فيها: 57 زائراً. المسألة الثالثة: أشكال التّنصير في برنامج البالتوك تتعدد الهيئات والأشكال المستخدمة في العمل التّنصيري من خلال هذا البرنامج. ويمكن توضيح هذا التنوع من خلال الآتي: أولاً: أسماء الغرف التّنصيريّة أوَّلُ شيء يواجه الراغب في اختيار أي غرفة في هذا البرنامج هو اسم الغرفة. ومن خلال قراءة هذا الاسم يمكن للقارئ -بدرجة ما- معرفة توجه الحوار في هذه الغرفة. وباستعراض أسماء خمس وثلاثين غرفة تنصيريّة؛ كان الأكثر تكرراً: - الأسماء الممجدة للنصرانيّة والمسيح - عليه السلام -، وقد تكررت إحدى عشرة مرة. ومن هذه الأسماء على سبيل المثال: jesus Christ is the way، ومعناها: يسوع المسيح هو الطريق. وكذلك غرفة: jesus the light of the world، أي: يسوع نور العالم. - الأسماء الدالة على الاستعداد لمحاورة المسلمين، وقد تكررت ست مرات. ومنها على سبيل المثال: Christian and muslim friendly dialogue، أي: حوار الصداقة المسيحي الإسلامي. وغرفة muslims and Christian we are here for you، أي: مسلمين ¬
ومسيحيين؛ نحن هنا من أجلكم. - الأسماء الدّالة على الكنيسة القبطيّة، وقد تكررت خمس مرات. ومنها للتمثيل: Coptic Orthodox St Mary And Mar Girgis، وترجمتها: كنيسة مريم ومار مرقص القبطية الأرثوذكسية. وغرفة Coptic Orthodox CHURCH، أي: الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة. ثانياً: رسائل الغرف التّنصيريّة. والمقصود بها محتوى الشريط الذي يكون في أعلى الغرفة قبل مساحة النقاش النصّي. وغالباً ما تسجل به عبارات موجزة تعبر عن توجه مالك الغرفة. وهذه العبارات تغير من وقت لآخر. وباستعراض رسائل خمس وثلاثين غرفة تنصيرية كانت المحصلة كالتالي: - تمجيد النصرانيّة والدعوة لاعتناقها. تكرر خمساً وعشرين مرة. - الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -. تكرر أربع مرات. - الطعن في القرآن الكريم. تكرر ثلاث مرات. - الطعن في الدين الإسلامي بشكل عام. تكرر ثلاث مرات. ثالثاً: دعايات الغرف التّنصيريّة. والمقصود بها محتوى الجزء السفلي للغرفة. وغالباً ما يضع مالك الغرفة به مجموعة من التصاميم الدعائية تظهر تباعاً. وباستعراض دعايات الغرف التّنصيريّة كانت المحصلة تنوع المحتوى، وشموله ما يلي: - الدعايةُ لمواقعَ نصرانيّة على الشبكة العالميّة. - الدعاية لمواقع على الشبكة تهاجم الإسلام والقرآن والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. - الدعاية لمواقع شخصيّات نصرانيّة. - الدعاية لمواقع قنوات فضائيّة نصرانيّة تبث على الشبكة، أو لبرامج مشهورة فيها. - الدعاية لمواقع على الشبكة تختص بالكتاب المقدس عند النصارى، أو بالترانيم، أو
بالمعجزات للمسيح - عليه السلام - أو للمقدسين عندهم. - الدعاية لمواقع تختص بالكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة. - تصاميم لعبارات وردت في الأناجيل عندهم على لسان المسيح - عليه السلام -. رابعاً: عبارات الترحيب بزائر الغرفة والمقصود بها العبارة المبرمجة مسبقاً بحيث تظهر مباشرة عند دخول الزائر للغرفة في جزء الحوار النصي. هذه العبارة تمثل الانطباع الأول للزائر، ولها أهميتها في نفس الزائر. وقد كان العرب يولون الترحيب بالضيف اهتماماً كبيراً، ويجعلون الحديث والبسط، والتأنيس والتلقي بالبشر، من حقوق القِرى ومن تمام الإكرام (¬1)، وتُروى لهم في ذلك روائق الأقوال والأشعار. وما ذلك إلا لأثر هذه العبارات في نفس المخاطب بها. وقد وضَّف ملاك الغرف التّنصيريّة هذا الجانب لخدمة دعوتهم. ولذا نجد لهم عبارات ترحيبيّة دعوية، من أمثال: "سلام المسيح في قلبك"، وغيرها من العبارات. خامساً: المحادثة النصية والصوتية (¬2) وهذا هو الشكل الأساس في هذا البرنامج وغيره من برامج ومواقع المحادثة على الشبكة. والأصل فيه المحادثة الصوتيّة المباشرة، حيث يدير مالك الغرفة أو من أعطاه صلاحية الإدارة تنظيم العملية الحوارية، فيعطي المجال للراغب في التحدث، وتمتد الصلاحية إلى إمكان منع الزائر من الحديث أو الكتابة، وتصل لإمكان إخراجه من الغرفة. ونظراً لأهمية هذه الفقرة في دراسة التّنصير عبر المحادثة فسوف يكون الحديث مبسوطاً عنها في المطلب التّالي. وهكذا نجد أنّ المنصرين يعملون جاهدين على استغلال إمكانات هذا البرنامج البارز من برامج المحادثة المباشرة على الشبكة. فعلى الرغم من أنّ الأساس في البرنامج هو التحادث ¬
المطلب الثالث: جوانب التنصير في غرف المحادثة
الصوتي والنصي والمرئي؛ إلا أنّهم يستفيدون من جوانبه الأخرى. فاسم الغرفة يحمل رسالة تنصيريّة، ورسالة الغرفة تصاغ في عبارات موجزة موجهة، وإذا دخل الزائر وجد عبارة ترحيبيَّة ذات محتوى دعوي، ورأى من الدعايات ما يحمل المضمون الدعوي في عبارات موجزة وتصاميم جميلة. وكل هذا قبل أن يبدأ بمواجهة المحادثة بأشكالها. المطلب الثالث: جوانب التّنصير في غرف المحادثة في هذا المطلب نعرض بشيء من التفصيل لجوانب التّنصير عبر خدمات المحادثة، بأخذ برنامج البالتوك كأنموذج لذلك. وبدراسة الغرف التّنصيريّة العربيّة، يمكن حصر جوانب التّنصير فيها فيما يلي (¬1). الجانب الأوّل: الدعوة الموجهة للنّصارى يوجه بعض ملاك الغرف التّنصيريّة ومدراؤها وزوارها حديثهم إلى أتباع ملتهم. ويتناول هذا الخطاب أوجهاً عديدة، نذكر منها: 1. الحديث عن المعجزات والكرامات الشفائيّة التي جرت على يد المسيح - عليه السلام - وأتباعه في القديم والحديث لأناس ابتلوا بأمراض مستعصية، فشفوا منها، وكان ذلك سبباً في إيمان الكافر منهم، وزيادة يقين المؤمن. 2. الحديث عن تأملات روحيّة يقصد منها زيادة الإيمان وتقويته (¬2). ¬
3. البث المباشر أو المسجل لحفلات الترانيم التي تقام في بعض الكنائس. 4. وضع روابط لمقاطع مرئية على الشبكة، أو لمنتديات، أو لمجموعات بريديّة، أو لصفحات على الشبكات الاجتماعية، ممّا يخدم الدعوة الموجهة للنصارى. وهذا يُظهر قوة الترابط بين منافذ الخدمات التفاعليّة على الشّبكة. 5. حث النصارى على تعلم كتابهم المقدس وتدبره، وعلى جعل كل بيت مسيحي كنيسةً مستقلة عامرة بالعبادة والإيمان، وعلى صدق اللجوء للمسيح باعتباره الإله الحي، والاعتصام به والتوكل عليه. 6. حث النصارى على العمل الجاد في التبشير والدعوة لأجل نشر النصرانية في كل أنحاء العالم، واستغلال ما أتيح من وسائل حديثة توصل لهذا الهدف، والشفقة والصلاة لأجل الكفار الذين لم يؤمنوا بالنصرانيّة، لكي يهديهم المسيح للإيمان به، والنجاة من الوعيد المفزع الذي ينتظرهم في بحيرة النّار والكبريت، كما يعتقدون (¬1). الجانب الثاني: الدعوة الموجهة للمسلمين أتاحت مواقع المحادثة فرصاً لالتقاء المنصر بمن يستهدف دعوتهم على حال لم يكن يخيل لأحد سهولة تحققه فيما أعتقد. ولهذا فإنَّه على مدار ساعات اليوم فإنَّ هناك قسًّا يُنَصِّر، ومسلماً يراد له التحول عن دينه. ومن صور ذلك في غرف المحادثة: 1) دعوة المسلم الذي يدخل إلى الغرف التّنصيريّة إلى ترك دينه، واعتناق النصرانيّة. وقد يُكتفى بدعوة المسلم إلى البحث عن الحق من الأديان، والتخلي عن قناعته بأنَّه على الدين الحق الذي كل ما سواه باطل. 2) دعوة المسلمين في الغرف الإسلاميّة إلى اعتناق النصرانيّة. 3) الإجابة عن استفسارات بعض المسلمين عن بعض العقائد والشعائر الأساسيّة. ¬
ويكون ذلك بمحاولة تبسيط هذه الأمور العقديّة أو التعبديّة، وتأصيل التدليل عليها من الكتاب المقدّس عند النّصارى، وبيان شيء مما ترمز له من الدلالات. الجانب الثالث: مهاجمة الإسلام وهذا القسم هو الأغلب الأعم لوقت المحادثة في هذه الغرف حسب الدراسة. وسوف يكتفى هنا ببيان المسألة بشكل عام، دون الطرح التفصيلي للشبهات، لأنَّ ذلك خصص له الفصل الثاني من هذا البحث. ويمكن إجمال جوانب مهاجمة الإسلام في غرف المحادثة في الآتي: 1) غالب هجوم المنصرين موجه إلى النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -. ويشمل ذلك النسبة العظمى من الغرف النصرانيّة، وتملأ به ساعات الليل والنهار. والمطلع على هذه الغرف يستبين بجلاء أنَّ الهدفَ الأول هو إسقاطُ مكانة النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفوس المسلمين، وترسيخُ الصورة الذهنية السيئة عنه عليه الصلاة والسلام في نفوس غير المسلمين (¬1)، والإمعانُ في تبغيضه إليهم. ولتحقيق ذلك فإنهم يطعنون في صحة رسالته - صلى الله عليه وسلم -، ويطعنون في نسبه الشريف، وفي أخلاقه السّامية. 2) الطعن في زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه ?، وذلك بنسبة القبائح إليهم. 3) الطعن في القرآن الكريم. وذلك بتكذيب بعض قصصه، ونسبة بعضها إلى الخرافة. وكذا ذكر شواهد كثيرة يرون فيها تناقضاتٍ وأخطاءً نحويّةً أو تاريخيّةً أو جغرافيةً أو غير ذلك من أوجه مجانبة الصّواب. وكذا التشكيك في موثوقيّة النصّ القرآني الموجود بين أيدي المسلمين اليوم، من خلال تناول قضية جمع القرآن على عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وتوحيد المصاحف على عهد عثمان بن عفّان - رضي الله عنه -، ومن خلال كثرة طرح موضوع الأحرف السّبعة، والقراءات السّبع أو العشر. 4) الطعن في بعض عقائد الإسلام. وذلك كعقيدة القضاء والقدر؛ التي يطرحونها ¬
بالفهم الجبري، الذي يرى في الإنسان ريشةً في مهب الريح، مسلوب الإرادة والاختيار، وذلك للطعن في عدالة ورحمة إله المسلمين الذي يؤمنون به -كما يطرحون ذلك صراحة. ويضاف إليه تحريف معنى قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (¬1)، إلى أنْ يكون المقصودُ أنّ المسلم يعيش حياته قلقاً -وإن كان على الطّاعة- من أن يَمكر به مولاه فيجبره على فعل الكفر فيكون مآله العذاب (¬2) (¬3). 5) الطعن في بعض شعائر الإسلام، وعلى الأخص منها شعيرة الجهاد. الجانب الرّابع: الدفاع عن النصرانيّة وهذا يكون في الغرف النصرانيّة كما يكون في الغرف الإسلاميّة. ويكون بالتصدي لكل ما يثار حول النصرانيّة كتاباً وعقائد وشعائر. فيتولى النصارى محاولة إثبات صحة عقائدهم وطقوسهم التعبديّة وعصمة كتابهم المقدس، ودفع ما يثار ¬
المطلب الرابع: منهج التنصير في غرف المحادثة
للتشكيك في شيء منها. ومن سبل الدفاع عن النصرانية تكذيب قصص المتحولين عنها إلى الإسلام، والتشكيك في صدق نوايا من يعلن انتقاله إلى الإسلام. وفي المقابل تورد قصص المتحولين من الإسلام إلى النصرانيّة. المطلب الرابع: منهج التّنصير في غرف المحادثة إنّ المتتبع لغرف المحادثة التّنصيريّة يجد أنها -في الغالب- تتبع طرقاً متنوعة؛ بعضها بعيد كل البعد عن المنهج العلمي والأخلاقي في الطرح والمناقشة (¬1). وفي هذا المطلب نستعرض بعض هذه الطرق، ونجليها، ونورد ما يكون في بعضها من مجانبة لأمانة الطرح وأخلاق الحوار. فمن هذه الطرق: أولاً: التعرض لدين المسلمين ونبيهم وكتابهم ومقدساتهم بالسب والشتم بأقذع الأوصاف والألفاظ. وهو منهج ينأى بنفسه عنه كلُّ ذي خلق ومروءة من النّاس أيًّا كان دينه. ولا يُقْدم عليه -في الغالب- إلا مَنْ ضَعُفت حجته أو انعدمت. وهذا المنهج مخالف لتعاليم المسيح - عليه السلام - في الإنجيل الذي بين أيدي النصارى اليوم. ففي إنجيل متّى؛ يقول المسيح - عليه السلام -: (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، وصلوا من أجل مضطهديكم) (¬2). ومخالف لتعاليم بولس (¬3) -صاحب المكانة المقدّسة في النصرانيّة- حيث يقول في ¬
رسالته الأولى إلى أهل كورونثوس: (ونُجهد النّفسَ في العمل بأيدينا. نُشتم فنُبارك. نُضطهد فنَحتمل) (¬1). ولأنّ الإسلام جاء متمماً لمكارم الأخلاق فإنّا نجد في القرآن الكريم نهيَ الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإخبارَه أنَّ كلَّ أمة من الأمم قد زُين لهم ما يعبدون، ولله الحجة البالغة، والحكمة التامة فيما يشاؤه ويختاره (¬2). يقول جل وعلا: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3). ثانياً: عرض الديانة النصرانية بشكل مبسط، وحصر المطلوب من المسلم لكي ينجو؛ في الإيمان بأنَّ المسيح أكمل الفداء، فمن قبل ذلك حمل عنه المسيح الأثقال والأعباء وملأ قلبه بالمحبة وحياته بالسعادة. والاستدلال لذلك بشواهد من الكتاب المقدس، مثل: (آمن بالرب يسوع تنلِ الخلاصَ أنت وأهلُ بيتك) (¬4). ثالثاً: نزع الأدلة عن سياقاتها، ووضعها في سياقات مختلفة. وهو أسلوب تدليس وتضليل وتغييب للحقائق؛ بعيدٌ عن الأمانة في النقل والطرح. ومن صور ذلك؛ تجاهل أسباب النزول، وسياقات الأحاديث. ومن أمثلة ذلك سعي أحد مدراء أبرز الغرف التّنصيريّة العربية لإثبات أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شاكًّا في أمر دينه ودعوته بدليل قوله (نحن أولى بالشك من إبراهيم). متجاهلاً إيراد سياق الحديث، لأنّ فيه ما يدفع تشبيهه على المستمعين. إنَّ هذا المدعي شكَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في دينه ودعوته يريد من العقلاء تجاهل عقولهم وتعمية ¬
أعينهم عن صاحب دعوة جابه بها قومه وحيداً بادئ الأمر، ثمّ في قلّة من أتباعه، متحملين صنوف الأذى والتعذيب والحصار والتقتيل، مهاجرين بدينهم بعيداً عن ديارهم وأموالهم. فهل يصبر أحد على هذا ثلاثاً وعشرين سنةً وهو متشكك فيما يدعو إليه؟! وهل يبني الشاكُّ دولة، ويكونُ له أتباعٌ يتجاوز عددهم اليوم ألفاً وخمسمائة مليون؟! وهل يُخرِّجُ الشاكُّ ملايينَ الأتباع المتيقنين من دينهم، الثابتين على دعوتهم، الباذلين حيالها الأرواح والأموال والأعمار؟! إنّ من يقول هذا كمن يريد لنا أن نقتنع أنّ أبلَهَ خرَّج عشراتِ المفكرين، ومتطبباً تتلمذ على يديه مئاتُ الجرّاحين البارعين! وقبل هذا وذاك؛ فإنّ سبب ورود الحديث يوضح المقصود ويُزيل اللبس. يقول ابن قتيبة الدينوري (¬1): «فأمّا قوله: (أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام -)، فإنّه لمّا نزل عليه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (¬2) قال قومٌ سمعوا الآية: شكَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ولم يشك نبينا - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام -) تواضعاً منه، وتقديماً لإبراهيم على نفسه. يُريد: أَنَّا لم نَشُكّ، ونحن دُونَهُ، فكيف يَشُكُّ هُوَ؟» (¬3). رابعاً: استغلال جهالة المتحدثين على الشبكة؛ جهالة حال وجهالة عين، لأجل التأثير على المدعوين. ومن ذلك إظهار من يتحدث بصوته -من الجنسين- ليخبر بأنَّه كان على دين الإسلام ¬
قبل أن يدخل الغرف التّنصيريّة ويتعرف على حقيقة الدين النصراني ثم يعتنقه، ليجد السعادة والراحة والطمأنينة والانفكاك عن ما يسميه بقيود الإسلام وتعاليمه المخالفة للفطرة والعقل. ومنهم من يُظهر أنه لا زال على الإسلام إلا أنه متأثر بما يطرحه القس في الغرفة، ثم يُظهر ازدياد تأثره وقناعته بكلام المنصر، وتراه يُمَكَّن من الحديث ليعبر عن ابتهاله للرب أن يهديه طريق الحق، ليُخْتَمَ هذا المشهد -الذي يتكرر كثيراً في هذه الغرف- باعتناقه النصرانيّة وسط ابتهاج النصارى وابتهالهم للرب أن يثبته. وهذه الحالات لا يعول عليها عند اعتماد المنهج العلمي الصحيح في قبول الأخبار أو ردها، وإن كان من المسلَّم به وجود من يتحوّل إلى النصرانيّة من المسلمين. وقد سار المسلمون على منهجيّة صارمة في قبول الأخبار، تشترط انتفاء جهالة العين والحال عن الرّاوي للنّظر في روايته. قال النووي (¬1) في التقريب والتيسير: «رواية مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تُقبل عند الجماهير» (¬2). وقال السيوطي (¬3) في شرحه لكتاب النووي المتقدم: «(وأما مجهول العين)، وهو القسم الثالث من أقسام المجهول: (فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة)، وَرَدُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث، وغيرهم» (¬4). ¬
والسيوطي يَذكر أنَّ الأخذَ عن المجاهيل منهجٌ متبع عند كثير من اليهود والنصارى فيقول: «وأما النقل بالطريق المشتملة على كذّاب أو مجهول العين فكثيرٌ في نقل اليهود والنّصارى» (¬1). خامساً: محاولة إبعاد أي فرصة لدى المستمع في الشك بصحة شيء ممّا يطرح عن الإسلام وكتابه ونبيه وسنته، وذلك بتكرار التأكيد على أنَّ ما يُطرح مصدره كتاب المسلمين وسنة نبيهم. وإعلان التحدي الصارخ لمن يستطيع نفي ذلك. ثم بعد ذلك تطرح الشبه والانتقادات التي يظهر للمستمع لأول وهلة أنها مأخوذة من الكتاب والسنة، ولكنها بعد التمحيص لا تعدو استدلالات لا تثبت على قدم التمحيص. وفي هذا السياق يكثر إحالتهم إلى مواقع إسلاميّة كبرى من أمثال موقع وزارة الشؤون الإسلاميّة السعوديّة (¬2)، وموقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (¬3)، في محاولة لتأكيد صحة ما ينقل، وأنَّ مصدره ما هو عند المسلمين مرجعٌ معتمد مصدق، فلا مجال لشبهة الافتراء والتقول على المسلمين. وهذا المنهج -أعني محاولة هدم الإسلام به وبأتباعه- له أهميته عند النصارى. وعليه قام كثير من النتاج الاستشراقي. وفي سياقه قدمت بحوث ورسائل علميّة، من أمثال رسالة الماجستير لإبراهيم خليل أحمد (¬4) -قبل إسلامه- والتي كان عنوانها: «كيف ندمر الإسلام بالمسلمين» (¬5). سادساً: الاستشهاد بمقاطع صوتيّة لبعض مشايخ المسلمين أو الدعاة المشهورين أو عامة ¬
المسلمين بطرق تحقق مآرب المنصرين، ومن أمثلة ذلك: المثال الأول: اقتطاع جزء من الحديث الصوتي مما يرد فيه لفظ سيء، وقطعه عن سياقه، وكثرة ترديده، بغية إظهار مشايخ المسلمين مظهر البعيدين عن محاسن الأخلاق، المتصفين برذائلها. ومن ذلك تكرار اجتزاء قول أحدهم: (يا ابن مقطعه البظور)، والتعليق عليه بما يوهم لجوء دعاة الإسلام إلى استخدام الألفاظ النابية التي يستحيى من ذكرها. ولو تم إيراد حديث الشيخ كاملاً لانتفى هذا التوهم، لأنَّ العبارة وردت في سياق منازلة حربيّة في غزوة أحد؛ بطلها أسد الله وأسد رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - (¬1). ولم يكن فيها حمزة شتّاماً، ولكنّه حكى حقيقةً ليفت في عضد منازله. قال ابن هشام (¬2): «ثم مرّ به سِبَاع بن عبد العزى الغُبْشاني، وكان يكنى بأبي نِيَار، فقال له حمزة: هَلُمَّ إلَيَّ يَا بن مُقَطِّعَةِ البُظُور- وكانت أمّه أمّ أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي .. وكانت ختّانةً بمكة» (¬3). المثال الثَّاني: بث مقاطع صوتيّة سجلتها بعض القنوات الفضائية لمسلمات مارسن نكاح المتعة مراراً، أو تعرضن لانتهاكات جنسيّة من أقاربهن. ثم التعليق على هذه المقاطع بما يصور أنَّ المنهجية الشهوانيّة سبيل يمارسه جل المسلمين بدافع من دينهم. المثال الثَّالث: بث مقاطع صوتيّة بصوتٍ يَظهر أنَّه لأحد الدعاة المسلمين، وفيه شرح لبعض أبيات نونيّة ابن القيم في وصف حور الجنة. وتحتوي المقاطع على تفاصيلِ ذكر المفاتن بصورة فيها تجاوز من الملقي. ثم تُخَلل فقرات الحديث بآيات من القرآن الكريم في هذا ¬
الباب؛ في عملية توليف (مونتاج) مكشوفة المقصد. المثال الرّابع: إيراد مقاطع صوتيّة لمشايخ يفتون فيها بمسائل شاذة كإباحة رضاع الكبير بإطلاق، ثم يتبع هذا بمقاطع لمقابلات أجرتها بعض القنوات الفضائية مع العامة من المسلمين في الشارع يستنكرون أن يكون هذا من الدين. ويُعْقِب هذا محاولة إقناع المستمعين بأنَّ هذه الفتوى من الدين الإسلامي (¬1)، وأنَّ هذا الدين يحوي من المنكرات الشيء الكثير، من أمثال هذه الفتوى، وأنَّ مشايخ الإسلام يكتمون هذه الأمور عن الأتباع إلى أنْ جاء من امتلك منهم الشجاعة فصرح بشيء منها. وكلُّ هذا وما سبقه وما يتبعه يراد منه التنفير من الإسلام بأساليب بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الطرح العلمي المنصف، الذي يعتمد الدليل والحجة والبرهان. وإلا كيف يسوغ إيراد هذا الطّعن في دين مُلئَ كتابه وسنّة نبيه بالنصوص الآمرة بعفة اللسان، والمعلية قدر خلق الحياء؟! وأين ذلك من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتّابعين، المشرقة بالتعفف والبُعد عن الفحش والبذاءة والسبّ والشتم؟! وهل يترك هذا جميعه لينقض بمثالين أو ثلاثة، على نحو منهج مَنْ أشرنا لهم قريباً في نقض القاعدة العريضة الثابتة بالمثال الشاذ؟! إنّ على صاحب هذا المنهج أنْ لا يُصدم إذا جاء من يصف المسيح - عليه السلام - بأنّه كان إرهابيًّا، عاقًّا لأمه، داعياً للكراهية، عنصريّاً، مشبِّهاً الأميين من غير اليهود بالكلاب، كاذباً، محبًّا للتعري، سابًّا لإخوانه الأنبياء، ولتلاميذه، ولليهود عامّة. وذلك من نصوص العهد الجديد (¬2). وحاشا نبيَّ الله عيسى - عليه السلام - أن يكون على شيء من ذلك، بل كان مِنْ أولي العزم مِنَ الرّسل، وجيهاً في الدنيا والآخرة، برًّا بوالدته، مقرّباً من مولاه. ¬
ثمَّ أينَ تعيير الكافر في منازلة حربيّة بمهنة أمّه، وتجاوزٌ فرديٌّ لأحد شرّاح النونيّة، من أسفار كاملة في الكتاب المقدّس يجد الرّجل الكبير حرجاً من قراءتها، فضلاً عن الشباب والشّابات، ثمَّ يأتي من دارسي الكتاب المقدّس مَن يصفها بأنّها «أروع الأناشيد، وأعذب الأغاني، التي تصور الحب المتبادل بين الرَّجل والمرأة» (¬1)؟! سابعاً: التلطف في الطرح الذي يراد منه دعوة المسلم للتخلي عن دينه واعتناق النصرانيّة. وتكرار الطرح الذي يلامس الوجدانيات، ومحبة الخير والنجاة لهذا المسلم المظلل الذي أراد الله به خيراً حين ساقه لدخول الغرف التّنصيريّة كما يصورون. وقد يتصف هذا الخطاب اللطيف بحسن بيان الداعي للنصرانيّة، وتمكنه من طرح خطاب دعوي يظهر فيه المتانة والقوة والإحكام. وقد يُظهر الداعي أنَّه كان مسلماً قبل أنْ يمن الله عليه بمعرفة حقيقة باطل الإسلام وصدق النصرانية كما يصور، وأنَّه مر بمرحلة التشكك والحيرة حين سمع كلام المنصرين عن الإسلام، إلى أنْ وصل إلى قناعةِ تبديل الدين. وخلال هذا الطرح تتوالى ابتهالات المنصر إلى الله أن يقذف في قلب هذا المسلم معرفة الحق واتباعه. ومن السبل التي يكثر اتباعها دعوة المسلم إلى تكرار دخول الغرف النصرانيّة، وفي هذا إيهام بقوة وصدق ما يطرح فيها، لأنَّ صاحب الحق لا يخشى أحداً، وهو أسلوبٌ من أساليب الحرب النفسيّة. ثامناً: استضافة المتنصرين للحديث عن قصص تحولهم عن الإسلام. وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ غالب هؤلاء مجاهيل. تاسعاً: استغلال أثر الطرح الصوتي المباشر، وتعدد إمكانات التأثير فيه. وذلك يستبين أثره في نبرات الصوت، وطريقة الحديث. وقد جاء في الحديث (إنَّ من البيان لسحرا) (¬2). ¬
ولهذا نجد إجادة بعض المنصرين لتغيير نبرة الصوت بين الانخفاض والارتفاع، وتنويع سرعة الحديث، وتمثيل الانفعالات المتعددة كالحزن والضحك والاستهزاء والحماسة وغيرها. ويطوع بعضهم اللهجة العامية المبسطة للوصول إلى المتلقين. ويستغل بعضهم وجود رجع الصدى الفوري في هذا النوع من الخدمات ليضيق الخناق على المسلم ويحاصره بالشبهات التي لا يستحضر الرد عليها أحياناً، لإظهار التفوق عليه، ومحاولة هزيمته وإضعافه وهز قناعاته. عاشراً: كثرة الاستدلال بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة للطعن في الإسلام. والغالب أنَّ المنصر يذكر مصدر الحديث ودرجته إذا كان سيستدل بفهمه منه بما يطعن به في الإسلام. أما إذا كانت الدلالة واضحة فإنَّه يورد الحديث الضعيف أو الموضوع دون أن يذكر المصدر. ومن المسلك الثاني -أعني إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة- الأمثلة التالية: المثال الأول: حديث: (تمر بالمسلمين في الجنّة سحابة فيسألون الله أن تمطر عليهم كواعب أترابا)، والتعليق على ذلك بما يفيد شهوانيّة المسلمين في دنياهم وأخراهم. وهذا النص -فيما وقفت عليه- ورد في بعض كتب التفسير، ومداره على روايتين: الأولى: رواية: (إنّ السرب من أهل الجنّة لتظلهم السحابة، قال: فتقول: ما أمطركم؟ قال: فما يدعو داع من القوم إلا أمطرتهم، حتى إنَّ القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أترابا) (¬1). الثانية: رواية: (إنَّ قمص أهل الجنة لتبدو من رضوان الله، وإنَّ السحابة لتمر بهم فتناديهم يا أهل الجنّة ماذا تريدون أن أمطركم؟ حتى إنها لتمطرهم الكواعب الأتراب) (¬2). ¬
وها هنا بعض الملاحظات المهمة: الأولى: لم ترد أيُّ رواية في هذا المعنى في كتب السنة المعتمدة كالصحاح والسنن وغيرها مما وقفت عليه. الثانية: الرِّواية الأولى من كلام التابعي، فلا يصح الاحتجاج بها، وحتى مع ورود رفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها تكون من المرسل، وهو أحد أنواع الحديث منقطع السند. ومنقطع السند بجميع أقسامه مردود للجهل؛ إلا مرسل الصحابي، ومرسل كبار التابعين المكثرين من الرواية عند كثير من أهل العلم إذا عضده مرسل آخر أو عمل صحابي أو قياس (¬1). وهذه الاستثناءات غير متحققة هنا، فلا تقوم هذه الرواية للاحتجاج. الثالثة: الرواية الثانية، وهي رواية أبي أمامة - رضي الله عنه - (¬2) لا تصلح للاحتجاج، لجهالة أحدِ رواتها (¬3). الرابعة: ليس في الروايتين -على افتراض صحتهما- ما يدل على ما أراد المنصرون إيصاله للنّاس من أنَّ إجماع المسلمين كلِّهم في الجنّة هو على طلب الكواعب الأتراب. فالرواية الأولى تدل على أنَّ أكثر المسلمين يطلبون حوائجهم فتلبى لهم مهما عظمت وظُنَّ استحالة تحققها حتى إنَّه ليوجد من يُغرب في طلبه فيسأل السّحابة الكواعب الأتراب، وهذا يفيد ندرة من يذكر هذا المطلب. والرواية الثّانية ليس فيها أنَّ المسلمين يطلبون ذلك. الخامسة: كيف يطلب المسلمون هذا وقد وُعدوا به في الجنّة في جملة النعيم الذي يكون لهم؟! ¬
السادسة: ثبت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة أنّ أغلى أمانيّ أهل الجنّة رؤية وجه الله الكريم، وليس شيئاً آخرَ من النّعيم الحسّي. السابعة: أنّ من مزايا الإسلام أنّه اعترف بالواقع البشري على حقيقته، فلم يكبت نوازع الجسد وشهوات النفس، وإنما اعترف بهما من حيث المبدأ، ومن حيث أنهما شعور في النفس لا ينبغي كبته ولا مصادرته، ثمّ نظّم للإنسان سبيل الاستمتاع باللذّات (¬1). ولهذا نرى كيف سلمت الشعوب الإسلاميّة من شرور الإنكار المطلق لهذه النّوازع الفطريّة، أو التّرك المطلق لها من غير قيدٍ أو ضبط. ومن هنا جاء تشريع الزّواج في الإسلام، والحثّ عليه، والنّهي عن التبتل إلا لمانع شرعي، كما جاء الوعد بالمتعة الجنسيّة ضمن نعيم الجنّة. المثال الثّاني: حديث عمر - رضي الله عنه - أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته). والحديث الذي فيه أنّه لما نزل في القرآن (واضربوهن) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اضربوهن) فضرب الرجال النساء تلك الليلة. والحديث الذي فيه أنّ امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو أنّ زوجها لطمها فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أطيعي زوجك)، فرجعت من غير قصاص. وقصة الزبير بن العوام (¬2) مع زوجتيه، وأنّه كان يربط شعورهن إلى بعض ويضربهن، فذهبت إحداهن -وهي أسماء بنت أبي بكر (¬3) - إلى أبيها الصديق تشتكي -يقول المنصر ¬
متهكماً: ومن سيكون أعلم من الصديق بأمر الإسلام وتوجيهات النبي-، فقال لها أبو بكر: (أطيعي زوجك) (¬1). هذه النصوص الأربعة جاءت مجتمعة في حديث أحد المنصرين في سياق بيانه لموقف الإسلام من المرأة من وجهة نظره. وقبل النظر فيها نقرر قاعدة عقليّة لا تقبل الاختلاف، وهي أنّ الدّين الحقّ عصيٌّ على التناقض في أخباره وأحكامه. فلا يمكن أن يأمر بالشيء وينهى عنه، ويُحسِّن الأمر ويقبحه في ذات الوقت، ويأمر بالإكرام والإساءة في الوقت نفسه. وهنا نتساءل! كم في نصوص القرآن الكريم وصحيح السّنّة، من تكريم للمرأة، وأمر بالإحسان إليها أمًّا وأختاً وزوجةً وابنةً وقريبةً وغير قريبة؟! وكم في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتّابعين بعدهم من صور تطبيقيّة ساميةٍ تُنْزل المرأة مكانتها اللائقة بها؟! وهل من المنهج الموضوعي تجاهلُ كلِّ هذا، والتّعويلُ على رواياتٍ محدودةٍ وإنْ صَحَّت، فضلاً عن أن تكون ضعيفةً لا تثبت على قدم الاحتجاج؟! وإذا جئنا لتمحيص الروايات المذكورة نجد الأولى ضعيفةً لا تصلح للاحتجاج (¬2). والثانيةُ لا وجود لها في كتب الحديث والتّفسير -فيما وقفت عليه-، ولا أظن الحاجة تدعو للنظر فيها، فإنّ هذا المنصر اختزل كلمةً واحدة من الآية التي عالجت موضوع المرأة الناشز، وركّب عليها رواية في غاية التهافت. وبمعالجة عقليّة مبسّطة، فإنّ حدثاً كهذا لا يُقبل ولو رواه ثقة أو أكثر، حتى يتواتر النَّقَلة له، لأنّه عمّ بيوت المسلمين ولم تسلم منه امرأة، كما ذكر صاحب الرواية! وفيه شبه كبير برواية صاحب إنجيل متّى، حين ذكر أنّ المسيح لما أسلم الروح على ¬
الصّليب، انشق حجاب الهيكل نصفين، وتزلزلت الأرض، وتشققت الصخور، وقام كثيرٌ من القديسين من قبورهم، ودخلوا المدينة، ورآهم النّاس. فكيف انفرد متّى بهذه الرّواية العجيبة دون غيره من أصحاب الأناجيل والرسائل، الذين لم يخبروا بها. ولهذا رفض قبول هذه الحادثة بعض من احترم عقله من داخل الدائرة النصرانية (¬1). وعوداً على رواية الأمر بضرب النّساء، فإنّ نظرة سريعة للآية الواردة فيها تبين المقصود، إذ يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (¬2). فالضرب مقتصر في حالة المرأة الناشز إذا لم يُفد معها الوعظ والهجر في المضجع، مع وجوب التزام الضوابط الشرعيّة فيه بأنْ لا يكون مبرحاً أو كاسراً لعظم أو مشوِّهاً لشيء من الجسد. ويحرم ضرب الزّوجة في غير هذه الحالة (¬3). وما ذلك إلا تغليباً لارتكاب ضرر يسير هو الأذى النفسي والجسدي للمرأة، من أجل دفع ضررٍ أعظم وأعظم إذا آلت الحال إلى انفكاك عرى الأسرة، وطلاق المرأة، وضياع الأبناء. وأمّا رواية الزوجة التي اشتكت زوجها، فقد ورد في بعض كتب التفسير أنّ امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تستعدي على زوجها أنّه لطمها، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (القصاص)، فأنزل الله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)، فرجعت بغير ¬
قصاص. وهذه الرّواية لا تصلح للاحتجاج، لأنّها من رواية تابعي يرفعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالحديث هنا منقطع، وفيها راو متهم بالإرجاء (¬1). وعليه؛ فلا تصلح هذه الرواية للاحتجاج. وكيف تصلح وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كفارة لطم الأمة عتقها؟! (¬2) أم كيف تصح وقد تكاثرت أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوصيّة خيراً بالنساء عموماً والزّوجات خصوصاً. وقد منع من ضرب الوجه مطلقاً، وحذّر من عاقبة الظّلم، ومازح رجلاً فلّما قال أوجعتني يا رسول الله؛ مكّنه من نفسه ليقتص. ولم يُشرع في الإسلام ضرب الزّوجة إلا في حالةٍ واحدة، وبضوابط تمنع الإيذاء والضّرر، وتُوجب تجنب الوجه. ولم يُعهد في السيرة أنَّ امرأةً جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تشتكي ضرب زوجها واعتداءه عليها، بل لما جاءت امرأة تستشيره في ثلاثةِ خُطّاب؛ أرشدها إلى تجنب أحدهم لأنّه كان ضرّاباً للنِّساء. وأمّا قصة أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير فلم أجدها، ولا أظنُّ الحاجة تقوم للنظر فيها، لأنّها في غاية الضعف والتهالك، ومن قبيل ما يُغني سقوطه عن إسقاطه. وكيف يَقبل عاقل نسبة هذا التصرف الهمجي لمهاجر الهجرتين، وأحد البدريين، وأول من سل سيفاً لحماية الدين، وأحد العشرة المبشرين؟! ¬
حادي عشر: إيراد فهوم خاطئة من أدلة صحيحة من الكتاب والسنة. فقد يورد المنصر آيات من كتاب الله الحكيم، وأحاديث صحّت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنّه يحملها على غير ما دلّت عليه، وعلى خلاف ما فهمه منها السلف الصالح. ومن ذلك الأمثلة التّالية: المثال الأول: القول بأنَّ الإسلام يبيح الزنا والسرقة بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن زنا وإن سرق) (¬1). وهذا الفهم سقيم، لا يقول به من له أدنى معرفة بأحكام الإسلام وحدوده. ولا أدري كيف يقال عن دين أنّه يبيح الزنا؛ وهو يحد فاعله بالجلد مائة والتغريب عاماً لغير المحصن، وبالرجم بالحجارة إلى الموت للمحصن؟! أم كيف يبيح السرقة وهو يحد فاعلها بالقطع؟! والحديث بتمامه إنّما يدلّ على فضل التّوحيد، وأنّ من مات لا يشرك بالله شيئاً فإنّ مصيره الجنّة، وإن ارتكب شيئاً من الكبائر فهو تحت مشيئة الله؛ إنْ شاء عذّبه عدلاً، وإنْ شاء غفر له فضلاً (¬2). وإذا كانت السّرقة والزّنا مباحة في الإسلام فلمَ هيَ غيرُ منتشرة في المجتمعات الإسلاميّة بنفس النسب في باقي المجتمعات، مع قيام الدّاعي لها من شدّة الفقر؟! لقد حفظ الإسلام بتعاليمه أموال النّاس وأعراضهم وأنفسهم وعقولهم، وأعطى في ذلك حلولاً للبشريّة تكفل لها الرّاحة والسّعادة والأمن. المثال الثّاني: القول بأنَّ الإسلام يعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - حق التزوج بمن شاء من نساء المسلمين ولو كنّ متزوجات، بدليل قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (¬3). ¬
وهذا الفهم متهالك، فإنَّ المعنى المراد بعيدٌ عن هذا الفهم السقيم. ومعنى الآية أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم، فلو دعاهم لشيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النّبي أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقيل: أولى بهم من أنفسهم فيما قضى فيهم، وأولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النّفس فيه، فإن أَذِن لهم بذلك لم يجز لهم الاستئذان من آبائهم وأمهاتهم (¬1). وقد يستدلون على هذا الفهم بقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). وليس في الآية ما يدل على مرادهم، فإنّ معنى الآية أنّ الله تعالى أباح لنبيه - صلى الله عليه وسلم - المرأةَ المؤمنة إن وهبت نفسها له أن يتزوجها بغير مهر إذا شاء. ومع كثرة من وهبن أنفسهن له -عليه الصلاة والسلام- إلا أنَّه لم يختر قبول أي منهن، كما ورد ذلك عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - (¬3). وقد أوجب الله على المؤمنين الاقتصار في الزوجات على أربع مع اشتراط الولي والمهر والشهود، ورخّص لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأمور الأربعة (¬4). ثمّ يُقال لهؤلاء هاتوا مثالاً واحداً صحيحاً لامرأة متزوجة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجها بفراقها، ثمّ تزوّج بها. وهاتوا مثالاً صحيحاً واحداً لامرأة وهبت نفسها للنبيّ فتزوجها، مع إباحة هذا له. إنّ الإسلام لحرصه على تآلف القلوب وتآخيها؛ حثّ على كل ما يقرب من ذلك، وحرّم كل ما ينافيه، ومن ذلك تحريم خِطبة المرء على خِطبة أخيه. فكيف يُتصور من نبي ¬
الأمّة أنْ يكون منه أعظم صور إفساد العلاقات وتأجيج العداوات، وذلك بأمر المسلم بمفارقة زوجته ثمّ التزوج بها. المثال الثّالث: القول بأنَّ الإسلام يبيح الكذب بدليل إجازة الكذب في ثلاثة مواضع. وهذا فهم سقيم لا يقول به صاحب التفكير المستقيم، أو من له أدنى معرفة بالإسلام. فالمفهوم من ترخيص الإسلام لهذه الحالات الثلاث أنّ الكذب محرّم كلُّه إلا ما استثني، ولا يفهم العاقل من ذلك أنّ الكذب كلُّه مباح بدليل ما استثني! والكذب في الإسلام من كبائر الذنوب، ومن أمارات النفاق، وكم في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أدلةٍ تحرمه وتنفر منه. وأمّا الحالات الثلاث -وهي الكذب في الحرب وفي الإصلاح وفي حديث الرجل امرأته يرضيها- فهي عند كثير من العلماء من باب التورية، والتورية تسمى كذباً (¬1). أو هي استثناء تقتضيه المصلحة. قال ابن قتيبة - - رحمه الله -: «وقد رُخِّص في الكذب في الحرب، لأنها خُدعة، وفي الإصلاح بين النّاس، وفي إرضاء الرَّجل أهله. ورُخص له أن يُوريَ في يمينه إلى شيء، إذا ظُلم أو خاف على نفسه، والتّورية أن ينويَ غير ما نوى مُسْتَحْلِفُهُ» (¬2). ثمّ يقال: أين الرّخصة في الإصلاح بين متخاصمين، وإرضاء الرّجل زوجته، والمخادعة في الحرب، من الرّخصة في الكذب على الله تعالى لغرض تمجيده؟! يقول بولس في رسالته إلى روميّة: (ولكنْ إذا كان كذبي يَزيدُ ظُهور صدقِ الله من أجل مجده، فلماذا أُدان أنا بعدَ ذلك كما يُدان الخاطئ؟) (¬3). المثال الرّابع: القول بأنَّ القرآن يدل صراحة على ألوهية المسيح بدليل قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ ¬
مَرْيَمَ} (¬1)، على اعتبار أنّ كلمة المسيح معطوفة على لفظ الجلالة، فيكون الله والمسيح هما الإله الحق الذي اتخذت معه الأحبار والرهبان زوراً. يقول مُورِدُ الشّبهة: "إنّ محمد بن قتيبة -وهو أحد كبار علماء الإسلام- قال معلقاً على هذه الآية: «إمّا أنْ ندمرَ قواعد اللغة ونأخذَ الإسلام، أو ندمرَ الإسلامَ ونأخذَ باللغة العربية» ". لقد جمعت هذه الشّبهة بين تفسير كلام الله على غير المراد به، والجهل بقواعد النحو العربي، والتقول على أحد علماء الإسلام. بُنيت هذه الشّبهة على أنّ لفظ المسيح معطوف على لفظ الجلالة. والمعلوم من قواعد اللغة أنَّ الاسمَ المعطوفَ يأخذُ حكم الاسمِ المعطوفِ عليه، فلو كان لفظُ المسيحِ معطوفاً على اسم الجلالة لأخذ حكمه في الإعراب وكان مجروراً، بينما هو في الآية منصوبٌ على اعتبار عطفه على قوله (أحبارَهم ورهبانَهم). وبهذا ينهار الأساس الذي قامت الشّبهة عليه. ثمّ إنّ فهم السلف الصالح، وما سطره المفسرون في كتب التفسير، ليس بينه وبين فهم هذا المنصر صلة، فهل يُترك فهمُ مَن أُنزل القرآن بلغتهم ويؤخذ بفهم غيرهم؟! وأمَّا نسبة تلك العبارة إلى ابن قتيبة فهو افتراء محض، وكلام مطلق بلا تحقيق أو توثيق. فابن قتيبة أحد جهابذة الإسلام الموثوقين، وكُتُبه بين أيدينا ليس فيها هذا القول أو ما يقرب منه (¬2). قال شيخ الإسلام موضحاً مكانة ابن قتيبة: «وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السّنّة المشهورة وله في ذلك مصنّفات متعدّدة. قال فيه صاحب كتاب التّحديث بمناقب أهل الحديث: وهو أحد أعلام الأئمّة والعلماء والفضلاء أجودهم تصنيفاً وأحسنهم ترصيفاً، له زهاء ثلاثمائة مصنّف، وكان يميل إلى مذهب أحمد وإسحاق .. وكان أهل المغرب يعظّمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن ¬
قتيبة يتّهم بالزّندقة ويقولون: كلّ بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه. قُلْت: ويقال هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة، فإنَّه خطيب السنة كما أنَّ الجاحظ خطيب المعتزلة» (¬1). وعلى التّنزل مع صاحب الشّبهة فإنّه يُفهم من الآية أنّ النّصارى قد أشركوا بعيسى بن مريم - عليه السلام - الإله باعتقادهم- حين اتخذوا الأحبار والرّهبان أرباباً من دونه! وإذا تخلّى صاحب هذا القول عن منهج بتر العبارات عن سياقاتها فإنّه سيجد في الآية السّابقة للآية التي ذكرها إنكار المولى - جل جلاله - على النّصارى اعتقادهم بنوّة المسيح لله مضاهاةً لقول من سبقهم من الأمم الكافرة (¬2). وسوف يجد في تتمة الآية التي اجتزأ بعضها إخبار الله تعالى أنّه لم يأمر اليهود والنّصارى إلا بتوحيده سبحانه، وعدم الإشراك به واتخاذ الآلهة معه (¬3). ثاني عشر: عدم الفصل بين الإسلام بوصفه ديناً، وفعل المسلمين وواقعهم. ولهذا تؤخذ سلوكيات بعض المنتسبين للإسلام لتُنسب إلى الدين. وهذا الأسلوب يكثر طرقه من قبل المنصرين في غرف المحادثة. ومن ذلك ما أعقب حادث تفجير كنيسة القديسين بإسكندرية مصر، صبيحة أول العام الميلادي 2011. فقد ضجت الغرف النصرانيّة قاطبة باتهام المسلمين بهذا الفعل، وأنَّ ذلك ليس إلا تطبيقاً لتعاليم دينهم الدموي الإرهابي، الذي جعل هذا الفعل أمراً واجباً، ورتب عليه دخول الجنة بلا حساب ولا عقاب؛ كما ذكروا. ثم تباروا في إيراد كل آية أو حديث ورد فيه ذكر ¬
مفردات القتال والحرب والجزية وغيرها. وعند التحاور معهم لتطبيق ذات المنهج على ما سلكه النّصارى في القديم والحديث من جرائم قتل وإبادة جماعيّة فإنّهم يتبرؤون من نسبة من يفعل ذلك إلى الدين النصراني، في تناقض صارخ للمنهج الذي يطبق على المسلمين وينفى عن غيرهم. وقد انكشف زيف هذا المنهج حين وقعت في أغسطس من عام 2011م مذبحة مروعة، حين أقدم شابٌّ نصراني نرويجي على قتل ثلاثة وتسعين شخصاً، وجرح ما يزيد عن هذا العدد، من روّاد أحد المخيمات الكشفيّة، من أبناء جلدته في العاصمة النرويجية أوسلو. وذلك حين جزمت العديد من الجهات الإخباريّة والصحف الكبرى في أوروبا بأنّ الفاعل لا بد أنْ يكون متشدداً إسلاميًّا. ثم انكشف كذب هذا الادعاء حين اعترف النرويجي النصراني "أندريس ريفيك" أنّه قام بهذه الجريمة بدوافعَ لا علاقة للإسلام والمسلمين بها (¬1). ثالث عشر: محاولة هدم الإسلام بالمعتقدات الفاسدة لبعض الفرق المنتسبة للإسلام. وأكثر ما يُذكر في ذلك عقائد الرّافضة، فيؤخذ طعنهم في القرآن لنفي قدسية القرآن. ويؤخذ طعنهم في زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه للحط من مكانة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وثبوتية ما نقله الصّحابة من عقائد الدين وشعائره. ويؤخذ من بعض فتاوي أئمتهم -أعني الرافضة- تكأة للنيل من الإسلام، ولمزه بالعظائم، كما في فتوى إباحة مفاخذة الرضيعة. وهذا الأسلوب لا يرتضون تطبيقه معهم قطعاً. فلا يمكن للكنيسة الأرثوذكسيّة أن تقبل قولَ أحد الإنجيليين: «الذي يتأمل في عقيدة وطقوس وممارسات وتاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة في ضوء الكتاب المقدس، يجد الكثير والكثير جداً من مظاهر عبادة الأصنام .. وقد أدى ذلك إلى استعلان غضب الله من السّماء ¬
على هذه الكنيسة التي استبدلت الحق بالباطل، واتقت وعبدت المخلوق دون الخالق» (¬1). وقولَه: «على الرغم من أنَّ كلمة أرثوذكسيّة تعني الطريق المستقيم، إلا أنَّ المطلع على تاريخ وعقائد وطقوس وتعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة يجد أنَّ هذه الكنيسة هي من أكثر الكنائس التي حادت عن الطريق المستقيم وعن تعاليم المسيح» (¬2). ولا يمكن للكنيسة الكاثوليكيّة أن تقبل قول أحد الإنجيليين: «وكيف هي حال الكنيسة البابويّة في عصرنا، التي نبتت في صحرائها الفسيحة أشواك التعاليم الباطلة والعبادات الأصناميّة، حتى خنقت زهرة التعاليم الإنجيليّة، فحينئذ لا يسعه إلا التباعد عنها» (¬3). وبالمثل يمكن إيراد أمثلة كثيرة على طعن كل كنيسة في الكنائس الأخرى، وإنّما المقصود بيان بطلان منهج ضرب الفرق بعضها ببعض لأجل التوصل لهدم الدّيانة كلِّها. وبهذا يتم الحديث على هذه الخدمة التّفاعليّة، وننتقل منها إلى الخدمة الرّابعة، وهي الشّبكات الاجتماعيّة. ¬
المبحث الرابع: التنصير بواسطة مواقع الشبكات الاجتماعية
المبحث الرّابع: التنصير بواسطة مواقع الشّبكات الاجتماعيّة توجد لدى الإنسانِ حاجةٌ فطريّة إلى التواصل مع الآخرين. ولمّا جاءت التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الشّبكة العالميّة؛ بدأت صلات النّاس ببعضهم تضعف، في ظل عكوفهم على تصفح مواقع جيل الشّبكة الأول؛ الذي لم يكن فيه للتفاعليّة وجود يذكر. ومن هنا جاءت فكرة تسخير إمكانات الشّبكة العالميّة لتحقيق هذه الحاجة الفطريّة لدى الإنسان. وكان روّاد هذه الفكرة هم مبتكرو الشّبكات الاجتماعيّة، التي يعدها بعض الدارسين الجيلَ الرّابع في تاريخ تطور الشّبكة العالميّة (¬1). وقد بدأت هذه الشّبكات بشكل بسيط، وخدمات قليلة، ثم تحسّنت هذه الخدمات بشكل سريع جداً، إلى أن أضحى من المقبول تماماً -اليومَ- الجزمُ بأنّ الشّبكاتِ الاجتماعيّة تمثل أكثرَ خدمات الشّبكة العالميّة استخداماً، وأكثرَها مشتركينَ وزوّاراً، وأكثرَها استحواذاً على وقت متصفحي الشّبكة. وهذا ما ستوضحه الصفحات التّالية. ولكن يحسن قبل ذلك أن نعرف بهذه الخدمة (¬2). وذلك من خلال المطلب التّالي: المطلب الأوّل: التَّعريف بالشّبكات الاجتماعيّة المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي أولاً: التَّعريف اللغوي: مصطلح الشّبكات الاجتماعيّة مكون من مفردتين. فأمّا (الشّبكات) فهي جمع شبكة. قال ابن فارس: «الشين والباء والكاف أصل صحيح يدل على تداخل الشيء. يقال شبَّك أصابعه تشبيكاً. ويقال: بين القوم شُبكة نسب؛ أي مداخلة. ومن ذلك الشّبكة» (¬3). ¬
وفي المعجم الوسيط: «الشّبكة: شِرْكة الصياد في البر والبحر. وأكثر ما تتخذ من الخيط المشبَّك. وكل متداخل متشابك. يقال: شبكة المواصلات، وشبكة الكهرباء، ونحو ذلك. والجمع شبك وشباك» (¬1). وعلى هذا فالشّبكة هي الشيء المتداخل، وتجمع على شَبَك وشِبَاك وشبكات (¬2). والمفردة الثانية هي (الاجتماعيّة). جاء في المعجم الوسيط: «يقال رجل اجتماعي: مزاول للحياة الاجتماعيّة كثير المخالطة للناس» (¬3). وهذه اللفظة لم ترد في معاجم اللغة القديمة-فيما وقف عليه الباحث- إلا أنّ معناها كثيراً ما يتكرر في تلك المعاجم باستخدام مفردة الخلطة؛ وضدها العزلة. وباستخدام المعجم الوسيط لها يزول التردد في اعتماد استخدامها. ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي: هناك عدة تعريفات اصطلاحيّة للشّبكات الاجتماعيّة ( Social Networks) . منها: التَّعريف الأوّل: الشّبكات الاجتماعيّة هي: «وسيلة اجتماعيّة تساعد النّاس كي يتشاركوا المعلومات والأخبار مع أناس آخرين في دوائرهم الاجتماعيّة والعالميّة بسرعة وفعاليّة» (¬4). التَّعريف الثاني: الشّبكات الاجتماعيّة هي: «خدمات تؤسسها وتبرمجها شبكات كبرى لجمع المستخدمين والأصدقاء، ومشاركة الأنشطة والاهتمامات، والبحث عن تكوين صداقات، والبحث عن اهتمامات وأنشطة لدى أشخاص آخرين» (¬5). ويرى الباحث أن تُعَرَّف الشّبكات الاجتماعيّة بأنّها مواقع إلكترونيّة لإدارة العلاقات ¬
الاجتماعيّة بفعاليّة. المسألة الثانية: أهم مواقع الشّبكات الاجتماعيّة بالنظر إلى ترتيب مواقع الشبكة العالميّة من حيث عدد الزوار؛ نجد أنّ المراكز الأربعة المتقدمة للشبكات الاجتماعيّة هي على النحو التالي (¬1): أولاً: شبكة فيسبوك ( Facebook) (¬2) ، وسيأتي التَّعريف بها في المطلب التّالي. ثانياً: شبكة تويتر ( Twitter) (¬3) . وهي شبكة نشأت في أمريكا سنة 2006م مشروعاً بحثيًّا قامت به شركة Obvious. وتدعم اليوم سبع لغات، من بينها العربيّة. يقوم الموقع على أساس التدوين المختصر، حيث يتاح للمشترك كتابة ما لا يزيد عن 140 حرفاً للتّدوينة الواحدة. وهو الأمر الذي يدفع لتركيز الفكرة وجعلها مُوجَّهة مُباشِرة؛ الأمر الذي جعل البعض يفضل الموقع على ما عداه من الشّبكات الاجتماعيّة (¬4). يدعم الموقع تصفحه من خلال أجهزة الهواتف النقّالة، كما يدعم إرسال التّدوينات عبر رسائل الهاتف الجوّال القصيرة ( SMS) في بعض البلدان باشتراكات مدفوعة (¬5). ثالثاً: شبكة ماي سبيس ( MySpace) (¬6) . وقد ظهرت في العام الميلادي 2003؛ لتكون أولَّ الشّبكات الاجتماعيّة التي اكتسبت شهرة عالميّة (¬7). وظلت كذلك على مدى أربع سنوات، إلى أنْ أزاحتها عن هذا الموقع شبكة ¬
الفيسبوك (¬1). رابعاً: شبكة لينكد إن ( LinkedIn) (¬2) . ظهرت في عام 2002م لتكون شبكة اجتماعيّة مخصصة للمهنيين المحترفين، ممن يهتمون بالمحافظة على علاقاتهم المهنية الحالية، وتكوين علاقات جديدة في هذا الإطار. ولهذا نجد الموقع يشترط على المشترك وضع سيرة ذاتيّة له تبين مؤهلاته وخبراته لتكون متاحة لمن شاء الاطلاع عليها من الأفراد أو الشركات (¬3). المسألة الثالثة: أهمية مواقع الشّبكات الاجتماعيّة يمكن إبراز أهمية هذه الخدمة في النقاط التّالية: أولاً: أنها تمثل واحدة من أهم وسائل ما يسمى بالإعلام الجديد. وهو إعلامٌ أثبت انتصاره على الإعلام التقليدي القائم على وكالات الأنباء، والقنوات الفضائيّة، والمحطات الإذاعيّة، والصحف والمجلات، وغيرها. ثانياً: أنها أتاحت عدة خدمات تفاعليّة في مكان واحد. فهي تتيح خدمة التدوين التي تقوم بها المدونات، وخدمة المحادثة التي تقوم بها مواقع المحادثة، وخدمة تشارك الملفات المصورة والملفات المرئيّة التي كانت حكراً على مواقع تشارك الصور والفيديو، وخدمة الإرسال إلى مجموعة عناوين بريدية؛ التي كانت من مهام المجموعات البريدية، وخدمة الحوار النصي الذي كان من نصيب المنتديات الحواريّة. وهي تكاد بهذا تَجمع إلى جانبها الخدمات التفاعليّة الأربع التي يتناولها البحث؛ وإن ¬
كان ذلك بهيئات تقل فاعليّة عن المواقع المخصصة لهذه الخدمات. ثالثاً: قوّة الإقبال على زيارة مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، وهذا يمكِّن من الوصول لأعداد كبيرة من النّاس. رابعاً: جُلّ جمهور هذه المواقع من فئة الشباب، وهم مظنة العمل والنشاط والحماس، وفيهم من الاندفاع وقلة الخبرة والتجربة ما قد يدفع لارتكاب الأخطاء. ولهذا يرى (بيل تانسر) من خلال بحثه الذي أجراه لتحليل عادات تصفح أكثر من عشرة ملايين مستخدم للشّبكة؛ أنّ أكثر المستخدمين للشّبكات الاجتماعيّة هم من الفئة العمريّة من سن ثماني عشرة إلى أربع وعشرين سنة (¬1). خامساً: إلى جانب فئة الشباب فإنَّ هذه المواقع يُشارك بها العديد من نخب المجتمع من رجالات العلم الشّرعي والسياسة والثقافة والاقتصاد وغيرها. ولهؤلاء قوّةُ تأثير على الأتباع؛ تتسم بالتّوجيه المتابع للحدث. فحين يحتاج الشّاب -الذي يمضي أكثر وقته على مواقع الشّبكات الاجتماعيّة- إلى معرفة الرأي السّديد في نازلة من النّوازل في أي مجال، ويجد من العسير الرجوع إلى كبار علماء هذا الشّأن، فإنَّه سيفتح صفحاتِ من يثق به من المشاهير، أو يشترك في صفحاتهم، ليأتيه توجيههم في كل نازلة في حينها. وعندها سيكتفي بهذا الرأي في أغلب الظن. وهكذا تتشكل عقليّة هذا الشاب، وتُصاغ توجهاته، بعيداً عن الطرق النّاجعة السليمة من المخاطر والشوائب. ذلك أنّه يقع تحت ما يسمى "تأثير الهالة". ويقصد به أنّ اكتساب شخصٍ ما لشهرة واسعة بسبب بروزه في مجال من المجالات، يؤدي إلى اعتقاد كثير من النّاس أنّه يُحسن الكلام في كلِّ شيء، وأنّه مسدّد في اختياراته. والطريق النّاجعة هنا تكمن في الأخذ بالحكمة العظيمة: "اعرف الرّجال بالحق، ولا تعرف الحقّ بالرجال" (¬2). ¬
المسألة الرّابعة: الشّبكات الاجتماعيّة بين النّفع والضّرر تعد الشّبكاتُ الاجتماعيّة أداةً قويّة في جانبي الإصلاح والإفساد، بحسب المسار الذي يكون فيه توجيه المستخدم لهذه الوسيلة. فمن جهةٍ هي تتيح التّواصل مع العلماء والمفكرين والأدباء وطلبة العلم والنّابغين في الفنون لاستشارتهم والأخذ بآرائهم. كما تيسر طرق التّواصل مع الإخوة والأرحام والأحبّة أيًّا كان مقر سكنهم بأيسر التكاليف. وقد ابتكرت هذه المواقع آليّة لإعادة علاقاتٍ كان وصلها غايةً في الصعوبة؛ مع تباعد الأمكنة وتقادم الأزمنة وانقطاع أدوات الاتّصال بين أطرافها. وفي الجهة الأخرى يأتي إهدار الوقت. وفي ذلك تضييع لرأس مال الإنسان في هذه الحياة، وهو العمر. وقد عدّ ذلك بعض المحققين أشد على المسلم من الموت، لأنّها تقطعه عن الله والدار الآخرة، بينما يقطعه الموت عن الدنيا وأهلها (¬1). وتأتي كثرة الخلطة بلا نفع. وفضول المخالطة في فهم المسلم سبيل إلى خسارة الدّنيا والآخرة (¬2). ويأتي جريان المرء فيما لا يعنيه. والمسلم منهي عن ذلك بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (¬3). ويضاف لذلك معاصي النظر؛ من كمِّ الصور والملفات المرئيّة المهول على هذه المواقع. والمسلم يستشعر مسؤوليته تجاه ذلك انطلاقاً من قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ ¬
المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر الشبكات الاجتماعية
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬1). ناهيك عن إنشاء العلاقات المحرّمة على مختلف أشكالها. وكذا تعريض الخصوصيّات للإذاعة، ونشر الأكاذيب، وتزوير الوقائع، والوقوع في ما يسمى بإدمان الشّبكة. وقد تُحُدِّث عن وقائعَ نتجت من مراقبة حسابات على هذه الشّبكات، من قبيل: فصل طلاب، ورد متقدمين لوظائف، واستدعاءٍ للمحاكم ودور الأمن والشرط، وغير ذلك (¬2). وأشدُّ من ذلك وأنكى ما يتعرض له المسلم -على وجه الخصوص- من دعواتٍ لهجر دينه، والتحول منه إلى غيره. وفي سبيل ذلك يواجَه بالشّبهات والمطاعن والجدليّات في ثوابت عقيدته، ومسلمات دينه. وهذا ما ستوضحه المطالب التالية. المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر الشّبكات الاجتماعيّة مواقع الشّبكات الاجتماعيّة متعددة، ولأجل الخروج بتصور واضح عن كيفية التنصير عبرها فلعله من المناسب اختيار شكل بارز لهذه المواقع، ودراسته بالقدر الذي يغلب على الظن أن يكون كافياً للخروج بنتائج صحيحة. وقد جرى اختيار الباحث على موقع الفيسبوك ليكون محل الدراسة، وذلك للأسباب التالية: أولاً: يحتل الموقع مركزاً متقدماً في إحصائيات أكثر المواقع دخولاً، وذلك على مستوى دول العالم بعامّة، وعلى مستوى الدول الإسلاميّة بخاصّة. فالموقع يأتي في المركز الثاني في قائمة أكثر المواقع زيارة من قبل المستخدمين على مستوى العالم كله. ¬
وعلى مستوى الدول الإسلامية؛ نجده الموقع الأول في مصر وإندونيسيا وماليزيا وتركيا ونيجيريا، والموقع الثاني في الجزائر، والثالث في باكستان والسعودية (¬1). ثانياً: كثرة عدد الأعضاء المسجلين في الموقع؛ إذ تجاوز نصف المليار خلال أقل من خمس سنوات من إنشائه (¬2). ثالثاً: أنه يمثل واحدة من وسائل الإعلام الجديد، التي تتسم بالحريّة وقلة التكلفة. ومن خلالها أضحى بمقدور الأفراد والجهات توجيه ما شاؤوا من رسائل؛ يطلع عليها مَن شاء مِن سكّان العالم كله، بعد ثوان من وضعها على الشّبكة، وكل ذلك بتكلفة زهيدة جداً. رابعاً: غزارة المحتوى الذي يُدفع إلى الموقع. فقد ذكرت الإحصائيّات أنّ عدد المحتويات التي تَشَاركها الأعضاء خلال عام 2010م بلغت ثلاثين بليوناً، ما بين صور وروابط وتعليقات وملاحظات. وأنّ معدل التطبيقات النّشطة يوميًّا يبلغ عشرين مليوناً (¬3). وقد جرت دراسة التنصير عبر هذا الموقع باستخدام خاصية البحث، وذلك بالبحث عن الكلمات المفتاحيّة التي يغلب كون نتائجها مما مصْدَره منصرون. وذلك من قبيل: المسيحية، البابا، يسوع، الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، الترانيم، الأقباط، الأرمن، الفاتيكان، وغيرها. وسوف تكون الدراسة لهذا الموقع من خلال المسائل التالية: المسألة الأولى: التَّعريف بموقع الفيسبوك تأسس هذا الموقع في فبراير من العام الميلادي 2004، على يد الطلاب بجامعة هارفرد الأمريكيّة؛ مارك زوكربرغ، وكريس هيوز، وإدوارد سافرين. وكانت فكرة الموقع بناء إصدار إلكتروني تفاعلي يتيح لطلاب الجامعة إنشاء نبذات خاصّة بهم، يحدثونها باستمرار، لتكون طريقة وصل بين الطالب وزملائه الآخرين بالجامعة. ¬
وبعد النجاح السريع للموقع بدأ توسعه ليشمل باقي الجامعات والكليّات الأمريكيّة، ثم المدارس والشركات بها، ثم تخلّى الموقع عن شرط كون البريد الالكتروني تابعاً لمؤسسة تعليميّة أو حكوميّة، مستبدلاً له باشتراط بلوغ المشترك ثلاثة عشر عاماً من العمر، ليكتسب الموقع الصبغة العالميّة (¬1). تضاعف عدد المشتركين بالموقع بشكل كبير جداً. فمن مليون مشترك في ديسمبر من عام 2004م إلى خمسة ملايين ونصف في نفس الشهر من 2005م. وبعدها بسنة وصل العدد إلى إثني عشر مليون مشترك. وفي أواخر عام 2007م وصل العدد إلى خمسين مليوناً، ثم إلى ضعف هذا بتمام السنة المقبلة. وفي ديسمبر من عام 2009م وصل العدد إلى 350 مليون مشترك. ثم في يوليو من عام 2010م وصل العدد إلى نصف مليار مشترك (¬2). وحسب إحصائيّات الموقع -نفسه- فإنّ متوسط أصدقاء كل مستخدم -من جملة نصف المليار- يبلغ 130 صديقاً. وأنّ الوقت الذي يمضيه مشتركو الموقع فيه يزيد عن 700 مليار دقيقة لكل شهر! (أي أكثر من ستة عشر مليون شهر لكل شهر!). وهؤلاء المشتركون ينتمون إلى أكثر من 190 دولة. وقرابة 200 مليونٍ منهم يدخلون إلى الموقع بواسطة هواتفهم النقّالة (¬3). يدعم الموقع حاليًّا قرابة 100 لغة؛ من بينها العربيّة، ويمضي فيه أغلب متصفحي الشّبكة أكثر من نصف أوقاتهم عليها (¬4). يقوم الموقع على أساس علاقات الصداقة التي ينشئها المستخدم مع من يختار من المسجلين على الموقع ممن له معرفة أكيدة أو متوقعة بهم. وهو بهذا يشابه العشرات من المواقع التي تأتي في هذا السياق، إلا أنّ تفوق هذه الشّبكة يعود إلى كثرة التطبيقات فيها. تلك التطبيقات التي أقبل عليها المستخدمون لجاذبيتها، وسهولة التعامل معها. وهذه التطبيقات ¬
ستكون محل التفصيل في المسألة التّالية. المسألة الثّانية: أشكال التنصير في موقع الفيسبوك تبين من خلال الدراسة استفادة العمل التنصيري من كافة إمكانات الموقع. وبيان ذلك في الآتي. أولاً: التشبيك الاجتماعي. وهو الأصل في الموقع، والفكرة الأساسيّة التي قام عليها. ويُقصد به إنشاء وإدارة العلاقات الاجتماعيّة، أو هو -باختصار- إدارة الصّداقات. ثانياً: تطبيقات الموقع. وهي الميزة التي منحت هذه الشّبكة التفوق على ما عداها. وهذه التطبيقات عبارة عن برمجيّات هيئت لخدمة رسالة الموقع الأساسيّة؛ المتمثلة فيما يسمى بالتشبيك الاجتماعي. من هذه التطبيقات ما هو أساسي مجاني يتيحه الموقع لمستخدميه، ومنها ما يلزم دفع مال لشرائه وتحميله على صفحة المستخدم في الموقع. ومن أهم التطبيقات الأساسيّة، والتي استفاد منها العمل التنصيري، ما يلي: 1) الصور. وهو تطبيق لإدارة تشارك الصور مع الآخرين. 2) الملفات المرئيّة، ويسميها الموقع (أفلام الفيديو). وهو تطبيق يدير تشارك هذه الملفات. 3) المحادثة. وهو تطبيق يمكِّن من التحادث النصي مع الأصدقاء. 4) الأحداث، وقد تسمى المناسبات. وهو تطبيق قوي لإدارة الدّعوات التي يرغب المشترك إعلام شبكته الاجتماعيّة بها، كالاحتفالات، والأعياد، والمحاضرات، والندوات، ونحو ذلك. 5) الروابط. وهو تطبيق لإدارة روابط المواقع التي يرغب المستخدم مشاركة الآخرين في الاطلاع عليها.
6) المجموعات. وهو تطبيق لإنشاء وإدارة المجموعات البريديّة داخل الموقع. سواءً كانت المجموعة مفتوحة؛ حيث يتاح الاشتراك لكل أحد، أو مغلقة؛ حيث يحصر الاشتراك على من يُوافَق عليه، أو سريّة؛ حيث لا تظهر المجموعة ضمن نتائج البحث، وتكون طريقة الاشتراك الوحيدة تلقي دعوة من مالك المجموعة. 7) الصّفحات. وهو تطبيق يمكِّن من إنشاء صفحة تعريفيّة بشخصيّة أو مؤسسة أو شركة أو غير ذلك، بميزات تختلف عن المجموعات (¬1). هذا العرض الموجز يبين إمكانات الموقع التي وجد الباحث أنَّ العمل التنصيري استفاد منها جميعاً بدرجات متفاوتة؛ سيأتي تفصيلها في المطلب الثالث. وأمّا تقدير حجم هذا العمل فلا يستطيع الباحث إصدار حكم بخصوصه، لتعسر الإحاطة بكافة جوانبه. ويرجع ذلك إلى عاملين؛ أولهما قصور ميزة البحث في الموقع عن الإفصاح عن قيم عدديّة للنتائج. فعند البحث عن المجموعات التي تحمل مفردة (المسيحيّة) -مثلاً- فإنّ باحث البرنامج -لاعتبارات ما- لا يعطي إلا النتائج العشر الأولى. وعند طلب المزيد من النتائج يعطي عشراً أخرى، وهكذا. والثاني كثرة مشتركي الموقع. ¬
المطلب الثالث: التنصير من خلال موقع الفيسبوك
فنحن إزاء نصف مليار مشترك؛ بحاجة إلى فحص ما يمثل نصف مليار موقع؛ بما فيها من ملفات نصيّة وصوريّة ومرئيّة، وتطبيقات متعددة?. المطلب الثالث: التنصير من خلال موقع الفيسبوك في هذا المطلب نعرض بشيء من التفصيل لطرق التنصير عبر هذا الموقع؛ مستصحبين شمول العمل التنصيري عرض الديانة النصرانيّة، والدعوة لاعتناقها، والدفاع عنها، والهجوم على ما يضادها؛ وهو هنا الإسلام. يمكن -بشكل إجمالي- حصر أهم جوانب ما سبق في الآتي: الجانب الأول: الصّداقات أمر الصداقة وأثرها وأهميتها مما لا يخفى على كل عاقل، فإنّ المرء على دين خليله (¬1). وفي الفهم الإسلامي يُحشر المرء مع من أحبّ (¬2)، و (مثل الجليس الصالح والسوء؛ ¬
كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أنْ يحذيك، وإما أنْ تبتاع منه، وإما أنْ تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أنْ يحرق ثيابك، وإما أنْ تجد منه ريحاً خبيثة) (¬1). والتنصير عبر إقامة الصداقات أمرٌ توصي به مرجعيات التنصير عبر الشّبكة؛ كموقع "اليوم العالمي للتنصير عبر الإنترنت". فإنّه يوصي بإنشاء الصداقات، والتعامل مع الآخرين بكل مودة، والتسلل من خلال اهتماماتهم الرياضيّة والموسيقيّة ومتابعة الأفلام؛ لإيصال رسائل دينيّة، بعيداً عن طرق الوعظ المباشر. مع التحذير من الدخول فيما يسبب صداماً مع الآخر؛ من خلال طرق الجدليّات، والمختَلفات الدينيّة والعقديّة، والانتماءات السياسيّة، أو حتّى طرح المعتقدات المسيحيّة التي قد تثير غضبهم (¬2). هذا من الناحية النظريّة. وأما من ناحية التطبيق العملي فلم يتلق الباحث طلب صداقة من نصراني خلال سنوات اشتراكه التي تزيد عن أربع سنوات. وقد يعود ذلك إلى اشتراط الموقع أن لا يتم بناء العلاقات إلا على من يعرفهم الشخص معرفة حقيقية؛ لا من يريد التعرف عليهم. ومعرفة الأثر التنصيري عبر إقامة الصداقات والعلاقات يحتاج لبحث ميداني، واستبانات تستطلع آراء شريحة من المستخدمين. ولغرض الاختبار فقد جرى مراسلة خمسة من النصارى المشتركين بالموقع، وذلك ¬
بالبحث عن مفردة (مسيحي) في قائمة الأشخاص. وتم اختيارهم من بلدان عربيّة مختلفة، وإرسال طلب التصادق معهم، مع بيان كون الديانة إسلاميّة؛ في رسالة الطلب. وكانت النتائج أن استجاب أحدهم في نفس اليوم. وبهذه الاستجابة أضحى الاطلاع على ما يكتبه متيسراً بشكل فوري، وكذا الاطلاع على قائمة أصدقائه التي تفوق المائة شخص من الجنسين، وكلهم فيما يظهر من أسمائهم من أتباع الديانة النصرانية. ومن خلال هذا الصديق -بحسب عرف الموقع- أتيح معرفة نبذة عن كنيسته، ومواعيد مناسباتها. وتم تلقي دعوة منه للانضمام إلى صفحة على الموقع تسعى لجمع مليار شخص يؤمن بأنَّ المسيح هو الله الظاهر في الجسد؛ أي عقيدة ألوهية المسيح؛ التي هي محل إجماع النصارى على اختلاف طوائفهم. كما أمكن الاطلاع على ملفاتٍ مرئية لترانيم وضعها هذا الصديق -المفترَض- على صفحته، وروابطُ لمواقع نصرانية متميزة في قوة طرحها، وصورٍ متعددة تحمل الطابع الديني. وهكذا؛ وبمجرد طلب صداقة بسيط -قد يدفع له إغراء صورة، أو حسن عبارة، أو شهرة شخصية- يصبح المرء ضمن قائمة المدعوين للنصرانيّة. فكيف يكون الحال -إذاً- إذا كثرت الصداقات والعلاقات. الجانب الثاني: المجموعات وهي خدمة مشابهة تماماً لخدمة المجموعات البريديّة التي تطرق لها الباحث في المبحث الثاني من هذا الفصل، فيحسن الرجوع إلى ذلك المبحث لمعرفة طرق التنصير التي تتبع من خلال هذه الوسيلة. ولكنْ يُلاحظ أنَّ في مجموعات الموقع ما يصرح بالعمل التنصيري. ومن أمثلة ذلك: مجموعة "التبشير باسم المسيح له كل المجد" (¬1)، ومجموعة "معاً لتكثيف حملات التبشير في تونس" (¬2)، وغيرهما. ¬
وفي هذه المجموعات يتحاث النصارى لتقوية أعمالهم الدعوية في بعض البلاد العربيّة، ويمتدحون قوة الدعوة في بعض البلاد كالجزائر والمغرب؛ لغرض التأسي بذلك. كما يهاجمون الإسلام والمسلمين بأقبح الأوصاف والتهم. أضف لذلك جوانب عرض النصرانيّة باستخدام الموضوعات النقاشيّة، والصور التعبيريّة. ويلاحظ -كذلك- كثرة المجموعات الخادمة للكتاب المقدس (¬1)؛ عرضاً، وتفسيراً، وتأملاً، ودفاعاً، ومقارنةً بينه وبين القرآن لإظهار تفوقه، ونشراً للبرامج الإلكترونيّة الخادمة له، والخرائط الرسوميّة الموضحة لما فيه من رحلات وموضوعات. إلى غير ذلك من وجوه الاهتمام والعناية. والخلاصة أنَّ العمل التنصيري الخادم للكتاب المقدس كبير جداً، من حيث عدد المجموعات، وتعداد أعضائها، وموضوعاتها المتنوعة. ومن المجموعات ما يشرح العقائد والطقوس النصرانيّة، ويعرف بكنائسها وطوائفها وكبار رجالها وعلمائها. وهذه المجموعات تنصر من خلال أسمائها، والصور الرمزية لها، والوصف المعرف بها. وكل هذا قبل الاشتراك بها والاطلاع على محتوياتها من الموضوعات والصور والملفات المرئيّة والروابط وغير ذلك. وتعد هذه الخدمة -أعني المجموعات- الخروج الوحيد تقريباً عن كون الشّبكات الاجتماعية مقصورة على تواصل المرء مع أصدقائه. فإن المجموعات التي تنشأ في هذا موقع -إذا كانت مفتوحة العضوية- يشترك بها من يعرفه المرء ومن لا يعرفه. الجانب الثالث: ملفات الصور تكاد تكون أعداد الصور المتداولة في هذا الموقع شيئاً من ضرب الخيال. وقد أشرنا في تمهيد الفصل إلى شيء من هذا. وهنا نذكر إحصائيّة جديدة تفيد بأنّه في كل عشرين دقيقة؛ ¬
هناك أكثر من مليوني صورة جديدة تضاف إلى محتوى هذه الشّبكة الضخمة (¬1). وينبغي التنبه هنا إلى أنّه ليس المقصود بالصور في عرف هذا الموقع وأشباهه على الشّبكة؛ تلك الصور الملتقطة بآلة التصور الفوتوغرافي، ولكنَّه يشمل أيضاً التصاميم الرسوميَّة التي تُنتج بواسطة برامج الحاسب، وتُضَمَّن كتابات، ورسوماً يدويّة، وصوراً فوتوغرافيّة. وقد استغل النصارى هذا الميزة في الموقع فرفعوا إلى صفحاته كمًّا هائلاً (¬2)؛ أغلبه -فيما وقف عليه الباحث- يتضمن الرسوم المتخيلة لعيسى - عليه السلام -، وأمه، وبعض المقدسين عندهم، وصور ورسوم الصلبان، والكتاب المقدس مع اقتباسات منه. فأمّا صور المسيح - عليه السلام - فبعضها يُخرج على وجوه من التفاؤل، والأنوار المشرقة المضيئة للكون، والإقبال على الأتباع رحمة وشفقة وإنقاذاً من الهلكة. وبعضها مخصص لإظهار تعظيم المسيح، والتوجه له بطلب الاصطفاء والإنقاذ من المهلكات، والتوفيق في الحياة. وبعضها يُظهر جانب آلام المسيح التي تعرض لها عند القبض عليه -كما في معتقد القوم- من ضرب، وإهانة، وحمل للصليب، وتوشح بإكليل الشوك، وانتهاءً بالموت على الصليب. وأما المقتطفات من الكتاب المقدس ففيها تنوع من ناحية المضامين؛ لكنَّها جميعاً تجري في مسار إظهار محاسن النصرانيّة. ويأتي الاهتمام بالطفل واضحاً من خلال رسوم جلوس المسيح إلى الأطفال محبّا ومعلماً ومؤنساً. ولا يخلو استخدام هذه الوسيلة من هجوم على الإسلام؛ فإنّ فيها من الرسوم والصور ما يساق لبث الشبه حول الإسلام، وخصوصاً الوصم بالإرهاب. ومن الخدمات التفاعليّة المهمة في جانب الصور؛ إتاحة التعليق عليها. ولهذا تشهد ¬
ساحة التعليقات حرباً دينيّةً؛ سيأتي مزيد توضيح لها في المبحث الخامس من هذا الفصل عند الحديث على التعليقات على الملفات المرئيّة، فإنّ ظهورها هناك أوضح وأكبر. الجانب الرابع: الملفات المرئيّة خصص المبحث التالي (الخامس في هذا الفصل) لدراسة التنصير عبر الملفات المرئيّة، ولهذا فإنَّ من المناسب الإحالة إلى ذلك المبحث، حيث تعد هذه الخدمة هنا فرعاً عمّا سيتم طرقه هناك. وغالب مستخدمي الفيسبوك يرفعون ملفاتهم على مواقع مشاركة الملفات المرئيّة ثم يضعون لها روابط في صفحاتهم هنا. الجانب الخامس: الروابط من خلال هذه النافذة استفاد العمل التنصيري بوضع الدعوات للدخول إلى المواقع التنصيريّة، سواءً كانت مواقع، أو منافذ لبعض الخدمات التفاعليّة؛ كالملفات المرئيّة، أو حسابات الشّبكات الاجتماعيّة، أو غيرها. وهذه الخدمة -وإن كانت غير ظاهرة القوة- إلا أنَّ لها وقعاً إذا ربطت بالصداقات. فالمرء متى وثق بشخص؛ اعتبر ما ينتخبه من روابط؛ ذات محتوى نافع، فتجده يثق بمحتواها، ويُقبل على الاطلاع عليها. الجانب السّادس: الأحداث تعد (الأحداث) -وقد تسمى المناسبات- واحدة من أهم التطبيقات الأساسيّة في الموقع. ومن خلالها يدير المستخدم الدعوة للمناسبات بفعاليّة كبيرة. وقد استفاد العمل التنصيري من هذه الميزة، فأخذ يدعو إلى الأعياد الدينيّة، وحفلات الكنائس، والمحاضرات والندوات التي تقام فيها، والأعمال التطوعيّة لعمارة وتنظيف الكنائس، وحفلات افتتاح الكنائس الجديدة. وهناك التنسيق للمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات الخارجة من منطلقات دينيّة. وهكذا؛ فهذه الميزة استغلت بوضوح لخدمة العمل التنصيري.
الجانب السّابع: التطبيقات تتعدد التطبيقات الخادمة للنصرانيّة. ومن ذلك ما يُرسِل لكل مشترك عدداً (¬1) من الكتاب المقدس كل يوم، مع التواصي بقراءته وتدبره وحفظه وإرساله للآخرين. ومن التطبيقات المتكررة ما هو موجه لخدمة الكتاب المقدس النصراني؛ من جهة عرض النص كتابةً أو صوتاً، مع إمكان البحث عن أي مفردة، وعرض تفسير أي عدد، وكذا الخرائط التعليميّة لما ورد فيه من رحلات دعويّة للمسيح - عليه السلام - وأتباعه. وللتعريف كل يوم بواحد من أعلام النصرانيّة؛ هناك تطبيق لهذا الغرض. وهناك تطبيق لإرسال أقوال القديسين. ومن التطبيقات التفاعليّة ما يطرح عدة أسئلة ليخرج من إجاباتها بربط مع أقرب عظماء الكتاب المقدس. فإذا أظهرت إجابات المستخدم نشاطه في التّنصير مستخدماً عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف؛ أفصح له التطبيق بأنه مقتدٍ ببولس، وهكذا. وفي هذا التطبيق ربط مع القدوات من أعلام الديانة، وتثبيت للشخص وتشجيع له. وهكذا؛ فإنَّ هذه البرمجيات سخرت لخدمة العمل الدعوي التنصيري. وما ذكر لا يعد إلا تمثيلاً؛ لا يمكن أن يقترب من الحصر والشمول. وبهذا يتم الحديث عن هذه الخدمة، وننتقل إلى دراسة الخدمة الخامسة، وهي مواقع مشاركة الملفات المرئيّة. ¬
المبحث الخامس: التنصير بواسطة مواقع مشاركة الملفات المرئية
المبحث الخامس: التنصير بواسطة مواقع مشاركة الملفات المرئيّة تمثل مشاركة الملفات المرئيّة واحدةً من الخدمات التفاعليّة التي أقبل عليها مستخدمو الشبكة، وسيتضح في هذا المبحث قدر هذا الإقبال (¬1)، ولكن يحسن أولاً أن نعرف المقصود بهذه الخدمة. وذلك في المطلب التّالي: المطلب الأوّل: التَّعريف بخدمة مشاركة الملفات المرئيّة المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي أولاً: التَّعريف اللغوي: هذا المصطلح فيه جزءان؛ الأول كلمة مشاركة، والثاني كلمة الملفات المرئيّة. فأمّا كلمة مشاركة فهي مفاعلة من الفعل شارك. قال صاحب "دراسات في النحو": «المفاعلة مصدر من مصادر (فاعل)، تقول فَاعَلَ يُفاعِل مُفاعَلةً كقَاتَل يُقاتِل مُقَاتَلة، وهو المصدر القياسي بالإجماع» (¬2). وجاء في معجم مقاييس اللغة: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدل على مقارنةٍ وخلافِ انفراد، والآخر يدل على امتداد واستقامة. فالأول الشِّرْكة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما. ويقال: شاركتَ فلاناً في الشيء؛ إذا صرتَ شريكه. وأشركتَ فلاناً؛ إذا جعلتَه شريكاً لك. قال الله جلّ ثناؤه في قصة موسى: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}» (¬3). وفي لسان العرب: «الشِّرْكة والشَّرِكة سواء: مخالطة الشريكين. يقال اشتركنا بمعنى ¬
تشاركنا، وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك أحدهما الآخر» (¬1). ونخلص مما سبق إلى أنّ المشاركةَ هي أن يكونْ الشيءُ مشاعاً بين اثنين أو أكثر. والجزء الثاني من المصطلح هو الملفات المرئيّة. وهو من مصطلحات الحاسب الآلي. فإنّ الملف في مجال الحاسب الآلي يُقصد به تلك الوحدة التخزينيّة الأساسيّة التي تمكن الحاسب من تمييز مجموعة من البيانات عن غيرها، وتكوّن رابطاً يجمع بين مزيج من التعليمات أو الكلمات أو الأرقام أو الصور في قالب واحد يمكن للمستخدم استرجاعه أو تعديله أو حذفه أو تخزينه أو إرساله إلى جهاز إخراج معين (¬2). وللملف عند علماء مجال الحاسب والمعلوماتيّة عدة أشكال كما تقدم. وهذه الاختلافات تكون بحسب هيئة المخرَج. ومن ذلك ما يسمى بالمخرجات الفيديويّة. والفيديويه هنا نسبة إلى كلمة فيديو ( video) ، وهي كلمة لاتينية الأصل، تعني: أنا أشاهد. والمخرجات الفيديويّة هي أشكال مصورة تعمل بمعدل سرعة حركة عدة إطارات في الثانية الواحدة لكي تعطي مظهراً للحركة. وتُدخَل للحاسب بواسطة آلة التصوير الفيديوية، ومن خلال بطاقة الفيديو التي تحول المعلومات المعالجة إلى إشارات يمكن عرضها عبر شاشة الحاسب (¬3). ويمكن تعريف الفيديو بأنّه تقنيةُ ترتيب الإشارات الالكترونيّة لتشكيل صور متحركة. ويتم تخزين هذه الصور المتحركة ضمن هيئتين رئيسيتين. أولاهما الهيئة الرقمية. ومن أنواعها DVD، Mpeg-4، Quick Time، وغيرها. والثانية الهيئة التناظرية، وهي التي كانت متبعة في أشرطة الفيديو القديمة، التي يرمز لها بالرمز VHS (¬4) . ¬
ولأنّ كلمة فيديو ليست عربيّةً فقد اجتهد البعض في تعريبها. فمنهم من عربها إلى مشهد، ومنهم من اختار مفردة لقطة، ومنهم من يسميها مقطعاً، أو فيلماً، ومنهم من ينقلها بحروفها إلى العربية. والذي يراه الباحث أنْ يعبر بالملف المرئي للدلالة على هذا النوع من الملفات، وذلك لأمور. منها أنَّنا نبحث في مجال من مجالات الحاسب الآلي، ولكل مجال مصطلحاته. وأهل هذا العلم اختاروا مفردة ملف للدلالة على معان معينة. وقسموا أشكال هذه الملفات إلى نصيّة وصوريّة ومرئيّة. ومنها أنَّ تلك الاجتهادات التعريبيّة لا تسعفها اللغة؛ فلا المشهد، ولا المقطع، ولا اللقطة، ممّا تَسنُد معاجم اللغة دلالتها على المقصود بها هنا- على ما بلغه فهم الباحث بالرجوع إلى بعض معاجم اللغة-، وإن كان مؤلفو المعجم الوسيط قد اختاروا مفردة فيلم للدلالة على هذا النوع من الملفات (¬1). ولأنَّه لا مشاحَّة في الاصطلاح فيحسن عدمُ التوسع في هذا، وتركُه للمختصين في علوم اللغة العربية، على أنْ يكون الأصلُ الذي يسير عليه الباحث هنا تسميةَ هذه التقنية بالملفات المرئيّة؛ وإن جرى التعبير بالمشهد أو المقطع أو الفيلم أحياناً. ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي: هناك عدة تعريفات اصطلاحيّة لتشارك الملفات المرئيّة ( Video Files Sharing) . منها: التَّعريف الأوّل: مشاركة الملفات هي: «خدمة تشير إلى تلقي وإرسال الملفات الرقمية على الشبكة، وهي عملية تحميل الملفات من الشبكة ( Download) ، وتحميل الملفات إلى الشبكة ( Upload) ، وغالباً ما تتاح دون قيود» (¬2). ¬
التَّعريف الثاني: مشاركة الملفات هي: «استخدام أكثر من مستخدم في وقت واحد للملفات المخزنة على الحاسب المركزي أو الخادم لاستعراضها أو تعديلها، وذلك من خلال شبكة الحاسب» (¬1). ويرى الباحث أنْ تعرف مشاركة الملفات المرئيّة على الشّبكة بأنها خدمة تفاعليّة تتيح لمستخدمي الشّبكة العالميّة جعل ملفاتهم المرئيّة مشاعةً للجميع. وآلية هذه الخدمة -ببساطة- تقوم على مالك الملف، وعلى المستفيد منه. فأمّا مالك الملف فإنّه يقوم بإرساله إلى الشّبكة، وتسمى هذا العمليّة تحميلاً ( Upload) . وأمّا المستفيد من الملف فإنّه إمّا أنْ يقوم بالاطلاع عليه من مواقع الشبكة مباشرة؛ كما في مواقع: Youtube، Dailymotion، Google Video. وإمّا أن يقوم بتنزيل هذا الملف إلى جهازه ليتمكن من الاطلاع عليه؛ كما في مواقع Megaupload، Rapidshare، 4shared. والنوع الأول -الذي تشاهد فيه الملفات المرئيّة من خلال الموقع- هو محل الدراسة في هذا المبحث. ويدرج بعض الدارسين هذا النوع ضمن ما يسمى بالشبكات الاجتماعيّة (¬2). وهذا الأمر له وجاهته، ولا سيما في الفترة الأخيرة، التي شهدت تطويراً لهذه المواقع، بحيث خصص لكل مشترك صفحة مستقلة، يتواصل من خلالها مع الآخرين. كما أضيفت لبعض هذه المواقع خاصيّة الرّبط التلقائي مع الشبكات الاجتماعيّة. المسألة الثانية: أهمية خدمة مشاركة الملفات المرئيّة يمكن إبراز أهمية هذه الخدمة في الآتي: أولاً: أنها تمثل واحدة من وسائل ما يسمى بالإعلام الجديد. وهو إعلام حر؛ أنهى احتكار نشر المعلومة الذي كانت وكالات الأنباء والقنوات الفضائيّة والمحطات الإذاعيّة والصحف والمجلات تمارسه. وأضحى اليوم كلُّ فرد إعلاميًّا ¬
يستطيع بكل حريّة ويسر نشر ما لديه من أخبار إلى العالم كله في ثوان معدودة بلا كلفة تذكر. ولهذا حظي الإعلام الجديد باهتمام الحكومات والمؤسسات والأفراد على السواء. وقد بان هذا الاهتمام في إنشاء إدارات للإعلام الجديد في وزارات الإعلام (¬1)، وإنشاء أقسام له في المجموعات الإعلامية الإخبارية الكبرى، وفي الجامعات. وأُصدرت له مجلات متخصصة، وكُتب عنه في الصحف، وتُحدث عنه في برامج القنوات الفضائيّة. كما أُلفت عنه الكتب، وأُقيمت المؤتمرات (¬2)، وخُصصت له جوائز (¬3)، وتَصدى له باحثون برسائل علمية (¬4). وقد شهد النّاس سطوته ودوره في الأحداث السياسيّة التي مرّت بها بعض البلاد العربيّة والإسلاميّة. ومن قبل ذلك فإنّ كثيراً من دول العالم تحجب بعض مواقع الإعلام الجديد خوفاً من أثرها على الأنظمة السياسية بالدرجة الأولى؛ إذ بعضها لا يلقي بالاً للمواقع التي تقدح في الأديان، فضلاً عن تلك التي تهدد الأخلاق، في ظل انتهاج بعض الأنظمة تحييد الدين عن مجالات الحياة. ثانياً: قوّة الإقبال على زيارة مواقع مشاركة الملفات المرئيّة، وهو ما سيتضح في المطلب التّالي عند استعراض أحد مواقع هذه الخدمة. ¬
المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر خدمة مشاركة الملفات المرئية
المطلب الثاني: أنموذج للتنصير عبر خدمة مشاركة الملفات المرئيّة منافذ خدمات مشاركة الملفات المرئيّة التي تتيحها الشبكة كثيرة جداً، ولأجل الخروج بتصور واضح عن كيفية التنصير عبرها فلعله من المناسب اختيار شكل بارز لهذه الخدمات، ودراسته بالقدر الذي يغلب على الظنِّ أن يكون كافياً للخروج بنتائج صحيحة. وقد جرى اختيار الباحث على موقع يوتيوب (¬1) لمشاركة الملفات المرئيّة عبر الشبكة العالمية ليكون محل الدراسة، وذلك للأسباب التالية: أولاً: يحتل الموقع مركزاً متقدماً في إحصائيات أكثر المواقع دخولاً، وذلك على مستوى دول العالم بعامّة، وعلى مستوى الدول الإسلاميّة بخاصّة. فالموقع يأتي في المركز الثالث في قائمة أكثر المواقع زيارة من قبل المستخدمين على مستوى العالم كله (¬2). وعلى مستوى الدول الإسلامية؛ إذا اخترنا دول الخليج العربي عيِّنةً؛ نجده الموقع الثاني في السعودية والكويت وقطر، والموقع الثالث في البحرين، والرابع في الإمارات وعمان. ثانياً: كثرة عدد الأعضاء المسجلين في الموقع. وهذا يُمَكِّن من الوصول لأعداد كبيرة من النّاس. ثالثاً: أنه يمثل واحدة من وسائل الإعلام الجديد، التي تتسم بالحريّة وقلة التكلفة. ومن خلالها أضحى بمقدور الأفراد والجهات توجيه ما شاؤوا من رسائل؛ يطلع عليها كلُّ من شاء من سكّان العالم كلِّه، بعد ثوان من وضعها على الشبكة. وكلُّ ذلك بتكلفة زهيدة جداً. رابعاً: قوة المشاهدة العالية جداً التي يحظى بها الموقع. فقد ذكرت الإحصائيّات أنّ الموقع وصل إلى ملياري ملف مرئي يُشاهَد يوميًّا، وقد يتجاوز هذا العدد قريباً. ¬
وفي المملكة العربية السعودية وحدَها يتم مشاهدة 36 مليون ملف يوميًّا، بما يعادل 150 مليون دقيقةَ مشاهدة (¬1). وقد جرت دراسة الملفات المرئيّة التنصيريّة باستخدام خاصية البحث في البرنامج، وذلك بالبحث عن الكلمات المفتاحيّة التي يغلب كون نتائجها مما مصدره منصرون. وذلك من قبيل: المسيحية، البابا، يسوع، الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، الترانيم، الأقباط، الأرمن، وغيرها. وكذا بالنظر إلى النتائج التي يقترحها الموقع نفسه مما يعتبره في ذات نطاق البحث. وسوف تكون الدراسة لهذا البرنامج من خلال المسائل التالية: المسألة الأولى: التَّعريف بموقع اليوتيوب (¬2) تأسس هذا الموقع العالمي في شهر فبراير من عام 2005م على يد ثلاثة شبّان هم تشاد هيرلي، وستيف تشن، وجواد كريم. وَوُضع رسميًّا على الشبكة في شهر ديسمبر من نفس العام. وشهد الموقع نجاحاً كبيراً في زمن يسير جداً، ممّا دفع شركة قوقل ( Google) إلى أن تبذل لشرائه مليار وستمائة وخمسين مليون دولار أمريكي في أكتوبر من عام 2006م، أي قبل أن يكمل عامه الأول! توسعت خدمات الموقع شيئاً فشيئاً، وازداد دعمه للغات، وكثرت أعداد الزائرين له، وكذا الملفات المشاهدة فيه، والملفات المحملة عليه. ولا زالت هذه المعدلات في ارتفاع مستمر. وفي منتصف العام الميلادي 2010، تجاوز عدد الملفات المرئيّة التي يشاهدها زوّار الموقع ¬
ملياري ملف يوميًّا؛ بما معدله 24 ساعة مشاهدة لكل دقيقة تصفح! وأصبح عشرات الملايين من المسجلين بالموقع لهم قنوات خاصّة داخله ( Channels) يضعون فيها ملفاتهم الخاصّة، أو تلك التي يفضلونها. وأصبح الموقع يدعم أكثر من ثلاثين لغة، منها اللغة العربيّة. كما زيدت مدة الملفات التي يسمح بوضعها مجّاناً إلى 15 دقيقة. والموقع يتيح التسجيل مجانًّا لكل من بلغ الثالثة عشر من عمره فأكثر- وهي معلومة لا سبيل للموقع للتأكد منها. وبمجرد التسجيل ينشئ الموقع للمستخدم صفحة يتمكن من إدارتها بنفسه؛ فيضع في خانة (المفضلة) ما يفضله من الملفات التي شاهدها في الموقع، ويرفع في خانة (قناتي) ما شاء من ملفاته التي صورها بنفسه، ويجري عملية توليف (مونتاج) (¬1) للملفات المرئيّة من خلال (محرر الفيديو)، ويدير اشتراكاته في القنوات الأخرى من خلال (اشتراكات)، ويحصل على معلومات إحصائيّة مهمة عن أي ملف مرئي؛ كعدد مرات مشاهدته وفق تاريخ معين أو بلد أو نطاق جغرافي معين، أو بإطلاق، وكذا شعبية هذا الملف، والفئات العمرية التي شاهدته، وتفاعل الآخرين معه تقييماً وتعليقاً وتفضيلاً، وغير ذلك من خلال خانة (الإحصاءات). ويتيح له الموقع التراسل بالبريد الالكتروني مع باقي أعضاء الموقع من خلال خانة (الرسائل)، وكذا الربط مع الشبكات الاجتماعية من خلال خانة (مشاركة النشاط). وهناك خيارات الخصوصيّة وغيرها تحت خانة (إعدادات الحساب). وأخيراً يمكن للمستخدم إلغاء اشتراكه في الموقع، وإجراء بعض العمليات الأخرى من خلال خانة (إدارة الحساب). وبالرغم من أنّ سياسة الموقع تمنع وضع الملفات المسيئة للأخلاق، أو المخلّة بالأمن، أو المنتهكة لحقوق النّشر؛ إلا أنّ هناك ملاحظتين مهمَّتين في هذا الجانب. ¬
أولاهما أنّ تعريف هذه المحاذير بني على المعطيات الدينيّة والثّقافية والسلوكيّة للشركة المالكة للموقع، وهي غير متسقة مع ضوابط الدين الإسلامي الحنيف في كثير من جوانبها. والثانية أنّ عجز إدارة الموقع عن متابعة الكم الهائل للملفات المحملة إلى الموقع -ومعدلها الحالي 24ساعة لكل دقيقة- شكّل ثغرات هائلة تسرّبت من خلالها ملفات ذات محتوى مخالف لسياسة الموقع؛ التي هي مخالفة للدين الإسلامي في كثير من جوانبها. وهنا يأتي دور المطلع على هذه الملفات بإبلاغ إدارة الموقع بالملف المخالف، مع تحديد نوع المخالفة من مجموعة خيارات متاحة. والغالب أنَّ إدارة الموقع تتفاعل مع هذه البلاغات في زمن يسير. المسألة الثانية: واقع التنصير عبر موقع اليوتيوب يصنف الموقع ملفاته وقنواته ضمن فئات معينة، لكنّه لا يخصص شيئاً منها للأديان. ولهذا افتقدنا أداة نقيس من خلالها عدد الملفات والقنوات المنشورة للديانة النصرانيّة. ولكن بالبحث عن بعض المفردات التي يغلب استخدام النصارى لها في تسمية ملفاتهم وقنواتهم؛ نستطيع أخذ فكرة تقريبيّة عن أعداد الملفات، وذلك باللغة العربيّة. فمفردة (البابا) تعطي ما يقارب 15 ألف نتيجة. ومفردة (المسيحية) تعطي ما يزيد عن 5 آلاف نتيجة. وقريب منها في العدد مفردة (التّرانيم). وكذا مفردات: الأقباط- يسوع- المسيح. وهكذا فهناك آلاف الملفات المرئيّة مقابل الكلمات المفتاحية المشتهرة. مع ملاحظة أنّ بعض نتائج البحث عن هذه المفردات قد تصب في خانة الرد على ما يطرحه النّصارى. وهكذا الحال بالنسبة للتعليقات التي تلي هذه الملفات، فقد يبلغ بعضها خانة الآلاف، وإن كان أكثر ما وجد الباحث ما هو في حدود المئات. وإذا أردنا قياس عدد مشاهدات هذه الملفات فإننا نجد بعضها قد شوهد ملايين
المرات (¬1)، أو مئات آلاف المرات (¬2). وإن كان غالب الملفات -فيما وقف عليه الباحث- لا يصل إلى مائة ألف مشاهد. وبالجملة فإنّ للعمل التنصيري على هذا الموقع حضوره. المسألة الثالثة: أشكال التنصير في موقع اليوتيوب تتعدد الهيئات والأشكال المستخدمة في العمل التنصيري من خلال هذا الموقع. ويمكن توضيح هذا التنوع من خلال الآتي: أولاً: الملفات المرئيّة ( video) ونظراً لأنها الأساس في هذا الموقع فسوف يكون الحديث عن المحتوى التنصيري في هذه الملفات محل الدراسة المفصلة في المطلب الثالث من هذا المبحث. وأمّا أعداد هذه الملفات فهي كثيرة جداً، وقد سبق في المسألة السّابقة الإشارة إلى هذا. ثانياً: القنوات ( Channels) وهي إحدى خدمات موقع اليوتيوب المتميزة. يقوم الموقع من خلالها بحجز مساحة لكل مسجل فيه، يضع فيها ما شاء من الملفات المرئيّة، سواءً تلك التي صوّرها بنفسه، أو انتقاها من أي مصدر آخر. وتتميز هذه الخدمة بتمكينها المستخدم من خدمة توجهه الديني أو الفكري أو غير ذلك. كما تتميز باقتصارها على ملفات المستخدم نفسه دون أن يتعرض المشاهد إلى خليط من الملفات قد يكون فيه ما لا يرتضي. وهذه القنوات مصنفة تحت فئات ليس منها ما يتعلق بالدين. وللقنوات النصرانيّة الدّعوية في هذا الموقع حضورها. ويمكن البحث بالكلمات المفتاحيّة ¬
المطلب الثالث: التنصير من خلال الملفات المرئية في اليوتيوب
التي يكثر النصارى استخدامها ليجد الباحث مئات أو آلاف القنوات. وكل قناة منها بها كم من الملفات المرئيّة. ثالثاً: التعليقات التفاعليّة والمقصود بها تلك المساحة التي تَعقب الجزء المخصص لعرض الملف المرئي في موقع اليوتيوب. وفيها يُسمح لكل مسجل في الموقع أن يبدي تفاعله مع الملف المرئي من خلال خمس طرق: 1. كتابة تعليق على محتوى الملف المرئي. 2. كتابة رد على تعليق أحد المستخدمين. 3. الإشارة إلى الملف المرئي بالإعجاب أو عدمه. 4. الإشارة إلى أي تعليق مكتوب بالإعجاب أو عدمه. 5. إبلاغ إدارة الموقع بمخالفة الملف لشيء من الضوابط. وسوف يكون الحديث عن الجوانب التنصيريّة من خلال التعليقات محل الدراسة في المطلب الرابع، لأنَّ الأمر يحتاج إلى شيء من البسط. وهكذا نجد أنّ المنصرين يعملون جاهدين على استغلال إمكانات هذا الموقع المتصدر لخدمة مشاركة الملفات المرئيّة على المستوى العالمي حاليًّا. فيرفعون من الملفات المرئيّة، وينشئون من القنوات، ويكتبون من التعليقات؛ ما يخدم أهدافهم الدّعوية. المطلب الثالث: التنصير من خلال الملفات المرئيّة في اليوتيوب في هذا المطلب نعرض بشيء من التفصيل لمحتوى الملفات المرئيّة التي يضعها النّصارى على هذا الموقع، وذلك لتجلية الجوانب التّنصيريّة فيها.
يمكن -بشكل إجمالي- تصنيف هذه الملفات إلى أربعة أنواع (¬1). النّوع الأوّل: ملفات تعرض الديانة النصرانيّة وما يتعلق بها هذا النوع يندرج تحته من الملفات المرئيّة ما يلي: 1. ملفات الترانيم والتراتيل. وغالباً ما تكون مصحوبة بالآلات الموسيقيّة، ومصورة بما يسمى بالفيديو كليب. وغالب محتواها تعظيم المسيح باعتباره الإله، والتعبير عن محبته، والتضرع إليه. وكذا التعبير عن التعظيم والمحبة والمناجاة لأمه مريم العذراء، وللقديسين والقديسات، والرهبان والراهبات. والتعبير عن تعظيم الكنيسة باعتبارها بيت المسيح والمسيحيين. ومن هذه الترانيم ما هو موجه للطفل بما يتناسب معه بحيث يُقبل عليه ويَفهم ما فيه من عرض للعقائد والطقوس والآداب. 2. الملفات المرئيّة الخاصّة بالظهورات (¬2). وقد تكرر أنّ لها مكانة مهمة لدى النصارى، ولا سيما الأقباط الأرثوذكس. ولهذا نجدهم يضعون على الموقع ما يصور -وفق رؤيتهم- ظهورات المسيح، وظهورات أمه العذراء، وظهورات بعض القديسين، وظهورات لشعار الصليب، وغير ذلك. 3. عرض مواعظ المسيح التي وردت في الكتاب المقدس (¬3) في قوالب مولفة (ممنتجة) بشكل مؤثر؛ تحوي قراءة الموعظة بلغة سليمة وصوت واضح ونبرة حزينة، مع كتابة نص الموعظة على الشرائح التي تعرض رسوماً تخيلوها للمسيح، أو للتعبير عما ذكر في الكتاب المقدس من شخصيات أو بلدان أو قصص. 4. عرض التأملات والمواعظ التي ألقاها علماء النصارى وقادتهم الدينيون، أو كتبوها. ¬
وهذه كذلك تخضع للتوليف (المونتاج)، لإضفاء مزيد من الجوانب التأثيرية فيها، كالموسيقى والصور والرسومات المصاحبة لها. والملاحظ أنّ هذه التأملات تحظى بمشاهدة كبيرة (¬1). 5. عرض الفتاوى الدينيّة لعلماء وقادة الكنائس (¬2). 6. عرض أقوال المقدسين عندهم، وعمل مونتاج لها يحوي كتابة العبارات بخطوط وتصاميم جميلة، وعرض الشرائح مصحوبة بالموسيقى والصور والرسومات (¬3). 7. الملفات التي تَنشر أخبار الديانة النصرانية، وانتشارها في بعض الدول (¬4)، وأخبار الأقليات النصرانيّة في بعض البلاد. 8. ملفات كثيرة جداً (¬5) تتحدث عن ما يسمى بالأحداث الطائفية التي استهدفت الأقليات النصرانيّة في البلاد الإسلاميّة كمصر والعراق. وإخراج هذه الملفات في قالب مولّف يورد مشاهد من الأحداث، ومسيرات الجنائز والدفن، وصور القتلى من النصارى، مصحوبة بالترانيم الحزينة والموسيقى المؤثرة، ومشفوعة باستشهادات مناسبة من الكتاب المقدس تعبر عن قرب المسيح الإله من أتباعه، وما سبق من إخباره بما سيبتلى به أتباعه من قتل وتنكيل، وما وعدوا به من الأجر العظيم، والمكانة الرفيعة، والعاقبة الحسنة. وتضاف لهذه المقاطع الرسومات المتخيلة لعملية إهانة المسيح وصلبه وفق عقيدتهم، ¬
وكذا ما لاقى الحواريون، والقديسون من بعدهم في سبيل دعوتهم (¬1). 9. عرض ما يسمى بالمعجزات الشفائيّة، ولا سيما تلك الأفلام التي تصوَّر في الكنائس؛ حيث يرقي الكاهن المرضى والمصروعين والممسوسين وأصحابَ العاهات؛ باسم المسيح، فيُشفى الأعمى ويرتد إليه بصره (¬2)، ويُشفى الأبكمُ وتعود له قدرته على النطق في الحال (¬3)، ويُشفى المشلولُ فيقوم يمشي على رجليه ويرقص فرحاً (¬4)، وتُخرج الشياطينُ من الممسوسين (¬5). وهذه الأعمال كما تُقدَّم للنصارى؛ تُقدَّم للمرضى المسلمين مع اشتراط الكاهن قبل العلاج للمسلم أن يعتقد بأنَّ المسيح قادر على شفائه. 10. ملفات احتفالات الكنائس بطقوسها وأعيادها ومناسباتها المختلفة (¬6). 11. قراءات من الكتاب المقدس مصحوبة بصور ورسومات مناسبة (¬7). 12. إدراج أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة الملفات التي تتناول كبير كنيستهم. وتشمل هذه الملفات محاضراته، وتأملاته، وقصائده الشعرية، ولقاءاته ومداخلاته مع القنوات الفضائية، والمعجزات التي جرت على يديه باعتقادهم، وأقواله، وفتاويه، وتغطية زياراته ¬
وأسفاره، ومقاطع مؤثرة من بكائه ورقته، والأفلام الوثائقيّة التي سجلت عن حياته (¬1). 13. إدراج أتباع الكنيسة الكاثوليكيّة الملفات التي تتناول كبير كنيستهم. وتشمل محاضراته، وكلماته، وزياراته، وأسفاره، وقرارات التعيين والحرمان وإلغاء الحرمان التي أصدرها (¬2). 14. تستغل كثير من الطوائف النصرانيّة هذا الموقع العالمي للتعريف بتاريخها، وعقائدها، وطقوسها، وشعوبها، ونتاجها الفني والأدبي والتجاري (¬3). الجانب الثاني: ملفات تدعو المسلمين للتنصر ويأخذ هذا صوراً، نذكر إحداها، وهي: وضع الاعترافات المصورة بالفيديو لرجال ونساء يوردون قصص تحولهم من الإسلام إلى النصرانية. ولا يخلو كل هؤلاء من جهالة الحال؛ ولو انتفت عن بعضهم جهالة العين. وتُجمع هذه الشهادات على ذكر مثالب صرفت نظر هؤلاء عن الإسلام إلى ضدها من المحاسن التي وجدوها في النصرانيّة كما يذكرون. فهذه امرأة يتيمة لم تجد من المسلمين شيئاً من الرحمة والشفقة التي أمر القرآن بها مع اليتيم كما ذكرت. ثم بيعت في إحدى البلاد العربية بيع الرقيق، وعاشت في أسوأ حال، ولم يقدِّم لها إله الإسلام شيئاً، ثم وجدت السعادة حين تعرفت على المسيح كما قالت. وهكذا يُطعن في موقف الإسلام من الرقيق (¬4)، ويُظهر المولى جلّ وعلا بصورة المتخلي ¬
عن عباده. وذاك طبيب مسلم لم يجد في الإسلام ما يخاطب العقل والروح فاعتنق النصرانيّة. وثالث لم يجد في القرآن -الذي كان يقرؤه لساعات كل يوم- ما يشبع حاجاته الروحية فتنصر (¬1). ورابع لم يجد من يقنعه بمبررات ثلاثة أمور في الإسلام؛ هي عدم قبول صلاته إن صلى إلى غير القبلة (¬2)، وعدم نزول القرآن بغير العربية (¬3)، واعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولاً مع أنّه كان يذنب (¬4)، فقرر التنصر لهذا. وهكذا فإنّ هذه القائمة من الشهادات لا يمكن حصرها، إلا أنها تجتمع في أمور مشتركة. منها جهالة عين المتحدث غالباً، وجهالة حاله على الدوام، وجمع الحديث مثالب في الدين الإسلامي رآها المتحدث كذلك فخرج بسببها من الدين، وامتداح الدين النصراني. الجانب الثالث: ملفات تهاجم الإسلام ويأخذ هذا صوراً، نذكر منها: 1. وضع الملفات التي تتحدث عن بعض الفتاوى الشاذّة التي صدرت عن بعض المنتسبين للإسلام. ومن أكثرها تكرراً؛ فتوى جواز إرضاع الكبير مطلقاً (¬5). 2. الاهتمام بوضع الملفات المرئية لمن عُرفوا واشتُهروا بهجومهم على الإسلام، أمثال ¬
القس المصري زكريا بطرس (¬1). وكذا وضع حلقات البرامج التي انتهجت محاربة الإسلام وبث الشبهات حوله في الفضائيات التّنصيريّة، كبرنامج حوار الحق (¬2)، وبرنامج سؤال جريء، وغيرهما. 3. التنفير من الإسلام بوضع الملفات التي تُظهر الصوفيّة الغالية، والتعليق على ذلك بما يصرح بأنّ هذا النهج هو من ضمن تعاليم دين محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 4. الاستهزاء بالإسلام من خلال نقل مقاطع يتحدث فيها مسلمون عن إخراج الجان من الممسوس، وما يرافق ذلك من عجائب (¬4). 5. الاستهزاء بالإسلام من خلال نقل مقاطع يتحدث فيها مشايخ عن بعض التشريعات التي جاءت في الإسلام ممّا يعارض النصرانيّة. ومن ذلك إباحة التعدد في الزواج إلى أربع (¬5). 6. الطعن في دين الإسلام بإثارة الشكوك والشبهات حوله. 7. الطعن في القرآن الكريم بترداد بعض ما كان يقوله كفار قريش من أنَّه من قبيل شعر العرب (¬6). 8. الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحاولة تشويه صورته في أذهان الناس. وذلك من خلال أساليب متعددة، نذكر منها: - إنشاء ملفات تُورد فيها أحاديث صحيحة وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويَرى فيها هؤلاء غرابة ومطعناً، كالتوجيه بالاستعاذة من الشيطان عند سماع نهيق الحمار لأنه يرى شيطاناً، والتوجيه بسؤال الله من فضله عند سماع صوت الديك لأنه يرى ملكاً. ومثله الاستعاذة بالله ¬
من الخبث والخبائث عند إرادة دخول الخلاء، ونتر الذكر باليسرى ثلاثاً بعد البول، وحديث الشرب من أبوال الإبل، والاستنثار ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم لأنَّ الشيطان يبيت على خياشيم المرء، وغير ذلك (¬1). - إنشاء ملفاتٍ تهاجم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذكر وقائعَ مكذوبةً أصلاً. ومن ذلك أنّ أبا جهل -عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نصرانيًّا. وأنَّ زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخديجةَ كان في ديرٍ على الطريقة النصرانية. وأنّ زواجه - صلى الله عليه وسلم - بعائشة كان رغماً عن أبيها أو مقابلَ وعد بتولي الخلافة. إلى غير ذلك من الافتراءات المحضة (¬2). - إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومحاولة التوصل بها للطعن في صحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك الزعم بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مدح أصنام الكفار بقوله (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) (¬3)، وأنَّ من كان هذا حاله لا يمكن أن يكون رسولاً من عند الله. - نشر الأفلام التي سخرت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، واستهزأت به. وكذا إنتاج مقاطع أفلام كرتونيّة تستهزئ به -عليه الصلاة والسلام- وبزوجاته وأصحابه وأحاديثه وتعاليمه ومعجزاته. وغير ذلك من صور الملفات المرئيّة الساخرة بمقامه الشريف؛ صلوات ربي وسلامه عليه. - تكذيب معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). - الكذب الصريح. ومن أمثلته ما كتبه المنصر الذي رمز لاسمه بـ dare2think1 من أنَّ مسلماً (¬5) في صحيحه روى عن عائشة (¬6) ? أنها قالت: (إذا كانت إحدانا حائضاً أمرها رسول الله أن تتزر ليباشرها جنسيًّا في فوران حيضها)، وأنّ ميمونة (¬7) ? كانت تقول: (إنَّ رسول الله يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب). ثم يعلق على هذا بأنّ النبي يخالف أمر الله باجتناب معاشرة الحائض كما في سورة البقرة (¬8). وقد جمع هذا المنصر هنا عدّة مخالفات للمنهج الصحيح في المناقشة: الأولى: الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنّ الحديث الذي في صحيح مسلم نصُّه كالآتي: عن عائشة ? قالت: «كان إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأتزر في فور حيضتها، ثمّ يباشرها» قالت: «وأيّكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه» (¬1). وهنا نلحظ أنّ هذا المنصر قد زاد كلمةً من عنده تغير المعنى كليًّا. الثانية: بتر تكملة الحديث لأنها تناقض المعنى الذي أراده هذا المنصر. والجزء الذي بتره هو قول عائشة ?: «وأيّكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه». الثالثة: تدليسه بإيراد رواية صحيحة هي رواية ميمونة ? مع الرواية التي حرّفها. الرّابعة: تدليسه بإيراد فهمه الخاطئ ليوهم النّاس أنَّ المباشرة تعني الجماع في الفرج. الخامسة: تدليسه بكتمان الروايات الأخرى في صحيح مسلم نفسِه، التي فيها التصريح بأنّ مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحيض لم تكن في الفرج. ومنها الرواية التي جاءت بعد رواية عائشة ? مباشرة، وهي قول ميمونة ?: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيّضٌ» (¬2). السادسة: تقريره فهماً شخصيًّا من عند نفسه مخالفاً للمعلوم عند صغير المسلمين قبل ¬
كبيرهم، فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عاتبه ربه على أمور هي من قبيل ترك الأولى فأصبحت قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، فكيف يترك عتابه على أمر محرم؟! 9. الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال نشر الأفلام التي أنتجها الرافضة (¬1). والتعليق عليها بأنّ تاريخ الصحابة كان دمويًّا، وأنَّ همهم كان المطامع الدنيوية. 10. الاهتمام بوضع الملفات التي يطعن فيها بعض المنتسبين للإسلام؛ في بعض تعاليم الإسلام، وفي واقع المسلمين، ومناهجهم الدراسيّة، وترتيبهم في مصاف الأمم من حيث التقدم الحضاري من عدمه. ومن هؤلاء الكاتب المصري سيد القمني (¬2). 11. الاستهزاء بالمشايخ، والتوصل من خلال ذلك إلى السخرية من الإسلام نفسه. ويكون ذلك باقتطاع أجزاء من المحاضرات والبرامج مما يكون فيه حديث عن شيء يثير شيئاً من الاستغراب، فيعمد المنصر إلى تكذيبه واستهجانه، وإعطاء حكم عام بأنَّ الإسلام ليس إلا جملة من العقائد والعبادات المليئة بما يَنفر العقل السليم والطبع المستقيم من قبوله (¬3). الجانب الرّابع: ملفات تدافع عن النصرانيّة ويأخذ هذا الجانب صوراً متعددة، نذكر منها: 1. شرح العقائد والشعائر النصرانيّة، والتدليل على صحتها من الكتاب المقدس عند ¬
النصارى، ومن المصادر الإسلاميّة كالقرآن الكريم والسنة النبوية. وفي سبيل ذلك يتم وضع حلقات البرامج التي تحدثت عن هذا الجانب في القنوات الفضائية التّنصيريّة، من قبيل برنامج إنجيل الله (¬1)، وبرنامج ما هو الحق (¬2). 2. وضع المرئيّات التي يكون فيها رد علماء النصارى على ما يطرحه المسلمون من تساؤلات حول العقائد والشعائر النصرانيّة، وما يتعلق بالكتاب المقدس عندهم من كثرة تناقضات، وانقطاع أسانيد، وفقدان المخطوطات الأصليّة، وجهالة المترجمين للأسفار، ووجود ما يبشر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك. فينقل النصارى من المحاضرات والبرامج الدينيّة على الفضائيّات وغيرها ما يرد على هذه التساؤلات، ويفند صحتها (¬3). 3. تحذير النصرانيّات من الزواج بالمسلمين، لما في ذلك من مخالفة لأوامر الكتاب المقدس كما يذكرون (¬4). 4. وضع المرئيّات التي تُدافع عن معتقدات طائفة من الطوائف النصرانيّة وتهاجم الطوائف النصرانيّة الأخرى (¬5). ¬
المطلب الرابع: التنصير من خلال التعليقات في اليوتيوب
المطلب الرابع: التنصير من خلال التعليقات في اليوتيوب التعليقات المصاحبة للمقاطع المرئيّة في موقع اليوتيوب هي واحدة من أهم الخدمات التفاعليّة في الموقع. ويمكن لكل مسجل في الموقع أن يكتب ما شاء من تعليق على أي ملف يشاهده إلا تلك التي يُلغي صاحبُها خاصيّة التعليق. ويمكن التفاعل مع كل تعليق مكتوب بكتابة ردٍّ عليه، أو اختيار علامة التصويت مع التعليق؛ عند الرضا به، أو علامة التصويت ضده؛ عند عدم الرضا. هذه التعليقات تُشكِّل ساحة حرب عقديّة حقيقيّة، سلاحها الفكر، وأداتها لوحة مفاتيح جهاز الحاسب، وجبهاتها الملفات المرئيّة الإسلاميّة والنصرانيّة على السواء. ومن المهم معرفة أنّ أصحابَ التعليقات مجهولون جهالة عين وجهالة حال، فقد يتقمص النصراني شخصية مسلم؛ فيُظهر اقتناعَه بما يمدح النصرانية ويطعن في الإسلام. وهكذا نحن أمام عالم مجهول الأشخاص والنوايا والأهداف. وعلى الرغم من جهالة أعيان وأحوال المشاركين في هذا الميدان إلا أنَّه بالنظر إلى قناة المعلِّق يمكن أخذ صورة تقريبية عن دينه وتوجهه. ويلاحظ كثرة هذه التعليقات على بعض المقاطع، وبلوغها حاجز الآلاف. وهذا يكون على الأخص في الملفات التي تهاجم شيئاً معظَّماً عند أحد الفريقين (¬1). كما يُلاحظ كثرة السباب والشتائم والألفاظ الخارجة عن نطاق الحياء والخلق الرفيع مما تأنف الفطر السويّة والطباع المستقيمة من قراءته. وهذه التعليقات التي يكتبها النصارى يظهر أنَّ غالب مَن يكتبها؛ العامّة، لغلبة السطحية والعفوية عليها، إلا أنها تُظهر بجلاء الصورةَ الذهنية في عقول وتفكير هؤلاء عن الإسلام وكتابه ونبيه، وتُظهر ما سعى القسس والكهنة لوضعه في عقول العامّة من أتباعهم. ¬
ويمكن -بشكل إجمالي- تصنيف هذه التعليقات إلى أربعة أنواع؛ هي ذات الأنواع في المطلب السابق. ولهذا سنوجز عرضها هنا (¬1). النوع الأول: التعليقات التي تعرض الديانة النصرانيّة وما يتعلق بها، ومن صورها: 1. كتابة عبارات التضرع والتوسل للمسيح - عليه السلام -. 2. كتابة عبارات التمجيد والمحبة للمسيح وأمه والآباء والقديسين. 3. تمجيد الديانة النصرانية، وإظهار أنها الدين الحق الذي يملك مقومات البقاء والاستمرار دون ما عداه من الأديان. 4. تمجيد الكتابِ المقدس عند النصارى، وسائرِ ما حوته أسفاره. 5. تقرير الظهورات والمعجزات الشفائيّة وغيرها. النوع الثاني: تعليقات تدعو المسلمين للتنصر، ومن صورها: 1. الدعوة المباشرة للمسلم بأن يعتنق النصرانيّة على أنها الدين الحق الذي ينجو صاحبه في الآخرة من العذاب، ويحظى بالنعيم. 2. دعوة المسلم لمشاهدة القنوات الفضائية العربية التّنصيريّة ليعرف حقيقة دينه. 3. محاولة تشكيك المسلم في دينه عن طريق الطلب منه أنْ يدرس العقائد الأخرى ليكون تديُّنُه عن يقين، لا مجردَ تقليدٍ للآباء والأجداد. 4. كتابة عبارات الضراعة إلى المسيح أن يفتح عيون المسلمين لنوره الحقيقي. 5. ذكر شواهد من الكتاب المقدس تحث على اعتناق النصرانيّة لتحقيق النَّجاة والخلاص. 6. تهديد المسلم بما سيؤول إليه إن استمر كافراً بالنصرانيّة من عذاب وخيم في الآخرة. ¬
بل قد يكون التهديد بانتقام المسيح منه في الدنيا. النوع الثالث: تعليقات تهاجم الإسلام. ومن صورها: 1. إثارة الشبهات حول الإسلام. 2. إثارة الشبهات حول النبي - صلى الله عليه وسلم -. 3. إثارة الشبهات حول القرآن الكريم. 4. إثارة الشبهات حول السنة النبوية. 5. الطعن في الإسلام بما يصدر عن بعض المسلمين من سوء خلق في ردودهم وتعليقاتهم على الملفات المرئية في الموقع، وإظهار أنّ هذا يُمثل حقيقة تعاليم الإسلام؛ كما يذكرون. 6. الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزوجاته الطاهرات، وخصوصاً عائشة الصديقة ?. 7. القدح في الفتح الإسلامي لسائر البلدان بشكل عام، ولمصر بشكل خاص، ومحاولة استعداء نصارى مصر على هذا الفتح بادعاء إهانته أجدادَهم وسَوْقِهِ النساءَ سبايا إلى المدينة. 8. الطَّعن في الإسلام بإيراد شواهدَ من أقوال بعض المنتسبين له ممن طعنوا فيه (¬1). ومن هؤلاء طه حسين (¬2)، حيث أورد أحدهم قوله: «يجب أنْ لا نُغفل عقولنا من منطلق الحفاظ على قوميتنا وديننا حتى يكون بحثنا ذا قيمة. وهذا ما فعله القدماء من حبهم للإسلام أخضعوا كلَّ شيء له، فما لاءم إياه أخذوه، وما خالفه انصرفوا عنه .. ». وأيضاً قوله عن القرآن: «القرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي» (¬3). ¬
المطلب الخامس: منهج التنصير عبر موقع اليوتيوب
النوع الرّابع: تعليقات تدافع عن النصرانيّة، ومن صورها: 1. الرد على ما يثيره المسلمون حول النصرانيّة، سواء ما يتعلق بالعقائد، أو الطقوس والعبادات، أو الكتاب المقدس، أو غير ذلك. 2. تقرير العقائد والتدليل عليها. 3. امتداح قوة الإيمان المسيحي، وأنّه لا يمكن هزُّه أو زعزعتُه. المطلب الخامس: منهج التنصير عبر موقع اليوتيوب إنّ المتتبع للجهود التّنصيريّة عبر خدمة مشاركة الملفات المرئية على الشبكة، ومنها موقع اليوتيوب محل الدراسة، يجد أنها تستخدم العديد من المناهج بغية الوصول لأكبر قدرة تأثيريّة في المدعوين، سواءً كانوا من النَّصارى أو غيرهم. ومن هذه الوسائل ما يكون مباشراً مكشوفاً، ومنها ما يتبع طرقاً ملتويةً تحتاج لشيء من التأمل لاستيضاحها. وفي هذا المطلب نستعرض بعض هذه الطرق، ونورد ما يكون في بعضها من مجانبة لأمانة الطرح وأخلاق الحوار. فمن هذه الطرق: أولاً: الاستفادة من القدرة التأثيريّة للملفات المرئيّة الجامعة للمحتوى المكتوب والمسموع والمرئي. وهو أثر -لا شك- أقوى من الاقتصار على أحدها. فإذا كانت الصورة قد تُغني عن ألف مقال في نظر الكثيرين؛ فالملفات المرئيّة المحتوية على المشاهد المتحركة صوتاً وصورة، لها في الغالب أثر أكبر. والأمرُ يزدادُ قوةً عند إدخال فنِّيَّات ما يُسمى بالتوليف (المونتاج)، حيث يُضاف للمشهد من المؤثرات الصوتيّة والموسيقيّة، ومن التعليقات النصيّة أو الصوتيّة، ما يخرجه في قالب بديع مؤثر (¬1). ذلك أنّ طريقة التوليف (المونتاج) قد تؤدي إلى نتائج ممتازة إذا ¬
استعملت ببراعة (¬1). ولهذا لا نعجب إذا شوهدت بعض الملفات ملايين المرات. ثانياً: استغلال جهالة المتحدثين عن انتقالهم من الإسلام إلى النصرانيّة، بغية التأثير على المدعوين. والنّاظر في حال الملفات المرئيّة للمنتقلين من الإسلام إلى النّصرانيّة يلحظ في كثير منها الملاحظات التّالية: الملاحظة الأولى: التدليس في العناوين، نحو: "ملايين المسلمين يتركون الإسلام إلى المسيحيّة"، بينما محتوى الملف يتحدث عن آلاف تحولوا إلى النصرانيّة في الجزائر، وفي قيرغيزيا، فأين الآلاف من الملايين، إذا سلّمنا بصحة هذه الأرقام أصلاً؟! (¬2) ومن الأمثلة، عنوان: "تزايد المتحولين إلى النصرانيّة في تركيا"، في حين يتحدث الملف عن أعداد النّصارى في تركيا، لا المتحولين، وبين الأمرين فرقٌ كبيرٌ لا يخفى (¬3). الملاحظة الثانية: كون المتحدث عن اعتناقه النصرانيّة مجهول الحال والعين، وربما تَسمَّى باسم مستعار، وقد يُظهر اسمه وتعريفاً بشخصه بيد أنّ ذلك لا يدفع عنه كونه مغموراً لم يُعرف بتميز علميٍّ أو فكري أو غير ذلك. في الوقت الذي يُظهر المتحولون إلى الإسلام تعريفاً بهم، وبكونهم ممن عُرف بالريادة والقيادة في مجالات دينيّة ودنيويّة. ويعضد ذلك تقارير الوكالات الإخباريّة النصرانيّة التي تتحدث عن كثرة الدّاخلين في الإسلام في البلاد النصرانيّة. ومن ذلك تقرير قناة "روسيا اليوم" الذي يشير إلى اعتناق أكثر من عشرين ألف أمريكي الإسلام سنويًّا (¬4). ¬
وأكثرَ تفصيلاً منه تقرير أمريكي يلفت نظر العالَم النصراني إلى تزايد أعداد المسلمين في أوروبا وأمريكا بفعل الهجرات ومعدل الولادات المرتفع بين المسلمين بالإضافة إلى من يعتنق الإسلام داخل هذه المجتمعات. ويرى التقرير أنّ عدد المسلمين في أوروبا البالغ اثنين وخمسين مليوناً ربّما يبلغ الضعف خلال عشرين عاماً فقط، خصوصاً مع تضاعفه ثلاثين مرّة في بريطانيا خلال الثلاثين عاماً الأخيرة. ويشير إلى تزايد عدد المسلمين في أمريكا من مائة ألف عام 1970م إلى تسعة ملايين اليوم، إلى غير ذلك من الإحصاءات في بعض الدول الأوروبية الكبرى (¬1). ومثله تقرير قناة فوكس " Fox" الإخباريّة الذي يرى أنّ الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم، وأنّ عدد المسلمين في شيكاغو لوحدها يربو على أربعمائة ألف مسلم (¬2). الملاحظة الثالثة: قلة عدد الملفات المتحدثة عن المتحولين من الإسلام إلى النصرانيّة مقارنةً بالعكس (¬3). ثالثاً: من الأساليب غير الأخلاقيّة التي يستخدمها بعض النصارى؛ إظهار بعض الملفات المرئيّة على غير حقيقتها، باستخدام تقنيات برامج تحرير الفيديو المتقدمة. وهذا العمل الفني -وإن كان لا يزال صعباً على غير المتخصصين- إلا أنّ المتمرسين في الإخراج والمونتاج يمكنهم أداء هذه المهمة التزويريّة بشكل يصعب كشفه. وللتمثيل على هذا فقد تسلَّط بعضهم على مقطع مرئي للداعية المسلم الذي أمضى عمره في مناظرة المنصرين والرد عليهم؛ أحمد ديدات (¬4)، وهو على فراش الموت. فأخرج ¬
ملفًّا مرئيًّا ضَمَّن أولَه نصوصاً كثيرة من الكتاب المقدس عند النصارى، فيها وعيد المسيح لمن كذّبه وحاربه. ثم غيَّر مشهد الشيخ إلى صورة مرعبة من الصياح والبكاء والتألم. وختم المشهد بالتحذير والتنبيه إلى أن هذه هي نهاية أعداء المسيح ولا شماتة (¬1)! ودافِعُ هذا ما بذله الشيخ - - رحمه الله - من جهود كبيرة في مناظرة كبار دعاة النصرانيّة (¬2). وقريبٌ من هذا ما فعله بعضهم حين ركّب صوتَ أحدِ القرّاء يدعو على النّصارى بالهلاك والشقاء والبلاء والأمراض والآلام والحسرات وغيرها؛ على صورة متحركة لأداء الصّلاة في الحرم المكي الشّريف، لِيُظهر أنّ هذا هو دعاء المسجد الحرام، وهو القدوة لغيره (¬3). رابعاً: استخدام كلمات مضلِّلة في تسمية الملفات المرئيّة والقنوات، وأسماء المستخدمين أنفسهم. فمن هؤلاء مَن نهجه الهجوم على الإسلام في غالب ملفاته التي ينشرها؛ ثم يُسمِّي قناته بالحق (¬4). ولو كان ديدنُه نشرَ دينه، وبيانَ ما يراه فيه من الخير والهدى، دون التعرض لمعتقدات الآخرين وما يؤمنون به، لكان اختيارُهُ لهذا الاسم أمراً مفهوماً. خامساً: التركيز على ما يُبهرُ النّاسَ ويُدهشُهم كالظهورات والمعجزات الشفائيّة. ويُستخدم فيها أسلوب التحدي وإظهار الثقة الكاملة، وذلك بنقل هذه المعجزات الشفائيّة ¬
مباشرة من الكنائس إلى بعض القنوات الفضائيّة، فيتحدى الكاهن أنه سيشفي بقوة المسيح وسلطانه كل ممسوس أو مريض أو معاق في القاعة؛ وإن كان الطب البشري قد عجز عنه. ثم يبدأ بقراءة التعويذات الممجِّدة للمسيح لتَخرج الشياطين ويُشفى العاهةُ في الحال. وفي ذلك محاولة للتغلغل في أعماق نفسيات المشاهدين لأجل ربط هذه القدرة بصحة سَيْر الكهنة والقسس ومَن خلفهم في الكنيسة على ما سار عليه المسيح مِن قبل في شفاء المرضى وإعطاء هذه القدرة لتلاميذه وأتباعه الصَّادقين من بعده. وتهدف هذه الممارسات إلى التدليلِ على صحة الديانة النصرانيّة وبطلان ما عداها، والتدليلِ على صحة مسلك الكنيسة التي ينتمي لها القس. ولها -كذلك- أثر كبير في تقوية ارتباط الأتباع -ولا سيما العامّة منهم- بالديانة، وصدهم عن مجرد ورود خاطر ذهني بوجود الحق في غيرها. وحين تمارَسُ هذه الشفاءات مع مرضى مسلمين يكونُ المغزى من خلالها إيصالَ رسالة خفيّة إلى نفوس المسلمين ببطلان ما هم عليه؛ إذ لو كان حقًّا لكان له أثر في شفائهم. وفي هذا حرب نفسيّة موجهة لخدمة الدّعوة النّصرانيّة. سادساً: الاهتمامُ الكبير بالطفل النصراني لترسيخ المعتقدات في نفسه، وتقوية محبته وتعلقه بالمسيح وبالكنيسة وقديسيها، والعملُ على تنشئته متمسكاً بدينه. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تُنشر الترانيم الموجهة للطفل بكيفيات تجعله يقبل عليها (¬1). وكذا الأفلام الدينيّة مع دبلجتها (¬2) بأصوات أطفال بلهجات محببة كما في فيلم آلام المسيح، وفيلم المسيح للأطفال. ¬
أضف إلى ذلك الأفلام الكرتونيّة التي تعلم العقيدة والسلوك، وأيضاً العروض المسرحيّة التي يقدمها الأطفال ويشرحون فيها العقائد والطقوس (¬1). سابعاً: يلحظ التركيز على الجوانب العاطفية في الملفات المرئيّة الموجهة للنصارى أكثر من غيرها. فنجد في الترانيم الكلماتِ المؤثرة، والألحانَ الجميلة، والموسيقى المحزنة، والأصواتِ المختارة بعناية لأداء هذه الترانيم من الجنسين، وتردادَ المفردات التي تلامس شغاف القلوب كالسّلام والمحبة والألم والحزن، وتوظيفَ اللهجات المتعددة كالشامية والمصرية والعراقية وغيرها. وأحياناً تكون هذه الترانيم بلغات أخرى غير عربيّة ليبقى المشاهد تحت أسر الصورة واللحن والموسيقى. وكل هذا ليخرج المنتج في قالب قوي التأثير. ثامناً: استخدام أسلوب المقارنات لإظهار تفوق النصرانية على الإسلام. فيقارن بين تعاليم الديانتين، وبين القرآن الكريم والكتاب المقدس عند النصارى، وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعيسى - عليه السلام -، وبين صحابة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحواريي المسيح - عليه السلام -. وفي كلِّ هذه المقارنات تكون الغلبة في جانب النصرانيّة. تاسعاً: العمل المكثف على تبغيض الإسلام ونبيِّه وكتابه إلى قلوب النّاس جميعهم مسلمهم وكافرهم، وتنفيرهم من مجرد التفكير في ذلك فضلاً عن دراسة الإسلام ومعرفته. عاشراً: استخدام منهج التدليس والخداع، ويظهر هذا في طرق عديدة جداً، نذكر منها: 1. اجتزاء مقاطع من قنوات إخباريّة تتحدث عن الخطر التنصيري في بلد إسلامي ما، وكيف أنّه أدَّى إلى تحول أعداد كبيرة إلى النصرانيّة، والتعليق على ذلك بأنّ التحول من الإسلام إلى النصرانيّة بالآلاف هو واقع الحال في كل البلاد الإسلاميّة (¬2). 2. النقل عن مصادر إسلامية موثوقة عند إيراد الحديث الصّحيح وفق فهم مغاير لما ¬
فهمه منه الصحابة والتابعون ومن تبعهم من أهل العلم. فيَنقل أحدهم عن صحيح البخاري حديث الاستعاذة من الشيطان عند سماع نهيق الحمار، وسؤال الله من فضله عند سماع صياح الديك، ليثير حوله الاستفهامات، وهكذا في نقول كثيرة. 3. النقل عن مصادر إسلاميّة غير موثوقة عند إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومحاولة إفهام المشاهد أنّ هذا المصدرَ معتمدٌ عند المسلمين بكلِّ ما فيه. فيُكثرون النقل عند إرادة الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتب السيرة التي حوت الصحيح والضعيف والروايات الإسرائيليّة وغيرها، ولم يَصْفُ فيها ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4. استخدام أسلوب النقل الانتقائي؛ الذي يأخذ ما قد يكون فيه اشتباه، ويدع المحكم الصريح القريب من موضع الاقتباس. وفي هذا بُعْدٌ عن أمانة الطرح والنقل العلمي. والأمثلة على هذا كثيرة جداً، وقد تقدم بعضها. ولعلَّنا هنا نذكر مثالاً لم يَسبق ذكره، وهو تقرير أحدهم أنّ الإسلام يبيح إتيان البهائم بدليل قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "من أتى بهيمة فلا حَدَّ عليه" (¬1). وليس في قول ابن عبّاس - رضي الله عنه - ما يعضد المعنى الذي أراد المنصر إيصاله لأفهام النّاس، فإنّ المقصود به الخلاف في عقوبة الفاعل بالبهيمة هل يحدُّ أم يعزَّر. وقد تعمَّد هذا المنصر حجب الرواية السابقة لهذا القول، وقد رواها ابنُ عباس - رضي الله عنه - نفسُه، وهي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من وجدتموه وقع على بهيمةٍ فاقتلوه، واقتلوا البهيمة)، فقيل لابن عبّاسٍ: ما شأن البهيمة؟ قال: (ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئًا، ولكنْ أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ أن يؤكل من لحمها، أو يُنتفع بها، وقد عُمِل بها ذلك العمل). وقد صحح الحديثَ بعضُ أهل العلم (¬2). ومسألةُ قتلِ الفاعلِ بالبهيمة محلُّ خلافٍ بين أهل العلم على قولين (¬3). ¬
وبهذا العرض لخدمة مشاركة الملفات المرئيّة، تمّت دراسة الخدمات التفاعليّة الخمس التي اختيرت في هذا البحث. وسوف يُعاد إليها مرةً أخرى في الفصل الثّالث، ولكنْ لدراستها من جانب استفادة المسلمين منها في الرّدّ على الجهد الدّعوي النصراني. وبين الفصلين سيعقد فصلٌ مخصَّصٌ لأبرز الشّبهات التي طُرحت في الخدمات التفاعلية من قِبَل النَّصارى تجاه القرآنِ والنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والسُّنةِ وبعضِ الجوانب التشريعية، عرضاً وتفنيداً.
الفصل الثاني أبرز شبه المنصرين عبر الخدمات التفاعلية، والرد عليها.
الفصل الثاني أبرز شبه المنصرين عبر الخدمات التفاعليّة، والرد عليها. وفيه تمهيدٌ وأربعةُ مباحث. تمهيد: بث الشبهات؛ أولى الخطوات التنصيريّة. المبحث الأول: أبرز الشبه حول القرآن الكريم، والرد عليها. المبحث الثاني: أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها. المبحث الثالث: أبرز الشبه حول السُّنَّة النبويّة، والرد عليها. المبحث الرابع: أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي، والرد عليها.
تمهيد: بث الشبهات؛ أولى الخطوات التنصيرية
تمهيد: بث الشبهات؛ أولى الخطوات التنصيرية المطلب الأول: تعريف الشبهة لغة واصطلاحاً أولاً: التعريف اللغوي تدور معاني الشبهة في اللغة على الإشكال، والالتباس، والتخليط، والتسوية، وعدم الجزم بحكم الشيء. ولذا جاء في لسان العرب: «وشَبّه الشيء؛ إذا أشكل عليه. وشبَّه؛ إذا ساوى بين شيء وشيء .. والمشتبهات من الأمور؛ المشكلات. وتقول: شبَّهتَ عليَّ يا فلان؛ إذا خلّط عليك» (¬1). وفي المعجم الوسيط: «الشبهة الالتباس، وفي الشرع: ما التبس أمره أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل» (¬2). وفي التعريفات: «الشبهة هو ما لم يُتيقن كونه حراماً أو حلالاً» (¬3). ثانياً: التعريف الاصطلاحي يمكن أن تعرف الشّبهة بأنّها «الشّكوك التي توقع في اشتباه الحقِّ بالباطل، فيتولّد عنها الحيرة والرّيبة» (¬4). والمقصود بالشبه في هذا الفصل؛ المسائلُ التي يوردها بعض النّصارى في الخدمات التفاعليّة للشّبكة، مما يكون فيه لبسٌ للحقِّ بالباطل، فلا يكون الحقُّ صافياً متميزاً. وهو عملٌ لامَ اللهُ تعالى أسلافَهم عليه حين قال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ ¬
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1). قال ابن سعدي (¬2) - - رحمه الله - في تفسيرها: «فوبخهم -أي المولى سدد خطاكم- على لَبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يُضلون من انتسب إليهم، فإنَّ العلماء إذا لبَّسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهماً، وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوامُّ الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه» (¬3). وفي فتح القدير: «ولَبْسُ الحق بالباطل: خَلْطُهُ بما يعتمدونه من التَّحريف» (¬4). وقد بيّن الله تعالى أنّ هذا المسلك هو صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فهم يعمدون إلى الملتبس في ظاهره، ويتركون الواضح الجليَّ، فتنةً للنّاس عن الهدى. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬5). ولابن كثير (¬6) - - رحمه الله - كلام قيم في التعليق على هذه الآية؛ حيث يقول: «يخبر تعالى أنّ في القرآن آياتٍ محكماتٍ هنّ أُمّ الكتاب، أي بيناتٍ واضحاتِ الدلالة، لا التباسَ فيها على أحد من النّاس. ¬
المطلب الثاني: دلائل سعي المنصرين لبث الشبهات
ومنه آياتٌ أُخَرُ فيها اشتباهٌ في الدلالة على كثير من النّاس أو بعضهم، فمن ردَّ ما اشتَبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس» (¬1). المطلب الثاني: دلائل سعي المنصرين لبث الشبهات إنّ صاحب أي عقيدة لا يقبل -في الغالب- أن يجابه فيها، ويواجه بما يقلل من مكانتها، فضلاً عن أن يكذب شيئاً منها. ذلك أنَّ المعتقد يخالط شغاف القلب، وعندها يتخذه صاحبه ميزاناً يقيس به مواقفه وولاءه وبراءه. والعقد في اللغة أصله: الشّد، وشدّة الوثوق (¬2). ولهذا فإنّ السّاعي لنقل شخص من عقيدة إلى أخرى يبدأ -غالباً- بِهَزِّ يقين المدعو فيما هو عليه من أمور اعتقد صحتها. وهذا ما جرى عليه المنصرون في القديم والحديث، مع الجزم بأنّ وتيرة هذا الفعل قد تسارعت في السنوات الأخيرة. فقد «اشتدت في السنين العشر الأخيرة الحملةُ على المسلمين، وبخاصةٍ في ظل النظام العالمي الجديد أو العولمة. وزاد من ضراوتها وسائل البثِّ والإعلام الحديثة، في عصر تدفق المعلومات، والسماوات المفتوحة. واستغل خصوم الإسلام هذه المستجدات فاتخذوها منافذ للانقضاض على قيم الإسلام ومبادئه، بغية تشويه حقائقه أو القضاء عليه إن أمكن» (¬3). وهذه الشبهات المثارة ليست جميعاً محاولةً للتلبيس على المسلمين، بل بعضها هو مبلغ فَهْم أصحابها عن الإسلام. فمن هؤلاء من يعرف الحق ويسعى لتشكيك المسلم فيه، ومنهم من فَهِم عن الإسلام خلاف الواقع فظنّها مطاعنَ وثغراتٍ يمكن هدم الإسلام من خلالها. ¬
ومن الأدلة على الصنف الثاني بحث "المداخل التنصيريّة للمرأة المسلمة وأسرتها"، الذي قدّمته الكاتبة فاليري هوفمان، لمؤتمر كلورادو لتنصير المسلمين، الذي عقد في عام 1978م. فقد صورت الكاتبة للمنصرين حال المسلمة بالمستاءة من احتقار الإسلام لها، وحطه من مكانتها، واستشهدت بأحاديث مسلمات، وحثت المجتمعين على استغلال هذا الإحساس بالإهانة لتقديم المسيح للمرأة المسلمة بصورة المشفق عليها، المانح لها الكرامة والتطهير والعضوية الكاملة في الكنيسة (¬1). وفي هذا المطلب نحاول استحضار أدلة اهتمام المنصرين بهذا الجانب، من أقوالهم وأفعالهم. فأمّا الشواهد من الأقوال فكثيرة جداً، ولعل فيما سنذكره من أقوال اثنين من كبار المنصرين في العصر الحديث كفاية عما لم يذكر. فهذا المنصر المشهور -المسمى عند أتباعه "الرّسولَ إلى الإسلام"- صموئيل زويمر؛ يرمي شبهة في نظرة الإسلام إلى الإله الحق المبين، فيقول في مؤتمر القاهرة عام 1906م: «إنَّ المسلمين مهما يكونوا موحدين فإنَّ تعريفهم لإلههم يختلف عن تعريف المسيحيين، لأنَّ إله المسلمين ليس له قداسة ومحبة» (¬2). وفي مجلس تنصيري أمام جمع من المسلمين، أراد القس زويمر بتجربة عملية أن يلبس على الحاضرين قناعتهم في فرضية ركن من أركان الإسلام. فأتى بمجسم كرة أرضيّة، وسلَّط عليه ضوءًا ليبرهن أنَّ صيامَ شهرِ رمضانَ لا يمكن أن يكون تشريعاً من عند الله تعالى، لأنه يتعذر أداؤه في بعض البلاد (¬3). وفي مؤتمر لكنو التنصيري عام 1911م كرر زويمر طريقة طرح الشبهات، وفي هذه المرة هاجم القرآن الكريم فقال: «إنّ تأويل سورة الكهف وسورة النساء على مقتضى العقل ¬
أمر مستحيل». ثم طعن في بعض الشّعائر الدينية، فقال: «ولو اقتصرنا على مطالعة ما كُتب عن الحجاب وتعدد الزوجات في الصحف الإسلاميّة يتضح لنا أنَّ ما يظهر لنا من وحدة الأفكار في الإسلام غير صحيح، وهذه الوحدة مهددة بالنزاع والتناقض، ولا ريب أنَّ في فارس والسلطنة العثمانية بل والبلاد العربيّة ألوفاً من المسلمين مقتنعون بصحة النصرانيّة ومخالفتها للإسلام» (¬1). وثاني هذين المنصرَين، هو بابا الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، حيث قال في اجتماع مغلق مع قساوسة وأثرياء في الخامس من إبريل عام 1973م: "إنّه يجب مضاعفة الجهود التبشيريّة الحاليّة .. وذلك لزحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم أو التمسك به، على أنْ لا يكون من الضروري دخولهم في المسيحيّة، ويكون التركيز في بعض الحالات على زعزعة الدين في نفوس المسلمين، وتشكيك الجموع الغفيرة في كتابهم وفي صدق محمد" (¬2). وأمّا على الجانب العملي فيما يختص بالشبكة العالميّة، فقد رأينا في الفصل الأول أنّ الخدمات التفاعليّة للشّبكة سُخِّرت من قبل المنصرين لبث الطعون والشبهات. ففي المبحث الأول من ذلك الفصل تبيّن ملءُ المنتديات التنصيريّة بآلاف الموضوعات الساعية للتلبيس والطعن في الإسلام وما يتعلق به. وفي مبحث المجموعات البريديّة صنفت الرسائل البريديّة إلى أربعة أقسام؛ أحدها يتعلق بالرسائل الطاعنة في الإسلام. وعند دراسة العمل التنصيري عبر خدمة المحادثة، لُخِّصتِ الجوانبُ التّنصيريّةُ في أربعةٍ؛ أحدها لتوضيح استغلال هذه الوسيلة في الهجوم على الإسلام. ¬
وفي مبحث مواقع مشاركة الملفات المرئيّة رأينا كيف سلك العمل التنصيري نهج التشكيك والطعن والتلبيس من خلال الملفات المرئيّة، وكذا خدمة التعليقات عليها. هذا في جانب الخدمات التفاعليّة. والحال نفسه في مواقع الشبكة العالميّة، وقد بينت ذلك الدراسات والبحوث التي تناولت هذا الجانب (¬1). ولا نريد هنا الاستطراد في التدليل على هذا النهج الذي سار عليه دعاة النصرانيّة في شتّى الجوانب، لأنَّ من شأن ذلك إطالة البحث. وإلا فإنّ التشويه الإعلامي لصورة الإسلام والمسلمين يعد ظاهرة منتشرة، وتحدياً خطيراً، زادت وتيرته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وإنْ كانت جذور هذا التشويه سَبقت ذلك بقرون عديدة. وكان من أجلى مظاهرها العمل الاستشراقي الذي كان من أهدافه تحطيم الثقة بالمعتقدات والمبادئ الإسلامية وتدميرها. أضف إلى ذلك المناهج الدراسية في بلاد الغرب التي تعزز الصور النمطية السلبيّة عن الإسلام والمسلمين (¬2). وهكذا كان موقف الغرب من القرآن الكريم، فقد كانت ترجماتهم له على مر العصور ليست سوى وسائل لتوجيه الإدانات ضد الإسلام وكتابه ونبيه (¬3). ولم تكن دراساتهم عنه إلا تجسيداً لأحكامٍ مسبقة، وقوالبَ مصكوكة، وشباكٍ منسوجة، أُريدَ حشرُ القرآن داخلَها، مع إحكام الغطاء، ودمغه بخاتم البشرية والتلفيق وعدم الأصالة، وإقصائه عن مهابط الوحي وأنوار النبوة الصادقة (¬4). ومشابِهٌ لذلك موقف الغرب من خير البشرية وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم -، «فالغرب عبر ¬
المطلب الثالث: بواعث سعي المنصرين لبث الشبهات
تاريخه الطويل من المواجهة الفكرية والدينية مع العالم الإسلامي كان دائماً يميل إلى الطعن في شخص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة من العلاقة مع الغرب» (¬1). والأمر نفسه ينطبق على السّنّة النبويّة، وعلى كل ما له تعلق بالإسلام والمسلمين. وهكذا فقد دأب النّصارى المعادون للإسلام على بثّ الشبهات والطّعون بغية زعزعة العقيدة في نفوس المسلمين، مسوقين بدوافعَ يذكر المطلب التّالي شيئاً منها. المطلب الثالث: بواعث سعي المنصرين لبث الشبهات إنّ الهجوم القويّ على الإسلام في منافذ الخدمات التفاعليّة يدفع إلى طرح التساؤل عن الأسباب الباعثة لذلك ضدَّ دينٍ يُعلي مكانة المسيح وأمَّه وأتباعه من الحواريين، ويصف التوراة والإنجيل بأنّهما هدى ونور، إلى غير ذلك من حديث التقدير والتّكريم. وخلاصة جواب ذلك في تقرير أنّ الإسلام هو الدين السماوي الذي أعقب النصرانيّة، وأتى بمخالفة جُلِّ عقائدها الأساسيّة، وبإقرار نظرة مختلفة إلى إله النصارى وكتابهم. ففي الوقت الذي نظر النصارى فيه إلى عيسى - عليه السلام - على أنّه الله الظاهر في الجسد، وابن الله الحيّ، وأنّه ليس بنبيٍّ ولا رسولٍ ولا عبدٍ من عباد الله (¬2)؛ جاء الإسلام ببيان كونه واحداً من جملة رسل الله تعالى وعباده، فكان في ذلك إنقاصاً لمكانته في قلوبهم. وحين اعتبر النصارى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كلمةَ الله المحفوظةَ كما أنزلت؛ جاء الإسلام ببيان تحريفِهم له بشتّى صورِ التّحريف، فكان في ذلك هدماً لمقدَّس آخرَ في قلوبهم. وبتقرير الإسلام أنّه خاتَم الأديان، وأنّ نبيه - صلى الله عليه وسلم - خاتَم الرسل وأفضلَهم، وأنّ كتابه القرآن وحيُ الله المصدقُ لما سبقه من كتب الله، والمهيمنُ عليها، وإلزامَه الثقلين الدخول فيه ليكونوا من النّاجين؛ نُسِف بذلك الشأنُ الاستعلائي عند أهل الكتاب الذين طالما رددوا: ¬
{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (¬1)، وكثيراً ما قالوا: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} (¬2)، وكانوا يفخرون بأنهم: {أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (¬3)، وربما قصرت طوائف منهم الخلاص فيمن آمن بالمسيح وفق ما يعتقدون. وحين يُعلي الإسلام شأن الأمة الإسلاميّة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (¬4)؛ يهوي بمن اعتقد أنَّ الله ثالث ثلاثة، وأنَّ الله هو المسيح ابن مريم، وأنّ الله اتخذ ولداً، إلى هاوية الكفر واللعنة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (¬5). وهنا حدث صراع بين أتباع الديانات الكبرى أيها يستحق شرف قيادة الإنسانيّة. وكان الإسلامُ هو الدين الذي أثبت صدق دعواه حين جمع تحت رايته في زمن يسير أكثر من ثلثي سكان المعمورة على اختلاف أجناسهم، مسوياً بينهم في الحقوق والواجبات، مشكلاً أزهى عصور التاريخ حضارةً وعلماً وأخلاقاً (¬6). لقد طبَّق الإسلام الخافقين في فترة لم تتجاوز القرن من الزمان، وبسط المسلمون نفوذهم على الجزيرة وبلاد الشام -بما فيها بيت المقدس حيث مقدسات النّصارى- ومصر والمغرب، بل امتدت الفتوحات من الصين والهند وإندونيسيا شرقاً إلى الأندلس (إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا) غرباً. وفي عهد الخلافة العثمانية فُتحت القسطنطينية سنة 1453م، وشملت الفتوح نصف القارة الأوروبيّة، وحوصرت فيينا سنة 1529م. ¬
وبالجملة فقد انتزع الإسلام نصف العالم النّصرانيّ، وكسب ملايين الأتباع من النصارى، وكانت فتوحاته حضاريّة دفعت غير المسلمين لاعتناقه عن رغبة واقتناع (¬1). يقول المستشرق الألماني "كارل بيكر": «إنّ هناك عداءً من النصرانية للإسلام بسبب أنّ الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدًّا منيعاً في وجه انتشار النّصرانيّة، ثمّ امتدّ إلى البلاد التي كانت خاضعةً لصولجانها» (¬2). كل هذه الأسباب أدت إلى إضرام نيران الحقد في قلوب النصارى، وزرع بذور العداء الشديد ضد الإسلام والمسلمين. وأخذ هذا العداء شكلين من أشكال الحروب. أولهما الحروب العسكريّة، وكان من صورها الحروب الصليبيّة التي امتدت قرابة قرنين من الزمان، مارس فيهما النصارى مدفوعين بالعاطفة الدينيّة أسوأ أشكال القتل وانتهاك الحرمات. ومن صورها محاكم التفتيش التي أقيمت في فترة العصور الأوروبية الوسطى المظلمة، والتي ذاق فيها كلُّ من خالف النصرانيّة الكاثوليكية سوءَ العذاب. وربما يُلحق بها حروب الاحتلال التي أعقبت سقوط دولة الخلافة العثمانية، وإنْ كان هدفها الأبرز هو الجانب الاقتصادي فيما يظهر. وثانيهما الحروب الفكريّة، حيث زحفت جحافل المستشرقين والمنصرين على الديار الإسلامية. فأخذت الأولى جزءاً من مهمة تنصير الخاصّة (¬3)، وذلك من خلال دراسة مصادر علوم ¬
المسلمين، وإبراز ما يمكن أن يكون ثغرات تبث حولها الشّكوك والشّبهات والتساؤلات. ومن يومها والغربُ مستمرٌ في محاولة تشويه الإسلام دون أن يكلف نفسه عناء دراسة الإسلام على حقيقته (¬1). وأخذت الثانية مهمة تنصيرَ العامّةِ من خلال الدعوة المباشرة، أو غير المباشرة عن طريق صانعي الخيام أو المندسين خلف ستار الخدمات الطبيّة والتعليميّة والاجتماعيّة ونحوها. وبهذا نفهم السبب الذي يجعل النصراني -في الغالب- يعادي الإسلام أشد العداء، مما يجعله يتنكب سبيل العدل والإنصاف حين ينظر إلى الإسلام وكتابه ونبيه - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا لا نعجب حين يحمل النصارى على عواتقهم مهمة مقدسة تتمثل في تشويه الإسلام، والوقوع في القرآن الكريم والنبي المصطفى والسنة النبوية تكذيباً وتشكيكاً وسخريةً واستهزاءً، مدفوعين بالأسباب المتقدمة، مع ما أجمعت عليه سائر فرقهم من كون المسيح - عليه السلام - جاء متمماً لشريعة الفداء، فلا يتصور عندهم مجيء رسول ولا كتاب بعده (¬2). يقول المستشرق هور غرونبه (¬3) -بعد أن درس الإسلام، وعاش في مكة ستّة أشهر-: «إنّ العالم المسيحي يقف من الإسلام موقفاً يتصف بسوء الفهم والتّزييف» (¬4). ويضرب لهذا بعض الأمثلة، فيقول: «وكذلك فإنّ العائلة المسلمة ليست بصورة عامّة كما يقال عنها، فالحجْر على المرأة ليس تامًّا، والزّواج من امرأة واحدة أكثر شيوعاً، وقد ¬
تتزوج المرأة عدّة مرّات .. » (¬1). وهذا السعي للتشويه يتضح بجلاء من خلال الشبكة العالميّة بمواقعها، ومنافذ خدماتها التفاعليّة. وهو ما سيتناوله هذا الفصل بشيء من البسط، من خلال عرض أبرز الشبهات المثارة حول القرآن والنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - والسُّنَّة وشيء من جوانب التشريع الإسلامي. وليس المراد هنا استقصاء كل الشبهات، والإسهاب في الرد عليها، فإنّ مُؤلَّفات المسلمين في القديم والحديث قد استوعبت -بحمد الله- أغلب هذه الجوانب. ولكنّ ما يسعى إليه الباحث في هذا الفصل هو تجلية جوانب استفادة المنصرين من إمكانات الخدمات التفاعليّة للشبكة في بث الشبهات وإثارة الشكوك، مع التركيز على أبرز هذه الشبهات المطروحة، والرد عليها. وقد كان اختيار الشّبهات -محل الدراسة في هذا الفصل- مبنيًّا على استقراء طويل معمّق للنوافذ الخمس المختارة من الخدمات التفاعليّة، وذلك بإحصاء مرّات التكرر، وأخذ المراتب العليا في سلّم النتائج. ففي المنتديات الحواريّة تمّ استعراض مئات الموضوعات في المنتديات الثلاثة المختارة. وفي المجموعات البريديّة تمّ استعراض ألف موضوع في كل مجموعة من المجموعات الثلاث المختارة، كما هو مبيَّن في موضعه. وفي خدمات المحادثة رُصدت الشّبهات المطروحة في الغرف الثلاث المختارة مدّة شهر تقريباً. وفي الشّبكات الاجتماعيّة تمّ استعراض مئات الصّفحات والمجموعات في شبكة "فيسبوك"، من خلال الكلمات البحثيّة الشّائعة الاستخدام عند النّصارى. وأخيراً، في مواقع مشاركة الملفات؛ استعرض الباحث مئات الملفات والقنوات ¬
والتعليقات في موقع "يوتيوب"، بواسطة الكلمات البحثيّة الشّائعة. وتفصيل ذلك في مواضعه من مباحث الفصل الأول. ومن حصيلة النّتائج الكثيرة قام الباحث باختيار أكثرها تكرراً في الطّرح والمناقشة (¬1)، وذلك في التصنيفات الأربعة التي سيأتي بيانها في مباحث هذا الفصل. على أنّه يجدر هنا إيضاح الفئات المستهدفة بالخطاب في هذا الفصل على وجه الخصوص. وهم في المقام الأول شريحة المستخدمين للخدمات التفاعليّة من المسلمين، بُغية تزويدهم بقدر كاف من المعرفة بما تحويه هذه المنافذ من مطاعن ومثالب، مع تفنيدها بالدّليل النقلي والعقلي. ثم تأتي في المقام الثّاني شريحة المستخدمين من أتباع الدّين النّصراني، بُغية إيضاح المناهج المتبعة في طرح هذه الطّعون، ومدى قربها أو بعدها من النّهج العلمي الموضوعي المنصف. ثمّ نقد هذه المثالب بالدليل العقلي أو النّقلي من الكتاب المقدّس، مع استخدام أسلوب المقارنة والمناظرة. وقد كان الجمع في الرّدّ بين مخاطبة الفريقين مع ضرورة الاختصار أمراً شاقًّا، ولعلّ في الاجتهاد المبذول شيئاً من مقاربة الصّواب. وتفصيل ذلك في المباحث الأربعة التّالية. ¬
المبحث الأول: أبرز الشبه حول القرآن الكريم، والرد عليها
المبحث الأول: أبرز الشبه حول القرآن الكريم، والرد عليها المطلب الأول: موقف القرآن من الكتب السّابقة من مظاهر رحمة الله تعالى وعدله أنْ أرسل إلى عباده الرسلَ، وأنزل عليهم الكتبَ هدايةً وإرشادا. وقد جلّى الله - عز وجل - بيان الحكمة من إنزال القرآن الكريم في آيات من الذكر الحكيم. كما تحدث عن الكتب السابقة، وبيّن موقف القرآن منها. ولعلَّ من المناسب هنا تلمُّسَ بعض ملامح حديث القرآن الكريم عن نفسه، ومن ذلك بيان حكمة إنزاله على العباد. أنزل الله تعالى القرآن هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه. وهو دلائلُ وحججٌ واضحةٌ جليّةٌ لمن فهمها وتدبرها، دالةٌ على صحة ما جاء به مِن الهدى المنافي للضلال، والرشد المنافي للغي، ومفرقاً بين الحق والباطل، والحلال والحرام (¬1). والقرآن أُنزل رحمةً للمؤمنين، وبشارةً لهم بكل خير، ووسيلةً معينة على تثبيتهم على سبيل الحق، وذكرىً تزجرهم عن مخالفة أمر الله تعالى. كما أنزله الله شفاءً يُذهب ما في القلوب من أمراض الشك والنفاق والشرك والزيغ والميل (¬2). وهو النورُ الذي يهدي به الله من يشاء من عباده، والبركةُ التي يغنم من أخذها، والإبانةُ التي تجلي لمن تأملها كلَّ غامضٍ ومبهم. وأمّا موقف الكتاب الحكيم مما سبقه من الكتب فقد بينته الآيات كذلك، وخلاصته في الآتي: الأمر الأول: تصديقه للكتب السّابقة. ¬
الأمر الثّاني: هيمنته على الكتب السابقة. ودليلهما قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (¬1). وقد ساق البغوي (¬2) في تفسيره جملةً من أقوال السلف في بيان معنى الهيمنة في الآية. فقال بعضهم في معنى مهيمناً؛ أي شاهداً. وقيل: دالا، ومؤتمناً، وقاضياً، ورقيباً، وحفيظاً. ثم قال البغوي - رحمه الله -: «والمعاني متقاربة، ومعنى الكل: أنَّ كلَّ كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى، وما لا فلا» (¬3). وهكذا فإنّ القرآن الكريم قد جعله الله تعالى حَكَماً على ما عداه من الكتب، فمن جاءنا بكتاب يدعي أنَّه من عند الله، وفيه ما يخالف القرآن؛ جزمنا بأنَّه ليس كذلك. الأمر الثالث: تفصيله مواضع مخالفة الأمم السابقة -وبالأخص أهل الكتاب- لما جاءت به رسلهم من أمر الدين، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (¬4)، وقوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬5). ¬
المطلب الثاني: أبرز الشبه حول القرآن الكريم
قال الكلبي (¬1): «إنَّ أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزاباً يطعن بعضهم على بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه» (¬2). الأمر الرابع: بيانه بعض ما أراد أهل الكتاب كتمانه وإخفاءه، كما في قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (¬3). وبهذا البيان يتقرر أنّ القرآنَ بخصوصه، والإسلامَ بعمومه، امتدادٌ للشرائع السماوية السابقة، فالدين أصله واحد، والأنبياء إخوة لعلات (¬4)، والتجديد إنما يكون في التشريع مراعاة لأحوال النّاس. ولهذا كان الإيمان بكل رسل الله وكتبه؛ من أركان الإيمان السّتّة. ومهما وجدنا من توافق بين القرآن والتوراة والإنجيل فلا غرابة، إذ الكل من عند الله، وأخبار الله لا يمكن أنْ تتناقض بحال. المطلب الثاني: أبرز الشبه حول القرآن الكريم الناظر في منافذ الخدمات التفاعلية للشبكة يرى الكم الهائل من موضوعات الطعن في ¬
كتاب الله الكريم. والوقوف على حصر كل ما يطرح أمر ليس بالإمكان، إلا أنَّ هناك ما يمكن إبرازه بالنظر لكثرة تكرره وطرحه، وتداول النقاش فيه. والمقصد هنا أنْ يكون لدى مستخدم الشبكة التصور المسبق لأغلب الجدليّات التي تهدف للطّعن في القرآن، مع بيان موقع هذه المطاعن أمام الأدلة النّقليّة والعقليّة. ولعل أبرز هذه الشبه ما يلي: الشّبهة الأولى: عدم التسليم بصحة النص القرآني الموجود لدى المسلمين اليوم، والجزم بحصول التحريف فيه (¬1) بدلالة ما يلي (¬2): أولاً: أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، ولا وجود اليوم لستة منها، فإن كان الذي ألغى هذه الستة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فلن يكون بوحي من الله؛ إذ من العبث أن يلغي الله ما أنزله، وإن كان ذلك من فعل عثمان - رضي الله عنه - فقد فعله من تلقاء نفسه. ثانياً: أنّ عملية جمع القرآن على عهد الصحابي عثمان - رضي الله عنه - قد شابها كثيرٌ من الشوائب، كعدم الاعتراف بآية الرجم التي أقسم عمر - رضي الله عنه - أنها كانت مما يقرأ من القرآن، وآية الرضاع التي تحدثت عنها عائشة ?. وقول عمر - رضي الله عنه - بعد هذا الجمع: (لقد ضاع قرآن كثير)، وقوله: (إنّ سورة الأحزاب كانت تقرأ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة وأربعاً وأربعين آية) بينما هي اليوم ثلاث وسبعون آية، وقوله: (في القرآن ألف ألف حرف، من أحصاها كان له بكل حرف حورية في الجنة) بينما أحرف القرآن الآن أقل من ذلك بكثير. ¬
ومنها أنّ عثمان أخذ مصحف حفصة (¬1) قهراً وغلاه بالزيت ثم حَرَّقه، وضرب زيداً (¬2) وأجبره على الكتابة، واختلف مع محمد بن أبي بكر (¬3) في أمر الكتابة -وكان من كتبة الجمع- فسبّه محمدٌ ثم شارك في قتله بعد ذلك. ومنها أنّ هذا الجمع شهد خلافاً شديداً بين الصحابة كاد يصل حد الاقتتال. ومنها أنّ الآية الثانية والعشرين من سورة الأحزاب لم توجد إلا عند أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - (¬4)، فأضيفت في مصحف عثمان بناءً على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شهادة هذا الصحابي أنها تعدل شهادتين. قال صاحب الشبهة: «وسبب تزكية النبي شهادة أبي سعيد الخدري ما رواه البخاري ومسلم من أنَّ النبي أخذ ظلماً [هكذا افترى] شاةَ يهودي في السوق، فطلب اليهودي شاهداً، فأتى أبو سعيد وبذل الشهادة. فلما أخذ النبي الشاة وانصرف سأل أبا سعيد عن شهادته عن شيء لم يره، فقال: (إني أصدقك بخبر السماء فكيف لا أصدقك بخبر شاة)، فعندها زكَّى النبي شهادته. وبالتالي فإنَّ هذه الآية أضيفت للقرآن بشهادة شاهد زور» (¬5). ثالثاً: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ الآية بالليل فينساها بالنهار، فنزل قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ ¬
آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬1)، فكان الله يعوِّض نبيه عمّا ينسى، فالصحابة من بعده أولى بالنسيان مع عدم تصور التعويض لهم فدلَّ على أنَّ الجزم بصحة النص القرآني خطأ. رابعاً: دلالة مخطوطات القرآن. ومنها مخطوطة صنعاء، وفيها اختلافات كثيرة، منها أنّ سورة الأعراف 165 آية، بينما هي في المصحف الحالي 206 آيات. خامساً: وجود الأخطاء النحوية فيه، وأنّ المسلمين يدفعونها بزعم أنَّ القرآن حجة على العربيّة وليس العكس. ويمثل هؤلاء لهذه الأخطاء بأمثلة كثيرة جداً (¬2). الشبهة الثانية: أنّ القرآن دلّ صراحة على صحة العقائد النصرانيّة، ومن ذلك: أولاً: أنه امتدح التوراة والإنجيل، وأخبر أنّ فيهما الهدى والنّور، وأنهما منزلتان من عند الله. ثانياً: أنّه أمر اليهود والنّصارى بتحكيم التوراة والإنجيل، فدل ذلك على صحتهما، وصحة ما احتوته من عقائد، وكفايتهما للنّجاة. ثالثاً: أنّ فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسؤال اليهود والنّصارى عند الشك، فدل على صحة ما لديهم. رابعاً: أنّ في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (¬3)؛ دلالة على ألوهية المسيح (¬4). ¬
المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه
الشبهة الثالثة: الطعن في قصص القرآن، من خلال الآتي: أولاً: أنّ فيها ما لا يقبله العقل. ومن ذلك أنّ الله علّم آدم الأسماء كلها، وأنَّ من معاني ذلك تعليمه أسماء كل البشر كما ورد في التفاسير. ومن ذلك أنّ الجنّ لم تعلم بموت سليمان - عليه السلام - حتى أكلت الأرضة مِنْسَأَتَه. ومنها أنّ مريم أُمرت بهز الشجرة، وهي حامل لا تقوى على هز جذع النخلة، وأنّه لم يكن هناك نخل في ذلك الوقت بذلك الموضع، وأنها كانت ترزق الطعام فيدخل عليها زكريا ويجده، فكيف لم ترزق به وقت حاجتها عند معاناة ألم الوضع. ثانياً: الاقتباس من التوراة والإنجيل، مع المخالفة في بعض التفاصيل، وأنّ هذا دليل على عدم صحة القصص القرآني. المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه تتعدد الطرق التي يتبعها المنصرون في طرح شبهاتهم وجدلياتهم حول كتاب الله الكريم. ومن تلك الطرق المتبعة في الخدمات التفاعلية للشبكة ما يلي: أولاً: الاستفادة من إمكانات الخدمات التفاعليّة فيما يتعلق بالطرح المرئي أو الصوتي أو النّصّي. ففي مواقع تبادل الملفات المرئيّة تُستغل عملية التوليف (المونتاج) لإنتاج مقاطع تجمع بين الصورة والصوت والكتابة، وقد فُصِّل البحث في هذا الجانب في موضعه من الفصل الأول (¬1). وفي مواقع المحادثة يُستغل جانب التحادث في الوقت الفعلي، فيواجه المسلم الداخل إلى الغرف النصرانية بوابل من الشبهات التفصيلية مع المطالبة بالإجابة عليها في الحال، لإظهار ¬
عجزه، ومن ثمّ الاستعلاء عليه وتشكيكه في يقينياته الأساسيّة. ويستفاد فيها من القدرات البيانيّة التي ميّز الله بها بعض النّاس؛ فيكون لأسلوبهم فعل السحر في التأثير على النفوس، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلَّ بعضكم أن يكونَ ألحنَ بحجته من بعض، وأقضيَ له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقِّ أخيه شيئاً فلا يأخذْ، فإنّما أقطعُ له قطعةً من النّار) (¬1). ولما جاء رجلان من المشرق فخطبا؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ مِنَ البيان لسحرا) (¬2). وقد يملك المحاوَر الرد فيُمنع من إتمام إلقاء حجته، وذلك لأنّ مالك غرفة المحادثة لديه صلاحية توزيع وقت الحوار فيها، ولو كان ذلك على سبيل الإجحاف والظلم؛ الذي يدفع إليه مخافة ظهور حجة الخصم. وتُستغل في هذه الغرف إمكانات التأثير الصوتي التي يحسنها البعض، من رفع الصوت وخفضه، وسرعة الإلقاء وإبطائه، وتمثيل المشاعر المختلفة من تهكم أو فرح أو حزن أو تعجب أو غضب أو رضى أو غير ذلك. كما يستفاد فيها من رجع الصدى الفوري، أي التجاوب الآني من المحادَث، بالإضافة إلى أنّه قد لا يكون مستعداً للمحاورة، أو ممتلكاً للحصيلة العلمية التي تدفع عنه الشبه والمطاعن، وفي كل الأحوال لا تكون لديه فسحةٌ لمراجعة ما يلقى عليه. ثانياً: اتخاذ ما يمكن تسميته بأسلوب الغمر (¬3)، وذلك بإيراد الطعون المتكاثرة حول كل ما يتعلق بالقرآن الكريم، لكي يتسرب إلى عقل القارئ بشكل غير مباشر أنّ القرآنَ كلَّه مثالبُ ومطاعن، لا يبقى معها منه شيء صاف عند التحقيق. ¬
بل وصل الأمر إلى حدِّ نقدِ كل آية من آيات الكتاب العزيز، وادعاء اشتمالها على خطأ لغوي أو علمي أو تاريخي أو جغرافي أو منطقي أو نَسْخٍ أو تعدد قراءات أو غير ذلك، كما في موقعهم المسمّى: "نظرة موضوعيّة في عمق القرآن" (¬1). ثالثاً: اتباع أسلوب التّهويل، بحيث تؤخذ الملاحظة البسيطة ليبنى عليها نتائج كبيرة لا تتناسب معها. فمن ذلك ملاحظة أحدهم ثلاثة فروق بين طبعتين من المصحف في بلاد المغرب، فيها ترقيم البسملة من الفاتحة، وجعل الآية الأخيرة آيتين في الطبعة القديمة، وترقيم الحروف المقطعة من أول البقرة. فبنى على هذا نتيجةً مفادها إثبات وقوع التحريف في القرآن، وأنّ صور التحريف لا يحاط بها كثرةً باعتبار كثرة الدول الإسلاميّة، بناء على وجود هذه الملاحظات في دولة واحدة منها (¬2). رابعاً: الأخذ عن مصادر المبتدعة كالرافضة من الشيعة، تصريحاً أو على سبيل الدّس والتدليس. فمن مواضع التصريح قولهم في تقديم كتابٍ على الشّبكة يطعن في النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «لقد آثرنا أن نستعين ببعض المراجع الشيعية الاثني عشرية في تحضيرنا لهذا الكتاب؛ لكن بما أنَّ عملنا موجه للسنّة أولاً، كان استئناسنا بالشواهد الشيعية يقتصر على الهامش ليس إلا. وهذه المراجع أساساً هي: بحار الأنوار، الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار، وسائل الشيعة، مستدرك الوسائل، الميزان في تفسير القرآن» (¬3). ومثله كتاب "تدوين القرآن"، وفيه يعقد المؤلف موضوعات للطعن في القرآن الكريم ¬
بناء على عقيدة الرّافضة في تحريف القرآن، وهجومهم على أهل السّنّة في ذلك (¬1). وهو واحد من كتب عدة يوردونها لإظهار وجود الاختلاف بين المسلمين في كتابهم، وأنَّ ذلك من أدلة ثبوت تحريفه (¬2). خامساً: مجانبة المنهج العلمي عند التعامل مع كتب التفسير. ولذلك عدة صور: منها جعل أقوال المفسرين حجة في تبيان مراد الله تعالى من كلامه، فيكون قول المفسر -سواء كان متقدماً أم متأخراً- هو عين مراد الله تعالى من قوله. وفي هذا من التجني ما لا يخفى، فإنّ غاية ما يكون من المفسرين هو بذل الجهد في فهم مراد الله تعالى من كلامه. ومنها انتهاج أسلوب الانتقاء المبني على الهوى، بعيداً عمّا أجمع عليه المفسرون أو ذهب إليه جمهورهم. ومن أمثلة ذلك ما نقله أحد المنصرين في تفسير الحروف المقطعة، فقد اختار -لهوى في نفسه- أنّ المراد بها ما نقله القرطبي (¬3) عن قطرب (¬4) أنّ الكفار كانوا ينفرون عن سماع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى لهم بهذه الأحرف ليجلب انتباههم فيقيم عليهم الحجة. ثم ركّب على اجتزائه هذا نتائج تخدم عمله الدّعوي (¬5). وهذا الفعل تجاوزٌ صارخٌ للموضوعيّة والأمانة في النّقل، فإنّ القرطبي ذكر أنّ أهل العلم ¬
اختلفوا في الحروف المقطعة على قولين. أحدهما: وجوب الإيمان بها دون الخوض في تفسيرها، لأنّها مما استأثر الله بعلمه. وثانيهما: جواز الكلام فيها، والتماس الفوائد التي تحتها (¬1). ثمّ ساق اختلاف الأقوال بين المجيزين، وذكر منها ما قاله قطربُ وغيره أنّها «إشارة إلى حروف الهجاء، أعلمَ اللهُ العربَ حين تحداهم بالقرآنِ أنّه مؤتلفٌ من حروفٍ هيَ التي منها بناءُ كلامهم، ليكون عجزُهم عنه أبلغَ في الحجة عليهم» (¬2). ولكنّ هذا المنصر أعرض عن كل الأقوال التي ساقها القرطبي، ومنها أحد قولي قطرب، ليختار -بلا مرجِّح- أحدَ الأقوال، موهماً أنّه الراجح أو الوحيد. ومن أمثلة الأسلوب الانتقائي نقل أقوال المفسرين المختلفةِ اختلافَ تضادٍّ في بيان معنى الآية الواحدة، وضرب الأقوال بعضها ببعض، للتوصل من ذلك إلى الطعن في كتاب الله الكريم، ومن ذلك إيراد الأقوال المختلفة في اسم والد نبي الله إبراهيم - عليه السلام - (¬3). سادساً: يُستشهد أحياناً بكتب التفسير المعتمدة عند المسلمين كتفسير الطبري وابن كثير وغيرهما مع ذكر رقم الجزء والصفحة والطبعة ومعلومات النشر، ويُحال أحياناً إلى مواقع إسلاميّة على الشّبكة. وهذا يُظهر للناظر لأول وهلة تجرد النّاقل للحق، وأمانته في النقل، ولكنْ عند التّمحيص يظهر شيء من التّدليس، أو الكذب الصّريح أحياناً. وسوف نذكر أمثلةً لذلك في مطلب الرّدّ التالي. ¬
المطلب الرابع: الرد على الشبه
المطلب الرابع: الرد على الشبه يمكن الرد على جدليات النصارى حول القرآن الكريم بشكلٍ مجملٍ، وآخرَ مفصل. المسألة الأولى: الرد المجمل، ويقال فيه ما يلي: الأمر الأول: ثبت على مرِّ السنين وتعاقبها من أكثر من أربعة عشر قرناً من الزّمان أنّ القرآنَ الكريمَ معجزةٌ خالدةٌ لا تقبل المعارضة والنقض أبداً. وعلى الرغم من إعلان التحدي المبكر، فقد «أجمع رواة التّاريخ والآثار، على أنّ أساطين البلغاء وفحول الشعراء من مشركي العرب لم تحدثهم أنفسهم بمعارضة القرآن، ولم ينقل عن أحد منهم أنّه حاول أن يأتي بمعارضة للقرآن، مع شدّة حرصهم على صدّ النّاس عن الإسلام، والتكذيب برسالة محمد عليه الصّلاة والسّلام» (¬1). ومع إغفال ذكر بعض المحاولات الموغلة في الضّعف، يمكن أن نشير هنا إلى محاولة عبد الله بن المقفع (¬2)، حين كَتَب شيئاً، فمرّ ذات يوم بصبيّ يقرأ قوله تعالى: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (¬3)، فمزّق ما جمع، واستحيا من إظهاره، وقال: "هذا والله لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله" (¬4). ولا يزال التحدي قائماً على مدى هذه القرون الطّويلة، فَلِمَ نكل النصارى وغيرُهم عن معارضة القرآن وقد اطّلعوا -ولا شك- على إعلان التحدي فيه في أكثر من آية. ¬
ويحسن أن نشير هنا إلى محاولة ملفتة للنظر، قام بها المنصر أنيس شروش (¬1)، حين ألف كتابه "الفرقان الحق" (¬2)، زاعماً أنّه يُعارض القرآن، بل هو خيرٌ منه. والقارئ لهذا الكتاب لا يجد فيه إلا جملاً من القرآن الكريم، تلاعب بها تقديماً وتأخيراً، وتحريفاً وتبديلاً، في صورة متهافتة، يُغني سقوطها عن إسقاطها (¬3). ونخلص من كل ما تقدم إلى أنّ القرآن معجزة خالدة لم يوجد -ولا يمكن أن يوجد- من يقدر على معارضتها. يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: «وكون القرآن أنّه معجزةٌ ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط، أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط، ولا من جهة صرف الدّواعي عن معارضته فقط، ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط، بل هو آيةٌ بيّنةٌ معجزةٌ من وجوهٍ متعدّدةٍ: من جهة اللّفظ، ومن جهة النّظم، ومن جهة البلاغة في دلالة ¬
اللّفظ على المعنى، ومن جهة معانيه الّتي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك. ومن جهة معانيه، الّتي أخبر بها عن الغيب الماضي، وعن الغيب المستقبل، ومن جهة ما أخبر به عن المعاد، ومن جهة ما بيّن فيه من الدّلائل اليقينيّة، والأقيسة العقليّة الّتي هي الأمثال المضروبة» (¬1). وقد بلّغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفارَ آياتِ التحدي بأن يأتوا بمثله، ثم بعشر سورٍ منه، ثُمَّ بسورة واحدة، وفي كلِّ مرةٍ يعجزون، مع شدةِ عداوتهم له، وحرصِهم على دفع دعواه ووأدها والحيلولة دون انتشارها، وهم «العرب الفصحاء والخطباء والبلغاء، فكلٌّ عجز عنه، ولم يقدر على شيء منه بوجه» (¬2). فبعد هذا؛ إنْ أتى أحد بعد أولئك القوم يريد الطعن في بلاغة القرآن الكريم وفصاحته وسلامة تراكيبه النحوية فإنّه لا اعتبار لقوله، ولا التفات إليه؛ إذ لو كان ذلك ممكناً لسبق إليه الكفار على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. بل كان منهم العكس من ذلك، فقد بهرهم بيانُه، وأخذت بألبابهم فصاحتُه، وسحرتهم بلاغتُه. فهذا عتبة بن ربيعة (¬3) لما قرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - صدر سورة فُصِّلت؛ أنصت لها، وألقى بيده خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، حتى إذا بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (¬4)، أمسك بفيه مناشداً له بالرَّحم أن يكف، لعلمه صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم لما رجع إلى الكفّار قال لهم: "والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله ¬
الذي سمعت نبأً" (¬1). ومثله الوليد بن المغيرة (¬2) حين قرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬3)، قال لقومه: "والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا. والله إنّ لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو وما يعلى عليه، وإنّه ليحطم ما تحته" (¬4). الأمر الثاني: من خصائص الأمة المحمديّة أنّ مُعتَمدها في تحمل الكتاب العزيز ونقله للخلف عن السّلف؛ كان على الحفظ في الصدور، لا على الكتابة في السطور. ولهذا فحفظة القرآن اليوم لبعضهم أسانيد إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -. وبتكفل الله تعالى بحفظ كتابه الكريم، ثُمّ بهذا المنهج الذي سلكته الأمّة وحافظت عليه، لا يزال النصّ القرآني اليومَ كما كان عليه زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. يقول ابن الجزري (¬5) -في كلام له نفيس-: «ثم إنَّ الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى ¬
لهذه الأمة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: رب إذاً يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: مُبتليك ومُبْتَلٍ بك ومنزل عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان، فابعث جنداً أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفِق ينفَق عليك) (¬1). فأخبر تعالى أنَّ القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تُغسل بالماء، بل يقرؤوه في كل حال كما جاء في صفة أمته: "أناجيلهم في صدورهم"، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب (¬2)، ولا يقرؤونه كله إلا نظراً لا عن ظهر قلب، ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - حرفاً حرفاً، لم يُهملوا منه حركةً ولا سكوناً ولا إثباتاً ولا حذفاً، ولا دَخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وهم، وكان منهم مَن حفظه كلَّه، ومنهم مَن حفظ أكثرَه، ومنهم مَن حفظ بعضَه، كلُّ ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). وليست هذه الحقيقة محل قناعة المسلمين وحدهم، بل شاركهم فيها علماء ومفكرون من الملّة النصرانيّة وغيرها، وعلى الطّاعنين في القرآن من النّصارى تفسير هذا الأمر. ومن أمثلة ذلك قول الفيلسوف الفرنسي إيرنست رينان (¬4): «إنّ الواقعة الحقيقيّة للتّاريخ القديم لهذا الإسلام، أي القرآن، تظل خارج كلِّ الشّبهات في البعد عن التّحريف» (¬5)؟! ¬
الأمر الثالث: تقدم في المطلب الأول (¬1) بيان أنّ دينَ الله واحدٌ من لدن آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنَّ رسل الله تعاقبت وكتبه تتالت في سياق الدعوة إلى التوحيد والطاعة ونبذ الشرك والمعاصي، وأنّ الشرائع اختلفت لحكم أرادها الحكيم العليم. وعلى هذا فلا يَتصور ذو عقل أنه إذا أتى في القرآن الكريم شيء مما في كتب الله السابقة كان ذلك مطعناً ومأخذاً. بل ما كان من قصص الأنبياء مع أقوامهم، أو غيرها من الأخبار؛ لو ورد في كتاب ثم تكرر في القرآن، لكان وروده في القرآن على وجه المطابقة التامّة متى جزمنا بخلو الخبر الأول من التحريف، ووصوله إلينا كما أُنزل. بل إنَّ القرآن ينص صراحة على تكرار معان في كتب سبقته، وذلك كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (¬2)، وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (¬3)، وقوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (¬4). وعليه؛ فإنّ الطّعن في القرآن الكريم لورود أمرٍ فيه سَبَقَ ذكره في التوراة أو الإنجيل أو الزّبور أمرٌ غيرُ مُسلَّم. الأمر الرابع: بأيِّ وجهٍ يُقبل ادّعاءُ تصديقِ القرآنِ الكريمِ لكثيرٍ من العقائدِ النّصرانيّة وقد جاء فيه التّصريح بكفر معتقدها في غير موضع، في آيات محكمات. فمن ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (¬5). ¬
وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (¬1). وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). فهذه الآيات المحكمات الواضحات، وغيرها كثير، تدل -بما لا يدع شبهة أو تأويلاً- على مضادة القرآن للعقائد النصرانيّة التي هي في حقيقتها انحراف عن الدين الذي جاء به عيسى - عليه السلام -. ولو فرض بقاء أحد على مثل ما جاء به عيسى - عليه السلام -؛ فإنّه ملزم باتباع النبي الذي بشر به عيسى - عليه السلام -: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (¬3). ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمنْ بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النّار) (¬4). ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمر - رضي الله عنه - صحيفة فيها شيء من التوراة غضب وقال: (أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي) (¬5). الأمر الخامس: إنّ استشهاد النصارى بالقرآن الكريم على صحة عقائدهم وسلامة كتابهم مغالطة بينة، لأنّ المستشهد بشيء على شيء لا بد أنْ يكون مصدقاً بذلك الذي ¬
يستشهد به، وإلا كان المستشهَد عليه باطلاً لبطلان المستشهَد به، وهم لا يعتقدون صدق القرآن ولا يعترفون به. وهذا المسلك لا يلزم المسلمين حين يحتجون عليهم ببعض كتبهم، لأنَّه من المتقرر لدى المسلمين الاعتقاد الجازم أنّ الله أنزل التوراة على موسى - عليه السلام -، والإنجيل على عيسى - عليه السلام -، ثم أصاب الكتابين ما أصابهما من التحريف والتبديل والتضييع (¬1). الأمر السّادس: تقدم في تمهيد هذا الفصل بيان الأمور التي ملأت قلوب النصارى حقداً على الإسلام ونبيه وكتابه. ومَن بلغ به البغض منتهاه كان ذلك حاملاً له على التجني والعدوان بغير حق. والناظر في الخدمات التفاعلية للشبكة يرى صنوفاً لا حصر لها من هذا الاعتداء الحاقد صباح مساء. وهكذا دُفنت تحت ركام الأحقاد جُلُّ معاني العدل والإنصاف ومراعاة ضوابط البحث العلمي النزيه. فلا تكاد تجد شيئاً يتعلق بالإسلام والمسلمين إلا أُخرج بصورة مشوهة بشعة. وأُجري هذا المنهج على الدين نفسه، وعلى الدّيان، وعلى النبيِّ العدنان، وعلى الكتاب الفرقان، وعلى السُّنَّة النبويَّة وحَمَلتها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، وعلى المنتسبين لهذا الدين في كل مكان وزمان. وهنا تثار مناقشة عقليّة حول إمكانيّة قبول هذا التّشويه؛ وقد حوّل الله بهذا الدّين حال العرب أوّلاً من الجاهليّة والهمجيّة والتّخلف الخُلُقي والثّقافي والعلميّ، إلى مجتمعات متحليّة بالآداب والفضائل، رائدةٍ في مجالات العلم والحضارة والفِكر. وقد شهد بهذا العقلاء والمنصفون من أتباع الأديان الأخرى. يقول توماس أرنولد (¬2): «ولقد كتبت إسبانيا الإسلاميّة في القرون التي تقع بين هذين التاريخين [711 - 1502م] ¬
صفحةً من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى. وقد امتد تأثيرها من ولاية بروفانس إلى الممالك الأوروبيّة الأخرى، وأتت بنهضة جديدة في الشعر والثقافة، ومنها تلقى طلاب العلم المسيحيون من الفلسفة اليونانيّة والعلوم ما أثار في نفوسهم النّشاط العقلي حتى جاء عصر النهضة الحديث» (¬1). الأمر السّابع: من المتقرر لدى المسلمين قاطبة -إلا مَن شذَّ من المبتدعة- فضلُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدالتُهم، وسبقُهم في الفضائل والمحاسن. قال المزني (¬2) - رحمه الله -: «ويقال بفضل خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فهو أفضل الخلق وأخيرهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونثني بعده بالفاروق، وهو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ فهما وزيرا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضجيعاه في قبره، ونثلث بذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، ثم بذي الفضل والتقى علي بن أبي طالب ? أجمعين. ثم الباقين من العشرة الذين أوجب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجنّة، ونُخْلص لكل رجل منهم من المحبة بقدر الذي أوجبَ لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التفضل، ثم لسائر أصحابه من بعده ? أجمعين. ويُقال بفضلهم، ويُذكرون بمحاسن أفعالهم، ونمسك عن الخوض فيما شجر بينهم؛ فهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم، ارتضاهم الله - عز وجل - لنبيه، وجعلهم أنصاراً لدينه، فهم أئمة الدين، وأعلام المسلمين ? أجمعين» (¬3). يُساق هذا التقرير لمن يطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتخذ من ذلك طريقاً للطعن في كتاب الله الكريم، لأنّه لم يصل إلينا إلا عن طريقهم، فهم المتلقون له من النبي - صلى الله عليه وسلم -، المبلغونه مَنْ بعدهم. وهم أصحابُ الجمع الأول على عهد الصديق، وأصحابُ الجمع الثاني على ¬
عهد ذي النورين، ? أجمعين. والعجبُ الذي لا ينقضي، ممن يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره، فإنّ النّصارى يُعلون مكانة التّلاميذ الاثني عشر، ولا يرضون الطّعن فيهم، ثمّ لا يرون للمسلمين حقًّا في تقدير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. وهم في سبيل ذلك يغضون الطّرف عمّا ذكره المسيحُ نفسُه في حقّ هؤلاء الحواريين من من قلّة الإيمان، وعدم الفهم (¬1). وقد وصفَ كبيرَ الحواريين بأنّه شيطانٌ، معثرةٌ للمسيح، مهتمٌّ بما للنّاس، غيرُ مهتمٍّ بما لله، وبأنّه سينكر معرفته بالمسيح ثلاث مرّات قبل أن يصيح الدّيك (¬2). وقد حدَث من التّلاميذ أنْ تركوه وهربوا في أحرج الأوقات كما يحكي العهد الجديد (¬3). فإذا صحَّ أنْ يبقى لهؤلاء التّلاميذ قَدْرُهم مع ما بدر منهم، ومع توبيخ المسيحِ لهم، فكيف تُنزع مكانةُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فدوه بالأنفس والأهل والأموال، ومات وهو عنهم راض؟! الأمر الثامن: لقد سار المسلمون في فهم كتاب ربهم جلّ وعلا على منهجٍ مستقيمٍ ثابتٍ أرشدهم إليه منزلُ هذا الكتاب - سبحانه وتعالى -. وخلاصةُ هذا المنهج؛ أنَّ القرآن فيه المحكمُ الذي يَسهل فهم المراد منه لكلِّ أحد، والمتشابهُ الذي لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا ¬
بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬1). والمنهج السليم ردُّ المتشابه إلى المحكم لأنّ الكل من لدن حكيم عليم، فلا يُتصور وجود تضاد أو اختلاف: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (¬2). قال ابن كثير في تفسير آية آل عمران: «يخبر تعالى أنّ في القرآن آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب، أي: بيّناتٌ واضحات الدّلالة، لا التباس فيها على أحدٍ من النّاس، ومنه آياتٌ أخر فيها اشتباهٌ في الدّلالة على كثيرٍ من النّاس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس» (¬3). وضدُّ هذا المنهج هو سبيل الأمم الهالكة التي نهجت مصادمة الآيات ببعضها، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يُفقأ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان من الغضب، فقال: (بهذا أُمرتم، أو لهذا خُلقتم، تَضربون القرآنَ بعضَه ببعض، بهذا هَلكت الأممُ قبلكم) (¬4). الأمر التّاسع: أنّ من أسس العقيدة الإسلاميّة الإيمان بكل كتب الله المنزلة على رسله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬5). وأنّ من هذه الكتب صحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داوود؛ عليهم وعلى نبينا الصلاة والسّلام. ¬
المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي: الأمر الأول: الحديث عن الأحرف القرآنيّة السّبعة يحتاج إلى شيء من التفصيل. لقد نزل القرآنُ -أوّل ما نزل- على العرب، وكانوا أهل عصبيّة وجاهليّة، تعتز كل قبيلة بما تنفرد به، وتعد ذلك مفخرةً تراق لأجلها الدّماء. وكان من جملة ذلك ما يتعلق باللغة من مفرداتٍ وأساليبِ أداء ونحو ذلك، مما يمكن إجمال الإشارة إليه باللهجة. فكان من الحكمة أن يستوعب القرآن كلَّ هذه اللهجات، ليكون أدعى لقَبول أتباعها له، وأيسرَ عليهم في تلقيه وفهمه وحفظه. ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الحريص على رفع الحرج عن أمته- يستزيد ربّه من الأحرف حتّى بلغت سبعة (¬1). لكنّ هذه التّوسعة لم تكن على حساب قداسة التشريع، بل كانت محصورة في الألفاظ دون المعاني والأحكام، مقيّدة بحدود ما أنزل الله، لا مجال فيها لاتباع الهوى (¬2). وكانت الأمةُ مخيّرةً في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف، لأنّ التنوع فيها هو في الألفاظ المستخدمة، مع وحدة المعنى والدلالة. واستمر الحال إلى أن جاءَ عهدُ الخليفةِ الرّاشدِ عثمانُ بن عفّانَ - رضي الله عنه -، وكثرت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلاميّة، وكثر الدّاخلون في الإسلام من غير النّاطقين بالعربيّة حتّى ربما فاق عددهم العرب، وتفرّق القرّاء في الأمصار يعلمون النّاس القرآن. ¬
وكان كل قارئ ربّما قرأ بما شاء من الأحرف بناءً على أصل الرّخصة في ذلك، فإذا اجتمع التّلاميذ النّاشئة عجبوا لقراءة بعضهم، ثمّ تطوّر ذلك إلى الجدالِ أيُّ القراءاتِ أفصح، ثم آل الحال إلى الخصومةِ وتأثيمِ بعضهم بعضاً (¬1). وقد رأى ذلك الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أثناء مشاركته في فتوح أرمينيّة وأذربيجان، ففزع من ذلك، وخشي أنْ يحدث الخلاف بين المسلمين في كتاب ربهم، فلما قدم على عثمان - رضي الله عنه - قال له: "يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى" (¬2). وأمام هذه الفتنة الكبيرة كان الهمّ الأكبر هو المحافظة على صحّة النص القرآني في مقابل بوادر الاختلاف التي ظهرت مهددةً الموقف الموحد للمسلمين من مصدر تشريعهم. «فاتفق رأي الصحابة وعثمان -رضوان الله عليهم- على أن يجمع لهم القرآن على حرفٍ واحدٍ من تلك السبعة الأحرف» (¬3). فخلاصة ما حدث هو اتفاق الصّحابة بالإجماع (¬4) على الأخذ بحرف واحد من الأحرف السّبعة، درءاً للفتنة، وتمشياً مع أصول التشريع الإسلامي، وأخذاً بأصل الرّخصة. وتمّ اختيار حرف قريش لأنّه هو الغالب في القرآن، وبه ابتدأ إنزاله قبل أن يستوعب الأحرف الباقية، وكان الأقوى من بين سائر اللهجات لمكانة قريش بين القبائل. ولقد آتى هذا الاجتهاد العثمانيُّ ثمرته الطيبة، فبقي اتفاق الأمة على كتابها إلى هذا اليوم. وقولنا "تمشياً مع أصول التشريع" مردّه إلى أنَّ التدرجَ سمةٌ من سمات التشريع الإسلامي، وهو من مزاياه الواضحة، ومن جوانب الحكمة فيه، مراعاة للتيسير على النّفوس، لتتقبل ¬
التّكاليف من غير ضجر أو تعنت. وفي الذي حدث إظهارٌ لمرونة الشريعة الإسلامية في فتح باب الاجتهاد لاختيار ما يحقق المصالح ويدفع المفاسد، ضمن إطار الدّين. وفيه بيان فضل الصّحابة حين قاموا بالاجتهاد في الوقائع التي ليس فيها نصّ، وحُقَّ لهم هذا الاجتهاد لأنّهم تلقّوا عن الرسول الكتاب والسّنّة، وصاحبوه، وشاهدوا أسباب نزول الآيات وورود السّنن، وكانوا موضع ثقته (¬1). فإذا جاء من يطعن في إجماع تلاميذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في اختيار وجه للقراءة من عدّة أوجهٍ جائزة؛ قيل له: بأي منهج ترد هذا وأنت تقبل مخالفة "بولس" -الذي لم ير المسيح- لتلاميذ المسيح في أغلب الأمور العقديّة والتّشريعيّة؟! وبأي منهج تقبل ما سارت عليه المجامع النصرانيّة من تقريرٍ للعقائد والشّعائر والطّقوس والأسفار التي كوّنت الكتاب المقدّس؟! إنّ من يورِد هذا الطّعن يُثْبِتُ في مقابِله -من حيث لا يشعر- صحّة النصّ القرآني بالحرف الذي ارتضاه الصّحابة وأجمعوا عليه. بقي أنْ نشير هنا إلى أنّ الصحابة قد هابوا الإقدام على جمع القرآن في مصحف واحد (¬2). ومَنْ هذا صنيعهم؛ هل يَتصور أحدٌ أنْ يكون منهم جرأة على محتوى النص؟! الأمر الثاني: جمع القرآن على عهد عثمان - رضي الله عنه - هي إحدى مناقبه - رضي الله عنه - وأرضاه، وكان القرآن قد جمع على عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بالأحرف السبعة، ثم لما كان الخلاف الذي سبق ذكره رأى عثمان - رضي الله عنه - وأد هذه الفتنة فأمر «أنْ يوحد القرآن على حرف واحد، ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش، فجَمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش -وهو ¬
الذي نقرأ به الآن- ثم أَمر بسائر المصاحف فأُحرقت لئلا تبقى فيفتتن النَّاس بها، فكان في ذلك مصلحة عظيمة، وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - لا توصف، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيراً» (¬1). وقد لقي جمعُ عثمان إجماعَ الصحابة ورضاهم، ومن المنقول عن علي - رضي الله عنه - قوله: "يا معشر الناس اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم: حراق مصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان" (¬2). قال البغوي في شرح السنة: «فاستشار عثمانُ الصحابةَ في ذلك، فجمع اللهُ سبحانه وتعالى الأمةَ بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد هو آخر العرضات من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان أبو بكر الصديق أمر بكتابته جمعاً بعد ما كان مفرقاً في الرقاع بمشورة الصحابة حين استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة، فخافوا ذهاب كثير من القرآن بذهاب حملته، فأمر بجمعه في مصحف واحد، ليكون أصلاً للمسلمين، فيرجعون إليه ويعتمدون عليه، فأمر عثمانُ بنسخه في المصاحف، وجَمَعَ القومَ عليه، وأَمَرَ بتحريق ما سواه، قطعاً لمواد الخلاف .. فأمَّا القراءة باللغات المختلفة؛ فما يوافق الخط والكتاب، فالفسحة فيها باقية، والتوسعة قائمةٌ بعد ثبوتها وصحتها بنقل العدول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، على ما قرأ به القراء المعروفون بالنقل الصحيح عن الصحابة - رضي الله عنهم -» (¬3). وأمّا الطعن في الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - فيرده ما تقدم في الأمر السابع من الرد المجمل (¬4). وكل ما ذكر عنه من إساءة إلى حفصةَ أو زيدٍ أو محمدِ بن أبي بكرٍ محضُ كذبٍ وافتراء. بل الثابت أنّ جمع القرآن كان بإجماع الصحابة ?، وأنّ الصحف التي كانت عند ¬
حفصة طلبها عثمان ثم ردها إليها بعد نسخها، وكانت بخط زيدٍ إبّانَ الجمعِ الأولِ على عهدِ الصديقِ - رضي الله عنه - (¬1)، وقد انتقلت بعد وفاة أبي بكرٍ إلى عمرَ ثم إلى ابنته حفصةَ لأنها كانت وصيَّتَه (¬2). وقد بقيت الصحف التي عند حفصةَ على حالها إلى أنْ توفيت فأرسل والي المدينة مروانُ بن الحكمِ (¬3) إلى عبد اللهِ بن عمرَ (¬4) - رضي الله عنه - يطلبها، ثم أعدمها خشيةَ أن يقع لأحدٍ منها توهّمُ أنَّ فيها ما يخالف المصحفَ الذي استقرَّ عليه الأمر (¬5). وأمّا ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنّه قال يوم استحر القتل بقراء اليمامة: (ذهب اليوم قرآن كثير) فرواية مكذوبة عليه؛ يدفعها «تظاهر أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة على جمع القرآن وعرضه، وتدوين عمر له، وعرضه عرضة ثانية، وضبطه في الصحيفة التي خلفها عند ابنته حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذه النّاس بذلك، وتعريفهم أنَّه جميع الذي كان أنزله الله - سبحانه وتعالى - .. ولا يمكن أن يكون المراد ذهاب شيء من القرآن فإنّ عمرَ يعلم أنّ الذين قُتلوا يوم اليمامة إنما أَخذوا ما أَخذوا عن أُبيّ وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الحفظة» (¬6). وأمّا عدم كتابة آية الرّجم في المصحف فحجة على المشبِّه لا له؛ فإنّه لما كانت هذه الآية مما نزل من القرآن حفظها عمرُ وغيرُه من الصحابة، فقرأها أمام الصحابة ولم ينكر عليه أحد. ولما كانت منسوخةَ الرّسم باقيةَ الحكم لم تُضف للمصحف بدليل قول عمر: ¬
(لولا أن يقال زاد ابن الخطّاب في كتاب الله لأثبتها). وهذا القول من عمرَ دليلٌ على إجماع الصّحابة على ما في المصحف، ودليلٌ على أنّ هذا الإجماعَ والضَّبطَ من الصّحابة شكَّل حارساً يمنعُ من أراد الزيادةَ في القرآن أو الإنقاصَ منه. وقد أجمع كلُّ من روى هذه القصة، وأكثرُ من تكلم في الناسخ والمنسوخ، على أنَّ آيةَ الرَّجمِ كانت مما نُسخ لفظاً وبقي حُكما (¬1). وأمّا قول عائشة ?: (كان مما أنزل عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يقرأ من القرآن)، فقد رجَّح المحققون أنّ هذه الآية نُسخت لفظاً، ولم يبلغ ذلك كلَّ النّاس إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوفي وبعض النّاس يقرؤونها (¬2). وأمّا الخبر عن عمر - رضي الله عنه - أنّه قال: (في القرآن ألف ألف حرف، وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين)، فإنّها رواية لو صحّت لم تكن مقبولة لمعارضتها الثابت القطعي في القرآن الكريم من تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم، وهذا أصل لا يقف لمعارضته شيء. وهو خبر يعارض الثابت عن عمر - رضي الله عنه - وباقي الصّحابة من إجماعهم على المصحف المجموع زمن خلافة الصّدّيق - رضي الله عنه -. ومع هذا فالرواية ضعيفة لا تصح عن عمر - رضي الله عنه - (¬3). وعلى اعتبار صحتها فإنها تحمل على ما نسخ رسمه من القرآن (¬4). ¬
وأمّا رواية أنّ سورة الأحزاب كانت توازي سورة البقرة؛ فرواية باطلة، لا تصح عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - (¬1)، إذ لو صحت لاشتهرت عنه وثبتت. ويدل على بطلانها «أنّه لا يجوز أن يضيع ويسقط من سورة الأحزاب أضعاف ما بقي منها، فيذهب ذكر ذلك وحفظه عن سائر الأمة سوى أبي بن كعب، مع ما وصفناه من حالهم في حفظ القرآن، والتدين بضبطه وقراءته وإقرائه والقيام به والرجوع إليه والعمل بموجبه» (¬2). وأمّا شبهة آية الأحزاب فقد جمع كاتِبُها بين الجهل والكذب والعدوان والتّدليس. وتحقيق الأمر أنّ الصّحابة ? كانوا يحفظون الآية المقصودة، وهي قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (¬3) بدليل قصة مقتل أنس بن النضر - رضي الله عنه - (¬4) يوم أحد، حين أبلى بلاءً حسناً حتى وُجد به ما يزيد عن ثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، ولم تعرفه إلا أخته ببنانه، فقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - (¬5): «كنَّا نرى أو نظنُّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه. ثمّ قرأ الآية» (¬6). ولما طفق زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ينجز مهمة جمع القرآن وفق منهجيّة عالية الدقة والتثبت ¬
تشترط الكتابة مع الحفظ؛ لم يجد هذه الآية مكتوبةً إلا عند خزيمة بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - (¬1). ولقد كان خزيمة - رضي الله عنه - من أجلاء الصحابة وفضلائهم، وكان المتفرد باعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته تعدل شهادة رجلين. وذلك في قصة الأعرابي الذي باع فرساً من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أنكر وطلب شاهداً، فجاء خزيمة - رضي الله عنه - يشهد ولم يكن حضر البيع، فلما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أشهد بصدقك يا رسول الله» (¬2). وهذا الفرس المبتاع جاء أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ردّه على الأعرابي فأصبح ميتاً، وجاء أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم الأعرابي البيع فأخذه وسمّاه المرتجز (¬3). وهنا يظهر كذب هذا المشبه وتجنيه حين زعم أنّ القصة في الصحيحين، وأنها في شاة يهودي ظلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليُفهم القارئَ أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يحتقر أهل الكتاب ويظلمهم. ويَظهر كذلك تدليسه حين ربط بين القصتين ليضعف من صحة إلحاق الآية بموضعها من القرآن الكريم، متجاهلاً أو جاهلاً أنَّ الصحابة كانوا يحفظونها، وزيدٌ نفسه يقول: «فقدت آية كنت أسمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -». ولا يخفى -كذلك- وقيعة هذا المشبه في النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه. وليس هذا بغريب على من يؤمن بكتاب ينسب قبيح الأفعال والأقوال إلى الله تعالى، ورسله الكرام. الأمر الثالث: القول بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تنزل عليه الآيات بالليل فينساها بالنهار، والعكس، وأنّه لذلك نزل قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬4) بدليل المأثور عن ابن عبّاس؛ تطبيقٌ لآية آل ¬
عمران التي فضحت منهج الذين في قلوبهم زيغ؛ حين يتركون المحكم ويأخذون المتشابه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويله. فأمّا المحكم هنا فمثل قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (¬1). وفي الحديث المتفق عليه أنَّ ابن عباس - رضي الله عنه - قال في تفسير هذه الآيات: "كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه .. فأنزل الله عز وجلّ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، قال: "جمعه في صدرك ثم تقرؤه"، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: "فاستمع له وأنصت، ثم إنَّ علينا أن تقرأه"، قال: "فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أقْرَأَه" (¬2). ومن المحكم قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬3). قال ابن كثير في تفسيرها: «ثُمَّ قَرَّرَ تعالى أنَّه هو الذي أنزل الذِّكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التّغيير والتّبديل. ومنهم من أعاد الضّمير في قوله تعالى: {لَهُ لَحَافِظُونَ} على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق» (¬4). وقال صاحب أضواء البيان: «بَيَّنَ تعالى في هذه الآية الكريمة أنَّه هو الذي نزَّل القرآن العظيم، وأنَّه حافظٌ له من أن يُزاد فيه أو يُنقص أو يَتغير منه شيء أو يُبدَّل، وبيَّن هذا المعنى في مواضعَ أخرَ كقولِه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ¬
تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (¬1)، وقولِه: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إلى قولِه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية؛ أنَّ الضمير في قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} راجعٌ إلى الذِّكر الذي هو القرآن» (¬2). وأمّا آية البقرة التي استدل بها المشبه على كثرة وسرعة نسيان النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ينزل عليه من الوحي؛ فلا دليل له فيها على المعنى الذي أراده، ولا صحة لسبب النّزول الذي ذكره. فإنّ الصحيح في سبب نزولها «أنّ اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة، وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إنَّ محمداً يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما كان هذا القرآن إلا من جهته، ولهذا يناقض بعضه بعضاً، فأنزل الله الآية» (¬3). وكلمة (ننسها) في الآية جاءت على قراءتين. الأولى بفتح النون الأولى والسين والهمز (نَنْسَأها)، والمعنى نؤخر نزولها أو نَسْخها. والثانية بضم النون الأولى وتسكين الثانية وكسر السين (نُنْسِها)، والمعنى نتركها فلا نبدلها ولا نَنْسَخها؛ من النسيان، وهو الترك، كما في قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (¬4). وأمَّا قوله بنسيان الصحابة ما يسمعونه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعيد كل البعد عن الحقيقة، فقد حفظَ القرآنَ جميعَه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرُ واحدٍ من أصحابه، وما مِن الصحابة إلا من حفظ بعضَه، وكان يحفظ بعضُهم ما لا يحفظه الآخرُ، فهو جميعُه منقولٌ سماعاً منه بالنّقل المتواتر (¬5). وقتل غدراً على عهده - صلى الله عليه وسلم - يوم بئر معونة سبعون من القراء (¬6). واستحر القتل بالقراء يوم اليمامة سنة ثنتي عشرة من الهجرة على عهد الصديق - رضي الله عنه -، وكان ذلك سبب الجمع الأول. ¬
الأمر الرابع: القول بأنّ مخطوطات القرآن الكريم، ولا سيما مخطوطات صنعاء، فيها ما يثبت أنَّ القرآن قد تعرضّ للتحريف والتبديل؛ قولٌ بعيدٌ عن المنهج العلمي الموضوعي. ذلك أنّ جُلَّ مخطوطات القرآن الكريم التي تعود إلى القرون الهجريّة الأولى هي وديعةُ مكتبات لندن وأوسلو وبرلين وباريس ولينغراد والفاتيكان (¬1)، وهي عواصم نصرانيّة؛ لو وَجدت فيها الدلالة على ما تريد ما احتاجت إلى الإحالة على مخطوطات البلاد الإسلامية، كمخطوطات صنعاء وتركيا وسمرقند وغيرها. وأمّا مخطوطات صنعاء فقد اكتشفت في عام 1385هـ الموافق 1965م، وتتميز بكثرة كميتها وقدم تاريخها، ومن بينها أكثر من مائة مصحف ترجع إلى القرون الهجريّة الأول والثاني والثالث والرّابع والخامس. وقد خضعت للدراسة التي بيّنت سلامة النص القرآني من أي شائبة تحريف أو تبديل (¬2). لقد استدعى مدير إدارة الآثار اليمنيّة خبيرين ألمانيين للمساعدة على ترميم هذه المخطوطات والعناية بها، غير أنّهما قاما بتصوير أكثرَ من خمس وثلاثين ألف ورقة، ثم كتب كلٌّ منهما مقالة عن هذه المخطوطات (¬3)، خلاصتها في أمرين: أولهما: الملاحظات الطفيفة في أمور تتعلق بالإملاء والنّسخ ممّا لا يمس وحدة النص. هذه الفروق التي أشاروا إليها هي من قبيل ما يلي (¬4): - كتابة كلمة (كلّما) في كلمتين هكذا (كلّ ما)، في مثل قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (¬5). وهذا الاختلاف لا يغير في النطق ولا المعنى شيئاً. ¬
- كتابة كلمة (أنّما) في كلمتين هكذا (أنّ ما)، في مثل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} (¬1). وهذا الاختلاف لا يغير في النطق ولا المعنى شيئاً. - كتابة كلمة (يُشرك) بتاء المخاطبة هكذا (تُشرك)، في قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬2). وهذا الاختلاف مرده قراءة ابن عامر الشّامي (¬3)، ولا تعارض في المعنى بينها وبين القراءة بياء الغيبة. وثانيهما: أنّهما -بصرف النظر عن محتويات المخطوطات- يظنّان أنّ النص القرآني الموجود الآن بيد المسلمين لا يمكن أن يتصف بالوضوح والسّلامة من التحريف. وهنا يحق لمن يحترم عقله أن يتساءل عمّا يقبل من قول الخبيرين الألمانيين. هل يقبل إثباتهما الضمني لسلامة القرآن، المبني على خمس وثلاثين ألف ورقة، أم يقبل ما هو محل ظن عندهما، لم يقدما عليه دليلاً؟! وإذا كانت قناعتهما المسبقة تقضي بتحريف القرآن، فَلِمَ لم يقدما من كنز مصورات المخطوطات القرآنية عندهما ما يعضده ويقويه؟! إنّ النتيجة المنطقيّة هنا تلزمنا باعتقاد خلو هذه المخطوطات مما يمكن أن يكون دليلاً على التحريف، واحتوائها ضرورةً على إثبات سلامة النص القرآني. لقد قام المستشرق توبي ليستر (¬4) بنشر مقالة مطوّلة عن هذه المخطوطات، استقى مادّتها -حسب قوله- من اتصال هاتفي بأحد الخبيرين الألمانيين. ¬
أكد في مقالته على أنّ هذه المخطوطات ستساعد المستشرقين على إثبات أنّ للقرآن تاريخاً كما أنّ للكتاب المقدّس تاريخاً، وأنّ المسؤولين في إدارة الآثار اليمنيّة غيرُ حريصين على القيام بدراسات مفصّلة حولها حتى لا تحدث بلبلةٌ في العالم الإسلامي. إنّه هنا يثبت شيئاً، ويفترض آخر. يثبت عدم عصمة الكتاب المقدس، وأنّ له تاريخاً تعاقبت فيه الأيدي بالإضافة والحذف، والأخذ والرّدّ، إلى أنْ تشكَّل بصورته الحاليّة. ويفترضُ أنّ مخطوطات صنعاء سوف تسهم في إثبات نظير هذا بالنسبة للقرآن. ومرة أخرى! أيهما يقدَّم؛ الإثبات الذي جزم به، أم الظّنّ الذي ادّعاه؟! وإذا كانت إدارة الآثار اليمنيّة نكلت عن دراسة المخطوطات؛ فَلِمَ امتنع الخبيران الألمانيَّان من إثبات ما يعتقدانه بلا دليل، إلا إذا افترضنا حرصهما أيضاً على عدم إحداث بلبلة بين المسلمين! هذا مع أنّهما اتصلا بمدير الآثار في اليمن ليتنصلا مما جاء في محاضرة ليستر، وليُكذِّبا اتصاله بهما! (¬1) لقد اقتنت جامعة ميونخ الألمانيّة عدداً هائلاً من المخطوطات القرآنيّة، ونشرت تقريراً أوليًّا عنها قبيل الحرب العالمية الثانية، قالت فيه: "لقد تمت مقارنة عدد كبير من النّسخ، فلم يوجد بينها اختلاف في النصّ القرآني، ما عدا أخطاء طفيفة في الإملاء أو النّسخ هنا أو هناك، والتي لا تمس بوحدة النصّ" (¬2). وأمّا كون عدد آيات سورة الأعراف مائةٌ وخمسٌ وستون آية فمرد ذلك إلى أنّ كاتب المخطوط كتب في المنطقة الفاصلة بين سورتي الأنعام والأعراف هذا العدد بالأحرف بجوار اسم سورة الأعراف. ومِن هنا ظنّ البعض أنّ هذا هو عدد آيات الأعراف؛ والواقع أنه عدد آيات سورة الأنعام كما في المصاحف اليوم (¬3). هذا إذا سلّمنا بصحة مصورة المخطوطة التي ¬
نُشرت على بعض المواقع. وعلى الجازم بهذا القول أن يأتي بدليل على دعواه بعرض مخطوطة السورة كاملة ليتبين قدر الآيات المثبتة من المحذوفة. كما أنّ عليه أن يفسر اتفاق علماء المسلمين على مرِّ القرون على الآيات التي يستشهدون بها في مصنفاتهم، فلم يأت في يوم مَن ذَكَر عن أحدهم استشهاده بشيء انفرد به! والدّعاوى إذا لم يقيموا عليها * بيّناتٍ أصحابُها أدعياءُ وهكذا يبين للمتجرد للحق أنّ هذه المآخذ لا يوجد لها أصل صحيح؛ وكل استنادها على اختلافات إملائيّة، وفروق بين القراءات (¬1)، وليس فيها ما يعد مأخذاً معتبراً. والأمر نفسه ينطبق على باقي المخطوطات التي يذكرونها. وسوف نرى في المطلب الخامس بعد قليل، أنّ هذه الملاحظات لا تشكل شيئاً أمام كتاب يرى غالبية العلماء المحققين الذين درسوه، ممن يؤمن به ويقدسه، أنّه لا وجود لمخطوطة أصليّة واحدة لشيء منه، وأنّه لا يوجد سند واحد صحيحٌ يثبت صحة القطع بثبوت أسفاره لمن نسبت إليهم، فضلاً عن جهالة كُتّابه، وزمن كتابته، والأقوام الذين كتبت لهم، ناهيك عن آلاف الاختلافات بين نسخه، والعدد الكبير من الأخطاء والتناقضات بين دفتيه. وقد أراد أحد المنصرين أنْ يخدم مسعاه الدّعوي من هذا الجانب فكتب في إثبات تحريف القرآن استدلالاً بثلاثة فروق جوهرية -في نظره- بين الطبعة القديمة والحديثة لمصحف ورش المتداول في بلاد المغرب (¬2). وهذه الفروق هي كون البسملة من الفاتحة رقِّمت في إحدى الطبعتين دون الأخرى، ¬
وكون الآية الأخيرة منها قُسِمت آيتين في الطبعة القديمة، وكون الحروف المقطعة من سورة البقرة رقَّمت آية في الطبعة الحديثة فأصبحت عدد آيات السورة مائتين وخمساً وثمانين. وهو بهذا يؤكد -من حيث يدري أو لا يدري- سلامة النص القرآني، وعصمته من التحريف، على مدى قرون الإسلام كلها؛ إذ غاية ما عدَّه فروقاً جوهريةً لم يكن إلا تغييراً في موضع ترقيم الآية دون المساس بالمحتوى في قليل أو كثير. الأمر الخامس: دعوى الأخطاء النَّحوية في القرآن مدفوعة بما تقدم في الأمر الأول من الرد المجمل (¬1). الأمر السادس: دعوى دلالة القرآن على صحة العقائد النصرانيّة (¬2) يدفعها ما تقدم في الأمر الرّابع من الرد المجمل (¬3)، وفيه تصريح القرآن الكريم بتكفير معتنقي عقيدة التثليث، وهي العقيدة التي تجمع عليها طوائف النّصارى. وكم في القرآن من النكيرِ على هؤلاء في غلوهم في عيسى بن مريم - عليه السلام -، وتجنيهم على الرب العظيم حين جعلوا له الولد، وإعلانِ المسيح براءته يوم القيامة ممن اتخذه وأمَّه إلهين من دون الله. وكم فيه من بيانِ توبة آدم - عليه السلام -، وقبولِ الله تعالى لها، وأنّه لا تزر وازرة وزر أخرى. وفي هذا نسف لعقيدة الخطيئة الأولى، التي تؤمن بها كلُّ الطوائف النصرانيّة. وفي الكتاب العزيز بيان مساواة عيسى بن مريم - عليه السلام - في مهمة البلاغ لباقي إخوانه ¬
النبيين والمرسلين، وأنّه لما مُكر به رفعه الله إليه. وفي هذا نسف لعقيدتي الصَّلب والفداء، وهما -كذلك- محل إجماع الطوائف النصرانية. ويدفعه -كذلك- الأمرُ الخامس من الردِّ المجمل (¬1)، وفيه أنّه لا يُقبل استدلالهم بالقرآن وفي عقيدتهم أنّه كتاب باطل، ليس هو كلام الله تعالى. ومع هذا نبين الرد على ما أوردوه. فالاستدلال بمدح الله تعالى للتوراة والإنجيل على صحة ما فيهما اليوم أمرٌ غيرُ مسلّم، فإنّه -وإنْ كان المسلم يؤمن بإنزال الله هذين الكتابين- إلا أنّه يعتقد بتحريفهما وبنسخ القرآن لهما، بدلالة القرآنِ الكريم نفسِه الذي استدلوا به، وأنّ المدحَ منصرفٌ إلى أصل الكتابين المنزلين قبل تسلل اليد البشرية المحرِّفة الآثمة إليهما، وقبل نسخهما بالقرآن. وعلى هذا المعتقد سار علماء التّفسير، ولهذا قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} (¬2)؛ قال: «{هدى للنّاس} أي في زمانهما» (¬3). ويدل على ذلك إخبارُ القرآن الكريم بتحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل، ونهيُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وغضبُه الشديد لما رأى بيدِ عمرَ - رضي الله عنه - شيئاً من التوراة. وأمّا الاستدلال بأمر اليهود والنصارى بتحكيم التوراة والإنجيل، وإقامتهما، والوعيد الحسن لهم إن هم فعلوا ذلك؛ فبيانه كالتّالي: أولاً: الأمر بتحكيم التوراة يريدون به قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (¬4). وهذه الآية لها سبب نزول. ذلك أنّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له أنّ ¬
رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟»، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - (¬1): "كذبتم إنّ فيها الرّجم"، فأتوا بالتّوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرّجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: "ارفع يدك"، فرفع يده فإذا فيها آية الرّجم، فقالوا: "صدق يا محمّد، فيها آية الرّجم"، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما (¬2). وعليه؛ فالأمر في حادثة معينة وليس على إطلاقه. بل وفيه دليل على أنّ اليهود كانوا ينسبون إلى التّوراة ما ليس فيها ولو لم يكن ممّا أقدموا على تبديله (¬3)، وهو نوع من أنواع التحريف. ثانياً: وأمّا الأمر بتحكيم الإنجيل فيريدون به قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬4). والمعنى هنا يحتمل أمرين. أولهما: أنّ النصارى كانوا مأمورين بتحكيم الإنجيل في زمانهم. والثاني: «ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه، وممّا فيه البشارة ببعثة محمّد - صلى الله عليه وسلم - والأمر باتّباعه وتصديقه إذا وجد، كما قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ ¬
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}» (¬1). ثالثاً: وأمّا الوعيد الحسن لأهل الكتاب إنْ هم أقاموا التوراة والإنجيل، فالمقصود به قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (¬2). وفي هذه الآية ترتيب النّعيم على إقامة التوراة والإنجيل، «ومن إقامتهما الإيمان بما دَعيا إليه، من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن، فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة التي أنزلها ربهم إليهم، أي: لأجلهم وللاعتناء بهم {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} أي: لأدرَّ اللهُ عليهم الرزق، ولأمطرَ عليهم السماء، وأنبتَ لهم الأرض» (¬3). رابعاً: وأمّا أمرُ الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالرجوع لأهل الكتاب عند الشك فالمقصود به قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} (¬4). وفي تمام الآية ما يجلي الأمر ويرفع الاشتباه. فنص الآية بالتمام هو الآتي: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. والمقصود من التنبيه لسؤال أهل الكتاب تثبيت المؤمنين بأنّ أهل الكتاب عندهم البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم. نقل ابن كثير عن بعض أئمة التّفسير قولَهم: بَلَغَنَا أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا أشكّ ولا أسأل)، ثمّ قال: «وهذا فيه تثبيتٌ للأمّة، وإعلامٌ لهم أنّ صفة نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - موجودة في الكتب ¬
المتقدّمة الّتي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (¬1) الآية. ثمّ مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يُلبِّسون ذلك ويحرّفونه ويبدّلونه، ولا يؤمّنون به مع قيام الحجّة عليهم» (¬2). خامساً: وأمّا الاستدلال بآية التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ .. } فقد تقدمت الإجابة عليه (¬3). وهكذا فكلُّ ما يُورد من دلالة القرآن العزيز على صحة الديانة النصرانيّة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - متهافت لا يثبت عند التمحيص، وأنّ المقصود به تصحيح الدّيانتين باعتبار أصلِ ما أَرسل الله به موسى وعيسى عليهما السّلام، ومن جملته الأمر باتّباع محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). الأمر السّابع: الطعن في قصص القرآن الكريم من حيث تكرر شيء منها فيما بقي من الكتب السّابقة؛ يدفعه ما تقدم تقريره في المطلب الأول من هذا المبحث (¬5). ويضاف له تقريرُ اختلاف قصص القرآن عن قصص الكتب السّالفة في المنهج، والهدف، والتفرد، والتصحيح. فمنهج قصص القرآن يركِّز على الدلائلِ الواقعيّة، والإعراضِ عن التفصيلات التاريخيّة كأسماء الأشخاص، وذكر الزّمان والمكان. بينما قصص التوراة والإنجيل تجنح للخيالِ القصصي، والإغراقِ في التفصيلات التّاريخية. ¬
وعندما تهدف قصص التوراة والإنجيل لمجرد السرد التاريخي؛ تجمع القصص القرآنية أهدافاً سامية، كالاستدلال على التوحيد، وتثبيت الرسول والمؤمنين، والفصل في مواضع الاختلاف، والعظة والاعتبار، والحجة والإقناع، وإظهار قدرة الله تعالى. وينفرد القرآن بقصص لم تذكر في غيره، كقصة صالح وشعيب وهود والخضر وذي القرنين، إضافةً إلى التفاصيل الجزئيّة داخل القصص التي أوردتها الكتب الأخرى. وعندما يكرر القرآن قصةً وردت في التوراة والإنجيل فإنّه لا يكرر ما فيها من أخطاء كتبتها يد التحريف، بل يصححها بحقائق أتت مكتشفات علماء الآثار والحفريات والعلم الحديث بتأييدها (¬1). وأمّا تفاصيل ما سيق من مطاعن في تفصيلات بعض قصص القرآن فبيانه كالتّالي: أمّا تعليم آدمَ الأسماء كلها فهو خبرٌ من الله تعالى لم يرد تفصيله، فيوقن المسلم بصدقه، ولا يخوض في تكلف المراد بهذه الأسماء، موقناً بقدرة الله على كل شيء. ولعل الله - جل جلاله - ألقى في قلب آدم - عليه السلام - علمَ مسميات الأشياء. ونظيرُ ذلك في القدرة كثير، ومنه خلق آدم من غير أب أو أم، فالموجد الأشياء من عدم؛ لا يكون إلقاؤه علم مسميات الأشياء في روع أحد من خلقه؛ شيئاً بعيداً. وأمّا قصة موت نبي الله سليمان - عليه السلام -، فإنّها من أخبار الغيب، ومن مظاهر قدرة الله تعالى، والله على كل شيء قدير. وقد عمّى الله على الجانّ المسخرين لسليمان في الأعمال الشّاقة موته ليتبين للجن والإنس أنّ الجن لا يعلمون الغيب؛ وإلا ما لبثوا في العذاب الشديد مدة موته - عليه السلام - وهو متوكئٌ على منسأته (¬2). على أنّ هذه المدة لم يرد في القرآن والسنة تحديدها. وليست هذه المعجزة بأكبر من تحويل العصا حيّة، أو تفجير اثنتي عشرة عيناً بضربة ¬
المطلب الخامس: مناقشة الشبه في ضوء الكتاب المقدس
منها للصخرة، أو بشق اثنتي عشرة طريقاً يبساً حين ضرب بها البحر، وكل هذا مما يؤمن به النصارى. وأمّا قصة مريم عليها السّلام وانتباذها من قومها مكاناً قصيًّا، وطلب هز جذع النّخلة، فهو كذلك من أنباء الغيب التي أوحاها العليم الحكيم لنبيه. على أنّ فيها ما يرد شبهة المشبهين، فإنّ الذي رجّحه بعضُ علماءِ المسلمين أنّ هذه الشّجرة لم تكن مثمرة، فطلب الله من مريم هزها على قدر جهدها، ثم امتن عليها بأنْ جعل في الشجرة في الحال ثمراً يتساقط عليها لتأكله، وتشرب من النهر الذي أجراه من تحتها (¬1). ولا يصعب مع اعتقاد قدرة الله تصديق كراماته لأوليائه المتقين (¬2). المطلب الخامس: مناقشة الشبه في ضوء الكتاب المقدس تقدم في المطلب الثّاني أنّ من أبرزِ ما يتحدث عنه النّصارى في الخدمات التفاعليّة حول القرآن الكريم هو عدم التسليم بصحة النص المتداول له اليوم بين المسلمين، وأنّ الدّليل على ذلك استبعادُ ستّة أحرف من الأحرف السّبعة التي نزل بها القرآن، والنزاعُ الذي حصل إبّان الجمع في عهد عثمان - رضي الله عنه - حول إضافة بعض الآيات أو استبعادها، والاختلافاتُ بين المخطوطات القرآنيّة (¬3). والذي يخلص إليه المتأمل في هذه الطّعون؛ الإقرار بوجود نصٍّ قرآني عندما مات النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإقرار بوجود مخطوطات قديمة تحوي كامل هذا النص، مع الخلاف في آيات منه. وقد تقدم بيان هذه الأمور بالتفصيل في المبحث السّابق، ولكنّ المراد هنا مقارنة حجم هذه المآخذ بحال الكتاب المقدس عند النّصارى، من جهة الأسانيد والنّصوص والمخطوطات. ولْنبدأ بما كتبه الآباء اليسوعيون في مداخل ترجمة الكتاب المقدس، مقتصرين بنقل ¬
كلامهم عن الأناجيل الأربعة التي يُفتتح بها العهد الجديد من الكتاب. فقد ذكروا عن إنجيل متّى أنّه لا يمكن الجزم بنسبة كتابته إليه؛ بل الأمر أشد تعقيداً ممّا مضى عليه اعتقاد كثيرين من المتقدمين والمتأخرين. والخلاف قائم في مكان ولغة تدوينه. ولا يمكن الجزم بتاريخ تدوينه، وإن كان أغلب الباحثين يحدده بين عامي ثمانين وتسعين بعد الميلاد. ولا يمكن معرفة اسم المؤلف معرفة دقيقة (¬1). وأمّا إنجيل مرقس فليس إلا شكلاً من أشكال الفن الأدبي، وضَعَه مترجم الحواري بطرس (¬2)، بين عامي 65 و70 بعد الميلاد، دون الجزم بذلك، مع التردد هل كان ذلك قبل وفاة بطرس أم بعدها (¬3). وأمّا إنجيل لوقا (¬4) فإنّه -وإن نسب للوقا طبيب بولس- إلا أنّه ليس هناك دليل قاطع على ذلك، وأمّا تاريخ تدوينه فيرجح أن يكون بين عامي ثمانين وتسعين بعد الميلاد (¬5). وإنجيل يوحنا فإنّ معظم النقاد لا يتبنون الرأي الذي يرى نسبته إلى الحواري يوحنا (¬6)، فيُعرض بعضهم عن الخوض في تسمية المؤلِّف، ويرى بعضهم أنّه يحمل نفس الاسم إلا أنّه ليس يوحنا الحواري، ويرى القسم الثالث أنَّه شخص له اتصال بالحواري يوحنا. وأمّا تاريخ التأليف فيحتمل أن يكون بين العامين 110 و130 بعد الميلاد (¬7). وهكذا نرى في كلام هؤلاء المحققين أنّه لا سبيل إلى الجزم بنسبة الأناجيل الأربعة إلى ¬
أصحابها، ولا تُعرف أسماؤهم على وجه التحديد، ولا تاريخ ومكان التدوين، فضلاً عن تأخر التواريخ المحتملة للتدوين. فأيُّ ثقة يمكن أنْ يُعطيها منصفٌ لكتابٍ هذا حاله؟ وهل يمكن لشخص هذا كتابه أنْ يتحدث عن كَتَبَةِ القرآن العزيز وجُمَّاعِه الذين يَعرف صغيرُ المسلمين قبل كبيرهم كلَّ دقيق وعظيم من سِيَرِهِمُ العطرة؟ وإذا جئنا لكلام الآباء اليسوعيين -أصحابِ الترجمة- في نقدهم لنص الكتاب المقدس؛ نرى عجباً. فقد طعنوا في نُسّاخ الإنجيل، وذكروا أنَّ صلاحهم للعمل متفاوت، وأنَّ بعضهم كان -بحسن نية- يصحح ما يرى فيه أخطاءً واضحة أو قلةَ دقة في التعبير اللاهوتي، فأدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أنْ تكون كلها خطأ. ومع مرور الزمن تراكم هذا التبديل بعضه على بعض فوصل النصُّ إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلَف أنواع التبديل. وعلى هذا أصبح المحققون فيما بعد يحاولون إقامةَ نصٍّ يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول؛ إذ لا يرجى -بحال من الأحوال- الوصول إلى الأصل نفسه (¬1). وفي حديثهم عن إنجيل يوحنا رأوا أنَّ بعض تلاميذ كاتب الإنجيل أضافوا عليه الفصل الحادي والعشرين. وقالوا: «ولا شكّ أنّهم أضافوا أيضاً بعض التعليق، مثل 4/ 2، وربّما 4/ 1 و4/ 4 و7/ 39 و11/ 21 و19/ 35. أمّا رواية المرأة الزّانية (7/ 33 - 8/ 11) فهناك إجماع على أنّها من مرجع مجهول، فأُدخلت في زمن لاحق، وهي مع ذلك جزء من قانون الكتاب المقدّس» (¬2). وأمّا حال مخطوطات الكتاب المقدس فقد ذكر محققو الترجمة اليسوعيّة أنّ أقدمها مخطوطتان ترجعان إلى القرن الرابع الميلادي، وأن أجلَّهما المخطوطة الفاتيكانية؛ إلا أنها مجهولة المصدر، وبها نقص صفحات كثيرة (¬3)! ¬
وبهذه الشهادة من محققين نصارى لا يجد الباحث المتجرد أيَّ سبب يجعله يثق بكتابٍ لم يمله عيسى - عليه السلام - أو يشهد كتابته، وكان كتبته مجهولون شخوصاً وأهدافاً، ولا توجد له مخطوطة واحدة أصلية، وكل ما وجد من نسخ هي ترجمات لمترجمين مجهولين شخوصاً وأهدافاً. أضف لهذا أنّ مخطوطات الكتاب المقدس لا يكاد يوجد بينها مخطوطتين متشابهتين تماماً. ناهيك عن محتويات الكتاب المقدس عند النصارى مما يقدح في مقام الذات الإلهية العليّة، وفي سير الأنبياء والمرسلين، وما فيه من اختلافات وتناقضات وأخطاء علميّة وجغرافيّة وتاريخيّة، وغير ذلك (¬1). ويمكن أنْ نُضيف هنا مقتطفات من كلام أحد علماء الكتاب المقدس، وهو الدكتور روبرت كيل تسلر، حيث يقول: «ووجهة نظرنا أنَّ الكتابَ المقدس مليءٌ بالنبضات الإلهية والحقائق الكبرى، ولكنّه أيضاً كتابٌ بشري يحتوي على ما لا يحصى من النقص بكلِّ أشكاله» (¬2). ويقول عن مخطوطات هذا الكتاب: «لا يوجد على الإطلاق نصٌّ أو مصدرٌ أساسي، وكلُّ ما لدينا هي فقط مخطوطاتٌ يدويّة قديمة تشير فقط إلى نُسَخٍ منقولة بدورها عن نسخ أخرى» (¬3). ويرى أنّ هذه المخطوطات اليدويّة لا يوجد فيها مخطوطتان متفقتان، بل بينها من الاختلافات ما يزيد عن خمسين ألف اختلاف (¬4). ¬
ثم يسوق إجماع المحققين الدّارسين لهذا الكتاب بقوله: «ويتفق كلُّ جادٍّ من علماء الكتاب المقدس الذين يمثلون كلَّ الطوائف على أنَّ الكتاب المقدس يحتوي على عدد كبير من التحريفات، خصوصاً العهد الجديد» (¬1). ويقول: «يُجمع علماءُ اللاهوت اليومَ على أنَّ أجزاءً مختلفةً من الكتاب المقدس لم يكتبها المؤلفون الذين يُعزى إليهم أسماء هذه الكتب» (¬2). وبهذا نخلص إلى أنّه لا مجال للمقارنة بين مطاعنهم في القرآن الكريم، وحال كتابهم المقدس، كما أبانته الصفحات السّابقة. ¬
المبحث الثاني: أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها
المبحث الثاني: أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها المطلب الأول: إرسال الرسل، وحال أقوامهم معهم لم يخلقِ اللهُ النّاس سدى، ولم يوجدهم عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولكنّه خلقهم لعبادته، واستخلفهم في الأرض لعمارتها. وقد اقتضت رحمته بهم أنْ عرَّفهم السبيل إلى ذلك بأنِ اصطفى من شاء من خلقه ليكونوا رسلاً يُبلِّغون عنه وحيَه إلى عباده. وقد «جعل -سبحانه- الرسلَ وسائطَ بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، وتكميل ما يُصلحهم في معاشهم ومعادهم» (¬1). ومن هنا نشأت الضرورة «إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر. فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح، لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيِّب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا يُنال رضا الله البتة إلا على أيديهم. فالطيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديُهم وما جاؤوا به .. فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها» (¬2). وكما اصطفى الله مَن شاء مِن عباده لحمل أعباء الرسالة وتبليغها؛ فقد مَنَّ على مَن كان أهلاً للهداية، بالتوفيق لاتباع الرسل وتصديقهم والإيمان بهم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (¬3). ¬
وعلى النقيض من هؤلاء فقد اختار أهل الضلال تكذيب الرسل، وإيذاءهم بالسب والشتم، والسخرية منهم، والاستهزاء بهم، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} (¬1). ووصل الحال ببعض الأقوام المكذبة إلى قتل رسلها {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬2). وكان الاستهزاءُ بالرسل ديدنَ أهل التَّكذيب {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (¬3)، ورميُ المرسلين بالسحر والجنون محلَّ إجماعهم {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (¬4). وهكذا كان الحال مع خير المرسلين وخاتمهم - صلى الله عليه وسلم -، فقد لقي من المكذبين صنوف الأذى والمكائد، وتواطأ الكفار والمنافقون واليهود في مكة والمدينة على ذلك، وتواصوا به. ولما كانت رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامّةً للثقلين، ناسخةً لما قبلها، واجبةَ الاتباع على كل البشر، فقد انضم إلى صفِّ معاداته أهلُ التكذيب من الأمم الأخرى. وكان منهم النصارى، الذين ناصبوه العداء لما تقدم من الأسباب المذكورة في تمهيد هذا الفصل (¬5). وقد أفرز حقد المكذبين من النصارى صوراً لا تحصر من معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحاربته. ¬
المطلب الثاني: أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم -
فألفوا الكتب، وشحنوها بصنوف الشبه والمطاعن والجدليات. وبعثوا فئاماً من المستشرقين الذين درسوا الإسلام، ونقَّبوا في كتب المسلمين لاستخراج ما يرون فيه طعناً وثلباً. ثم جاءت التقنية الحديثة بوسائل الإعلام التي توصل الكلمة والصوت والصورة إلى ملايين البشر في ذات اللحظة، فنهض المنصرون إلى الاستفادة منها في الهجوم على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وباعتبار شبكة المعلومات العالميّة واحدةً من أهم هذه الوسائل، فإنّ المستخدم لها يجد لهم جهوداً كبيرة في هذا الجانب، سواء في مواقع الشبكة، أو في خدماتها التفاعليّة. وقد سبق بيان شيء من هذا في الفصل الأول. إنّ العمل التنصيري من خلال الشبكة -فيما وقف عليه الباحث- يكاد يكون بعد إبراز النصرانيّة منصرفاً إلى الطعن في القرآن الكريم والنبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. وفي هذا المبحث يهدف الباحث إلى إيراد بعض جدليات القوم حول النبي الكريم، موضِّحاً مناهجَهم وطرقَهم في عرض هذه المطاعن، مُعْقِباً ذلك بالرد على هذه التهم بالدليل والبرهان والحجج العقليّة. المطلب الثاني: أبرز الشبه حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ملأ النّصارى منافذَ الخدمات التفاعليّة للشّبكة بأعداد لا يمكن حصرها من الكتابات والملفات المرئيّة والصوتيّة الموجهة إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - طعناً وانتقاصاً واتهاماً وبثًّا للشّبهات. ومن هذه الشبه ما يلي: الشبهة الأولى: وهي أكثر شبهاتهم طرحاً، ومفادها أنّ النبي الكريم كان يطلق العنان لشهوته الجنسيّة، مبتعداً عن عفة فرجه. ويستدلون على ذلك بتعدد زوجاته، وبزواجه من عائشة وهي بنت تسع سنين، وبأنه أُحِلَّ له نكاحُ من وهبت له نفسها، والزواجُ بمن أعجبته من النساء، وإن كانت ذات زوج وجب على الزوج تطليقها. ويرون أنَّه لذلك جامع امرأة ميتة، وأتى نساءه في حال الحيض، وكان يطوف عليهن
بغسل واحد، وأخذت زينب بلبه حين رآها تغتسل فوجب على زيد تطليقها. ويوغلون في طعنهم فيرون أنّ مصَّه لسان الحسن (¬1)، واحتضانَه زاهراً (¬2) من ورائه، أدلةٌ على ذات التهمة. فهذه الأمور العشرة هي أكثر الشواهد التي يكررون طرحها للتدليل على هذه الشبهة (¬3). الشبهة الثانية: أنّه أُثِر عن النبي من التّعاليم ما يخالف الفطرة السويّة، والذّوق المستقيم، كاقتتال الصحابة على نخامته، وتوجيهه بشرب أبوال الإبل، وأمره سهلة (¬4) إرضاع سالم (¬5) مولى أبي حذيفة (¬6) وكان رجلاً في سن الشباب. الشبهة الثالثة: وهي شبهة جديدة لم أجد فيما وقفت عليه سبقاً لها. ومفادها أنّ الاسم الذي تَعرف البشريةُ كلُّها به النبي ليس هو الاسم الذي كان يحمله، فقد كان اسمه ¬
المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه
(قُثَم)، ومعناه الفاسد، ولهذا غيّره إلى محمد، وتَسَمَّى بهذا الاسم الذي يحمل المعاني المحمودة، وزاد بعضهم: وليوافق ما في الإنجيل من التبشير برسول يأتي من بعد عيسى اسمه أحمد. وأنّ هذا الأمر يعلمه بعض المسلمين ويتواصون بكتمانه (¬1). المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه تتعدد الطرق والمناهج التي يتبعها المنصرون في طرح شبهاتهم وجدلياتهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم -. فبالإضافة إلى المنهجيات المشتركة التي ذُكرت في المبحث السابق؛ نضيف هنا ما يلي: أولاً: تجاهل مصادر السيرة النبوية الأصلية المنقحة. ثانياً: الاعتماد على مصادر لا تتماشى والمنهج العلمي الصحيح الذي يلتزمه الباحث المنصف عند دراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك كتب المستشرقين، ومؤلفات السيرة غير المنقحة، وكتابات الطاعنين الحاقدين على النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وهذا المسلك يشابه حال من أراد أن يخرج سيرة عيسى - عليه السلام - وفق ما كتبه عنه أعداؤه من اليهود وغيرهم (¬3). ولن يوجد نصراني يرتضي هذا المنهج، فكيف يقبله ويتعامل به في ¬
دراسة سيرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -؟! ثالثاً: اتباع المنهج الانتقائي المبني على الهوى، في اختيار الروايات الضعيفة والموضوعة وإظهارها، وتجاهل الروايات الصحيحة وإخفائها. «وكانت رسالة الاستشراق والتبشير تفرض على المستشرقين والمبشرين محاربة الإسلام والنيل من قداسته، والحط من مكانة رسول الإسلام العظيم - صلى الله عليه وسلم -، عن طريق تلك الروايات الضعيفة أو المكذوبة» (¬1). رابعاً: بتر الحوادث عن سياقاتها التي وردت فيها مختصة بها، وسلوك سبيل التعميم فيها. فيقوم هؤلاء -مثلاً- بتجريد حادثة نصح العرنيين بشرب ألبان وأبوال الإبل، عن كونها حالةً خاصّةً لقوم مخصوصين أصيبوا بمرض معين، إلى تعميم ذلك بأنّه توجيه نبوي للأتباع في كل زمان ومكان بشرب أكواب بول الإبل كما يشرب الظمآنُ الماء، والملتذُّ العصير (¬2). ومثلها الحادثة التي وقعت يوم صلح الحديبية حين أظهر الصحابة الاقتتال على نخامته - صلى الله عليه وسلم -، فيعمد هؤلاء إلى إظهار أنّ ذلك كان شأنه - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة دائماً (¬3). وكل هذا لأجل تنفير النّاس من الإسلام، وتبغيضه والنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قلوب الخلق، وطمس معالم النظافة والذوق والاتساق مع الفطر السليمة التي يتحلى بها الإسلام وأتباعه، وفي مقدمهم النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. خامساً: سلوك منهج التفسير الشخصي الذي يعكس ثقافة مغايرة للثقافة الإسلامية، والافتراض أو تبني فرضيات آخرين بناء على فهومهم الخاصّة التي بنيت على روايات صحيحة أو ضعيفة (¬4). سادساً: الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بإضافة كلمات إلى الأحاديث الصحيحة تعطي فهماً ¬
مغايراً للحديث. ومن أمثلة ذلك إضافة مفردة (جنسيًّا) إلى أحاديث مباشرة الحائض، ليفهم منها المباشرة المقتضية للإيلاج (¬1). سابعاً: الاتكاء على منهج بعض الفرق المبتدعة كالرافضة مثلاً في طعنهم في عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، للتوصل من خلال ذلك إلى الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثامناً: النزول إلى وحل السخرية والاستهزاء الذي يترفع عنه كل ذي مروءة. وفي سبيل ذلك تولف المقاطع المرئية والصوتية وتملأ بالضحكات، في طريقة إجرامية؛ قال الله تعالى في أصحابها: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} (¬2). تاسعاً: الأخذ عمّن يُنسب إلى الإسلام ممن كتب كفريات في الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن أمثلة ذلك ما كتبه الباحث التونسي هشام جعيط في كتابه: "تاريخية الدعوة المحمدية في مكة" (¬3). وهذا المنهج -أعني الاحتجاج على الإسلام بالمارقين منه- مناف للعدل والإنصاف والتجرد الذي يسلكه طلاب الحق. ولو ضربت اعتقادات الكنائس النصرانية ببعض، وَرُدَّ على كل طائفة بتكفير وتبديع الطائفة الأخرى لها، والاحتجاج على كل طائفة بمن تعتبره خارجاً عن الملّة، لكان هذا في نظرهم بعيداً عن التجرد العلمي في الدراسة والتحقيق والحوار. ¬
المطلب الرابع: الرد على الشبه
المطلب الرابع: الرد على الشبه يمكن الرد على جدليات النصارى حول النبي - صلى الله عليه وسلم - بشكل مجمل، وآخر مفصل. المسألة الأولى: الرد المجمل، ويقال فيه ما يلي: الأمر الأول: سبق في المبحث الأول من هذا الفصل الرد على بعض الشبه حول القرآن الكريم، والخلوص إلى أنّه الحق المبين المنزل من الله تعالى. فإذا تقرر هذا فإنّ كتاب الله الكريم قد شهد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بأنّه رسول الله وخاتم النبيين (¬1)، والمتصف بالخلق العظيم (¬2)، والتعامل الرحيم المؤلف للقلوب (¬3)، والتبليغ الأمين لتفصيلات الرسالة (¬4)، والحرص على تحقيق مصالح الخلق كلِّها، والنأي عن كل ما يلحقهم المشقة والعنت (¬5). ومَن هذا حاله؛ كيف يتأتى لطاعن أن يرميه بشيء في دينه أو خلقه؟! الأمر الثاني: إذا كان أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهدوا له بحسن الخلق وسمو التعامل؛ وقد كان بعضهم لصيقاً به، عالماً بأحواله، مع شدة العداوة التي وصلت حد الاقتتال وتطاير الرؤوس والأشلاء، فهل يقبل عاقل منصف؛ طَعْنَ مَن جاء بعد ذلك بقرون؟! ¬
فهذا أبو سفيان (¬1) -وكان لما يسلم- يشهد للنبي الكريم برفعة النسب، وسلامة اللسان من الكذب، وبالوفاء وعدم الغدر، وبالأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة (¬2). وهذا عمُّهُ أبو طالب (¬3)، مع بقائه على الشرك، يُصرِّح بعلمه وتحققه نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقِه، فيقول: ولقد علمتُ بأنَّ دين محمد ... من خير أديان البريّة دينا لولا الملامة أو حذار مسبَّة ... لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا ويقول في لاميَّته: فوالله لولا أنْ تكون مسبَّة ... تُجَرُّ على أشياخنا في المحافل لكنّا اتبعناهُ على كل حالة ... من الدهر جدّاً غير قول التهازل لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ ... لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل (¬4) ثم تكررت الشواهد بعد ذلك من المنصفين. فالشاعر الألماني جوتة (¬5) كتب في النبي - صلى الله عليه وسلم - شعراً رائعاً، واعتبره مثالاً للعبقرية الفذة، وشبهه في شعره بالنهر العظيم المتدفق، الذي تناديه باقي الأنهر والجداول ليساعدها على ¬
بلوغ البحر الذي ينتظر قدومها (¬1). والفيلسوف الإنجليزي كارليل (¬2) يضع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مصافِّ أبطال الإنسانية الذين أضاءت بهم الدنيا، وأومضت في دواخلهم الشعلة الإلهية المقدسة (¬3). ويرى المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج (¬4) أنّ في تصرفات النبي - صلى الله عليه وسلم - في أعقاب فتح مكةَ دلالةٌ على أنه نبي مرسل، لا قائد مظفر (¬5). والعالم الأمريكي مايكل هارت (¬6) في كتابه "الخالدون مائة أعظمهم محمد"، يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في المركز الأول في سلم الترتيب، ثم يدافع عن هذا الاختيار بقوله: «إنّ اختياري لمحمد ليكون المتصدر لقائمة ذوي النفوذ المؤثرين في العالم قد يدهش بعض القراء، ويكون مثار تساؤلات من البعض، ولكنّه هو الوحيد في التاريخ الذي كان امتيازه متكافئاً على المستوى الديني والدنيوي» (¬7). والمستشرق اليهودي المجري جولد تسيهر (¬8) -الذي يُوصَف بأنّه أهم شخصيّة كوّنت ¬
الصورة الأوروبيّة عن الإسلام- يقول: «إنّ اتجاهي الفكري قد تحوّل كلّياً نحو الإسلام، وهكذا شعوري .. لم أكن أكذب عندما قلت إنّي أؤمن برسالة محمد النّبويّة .. إنّ ديني أصبح منذ الآن ديانة الكون التي دعا إليها الأنبياء» (¬1). وعلى كلّ حال فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في غنى عن شهادة البشر (¬2)، فقد شهد له رب البشر، وزكّى فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، وزكّى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}، وزكّى لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}، وزكّى خُلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وزكّاه كله فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬3). الأمر الثالث: على كلِّ من يطعن في عفته - صلى الله عليه وسلم -، ويسمه بالميل لإشباع الرغبات الجنسية؛ أن يجيب عن تعفف النبي الكريم سنوات شبابه حتى بلغ الخامسة والعشرين حين تزوج لأول مرة، وذلك في مجتمع جاهلي يعج بسبل الفواحش، ودور البغاء. ولن يجد جواباً؛ ذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى كفار قريش بهذا الدين الذي يسفه معتقداتهم، ويحقر معبوداتهم الصنمية، وكانوا له في غاية العداوة والكراهية؛ لم يجدوا سبيلاً للطعن في عفته وطهره ونقائه. وغاية ما قالوا: شاعر وكاهن وساحر وكذّاب. ولو وجدوا مطعناً أخلاقيًّا لابتدروا إلى نشره وتلقينه كلَّ قادم من خارج مكة يريد لقاء النبي المصطفى. ¬
الأمر الرّابع: على الطاعنين في هذه المسألة أنْ يجيبوا عن سبب كون الزواج الأول للنبي الكريم من امرأة بلغت الأربعين، وكان هو في سن الشباب، في الخامسة والعشرين. وذلك في مجتمع كان يحرص على الزواج المبكر للاستكثار من البنين بغية الذود عن القبيلة أو الإغارة على الآخرين. وعليهم أنْ يجيبوا عن اقتصاره على هذا الزواج خمساً وعشرين سنة حتى بلغت أم المؤمنين الخامسة والستين من عمرها، وكان هو في الخمسين. فهل الذي يفني زهرة شبابه مع ثيب كبيرة في السن يكون من طلاب الشهوة؟! وعليهم أن يجيبوا عن كون كل زوجاته - صلى الله عليه وسلم - ثيبات أرامل إلا عائشة، وهو الذي قال لأسامة - رضي الله عنه -: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) (¬1). الأمر الخامس: القارئ لكتاب النّصارى المقدَّس يجد فيه الجرأة العظيمة على أنبياء الله ورسله، حين يُنسب إليهم من الفظائع ما يُنزَّهُ عنه آحادُ النّاس. وعليه؛ «فمطاعنهم على محمد - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأمور التي يفهمونها ذنوباً في زعمهم الفاسد لا تقدح في نبوته على أصولهم» (¬2). ونحن حين نقرأُ الكتابَ النصرانيَّ المقدَّس نجد فيه أنّ آدمَ أذنب عمداً، ولم تثبت توبته. ونوحاً شرب الخمر وسكر وتعرى. وإبراهيمَ إلى سبعين سنة من عمره كان يعبد الأصنام. ولوطاً سكر وفعل الفاحشة بابنتيه وأنجب منهما. ويعقوبَ خدع أباه وكذب عليه ثلاث مرات، وتزوج بأختين، وفعلت ابنته دينا الفاحشة مع عشيق لها، وكذا فعل ابنه الأكبر روبيل الفاحشة بزوجة أبيه يعقوب. وفيه أنّ هارونَ صنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته. وداوودَ نظر بشهوة إلى امرأة أجنبية، ثم قتل زوجها، وفعل الفاحشة بها. وسليمانَ ارتد في آخر عمره، وبنى معابد ¬
الأصنام، وكانت نساؤه يبخرن ويذبحن للأوثان (¬1). وهذا غيضٌ من فيض مما في هذا الكتاب من نسبة الرذائل إلى خير خلقه، وهم الرسل المبرؤون من كل القبائح المنسوبة إليهم كذباً وظلماً، عليهم الصلاة والسلام. والذي يؤمن بكل هذا لا يستغرب منه نقل هذه التهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن يساءل كيف بقيت مكانة أولائك النبيين مع كل ما نسب إليهم، ثم يضر النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبة شيء منها إليه؟ إنّ في هذا كيلاً بمكيالين، وتفريقاً في النظر إلى الشيء الواحد، وتنكباً سبيل العدل والإنصاف. والمسلم يؤمن بكل رسل الله، ويجلهم ويوقرهم، وينزه ربه جل وعلا أن يختار لحمل رسالاته الزّناةَ والقتلة والكذابين. المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي (¬2): الأمر الأول: الطعن في تعدد زوجاته - صلى الله عليه وسلم - يجاب عنه بما يلي: أولاً: لم يكن هذا الأمر مختصاً به - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر إخوانه النبيين، فلقد بيَّن لنا كتابُ النصارى الذي يقدسون ويعظمون ويصدقون أخباره، أنّ كثيراً من أنبياء وقضاة بني إسرائيل لم يكتفوا بزوجة واحدة. جاء في دائرة المعارف الكتابيّة: «ولكنْ لا توجد وصية صريحة في العهد القديم تنهى عن ذلك -أي عن تعدد الزّوجات-، إذ يبدو أنّ الله قد ترك للإنسان أنْ يكتشف بخبرته أنّ نظام الزّوجة الواحدة هو النظام السليم. فتعدد الزوجات يجلب المتاعب، وكثيراً ما يؤدي إلى ارتكاب الخطيّة، كما حدث مع ¬
إبراهيم .. ومع جدعون (¬1) .. ومع داوود .. ومع سليمان .. وفي حالة تعدد الزّوجات، ومن الطبيعي أن يميل الرّجل إلى زوجة أكثر من الأخرى، كما حدث مع يعقوب، إذ أحب راحيل أكثر من ليئة» (¬2). فهاهنا تتحدث هذه الموسوعة النصرانيّة عن أنبياء وقضاة عددوا الزوجات. ثانياً: لم يكن الدافع من هذا الصنيع -كما تقدم في الرد المجمل (¬3) - ابتغاء تتبع الشهوات، بل كان لأسباب سامية هادفة لخدمة الدين والدعوة. فالزواج من عائشة وحفصة فيه إكرام لأعظم رجلين في الإسلام -بعده - صلى الله عليه وسلم - إيماناً وبذلاً وتضحية. والزواج من رملة بنت أبي سفيان (¬4) كان إنقاذاً لها من الرجوع إلى مكة خشية أن تفتن عن دينها، بعد أن هاجرت إلى الحبشة مع زوجها الذي تنصَّر ثم مات هناك. وتزوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة (¬5) جبراً لمصابها بأبي سلمة الذي أصيب بجراحة في أحد؛ مات بسببها، وكانت ذات بلاء في الإسلام فقد كانت من المهاجرات إلى الحبشة. ولإبطال عقيدة التبني المتفشية في المجتمع الجاهلي تزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش ? (¬6)، بعد أن كان أبطل الفوارق الطبقية حين زوجها بِزيد بن حارثة رضي الله عنه. ¬
وكان زواجه من جويرية بنت الحارث ? (¬1) إعانةً لها على افتداء نفسها، وسبباً في إعتاق مائة بيت من أسارى بني المصطلق، فكانت عظيمة البركة على أهل بيتها. والزواج بهؤلاء الطاهرات الفاضلات هيأ لنساء الأمة معلمات يرشدنهن فيما يختص بهن من أمور يستحين من طرحها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستحي هو من مزيد التفصيل فيها. فقد جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأت الماء). فغطت المرأة وجهها وقالت: يا رسول الله وَتحتلم المرأة؟ قال: (نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟) (¬2). وجاءت امرأة تسأل النّبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض، فعلّمها كيف تغتسل، قال: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها). قالت: كيف أتطهر؟ قال: (تطهري بها). قالت: كيف؟ قال: (سبحان الله تطهري). فاجتبذتها عائشة ?، وقالت: تتبعي بها أثر الدم (¬3). الأمر الثاني: الطعن في زواجه - صلى الله عليه وسلم - بعائشة ? يجاب عنه بما يلي: أولاً: تقدم في الرد المجمل سرد الأدلة التي تُثبت أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من طلاّب الشّهوات (¬4). ثانياً: لو كان في هذا الزواج مطعن ومأخذ لطار به الكفار، فقد كان في أشد أوقات عداء الكفار للنبي وصحبه، وذلك قبل الإذن بالهجرة إلى المدينة النبويّة، ولكنهم استقبلوا الخبر كما يستقبلون غيره مِن أخبار مَن تزوج. ¬
ثالثاً: كان هذا الزواج بمشورة خولة بنت حكيم (¬1)، وقد كانت عائشة من قبلُ مخطوبةً لجبير بن مطعم بن عدي (¬2)، وفي هذين الأمرين ما يدل على أنها كانت امرأة في سن الزواج، لا يضيرها صغر سنها. رابعاً: يستنتج من الخطبة السّابقة لعائشة ?، ومن سكوت المشركين مع شدة عدائهم، أنّ زواج المرأة في هذا السن كان معتاداً عند العرب، مألوفاً، غير مستنكر. خامساً: في العقيدة النصرانيّة ما يشابه هذا ويزيد عليه، فإنّ مريم بنت عمران كانت في الثانية عشرة من عمرها عندما ولدت المسيح، وكانت إذ ذاك زوجةً أو خطيبةً ليوسف النجار -كما يعتقد بعض النصارى- وهو في التاسعة والثمانين من العمر، كما أوردته الموسوعة الكاثوليكية (¬3). فيكون فرق العمر بينهما قرابة سبع وسبعين سنة، أي بزيادة اثنين وثلاثين عاماً على فارق السن بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة ?. سادساً: كيف ينكر النصارى ويستقبحون زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - الموافق لعادة قومه، والذي كان معلناً، مستصحباً فيه رضى وقبول سائر الأطراف؛ ثم لا يستقبحون ما يعتقدون صحة نسبته إلى الأنبياء الكرام من عظائم القبائح التي تقشعر لذكرها الأبدان. فهل اقتضت حكمة الله تعالى -عندهم- أن يختار لحمل رسالته من يصنع الأصنام ويعبدها، أو يشرب الخمور ويتعرى ويأتي زنا المحارم، أو يقر في أهله الدياثة لأجل حطام الدنيا الزائل، أو يحتال لقتل قائده المخلص ليأتي الفاحشة في أهله، وغير ذلك مما عصم الله منه أعداداً لا تحصى من خلقه، ثم لم يعصم منه أنبياءه كما يعتقدون ويرتلون في كتابهم المقدس. ¬
الأمر الثّالث: وأمَّا شبهة إتيانه - صلى الله عليه وسلم - زوجاته حال الحيض، ونكاحه مَن وهبت له نفسها، ووجوب قبول أي امرأة الزواج منه إن أعجبته، وتطليقها من زوجها إن كانت ذات زوج؛ فقد تقدمت الإجابة على هذه الأمور في الفصل الأول (¬1). الأمر الرّابع: وأما قولهم بأنّ امرأة ماتت فاضطجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - معها، فيشيرون به إلى قصة وفاة فاطمة بنت أسد، أم علي بن أبي طالب ? أجمعين. أسلمت هذه الصحابية بمكة، وهاجرت إلى المدينة، وكانت من كبار الصحابيات، وتوفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وهذه الشبهة التي ذكروا فرية قبيحة، وتقبيح لزين الشمائل والفعال. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتبر هذه الصحابية أمًّا، ويذكر من جميل عنايتها به أنّها كانت تجوع ليشبع، وتؤثره باللباس، وتمنحه المحبة والشفقة. فلما ماتت أظهر النبي الكريم صنوف الوفاء معها، والشفقة والرحمة بها، فنزع ثوبه وأمر أن يكون تحت أكفانها جزاء ما كانت تكسيه في حياتها، ونزل في قبرها وتمعَّك فيه رجاءَ أنْ يُفسحَ لها فيه، وتُقبلَ شفاعته فتنجو من ضمَّة القبرِ وفتنتِه. وفي بعضِ الرِّوايات أنَّه اضطجعَ في قبرها بعد أنْ وُضعت فيه، وكان ذلك بمرأى الصحابة، ولذلك قالوا (رأيناك تصنع شيئاً لم تكن تصنعه مع أحد). والناظر في حديث هذه القصة لا يستطيع إخفاء دهشته من عظيم وفائه ومحبته وكريم خلقه - صلى الله عليه وسلم -. وكلُّ ما سبق على افتراض صحة الحديث، وإلا فإنَّ روايات الحديث فيها ضعف (¬3). ¬
ولعلَّ هذه الشبهة دخلت على أصحابها من كون الاضطجاع في كتابهم المقدس يأتي في كثير من الأحيان بمعنى فعل فاحشة الزنا. فنجد في سفر التكوين الحديث التالي عن بنتي النبي لوط - عليه السلام -: (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة، وجاءت الكبرى فضاجعت أباها ولم يعلم بنيامها ولا قيامها. فلما كان الغد، قالت الكبرى للصغرى: هاءنذا قد ضاجعت أمسِ أبي، فلنسقه خمراً هذه الليلة أيضاً، وتعالي أنت فضاجعيه لنقيم من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً، وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنيامها ولا قيامها) (¬1). ونجد في قصة داوود - عليه السلام - وغدره بقائد جيشه أوريّا الحثي: (وعزَّى داودُ بَتْشَابَعَ امرأَتَهُ ودخل عليها وضاجعها، فولدت ابناً فدعته سليمان. وأحبه الرب) (¬2). ولعل كاتب هذا النصِّ يرى من تمام التعزية فعلَ الفاحشة! وعن شكيم الحُوِيَّ يقول الكتاب المقدس: (فرآها شكيمُ بن حمور الحُوِيَّ، رئيس البلد، فأخذها وضاجعها واغتصبها) (¬3). وعن رأوبين يقول الكتاب المقدس: (وحدث إذ كان إسرائيلُ ساكناً في تلك الأرضِ، أنَّ رأوبينَ ذهب فضاجع بَلْهة، سريَّةَ أبيه) (¬4). وفي العهد القديم: (وأيُّ رجلٍ ضاجع زوجة عمِّه، فقد كشف عورة عمِّه: إنهما يحملان وزرهما، فليموتا عقيمين) (¬5). والأمثلة على هذا في الكتاب المقدس كثيرة. الأمر الخامس: وأمّا حديث المنصرين عن طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه بغسل واحد، فهو تحميل للنص ما لا يحتمل من المعاني. ¬
والحديث من رواية أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة). قال قتادة: قلت لأنس: أوَ كان يطيقه؟ قال: (كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين) (¬1). وليس في الحديث ما أراد المنصرون إيصاله إلى أفهام النّاس من تمضية النبي - صلى الله عليه وسلم - جُلَّ أوقات ليله ونهاره في مخادع الجماع، فإنَّ عائشة ? وأرضاها تحدثت عن هذا الجانب الخاص من حياته عليه الصلاة والسلام فقالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القَسْم من مُكثه عندنا، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كلِّ امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها) (¬2). والجمع بين الحديثين أن يحمل المطلق في كلام أنس على المقيد في كلام عائشة، أو يحمل كلام عائشة على الغالب وكلام أنس على النادر (¬3). وهكذا يتضح أنّ هذا الصنيع كان في مرات نادرة، في زمن يسير من ليل أو نهار؛ ذلك أنَّ المرويات الصحيحة المتواترة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته ومع المسلمين في مسجده وحال سفره وغزواته، مع قيامه بالعدل بين زوجاته في المبيت -وإن كان وجوب هذا عليه؛ محل خلاف- وتمضيته الأوقات في الدعوة والتعليم، لا تدع موضعاً لإلصاق هذه الشبهة به، صلوات ربي وسلامه عليه. مع أنَّ الطواف على الزوجات في الساعة الواحدة أمر اشترك فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من سبقه من النبيين، فقد جاء في الحديث: (قال سليمان بن داوود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتى بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله. فطاف عليهنَّ جميعاً فلم تحمل منهنَّ إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل، وايم الذي نفس ¬
محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) (¬1). وهذا الصنيع ليس مطعناً، بل دليلُ كمال الخلقة وقوة البدن، ولذا يقول صاحب "كشف المشكل من حديث الصحيحين": «اعلم أنَّ العرب كانت تَعُدُّ القوة في الجماع من كمال الخلقة وقوة البنية، كما تَعُدُّ الشجاعة منها، وكان - صلى الله عليه وسلم - أتم الناس خلقة، ثم أعطي قوة ثلاثين، ثم كان في فعله ذلك ردٌّ على النصارى في التبتل» (¬2). ويقول صاحب "عمدة القاري": «وهو -أي القوة على الجماع- دليلٌ على كمال البنية» (¬3). وهناك ملحظ آخر يرد على هؤلاء المشبهين بنقيض ما أرادوا، فإنّ الذي يُعطى قوة ثلاثين في الجماع ثم لا يبيت إلا عند زوجة واحدة في غالب أحواله؛ يكون في ذلك دليل على أنه في غايةٍ من الصبر عن الجماع (¬4). الأمر السّادس: الحديث عن قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش ? هو محل طعنٍ مستمر من المنصرين والمستشرقين في القديم والحديث. ومصدر هذه الشبهة ما تسلل إلى بعض كتب التفسير والسِّير من أخبار متهافتة السند والمتن، بيّن الباحثون عدم صلاحيتها للاحتجاج (¬5). كان التبني متفشياً في المجتمع المكي، حيث يتخذ المرءُ ابنَ غيره ابناً له يرثه ويورِّثه، ويحرم عليه التزوج بمن تزوج، وتجري بينهما أحكام الوالد مع ابنه الصلبي. وكان أن تَبَنَّى النبيُّ عليه الصلاة والسلام زيدَ بن حارثة، فكان لا يدعى إلا زيد بن ¬
محمد، ثم أنكحه ابنة عمه زينب بنت جحش، ملغياً بذلك التفرقة الطبقية التي كانت من سمات المجتمع الجاهلي. وشاء الله أن لا يحدث وفاق بين الزوجين، فجاء زيد يستشير النبي - صلى الله عليه وسلم - في فراق زينب، فنصحه بإمساكها مخفياً ما أعلمه الله من أنه لن يَصلح حال العشرة بينهما، وأنّ زينب ستكون إحدى أمهات المؤمنين، متحرجاً مما سيلحقه من حديث المجتمع من نكاح زوجة ابنه بالتبني (¬1). وفي هذا نزل قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (¬2). وقد شَغَب المشبهون برواياتٍ تحكي رؤيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب في بيت زيد، وافتتانه وتعلق قلبه بها، وقوله (تبارك الله أحسن الخالقين)، ومن ثم كان تطليق زيد لها لعلمه بذلك؛ لا لسوء عشرة بينهما، وأنَّ هذا التعلق هو الذي أخفاه النبي في نفسه، وخشي أن يطلع عليه النّاس. وقد تسللت هذه الروايات إلى بعض كتب التفسير والسير، وتصدى لها مَن كشف تهافتها متناً وسنداً (¬3). ¬
وكيف يصح نسبة ذلك إلى مقام النبوة؟ أم كيف يفتن النبي بابنة عمه؛ وهو الذي كان يراها قبل فرض الحجاب، وهو الذي خطبها لزيد، ولو كان له بها أرب لاصطفاها لنفسه (¬1). ثم إنّ زواجه - صلى الله عليه وسلم - بزينب ? كان بأمر الله تعالى، ولذا كانت زينب ? تفاخر باقي أمهات المؤمنين فتقول: (زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات) (¬2). ولقد كان في هذا الزواج كسراً لعادة التبني المتغلغلة في نفوس النَّاس ومشاعرهم، ولم يكن من السهل التغلب عليها دون كسرٍ لطوقها وخرقٍ لمألوفها على يد المثل الكامل والقدوة الحسنة للنّاس، ليكون ذلك مدعاة لتقبل الناس (¬3). ولو كان في هذه الحادثة مطعن لكتم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآيات، ولما بلغها فصارت قرآناً يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولذا يُروى عن عائشة ? أنّها قالت: (لو كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية) (¬4). فما الذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُخبر النّاس أنّ الله أوحى إليه بهذه الآية؟! وما الذي جعله يُخبر النّاس بعتاب الله تعالى حين عبس في وجه الرّجل الأعمى، وحين ترك الاستثناء، وحين أذن لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، وحين ترك الأَولى في شأن أُسارى غزوة بدر (¬5)؟! إنْ لم يكن دافعُ ذلك أمانة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ ما أُوحي إليه؛ فماذا يكون؟! وسوف يكون الأمر أسهلَ من ذلك عند من يرى أنّ القرآن اختلاق من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعندها لن يؤلف ما قد يطعن في خُلقه ويؤدي لاحتقار النّاس له وانصرافهم عنه. ¬
الأمر السّابع: دعوى أنَّ في مصِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لسان الحسن - رضي الله عنه - مطعن فيه عليه الصلاة والسّلام؛ مثال آخر على منهجيّة تقبيح الحسن، وتحسين القبيح، التي يطبق النصارى شقها الأول على ما يتعلق بالإسلام، وشقها الثّاني على ما ورد في كتابهم المقدّس. لقد جبل الله تعالى نبيه على مكارم الأخلاق ومحاسنها، ومن ذلك خلق الرّحمة والرأفة والشّفقة على الغير، وكذا المحبّة التي ظهرت آثارها على القريب والبعيد من المؤمنين. وقد كان من ذلك حبّه للحسن والحسين (¬1) ?. وقد صحّ أنّه أذَّن في أُذُن الحسن يوم ولد، وقبّله، ومصّ لسانه، وكان إذا ارتحله وهو ساجد أطال السجود لئلا يعجله، وكان يطلب إحضار الحسن؛ فإذا حضر التزمه وعانقه وحمله على عاتقه وقال: (اللهم إني أُحبُّه فأَحبَّه وأَحبَّ مَن يُحبُّه) (¬2). ثم جاء من شغب ببعض هذه التصرفات وعدَّها مطعناً، متجاهلاً أنّ الحسنَ حفيدُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه كان طفلاً أو رضيعاً حين قبّله النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كانت ولادته في شعبان أو رمضان من السّنة الثّالثة للهجرة، أي أنّه كان دونَ الثامنة من عمره حين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والعجب ممن يُقبِّح هذا الفعل، ويحسِّن انكباب الشّابّة على قدمي الشّاب تقبلهما، وتمسحهما بشعر رأسها، وتدهنهما بالطيب (¬4). وأعجبُ منه أن تكون من معجزات أحد الأنبياء -في كتابهم- إحياء الطفل الميت بالاضطجاع فوقه في الغرفة المغلقة، مع وضع الفم على الفم، والعينين على العينين، واليدين على اليدين، وتكرار ذلك سبع مرّات، إلى أنْ سَخُن جسدُ الولد، وعادت إليه الحياة (¬5). ¬
ومع هذا لا يعد في الأمر قدحاً عندهم. وقد تواتر النّقل عن القسس في كنائسهم من الحوادث الأخلاقيّة المشينة الشيءَ الكثير، ناهيك عن حال كثيرٍ من النصارى في البلاد الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها حين يمارس الرّجل مع معشوقته في الشّارع أمام الملأ ما يحسن عدم ذكره. فأين هذا ممن صَفت سيرته وسريرته، وشهد له أعداؤه قبل أتباعه، بكريم الشّمائل وحَسَن الأخلاق، ولكنّه الحقد الأعمى يدفع صاحبه لتقبيح ما يراه الأسوياء حسناً وجميلاً. الأمر الثّامن: وأما ما جاء في قصة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زاهر بن حرام - رضي الله عنه -، فإنَّ فيها من دلائل كريم شمائله عليه الصلاة والسلام ما يُدهش الألباب. فقد كان هذا الرجل بدويًّا دميم الخلقة قبيح المنظر، شديد المحبة للنبي الكريم، لا يَقْدُمُ إلى المدينة إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبادله المحبة والوفاء، فيكافئه على الهدية، ويقول: (زاهرٌ بادينا، ونحن حاضروه)، والمعنى أنه يكفينا ما نحتاج من البادية، ونكفيه ما يحتاج من المدينة. وكان ذات يوم في السوق فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتري هذا العبد؟)، فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسداً، قال: (لكنَّك عند الله لست بكاسد) أو قال: (بل أنت عند الله غال) (¬1). قال صاحب "مرقاة المصابيح": «وحاصله أنه عانقه مِن خلفه، بأنْ أدخل يديه تحت إبطي زاهر، وأخذ عينيه بيديه لئلا يعرفه. وقيل معناه أنه أخذه مِن عقبه مِن غير أخذ عينيه، ذكره النووي» (¬2). والخلاصة أنّ هذه القصة الصحيحة لا تدل إلا على حَسَن المعاني، فإنّ القارئ لها ¬
بإنصاف يجد وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتواضعه لأصحابه، وممازحته لهم، واهتمامه لشأن من لا يؤبه به في العادة لفقره ودمامة منظره، وتصحيحه المفاهيم والمصطلحات؛ فإنَّ الكاسد في الإسلام ليس قبيحَ الهيئة دنيَّ المكانة قليلَ المال، ولكنَّه الخليُّ من الإيمان والعمل الصالح. وفي القصة بيان الحب العظيم الذي وقر في نفوس الصحابة تجاه نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. والنّاظر في هذه التّهمة وما سبقها لا ينقضي عجبه ممن يسعى للنّيل من مكانة شخصٍ شهد له بنبل الأخلاق أعداؤه فضلاً عن غيرهم، وذلك باتهامه بانحرافات جنسيّة لا يمكن أنْ تجتمع في شخص واحد، كالشّراهة الجنسيّة Satyriasis، والجنسيّة المثليّة Homosexuality، والجنس مع الأموات Necrophilia، والجنس مع الصغار Infanto sexuality (¬1) . وإذا كان المسيح - عليه السلام - في الإنجيل قد أشار إلى معرفة الزّرع بالنّظر إلى الثّمار؛ فلننظر كيف أثمرت تعاليم الإسلام والقرآن والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في إنشاء مجتمع تقل وتندر فيه أمثال تلك الشّذوذات، مقارنةً بالمجتمعات النّصرانيّة التي تجيز العلاقات المثليّة، وربّما شرّعت بشكل رسميّ زواج المثليين، ووضعت لهم ما يكفل حرياتهم وينظم حياتهم (¬2). الأمر التّاسع: وأما حادثة اقتتال الصحابة على نخامته - صلى الله عليه وسلم - فإنّها لم تنقل إلا مرة واحدة، في ظرف حربي خاص، يوم صلح الحديبيّة. فقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ست للهجرة «واستنفر العرب ومَن حوله من أهل البوادي مِن الأعراب ليخرجوا معه، وهو يخشى من قريش أنْ يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناسُ من حربه، وليعلم الناس ¬
أنه إنما خرج زائراً لهذا البيت ومعظماً له» (¬1). واختارت قريش -كبراً- أن تمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه من العمرة أنفةً من أن تتحدث القبائل أنهم دخلوا مكة عُنوة، وأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي (¬2) ليقوم بمهمة الحرب النفسية. فلمّا قدم عروة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا محمد، أَجَمعت أوشاب الناس، ثم جئتَ بهم إلى بيضتك لتفضها بهم؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل (¬3)، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً. وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً» (¬4). عندها كأنّ الكفَّةَ مالت لصالح المشركين، فبدرت من الصحابة أفعالٌ لم يكونوا يفعلونها من قبل (¬5)، فسبَّه الصديق سبًّا مقذعاً، وأظهر الصحابة من دلائل التعظيم والحب شيئاً كبيراً، من الاقتتال على نخامته ووضوئه، وخفض أصواتهم عنده، وابتدار أوامره تنفيذاً. «ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة، وبالغوا فيه، إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم. وكأنهم قالوا بلسان الحال: مَن يحب إمامه هذه المحبة، ويعظمه هذا التعظيم، كيف يظن به أن يفر عنه ويسلمه لعدوه، بل هم أشد اغتباطاً به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضاً بمجرد الرحم» (¬6). ولقد أثمر رد المسلمين في خطاب المندوب القرشي، فإنه لما رجع لأصحابه قال لهم: "والله لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر والنجاشي، فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إنْ تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها ¬
وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنَّه قد عرض عليكم خطةَ رشد فاقبلوها" (¬1). وهنا تساؤلٌ لمن يَطرح هذه الشبهة على هيئة التعميم والتهويل؛ كم مرَّةً ورد في السيرة النبويّة اقتتال الصحابة على نخامة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ولماذا لم تحدث تلك الحادثة إلا في ظرفٍ قتاليٍّ خاص يوم الحديبيّة؟ ولماذا لم تتكرر تلك الحادثة قبل ذلك التّاريخ أو بعده؟ ولماذا عدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النّخامة في المسجد خطيئةً لا يكفرها إلا إزالتها، ولم يستثن من ذلك ما صدر عنه؟ (¬2) الأمر العاشر: وأمّا القول بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - شرّع لأتباعه ما تأنف الطّباع السّليمة منه، ومن ذلك شرب بول الإبل، ففيه من مجانبة الأمانة في النقل ما سبقت الإشارة إليه في المطلب الثالث (¬3). وأصل هذا القول القصة التي رواها البخاري (¬4) وغيره، أنّ أناساً من عكلَ وعرينة قدموا المدينة فأسلموا، ثم مرضوا مرضاً شديداً فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقوا بِرَاع له فيشربوا من ألبان الإبل وأبوالها. فلما فعلوا ذلك وذهب عنهم المرض، وَصَحَّت أجسامهم وسمنوا، قابلوا ذلك بقتل الرّاعي واستياق الإبل والارتداد عن الإسلام. فطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أثرهم، فأُدركوا في نفس اليوم، وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يحسم الدم، وسملت أعينهم، وألقوا في الحرّة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا (¬5). ¬
وكانت العقوبةُ؛ حدَّ الحرابة، والسملُ؛ قصاصاً لفعلهم بالرّاعي (¬1). هذه الحادثة وردت مرة واحدة، في معرض الإرشاد للتداوي لطائفة مخصوصة من النّاس، ولم يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هؤلاء لهذا الأمر لا على سبيل التداوي ولا غيره. بل جاءت السيرة النبويّة بخلاف ذلك، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأكل ما تعافه نفسه ولو كان حلالاً -وفعله إرشاد لغيره- وذلك لما أهدت أم حفيد خالة ابن عباس - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطاً وسمناً وضباً، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن، وترك الضب تقذراً (¬2). وفي رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - (¬3): أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه) (¬4). وعليه؛ فلا موضع للاعتراض على هذه القصة إلا إذا أثبت هؤلاء نوع المرض الذي أصاب أولائك القوم، مع عدم نجاعة شرب ألبان الإبل وأبوالها في الشفاء منه. ولا سبيل إلى هذا لأنَّ الحديث برواياته عند البخاري أثبت أنهم استصحوا، وصلحت أبدانهم، وصحوا وسمنوا. وقد تكاثرت الأقوال والتجارب العلمية في إثبات النفع الطبي لأبوال الإبل في القديم والحديث. فقد نقل ابن القيم عن ابن سينا (¬5) في كتابه القانون: «وأنفع الأبوال: بول الجمل ¬
الأعرابي وهو النجيب» (¬1). وفي العصر الحديث كثرت الأبحاث العلميّة المثبتة لنفع هذه الأبوال في علاج كثير من الأمراض (¬2). وهكذا يتبين أنَّ إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستعمال هذه الأبوال لم يكن إلا مرَّة واحدة لقوم مرضى كي يتداووا به، لا على الصور التعميمية التي يستخدمها النّصارى. على أنّه كان الأولى بهؤلاء أن ينظروا في الإرشادات الصحيّة في كتابهم كشرب الخمر للشفاء من أدواء المعدة والأمراض النفسيّة، واجتناب شرب الماء وحده (¬3)، وأمر الله تعالى أحد أنبيائه أن يطهو الطّعام على البراز البشري، ثم التخفيف باستبداله بالرّوث الحيواني (¬4)! الأمر الحادي عشر: وأما القول بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - شرّع ما يخالف الفطر المستقيمة حين أمر سهلة بإرضاع سالم وكان ذا لحية، قد بلغ مبلغ الرجال، فالأمر يحتاج لشيء من التّفصيل ¬
والإيضاح. كان أبو حذيفة زوج سهلة بنت سهيل بن عمرو قد تبنَّى مولاه سالماً منذ صغره، فلما نزلت آيات تحريم التبني وقعت سهلة في حرج من أن يراها سالم فيكون في نفس أبي حذيفة شيء، وكانت قد تعلقت وزوجها بهذا المتبنى. فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرشدها أن تُرضع سالماً تحرم عليه. ثم جاء من شغب بهذه الحادثة من جهة تعميمها على كل من أرادت أن تحرم على رجل فترضعه أيًّا كان سنه، ومن جهة أنَّ ذلك يستلزم كشف النساء ثديهن للرجال، وما يتبع ذلك من مماسّة وامتصاص. ومقصدُ هؤلاء تصويرُ الإسلام على أنّه يشرِّع السّفول الأخلاقي، مخالفين شهادة أعداء الإسلام قبل أتباعه، أنّ تعاليم الإسلام في قمّة الخلق والفضائل. لم تكن حادثة سالم إلا رخصةً خاصّة به، بدليل إجماع أمهات المؤمنين خلا عائشة على هذا الفهم، وهو الأمر الذي قال به جمهور العلماء من السلف والخلف، وفيهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة. وقد دلَّت الأحاديثُ الصحيحة الصريحة الكثيرة على أنّ الرضاع المحرم ما كان في الحولين، وكان خمس رضعات فأكثر. وقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال: (انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة) (¬1). لقد كان في رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - صورة عظيمة من صور الرّحمة التي شملت هذا المتبنَّى لئلا يُحرم من أسرته التي نشأ فيها منذ طفولته حين كان التبني جائزاً، كما شملت أبا حذيفة وزوجه حين لم يشأ النبي الرّحيم كسر قلبيهما إذا قضى بالفرقة. وفي ذلك دليلٌ على مرونةِ التشريع، وإيجادِه الحلول التي تجلب المنافع وتدفع المفاسد. ¬
وأمّا الطّعن بأنّ ذلك اقتضى مباشرة سالم لجسد سهلة فإنّه مدفوع باحتمال أنها حلبت له اللبن في إناء ثم شربه، ويؤيده أنّ سهلة لما جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شكت غيرة أبي حذيفة. فإذا كانت الغيرة من مجرد الرؤية فإنّه يبعد أن تكون المعالجة بالإرشاد إلى ما هو أشد من ذلك بمباشرة الثدي وامتصاصه. وعلى فرض حصول المباشرة فإنّ دافع الشهوة غير وارد مِن هذا الابن الذي تفتحت عيناه منذ طفولته على اعتبار أمِّ حذيفة أمّه الحقيقية، حيث لم يعرف في الحياة غيرها. والمشاعر التي ستعتري كلّ سويٍّ من البشر لو كلّف الرضاعة من ثدي أمّه -وإن كان في سن الشباب- لن يكون من ضمنها الشّهوة قطعاً. الأمر الثّاني عشر: وأمّا الشبهة الثالثة، المتعلقة باسم (قُثَم)، فقد أخذت طريقها للشيوع في الشبكة بعد أن استعرض أحد الصُّحُفيين كتاب "تاريخية الدعوة المحمديّة في مكة" للتونسي المدعو هشام جعيط (¬1). وقد حشا المؤلف بحثه بالتشكيك في السيرة النبويّة، وكاد أن لا يترك شيئاً من تفصيلاتها إلا رجَّح خطأه، وأتى بالتصحيح المعتمد على مخترَعات ذهنه؛ المستقي من كتب المستشرقين والمنصرين؛ المتنكب سبيل البحث العلمي الموضوعي؛ وإن ادعى خلاف ذلك. ومن جملة مفترياته أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُدعى إلا قُثماً طيلة سنيِّ عمره الأربعين، ثم لما انتقل إلى المدينة وظهرت دولته سمّى نفسه محمداً ليوافق بشارة الكتب السّابقة به (¬2). وقد أخذ المنصرون هذا القول وشغبوا به، ونشروه في منتدياتهم ومجموعاتهم البريديّة، وباقي منافذ الخدمات التفاعليّة، مضيفين إلى شناعته فريةً أخرى، فقالوا: إنّ كلمة "قثم" تعني الفاسد، وهذا هو سبب تغيير النبي - صلى الله عليه وسلم - له. ولعلّ سبب قولهم هذا فرارهم من الإشارة إلى بشارة التوراة والإنجيل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وورود اسمه الصريح فيهما. ¬
وبالرجوع إلى معاجم اللغة العربيّة نجد أنّ هذا الاسم لا يحمل إلا معاني المدح والثناء الجميلة. وهذه المعاني تدور حول العطاء، وجمع الخير، واكتمال الخَلْق. ففي معجم مقاييس اللغة: «القاف والثاء والميم أصل يدل على جمع وإعطاء. من ذلك قولهم قَثَم من ماله، إذا أعطاه. ورجل قُثَم: معطاء. والقثوم: الرجل الجموع للخير» (¬1). وفي لسان العرب: «القُثم والقثوم: الجموع للخير .. ويقال للرجل إذا كان كثير العطاء: مائح قُثَم .. والقُثم: المجتمع الخلق، وقيل: الجامع الكامل، وقيل: الجموع للخير» (¬2). وبهذا يتبين أنّ القول بأنّ هذا الاسم يحمل معنى سيئاً قول مجانب للصواب. ولو كان كذلك ما تسمى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، ولغيّره من تسمى به كالصحابي الجليل قثم بن العبّاس - رضي الله عنه - (¬3). ويقال للكاتب التونسي ومن أخذ بقوله: إذا كان هذا هو اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأربعين عاماً لم يحمل اسماً غيره، فكيف خفي ذلك على أعدائه من كفار قريش في مكة، ثم من اليهود والمنافقين في المدينة، ثم من سائر المرتدين في الجزيرة العربيّة، ثم من أعداء الإسلام على مر القرون، فلم يتخذوه مطعناً مع شدة عدائهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبحثهم عن أي مطعن فيه ولو خفي ودقّ؟ ولماذا لم يهتبله أبو سفيان لما وقف أمام هرقل يسائله، فقال: (فهل يغدر؟)، قال أبوسفيان: (لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها)، ثم قال: (ولم تمكني كلمة أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة) (¬4)؟ وقد كان أعداؤه إذا شاؤوا تعييره عيروه بجدٍّ له يقال له أبو كبشة، فكيف عدلوا عن اسمه الأول الذي حمله أربعين عاماً كما يقول أصحاب هذه الشبهة؟ ¬
لقد أطبق الكتاب الحكيم، والسنة النبويّة المطهرة، وكتب التاريخ والسير والأدب، وأشعار العرب، على أنّ اسمه - صلى الله عليه وسلم - محمدٌ، وأنّه خاطب بهذا الاسم النّاس، واستخدمه في العهود والمواثيق والمبايعات والرسائل إلى الملوك، ولم يعترض عليه أحد في هذا. فهل يُترك كل هذا ويُلتفت إلى زعم دعي مجهول النسب في العلم بعد أربعة عشر قرناً، وهل يكون ذلك من المنهج العقلي العلمي المستقيم؟ إنَّ أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - التي جاء بيانها في القرآن والسنة هي محمد، وأحمد، والمتوكل، والماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والفاتح، والأمين. ويُلحق بها الشاهد، والمبشر، والبشير، والنذير، والقاسم، والضحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحب لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود (¬1). فليس منها هذا الاسم، ولم تَرد التسمية به في كتب الصحاح والسنن والمسانيد. ومن القواعد العقليّة أنّه لا يُقبل قولُ أحد بمجرد دعواه، بل يُلزم بتقديم الدّليل والبرهان والإثبات على صِحّة ما يدّعي. فأين دليل هذا الكاتب على ما قال؟! على أنّه قد سَبق جعيطاً إلى هذا الكذب كاتبٌ يُدعى "يوسف زيدان" في مقال له في جريدة الوفد في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 2006م، وزاد أنَّ اسمه كان قثم بن عبد اللات، ناسباً ذلك إلى ابن الجوزي في "المدهش" مفترياً عليه؛ إذ غاية ما قال ابن الجوزي أنَّ من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - قُثَم، ولم يذكر أنّه كان اسمه ثم غيَّره، ولم يذكر ما يتعلق باسم أبيه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وسبقه كذلك دعيٌّ ثالثٌ يقال له إسماعيل بن أدهم، وذلك في كتابه "من مصادر التاريخ الإسلامي" (¬3). ولولا أنّ هذا المقالة انتشرت في منافذ الخدمات التفاعليّة لم يكن هناك ما يدعو لذكرها ¬
وزيادة نشرها، فإنّها متهافتة، عارية عن الدّليل. وبهذا يكتمل الحديث عن أبرز الشّبهات المثارة في الخدمات التّفاعليّة حول النبي - صلى الله عليه وسلم -، عرضاً ونقضاً، ويليه ما يتعلق بالشبهات حول السّنّة النّبويّة.
المبحث الثالث: أبرز الشبه حول السنة النبوية، والرد عليها
المبحث الثّالث: أبرز الشّبه حول السّنة النّبويّة، والرّدّ عليها المطلب الأول: تعريفُ السّنّة، وبيانُ مكانتها السّنّة في اللغة هي: السيرة حسنة كانت أو قبيحة. ومنه قول الشّاعر: فلا تجزعن من سيرة أنتَ سِرْتها فأولُ راضٍ سُنَّةً مَن يسيرها (¬1). وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} (¬2). وورد في الحديث، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أنْ ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أنْ ينقص من أوزارهم شيء) (¬3). ونقصد بالسُّنَّة هنا المعنى الذي يريده المحدثون، وهو قولهم: ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة (¬4). وحين نتحدث عن الشبه التي تثار حول السّنّة، فالمقصود المطاعن والشّبهات حول أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي رُويت في كتب الحديث وغيرها. إنّ السّنّة التي ثبتت عن المصطفى الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- حجّة واجبة الاتباع والتسليم، بدلالة القرآن والسنة والإجماع والعقل. ففي القرآن الكريم الأمر بالانقياد للتوجيهات النبويّة أمراً ونهياً {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ ¬
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، والتحذير من مخالفة أمره {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2)، والأمر بطاعته والرجوع إليه عند التنازع {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬3). وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل صراحة على تضليل منهج دعاة الاكتفاء بالقرآن عن السّنّة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يُقروه، فإن لم يُقروه فله أن يُعقبهم بمثل قِراه) (¬4). وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التبيان العملي الموضح لمكانة السّنّة، فإنه صلّى ثم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (¬5). وفيما يخص صفة الحج قال: (لتأخذوا مناسككم) (¬6). وكان الصحابة إذا أشكل عليهم فهم شيء من القرآن سألوه فأجابهم، وربما بادر هو -عليه الصلاة والسلام- فبين لهم معاني بعض الآيات. والأمثلة على هذا كثيرة (¬7). ¬
وأمّا الإجماع «فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أنَّ الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام، في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم في سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» (¬1). وأما الدلالة العقليّة فهي في غاية الوضوح، فإنَّ الله تعالى أمر بالرّجوع إليه وإلى رسوله عند حصول التّنازع، وأمر بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، «وكيف تمكن طاعته - صلى الله عليه وسلم - وردُّ ما تنازع فيه النّاس إلى كتاب الله وسنة رسوله إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت كلها غير محفوظة. وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له، وهذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به» (¬2). ولما كانت السّنّة بهذه المكانة، حفظها الصّحابة، وبلَّغوها مَن بعدهم من التّابعين، ثم بلَّغها التّابعون مَن بعدهم، وتناقلها العلماء الثّقات جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن (¬3). وعندما لحظ العلماء نسبة ما لا يثبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعوا «شروطاً للرواية المقبولة بحيث تكفل هذه الشروط الضمانات الكافية لصدق الرواة وسلامتهم من الكذب والخطأ والغفلة في النقل» (¬4). وعُنوا «عناية فائقة بنقد الأسانيد بحيث لم يدعوا زيادة لمستزيد، وقد خلّفوا لنا في نقد الرّجال ثروة هائلة ضخمة» (¬5). «إنّ الأصول التي وضعها علماء أصول الحديث لنقد المرويّات، هي أرقى وأدق ما وصل إليه العقل البشري في القديم والحديث» (¬6). ¬
المطلب الثاني: أبرز الشبه حول السنة
ولما كانت السّنّة النبويّة بهذه المكانة، وكان موقف النّصارى من النّبي - صلى الله عليه وسلم - على ما تقدم بيانه في هذا الفصل، كان للسّنّة نصيب من طعن النّصارى وثلبهم وتشبيههم، وإن كان بصفة أقل مما يوجّه لشخص النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم للقرآن الكريم، وبعض الجوانب التشريعيّة في الإسلام. وفي هذا المبحث يُجمل الباحث أبرز هذه الشبه وفق ما سجّلته دراسته للخدمات التفاعليّة للشّبكة. المطلب الثاني: أبرز الشبه حول السنة لعل أبرز الشّبه الموجهة نحو السّنّة النبويّة ما يلي (¬1): الشبهة الأولى: أنّ السّنّة النبويّة دلّت على صحة العقائد النّصرانيّة، ولا سيّما فيما يتعلق بألوهيّة عيسى - عليه السلام -. فقد صحّ في حديث نزول عيسى - عليه السلام - آخر الزمان قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لن تقوم السّاعة حتى يأتي عيسى بن مريم حكماً مقسطاً وديّاناً عادلاً). وموضع الشّاهد هنا وصف عيسى - عليه السلام - بأنّه ديّان يجازي النّاس ويحاسبهم على أعمالهم، وهذا يدل على أنّه في مكانةٍ تعلو مقام البشرية إلى مصاف الألوهيّة. وقد صح في السّنّة أنَّ روح زكريا سجدت لعيسى بن مريم، وأنَّ عيسى - عليه السلام - وُصف في بعض الأحاديث بأنّه علاّم الغيوب، وأنّه تسجد له الأنبياء. وفي حديث الشّفاعة يعتذر الأنبياء لحصول الخطأ منهم، إلا عيسى بن مريم، فقد نصّت الأحاديث أنّه ليس له خطيئة. والذي لا يصدر منه الخطأ هو الله تعالى، لأنَّ كل البشر ¬
المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه
خطّاء. وهكذا فهذه الأحاديث تؤيد المعتقد النصراني في أنّ المسيح عيسى بن مريم في مقام فوق البشريّة. الشبهة الثانية: أنّه جاء في السّنّة أحاديث تخالف الحقائق العلميّة، ولا يقبلها المنطق والعقل. ومن ذلك أنّ الشّمس إذا غربت فإنّها تسجد تحت العرش وتستأذن الله تعالى في الخروج من المشرق ثانية، وذلك كل يوم. ومنها نسبة أشياءٍ إلى الشيطان لا يقبلها العقل والمنطق، كأنْ يبول الشيطان في أذني من ينام عن صلاة الفجر، أو أنْ يبيت على خياشيمه، أو أنْ يفر إذا سمع الأذان وله ضراط. الشبهة الثالثة: أنّه جاء في السّنّة أحاديث تخالف الذوق السليم، والفطر المستقيمة. ومن ذلك إرشاد من سقط في شرابه ذباباً إلى أنْ يغمسَه ثم يطرحَه ثم يتناولَ هذا الشّراب. وهذا الأمر تنفر منه حتى نفوس المسلمين ولا يفعلونه لما تحمله هذه الحشرة في أرجلها وجسمها من القاذورات، ولما في غمسه في الشراب من زيادة تقذيره. وكذا الحديث الذي يرشد الآكل إلى لعق أصابعه أو إلعاقها غيره إذا انتهى من طعامه، وفي هذا ما لا يخفى من الاستقذار ومخالفة الذوق وفعل ما تنفر منه الطباع المستقيمة. المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه إضافة إلى ما تقدم من الطرق في المبحثين السّابقين من الأمور المشتركة، يمكن أن يضاف هنا ما يلي: أولاً: تجنب المصادر الحديثية المعتمَدة -عند الطّرف المناقَش- في أغلب الأحوال، والتنقيب والبحث عن المرويات في الكتب التي لا تعد حجة في نقل أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ككتب الأدب والتاريخ والسير واللغة والرقائق وغيرها.
ومن المعلوم أنّ «المرويات لا يُعتمد في الوثوق بها وقبولها على كتب الأدب والتواريخ؛ إذ فيها زيف كثير وغث غير قليل، وأنّ الحديث لا يؤخذ إلا من كتب الأئمة الثقات الذين يُرجع إليهم في معرفة الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود» (¬1). ثانياً: اتباع أسلوب التدليس في تصوير المراجع غير المعتمَدة في نقل الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنها من كتب المسلمين العُمَد في ذلك. وهذا الصنيع لإيهام من يقرأ بصحة النقولات والروايات. ومثله التدليس بصحة الروايات، فيقول أحدهم: "صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال"، ثم يسوق رواية ضعيفة أو موضوعة أو مختلقة مفتراة من عند نفسه، كما سترى في المطلب التّالي. ثالثاً: البعد عن المنهج العلمي الثابت في التعامل مع الروايات، واتباع أسلوب الانتقاء المبني على الهوى. يظهر هذا -مثلاً- في ذكرهم مصدر الرواية إن كانت في الصحيحين أو أحدهما، وعدم ذكر المصدر إن كان خارج الصحيحين، كما سيتضح في المطلب الرّابع. رابعاً: الانتقاء من داخل نصِّ الحديث ما يوافق الأمر الذي يريدون تقريره، ونبذُ باقي الحديث وعدمُ الإشارةِ إليه؛ إذ فيه -في كثير من الأحيان- ما يوضح المقصود، ويدفع الشبه، ويجلي المراد. ففي حديث الشفاعة الطويل اجتزأ بعضهم عبارةً واحدة، هي قولَ راوي الحديث: (ولم يذكر -أي النبي - صلى الله عليه وسلم - له -أي لعيسى بن مريم - عليه السلام - خطيئة)، واستدل بها على تقرير ألوهية المسيح، نابذاً بقية الحديث. وسيأتي مزيد إيضاح لهذا لاحقاً. خامساً: من أساليب التدليس التي يتبعها بعض المنصرين دسُّ بعض الجمل والكلمات داخل الأحاديث الصحيحة لتحرِف معناها إلى ما أرادوا. وقد سبق بعض الأمثلة حينما ذكرنا كيف أضافوا كلمات في أحاديث مباشرته - صلى الله عليه وسلم - ¬
المطلب الرابع: الرد على الشبه
لأزواجه حال الحيض، لتعطي معنى غير الذي فهمه سلفُ المسلمين وخلَفُهم. وفي هذا المبحث ستجد مثالاً آخر عند مناقشة الشبه في المطلب الرّابع. سادساً: من الأساليب المتبعة في كثير من الشبه تحميل النصوص فوق ما تحتمل، وتنزيلها على ما لا تدل عليه صراحة. وقد تقدم في المبحثين السّابقين في هذا الفصل أمثلة على هذا المنهج. وفي الشبه تجاه السّنّة النبويّة تطبيق لهذا المنهج أيضاً. فعلى سبيل المثال نصَّ بعضهم على أنَّ حديث (إذا وقع الذّباب في شراب أحدكم .. ) (¬1) يدل على وجوب غمسه وشرب ما وقع فيه، وأنّ مخالفة المسلم لهذا محرمة، لما فيها من مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومجانبة الاقتداء به. ثمّ يرتب على هذا أنّه لو قدَّم المسلم لابنه -فلذة كبده- كوباً من اللبن فوقع فيه الذباب، وجب على الأب غمس الذباب بكامل جسمه في اللبن، وسقيه الولد ولو أبى تقذراً. ثم تعميم ذلك إلى أنّ الإسلام في كثير من تعاليمه يخالف الفِطَرَ والأذواقَ المستقيمه (¬2). المطلب الرابع: الرد على الشبه يمكن الرد على جدليّات النصارى حول السّنّة النّبويّة بشكلٍ مجملٍ، وآخرَ مفصل. المسألة الأولى: الرد المجمل، ويقال فيه ما يلي: الأمر الأول: تقدم في المبحث السابق الخلوص إلى ثبوت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسقوط المطاعن التي وجهت إليه. ومقتضى هذا اعتقاد عصمته - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغ عن ربه. فكل ما جاء به فهو الحق من عند ¬
ربه جل وعلا، سواءً فهمه العقل واستوعبه، أو حار فيه ولم يبلغ فهم كنهه. فمتى أقر المرء بثبوت النبوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وجب عليه التصديق بكل ما أخبر، وما لا تبلغه العقول منه فإنه يُوكل إلى عالم الغيب والشّهادة. الأمر الثاني: ثبت في السّنّة الصحيحة تضليلُ النّصارى، وبيانُ كفرهم ومخالفتهم ما أَنزل الله على نبيه الكريم عيسى - عليه السلام -، وإثباتُ تحريفِهم كتابَهم وطاعتِهم الأحبارَ والرهبان في تحليل الحرام وتحريم الحلال، ونذكر من هذه الأحاديث ما يلي: الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسُ محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬1). وهذا الحديث صريح في كفر مَن بلغته رسالة الإسلام من اليهود والنّصارى ثم لم ينتقل مما هو عليه إليها، لأنّه حُكِم عليه بالخلود في النّار، ولا يخلَّد في النّار إلا الكافرون. الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أنْ ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) (¬2). ووجه الدلالة من الحديث حُكْمُ عيسى - عليه السلام - بالإسلام، فيدل على نسخ رسالته برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن مظاهر ذلك كسر الصّليب، وقتل الخنزير، وعدم قبول الجزية ممن يريد دفعها ليبقى على دينه، بل يُلزم بالإسلام أو يقاتَل. الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - عليه السلام - وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجلٌ مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين (¬3)، كأنّ رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم ¬
يتوفى فيصلي عليه المسلمون) (¬1). وهذا الحديث أصرح من الذي قبله في الدّلالة على أنّ الإسلام ناسخ لما قبله من الأديان، ومقتضى ذلك أنّ من بقي على دينٍ غيره كان كافراً. الرّابع: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ستصالحكم الرّوم صلحاً آمناً، ثم تغزون أنتم وهم عدواً، فتنتصرون، وتغنمون، وتَسلمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجلٌ من أهل الصليب الصليبَ، فيقول: غلب الصليب، فيغضبُ رجل من المسلمين، فيقومُ إليه فيدقُّه، فعند ذلك تغدر الروم، ويجتمعون للملحمة) (¬2). وفي هذا الحديث دليل على بطلانِ دين الصّليب، وهو النّصرانيّة، ومناقضتِه وعداوتِه للإسلام والمسلمين. الخامس: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب حين رأى مع عمر - رضي الله عنه - صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: (أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي) (¬3). فإذا كان موسى - عليه السلام -، وهو أحد أولي العزم من الرّسل، ملزمٌ باتباع دين الإسلام لو فُرض وجوده بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فغيره أولى. ويكون ما جاء به من الدين؛ منسوخاً بالإسلام، وما جاء به من كتاب؛ منسوخاً بالقرآن، ومن تمسك بالتوراة وما جاء به موسى - عليه السلام -، ولو فُرض بقاؤه كما أُنزل؛ يكون على ضلالة. ثم يقال: هل بعد هذه الأدلة الصّريحة الصحيحة موضع لمن يقول بأنّ سنّة محمد - صلى الله عليه وسلم - تصحح النّصرانيّة، وتنظر إليها على أنّها سبيل حق ونجاة لمن أيقن بعقائدها وارتضاها ديناً؟! الأمر الثالث: الدّين والعقل نعمتان من الله - عز وجل -، وإذا كان المصدر واحداً فإنّ العقل السليم يستبعد وجود التناقض بين ما يصدر عن المصدر الواحد. ¬
وعلى هذا سار الفهم الإسلامي. يقول شيخ الإسلام: «ما عُلم بصريح العقل لا يُتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يُعارضه معقول صريح قط. وقد تأملتُ ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدتُ ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهاتٌ فاسدةٌ يُعلم بالعقل بطلانها، بل يُعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع .. ووجدتُ ما يُعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يَصلح أن يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟ ونحن نعلم أنَّ الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته» (¬1). الأمر الرابع: متى حمل الإنسان حقداً على صاحب رسالة فإنه يعاديه، ويحسده حسداً يحمله على تقبيح الحسن الذي يأتي منه، ولا يَسلم من ذلك إلا من تحلّى بخُلق الإنصاف. والإنصاف عزيز. وقد ثبت حسدُ أهل الكتاب لأهل الإسلام: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (¬2). إنَّ الموقف العدائي لكثير من النّصارى من الإسلام ونبيه؛ حملهم على مجانبة المنهج المنصف في النظر إلى الأشياء والمبادئ والأشخاص المخالفة في المعتقد. وقد كان السّلف لا يأخذون بأقوال الأقران بعضهم في بعض؛ والجميع في دائرة المؤمنين، تحرزاً من غلبة الحسد الذي يُعمي عن رؤية سبيل الإنصاف والعدل (¬3)، فكيف ¬
الحال بمن جاء دينٌ يُصادم عقائدهم ويُسفِّه مذاهبهم؟! وبعد هذه الجوانب الإجماليّة نأتي إلى تفصيل الرد. المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي (¬1): الأمر الأول: القول بأنّه صح في الحديث أنّ عيسى - عليه السلام - يأتي آخر الزّمان حَكَماً مقسطاً وديّاناً عادلاً؛ يحتاج إلى شيء من البسط. ذلك أنّ المعتقد الإسلامي ينص على أنّ عيسى - عليه السلام - لما تآمر اليهود على قتله، ألقى الله شبهه على غيره، ورفع المسيح إليه، {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬2). ثم لا تقوم السّاعة حتى ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيَقتل المسيح الدّجال، ويُهلك الله بعد ذلك يأجوج ومأجوج، ثم «يتفرغ للمهمة الكبرى التي أُنزل من أجلها، وهي تحكيم شريعة الإسلام، والقضاء على المبادئ الضالة والأديان المحرفة» (¬3)، فيَكسر الصّليب، ويَقتل الخنزير ولا يَقبل إلا الإسلام. ثم يطيب العيش في الأرض للمسيح والمؤمنين، ويبارَك لهم في الأرزاق، حتى يرسلَ الله عليهم ريحاً طيبةً تأخذ تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن، ولا يبقى إلا شرار الخلق فتقوم عليهم السّاعة (¬4). ¬
وأمّا المعتقد النصراني فإنّه يوافق في أنّ المسيح سيأتي آخر الزّمان، ويسمون هذا المجيءَ بالمجيء الثّاني، إلا أنهم يخالفون في سبب المجيء. فالسبب عند جُلِّ الطوائف هو محاسبةُ المسيح للخلق ومجازاتُهم، وزادت طائفة من البروتستانت قضاءَ المسيح على أعدائه، وتحقيقَ الخلاص للمؤمنين به، وتحقيقَ الملك الألفي، ومعناه أنّ المسيح يملك مع أتباعه العالمَ ألف سنة مليئةً بالرّخاء والأمن وطيب العيش (¬1). ومن هنا نفهم سبب إدراج كلمة (ديّاناً)، والقول بأنّها وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحقيقة أنّ الأحاديث التي وردت في نزول عيسى - عليه السلام - آخر الزمان لم تصفه بهذا الوصف، وإنما وصفته بأنّه إمام مقسط أو عادل، وحَكَمٌ مقسط أو عادل. ففي الحديث المتفق عليه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) (¬2). وفي رواية لمسلم: (إماماً مقسطاً، وحكماً عدلاً) (¬3). وعند ابن ماجة: (حكماً مقسطاً، وإماماً عدلاً) (¬4). وليس في الأحاديث أنّه يجيء ديّاناً للخلق، أي محاسباً مجازياً لهم، بل فيها أنّه يحكمُ بالقرآن والسّنّة، ويصلي خلف إمام المسلمين، ويحج ويعتمر، ويكسر الصّليب رمز النصرانيّة المحرّفة، ويقتل الخنزير، ولا يقبل الجزية من أحد، بل يفرض على الجميع الدّخول في الإسلام. الأمر الثّاني: وأمّا القول بأنّه صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنّه أخبر بسجود الأنبياء لعيسى - عليه السلام -، ويدخل في ذلك سجود زكريّا أو روحه للمسيح، وأنّ هذا السّجود دليل على ¬
ألوهيته، وعبادتهم له؛ فإنّ هذا كسابقه، لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمكن أن تأتي الأحاديث بمثله. والّذي جاءت به الأحاديث هو تحريم سجود العبادة لغير الله، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) (¬1). ودخل النّبي - صلى الله عليه وسلم - حائطاً من حوائط الأنصار, فإذا فيه جملان يضربان ويُرعدان, فاقترب منهما, فوضعا جرانهما بالأرض, فقال من معه: نسجد لك؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما ينبغي أن يُسجد لأحد, ولو كان أحد ينبغي له أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله عليها من حقه) (¬2). وأمّا سجود الاحترام والتّوقير فقد كان جائزاً عند الأمم السّابقة، ولهذا سجد أهل يوسف له، كما في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (¬3). قال ابن كثير في تفسيرها: «أي: سجد له أبواه وإخوته الباقون، وكانوا أحد عشر رجلاً .. وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلَّموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى - عليه السلام -، فحرِّم هذا في هذه الملة، وجُعل السجودُ مختصاً بجناب الرب - سبحانه وتعالى - .. والغرض أنَّ هذا كان جائزاً في شريعتهم؛ ولهذا خروا له سجداً» (¬4). ولعل صاحب هذه الشبهة عنى ما ذكره أحد المنصرين حين تكلم في قناة فضائيّة فذكر أنّ المصادر الإسلاميّة تُثبت أنَّ أمّ يحيى - عليه السلام - وكانت حاملاً به قالت لمريم بنت عمران: (إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك)، تعني عيسى - عليه السلام -. ¬
وهذه الرواية وردت في بعض التفاسير وغيرها، ولا دلالة فيها على ألوهية المسيح، فإنّ السجود عند تلك الأقوام كان من معانيه الاحترام والتقدير كما تقدم، وكما ورد في الكتاب النصرانيّ المقدّس في مواضع كثيرة، كسجود إبراهيم - عليه السلام - للملائكة، وسجود لوط - عليه السلام - للملكين، وسجود يوسف - عليه السلام - لأبيه، وسجود إخوته له (¬1). ولو ذَكر هذا المنصر الرّواية كاملة لعرف جمهوره أنّها تصرّح بأنّ عيسى - عليه السلام - عبدٌ لله، ونبيٌّ من جملة الأنبياء (¬2). وكيف يصح ما أرادوا والرواية في كتابهم المقدس لا تبلغ حد السجود، وإنما اكتفت بقول: (ارتكض الجنين ابتهاجاً في بطني) (¬3)، بل إنّ يحيى لم يعرف عيسى-^- لما التقاه بعد أنْ أصبحا كبيرين، فكيف عرفه وهو جنين وسجد له (¬4). الأمر الثّالث: وأمّا القول بأنّ عيسى - عليه السلام - وُصف في حديث صحيح بأنّه علاّم الغيوب؛ فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو اختلاق من قائله جزماً؛ لا أظنه سبق إليه. وإذا تأملنا كتاب النّصارى المقدّس نجد فيه من النصوص ما يدل على أنّ المسيح لم يكن يعلم الغيب. فإنّه لو كان يعلم الغيب ما جهل أنّ اليهود ومن معهم سيقبضون عليه ويقتلونه على الصّليب؛ كما في رواية الكتاب النصراني المقدس، فإنّ فيه: (ثم أبعد قليلاً وسقط على وجهه يصلي فيقول: يا أبت، إن أمكنَ الأمرُ، فلتبتعد عني هذه الكأس، ولكنْ لا كما أنا أشاء، بل كما أنت تشاء) (¬5). وفي ذات الرّواية كان يسائل ربّه عن سبب تخلّيه عنه، فقد كان يظن أنّ ربّه سيجنبه هذه الكأس: (ونحو الساعةِ الثالثةِ صرخَ يسوعُ صرخةً شديدة قال: إيلي إيلي لما شبقتاني؟، ¬
أي: إلهي إلهي لماذا تركتني؟) (¬1). ولو كان يعلم الغيب ما جهل موعد قيام السّاعة، فقد قال عنها: (وأما ذلك اليوم أو تلك الساعة فما من أحد يعلمها: لا الملائكة في السماء، ولا الابن، إلا الآب) (¬2). بل كان يجهل ما هو أقل من ذلك شأناً، فقد رأى شجرة تين من بعيد، وكان جائعاً، فذهب إليها لعله يجد فيها ثمراً، ولم يكن إذ ذاك وقت إثمارها (ورأى عن بعدٍ تينةً مورقةً، فقصدها عساه أن يجد عليها ثمراً. فلما وصل إليها، لم يجد عليها غيرَ الورق، لأنَّ الوقتَ لم يكن وقتَ التين) (¬3). وأمّا في الجانب الإسلاميِّ فإنّه لا يمكن أن يُطلِق مسلمٌ وصفَ "علاّم الغيوب" إلا على الله جل وعلا، دع عنك سيد الخلق ونبي الأمة - صلى الله عليه وسلم -. فإنّ المتقرر المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أنّ الغيب لا يعلمه إلا الله، كما قال سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (¬4). والمسيح - عليه السلام - عندما يسائله ربه يوم القيامة عمن اتخذه وأمه إلهين من دون الله زاعماً أنّ المسيح أمره بذلك؛ يدفع التهمة عن نفسه -صادقاً- بقوله: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (¬5) فيصف ربّه بهذا الوصف مختصاً به دون سواه. والذي جاءت به الأحاديث الصحيحة وَصْفَ عيسى - عليه السلام - بالعبودية والنبوة والرسالة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، ¬
أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي) (¬2). الأمر الرّابع: وأمّا الاستدلال بحديث الشّفاعة على ألوهيّة المسيح باعتبار أنّه لم يخطئ أو يذنب، فالأمر يحتاج لشيء من البسط. حديث الشّفاعة من الأحاديث التي صحّت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان الشّفاعة الأولى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي أعظم الشّفاعات، وهي المقام المحمود الذي ذكر الله - عز وجل - له، ووعده إيّاه، وأمرنا الرسول الكريم أن نسأله له بعد كلِّ أذان. يشفع أولاً إلى الرّحمن في ... فصلِ القضاء بين أهل الموقف من بعد أن يطلبها النّاس إلى ... كلِّ أولي العزم الهداةِ الفُضَلا (¬3) ويعتذر آدم ونوح وإبراهيم وموسى - عليهم السلام - عن هذه المهمة، ويذكر كلٌّ منهم ذنباً، ويعتذر عيسى - عليه السلام - ولا يذكر ذنباً، إلا أنّ هذا لا يدل على ألوهيته. بل المتأمل في الحديث يجد أنه حجّةٌ قويّةٌ على المستدل به على ألوهيّة المسيح، وذلك من الجوانب التّالية (¬4): أولاً: اعتراف عيسى - عليه السلام - بأنّه مربوب لا ربّ، وذلك في قوله (إنّ ربي). ثانياً: إظهار عيسى - عليه السلام - الخوف من الله تعالى، والرب لا يخاف، وذلك في قوله: (إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله). ثالثاً: إظهار عيسى - عليه السلام - حاجته لرحمة ربه، وذلك مفهوم من قوله (نفسي نفسي). رابعاً: إرشاد عيسى - عليه السلام - للنّاس للذّهاب إلى غيره ليشفع لهم، ولو كان إلهاً ما احتاج ¬
لذلك، ولقام بالفصل بين النّاس ومحاسبتهم. خامساً: اعتراف عيسى - عليه السلام - بأفضليّة محمد - صلى الله عليه وسلم - عليه، وذلك حين قال للمستشفعين: (اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد). سادساً: في الحديث لم يُذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذنب، وأعطي الشّفاعة، فدل على أفضليته على سائر الرّسل عليهم الصلاة والسّلام. سابعاً: في هذا الحديث الذي يحتجون به هنا ذِكْرُ أنّ عيسى - عليه السلام - أحدُ رسل الله، وأنّه كلّم النّاس في المهد صبيّا. ومع هذا فهم يكذبون بهذين الأمرين، فكيف يستدلون بحديث يكذبون بسائر جُمَلِهِ إلا جملةً واحدة. ثامناً: جاء في روايةٍ أخرى لمسلم أنّ كل الخلق يرغبون يوم القيامة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لهم عند الله بفصل القضاء بما فيهم الأنبياء، وذلك فيما رواه مسلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ ربي أرسل إليّ: أنِ اقرأِ القرآن على حرف، فرددت إليه: أنْ هوِّن على أمتي، فأرسل إليّ: أنِ اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوِّن على أمتي، فأرسل إليّ: أن اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل رَدة رددتكها مسألة تسألنيها، قلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ فيه الخلق حتى إبراهيم) (¬1). تاسعاً: في هذا الحديث بيان فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر الخلق. قال صاحب "فتح الباري" في فوائد حديث الشّفاعة: «تفضيل محمد - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلق، لأنَّ الرسل والأنبياء والملائكة أفضل مما سواهم، وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم» (¬2). عاشراً: من أين لهم أنّ عيسى - عليه السلام - لم يعمل خطيئة؟ فإنّ الذي في الحديث أنّه لم يذكر له خطيئة، وليس فيه أنّه لم تصدر عنه خطيئة. وحتّى مع ثبوت ذلك فمن أين لهم أنّ من لم ¬
يخطئ من البشر فإنّه يرقى لمرتبة الألوهية؟ قال شيخ الإسلام: «وإذا قالوا إنّه -أي عيسى - عليه السلام - لم يعمل خطيئة، فيحيى بن زكريا لم يعمل خطيئة، ومن عمل خطيئة وتاب منها فقد يصير بالتوبة أفضل مما كان قبل الخطيئة، وأفضل ممن لم يعمل تلك الخطيئة، والخليل وموسى أفضل من يحيى الذي يسمونه يوحنا المعمدان» (¬1). حادي عشر: إذا كان هؤلاء يستدلون بالسّنّة فإنّ فيها أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج رأى في السّماء الثانية ابنا الخالة؛ عيسى ويحيى ^، فسلّما عليه ورحّبا به وأقرّا بنبوته (¬2). ثاني عشر: يعترف عيسى - عليه السلام - في كتاب النّصارى المقدّس بأفضلية يحيى - عليه السلام - عليه، في نص مضطرب، هو قوله: (الحقَّ أقول لكم: لم يظهر في أولاد النساء أكبرُ من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغرَ في ملكوت السموات أكبرُ منه) (¬3). فكيف يكون الأصغرُ أكبرَ ممن هو أكبرُ منه؟! الأمر الخامس: وأمّا الطّعن في السّنّة بمخالفتها الحقائق العلميّة والمدركات العقليّة المنطقيّة كما في حديث سجود الشمس تحت العرش عند غروبها، فبيانه يكون بالعودة إلى أصل الموضوع، وهو موقف المرء من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. فأمّا المكذب بأصل النبوة فإنّه لا يُجدي معه النقاش في جزئيات ما جاءت به السنة النبويّة، ولكن يُناقش باحتواء سائر الأديان على أمور غيبيّة لا تُدرك بالعقل المجرد، وقد جاء في الكتاب المقدس عند النّصارى ما لا يحصى من النصوص الغيبيّة التي يوقنون بصحتها، وبأنها كتبت عن طريق أناس مصطفين مسوقين بروح القدس (¬4). ¬
وأمّا الذي تقرر عنده صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه مرسل من ربّه، فالواجب عليه قبول كل ما جاء به من أمور الغيب، والمبادرة بالتسليم مع استحضار مباينة عالَم الغيب لعالَم الشّهود. ومتى حكّم المرء عقله في ما جاء من الغيبيات وقع في الحيرة والشك، وسار في طريق الفرق الضالّة. ولما حكَّمت بعض الفرق عقولها في باب الأسماء والصفات، وقعت في التشبيه، أو فرَّت منه فنفت ووقعت في التعطيل. «ومسألة الإيمان بالغيب، والاعتقاد بوجود مخلوقات وأشياء غائبة عن مداركنا، كلها أمور لا تخضع للتجربة والمشاهدة، والإدراك البشري .. ولا يكون للغيب، والتعبد بالإيمان به معنى، إذا حاولنا أن نتطاول لمعرفته بحواسّنا أو عقولنا، وإذا شخَّصنا أو حكمنا به كما نتصور؛ لم يكن غيباً إن أصبنا الحقيقة، وكنّا كاذبين إن خالفنا الحقيقة .. ثم إنّ الله تعالى جعل الإيمان بالغيب امتحاناً وابتلاءً لعباده» (¬1). ومن هذه الغيبيّات ما في صحيح البخاري من أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أبا ذر - رضي الله عنه - (¬2) حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟)، قال أبو ذر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}) (¬3). ¬
قال ابن حجر - رحمه الله - (¬1): «وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها .. وظاهر الحديث أنّ المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها، ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري» (¬2). وقال في موضع آخر: «ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال فتكون عبارة عن الزّيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين» (¬3). والحاصل أنّ هذا الأمر غيبي، نجزم بصحة وقوعه، على كيفيّة يعلمها الله تعالى وحده (¬4)، فإنّه لا علم لنا بكيفيّات الغيب ما لم يأتنا بها الإنباء في كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يأت في بيان هذا الأمر مزيد تفصيل، فيكونُ السبيلُ التسليمَ به كما سلَّم به الصّحابة ولم يسألوا ولم يستشكلوا. وقد ردَّ شيخ الإسلام - رحمه الله - في "بيان تلبيس الجهميّة" على من أنكر هذا الحديث لعدم استيعاب عقله له، وأنكر مثله حديث نزول الله إلى السَّماء الدنيا في الثلث الأخير، وقعّد في هذا قاعدة مفيدة، فيها بيان سبب وقوع هؤلاء فيما وقعوا فيه، فقال - رحمه الله -: «وهذا إنّما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم» (¬5). وقال في موضع آخر: «والمقصود أنّ ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب وغيره؛ كلُّه ¬
حق يصدِّق بعضُه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق وما جُعل فيهم من العقول الصريحة والقُصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح ولا القصد الصحيح ولا الفطرة المستقيمة ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإنما يَظُنُّ تعارضَها من صدَّق بباطلٍ من النُّقول، أو فَهِمَ منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئاً ظنَّه من العقليّات وهو من الجهليّات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات» (¬1). ولعلَّ هؤلاء أُتوا من جهة قياسهم هذا الأمر الغيبي على ما يشاهدونه من سجود الآدميين، الذي يقتضي وجود الأطراف كاليدين والرجلين، ولزوم التوقف والاطمئنان. وهذا غير لازم؛ فإنَّ سجود كلّ شيء بحسبه، ولا يمكن قياس عالَم الغيب على عالَم الشّهود. الأمر السّادس: وأمّا القول بأنّه جاء في السّنّة ما يخالف العقل والمنطق كما في الإخبار عن بول الشيطان وخروج صوت الرّيح منه، فبيانه كالتّالي: صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبار كثيرة في بيان أمور متعلقة بالشّيطان لا سبيل إلى علمها إلا عن طريق الوحي. فقد أخبر أنّه يجري من الإنسان مجرى الدم، وأنّه مُتسلط على بني آدم بالوسوسة والتحزين والتلاعب حال المنام. وإذا وُلد المولود طعن في خاصرته إلا عيسى بن مريم - عليه السلام -، وإذا نام بات على خيشومه، فإنْ نام عن الصلاة المكتوبة بال في أذنيه، وإنْ تثاءب فلم يغطِّ فاه ضحك منه ودخل في فيه، وإذا مرَّ بآية سجدة فسجد بكى الشيطان، وإنْ سمع الأذان والإقامة فرَّ من المسجد مسافةً بعيدة وله ضراط أو حصاص (¬2). وهو يرى الإنسان، فكان إذا رأى عمر - رضي الله عنه - جبن وسلك طريقاً آخر. وتراه الحيوانات، فإذا رأته الحمير نهقت. ¬
وله القدرة على أنْ يتمثَّل في صورة الرجل، فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث. وفي المنام يتمثل للنائم في صورة أشخاص يعرفهم أو لا يعرفهم، إلا أنّه لا يتمثل بصورة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وثبت أنّه يأكل بشماله مع القوم الذين لم يُسموا على طعامهم، ويبيت في بيوتهم إنْ لم يُسموا عند دخولها، ويعمل على التحريش بين النّاس (¬1). كلُّ هذه الأمور الغيبيّة وغيرها أخبر بها الصّادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه، ولا سبيل لدفعها بدعوى أنَّ العقل لا يفهمها. ومنها -كما تقدم- أنّه يبول في أذني المسلم الذي ينام عن الصلاة، والحديث في هذا صحيح، رواه الشيخان (¬2). وقد تأوَّل بعض العلماء المعنى، ورأوا أنّه مجاز في معنى الإفساد، أو في معنى تحكم الشيطان بالعبد، واستخفافه به، واحتقاره والاستعلاء والظهور عليه (¬3). وقيل كناية عن سدِّ الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر، أو هو مَثَلٌ مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في أذنه فثقّل سمعَه وأفسد حسّه، والعرب تكني عن الفساد بالبول (¬4). ولا مانع من أنْ يكون المرادُ حقيقةَ الأمر، فيحمل الحديث على ظاهره، ولا إشكال في ذلك، فقد ثبت -كما تقدم- أنّ الشيطان يأكل ويشرب ويضحك ويبكي ويتمثَّل على ¬
هيئات بشريّة إلى غير ذلك، مع جهلنا بكيفيّة أفعاله، وجزمنا بأنها من العالم الغيبي الذي لا يُدرك بالحواس ولا يُفهم كنهه بالعقول. ومثله يقال في فراره من المسجد عند الأذان والإقامة وله ضراط، فقد ثبت هذا في السّنّة، وتأوَّله بعض شرّاح الحديث، إلا أنّه لا يوجد ما يمنع من إثباته على الحقيقة، وفق كيفيّات غيبيّة لا سبيل للعقل البشري أن يدركها. الأمر السّابع: وأمّا القول بأنّه ورد في السّنّة ما يخالف الفطر السليمة والأذواق المستقيمة كما في إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - من وقع الذّباب في إنائه أن يغمسه ثم يطرحه ويتناول ذلك الشّراب، وأنّ في هذا الصنيع تقذير وزيادة تنجيس، فبيانه أنْ يقال: صح في الحديث أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإنّ في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء) (¬1). لقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - العلّة من أمره بغمس الذّباب، وهذا البيان دليل على أنّه إنّما تكلم به عن طريق الوحي من الله (¬2)، ولو كان مفتر على الله ما أتى بشيء من العلوم الغيبيّة التي قد يبادر من في قلبه مرض إلى التشغيب عليه بها. إنّ تبليغ النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الأمر دليل على أنّه قام بتكليف البلاغ عن ربه خير قيام، غير عابئ بطعن من يطعن، واستهزاء من يستهزئ. والله - عز وجل - عليم بخواص مخلوقاته، وما فيها من الدّاء والدواء، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬3). إنّ المرء ليعجب من المنهجيّة التي يسلكها بعض النّصارى حيال النصوص الإسلاميّة -إن صحَّ أن تسمى منهجيّة- فإنّهم يُحمِّلون الدليل ما لا يحتمل، ويُلزمونه ما ليس بلازم. فقد رأى بعضهم أنّ هذا الإرشاد النبوي هو على سبيل الوجوب، وأنَّ على المسلم أن ¬
يغمس كامل هذه الحشرة ولو تيقن أنها طارت من محل قاذورات، ثم يتجرع هذا الشراب. إنّ الأمر في هذا الحديث للإرشاد لا للوجوب، وفيه رخصة وعزيمة، فمن قوي توكله على ربه وتصديقه خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يضره، وسلمت نفسه من النفور من ذلك؛ فإنْ فَعَلَهُ كان مأجوراً، وإنْ طَرح الشّراب بالكلية فلا حرج عليه. وأمّا استشكال أنْ تجمع هذه الحشرة النفع والضرّ في جسمها، فقد نقل ابن حجر عن الخطّابي (¬1) قوله: «تَكلم على هذا الحديث مَن لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب، وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء، وما ألجأه إلى ذلك، قلت وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإنَّ كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة، وقد ألَّف الله بينها وقَهَرها على الاجتماع وجَعل منها قُوى الحيوان، وإنّ الذي ألهم النَّحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النَّملة أنْ تدَّخر قوتها أوانَ حاجتها، وأنْ تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت؛ لَقَادر على إلهام الذبابة أنْ تقدم جناحاً وتؤخر آخر» (¬2). وهذا الحديث هو واحد من النصوص التي حكّم بعض النّاس فيها عقولهم فخلصوا إلى ردها، متجاهلين أنّ العقول يعتريها الخطأ والصّواب، وهي متفاوتة فلا يكون لتقديم أحدها على غيره حجة إلا كما لدى الآخر، فأي العقول نجعل حكماً (¬3)؟! الأمر الثّامن: وأمّا الاعتراض على حديث لعق الأصابع أو إلعاقها بعد الفراغ من الطعام، فيقال في إيضاحه ما يأتي: هذا الحديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى الشيخان وغيرهما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها) (¬4). ¬
أولُّ ما يرد به على هؤلاء أنّ الأمر في هذا الحديث على سبيل الإرشاد والاستحباب عند جمهور العلماء (¬1). وأمّا اللعق ففيه حِكَم، لعل من أهمها تحصيل بركة الطّعام، وهذا جاء مبيّناً في روايات أخرى، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإنّه لا يدري في أيِّ طعامه البركة) (¬2). وفيه دفع للكبر الذي هو داء مهلك للعبد، ولذا جاءت الشّريعة بأسباب دفعه، وتحصيل خلق التّواضع الذي يرفع صاحبه عند الله. وليس في اللعق شيء من الاستقذار، لأنّه يأتي عقب الفراغ من الطّعام، لا في أثنائه بحيث يعيد أصابعه في الطّعام وعليها أثر ريقه (¬3). قال الخطّابي - رحمه الله -: «عاب قومٌ أفسدَ عقلَهم الترفُّه فزعموا أنَّ لعق الأصابع مستقبح، كأنهم لم يعلموا أنَّ الطعام الذي علق بالأصابع أو الصَّحفة جزءٌ من أجزاء ما أكلوه، وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذراً لم يكن الجزء اليسير منه مستقذراً، وليس في ذلك أكبر من مصه أصابعه بباطن شفتيه، ولا يشك عاقل في أنَّه لا بأس بذلك، فقد يمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه ثم لم يقل أحد إنّ ذلك قذارة أو سوء أدب» (¬4). وأمّا الإلعاق فالمقصود به -كما قاله شُرّاح الحديث- أن يكون لمن يقبل ذلك ولا يستقذره كزوجة وولد ونحو ذلك (¬5). وخلاصة الأمر أنّ إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بلعق الأصابع أو إلعاقها عقب الطّعام هو على سبيل ¬
الحث والاستحباب، وذلك لتحصيل البركة ودفع دواعي الكبر، ولا يكون الإلعاق إلا لمن تيقن تقبُّله له وعدمَ استقذاره لذلك. ولو وُجد منصف من هؤلاء نظر إلى هذا الحديث فرأى فيه أمراً متشابهاً، لعدل عنه إلى ما لا يحصى كثرةً من النصوص في كتاب الله وسنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الدّاعية إلى نظافة المسلم وطهارته حسيًّا ومعنوياً. ويكفي في ذلك أنّ المسلم يتوضأ خمس مرات لصلواته في اليوم وجوباً، ويغتسل الجنب، وكذا الحائض والنفساء عقب الطهر وجوباً، ولا تقبل صلاة من كان في بدنه أو ثوبه أو البقعة التي يصلي عليها نجاسة، وإذا ولغ الكلب في الإناء وجب غسله سبع مرات إحداهنّ بالتراب، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشدة عذاب رجل كان لا يستنزه من البول، وأخبر أنّ الطهور شطر الإيمان، وأنّ الله جميل يحب الجمال، وأنّ على المسلم الاعتناء بخصال الفطرة وهي دائرة حول التنظف، وغير ذلك. والشّواهد على مراعاة الإسلام للذّوق السليم، والفطر المستقيمة، والطّباع السّويّة، لا تحصر، وفيما سبق بعض الإشارات لهذا. وبهذا يكتمل الحديث عن بيان وردِّ أبرز الشّبهات حول السّنّة، ويتبعه ما يتعلق بالشّبهات حول التشريع الإسلامي.
المبحث الرابع: أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي، والرد عليها
المبحث الرّابع: أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي، والرد عليها المطلب الأول: المقصود بالتّشريع الإسلامي أولاً: المعنى اللغوي التشريع مأخوذ من الفعل شَرَع. «والشّين والرّاء والعين أصلٌ واحد، وهو شيء يُفتح في امتدادٍ يكون فيه. ومن ذلك الشريعة، وهي مورد الشاربةِ الماء. واشتق من ذلك الشِّرعة في الدين، والشريعة. قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬1). وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (¬2)» (¬3). قال صاحب لسان العرب: «والشريعة: ما سنّ الله من الدّين وأمر به، كالصّوم والصّلاة والحج والزّكاة وسائر أعمال البر» (¬4). والتقارب بين المعنى الأصلي في اللغة، والمعنى المراد في الدين؛ واضح جليّ، فإنّ الشريعة هي مورد الأحكام الذي يَستقي منه كل مسلم ما ينظم علاقته بربه، وبباقي البشر والمخلوقات. ثانياً: المعنى الاصطلاحي عُرِّف التشريع الإسلامي بأنّه: «ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق ¬
والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة، لتنظيم علاقة النّاس بربهم، وعلاقاتهم بعضهم البعض، وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة» (¬1). وعُرِّف بأنّه: «كل ما شرعه الله سبحانه وتعالى من أمر أو نهي، أو شرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما سنّه الخلفاء الرّاشدون، وكذلك ما أجمع عليه علماء المسلمين ومجتهدوهم، وما توصلوا إليه بالاجتهاد» (¬2). وعُرِّف بأنّه: «الوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه عليه الصلاة والسّلام ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، وهو كتاب الله .. وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). والتّعريفات السّابقة متقاربة، إذ يُفصِّل بعضها في مصدر التشريع، أو أنواعه، أو غاياته أو غير ذلك. ويمكن جمعها في أنّ التشريع الإسلامي هو ما شرعه الله تعالى للأمّة المحمديّة. على أنّ البعض يدرج الأمور العقديّة ضمن هذا المسمّى، وربما أخرجها بعضهم. والظّاهر أنّ هذا الاسم هو من قبيل المفردات التي إذا اجتمعت افترقت في المعنى، وإذا افترقت شملت إحداها معنى الأخرى، كما هو الحال في الإسلام والإيمان، والبر والتّقوى، والفقير والمسكين، ونحو ذلك. فيكون إطلاق العقيدة على الأمور القلبيّة، والشّريعة على الأحكام الظّاهرة كالعبادات والمعاملات والأخلاق ونحوها. وإن افترق اللفظان شمل أحدهما ما يدل عليه الآخر. بيد أننّا في هذا المبحث نعني بالشريعة ما تنفرد به من أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق والنّظم. وقد امتازت الشّريعة الإسلاميّة بما لم يجتمع في غيرها، فإنّها كاملةٌ خالية من كل نقص، شاملةٌ لم تفرط في شيء، عادلةٌ لا ظلم فيها، ميسرةٌ لا حرج فيها، حكيمةٌ في سائر شؤونها، ¬
المطلب الثاني: أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي
خالدةٌ دائمةٌ لأنّها خَتْمُ الشّرائع السّماويّة، واقعيّةٌ في نظرها لحاجات الرّوح والجسد، معصومةٌ صادقةٌ؛ لعصمة وصدق مصدرها (¬1). ومع كلِّ هذه المزايا إلا أنّه نالها نصيب كبير من الهجوم، والطّعن، والتّشكيك. وهو ما سيتناوله البحث في المطلب التّالي. المطلب الثاني: أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي تشهد ساحة الخدمات التفاعليّة عملاً دؤوباً ضخماً لمحاربة الإسلام، والصّدّ عنه، وتشويه كل معالمه. ويكاد يجزم الباحث في هذا الجانب أنّه لم يبق في الإسلام شيء سالمٌ من الشبهة، نقيٌّ من الطعن، في هذه المنافذ. إلا أنّ هناك تركيزاً على أمورٍ أكثر من غيرها. ولعل من أبرز الشّبه المثارة حول الجوانب التّشريعيّة ما يلي: الشبهة الأولى: أنّ الإسلام صاغ علاقة أتباعه بالأمم الأخرى على أساس القتال، والإرهاب، والإرعاب، والإذلال. وأنّ هذه المعاني كُرِّست بالتأكيد عليها في نصوص كثيرة من كتاب الله، وسنّة نبيه. فمن ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (¬2). وقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا ¬
تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (¬1). وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (¬2). وحديث: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) (¬3). وحديث: (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبيُّ يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) (¬4). وحديث: (لا تبدؤوا اليهود ولا النّصارى بالسَّلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه) (¬5). وقول عمر - رضي الله عنه -: "لا تُؤَمِّنوهم وقد خوَّنهم الله، ولا تُقَرِّبوهم وقد أبعدهم الله، ولا ¬
المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه
تُعِزُّوهم وقد أذلَّهم الله" (¬1). الشبهة الثانية: أنّ شريعة الجهاد في الإسلام شريعة عدوانيّة إرهابيّة، تهدف لإبادة المخالف في العقيدة، واستحلال ماله، واسترقاق نسائه، واستعباد ذريّته. وهذا الشيء هو الذي يفسر العمليات العدوانيّة (الإرهابيّة) التي قام بها مجموعة من المسلمين، مدفوعين بما وعدوا به إذا استشهدوا، فهاجموا المدنيين في دور العبادة كما في كنيسة القديسَين في مصر، وكنيسة العذراء في العراق، وفي مراكز المال والاقتصاد كما في حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م. وهو الشيء المفسر أيضاً لسرعة انتشار الإسلام بعد ظهور الدّعوة المحمديّة. الشبهة الثالثة: أنّ الحدود في الإسلام هي ضربٌ آخرُ من السِّمة الإرهابيّة في التشريع الإسلامي. ومن ذلك القتل كما في القصاص، وقطع الأطراف كما في حد السرقة والحرابة، والرّمي بالحجارة حتّى الموت للزّاني المحصن، والجلد لشارب الخمر والقاذف وسائر التعزيرات، وغير ذلك من صنوف الحدود والعقوبات. المطلب الثالث: المناهج المتبعة في طرح هذه الشبه تتعدد الطرق التي يتبعها المنصرون في طرح شبهاتهم وجدلياتهم حول جوانب التشريع الإسلامي. وقد سبق في المباحث الثلاثة من هذا الفصل ذكر طرق مشتركة بين هذا المبحث وما سبقه، ويمكن أن نضيف هنا من الطرق ما يلي: أولاً: الاستفادة من إمكانات التصوير المرئي المتحرك (الفيديو). وذلك من خلال عرض مشاهد إقامة الحدود في بعض بلدان الإسلام، والتي ساعدت جوانب التقنية في نشرها على نطاق واسع، مع انتشار آلات الاتصال المحمولة، المزودة بإمكانية التصوير الثابت والمتحرك، ¬
ومن ثمّ نشرها على مواقع الشبكات الاجتماعيّة، ومواقع تشارك الملفات، من خلال جهاز الاتصال نفسه. إنَّ نَشْرَ هذه المشاهد قد يحدث أثراً سلبيّاً في نفس المتلقِّي، ولا سيّما إن كان لا يدين بالإسلام، فإنّه رُبَّما نَفَرَ من هذا التشريع الذي يحمل في ظاهره أشد أنواع القسوة والدّمويّة. وفي غمرة صدمة النفس ونُفرتها يأتي تعزيز تبغيض الإسلام من خلال التعليقات الصّوتيّة أو الكتابيّة التي تضاف إلى هذا الملف المرئي، فتعطيه تأثيراً أقوى. ولك أنْ تتخيل ذلك الرّأس الذي يُبان عن الجسد، وتلك اليد التي تُبتر من مفصل الكف، وتلك المرأة التي تُرمى بالحجارة فيفضخ رأسها، وتكسر عظامها، وقد دفنت في حفرة لا تستطيع الفكاك منها. ومثلها صور جلد الزاني غير المحصن، أو القاذف، أو شارب الخمر، وهو يئن من لهيب السياط على بدنه، ويصيح من ألم الجلد. ثانياً: إنشاء المقارنات بين الإسلام والنصرانيّة في بعض الجوانب التشريعيّة على كيفيّاتٍ تظهر جمال النصرانيّة وقبح الإسلام. ففي الملفات المرئيّة -المتحدث عنها آنفاً- يقارَن بين حال هذه المرأة التي يُنقل مشهد إعدامها رجماً بالحجارة، أو جلدِها مائة جلدة، مع استحضار قصّة تلك المرأة التي أتت الفعل نفسه، إلا أنّ المسيح قال لها اذهبي، ووبَّخ تلامذته المندفعين لرجمها، مذكراً إياهم أنّه لا يوجد منهم من هو نقيُّ من الأخطاء (مَن كان منكم بلا خطيئةٍ فليكن أوَّلَ من يرميها بحجر) (¬1). وهكذا تُرسخ في نفس المتلقي صورةٌ ذهنيّة ملؤها الرّحمة والعفو والسّلامة والحياة في النصرانيّة، مقابل القسوة والعقاب والألم والموت في الإسلام. ثالثاً: محاولة إقناع المسلمين بخطأ تشريعاتهم، من خلال المجادلات العقليّة التي يَظهر ¬
لأول وهلة موافقتها للمنطق السليم، إلا أنّه عند التأمل ينكشف ما فيها من تدليس. من ذلك على سبيل المثال، تساؤل بعضهم -في إحدى غرف النقاش المباشر- كيف سيكون حال المسلمين لو طبقت الدول النصرانية معهم مبدأ الجهاد كما هو في الإسلام، فخيرتهم بين التنصر، أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، أو القتال. وإذا آل الحال إلى القتال، فقد تحصلُ -وفق سنن الله الكونيّة، ولما تتميز به الدول النصرانية من تفوق في الآلة الحربيّة- مجازرُ تُسفك فيها دماء المسلمين، ويُستولى على أموالهم، وتُساق نساؤُهم سبايا يُنكحن من العلوج، وولدانُهم عبيداً يخدمن نساءَ النصرانيّات وولدانهَم في البيوت. وفي غمرة صدمة المتلقي المسلم لهذا الطّرح، يستمر المنصر في إرسال أفكاره، فيوضح أنّ الرّادع الذي يحول دون حدوث ما سبق؛ أنّ الدين النصراني دين تسامح وسلام وتعايش ومحبّة وإقناع، ولهذا كان الأكثرَ أتباعاً، وكان انتشاره بسيف المحبّة والإقناع (¬1). وبهذا قد يخرج المسلم من هذا الطرح بشبهة علقت في قلبه، وتشكك حيال فريضة هي ذروة سنام الإسلام. رابعاً: عرض الأفلام السينمائيّة المنتجة عن واقع تطبيق الشرائع في بعض البلاد الإسلاميّة. تلك الأفلام التي حازت -لسبب أو لآخر- على جوائز عالميّة، كفيلم "أسامة"، الذي يتحدث عن واقع المرأة في المجتمع الأفغاني إبّان حكم "طالبان" (¬2). ¬
المطلب الرابع: الرد على الشبه
المطلب الرابع: الرد على الشبه يمكن الرد على جدليات النّصارى حول الجوانب التّشريعيّة بشكلٍ مجملٍ، وآخرَ مُفَصّل. المسألة الأولى: الرد المجمل، ويقال فيه ما يلي: إذا سلّم المناقَش بالردود التي سيقت في المباحث الثلاثة المتقدمة في هذا الفصل، فأقر بأنّ القرآنَ الكريم كتابُ الله المنزل، ومحمداً - صلى الله عليه وسلم - نبيُّ الله المرسل، والسّنّةَ وحيٌ ثان، فإنّ هذا يستلزم التسليم بكل جوانب التشريع الإسلامي؛ إذ هي مستمدة من الوحيين، مبلغة بواسطة النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -. وعندها لا يكون لاعتراض معترض على شيء منها حظ من النّظر. وأمّا إذا لم يسلم بذلك -وهو الغالب- فيُسلك معه منهجُ الرد التفصيلي وفق الآتي. المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي: الفرع الأول: الرد على الشبهة الأولى خلاصة هذه الشّبهة قولهم أنّ الإسلام دين قام على معاداة الأمم الأخرى، وإرهابها، وتخويفها، وإذلالها، ثمّ كرّس هذه المعاني في الكتاب والسّنّة. أول الأسئلة المهمة هنا هي التساؤل عن سمة العلاقة بين المسلمين وغيرهم، أهي قائمة على الحرب، أم على السلم؟ درس الباحث عبد الله الطريقي هذه المسألة باستفاضة في رسالته لدرجة الدكتوراه، وخلُص إلى أنّ علماء الإسلام انقسموا في إجابة هذا السؤال إلى قسمين، ولكلٍّ أدلته. فرأى الجمهور أنّ الأصلَ في علاقة المسلمين مع من عداهم الحربُ حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية. ورأى آخرون أنّ الأصل السلم، ولا يصار إلى الحرب إلا عند الضرورة، بأن يعتدى
على المسلمين، فيجب عليهم صد العدوان عن أنفسهم وبلادهم. ثم قال الباحث بعد استعراض أدلة الفريقين: «وبالمقارنة بين الأدلة يبدو أنَّ ثمة تقارباً في قوة كل منهما وضعفه، الأمر الذي يجعل ترجيح أحدهما عسيراً» (¬1). ثم رأى في ترجيحه التفصيل في الأمر، بحيث تكون العلاقة سلميّةً قبل بلوغ الدعوة وأثناءها، وفي حالة التجاوب معها. وتكون حربيّةً إذا بلغت الكفارَ الدعوةُ فوقفوا منها موقف العداء والعناد والصّدّ (¬2). ولعلّ هذا هو الأقرب لأنّ المقصود الأعلى من جهاد الطلب إبلاغ الدعوة، وإزالة ما يحول بين المسلمين وإيصالَ رسالة الدين إلى العالمين (¬3). ولأنّ مجردَ الكفر ليس موجباً للقتل بل مبيحاً له، بدليل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الكفار من النساء والولدان والشيوخ الكبار والرهبان والعبّاد. والأصلُ أنّ الدماءَ معصومةٌ محفوظة، لا تزهق لمجردِ المخالفةِ في المعتقد. وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن يدعوهم، ولم يرسل معه جيشاً. ولم يُعهد أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أجبر أحداً على الإسلام، وقد كان يساكنه في المدينة اليهود، فيتعامل معهم بالبيع والشراء، ويجيب دعواتهم، ويأكل من طعامهم، ويعود مرضاهم. ثم وفد عليه وفد نصارى نجران فجادلهم ولم يكرههم على الإسلام، بل ترك لهم حرية التدين، وإدارة شؤون كنائسهم، مع التزامهم بدفع الجزية لقاء حماية المسلمين لهم، حيث لا مجال لمشاركتهم في مهام الدفاع عن ديار المسلمين التي يعيشون فيها. ولم يُعهد كذلك عن الصحابة ولا التابعين أن أجبروا أحداً في فتوحاتهم على الإسلام، بل يُترك الكتابيُّ على دينه، ويُلزم دفعَ الجزية. ¬
ثم إنّ الآيات والأحاديث دلّت على بقاء الكفر في الأرض إلى قرب قيام السّاعة حين ينزل عيسى بن مريم - عليه السلام -، فكانت المساعي لإبادة الكفر وأهله خلاف سنّة الله القدريّة. ويكفي في هذا قول الباري - جل جلاله -: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬1). إنّ الأمة الإسلامية هي في هويتها الأصليّة أمّة عقيدة ودعوة، وهذه الدّعوة إلى العقيدة هي مِلاك صلتها بالأمم الأخرى، تلك الصلة القائمة على منهج متكامل؛ القتالُ أحدُ عناصره الدّائرة مع مصلحة الدّعوة وجوداً وعدماً (¬2). ومن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله، لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه (¬3). وأمّا النصوص التي استدل بها أصحاب هذه الشبهة لتشويه صورة الإسلام، وتنفير النّاس منه، باعتباره -وفق رؤيتهم- دينٌ يحث أتباعه على إهانة المخالفين وإذلالهم، وإرهابهم وتخويفهم، إلى أن يتحقق المقصود الأهم وهو قتلهم وإبادتهم، فالجواب عنها يحتاج إلى بسط، وذلك في النقاط التّالية. أولاً: المقصود بالصّغار في آية التّوبة هو جريان أحكام الإسلام على أهل الكتاب إذا قوتلوا فأبوا الدّخول في الإسلام. ذلك أنّ الأرضَ أرضُ الله، والإسلامَ دينُه، والعزةَ لله ولرسوله وللمؤمنين. ومردُّ هذه العزة لا لاعتبار عنصري أو غيره، وإنما المحك اتباع شرع الله تعالى. فلو اتبعه نصرانيٌّ أو يهوديٌّ أو وثنيٌّ أو غير ذلك؛ كان من جملة المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، لا فرق إلا بالتّقوى. ¬
وقد ورد في بعض التّفاسير صورٌ من الإذلال والإهانة والتحقير، إلا أنّ هذه الأقوالَ ضعيفة، لا يسندها دليل صريح في الكتاب أو السنّة. فالرّاجح في معنى الصّغار هو جريانُ أحكام الإسلام عليهم، وإلزامُهم تسليم الجزية بأيديهم لا أنْ يرسلوا بها غيرهم، ليتحقق إقرارهم الفعلي بعلو الإسلام على ما عداه من الأديان. وهذا المعنى هو الذي رجحه كبار المحققين، وهو المتوافق مع تعاليم الإسلام وأخلاقه الرّفيعة (¬1). قال ابن القيم - رحمه الله - -بعد أن ذكر روايات صنوف الإهانة والإذلال-: «وهذا كله مما لا دليل عليه، ولا هو مقتضى الآية، ولا نُقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن الصّحابة أنهم فعلوا ذلك. والصّوابُ في الآية أنّ الصّغار هو التزامهم لجريان أحكام الملّة عليهم، وإعطاء الجزية، فإنّ التزام ذلك هو الصّغار» (¬2). ثم إنّ في قصةِ وفدِ نصارى نجرانَ ما يُبين الهدي النبوي في التعامل مع أهل الكتاب، وليس فيه شيء من معاني الصغار غير ما تقدم ترجيحه. فقد كتب لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاباً أنهم آمنون على أنفسهم، وملّتهم، وأرضهم، وأموالهم، وأنّ الإسلام لا يغير شيئاً مما كانوا عليه، فلا يتدخل في توليةِ أو عزلِ راهب أو أسقف، ولا يعاقب أحداً بظلم غيره. ثم أرسل معهم أبا عبيدة - رضي الله عنه - (¬3) لأخذ الجزية منهم، ولم يأمره بشيء فيه تحقير أو إهانة ¬
لهم (¬1). والمتأمل في هذه الآية التي استدلوا بها يجد أنّ قتالَ الكفار وإبادَتهم ليس غايةً في الإسلام، إذ لو كان كذلك ما اكتفي بأخذ الجزية من أهل الكتاب وتركهم على دينهم. ثانياً: وأمّا آيات سورة البقرة، من قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}، فإنّ الموردين لهذه الشّبهة يجتزئون هذا المقطع ليصوروا للسّامع حثّ الإسلام على قتل المخالفين في الدين أيًّا كانوا، في كل مكان وزمان، وفي كلِّ الأحوال. كما يصورون أنّ سفك دماء الكفار، وإبانة رقابهم عن أجسادهم، غايةٌ يحث الإسلامُ أتباعَه على تحقيقها. والأمر فيه من التدليس والخداع ما يَبين للمتأملِ الطالبِ للحق. فإنّ هذه الآياتِ نزلت في مشركي قريش، بدلالة قوله تعالى: {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}، فقد أخرجوا المسلمين من ديارهم في مكة، ووقفوا منهم موقف الحرب، فحث الله تعالى عباده على مقاتلة هؤلاء في كل مكان عدا المسجد الحرام ما لم يبدأ الكفار بالقتال فيه. ومع هذا فقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات أنّ المقصود من القتال في سبيله ليس سفك الدماء وأخذ الأموال، بل إظهارُ دين الله تعالى على سائر الأديان، ودفعُ كل ما يعارضه من الشرك وغيره، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال (¬2). ثم إنّ من يورد هذه الشبهة يتعامى عن الآية التي سبقت هذه الآيات، وهي قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (¬3). ففي هذه الآية بيانٌ لأخلاقيّات الجهاد الإسلامي، وذلك في اقتصاره على مقاتلة من ¬
يقاتل، دون غيره ممن لا يستحق القتل كالنساء والصبيان والشيوخ والعُبّاد، وغيرهم ممن لا يشترك في القتال، فإنّ التعرض لهم يعد اعتداءً. ويدخل في الاعتداء، مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها، فإنّ ذلك لا يجوز (¬1). وبهذا يتضح المقصود من الآيات، وينكشف التدليس. ثالثاً: وأمّا آية الأنفال، فقد اجتزأها بعض المستدلين بها عن سياقها، واكتفى بعضهم بمفردة واحدة منها هي كلمة (تُرهبون)، ثم بنوا على ذلك أنّ الإسلام دين إرهاب، مستفيدين من شيوع هذه الكلمة في السّنوات الأخيرة، وإنكارِ العامّة لها لما غرس في العقول من ربط بينها وبين فئام من المسلمين يعتدون على الآمنين قتلاً وترويعاً. إنّ المتأمل لسياق الآية وما قبلها وما بعدها يتضح له أنّها نزلت في حق الكفار المحاربين. فيأمر الله تعالى المؤمنين أن يعدوا لأعدائهم الكفار الساعين في هلاكهم وإبطال دينهم؛ كلَّ ما يقدرون عليه من القوّة العقلية، والبدنية، وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم (¬2). وأمّا غير المحارب فلا يدخل في هذا، بدليل الآية التي بعدها، حيث يأمر الله تعالى نبيّه - صلى الله عليه وسلم -؛ متى مال الكفار المحاربون إلى الصلح وترك القتال، أن يجيبهم إلى ما طلبوا، متوكلاً على ربه (¬3). قال الشيخ ابن سعدي في فوائد إجابة الكفار إلى الصلح عند أمن غدرهم: «ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضاً، وتمكن كلٌّ من معرفة ما عليه الآخر، فإنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنّه لا ¬
جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له» (¬1). وبهذا يتضح كمالُ الإسلام، وعدلُه، وسماحتُه، وشمولُ أحكامه لسائر الحالات من حرب أو سلم. رابعاً: وأمّا حديث (أمرت أن أقاتل النّاس) فهو حديث صحيح، إلا أنّه ليس على عمومه، لورود أدلة أخرى تعارض العموم. وقد أجيب عن التعارض الظاهر بإجابات منها: احتمال نسخ الحديث بالآية التّاسعة والعشرين من سورة التّوبة. ومنها أنّ المراد بالنّاس؛ المشركون والوثنيون دون أهل الكتاب، فيكونُ من باب العام الذي يراد به الخاص. ومنها أنّ المقصود بالقتال؛ نفسُه أو ما يقومُ مقامه كالجزية والصلح. ومنها -وقد استحسنه ابن حجر- أنّ الغرض من ضرب الجزية إلجاء الكفار إلى الإسلام، وسببُ السببِ سببٌ، فكأنّه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا بما يؤديهم إلى الإسلام (¬2). خامساً: وأمّا استدلالهم بحديث (أعطيت خمساً)، وفيه النّصر بالرعب، فمرده جهلهم بالكتاب الذي يقدسونه. فإنّ فيه شواهدَ كثيرةً تُبين أنّ الله ينصر أولياءه بإلقاء الرّعب في قلوب أعدائهم. ومن ذلك النّصّ التّالي من سفر الخروج: (مَن مِثلك بين الآلهة يا رب؟ مَن مِثلك معتزاً في القداسة مخوفاً بالتّسابيح صانعاً عجائب؟، تمد يمينَك فتبتلعهم الأرض، تُرشد برأفتك الشعبَ الذي فديته، تهديه بقوتك إلى مَسكن قدسك، يسمعُ الشعوبُ فيرتعدون، تأخذُ الرعدة سكانَ فلسطين، حينئذ يندهش أمراء أدوم، أقوياءُ مواب تأخذهم الرجفة، يذوبُ ¬
جميعُ سكان كنعان) (¬1). وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نصر بالرّعب مسيرة شهر على المعادين لدين الله تعالى، فإنّ هذه العقوبة قد سلطت على بني إسرائيل لسنوات، كما في نص المزامير: (فأَفنى أيامَهم بالباطل وسنيَّهم بالرعب) (¬2). والأمر على كل حال كرامة ثابتة لأولياء الله، وعقوبة ثابتة في حق أعداء الله. وقد ورد الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من غزوة تبوك وقد نصره الله على الرّوم بالرّعب فجبنوا عن ملاقاته (¬3). سادساً: وأمّا حديث (فاضطروهم إلى أضيقه)، فهو صورة أخرى لما سبق ذكره من أنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين القائمين بشرعه أيًّا كانوا. فمن آمن واتبع كان حقيقاً بالإكرام والاحترام، ومن كفر لم يكن أهلاً لشيء من ذلك. فلا يُكرم الكافر بأن يُبدأ بالسّلام، أو يترك له وسط الطريق، ولكنْ متى سلّم شُرع الرّد عليه، وقد اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلّموا، ولكنْ بعبارة (وعليكم) (¬4). وليس في هذا الحديث تشريع لإيذاء غير المسلم والاعتداء عليه. ولذا يقول القرطبي في شرح هذا الحديث: «معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيِّق إكراماً لهم واحتراماً، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى، وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حَرَفِه حتى يضيق عليهم، لأنّ ذلك أذى ¬
لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب» (¬1). سابعاً: وأمّا الأثر المذكور عن عمر - رضي الله عنه -، فإنّ الذين يوردونه من النّصارى يسلكون به مسلك التعميم؛ كعادتهم. فيصورون للسّامع أنّ هذا الخليفة الرّاشد، الذي يفهم حقيقة تعاليم الإسلام، يدعو إلى إهانة وتحقير وإذلال النّصارى. وحقيقة الأمر خلاف ذلك، فإنّ أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - اتخذ كاتباً نصرانيًّا، زمن ولاية عمر - رضي الله عنه -، فأمره بعزله وتولية كاتب مؤمن. وما ذلك إلا لأنّ هذا العمل له أهميته وخطورته. قال الشيخ صالح الفوزان (¬2) - معلقاً على هذا الأثر وغيره-: «ومن هذه النصوص يتبيَّن لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين التي يتمكَّنون بواسطتها من الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم» (¬3). وليس في الأمر شيء يتعلق بالعنصريّة أو غيرها، بل المسلمون -بفضل الله- لديهم الميزان الواضح الذي يَفصل في الأمور، وهو كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا فإنّه في حادثة مشابهة، كتب عمر بن عبد العزيز (¬4) - رحمه الله - إلى أحد عمّاله الذين اتخذوا كاتباً نصرانيًّا: «أما بعد: فإنّه بلغني أنّ في عملك كاتباً نصرانياً يتصرف في مصالح الإسلام، والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا ¬
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1)، فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسّان بن زيد - يعني ذلك الكاتب - إلى الإسلام فإنْ أسلمَ فهو منا ونحن منه، وإن أبى فلا تستعن به ولا تتخذ أحداً على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين. فأسلم حسّان وحسن إسلامه) (¬2). الفرع الثاني: الرد على الشبهة الثانية خلاصة هذه الشبهة الطعنُ في أهداف فريضة الجهاد في الإسلام، والقولُ بأنها متلخصة في إبادة الكافر، واغتنام نسائه وولده وماله وأرضه. وقبل مناقشة هذه المقالة المتعلقة بأخلاقيّات الجهاد في الإسلام من حيث الغاية والأهداف؛ يحسن مناقشة أصل هذه الفريضة: هل هي ابتداع في الإسلام، أم امتداد للشرائع السّابقة؟ إذا قرأنا الكتاب النصراني المقدس وجدنا فيه أنّ الجهاد ضد الكفار فريضةٌ أوجبها الله على أنبياء بني إسرائيل، وذلك في نصوص كثيرة من سفر التثنية، وسفر الخروج، وغيرهما (¬3). وفي القرآن الكريم خبر حوار موسى - عليه السلام - مع قومه بعد امتنان الله عليهم بإهلاك فرعون وجنوده، وكيف أنّه رغّبهم في القيام بفريضة الجهاد، ليتمكنوا من دخول الأرض المقدسة، لكنّهم جبنوا فعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة. وفيه خبر طلب الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى أن يرسل لهم ملِكاً يقودهم لجهاد أعدائهم الكفار، فأرسل الله لهم طالوتَ، فجبنوا واعترضوا عليه، ولم يثبت منهم إلا القليل، وكان فيهم داوود - عليه السلام -، الذي قتل جالوتَ، فكُتب لهم النصر. ¬
وعلى هذا فإنّ هذه الشعيرة فرضت في الإسلام كما فرضت في اليهوديّة والنصرانيّة من قبل، فلا وجه للاعتراض على أصل وجودها. ثم الأمر الثاني الذي نناقشه هنا، الفرق بين أخلاقيّات الجهاد في الإسلام، وفيما سبقه من الأديان، مع التّركيز على اليهوديّة والنّصرانيّة وفق ما جاء في الكتاب المقدّس. لقد أمر الله نبيه في الكتاب المقدس أن يعاملَ ستَّ قبائلَ بقتل كلِّ حيٍّ منهم بحد السّيف، ذكراً كان أم أنثى، كبيراً كان أم طفلا، بما يسمى في عرف النّاس اليوم الإبادة الجماعيّة (¬1). وأمّا باقي القبائل فيدعون إلى الصلح والطّاعة ودفع الجزية، فإن لم يذعنوا وجب جهادهم، وقتلُ كل ذكورهم، وسبيُ النساء والأطفال، ونهبُ الدواب والأموال، وتوزيعُها على المجاهدين. يقول النص في الكتاب المقدس: (وإذا تقدمتَ إلى مدينةٍ لتقاتلها، فادعها أولاً إلى السِّلم، فإذا أجابتك بالسلم وفَتحت لك أبوابَها، فكلُّ القومِ الذي فيها يكونُ لك تحت السُّخرة ويخدِمك. وإن لم تسالمك، بل حاربتك، فحاصرتها، وأسلمها الربُّ إلهُك إلى يدك، فاضرب كلَّ ذكرٍ بحد السيف. وأما النساءُ والأطفالُ والبهائمُ وجميعُ ما في المدينة من غنيمة، فاغتنمها لنفسك، وكُلْ غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك إياها. هكذا تصنع بجميع المدن البعيدة منك جداً والتي ليست من مدن تلك الأمم هنا. وأما مدنُ تلك الشعوب التي يعطيك الربُّ إلهُك إياها ميراثاً، فلا تستبقِ منها نسمة، بل حرمهم تحريماً: الحِّثيين والأمُّوريين والكنعانيين والفَرِزِّيين والحُوِّيين واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك) (¬2). وفي نص العدد 33: 51 - 56، يأمر الله بني إسرائيل إذا تجاوزوا نهر الأردن أن يبيدوا كل سكّان الأرض، ويدمروا دور عبادتهم، ويكسروا أصنامهم. وهذا أيضاً شكل من ¬
أشكال الإبادة الجماعيّة للمخالفين في الدين، مع إفناء معبوداتهم ودور العبادة. وقد رجح بعض الباحثين أنّ هذا العدد الذي أبيد يقرب من الثمانين مليوناً (¬1). ثم في سفر التثنية13: 1 - 16 توجيهٌ بقتل الكفار مع دوابهم بحد السّيف، وحرق قراهم وأمتعتهم وأموالهم بالنّار. وهكذا فالتشريع الجهادي في العهد القديم مرعب، لا يعرف الرحمة، فهو يوجه بما يسمى اليوم الإبادة الجماعية والأرض المحروقة، ولا يستثني طفلاً أو امرأة أو شيخاً كبيراً، أو دار عبادة، بل يشمل حتى الدوابَّ والعجماوات. وفي أحايين قليلة ينزل إلى مرتبة إبادة الذكور، واستبقاء النساء والأطفال للاستعباد. وفي أجمل حالاته يقبل الصلح مع الإلزام بدفع الجزية (¬2). وفي مقابل ذلك كانت غايات الجهاد في الإسلام، قمةً في الأهداف والأخلاقيّات. فالمقصود من الجهاد؛ طلباً كان أو دفعاً، تبليغ دين الله، ودعوة النّاس إليه، وإخراجهم من الظّلمات إلى النور، وإعلاء دين الله في أرضه، وأن يكون الدين كله لله (¬3). وفي معركة القادسيّة حاور قائدُ الفرس المغيرةَ بن شعبة - رضي الله عنه - (¬4) قائلاً: "إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا"، فقال له المغيرة: "إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة". ثم حاور ربعيَّ بن عامر - رضي الله عنه -، وسأله عن هدفهم من قتال الفرس، فقال له ربعي: "إنّ ¬
الله ابتعثنا لنخرج من شاء، من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نُفضي إلى موعود الله" (¬1). إنّ الجهاد في الإسلام هدفه تبليغ الدّعوةِ كلَّ الناس، وأن يكون العلو والظهور والغلبة لدين الله في أرضه، ثم لا يُكره أحدٌ على الدخول فيه، فإنّ الكفر باق إلى قيام السّاعة. والأصل في الإسلام عدم التشوف للقتال والقتل، ولذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم تمني لقاء العدو، وذلك حين تألبت الأحزاب لاجتياح المدينة، فقال: (أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف) (¬2). «لقد سبق الإسلامُ المدنيةَ المزعومة اليوم إلى سنِّ القوانين ووضع الضوابط التي تمنع الحروب والاقتتال ما أمكن، ثم إنْ وقعت واضطر المسلمون لخوض غمارها عني بكل ما من شأنه أن يُلطِّفَ من آثارها، ويحققَ ثمارها الداعمة للسّلام المستقبلي» (¬3). ولما كانت أهداف الجهاد في الإسلام سامية؛ فقد كانت الوسائل أخلاقيّة. فقد كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - ملوك عصره يدعوهم للإسلام، وتعهد بإبقاء من يسلم منهم في منصبه. وكان يتعامل مع رسل الملوك تعاملاً حسناً مع ما يبدر من بعضهم من تجاوز. وقد حرص على إبرام العقود والمصالحات القاضية بتغليب السلم وتجنب الحروب، وكان يلتزم بها ولا يخفرها. وكان يتثبت من الأخبار الواردة بنقض العهود مع بعض من عاهد، ثم ينبذ إليهم العهد إذا تيقن منهم نية الغدر. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أمّر أميراً على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه ¬
من المسلمين خيراً، ثم قال لهم: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإنْ أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إنْ فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإنْ أبوا أنْ يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أنْ يجاهدوا مع المسلمين، فإنْ هم أبوا فسلهم الجزية، فإنْ هم أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، فإنْ هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. ) (¬1). ولقد أمَر النبي - صلى الله عليه وسلم - جيوشه ألا يتعرضوا لمسالم، أو عسيف -وهو الأجير-، وألا يقتلوا امرأة أو طفلاً أو شيخاً كبيراً أو عابداً. ولذا لما رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه أنكر وغضب. ونهى عن التحريق بالنّار، وقال: (لا يعذِّب بالنّار إلا ربُّ النّار) (¬2)، بل غضب في إحدى مغازيه لما أخذ أحدُ الصحابة مِن عشِّ حمَّرةٍ بيضَها (¬3). وكان يوجب الكف عمن يظهر إسلامه، ولو كان نطقه للشهادتين -في أغلب الظن- تحرزاً من السيف وقد علاه، كما في قصة أسامةَ؛ حبِّه وابنِ حبِّه، حين كان يردد عليه: (أقتلته بعد أنْ قال لا إله إلا الله) (¬4). وبهذا العرض يتبين فرق ما بين الأخلاق الجهادية في الإسلام، وما في العهد القديم. ¬
والواقع التطبيقي كرّس هذه الفروق فإنّ المسلمين في فتوحاتهم كانوا قبل القتال يدعون النّاس إلى الدخول في دين الله، فإن أرادوا البقاء على أديانهم طولبوا بدفع الجزية. ثم كان الفاتحون يتمسكون بالإسلام، ويلتزمون به سلوكاً وعملاً وقولاً، ويُظهرون الفرح والتكبير إذا دخل كافر في الإسلام، ثم يحسنون معاملة أهل الذّمة، فيمكنونهم من البقاءِ على أديانهم، والاستمرارِ في ممارسة مهنهم وتجارتهم وفلاحتهم، مع إلغاء الامتيازات الطبقيّة، وتمكين كل صاحب حق من الحصول على حقه ولو كان خصمُه من المسلمين، بل لو كان أمير البلد. كل هذا جعل أهل البلاد المفتوحة يقبلون على الإسلام، وإن لم يدخلوا فيه؛ شهدوا شهادة الحق بسماحته وعدله (¬1). وأمّا النّصارى فكانت حروبهم على النقيض من ذلك، ولا سيما حروبهم الصليبيّة التي استمرت قرنين من الزمان، من سنة 490هـ إلى 690هـ، مدفوعةً بالنّزعة الصليبيّة بتحريض البابا أوربان الثاني، ومساعده بطرس النّاسك، ومتوجةً بمنح الجنود غفران الخطايا، وتعليقِهم الصليب الأحمر على الكتف الأيمن. فلما دخلت الجيوش الصليبية بلاد المسلمين قتلت في أنطاكيةَ قرابة مائة ألف مسلم، وفي القدسِ ما يربو عن سبعين ألف مسلم، وهدّمت المساجد، وحرّقت المصاحف، وانتهكت الأعراض، ولم يفرق النصراني الصليبي بين مقاتل أو مدني في العرف السياسي اليوم (¬2). وفي القرون الوسطى الأوروبية المظلمة أقامت الكنيسة الكاثوليكية محاكم التفتيش لإجبار النّاس على اعتناق الكاثوليكيّة، وفي حقيقة الأمر «لم يكن هناك جهد منظم من قِبَل أي ديانة للتحكم بالنّاس، ولاحتواء روحانياتهم أقوى من محاكم التّفتيش المسيحيّة .. التي ¬
حاولت إرعاب النّاس في سبيل الطّاعة» (¬1). وقد شملت هذه المحاكم المخالفين للكاثوليكيّة داخل الدائرة النصرانيّة، ثم امتدت خارجها لتشمل المسلمين واليهود، مجبرة الكل على الطّاعة أو التعرض لصنوف التقتيل والتعذيب دون إعطاء المتهم فرصةَ الدفاع عن نفسه، فضلاً عن أن يكون هناك أمل للعفو عنه. وقد شملت تلك الممارسات بعد سلب أموال المتهمين، التعذيبَ بالماء، والشويَ في أفران النّار، والرّميَ في حفرٍ مليئة بالأفاعي، وشقَّ البطون وإرسال الفئران لتحفر معدة المتهم ملحقة به آلاماً فظيعة، إلى غير ذلك من صنوف الرّعب والتنكيل (¬2). والذي يستعرض الاستيلاء النصراني الكاثوليكي على القارة الأمريكيّة يجد من فظائع القتل والتعذيب والإجرام ما تشيب له رؤوس الولدان. وكل ذلك ارتكب باسم التبشير، كما في شهادة الراهب الاسباني الكاثوليكي "لاس كازاس". يقول هذا الراّهب في شهادته: «لقد قتل المسيحيون كل هذه الأنفس البريئة، وفتكوا كل ذلك الفتك باسم الدين .. وكم من جرائم ارتكبوها باسم التبشير .. لقد ظل الأسبان طوال هذه السنين يكتبون، ويزعمون أنّ الله أرسلهم لفتح هذه البلاد التي كانت آمنة مطمئنة، وأنّ الله هو الذي نصرهم على هذه الأمم» (¬3). ثم يحكي كيف كان ينظر المسيحيون إلى الهنود الحمر لا كما ينظرون إلى الحيوانات، بل أقل قدراً، وكيف أنهم كانوا يُقَتَّلون قبل أن يُبَلَّغوا شيئاً عن المسيح (¬4)، وكيف نكَّل هؤلاء بسكان تلك البلاد بعد سرقة خيراتها، فبقروا بطون الحوامل، وأقاموا المشانق الجماعيّة، واغتصبوا النّساء، وكانوا يَقطعون أطراف الهندي ويرمونها للكلاب، أو يُرسلون عليهم الكلاب المفترسة تمزق أجسادهم، وربما انتزعوا الرضيع ورضخوا رأسه بالحجارة على مرأى ¬
من أمه، وربما أقاموا حفلات التحريق والشواء للهنود الحمر. ونتيجة لذلك لما دُعي زعيم قبيلة إلى التنصر ليكون مصيره الجنة، سأل عن هذه الجنّة إنْ كان بها مسيحيون، فلما قيل له نعم، قال: "إنني أفضل دخول النّار على أن ألتقي بهم في الجنّة .. أرسلوني إلى النّار" (¬1). هذا هو الفتح النصراني! فهل يقارن بالفتح الإسلامي الذي جعل بلداناً كثيرةً تدخل في الدين بدعوة شخص واحد، أو عدة أشخاص، لا يحملون إلا سلاح الإيمان والعقيدة في قلوبهم، والخلق الحسن في تعاملهم. الفرع الثالث: الرد على الشبهة الثالثة خلاصة هذه الشبهة الطعن في الحدود التشريعيّة في الإسلام، ووصفها بالقسوة والشدّة والبشاعة، وعدم توافقها مع احترام إنسانيّة المرء، في عصر سمت فيه مدركات البشر عن هذه العقوبات الوحشيّة إلى غيرها مما هو ألطف، كالسّجن أو الإلزام بأعمال تطوعيّة أو نحو ذلك، كما يقولون. لقد اتخذ كثير من النّصارى تلك المقولة مدخلاً للتّنفير من الإسلام، وتبغيضه في نفوس النّاس، مسلمهم وكافرهم. والحقّ أنَّ هذه العقوبات زاجرةٌ منفرةٌ من اقتراف ما رتب عليه من الجرائم، إلا أنّ هناك أسئلة رئيسيّة، متى نوقشت بتجرد؛ تبينت الحقائق وتكشفت. أوّلها: هل انفرد الإسلام بتقرير هذه الحدود دون ما سبقه من الأديان السّماوية؟ والثّاني: هل تتضمن هذه التشريعات حِكَماً تفوق ما فيها من قسوة؟ والثّالث: أليس في العقل الصحيح والمنطق المستقيم والفطرة النّقية دلالة على صحة إقامة الحدود؟ ¬
والرّابع: إذا كان المسيح - عليه السلام - يقول: (من ثمارهم تعرفونهم. أيُجنى من الشوكِ عنبٌ أو من العُلَّيْقِ تين؟) (¬1)؛ فلنقارن بين المجتمعات التي طبقت الحدود الإسلاميّة، وتلك التي لم تطبقها، ولننظر في النتائج. فأمّا السؤال الأول فقد كفانا الكتاب المقدس عند النّصارى -بوضعه الحالي- مؤونة الإجابة عليه. ففي العهد القديم منه تشريع إقامة حد القتل على الزاني (¬2) واللائط (¬3) ومن أتى بهيمة سواءً كان رجلاً أو امرأة (¬4). بل فيه قتل من سبّ أباه أو أمَّه (¬5)، أو تقرّب إلى جانّ (¬6). وإن كان الزنا من ابنة كاهن فإنّها تحرق بالنّار (¬7). كما يقام حدُّ القصاص؛ النَّفسُ بالنَّفس، والعينُ بالعين، والسِّنُّ بالسِّن، واليَدُ باليد، والرِّجلُ بالرِّجل، والحرْقُ بالحرق، والجُرح بالجُرح، والرَّضُّ بالرَّض (¬8). وأمّا المرتد فإنّه يرجم بالحجارة حتّى يموت (¬9)، أو يذبح كما ذبح النّبي إيليا في وادي قيشون أربعمائة وخمسين رجلاً عبدوا العجل (¬10). ¬
فعلى هؤلاء قبل أنْ يسألوا عن تفسير العقوبات الجسديّة في الإسلام أن يفسروا ما في العهد القديم من أمثالها (¬1). وعليهم أن يفسروا تفوقها في القسوة. فالقاتل العمد في الإسلام يجوز لأوليائه أن يعفوا عنه ويأخذوا الدية، أو القصاص مثل ما فعل بالمقتول. وأما الكتاب النصراني المقدس فإنّه يجازي القاتل بالقتل مع التمثيل بجثته، ولا يبيح العفو وأخذ الدّية (¬2). وإذا اعترض المجادل على هذه الإيرادات بأنّها من العهد القديم، وقد نسخه العهد الجديد، فإنّ الذي قال بالنّسخ "بولس"، وأمّا صاحب الرسالة عيسى - عليه السلام - فقد قال -كما في إنجيل متّى، 5: 17 - 19: (لا تظنوا أني جئتُ لأبطل الشريعة أو الأنبياء، ما جئتُ لأبطل، بل لأُكْمِل. الحقَّ أقول لكم: لن يزول حرفٌ أو نقطةٌ من الشريعة حتى يَتمَّ كلُّ شيء، أو تزولَ السماء والأرض. فمن خالف وصيةً من أصغرِ تلك الوصايا وعَلَّم الناس أن يفعلوا مثله، عُدَّ الصغيرَ في ملكوت السموات. وأما الذي يعملُ بها ويعلِّمها فذاكَ يُعَدُّ كبيراً في ملكوت السموات). فإن كانوا على دين "بولس" فليعترضوا، وإن كانوا أتباعاً للمسيح فيلزمهم كل ما في النّاموس، وهو شريعة موسى - عليه السلام -. وتتمة النص السّابق من إنجيل متّى توضح هذا، فإنّ المسيح يقرر ما في التوراة من أحكام القصاص من القاتل، وتحريم الزنا، وتحريم أخذ أموال الغير بغير حق، والقصاص في الأعضاء؛ العين بالعين والسن بالسن، وغير ذلك. ثم يضيف عليها المسيح مفاهيم أوسع، مع الإبقاء على أصل الأحكام (¬3). ¬
وأمّا إجابة السؤال الثّاني فتحتاج إلى بحوث ورسائل مستقلة، وقد كُتب فيها في القديم والحديث، ولكنْ لعل من اللازم هنا ذكر ومضات وخلاصات في هذا الشأن، وذلك في النقاط التالية. أولاً: إنّ العقوبات المقررة في الإسلام تتلاءم مع المخالفات المرصودة لها، فيكون التخفيف فيما يقل ضرره وينحصر، والتشديد في المخالفات الخطرة، التي يؤدي التساهل فيها إلى انهيار الأخلاق، وفساد المجتمعات، ويتعدى ضررها إلى الأفراد والجماعات. وهذا ما لا نجده في عقوبات الكتاب المقدس، حين يقرر -مثلاً- قتل من سبّ أحد والديه، أو تقرب للجان، أو يوجب قطع يد المرأة التي تمسك بعورة من يخاصم زوجها (¬1)! ثانياً: إنّ الذي شرّع الحدود في الإسلام هو عالم الغيب والشّهادة، الخبير بمسالك النّفوس ودروبها، فجاءت لحكم عظيمة، منها الرّحمة بالمذنب حين يكون الحد كفّارة لما اقترف، والرحمة بالمجتمع حيث يسوده بتطبيق الحدود الأمن والبركة (¬2). ثالثاً: الحدود في الإسلام محاطةٌ سلفاً بأسوار الوقاية، قبل أن تكون مُتبَعةً بأسواط العقوبة. «وقاعدة التشريع التي لا تنخرم؛ أنّ الله سبحانه وتعالى إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والدّوافع الموصلة إليه، سدّاً للذريعة، وكفّاً عن الوقوع في حمى الله ومحارمه، ليعيش في مجتمع مملوء بالإباء والشّمم، عن كافّة الرّذائل والطرائق الموصلة إليها» (¬3). ففي الزنا -مثلاً- هناك وجوه من سدّ الذرائع، هي بمثابة الأحراز والحواجز بين المسلم والوصول لهذه الجريمة الأخلاقيّة؛ عدّ بعض المحققين منها عشرة أوجه (¬4). ¬
وهكذا الحال مع باقي المعاصي المرتَّب عليها حدودٌ شرعية. وتفصيل هذا الأمر يحتاج لبحث مستقل. رابعاً: ليست العقوبة في الإسلام غايةً في ذاتها، بدليل درء الحدود بالشبهات، والحث على الاستتار بستر الله لمن وقع في شيء منها، وبيان فضل من ستر مسلماً. فالحدود المقدرة شرعاً تسقط ولا تقام عند وجود شبهة أو التباس بالفعل أو المحل، شريطة أنْ تكون الشّبهةُ قويةً، وأن لا تكون في حقوق العباد (¬1). ومن وقع في شيء منها فتاب واستتر بستر الله كُفِي، بنص قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله, فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) (¬2). وقد جاء الحث على ستر المسلم، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة) (¬3). خامساً: يوفر الإسلام للمتهم الضمانات الكافية بحيث لا يؤخذ بشيء لا يستحق المؤاخذة عليه، أو لم يثبت عليه ثبوتاً قطعيًّا. فلا يجوز تطبيق الحدّ إلا إذا كان مرتكب الجريمة بالغاً عاقلاً عالماً بالتّحريم (¬4). وهناك من الضّوابط المشدّدة في إثبات هذه الجرائم على مرتكبيها ما يمنع وقوع الخطأ. ففي حالة الزنا -مثلاً- لا يقام الحد على الزّاني إلا إذا أقرّ به أربع مرات، أو شهد عليه أربعة شهود عدول رأوا فعل الزنا صريحاً بأم أعينهم. وهكذا باقي الحدود. ¬
وإذا انتقلنا إلى السؤال الثالث، فإنّ العقل والمنطق والفطرة تؤيد أحكام العقوبات المفروضة في الإسلام. فكيف تكون العقوبة عقوبةً إلا إذا كانت رادعة زاجرة؟! وكيف يُقبل من الطّبيب بتر عضو من جسد المريض لاستبقاء باقيه، ولا يقبل القصاص من القاتل لاستبقاء باقي المجتمع؟! وإذا كان الوالد يضرب ابنه لغرض التأديب فيُستحسن منه الفعل، فالحال نفسه مع جلد شارب الخمر، والقاذف، والزّاني غير المحصن، ونحو ذلك. وكيف يأمن النّاس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم إذا لم تقم الحدود؟! إنّ النّاظر إلى جريمة الزنا وما فيها من خلط الأنساب وإهلاك الحرث والنّسل، وفاحشة اللواط وما فيها من شذوذ واعتداء، وجريمة القذف وما ينتج عنها من تدنيس أعراض المسلمين وتلطيخ جانب الأبرياء وإشاعة الفحش في المجتمعات، وجريمة السُّكر وما ينتج عنها من إذهاب العقول ومقارفة المساوئ، وجريمة القتل والحرابة وما تذهبه من الأمن والاستقرار؛ ليحمد الله تعالى على ما شرّع من حدود وعقوبات زاجرة. إنّ الذي يشفق على القاتل من حد السيف، ويتعامى عن المقتول الذي فقد حياته، وخلّف وراءه زوجة قد ترمَّلت، وأبناءً قد تيتَّموا، وحرموا مصدر أنسهم وإعالتهم؛ إنّه لشخص قد جانب الصّواب، وتنكّب سبيل العدل والإنصاف. وأمّا التساؤل الرّابع فتجيب عنه الإحصاءات الرّقميّة. توضِّح جداول مقارنات الجرائم في موسوعة ويكيبيديا تضاعف أعداد جرائم القتل في البلدان النصرانيّة عنها في البلاد الإسلاميّة، وخصوصاً تلك التي تطبق الحدود الشرعيّة (¬1). والنّاظر في أعداد الجرائم في البلاد النّصرانيّة تهوله الأرقام. ففي الولايات المتحدة الأمريكيّة سقط أكثر من 666 ألف قتيل خلال ستة وثلاثين عاماً، من الفترة ما بين عام ¬
1960م إلى 1996م، وفي عام 2006م لوحده كانت هناك أكثر من سبعة عشر ألف جريمة قتل (¬1). وسجلت في تلك الدولة أكثر من تسعين ألف جريمة اغتصاب عام 2008م، هذا عدا الحالات التي لا يبلغ عنها، بحيث تشير الإحصاءات هناك إلى أنّ15 إلى 20% من النساء تعرضن لحالة اغتصاب واحدة على الأقل في حياتهن (¬2). وطبقاً لإحصاءات الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية فإنَّ معدل الجرائم لديها كان: وقوع جريمةِ سرقةٍ عاديةٍ كل ثلاث ثوان، جريمةِ سطوٍ كل أربع عشرة ثانية، سرقةِ سيارةٍ كل خمس وعشرين ثانية، سرقةٍ مقترنة بالعنف كل ستين ثانية، جريمةِ اغتصابٍ كل ست ثوان، جريمة قتل كل إحدى وثلاثين ثانية (¬3). ونتيجةً لهذا فإنّ هذا البلد يعد في مقدمة بلدان العالم من حيث عدد القابعين في سجونه، فقد تجاوز عددهم سبعة ملايين سجين مع نهاية العام الميلادي 2003. وهكذا نجد أنّ الدول الإسلاميّة قد حُميت بفضل الإسلام من غلواء الجرائم التي تتهدد الأنفس والأعراض والأموال والعقول، مع ما فيها من تقصير في تطبيق الحدود، ولو أنّ الحدود الشرعيّة التي سنّها الإسلام طُبّقت لانحسرت أعداد الجرائم إلى أرقامٍ غايةٍ في القلة (¬4). «وقد امتحن العالم الإسلامي تنفيذ العقوبات الرادعة، فكان ثمرةُ ذلك أمناً شاملاً، واستقراراً كاملاً، جعل مجتاز البادية الغريب يأمن على ماله ونفسه وعرضه من عاديات اللصوص والقتلة وسائر المجرمين، بعد أن كانت مليئة بالمخاوف الشديدة والجرائم ¬
الشنيعة» (¬1). قال الشيخ صالح الفوزان: «فلا تتم سياسة الملك إلا بزواجر عقوبات لأصحاب الجرائم، منها ينزجر العاصي ويطمئن المطيع وتتحقق العدالة في الأرض ويأمن النّاس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، كما هو المشاهد في المجتمعات التي تقيم حدود الله .. بخلاف المجتمعات التي عطلت حدود الله، وزعمت أنها وحشية، وأنها لا تليق بالحضارة المعاصرة، فحَرمت مجتمعاتها من هذه العدالة الإلهيّة، ومن نعمة الأمن والاستقرار» (¬2). وقد خُدم هذا المجال -بحمد الله- بأبحاث وكتابات مطولة مفصلة يحسن الرجوع إليها (¬3). وبهذا يتم الحديث عن أبرز الشّبهات حول بعض الجوانب التّشريعيةّ في الإسلام (¬4)، وبه ينتهي هذا الفصل، ويعقبه الفصل الأخير، في دراسة الجهد الإسلامي المقاوم للتّنصير عبر الخدمات التفاعليّة. ¬
الفصل الثالث واقع مواجهة التنصير عبر الخدمات التفاعلية
الفصل الثالث واقع مواجهة التّنصير عبر الخِدْمات التفاعليّة وفيه تمهيدٌ وخمسةُ مباحث. تمهيد: استفادة المسلمين من الشبكة العالميّة في الذبّ عن الدّين. المبحث الأول: المواجهة باستخدام المنتديات الحواريّة. المبحث الثاني: المواجهة عبر المجموعات البريديّة. المبحث الثالث: المواجهة عبر خِدْمات المحادثة. المبحث الرابع: المواجهة عبر الشّبكات الاجتماعيّة. المبحث الخامس: المواجهة عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
تمهيد: استفادة المسلمين من الشبكة في الذب عن الدين
تمهيد: استفادة المسلمين من الشَّبكة في الذّبّ عن الدين أرسل اللهُ تعالى نبيّه محمداً - صلى الله عليه وسلم - للعالمين نذيراً، للنّاس كافّةً، بالدين الخاتَم والكتاب المهيمن. فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بواجب الدّعوة في إطار عالميّة الإسلام، وسار على ذات النّهجِ أصحابُه من بعده، ثم التابعون ومن تبعهم. وكان من تمام نعمة حفظ الدّين أنْ «جعلَ الله في كلِّ زمانِ فترةٍ من الرسل؛ بقايا من أهل العلم يدعون مَن ضلَّ إلى الهدى، ويَصبِرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى .. ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين» (¬1). فقام المسلمون بالدعوة إلى دين الله تعالى، والذّبّ عن كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والرد على أهل البدع، مستخدمين في ذلك ما يُتاحُ لهم من وسائل، كالدّعوةِ المباشرة، والرّسائلِ والمكاتبات، والتّدريسِ والخطابةِ والمناظرة، والتأليفِ في فنون العلوم الدينيّة المختلفة، ولا سيَّما علمَ العقيدة، لأهميةِ ذلكَ وحاجةِ النّاس إلى بقاءِ عقيدتهم نقيّةً من شوائب المحدثات (¬2). وكان لهم مصنّفاتٌ في الرّدّ على أهل الأديان الأخرى، ولا سيّما من كان لهم تعدٍّ على الإسلام، كالنّصارى (¬3). ولأنّ الحكمةَ تقتضي من الدّاعي أنْ يستفيدَ من كلِّ الوسائل التي تخدِمُهُ في دعوته، ¬
المطلب الأول: جوانب استفادة المسلمين من وسيلة الشبكة
وتُوْصِلُهُ إلى المدعو؛ فقد استغلّ الدّعاة ما استجدّ من وسائل. وكان من أهمها القنواتُ الإعلاميّة التي يسَّرت الوصولَ إلى أعدادٍ كبيرةٍ من النّاس، في أماكنِ سكنِهم ووسائلِ تواصُلِهم وتنقُّلِهم. ولعلَّ من آخرِ ذلك وأهمِّه؛ وسيلةُ الشّبكة العالمية. وقد نهض الدّعاة إلى الاستفادة من إمكانات هذه الشّبكة بعدّة أوجه، نذكر بعضاً منها، مع بيان الضوابط المُثلى في الدّعوة عبر الخدمات التفاعليّة، وذلك في المطلبين التاليين، مستصحبين الجزم بأنّ توضيح ذلك بالشّكل الكافي يحتاج لأبحاث مستقلّة متعمِّقة. المطلب الأول: جوانب استفادة المسلمين من وسيلة الشبكة تعدَّدت أشكالُ الاستفادةِ من الشّبكةِ العالميّةِ في خِدمةِ الدِّين، ويمكن -بشكل مجمل- حصرها في الجانبيين التاليين: الجانب الأول: الجهد الإسلامي في نشر الإسلام، ومن أمثلته: أولاً: خدمةُ كتاب الله الكريم وذلك من خلال نشرِ النصّ القرآني، والعنايةِ بعلوم القرآن كالتفسير والتجويد والقراءات وغيرها، والتسجيلاتِ المرئيّة والصوتيّة لآلاف القراء، ونشرِ تراجم القرآن إلى اللغات المختلفة، والبثِّ المباشر للقراءة الصوتيّة في القنوات الفضائيّة والمحطّات الإذاعيّة، ونشرِ البرامج الحاسوبيّة الخادمة للقرآن الكريم بحثاً وتفسيراً وترجمةً وغيرَ ذلك. كما أُنشئت مواقع على الشّبكة للجهات الحكوميّة والخيريّة المعنيّة بالقرآن، وكذا مقرءات وحلقات التحفيظ. وأُنشئت حِلَقُ التحفيظ الالكترونيّة، التي يُشارك فيها دارسون من شتّى بلاد العالم. وكثُرت المواقع المعنيّة بتدبرِ القرآن، وتلمُّسِ جوانبِ الإعجاز فيه. ثانياً: خدمةُ السّنّة النبويّة
وذلك بِنَشر البرامج الحاسوبيّة الخادمة للسّنّة عرضاً وتخريجاً وشرحاً وبحثاً، ونشرِ دواوينِ السّنّة وعلومِها من مصطلحٍ وجرحٍ وتعديلٍ وتخريجٍ ونحوِ ذلك. ثالثاً: نشرُ العلم الشّرعي وذلك من خلال مواقعِ العلماء والمشايخ والدّعاة وطلبة العلم. وكذا مواقعِ الكتب والمطبوعات والمجلاّت والوسائط المتعددة ونحوها. كما تمّت الاستفادة من الإمكانات العصريّة في توفير الكتب والمخطوطات بشتى الصيغ، وكذا البرامج الحاسوبيّة التي تجمع ألوفاً من الكتب بشكل يَسْهُلُ معه البحثُ والطباعة. رابعاً: الحثُّ على الدّعوة إلى الله حيث يتنادى المسلمون إلى أن يقوم كلُّ مستخدمٍ للشبكة بما يستطيعه من أوجهِ الدّعوة إلى الله تعالى، عبرَ منافذِ الشّبكة كلِّها. مع بيانِ الطرق المثلى لتسخير خدمات الشبكة ومنافذها في نشر الإسلام وبيان محاسنه والدّعوة إليه في أوساط المسلمين وغيرهم. وفي كلِّ ما سبق، كانت الخِدماتُ التفاعليّةُ للشّبكة محلَّ اهتمامِ الدّعاةِ المسلمين لأجلِ خدمة الدّين ونشر الكتاب والسّنة والعلم الشّرعي (¬1). ¬
المطلب الثاني: ضوابط الدعوة في الخدمات التفاعلية
الجانبُ الثّاني: الجهدُ الإسلاميُّ في الردِّ على المخالفين وكما وُجد جُهدٌ في نشر الإسلام، كان هناك أيضاً استفادةٌ من الشّبكة في جانب المدافعة. فقامت الجهود للدفاع عن القرآن الكريم، والرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والسّنّة النبويّة، والشريعة الإسلاميّة. وأُنشئت المواقعُ الرادّة على المخالفين من المبتدعة أو أصحاب التيارات الفكريّة المخالفة، أو أتباع الأديان الأخرى. وكان من البارزِ تسخيرُ الخدماتِ التفاعليةِ للشبكة لأجل الوصول إلى المقصود من رد شبه المشبهين، ودفع هجومهم على الإسلام وتشويههم له بغيةَ زرعِ البغضِ له في قلوب المخالفين والمتبعين على حدٍّ سواء. ولهذا يأتي هذا الفصل من البحث لبيان الجهود الدّعويّة الإسلاميّة في الرّدّ على الهجوم النصراني على الإسلام، وذلك من خلال المنافذ الخمسة المختارة للخِدْمات التفاعليّة، على نفسِ ترتيبِ الدراسة في الفصل الأول من هذا البحث، وذلك بعرضِ الجهدِ الإسلاميِّ المقاومِ للتّنصير في كلِّ خدمة، مع تقييمه كمًّا ونوعاً بالنّظر إلى مقابِله في الجهد التّنصيري. ولكنْ قبل ذلك يحسن بيانُ ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليّة، وذلك في المطلب التّالي. المطلب الثّاني: ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليّة إنّ الشبكة العالميّة بشكل عام، وما فيها من خدمات تفاعليّة بشكل خاص؛ وسيلةٌ لها حضورها وأثرها الذي يكاد يكون محلَّ إجماع، إلى جانبِ إجماعِ أصحاب التّوجهات الدّعوية على ضرورة تسخيرها لخدمة العقائد والأفكار وغيرها. والدّعوة إلى الله تعالى في المنافذ النصرانيّة للخدمات التفاعليّة واجبٌ كفائي على الأمّة،
وحكمه في حقِّ الأفراد يتفاوت. فهو محرم في حقِّ غير المؤهل (¬1)، واجبٌ عينيٌّ على المؤهلِ الذي لا يوجد من يسدُّ مسدَّه، مندوبٌ فيما عدا ذلك. يقول الشيخ عبد العزيز بن باز (¬2) - رحمه الله -: «ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدَّامة، وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدَّعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضلِّلة، نظراً إلى هذا فإنَّ الدعوة إلى الله - عز وجل - اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً عاماً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فَرْضٌ عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان، بالكتابة وبالخطابة وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوها، وألا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإنَّ الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك، لأنَّ أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله - عز وجل -، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل وهذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله» (¬3). وليس الحديث هنا عن فضل الدّعوة ومكانتها وأحكامها وحِكَمها، فلذلك مواضعه في مصنفات العلماء ورسائلهم الكثيرة، ولكنَّ البيان مُوَجَّهٌ إلى الإرشادات التي ينبغي للدّاعية في الخدمات التفاعليّة للشبكة أن يأخذ بها، لكي يكون له تميّزٌ في دعوته، وأثرٌ وإسهامٌ في تحبيبِ ¬
النّاس في دين الله، وتقريبِهم منه. ويمكن تقسيم هذه الضوابط إلى الأقسام التّالية: القسم الأول: ضوابطُ عامّة، ومنها: أن يكون الدّاعيةُ مخلصاً لله تعالى في دعوته، مبتغياً وجه الله دونَ سواه. أن يكون لديه من رسوخ العقيدة وقوّة اليقين وعُمق الإيمان؛ ما يحول بينه وبين التأثر بالشبهات (¬1). أن يكون على بصيرة بما يدعو إليه، لئلا يكون ضرره أكثر من نفعه، وإفساده أكثر من إصلاحه (¬2). أن يكون قدوة للآخرين في استقامة أخلاقه، رحيماً بالمدعوين، يألف ويؤلف، يُخالط النّاس ويصبر على أذاهم، لا يحتقر المدعوين، بل يُنْزلهم منازلهم. أن يراعي التخصص، بأن يركز على الجانب الذي له فيه تمكن، في العقيدة، أو الفقه، أو الرد على الشبهات، أو بيان سماحة الإسلام وعظمة تشريعاته، ونحو ذلك. أن يتعلمَّ فنون المحاورة والمجادلة والإلقاء المؤثِّر، فالدّعوة تحتاج لكفاءة في التبليغ والتأثير ومعرفة النّفس البشريّة والاستفادة من الظّروف والأحوال (¬3). وعلى الدّاعية أن يعرف الملائم في كلِّ وقتٍ من الأساليب الثلاثة؛ الحكمة بالمراوحة بين اللين والشِّدة، والموعظة الحسنة بالمراوحة بين التّرغيب والتّرهيب، والمجادلة بالأحسن من الحجج المقنعة (¬4). القسم الثّاني: ضوابطُ تتعلق بدعوة النّصارى، ومنها: أن يفقهَ أولويات دعوة النّصارى، فيبدأَ بما بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في توجيهه لمعاذ - رضي الله عنه -، ¬
من الدّعوةِ للتوحيد ونبذ الشرك، ثم التدرجِ في عرض الأصول دون الخوض في التفصيلات الجزئيَّة، لا سيّما ما جُبل النصارى على النفور منه كالختان للرجال والحجاب للنساء. ولا يعني هذا التنازل عن شيء من دين الله، ولكنَّه التدرج الحكيم، حتّى إذا رسخ الإيمان في القلوب انقادت للالتزام بكل ما فيه. أن يكون لديه علمٌ واسعٌ بالنصرانيّة، من جهةِ العقائد والشعائر والطقوس والتّاريخ والفرق والكتاب النصراني المقدّس ونحو ذلك. أن تكون له عنايةٌ بالمصادر والمراجع الإسلاميَّة التي عُنيت بدعوة النّصارى ونقد ديانتهم وما يتعلق بها في القديم والحديث، ويمكن في سبيل ذلك الاستفادة من الرّسائل والبحوثِ الجامعيَّة، ومواقع الشبكة ومنافذ الخدمات التفاعليَّة فيها. أن يحدد قبل البدء في الدّعوة تصنيف الشخص المقابِل؛ هل هو من عامَّة النّصارى أم من علمائهم؟ هل لديه شكوك في دينه؟ هل سبق له تعرُّفٌ على الإسلام، وما طبيعة هذه المعرفة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تُرشد الداعية إلى أمثل السّبل التي يحسن استخدامها مع المدعو. أن يتدرب على مناظرة النّصارى من خلال الإكثار من مطالعة المناظرات القويّة التي جرت بين المسلمين والنّصارى في القديم والحديث. أن يبتعد عن تجريح وانتقاص الأمور التي يعظمها النصراني، كالكتاب المقدّس والصليب والأيقونات والتماثيل -عند من يقدسها- لئلا يتسبب في نفرته من أول وهلة. عدم التسرع في رفض الشبهة والحكم على ما فيها من أحاديث بالضعف أو الوضع؛ قبل التثبت والتمحيص. الاهتمامُ بالدّاخل الجديد في الإسلام من النّصارى، والعملُ على تقويةِ إيمانه، وتعليمِه الدّين، والاستفادةِ من معرفته بالمجتمع النصراني. وتحسنُ الاستفادة من الجهود الدّعوية للمسلمين من أصول نصرانيّة (¬1). ¬
القسم الثّالث: ضوابطُ تتعلق بالخدمات التفاعليّة النصرانيّة، ومنها: أن يكون لديه معرفة بأساسيات التعامل مع الخدمات التفاعليّة، وأن يسأل المتمكنين عن الميزات والإمكانات الموجودة فيها مما يفيده في جانب دعوته. أن يعرف واقعَ هذه الخدمات المليءَ بالشهوات المتنوعة، والشبهات التفصيليّة، والمتجرئين على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه بأقذع الشتائم والسباب بُغية الإساءة للمسلم بإسماعه ما يكره. أن يكون مستعداً للتعامل مع شبهات تفصيليّة قد لا يستحضر في الحال جوابَها، فيكونَ لديه من النباهة وسرعة البديهة ما يمكنه من حُسن التصرف. أن يكون على علمٍ مسبق بطرق التدليس والحيل التي يستخدمها بعض النّصارى في إيراد الشبه، وقد حوى هذا البحث شيئاً منها. أن يتفطن لمسألة جهالة المقابِل عيناً وحالاً وجِنساً وديانة، وأنّ هناك من التقنيات ما يُخفي جِهة المتحدث [الدولة التي يتحدث منها]، ويحوِّل الصوت من ذكوري إلى أنثوي، والعكس، وغير ذلك من التقنيات. أن يتفطن الدّاعية لمسألة التواصل مع الجنس الآخر، وأن يقيد ذلك بأطر الأوامر والنواهي الشرعية، مستأنساً بآراء العلماء العارفين بواقع هذه الخدمات (¬1). أن يكون فطناً ذكيًّا يمتلك مهارة المبادأةِ والمباغتة، حصيناً ضد استدراج المقابِل له المخطِّطِ لإفحامه وإلزامه الحجة. أن يستغلَّ فرصة تسهيل الخدمات التفاعليّة لوصول الدّاعية إلى عدد لا يُحصر من النّصارى المتحدثين بالعربيّة في شتّى بلاد العالم. ويَحْسُنُ أن يتقن اللغة الإنجليزيّة ليتمكن من ¬
دعوة أضعاف أضعاف هذا العدد، وقد سهّلت بعض المواقع النشيطة طرق دعوة هؤلاء وإن لم يتقن الداعية التحدث بلغاتهم (¬1). أن يطّلع على أهم الأفكار الدّعوية الناجحة في هذا المجال، بقراءة ما كُتِبَ عن ذلك. وهناك مقالات كثيرة على الشّبكة حول هذا (¬2). أن يكون لديه من الخبرة التقنية ما يساعده في كشف زيف المُقابل، كتحديدِ الدّولة التي يتحدث منها، أو تمييزِ الملف النّصّي أو الصوتيّ أو المرئي المعدّل بواسطة برامج التحرير الحاسوبيَّة، ونحو ذلك. أن يركز في دعوته على جانب من الخدمات التفاعليّة -كالمنتديات وغرف المحادثة مثلاً- فإنّ ذلك يُثمر الخبرةَ بهذا المجال، والمعرفةَ بأحوال الدّعاة النّصارى فيه، ومعرفةَ طرق الحيل والتدليس، ونقضَ أقوالهم بما يخالفها مما سبق لهم طرحه في ذات المنافذ. أن يعرفَ أنّ هذه المنافذ يستخدمها من دعاة النّصارى من قد يكون لهم تمكن علمي، وأسلوب بيانيٌّ ساحر، فيُعِدَّ العُدَّة لذلك. أن تكون له دراية تقنية بمخاطر استخدام الشّبكة من حيث الاختراق وسرقة البيانات أو إتلافها، ونحو ذلك. أن يستفيد من البرامج الحاسوبيّة الخادمة للدّعوة في الخدمات التفاعليّة، كتلك التي تبين درجة الأحاديث، أو تجمع الشبهات وردودها، أو تُدرِجُ نصوص القرآن والسُّنَّة وكتاب النّصارى المقدَّس مباشرة إلى غرف المحادثة في البالتوك، وغيرها من البرامج. ¬
وهذه الضّوابط التي يرُجى من وراء تطبيقها تحقيقُ أكبر المصالح الدّعوية؛ سيتضح من خلال المباحث الخمسة التّالية أهميتها في ذلك، كما سيتضح عند تقييم واقع الجهود في الخدمات التفاعليّة محلَّ الدراسةِ؛ مدى التقيد بها.
المبحث الأول: المواجهة باستخدام المنتديات الحوارية
المبحث الأول: المواجهة باستخدام المنتديات الحواريّة سبق في المبحث الأوّل من الفصل الأول؛ التّعريفُ بهذه الخدمة التّفاعليّة، والحديثُ عن المنتديات التنصيريّة التي اقتصرت على عرض الديانة النصرانيّة، أو جَمَعت إلى ذلك مهاجمةَ الإسلام ونقدَ ما يتعلق به. والحال نفسه هنا؛ فإنّ مقاومة العمل التنصيري عبر المنتديات يكون بالمنتديات التي تنشر الإسلام وتُعرِّفُ به، كما يكون بالمنتديات التي تتخصص بنقدِ النّصرانيّةِ، وكشفِ الجهودِ الدّعويّة للنّصارى من خلال الشّبكة العالميّة على وجهِ العموم. وسوف يتم التطرق إلى القسم الأول بشيء من الاختصار، مع الجزم بحاجته إلى بحوث مستقلّة تعطيه حقّه من العرض والمناقشة والتّحليل. وتفصيل ذلك في المطالب التّالية. المطلب الأول: المُنتدياتُ المقتصرةُ على عَرض الإسلام يُمكن لدارس هذا النّوعِ من المنتديات الإسلاميّة أن يخرج بالملحوظات التّالية (¬1): أولاً: كثرة المنتديات الإسلاميّة (¬2). ثانياً: أنّ غالبَ المنتدياتِ الإسلاميّةِ عامّةٌ غيرُ مختصّةٍ بالعلوم الشّرعية، بل تضم قسماً عامًّا للموضوعات الدينيّة، وإلى جواره الأقسامُ المتنوعةُ في السياسة والاقتصاد والتقنية وغيرها. ¬
ثالثاً: ادعاء هذه المنتديات جميعاً أنّها تمثّل الإسلام الحقّ (¬1). رابعاً: على الرُّغْمِ مِن كثرة المنتديات الإسلاميّة، إلا أنّنا إذا حصرنا النظر في المنتديات التي تنهج طريق الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وهم أهل السنة والجماعة، فإنَّ العدد يقل كثيراً. وإذا كان المراد من هذه المنتديات أن تكون درعاً حصيناً ضد الجهود الدّعويّة التّنصيريّة؛ فإنّ المقاومة الحقّة لن تكون إلا بِسلاح السُّنَّة. خامساً: كثرة المنتديات الإسلاميّة المخالفة لمنهج السلف، المشتغلة بالردود على الطوائف الأخرى داخلَ الدّائرةِ الإسلاميَّة. وضررُ هذه المنتديات ظاهرٌ، وفيها ما يصد غيرَ المسلم عن الإسلام، كما أنّ فيها مستمسكاً للطّاعنين في الإسلام بطريق ضرب المسلمين بالمسلمين. سادساً: يُلحظ في مواقع المنتديات الإسلاميّة -بشكل عام- حسنُ التصميم والعرض، وكثرةُ أقسام المنتديات، وقوةُ الاعتماد على الوسائط المتعددة من صورٍ وملفاتٍ صوتيّةٍ ومرئيّة. سابعاً: بشكل إجمالي؛ تحوي المنتديات الإسلاميّة الأقسام التّالية (¬2): ¬
القسم الشّرعي العامّ: وتُعرض فيه الموضوعاتُ الإسلاميّة العامّة، وفتاوى أهل العلم في الموضوعات التي تهم أعضاء المنتدى، والفوائدُ المنتقاة من قراءاتِ الأعضاء للكتب الدينيّة. قسم القرآن الكريم وعلومه: وتُعرض فيه موضوعاتٌ في قراءة القرآن، وحفظه، وتدبره. مع تبادل الأعضاء تجاربهم في الحفظ والتدبر وضبط المتشابه والمحافظة على الورد اليومي، وأحسن الكتب التي تقرأ في علوم القرآن. بالإضافة إلى إشهار وإبراز مشاريع حفظ القرآن عبر الشبكة العالمية. كما تُعرضُ الموضوعاتُ المتعلقةُ بعلوم القرآن؛ كالتفسير، والتجويد، والقراءات. وتُورد روابطُ مواقع الشبكة، والبرامجِ الحاسوبيّة التي تَخدِمُ هذه العلوم. وروابطُ القراءاتِ المتميزة بحسن الصّوت والأداء. وهناك الموضوعاتُ التي تتحدثُ عمّا كُتب من رسائلَ علميّةً في علوم القرآن الكريم. قسم العقيدة: وتُعرض فيه موضوعاتٌ في مباحث عقيدة أهل السنة والجماعة، وموضوعاتٌ في الرد على الفرق المبتدعة. وتدور فيه نقاشاتٌ حول بعض محتويات الكتب العقدية المتقدمة والمتأخرة، وجوانب اللبس والإشكال فيها، وشرح غوامض العبارات والإيرادات فيها. كما تُدرج روابطُ لموادٍّ نصيةٍ أو مسموعةٍ أو مرئيّةٍ على الشبكة العالميّة؛ مما يتعلق بالجوانب العقدية؛ كالمصنفات، والدروس العلميّة المسجلة بشكل مسموع أو مرئي، وكتب العقيدة، والمناظرات العقديّة، وشروح المتون العقديّة. وهناك نقولاتٌ عن علماء الإسلام في القديم والحديث في جوانبَ تتعلق بالعقيدة، مع النقاشِ حولَها، وحولَ معتقدات كاتبيها ممّن تُكُلِّمَ فيهم. كما تشملُ هذه الموضوعاتُ إيرادَ المتونِ العقديّة السلفيّة، وشروحِها، والنقاشَ والمدارسَة لها.
قسم الحديث وعلومه: وتُعرض فيه مباحثُ حديثية، وفوائدُ منتقاةٌ من كتب أهل الحديث وشروح العلماء لها. وهناك موضوعات في فنون علوم السنة؛ كمصطلح الحديث، وفن التخريج ودراسة الأسانيد، والجرح والتعديل. فتذكرُ كتبُ هذه الفنون، ومتونُها، والرسائلُ العلميّة حولها، وروابطُ المواقعِ والموادِّ النصية والمسموعة والمرئية على الشبكة ممّا يتعلق بها. وتُورد الأحاديثُ التي تكون غالباً محلَّ سؤالِ النّاس واستفتائِهم؛ فتُخرَّجُ أسانيدُها، وتُدرس متونُها، وتُصدر الأحكامُ حولها صحةً أو حُسناً أو ضعفاً، ثم تُذكر الفوائدُ منها، وكلامُ أهل العلم حولها. قسم الفقه وأصوله: وتُناقش فيه الموضوعاتُ المتعلقة بالفقهِ، وأصولِ الفقه، والقواعدِ الفقهية، والفرائض. ويشمل ذلك كتبَ هذه الفنون، ومتونَها، وشروحَها، والرسائلَ العلمية التي كتبت فيها. كما تُورد تجاربُ الأعضاء في طلب هذه العلوم، وتلخيصاتُهم، والفوائدُ التي حصّلوها من قراءة كتب هذه الفنون. مع الدلالةِ على المواد النصية أو المسموعة أو المرئيّة على الشبكة العالمية مما يتعلق بهذه العلوم، وكذا المواقعُ والبرامجُ الحاسوبيّة المهتمة بهذه الجوانب. قسم اللغة العربيّة وعلومها: وتُورد فيه الموضوعاتُ المتعلقةُ بالنحوِ، والصرفِ، والأدبِ، والبلاغةِ، وغيرِها من فنون العربيّة. ويتدارسُ الأعضاء كتبَ هذه الفنون في القديم والحديث، وأهمَّ المتون ولا سيَّما المنظومات، مع بيانِ شروحِها، وخبراتِ الأعضاء في كيفية دراستِها، ودراسةِ باقي علوم العربيّة. وهناك موضوعاتٌ منثورةٌ تخدم الجوانبَ الدينية، ومن ذلك المقطوعات الشعرية المتضمنة للتوجيهات الدينية، وبيان الأخطاء اللغوية في ضبط ألفاظ السنة النبوية، وغير ذلك. قسم السيرة النبويّة: ويشملُ الموضوعاتِ المتعلقة بسيرةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيانِ الحقوق الواجبة له -عليه الصلاة
المطلب الثاني: المنتديات التي تتعرض للنصرانية
والسلام-، وكيف تؤدى بلا غلو ولا تقصير، والمدائحِ النبويّةِ النثريَّةِ والشِّعرية، والتأملاتِ في بعضِ ما ورد عنه من أقوالٍ وأفعال، والذّبِّ عن عِرضِه الشّريف، وردِّ شبهاتِ أعدائِهِ حولَه. قسم الكتب والبحوث العلمية: ويُعنى بالكتبِ والرّسائلِ الجامعيّة والبحوثِ المتعلِّقةِ بالعلوم الشّرعيّة. قسم الوسائط المتعددة الإسلاميّة: ويُعنى بالصّور والملفات الصوتيّة والمرئيّة ذاتِ المحتوى الإسلامي. ويحسن التنبيه هنا إلى أنّ العمل الدّعويَّ الإسلاميَّ لا يقتصر على المنتديات الإسلاميّة، بل يمتد إلى المشاركة في المنتديات النصرانيّة، ولا سيّما ما يتعرض للإسلام منها، وذلك بالكتابة والرّدّ والمناظرة. المطلب الثّاني: المنتديات التي تتعرض للنصرانيّة وهذا النوع من المنتديات- إلى جانب عرضه لموضوعات الدين الإسلامي- ينشئُ أقساماً تحاور النّصارى، وتناقشُ موضوعاتٍ تتعلق بالديانة النصرانيّة (¬1). تنص هذه المنتديات على أنَّ هدفَها هو دعوةُ غير المسلمين -وبالأخص النّصارى- للدخول في الإسلام، وإعدادُ الدّعاة للقيام بهذه المهمة الدّعوية، وردُّ الشّبهات المثارة حول الإسلام. ¬
وتشترك هذه المنتديات مع النوع السابق في عرض الأقسام المتعلقة بالديانة الإسلاميّة. وتنفرد في عرضها لعدة أقسام أخرى؛ نذكر منها: قسم النّصرانيّات العام: وتُعرض فيه موضوعاتٌ عامّة، يتناولُ بعضُها الجهودَ التنصيريّة باستخدام الشبكة العالميّة، والجهودَ الإسلاميّة التي تبذل في مقاومتها (¬1). وكذا موضوعات الأخبار التي تكشف المخالفات الماليّة والأخلاقيّة التي ترتكب في الكنائس (¬2). وهناك موضوعات تناقش ما يُكثر النّصارى من طرحه والحديث عنه والاستشهاد به ممّا يسمونه المعجزات والظّهورات. وموضوعاتٌ تبرز افتراق النّصارى إلى طوائفَ عديدة يخطِّىء بعضها بعضاً، ويرد بعضها على بعض. وهناك موضوعاتٌ تُبرز جهودَ المسلمين في الرّد على النّصارى في القديم والحديث؛ بواسطة المصنّفات والكتب، أو البرامج على القنوات الفضائيّة، مع وضع روابطَ لتحميل هذه الملفات. قسم العقائد النصرانيّة: ويحتوي هذا القسم على مناقشة العقائد النّصرانيّة الأساسيّة التي تجمع الكنائس على الإيمان بها؛ كالقول بالتثليث، وألوهيّة المسيح، وبنوّته لله، ومجيئه فداءً للبشريّة من إصر الخطيئة الأولى، ثم صلبه مصالحةً من الله للبشر. فَتُعرِّف موضوعاتُ هذا القسمِ بهذه العقائد، وتبين جذورَها (¬3)، وتُورد استدلالاتِ النصارى عليها، ثم تناقش هذه الاستدلالات وتردُّ عليها، وتبين موقفَ الإسلام من هذه ¬
المعتقدات. كما تورد ردود علماء المسلمين عليها في القديم والحديث، وروابط للكتب والبرامج على القنوات الفضائية التي ناقشت هذه المعتقدات. وقد تَذكرُ شواهدَ من اعترافاتِ بعض علماء النصرانيّة بمخالفة بعض هذه المعتقدات للعقل والمنطق السليم (¬1)، أو نصوصاً من المخطوطات والأناجيل التي تعدها الكنائس غير قانونيّة. قسم الكتاب المقدّس: ويحتوي هذا القسم على موضوعاتٍ تَدرسُ عهدَي الكتاب المقدّس، دراسةً نقديّة للأسانيد والمتون. كما تُناقِشُ وتُحَلِّلُ محتوياتِ مخطوطاتِ الكتاب المقدس، سواءً القديمَ منها كالسينائية (¬2) والفاتيكانيّة (¬3)، أو الجديدَ كمخطوطاتِ وادي قمران قربَ البحر الميت (¬4)، ومخطوطاتِ نجع حمادي في صعيد مصر (¬5). وتُتيح تحميل بعض المصورات عن هذه المخطوطات. كما تناقش محتويات الأناجيل والرسائل غير المعتمدة عند النّصارى، كإنجيل برنابا (¬6)، ¬
وغيره. وتبين أسبابَ استبعادِ هذه الأناجيل واعتبارِها غيرَ قانونيّة. ويُورد هذا القسمُ احتجاجاتِ النّصارى واستدلالالتِهم على حجيةِ كتابهم المقدس، وعصمتِه، وسلامتِه من التحريف. وَيُرَدُّ على هذه الاستدلالات بتفصيلٍ مشفوعٍ بشواهدَ من اعترافات علماء النصرانية أنفسِهم. قسم الرد على الشّبهات: ويختص هذا القسم بإيراد الردود على الشّبه التي يثيرها النّصارى في منتدياتهم الحواريّة؛ حول القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وجوانب التشريع الإسلامي. أو حول معاملة الإسلام للمرأة، أو محاولاتهم الاستدلال بالقرآن والسّنّة على إثبات شيء من عقائدهم. وهناك موضوعاتٌ يكتبها بعض المسلمين لطلب المساعدة في الرد على شبهٍ عُرضت عليهم من النصارى مباشرةً أو عبر منافذ الشبكة، ومن ثمّ يقوم روّاد المنتدى المتمكنين بالمساعدة في الرد عليها. وتتناولُ موضوعاتُ هذا القسم الشبهاتَ المثارةَ في الأفلام المسيئة للإسلام التي دأبت بعض الجهات النصرانية على نشرها (¬1). كما تُنشر روابطُ للكتبِ، وحلقاتِ البرامج الفضائية؛ التي تصدت لبيان هذه الشبهات. وكذا برامجِ الحاسب التي تساعد على معرفة الشبه وردودها. قسم المناظرات: ويحتوي هذا القسمُ على المناظراتِ الكتابيّة التي تجري بين روّاد المنتدى من المسلمين ¬
المطلب الثالث: تقييم المواجهة عبر المنتديات
والنّصارى. وتُورَدُ تسجيلاتٌ وروابطُ للمناظرات التي جرت بين المسلمين والنّصارى، سواءً القديمَ منها (¬1)، أو ما استجدَّ في القنوات الفضائيّة وخدمات الشّبكةِ العالميّة. كما تُخَصّصُ موضوعاتٌ لتأصيل ثقافة الحوار بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، من خلالِ بيانِ أصول وآداب الحوار الناجح، وكشفِ الأخطاء التي يقع فيها بعض المتحاورين، وسردِ النماذج القويّة من حوارات الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين مع أتباع الملل الأخرى (¬2). قسم المسلمين الجدد: ويختص هذا القسم بإيراد قصص الداخلين في الإسلام من اليهود والنّصارى والبوذيين وغيرهم؛ على هيئةِ ملفاتٍ مقروءةٍ أو مسموعةٍ أو مرئيّة. ويهتم بشكل أخصٍّ بمن اعتنق الإسلام من روّاد المنتدى نفسه من النصارى؛ فيرحِّبُ بهم، ويهنئهم، ويتصدى لتعليمِهم الإسلام، وإجابةِ ما عندهم من سؤالاتٍ واستفسارات. وتُطرح في هذا القسم موضوعاتٌ تعلم كيفية دعوة غير المسلم، وكيفية التعامل مع المسلم الجديد. وتُذكر روابطُ لمواقعَ وبرامجَ إلكترونية تُساعد المسلمَ الجديد على تَعلُّمِ أمور الدين. كما يهتمُّ هذا القسم بنشر أخبار انتشار الإسلام في العالم، ويُورِدُ شهاداتِ جهاتٍ غربيّة وشرقيّة غير مسلمة على سُرعةِ انتشارِ الإسلام، وكثرةِ الدّاخلين فيه. المطلب الثّالث: تقييم المواجهة عبر المنتديات إذا نظرنا إلى خدمة المنتديات الحواريّة من حيث استخدام المسلمين والنّصارى لها في ¬
نشر دعوتهم، يمكن أن نخرج بالتصور التّالي: أولاً: الناحية الكميّة من ناحية عدد المنتديات، لا يمكن الخروج بإحصاء دقيق، نظراً لعدم توفير الشّبكة للأدوات الرّقمية لمثل هذه النواحي، ولكون ترتيب المنتديات في بعض الأدلة اجتهادي، ونظراً لطابع التجدد المشتمل على الإضافة والإلغاء على نحو مستمر. إلا أنّه للخروج بنوع تصور للمقارنة بين الجهدين فقد رأى الباحث المقارنة بين أبرز المنتديات في الجانبين في الإحصاءات الرّقميّة في وقت واحد. ففي جانب المنتديات المقتصرة على عرض الدّين؛ تفوقت المنتديات النصرانيّة في الكمّ العددي للأعضاء، والموضوعات، والمشاركات، والزوّار (¬1). وفي جانب المنتديات التي تناقش الدّين الآخر؛ تفوقت المنتديات النصرانيّة في عدد الأعضاء، والمشاركات. وتأخَّرت في عدد الموضوعات، والزوّار (¬2). وهذه الإحصاءات -وإن أعطت مؤشراً على تفوق الجهد النصرانيّ- إلا أنّه لا يُجزم بهذه النتيجة على الإطلاق؛ لعدة أمور. منها تقارب الإحصاءات الرّقمية، وعدم القطع بالاطلاع على كل المنتديات في الجانبين، ووجود التفاعل من المسلمين في المنتديات النصرانيّة، والعكس. ثانياً: النّاحية النّوعية ¬
بدراسة الجهد الإسلامي في المنتديات الحواريّة، يمكن الخروجُ بتصور عن جوانب القوّة والضعف فيها، على النحو الآتي: (أ) جوانب القوّة - وجودُ جهد كبيرٍ واضحٍ في بيان الجوانب العلميّة في العقيدة والفقه والحديث والتفسير واللغة والسيرة وغيرها، وفي خدمة كتاب الله الكريم، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. - وجودُ جُهدٍ كبيرٍ في دعوة النّصارى إلى الإسلام، ورد الشبهات، ونقد العقائد والشعائر النصرانيّة، والكتاب المقدس. - التّنوّعُ في موضوعاتِ نقدِ الكتاب المقدّس. - التّركيزُ على سردِ قصص الداخلين في الإسلام من النّصارى. - الاهتمامُ بالزائر النصراني، وإعطاؤُه الفرصة في النقاش والحوار مالم يتجاوز أدب المحاورة، بخلاف المنتديات النصرانيّة التي لا تمكن المسلم من الاستمرار في المناقشة ولو كان النقاش في حدود الأدب واللباقة. - التّنوّعُ في استخدام الوسائط المتعددة. - الاستفادةُ من التقنيات المتاحة، كمخاطبة بعض الموضوعات للعضو باسمه، مما يثير انتباهه للموضوع. (ب) جوانب الضَّعف قلّة الاهتمام بالجوانب الرّوحية التي تزكي النفوس وتسمو بأخلاقها وتقوي إيمانها. ويمكن في سبيل ذلك الاهتمامُ بالرقائق والمواعظ والآداب، والقَصَصِ الصحيح من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتّابعين، مع التركيز على استخلاص العبر منها مما يتعلق بخشية الله تعالى ومراقبته، وتزكية النفوس والأخلاق. وجودُ تجاوزاتٍ من بعضِ الكتّاب في استخدام مفردات مسيئة لما هو محل تقديس عند النّصارى، وهذا الصّنيع يحول -حتماً- بين هؤلاء المدعوين وإقبالِهم على ما يخاطَبون به.
المبحث الثاني: المواجهة عبر المجموعات البريدية
المبحث الثاني: المواجهة عبر المجموعات البريديّة سبق في المبحث الثاني من الفصل الأول تعريف المجموعات البريديّة، ودراسة الجهد التنصيري عبرها. وفي هذا المبحث ستكون الدراسةُ مُنصبَّةً على الجُهد المواجِهِ للتّنصير من خلال هذه الخدمةِ التّفاعليّة، باعتبار شُمولِ ذلكَ للمجموعات البريديّة النّاشرة للإسلام، والمجموعاتِ المتخصِّصةِ في الرّدّ على النّصرانيّة. إلا أنّ الجانب الأول يحتاج إلى بحوث مستقلّة، ولهذا سيقتصر البحث هنا على الجانب الآخر المتعلق بمقاومة التّنصير. وسوف يكون مجالُ الدّراسة ثلاثَ مجموعاتٍ إسلاميّة (¬1)، اختيرت من مجموعات موقع "ياهو"، نظراً لاحتفاظ مجموعات هذا الموقع بشيء من الحضور يفوق نظيراتها، على أنّه من المقطوع به خفوت بريق هذه الخدمة بشكل كبير جداً في السّنوات الأخيرة، بتأثير ما استجد من خدمات أخرى (¬2). والمجموعات المختارة للدراسة هي: مجموعة "إلا الله"، أنشئت عام 2003م (¬3). مجموعة "حرّاس العقيدة"، أنشئت عام 2006م (¬4). ¬
المطلب الأول: محتويات المجموعات البريدية الإسلامية
مجموعة "المسيح الحق"، أنشئت عام 2005م (¬1). وسوف تغطي الدراسة هنا ألف رسالة مختارة من كل مجموعة، بقصد كشف الموضوعات التي تطرح في هذه المجموعات، وكيفيّة الطرح، وما إلى ذلك من قضايا. وبيان ذلك في المطلب التّالي. المطلب الأوّل: محتويات المجموعات البريديّة الإسلاميّة بدراسة موضوعات هذه المجموعات، نجد أنّها في الغالب لا تخرج عن تقسيمات ستة، نذكرها بإجمال، ثم نفصل القول في كل منها، مع إيراد بعض الأمثلة في هذه المجموعات على سبيل التمثيل لا الحصر، وهذه الأقسام هي: القسم الأول: التّعريف بدين الإسلام. القسم الثّاني: إظهار عظمة دين الإسلام وما يتعلق به. القسم الثّالث: الدفاع عن الإسلام. القسم الرّابع: التّعريف بالدّيانة النّصرانيّة. القسم الخامس: نقد الدّيانة النّصرانيّة وما يتعلق بها. القسم السّادس: دعوة النّصارى للدّخول في الإسلام. وأمّا تفصيل الحديث عن هذه الأقسام فيقال فيه ما يلي: القسم الأول: التّعريفُ بدين الإسلام. وتُطرح فيه موضوعاتٌ تشرح بعض ما يتصل بالإسلام من عقائدَ (¬2)، وعباداتٍ (¬3)، وشروحِ معاني أسماء الله الحسنى (¬4). ¬
كما تُطرح فيه موضوعاتٌ تُبيِّنُ مكانةَ المسيحِ عيسى بن مريم - عليه السلام - في الإسلام، وفضلَ أمّه الصّدّيقة مريم بنت عمران، ومكانةَ حواريية الذين آمنوا به وصدّقوه واتّبعوه (¬1). القسم الثّاني: إظهار عظمة دين الإسلام وما يتعلق به. وتطرح فيه الموضوعات التّالية: بيانُ سلامةِ القرآنِ الكريم من التّحريف، والحديثُ عن جمعه زمن خلافة الصّدّيق، ثم في خلافة ذي النّورين، ? (¬2). نماذجُ من الإعجاز العلميِّ (¬3) والعدديِّ (¬4) في القرآن الكريم. بيانُ عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حسن تعامله مع أصحابه (¬5). دلائلُ نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬6). نماذجُ من الإعجاز العلمي في السّنّة النبويّة (¬7). بيانُ قيامِ دين الإسلام على الرّحمة، وإيرادُ الشّواهدِ على ذلك من القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة (¬8). بيانُ تشريعات الإسلام التّي تكفل حقوق النّاس في الدّولة المسلمة، ولو كانوا غير مسلمين (¬9). إيرادُ شهاداتِ بعضِ كتّاب النّصارى الذين اقتنعوا بنجاعة الاقتصاد الإسلامي، وأنّه الحلّ الأمثل للأزمة الاقتصاديّة العالميّة اليوم، حيثُ كَتَبَ أحدُهم في صحيفة الفاتيكان ¬
الرّسميّة: «إنّ المبادئ الأخلاقيّة التي يبنى عليها النّظام المالي الإسلامي ربما تقرب البنوك من عملائها، ومن الرّوح الحقيقيّة التي من المفترض أن تكون معلماً لكل الخدمات الماليّة» (¬1). إيرادُ شهاداتِ نصارى بأنّ الإسلامَ دينُ قِيَمٍ وأخلاق وسلوك وإنسانيّة وتسامح ومحبّة وتعايش، وأنّه بعيد كلّ البعد عن عمليّات التفجير التي حدثت في بعض الكنائس، وأنّ الغرب النصرانيّ يسعى لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين؛ في الوقت الذي يصف ما يقوم به من قتل وتدمير بالديمقراطيّة والرّحمة (¬2). بيانُ عظمة الإسلام في تعاليمه القاضية بالمساواة أمام القانون (¬3). بيانُ موقفِ الإسلامِ من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، وبيانُ كيف تسامح المسلمون معهم (¬4). نشرُ البحوث التي بيّنت أنّ الالتزام بالتعاليم الإسلاميّة يقي بفضل الله تعالى من الأمراض والأوبئة الفتّاكة التي ظهرت في بعض المجتمعات، كنقص المناعة المكتسبة، وجنون البقر، وعقاص الغنم، وغيرها من الأوبئة (¬5). بيانُ عظمة الإسلام في رعايته حقوق الحيوان (¬6). بيانُ إسهامات المسلمين في تطوير العلوم الطبيعيّة، والرّقي بالحضارة الإنسانيّة (¬7). ¬
القسم الثّالث: الدّفاع عن الإسلام. وتطرح فيه الموضوعات التّالية: الرّد على الشّبه المثارة حول القرآن الكريم (¬1). الرّد على منكري الإعجاز العلمي في القرآن (¬2). الرّدّ على الشّبه المثارة حول النّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). موضوعات في إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، بدلالة ما أخبر عنه من المغيبات التي أطلعه الله عليها، وتحققت بعد ذلك؛ تماماً كما أخبر (¬4). الدّلالة على المواقع التي تعرض سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشتّى اللغات (¬5). الرّد على الشّبهات المثارة حول السّنّة النّبويّة (¬6). الرد على الشّبه المثارة حول بعض التّشريعات الإسلاميّة (¬7). بيان حال المرأة في الإسلام (¬8). إيراد اعترافات نساء غربيَّات أنّهنّ يرغبن في أن يعاملن وفق تعاليم الإسلام، ويشتكين من عملهنّ في المعامل والأماكن غير اللائقة بهنّ (¬9). الدّلالة على مواضع تحميل الكتب التي تدافع عن الإسلام وترد على النصرانيّة، ¬
على الشّبكة العالمية (¬1). حثّ المسلمين على مضاعفة جهودهم الدّعويّة، وخصوصاً في هذه الأعصر المتأخرة، التي ابتعد فيها كثير من المسلمين عن التمسك بالدّين، وكثر فيها دعاة الشّبهات والشّهوات (¬2). تبادل التّجارب الدّعوية النّاجحة في دعوة النّصارى، أو الرّدّ عليهم وإقامة الحجّة وبيان تهافت وضعف ما يطرحون (¬3). القسم الرّابع: التعريف بالدّيانة النصرانيّة. وتُطرح فيه موضوعات عن تاريخ الدّيانة النّصرانيّة (¬4)، وعقائدها وطقوسها (¬5)، وما تفرع عنها من فرق (¬6). القسم الخامس: نقد الدّيانة النّصرانيّة وما يتعلق بها. وتُطرح فيه الموضوعات التّالية: بيانُ تحريفِ الكتاب النصرانيِّ المقدَّسِ (¬7)، وتناقضاته (¬8)، وحديثه عن الأنبياء بما لا يليق (¬9). بيانُ ما في الكتاب المقدّس من نصوص خادشة للحياء (¬10). إيرادُ شهادات علماء ومحققين نصارى بوجود مشكلات في أسانيد الكتاب النصراني المقدّس (¬11). ¬
قراءاتٌ في الأناجيل التي ترفُضُها الكنيسة (¬1). نقدُ العقائد النصرانيّة، كالقول بالتثليث (¬2)، وألوهيّة المسيح (¬3)، ودينونته للخلائق يوم القيامة (¬4)، وعقيدة الخطيئة الأولى (¬5)، وعقيدة الصّلب والفداء (¬6). نقدُ الشّعائر النّصرانيّة، كالتّعميد (¬7)، والميرون (¬8)، ومسحة المرضى (¬9)، والاعتراف (¬10). موضوعات تُظهر بالنّصوص والصّور؛ العلاقة القويّة بين بعض العقائد والشّعائر ¬
والطّقوس النّصرانيّة، وما يماثلها في الدّيانات الوثنيّة التي سبقت ظهور النّصرانيّة (¬1)، مما يؤكد الاقتباس منها؛ إذ السّابق أستاذ اللاحق (¬2). نقد الطّقوس النّصرانيّة كالاحتفال بعيد الميلاد (¬3). لفتُ أنظارِ النّصارى إلى أنَّ كثيراً من الأمور التي يرون الإسلامَ قد حطَّ بها من شأن المرأة؛ هي موجودة في كتابهم المقدَّس، كالإلزام بالنّقاب والحجاب، وتجويز التعدد واتخاذ الإماء، وجعل القوامة للرَّجل. بل في تعاليم كتابهم ما هو أشدُّ من هذه الأمور، كأمر المرأة بالخضوع المطلق للرَّجل، والتزامِ الصّمت التّامّ في الكنائس حتى عن الاستفسارات الدّينيّة التي لا سبيل للإجابة عليها إلا أن تسأل زوجها إذا عادت إلى المنزل، ووصفِها بالشّرّ، والتّفريقِ في أيّام نجاستها بعد الولادة على حسب نوع المولود ذكراً كان أو أنثى، ووجوبِ صيرورتها زوجةً لأخ زوجها المتوفَّى، وتحريمِ الطّلاقِ والتّزوجِ بمطلّقة، واحتقارِها حال الحيض، إلى غيرِ ذلك من التّعاليم (¬4). بيان افتراق النّصارى إلى طوائف كثيرة، وإيضاح ما بين هذه الطوائف من خلافات في العقائد والشّعائر والطّقوس والأحوال الشّخصية وغير ذلك (¬5). بيان دور "بولس" في تحريف تعاليم المسيح - عليه السلام -، وذلك بالمقارنة بين نصوص الكتاب المقدّس مع ما يقابلها من تعاليم "بولس"، إضافةً إلى أقواله في وجوب نبذ سائر التّعاليم الموسويّة ونسخها بدم المسيح المصلوب كما قرّر لأتباعه (¬6). ثم بيان الحال التي سار عليها النّصارى بعد ذلك في تعطيل تعاليم العهد القديم (¬7). ¬
بيان دور القساوسة والرّهبان في تحريف الدّيانة النّصرانيّة، وتحليل ما حرّم الله، وتحريم ما أحلّ الله (¬1). بيان دور المجامع النصرانيّة في تقرير العقائد على أتباعها بعيداً عن تعاليم المسيح - عليه السلام - (¬2). الحديثُ عن التّاريخ السيء للقائمين على الكنيسة النصرانيّة، وما ثبت عنهم من مفاسد عقديّة وماليّة وأخلاقيّة وإداريّة في القديم والحديث (¬3). وعن دورهم في إيغار صدور أتباعهم ضد المسلمين (¬4). عرض مختارات من الكتب التي ردّت على النّصارى في القديم والحديث (¬5). القسم السّادس: دعوة النّصارى للدّخول في الإسلام. وتُطرح فيه الموضوعات التّالية: الدّعوةُ المباشرة للنّصارى بالدّخول في الإسلام إنقاذاً لأنفسهم من الهلاك (¬6). عرضُ تجاربَ في دعوةِ النّصارى ومحاورتِهم، حتّى يستفيد منها من أراد العمل في هذا المسار الدّعوي (¬7). عرضُ شهاداتٍ مرئيّةٍ لنصارى يمتدحون عدل الإسلام وسماحة المسلمين (¬8). عرضُ شهادات مرئيّة لأناس غير مسلمين يرون أنّ المستقبل للإسلام، وأنّه الدّين الذي يُقبل النّاس عليه أكثر من غيره (¬9). مع إيراد التقارير الغربيّة المبينة لسرعة انتشاره في ¬
المطلب الثاني: تقييم المواجهة عبر المجموعات البريدية
البلاد الأوروبيّة والأمريكيّة (¬1). إيرادُ شهاداتِ غيرِ المسلمين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، في عظيم أثره في قومه، وسمو ما جاء به من تعاليم، ورفعة ما تحلّى به ودعا إليه من الأخلاق الفاضلة (¬2). ذكر قصص من أسلم من الكتابيين خصوصاً في القديم والحديث، وبيان الأسباب التّي دعتهم لترك ما هم عليه، والانتقال منه إلى دين الإسلام (¬3). وأحياناً تورد روابط لمواضع ذلك على الشّبكة (¬4). موضوعاتٌ حول البشارات بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام في الكتاب المقدّس (¬5). إيراد شهاداتِ كتّابٍ نصارى معاصرينَ أنَّ النّصارى اليوم يتعاملون بكثير من التجني على الإسلام، ويلصقون به من التّهم ما هو منها براء (¬6). الرّدّ على استفسارات الأعضاء النّصارى وموضوعاتهم (¬7). المطلب الثّاني: تقييم المواجهة عبر المجموعات البريديّة إذا نظرنا إلى خدمة المجموعات البريديّة من حيثُ استخدامُ المسلمين والنّصارى لها في نشر دعوتهم، يمكن أن نخرج بالتصور التّالي: أولاً: من الناحية الكميّة لا توفر الخدمة مقاييس عدديّة منضبطة يمكن الاعتماد عليها في إعطاء إحصاء رقمي ¬
لعدد المجموعات، أو عدد الأعضاء المنتسبين لها. وسبب ذلك أنّ المواقع الكبرى التي توفر خدمة المجموعات، لا تُشرف بشكل دقيق على تنظيم محتوياتها، بل تترك أمر التصنيف والكتابة لمن أراد، بلا مقابل مادي. لكنَّ الذي يجزم به الباحث من خلال دراسته؛ ضعفُ الإقبال على هذه الخدمة، وازدياد وتيرة هذا الضعف في السّنوات الأخيرة، بشكل طردي مع ازدياد الإقبال على الشّبكات الاجتماعيّة تحديداً. وهذا الضّعفُ يشملُ عدد الأعضاء، كما يشملُ عدد إنتاجهم من الرسائل والملفات والصور. وبشكل إجمالي فإنّ استفادةَ النصارى من هذه الخدمة أكثرُ -بشكل ملحوظ- من استفادة المسلمين (¬1). وإذا بحثنا داخل المجموعات البريديّة الإسلاميّة عن المجموعات الموجّهة للرد على النصارى وعملهم الدعوي؛ وجدنا قلة المجموعات، وقلة المنتسبين لها، وقلة ما يطرح فيها. وبالتّالي نجزم بأنّ فعاليتها محدودة. ثانياً: من النّاحية النّوعية بدراسة واقع المجموعات البريديّة الإسلاميّة، يمكن الخروج بتصور عن جوانب القوّة والضعف فيها، على النحو الآتي: ¬
(أ) جوانب القوّة شُمولُ موضوعاتِ المجموعاتِ البريديّة لتناول الموضوعات المطروحةِ في المجموعات النصرانيّة. التركيز على الموضوعات التي تُظهر الإسلامَ بوجهٍ صحيح يُبرز ما فيه من يسر وسماحة وموافقة للفطرة والعقل، ويجلو الصور الذهنيّة المسبقة التي تناقض ذلك. إظهارُ جوانبِ عظمة الإسلام. وهو أمرٌ في غاية الأهميّة، لأنّ فيه الرّدّ الشافي على من يطعن في تعاليم الإسلام، ويصفها بما ليس فيها، كدعوى قيامها على موقف عدائي من الكفّار (¬1)، أو موقف متصادم مع العلم والتفكير والتطوير، أو أنّه انتشر بالإكراه والسّيف، أو غير ذلك من الشّبه. إظهارُ جوانب عظمة القرآن الكريم، والنبي - صلى الله عليه وسلم -، والسّنّة النبويّة. وفي هذا دعوة للاقتناع بالإسلامِ، ودفعٌ لما يثار حوله من تشكيك وشبه. التركيز على إبرازِ الصورة الصّحيحة عن وضع المرأة في الإسلام، من حفظ كرامتها، وإعطاء حقوقها، وإنزالها المكانة اللائقة بها، مقارنةً مع نصوص الكتاب المقدّس التي تحط من مكانتها، وتنتقص كرامتها وآدميتها، وتضيع حقوقها. تنوع أساليب الرّدّ على الشّبه المثارة حول الإسلام والنّبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن والسّنّة، والاستفادةُ من بعضِ المصادر الغربيَّةِ، كتقارير أجهزة المخابرات الأمريكيّة والأوروبيّة (¬2)، أو ¬
تقاريرٍ وإحصاءاتٍ رسميّة لبلاد إسلاميّة وعربيّة (¬1). التّركيز على قصص من أسلم من النّصارى، وهو أسلوب له أثره، وخصوصاً إذا كان ملفًّا مرئيًّا لشخصيّة معروفة أو ذاتِ شهرةٍ علميَّة أو نحو ذلك. تنوع أساليب نقد العقائد والشعائر النصرانيّة. تنوع أساليب نقد الكتاب النصراني المقدّس. التركيز على كشف سوء حال وتصرفات بعضِ القائمين على الكنائس في القديم والحديث. (ب) جوانب الضّعف لم تُسجّل الدراسة مواضع ضعف سوى القلّة العدديّة في رسائل هذه المجموعات. ¬
المبحث الثالث: المواجهة عبر خدمات المحادثة
المبحث الثالث: المواجهة عبر خدمات المحادثة تقدَّم في المبحث الثالث من الفصل الأول التّعريفُ بهذه الخدمة التفاعليّة، وبيانُ أهميتها. وقد اختار الباحث هناك التّركيز على موقع واحد يُمثل هذه الخدمة؛ هو موقع البالتوك، وقام بدراسة الجهد الدّعوي التّنصيري من خلاله. ومن المناسب في هذا المبحث الاستمرار في دراسة الموقع نفسه، ولكن من جانب الجهد الدّعوي الإسلامي المواجه للتّنصير، وذلك في المطالب التّالية. المطلب الأوّل: مدخل إلى غرف المحادثة الإسلاميّة يفوق عدد الغرف الإسلاميّة في موقع البالتوك الغرف النصرانيّة بما يزيد على الضّعف (¬1)، غير أنّ هذا يشمل الغرف كلَّها على اختلاف توجهاتها، مع ملاحظة عدم الدّقّة في التوصيف والتّصنيف، لأنّه يرجع إلى منشئ الغرفة، ولا يخضع لضوابط محدّدة من إدارة الموقع. وبالنظر إلى أسماء الغرف الإسلاميّة، يظهر أنّ ما نسبته ستة عشر بالمئة (16%) منها موجّه للرّدّ على النّصارى ومناقشتهم (¬2). وسوف يكون التّركيز هنا على الغرف الثلاث الأولى من حيث عدد الأعضاء في فترة الدّراسة، وهي: غرفة Muslim Christian Dialogue، وترجمتها: "الحوار الإسلامي النّصراني". غرفة: Christians Are Asking Us about Islam، وترجمتها: "النّصارى يسألوننا عن الإسلام". ¬
غرفة: Muslim Christian Dialogue 3، وهي غرفة أخرى للحوار الإسلامي النّصراني (¬1). يظهر الجهد المواجه في هذه الغرف من خلال أسماء الغرف، ورسائلها، وعبارات التّرحيب، والجزء الدّعائي، ومحتوى الحوار النّصي والصّوتي (¬2). وتفصيل ذلك على النّحو التّالي: أولاً: أسماء الغرف باستعراض أسماء الغرف الإسلاميّة المتخصصة في الرّدّ على النصارى، نجد أنّها في الغالب تدور حول: الدّعوة للحوار بين المسلمين والنّصارى (¬3). بيان أنّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولٌ من عند الله (¬4). بيان أن عيسى بن مريم - عليه السلام - رسولٌ من عند الله (¬5). الردّ على النصارى والنّصرانيّة (¬6). بيان حقيقة المسيح والمسيحيّة (¬7). إظهار الدّين الحقّ بين الإسلام والنّصرانيّة (¬8). ¬
ثانياً: رسائل الغرف من الرّسائل التي تحتويها الغرف ما يلي: الإعلان عن مواعيد المناظرات على برنامج البالتوك. دعوة النّصارى للدّخول للغرفة وطرح ما لديهم من تساؤلات. إيراد آيات من القرآن الكريم تردّ على بعض المعتقدات النصرانيّة. إيراد آيات من القرآن الكريم تتحدث عن طبيعة الصّراع القَدَري بين الحقّ والباطل. التّرحيب بالضّيف النّصراني. حمد الله تعالى على نعمة الإسلام. الإعلان عن محاضرات تذاع عبر البرنامج، ويستضاف فيها بعض الدّعاة والمشايخ للحديث عن موضوعات النّقاش والحوار الإسلامي النصراني. الإعلان عن مناشط بعض الغرف، كالاتصالات الهاتفيّة المباشرة بالقسس والكهنة، ومناقشتهم في العقائد والشّعائر النّصرانيّة على مسمع الموجودين في الغرفة. طلب الدّعم المالي للغرفة. ثالثاً: دعايات الغرف في الجزء المخصص للدّعاية، نجد أنّ المحتوى يشمل: الدّعاية للغرفة نفسها، بما يُظهر جوانب التميز فيها. التّرحيب بالزائر النّصراني، وحثّه على النّقاش والتحاور والسؤال. وضع آيات من القرآن الكريم تحث على محاورة النّصارى ودعوتهم. الدّعوة لزيارة مواقعَ على الشّبكة، ومنتديات، وصفحات على الشّبكات الاجتماعيّة. وضع روابطَ لملفات مرئيّة تردّ على النّصارى، في مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
المطلب الثاني: محتوى النقاش في الغرف الإسلامية
رابعاً: عبارات التّرحيب لم أجد في الغرف الإسلاميّة استفادةً من هذه الميزة، وكان من الأجدى تفعيل ذلك، لما له من أثر في نفس الزّائر. خامساً: الحوار النّصي والصوتي نظراً لكون التحاور من خلال الكتابة أو التحدث هو الشكل الأبرز في هذه الخدمة؛ فقد أُفرد تفصيل ذلك في المطلب التّالي. المطلب الثاني: محتوى النِّقاش في الغرف الإسلاميّة في هذا المطلب نفصل القول في بيان المحتوى الدّعوي النّصي والصوتيّ في هذه الغرف. والغالب أنّه محصورٌ في الجوانب التّالية، مع ملاحظة أنّ بعض الصور التي ستذكر هنا؛ يصح إدراجها تحت أكثرَ من جانب: الجانب الأول: الدّعوة الموجّهة للمسلمين. ومن صور ذلك: تدارسُ موضوعات القرآن الكريم من بلاغة وإعجاز وتفسير وغير ذلك. بيانُ نشاطِ بعض الأقليّات النصرانيّة في البلاد الإسلاميّة، وجهودِهم الدّعويّة، وأثرِهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني. الإعلانُ عن البرامج الفضائيّة التي تستضيف بعض أعضاء الغرف، والنّقلُ المباشر لهذه البرامج التي يوضح فيها الضيف الجهود الدّعوية في مناقشة النّصارى ومحاورتهم والرد عليهم. وضعُ روابطَ لأفلامٍ وثائقيّةٍ على مواقع مشاركة الملفات المرئيّة، تبين الجهد التنصيري في بعض البلاد الإسلاميّة، وغير الإسلاميّة. البثُّ المباشر لمحاضراتِ ودروسِ المساجد، والبرامجِ على القنوات الفضائيّة والإذاعات، ممّا له تعلق بمواجهة التّنصير، ومناقشة النّصارى.
بثُّ محاضراتٍ عن التّنصيرِ، وطبيعةِ علاقة المسلم مع غير المسلم، وشرحِ العقائد الإسلاميّة ذات الصّلة بذلك، كعقيدة الولاء والبراء، وغيرها (¬1). الجانب الثّاني: الدّعوة الموجّهة للنصارى. ومن صور ذلك: دعوة النّصارى في الغرف الإسلاميّة، وفي الغرف النصرانيّة، إلى اعتناق الإسلام. الحوار المباشر مع الزّائرين النّصارى، ومناقشتهم في عقائدهم وشعائرهم وكتابهم المقدّس، والاستماع منهم لما يطرحونه حول الإسلام عقيدة وشريعة وكتاباً ونبيًّا وسنّة، ومناقشتهم في ذلك. عقد مناظرات مباشرة عبر الموقع بين الدّعاة المسلمين ونظرائهم النّصارى. وضع روابط لمواقع سجّلت المناظرات الإسلاميّة النصرانيّة كتابةً أو بالصوت والصّورة أو بأحدهما. البيان التفصيلي لمسائل يكثر طرقها من قبل النّصارى، كمسألة النّسخ في الشريعة الإسلاميّة، وفي القرآن الكريم. الاتصال بالقسس ومناقشتهم في العقائد النصرانيّة الأساسيّة، لأجل إظهار عجزهم عن إيراد الرّدود المقنعة، وإظهار ما في كلامهم من تناقض وتهافت. وضع روابط لملفات مرئيّة تحوي شهادات نصارى ونصرانيّات تركوا دينهم وانتقلوا إلى الإسلام. استعراض بعض التّقارير والإحصائيّات الرّسميّة الصادرة في بعض البلاد النّصرانيّة، حول التمييز العنصري، والفساد الخُلُقي من شذوذ واغتصاب وحمل سفاح وزنا محارم وتعذيب جسدي جنسي وبيع لأدوات ذلك، إضافة إلى سوء الحال الأمني بانتشار جرائم القتل والسرقة، وكذا واقع الثقافة الاجتماعيّة والعسكريّة القائمة على الفلسفة البراجماتيّة (¬2) ¬
التي تقدم المصالح على كل الاعتبارات الأخرى. ومناقشة ما نتج عن الأمور السّابقة من انتشار الأمراض الفتّاكة، وتفشي الانحلال الخُلقي، وتدني المستوى الأمني والاجتماعي في هذه الدّول، والتساؤل عن دور الدّيانة النصرانيّة في هذه المجتمعات (¬1). إيراد مقاطع صوتيّة يتحدث فيها بعض النّصارى عن معارضتهم لبعض الشّعائر والأسرار الكنسيّة كالتّعميد والرّشم بزيت الميرون، لما فيها من كشف لعورات الرّجال والنّساء أمام الكهنة، وتمكينهم من لمسها ومسحها. وإيراد مقاطع لبعض كبار علماء الكنائس نفسها يفتون بما يناقض ما يتحدث عنه النّصارى مما تعرضوا له أثناء هذه الطقوس. وضع روابط لصفحات أو تسجيلات صوتيّة لبعض النساء النصرانيات يتحدثن عن ممارسات التعميد والمسح بالزيت لهنّ من قبل الكهنة في الكنائس، بما فيها لمس الأعضاء التناسلية ومسحها. بثُّ مقاطعَ صوتيّةً لنصرانيّاتٍ يذكرن معجزات شفائيّة حصلت لهن ببركة الاستشفاع بالقديسين، والتعليقُ عليها بما يُظهر تناقُضَها ومخالفةَ بعضِ جوانبها للعقيدة النّصرانيّة نفسِها. بثّ بعض التّرانيم النّصرانيّة وتناولها بالنّقد في بعض الجوانب، كوصفها للمسيح - عليه السلام - وأتباعه بما لا يليق. بث رسائل صوتيّة أرسلها بعض المشايخ والدّعاة تعليقاً على بعض المستجدّات التي يكون النّصارى طرفاً فيها (¬2). الجانب الثّالث: مهاجمة النّصرانيّة. ومن صور ذلك: ¬
مناقشة العقائد النصرانيّة مناقشةً نقليّة من الكتاب المقدس، أو عقليّة بالحجج والبراهين المنطقيّة والعقليّة. وضع روابط لمواقع على الشّبكةِ ومنافذِ الخدمات التفاعليّة، تردّ على العقائد النّصرانيّة. الحديث عن التّناقضات في الكتاب المقدّس، والأخطاء العلميّة، والإيرادات الغريبة فيه. وضع روابط لمواد مرئيّة أو صوتيّة تتناول بالنقد كتاب النّصارى المقدّس. إيراد نصوص من كتب كبار علماء النّصرانيّة، وإظهار ما فيها من تناقض وتهافت في شرح العقائد والشعائر وغيرها. الجانب الرّابع: الدّفاع عن الإسلام. ومن صور ذلك: شرحُ الشعائرِ والعباداتِ الإسلاميّة بأسلوب مبسط يُعرّف الآخرين بها على حقيقتها بعيداً عن الصّور الذهنيّة المسبقة المحتوية على ما يخالف الواقع (¬1). الدّفاعُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيانُ سيرتِه وشهاداتِ أعدائه ممّن أنصفه وذكر فضائله. الحديثُ عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والسّنّة المطهرة. عقدُ المقارنات بين الإسلام والنصرانية في الموضوعات المشتركة، كالوصايا العشر (¬2)، والموقفِ من الخمر، وغير ذلك. المشاركةُ في الغرف التنصيريّة بالردِّ على الشبهات، والدّعوةِ إلى الإسلام، والدّفاعِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن والسّنّة. وضعُ روابطَ لمواقعَ ترد على الشبهات المثارة حول الإسلامِ، والنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والقرآنِ، ¬
المطلب الثالث: تقييم المواجهة عبر خدمة المحادثة
والسّنّة. كما تُوضع روابطُ للموادِّ المرئيّة والصوتيّة في هذا الجانب. الحديثُ عن الكتب الإسلاميّة التي تميزت في جانب الرّدّ على النّصارى، وبيانُ جوانب القوّة فيها، والحثُّ على قراءتها. المطلب الثالث: تقييم المواجهة عبر خدمة المحادثة إذا نظرنا إلى خدمة المحادثة من حيث استخدام المسلمين والنّصارى لها في نشر دعوتهم، يمكن أن نخرج بالتصور التّالي: أولاً: من الناحية الكميّة يوفر الموقع فرصةً لقياس الكمِّ العددي للغرف الإسلاميّة والنصرانيّة، وعددِ زوّارها. إلا أنّ الغرف الإسلاميّة ليست مقتصرةً على دعوة النّصارى والردِّ عليهم، بل منها ما يدعو إلى الإسلام، ومنها ما هو متخصص في خدمة القرآن الكريم والسّنّة النبويّة، ومنها ما يمكن تصنيفه داخل دائرة الحرب العقديّة بين الطوائف الإسلاميّة نفسها. ولهذا فالغرف الإسلاميّة أكثرُ عدداً من الغرف النصرانيّة بمقدار الضِّعف بشكل إجمالي، إلا أنّها إذا خصّصت بدعوة النّصارى ومناقشتهم فإنّها ستكون على النِّصف من الغرف النصرانيّة التي سلمت من الحرب الدّاخلية، لأنَّ جلّها يتبع الطائفة القبطيّة الأرثوذكسيّة (¬1). وأمّا من ناحية زوّار هذه الغرف فالعدد في الغرف التّنصيريّة يفوق نظيره في الغرف الإسلاميّة (¬2)، إلا أنّ ذلك ليس مقياساً دقيقاً لحجم النّشاط، بسبب التداخل في الأعضاء من أتباع الدّيانتين؛ بُغية الدّعوةِ أو مجردِ معرفةِ ما لدى الآخر، أو غيرِ ذلك من الدّوافع. ¬
ومهما يكن من أمر فإنّ هذه الإحصاءات لا تعطي دلالة قاطعة على تفوق أحد الجانبين على الآخر، إلا أنّها تُظهر حرص الفريقين على التنافس في تسخير هذه الخدمة التفاعليّة المؤثرة، في الجانب الدّعوي. ثانياً: من النّاحية النّوعية ينبغي التنبه هنا إلى أنّ الجهدَ الإسلاميَّ المبذولَ في استخدام هذه الخِدمة في مقاومة التّنصير يشملُ الغرف الإسلاميّة، والغرف النصرانيّة. ففي الغرف النصرانيّة يدخل بعضُ المسلمين لبيان الإسلام، وردّ المطاعن الموجّهة تجاه عقائده وعباداته وكتابه ونبيّه الكريمِ - صلى الله عليه وسلم -. ويُلحظ هنا الضّعف العلمي لكثيرٍ من هؤلاء المُداخلين المدفوعين بالحماسة والغيرة الدينيّة، وهي انفعالٌ محمودٌ، لكنّ الواجبَ تقييده وحصره فيمن يمتلك من العلم والدّين ما يدفع عنه مخاطر هذه الغرف، ويحقق المصلحة في دعوة هؤلاء وردِّ تجنيهم على الإسلام. وقد تقدَّم التنويه لهذا عند ذكر ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليَّة (¬1). وبدراسة واقع الغرف الإسلاميّة، يمكن الخروج بتصور عن جوانب القوّة والضعف فيها، على النحو الآتي: (أ) جوانب القوّة وجود جهدٍ كبيرٍ متنوّع. فقد تمت الاستفادة من النّوافذ الجانبيّة في هذا البرنامج، كأسماء الغرف، ورسائلها، ودعاياتها. ثمّ في الجانب الأساسي للموقع، وهو الحوار النصّيّ والصّوتي؛ تنوّع الجهد في أربعة جوانب ذُكرت في المطلب السّابق، وخرجت بصورة تغطي نظائرها في الغرف التنصيريّة. التركيز في نقد العقائد والعبادات النصرانيّة على نصوص الكتاب المقدّس عندهم، وهو مسلك جيّد. ¬
التركيز في نقد الكتاب المقدّس عند النّصارى على أقوال علماء النّصارى أنفسِهم، وعلى ما حوته موسوعاتهم المعتمدة عندهم، وهو مسلك جيّد. انتهجت إحدى الغرف الإسلاميّة الاتصال الهاتفيّ برؤساء وكهنة الكنائس القبطيّة في مصرَ، ومناقشتهم في الكتاب المقدّس والعقائد والطّقوس النّصرانيّة. وهو أسلوب جيّد في إظهار افتقار هؤلاء إلى الأدلة النقليّة والعقليّة التي تسند ما هم عليه من معتقداتٍ لا يقبلون فيها طعناً مع أنّهم لا يمتلكون لها مستنداً. الاستفادةُ من تقنية التّوليف (المونتاج)، في إنتاج واستخدام بعض الملفات المرئيّة. (ب) جوانب الضَّعف قلّة الاهتمام بإظهار سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحديث عن معجزاته. وكذا سير أصحابه الكرام، ومن جاء بعدهم من التابعين والعلماء المبرّزين، مع إبراز الجوانب الإنسانيّة في ذلك، وهو أسلوب يتبعه النّصارى فيما يختص بعيسى - عليه السلام - وأتباعه من الحواريين وغيرهم، فكان من المفيد استخدامه في دعوتهم. قلّة التركيز على الجوانب العاطفيّة، وهي اللغة التي يفهمها النّصارى ويركزون عليها. فكان من المفيد إظهار جوانب الرّحمة والعدل والتّسامح في الإسلام، وكذا جوانب محبّة المسلم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللقرآن وللمسلمين أجمعين، ومحبة المسلم لهداية الخلق كلِّهم للإسلام لسعادتهم في الدنيا وفلاحهم في الأخرى، وحرصه على ذلك. تغليبُ جانبِ الهجوم والنقد للكتاب المقدّس والعقائد والشعائر النصرانيّة، على جانب دعوة النّصارى إلى الإسلام بالحكمة والموعظة والأسلوب الحسن. وجودُ بعضِ المسلمين ممن ينتهج أسلوب السبّ والشتم والاستهزاء بما هو عند النصرانيِّ محلُّ تقديس وتعظيم. وهو شيء ينفّر المدعوين، والواجب ترك ذلك، وعدم الاحتجاج بانتهاج بعض النّصارى لهذا الأسلوب. ويُلحظ أنّ هذا من نقاط الضّعف التي يستغلها بعض المنصرين للاستعلاء على المسلم وإظهار ضعف حجّته. الأغلب في جانب عرض الإسلام أنّه لا يعرض بشكل سهل مبسّط قريب إلى القلوب، في الوقت الذي يكون ذلك واضحاً عند النّصارى، مستغلين انحصار النّجاة عندهم
في الإيمان بعيسى - عليه السلام - مخلّصاً، وتلَخُّصَ رسالته في المحبّة والسّلام؛ كما يُظهرون. يدخل إلى هذه الغرف مشاركاً ومشاهداً مستمعاً من ليس عنده تأهيل دعوي، وفي هذا إضرار بالدّعوة إذا شارك بالكتابة أو التحدث، فضلاً عن الضرر الذي يلحق به في ذات نفسه، وقد تقدَّم التنويه لهذا عند ذكر ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليَّة (¬1). ضعفُ الاستفادة من بعض إمكانات الموقع، ومن ذلك عباراتُ التّرحيب المبرمجةِ عند دخول الزّائر للغرفة. ¬
المبحث الرابع: المواجهة عبر الشبكات الإجتماعية
المبحث الرّابع: المواجهة عبر الشبكات الإجتماعيّة تقدّم في المبحثِ الرّابع من الفصل الأول؛ التعريفُ بهذه الخدمة، وبيانُ تاريخ نشأتها، والأسبابِ التي جعلت لها أهميةً كبرى بين باقي الخدمات التفاعليّة. كما تقدّم استعراضُ أهمِّ الشبكات الاجتماعيّة بإجمال، مع تفصيل الحديث عن إحداها، وهي "شبكة الفيسبوك"، بوصفها الشبكةَ الاجتماعيّةَ الأولى من حيثُ عدد المشتركين. وهناك دُرست جوانب استفادة المنصرين من هذه الخدمة في عملهم الدّعوي. وفي هذا المبحث سيكون الحديثُ عن الجهود الإسلاميّة في الاستفادة من هذه الشّبكة بشكل عامٍّ، وفي مواجهة العمل التّنصيري بشكل خاصّ. وقد تفطّن كثيرٌ من الدّعاة إلى أهميّةِ هذه الوسيلة في الدّعوة والدّفاع، وقوّتِها في تنوع الوسائل والطرق والأساليب الدّعوية المخاطبة للعقل والعاطفة والعين والأذن على السّواء. فكتبوا في بيان أهميتها، وفي الحث على الدّعوة من خلالها، وفي التعريف بكيفيّة التعامل معها لتسخيرها في سبيل الدّعوة وخدمة الدّين (¬1). ثمّ شرعوا فعليًّا في عمل ذلك، من خلال إنشاء الصّفحات والمجموعات، والاستفادة من التّطبيقات البرمجيّة القويّة التي يوفّرها الموقع، على النحو الذي سيتم بيان شيءٍ من جوانبِه في المطلبين التاليين. المطلب الأول: نشر الإسلام من خلال شبكة الفيسبوك فتحت هذه الشّبكة الاجتماعيّة أبواباً كثيرةً للدّعوة إلى الله تعالى، ونشر دينه، من خلال ما وفّرته من إمكانات. ويمكن حصر أهم جوانب ذلك في التالي (¬2): الجانب الأول: التشبيك الاجتماعي ¬
وهو المسمّى في عُرف الموقع بالصّداقات. ويُمكن من النّاحية النّظريّة؛ إنشاء العديد من الرّوابط الاجتماعيّة، وممارسة الدّعوة من خلالها، سواءً كان ذلك بمعرفةٍ مسبقة للطّرف الآخر، أو بالبحث عنه بالمفردات الشائعة، وإرسال طلبٍ إليه؛ يتضمن رسالة مختصرة مؤثرة. وهي ميزة يوفرها الموقع، ويمكن استغلالها إذا أُحسنت الصّياغة الدّعويّة. وبمجردِ قَبولِ الطّرف الآخر لطلب الصّداقة؛ فإنّه سيكون مطّلعاً على كامل محتويات صفحتك الدّعوية على هذا الموقع. فتكون محتوياتُها النّصية والصوريّة والصوتيّة والمرئيّة أدواتٍ دعويّة، ناهيك عن الدّعوة المباشرة. ومهما يكن من أمر، فإنّ لجانب الصّداقات أثراً؛ فالمرء على دين خليله (¬1). ولكنّ معرفة تفاصيلِ هذا الأثرِ تحتاج إلى بحث ميداني متعمّق، واستباناتٍ تستطلع آراءَ شريحة من المستخدمين. الجانب الثاني: الحائط وهو مكان مخصص في الأصل للمحتوى الكتابي؛ إلا أنّه صارَ يحوي أنواعَ الوسائط المتعددة كلِّها. ومن خلاله تُكتب الموضوعاتُ النصيّةُ في الحثِّ على الدّعوة وبيان أهميتها ومنزلة أهلها، وتذاكرِ سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتبادلِ الفوائدِ العقديّة والفقهيّة والسلوكيّة، والتأملاتِ في الآي والأحاديث، وعرضِ حوادث التاريخ الإسلاميّ المبيِّنة عظمةَ الإسلامِ وأتباعِه. وفيه تُمدُّ يد العون والمساعدة لمن أراد التّعرفَ على الإسلام، أو الدّخولَ فيه ولو سرًّا، وذلك بطرح وسائلَ للتّواصل؛ كالبريد الالكتروني والهاتف وصفحات الشّبكة (¬2). ¬
ومن خلاله يُخدمُ كتابُ الله تعالى، وسُنّةُ نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، بنشر الموضوعات المتعلقة بهما. كما أنّ بعض الصّفحات انتهجت التّعريف بالإسلام باللغات المتعددة، مستغلة أنواع الوسائط المتعددة التي يتيحها الموقع (¬1). والحائطُ أشبهُ ما يكون بالمجلّة الدّعويّة التي يسهلُ على الدّاعي وضعُ ما شاء فيها من كتاباتٍ وصورٍ وملفات مرئيّة ونحوها. وفيه ميزة التّعليق على المحتويات، فيكتب الدّاعي تعليقه على المحتوى بما يخدم الدّين، سواءً كان ذلك في صفحات المسلمين أو غيرهم. الجانب الثّالث: المجموعات وهي خدمة مشابهة تماماً لخدمة المجموعات البريديّة التي تطرق لها البحث في المبحث الثاني من هذا الفصل، فيحسن الرجوع إليه. الجانب الرّابع: ملفات الصور وهو التطبيقُ الأكثرُ استخداماً في هذا الموقع. ومن خلاله نُشرت الصّور والتصاميم الخادمة للدّين، كتلك التي تعرض الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة والمواعظ، وتُبرز فضائل الشعائر والمفاهيم الإسلاميّة، أو تَعرضُ المقدّساتِ الإسلاميّة كالحرمين والمساجد والمصحف الشّريف وغير ذلك. ومن الخدمات التفاعليّة المهمة في جانب الصور؛ إتاحة التعليق عليها. ولهذا تشهد ساحة التعليقات حرباً دينيّةً؛ سيأتي مزيد توضيح لها في المبحث الخامس من هذا الفصل عند الحديث على التعليقات على الملفات المرئيّة، فإنّ ظهورها هناك أوضح وأكبر. الجانب الخامس: الملفات المرئيّة وتنشر من خلالها الملفات المرئيّة الإسلاميّة. الجانب السادس: الروابط ومن خلال هذه النافذة استفاد العمل الدّعوي الإسلاميّ، بوضع روابط بعضِ المواقع ¬
المطلب الثاني: مواجهة التنصير من خلال شبكة الفيسبوك
الإسلاميّة، كالمواقع الإسلاميّة الكبرى، ومواقع القنوات الفضائيّة والإذاعيّة الإسلاميّة التي تبث من خلال الشّبكة العالميّة. الجانب السّابع: الأحداث وقد استفاد العمل الدّعوي من هذا التّطبيق، بالدّعاية إلى المناشط الإسلاميّة، كالمحاضرات وإلقاء بعض الدّعاة للخطب، ونحو ذلك. الجانب الثّامن: التطبيقات وقد احتسب بعض المبرمجين، بنشر بعض البرامج الحاسوبيّة المتوافقة مع الموقع. ولعل من أهمها؛ تطبيق "المصحف الجامع"، وهو تطبيق قويّ مجانيّ، يخدم كتاب الله وعلومه، وذلك بعرض النص القرآني، وتوفير القراءة الصوتيّة له، مع التّفسير والإعراب والتّرجمة والقراءات والمتشابهات والمعجم وخدمة البحث. ومنها تطبيق "ذكر الله"، وموضوعُه الأذكارُ والأحاديثُ ومعاني أسماء الله الحسنى. وهناك تطبيقات لتشغيل القنوات الفضائيّة والإذاعيّة من خلال الموقع. المطلب الثاني: مواجهة التنصير من خلال شبكة الفيسبوك يمكن رصد بعض الجهود المبذولة في مقاومة العمل التنصيري من خلال هذه الشّبكة، من خلال الصّفحات والمجموعات، وذلك في الجوانب التّالية: الجانب الأول: التشبيك الاجتماعي يُمكن من النّاحية النّظريّة؛ إنشاء روابط اجتماعيّة مع الدّعاة إلى النصرانيّة، والمشككين في الإسلام، بُغية التأثيرِ عليهم، ودعوتِهم إلى الإسلام، والإجابةِ على ما يثيرونه من شكوك وشبهٍ، والحدِّ من نشاطهم في الدّعوة وإثارة الشّكوك والمطاعن. ويُمكن الوصول إلى هؤلاء بالاطّلاع على الصّفحات الناشطة في الهجوم على الإسلام عبر هذه الشّبكة الاجتماعيّة.
الجانب الثاني: الحائط وتُنشرُ فيه الموضوعاتُ النّصية المتحدثة عن العمل الدعوي التنصيري في بعض بلاد المسلمين (¬1). وكذا التعريفُ بالمواقع التّنصيريّة البارزة، وكشفُ ما فيها من أساليبَ وحِيَل. والحديثُ عن القنوات الفضائيّة التنصيريّة، وتعريةُ ما يُعرض في برامجها من هجوم على الإسلام (¬2). ويدخل في ذلك بيانُ المفاهيم والتعاليم الإسلاميّة، بصورةٍ نقيّة مبسّطة صحيحة، لئلا يشوَّش على النّاس بإلصاق ما ليس منها بها. والدّفاعُ عن القرآن والسنّة، وبيانُ وجوه الإعجاز فيهما، على اختلاف أضربه (¬3). ¬
والرّدّ على الشّبهات المثارة حول صفات الله - عز وجل - في القرآن الكريم، وحول النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وهناك صفحات في الدّفاع عن الصّحابة، وإظهار فضائلهم وعلو منزلتهم (¬2). وهناك موضوعاتٌ في نقد الكتاب المقدس، والعقائد والشعائر والطّقوس النصرانيّة (¬3)، وما يسمونه بالمعجزات والظهورات (¬4). وموضوعاتٌ في الدّعوة للمساهمة في دعم الداخلين في الإسلام. وموضوعاتٌ في شرح كيفيّة استخدام الخدمات التفاعليّة الأخرى في نشر الإسلام ومقاومة التنصير. ومن ذلك موضوعات مدعّمة بالوسائط المتعددة فيما يتعلق بقصص الدّاخلين في الإسلام من النّصارى. ونشر البرامج الحاسوبيّة المتخصصة في جمع المواد النّصّيّة والصوتيّة والمرئيّة في نقد النصرانيّة والدّفاع عن الإسلام (¬5). الجانب الثالث: ملفات الصور وهنا تُنشر التصاميم الناقدة للعقيدة النصرانيّة، والكتاب المقدس، والشعائر والطّقوس والتّرانيم. وتُورد شواهدُ في ذلك عن طريق مصوّراتٍ من كتب النصارى أنفسِهم. وكذا التصاميم الفاضحة لبعض تصرفات دعاة التنصير في صفحات الموقع والمجموعات التنصيريّة فيه، أو في الشبكة العالميّة، مع كشف حجم العمل التنصيري في بعض البلاد الإسلاميّة، وأشكاله، وطرقه (¬6). ¬
المطلب الثالث: تقييم المواجهة من خلال شبكة الفيسبوك
ويُشار هنا إلى خدمة التعليق على الصّور، وهي مزيّة تفاعليّة قويّة، استفاد العمل المُواجِه منها في رد الشبه وبيان التأصيل الصّحيح لما شاع إلصاقُه بالإسلام ظُلماً. ولعلّ في المبحث الخامس من هذا الفصل مزيدُ توضيح وبيان. الجانب الرّابع: الملفات المرئيّة وتُنشر من خلالها الملفات المرئيّة المقاومة للعمل التنصيري، كتلك المحتوية على ردود الشبهات والمطاعن، أو التي تسلط الضوء على الجهود التنصيريّة من خلال مختَلف الوسائل. وفي المبحث الخامس من هذا الفصل شيءٌ من التّفصيل حول هذا. الجانب الخامس: الرّوابط ومن خلال هذه النافذة استفاد العمل الدّعوي بوضع روابطِ المواقعِ المتميّزة في مناقشة النّصارى ومناظرتهم، وردّ ما يكررون طرحَه من شبهٍ ومطاعن. المطلب الثّالث: تقييم المواجهة من خلال شبكة الفيسبوك إذا نظرنا إلى خدمة الشّبكات الإجتماعيّة مُمَثَّلَةً بهذا الموقع، من جهةِ استخدامِ المسلمين والنّصارى لها في نشر دعوتهم، يمكن أن نخرج بالتصور التّالي: أولاً: من الناحية الكميّة لا توفر الخدمة مقاييس عدديّة منضبطة يمكن الاعتماد عليها في إعطاء إحصاء رقمي لعدد الصّفحات والمجموعات، فضلاً عن محتوياتها. ولهذا فإنّه يتعذّر الحكم من الجهة العدديّة، مع التسليمِ بأنّ التفوّق العددي ليس مقياساً، ولا ينبغي أن يكون هدفاً إذا كان على حساب الكيف. ثانياً: من النّاحية النّوعية يتسم الجهد الدّعوي عبر هذه الشّبكة الإجتماعيّة -في العموم- بتنوّع مواده، وشمولها مقابلَة نظيرها في جُهد النّصارى ودعوتهم.
وبدراسة هذا الجهد، يمكن أن نخرج بتصور عن جوانب القوّة والضعف فيه، على النحو الآتي: (أ) جوانب القوّة الجهد الواضح في جانب الرد على الشبهات التي يكرر النّصارى طرحها. توثيق النّقول من الكتاب المقدّس، ومؤلفات النّصارى، ومواقعهم على الشّبكة العالميّة، والملفات المرئيّة لكبار علمائهم ومفكريهم. التّركيز على وسائط المنتقلين إلى الإسلام من النّصرانيّة. استخدام تقنيات الترحيب بالزائر، كطباعة الاسم داخل إطار مزيّن بالصّور والرّموز، ومن ثمّ دعوته للمشاركة في الصّفحة ودعوة أصدقائه على الموقع للزّيارة والمشاركة. التّواصي بجعل الصّفحات الإسلاميّة الأكثر إعجاباً، مما يُسهم في انتشارها وكثرة زوّارها. (ب) جوانب الضّعف قلّة الصفحات المتبنية لنشر عقيدة السّلف الصالح النقيّة من شوائب البدع والمحدثات. تضمن بعض المحتوى الدّعوي لبدع ومحدَثات، مع التنبه هنا إلى أنّ التوثيق في هذا الموقع معدوم، فقد يتحدث باسم الإسلام أشدُّ النّاس بغضاً له، ثم يخلط في صفحته بين الحق والباطل. قلّة عدد أعضاء المجموعات الإسلاميّة المتخصصة في الرد على النصارى، وضعف اختيار الإعجاب، مما يعطي انطباعاً أوليًّا بقلّة الإقبال عليها. اتصاف النّشاط بالفرديّة، والبعد عن العمل الجماعي المؤلِّف والموجِّه للجهود. قلّة التطبيقات الخادمة للإسلام، وندرتها في جانب مقاومة العمل التنصيري، وتأخرها عن نظيراتها في الصفحات النصرانيّة، حيث تكثر هناك التطبيقات البرمجيّة وتتنوع.
عدم الاستفادة من ميزة "الأحداث" في الموقع في جانب المقاومة للتّنصير، ولعلّ ذلك يرجع إلى قلّة الفعاليّات التي يقيمها المسلمون في هذا الخُصوص، أو التّقصير في جانب الإعلان عنها، أو ضعف اهتمام روّاد الموقع بذلك.
المبحث الخامس: المواجهة عبر مواقع مشاركة الملفات المرئية
المبحث الخامس: المواجهة عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة سبق في المبحث الخامس من الفصل الأول تعريف هذه الخدمة التفاعليّة، وبيان أهميتها، واختيار أحد أهم المواقع الممثلة لها، والتعريف به، وبيان أهميته، ودراسة جوانب استفادة المنصرين منه في عملهم الدّعوي. وفي هذا المبحث سندرس جانب العمل الإسلاميّ المقاوم للجهد التنصيري في ذات الموقع، وذلك ليسهل لنا إقامة المقارنة بين الجهدين. وبشكل إجماليٍّ، فإنّ المقاومة هنا تأخذ الأشكال التّالية: أولاً: نشر الملفات المرئيّة. ثانياً: إنشاء القنوات داخل الموقع (¬1). ثالثاً: كتابة التعليقات على الملفات المرئيّة. وينبغي التنبيه هنا إلى أنَّ نشر الإسلام من خلال هذه المواقع يُعدُّ شكلاً من أشكال مقاومة العمل التنصيري، إلا أنّ إعطاء ذلك حقَّه من الدراسة يستلزم بحثاً مستقلاً، ولهذا سيكون الحديث مقتصراً على الجهد المقاوم للتنصير بشكل مباشر. وتوضيح ذلك في المطالب التّالية. ¬
المطلب الأول: مواجهة التنصير من خلال الملفات المرئية في اليوتيوب
المطلب الأوّل: مواجهة التنصير من خلال الملفات المرئيّة في اليوتيوب يمكن تقسيم الملفات المرئيّة المندرجة تحت تصنيف المواجهة إلى خمسة أقسام (¬1)، نوردها هنا مع بعض الأمثلة المندرجة تحتها، وبعض الشّواهد عليها من الموقع بغرض التّمثيل، مع ملاحظة صلاحيّة بعض هذه الأمثلة لتكون مثالاً على أكثر من قسم. القسم الأول: الملفات التي تعرض الإسلام وما يتعلق به، ومن أمثلتها: شرح الكتب التي تحدثت عن العقيدة الإسلاميّة، مما له تعلق بالنّصارى (¬2). نشر دروس الدورات العلميّة العقديّة التي عقدت في بعض الجوامع (¬3). إنتاج مقاطع باللغة الإنجليزيّة لتوضيح عظمة الإسلام من جهة تراحم أهله وإحسانهم إلى بعض وزيارتهم المريض منهم ومساعدتهم المحتاج (¬4). إنتاج مقاطع باللغة الإنجليزيّة للتعريف بالإسلام بشكل مبسّط؛ يعرض أركان الإسلام، وأهم العقائد والعبادات، ويعرف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعرف بالقرآن الكريم وجوانب إعجازه، ويضع روابط لمواقع متخصصة في هذا الجانب، يمكن للزائر النصراني وغيره الإفادة منها (¬5). القسم الثاني: الملفات التي تدعو النّصارى لاعتناق الإسلام، ومن أمثلتها: عرض الملفات المرئيّة التي يتحدث فيها بعض من انتقلوا من النصرانيّة إلى الإسلام، عن أسباب تحولهم، وعن المقارنة بين أحوالهم في النصرانيّة وفي الإسلام (¬6). ¬
ملفات مرئيّة تُظهر عرض الإسلام لبعض النّصارى، ثمّ الإجابة عن استفسارتهم، ومناقشتهم في الشّبه العالقة في أذهانهم، ومن ثمَّ اقتناعهم ونطقُهم بالشهادتين وانضمامهم إلى الأمّة المحمديّة (¬1). نشر المقاطع التي فيها تقارير جهات غربيّة، تتحدث عن انتشار الإسلام في العالم (¬2). نشر المقاطع التي عرضتها قنواتٌ إخباريَّةٌ غربيّة، تُظهر أنّ حُسن أخلاق المسلمين في البلاد الغربيّة يُدهش غيرَ المسلمين، ويتسبب في انجذابهم للإسلام ودخولِهم فيه (¬3). القسم الثالث: الملفات التي تهاجم النصرانية والنّصارى، ومن أمثلتها: نقد العقائد والشعائر والطقوس النّصرانيّة (¬4). إظهار المخالفات الأخلاقيّة التي تقرها الكنيسة، أو تمارس داخل أسوارها (¬5). نقد الكتاب المقدّس من جهة الأسانيد، أو النّصوص، أو المحتوى غير اللائق، أو غير ذلك (¬6). نقل محاضرات ومناظرات كبار من ناقش النّصارى وجادلهم، كاملةً أو باقتطاع ¬
بعض المشاهد المؤثرة منها (¬1). نقل وترجمة مقاطع من محاضرات علماء النّصارى الذين نقدوا الكتاب المقدّس (¬2). نشر المقاطع التي تبين إرهاب النّصارى الأمريكيين في العراق، وعبثهم فيها قتلاً وإبادة (¬3). ملفات مرئيّة تحوي بعض الحوارات التي جرت في غرف المحادثة في "البالتوك"، بين مسلمين ونصارى، في شكل من التوليف (المونتاج) (¬4). نقل الأفلام الوثائقيّة التي أنتجها نصارى مما يثير تساؤلاتٍ حول أمور كانت لقرون عديدة محل تسليم وقبول عند النّصارى، لا يتطرق إليه أدنى شك (¬5). مقاطع عن البشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب النصرانيّ المقدّس (¬6). نشر هائيّة ابن القيم في الرّدّ على النّصارى (¬7). ¬
القسم الرّابع: الملفات التي تدافع عن الإسلام، ومن أمثلتها: الرد على شبهات المنصرين المتحدثين في القنوات الفضائيّة (¬1). إظهار عظمة الإسلام من جهة محافظة أتباعه على أداء أهم شعائره الظّاهرة، وهي الصّلاة، ولو كان ذلك على أرصفة الشّوارع في البلاد النّصرانيّة، لعدم تيسر أدائها في المساجد هناك، لعدمها أو قلّتها (¬2). الرّدّ على الشبه المثارة حول القرآن الكريم (¬3). الرّدّ على الشبه المثارة حول السّنّة النبويّة المطهّرة (¬4). الرّدّ على الشبه المثارة حول النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). الرّدّ على الشبه المثارة حول بعض الجوانب التشريعيّة في الإسلام (¬6). كشف الأساليب التي تتبعها بعض القنوات التّنصيريّة في صياغة الشبهات، وبيان ما فيها من مخالفة للمنهج العلمي الصحيح، ومجانبة للأمانة العلميّة في النّقل، وانتهاج للتدليس ¬
أو الكذب الصّريح أحياناً (¬1). إظهار عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من خلال الحديث عن سيرته ودلائل نبوّته وأخلاقه الكريمة (¬2). مقاطع في الدّفاع عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيان مكانتهم وفضلهم وجهادهم ودعوتهم (¬3). بيان موقف الإسلام من غير المسلمين عامّة، ومن الكتابيين خاصّة، ومن النّصارى على وجه أخص (¬4). الإعجاز العلمي في الكتاب والسّنّة (¬5). مناقشة الملفات المرئيّة لمن زعموا تحولهم من الإسلام إلى النّصرانيّة، والرّدّ على ما فيها من مطاعن في الإسلام (¬6). القسم الخامس: الملفات التي تتحدث عن واقع العمل التّنصيري ومقاومته، ومن أمثلتها: تسليط الضوء على الجهود التنصيريّة في شتّى البلاد (¬7). ¬
نشر المقاطع الشخصيّة التي يقوم بتسجيلها بعض طلبة العلم في الرد على النصرانيّة (¬1). نقل مقاطع عن المؤتمرات التي عقدت في بعض البلاد الإسلاميّة لمقاومة التّنصير (¬2). نشر المحاضرات المرئيّة التي تحدث فيها بعض العلماء والمشايخ وطلبة العلم عن العمل التنصيري (¬3). نقل مقاطع لعمليات تنصير تمارس مع أطفال المسلمين (¬4). مقاطع لتعليم كيفيّة الاستفادة من خدمات الشبكة العالميّة في الدّعوة إلى الله تعالى والدفاع عن الإسلام ومواجهة التّنصير (¬5). بيان نماذج من الطّرق الحديثة التي تكتسب بها العلوم والمعارف الإسلاميّة، كتلك البرامج الحاسوبيّة التي تمكن مستخدمها من مشاهدة القنوات الإسلاميّة الفضائيّة أو الشخصيّة، التي تُعنى بالقرآن والعلوم الدينيّة، وتبث من خلال الاتصال بشبكة المعلومات العالميّة (¬6). بيان أهمية الدّعوة إلى الله، وكيفيّة دعوة النّاطقين بالإنجليزيّة، ووسائل ذلك عبر خدمات الشّبكة العالميّة (¬7). ¬
المطلب الثاني: مواجهة التنصير من خلال التعليقات التفاعلية في اليوتيوب
تشجيع المسلمين على الدّخول في مجال دعوة النّصارى، وذلك بعرض نماذج نجحت في هذا المجال؛ على قلّة إمكاناتها. وذلك لاحتذائها، والاستفادة من طرق المجادلة فيها، وأخذ التصور المسبق عمّا لدى المخالف من طعون (¬1). الحديث عن الاستشراق، والتعريف به، وبيان مناهجه وأهدافه وكبار رجاله؛ بوصفه أمراً له تعلّقٌ بالعمل التّنصيري (¬2). المطلب الثّاني: مواجهة التنصير من خلال التعليقات التفاعليّة في اليوتيوب مع كلِّ ملفٍّ مرئيٍّ ذي محتوى ديني؛ إسلاميٍّ أو نصرانيٍّ في هذا الموقع؛ تنشأُ -في الغالب- حربٌ عقديّة في الجزء المخصص للتعليقات. ولأنّ الحديث هنا عن جانب المقاومة؛ فإنّ التعليقات التي يكتبها المسلمون في الملفات بنوعيها غالباً ما تدور حول الآتي: الرّدّ على شبهات ومطاعن النّصارى. نقد العقائد النصرانية عقلاً ونقلاً من مصادر نصرانيّة. نقد الكتاب النصراني المقدّس. نقد العبادات والطّقوس النصرانيّة. الدّعوة المباشرة للنّصارى لاعتناق الإسلام. بيان عظمة الإسلام والقرآن والسّنّة والنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -. الحديث عن جوانب الإعجاز في القرآن والسّنّة. بيان موقف الإسلام من عيسى - عليه السلام - وأمّه الصّدّيقة. ¬
المطلب الثالث: تقييم المواجهة من خلال مواقع مشاركة الملفات المرئية
إبداء اعتزاز المسلمين بدينهم، وأنّ ما يطرحه المخالفون من شبهات وطعون؛ لا تزيد المسلم إلا تمسكاً بدينه، ومُضِيًّا في طريق الدّعوة إليه. إبلاغ إدارة الموقع بالمحتوى المخالف لضوابط الموقع المانعة لما يسب معتقدات النّاس ومقدَّساتهم. المساهمة في تكوين ما يُسمَّى بالصوت الجماعي، وذلك بالموافقة على التعليق أو رفضه. وضع روابط لمواد دعوية في الموقع نفسه، أو في غيره على الشّبكة العالميّة. المطلب الثّالث: تقييم المواجهة من خلال مواقع مشاركة الملفات المرئيّة إذا نظرنا إلى خدمة تشارك الملفات المرئيّة، من حيث استخدام المسلمين والنّصارى لها في نشر دعوتهم، يمكن أن نخرج بالتصور التّالي: أولاً: من الناحية الكميّة لا توفر الخدمة مقاييس عدديّة منضبطة يمكن الاعتماد عليها في إعطاء إحصاء رقمي لعدد الملفات المرئيّة، أو القنوات، أو التّعليقات. وسبب ذلك أنّه لا يوجد ضمن تصنيفات الموقع شيء يختص بالأديان، ولا يقوم الموقع بتسمية أو تصنيف الملفات المرئيّة والقنوات، بل يترك ذلك لأعضاء الموقع أنفسِهم. وهذا الشيء يفقدنا ميزة المقارنة والإحصاء الرّقمي، مع الجزم بوجود كمٍّ عددي دعوي كبيرٍ من الجانبين. ثانياً: من النّاحية النّوعية بدراسة الجهد الإسلامي في جانب الملفات المرئيّة في هذا الموقع، يمكن أن نخرج بتصور عن جوانب القوّة والضعف فيها، على النحو الآتي:
(أ) جوانب القوّة تنوع الطرق الدّعوية، ما بين عرض للإسلام ودفاع عنه، ونقد للنّصرانيّة ودعوة لأتباعها للتحول عنها إلى الإسلام، إلى غير ذلك. تنوع سبل الاستفادة من الموقع، وذلك باستخدام كافة إمكاناته، من ملفات مرئيّة، وقنوات، وتعليقات تفاعليّة على محتوىً إسلاميٍّ أو نصرانيٍّ، وإبلاغ عن الملفات التي تتجاوز النقد إلى الشّتم والوقيعة، وتفعيل لخدمة الإعجاب وعدمه بُغية التّأثير على النّظرة المسبقة للمطلع الجديد على المحتوى. استخدام عملية التوليف (المونتاج) لإعطاء مزيد من التأثير، وذلك بإضافة الآيات القرآنية المتلوة بأداء مؤثر، وكذا التعليقات النصيّة والصوتيّة. تعدد مصادر الملفات المرئيّة، وشمولها لمصادر نصرانيّة؛ كالمقاطع المستقاة من الأفلام الوثائقيّة المصورة داخل الكنائس، وغيرها. توثيق الردود بإدراج صفحات مصورة من الكتاب النصراني المقدس، ومن كتب مؤلفين نصارى (¬1). توثيق العمل التنصيري القائم على استغلال المشردين والمدمنين والمنبوذين واللقطاء وأطفال الشوارع، وكيفيّة تجميعهم وتقديم المأوى والمأكل والمشرب والأنشطة الترفيهيّة والرياضيّة لهم، وفي كل ذلك يلقنون العقيدة النصرانيّة، ويدرسون الكتاب المقدس (¬2). التركيز على قصص المتحولين من النصرانيّة إلى الإسلام، واستخدام المؤثرات الصوتيّة وغيرها في هذه الملفات (¬3). ¬
التركيز على عرض المناظرات. استخدام أسلوب المقارنات، وذلك لإظهار محاسن الإسلام في مقابل مساوئ النصرانيّة المحرّفة (¬1). المزاوجة بين أسلوبي الهجوم والدّفاع. الهجوم المتمثل في نقد العقائد والطقوس النصرانيّة والكتاب المقدّس. والدّفاع المتمثل في رد الشبه المثارة حول القرآن والسنة والنبي - صلى الله عليه وسلم - والجوانب التشريعيّة وغير ذلك، وفي بيان عظمة هذه الجوانب، وفي إظهار جوانب التميز في أحوال المسلمين قديماً وحديثاً؛ كإسهام المسلمين في مسيرة الحضارة، ومشاهد محافظة المسلمين على صلواتهم في كل مكان، ومظاهر اجتماعهم في الحج وصلوات الأعياد. الاستفادة من الموارد النصرانيّة الأصل، مما يكون فيه نقد للنصرانيّة من داخلها. وذلك كالأفلام الوثائقيّة التي أنتجها نصارى في نقد بعض العقائد، والرّبط بينها وبين الديانات الوثنية القديمة. وكالأفلام التي أنتجوها عن بعض الأناجيل التي ترفضها الكنيسة اليوم. لم أجد فيما وقفت عليه مجاراةً للنّصارى في استخدام طرق التّدليس والخداع والتزييف. (ب) جوانب الضّعف الإبقاء على اللقطات الفاضحة في بعض المقاطع المبينة لتجاوزات رجال الكنيسة في طقوس التعميد ومباركة الزوجين وغيرها. ومرد هذا إرادة فضح هذه التجاوزات، إلا أنّ ¬
هذا الهدف لا يبرر ذلك المسلك (¬1). الإبقاء على بعض المخالفات كالموسيقى وصور النساء المتبرجات. قلّة الملفات التي تعرض موقف الإسلام من نبي الله عيسى - عليه السلام -، وأمِّه، والحواريين، ومن بقي على ما جاء به المسيح إلى بعثة النبي الكريم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. استخدام أسلوب السباب في التعليقات التفاعليّة، مع التنبيه هنا لجهالة الكاتب؛ عيناً وحالاً وديانة. ضعف تفعيلِ الجوانب العاطفيّة. ضعف الاهتمام بالطّفل المُسلم، من خلال إنشاء الملفات المرئيّة التي تناسبه، وتكون رافداً له في تقوية عقيدته، وتعليمِه أمور دينه، وبناء اعتزازه بإسلامه، وحبِّه للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصّحابة، وغير ذلك من الجوانب المهمّة. وبهذا يكملُ التَّطوافُ في بيانِ الجهود الدعويّة الإسلاميّة المقاومة للعمل التنصيري في بعض الخدمات التفاعليّة للشّبكة؛ عرضاً ونقداً. ولعلَّ ثمرةَ هذا إلى جانب معرفة الواقع؛ الخروجُ بجملة من التوجيهات النّافعة في سبيل تقوية هذه الجهود وتسديدها، وهو ما ستحتويه الصفحات التّالية المخصصة لخاتمة البحث. ¬
الخاتمة
الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: فلقد وضّحتْ صفحات البحث السابقة مشكلةَ البحث، وخدمتْ أهدافَهُ التي قام عليها. فَجَلَّت اهتمام المنصرين بالشبكة العالميّة عموماً، وبما تحويه من خدمات تفاعليّة على وجهِ الخصوص، وأظهرت حجمَ العمل التنصيري، وسبلَ عرضه، وأشكالَ طرحه، من خلال المنتديات الحواريّة والمجموعات البريديّة ومواقع المحادثة والشّبكات الاجتماعيّة ومواقع مشاركة الملفات المرئيّة. كما كشفت تركيز المنصرين على أن يبدؤوا في دعوة المسلم بزعزعة يقينيّاته، وتشكيكه في دينه، وذلك بتكرار طرح الشبهات الطّاعنة في القرآن والسُّنَّة والرّسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وجوانب التشريع الإسلامي. فاستخلصت الدّراسة أهم هذه الشّبه، وجلَّت ما يستخدمه المنصرون في طرحها من مناهجَ تُخالف أصول النّقاش الموضوعي المنصف، وكشفت استفادتهم في ذلك من الإمكانات التأثيريّة للخدمات التفاعليّة، واستغلالهم ما يكون لدى بعض المستخدِمين المسلمين من نقاطِ ضعف وقصور؛ للتشنيع على الإسلام وأهله. وقامت الدراسة بالرد على هذه الشّبه، بالمراوحة بين التأصيل والدّفع، اعتماداً على الحجج العقليّة، والأدلة النّقليّة مما هو عند القومِ محلُّ قَبول وتصديق. ثمَّ أوضحَ البحثُ الجهد الإسلاميَّ في مقاومة العمل التنصيري من خلال الخدمات التفاعليّة، وحلّل جوانب القوَّة والضّعف فيه. ثمَّ جاءت ثمرة ذلك في مجموعةٍ من التّوصيات للحكومات والوزارات والمنظمات، وللجهات التعليميّة، وللدّعاة، وللباحثين، بالإضافة إلى توصيات أخرى عامّة. وبعدُ، فإيضاح ما أُجمل أعلاه؛ في الآتي:
أولا: النتائج
أولاً: النتائج مع تعددِ تعريفاتِ التّنصير؛ يرى الباحث أنّ الأنسب أن يقال: التّنصير هو كُلُّ جهد يبذل لإدخال غير النصراني في النصرانية. عندما يتحدث المسلم عن النشاط الدعوي النصراني فإنّ استخدامه لمصطلح (التنصير) هو الأصحّ من جهة اللغة، والأدق من جهة مطابقة الواقع، والأنسب من جهة موافقة ما جاء في السُّنَّة النبويَّة. تتعدد أهداف التنصير باعتبار الزّمانِ، والمكانِ، والقائمِ بالعمل التنصيري، والفئةِ المستهدفة. عرّف الباحث الشّبكة العالميّة بأنّها منظومة اتصال ومعلومات عالميّة، تربط كمًّا هائلاً من الشّبكات والحاسبات، وتمكن كل مرتبط بها من الوصول للأجهزة الأخرى والاستفادة من محتوياتها التي وضعت للتشارك، والتواصل مع أصحابها بالنص والصوت والصورة. تظافرت أقوال المنصرين الدّالةُ على الاهتمام البالغ بهذه الوسيلة من أجل نشر رسالة الإنجيل. وتظافرت أفعالهم المترجمة لهذا الاهتمام، ومن ذلك إنشاء اتحاد للتنصير عبر الإنترنت، وتوفير برامج التدريب للمنصرين على الشبكة، وتخصيص يوم في العام للتذكير بالتّنصير عبر الشبكة، وإقامة المؤتمرات المخصصة للتنصير عبر الشبكة، والاهتمام بقوة المحتوى التنصيري في مواقع الشبكة وخدماتها التفاعليّة، وتسخير الشبكة لخدمة الوسائل التنصيرية الأخرى. يتميز العمل الدعوي التنصيري عبر الشبكة باعتماده الجانب التنظيمي المؤسسي، المبني على العمل الجماعي المخطط له وفق رؤية ورسالة محددة، مع تنوع الوسائل وكثرتها، وصرف الأوقات والأموال والجهود الكبيرة. عرّف الباحث الخدمات التفاعليّة بأنّها أدوات الشّبكة العالميّة التي تتيح اتصالاً تبادليًّا، ذا اتجاهين بين المرسل والمستقبل، بشكل تزامني أو غير تزامني.
لقيت الخدمات التفاعلية اهتماماً كبيراً من المنصرين، لما لها من هيمنة على غالبية اهتمام مستخدمي الشبكة، ولما تيسره من تواصل سهل مع مجموعات كبيرة من النّاس في كل أنحاء العالم، ولما يتسم به الاتصال التفاعلي من صفات تأثيريّة لا تكاد توجد في غيره. تظافرت أقوال المنصرين وأفعالهم الدّالةُ على الاهتمام الواضح بالخدمات التفاعليّة للشبكة، ولهم جهود كبيرة متنوعة في التعريف بهذه الخدمات، وبيان أنجح الوسائل التي دلّت التجارب على تأثيرها في نفوس المدعوين. وتتسم هذه الجهود بالتنظيم، والالتقاء تحت مظلة اتحادات وهيئات ومؤسسات تؤلف بينها، وتوفر الدعم المادي والاستشاري والتقني والفني. عرّف الباحث المنتديات الحواريّة بأنّها تجمعٌ مكانيٌّ افتراضيٌّ على شبكة المعلومات العالميّة، لأناسٍ يشتركون في جانب من الاهتمامات، عبر شكل من أشكال المواقع على الشبكة، يمكن العضو من كتابة موضوع يقرؤه بقية الأعضاء ويكتبون عليه ردودهم ومناقشاتهم. إنّ الجهد المبذول من قبل النصارى في استغلال وسيلة المنتديات الحواريّة جهدٌ كبير في حجمه، متنوع في سبل عرضه، قوي في شكل طرحه. وهو في الجملة يأخذ ثلاثة أشكال رئيسيّة. أولها عرض الديانة النصرانية وفق معتقد الكنيسة التي ينتمي إليها أصحاب المنتدى، وثانيها الدعوة إلى اعتناق النصرانية، وثالثها الهجوم على كل ما يتعلق بالإسلام. وللوصول إلى الأهداف السّابقة يسلكون طرقاً كثيرةً بيَّن الباحث ما وقف عليه منها. اختار الباحث في تعريف المجموعات البريديّة أن يقال أنها نظامٌ لإدارة وتعميم الرسائل على مجموعة من الأشخاص المشتركين بالقائمة عبر البريد الالكتروني. تبذل المجموعات البريدية النصرانية جهداً دعويًّا كبيراً. وذلك من خلال الرسائل التي تختص بالديانة النصرانية بهدف تثبيت العقيدة في نفوس أتباعها وتقوية إيمانهم والحيلولة دون تأثرهم بالأديان الأخرى، وباستخدامِ الرسائل التي تدعو لاعتناق النصرانية بأسلوب صريح مباشر، أو عن طريق سرد قصص المتحولين إلى النصرانية وما وجدوه من سعادة، أو القصص التي تحكي جوانب الرحمة والإنسانية في النصرانية، أو عن طريق الترغيب والترهيب. وكذلك بواسطة الرسائل التي تهاجم الإسلام وتسعى لتشويهه وتبغيضه إلى قلوب
المؤمنين به وغير المؤمنين. عرّف الباحث خدمة المحادثة بأنّها حديث مباشر عبر الشبكة العالميّة بواسطة برامج وغرف المحادثة بين شخصين أو أكثر. عمل المنصرون على استغلال إمكانات برنامج المحادثة "البالتوك". وعلى الرغم من أن الأساس في البرنامج هو التحادث الصوتي والنصي والمرئي، إلا أنهم وظفوا جوانبه الأخرى كأسماء الغرف، ورسائلها، وعبارات التّرحيب، وجزء الدّعاية. عرّف الباحث الشبكات الاجتماعيّة بأنها مواقع إلكترونيّة لإدارة العلاقات الاجتماعيّة بفعاليّة. عرّف الباحث مشاركة الملفات المرئيّة بأنّها خدمة تفاعليّة تتيح لمستخدمي الشبكة العالميّة جعل ملفاتهم المرئيّة مشاعة للجميع. للمنصرين جهد كبير في استغلال إمكانات موقع تشارك الملفات المرئيّة (يوتيوب)، من خلال رفع الملفات المرئيّة، وإنشاء القنوات، وكتابة التعليقات، وفق التفاصيل المبيَّنة في البحث. تظافرت أقوال المنصرين وأفعالهم الدّالةُ على أنَّ العملَ على زعزعة العقيدة في نفوس المسلمين من خلال بث الشبهات والطعون؛ يُعَدُّ من أهم أهداف العمل التنصيري وخطواته التي تسبق الدعوة المباشرة للتحول من الإسلام إلى النصرانيّة. وقد دفعهم إلى معاداة الإسلام والحقد عليه؛ كونُ الإسلام الدين السّماوي الذي أعقب النصرانيّة، وأتى بمخالفة جل عقائدها الأساسيّة، وبإقرار نظرة مختلفة إلى إله النصارى وكتابهم. استعرض الباحث أكثر الشبه تكرراً وعرضاً ومناقشة من قبل المسلمين والنصارى، في أربعة مجالات، بواقع ثلاث شبه في كل منها، مع الرد المفصل عليها، بالمراوحة بين أسلوبي التأصيل والدفع. تبين من خلال دراسة الشبه التي يثيرها النّصارى في الخدمات التفاعليّة؛ اعتمادهم بعض المناهج المخالفة لأصول النقاش الموضوعي المستقيم المنصف. ومن ذلك: اتباع أسلوب التهويل، من خلال تضخيم الملاحظات اليسيرة، وبناء النتائج الكبيرة
والكثيرة عليها. اتباع ما يمكن تسميته بأسلوب الغمر والمُكاثرة، وذلك بالطعن في كل ما يتعلق بالقرآن الكريم، وفي كل آية منه، حتى تنهدم في نفس المخاطَب أي قدسيّة لهذا الكتاب. الأخذ عن مصادر الفرق المبتدعة كالرّافضة ونحوهم، بطريق التصريح أو الدّسّ والتدليس، واعتماد مناهجهم ومواقفهم من كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمهات المؤمنين، والصّحابة، وغير ذلك. مجانبة المنهج العلمي عند التعامل مع كتب التفسير. ومن صور ذلك: جعل أقوال المفسرين حجة في بيان المراد من الآيات على وجه الجزم. الانتقاء المبني على الهوى من أقوال المفسرين. ضرب أقوال المفسرين بعضها ببعض. مجانبة المنهج العلمي عند التّعامل مع السيرة النبويَّة، ومن صور ذلك: تجاهل مصادر السيرة النبويّة الأصليّة المنقّحة، والاستعاضة عنها بمصادر لا تتوافق والمنهج العلمي الصحيح، كمؤلفات السيرة غير المنقحة، وكتابات الطّاعنين الحاقدين على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتب المستشرقين. تجاهل الروايات الحديثيّة الصحيحة، والاستعاضة عنها بالرّوايات الضعيفة والموضوعة دون بيان درجتها. بتر الحوادث الواردة في السيرة عن سياقاتها، وسلوك سبيل التعميم فيها. إيراد الظّنّيّات في موارد القطعيّات، وترتيب النتائج عليها. تكذيب القاعدة الثابتة؛ بالمثال الشاذ. وذلك بالطّعن في التعاليم الإسلاميّة استناداً لوجود بعض الفتاوى الشاذّة والتّصرفات الفرديَّة الخاطئة لآحاد المسلمين، وأمثال ذلك. اتخاذ طريق السخرية والاستهزاء والسباب الفاحش تجاه كتاب الله الكريم، والرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
الاتكاء على كتب وأقوال وآراء بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن ضلوا عن طريق الحق، وأتوا بالكفريّات والطوامّ. تجاهل المنهج العلمي عند التّعامل مع السُّنَّة النبويَّة، ومن صور ذلك: تجنب المصادر الحديثية المعتمَدة عند الطّرفِ المناقَش، والاستعاضة عنها بالمصادر غير المعتمدة في نقل الأحاديث النبويّة، ككتب الأدب والتاريخ والسِّير واللغة والرقائق وغيرها. اتباع أسلوب التدليس في تصوير المراجع غير المعتمدة في نقل الروايات الحديثية على أنها من الكتب العمد في هذا المجال. الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بإضافة كلمات إلى الأحاديث الصحيحة تعطي فهماً مغايراً للحديث. انتقاء ما يخدم فكرة صاحب الشبهة، من نص الحديث، وتجاهل ما يسبق ذلك أو يتبعه. تحميل النصوص الحديثية ما لا تحتمل من المعاني، وتنزيلها على ما لا تدل عليه صراحة. إنشاء المقارنات بين الإسلام والنصرانية بما يُظهر جمال النصرانيّة وقُبح الإسلام. استغلال واقع الخدمات التفاعليّة الذي يسمح للشخص بانتحال أي صفة دينيّة، والتحدث إلى النّاس بموجبها. وهذه الجهالة للعين والحال لا يصح أن تبنى عليها الأحكام، ويؤخذ ما يأتي عن طريقها بالتصديق الجازم. ويظهر هذا جليًّا في قصص المتحولين من الإسلام إلى النّصرانيّة في هذه المنافذ التفاعليّة. الاستفادة من الإمكانات التقنية في تحرير الملفات المرئيّة (الفيديو) لإظهارها بخلاف الواقع، كما في الأمثلة التي وردت في البحث. استفادة المنصرين في بث الشبهات من الإمكانات التأثيريّة للخدمات التفاعلية، فيما يتعلق بالطّرح المرئي أو الصوتيّ أو النّصيّ. ومن صور ذلك: القيام بعمل التوليف (المونتاج) للملفات المرئيّة، وذلك بدمج الوسائط المتعددة في
قالب فنّي مؤثّر. استغلال جانب التحادث في الوقت الفعلي، والاستفادة من رجع الصدى الفوري للمخاطَب، والتضييق عليه بإيراد الشبه الغامضة ومطالبته بالرد الفوري مما قد يُظهر عجزه، ويؤثر عليه، إذا كان ضعيف العلم والحجة، ولم يكن مستعدًّا للتحادث الفوري. الاستفادة من القدرات البيانيّة العالية لدى بعض المنصرين. استغلال إمكانات التأثير الصوتي وتمثيل المشاعر فيه. الاستفادة من إمكانات التصوير المرئي المتحرك (الفيديو)، وعرض مشاهد إقامة الحدود في بعض البلاد الإسلاميّة، وذلك بالاقتصار على منظر إقامة الحد بما يحويه من قسوةٍ رادعة؛ مجرّداً عن ما يشتمل عليه من إنصافٍ للمجنيّ عليه وأهلِه، ورحمةٍ بالجاني، وصلاحٍ للمجتمع بأسره. عرض الأفلام السينمائيّة المنتجة عن واقع تطبيق الشّرائع في بعض البلاد الإسلاميّة، بما تحويه من تشويه وتنفير. يستغل المنصرون نقاط الضَّعف عند بعض المستخدِمين المسلمين لأخذها ذريعة للتّشنيع على الإسلام وأهله، ومنها: ضعف الحصيلة العلميّة فيما يختص بالإسلام أو النَّصرانيَّة أو شُبه المنصريِّن عرضاً وردًّا. ضَعفُ القدرات البيانيَّة. سوءُ خلق بعض المسلمين في الطّرح والمناقشة. يوجد جهدٌ كبيرٌ للمسلمين في مقاومة العمل التنصيري من خلال الخدمات التّفاعليّة، وله جوانب قوّة وجوانب ضعف. فمن أهم جوانب قوّته: شمول موضوعاته لنظائرها في المنافذ النصرانيّة. تنوّع أساليب الرّدّ على الشّبهات، ما بين حجج عقليَّة، أو نقليّة من مصادر القومِ
أنفسهِم؛ كالكتاب المقدّس وكتبِ علماء النّصارى وتقاريرِ الدّول الغربيّة وإحصاءاتِهم. تنوّع أساليب نقد الكتاب المقدّس والعقائد والشّعائر النّصرانيّة. الاستفادة من جُلِّ الإمكانات التقنية التي توفرها الخدمات التفاعليَّة. ومن أهم جوانب الضّعف فيه: قلّة الاهتمام بالجوانب العاطفيّة؛ في مقابل تركيز النّصارى عليها في دعوتهم. تغليب جانب الهجوم على النصرانيّة؛ على جانب دعوة النّصارى إلى الإسلام. التّقصير في عرض الإسلام بشكّل مبسّط يُركِّز على الأسس دون الفرعيّات؛ وفق منهج النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عندما أرسل معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن. وجود تجاوزاتٍ من بعض المسلمين باستخدام الكلام البذيء والسبِّ المقذع. وجود من يتصدّى للرّدّ على الشّبهات وهو غيرُ أهلٍ لذلك. اتصاف النشاط الدّعوي بالفرديّة، وبُعده عن العمل الجماعي المنظم. الإبقاء على بعض المخالفات الشّرعيَّة في بعض الموادِّ النصرانيَّة بُغية فضحها وبيانِ خطئها، وهو خطأٌ في بيانِ الخطأ! التقصير في الاستفادة من بعض الإمكانات التقنية للخدمات التفاعليَّة، على ما تمَّ بيانه في مطالب التقييم من الفصل الثالث.
ثانيا: التوصيات
ثانياً: التَّوصيات ويمكن تقسيمها إلى الأقسام التّالية: القسم الأول: توصياتٌ للحكومات والوزارات والمنظمات، وهي: إنشاء جهة على مستوى الدُّول الإسلاميَّة تُعنى بمقاومة العمل التّنصيري بشتّى وسائله، تحت مظلّة رابطة العالم الإسلامي، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو غيرهما، وأن يكون من أنشطتها: عقد مؤتمر سنوي يخصص لغرض مقاومة التنصير في العالم الإسلامي، ويعد له الإعداد الجيد، ويستكتب له كبار مفكري وعلماء وقادة الفكر والتوجيه، وتستدعى له الميزانيات وسائر عوامل النجاح. إنشاء اتحاد للدعوة إلى الله عبر شبكة المعلومات نظير ما لدى النَّصارى، وأن تستدعى له عوامل النجاح؛ بأن تشرف عليه هيئة على أعلى مستوى علمي من ذوي الاختصاصات المختلفة من كل البلاد الإسلاميّة، وأن يمول بشكل كبير من الحكومات وسائر المسلمين. أن تقوم وزارات الشؤون الإسلاميّة في دول العالم الإسلامي بإنشاء مراكز لمقاومة العمل التنصيري داخل كلِّ دولة. وأن تتصف هذه المراكز بما يلي: النشاطُ القويُّ في نشرِ الكتب والبحوث، وإنشاءِ المواقع الالكترونيّة، والمشاركةِ في الموجود منها، مما هو في دائرة رصدِ الأساليب التنصيريّة، وبيانِ حقيقة المطاعن والشبه التي يثيرونها، بأسلوب علميٍّ مبسط مقنع، يُفيد المسلم في دعوته وتحصين نفسه، ويفيد القارئ النصراني. وأن يكون ذلك النتاج بشتى اللغات الحيّة. السعيُ لتوحيد الجهود داخل الدّولة، في خطوةٍ تسبق تكامل هذه الجهود في الجهة الموحدة على مستوى الدول الإسلاميّة. أن يتولى مهمة عقد الدورات المكثفة الإجباريّة والاختياريّة للطلاب المبتعثين أو لعامّة المسلمين ممن يحتاج للسفر لبلاد الكفار. ويُمكن في سبيل ذلك تفعيل التدريب الالكتروني
عن بُعد. فتحُ أقسام في مكاتب دعوة الجاليات للدعوة عبر الإعلام الجديد باللغات المختلفة. يوصي الباحث بأن تقوم الجهات المشرفة على خدمات الوصول إلى مواقع الشبكة العالميّة في البلاد الإسلاميّة؛ بمنع الوصول إلى المواقع التي تثير الشبهات والشكوك حول الإسلام وما يتعلق به، أو تتجرؤ عليها قدحاً وسبًّا؛ طالما بقيت هذه الوسيلةُ فعّالة، بأن يكون غالب مستخدمي الشّبكة عاجزون عن كسر نظم الحجب. على أن يكون لدى هذه الجهات الرّقابيَّة آليَّةً فعّالة لتمكين الدّعاة المؤهلين من الدخول لهذه المواقع بقصد الدّعوة والمنافحة. أن تقوم وزارات الإعلام في البلاد الإسلاميّة بواجبها تجاه نشر رسالة الإسلام، وصد هجمات التشكيك والطّعن فيه. ويمكن في سبيل ذلك تفعيل القنوات الفضائيّة والإذاعيّة، والصحف والمجلات، والمواقع الالكترونيّة. إنشاء جهات خيريّة تعنى بالعمل الدعوي من خلال وسائل الإعلام الجديد، بحيث تضم ثلاث فئات من المختصين؛ طلبةُ العلم، والتقنيون، والمترجمون. وأن يكون من مهامها تدريب الدعاة على استخدام الخدمات التفاعليّة، ويُمكن في سبيل ذلك تفعيل التدريب الالكتروني عن بُعد. أن تُوجِّهَ وزارات الشؤون الإسلاميَّة خطباء الجوامع، وأئمة المساجد، إلى طَرْقِ هذه الموضوعاتِ في خطبهم ودروسهم وكلماتهم. القسم الثَّاني: توصياتٌ للجهات التعليميّة، وهي: فتحُ أقسام في كليات الدعوة بالجامعات تُعنى بالدعوة عبر قنوات الإعلام الجديد. أن يوجه أساتذة ومشايخ العقيدة طلابهم في المراحل الجامعيّة الأولى إلى أن تكون أنشطتهم الدراسيّة خدمةُ الإسلام عبر منافذ الخدمات التفاعليّة. ولنا أن نتخيل نتاج عشرات الآلاف من الطلاب الذين يسجلون في كل فصل دراسي في مقررات الثقافة الإسلاميّة العامّة في جامعة الملك سعود -مثلاً- وما سينتج عن ذلك من إثراء دعوي للمنتديات والمجموعات البريديّة والشبكات الاجتماعيّة وغرف المحادثة وغيرها.
أن يوجه أساتذة ومشايخ العقيدة بعضَ طلابهم في المراحل الجامعيّة العليا إلى أن تكون رسائلهم للماجستير والدكتوراه في المباحث المتعلقة بوسيلة الشبكة العالميّة. أن يكثف أعضاء هيئة التدريس في الأقسام الجامعيّة الإسلاميّة من طَرْق الموضوعات المتعلقة بالشبكة العالميّة في بحوثهم الأكاديميّة، وفي مؤلفاتهم وكتاباتهم العامّة. أن تُعنى وزارات التربية والتعليم بتطعيم مناهجها بالموضوعات التي تُعرِّف الطّلاب والطالبات بالكيفيَّات المُثلى للاستفادة من الشّبكة العالميّة، وتَجَنُّبِ مخاطر العمل التنصيري فيها. القسم الثَّالث: توصياتٌ للدّعاة، وهي: اقتحام المنافذ النصرانيّة للخدمات التفاعليّة، والمشاركة فيها بالدّعوة إلى اعتناق الإسلام، والتعريف به بما يصحح المفاهيم الخاطئة عند كثير من النّصارى، والرّدّ على الشبه والمطاعن الموجهة إلى الإسلام، على أن يكون ذلك محصوراً فيمن كان متمكناً في العلم؛ آمناً على نفسه من خطر ما في هذه المنافذ من الشّبهات. مواجهة التّنصير بأسلحته، ومن أهمها الجانب العاطفي. وذلك بالتركيز على جوانبِ التبشير والتيسير والتفاؤل، وبيانِ رحمة الله بخلقه، وَفَرَحِه بالتائب، وقُربه من عباده؛ يُجيب دعوة الدّاع إذا دعاه، ويَنْزِل في الثلث الأخير من الليل ليجيبَ الدّاعيَ ويعطيَ السائلَ ويغفرَ للمستغفر. والمقصود التركيز على جانب الترغيب في الدعوة وإظهار محاسن الدين في تكريمه للإنسان، ووصيته بالجار والوالد وإن كانا كافرين، وحسن تعاليمه في معاملة المسلم للمسلمين وغيرهم، وأن همَّ الدّعاة إلى الله -أوَّلاً وآخراً- إدخالُ الناس في الدين رحمةً بهم. وليس معنى هذا إلغاء جانب التّرهيب، أو التنازل عن ثوابت الدين ومسلماته لأجل دعوة الكافر، ولكنَّ المقصد الحكمة في الدّعوة، اقتداءً بسيرة إمام الدّعاة؛ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. يوصي الباحث الدّعاة بأن يكون لهم مزيد عناية بدعوة أكثر المستخدمين النّصارى نشاطاً وأثراً، وذلك من خلال دعوة المشرفين على المنتديات والمجموعات البريديّة وغرف المحادثة ونحوها، وكذا المكثرين من المشاركة في شتَّى منافذ الخدمات التفاعليَّة، لأنَّ في دعوة هؤلاء تقليلاً من غلواء هجوهم على الإسلام، ويُرجى بعد هدايتهم أن يكون لهم أثر كبيرٌ
على غيرهم. تسخير منافذ الخدمات التفاعليَّة في نشر الإسلام والتّعريف به، من خلال الموجود منها حاليًّا، وكذا استحداث المزيد من المنتديات والمجموعات البريديّة وغرف المحادثة وحسابات الشبكات الاجتماعيّة. القيام بواجب الدعوة في المنتديات النصرانيّة من خلال ما يلي: كتابة الموضوعات المعرفة بالإسلام والمنافحة عنه. كتابة الردود في توضيح حقيقة الإسلام ودفع الشبه عنه. الوصول إلى النّصارى من أعضاء المنتدى، وتوجيه الرّسائل الدّعوية لهم. استخدام التوقيعات المصممة بشكل جذّاب، وعبارات مؤثرة. القيام بواجب الدعوة من خلال المجموعات البريدية النصرانية، وذلك بكتابة الرّسائل فيها، ودعوة المنتسبين إليها من النّصارى. القيام بواجب الدّعوة من خلال غرف المحادثة، وذلك باستحداث المزيد من الغرف الإسلاميّة، والمشاركة في الموجود منها على الجانبين؛ الإسلامي والنصرانيّ، دعوةً إلى الله ونصرةً لدينه. القيام بواجب الدّعوة إلى الله من خلال الشّبكات الاجتماعيّة، ومن ذلك: إنشاء الرّوابط الاجتماعيّة مع النّصارى، والقيام بدعوتهم إلى الإسلام. إنشاء الصّفحات والمجموعات في نشر الإسلام والدّفاع عنه. وضع الصور والتصاميم والملفات المرئيّة الخادمة لذلك. الإسهام في تكثير الصوت الجماعي، بتسجيل الإعجاب بالمواد النّافعة. المشاركة الكتابيّة في الصفحات الإسلاميّة وغير الإسلاميّة. التعليق على الصّور الداعية والمهاجمة. التبليغ عن المحتوى المعادي.
الاستفادة من تطبيق "المناسبات" في الدعوة إلى الفعاليّات الدينيّة. دعوة المستخدمين المسلمين وغيرهم إلى زيارة الصفحات الإسلاميّة المتميزة في طرحها. التّعاون مع المبرمجين المسلمين لإنشاء التطبيقات المجانيّة، والبرامج الحاسوبيّة، القابلة للنشر في الشّبكات الاجتماعيّة. القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى من خلال مواقع مشاركة الملفات المرئية، ومن ذلك: رفع الملفات المرئيّة الدّاعية للإسلام، والمنافحة عنه. إنشاء القنوات الدعوية. نشر الملفات الناقدة للنصرانيّة. كتابة التعليقات على الملفات المرئية. التّعليق على تعليقات النّصارى. التبليغ عن المقاطع المخالفة لضوابط الموقع. القسم الرَّابع: توصياتٌ للباحثين، وذلك بالكتابة في الموضوعات التّالية: أثر الجهد الدّعوي التّنصيري في الخدمات التفاعليّة للشّبكة؛ على تحوّل بعض المسلمين إلى النّصرانيّة أو تشككهم في بعض عقائد دينهم وشعائره وعباداته. ويمكن اعتبار هذا الموضوع مكمِّلاً لهذا البحث، إلا أنّه يحتاج لاتباع منهج مغاير؛ هو المنهج التجريبي القائم على صياغة الفروض، وتحديد مجتمع البحث، ثم اختيار عينة البحث، وإجراء الدّراسة عليها باستخدام الاستبانات وتحليل نتائجها. شبهات المنصرين حول مكانة المرأة في الإسلام من خلال الشّبكة العالميّة. الدّعوة إلى الله باللغة الإنجليزيّة في الخدمات التفاعليَّة للشّبكة. وذلك أنَّ الخطوة الأولى لمن يرغب التعرف على الإسلام من غير المسلمين؛ أن يبحث في محركات البحث
ومنافذ الخدمات التفاعليّة عن كلمة ( Islam) ونحوها. وهنا تظهر الحاجة لدراسة النتائج التي سيخرج بها البحث، ومدى إعطائها لصورة نقيّة صحيحة عن الإسلام وفق منهج أهل السُّنَّة والجماعة. الدراسة العقديّة للجهود الدّعوية لأتباع الأديان والمذاهب المعاصرة عبر وسيلة الشّبكة العالميّة بعمومها أو عبر الخدمات التفاعليّة فيها، كاليهوديّة والبوذيّة والمجوسيّة واليزيديَّة والقاديانيّة والصوفيّة والرافضة والزيديّة والإباضيّة والعلمانيّة والإلحاديّة. جهود أهل السنّة والجماعة في نشر عقيدة السّلف عبر الخدمات التفاعليَّة للشّبكة. دراسة "اتِّحاد التّنصير عبر الإنترنت The Internet Evangelism Coalition"، وذلك من خلال موقعه الغنيِّ بالمواد والنشرات ونتاج المؤتمرات السّنويّة التي يعقدها من ملفّات نصيّة وصوتيّة ومرئيّة، مع ملاحظة اقتصار الموقع في الفترة الحاليّة على اللغة الإنجليزيّة. دراسة عقديَّة للمتحولين من النّصرانيّة إلى الإسلام على الشّبكة العالميّة، من جهة العقائد التي لم تقنعهم في النصرانيّة، ومن جهة العقائد التي وافقت فطرهم وعقولهم في الإسلام، ومقارنة أثر العقائد في حياتهم وسلوكهم قبل الإسلام وبعده. دراسة دعاوى المتحولين من الإسلام إلى النصرانيّة على الشّبكة العالميّة. القسم الخامس: توصياتٌ أخرى، وهي: أن يهب كبار العلماء والمشايخ والدّعاة للمشاركة في هذه الوسائل الحديثة، وأن لا يُحجموا فيتركوا الميدان لمن قلَّ علمه وإيمانه وتقواه. قيام المبرمجين المسلمين بالتعاون مع العلماء وطلبة العلم في إنشاء برامج وموسوعات لنشر الإسلام بلغات متعددة، وللرد على الشبهات المثارة ضد الدين الحنيف، وتوفير هذه البرامج بالمجان على الشبكة، والعمل على نشرها وإيصالها لأتباع الأديان الأخرى. أن يقوم القادرون بتقديم دورات في كيفيّة الدعوة إلى الله تعالى عبر الخدمات التفاعليّة للشبكة، وإنشاء موقع متخصص لذلك، على غرار موقع "اليوم العالمي للتنصير عبر
الإنترنت". ولا بأس من الاستفادة من تجارب الآخرين، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها. أن ينشط المسلمون في دراسة الغرب على غرار ما سبق إليه النّصارى منذ قرون في الحركة الاستشراقيّة، لأن ذلك سيكون -بإذن الله- رافداً لتوجيه العمل الدّعوي الهادف لإدخال النّصارى في الإسلام أو صدّ تجنيهم عليه. أن يُسهم كلُّ قادر؛ بدوره في توعية النّاشئة بفوائد الشّبكة ومضارِّها. ويقع العبءُ الأكبر في ذلك على الوالدين في الأسرة، ثم على إمام المسجد وخطيب الجامع وصاحب القلم والمحاضر في المسجد، ثم على من بعدهم ممن نُوِّه عليهم في التوصيات السّابقة. أن يتفطن المسلمون إلى الطرق المثلى في مواجهة العمل التنصيري، من خلال ما كتبه العلماء أو أوصت به المؤتمرات، وأن يعملوا بها وُسع الطّاقة. وانظر في ذلك مثلاً؛ توصيات المؤتمر العالمي للدعوة وإعداد الدعاة، المنعقد في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة، عام 1397هـ. [اقرأ ملخصها في: أضواء على التبشير والمبشرين، سلمان عبد المالك، ص181 - 189].
قائمة المصادر والمراجع
قائمة المصادر والمراجع أولاً: الكتب أبوكريفا العهد الجديد، إبراهيم سالم الطرزي، ط1، 2005م، بلا ذكر لدار النّشر. الاتجاهات العقلانيّة الحديثة، ناصر بن عبد الكريم العقل، دار الفضيلة (السعوديّة)، ط1، 1422هـ. الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي، مكتبة المعارف (السعودية)، ط1، 1407هـ. أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم (سوريا)، ط8، 1420هـ. أجوبة الأسئلة التشكيكيّة، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، مكتبة المنارة (السعودية)، ط1، 1412هـ. أحكام أهل الذمة، ابن قيم الجوزيّة، ت. يوسف البكر وشاكر العاروري، رمادي للنشر (السعودية)، ط1، 1418هـ. أحمد ديدات وجهوده في الرد على النصارى، رائدة إبراهيم اللحام، رسالة ماجستير من كلية أصول الدين- جامعة غزّة (فلسطين)، مصورة على موقع الجامعة على الإنترنت. أخلاقيّات الحرب في السيرة النبوية، صالح بن علي الشمراني، مكتبة المعارف (السعودية)، ط1، 1431هـ. الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، ت. خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة (لبنان)، ط1، 1416هـ. الإذاعات التنصيريّة الموجهة إلى المسلمين العرب، كرم شلبي، مكتبة التراث الإسلامي (مصر)، ط1، 1412هـ. الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صالح بن فوزان الفوزان، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (السعودية)، ط3، 1430هـ. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي (لبنان)، ط2، 1405هـ. الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، عناية عبد المعطي قلعجي، دار قتيبة (سوريا ولبنان) ودار الوعي (سوريا ومصر)، ط1، 1414هـ. الاستشراق بين الحقيقة والتضليل، إسماعيل علي محمد، دار الكلمة (مصر)، ط3، 1421هـ. أسرار الكنيسة السّبعة، حبيب جرجس، نشر جمعيّة المحبّة القبطيّة الأرثوذكسيّة بالقاهرة، طباعة مطبعة التوفيق القبطيّة (مصر)، ط1، 1934م.
الإسلام في الفكر الأوروبي، إلبرت حوراني، الأهلية للنشر والتوزيع (لبنان)، 1994م، بلا رقم طبعة. الإسلام والإعلاموفوبيا، المحجوب بن سعيد، دار الفكر (سوريا)، ط1، 1431هـ. أصول الدّعوة، عبد الكريم زيدان، ط3، 1396هـ، بلا ذكر لدار النشر. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد الشنقيطي، إشراف. بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد (السعودية)، ط1، 1426هـ. أضواء على التبشير والمبشرين، سلمان سلامة عبد المالك، مطبعة الأمانة (مصر)، ط1، 1415هـ. أطلس الأديان، سامي بن عبد الله المغلوث، مكتبة العبيكان (السعودية)، ط1، 1428هـ. إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ت. محمد بن أحمد الملكاوي، طبع الرئاسة العامّة للبحوث العمليّة والإفتاء (السعودية)، ط5، 1430هـ. الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرّشاد، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت. فريح البهلال، الرئاسة العامّة للبحوث العلميّة والإفتاء، ط3، 1430هـ. الإعلام التفاعلي، حسنين شفيق، 2008م، بلا دار نشر أو رقم طبعة. الإعلام بالأرقام، ماجد بن جعفر الغامدي، وهج الحياة للنشر (السعودية)، ط1، 1431هـ. الإعلام والقيم، ماجد بن جعفر الغامدي، مؤسسة خلوق (السعودية)، 1430هـ، بلا رقم طبعة. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ابن القيم الجوزية، ت. محمد عبد الله، دار ابن الهيثم (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. الإنترنت الدليل المصور، كيت شوب، ترجمة ونشر مكتبة جرير (السّعوديّة)، ط1، 2009م. الإنترنت في خدمة الإسلام، محمد فهمي العلي، ط1، 1428هـ، بلا ذكر لدار النشر. الإنترنت والبحث العلمي، محمد جعفر عارف وحسن عواد السريحي، خوارزم العلمية للنشر والتوزيع (السعودية)، ط2، 2007م. الإنترنت والشباب دراسة في آليات التفاعل الاجتماعي، علياء سامي عبد الفتاح، دار العالم العربي (مصر)، ط1، 2009م. الانتصار للقرآن، أبو بكر الباقلاني، ت. محمد عصام القضاة، دار الفتح (الأردن) ودار ابن حزم (لبنان)، ط1، 1422هـ. الانتصار للقرآن، صلاح الخالدي، مؤسسة الفرسان (الأردن)، ط1، 1426هـ. بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزيّة، ت. علي بن محمد العمران، إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، عناية: حسّان عبد المنّان، بيت الأفكار الدولية (الأردن)،
2004م، بلا رقم طبعة. بدعة الرهبنة، حنين عبد المسيح، ط1، 2009م، بلا ذكر لدار النّشر. البراهين الإنجيليّة ضد الأباطيل البابويّة، ميخائيل مشاقة، طبع في بيروت (لبنان)، 1864م، بلا ذكر لدار النشر أو رقم الطّبعة. بيان تلبيس الجهميّة في تأسيس بدعهم الكلاميّة، ابن تيميّة، ت. محمد اللاحم وآخرون، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (السعودية)، 1426هـ، بلا رقم طبعة. البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر البصري، ت. عبد السلام بن محمد هارون، مكتبة الخانجي (مصر)، ط7، 1418هـ. تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ت. مصطفى حجازي، مطبعة حكومة الكويت، 1397هـ، بلا رقم طبعة. تاريخ التشريع الإسلامي، مناع القطان، مكتبة المعارف (السعودية)، ط2، 1417هـ. تأويل مختلف الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ت. محمد محيي الدين الأصفر، المكتب الإسلامي ودار الإشراق (لبنان)، ط1، 1409هـ. التبرك أنواعه وأحكامه، ناصر بن عبد الرحمن الجديع، مكتبة الرشد (السعودية)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. التبشير المسيحي في منطقة الخليج العربي، أحمد فون دنفر، مطبعة Polygraphic ( ماليزيا)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسياسي، عبد الملك خلف التميمي، مركز زايد للتراث والتاريخ (الإمارات)، 1420هـ، بلا رقم طبعة. التبيان في آداب حملة القرآن، محمد علي الصابوني، عالم الكتب (السعودية)، ط1، 1405هـ. تدريب الراوي في شرح تقريب النوواي، جلال الدين السيوطي، ت. نظر محمد الفاريابي، مكتبة الكوثر (السعوديّة)، ط2، 1415هـ. التطاول على النبي - صلى الله عليه وسلم - وواجبات الأمة، مجموعة من البحوث، مطابع أضواء المنتدى (مجلة البيان)، 1429هـ، بلا رقم طبعة. التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، ت. عادل أنور خضر، دار المعرفة (لبنان)، ط1، 1428هـ. التغلغل الصليبي في منطقة الخليج، أحمد فون دنفر، ترجمة سالم المولى، 1404هـ، ضمن سلسلة الدراسات الاستراتيجيّة، بلا دار نشر، ولا رقم طبعة. تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، ت. سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، ط2،
1420هـ. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت. حسّان عبد المنّان، بيت الأفكار الدولية، 2005م، بلا رقم طبعة. تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها، عامر إبراهيم قنديلجي وإيمان فاضل السامرائي، الوراق للنشر والتوزيع (الأردن)، ط1، 2002م. تكوين المفكر، عبد الكريم بكّار، نشر مؤسسة الإسلام اليوم (السعوديّة)، ط2، 1431هـ. تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين، منقذ بن محمود السقار، نشر رابطة العالم الإسلامي، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي، ترجمة كاملة لأعمال المؤتمر التنصيري الذي عقد في ولاية كلورادو الأمريكية عام 1978م ونشرته دار MARC، بلا معلومات نشر. التنصير في القرن الإفريقي ومقاومته، سيد أحمد علي، دار العمير (السعودية)، ط1، 1406هـ. التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، علي بن إبراهيم النملة، ط3، 1424هـ، بلا ذكر لدار النشر. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، عبد الرحمن بن ناصر السّعدي، ت. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة (لبنان)، ط1، 1421هـ. الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، ت. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة (لبنان)، ط1، 1427هـ. جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، علي بن سليمان العبيد، بحث قدم لندوة عناية المملكة العربيّة السعوديّة بالقرآن وعلومه (رجب 1421هـ)، نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (السعودية)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، محمد خير هيكل، دار البيارق (لبنان)، ط2، 1417هـ. الجواب الصّحيح لمن بدّل دين المسيح، أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة الحرّاني، ت: علي بن حسن بن ناصر وآخرون، دار العاصمة للنشر والتوزيع (السعودية)، ط2، 1419هـ. جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز، رواية محمد الموسى، إعداد محمد الحمد، دار ابن خزيمة (السعودية)، ط1، 1422هـ. حرب المعلومات الحرب القادمة، عبد الرحمن عبد العزيز الشنيفي، 1421هـ، بلا دار نشر أو رقم طبعة. الحروب الصليبيّة، أحمد باقر وعبد الله مبارك، نشر مجلة الهجرة (أمريكا)، 1402هـ، بلا رقم طبعة. حقائق الإسلام في مواجهة المشككين، عبد الصبور مرزوق، وآخرون، نشر وزارة الأوقاف المصريّة،
1423هـ، بلا رقم طبعة. حقوق الإنسان في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام مقارنة بالقانون الدولي، خالد بن محمد الشنيبر، طبع كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلاميّة المعاصرة، ط1، 1430هـ. حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، أحمد عبد الوهّاب، مكتبة وهبة (مصر)، ط1، 1401هـ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، دار الكتب العلمية (لبنان)، ط1، 1409هـ. الحوار بين أتباع الأديان رؤى عالميّة، مجموعة أبحاث، دار غيناء للنشر (السعوديّة)، ط1، 1431هـ. حول القرآن الكريم والكتاب المقدس، هاشم جود، مطبعة الأمانة (مصر)، ط1، 1404هـ. خطبة الحاجة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعوديّة)، ط1، 1421هـ. خلاصة التّشريع الإسلامي، عبد الوهاب خلاّف، دار العلم (الكويت)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. الخمر بين المسيحيّة والإسلام، أحمد ديدات، ترجمة محمد مختار، دار المختار الإسلامي (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، ت. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (السعودية)، ط2، 1411هـ. دراسات في اليهوديّة والمسيحيّة وأديان الهند، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، مكتبة الرشد (السعودية)، ط4، 1429هـ. الدعوة والجهاد في العهد النبوي آداب وحكم، علي بن عبد الرحمن الطّيار، ط1، 1424هـ، بلا ذكر لدار النشر. دفاع عن السّنّة ورد شبهات المستشرقين والكتّاب المعاصرين، محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السّنّة، ط1، 1989م. ديوان عنترة تحقيق ودراسة، محمد سعيد مولوي، المكتب الإسلامي (سوريا)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. ذلك الرّجل، أبيجدور شنآن، ترجمة عمرو زكريّا، مكتبة النّافذة، ط1، 2009م. رؤية إسلاميّة للإستشراق، أحمد غراب، أضواء المنتدى، ط2، بلا ذكر لتاريخ النشر. رد افتراءات المبشرين على آيات القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله، ط1، 1405هـ، بلا ذكر لدار النشر. الرّدّ الجميل على المشككين في الإسلام من القرآن والتوراة والإنجيل والعلم، عبد المجيد صبح، دار المنارة
(مصر)، ط2، 2003م. رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضوء السنة النبوية الشريفة، عماد السيد الشربيني، رسالة دكتوراه من جامعة الأزهر عام 1423هـ، كتاب إلكتروني بصيغة word محمل على موقع مكتبة المهتدين. الرد على كتاب جورج بوش (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -)، السيد حامد السيد علي، مطابع الولاء الحديثة (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. الروض الأنف، عبد الرحمن السهيلي، ت. عبد الرحمن الوكيل، دار النصر للطباعة (مصر)، ط1، 1387هـ. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزيّة، ت. شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة (لبنان)، ط3، 1418هـ. سر إسلامي، محمد فؤاد الهاشمي، دار الحرية (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعودية)، 1415هـ، بلا رقم طبعة. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعوديّة)، ط1، 1422هـ. السّياسة الشّرعيّة في إصلاح الرّاعي والرّعيّة، شيخ الإسلام أحمد بن تيميّة، ت. علي العمران، إشراف بكر أبو زيد، دار عالم الفوائد (السعودية)، ط1، 1429هـ. سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت: مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرنؤوط، ط3، 1405هـ. السيرة النبوية، ابن هشام، عناية عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي (لبنان)، ط3، 1410هـ. السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام بن أيوب البصري، ت. طه بن عبد الرؤوف سعد، دار الجيل (لبنان)، ط1، 1411هـ. شبكة الإنترنت ما لها وما عليها، مجموعة بحوث قدمت في الدورة السابعة للمركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج، نشر المركز، ط1، 1420هـ. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق (مصر)، ط21، 1413هـ. شبهات حول السُّنة، عبد الرزاق عفيفي، دار الفضيلة (السعودية)، ط1، 1417هـ. شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، ت. شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي (سوريا- لبنان)، ط2، 1403هـ. شرح السّنّة، المزني، عناية جمال عزّون، مكتبة دار المنهاج (السعودية)، ط1، 1430هـ.
شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ت. جماعة من العلماء، تخريج الأحاديث محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي (لبنان)، ط9، 1408هـ. شرح النووي لصحيح مسلم، محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المطبعة المصرية بالأزهر (مصر)، ط1، 1347هـ. شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، محمد بن صالح العثيمين، مدار الوطن للنشر (السعودية)، 1425هـ، بلا رقم طبعة. شرح عمدة الفقه، عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، نشر كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلاميّة المعاصرة (السعودية)، ط2، 1429هـ. شروح سنن ابن ماجة، ت. رائد صبري بن أبي علفة، بيت الأفكار الدولية (الأردن)، ط1، 2007م. الشريعة، أبو القاسم محمد بن الحسين الآجري، ت. عبد الله بن عمر الدميجي، دار الفضيلة (السعودية) ودار الهدي النبوي (مصر)، ط3، 1428هـ. صبح الأعشى في كتابة الإنشا، أبو العباس أحمد القلقشندي، دار الكتب المصرية (مصر)، بلا رقم طبعة، 1340هـ. الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، ت: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين (بيروت)، ط4، 1990م. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير (سوريا-لبنان)، ط1، 1423هـ. صحيح سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعودية)، ط1، 1417هـ. صحيح سنن أبي داوود، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعودية)، ط1، 1419هـ. صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف (السعوديّة)، ط1، 1420هـ. صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري، عناية: نظر الفاريابي، دار طيبة (السعودية)، ط1، 1427هـ. ضعيف سنن أبي داوود، محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف (السعودية)، ط1، 1419هـ. الطعن في القرآن الكريم من خلال مخطوطات صنعاء وغيرها، طارق أحمد، كتاب إلكتروني بصيغة PDF. عبادة الأصنام في الكنيسة الأرثوذكسيّة، حنين عبد المسيح، ط1، 2009م، بلا ذكر لدار النشر. العقائد الوثنيّة في الدّيانة النّصرانيّة، محمد طاهر التنير البيروتي، ت. محمد عبد الله الشرقاوي، دار عمران (لبنان) ومكتبة الزّهراء (مصر)، ط1، 1414هـ. عقيدة السّلف وأصحاب الحديث، أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن الصابوني، ت. ناصر الجديع، دار
العاصمة (السعودية)، ط2، 1419هـ. عقيدة المسيحيين في المسيح، الأنبا يوأنس، 1985م، بلا دار نشر أو رقم طبعة. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني، عناية إدارة الطباعة المنيرية (سوريا)، الناشر محمد أمين دمج (لبنان)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. فايسبوك للجميع، أوليغ عوكي، الدار العربية للعلوم (لبنان)، ط1، 1430هـ. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، دار العاصمة للنشر والتوزيع (السعودية)، ط3، 1429هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصحيح عبد العزيز بن باز، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، إشراف محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، 1390هـ، بلا رقم طبعة. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم (لبنان)، ط1، 1421هـ. فصول في التفكير الموضوعي، عبد الكريم بكّار، دار القلم (سوريا)، ط5، 1429هـ. فضائح Facebook، شادي نصيف، دار الكتاب العربي (سوريا-مصر)، ط1، 2009م. فن المونتاج السينمائي، كاريل رايس، ترجمة أحمد الحضري، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب. بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. الفوائد، ابن قيم الجوزيّة، ت. محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي (لبنان)، ط5، 1414هـ. فيروسات الحاسب وأمن المعلومات، محمد فهمي طلبة وآخرون، موسوعة دلتا كمبيوتر (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، الندوة العالمية للشباب الإسلامي (السعودية)، ط1، 1412هـ. قاموس الأمن الدولي، بول روبنسون، ترجمة ونشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيّة، ط1، 2009م. قاموس المصطلحات الكنسيّة، تادرس يعقوب ملطي، مطبعة الإخوة المصريين (مصر)، بلا رقم طبعة، 1991م. قساوسة ومبشرون ومنصرون أسلموا، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي (سوريا ومصر)، ط1، 2010م. قواعد وضوابط فقه الدعوة عند شيخ الإسلام ابن تيمية دراسة فقهية، عابد عبد الله الثبيتي، دار ابن الجوزي (السعوديّة)، ط1، 1428هـ. القيامة الصغرى وعلامات القيامة الكبرى، عمر بن سليمان الأشقر، دار النفائس (الأردن) ومكتبة
الفلاح (الكويت)، ط4، 1411هـ. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ت. مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات (لبنان)، ط1، 1408هـ. كشف المشكل من حديث الصحيحين، أبو الفرج ابن الجوزي، ت. علي حسين البواب، دار الوطن (السعودية)، ط1، 1418هـ. اللاهوت المقارن، البابا شنودة الثّالث، نشر الكلية الإكليريكيّة للأقباط الأرثوذكس (مصر)، ط1، 1992م. لسان العرب، ابن منظور، ت: عبد الله الكبير ومحمد حسب الله وهاشم الشاذلي، دار المعارف (مصر)، بلا رقم طبعة وتاريخ نشر. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر (لبنان)، ط1، 1407هـ. لماذا أسلمت؟، الحسن بن أيوب، ت. محمود النيجيري، مكتبة النّافذة (مصر)، ط1، 2006م. لماذا يكرهونه؟ الأصول الفكريّة لعلاقة الغرب بنبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، باسم خفاجي، نشر مجلة البيان، ط1، 1427هـ. ماذا يريد الغرب من القرآن؟، عبد الراضي محمد عبد المحسن، طباعة مجلة البيان، ط1، 1427هـ. مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم، دار التدمريّة (السعوديّة)، ط1، 1432هـ. مباحث في علوم القرآن، منّاع القطان، مكتبة وهبة (مصر)، ط11، 2000م. مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، طباعة ورثة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط1، 1423هـ. محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي (مصر)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. محمد بين الحقيقة والافتراء في الرد على الكاتب اليهودي الفرنسي مكسيم رودينسون، محمد محمد أبو ليلة، دار النشر للجامعات، ط1، 1420هـ. مختصر الشمائل المحمدية، محمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية (الأردن)، ط2، 1406هـ. مختصر تاريخ دمشق، محمد بن مكرم المعروف بابن منظور، ت. مأمون الصاغرجي، دار الفكر (سوريا)، ط1، 1405هـ. المخطوطات القرآنية في صنعاء من القرن الأول والثاني الهجريين وحفظ القرآن الكريم، غسّان حمدون، ص1، كتاب إليكتروني بصيغة PDF. مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، ابن قيم الجوزيّة، دار الكتب العلميّة (لبنان)، ط1، بلا تاريخ نشر.
المدارس الأجنبية في الخليج واقعها وآثارها دراسة ميدانية تحليليّة، عبد العزيز بن أحمد البداح، ط1، 1429هـ، بلا دار نشر،. المدخل إلى الكتاب المقدس، حبيب سعيد، دار التأليف والنّشر للكنيسة الأسقفية بالقاهرة (مصر) بالاشتراك مع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. المدهش، أبو الفرج ابن الجوزي، ت. حامد أحمد البسيوني، دار الحديث (مصر)، 1425هـ، بلا رقم طبعة. مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، محمد مهر علي، بحث قدم لندوة عناية المملكة العربيّة السعوديّة بالقرآن وعلومه (رجب 1421هـ)، نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (السعودية)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. مزاعم وأخطاء وتناقضات وشبهات بودلي في كتابه "الرسول، حياة محمد" دراسة نقديّة، مهدي بن رزق الله أحمد، كتاب إليكتروني على الرّابط: www.kt-b.com. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الحرمين (مصر)، ط1، 1417هـ. المستشرقون، نجيب عقيقي، دار المعارف (مصر)، ط4، بلا تاريخ نشر. المسيحيّة والسّيف، برتولومي دي لاس كازاس، ترجمة: سميرة عزمي الزين، المعهد الدولي للدراسات الإنسانيّة، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. مصطلح الحديث، محمد بن صالح بن عثيمين، دار طيبة (السعودية)، 1412هـ، بلا رقم طبعة. مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش دراسة تحليلية، زاهر بن عواض الألمعي، ط4، 1403هـ، بلا دار نشر. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، حافظ بن أحمد الحكمي، تعليق وتخريج صلاح عويضة وأحمد القادري، دار الكتب العلمية (لبنان)، ط1، 1411هـ. معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، ت. خالد بن عبد الرحمن العك ومروان سوار، دار المعرفة (لبنان)، ط1، 1406هـ. معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، ت. محمد النمر وعثمان ضميرية وسليمان الحرش، دار طيبة (السعودية)، 1409هـ، بلا رقم طبعة. معاول الهدم والتدمير في النصرانية وفي التبشير، إبراهيم سليمان الجبهان، دار عالم الكتب (السعودية)، ط4، 1981م. المعجم الشّامل لمصطلحات الحاسب الآلي والإنترنت، السيد محمود الرّبيعي وآخرون، مكتبة العبيكان (السعودية)، ط1، 1422هـ. معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي، أحمد مختار عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب (مصر)،
ط1، 1429هـ. معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، عالم الكتب (مصر)، ط1، 1429هـ. المعجم الموسوعي لتكنولوجيا المعلومات والإنترنت، عامر بن إبراهيم قنديلجي، دار المسيرة (الأردن)، ط1، 1424هـ. المعجم الوسيط، إعداد مجمع اللغة العربيّة بمصر، مكتبة الشّروق الدولية (مصر)، ط4، 1425هـ. معجم ديوان الأدب، إسحاق بن إبراهيم الفراهيدي، ت. أحمد مختار عمر، مؤسسة دار الشعب (مصر)، بلا رقم طبعة، 1424هـ. معجم مصطلحات الكمبيوتر والإنترنت والمعلوماتيّة، شريف فهمي بدوي، دار الكتاب المصري (مصر)، ط1، 1427هـ. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا، ت: عبد السلام محمد هارون، دار عالم الكتب، 1420هـ، بلا رقم طبعة. مفتاح دار السّعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، ابن القيم، دار الكتب العلميّة (لبنان)، 1419هـ، بلا رقم طبعة. ملاحم آخر الزّمان عند المسلمين وأهل الكتاب وآثارها الفكريّة، ياسر بن عبد الرّحمن الأحمدي، مجلة البيان، ط1، 1432هـ. الملخص الفقهي، صالح بن فوزان الفوزان، دار ابن الجوزي (السعوديّة)، ط14، 1421هـ. من افتراءات المستشرقين على الأصول العقديّة في الإسلام عرض ونقد، عبد المنعم فؤاد، مكتبة العبيكان (السعوديّة)، ط1، 1422هـ. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، ت. فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي (لبنان)، ط1، 1415هـ. منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن، محمد ناصر الدين الألباني، الدار السلفية (الكويت)، ط4، 1404هـ. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، عبد العظيم بن إبراهيم المطعني، مكتبة وهبة (مصر)، ط1، 1425هـ. الموسوعة العربيّة العالميّة، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع (السعودية)، ط2، 1419هـ. الموسوعة العربيّة، هيئة الموسوعة العربيّة (رئاسة الجمهوريّة السوريّة)، ط1، 2007م. موسوعة القواعد الفقهيّة، محمد صدقي بن أحمد البورنو، مؤسسة الرسالة (لبنان)، ط1، 1424هـ. موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، دار العلم للملايين (لبنان)، ط3، 1993م.
ثانيا: مواقع الشبكة العالمية
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف مانع بن حمّاد الجهني، دار الندوة العالميّة للطباعة والنشر والتوزيع (السعودية)، ط5، 1424هـ. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت. علي محمد البجاوي، دار المعرفة (لبنان)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. النحو الوافي، عباس حسن، دار المعارف (مصر)، ط7، بلا تاريخ نشر. النشر في القراءات العشر، أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، ت. علي محمد الضباع، دار الكتب العلميّة (لبنان)، بلا رقم طبعة أو تاريخ نشر. نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، أحمد علي عجيبة، دار الآفاق العربيّة (مصر)، ط1، 2004م. النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، المكتبة الإسلاميّة، ط1، 1383هـ. هل العهد الجديد كلمة الله، منقذ بن محمود السقار، دار الإسلام (السعودية)، ط1، 1428هـ. الوضعيّة والاستشراق في عصر الأيدلوجيّة، محمد عثمان الخشت، نهضة مصر (مصر)، ط1، 2007م. ثانياً: مواقع الشّبكة العالميّة إتحاد التنصير عبر الإنترنت: www.webevangelism.com إحصاءات الإنترنت "أليكسا": www.alexa.com جريدة الاقتصاديّة السعوديّة: www.aleqt.com حلول للاستشارات النفسيّة والسلوكيّة: www.holol.net الحوار الإسلامي النّصراني: www.muslimchristiandialogue.com دليل المواقع المسيحية العربية: www.daleelchristian.com رئاسة الإفتاء: www.alifta.com الرّابطة الوطنية الإنجيلية: www.uae.net الشبكة الاجتماعية "تويتر": www.twitter.com الشبكة الاجتماعيّة "فيسبوك": www.facebook.com شبكة الألوكة: www.alukah.net الشيخ عبد العزيز بن باز: www.binbaz.org.sa
صيد الفوائد: www.saaid.net قاموس ترجمة google: translate.google.com قاموس مصطلحات netlingo: www.netlingo.com قاموس مصطلحات webopedia: www.webopedia.com كنيسة الأنبا تكلا الحبشي: st-takla.org المجموعة البريديّة "إلا الله": groups.yahoo.com/group/ella_allah المجموعة البريدية "الخروف الضال": groups.yahoo.com/group/elkharoof_eldal المجموعة البريدية "الله يحبك": groups.yahoo.com/group/god-is-love المجموعة البريديّة "المسيح الحقّ": groups.yahoo.com/group/ebnmaryam المجموعة البريدية "المسيح يحبك": groups.yahoo.com/group/jesus_loves_you المجموعة البريديّة "حرّاس العقيدة": groups.yahoo.com/group/horras_el3aqedah مشروع التحادث المتناوب عبر الشّبكة: www.irc.org منتدى "الحق والضلال": christian-dogma.com/vb منتدى "بحبك يا يسوع": www.loveyou-jesus.com منتدى الألوكة: majles.alukah.net منتدى شبكة مشكاة الإسلاميّة: www.almeshkat.net/vb منتدى ملتقى أهل الحديث: www.ahlalhdeeth.com/vb منتديات "الكنيسة العربية": www.arabchurch.com/forums منتديات "المحبّة": www.elm7ba.com منتديات "إنجيلي": www.enjeely.com/vb منتديات "يسوعنا": www.yaso3na.com/4m منظمة جالوب: www.gallup.com موسوعة تاريخ أقباط مصر: www.coptichistory.org موسوعة ويكيبيديا الإنجليزية: en.wikipedia.org موسوعة ويكيبيديا العربية: ar.wikipedia.org موقع المحادثة "بالتوك": www.paltalk.com موقع تشارك الملفات "يوتيوب": www.youtube.com
ثالثا: البرامج الالكترونية
وكالة "زينت" الإخباريّة: www.zenit.org ثالثاً: البرامج الالكترونيّة برنامج المصطفى، الإصدار الأول. برنامج المكتبة الشاملة، الإصدار 3.36. برنامج مجلة الجامعة الإسلاميّة، إصدار عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة، 1423هـ. برنامج مصحف المدينة النبويّة للنشر الحاسوبي، الإصدار الأول. برنامج مكتبة التفسير وعلوم القرآن، مركز التراث للبرمجيات، الإصدار الرابع. رابعاً: المجلات مجلة الأسرة (السّعوديّة)، العدد 128، ذو القعدة 1424هـ. مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلاميّة، العدد 47، رجب 1430هـ. مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلاميّة، العدد46، محرم 1430هـ. مجلة دراسة المعلومات، جمعية المكتبات والمعلومات السعودية، العدد 8، مايو 2010م. مجلة التربية (اليمن)، العدد 30، إبريل 2010م. خامساً: المواد الصوتيّة محاضرة "استغراب أم استشراق"، علي بن إبراهيم النملة.