التنبيه والإشراف

المسعودي

[مقدمة التحقيق]

[مقدمة التحقيق] ما أظننى في حاجة الى التعريف بمؤلف هذا الكتاب، فقد وقف العلماء من مؤلفه القيم «مروج الذهب» على رجل الدنيا وعلامتها وإن في مروج الذهب لغناء للناس عن أن يتساءلوا عن فضل الرجل وعلمه الواسع، وإحاطته التي لا حد لها، مع فقهه وأمانته فيما ينقل من أخبار ولن نصل من استعراض كتابيه «مروج الذهب» و «التنبيه والاشراف» على أقل من أنه: عالم، فلكي، حاسب، جغرافى، ففيه، محدث، جدلى، نظار، دياني، مؤرخ، ناسب، أخبارى، فيلسوف، أديب. راوية وأنه كان ملماً بعدة لغات كثيرة كالفارسية والهندية واليونانية والروميّة والسريانية، وكان ذا حظ وافر من مختلف الثقافات التي وصل إليها علم الإنسان منذ بدأ الله الخلق إلى عصر المسعودي وهو غريب فيما ينقل، مبدع فيما يصف، قصاص بارع، ذو أسلوب جذاب، وعبارة ممتعة، وقد تتلمذ له كثير من العلماء والمؤرخين، وأكثروا من النقل عنه والتوفيق له. وهو كثير التنقل بالقارئ من تاريخ إلى علم إلى فقه إلى أدب وشعر إلى فلسفة إلى نقد، الى غير ذلك، مما يدل على أنه ذو ثروة علمية فذة ويظهر أن الثروة العلمية التي امتاز المسعودي بها لم يدونها كلا في كتابيه هذين، فحسب بل بعثرها في كتبه، وفرقها بين مصنفاته، تفرقة عادلة، وقسمة راعى بها أن يكون في كل مؤلف منها ما يحببه الى القراء، ويرفع قدره ومنزلته بين العلماء.

فكثيرا ما يرى الباحث في كتب المسعودي أنه يعرض إلى إجمال بعض الموضوعات الطريفة، والأحاديث الغريبة، في مختلف العلوم والفنون في هذين الكتابين، يلم به إلمامة سريعة، ثم يذكر أنه بسطه مفصلا، وذكره بتمامه في كتاب من كتبه، فلا يزال الباحث يبحث عن ذلك الكتاب ضمن ما طبع أو ما لم يطبع، وربما دعاء الشوق إلى البحث في مكاتب أروبا والمكاتب العامة والخاصة ثم لا تكون نتيجة هذا البحث إلا الخيبة والفشل والتحسر الدائم على ما فقد وضاع من تراث الآباء ذلك كان موقفي حين قرأت مروج الذهب للمسعوديّ لأول مرة، ولطالما أمضيت الأيام في البحث، وأضنيت النفس في التنقيب عن كتبه ولا سيما عن كتاب أخبار الزمان الّذي هام به العلماء، لإفراط المسعودي في تقريظه، وإلماعه بما تضمنه من علوم وأبحاث مفيدة- اعتقدت أن في العثور عليه أشباعا لرغباتى العلمية، بل ظننت أن سعادة العالم رهينة بما قد ضمنه ذلك الكتاب من حلول لمسائل علمية معقدة، ومشكلات لم يصل العلم الى حلها، ولا سيما مسائله الفلسفية، وما وراء الطبيعة، وأخباره الظريفة ولم أكن فريدا في الشعور بتلك الحالة، بل ذلك شأن كل من يقرأ كتب المسعودي، أو يلم بها بعض الإلمام ولقد حدثت أن مستشرقا استهواه علم المسعودي، وأسلوبه الجذاب، وفتنته إحالاته العجيبة، فبحث أولا بنفسه، ثم لجأ الى حكومته فأمدته بالمال، وظل يبحث ويتابع البحث، حتى عثر على نسخة من كتاب أخبار الزمان في بلاد شنقيط بصحراء إفريقية، فرام شراءها، وبذل فيها ثمنا عاليا، فما سمحت أنفس الشناقطة ببيعها، ولا رضوا أن يستبدلوها بالذهب الوفير

فلما أعياه شراؤها عرض عليهم أن يصورها بالفتوغرافيا نظير مبلغ من المال جسيم، فما أعاروا عرضه ذلك التفاتا، بل منعوه النظر اليها والاستمتاع بها فرحل عنهم، حقبة من الدهر، ولما استيقن أن القوم قد أنسوا شخصه، وما كان قد جاء لأجله، عاد اليهم خائفا يترقب، وقد عزم على استنساخها فاكترى رجلا منهم عهد اليه باستنساخها. لكنهم إذ فطنوا إلى الأمر، لم يجدوا جزاء لهذا المستشرق- الّذي أحب العلم، وضحى بوقته وراحته ولذاته في سبيله، واستمات في تحقيق فكرة يصل نفعها إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها- إلا القتل، فذهب ضحية إحالات المسعودي والبحث عن كتبه! وكتابا المسعودي يمثلان العصر الذهبي للإسلام، والثقافات العالية، التي وصل إليها العلماء، وهما جديران بأن يستصحبا وأن لا يملا، وأن يحرص عليهما العلماء والمتأدبون ولقد حرصت الحرص كله على أن أكون سباقا الى طبع هذا الكتاب، برا بالمسعودى وغيرة على كتابه هذا! وقد أحصيت كتبه التي ذكرها في كتاب مروج الذهب، وكتاب التنبيه والاشراف وأحال عليها وأنا أثبتها فيما يلي: (كتبه التي أشار اليها في كتابه التنبيه والاشراف) 1 كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والممالك الداثرة 2 الكتاب الأوسط 3 كتاب مروج الذهب، ومعادن الجوهر، في تحف الاشراف من الملوك وأهل الديارات

4 كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف 5 كتاب ذخائر العلوم، وما كان في سالف الدهور 6 كتاب نظم الجواهر، في تدبير الممالك والعساكر 7 كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار 8 كتاب التنبيه والاشراف، وهو هذا 9 كتاب نظم الأعلام، في أصول الأحكام 10 كتاب نظم الأدلة، في أصول الملة 11 كتاب المسائل والعلل، في المذاهب والملل 12 كتاب خزائن الدين، وسر العالمين 13 كتاب المقالات، في أصول الديانات 14 كتاب سر الحياة 15 رسالة البيان في أسماء الأئمة 16 الأخبار المسعوديات 17 كتاب وصل المجالس 18 كتاب تقلب الدول، وتغيير الآراء والملل 19 كتاب الابانة، في أصول الديانة 20 كتاب مقاتل فرسان العجم 21 كتاب الصفوة في الإمامة 22 كتاب الاستبصار في الإمامة كتبه التي انفرد بذكرها في كتاب مروج الذهب والاحالة اليها 23 كتاب المبادئ والتراكيب 24 كتاب الرءوس السبعة

25 الزاهي 26 كتاب الدعاوي 27 كتاب الاسترجاع 28 كتاب مزاهر الاخبار، وظرائف الآثار 29 كتاب الرؤيا والكمال 30 كتاب طب النفوس 31 كتاب حدائق الأذهان، في اخبار الرسول 32 كتاب القضايا والتجارب 33 كتاب الواجب، في الفروض اللوازم 34 كتاب الزلف ويظهر أن كتبه هذه كلها قد ضاعت ولم يقف العلماء على شيء منها سوى: (1) مروج الذهب وقد طبع عدة مرات في جزءين، وطبع أخيرا في أربعة أجزاء باشر مراجعتها الأستاذ العلامة الشيخ محمد محيي الدين المدرس بكلية اللغة العربية، فاللَّه يتولى جزاءه وحسن مكافأته وعنى المستشرق باربيه دى مينا بنقله الى اللغة الفرنسية وطبع في باريس سنة 1872 في تسعة أجزاء وفي مجلة الضياء (السنة الثانية) مقال للاستاذ عبد الله المراشى ينقد فيه هذه الترجمة كما نقله الى الانكليزية العلامة المستشرق سبرنجر (2) كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، من الأمم الماضية والممالك الداثرة- يقرب من ثلاثين مجلدا، والمسعودي يكثر من الإشارة اليه، وهذا الكتاب لا يوجد منه الا جزء واحد في مكتبة فينا وفي المكتبة الملكية بالقاهرة كتاب بهذا الاسم، مصور عن نسخة في

المكتبة الأهلية، بباريس في جزء واحد تام وهو كتاب يحوى كثيرا من غرائب العالم وعجائب المخلوقات، وطرائف الأخبار عن سالف الأمم من آدم والأنبياء من ولده والملوك والكهان والحكماء والطلسمات والهياكل والبرابي والسحرة والجن وما حدث من الكوائن العظام كالطوفان وغيره مع ذكره عجائب الجزائر والبحار منذ أنشأ الله الخلق (3) كتاب التنبيه والاشراف وهو هذا، وقد طبع قبل ذلك في ليدن سنة 1894 وهو الجزء الثامن من المكتبة الجغرافية التي عنى بنشرها العلامة المستشرق «دى جوجي» وقد علق عليها وذيلها بملاحظات كثيرة واقتصرت على النافع منها وهو يذكر في مقدمته أن المستشرق ساكى كان قد علق عليها قبل ذلك في عام 1810 وراجعها وهو يحوى لمعا من ذكر الأفلاك وهيئاتها، والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وأقسام الأزمنة وفصول السنة ومنازلها والرياح ومهابها والأرض وشكلها ومساحتها والنواحي والآفاق وتأثيرها على السكان وحدود الأقاليم السبعة والعروض والأطوال ومصاب الأنهار وذكر الأمم السبع القديمة ولغاتها ومساكنها ثم ملوك الفرس على طبقاتهم والروم وأخبارهم وجوامع تاريخ العالم والأنبياء ومعرفة السنين القمرية والشمسية وسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وغزواته وسنى هجرته وسير الخلفاء الراشدين والخلفاء من بعدهم، مع التعرض إلى ذكر من كان في عهدهم من ملوك الروم والأفدية التي حدثت في أيامهم في عهد الراشدين والأمويين والعباسيين وتكلم على الخلفاء جميعا إلى سنة 345 وهي السنة التي مات فيها وقد تعرض الى ذكر طرف عن ملوك الأندلس (4) الكتاب الأوسط، ويوجد في مكتبة أكسفورد نسخة يظن أنها هو كما يظن بعض الباحثين أنه وقف على أجزاء منه في بعض مكاتب دمشق

ذكر الغرض من هذا الكتاب

ذكر الغرض من هذا الكتاب بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد للَّه رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين قال أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي (أما بعد) فانا لما صنفنا كتابنا الأكبر في (أخبار الزمان ومن أباده الحدثان) من الأمم الماضية والأجيال الحالية والممالك والداثرة، وشفعناه بالكتاب الأوسط في معناه ثم قفوناه بكتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) في تحف الأشراف من الملوك وأهل الدرايات ثم أتلينا ذلك بكتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وأتبعناه بكتاب (ذخائر العلوم، وما كان في سالف الدهور) وأردفناه بكتاب (الاستذكار لما جرى في سالف الاعصار) ذكرنا في هذه الكتب الأخبار عن بدء العالم والخلق وتفرقهم على الأرض والممالك والبر والبحر والقرون البائدة، والأمم الخالية الداثرة الأكابر كالهند والصين والكلدانيين- وهم السريانيون- والعرب والفرس واليونانيين والروم وغيرهم، وتاريخ الأزمان الماضية والأجيال الخالية والأنبياء وذكر قصصهم وسير الملوك وسياساتهم ومساكن الأمم وتباينها في عبادتها، واختلافها في آرائها وصفة بحار العالم وابتدائها وانتهائها واتصال بعضها ببعض وما لا يتصل منها وما يظهر فيه المد والجزر وما لا يظهر، ومقاديرها في الطول والعرض وما يتشعب من كل بحر من الخلجان ويصب إليه من كبار الأنهار وما فيها من الجزائر العظام وما كان من الأرض برا فصار بحرا، وبحرا فصار براً على مرور الأزمان وكرور الدهور، وما قاله حكماء الأمم في كيفية شبابها وهرمها وعلل جميع ذلك، والأنهار الكبار ومبادئها ومصابها ومقادير

مسافاتها على وجه الأرض من ابتدائها إلى انتهائها، والاخبار عن شكل الأرض وهيئتها وما قالته حكماء الأمم من الفلاسفة وغيرهم في قسمتها، والربع المسكون منها وحدبها وأنجادها وأغوارها وتنازع الناس في كيفية ثباتها وتأثيرات الكواكب في سكانها، واختلاف صورهم وألوانهم وأخلاقهم. ووصف الأقاليم السبعة وأطوالها وعروضها وعامرها وغامرها ومقادير ذلك، ومجاري الأفلاك وهيئاتها واختلاف حركتها، وابعاد الكواكب وجرامها واتصالها وانفصالها وكيفية مسيرها وتنقلها في أفلاكها ومضاداتها إياها في حركاتها ووجوه تأثيراتها في عالم الكون والفساد التي بها قوام الأكوان، وهل أفعالها على المماسة أم على المباينة عن ارادة وقصد أم غير ذلك وكيف ذلك وما سببه؟ وهل حركات الأفلاك والنجوم جميعا طباع أم اختيار؟ وهل للفلك علة طبيعية فاعلة في الأشياء المعلولة التي هو مشتمل عليها ومحيط بها والنواحي والآفاق من الشرق والغرب والشمال والجنوب. وما على ظهر الأرض من عجيب البنيان، وما قاله الناس في مقدار عمر العالم ومبدئه وغايته ومنتهاه، وعلة طول الأعمار وقصرها وآداب الرئاسة وضروب أقسام السياسة المدنية، الملوكية منها والعامية، مما يلزم الملك في سياسة نفسه ورعيته. ووجوه أقسام السياسة الديانية، وعدد أجزائها، ولأية علة لا بد للملك من دين، كما لا بدّ للدين من ملك. ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، ولم وجب ذلك وما سببه؟ وكيف تدخل الآفات على الملك، وتزول الدول، وتبيد الشرائع والملل؟ والآفات التي تحدث في نفس الملك والدين، والآفات الخارجة المعترضة لذلك وتحصين الدين والملك، وكيف يعالج كل واحد منهما بصاحبه إذا اعتل من نفسه أو من عارض يعرض له، وماهية ذلك العلاج، وكيفيته وأمارات إقبال الدول. وسياسة البلدان والأديان والجيوش على طبقاتهم ووجوه

الحيل والمكايد في الحروب ظاهرا وباطنا، وغير ذلك من أخبار العالم وعجائبه وأخبار نبينا صلّى الله عليه وسلّم ومولده. وما ظهر في العالم من الآيات والكوائن والأحداث المنذرات بظهوره قبل مولده، من أخبار الكهان وغيرهم وما أظهر الله سبحانه على يديه من الدلائل والعلامات، وجوامع [1] المعجزات. ومنشئه ومبعثه وهجرته ومغازيه وسراياه وسوار به ومناسره إلى وفاته، والخلفاء بعده والملوك والغرر من أخبارهم. وما كان من الكوائن والاحداث والفتوح في أيامهم، وأخبار وزرائهم وكتابهم إلى الخلافة المطيع وذكرنا من كان في كل عصر من حملة الأخبار، ونقلة السير والآثار، وطبقاتهم من عصر الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من فقهاء الأمصار وغيرهم من ذوى الآراء والنحل والمذاهب والجدل بين فرق أهل الصلاة ومن مات منهم في سنة سنة إلى هذا الوقت المؤرخ. وذكرنا في كتاب (نظم الأعلام في أصول الأحكام) وكتاب (نظم الأدلة، في أصول الملة) وكتاب (المسائل والملل. في المذاهب والملل) تنازع المتفقهين في مقدمات أصول الدين والحوادث التي اختلفت فيها آراؤهم وما يذهب اليه من القول بالظاهر وإبطال للقياس والرأى والاستحسان في الأحكام إذ كان الله جل وعز قد أكمل الدين وأوضح السبيل وبين للمكلفين ما يتقون في آياته المنزلة وسنن رسوله المفصلة التي زجرهم بها عن التقليد ونهاهم عن تجاوز ما فيها من التحديد، وما اتصل بذلك من الكلام في أصول الفتوى والأحكام، العقليات منها والسمعيات وغير ذلك من فنون العلوم، وضروب الأخبار، مما لم تأت الترجمة على وصفه،

_ [1] في الاروبية والجرائح المعجزات

ولا انتظمت ذكره رأينا أن نتبع ذلك بكتاب سابع مختصر نترجمه بكتاب (التنبيه والاشراف) وهو التالي لكتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) نودعه لمعا من ذكر الأفلاك وهيئاتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها، وكيفية أفعالها، والبيان عن قسمة الازمنة وفصول السنة، وما لكل فصل من المنازل والتنازع في المبتدإ به منها. والاصطقصات وغير ذلك والرياح ومهابها وافعالها وتأثيراتها. والأرض وشكلها وما قبل في مقدار مساحتها وعامرها وغامرها والنواحي والآفاق وما يغلب عليها وتأثيراتها في سكانها، وما اتصل بذلك وذكر الأقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في طولها وعرضها، وقسمة الأقاليم على الكواكب السبعة- الخمسة والنيرين- ووصف الإقليم الرابع وتفضيله على سائر الأقاليم: وما خص به ساكنوه من الفضائل التي باينوا بها سكان غيره منها، وما اتصل بذلك من الكلام في عروض البلدان وأطوالها، والأدوية وتأثيراتها وغير ذلك وذكر البحار وأعدادها وما قيل في أطوالها وأعراضها واتصالها وانفصالها ومصبات عظام الأنهار اليها وما يحيط بها من الممالك وغير ذلك من أحوالها وذكر الأمم السبع في سالف الأزمان، ولغاتهم وآرائهم، ومواضع مساكنهم وما بانت به كل أمة من غيرها. وما اتصل بذلك ثم نتبع ذلك بتسمية ملوك الفرس الأول، والطوائف، والساسانية على طبقاتهم وأعدادهم ومقدار ما ملكوا من السنين وملوك اليونانيين وأعدادهم، ومقدار ملكهم، وملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء، وهم الصابئون والمتنصرة، وعدتهم

وجملة ما ملكوا من السنين. وما كان من الكوائن والاحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم وصفة بنودهم وحدودها ومقاديرها وما يتصل منها بالخليج وبحري الروم والخزر وما اتصل بذلك من اللمع المنبهة على ما تقدم من تأليفنا فيما سلف من كتبنا وذكر الأفدية بين المسلمين والروم إلى هذا الوقت وتواريخ الأمم، وجامع تأريخ العالم والأنبياء والملوك من آدم الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. وحصر ذلك وما اتصل به ومعرفة سنى الأمم الشمسية والقمرية وشهورها، وكبسها ونسيئها، وغير ذلك من أحوالها وما اتصل بذلك من التنبيهات على ما تقدم جمعه وتأليفه، وذكر مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم ومبعثه وهجرته وعدد غزواته وسراياه وسواربه وكتابه ووفاته والخلفاء بعده والملوك وأخلاقهم وكتابهم ووزرائهم وقضاتهم وحجابهم ونقوش خواتيمهم وما كان من الحوادث العظيمة الديانية والملوكية في أيامهم وحصر تواريخهم إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 للهجرة في خلافة المطيع منبهين بذلك على ما قدمنا ذكره من كتبنا وانما اقتصرنا في كتابنا هذا على ذكر هذه الممالك لعظم ملك ملوك الفرس وتقادم أمرهم، واتصال ملكهم، وما كانوا عليه من حسن السياسة وانتظام التدبير، وعمارة البلاد، والرأفة بالعباد، وانقياد كثير من ملوك العالم إلى طاعتهم وحملهم اليهم الإتاوة والخراج، وانهم ملكوا الإقليم الرابع، وهو إقليم بابل أوسط الأرض وأشرف الأقاليم. وأن مملكتي اليونانيين والروم تتلوان مملكة فارس في العظم والعز، ولما خصوا به من أنواع الحكم والفلسفة والمهن العجيبة، والصنائع البديعة ولأن مملكة الروم الى وقتنا هذا ثابتة الرسوم متسقة التدبير، وان كان اليونانيون قد دخلوا في جملة الروم منذ احتووا على ملكهم كدخول

ذكر الأفلاك وهيئاتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وكيفية أفعالها

الكلدانيين- وهم السريانيون سكان العراق- في جملة الفرس الأولى لغلبتهم عليهم. فأحببنا أن لا نخلي كتابنا هذا من ذكرهم، وإن كنا قد ذكرنا سائر الممالك التي على وجه الأرض وما أزيل منها ودثر، وما هو باق إلى هذا الوقت وأخبار ملوكهم وسياساتهم وسائر أحوالهم فيما سميناه من كتبنا على أنا نعتذر من سهو إن عرض في تصنيفنا مما لا يسلّم منه من لحقته غفلة الانسانية، وسهوة البشرية، ثم ما دفعنا اليه من طول الغربة وبعد الدار، وتواتر الاسفار طورا مشرقين وطورا مغربين كما قال أبو تمام خليفة الخضر من يربع على وطن ... في بلدة فظهور العيس أوطاني بالشأم قومي وبغداد الهوى وأنا ... بالرقتين وبالفسطاط إخواني وكقوله أيضا فغربت حتى لم أجد ذكر مشرق ... وشرقت حتى قد نسيت المغاربا خطوب إذا لاقيتهن رددنني ... جريحا كأنى قد لقيت الكتائبا ونحن آخذون فيما به وعدنا، وله قصدنا. وباللَّه نستعين، وإياه نسأل التوفيق والتسديد. ذكر الأفلاك وهيئاتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وكيفية أفعالها فلنبدأ بذكر الفلك الّذي نبهنا الله سبحانه عليه، وأشار في نص الكتاب اليه لما فيه من عجائب حكمته ولطائف قدرته وخصائص التدبير وبدائع التركيب التي

تدل بعجائب نظمها وغرائب تأليفها على وحدانية مبدعها وأزلية منشئها قال الله جل وعز (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) 36: 40 اى في دائرة منها يكونون- إذ اسم الفلك يدل على الاستدارة في لغة العرب، والفلك السماء قال الله عزّ وجلّ (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) 40: 57 قال المسعودي: وقد تنازع الناس في الفلك ممن سلف وخلف فقال أفلاطون وثامسطيوس والرواقيون وعدة ممن تقدم عصر أفلاطون وتأخر عنه من الفلاسفة إنه من الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة إلا أن الغالب عليه النارية وليست ناريته محرقة إنما هي مثل النار الغريزية في الأبدان، وقال آخرون إنه من النار والهواء والماء دون الأرض وذهب أرسطاطاليس وأكثر الفلاسفة ممن تقدم عصره وتأخر عنه وغيرهم من حكماء الهند والفرس والكلدانيين الى أنه طبيعة خامسة خارجة عن الطبائع الأربع ليست فيه حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة وانه جسم مدور كرى أجوف يدور على محورين وهما القطبان أحدهما رأس السرطان ومنتهى بنات نعش، من تلقاء نقطة الجنوب، والآخر رأس الجدي وفيه كواكب مثل بنات نعش من تلقاء نقطة الشمال وخط الاستواء في وسط الفلك وهو خط ما بين الشمال والجنوب وأوسع موضع فيه من نقطة المشرق الى نقطة المغرب وهو منقسم بأربعة أرباع كل ربع منها تسعون درجة على خطين يتقاطعان على مركزه وهو موضع الأرض منه أحد الربعين وهو أحد القطبين نقطة الشمال وبإزائه نقطة الجنوب والربع الثالث نقطة المشرق وبإزائها نقطة المغرب، وهو يدور دورانا طبيعيا دائما وبدورانه ودوران الكواكب التي فيه تنفعل الكيفيات وانبسطت الأركان

الأربعة وهي النار والماء والهواء والأرض فيتصل ركنان منها وهما النار والهواء بالعلو وركنان منها وهما الماء والأرض بالسفل ثم تتحرك هذه الكيفيات بتحرك الجواهر العلوية والأجسام السمائية على حسب مداراتها ومسيرها وحركاتها وتأثيراتها فيتحرك الركنان الاعليان بتحرك الكيفيات والركنان الأسفلان بتحرك الركنين الأعليين وتهب بذلك الرياح الاثنتا عشرة، فتنشأ السحائب وينزل القطر ويتصل بذلك الآثار العلوية ويتصل بالآثار العلوية الآثار السفلية الموجودة في الحيوان والنبات البري والبحري. وفي الجواهر والمعادن حتى يكون التدبير في جميع هذه العوالم متسقا مطردا، متصلا بعضه ببعض بالفعل، كامنا بعضه في بعض بالقوة. حتى تظهر آثار الصنعة، وأمارات الحكمة، ودلائل الربوبية، وترتبط المعلولات بعللها، وتشهد للصانع بصنعته، وبدائع حكمته. وجعل عز وجل الفلك الأعلى، وهو فلك الاستواء، وما يشتمل عليه من طبائع التدوير، فأولها كرة الأرض يحيط بها فلك القمر ويحبط بفلك القمر فلك عطارد، وبفلك عطارد فلك الزهرة، وبفلك الزهرة فلك الشمس، وبفلك الشمس فلك المريخ، وبفلك المريخ فلك المشترى، وبفلك المشترى فلك زحل وبفلك زحل فلك الكواكب الثابتة، وبفلك الكواكب الثابتة فلك البروج وبفلك البروج فلك الاستواء وهو المحيط بها والمحرك لها. ومن ذوى المعرفة بعلم الأفلاك والنجوم من يعد فلك الاستواء، وفلك البروج الثابتة فلكا واحدا، لما يرى من تجاذبهما، واتفاق أقطارهما ومراكزهما والأرض في وسط الجميع مركز له كالنقطة في وسط الدائرة والفلك متجاف

عنها من حيث ما أحاط بها بميل ما نحو [1] وجهها الّذي يكون عليها حيثما كانت وهو أعلى الفلك على سمت رأسك فذلك نصف قطر الفلك الأعلى [2] أخذ منه نصف قطر الأرض، وهو يدور عليها من المشرق إلى المغرب، على أوسع موضع فيه على نقطتين وهميتين متقابلتين في جنبي كرته. إحداهما القطب الشمالي وهو على شمال مستقبل المشرق، والثانية القطب الجنوبي، وهو على يمين مستدبر المغرب، ويسميان المحورين تشبيها بقطب الرحى ولهذا الفلك نطاق يفصل كرته في متوسط ما بين قطبيه، ويفصل محاذاته كرة الأرض بنصفين. وهذا النطاق يسمي فلك معدل النهار، لاستواء الليل والنهار فيه، ويسمى الفلك المستقيم لاستواء مطالعه ومغاربه، واستقامة مدرجة في أرباع الفلك وما بينها على نظام واحد، وكل جزء من أجزاء هذا النطاق وإن اتسع فإنه كيفما انحدر في بسيطى الكرة إلى المحورين قل عرضه ودق حتى تجتمع أجزاء الفلك كلها من فوق الأرض وتحتها في نقطة المحور. ومن كان تحت هذا النطاق فإنه ينظر المحورين يطوفان على أفق المواضع والفلك يدور منتصبا فوق رأسه. وأكثر هذه الأفلاك مسيرها من المشرق إلى المغرب موافقة في مسيرها لمسير الفلك الأعلى. ومنها ما يكون مسيره موافقا لمسير الكواكب من المغرب إلى المشرق، فما كان من الفلك آخذا من الشمال إلى الجنوب سمي العرض، وما كان آخذا من المغرب إلى المشرق سمى الطول. والأرض من الفلك بمنزلة النقطة من الدائرة بعدها من كل نقطة من النقط

_ [1] في الاروبية بمثل ما كان وجهها، والتصحيح بحسب المعنى. [2] في الاروبية إلا ما، وهو غير واضح

الأربع التي ينقسم الفلك عليها بعد واحد، ومن مركزها إلى كل نقطة تسعون درجة، وقطر الدائرة مائة وثمانون درجة وهي تنقسم في نفسها مثل هذه الأربع نقط من الشمال والجنوب والمشرق والمغرب، إلا أنها غير ذات نسبة من الفلك كما أن الفلك لا نسبة له من الدائرة والجرم الّذي من نهاية حضيض فلك القمر إلى نهاية العالم في العلو طبيعة خامسة ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا مركبة من شيء من هذه الطبائع الأربع. وهذا الجسم هو الجسم الفلكي، ونهايته مما يلينا أعنى كصورة باطن كرة والعناصر أربعة نار وهواء وماء وأرض، فاثنان من هذه العناصر حاران وهما النار والهواء، وهما يتحركان بطبعهما صعدا إلا أن أسبقهما إلى العلو النار، فهي طافية على الهواء، والنار يابسة والهواء رطب واثنان باردان وهما الماء والأرض وهما يتحركان بطبعهما سفلا عند حركتهما، إلا أن أسبقهما إلى السفل الأرض، والأرض يابسة، والماء رطب. فقد حصل بما ذكرنا أن الحرارة تفعل الحركة صعدا، وأن البرد يفعل الحركة سفلا، وأن اليبس يفعل السبق إلى الموضع الأخص بكل واحد منهما وأن الرطوبة تفعل الثقل في الحركة، فما كانت حركته صعدا سموه خفيفا، وما كانت حركته سفلا سموه ثقيلا. وأنه لا فراغ في جرم العالم، وأن الأجسام إذا حميت احتاجت إلى مواضع أوسع من المواضع التي كانت فيها، فما تحدثه الحرارة فيها من تباعد نهاياتها عن مركزها، وأنها إذا بردت صارت بضد ذلك لأن البرد يفعل تقارب نهايات الأجسام من مركزها، فتحتاج الى مواضع أصغر من مواضعها وأن الحرارة والبرودة تتبادل المواضع فإذا كان ظاهر الأرض حارا كان

باطنها باردا، على ما تكون عليه السراديب وغيرها من أعماق الأرض وأعوارها في نهار الصيف من البرد، وإذا كان ظاهرها باردا كان باطنها حارا على ما عليه السراديب وغيرها في ليالي الشتاء، وأن الحرارة ترفع من كل جسم رطب لطيفه ولا أولا حتى تجف أرضيته فيتحجر أو تفنى جملته وأن الشمس إذا كان مسيرها في الميل الشمالي عن معدل النهار حمى الهواء في ناحية الشمال وبرد الهواء الجنوبي، فيجب من ذلك أن ينقبض الهواء الجنوبي ويحتاج الى موضع أصغر، ويتسع الهواء الشمالي، ويحتاج الى موضع أوسع، إذ لا فراغ في العالم، فبالواجب ان يكون أكثر رياح الصيف عند من هو في ناحية الشمال شمالية لأن الهواء من عندهم يتحرك إلى ناحية الجنوب، إذ ليس الريح شيئا غير حركة الهواء وتموجه، وكذلك يجب أن يكون أكثر رياح الشتاء جنوبية لتحرك الهواء إلى ناحية الشمال لمسير الشمس في الشتاء في الميل الجنوبي وما أبين للحس من مسير الشمس في الشتاء في الجنوب وفي الصيف في الشمال، لما نراه في الشتاء من طول ظلال المظلات، وبعد جرم الشمس في سمت رءوسنا من خط نصف النهار قال المسعودي: وفيما ذكرنا من قسمة الأفلاك وتراكيبها وما يلينا من الكواكب- النيرين والخمسة- تنازع بين الاسلاف والأخلاف. من ذلك ما ذكره ابطلميوس القلوذى في كتاب المجسطي، وفي كتابه في الهيئة أنه لم يظهر له أن الزهرة وعطارد فوق الشمس أو دونها. وحكى يحيى النحويّ وهو المعروف بالحريص الإسكندراني في كتابه الّذي دل فيه على أن العالم محدث ونقضه لكتاب پرقلس في قدمه ورده على أفلاطون وأرسطاطاليس وأفلوطرخس وغيرهم من القائلين بقدمه أن أفلاطون كان يزعم أن

فلك القمر أدنى الأفلاك إلينا وفلك الشمس يليه ثم فلك عطارد ثم فلك الزهرة ثم كذلك على ما رتبها الباقون. وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا السالفة تنازع الفلاسفة وغيرهم من حكماء الأمم في هيئة الأفلاك وتراكيبها والنجوم وتأثيراتها في هذا العالم الأرضى وما يمين العالم وما شماله، وما خلفه وأمامه وتحته وفوقه. وما ذكره أرسطاطاليس في المقالة الثانية من كتاب السماء والعالم عن شيعة فيثاغورث في ذلك وما ذهب إليه من أن للسماء يمينا وشمالا، وأماما وخلفا، وفوقا وأسفل. فيمنة السماء الجهة المشرقية، ويسرتها المغربية، وأعلاها القطب الجنوبي وهو فوق القطب الشمالي وهو أسفل وما اتصل بذلك. قال المسعودي: وأكثر من نشاهده من فلكية زماننا ومنجمى عصرنا مقتصرون على معرفة الأحكام- تاركون للنظر في علم الهيئة، ذاهبون عنها- وصناعة التنجيم التي هي جزء من أجزاء الرياضات، وتسمى باليونانية (الاصطرونوميا) تنقسم قسمة أولية على قسمين (أحدهما) العلم بهيئة الأفلاك وتراكيبها ونصبها وتأليفها (والثاني) العلم بما يتأثر عن الفلك فليس العلم الثاني وهو العلم بتأثيرات الفلك وما يوجب من الأحكام بمستغن عن العلم الأول، الّذي هو علم الهيئة إذ التأثيرات واقعة بالحركات وتبدل الأحوال، وإذا وقع الجهل بالحركات وقع الجهل بالتأثيرات فاذ ذكرنا جملا وجوامع من علوم هيئة الأفلاك والنجوم، فلنذكر الآن الكلام في جمل من قسام الزمان وفصوله والسنين والشهور والأيام وطباعها والاصطقصات ومرور الشمس في فلكها، وقطعها لبروجها، وما تحدثه في كل

ذكر البيان عن قسمة الازمنة، وفصول السنة

فصل، وما لحق بذلك. ذكر البيان عن قسمة الازمنة، وفصول السنة وما لكل فصل من المنازل، والتنازع في المبتدإ به منها والاصطقصات، وما اتصل بذلك الازمنة أربعة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، فالزمان الأول الربيع وهو طبيعة الدم حار رطب، مدته ثلاثة وتسعون يوما وثلاث وعشرون ساعة وربع ساعة، وذلك من عشر تبقى من أذار إلى ثلاثة وعشرين يوما تخلو من حزيران، وهو من نزول الشمس أول دقيقة من الحمل، وهو الاستواء الربيعيّ إلى دخولها أول دقيقة من السرطان، وهو المنقلب الصيفي والزمان الثاني: الصيف وهو حار يابس، سلطانه المرة الصفراء، مدته اثنان وتسعون يوما وثلاث وعشرون ساعة وثلث ساعة، وذلك من ثلاثة وعشرين يوما تمضى من حزيران الى أربعة وعشرين تمضي من أيلول، وهو من دخول الشمس أول دقيقة من السرطان إلى دخولها أول دقيقة من الميزان والزمان الثالث: الخريف، وهو بارد يابس، سلطانه المرة السوداء مدته ثمانية وثمانون يوما، وسبع عشرة ساعة، وثلث خمس ساعة. وذلك من أربعة وعشرين يوما تمضى من أيلول إلى اثنين وعشرين يوما تخلو من كانون الأول وذلك من نزول الشمس أول دقيقة من الميزان، وهو الاستواء الخريفي الى نزولها أول دقيقة من الجدي، وهو المنقلب الشتوي والزمان الرابع: الشتاء، وهو بارد رطب سلطانه البلغم، مدته تسعة وثمانون

يوما وأربع عشرة ساعة من تسع تبقى من كانون الأول إلى أحد وعشرين يوما تخلو من أذار، وذلك من دخول الشمس أول دقيقة من الجدي الى نزولها أول دقيقة من الحمل. فانقسام فصول السنة بالأزمان الأربعة إنما هو بحركة الشمس في الجملة قال المسعودي: فقد تبين بما ذكرنا أن مدة زمان الربيع مسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي الحمل والثور والجوزاء. ومدة زمان الصيف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي السرطان والأسد والسنبلة، ومدة زمان الخريف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي الميزان والعقرب والقوس، ومدة زمان الشتاء مسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي الجدي والدلو والحوت فما أعجب واتقن اشتباك أمر العالم بعضه ببعض ونظمه! إنا إذا خرجنا من ربع الصيف الى ربع الخريف، فانا نخرج من ربع حار يابس إلى ربع بارد يابس فاختلف الربعان في الحر والبرد، واتفقا في اليبس. وإذا خرجنا من ربع الخريف الى ربع الشتاء خرجنا من ربع بارد يابس إلى ربع بارد رطب، فاختلفا في اليبس واتفقا في البرد. وإذا خرجنا من ربع الشتاء الى ربع الربيع خرجنا من ربع بارد رطب الى ربع حار رطب فاختلفا في الحر واتفقا في الرطوبة فقد تبين انا لم نخرج من ربع حار رطب الى ربع بارد يابس ولا من ربع بارد رطب الى ربع حار يابس فتأمل حكمة البارئ جل وعز في نظمه الاستقصات الأربعة في العالم السفلى اعنى الأرض والماء والهواء والنار فإنك تجدها على هذا الترتيب مؤلفة تجد الأرض وهي باردة يابسة ثم الماء وهو بارد رطب ثم الهواء وهو حار رطب ثم النار وهي حارة يابسة، فالماء الّذي يلي الأرض يوافقها في البرودة ويختلفان في

الرطوبة واليبس، والهواء الّذي يلي الماء يوافقه في الرطوبة ويختلفان في الحر والبرد، والنار التي تلى الهواء توافقه في الحر ويختلفان في اليبس والرطوبة وكذلك أيضا الزمان فإنه مقسوم بأربعة أقسام فقسم ربيعي دموى هوائي، وقسم صيفي صفراوى ناري، وقسم خريفي سوداوى ارضى، وقسم شتائى بلغمي مائي فسبحان من دبر الأمور بحكمته وأتقنها بقدرته فلا يوجد فيها خلل، ولا يبين فيها زلل. إذ كان الإهمال لا يأتى بالصواب والتضاد لا يأتى بالنظام. وقد شبه ابطلميوس فصل الربيع بفصل الطفولية وفصل الصيف بالشباب والخريف بالكهولة والشتاء بالشيخوخة وقد تنازع من تقدم وتأخر من حكماء الأمم وفلاسفتهم في المبتدإ به من فصول السنة ومداخلها وأوائلها ومددها، فمنهم من اختار تقديم الفصل الربيعيّ وصيره أول السنة لأنه الوقت الّذي يبتدئ النهار فيه بالزيادة وأنه مع ذلك رطب والرطوبة ولية بان تكون ابتداء الأشياء الكائنة ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي لأنه الوقت الّذي فيه كمال طول النهار وأن مد النيل بمصر فيه يكون وفيه تطلع الشعرى اليمانية التي تقطع السماء عرضا ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لأن جميع الثمار فيه تستكمل والبذور فيه تبذر وانما سمى الخريف لان الثمار تخترف فيه اى تجتنى والعرب تسميه الوسمي بالمطر الّذي يكون فيه وذلك ان أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة وقد يبست بالصيف فتسميه بهذا الاسم لانه يسم الأرض، وهم يبتدءون من الأزمان بهذا الفصل لأن المطر الّذي به عيشهم فيه يبتدئ، ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الشتوي لأن النهار فيه يبتدئ باسترداد ما نقص منه والازدياد في طوله وقد ذكر ذلك ابطلميوس القلوذى في كتابه المعروف

ذكر الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها وما اتصل بذلك من تقريظ مصر والتنبيه على فضلها وما شرفت به على غيرها

بالأربع مقالات. وفي كتابه في الأنواء الّذي ذكر فيه أحوال أيام السنة كلها وما يحدث فيها من طلوع الكواكب وغروبها، فاذ ذكرنا الأخبار عن قسمة الازمنة وفصول السنة وما اتصل بذلك فلنذكر الرياح ومهابها وما لحق بذلك ذكر الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها وما اتصل بذلك من تقريظ مصر والتنبيه على فضلها وما شرفت به على غيرها تنازع الناس في الرياح الأربع ومهابها وطباعها، فقال فريق منهم الرياح اربع شمال وجنوب وصبا ودبور، الصبا من المشرق والدبور من المغرب والشمال من تحت جدي الفرقدين، والجنوب من تحت جدي سهيل فالشمال باردة يابسة وهي ما هب من ناحية الجرّبى وهو الشمال وأشكالها من البروج والكواكب والأمهات وما يشاكل ذلك ويضاف الى البرد واليبس، والجنوب حارة رطبة وهي التي تهب من القبلة وأشكالها كما وصفت مما يضاف الى الحرارة والرطوبة، والدبور باردة رطبة وهي التي تهب من المغرب وكذلك أشكالها، والصبا حارة يابسة وهي التي تهب من المشرق وأشكالها مما هو مضاف الى الحرارة واليبوسة قال المسعودي: وذهب فريق آخر من حكماء الأمم من العرب وغيرهم الى ان الصبا هي القبول وهي ما هب من مطلع الشمس، والدبور التي تهب من المغرب من دبر من استقبل المشرق، فلذلك سميت الدبور، والشمال التي تهب عن شمالك إذا استقبلت المشرق والجنوب التي تهب عن يمينك إذا استقبلت المشرق، وقد ذكرت العرب ذلك في اشعارها قال ابو صخر الهذلي إذا قلت هذا حين أسلو يهبجنى ... نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر

وقال هدبة العذري وهو يومئذ بالمدينة مسجونا ألا ليت الرياح مسخرات ... بحاجتنا تباكر أو تؤوب فتخبرنا الشمال إذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب وقال آخر أتانى نسيم من صبا بتحية ... فحملت مثليها نسيم دبور قال المسعودي: والرياح محدودة بحسب الآفاق تكون الآفاق اثنى عشرة أفقا والرياح كذلك فالشمال بالحقيقة هي التي تجيء من القطب الظاهر والجنوب من القطب الخفى والصبا من مشرق الاعتدال والدبور من مغرب الاعتدال الا ان الناس لما لم يبن لهم في رأى العين تحديد هذه نسبوا كل ريح تأتى من ناحية المشرق سواء كان من مشرق الاعتدال أو من مشرق الصيفي أو الشتوي أو ما بينهما بعد ان تكون من المشرق الى الصبا وكذلك فعلوا في الدبور واحتذوا ذلك في الشمال. فسموا كل ريح تأتى من جانب القطب الظاهر وما يليه من جانبيه الشمال وكذلك فعلوا بالجنوب أيضا فاما الريح التي تسمي ببلاد مصر المريسية مضافة الى بلاد مريس من أوائل ارض النوبة في أعالى النيل وهو صعيد مصر فهي باردة تقطع الغيوم وتصفي الهواء وتقوى حرارة الأبدان، وما يهب من أسفل النيل من الريح ويسمي أسفل الأرض فهي شمال وتفعل أضداد هذه الأفعال من تختير الأبدان وأهل مصر يسمونها البحرية وتداومها في الصيف يطيب هواءهم ويبرد ماءهم في الليل والنهار فقد تفعل ذلك الريح الغربية في هذا الفصل إلا ان الأغلب في ذلك الشمال، ويقع الوباء إذا دامت المريسية بمصر، كما يقع الوباء بالعراق إذا دامت الريح في أيام البوارح والشمال عندنا ببغداد تهب من اعالى دجلة مما يلى سرمن رأى وتكريت وبلاد الموصل فنقطع السحاب وأيام هبوب المريسية بمصر مقابلة لايام البوارح

ببغداد، لأن المريسية تهب بمصر في كانون الأول وهو كيهك بالقبطية والبوارح بالعراق تهب في حزيران والجنوب ببغداد تهب من أسفل دجلة مما يلي بلاد واسط والبصرة فتثور دجلة وتكثر الغيوم والأمطار والبوارح تدوم أربعين يوما والمريسية أربعين والهرمان العظيمان اللذان في الجانب الغربي من فسطاط مصر، وهما من عجائب بنيان العالم، كل واحد منهما أربعمائة ذراع في سمك مثل ذلك، مبنيان بالحجر العظيم على الرياح الأربع كل ركن من أركانهما يقابل ريحا منها، فأعظمها فيهما تأثيرا الجنوب وهي المريسي، بتشقيقها الركن المقابل لها منهما، وأحد هذين الهرمين قبر اغاثديمون والآخر قبل هرمس وبينهما نحو من ألف سنة- اغاثديمون المنقدم- وكان سكان مصر وهم الاقباط يعتقدون نبوتهما قبل ظهور النصرانية فيهم، على ما يوجبه رأى الصابئين في النبوات لا على طريق الوحي، بل هم عندهم نفوس طاهرة صفت وتهذبت من أدناس هذا العالم فاتحدت بهم مواد علوية فأخبروا عن الكائنات قبل كونها وعن سرائر العالم وغير ذلك مما يطول وصفه ولا تحتمل كثير من النفوس شرحه، وفي العرب من اليمانية من يرى انهما قبر شداد بن عاد وغيره من ملوكهم السالفة الذين غلبوا على بلاد مصر في قديم الدهر، وهم العرب العاربة من العماليق وغيرهم وقد أتينا في كتاب (فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف) على اخبار سائر اهرام مصر، وهي عند من ذكرنا من الصابئين قبور أجساد طاهرة وأخبار البرابي التي بسائر بلاد مصر وهي بيوت عبادتهم الكواكب السبعة النيرين والخمسة وغيرها من الجواهر العقلية والأجسام السمائية التي هي وسائط بين العلة الاولى وبين الخلق وغير ذلك من أخبار مصر وعجائبها وما خصت به من الفضائل التي لا يشرك أهلها فيها غيرهم من أهل البلدان، وهي محدودة على تخوم إفريقية

وأرض السودان وبحر الحجاز وبحر الشام وهي البرزخ بين البحرين المذكورين في القرآن: لأن من الفرما التي على ساحل بحر الروم الى القلزم التي هي ساحل بحر الصين مسيرة ليلة يحمل اليها من جميع الممالك المحيطة بهذين البحرين من أنواع الأمتعة والطرائف والتحف من الطيب والأفاويه والعقاقير والجوهر والرقيق وغير ذلك من صنوف المآكل والمشارب والملابس، فجميع البلدان تحمل اليها وتفرغ فيها، ونيلها العجيب أمره الشريف قدره، يمد إذا حسرت مياه الامطار ويحسر إذا مدت، يأتيها في وقت الحاجة الى منفعته فيبدأ مخضرا ثم محمرا ثم كدرا ثم يتدافع بأمواجه ويترامى بسبوله، فتكون زيادته في اليوم الإصبع والإصبعين وأكثر فإذا تناهى مده يغشى الأرض وصارت القرى كالنجوم فوق الروابي والتلال، والمراكب تجرى بأهلها في حاجاتهم من بعض الى بعض قد أعدوا قبل ذلك من أقواتهم وعلوفة حيوانهم ما يكفيهم الى حسوره عنهم وإبان زراعتهم، فدهرها من أربع صفات، فضة بيضاء أو مسكة سوداء أو زبرجدة خضراء أو ذهبة صفراء وذلك أن نيلها يطبقها فتصير كأنها فضة بيضاء، ثم ينضب عنها فتصير مسكة سوداء، ثم تزدرع فيصير زرعها زبرجدة خضراء، ثم يستحصد زرعها ويصفر فتصير ذهبة صفراء وكورها نيف وثمانون كورة ليس منها كورة الا وفيها طريفة أو عجيبة لا تكون في غيرها تنسب الى تلك الكورة وتعرف بها لكل كورة منها مدينة وقد ورد التنزيل بذلك بقوله عز وجل عند ذكره قصة موسى وفرعون (أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ في الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) 7: 111 لا مدينة منها الا وفيها عجائب البنيان بالصخور والمرمر والبلاط وعمد الرخام التي لا يوجد مثلها في غيرها من البلدان، تؤتى هذه المدن والكور كلها في الماء ويحمل ما يكون بها

من الطعام والأمتعة الى فسطاطها، تحمل السفينة الواحدة حمل مائة بعير وأقل وأكثر وهي حجازية شأمية جبلية أما صعيدها وهو أعلاها فأرض حجازية حرها كحر الحجاز تنبت أنواع النخيل الكبير والأراك والدوم والقرظ والهليلج والفلفل والخيار شنبر وأما أسفلها فشأمى يمطر وينبت ثمار الشأم من الكروم واللوز والجوز وسائر الفواكه والبقول والرياحين وأما ناحية الاسكندرية ولوبية والمراقية فبرارى وجبال وغياض وزيتون وكروم جبلية بحرية بلاد عسل لبن ويذكر أهلها انهم أكثر الناس قندا وشهدا وعبدا ونقدا وصوفا بغالا وحميرا وخيلا عاقا ونبيذ العسل الّذي لا يفى به شراب ودقّ تنّيس ودمياط الّذي لا يضاهيه دق ومعدن التبر والزمرد الثمين الّذي لا يوجد الا بها والقراطيس ودهن البلسان وزيت الفجل والقمح اليوسفى وهو أعظم القمح حبا وأطوله شكلا وأثقله وزنا وطرز البهنسا وأسيوط واخميم، ومن نواحي معادنها تحمل الزرافة والكركدن وعناق الأرض، وأن وفاء خراجهاست عشرة ذراعا فان زاد في النيل ذراعا زاد في الخراج مائة ألف دينار بما يروى من الأعالي فان زاد ذراعا أخرى نقص من الخراج مثلها لما يستبحر من البطون والأسافل، والمعمول عليه في وقتنا هذا وهو سنة 345 انه ان زاد على الست عشرة ذراعا أو نقص عنها نقص من خراج السلطان قالوا وجميع البلدان في سائر النواحي والآفاق انما تعيش بالامطار وتهلك بإبطائها عنها ومصر مستغنية عن المطر غير مرتاحة ولا محتاجة اليه وسائر أنواع الفواكه والثمار وكثير من الحيوان والألبان لها في جميع البلاد أزمنة وأوقات لا توجد الا فيها ولا تكون الا معها وذلك بمصر موجود غير معدوم في سائر فصول السنة وغير ذلك من فضائلها وخصائصها

ذكر الأرض وشكلها وما قيل في مقدار مساحتها وعامرها وغامرها، والنواحي والآفاق وما يغلب عليها وتأثيرها في سكانها وما اتصل بذلك

فاذ قد ذكرنا الرياح ومهابها وما اتصل بذلك فلنذكر الأرض وشكلها ومساحتها والنواحي والآفاق وغير ذلك ذكر الأرض وشكلها وما قيل في مقدار مساحتها وعامرها وغامرها، والنواحي والآفاق وما يغلب عليها وتأثيرها في سكانها وما اتصل بذلك قسم الله تبارك وتعالى الأرض قسمين مشرقا ومغربا فصار المشرق والتيمن وهو الجنوب جوهرا واحدا، لغلبة الحرارة عليهما وصارت جهة المغرب والجربي وهو الشمال جوهرا واحدا لغلبة البرودة عليهما وشدتها فيهما، وذلك لبعد الشمس من ناحية الجربي، لأن المحور على تلك الناحية وهي أشدهما ارتفاعا، فمن أجل ذلك صار الجربي باردا رطبا، وصار المغرب أقل بردا من الجربي، وأكثر يبسا لانحطاط الفلك هناك، وهاتان الجهتان المشرق والتيمن بخلاف ذلك لدنو الشمس منهما والعالم أربعة أرباع فالربع الشرقي وهو ما تسافل عن خط الجنوب والشمال الى المشرق فهو ربع مذكر يدل على طول الأعمار، وطول مدد الملك والتذكير وعزة الأنفس وقلة كتمان السر وإظهار الأمور والمباهاة بها، وما لحق بذلك، وذلك لطباع الشمس وعلمهم الاخبار والتواريخ والسير والسياسات والنجوم وأما أهل الربع الغربي، فان الغالب عليه التأنيث إلا ما استولت عليه الكواكب المذكرة، كما يغلب التذكير على المشرق الا ما غلبته عليه الكواكب المؤنثة، وأهله أهل كتمان للسر وتدين وتأله، وكثرة انقياد الى الآراء والنحل، وما لحق بهذه المعاني إذ كان من قسم القمر

وأما أهل الربع الشمالي، وهم الذين بعدت الشمس عن سمتهم من الواغلين في الشمال كالصقالبة والافرنجة ومن جاورهم من الأمم، فان سلطان الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنها فغلب على نواحيهم البرد والرطوبة وتواترت الثلوج عندهم والجليد، فقل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم، وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم، وازرقت أعينهم أيضاً، فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم، وصارت صهبا لغلبة البخار الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة. وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهائمية وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد الى الشمال، وكذلك من كان من الترك واغلا في الشمال فلبعدهم من مدار الشمس في حال طلوعها وغروبها كثرت الثلوج فيهم وغلبت البرودة والرطوبة على مساكنهم، فاسترخت أجسامهم وغلظت ولانت فقارات ظهورهم وخرز أعناقهم، حتى تأتى لهم الرمي بالنشاب في كرهم وفرهم وغارت مفاصلهم لكثرة لحومهم فاستدارت وجوههم وصغرت أعينهم لاجتماع الحرارة في الوجه حين تمكنت البرودة من أجسادهم إذ كان المزاج البارد يولد دما كثيراً، واحمرت ألوانهم إذ كان من شأن البرودة جمع الحرارة وإظهارها وأما من كان خارجا عن هذا العرض إلى نيف وستين ميلا يأجوج ومأجوج، وهم في الإقليم السادس فإنهم في عداد البهائم. وأما أهل الربع الجنوبي كالزنج وسائر الأحابيش، والذين كانوا تحت خط الاستواء وتحت مسامتة الشمس: فإنهم بخلاف تلك الحال من التهاب الحرارة وقلة الرطوبة، فاسودت ألوانهم واحمرت أعينهم وتوحشت نفوسهم وذلك لالتهاب هوائهم وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم وتفلفلت شعورهم

لغلبة البخار الحار اليابس، وكذلك الشعور السبطة إذا قربت من حرارة النار دخلها الانقباض ثم الانضمام ثم الانعقاد على قدر قربها من الحرارة وبعدها عنها والأرض قسمان على ما قدمنا أحدهما مسكون، والآخر غير مسكون، والعامر المسكون منهما على أقسام أحدها مفرط الحر وهو ما كان من جهة الجنوب لأن الشمس تقرب منه فيلتهب هواؤه والآخر الشمال وهو مفرط البرد لبعد الشمس عنه واما المشرق والمغرب فمعتدلان وان كان فضل المشرق أظهر واعتداله أشهر وأما الّذي ليس بمسكون فعلى قسمين أيضا، إما أن يفرط فيه البرد ببعد الشمس عنه أو يفرط فيه الحر لقربها منه فلا يتركب هناك حيوان ولا ينبت نبات فالموضع الّذي يكون بعده في الشمال عن خط معدل النهار ستا وستين درجة لا يمكن أن يكون فيه نشوء لإفراط البرد عليه لبعد الشمس عنه وان ما كان عرضه ستة وستين جزء وتسع دقائق تكون السنة فيه يوما وليلة ستة أشهر نهارا لا ليل فيه وستة أشهر ليل لا نهار فيه يبطل نهاره في الشتاء وليله في الصيف والموضع الّذي بعده في الجنوب عن خط معدل النهار تسع عشرة درجة لا يمكن أيضا أن يكون فيه نشوء لأفراط الحر عليه لقرب الشمس منه قال المسعودي فاما بطلميوس فان أقصى ما وجد عنده من العمارة في جهة الشمال الجزيرة المعروفة بثولى في أقصى بحر المغرب من الجهة الشمالية وأن عرضها من معدل النهار في الشمال ثلاثة وستون جزءا، وحكاه أيضا عن مارينوس فيما ذهب اليه في حدود المعمور من الأرض، وذهب بطلميوس الى أن نهاية العمارة في جهة الجنوبي تحت الموازى الّذي بعده من معدل النهار ستة عشر جزءا وخمس وثلاثون دقيقة وربع وسدس وذهب قوم الى أن الموضع الّذي لا يمكن أن يكون فيه عمارة عرضه في الجنوب أحد وعشرون جزءا وخمس وثلاثون دقيقة، والى هذا ذهب

يعقوب بن إسحاق الكندي في كتابه في رسم المعمور من الأرض. وسواء قيل عرض الموضع أو قيل بعده عن خط الاستواء أو قيل ارتفاع القطب عليه، فمقدار نهاية العمارة في الشمال إلى نهايتها في الجنوب ثمانون جزءا يكون ذلك عند هؤلاء من الأميال خمسة آلاف ميل وأقل من أربعمائة ميل. وأقصى العمران في المشرق أقصى حدود بلاد الصين والسيلى إلى أن ينتهى ذلك الى ردم يأجوج ومأجوج الّذي بناه الإسكندر دافعا ليأجوج ومأجوج عن الفساد في الأرض، والجبل الّذي وراءه ووقع في فجه الردم، ومنه كان مخرجهم بدؤه خارج العمران في الإقليم السابع طرف مبدئه مستقبل المشرق ثم ينعطف الى ناحية الجنوب ويستقيم ممره طولا إلى أن ينتهي الى بحر أوقيانس المظلم المحيط فيتصل به، وأقصى عمران المغرب ينتهى إلى بحر أوقيانس المحيط أيضا، وكذلك ينتهى أقصى عمران الشمال الى هذا البحر أيضا وأقصى عمران الجنوب ينتهي الى خط الاستواء الّذي يكون الليل والنهار فيه سواء أبدا وجزيرة سر نديب من البحر الصيني على هذا الخط أيضا. قال المسعودي وذكر من عنى بمساحة الأرض وشكلها أن تدويرها يكون بالتقريب أربعة وعشرين ألف ميل وذلك تدويرها مع المياه والبحار فان المياه مستديرة مع الأرض وحدّهما واحد فكلما نقص من استدارة الأرض وطولها وعرضها شيء تم باستدارة الماء وطوله وعرضه وذلك أنهم نظروا الى مدينتين في خط واحد إحداهما أقل عرضا من الأخرى وهما الكوفة ومدينة السلام فأخذوا عرضيهما فنقصوا الأقل من الأكثر ثم قسموا ما بقي على عدد الأميال التي بينهما فكان نصيب الدرجة مما يحاذيهما من أجزاء الأرض المستديرة ستة وستين ميلا وثلثي ميل على ما ذكر بطلميوس فإذا ضربوا ذلك في جميع درج الفلك التي هي ثلاثمائة وستون درجة كان ذلك أربعة وعشرين ألف ميل، وكان قطرها الّذي

هو طولها وعرضها وغلظها سبعة آلاف ميل وستمائة وسبعة وستين ميلا، والميل أربعة آلاف ذراع بالسواء وهو الذراع الّذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل، والذراع أربع وعشرون إصبعا والإصبع ست شعيرات مضموم بعضها الى بعض والفرسخ بهذا الميل ثلاثة أميال ومنهم من يجعل الميل ثلاثة آلاف ذراع والفرسخ أربعة أميال وكلاهما يؤولان الى شيء واحد وفيما ذكرناه من مقدار حصة الدرجة من الأميال تنازع فمنهم من رأى أن ذلك سبعة وثمانون ميلا ومنهم من رأى ذلك ستة وخمسون ميلا وثلثي ميل والمعول في ذلك على ما حكيناه عن بطلميوس والأرض من أربعة جواهر من الرمل وللطين والأحجار والأملاح وجوفها أطباق يتخرق فيها الهواء ويجول فيها الماء مواصلا لها كمواصلة الدم للجسد فما غلب عليه الهواء من الماء كان عذبا شروبا وما امتنع الهواء من التمكن منه وغلبت عليه املاح الأرض وسبخها صار ملحا أجاجا وأن كون مياه العيون والأنهار في الأرضين كالعروق في البدن وأن الحكمة في كون الأرض كرية الشكل، انها لو كانت مسطوحة كلها لا غور فيها ولا نشز يخرقها لم يكن النبات وكانت مياه البحار سائحة على وجهها فلم يكن الزرع ولم يكن لها غدران تفضى مياه السبول اليها، ولا كانت لها عيون تجرى تنبع بالماء أبدا لان مياه العيون لو كانت منها تخرج دائما لفنيت ولصار الماء ابدا غالبا على وجه الأرض فكان يهلك الحيوان ولا يكون زرع ولا نبات فجعل عز وجل منها انجادا ومنها اغوارا ومنها انشاز أو منها مستوية، واما انشازها فمنها الجبال الشامخة ومنافعها ظاهرة في قوة تحدر السيول منها فتنتهى الى الأرضين البعيدة بقوة جريها ولتقبل الثلوج فتحفظها الى ان تنقطع مياه الامطار وتذيبها الشمس فيقوم ما يتحلب منها مقام الامطار ولتكون الآكام والجبال في الأرض حواشر للمياه لتجرى من تحتها ومن

شعوبها وأوديتها، فيكون منها العيون الغزيرة ليعتصم بها الحيوان ويتخذها مأوى ومسكنا، ولتكون مقاطع ومعاقل وحواجز بين الأرضين من غلبة مياه الامطار عليها وما لا يحصيه الا خالقها قال المسعودي: وقد تختلف قوى الأرضين وفعلها في الأبدان لثلاثة أسباب كمية المياه التي فيها وكمية الأشجار ومقدار ارتفاعها وانخفاضها، فالأرض التي فيها مياه كثيرة ترطب الأبدان والأرض العادمة للمياه تجففها. واما اختلاف قوتها من قبل الأشجار فان الأرض الكثيرة الأشجار، الأشجار التي فيها تقوم لها مقام السترة فبهذا السبب تسخن. والأرض المكشوفة من الأشجار العادمة لها حالها عكس حال الأرض الكثيرة الأشجار واما اختلاف قواها من قبل مقدار علوها وانخفاضها، فلان الأرض العالية المشرفة فسيحة باردة والأرض المنخفضة العميقة حارة ومدة. ومنهم من رأى ان أصناف اختلاف البلدان اربعة أولها النواحي والثاني الارتفاع والانخفاض والثالث مجاورة الجبال والبحار لها والرابع طبيعة تربة الأرض وذلك ان ارتفاعها يجعلها أبرد وانخفاضها يجعلها اسخن على ما قدمنا. واما اختلافها من جهة مجاورة الجبال لها فمتى كان الجبل من البلد من ناحية الجنوب جعله أبرد لانه يكون سبب امتناع الريح الجنوبية، وانما تهب فيه الشمالية فقط. ومتى ما كان الجبل من البلد من ناحية الشمال جعله اسخن لامتناع هبوب الرياح الشمالية فيه، واما اختلافها لمجاورة البحار لها فمتى كان البحر من البلد في ناحية الجنوب كان ذلك البلد اسخن وأرطب، وان كان من البلد في ناحية الشمال كان ذلك البلد أبرد وايبس. وأما اختلافها بحسب طبيعة تربتها فمتى كانت تربة الأرض صخرية جعلت ذلك البلد أبرد وأجف، وان كانت تربة البلد جصية جعلته أسخن وأجف، وان كانت طينية جعلته أبرد وأرطب

وبقاع الأرض مختلفة بحسب اختلاف الطبائع وما تؤثره فيها الأجسام السمائية من النيرين وغيرهما فغلب طبع كل أرض على ساكنها كما نشاهد الحرار السود والاغوار، وحشها الى السواد ووحش الرمال البيض على ذلك اللون فان كانت الرمال أحمر فوحشها عفر وهو لون التراب، وكذلك وحش الجبال من الأراوي وغيرها يكون على ألوان تلك الجبال أن حمرا وان بيضا وان سودا. وعلى هذا السبيل تكون القملة في الشعر الأسود سوداء وفي الشعر الأبيض بيضاء وفي المشيب شهباء وفي الأحمر حمراء ومن الفلكيين من يرى أن كل جزء من أجزاء الأرض يناسب جزء من أجزاء الفلك ويغلب عليه طباعه لأن في أجزاء الفلك المضيء والمظلم والفصيح والأخرس وذا الأصوات والمجوف وغير ذلك من نعوت الدرج، فلذلك يكون كلام أهل الموضع الواحد مختلفا على قدر ما تصلح فيه السعود وتفسد فيه النحوس ثم يختلف أهل اللسان الواحد في المنطق واللهجات قال المسعودي: وقد ذم بطلميوس القلوذى آراء كثير ممن تقدمه ممن عنى بعلم معمور الأرض وغايات ذلك ونهاياته مثل مارينوس وأبرخس وطيمستانس وغيرهم في قبول أقاويل المخبرين من التجار وغيرهم من نهاية المعمور وأن ذلك قد يدخله الكذب والزيادة والنقصان فيما أخبروا به من وصولهم الى هذه المواضع المائية والعمائر القاصية في البر والبحر، ثم اضطر بطلميوس لما أراد علم ذلك والوقوف عليه الى ان يستعمل ما أنكره على من ذكرنا من جهة الخبر فبعث بثقات من رسله في الآفاق ليعرف الغابات من عمران الأرض المسكونة فعمل على أخبارهم مقايسا بها ما وجده بالدلائل النجومية، وهذا دخول منه فيما أنكره، وقد ذكر في كتابه المترجم بمسكون الأرض بلدانا ومدائن كثيرة ووصف اطوالها وعروضها ورسم للناس صورة معمور الأرض على ما رسم فيها

من مواضع الكور والبحار والأنهار في الطول والعرض، وقد قال أرسطاطاليس في المقالة الثانية من كتابه في الآثار العلوية لقد اعجب من الذين يصورون أقطار الأرض وابعادها فإنهم يصورون الأرض المعمورة مستديرة والقياس والعيان يشهدان على أنها على خلاف ذلك وأنه لا يمكن أن يكون ذلك أما القياس فيثبت ان عرض الأرض محدود وان طولها ليس بمحدود اعنى ان طول الأرض كله يمكن أن يسكن لحال مزاجه وذلك أن الحر والبرد لا يكونان مفرطين في طول الأرض لكن في عرضها، ولو لم يكن البحر يمنع لكان طول الأرض كله مسلوكا قال والعيان يشهد أيضا على أن طول الأرض يسلك في البر والبحر لان الطول مخالف للعرض كثيرا قال المسعودي وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف) ما ذهبت اليه الفرس والنبط في قسمة المعمور من الأرض وتسميتهم مشارق الأرض وما قارب ذلك من مملكتها خراسان وخر: الشمس فأضافوا مواضع المطلع اليها والجهة الثانية وهي المغرب خربران وهو مغيب الشمس والجهة الثالثة وهي الشمال باخترا والجهة الرابعة وهي الجنوب نيمروز وهذه ألفاظ يتفق عليها الفرس والسريانيون وهم النبط وما ذهب إليه اليونانيون والروم في قسمة المعمور من الأرض على ثلاثة أجزاء وهي أورفا، ولوبية، وآسية وغير ذلك من كلام سائر الأمم في هذه المعاني، فلنقل الآن في الأقاليم وصفتها وما قيل في قسمتها وغير ذلك .

ذكر الأقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في طولها وعرضها وما اتصل بذلك

ذكر الأقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في طولها وعرضها وما اتصل بذلك كل ما كان من الأرض معمورا فهو مقسوم بسبعة أقسام يسمي كل قسم منها إقليما وقد تنازع من عنى من حكماء الأمم وفلاسفتهم بعلم الهندسة ومساحة الأرض في هذه الأقاليم السبعة أفي الشمال والجنوب أم في الشمال دون الجنوب؟ فذهب الأكثرون الى أن ذلك في الشمال دون الجنوب لكثرة العمارة في الشمال وقلتها في الجنوب ورأى قوم أن لقدماء انما قصدوا لقسمة الأقاليم السبعة في الجانب الشمالي من خط معدل النهار ولم يقسموا في الجنوبي شيئا لقلة قدر العمارة في الجنوب عن الخط وذهب هرمس في متبعيه من المصريين وغيرهم الى ان في الجنوب سبعة أقاليم كما هي في الشمال وكان يجعل قسمة أقاليم العمران من الشمال مدورة فيجعل الإقليم الرابع وهو إقليم بابل واسطا لها وستة دائرة حوله وان كل إقليم سبعمائة فرسخ في مثله فالاقليم الأول الهند والثاني الحجاز والحبشة والثالث مصر وافريقية والرابع بابل والعراق والخامس الروم والسادس يأجوح ومأجوج والسابع يوماريس والصين ويبتدئ جميعها من المشرق مما يمر ببلاد الصين وغيرها، فحد الإقليم الأول البحر مما يلي المشرق والثاني البحر مما يلي الحجاز والثالث الديبل من ساحل المنصورة من أرض السند والرابع حد الإقليم السابع مما يلي الصين أطول ساعات نهاره ثلاث عشرة ساعة وحد الإقليم الثاني البحر مما يلي عمان إلى الشحر، والأحقاف إلى عدن أبين إلى جزائر الزنج والحبشان، وأطول ساعات نهاره ثلاث عشرة ساعة ونصف

وحد الإقليم الثالث ينتهي الى أرض الحبشة مما يلي الحجاز إلى بحر الشأم الّذي بين مصر وأرض الشام الى وسط البحر الّذي يلي الأندلس مما يلي المغرب أطول ساعات نهاره أربع عشرة ساعة. وحد الإقليم الرابع الثعلبية والثاني وسط نهر بلخ والثالث خلف نصيبين باثني عشر فرسخا من ناحية سنجار والرابع وراء الديبل من ساحل المنصورة من بلاد السند بستة فراسخ أطول ساعات نهاره أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وحد الإقليم الخامس بحر الشام الى أقصى أرض الروم مما يلي البحر الى تراقية وبلاد برجان والصقالبة والأبر الى حد أرض يأجوج ومأجوج الى حد الإقليم الرابع مما يلي نصيبين أطول ساعات نهاره خمس عشرة ساعة، وحد الإقليم السادس من الصين الى حد الإقليم الخامس الى البحر مما يلي المشرق أطول ساعات نهاره خمس عشرة ساعة ونصف، وحد الإقليم السابع أرض الهند الى حد الإقليم الرابع الى حد الإقليم السادس الى البحر أطول ساعات نهارة ست عشرة ساعة، وفي كتاب مارينوس أن مساحة هذه الأقاليم في الطول ثمانية وثلاثون ألفا وخمسمائة فرسخ في عرض ألف فرسخ وسبعمائة وخمسة وسبعين فرسخا، وقد أنكر ذلك على مارينوس جماعة ممن تقدم وتأخر قال المسعودي: بين الأسلاف والأخلاف من حكماء الأمم في مقادير هذه الأقاليم السبعة وأطوالها وعروضها وعدد ساعاتها وابتدائها وغاياتها وما فيها من مساكن الأمم في البر والبحر تنازع كثير، وقد أتينا على شرح كثير من ذلك فيما تقدم من كتبنا. ورأيت هذه الأقاليم مصورة في غير كتاب بأنواع الأصباغ. وأحسن ما رأيت من ذلك في كتاب جغرافيا لمارينوس وتفسير جغرافيا قطع الأرض وفي الصورة المأمونية التي عملت للمأمون اجتمع على صنعتها عدة من حكماء أهل عصره صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحرة وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك، وهي أحسن مما تقدمها من جغرافيا

ذكر قسمة الأقاليم على الكواكب السبعة- الخمسة والنيرين-

ابطلميوس وجغرافيا مارينوس وغيرها ذكر قسمة الأقاليم على الكواكب السبعة- الخمسة والنيرين- قسموا هذه الأقاليم بين الكواكب السبعة على قدر تواليها وتتابعها في الفلك. فالاقليم الأول لزحل وهو كيوان بالفارسية له من البروج الجدي والدلو الإقليم الثاني للمشتري وهو بالفارسية أورمزد له من البروج القوس والحوت. الإقليم الثالث للمريخ وهو بالفارسية بهرام له من البروج الحمل والعقرب. الإقليم الرابع للشمس وهو بالفارسية خرشاد ومن أسمائها آفتاب لها من البروج الأسد. الإقليم الخامس للزهرة وهي بالفارسية ناهيد لها من البروج الثور والميزان. الإقليم السادس لعطارد وهو بالفارسية تير له من البروج الجوزاء والسنبلة. الإقليم السابع للقمر وهو بالفارسية ماه له من البروج السرطان، واسم الإقليم بالفارسية كشور واسم الفلك إسبهر وذلك بالفارسية الاولى وبهذه الفارسية حايدان قال المسعودي: وفيما حكيناه تنازع بين حكماء الأمم من الفرس واليونانيين والروم والهند والكلدانيين وغيرهم والأشهر ما ذكرناه وقد أتينا على شرح ذلك فيما سلف من كتبنا، وكذلك ما تنازعوا فيه من اشتراك البروج الاثني عشر في الأقاليم السبعة، وخاصة الكواكب السبعة في الآراء والملل والنواحي والآفاق وغير ذلك. قال المسعودي: ونحن ذاكرون الإقليم الرابع وما بان به عن سائر الأقاليم وجلالة صقعه وشرف محله إذ كان به مولدنا وفيه منشؤنا وكنا أولى الناس بتقريظه والابانة عن شرفه وفضله وان كان ذلك أشهر من أن يحتاج فيه الى إطناب

ذكر الإقليم الرابع ووصفه وفضله على سائر الأقاليم، وما خص به ساكنوه من الفضائل التي باينوا بها سكان غيره منها وما اتصل بذلك من الكلام في عروض البلدان واطوالها والاهوية والترب والمياه وتأثيراتها وغير ذلك

ولا يحويه لعظمه كتاب. ذكر الإقليم الرابع ووصفه وفضله على سائر الأقاليم، وما خص به ساكنوه من الفضائل التي باينوا بها سكان غيره منها وما اتصل بذلك من الكلام في عروض البلدان واطوالها والاهوية والترب والمياه وتأثيراتها وغير ذلك الإقليم الرابع يضاف الى بابل ويعرف بها وكان اسمه بالكلدانية وهي السريانية خنيرث وبه كانت تسميه جميع طبقات الفرس، وكانت بابل تسمى بالفارسية والنبطية بابيل ومن حكماء الفرس والتبط من يذهب الى أنها سميت بهذا الاسم اشتقاقا من اسم المشترى وهو بلغتهم الاولى بيل لتوليه هذا الإقليم ووقوعه في قسمته وحدود هذا الإقليم الشريف المفضل على سائر الأقاليم مما يلي ارض الهند الديبل ومما يلي الحجاز الثعلبية من طريق العراق الى الحجاز ومما يلي الشأم نصيبين ومما يلي خراسان نهر بلخ، وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب ما قيل في حدوده أيضا عند ذكرنا الأقاليم فعلى هذا التحديد قد دخل في هذا الإقليم ما دون النهر من خراسان والجبال كلها من الماهات وغيرها والعراق بأسره وغير ذلك، ولم يعرف ما حواه هذا الإقليم من ذلك اجمع إلا ببابل لفضل موضعها وجلالة صقعها لان ذوى المعرفة من الناس انما ينسبون الشيء الى الأفضل المشهور ولولا ان بابل كذلك ما نسبوا هذا الإقليم مع سعة أرضه وجلالة ما حوى من البلدان اليه، وهذا الإقليم وسط الأقاليم السبعة واعدلها وأفضلها وبلد العراق وسطه فهو شرف الأرض وصفوتها، اعدلها غذاء وأصفاه هواء متوسط بين إفراط الحر والبرد وموضعه الموضع الّذي ينقسم فيه الزمان أربعة أقسام فلا يخرج ساكنوه من

شتاء الى صيف حتى يمر بهم فصل الربيع ولا من صيف الى شتاء حتى يمر بهم فصل الخريف، ولما ذكرنا من توسطه كانت ملوك سوالف الأمم تحله إذ كان نسبة الملك الى المملكة التي هو عليها نسبة القلب الى البدن الّذي هو فيه فكما كان الله عز وجل بلطيف حكمته لما خلق القلب أشرف الأعضاء أحله من البدن أوسطه كانت هذه سبيل الملك فيما يسكنه من مملكته وكانت قدماء الملوك تقول الملك الأعظم مركز لدائرة ملكه بعده من محيطها بعد واحد وتد مركوز وعلم منشور منه يستمد التدبير، واليه ترد الأمور. ولذلك يقال ان الملك الأعظم والمدبر الأكبر ينبغي أن يكون منزله الواسطة من هذا الإقليم وهو الرابع، والعراق أشرف المواضع التي اختارتها ملوك الأمم من النماردة وهم ملوك السريانيين الذين تسميهم العرب بالنبط ثم ملوك الفرس على طبقاتهم من الفرس الاولى الى الساسانية وهم الاكاسرة وهي حيث تلتقي دجلة والفرات وما قرب من ذلك، وهي من السواد البقعة التي حدها الزابي فوق سرمن رأى مما يلي السن وتكريت وناحية حلوان مما يلي الجبل وهيت مما يلي الفرات والشأم وواسط من أسفل دجلة والكوفة من سقى الفرات الى بهندف وبادرايا وباكسايا وهي بالنبطية ترقف من ارض جوخي، وهذه الأرض هي لب ايرانشهر التي تفانت عليها ملوك الأمم فكان اختيارهم بفضل آرائهم، المصيف بالجبال ليسلموا من سمائم العراق وكثرة ذبابه وهوامه، والمشتى بالعراق ليسلموا من زمهرير الجبل وكثرة ثلوجه وامطاره ووحوله واقذاره وقد كان أبو دلف القاسم بن عيسى العجليّ يفعل ذلك، فقال مفتخرا به في كلمة له طويلة إني امرؤ كسروي الفعال ... أصيف الجبال وأشتو العراقا وألبس للحرب أثوابها ... وأعتنق الدارعين اعتناقا

ولما بلغ عبد الله بن طاهر هذه الأبيات بعد افتتاحه مصر والشأمات قال يرد عليه ألم تر أنا جلبنا الجيادا ... الى أرض بابل قبّا عتاقا الى أن وردن بأدوائها ... قلوب رجال أرادوا النفاقا وأنت ابا دلف ناعم ... تصيف الجبال وتشتو العراقا وكانت الفرس تسمى هذا الصقع أيضا ايرانشهر اضافة الى ايرج بن أفريدون حين قسم أفريدون الأرض بين ولده الثلاثة فجعل لسلم الروم وما يليهم من الأمم ولطوج الترك وما يليها من الأمم ولا يرج العراق وما يليه من الأمم فأضيف اليه وفي ذلك يقول شاعرهم في الإسلام مفتخرا: وقسمنا ملكنا في دهرنا ... قسمة اللحم على ظهر الوضم فجعلنا الشأم والروم الى ... مغرب الشمس الى الغطريف سلم ولطوج جعل الترك له ... فبلاد الترك يحوبها ابن عم ولايران جعلنا عنوة ... فارس الملك وفزنا بالنعم ومنهم من يذهب الى ان معنى إيران شهر بلد الخيار لان اير بالفارسية الأولى اسم جامع للخير والفضل، ومن ذلك قولهم لرئيس بيت النار إيربذ اى رئيس الخيار الفاضلين فعرب فقيل هربذ والنبط تذكران هذا الإقليم لها ملكته في سالف الدهر وان ملوكهم النماردة منهم نمرود إبراهيم الخليل، والنمرود سمة لملوكهم وان الفرس كانت بفارس والماهات وغيرها من بلاد الفهلويين وان هذا الصقع مضاف اليهم، وانما هو بلد أريان شهر، معنى ذلك بلد السباع لأن السباع تدعي بالنبطية أريان أحدها اريا فشبهوا بالسباع لشدة بأسهم وشجاعتهم وعظم ملكهم وكثرة جنودهم، فلما غلبت الفرس عليهم لما كان بينهم من التحزب والحروب واختلاف الكلمة وتباين الممالك ودامت أيامهم واتصل ملكهم دخلوا في جملتهم

وتعززوا بهم وانتسبوا اليهم، ثم جاء الإسلام فمضى على ذلك أكثرهم وأنفوا من النبطية لزوال العز الّذي كان فيهم، وانتمى جلهم الى ملوك الفرس حتى قال بعض المتأخرين في ذلك: أيا دهر ويحك كم ذا الغلط ... وضيع علا وكريم سقط وعير يخلد في جنة ... وطرف بلا علف يرتبط وأهل القرى كلهم يدعون ... بكسرى قباذ فأين النبط وقد حد كثير من الناس السواد وهو العراق، فقالوا حده مما يلي المغرب وأعلى دجلة من ناحية أنور وهي الموصل القريتان المعروفة إحداهما بالعلث من الجانب الشرقي من دجلة وهي من طسّوج بزر جسابور والأخرى المعروفة بحربى وهي بإزائها في الجانب الغربي من طسوج مسكن، ومن جهة المشرق الجزيرة المتصلة بالبحر الفارسي المعروفة بميان روذان من كورة بهمن أردشير وراء البصرة مما يلي البحر طول ذلك مائة وخمسة وعشرون فرسخا- والحد الشمالي من عقبة حلوان الى الموضع المعروف بالعذيب وراء القادسية من جهة الجنوب مسافة ما بين هذين الموضعين وهو عرض السواد ثمانون فرسخا، يكون ذلك مكسرا عشرة آلاف فرسخ والفرسخ اثنى عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة يكون بذراع المساحة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع وهو مائة وخمسون أشلا يكون ذلك جربانا اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب هذا انما هو تكسير أشل فإذا ضرب ذلك في عدد الفراسخ وهو عشرة آلاف فرسخ بلغ مائتي ألف ألف وخمسة وعشرين ألف لف جريب، اسقط أرباب الخراج لمواضع الجبال والآكام والتلول والآجام والسباخ ومدارس الطرق والمحاج ومجاري الأنهار ومواضع المدن والقرى وغير ذلك من المواضع التي لا يتأتى فيها الحرث على التخمين والتقريب الثلث من ذلك وهو خمسة وسبعون ألف ألف جريب فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف

جريب يراح النصف من ذلك ويكون النصف معمورا مع ما في الجميع من النخيل والكروم وسائر الأشجار وما يعمر دائما من الأرضين، ولم يزل السواد في ملك النبط والفرس مقاسمة الى أيام قباذ بن فيروز المالك، فإنه فرض على كل جريب درهمين وألزم الناس المساحة وأطلقوا في أملاكهم وكانوا ممنوعين منها الى وقت القسمة فهلك قبل إتمام ذلك فلما ملك أنوشروان بعده تممه وأخذ الناس به فارتفع أول سنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم من الدراهم التي وزن الدرهم منها مثقال، وقد كان خسرو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ- اجتبى مملكته في سنة ثماني عشرة من ملكه وكان في يده السواد وأرض الأعاجم دون أعمال الغرب وكان حد مملكته إلى هيت وما وراء ذلك من الموصل والجزيرة والشام بيد الروم من الورق اربعمائة ألف ألف وعشرين ألف ألف مثقال يكون ذلك وزن سبعة ستمائة ألف ألف درهم وكثير من هذه النواحي اليوم على ما كانت عليه في ذلك الوقت لم يغز أرضوها ولم يبد ساكنوها وانما يحتاج أن يكون مع ملاكها ومدبريها تقى الله أولا ثم دراية ونجدة وعدل وعفة وسياسة حتى تستقيم الأمور وينتظم التدبير ويأتى من الأموال ما يسد به أركان الملك وتعمر به البلاد ويشحن به الثغور ويقمع به العدو إذ كان سلوك طريقة العدل يؤدى إلى طول المدة واتصال أيام الدولة وبالعدل ركب جميع العالم فلا جرم أنه لا يقوم الا بالحق وهو ميزان الرب في الأرض بين عباده فلذلك حكمته مبرأة من كل ميل وزلل، فمن بخسه بتر عمره وانقضت أيامه، وظلم الرعية، استجلاب البلية. وكان السواد يعد في أيام الفرس اثنتي عشرة كورة، تسمي الكورة بلغتهم استان وطساسيجه ستون طسوجا في كل كورة عدة طساسيج وتفسير الطسوج الناحية ثم تغير ذلك على مر الأيام لانخراق دجلة وخروجها عن عمودها، وكان مجراها في جوخى وتغريقها طسوج الثرثور من بلاد كسكر وغيره حتى صارت

بطائح الى هذا الوقت مسيرة أيام وذلك بين واسط والبصرة واسمها في هذا الوقت في ديوان السلطان آجام البريد وأخراب جوخى وكانت اعمر السواد وأهلها المتقدمون على أهله واضافة كورة حلوان الى كورة الجبل وكانت تدعى شاد فيروز وغير ذلك فصارت كور السواد عشر كور تحوى ثمانية وأربعين طسوجا ثم آل ذلك الى نقص وخراب لبثوق انبثقت وجلاء وانتقال وجدب وجور وحيف من الأتراك والديلم الذين غلبوا على هذا الصقع إلى هذا الوقت وهو سنة 345 في خلافة المطيع، وقد وصف بعض أهل المعرفة سكان هذا الصقع الشريف وهو العراق فقال «هم هل العقول الصحيحة والشهوات المحمودة والشمائل الموزونة والبراعة في كل صناعة، مع اعتدال الأعضاء واستواء الاخلاط وسمرة الألوان وهي أعدلها وأقصدها، يستدل على اعتدال مزاج باطن أبدانهم بالذي يرى من السمرة الظاهرة في ألوانهم واعتدال أعضائهم أحسن الناس ألوانا ووجوها وأتمهم حلما وفهما فهم أهل العلم والخير، وذلك لامتزاج صقعهم من حر الجنوب وبرد الشمال وغلب عليهم المشترى لامتزاجه من برد فلك زحل وحرارة فلك المريخ فاعتدلوا فاجتمعت فيهم محاسن جميع الأقطار كما اعتدلوا في الجبلة كذلك لطفوا في الفطنة والتمسك بمحاسن الأمور، وكيف لا يكونون كذلك وهم أرباب الوافدين وأصحاب الرافدين من دجلة والفرات، والثمانية والأربعين طسوجا» . قال الفرزدق في هجاء ابن هبيرة: أأطعمت العراق ورافديه ... فزاريا أحذ يد القميص وقال بشار بن برد: الرافدان توافي ماء بحرهما ... الى الأبلة شربا غير محظور وقال آخر هذان الواديان رائدان لأهل العراق لا يكذبان قال المسعودي والصقع الّذي مدينة السلام منه أفضل مواضع الأرض جميعا

في الطيب والغذاء، وذلك أن أطيب خيرات الدنيا بعد الأمن والعافية والعز والرئاسة، صلاح الماء والهواء، ثم أفضل أنهار العالم دجلة والفرات، وان نازع في ذلك أهل مصر وفضلوا نيلهم، وأطيب مواضع العالم في كل الازمنة عند قياس بعضها إلى بعض وقياس بعض البلدان إلى بعض موضع اجتماع دجلة والفرات، وذلك أن بعض المواضع يطيب صيفه ويفسد شتاؤه فسادا يمتنع فيه من المكاسب المهنية والمطالب الصناعية لشدة برده ودوام سقوط ثلجه، ومنها ما يطيب شناؤه ويفسد صيفه حتى يشغل الحر والومد والبق والهوام عن تخشين الزي باللباس والتصرف في المهن والصناعات ويعز علينا بما دفعنا إليه من مفارقة ها المصر الّذي به مولدنا وفيه منشؤنا، فنأت الأيام بيننا وبينه وساحقت مسافاتنا عنه فبعدت الدار، وتراخى المزار. لكنه الزمن الّذي من شأنه التشتيت والدهر الّذي من شرطه الافاتة، ولقد أحسن أبو دلف القاسم بن عيسى العجليّ حيث يقول في هذا المعنى في كلمة له أيا نكبة الدهر التي طوحت بنا ... أيادي سبا في شرقها والمغارب قفى بالتي نهوى فقد طرت بالتي ... اليها تناهت فاجعات المصائب وقال آخر بلاد بها أنسى وأهلي وجيرتي ... وقد يتناسى الشيء وهو حبيب ولولا الشوق إلى الوطن والحنين الى المنشأ لم نذكر ما ذكرناه من هذه المعاني قال بعض الحكماء: إن من علامة وفاء المرء وحسن دوام عهده، حنينه الى إخوانه وشوقه الى أوطانه، وإن من علامة ارشد أن تكون النفس الى مولدها مشتاقة، والى مسقط رأسها تواقة وقال آخر: عمر الله الأبدان، بحب الأوطان. فمن علامة كرم المحتد، الحنين الى المولد

قال المسعودي: وكثير ممن تقدم وتأخر من أهل صناعة النجوم إذا حصلوا أمر بغداد قالوا عرض وسط الإقليم الثالث أي بعده من خط الاستواء ثلاثون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة وعرض وسط الإقليم الرابع ست وثلاثون درجة ثم قالوا عرض بغداد ثلاث وثلاثون درجة وتسع دقائق فبغداد إذا عندهم كأنها قريبة من أن تكون بين وسطى الإقليمين الثالث والرابع والأكثر منهم يرى أنها من الإقليم الرابع على ما ذكرناه، وممن يرى ذلك من تقدم مارينوس ودورثيوس وغيرهما من الفلكيين وعرض كل بلد هو بعده عن خط الاستواء وان شئت قلت ارتفاع القطب عليه ان كان في النصف الشمالي من الأرض فارتفاع القطب الشمالي وان كان في النصف الجنوبي من الأرض فارتفاع القطب الجنوبي، لأنه كلما تباعدت المدينة عن خط الاستواء درجة ارتفع أحد القطبين درجة وانخفض الآخر درجة والطول هو بعد المدينة من المغرب وربما كان بعدها من المشرق ومن المغرب إلى المشرق مائة وثمانون درجة فعرض بغداد ثلاث وثلاثون درجة وطولها سبعون درجة وكذلك عرض دمشق وعرض بغداد واحد وطول دمشق ستون درجة، وكذلك عرض مدينة القيروان من بلاد افريقية من ارض المغرب، وكذلك أيضا عرض بيت المقدس وقيسارية وصيدا وصور وانطاكية ومدينة السيرجان من ارض كرمان ومما عرضه ثلاثون فسطاط مصر والبصرة وشيراز وشينيز وجنابا ومهروبان وتوّج من ارض فارس والقندهار من أرض السند، ومما عرضه ست وثلاثون درجة مدينة حلب من جند قنسرين من أرض الشأم ومنبج وبالس والرقة ونصيبين ونهاوند من الماهات وهمذان وطرسوس من الثغر الشأمى وقم والري والموصل وبلد وسميساط وجسر منبج ودباوند وقومس ومدينة نيسابور

وبخارى وسمرقند وأشروسنة من بلاد خراسان وكلما في الأقاليم من المدن فعلى خط واحد وان كان ذلك مختلفا عند من لا علم له بهذه الأمور لما يرى من اختلاف وضع هذه المدن وبعد المسافات بينها طولا وعرضا، والأقاليم كلها مستقيمة كذلك رأيتها في الصورة المأمونية وغيرها واهوية هذه المواضع تختلف وان اتفقت فيما ذكرنا من العرض وغيره لآفات وعوارض من ذلك ان يكون بخارات باردة وفي اعماق الأرض فتظهر فتكون سبيل تلك المواضع من الأرض ان ما يتولاها من الكواكب يوجب تأثير الحرارة فيها فيغلب ما ظهر من البرودة منها عليها تدفع فعل الكواكب، كالسروات من ارض التهائم وهي ثلاث سراة منها ما بين تهامة ونجد، أدناها وج وهي الطائف، وأقصاها قرب صنعاء من ارض اليمن والسروات ارض عالية وجبال مشرفة يجب ان تكون حارة لتأثير الكواكب الا أن ما يظهر من بخار الأرض يغلب على البلد فصار باردا وكذلك أيضا دمشق عرضها وعرض بغداد واحد على ما ذكرنا فيما تقدم فيجب ان تكون حارة كحر بغداد، الا ان البرد يغلب عليها لما يظهر من بحار الأرض من البرودة فكان الحكم له، وكذلك قد تكون مواضع من الأرض ما يتولاها من الكواكب يوجب تأثير البرودة فيها فيظهر من قعور الأرض بخارات كثيرة حارة فتدفع ذلك وتصير الحكم لها وتجعل ذلك البلد حارا ككثير من البلدان الحارة وقد تكون بقاع من الأرض يغلب على ما يظهر منها من البخار البارد تأثيرات الكواكب بالحر فيكون الحكم له ويغلب على ما ظهر منها من البخار الحار تأثيراتها بالبرد فيكون الحكم له ولعلل غير ذلك يطول ذكرها هي موجودة في كتب المتقدمين على الشرح والإيضاح وقد قدمنا فيما سمينا من كتبنا لمعا من ذلك فأغنى عن إعادته في هذا

الكتاب مع اشتراطنا على أنفسنا فيه الاختصار والإيجاز وفي القليل كفاية لمن كان له بالعلم عناية وكل ما كان على رأس قبة الأرض وراءها الى الشق الشرقي فهو عند أهل الشق الغربي ارفع، لجهات منها ان المشرق لطلوع الكواكب وظهور النهار المغرب لهبوطها وانخفاضها والثانية ان المشرق ذكر والمغرب أنثى وقسم هذا الكواكب المذكرة وقسم ذلك الكواكب المؤنثة والذكر ابدا أعلى من الأنثى، والثالثة ان حركة الفلك الى المشرق هي ارتفاعه وحركته الى المغرب هي انخفاضه والرابعة وهي الوجه العيانى والمذهب القياسي انا نجد بلد فارس ارفع من العراق والعراق أرفع من الشأم والشأم ارفع من مصر والاسكندرية من ذلك ان حساب بغداد مثل محمد بن موسى الخوارزمي ويحيى بن ابى منصور وسند بن على وابى معشر وغيرهم وجدوا طول بغداد من المشرق مائة درجة وعشر درجات يريدون من أفق القبة الى وسط سماء بغداد وذلك يعرف بساعات وسط الكسوف في المواضع المختلفة المتباعدة ووجد ابطلميوس على ما عبر عنه ثاون الإسكندر انى طول الاسكندرية من المشرق مائة وتسع عشرة درجة ونصفا فإذا طرحنا بعد بغداد من بعدها بقي تسع درجات ونصف فقلنا تطلع الشمس ببغداد قبل الاسكندرية بثلثي ساعة غير ثلثي عشر ساعة، وكذلك تخالف البلاد في العروض من ذلك ان ارتفاع القطب الشمالي عن أفق صنعاء من بلاد اليمن اربع عشرة درجة ونصف وارتفاعه على بغداد ثلاث وثلاثون درجة وكسر، ومن هذا يطول النهار في بلد ويقصر في بلد ومن الدليل على ذلك ان ارتفاع سهيل في وسط سمائه على اليمن ثلاث وعشرون درجة وهو بالعراق على خط الأفق وبخراسان لا يرى ولا تغيب بنات نعش لك وتغيب باليمن وأشباه لهذا كثيرة قال المسعودي: وقد كان وزير المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان لما امر

المستعين بنفيه الى برقة وذلك في سنه 348 فصار الى الاسكندرية من بلاد مصر رأى حمرة الشمس على علو المنارة التي بها وقت المغيب فقدر انه يلزمه ان لا يفطر إذ كان صائما أو تغرب الشمس من جميع أقطار الأرض وذهب عليه ان الله عز وجل انما فرض على كل قوم ان يصوموا إلى ان تغيب الشمس في بلدهم لأن مغيبها يختلف بحسب اختلاف البلدان فيكون مغيبها في بلاد المشرق قبل مغيبها في بلدان المغرب كما كان طلوعها في المشرق قبل طلوعها في المغرب لما قدمناه من أقاويل المنجمين في ذلك، ويجوز ان يكون ذلك لاسباب استأثر الله بغيبها، فامر عبيد الله إنسانا ان يصعد الى اعالى منارة الاسكندرية ومعه حجر وان يتأمل موضع سقوط قرص الشمس فإذا سقطت رمى بالحجر ففعل الرجل ذلك فوصل الحجر الى قرار الأرض بعد صلاة العشاء الآخرة فجعل إفطاره بعد صلاة العشاء الآخرة فيما بعد إذا صام في مثل ذلك الوقت وكان عند رجوعه الى سرمن رأى لا يفطر الا بعد العشاء الآخرة وعنده ان هذا فرضه، وان الوقتين متساويان وهذا غاية ما يكون من قلة العلم بالفرض ومجاري امر الشرق والغرب وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية ان بناحية المشرق الصيفي جبلا شامخا جدا وان من علامة ارتفاعه ان الشمس لا تغيب عنه الى ثلاث ساعات من الليل وتشرق عليه قبل الصبح بثلاث ساعات ومنارة الاسكندرية إحدى بنيان العالم العجيب، بناها بعض البطلميوسين من ملوك اليونانيين بعد وفاة الإسكندر بن فيلبس الملك، لما كان بينهم وبين ملوك رومية من الحروب في البر والبحر، فجعلوا هذه المنارة مرقبا في أعاليها مرآة عظيمة من نوع الأحجار المشفة يشاهد منها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الابصار عن إدراكها، فكانوا يراعون ذلك في تلك المرآة فيستعدون لهم قبل مرورهم

وطول المنارة في هذا الوقت على التقريب مائتان وثلاثون ذراعا وكان طولها قديما نحو أربعمائة ذراع فهدمت على طول الزمان وترادف الزلازل والامطار لان بلد الاسكندرية يمطر، وليس سبيلها سبيل فسطاط مصر إذ كان الغالب عليها أن لا تمطر الا اليسير، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب ما قال الناس في ذلك والسبب في امتناعه وبناؤها ثلاثة إشكال فقريب من النصف وأكثر من الثلث مربع الشكل، بناؤه بأحجار بيض يكون نحوا من مائة ذراع وعشرة أذرع على التقريب، ثم من بعد ذلك مثمن الشكل مبنى بالآجر والجص نحوا من نيف وستين ذراعا وحواليه فضاء يدور فيه الإنسان، واعلاها مدور وكان احمد ابن طولون أمير مصر والاسكندرية والشأم رم منه شيئا وجعل في أعلاه قبة من الخشب ليصعد اليها من داخلها، وهي مبسوطة مؤربة بغير درج وفي جهة الجانب الشرقي من المنارة كتابة برصاص مدفون بقلم يوناني يكون طول كل حرف ذراعا في عرض شبر ويكون مقدارها على وجه الأرض نحوا من مائة ذراع، وماء البحر قد بلغ أصلها وقد كان تهدم أحد أركانها الغربية مما يلي البحر فبناها ابو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون، وبينها وبين مدينة الاسكندرية في هذا الوقت نحو ميل، وهي على طرف لسان من الأرض قد ركب ماء البحر جنبيه، مبنية على فم ميناء الاسكندرية وليس بالميناء القديم لان القديم في المدينة العتيقة لا ترسو فيه المراكب لبعده عن العمران، والميناء هو الموضع الّذي ترسو فيه مراكب البحر، وأهل الاسكندرية يخبرون عن أسلافهم أنهم شاهدوا بين المنارة وبين البحر نحوا مما بين المدينة والمنارة في هذا الوقت، فغلب عليه ماء البحر في المدة اليسيرة، وأن ذلك في زيادة قال المسعودي: وتهدم في شهر رمضان سنة 344 نحو من ثلاثين ذراعا من

أعاليها بالزلزلة التي كانت ببلاد مصر وكثير من بلاد الشأم والمغرب في ساعة واحدة، على ما وردت به علينا الأخبار المتواترة ونحن بفسطاط مصر، وكانت عظيمة جدا مهولة فظيعة، أقامت نحو نصف ساعة زمانية وذلك النصف من يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من هذا الشهر، وهو اليوم الخامس من كانون الآخر من شهور السريانيين، واليوم التاسع من دى ماه من شهور الفرس، والتاسع أيضا من طوبه من شهور القبط- وقد دخلنا أكثر المواضع المشهورة بكثرة الزلازل وعظمها مثل بلاد سيراف من ساحل فارس وهي بين جبل وبحر وبلاد الصيمرة من مهرجان قذق وماسبذان من أرض الجبال، وهي في سفح جبل عظيم يقال له كبر ومدينة انطاكية من جند قنسرين والعواصم، من أرض الشأم وهي في سفح جبل مطل عليها وبلاد قومس وهي كثيرة الزلازل جدا وتغور أعين وتفور في مواضع أخر لعظم ذلك، فالبلد شديد الاختلال. وبين بلاد قومس وبين نيسابور جبل عظيم شامخ طويل كثير المياه والأشجار والثمار والاودية وفيه خلق من العباد يأكلون من تلك الثمار ويأوون الى كهوف وغير ان لك يقال لهذا الجبل جبل مورجان، ومورجان قرية بقرب هذا الجبل والجبل بين هذه القرية وبين قرية من أعمال نيسابور تعرف بهفدرة تفسير ذلك سبعة أبواب، وذلك أول عمل خراسان لأن قومس عمل مفرد بين الري وخراسان ومنها بسطام وسمنان والدامغان، ولها جبل آخر عظيم بينها وبين طبرستان يقال له قارن، ومدينة آمل ويطل عليها الجبل العظيم المعروف بدباوند ويقال إنه أعلى جبال العالم وكثير من مدن طبرستان وغير ذلك من البلاد- فلم أر أعظم امرا من هذه الزلزلة ولا أطول مكثا، وذلك انى تبينت تحت الأرض كالشىء العظيم يحاكّها مارا تحتها وهازا ومحركا لها، وكأنه أعظم منها وكأنها كالنائية عنه، مع دوى عظيم في الجو

ذكر البحار واعدادها وما قيل في اطوالها وعروضها واتصالها وانفصالها، ومصبات عظام الأنهار اليها وما يحيط بها من الممالك وغير ذلك من أحوالها

وكانت السلامة بحمد الله شاملة للناس، والتهدم قليل وقد كان خسف بضياع كثيرة وقرى وعمائر واسعة من بلاد كش، ونسف مما يلي سمرقند من أرض خراسان، بزلازل تواترت كان مبدؤها من نحو بلاد الصين الى ان اتصلت ببلاد فرغانة، وهذه البلاد هلك فيها خلق كثير من الناس فمنها ما صار موضعها آجاما ومياها سودا منتنة، ومنها ما صارت كالرماد لانقلابها في سفوح جبال شاهقة منيعة، وذلك مشهود ببلاد خراسان وغيرها، وقد ذكرنا ما قاله الناس من الشريعيين وغيرهم في الزلازل وحدوثها والهدات والخسوف وكونها فيما تقدم من كتبنا فاذ قد ذكرنا الأقاليم السبعة، وما قيل في اطوالها وعروضها، ووصفنا الإقليم الرافع وفضله على سائرها وما اتصل بذلك، فلنذكر البحار وكمية اعدادها ومقادير مسافاتها وغير ذلك من الاخبار عنها ذكر البحار واعدادها وما قيل في اطوالها وعروضها واتصالها وانفصالها، ومصبات عظام الأنهار اليها وما يحيط بها من الممالك وغير ذلك من أحوالها تنازع من سلف وخلف في البحار واعدادها ومسافاتها وأطوالها وعروضها واتصالها وانفصالها وجزرها ومدها وغير ذلك من أحوالها، ونحن ذاكرون أصح ما نقل في ذلك واشهره ومبينوه، إذ كنا عنينا بذلك برهة من دهرنا وصرفنا اليه هممنا مشاهدة وخبرا، حتى وقفنا منه على ما نظن أنه استغلق على غيرنا علمه وغرب عليهم فهمه، فأول ما نبدأ من ذلك بوصف البحر الحبشي إذ كان أعظم ما في المعمور من البحار وأجلها قدرا وأعظمها خطرا لاكتناف الممالك الجليلة

ذكر الأول منها وهو الحبشي

إياه، وما خص به من الجواهر النفيسة وأنواع الطيب والعقاقير في قعوره وجزائره وشطوطه، وهذا حين نبتدئ بذلك على اختصار وإيجاز ذكر الأول منها وهو الحبشي البحر الحبشي هو بحر الصين والسند والهند والزنج والبصرة والأبلة وفارس وكرمان وعمان والبحرين والشحر واليمن وأيلة والقلزم من بلاد مصر والحبشة وليس في المعمور بحر أعظم منه وهو مساو في الطول لخط الاستواء آخذ من أقصى بلاد الحبشان التي في المغرب الى أقصى بلاد الهند والصين في المشرق وطوله على هذا السمت فيما ذكر من عنى بمساحة الأرض وتصويرها على مواضعها من العروض والاطوال الفلكية ثمانية آلاف ميل وعرضه في الشمال ألفان وسبعمائة وقيل ألف وتسعمائة ميل وممن ذهب الى هذا القول ابطلميوس وغيره ممن تقدم عصره وتأخر عنه، وآخر من ذهب الى ذلك في الإسلام يعقوب بن إسحاق الكندي في رسالة له في البحار والمد والجزر وغير ذلك، وتلميذه أحمد بن الطبيب في رسالة له أيضا في منافع البحار والجبال والأنهار وادخل ابطلميوس هذا البحر في حد المعمور وذكر انه ينتهى الى ارض من الجنوب مجهولة، وذهب آخرون الى ان طوله اربعة آلاف وخمسمائة فرسخ في مثلها فرد ذلك عليهم أصحاب القول الأول وأنكروه لأن اربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ ثمانية عشر ألف ميل إذ كان الفرسخ اربعة أميال بميل ثلاثة آلاف ذراع فيصير طول هذا البحر ثلاثة أرباع منطقة الأرض وهي اربعة وعشرون ألف ميل وعرضه ثلاثة أرباع ويصير الباقي من كرة الأرض المنكشف من ماء هذا البحر جزءا يسيرا إذا أضيف الى هذا البحر وليس الوجود كذلك والقول الأول أصح وعليه المعول لما بينا

ومما يصب اليه من الأنهار العظام المشهورة الفرات ومخرجه من الإقليم السادس من ناحية قاليقلا وكانت من ثغور ارمينية من تحت جبل هنالك يدعى افردخمش ويقطع بلاد الروم ويمر بالقرب من ملطية وسميساط وبالس والرقة والرحبة وهيت والأنبار ويأخذ منه نهر عيسى الّذي ينتهى الى مدينة السلام وكان يسمى نهر الرّفيل والصراة ونهر صرصر وجميعها تصب الى دجلة ثم ينقسم الفرات الى جهتين قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى العلقميّ يمر بالكوفة وغيرها والقسم الآخر يسمى سورا يمر بمدينة سورا الى النيل والطفوف ويسقى كثيرا من اعمال السواد ثم ينتهى جميع ذلك الى بطيحة البصرة وواسط التي ينتهى منها الى هذا البحر في دجلة العوراء التي تدعى بالفارسية بهمنشير وهي دجلة المفتح والأبلة وعبّادان فمسافته من ابتدائه الى انتهائه خمسمائة فرسخ وقيل ستمائة فرسخ ودجلة ومخرجها من الإقليم الخامس من عيون بناحية آمد من الموضع المعروف بحصن ذي القرنين وتمر بجزيرة ابن عمر وباسورين وقبر سابور من بلاد قردى وبازبدى وباهدرا وبلد والموصل ويصب فيها الزاب الأكبر فوق العمر؟ المعروف بعمر بارقانا من كورة المرج وذلك بين الموصل والحديثة من الجانب الشرقي على فرسخ من الحديثة ومبدأ هذا النهر من بلاد مشنكهر حده بين آذربيجان وبابغيش ما بين ارض قطينا والموصل من عين في رأس جبل هنالك ينحدر، وهو شديد الحمرة ويجرى في جبال واودية وحزونة ويصفو من حمرته، ويمر بباشزّى وأرض حفتون الى أن يصب في دجلة على ما ذكرنا فتكون مسافته الى أن يصب اليها نحوا من عشرة أيام والزاب الأصغر فوق السن على ميل منها في الموضع المعروف بدير ابن كامش، ومخرجه من الموضع المعروف بدينور، والجبال المعروفة بسلق من رساتيق آذربيجان مما يلي شهرزور ومسافة جريانه إلى أن يصب في دجلة نحو من

خمسة عشر يوما ثم تمر دجلة بمدينة السلام، فإذا خرجت عنها صبت إليها أنهار كثيرة من الجانب الشرقي منها ديالى ونهربين والنهروان، ومخرجه من جبال أرمينية وسيسر من بلاد آذربيجان وشهرزور وبلاد الصامغان، ثم يجتمع وينتهى الى الموضع المعروف بباصلوى. ومما يلي جلولا وخانقين من طريق خراسان فسمى هناك تامرا، ويستمد من القواطيل الآخذة من دجلة ويصير الى الموضع المعروف بباجسرى على فرسخين من دسكرة الملك، وهناك يسمى النهروان ويمر ببلاد بعقوبا ويشق مدينة النهروان وهي جانبان وجسر بوران وعبرتا وبرزاطيا وإسكاف بنى الجنيد ويصب الى دجلة بناحية جرجرايا، ثم تصير دجلة الى واسط حتى تصب في بطيحة البصرة وتنتهي الى البحر وقد ذكرنا (في كتاب الاستذكار) سبب انخراق دجلة وخروجها عن عمودها وذلك في أيام كسرى أبرويز ملك فارس وكان مجراها في جوخى وتغريقها طسوج الثرثور من بلاد كسكر وغيره حتى صارت بطائح على ما قدمنا. وآثار عمود دجلة الى وقتنا هذا بين فم الصّلح وبهندف وبادرايا وباكسايا وفامية العراق الى بلاد باذبين ودبربى وقرقوب والطّيب وشابرزان والدرمكان الى نهرجور والى المذار، وقد يصب في الفرات ودجلة انهار كثيرة مثل سربط وساتيدما وأرسناس والزّرم ونهردوشا- وهو بين جزيرة ابن عمر وباسورين وخابور دجلة ومصبه اليها بين باسورين وقبر سابور ومخرجه من عين تعرف بعين البطريق من ارض الزوزان من بلاد ارمينية ويمر بين الجبل الجودي وجبل التنين وغيره وعليه قصور على بن داود الكردي من الرهزادية وغيره، وسفان ومخرجه من ناحية العمر وقارة والجبل المعروف بعلم الشيطان مما يلي

جبل طور عبدين وهو جبل فيه بقايا الارمان من السريانيين وخابور الفرات ومخرجه من رأس العين وكانت تسمى عين الوردة ومصبه الى الفرات بناحية قرقيسيا، وغير ذلك من الأنهار فمقدار مسافة دجلة من ابتدائها الى انتهائها نحو من أربعمائة فرسخ وقيل أكثر من ذلك ومنها نهر مهران السند، ومخرجه من الإقليم الخامس من عيون في اعالى السند وجبالها من ارض قنّوج من مملكة بوورة وارض قشمير والقندهار والطافي حتى ينتهى الى مدينة المولتان، وتفسير المولتان فرج الذهب. وهناك يسمى مهران ثم ينتهي الى بلاد المنصورة ويصب في البحر على نحو من فرسخين من مدينة الديبل من ساحل السند وبين المنصورة وبين البحر نحو من سبعة أيام وفيه السوسمار وهو التمساح على حسب ما يكون في نيل مصر وزيادته في وقت زيادته وله بطائح وآجام عظيمة من القنا والقصب نحو من ثلاثمائة فرسخ فيه جنس من السند يقال لهم الميد وهم خلق عظيم حزب لأهل المنصورة، ولهم بوارج في البحر تقطع على مراكب المسلمين المجتازة الى ارض الهند والصين وجدة والقلزم وغيرها كالشوانى في بحر الروم وقد ذكر ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه في الاخبار عن الأمصار وعجائب البلدان: ان مخرج مهران السند والنيل من موضع واحد، واستدل على ذلك باتفاق زيادتهما وكون التمساح فيهما وان سبيل زراعتهم في البلدين واحد، ولا أدرى كيف ذلك وقع له وقد توجد التماسيح في أكثر اخوار الهند وهي الخلجانات كخور صند ابور وخلجان الزابج وغيرها وتلحق الناس وسائر الحيوانات منها الاذية على حسب ما يلحق أهل مصر وحيواناتهم وقد يتشعب من مهران هذا نهر آخر يسمى مهران الصغير فمقدار مسافة مهران الكبير من ابتدائه الى انتهائه نحو من خمسمائة فرسخ وقيل أكثر من ذلك

ذكر البحر الثاني وهو الرومي

ومنها نهر الهند العظيم المعروف بجنجس وهو أعظم من مهران وعليه مساكن كثير من الأمم من أصناف الهند وغيرهم، ومخرجه من جبل بناحية التبت لا عمارة بينه وبين التبت الى ان يصب في هذا البحر مما يلي الجزيرة المعروفة بجزيرة العراة من جزائر الهند، فمسافته من ابتدائه الى انتهائه اربعمائة فرسخ وقيل خمسمائة فرسخ. وعلى هذا النهر كان التقاء الإسكندر بن فيلبس وفور ملك الهند، لا تناكر بين الهند في ذلك وغير ذلك من الأنهار العظام كأنهار بلاد الأهواز، المشرقان، ودجيل، وغيرهما وأنهار فارس وكرمان والهيرمند، نهر سجستان، وغزنين، والدّوار، وغير ذلك من بلاد زابلستان وكابل وتيز مكران والسند والهند والصين وجبال الصغد وفرغانة وغير ذلك مما أحاط به من الممالك ذكر البحر الثاني وهو الرومي والبحر الثاني وهو الرومي هو بحر الروم والشأم ومصر والمغرب والأندلس والافرنجة والصقالبة ورومية وغيرهم من الأمم، طوله خمسة آلاف ميل وعرضه مختلف فمنه ثمانمائة ميل ومنه سبعمائة ميل ومنه ستمائة وأقل من ذلك وأكثر على حسب مضايقة البر للبحر والبحر للبر على مرور الأزمان وذهب قوم الى أن طوله ستة آلاف ميل، وأعرض موضع فيه أربعمائة ميل، ومبدؤه خليج آخذ من بحر أوقيانوس المحيط يعرف بالزّقاق معترض بين طنجة وسبتة من سواحل افريقية وبين سواحل جزيرة أم حكيم وغيرها من سواحل جزيرة الأندلس، عرضه هنالك نحو من عشرة أميال، وجريته بينة تكون من مبدئه الى أن يتسع ويعظم نحوا من ثلاثة أيام ومما يصب الى هذا البحر من الأنهار العظام المشهورة النيل ومبدؤه من عين

تخرج من جبل القمر وراء خط الاستواء بسبع درج ونصف، وذلك مائة فرسخ وأحد وأربعون فرسخا وثلثا فرسخ، يكون أميالا أربعمائة ميل وخمسة وعشرين ميلا ثم يتشعب من هذه العين عشرة أنهار تصب كل خمسة منها في بطيحة من بطيحتين في الناحية الجنوبية وراء خط الاستواء ثم يتشعب من كل بطيحة منها ثلاثة أنهار تجتمع جميعا الى بطبحة في الإقليم الأول فيخرج من هذه البطيحة نيل مصر فيقطع بلاد السودان ويمر بمدينة علوة دار مملكة النوبة، ثم بمدينة دنقلة لهم أيضا ويخرج عن الإقليم الأول حتى ينتهى الى الإقليم الثاني ويصير الى مدينة أسوان من صعيد مصر، وهي أول مدن الإسلام مما يلي النوبة ثم يقطع صعيد مصر ويمر بفسطاطها الى أن يصب في البحر الرومي من مصاب كثيرة وذلك في الإقليم الثالث ومن خط الاستواء الى مدينة الاسكندرية التي اليها ينتهى أحد مصبات النيل على شاطئ البحر ثلاثون درجة تكون من الأميال ألف ميل وثمانمائة ميل وعشرين ميلا يكون فراسخ ستمائة فرسخ وستة فراسخ وثلثي فرسخ فيكون من مبدئه من جبل القمر الى منتهاه في البحر الرومي سبعمائة فرسخ وثمانية وأربعين فرسخا وثلثي فرسخ، تكون أميالا ألفين ومائتين وخمسة وأربعين ميلا ومن الناس من يرى أن من مبدئه الى مصبه ألف فرسخ ومائة فرسخ ونيفا وثلاثين فرسخا ويقرب من جبل القمر هذا كثير من أحواز الزنج ومساكنهم الى أن يتصل ذلك ببلاد سفالة الزنج وجزيرة قنبلو وأهلها مسلمون وبلاد بربرا وحفونى وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا العلة في نسبة هذا الجبل الى القمر وما يظهر فيه من التأثيرات البينة العجيبة عند زيادة القمر ونقصانه، وما قالته الفلاسفة في ذلك وأصحاب الاثنين من المانوية وغيرهم ومنها نهر سيحان وهو نهر أذنة من الثغر الشأمى ومخرجه من مدينة سبحان

من ناحية ملطية من الثغر الجزري وان كان قد غلب على أكثره في وقتنا هذا الروم والأرمن ونهر جيحان وهو نهر المصيصة من الثغر الشأمى أيضا ومخرجه من الإقليم السابع من عيون وراء بلاد مرعش وبردان نهر طرسوس من الثغر الشأمى ومخرجه من عيون تحت العقبة المعروفة بعقبة الاكواخ من جبل ترابي أحمر مما يلي هرقلة من بند القبادق فإذا جرى نحوا من ميل انقسم قسمين قسم يمضى الى هرقلة وقسم يصير الى طرسوس فإذا صار على بريدين منهما الى الموضع المعروف بالقطالية صب اليه نهر يعرف بالفاتر غزير الماء مخرجه من عقبة تحت العقبة المعروفة بعقبة البراذع يكون جريانه الى أن يصب الى بردان نحو يوم وليلة، وانما سمي الفاتر بالضد لشدة برودته ثم يشق بردان مدينة طرسوس ويصب الى البحر الرومي على ستة أميال منها والأرنط نهر حمص وحماة وشيزر وانطاكية الخارج من القرية المعروفة باللبوة بين حمص ودمشق يشق بحيرة قدس وبحيرة فامية ويصب اليه بالقرب من انطاكية نهر الرقيا الخارج من بحيرة جندارس وغير ذلك من الأنهار العظيمة التي تصب الى هذا البحر من بلاد الأندلس والافرنجة وبلاد الصقالبة ورومية وسائر بلاد الروم واليه ينحلب كثير من مياه الشمال من خليج القسطنطنية الآخذ من بحيرة ما يطس على ما نذكره فيما يرد من هذا الكتاب، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا العلة في ارتفاع الشمال على الجنوب وكثرة مياهه وقلتها في الجنوب وما قالته الفلاسفة وأصحاب الاثنين وغيرهم من الحكماء في ذلك، وما في هذا البحر من الجزائر العظام كجزيرة قبرس وجزيرة أقريطش وجزيرة صقلّيّة وما يليها من جبل البركان، ومنه تخرج عين النار التي تعرف بأطمة صقلّيّة يستضيء بضوء نارها السفر على أكثر من مائة

ذكر البحر الثالث وهو الخزري

فرسخ برا وبحرا في الليل، ويرى في شراره إذا علا لهبه في الجو جثث كأبدان الناس وتنعكس الى البحر وتطفو فوق الماء فهو الحجر الأبيض الخفيف الّذي يحك به الكتابة من الدفاتر والرقوق وغيرها ويعرف بالفنسك ويسمى أيضا القيشورا، وقد يوجد بنواحي هذه الاطمة الحجر المعروف بالشب النافع لأوجاع البطن والمعدة إذا علق عليها وللماء الأصفر وقد يفعل ذلك الحجر المعروف بالبسّد وهو أصل المرجان وهو من هذا البحر يخرج، وفي هذه الأطمة هلك فرفوريوس صاحب كتاب ايساغوجى وهو المدخل الى كتب أرسطاطاليس في المنطق، وقد ذكر ذلك غير واحد ممن تقدم وتأخر منهم يعقوب بن إسحاق الكندي واحمد بن الطيب في أول مختصره لكتب المنطق ذكر البحر الثالث وهو الخزري والبحر الخزري هو بحر الخزر والباب والأبواب وأرمينية وآذربيجان وموقان والجيل والديلم وآبسكون وهي ساحل جرجان وطبرستان وخوارزم وغير ذلك من دور الأعاجم ومساكنهم المطيفة به طوله ثمانمائة ميل وعرضه ستمائة ميل وقيل أكثر من ذلك وهو مصرانى الشكل الى الطول ما هو، ومن الناس من يسميه البحر الخراساني لاتصاله ببلاد خوارزم من أرض خراسان وعليه كثير من بوادي الغزّية من الترك في مفاوز هنالك، وعليه أيضا الموضع المعروف بباكه وهي النفّاطة من مملكة شروان مما يلي الباب والأبواب، ومن هناك يحمل النفط الأبيض وهناك آطام وهي عيون النيران تظهر من الأرض، وفيه جزائر مقابل النفاطة فيها عيون للنيران كبيرة، ترى في الليل على مسافة نائية وقد ذكرنا في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) اخبار سائر الآطام مما في المعمور من الأرض كأطمة صقلّيّة المقدم ذكرها وأطمة وادي برهوت من

بلاد الشحر وحضرموت وآطام البحر الخزري والباب والأبواب وأطمة آسك من بلاد الهنديجان وذلك بين بلاد فارس والأهواز، ترى بالليل من مسيرة أكثر من أربعين فرسخا وأمرها أشهر لكثرة السفر في ذلك الطريق واطمة اربوجان مما يلي السيروان من بلاد ماسبذان وهي المعروفة بحمة تومان مما يلي منجلان وذلك يرى على أربعين فرسخا من بغداد على طريق البندنيجين وأبراز الروز وكالاطمة العظيمة التي في مملكة المهراج ملك جزائر الزابج وغيرها في البحر الصيني منها كله وسربزة والمهراج سمة لكل من ملكها وملكه لا يضبط كثرة ولا تحصى جنوده، ولا يستطيع أحد من الناس ان يطوف في أسرع ما يكون من المراكب بجزائره في سنتين جميعها عامر قد حاز هذا الملك أنواع الطيب والافاويه فليس لأحد من الملوك ما له ومما يجهز من أرضه من ذلك الكافور والعود والقرنفل والصندل والجوزبوا والقاقلة والكبابة وغير ذلك وهذه الأطمة في جبال في اطراف جزائره فهي بالنهار سوداء لغلبة ضوء الشمس وبالليل حمراء يلحق لهبها بأعنان السماء لعلوها وذهابها في الجو ويظهر منها كأشد ما يكون من أصوات الرعود والصواعق وربما يظهر منها صوت عجيب مفزع يسمع على المسافة النائية ينذر بموت بعض ملوكهم وربما يكون اخفض من ذلك فينذر بموت بعض رؤسائهم فقد عرف بما ينذر من ذلك موت الملوك من غيرهم بطول العادات والتجارب على قديم الزمان، وان ذلك غير متخلف وتلى هذه الجبال الجزيرة التي يسمع منها على دوام الأوقات كأصوات العيدان والسرنايات والطبول وسائر أنواع الملاهي المطربة وكأنواع الرقص والتصفيق يميز السامع لذلك بين صوت كل نوع منها والبحريون من أهل سيراف وعمان وغيرهم ممن اجتاز بتلك النواحي يزعمون ان الدجال في

تلك الجزيرة وأمرها مشتهر، وغير ذلك من الآطام ومما يصب الى هذا البحر من الأنهار العظام المشهورة نهر ارتيش الأسود ونهر ارتيش الأبيض وهما عظيمان يزيد كل واحد منهما على دجلة والفرات وبين مصبيهما نحو من عشرة أيام وعليهما مشتى ومصيف الكيماكية والغزية من الترك ونهر الكر الّذي يجتار ببلاد تفليس ومدينة صغدبيل من ارض جرزان ثم ببلاد برذعة ويجتمع مع نهر الرس الّذي هو نهر ورثان فيصبان جميعا فيه ونهر اسبيذروذ ومخرجه من ناحية سيسر وشاه روذ وهما يجتازان ببلاد آذربيجان والديلم ونهر الخزر الّذي يمر بمدينة اتل دار مملكة الخزر في هذا الوقت وكانت دار مملكتهم قبل ذلك مدينة بلنجر. واليه يصب نهر برطاس، وبرطاس امة عظيمة من الترك بين بلاد خوارزم ومملكة الخزر الا انها مضافة الى الخزر تجرى في هذا النهر السفن العظام بالتجارات وأنواع الأمتعة من بلاد خوارزم وغيرها، ومن بلاد برطاس تحمل جلود الثعالب السود، وهي أكرم الأوبار وأكثرها ثمنا، ومنها الأحمر والأبيض الّذي لا يفضل بينه وبين الفنك والخلنجي وشرها النوع المعروف بالأعرابي وليس يوجد الأسود منها في العالم الا في هذا الصقع وما قرب منه، ويتباهى ملوك الأمم من الأعاجم بلبس هذه الجلود ويتخذ منها القلانس والفراء ويبلغ الأسود منها الثمن الكثير، وقد يحمل منه الى ناحية الباب والأبواب وبرذعة وغير ذلك من بلاد خراسان، وربما يحمل الى بلاد الجربي من أرض الصقالبة لاتصالها بالجربى، ثم الى بلاد الافرنجة والأندلس ويصار بهذه الجلود من السود والحمر الى بلاد المغرب فيتوهم المتوهم أنها من بلاد الأندلس وما اتصل بها من ديار الافرنجة والصقالبة، وطبعها حار

يابس شديد الحرارة يدل على ذلك مرارة لحمه، وجلده أشد حرا من جلود سائر الأوبار وهو يشبه في مزاجه بالنار لغلبة الحرارة واليبس عليه يصلح لبسه للمرطوبين والشيوخ، وقد كان المهدي في مقامه بالري أحبّ امتحان اى الأوبار أشد حرارة، فعمد الى عدة قوارير فملأها ماء وشد رءوسها بأنواع من الأوبار، وكان ذلك في سنة شديدة البرد كثيرة الثلج، ثم دعا بها حين أصبح فوجدها جامدة إلا ما شد رأسه بجلد الثعلب الأسود فإنه لم يجمد، فعلم انه أشدها حرا ويبسا ومنها نهر الخزر، المعروف بأوم، وهو من أعظم دجلة والفرات والنهر العظيم المعروف بكرك روذ تفسير ذلك نهر الذئب وتنحلب اليه المياه من جبل القبق ومصبه هذا الى البحر مما يلي الباب والأبواب، وعليه هناك قنطرة عظيمة عجيبة البناء نحو من قنطرة سنجة وقنطرة سنجة احدى عجائب العالم وهي بناحية سميساط من الثغور الجزرية وسنجة نهر تعرف القنطرة به يصب الى الفرات ومنها نهر كالف وهو جيحون نهر بلخ والترمذ وخوارزم مبدؤه من عيون في الإقليم الخامس وراء الرباط المعروف ببدخشان، وهو على نحو عشرين يوما من مدينة بلخ، وآخر اعمالها من ذلك الوجه وهذا الرباط ثغر بإزاء أجناس من الترك يقال لهم أوخان وتبت وأيغان حضر وبدو ويعرف هذا النهر هناك بهذا الجنس أيغان وتصب اليه انهار كثيره وينحلب اليه مياه عظيمة فيكمل هذا النهر فوق مدينة الترمذ بفرسخين ويدعى هذا الموضع ما له ويعظم ماؤه وبكثر ويستبحر ويأتى الترمذ وهي عالية راكبة عليه من الجانب الشرقي مقابلة لرباط لبلخ من الجانب الغربي على اثنى عشر فرسخا من بلخ وهذا الموضع أضيق أعبار هذا النهر وأغزرها ماء عرضه نحو من ميلين وقد ينبسط في غير هذا العبر كعبر زمّ وهو أسفل من عبر الترمذ بنحو من أربعين فرسخا، وزم مدينة

من الجانب الغربي بالقرب من هذا العبر بين رمال ودهاس وما قابلها من المشرق فلا عمارة فيها وهي صحراء تؤدى الى بلاد نخشب وسمرقند وغيرها وعبر آموا وهو أسفل من عبر زم بنحو خمسين فرسخا وآموا مدينة في الجانب الغربي على نحو اربعة أميال من النهر يقابلها من الجانب الشرقي منه مدينة يقال لها فربر على ميلين من هذا النهر ومن فربر الى بخارى دار مملكة آل إسماعيل بن احمد بن أسد بن احمد ابن سامان خداه صاحب خراسان ثمانية عشر فرسخا منها خمسة عشر الى السور الأعظم المحيط ببخارى وعمائرها، ومن باب السور الى مدينة بخارى ثلاثة فراسخ بنى هذا السور ملك من ملوك الصغد في سالف الدهر مانعا لغارات أجناس الترك ودافعا لأذيتهم، وجدد في أيام المهدي وقد كان تهدم على يدي ابى العباس الطوسي أمير خراسان على ما ذكر سلمويه في كتابه في الدولة العباسية وأمراء خراسان وعبر خوارزم وهو أسفل من عبر آموا بنحو سبعين فرسخا، يقال إن الإسكندر بن فيلبس الملك قطع عبر الترمذ في خمسة أشهر بجسر عقده من خمسمائة سفينة لكثرة جنوده واتباعه ثم يأتى هذا النهر بلاد خوارزم ويصب في البحيرة المعروفة بالجرجانية والجرجانية مدينة بالقرب من هذا المصب وهي من أعظم البحيرات في المعمور مسافتها نحو من أربعين يوما في مثلها ويخرج من هذه البحيرة انهار عظيمة تصب في البحر الخزري، الى هذه البحيرة يصب نهر الشاش وهو مغيض وجوب لا يسقى بلاد الشاش وإنما سقيهم وشربهم من نهر عظيم يعرف بترك يصب في النهر هو ونهر فرغانة ونهر خجندة أيضا ويمر ببلاد الفاراب وقد عظم واستبحر وتجرى فيه السفن إلى هذه البحيرة بأنواع الأمتعة حتى تخرج إلى بلاد

ذكر البحر الرابع وهو بنطس

خوارزم من مصب جيحون وهذا النهر يتبحر في إبان زيادته وذلك من أول كانون الثاني فيركب الأرض من الجهة المقابلة لبلاد فاراب لانخفاضها أكثر من ثلاثين فرسخا عرضا والقرى والضياع على رءوس التلال والروابي كالقلاع، لا سبيل لبعضهم الى بعض إلا في الزواريق وسبيل هذا الموضع في الشرب سبيل نيل مصر في الزيادة الا أن أوقاتها مختلفة فيركب الأرض وينبسط عليها ما لا يركبه نيل مصر، لأن أكثر ما يركب نيل مصر الأرض من جانبيه نحو من فرسخين سيحا وفي خلجان وقد قيل إن نهر جيحون ينتهى الى آجام وبطائح فيغور فيها وقد قيل إنه يصب في بحر الهند مما يلي كرمان وقد دخلنا بلاد فارس وكرمان وسجستان صرودها وجرومها فلم نجد لذلك حقيقة لأن الأنهار التي تصب ببلاد كرمان إلى البحر من ناحية هرموز ساحل كرمان وغيرها معروفة، فيكون مسافة جريان جيحون على وجه الأرض من مبدئه إلى مصبه في هذه البحيرة نحوا من أربعمائة فرسخ وقيل أكثر من ذلك وقيل أقل منه ذكر البحر الرابع وهو بنطس والبحر الرابع وهو بحر بنطس هو بحر البرغر والروس وغيرهم من الأمم يمتد من الشمال من ناحية المدينة التي تدعى لازقة وذلك وراء القسطنطينية طوله ألف ميل وثلاثمائة ميل في عرض ثلاثمائة ميل ويتصل ببحيرة ما يطس وطولها ثلاثمائة ميل وعرضها مائة ميل وهي في طرف العمارة من الشمال وبعضها تحت القطب الشمالي وبقرب منها مدينة ليس بعدها عمارة تسمى تولية ومنها يخرج خليج القسطنطينية

ذكر أوقيانس وهو المحيط

الّذي يصب الى بحر الروم طوله ثلاثمائة ميل ونحو من خمسين ميلا على ما نذكره فيما يرد من هذا الكتاب، وجريه وانصبابه في المواضع الضيقة بين وماؤه بارد، ومن الناس من يعد هذا البحر وهذه البحيرة بحرا واحدا. ويتصل هذا البحر من بعض جهاته ببحر الباب والأبواب من خليج وأنهار عظام هنالك ولأجل ذلك غلط قوم من مصنفي الكتب في البحار ومعمور الأرض، فزعموا أن بحر بنطس وبحيرة ما يطس وبحر الخزر شيء واحد ومما يصب الى هذا البحر من الأنهار العظام المشهورة النهر العظيم المسمى طنايس مبدؤه من الشمال وعليه كثير من مساكن الصقالبة وغيرهم من الأمم الواغلين في الشمال وغيره من الأنهار الكبار مثل نهر دنبه وملاوة وهذا اسمه بالصقلبية أيضا وهو نهر عظيم عرضه نحو من ثلاثة أميال وهو وراء القسطنطينية بأيام عليه دور النامجين والمراوة من الصقالبة، وقد سكنها كثير من البرغر حين تنصروا، وقيل إن منه يأخذ نهر ترك الّذي هو نهر الشاش المقدم ذكره ذكر أوقيانس وهو المحيط فأما البحر المحيط الّذي هو عند أكثر الناس معظم البحار وعنصرها وأنها منه تتشعب، ويسميه كثير منهم الأخضر، ويسمي باليونانية أوقيانس وأكثر نهاياته مجهولة عند ابطلميوس وغيره فإنه يبتدئ من نهاية العمارة في الشمال الى أن يصير الى المغرب وينتهى الى نهاية العمارة في الجنوب وليس له في غربيه ولا شماليه نهاية محدودة، ويتصل ببحر الصين مما يلي الزابج وجزائر المهراج وشلاهط وهرلج، وفي هذا البحر مما يلي مغربه الجزائر المسماة الخالدات ومما يلي شماله الجزائر المسماة برطانية وهي اثنتا عشرة جزيرة، وعليه من بعض جهاته كثير من مدن الأندلس والافرنجة ومن جهة أخرى مدن من مدن

المغرب مما يلي بلاد أبى عفير وبصرة المغرب، ثم مساكن البربر الذين يدعون أصحاب الاخصاص وكثير من مساكن السودان ويصب اليه أنهار عظيمة من بلاد الأندلس والافرنجة وغيرهم من الأمم منها نهر قرطبة قصبة الأندلس في هذا الوقت ودار مملكة بنى أمية، مبدأ هذا النهر من جبل على نحو ستة أيام من قرطبة يدعى لينشكه، ويجرى في هذا النهر مراكب كثيره الى قرطبة فإذا فصل عنها صار الى مدينة شبيلية وهي على يومين من قرطبة ومن شبيلية الى مصبه في هذا البحر يومان، وعلى هذا البحر المحيط مما يلي الأندلس جزيرة تعرف بقادس مقابلة لمدينة شذونة من مدن الأندلس بينها وبين شذونة نحو من اثنى عشر ميلا في هذه الجزيرة منارة عظيمة عجيبة البنيان على أعاليها عمود عليه تمثال من النحاس يرى من شذونة، وورائها العظمة وارتفاعه، ووراءه في هذا البحر على مسافات معلومة تماثيل أخر في جرائر يرى بعضها من بعض وهي التماثيل التي تدعى الهرقلية، بناها في سالف الزمان هرقل الملك الجبار تنذر من رآها أن لا طريق وراءها ولا مذهب، بخطوط على صدورها بينة ظاهرة ببعض الأقلام القديمة وضروب من الإشارات بأيدي هذه التماثيل تنوب عن تلك الخطوط لمن لا يحسن قراءتها، صلاحا للعباد ومنعا لهم في ذلك البحر من التغرير بأنفسهم. وأمر هذه الأصنام مشهور من قديم الزمان الى هذا الوقت وهو سنة 345 قد ذكرتها الفلاسفة القدماء وغيرهم ممن عنى بهيئة الأرض وأخبار العالم، منهم صاحب المنطق في كتابه في الآثار العلوية وهو أربع مقالات، فقال في المقالة الاولى منه- عند ذكره النهر المعروف بطرسيوس- ويسيل الى أن يبلغ خارجا من الأصنام التي أقامها هرقل الملك الجبار وذكر ذلك أيضا في آخر المقالة الثانية من كتاب السماء والعالم وهو

أربع مقالات أيضا حين ذكر صغر الأرض فقال: الدليل على صغر الأرض ما يزعمون أن الموضع الّذي يدعى أصنام هرقل يختلط بأول حد من حدود الهند، فلذلك قالوا إن البحر واحد وذكر ذلك أيضا وبينه الإسكندر الأفروديسي في شرحه لكتاب أرسطاطاليس في الآثار العلوية وهي أكبر النسخ في الآثار تكون نحوا من خمسمائة ورقة وقد ذكر بطلميوس في كتابه في المدخل الى الصناعة الكرية ان من وراء خط الاستواء تحت مدار الجدي سودان مثل السودان التي تحت مدار رأس السرطان من دون خط الاستواء مما يلي الشمال، وأن بحر أوقيانس يأتى من ناحية المشرق الشتوي وهو مطلع الجدي ثم ينعطف من المشرق الشتوي الى ناحية الشمال الى أن ينتهي الى المغرب الصبفى وهو مغرب السرطان وذكر انه انما وقف على هذا من الكتب التي دونت فيها أخبار المساكن التي عن جنوب بلاد مصر وانهم وصلوا الى ذلك بعناية ملوك مصر وإنفاذهم ثقاتهم التي تلك النواحي ليعرف من هناك من الأمم قال المسعودي: وقد ذهب كثير من الناس الى أن تحديدهم لمقادير مسافات هذه البحار إنما هو على طريق التقريب والتخمين، إذ كان ذلك لا يحاط به لعجز البشر عن مشاهدته وبلوغ غاياته، وقد ذكرنا فيما سمينا من كتبنا السالفة ما قاله صاحب المنطق في كتابه في الآثار العلوية ومن تقدم عنه وتأخر في علة انتقال البحار والأنهار عن مواضعها، وشباب الأرض وهرمها وحياتها وموتها، والكلام في كيفية المد والجزر السنوى والقمري الّذي هو الشهري، ولأية علة صار في بعض البحار أظهر وأقوى كالبحر الحبشي وبحر أوقيانس المحيط، وفي بعضها أضعف وأخفى كبحر الروم والخزري وما يطس. على انه قد يظهر في بحر الروم

مما يلي المغرب ظهورا بينا حتى أن مدينة في جزيرة من سواحل إفريقية يقال لها جربة بينها وبين البحر نحو ميل تخرج مواشيهم غدوا حين يجزر الماء وينضب فترعى ثم تروح عشيا قبل المد، وقول بعض أهل الشرائع إن المد والجزر من فعل ملك وكله الله عز وجل بذلك في أقاصى البحار، يضع رجله أو بعض أصابعه فيها فتمتلئ فيكون المد، ثم يرفعها فيرجع الماء الى موضعه فهو الجزر. وقول من قال منهم إن ذلك لأمور استأثر الله بغيبها لم يطلع أحدا من خلقه عليها ليعتبروا بذلك ويستدلوا على وحدانيته وعجيب حكمته، وتنازع الأوائل في ذلك من فلاسفة الأمم وحكمائهم أهو من أفعال الشمس أم من أفعال القمر عند زيادة نوره فيكون منه المد؟ أم عند نقصانه فيكون الجزر؟ على حسب ما يظهر من أفعاله عند زيادته في أبدان الحيوان من الناطقين وغيرهم من القوة وغلبة السخونة والرطوبة والكون والنمو عليها، وأن الاخلاط التي تكون في أبدان الناس كالدم والبلغم وغيرهما عند ذلك تكون في ظاهر الأبدان والعروق ويزيد ظاهر البدن بلة ورطوبة وحسنا، وأن الأبدان عند نقصان نوره تكون أضعف والبرد عليها أغلب وتكون هذه الاخلاط في غور البدن والعروق ويزداد ظاهر البدن يبسا، وذلك ظاهر عند ذوى المعرفة والعلم بالطب، وما يظهر من أحوال الأمراض في زيادته ونقصانه وأن أبدان الذين يمرضون في أول الشهر تكون على دفع الأمراض والعلل أقوى وأبدان الذين يمرضون آخر الشهر تكون على دفع العلل أضعف وكذلك ما يعلم من دلالته في أنواع البحران في اليوم السابع من الأمراض والرابع عشر الحادي والعشرين والثامن والعشرين إذ كان القمر أربعة أشكال شكل التنصيف وشكل التمام وشكل التنصيف عن التمام وشكل المحاق فان لكل شكل من هذه سبعة أيام لأنه في سبعة أيام ينتصف وفي الرابع عشر يتم وفي الحادي والعشرين ينتصف وفي الثامن والعشرين يمتحق فكذلك

البحرانات تصح في السابع والرابع عشر والحادي والعشرين والثامن والعشرين وتصح في تنصيفات هذه إذ كانت هذه الأشكال أثبت أشكال الشيء المنقسم وغير ذلك من تنازع الناس في كيفية البحران، وأن نتاج سائر الحيوان إذا كان في أول الشهر كان المولود أتم وأعظم منه إذا كان في آخره، وما يظهر عند زيادته من النمو والزيادة في شعر الحيوان وأدمغته والألبان والبيض، وحيض النساء وكثرة السمك في البحار والأنهار وغيرها، ونمو الأشجار والبقول والفواكه والرياحين وسائر النبات وغير ذلك مما يعلمه أصحاب الفلاحة ونقصان جميع ذلك عند نقصانه، وكذلك المعادن وزيادتها أول الشهر في جواهرها وحسن بصيصها وصفائها، وأن لسع سائر حشرات الأرض من الحيات والعقارب وغيرها وأفعال سائر السباع تكون في أول الشهر أقوى وأشد وفي آخره انقص وأضعف وغير ذلك من أفعاله، وغير ما لم نأت على وصفه وانما نذكر الشيء اليسير منبهين بذلك على الشيء الكثير والكواكب السبعة التي هي النيران والخمسة المتحيرة وغيرها لها تأثيرات في هذا العالم عند ذوى المعرفة بالنجوم، الا أن تأثيرات القمر في العالم الأرضي أبين منها لقربه منه وبعدها عنه وذلك موجود في كتب الأوائل على الشرح والإيضاح، ولثابت بن قرة الحراني كتاب جمع فيه ما ذكره جالينوس في سائر كتبه من أفعال النيرين وهما الشمس والقمر في هذا العالم أفادناه ابنه سنان بن ثابت، وكذلك ذكرنا فيما وصفنا من كتبنا ما خص به كل بحر من البحار من أنواع الجواهر الحيوانية منها والمعدنية والحجرية كاللؤلؤ والياقوت والمرجان وغيره والادوية والعقاقير والطيب وغير ذلك، وما السبب في ملوحة ماء البحار ومرارتها وغلظها وكثافتها، ولأية علة لا تتبين فيها الزيادة مع كثرة موادها من الأنهار التي تصب اليها وحملها السفن

الثقيلة حتى إذا صارت الى العذب من الأنهار عرف غرق بعضها، للطافة العذب وكثافة المالح، إذ كان الغليظ يمنع من الرسوب فيه، وقد استدل صاحب المنطق في كتاب الآثار العلوية على ذلك بانه ان أخذ بيضة فصيرها في إناء فيه ماء عذب رسبت فيه، وإن القى في الماء ملحا يغلب عليه وتركه حتى ينحل فيه، أو أخذ من ماء البحر فصير البيضة فيه وجدها طافية. قال ويذكر الملاحون انهم يجدون السفينة التي تغرق في الماء العذب أبعد رسوبا من التي تغرق في البحر المالح، واستدل ببحيرة فلسطين فإنها شديدة المرارة والملوحة، وانه ان أخذ إنسان أو دابة فشد وثاقا والقى فيها وجد طافيا على الماء لخفته عند غلظ الماء وثقله، وان غمس فيها ثوب وسخ استنقى من ساعته لشدة المرارة والملوحة، وانه لا يكون فيها شيء من السمك قال المسعودي: وهذه البحيرة التي ذكرها أرسطاطاليس وغيره هي البحيرة المنتنة بحيرة أريحا وزغر وقد شاهدناها واليها يصب نهر الأردن الخارج من بحيرة طبرية ومواد بحيرة طبرية من نهر يصب اليها يخرج من بحيرة قدس وكفرلى يتحلب الى هذه البحيرة مياه كثيرة من أعمال دمشق مما يلي القرعون والخيط وغيره. وإذا شق نهر الأردن البحيرة المنتنة وانتهى الى وسطها متميزا من مائها غار هناك فخرج بين كفرسابا البريد وبين الرملة من بلاد فلسطين من عين عظيمة وهو نهر ابى فطرس يصب في البحر الرومي يكون مسافته على وجه الأرض بعض يوم وماؤه كالزئبق ثقلا وعليه الجادة، وانما عرف ما ذكرنا بأشياء ألقيت في نهر الأردن فظهرت في عين نهر أبى فطرس من امتحن ذلك بعض ذوى العناية بأمور العالم ممن ملك هذه البلاد في سالف الزمان فيما قيل وكذلك ذكر في زرنروذ نهر أصبهان انه ينتهي الى رمل في آخر كورتها فيغور ثم يظهر بكرمان ويصب في البحر الحبشي، وانه انما عرف بذلك بان

بعض الملوك السالفة كتب على قصب وطرحه في موضع مغيضه فظهر بنهر كرمان وقد شاهدناه وهو نهر حسن وللفرس فيه أشعار كثيرة، وليس في هذه البحيرة المنتنة ذو روح من سمك ولا غيره، ومنها يخرج الحمر الّذي يسمي قفر اليهود يطلى على المناجل ويكسح به الكروم ليؤمن من الدود عليها، ولغير ذلك من العلاجات، ولمخرجه منها وما يظهر من الصوت وعلى أي صورة يظهر اخبار عجيبة وفيها وحولها يوجد الحجر الأصفر المعروف باليهودي المحرز على شكل البطيخ وخطوطه وذكر ابقراط وجالينوس وغيرهما انه يفتت الحصى المتولد في الكلى دون المثانة إذا برد وسقى وليس فيما عرف من معمور الأرض بحيرة لا يتكون ذو روح فيها الا هذه البحيرة وبحيرة كبوذان وهي على بعض يوم من مدينة أرمية وبلاد المراغة وغيرهما من بلاد آذربيجان، وهي أعظم وأغزر وامر وأملح لا يتكون ذو روح فيها أيضا وهي مضافة الى قرية في جزيرة في وسطها تعرف بكبوذان يسكنها ملاحو المراكب التي يركب فيها في هذه البحيرة، وتصب اليها انهار كثيرة ومياه من بلاد آذربيجان وغيرها، لم يعرض أحد ممن ذكرنا لوصفها وقد صنف احمد بن الطيب السرخسي صاحب يعقوب بن إسحاق الكندي كتابا حسنا في المسالك والممالك والبحار والأنهار وأخبار البلدان وغيرها، وكذلك ابو عبد الله محمد بن احمد الجيهاني وزير نصر بن احمد بن إسماعيل بن احمد بن أسد صاحب خراسان، ألف كتابا في صفة العالم وأخباره وما فيه من العجائب والمدن والأمصار والبحار والأنهار والأمم ومساكنهم وغير ذلك من الاخبار العجيبة والقصص الظريفة، وابو القاسم عبيد الله بن

عبد الله بن خرداذبه في كتابه المعروف (بالمسالك والممالك) وهو أعم هذه الكتب شهرة في خواص الناس وعوامهم في وقتنا هذا وكذلك محمد بن احمد بن النجم ابن ابى عون الكاتب في كتابه (المترجم بالنواحى والآفاق والاخبار عن البلدان) وكثير من عجائب ما في البر والبحر وغيرهم ممن لم نسمه، فكل استفرغ وسعه وبذل مجهوده، وقد يدرك الواحد منهم ما لا يدركه الآخر وقد ذكرنا في كتابنا هذا وما سلف قبله من كتبنا التي هذا سابعها أخبار العالم وعجائبه، ولم نخله من دلائل تعضدها، وبراهين توتدها عقلا وخبرا، وغير ذلك مما استفاض واشتهر وشاهد من الشعر على حسب الشيء المذكور وحاجته الى ذلك ونحن وان كان عصرنا متأخرا عن عصر من كان قبلنا من المؤلفين، وأيامنا بعيدة عن أيامهم فلنرجو أن لا نقصر عنهم في تصنيف نقصده وغرض نؤمه، وان كان لهم سبق الابتداء فلنا فضيلة الاقتداء، وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر، وربما كان الآخر أحسن تأليفا، واتقن تصنيفا لحنكة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من مواقع الخطأ، ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية، لوجود الآخر ما لا يجده الأول وذلك الى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة، وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 12: 76 على أن من شيم كثير من الناس الإطراء للمتقدمين وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضي وذم الباقي، وان كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة وقد ذكر ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، فينسبه الى نفسه فلا يرى الأسماع تصغى اليه ولا الإرادات تيمم نحوه، ثم يولف ما هو انقص منه مرتبة وأقل فائدة ثم ينحله عبد الله بن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدمين ومن قد طارت أسماؤهم في المصنفين فيقبلون على كتبها، ويسارعون

ذكر الأمم السبع في سالف الزمان ولغاتهم وآرائهم ومواضع مساكنهم وما بانت به كل أمة من غيرها وما اتصل بذلك

الى نسخها لا لشيء الا لنسبتها الى المتقدمين، ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم ومنافسته على المناقب التي يخص بها، ويعنى بتشييدها وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وانما العمل على ذوى النظر والتأمل الذين أعطوا كل شيء حقه من العدل، ووفوه قسطه من الحق، فلم يرفعوا المتقدم إذ كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا، فلمثل هؤلاء تصنف الكتب وتدون العلوم وسنذكر الآن الأمم السبع السالفة في سابق الدهر، ولغاتهم ومواضع مساكنهم وغير ذلك ذكر الأمم السبع في سالف الزمان ولغاتهم وآرائهم ومواضع مساكنهم وما بانت به كل أمة من غيرها وما اتصل بذلك قد قدمنا فيما سلف من كتبنا ما قاله الناس في بدء النسل، وتفرقهم على وجه الأرض، وما ذهب اليه كل فريق منهم في ذلك من الشرعيين وغيرهم ممن قال بحدوث العالم وأبى الانقياد الى الشرائع من البراهمة وغيرهم، وما قاله أصحاب القدم في ذلك من الهند والفلاسفة وأصحاب الاثنين من المانوية وغيرهم على تباينهم في ذلك، فلنذكر الآن الأمم السبع ذهب من عنى باخبار سوالف الأمم ومساكنهم الى أن أجل الأمم وعظماءهم كانوا في سوالف الدهر سبعا يتميزون بثلاثة أشياء: بشيمهم الطبيعية، وخلقهم الطبيعية، وألسنتهم فالفرس أمة حد بلادها الجبال من الماهات وغيرها وآذربيجان الى ما يلي بلاد

أرمينية وأرّان والبيلقان الى دربند وهو الباب والأبواب والري وطبرستان والمسقط والشابران وجرجان وابرشهر، وهي نيسابور، وهراة ومرو وغير ذلك من بلاد خراسان وسجستان وكرمان وفارس والأهواز، وما اتصل بذلك من أرض الأعاجم في هذا الوقت وكل هذه البلاد كانت مملكة واحدة ملكها ملك واحد ولسانها واحد، الا انهم كانوا يتباينون في شيء يسير من اللغات وذلك أن اللغة انما تكون واحدة بأن تكون حروفها التي تكتب واحدة وتأليف حروفها تأليف واحد، وان اختلفت بعد ذلك في سائر الأشياء الأخر كالفهلوية والدرية والآذرية وغيرها من لغات الفرس الأمة الثانية: الكلدانيون وهم السريانيون وقد ذكروا في التوراة بقوله عز وجل لإبراهيم «أنا الرب الّذي انجيتك من نار الكلدانيين لأجعل هذه البلاد لك ميراثا» وذكرهم أرسطاطاليس في كتابه الّذي رسمه بسياسة المدن وهو كتاب ذكر فيه سياسة أمم ومدن كثيرة من أمم ومدن اليونانيين وغيرها ويسمى باليونانية «بوليطيا» وعدد الأمم والمدن التي ذكر مائة وسبعون وفي غيره من كتبه وبطلميوس وغيرهما بهذا الاسم، أعنى الكلدانيين وكانت دار مملكتهم العظمى مدينة كلواذى من أرض العراق، واليها أضيفوا، وكانوا شعوبا وقبائل منهم النونويون والأثوريون والارمان والاردوان والجرامقة ونبط العراق وأهل السواد وقيل انما سموا نبطا لأنهم من ولد نبيط بن باسور بن سام بن نوح، وقيل انما سموا بذلك لاستنباطهم الأرضين والمياه، وقيل لمعان غير ذلك وغيرهم من الشعوب والقبائل وقيل إن الارمان انما سموا بذلك لأن عادا لما هلكت قيل ثمود ارم، فلما هلكت ثمود قيل لبقايا ارم ارمان وهم النبط الارمانيون، وكذلك ذكر ابن الكلبي

وغيره من علماء العرب بأخبار سوالف الأمم وكانت بلاد الكلدانيين العراق وديار ربيعة وديار مضر والشأم وبلاد العرب اليوم وبرها ومدرها اليمن وتهامة والحجاز واليمامة والعروض والبحرين والشحر وحضرموت وعمان، وبرها الّذي يلي العراق وبرها الّذي يلي الشأم وهذه جزيرة العرب كانت كلها مملكة واحدة يملكها ملك واحد ولسانها واحد سرياني وهو اللسان الأول لسان آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام وغيرهم من الأنبياء فيما ذكر أهل الكتب وانما تختلف لغات هذه الشعوب من السريانيين اختلافا يسيرا على حسب ما ذكرنا من حال الفرس والعبرانية منها والعربية أقرب اللغات بعد العبرانية الى السريانية، وليس التفاوت بينهما بالكثير وقيل إن أول من تكلم بالعبرانية إبراهيم الخليل عليه السلام بعد أن خرج من قريته المعروفة بأور كشد من بلاد كوثى من خنيرث وهو إقليم بابل وصار الى حران من أرض الجزيرة وعبر الفرات في من كان معه الى الشأم فتكلم بها فسميت العبرانية لحدوثها عند عبوره اضافة الى العبر وبها أنزلت التوراة غير أن للاسرائليين بالعراق لغة سريانية تعرف بالترجوم يفسرون بها التوراة من العبرانية الاولى لوضوحها عندهم وقرب مأخذها، ولفصاحة العبرانية وتعذر فهمها على كثير منهم ولا تنازع بين النزارية وهم ربيعة ومضر الصريحان من ولد إسماعيل وإياد وأنمار على ما فيهما من التنازع بنو نزار بن معد بن عدنان بن أدبن أدد بن مقوم ابن ناخور بن تيرخ بن يعرب بن يشجب بن نابت بن قيذار بن إسماعيل ابن إبراهيم وقيل إنه نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن يأمر بن يشجب بن يعرب ابن الهميسع بن صابوح بن نابت بن قيذار بن إسماعيل وبين اليمانية وهم حمير وكهلان

ابنا سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح وغيرهم من جرهم وحضرموت ابني عابر وبين الإسرائيليين وغيرهم ان إبراهيم الخليل كان سرياني اللسان وانه إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناخور بن ساروغ بن ارعوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفحشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم يجتمع مع اليمانية في عابر وأكثر نساب اليمانية وذوو المعرفة منهم يذهبون إلى أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان وانه انما سمى بذلك لاعرابه عن المعاني وان لسان قحطان لم يكن عربيا بل على اللسان الأول لسان سام بن نوح وغيرهم وان إسماعيل بن إبراهيم انما تكلم بالعربية حين نشأ في العماليق ولد عملاق بن لاود ابن ارم بن سام بن نوح وجرهم مع هاجر بمكة ولا خلاف أيضا بين النزارية وهم ولد إسماعيل بن إبراهيم، وبين الإسرائيليين وهم بنو إسحاق بن إبراهيم ان إبراهيم لم يكن عربيا ولا إسحاق ابنه وان ابنه إسماعيل أول من نطق بالعربية وتكلم بها ولا خلاف بين الجميع من النزارية واليمانية في أن هودا وصالحا كنا عربيين أرسلا إلى عاد وثمود وانهما قبل إبراهيم الخليل، وان لم يكن لهما ذكر في التوراة. قال المسعودي: وقد ذهب فريق من أخباريى اليمانية ونسابهم ممن قدم وغبر إلى أن الملك أفضى بعد عاد الى يقطن، وهو قحطان بن عابر واستشهدوا بقول علقمة ذي جدن: وملك قحطان ملك عاد ... وسوف تفنيهم الخطوب ومنهم من رأى أنه قحطان بن هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوض ابن ارم بن سام بن نوح، واسمه في التوراة الجبار بن عابر بن شالخ بن أرفحشد بن

سام بن نوح واحتجوا لذلك بقول الشاعر: وأبو قحطان هود ذو الحقف ومنهم من ذهب إلى أن هودا هو عابر بن شالخ بن أرفحشد. ونساب ولد نزار بن معد، وبعض اليمانية، كهشام بن محمد بن السائب الكلبي، والشرقي ابن القطامي، ونصر بن مزروع الكلبي، وغيرهم- يقولون: قحطان بن الهميسع ابن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم ويحتجون لذلك بما رواه الهيثم بن عدي الطائي. وهشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه محمد بن السائب عن أبى صالح عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على فتية من الأنصار يتناضلون فقال: ارموا يا بنى إسماعيل فان أباكم كان راميا، ارموا فأنا مع ابن الأدرع- رجل من خزاعة- فألقى القوم نبالهم وقالوا يا رسول الله من كنت معه فقد تضل، فقال ارموا وأنا معكم جميعا. وسائر اليمانية تأبى ذلك وتذهب إلى أنه قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح على ما قدمنا، ويقولون هذا من أخبار الآحاد، وليس من الأخبار المتواترة، القاطعة للعذر، الموجبة للعلم والعمل. ولو صح لكان معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: ارموا يا بنى إسماعيل. على الأمهات من ولد إسماعيل، وقد أخبر الله عز وجل عن المسيح أنه من ذرية آدم مع إخباره أنه خلق من غير أب ولو أخرجه مخرج من ولد آدم، لأنه لا أب له لكان كاذبا وإنما نسب إلى آدم من جهة أمه والقوم أعرف بأنسابهم ينقله الباقي عن الماضي قولا وعملا موزونا إنهم من ولد قحطان بن عابر لا يعرفون غير ذلك ومنهم من رأى أن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أقدم من عاد، واحتجوا بقول الخلجان بن الوهم وكان من ملوك عاد وكان جنادة بن

الأصم العادي رأى في منامه أن وفد عاد إلى الحرم فهلكوا فبلغ ذلك الخلجان فقال: أفي كل عام بدعة تحدثونها ... ورؤيا على غير الطريق تعبر فان لعاد سنة يحفظونها ... سنحيا عليها ما حبينا ونقبر وإنا لنخزى من أمور تسبنا ... بها جرهم فيمن يسب وحمير وأخبار حمير وكهلان أخبار قديمة سلفت كثيرا من الأمم الماضية، وتقادم بها الدهر، وترادفت عليها الألوف من السنين، وقال الناس في ذلك فأكثروا وإنما يرجع في أكثر ذلك إلى عبيد بن شرية الجرهميّ، ورواة أهل الحيرة وغيرهم والكلام بين اليمانية والنزارية يكثر والخطوب تطول، وهو باب كبير، والكلام فيه كثير. ومن ضمن الاختصار، لم يجز له الإكثار. وقد بسطنا الكلام فيه وأتينا على أكثر ما قيل في ذلك، وحجاج الفريقين، وافتخار بعضهم على بعض منثورا ومنظوما، وغير ذلك في (كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار) وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعا جوامع، ننبه بها على ما قدمنا ونشرف بها على ما سلف من كتبنا إذ كان مبنيا عليها وسلما اليها والأمة الثالثة: اليونانيون والروم والصقالبة والافرنجة، ومن اتصل بهم من الأمم في الجربي وهو الشمال، كانت لغتهم واحدة، ويملكهم ملك واحد والأمة الرابعة: لوبية منها مصر، وما اتصل بذلك من التيمن وهو الجنوب وأرض المغرب إلى بحر أوقيانس المحيط لغتهم واحدة، ويملكهم ملك واحد والأمة الخامسة: أجناس من الترك الخرلخية، والغز وكيماك، والطغزغز، والخزر، ويدعون بالتركية «سبير» وبالفارسية «خزران» وهم جنس من الترك حاضرة فعرف اسمهم فقيل «الخزر» وغيرهم. لغتهم واحدة، وملكهم واحد

والأمة السادسة: أجناس الهند والسند، وما اتصل بذلك، لغتهم واحدة، وملكهم واحد والأمة السابعة: الصين والسيلى، وما اتصل بذلك من مساكن ولد عامور ابن يافث بن نوح، ملكهم واحد، ولغتهم واحدة ثم كثر النسل، وتجيلت الأجيال، وتشعبت الشعوب والقبائل، وافترقت اللغات وتفرعت، وتجنست الأمم وتنوعت، وتباينوا في الآراء والعبادات والمساكن والمناسك فهذه الأمم السبع كانت متميزة بعضها من بعض. لكل أمة منها ملك على حياله قد جمعهم عبادة الأصنام، كل أمة منها يعظمون أصناما، جعلوها مثالا لآلهة غير الآلهة التي كان يجل مثلها غيرهم من الأمم، تمثيلا بما علا من الجواهر العلوية، والأجسام السمائية، التي هي الأشخاص الفلكية من السبعة، النيرين، وهما الشمس والقمر والخمسة وهي زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد وغيرها من ذوات التأثير في هذا العالم الأرضي. وكانت شرائع كل أمة بحسب مناسكهم، وحسب الجهات التي منها معايشهم، وشيمهم الطبيعية التي فطروا عليها، ومن يجاورهم من سائر الأمم. قال المسعودي: وقد ذكرنا في (كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه- الاجتماعات السبعة المشهورة لحكماء هؤلاء الأمم السبع في سالف الدهر، اجتمع في كل مجمع منها سبعة حكماء في أعصار مختلفة، وأوقات متباينة عند حوادث وأحوال أوجبت اجتماعهم، فجرى لهم فنون من البحث والنظر، وضروب من الحكم والعبر، بما يحدث في الدهر من الغير، بتنقل الدول وتغير الملل، والكلام في العالم ما هو، وكيف هو، ولما هو، وما علته ومعلوله وظاهره وباطنه، وحقائقه واختراع الأجسام وإنشائها،

ذكر ملوك الفرس على طبقاتهم من جيومرت، وهو الأول من ملوكهم إلى يزدجرد بن شهريار آخرهم، وعدة ما ملكوا من السنين

وإلى ماذا يؤول هو بعد فنائها؟ وغير ذلك، من فنون الفحص، وضروب البحث. فاذ قد ذكرنا الأمم السبع ومساكنهم ولغاتهم وآرائهم، وما اتصل بذلك فلنذكر الآن الفرس وملوكهم وأعدادهم، وما ملكوا من السنين. ذكر ملوك الفرس على طبقاتهم من جيومرت، وهو الأول من ملوكهم إلى يزدجرد بن شهريار آخرهم، وعدة ما ملكوا من السنين جملة سنى ملوك الفرس الأولى على طبقاتهم والطوائف والفرس الثانية، وهم الساسانية، أربعة آلاف سنة ومائة وأربعون سنة وخمسة أشهر ونصف. وقد ذهب كثير ممن عنى بأخبار الفرس وملوكها وطبقاتها الى أنه قد كانت فترات في ملك الفرس الأولى، مقدارها من السنين ثلاثمائة سنة وإحدى وثلاثون سنة. من ذلك الفترة بين ملك جيومرث وأوشهنج مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة. والفترة بين ملك أوشهنج وطهمورث مائة سنة وثمان سنين، فإذا أضيفت سنو هذه الفترات إلى ما ذكرنا من السنين صار الجميع أربعة آلاف سنة واربعمائة واحدى وسبعين سنة وخمسة أشهر ونصفا.

ذكر الطبقة الاولى من ملوك الفرس الأولى

ذكر الطبقة الاولى من ملوك الفرس الأولى أولهم جيومرت كلشاه، وتفسير ذلك ملك الطين، وإليه ترجع الفرس في أنسابها، وهو عندهم آدم أبو البشر وأصل النسل، ملك أربعين سنة، وقيل ثلاثين، وذلك في الهزاريكه الأولى من بدء النسل، وتفسير ذلك الألف سنة وكان ينزل إصطخر فارس اوشهنج ملك أربعين سنة طهمورث ملك ثلاثين سنة جم ملك سبعمائة سنة وثلاثة أشهر البيوراسب، وهو الضحاك ملك ألف سنة، والفرس تغلو فيه، وتذكر من أخباره أن حيتين كانتا في كتفيه تعتريانه لا تهدئان إلا بأدمغة الناس، وأنه كان ساحرا يطيعه الجن والانس، وملك الأقاليم السبعة، وأنه لما عظم بغيه، وزاد عتوه، وأباد خلقا كثيرا من أهل مملكته، ظهر رجل من عوام الناس وذوى النسك منهم من أهل أصبهان إسكاف «كابى» ورفع راية من جلود علامة له، ودعا الناس إلى خلع الضحاك وقتله، وتمليك افريذون، فاتبعه عوام الناس، وكثير من خواصهم وسار إلى الضحاك، فقبض عليه وأنفذه أفريذون إلى أعلى جبل دباوند بين الري وطبرستان، فأودع هناك وأنه حي إلى هذا الوقت، مقيد هناك، في أخبار يطول ذكرها، قد شرحناها في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) وعظم ابتهاج الناس بما نال الضحاك بجوره وسوء سياسته، وتيمنوا بتلك الراية

فسميت «درفش كابيان» إضافة إلى كابى صاحبها، والدرفش بالفارسية الأولى الراية وبهذه الفارسية «إشفى الخرز» وحليت بالذهب وأنواع الجواهر الثمينة وكانت لا تظهر إلا في حروب عظيمة، تنشر على رأس الملك أو ولى عهده، أو من يقوم مقامه فلم تزل معظمة عند جميع ملوكهم إلى أن وجه بها يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس من الساسانية مع رستم الآذرى لحرب العرب بالقادسية في سنة 16 على ما في ذلك من التنازع. فلما هزمت الفرس وقتل رستم، صارت هذه الراية الى ضرار بن الخطاب الفهري، فقومت ألفى ألف دينار، وقيل إن أخذها كان يوم فتح المدائن، وقيل يوم فتح نهاوند، وكذلك في سنة 19 وقيل في سنة 21 فلما تهيأ على الضحاك من كابى ومن اتبعه، أكثر أردشير في عهده التحذير لمن بعده من الملوك من التهاون بما يكون من نوابغ العوام ونساكهم من التجمع والترؤس، وأن ذلك إذا همل فتفاقم آل إلى انتقال الملك وزوال الرسوم وكذلك فعل أرسطاطاليس- في تحذيره الإسكندر في كثير من رسائله- وغيرهما من ذوى المعرفة بسياسة الدين والملك واليمانية من العرب تدّعى الضحاك وتزعم أنه من الأزد وقد ذكرته الشعراء في الإسلام، فافتخر بن أبو نواس الحسن بن هانئ، مولى بنى حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، في قصيدته التي هجا فيها قبائل نزار بأسرها وافتخر بقحطان وقبائلها، وهي قصيدته المشهورة التي أطال الرشيد حبسه بسببها، وقيل إنه حده لأجلها وأولها: لست لدار عفت وغيرها ... ضربان من قطرها وحاصبها

فقال فيها مفتخرا باليمن وذاكراً للضحاك فنحن أرباب ناعط ولنا ... صنعاء والمسك في محاربها وكان منا الضحاك يعبده ... الخابل والطير في مساربها وفيما يقول يهجو نزارا واهج نزارا وأفر جلدتها ... وكشف الستر عن مثالبها وقد رد عليه قصيدته هذه جماعة من النزارية، منهم رجل من بنى ربيعة بن نزار، قال يذكر نزارا ومناقبها، واليمن ومثالبها في قصيدة له أولها دع مدح دار خبا وانتهى ... عهد معد بزعم عاتبها فقال: فامدح معداً وأفخر بمنصبها ... المالي على الناس في مناصبها وهتك الستر عن ذوى يمن ... أولاد قحطان غير هائبها وذكر أبو تمام الضحاك في قصيدة له يمدح الافشين، ويشبهه بأفريذون، ويذكر بابك، ويشبهه بالضحاك هذه أولها: بذ الجلاد البذ فهو دفين ... ما إن به غير الوحوش قطين فقال: بل كان كالضحاك في سطواته ... بالعالمين وأنت أفريذون وقد ذهب كثير من ذوى المعرفة بأخبار الأمم السالفة وملوكها إلى أن الضحاك كان من أوائل ملوك الكلدانيين النبط. أفريذون ملك خمسمائة سنة .

ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس الاولى وهم بلان، معنى ذلك العلويون

ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس الاولى وهم بلان، معنى ذلك العلويون أولهم منوشهر ملك مائة سنة وعشرين سنة، والفرس تعظم أمره وترفع من شأنه لأمور ذكروها ومعجزات وصفوها، وبينه وبين أفريذون ثلاثة عشر أبا وهو من ولد ايرج بن افرياون، وكان له سبعة أولاد إليهم ترجع أكثر شعوب فارس في أنسابها وسائر طبقات ملوكها، وهو كالشجرة للفرس في النسب. وكذلك الأكراد عند الفرس من ولد كرد بن إسفنديار بن منوشهر منهم البازنجان والشوهجان والشاذنجان والنشاورة والبوذيكان واللّريّة والجورقان والجاوانية والبارسيان والجلالية والمستكان والجابارقة والجروغان والكيكان والماجردان والهذبانية وغيرهم ممن بزمام فارس وكرمان وسجستان وخراسان وأصبهان وأرض الجبال من الماهات، ماه الكوفة، وماه البصرة، وماه سبذان والايغارين وهما البرج وكرج أبى دلف وهمذان وشهرزور ودراباذ والصامغان وآذربيجان، وأرمينية وأران والبيلقان، والباب والأبواب، ومن بالجزيرة والشأم والثغور وقد ذهب قوم من متأخري الأكراد وذوى الدراية- منهم من شاهدناهم فيما ذكرنا من البلاد- إلى أنهم من ولد كرد بن مرد بن صعصعة بن حرب ابن هوازن. ومنهم من يرى أنهم من ولد سبيع بن هوازن، وحرب وسبيع عند نساب مضر درجا فلا عقب لهما، وانما العقب لهوازن من بكر بن هوازن. ومن الأكراد من يذهب الى أنهم من ربيعة ثم من بكر بن وائل، وقعوا في قديم الزمان لحروب كانت بينهم الى أرض الأعاجم، وتفرقوا فيهم، وحالت

ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس الاولى وهم الكيانيون، تفسير ذلك والأعزاء

لغتهم، وصاروا شعوبا وقبائل. قال المسعودي: وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا سائر من سكن البدو والجبال، في المشرق والمغرب والشمال والجنوب، من العرب والأكراد والجت والبلوج والكوج، وهم القفص ببلاد كرمان والبربر بأرض افريقية والمغرب من كتامة وزويلة ومزاتة ولواتة وهوارة وصنهاجة وأوربة ولمطة وغيرهم، من بطون البربر وشعوبهم، والفيرة والبجة وغيرهم من الأمم المخيمة وقيل انه ملك بعد منوشهر سهم بن أمان بن اثفيان بن نوذر بن منوشهر ستين سنة، ثم ملك فراسيات التركي اثنتي عشرة سنة. ثم غلبه زو، وملك ثلاث سنين، وكرشاسب ثلاث سنين. ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس الاولى وهم الكيانيون، تفسير ذلك والأعزاء أولهم كيقباذ ملك مائة سنة وعشرين سنة. وكيقاوس مائة سنة وخمسين سنة. وكيخسرو ستين سنة. وكيلهراسب مائة سنة وعشرين سنة. وكيبشتاسب مائة سنة وعشرين سنة أيضا. ولثلاثين سنة خلت من ملكه أتاه زرادشت بن بورشسب بن اسبيمان بدين المجوسية، فقبلها وحمل أهل مملكته عليها، وقاتل عليها حتى ظهرت. وكانوا قبل ذلك على رأى الحنفاء وهم الصائبون، وهو المذهب الّذي أتى به بوذاسب إلى طهمورث، وهذه كلمة سريانية عربت وانما هي «حنيفوا» وقيل جيء بحرف بين الباء والفاء وأنه ليس للسريانيين فاء وذكر أن الصابئين نسبوا

الى صابى بن متوشلخ بن إدريس، وكان على الحنيفية الأولى وقيل الى صابى بن مارى، وكان في عصر إبراهيم الخليل عليه السلام، وغير ذلك من الأقاويل مما قدمنا شرحه فيما سلف من كتبنا. وجاءه زرادشت بالكتاب المعروف «بالأبستا» وإذا عرب أثبتت فيه قاف فقيل «الأبستاق» وعدد سوره احدى وعشرون سورة، كل سورة في مائتين من الأوراق. وعدد حروفه وأصواته ستون حرفا وصوتا، لكل حرف وصوت صورة مفردة منها حروف تتكرر ومنها حروف تسقط، إذ ليست خاصة بلسان الأبستا. وزرادشت أحدث هذا الخط، والمجوس تسميه «دين دبيره» أي كتابة الدين وكتب في اثنى عشر ألف جلد ثور بقضبان الذهب حفرا باللغة الفارسية الاولى ولا يعلم أحد اليوم يعرف معنى تلك اللغة، وإنما نقل لهم الى هذه الفارسية شيء من السور فهي في أيديهم يقرءونها في صلواتهم «كأشتاذ، وجترشت وبانيست وهادوخت» وغيرها من السور. في جترشت الخبر عن مبدإ العالم ومنتهاه، وفي هادوخت مواعظ. وعمل زرادشت للأبستا شرحا سماه «الزند» وهو عندهم كلام الرب المنزل على زرادشت، ثم ترجمه زرادشت من لغة الفهلوية الى الفارسية ثم عمل زرادشت للزند سماه «بازند» وعملت العلماء من الموابذة والهرابذة لذلك الشرح شرحا سموه «بارده» ومنهم من يسميه «اكرده» فأحرقه الإسكندر لما غلب على ملك فارس وقتل دارا بن دارا وأحدث زرادشت خطا آخر تسميه المجوس «كشن دبيره» تفسيره كتابة الكل يكتب به سائر لغات الأمم، وصياح البهائم والطير وغير ذلك، عدد حروفه وأصواته مائة وستون، لكل حرف وصوت صورة مفردة

وليس في سائر خطوط الأمم أكثر حروفا من هذين الخطين، لأن حروف اليوناني وهو المسمى الرومي في هذا الوقت اربعة وعشرون حرفا، ليس لهم حاء ولا خاء ولا عين ولا باء ولا هاء، وحروف السرياني اثنان وعشرون، والعبراني هو السرياني غير أن حروفه مقطعة ومنها ما لا يشبه صورته صورة السرياني والحميري، وهو قلم حمير المعروف بالمسند يقرب من السرياني، وحروف العربيّ بالخطين تسعة وعشرون حرفا، وما عدا ذلك من حروف الأمم يقرب بعضها من بعض وللفرس غير هذين الخطين الذين أحدثهما زرادشت خمسة خطوط منها ما تدخله اللغة النبطية، ومنها ما لا تدخله، وقد أتينا على شرح جميع ذلك، وما ذكروا له من المعجزات والدلائل والعلامات، وما يذهبون اليه في الخمسة القدماء عندهم «أورمزد» وهو الله عز وجل و «أهرمن» وهو الشيطان الشرير، و «كاه» وهو الزمان، و «جاى» وهو المكان، و «هوم» وهو الطينة والخميرة وحجاجهم لذلك، وعلة تعظيمهم للنيرين وغيرهما من الأنوار، والفرق بين النار والنور، والكلام في بدء النسل، وما كان من «ميشاه» وهو مهلا بن كيومرت، ومن «ميشانى» وهو مهلينة بنت كيومرت، وان الناس من الفرس يرجعون في أنسابهم إليهما، وغير ذلك من دياناتهم، ووجوه عباداتهم ومواضع بيوت نيرانهم فيما سمينا من كتبنا ومتكلمو الإسلام من أصحاب الكتب في المقالات، ومن قصد إلى الرد على هؤلاء القوم ممن سلف وخلف يحكمون عنهم أنهم يزعمون أن الله تفكر فحدث من فكره شر وأنه الشيطان وأنه صالحه وأمهله مدة من الزمان يفتنه فيها، وغير ذلك من مذاهبهم مما تأباه المجوس، ولا تنقاد اليه، ولا تقر به وارى ان ذلك حكاية عن بعض عوامهم ممن سمع يعتقد ذلك فنسب الى الجميع

وبهمن ملك مائة سنة واثنتي عشرة سنة، وخمانى ابنته ثلاثين سنة، ودارا الأكبر بن بهمن اثنتي عشرة سنة، ودارا بن دارا اربع عشرة سنة، وغلب الإسكندر ملكهم ست سنين قال المسعودي: وقد ذكرنا في آخر الجزء السابع من كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) لأية علة كثرت الفرس سنى هؤلاء الملوك وأسرارهم في ذلك وحروبهم مع ملوك الترك، وتسمى تلك الحروب «بيكار» معنى ذلك الإجهاد، وغيرهم من الأمم وحروب رستم بن دستان وإسفنديار ببلاد خراسان وسجستان وزابلستان وغير ذلك مما كان من الكوائن والاحداث في أيامهم وذكرنا في كتابنا في (اخبار الزمان، ومن أباده الحدثان، من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة) تنازع الناس في هؤلاء الفرس الأولى أهم الكلدانيون أم الملك أفضى اليهم عنهم؟ وقول من قال إن الكلدانيين انما زال ملكهم بالأثوريين ملوك الموصل، بعد ما كان بينهم من التحزب والحروب التي افنتهم، ومن قال إن أول مملكة كانت في إقليم بابل بعد الطوفان ملك نمرود الجبار ومن تلاه من النماردة، وكذلك هو في التوراة، وغير ذلك من التنازع في الأمم الذين بعدت عنا اعصارهم، وتقطعت أخبارهم، وقد نفى الله عز وجل الاحاطة بعلم أحوال القرون الخالية والأمم السالفة عمن سواه، لتقادم زمانها وبعد أيامها فقال سبحانه (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ من بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا الله) 14: 9

ذكر ما أدركه الإحصاء من ملوك الطوائف وهي الطبقة الرابعة من ملوك الفرس وجملة ما ملكوا من السنين

ذكر ما أدركه الإحصاء من ملوك الطوائف وهي الطبقة الرابعة من ملوك الفرس وجملة ما ملكوا من السنين كانت ملوك الطوائف نحوا من مائة ملك فرس ونبط وعرب، من حد بلاد أثور وهي الموصل إلى أقصى بلاد الأعاجم، وكان المعظمين منهم والذين ينقاد الباقون اليهم الأشغانيون، وهم من ولد أشغان بن أش الحبار بن سياوخش ابن كيقاوس الملك، وكانوا ينزلون في الشتاء العراق وفي الصيف الشيز من بلاد آذربيجان، وفيها الى هذا الوقت آثار عجيبة من البنيان والصور، بأنواع الاصباغ العجيبة من صور الأفلاك والنجوم والعالم وما فيه من بر وبحر وعامر ومعدن وخراب ونبات وحيوان وغير ذلك من العجائب ولهم فيها بيت نار معظم عند سائر طبقات الفرس يقال له «آذرخش» و «آذر» أحد أسماء النار بالفارسية و «الخش» الطيب وكان الملك من ملوك الفرس إذا ملك زاره ماشيا تعظيما له، وتنذر له النذور، وتحمل اليه التحف والأموال، وغير ذلك، من البلاد كالماهات، وأرض الجبال ولم يعد من ملوك الطوائف في التواريخ والسير الا الأشغانيون لما ذكرنا من عظم شأنهم واتساق ملكهم وكان أول من يعد منهم أشك بن أشك بن اردوان بن اشغان بن أش الجبار بن سياوخش بن كيقاوس الملك، ملك عشر سنين، وسابور بن أشك ستين سنة، وجوذرز بن أشك عشر سنين، بيزن بن سابور احدى وعشرين سنة جوذرز بن بيزن تسع عشرة سنة، نرسى بين بيزن أربعين سنة، هرمز بن

بيزن تسع عشرة سنة، اردوان الأكبر اثنتي عشرة سنة، خسرو بن أردوان أربعين سنة، بلاش بن خسرو أربعا وعشرين سنة، اردوان الأصغر ثلاث عشرة سنة فهذه جملة ما أدركه الإحصاء من ملوك الطوائف وسنى ملكهم، وهم أحد عشر ملكا ملكوا مائتي سنة وثماني وستين سنة وقد كانت لهم ملوك لم تعرف أسماؤهم ومدة سنى ملكهم، ولم يذكروا في شيء من كتب الفرس وغيرها من كتب الفرس وغيرها من كتب سير الملوك، لاضطراب أمر الملك في تلك الاعصار، والتنازع الواقع من اختلاف الكلمة، والتحزب وغلبة كل واحد منهم على صقعه، ولما نحن ذاكروه في آخر هذا الباب من فعل أردشير بابكان والصحيح عند من عنى بأخبار سوالف الأمم وملوكهم ان مدة ملوك الطوائف بعد قتل داريوش وهو دارا بن دارا الى قيام أردشير بن بابك خمسمائة سنة وثلاث عشرة سنة، وذلك أن من أول السنة التي ملك فيها الإسكندر بن فيلبس الملك المقدوني الى وقتنا هذا وهو سنة 345 للهجرة، ألف سنة ومائتين وسبعا وستين سنة، فإذا اسقط من ذلك ما بين سنة 345 وسنة 32 للهجرة وهي السنة التي قتل منها يزدجرد بن شهريار الملك وذلك ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة وما ملكت الفرس من الساسانية من السنين وهو أربعمائة وتسع وثلاثون سنة كان الّذي يبقى بعد ذلك من السنين منذ قتل الإسكندر لداريوش وهو دارا بن دارا الى قيام أردشير بن بابك خمسمائة سنة وثلاث عشرة سنة وهي مدة ملك ملوك الطوائف وقد ذكرنا جميع ما قيل في ذلك على الشرح والإيضاح في كتابنا في (أخبار الزمان) وفيما تلاه من الكتاب الأوسط ثم في (الجزء السابع من كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر) في النسخة الأخيرة، التي قررنا أمرها في هذا الوقت على ما يجب من الزيادات الكثيرة، وتبديل المعاني، وتغيير العبارات وهي

أضعاف النسخة الأولى التي ألفناها في سنة 332 وانما ذكرنا ذلك لاستفاضة تلك النسخة وكثرتها في أيدي الناس ثم في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) ثم في كتاب (ذخائر العلوم وما جرى في سالف الدهور) ثم في كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه وهو سابعها. وكل واحد من هذه الكتب تال لما قبله ومبنى عليه، وخصصنا كل كتاب منها بتلاقين وعبارات مما لم نخصص به الآخر إلا ما لا يسع تركه وبين الفرس وغيرهم من الأمم في تأريخ الإسكندر تفاوت عظيم، وقد أغفل ذلك كثير من الناس، وهو سرديانى وملوكي من أسرار الفرس لا يكاد يعرفه الا الموابذة والهرابذة وغيرهم من ذوى التحصيل منهم والدراية، على ما شاهدناه بأرض فارس وكرمان وغيرهما من أرض الأعاجم، وليس يوجد في شيء من الكتب المؤلفة لأخبار الفرس وغيرها من كتب السير والتواريخ، وهو أن زرادشت بن بورشسب بن اسبيمان ذكر في الأبستا- وهو الكتاب المنزل عليه عندهم- أن ملكهم يضطرب بعد ثلاثمائة سنة، ويبقى دينهم فإذا كان على رأس ألف سنة ذهب الدين والملك جميعا وكان بين زرادشت والإسكندر نحو من ثلاثمائة سنة، لان زرادشت ظهر في ملك كيبشتاسب بن كيلهراسب، على ما قدمنا من خبره فيما سلف من هذا الكتاب، وأردشير بن بابك حاز الملك وجمع الممالك بعد الإسكندر بخمسمائة سنة وبضع عشرة سنة، فنظر فإذا الّذي بقي الى تمام الالف سنة نحو من مائتي سنة، فأراد أن يمد الملك مائتي سنة أخرى، لانه خشي إن تمت مائتا سنة بعده أن يترك الناس نصرة الملك والذب عنه، ثقة بخير نبيهم في زواله، فنقص من الخمسمائة سنة والبضع عشرة سنة التي بينه وبين الإسكندر نحوا

من نصفها وذكر من ملوك الطوائف من ملك هذه السنين واسقط من عداهم، وأشاع في المملكة أن ظهوره واستيلاء على ملوك الطوائف وقتله أردوان أعظمهم شأنا وأكبرهم جنودا إنما كان في سنة مائتين وستين بعد الإسكندر، فأوقع التاريخ بذلك وانتشر في الناس فلهذا وقع الخلاف بين الفرس وغيرهم من الأمم واضطرب تأريخ سنى ملوك الطوائف لهذه العلة وقد ذكر ذلك أردشير بن بابك في آخر عهده الّذي أورثه من بعده من الملوك من ولده في سياسة الدين والملك فقال «ولولا اليقين بالبوار النازل على رأس الألف سنة لظننت أنى قد خلفت فيكم من عهدي، ما إن تمسكتم به كان علامة لبقائكم ما بقي الليل والنهار، ولكن الفناء إذا جاءت أيامه، أطعتم أهواءكم، واطرحتم آراءكم، وملكتم شراركم، وأذللتم خياركم» وذكر ذلك أيضا تنشر موبذ أردشير الداعي اليه والمبشر بظهوره في آخر رسالته الى ما جشنس، صاحب جبال دباوند، والري، وطبرستان، والديلم، وجيلان. فقال «ولولا أنا قد علمنا أن بلية نازلة على رأس الألف سنة لقلنا إن ملك الملوك قد أحكم الأمر للأبد، ولكنا قد علمنا أن البلايا على رأس الألف سنة، وأن سبب ذلك ترك أمر الملوك وإغلاق ما أطلق وإطلاق ما أغلق، وذلك للفناء الّذي لا بد منه، ولكنا وإن كنا أهل فناء فان علينا ان نعمل للبقاء ونحتال له إلى أمد الفناء، فكن من أهل ذلك، ولا تعن الفناء على نفسك وقومك، فان الفناء مكتف بقوته عن أن يعان، وأنت محتاج إلى أن تعين نفسك بما يزينك في دار الفناء، وينفعك في دار البقاء، ونسأل الله أن يجعلك من ذلك بأرفع منزلة وأعلى درجة»

ذكر ملوك الفرس الثانية وهم الساسانية، وهي الطبقة الخامسة من ملوكهم

ذكر ملوك الفرس الثانية وهم الساسانية، وهي الطبقة الخامسة من ملوكهم كان أولهم أردشير بن بابك بن ساسان بن بابك من ولد بهمن بن أسفنديار بن كيبشتاسب بن كيلهراسب، وهو الّذي أزال ملوك الطوائف، ويسمى ملكه «ملك الاجتماع» ملك أربع عشرة سنة وشهورا، ثم زهد في الملك وسلمه الى ولده سابور، وتفرد بالعبادة وبعد ملكه مذ قتل أردوان الملك وكان من أعظم ملوك الطوائف بالعراق، وقد ذكرنا السبب في مبدإ ظهور أردشير وخير داعيه تنشر الزاهد، وفي الناس من يسميه دوشر، وكان أفلاطونى المذهب من أبناء ملوك الطوائف، أفضى ملك أبيه إليه بأرض فارس، فزهد فيه وكيف دعا إلى أردشير وبشر بظهوره، وبث الدعاة في البلاد لذلك ووطأ له الأمر، حتى اجتمع له الملك، واستظهر على جميع ملوك الطوائف، ولتنشر رسائل حسان في أنواع السياسة الملوكية والديانية يخبر عن أردشير وحاله، ويعتذر عنه مما فعل في ملكه من أمور أحدثها في الدين والملك، لم تعهد لأحد من الملوك قبله، وأن ذلك هو الصلاح لما توجبه الأحوال في ذلك الزمان منها رسالته الى ما جشنس المقدم ذكرها ورسالته إلى ملك الهند وغيرهما من رسائله الثاني سابور بن أردشير ملك احدى وثلاثين سنة وستة أشهر وفي أيامه كان «مانى» واليه تضاف «المانوية» من أصحاب الاثنين الثالث هرمز بن سابور، ملك سنة وعشرة أشهر الرابع بهرام بن هرمز، ملك ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وقتل مانى وعدة من متبعيه وذلك بمدينة سابور فارس

الخامس بهرام بن بهرام، ملك سبع عشرة سنة وقيل ثماني عشرة السادس بهرام بن بهرام بن بهرام، ملك أربع سنين وأربعة أشهر السابع نرسى بن بهرام بن بهرام، ملك تسع سنين وستة أشهر الثامن هرمز بن نرسى، ملك سبع سنين وخمسة أشهر التاسع سابور ذو الأكتاف بن هرمز، ملك اثنتين وسبعين سنة العاشر أردشير بن هرمز، ملك أربع سنين الحادي عشر سابور بن سابور ذي الأكتاف، ملك خمس سنين وأربعة أشهر والثاني عشر بهرام بن سابور، ملك احدى عشرة سنة والثالث عشر يزدجرد الأثيم بن سابور، ملك احدى وعشرين سنة الرابع عشر بهرام جور بن يزدجرد، ملك ثلاثا وعشرين سنة، وهو الّذي نشأ عند ملوك الحيرة وبنى له الخورنق، لأمور قد ذكرناها فيما سلف من كتبنا وكان فصيحا بالعربية وله بها شعر صالح الخامس عشر يزدجرد بن بهرام جور، ملك ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وسبعة أيام السادس عشر فيروز بن يزدجرد، ملك سبعا وعشرين سنة، وقتله اخشنوار ملك الهياطلة السابع عشر بلاش بن فيروز ملك أربع سنين الثامن عشر قباذ بن فيروز، ملك ثلاثا وأربعين سنة، وفي أيامه كان «مزدق» الموبذ المتأول كتاب زرادشت المعروف بالابستاق، والجاعل لظاهره باطنا بخلاف ظاهره، وهو أول من يعد من أصحاب التأويل والباطن والعدول عن الظاهر في شريعة زرادشت واليه تضاف المزدقية

والتاسع عشر أنوشروان بن قباذ ملك ثماني وأربعين سنة وقتل مزدقا ومتبعيه، وقد أتينا على الفرق بين مذهب مزدق وما كان يذهب اليه في التأويل وبين ما ذهب اليه مانى، والفرق بين مانى ومن تقدمه من أصحاب الاثنين كابن ديصان ومرقيون وغيرهما وما ذهبوا اليه جميعا في الفاعلين وان أحدهما خير محمود مرغوب، والآخر شرير مذموم مرهوب منه والفرق بين هؤلاء جميعا، وما يذهب اليه الباطنية أصحاب التأويل في هذا الوقت في كتاب (خزائن الدين وسر العالمين) وأنوشروان أول من سن رسوم الخراج وبين وضائعه وكان فيما سلف مقاسمة وقد كان أبوه قباذ شرع في ذلك في آخر أيامه ولم يتمه، وقد ذكرنا ذلك في (كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) في باب ذكر السواد ومساحته ووصف طساسيجه وقسمته والعراق وحدوده من الأرض ووصف نهاياته في الطول والعرض والعشرون هرمز بن أنوشروان ملك اثنتي عشرة سنة وخالف عليه بهرام جوبين الرازيّ، فآل ذلك إلى أن سمل هرمز، ولا يعلم فيمن قبله وبعده من ملوك الفرس من سمل غيره والحادي والعشرون خسرو أبرويز بن هرمز، ملك ثماني وثلاثين سنة وقتله ابنه شيرويه بن أبرويز والثاني والعشرون شيرويه بن أبرويز قاتل أبيه واسمه قباذ ملك ستة أشهر والثالث والعشرون أردشير بن شيرويه ملك سنة وستة أشهر الرابع والعشرون شهربراز ملك أربعين يوما، وقد أتينا على خبره وسبب مقتله ومقتل غيره من فرسان الفرس وشجعانهم على طبقاتهم من الملوك وغيرهم ممن اجمع على تقديمه وتفضيله وشجاعته ومقاماته المشهورة وأيامه المذكورة في كتاب

لنا ترجمناه بكتاب (مقاتل فرسان العجم) معارضة لكتاب ابى عبيدة معمر بن المثنى في (مقاتل فرسان العرب) والخامس والعشرون كسرى بن قباذ، ملك ثلاثة أشهر السادس والعشرون بوران ابنة كسرى أبرويز، ملكت سنة وستة أشهر، وكان ملكها في السنة الثانية من الهجرة وفيها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بلغه تمليك الفرس إياها وما بينهم من التخريب والفتن «لا يفلح قوم يدبر أمرهم امرأة» السابع والعشرون فيروزجشنس بنده، ملك ستة أشهر الثامن والعشرون آزر ميدخت بنت كسرى أبرويز، ملكت ستة أشهر، وكان خرهرمز الآذرى أصبهبذ خرسان، وهو أبو رستم صاحب القادسية بالحضرة فطمع فيها وراسلها في الاجتماع معها فواعدته ليلا وأمرت صاحب الخرس بالفتك به ففعل ذلك، وكان رستم يخلف أباه بخراسان وقيل بآذربيجان وارمينية، فلما بلغه قتلها لأبيه سار اليها فقتلها به، وذلك في السنة العاشرة من الهجرة التاسع والعشرون فرخزاد خسرو بن أبرويز، ملك سنة الثلاثون يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز بن هرمز انوشروان بن قباذ ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور بن يزدجرد الأثيم بن سابور الأصغر بن سابور الأكبر ذي الأكتاف بن هرمز بن نرسى بن بهرام بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك ملك عشرين سنة وهو آخر ملوكهم والمقتول بمرو من بلاد خراسان سنة 32 في خلافة عثمان بن عفان وكانت للفرس مراتب أعظمها خمس هم وسائط بين الملك وبين سائر رعيته فأولها واعلاها «الموبذ» تفسيره حافظ الدين لأن الدين بلغتهم «مو» و «بذ» حافظ وموبذان موبذ هو رئيس الموابذة وقاضى القضاة ومرتبته عندهم عظيمة نحو من مراتب الأنبياء والهرابذة دون الموابذة في الرئاسة

والثاني الوزير واسمه «بزر جفر مذار» تفسير ذلك أكبر مأمور والثالث «الاصبهبذ» وهو أمير الأمراء وتفسيره حافظ الجيش، لأن الجيش «أصبه» و «بذ» حافظ على ما رتبنا والرابع «دبير بذ» تفسيره حافظ الكتاب، والخامس «هو تخشه بذ» تفسيره حافظ كل من يكد بيديه كالمهنة والفلاحين والتجار وغيرهم ورئيسهم ومنهم من يسميه «واستريوش» وكان هؤلاء المدبرين للملك والقوام به والوسائط بين الملك وبين رعيته، فاما «المرزبان» فهو صاحب الثغر لأن «المرز» هو الثغر بلغتهم «وبان» القيم وكانت المرازبة اربعة للمشرق والمغرب والشمال والجنوب كل واحد على ربع المملكة وللفرس كتاب يقال له «كهناماه» فيه مراتب مملكة فارس وانها ستمائة مرتبة على حسب ترتيبهم لها وهذا الكتاب من جملة «آئين نامه» تفسير «آئين نامه» كتاب الرسوم، وهو عظيم في الألوف من الأوراق، لا يكاد يوجد كاملا الا عند الموابذة وغيرهم من ذوى الرئاسات، والموبذ لهم في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 بأرض الجبال والعراق، وسائر بلاد الأعاجم انماذا بن اشرهشت وكان الموبذ قبله اسنديار بن اذرباد بن انميذ الّذي قتله الراضي بمدينة السلام في سنة 325 وقد أتينا على خبره وقصة مقتله وما ذكر من سببه مع القرمطى سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي صاحب البحرين في ذلك في أخبار الراضي من كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) وقد تنازع من عنى بأخبار الملوك والأمم في أنساب الفرس، وتسمية ملوكهم ومدة ما ملكوا، ولم نذكر من ذلك إلا ما ذكرته الفرس دون غيرهم من الأمم كالاسرائليين واليونانيين والروم، إذ كان ما يذهبون اليه في ذلك

خلاف ما حكته الفرس، وكانت الفرس أحق أن يؤخذ عنها وإن كان أخبارهم قد درست ومناقبهم قد نسيت ورسومهم قد انقطعت لمر الزمان وتتابع الحدثان فلا نذكر منها إلا اليسير، وكانوا أهل العز الشامخ والشرف الباذخ والرئاسة والسياسة، فرسانا في الوغي، صبرا عند اللقاء أدت اليهم الأمم الاتاوات، وانقادت إلى طاعتهم خشية صولتهم، وكثرة جنودهم وقد أتينا على تنازع الناس في أنساب فارس وتفرع أقاويلهم في ذلك في الجزء السابع من (كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهرة) وللبابليين ملوك قد ذكروا في كثير من الكتب والزيجات في النجوم مثل النمرود ومن تلاه من النماردة وسنحاريب ونصر، ومن كان بعده من ولده وغيرهم لم نعرض لذكرهم في هذا الكتاب للتنازع الواقع في اعدادهم وتسميتهم وسنى ملكهم وتقادم أيامهم، والفرس تذكر أن هؤلاء الملوك البابليين إنما كانوا خلفاء لملوكهم الأولى ومرازبة على العراق وما يليه من المغرب حيث كانت دار مملكتهم بلخ إلى أن انتقلوا عنها ونزلوا المدائن من أرض العراق، وكان أول من فعل ذلك خمانى ابنة بهمن بن إسفنديار قال المسعودي: ورأيت بمدينة إصطخر من أرض فارس في سنة 303 عند بعض أهل البيوتات المشرفة من الفرس كتابا عظيما يشتمل على علوم كثيرة من علومهم وأخبار ملوكهم وأبنيتهم وسياساتهم، لم أجدها في شيء من كتب الفرس «كخداى نامه» و «آئين نامه» و «كهناماه» وغيرها مصور فيه ملوك فارس من آل ساسان سبعة وعشرون ملكا منهم خمسة وعشرون رجلا وامرأتان قد صور الواحد منهم يوم مات شيخا كان أو شابا وحليته وتاجه ومخط لحيته وصورة وجهه وانهم ملكوا الأرض اربعمائة سنة وثلاثا وثلاثين سنة وشهرا وسبعة أيام، وانهم كانوا إذا مات ملك من ملوكهم صوروه على هيئته ورفعوه

إلى الخزائن كي لا يخفى على الحي منهم صفة الميت، وصورة كل ملك كان في حرب قائما، وكل من كان في أمر جالسا وسيرة كل واحد في خواصه وعوامه وما حدث في ملكه من الكوائن العظيمة والاحداث الجليلة، وكان تاريخ هذا الكتاب أنه كتب مما وجد في خزائن ملوك فارس للنصف من جمادى الآخرة سنة 113 ونقل لهشام بن عبد الملك بن مروان من الفارسية إلى العربية فكان أول ملوكهم فيه أردشير شعاره في صورته أحمر مدنر وسراويله لون السماء وتاجه أخضر في ذهب بيده رمح وهو قائم وآخرهم يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز، شعاره أخضر موشى وسراويله موشى لون السماء وتاجه أحمر قاتم بيده رمح معتمد على سيفه بأنواع الأصباغ العجيبة التي لا يوجد مثلها في هذا الوقت والذهب والفضة المحلولين ونحاسه محكوك، والورق فرفيري اللون عجيب الصبغ فلا أدرى أورق هو أم رق لحسنه وإتقان صنعته وقد أتينا على جمل من ذلك في الجزء السابع من (كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر) الحاوي لأخبار الفرس الأولى وهم الكيانيون، والطوائف من الأشغان، والأردوان وغيرهم، والساسانية وطبقاتهم وأنسابهم وملوكهم الى يزدجرد بن شهريار آخرهم، ومن أعقب منهم ومن لم يعقب وسيرهم وحروبهم وحيلهم ومكايدهم فيها، وكيفية غلبتهم على العراق وزوال ملك النبط، الاردوان منهم، والأرمان وضروب سياستهم الديانية والملوكية الخاصة منها والعامة، وعهودهم وخطبهم ورسائلهم ومبلغ سنى ملكهم وشعارهم، وما كان من الكوائن والأحداث أعصارهم، ومبدأ دين المجوسية وظهورها وخبر «زرادشت» نبيهم، وما جاء به وخطوطهم السبعة التي كانوا يكتبون بها وأحرف كل خط منها، ولما أفردوا أعيادهم من النواريز والمهرجان وعلة كل

نوروذ منها وغير ذلك من الأعياد، والعلة في إيقادهم النيران وصبهم المياه وشدهم الكساتيج في أوساطهم كشد النصارى الزنانير، وأسباب الملك وحاجة الناس إلى الملوك والتدبير والحوادث المنذرات بزوال الملك من فارس إلى العرب، وما كانوا يروونه عن أسلافهم ويتوقعونه من الدلائل والعلامات في ذلك واحتراس ملوكهم عن وقوعه، وضروب آنيتهم من المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمساكن، وغيرها وأحكامهم في خواصهم وعوامهم وما بنوا من المدن وكوروا من الكور، وحفروا من الأنهار وأثروا في الأرض من عجيب البنيان وبيوت النيران والعلة في عبادتهم إياها، وما قالوه في مراتب الأنوار، والفرق بين النار والنور، وأضداد الأنوار ومراتبها، ومراتب ذوى الرئاسات الملوكية والديانية من المرازبة والاصبهبذين والهرابذة والموابذة ومن دونهم، ورايات الفرس وأعلامهم وتشعب أنسابهم، وما قال الناس في ذلك، والبيوت المشرفة فيهم من أبناء الملوك وغيرهم، والشهارجة والدهاقين، والفرق بينهم وبين من سكن منهم في السواد وغيره من البلاد قبل ظهور الإسلام وبعده الى هذا الوقت المؤرخ وما تذكره الفرس في المستقبل من الزمان وينتظرونه في الآتي من الأيام من عود الملك اليهم ورجوعه فيهم وظهوره عليهم، وما يذكرون من دلائل ذلك ونذراته بتأثيرات النجوم وغيرها من الأمارات والعلامات، كظهور المنتظرين عندهم كبهرام هماوند وسشياوس وغيرهما، وما يكون من قصصهم وما يحدث في الأرض من الآيات، ووقوف الشمس نحوا من ثلاثة أيام وغير ذلك، وذلك الى مدة حدودها وأوقات قرورها رأينا الإضراب عن ذكرها في هذا الكتاب وقول من قال منهم بعد ظهور الإسلام أن الفرس من ولد إسحاق بن إبراهيم الخليل وما استشهدوا به على ذلك من اشعار ولد معد بن عدنان في افتخارهم بالفرس على اليمانية، وانهم من ولد أبيهم إبراهيم، كقول جرير بن عطية بن الخطفى التميمي

مفتخرا لنزار على اليمن أبونا خليل الله لا تنكرونه ... فأكرم بإبراهيم جدا ومفخرا وأبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا ... حمائل موت لابسين السنورا إذا افتخروا عدوا الصبهبذ منهم ... وكسرى وعدوا الهرمذان وقيصرا أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا ... أب كان مهديا نبيا مطهرا ويجمعنا والغر أبناء فارس ... أب لا نبالى بعده من تأخرا أبونا خليل الله والله ربنا ... رضينا بما أعطى الإله وقدرا وكقول إسحاق بن سويد العدوي، عدي قريش إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد ... أتى فخرنا أعلى عليها وأسودا ملكناهم بدء بإسحاق عمنا ... وكانوا لنا عونا على الدهر أعبدا ويجمعنا والغر أبناء فارس ... أب لا تبالي بعده من تفردا وكقول بعض النزارية وإسحاق وإسماعيل مدا ... معالي الفخر والحسب اللبابا فوارس فارس وبنو نزار ... كلا الفرعين قد كبرا وطابا وأن الفرس قد كانت في سالف الدهر تقصد البيت الحرام بالنذور العظام تعظيما لإبراهيم الخليل عليه السلام بابنه وأنه عندهم أجل الهياكل السبعة المعظمة، والبيوت المشرفة في العالم. وأن رجلا تولاه فأعطاه المدة والبقاء، واستشهدوا بقول بعض العرب في الجاهلية زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم وقول من قال منهم إن منوشهر الّذي ترجع اليه الفرس جميعا في أنسابها هو منشخر بن منشخر باغ، وهو يعيش بن ويزك وويزك هو إسحاق بن إبراهيم

الخليل واستشهادهم بقول بعض شعراء الفرس في الإسلام مفتخرا أبونا ويزك وبه أسامى ... إذا افتخر المفاخر بالولادة أبونا ويزك عبد رسول ... له شرف الرسالة والزهادة فمن مثلي إذا افتخرت قروم ... وبيتي مثل واسطة القلادة وقول من قال منهم جميعا: إن الملك سينقل من ولد إسماعيل الى ولد إسحاق، وهذا هو الأغلب على ما ظنه أهل عصرنا من أصحاب التأويل مع من ينازعهم، هل ذلك في ولد العيص، أم في المصطفين من ولد آل عمران. ولذوي المعرفة منهم في ذلك ألغاز ورموز وأغراض وغير ذلك من أخبارهم والغرر من أيامهم، مما أخذناه عن علمائهم، كالموابذة والهرابذة وغيرهم من ذوى المعرفة بأخبارهم بأرض العراق وخوزستان وفارس وكرمان وسجستان والماهات وغير ذلك من أرض الأعاجم، ونقلناه من الكتب الصحيحة المشهورة عندهم وكتاب (مروج الذهب) يشتمل على الاخبار عن بدء العالم وأوليته وأقاويل الأمم في ذلك من أصحاب القدم والحدث، وما احتج به كل فريق منهم لقولهم على تباينهم والخلق وتفرقهم على الأرض والأنبياء وشرائعهم والملوك وسيرهم وسياساتهم، والأمم وآرائهم ونحلهم وشيمهم وأخلاقهم ومساكنهم من أخبار العرب والفرس والسريانيين واليونانيين والروم والهند والصين وغيرهم من الأمم ومن كان فيهم من الأطباء والحكماء والفلاسفة القدماء والنواحي والافاق والأرض وشكلها وقسمتها وما على ظهرها من عجيب البنيان والعامر منها والنامر، والأفلاك وهيأتها والنجوم وكيفية تأثيراتها في هذا العالم الأرضي ووصف الأقاليم السبعة ومقاديرها وأطوالها وعروضها والبحار وخلجانها

ذكر ملوك اليونانيين ومدة ما ملكوا من السنين

والمتصل منها والمنفصل، وما فيها وحولها من العجائب، وما كان من الأرض برا فصار بحرا، وبحرا فصار برا على مرور الأزمان وكرور الدهور وعلة ذلك وسببه الفلكي والطبيعي، والأنهار ومبادئها ونهاياتها وأخبار الأمم الداثرة والممالك البائدة، وجامع تاريخ العالم والأنبياء والملوك من آدم إلى نبينا صلّى الله عليه وسلّم ومولده ومبعثه وهجرته ومغازيه وسراياه وسواربه الى وفاته والخلفاء والملوك من بعده وكتابهم ووزرائهم والغرر من اخبارهم، وما كان من الكوائن والاحداث والحروب في أيامهم الى سنة 345 في خلافة المطيع، وهو مجزأ على ثلاثمائة وخمسة وستين جزءا، فإذا اجتمع كانت سمته كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) وإذا افترق كان كل جزء منه كتابا قائما بنفسه مضافا إلى ما اشتمل عليه وأفرد له ذكر ملوك اليونانيين ومدة ما ملكوا من السنين عدة ملوك اليونانيين من فيلبس أبى الإسكندر الى قلوبطرة آخرهم ستة عشر ملكا وجملة ما ملكوا من السنين مائتا سنة وثلاث وتسعون سنة وثمانية عشر يوما، وذلك موجود في قانون ثاون الإسكندراني وغيره وقد ذهب قوم ممن عنى باخبار سير الملوك وتواريخ الأمم الى أن عدة ما ملكوا من السنين ثلاثمائة سنة وثلاث سنين وقيل في عدة ملوكهم ومدة سنيهم أكثر من ذلك وأقل، غير أن الأشهر ما ذكرناه وكان أول من يعد من ملوك اليونانيين في التاريخ المقدم للحنفاء والقوانين والزيجات في النجوم وغيرها فيلبس ابو الإسكندر ملك سبع سنين

وكان لليونانيين قبله ملوك سلفوا يتنازع في اعدادهم وسماتهم ومدة ما ملكوا من السنين الثاني ابنه الإسكندر الملك، ملك خمس عشرة سنة تسعا منها قبل قتله دارا بن دارا وستا بعد قتله إياه على ما في ذلك من التنازع في مدة ملكه بين المجوس والنصارى وغيرهم وأفضى الملك اليه وله ست وثلاثون سنة، والعوام تكثر من سنيه وهذا هو المعول عليه الثالث ابطليموس اورنداس، ملك سبع سنين الرابع ابطليموس الكصندرس ملك اثنتين وعشرين سنة، وهو الّذي نقلت له التوراة نقلها اثنان وسبعون حبرا بالإسكندرية من بلاد مصر من اللغة العبرانية الى اليونانية وقد ترجم هذه النسخة الى العربيّ عدة ممن تقدم وتأخر منهم حنين بن إسحاق، وهي أصح نسخ التوراة عند كثير من الناس فاما الإسرائيليون من الأشعث وهم الحشر والجمهور الأعظم، والعنانية وهم ممن يذهب الى العدل والتوحيد، فيعتمدون في تفسير الكتب العبرانية التوراة والأنبياء والزبور وهي أربعة وعشرون كتابا وترجمتها الى العربية على عدة من الإسرائيليين المحمود بن عندهم قد شاهدنا أكثرهم منهم أبو كثير يحيى بن زكريا الكاتب الطبراني اشمعثى المذهب، وكانت وفاته في حدود العشرين والثلاثمائة، ومنهم سعيد بن يعقوب الفيومى اشمعثى المذهب أيضا، وكان قد قرأ على ابى كثير وقد يفضل تفسيره كثير منهم، وكانت له قصص بالعراق مع رأس الجالوت داود بن زكى من ولد داود واعتراض عليه وذلك في خلافة المقتدر وتحزب من اليهود لأجلهما وحضر في مجلس الوزير على بن عيسى وغيره من الوزراء والقضاة وأهل العلم لفصل ما بينهم وترأس الفيومى على كثير منهم، وانقادوا اليه، وكانت وفاته بعد الثلاثين

والثلاثمائة، ومنهم داود المعروف بالقومسى، وكانت وفاته سنة 334، وكان مقيما بيت المقدس، وإبراهيم البغدادي ولم اشاهدهما وقد كانت جرت بيننا وبين ابى كثير ببلاد فلسطين والأردن مناظرات كثيرة في نسخ الشرائع والفرق بين ذلك، وبين اعبدا وغير ذلك، وبين يهودا ابن يوسف المعروف بابن أبى الثناء تلميذ ثابت بن قرة الصابئ في الفلسفة والطب في الرقة من ديار مضر وبين سعيد بن على المعروف بابن اشلميا بالرقة أيضا وكذلك بين من شاهدنا من متكلميهم بمدينة السلام مثل يعقوب بن مردويه ويوسف بن قيوما وآخر من شاهدنا منهم ممن تقدم إلينا من مدينة السلام بعد الثلاثمائة إبراهيم اليهودي التستري، وكان أحذق من تأخر منهم في النظر وأحسنهم تصرفا فيه الخامس ابطلميوس الأريب، ملك سبعا وعشرين سنة السادس ابطلميوس محب أخيه، ملك ستا وعشرين سنة السابع ابطلميوس الصانع، ملك خمسا وعشرين سنة الثامن ابطلميوس محب أبيه، ملك سبع عشرة سنة التاسع ابطلميوس الظاهر، ملك أربعا وعشرين سنة العاشر ابطلميوس محب أمه، ملك عشرين سنة الحادي عشر ابطلميوس الحوال، ملك ثلاثا وعشرين سنة الثاني عشر ابطلميوس المخلص، ملك سبع عشرة سنة الثالث عشر ابطلميوس الكصندرس أيضا، ملك عشرين سنة الرابع عشر ابطلميوس قساس، ملك ثمانية عشر يوما الخامس عشر ابطلميوس ديونسيوس، ملك تسعا وعشرين سنة السادس عشر قلوبطرة ابنة ابطلميوس، ملكت اثنتين وعشرين سنة، وكانت

حكيمة ولها كتب في الرقية وغيرها، وليس ابطلميوس القلوذى صاحب كتاب المجسطي وغيره من الكتب من هؤلاء البطلميوسين ولم يكن ملكا وقد بينا ذلك في كتاب أخبار ملوك الروم الأولى فيما يرد من هذا الكتاب في ملك أنطونيوس بيوس مجملا وفيما تقدمه من الكتب مشروحا وأتينا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) على أخبار اليونانيين وأنسابهم وآرائهم وديارهم والتنازع في بدء أنسابهم ومن قال انهم من ولد يونان بن يافث بن نوح، ومن قال بل هو يونان بن ارعوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، ومن قال بل هو يونان بن عابر أخو قحطان بن عابر ومن ذهب إلى أنهم من ولد أليفز بن العيص بن إسحاق ابن إبراهيم وانهم اخوة الروم وغير ذلك من الأقاويل وكيفية غلبة الروم عليهم ودخولهم في جملتهم حتى زال اسمهم وانقطع ذكرهم ونسب الجميع إلى الروم بغلبة أوغسطس الملك عليهم عند خروجه من رومية ومسيره إلى الشأم ومصر وتنازع الناس في الفلاسفة كفيثاغورس وثاليس وانباذقليس والرواقيين وأصحاب الاصطوان وأميروس وأرسيلاوس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وثاوفرسطس وثامسطيوس وأبقراط وجالينوس وغيرهم من الفلاسفة والأطباء أروم هم أم يونانيون وما ذكرنا من الشواهد من كتبهم انهم يونانيون، وقول من قال إنهم روم وسير ملوكهم وحروبهم وأخبار الإسكندر وسيره ومسيره في مشارق الأرض ومغاربها، وما وطئ من الممالك، ولقي من الملوك، وبنى من المدن، ورأى من العجائب وأخبار الردم وهو سد يأجوج ومأجوج وما كان بينه وبين معلمه أرسطاطاليس بن نيقوماخس، صاحب كتب المنطق وغيرها، وتفسير «أرسطاطاليس» الغداء التام وقيل تام الفضيلة لأن أرسطو هو الفضيلة، وطاليس تام، وتفسير «نيقوماخس» قاهر الخصم من الرسائل والمكاتبات في

ضروب السياسات الملوكية والديانية وغير ذلك، وتنازع الناس في الإسكندر أهو ذو القرنين أم غيره؟ وما قيل في ذلك وما كان من أخبار خلفائه بعده كانطيخس الباني مدينة انطاكية وإلى اسمه أضيفت فعربتها العرب فسمتها أنطاكية، وكسليقس الباني مدينة سلوقية وغيرهما، وما كان بينهم وبين من كان بالإسكندرية من بلاد مصر من الحروب، وأخبار الفلاسفة وآرائهم الإلهيين منهم والطبيعيين، ومن قتل منهم، وما كانوا عليه من الآراء إلى عهد سقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس من الفلسفة المدينة، وما أحدثوه من الآراء خلافا على من تقدم ومباينة للفلسفة الأولى الطبيعية التي اليها كان يذهب فوثاغورس وثاليس الملطي، وعوام اليونانيين، وصابئو المصريين الّذي بقيتهم في هذا الوقت صابئو الحرانيين، وقد ذكر ذلك أرسطاطاليس في كتابه في الحيوان، وهو تسع عشرة مقالة فقال ولما كان منذ عشرين سنة من زمن سقراط مال الناس عن الفلسفة الطبيعية إلى الفلسفة المدنية وما ذهب اليه سقراط ومن رأى رأيه ممن سميناه في الموجود الأول الّذي اقتبست الموجودات وجودها عنه وكيف يفيض عليها بجوده، وكيف حصلت الموجودات عنه، وعلى أي شيء هي سبب وجودها، وغاية لها، وعلى أي جهة ينبغي أن يعتقد، وكيف ترتيب مراتبها في الوجود، وكيف ارتبط بعضها ببعض، وبأي شيء ارتبطت وائتلفت، ومن أي شيء موادها، وما جواهر الأجسام الطبيعية التي تحتوى عليها الأجسام السمائية، وهي الأجسام الهيولانية، وما مراتب الروحانيين، وما فوض إلى كل واحد منهم من التدبير؟ ونفس الإنسان وكم قواها وما فعل كل واحد منها ومراتب بعضها في بعض، وإحصاء جمل أعضائها ومراتبها؟ وأي القوى هي الرئيسة، وما مراتبها، ومن انتهى في الرئاسة، وايها المخدومة وايها الخادمة؟ وكيف

يحدث العقل في الإنسان، وكيف فعل العقل الفعال في الحر الناطق، وتنازع الناس في السعادة المطلوبة التي لها كون الإنسان، وما الشقاء الّذي يصير اليه إذا حاد عن طريق العادة؟ وذكر المنام وأصناف الرؤيا، ولأى جزء من أجزاء النفس ذلك، وما الرؤيا الصادقة، ومن اين تحصل للنفس وكيف صارت الصادقة تدل، وعلى أي جهة تدل؟ وكيف الطريق إلى علم عبارة الرؤيا، وما الحاجة الى الاجتماعات الانسانية، وأصناف الاجتماعات وهي التي بها يتعاونون على بلوغ أغراضهم التي اليها يأتمون، وايها عظمي وايها وسطى وايها صغرى؟ وما الاجتماع المدني الّذي يكون في المدينة الفاضلة، وما المدينة الفاضلة، وما مراتب اجزائها، ومراتب رئاساتها، وكيف صارت منزلة أجزاء هذه المدينة منزلة أعضاء الحيوان من الحيوان، فإنهم يتعاونون على تكميل السعادة للإنسان كما يتعاون أعضاء الحيوان على تكميل حياة الحيوان؟ وكيف ينبغي ان يكون ملك هذه المدينة ورئيسها الأول؟ واى علامات وشرائط ينبغي ان يكون فيه من مولده وفي صبائه وحداثته يرشح بها لملك المدينة الفاضلة والفضائل التي يصير بها سائسا كاملا ورئيسا فاضلا، وبأي آداب وصناعات يؤدب فتمكن فيه حتى تحصل له مهنة الملكية الفاضلة؟ وفي اى الأمم يوجد ذلك في الأغلب، وفي ايها في النادر، وهل هو جزء من أجزاء المدينة أم غيرها، على ما في ذلك من التنازع بين أفلاطون وأرسطاطاليس، على حسب ما ذكره أفلاطون في كتاب (الفحص عن ملك المدينة الفاضلة) الّذي هو الفيلسوف في الحقيقة وذكره أرسطاطاليس في كتابه في (السياسة المدنية) وعدد أجزاء هذه المدينة ومثلها الطبيعية وكيف ينبغي ان تكون الرئاسات التي تتبع الرئيس الأول في هذه المدينة، وبماذا تكمل وتلتئم تلك الرئاسات؟ وكم أصناف المدن المضادة للمدينة الفاضلة، كالمدن الجاهلية والمدن الضالة والمدن الفاسقة ومراتب ملوكهم ورئاساتهم، ونحو ماذا يؤمون وعلى

بلوغ اى غرض يتعاونون، وما أصناف السعادات التي تصير اليها أنفس أهل المدينة الفاضلة في الحياة الآخرة وأصناف الشقاء التي تصير اليها أنفس أهل المدن المضادة للمدينة الفاضلة في الحياة الآخرة، وما الأشياء التي ينبغي أن يعلمها ويعمل بها أهل المدينة الفاضلة باشتراك وعلى العموم لينالوا بها السعادة الكاملة المطلوبة، وما العلامات التي يتميز بها أهل المدينة الفاضلة من باقي الأمم والمدن المضادة لهم وما ينبغي ان تكون عليه أحوال أهل المدينة الفاضلة متى لم تكن لهم مدينة تخصهم وكانوا غرباء في المدن المضادة لمدينتهم، وذكر الأصول الفاسدة التي منها تفرعت أصناف الآراء والاجتماعات والمدن والرئاسات الجاهلية والأصول الفاسدة التي منها تنشأ أصناف الآراء والاجتماعات والمدن والرئاسات الضالة، وقولهم في الأوائل بها وجود سائر الموجودات وهي الأول أكملها وجودا إذ لم يكن وجوده لأجل غيره ووجود كل ما سواه لأجله، والأشياء منه لا هو منها، اقتبست وجودها من وجوده، فهو كل الأشياء. وليست الأشياء هو، ومعرفته الواجبة ألّا طريق اليه الا منه ولا سبيل اليه الا به إذا كانت العلة لا يدركه معلول ولا محدث قديما ولا مخلوق خالقا، والثواني التي تليه في الوجود ومراتبها بحسب مراتب الأجسام السمائية وعددها على عددها، والعقل الفعال، والنفس، والصورة، والهيولى، وأن باقي الموجودات هي الأجسام، وأجناسها ستة، الجسم السمائى، والحيوان الناطق، والحيوان غير الناطق، والنبات، والأجسام الحجرية، وهي المعدنية، والاستقصات الأربعة وهي النار، والهواء، والماء، والأرض وما ذهبوا اليه في العقل الأول والثاني، والنفس وما تحت ذلك من الطبائع وأن العقل هو العلة المتوسطة بين الله عز وجل، وبين خلقه، والسبب الّذي شرفت به النفس الناطقة في عالمها، والمرآة التي بها تنظر الى محاسنها ومساويها وبها تتأمل صور مهالكها ومناجيها، وقولهم في النفس الناطقة وغيرها من

النفوس كالنزاعية والتخيلية والحسية والبهيمية، وما يرتبط منها بالأجسام السمائية التي هي على اعدادها ومقسومة عليها، وأن النفس الناطقة جوهر بسيط من جوهر الحي الّذي لا يموت، وأن موتها انتقالها من جسم الى جسم، وأنها إذا فارقت البدن عاينت كل ما في العوالم، ولم يخف عليها خافية، وأن غرضها وغايتها القصوى السعادة واللحاق بعالم العقل، وهي الإنسان على الحقيقة والعلة في نزولها من عالم العقل إلى عالم الحس، حتى نسيت بعد الذكر، وجهلت بعد العلم، وقول من رأى ذلك منهم، ولأية علة صار الإنسان العالم الصغير، وما اجتمع فيه وشبه به من سائر الأشياء، وما الاتصال والنسبة بين العوالم، عند من ذكرنا قوله؟ وما ذهب اليه أرسطاطاليس في أزلية العلة والمعلول، وذكره ذلك في المقالة الاولى من كتابه في (سمع الكيان) وفي المقالة الثامنة منه أيضا، وهو ثماني مقالات، وفي كتاب (السماء والعالم) وهو أربع مقالات، وفي كتاب (ما بعد الطبيعة) وهو ثلاث عشرة مقالة وقول سائر أهل الشرائع مع تنازعهم وغيرهم من أصحاب القدم في المعاد بعد مفارقة النفوس الأجساد، وقول أصحاب التأويل وغيرهم في الروح اللطيف الغير محسوس، والكثيف المحسوس، وغير ذلك من حدودهم المؤيد منها والمقصود وسائر الآراء والنحل قال المسعودي: وأرسطاطاليس هو تلميذ أفلاطون. وأفلاطون تلميذ سقراط وسقراط تلميذ أرسيلاوس، في الطبيعيات- دون غيرها من العلوم- وتفسير «أرسيلاوس» رأس السباع، وأرسيلاوس تلميذ انكساغورس وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) الفلسفة وحدودها، والأخبار من كمية أجزائها وما ذكره فوثاغورس. وثاليس

الملطي، والرواقيون، وأفلاطون، وأرسطاطاليس وغيرهم. وتنازعهم في ذلك وصفة الفيلسوف الّذي يجب له في الحقيقة هذا الاسم، ويطلق عليه، وكيفية سيرته وأخلاقه وأوصافه وصورته. ومراتب الفلسفة، وعلى ماذا استقرت وكيف وقعت التعاليم بها إلى هذا الوقت، والى ماذا انتهت، والغرض من كتب المنطق ووصفها والحاجة التي دعت إلى تأليف كتب المنطق وما المنفعة التي تستفاد منها. ولم صارت ثمانية كتب. وما العلة في هذا الترتيب، وما الغرض المقصود في كل واحد منها، وما الأشياء التي ينبغي أن يبتدئ بالنظر فيها من أراد قراءة كتب المنطق. وفي أي صنف من الصناعات تدخل صناعة الفلسفة. وكم حدودها. وإلى من يضاف كل حد منها من الفلاسفة، ومن أي الجهات استخرجت حدودها. وما معنى كل حد منها. وكم أقسام الفلسفة الاوالى والثواني، ولم قسمت بهذه القسمة وجرت قسمتها هذا المجرى؟ ولأية علة ابتدئ بالفلسفة المدنية من سقراط ثم أفلاطون ثم أرسطاطاليس ثم ابن خالته ثاوفرسطس ثم أوذيمس، ومن تلاه منهم واحدا بعد آخر، وكيف انتقل مجلس التعليم من أثينة الى الاسكندرية من بلاد مصر، وجعل أوغسطس الملك لما قتل قلوبطرة الملكة التعليم بمكانين الاسكندرية ورومية، ونقل تيدوسيوس الملك الّذي ظهر في أيامه أصحاب الكهف التعليم من رومية، ورده إياه الى الاسكندرية؟ ولأى سبب نقل التعليم في أيام عمر بن عبد العزيز من الاسكندرية الى أنطاكية، ثم انتقاله الى حران في أيام المتوكل؟ وانتهى ذلك في أيام المعتضد إلى قويرى ويوحنا بن حيلان، وكانت وفاته بمدينة السلام في أيام المقتدر وإبراهيم المروزي، ثم الى أبى محمد بن كرنيب وأبى بشر متى بن يونس تلميذي إبراهيم المروزي، وعلى شرح متى لكتب أرسطاطاليس المنطقية يعول الناس في وقتنا هذا، وكانت وفاته ببغداد في خلافة الراضي، ثم الى أبى نصر محمد

ذكر ملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء وهم الصابئون والمنتصرة وعدتهم، وجملة ما ملكوا من السنين

ابن محمد الفارابيّ تلميذ يوحنا بن حيلان وكانت وفاته بدمشق في رجب سنة 339 ولا أعلم في هذا الوقت أحدا يرجع اليه في ذلك الا رجلا واحدا من النصارى بمدينة السلام يعرف بأبي زكريا بن عدي، وكان مبدأ أمره ورأيه وطريقته في درس طريقة محمد بن زكريا الرازيّ، وهو رأى الفوثاغوريين في الفلسفة الاولى على ما قدمنا فلنذكر الآن ملوك الروم على طبقاتهم، الصابئين منهم والمتنصرة. وجملة ما ملكوا من السنين، وما كان من الحوادث العظيمة في أيامهم وبلادهم وغير ذلك من أخبارهم ذكر ملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء وهم الصابئون والمنتصرة وعدتهم، وجملة ما ملكوا من السنين عدة ملوك الروم جميعا من غائيوس قيصر أول ملوكهم الى قسطنطين بن لاون بن بسيل الملك عليهم في هذا الوقت وهو سنة 345 في خلافة المطيع ثمانية وسبعون ملكا من ذلك الملوك الصابئون المسمون بالحنفاء قبل النصرانية أربعون ملكا، والمنتصرة من قسطنطين بن هيلانى الى قسطنطين بين لاون هذا ثمانية وثلاثون ملكا وجملة ما ملكوا من السنين تسعمائة وست وستون سنة وشهر من ذلك الصابئون ثلاثمائة وأربع وسبعون سنة وثلاثة أشهر، والمنتصرة الى ملك قسطنطين ابن لاون خمسمائة واحدى وتسعون سنة وعشرة أشهر

ذكر الطبقة الاولى من ملوك الروم، وهم الصابئون

ذكر الطبقة الاولى من ملوك الروم، وهم الصابئون كان أول من يعد ممن ملك منهم برومية غائيوس قيصر، ملك ثماني عشرة سنة، وقد كان ملك بها قبله ملوك أولهم روملس وأرمانوس، البانيان لها المعروفان بابني الذئبة، والى اسمهما أضيفت رومية وأضيف الروم الى اسمهما وغيرهما من الملوك، غير أن غائيوس أول من يعد في التاريخ القديم وقيل إن أول من ملك الروم رهماساطوخاس وهو جائيوس الأصفر بن روم ابن سملاحين بن هريا بن علقا بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الثاني من ملوك رومية يوليوس، ملك اربع سنين وأربعة أشهر والثالث اوغسطس وتفسير «اوغسطس» باللغة الافرنجية الاولى الضياء وسمى «قيصر» تفسير ذلك بهذه اللغة شق عنه، وذلك أنهم ذكروا أن أمه ماتت وهي مقرب به فشق عنه بطنها واستخرج، وصار ذلك كالسمة لكثير من ملوكهم. واشتهر ذلك عنهم فسمتهم العرب بالقياصرة، ملك ستاً وخمسين سنة وخمسة أشهر وأكثر من عنى بأخبار ملوك الروم وتواريخهم، بأوغسطس يبتدئ لأنه أول ملك من ملوك الروم خرج عن مدينة رومية دار مملكته وسير جنوده براً وبحرا، فاستولى على ملك اليونانيين ومصر والشام. وقتل قلوبطرة، آخر ملوك اليونانيين، فاجتمع له ملك الروم واليونانيين وزالت رسوم اليونانيين فسمى الجميع روما، وذلك لاثنتي عشرة سنة خلت من ملكه، وولى هيرودس بن أنطيقوس على أورشلم وهي بيت المقدس وجبل يهودا وجبل الجليل ولاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه كان مولد المسيح عليه السلام ببيت

لحم من بلاد فلسطين، يوم الأربعاء لست بقين من كانون الأول وكانت مريم يوم ولدته بنت ثلاث عشرة سنة عند النصارى، وكان جميع عمرها إحدى وخمسين سنة منها بعد رفع المسيح ست سنين فكان من آدم إلى مولده عندهم خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة وست سنين، ومن زوال ملك قلوبطرة آخر من ملك اليونانيين على ما قدمنا في هذا الكتاب إلى مولده ثلاثون سنة الرابع طيباريوس قيصر، ملك ثلاثا وعشرين سنة، وهو الّذي بنى مدينة طبرية من بلاد الأردن من أرض الشأم، والى اسمه أضيفت فعربتها العرب حين افتتحت البلاد فقالت طبرية ولخمس عشرة سنة خلت من ملكه عمد ايشوع الناصري عند النصارى في نهر الأردن، وكان المعمد له ابن خالته يحيى بن زكريا، ولذلك سمى يحيى المعمدانى واسم أمه صابات وكان أكبر من ايشوع بستة أشهر ولسبع عشرة سنة خلت من ملكه وهي سنة 342 للإسكندر بن فيلبس الملك كان عند النصارى صلب ايشوع الناصري، وذلك في يوم الجمعة الثالث والعشرين من آذار، وهو عندهم منه في مثل اليوم الّذي أهبط فيه آدم من الجنة، ومات عندهم ودفن وقام وانبعث من بين الموتى حيا، وصعد إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، ولا يصعد عندهم إلى السماء إلا من نزل منها وكان فصح اليهود في هذه السنة يوم السبت لسبع بقين من آذار، وفصح النصارى إلى قيامة المسيح يوم الأحد لست بقين من أذار، والصعود يوم الخميس لثلاث خلون من نيسان والنصارى تصوم يوم الأربعاء، لأن ايشوع ولد فيه، والجمعة لأنه صلب

فيه عندهم تطوعا لا فريضة الخامس غائيوس بن طيباريوس ملك أربع سنين وقتل اصطفنوس رئيس الشمامسة والشهداء عند النصارى، ويعقوب أخا يوحنا بن زبدي في خلق كثير من النصارى السادس قلوذيوس بن طيباريوس، ملك أربع عشرة سنة، وفي أول سنة من ملكه قتل أغريفوس عامله على الإسرائيليين يوحنا بن زبدي أحد التلاميذ وحبس شمعون الصفا، ثم خلص شمعون الصفا من الحبس، وصار إلى مدينة انطاكية، والنصارى يدعونها مدينة الله، ومدينة الملك، وأم المدن، لأنها أول بلد أظهر فيه دين النصرانية، وبها كرسي بطرس ويسمى شمعون وسمعان، وهو خليفة ايشوع الناصري والمرأس على سائر التلاميذ الاثني عشر والسبعين وغيرهم، فشرع بطرس في بناء الكنيسة المعروفة في انطاكية بالقسيان إلى هذا الوقت وفي السنة الثالثة من ملكه دخل شمعون الصفا مدينة رومية، وسقف بها ودبرها سنين، ودانت امرأة الملك، وكان اسمها فروطانيقى ويقال لها بطريقية النصرانية، وصارت إلى أورشلم وهي بيت المقدس فأخرجت الخشبة التي تظن النصارى أن المسيح صلب عليها، ويسمونها صليب المسيح. وكانت في أيدي اليهود، قد منعوا النصارى منها فأخذتها منهم وردتها على النصارى وقوت أمرهم ونحن ذاكرون لمعا من أخبار هذه الخشبة وإلام آل أمرها في قصة هيلانى أم قسطنطين فيما يرد من هذا الكتاب، وإن كنا قد أتينا على شرح ذلك فيما سلف من كتبنا السابع نيرون بن قلوذيوس ملك ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، ولثلاث

عشرة سنة خلت من ملكه قبل بطرس، وبولس بمدينة رومية وصلبهما منكسين وذلك بعد ايشوع باثنتين وعشرين سنة وقد أتينا على خبر بطرس بمدينة رومية مع سيمن المصري، الّذي تسميه النصارى جميعا إلا الأريوسية «الساحر» وكان صحب ايشوع ثم خالفهم فيما سلف من كتبنا وفي السنة الثامنة من ملكه وثبت اليهود بأوريشلم، فيما ذكرت النصارى على يعقوب بن يوسف أخى ايشوع الناصري عندهم في الجسمية، وكان أول أساقفة بيت المقدس، وألقوه على رأسه من أعلى الهيكل فمات لامتناعه من الرجوع الى مذهبهم ومقامه على دين النصرانية ودفن الى جانب الهيكل وهدموا البيعة وأخذوا خشبة الصليب وخشبتي اللصين فدفنوها في قبر واحد وفي أيام هذا الملك فيما قيل كان مارينوس الحكيم صاحب كتاب جغرافيا في صورة الأرض وشكلها وبحارها وأنهارها وعامرها وغامرها وقد ذكره ابطلميوس القلوذى في كتاب جغرافيا في صورة الأرض وشكلها أيضا وأنكر عليه أشياء ذكرها الثامن غلباس، ملك سبعة أشهر التاسع اوثون، ملك ثلاثة أشهر العاشر بيطاليس ملك ثمانية أشهر الحادي عشر اسباسيانوس، ملك تسع سنين وسبعة أشهر، ووجه بابنه طيطوس في السنة الثانية من ملكه الى اورشلم لخلاف كان منهم عليه فحصرها وافتتحها عنوة وقتل أكثر أهلها من اليهود والنصارى وخرب الهيكل وكان عدة من قتل من الإسرائيليين فيما ذكر نحوا من ثلاثة آلاف ألف وعم الأذى اليهود وأنصاري في أيامه

الثاني عشر طيطوس بن اسباسيانوس ملك سنتين وثلاثة أشهر وفي أول سنة من ملكه أظهر مرقيون مقالته وهي القول بالاثنين الخير والشر وسعد ثالث بينهما وكان ابنا لبعض الأساقفة ببلاد حران واليه تنسب المرقيونية من أصحاب الاثنين الثالث عشر دومطيانوس بن اسباسيانيوس ملك خمس عشرة سنة وعشرة أشهر الرابع عشر نرواس قيصر، ملك سنة وخمسة أشهر الخامس عشر طرايانوس قيصر، ملك تسع عشرة سنة، وفي السنة السادسة من ملكه كانت وفاة يوحنا التلميذ بمدينة افسيس بعد أن كتب الإنجيل في جزيرة من جزائر البحر السادس عشر إيليا اذريانوس، ملك عشرين سنة وقتل من اليهود باورشلم وجبل يهودا وجبل الجليل وغيرها من أرض الشأم مقتلة عظيمة لخلاف كان منهم عليه وكذلك من النصارى وخرب أورشلم وهو آخر خرابها، فلما مضى من ملكه ثمان سنين عمرها وسماها إيليا، فصارت سمة لها إلى هذا الوقت وأسكنها جماعة من اليونانيين والروم وبنى على الاقرانيون المقبرة هيكلا عظيما للزهرة، وبنى نحو الهيكل الّذي يدعى البهاء برجا عظيما، وجعل على أعلاه لوحا من الرخام مكتوبا فيه بالذهب اسم الملك إيليا، وهذا البرج إلى هذا الوقت وهي سنة 345 يسمى محراب داود وهو متصل بسور المدينة، وانما بنى بعد داود بمئين من السنين، وكان بنيانا عظيما سبع طبقات فهدم من أعاليه، وفي أيامه كان ساقيدس الفيلسوف الصامت وقد أتينا على خبره مع هذا الملك وغيره وإشارته ورموزه في (كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) السابع عشر انطونينوس بيوس، ملك اثنتين وعشرين سنة قال المسعودي:

وفي أيامه كان ابطلميوس القلوذى صاحب كتاب المجسطي وجغرافيا والمقالات الأربع والقانون الّذي عمل عليه ثاون الإسكندراني وكتاب الأنواء وكتاب الموسيقى وان لم يذكر العود فيه فذلك دليل على أنه حدث بعده وغير ذلك مما أضيف اليه من الكتب وهو بطلاماوس بلغتهم وقيل انه من ولد قلوذيوس السادس من ملوك الروم على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، وكانت أرصاده التي أرخ بها المجسطي في ملك انطونينوس هذا، وذلك موجود في المقالة التاسعة من هذا الكتاب وقد أدرك جالينوس عصره وشاهده في حال صباه، وجالينوس يعينه في كثير من أقاويله وارصاده لمخالفته أبرخس صاحب الارصاد القديمة، وقد غلط كثير من الناس ممن يدعى المعرفة بأخبار حكماء الأمم وفلاسفتهم والملوك ومن كان منهم في اعصارهم فجعلوه بعض ملوك اليونانيين بعد الإسكندر المسمين بهذا الاسم وأنه أبو قلوبطرة الملكة الحكيمة آخر من ملوك من ملوك اليونانيين المقدم ذكرها فيما سلف من هذا الكتاب، وذكروا أمورا أيدوا بها قولهم هذا، قد أتينا عليها فيما سلف من كتبنا قال المسعودي: ومن أدل الدلائل على بطلان قولهم أن ابطلميوس ذكر في النوع الثامن من القول الثالث من كتاب المجسطي انه رصد الشمس بالإسكندرية فوجد الاعتدال الخريفي في اليوم السابع من الشهر الثالث من شهور القبط سنة 880 لبخت نصّر فإذا نظرنا ما بين ملك بخت نصّر إلى غلبة الإسكندر لدارا وهو أربعمائة سنة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وستة عشر يوما، ومن غلبته إياه إلى زوال ملك قلوبطرة آخر من ملك من اليونانيين الملقبين بالبطلميوسين الذين ملكوا بالإسكندرية بعد الإسكندر بغلبة أوغسطس ملك الروم على ملكها على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب مائتا سنة

وست وثمانون سنة وثمانية عشر يوما ومنذ غلبة أوغسطس الى وفاته أربع وأربعون سنة وملك بعده من ملوك الروم إلى أنطونينوس الّذي ذكرنا أن ابطلميوس كان في أيامه من السنين مائة سنة وثلاثا وعشرين سنة وسبعة أشهر، فمنذ ملك نصر إلى ملك أنطونينوس هذا على هذه المسافة ثمانمائة واثنتان وثمانون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما، وجدنا ذلك موافقا لما حكيناه عن ابطلميوس من تاريخ رصده الثامن عشر مرقس، ويسمى أورلليوس قيصر ملك تسع عشرة سنة وفي ملكه أظهر ابرديصان مقالته، وكان اسقفا للرهاء من بلاد الجزيرة واليه تضاف الديصانية من أصحاب الاثنين وتفسير «ابرديصان» وهي كلمة سريانية ابن النهر والنهر هناك معروف بديصان الى هذا الوقت على باب من أبواب الرهاء يعرف بشاعا مصبه إلى ناحية حلوان ثم ينتهى إلى نهر البليخ وإنما يجرى شهورا وينقطع في القيظ وله كنيسة على هذا النهر مما يلي الباب يعيد لها النصارى عيدا في السنة وقيل انه كان منبوذا أصيب على شاطئ هذا النهر فأضيف اليه التاسع عشر قوموذوس بن أنطونينوس ملك اثنتي عشرة سنة وفي أيامه كان جالينوس تاج الأطباء وإمامهم في عصره الّذي به يقتدون وعلى كتبه يعولون، والمفسر لكتب ابقراط والملخص لها بمدينة ابرغامس من أرض اليونانيين وقد ذكر ذلك جالينوس في كتابه في أخلاق النفس في فهرست كتبه وبين الإسكندر وقوموذوس الملك هذا خمسمائة سنة ونيف قد بين ذلك جالينوس في كتابه في الأخلاق أيضا فينبغي أن يكون لجالينوس إلى وقتنا هذا وهو سنة 1267 للإسكندر وسنة 345 للهجرة سبعمائة سنة ونيفا على التقريب وكان جالينوس بعد المسيح بنحو مائتي سنة وقد كان دين النصرانية ظهر في الروم واليونانيين وغيرهم في أيامه

وذكر جالينوس المتدينين من النصارى في كتابه في جوامع كتاب أفلاطون في السياسة، لأنه كان متدينا بذلك. وبين جالينوس وبين ابقراط نحو من ستمائة سنة لأن ابقراط كان قبل الإسكندر بقريب من مائة سنة في أيام ارطخشست من ملوك الفرس الأولى، وأرى انه بهمن بن إسفنديار بن كيبشتاسب بن كيلهراسب وقد ذكر ذلك جالينوس في تفسير كتاب ايمان ابقراط وشرحه له وترجمه حنين بن إسحاق فحكى أن ارطخشست هذا وجه الى عامله على مدينة قوس من أرض اليونانيين- وهم يومئذ في طاعته- بأمره بدفع قناطير من المال اليه وحمله اليه مكرما، لأنه نال من الفرس في ذلك الوقت داء يقال له الموتان فامتنع ابقراط من ذلك لأنه لم ير من العدل اشفاء الفرس وهم أعداء اليونانيين قال المسعودي: والبقارطة ثلاثة ابقراط هذا صاحب الكتب المصنفة في الطب التي ترجمها وشرحها جالينوس وغيره ككتاب الفصول وكتاب تقدمة المعرفة وهو كتاب الأمراض الحادثة وكتاب ماء الشعير وهو كتاب تدبير الأمراض وكتاب ابتديما وغيرها، وهو كتاب الاهوية والبلدان وغير ذلك من الكتب المنسوبة اليه من السنن وغيرهما، وهو من ولد سقلابيوس وكان معظما في اليونانيين وله هيكل وسقلابيوس هذا من ولد ابلون، وكان معظما لحكمته له أيضا هيكل في بعض الجزائر كان يحج اليه في أيام اليونانيين قبل ظهور النصرانية وقد ذكره أفلاطون في كتابه المسمى فادن في النفس والاثنان الباقيان من البقارطة من أولاده أيضا لأنه كان لابقراط الكبير ابنان أحدهما يقال له تاسلوس والآخر دراقن وكان لكل واحد منهما ابن سماه باسم جده ابقراط، ذكر ذلك غير واحد ممن تقدم وتأخر منهم حنين بن إسحاق في كتابه في الأسطقسات على رأى جالينوس على طريق المسألة والجواب

إلى ابنيه إسحاق وداود العشرون برطينقس قيصر، ملك ثلاثة أشهر الحادي والعشرون يوليانوس قيصر، ملك شهرين الثاني والعشرون سورس، ملك سبع عشرة سنة وشمل اليهود والنصارى في أيامه القتل والأذى والتشريد، وسار إلى بلاد مصر فبنى بالإسكندرية هيكلا عظيما سماه هيكل الآلهة الثالث والعشرون انطونيوس، ملك ست سنين الرابع والعشرون مقرينوس ملك سنة وشهرين الخامس والعشرون أنطونيوس الثاني، ملك أربع سنين السادس والعشرون الاكصندرس ويلقب مامياس، ملك ثلاث عشرة سنة السابع والعشرون مقسميانوس، ملك ثلاث سنين الثامن والعشرون بوبينوس، ملك ثلاثة أشهر التاسع والعشرون غرديانوس، ملك ست سنين الثلاثون فيلبس قيصر، ملك ست سنين ودعي إلى دين النصرانية فأجاب وترك ما كان عليه من مذاهب الصابئين واتبعه على ذلك كثير من أهل مملكته فآل ذلك إلى تحزبهم واختلاف كلمتهم في الديانة وكان فيمن خالفه عليه بطريق من بطارقته يقال له داقيوس فقتل فيلبس واستولى على الملك الحادي والثلاثون داقيوس، ملك سنتين ونتبع النصارى فقتل منهم مقتلة عظيمة ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف وهم في جبل من جبال الروم يعرف بخاوس شرقى مدينة افسيس وهو على نحو ألف ذراع منها، وكانت هذه المدينة على بحر الروم فبعد البحر عنها في هذا الوقت وخربت وأحدثت مدينة على نحو ميل منها

قال المسعودي: وقد ذكرنا في كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) الّذي كتابنا هذا تال له في اخبار ملوك الروم تنازع الناس في أصحاب الكهف والرقيم ومواضعهم وهل هم أصحاب الرقيم أم هؤلاء غيرهم؟ ومن قال منهم ان الرقيم بالهوته وهي خارمى من بلاد الروم بين عمّورية ونيقية وكيفية تزاور الشمس في حال طلوعها وغروبها عن الكهف والعلة في ذلك على الشرح والإيضاح، وما كان من توجيه الواثق لمحمد بن موسى بن شاكر المنجم إلى هناك وما شاهد قال المسعودي: وللناس ممن عنى بهيئة الفلك وعلم النواحي والآفاق وتأثيرات الأجسام السمائية في هذا العالم في كيفية ازورار الشمس عن كهفهم في حال طلوعها وغروبها لموضعهم من الشمال كلام كثير، من ذلك ان كل بيت يستقبل بابه الشمال في البلدان الخارجة عن مدار السرطان إلى ناحية الشمال وكل بلد عرضه أكثر من أربع وعشرين درجة، فان الشمس إذا طلعت أخذت عن يمين الباب، وإذا توسطت السماء كانت على ظهر البيت، وإذا غربت أخذت عن ذات الشمال. وهذا الصقع الّذي فيه الكهف واغل في الشمال وباب الكهف مستقبل الشمال، وذكر هؤلاء أن مدينة افسيس التي هي مدينة أصحاب الكهف في الإقليم الخامس طولها من المغرب سبع وخمسون درجة تامة وعرضها ثمان وثلاثون درجة، ويمكن أن يكون الله عز وجل خلق لهم هذا الكهف مستقبل الشمال على ما ذكرنا تكرمة لهم وليجعلهم آية للعالمين وقد أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِنْهُ، ذلِكَ من آياتِ الله من يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً 18: 17 الثاني والثلاثون غليوس قيصر ملك سنتين وكان شريكه في الملك أخوه يوليانوس

الثالث والثلاثون غالينوس قيصر ويلقب والاريانوس ملك خمس عشرة سنة الرابع والثلاثون قلوذيوس الثاني ملك سنة وفي أيامه كان ظهور مانى واليه أضيفت المانوية من أصحاب الاثنين، وقد تقدم ذكره فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار ملوك الفرس الثانية وهم الساسانية في ملك سابور بن أردشير وما كان من مقتله في ملك بهرام بن هرمز بن سابور مجملا وفيما سلف من كتبنا مفصلا مشروحا، وقول أصحاب المانوية إنه الفارقليط الّذي وعد به المسيح وما ذكر مانى من ذلك في الجبلة وفي كتابه المترجم بالشابرقان وفي كتاب سفر الأسفار وغيرها من كتبه، والحجاج بين سائر بأصحاب الاثنين من المانوية والديصانية والمرقيونية وغيرهم من الفلاسفة في المبادئ الأول وغير ذلك وقد ذكر مانى في كثير من كتبه المرقيونية والديصانه وأفرد للمرقيونية بابا في كتابه المترجم بالكنز وللديصانية بابا في كتابه سفر الأسفار وغير ذلك من كتبه وإنما ذكرنا ذلك دلالة على أنهما كانا قبله، إذ كثير ممن لا علم له بأرباب الآراء والنحل والمذاهب والملل يعتقد أنهما كانا بعده الخامس والثلاثون أورلليوس بن قلوذيوس ملك ست سنين السادس والثلاثون طاقطوس وعاضده على الملك أخوه فوروس ملكا تسعة أشهر السابع والثلاثون بروبس، ملك تسع سنين الثامن والثلاثون قاروس، ملك سنتين وخمسة أشهر التاسع والثلاثون دقلطيانوس، ملك سبع عشرة سنة الأربعون مقسيميانوس وشاركه في الملك مقسنطيوس بن مقسيميانوس فاقتسما المملكة بعد خطوب كثيرة وحروب عظيمة قد ذكرناها في كتاب (أخبار الزمان، ومن أباحه الحدثان) من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة، فتملك مقسيميانوس على الشأم ومما يلي بلاد الجزيرة ومواضع

من أرض الروم، وتملك مقسنطيوس على مدينة رومية وما اتصل بذلك من أرض الافرنجة وتملك معهما على بلاد بوزنطيا وما يليها قسطنس أبو قسطنطين ثم هلك قسطنس فأفضى أمر المملكة إلى ولده قسطنطين المعروف بأمه هيلانى، وكانت له مع مقسيميانوس ومقسنطيوس برومية وغيرها حروب طويلة إلى ان هلك مقسنطيوس وخلع مقسيميانوس نفسه، وكانت مدة ملكهما نحوا من تسع سنين قال ابو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي: فهذه الطبقة الاولى من ملوك الروم الذين كانوا على دين الصابئة وهي الحنيفية الاولى وهم أربعون ملكا وفي زيج ثاون الإسكندراني ان عدة الملوك من أوغسطس إلى قسطنطين بن هيلانى تسعة وعشرون ملكا، وسبيل هؤلاء الملوك من أوغسطس إلى قسطنس أبى قسطنطين سبيل ملوك الفرس الاولى والطوائف من جيومرت إلى أردشير مضطرب تاريخهم متنازع في أعدادهم غير محصلة أوقاتهم، وإنما يعول على تاريخ ملوك الروم من قسطنطين المظهر لدين النصرانية والمحارب عليها كما تعول الفرس في تاريخ سنيها وتحصيل أيام ملوكها مذ ملك أردشير بن بابك على أنا لم نأل جهدا في تحصيل أعداد ملوكهم ومدة أيامهم، ونحن ذاكرون الطبقة الثانية من ملوك الروم المنتصرة قبل ظهور الإسلام وبعده إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345

ذكر الطبقة الثانية من ملوك الروم وهم المنتصرة وتأريخهم وأعدادهم، وما كان من الكوائن والاحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم

ذكر الطبقة الثانية من ملوك الروم وهم المنتصرة وتأريخهم وأعدادهم، وما كان من الكوائن والاحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم أول ملوك هذه الطبقة قسطنطين بن قسطنس يعرف، بأمه هيلانى، واليها ينسب على ما قدمنا، ملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر وهو الّذي أظهر دين النصرانية وحارب عليها حتى قبلت وانتشرت في البلاد إلى هذه الغاية، وقد ذكرنا في كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) التنازع في سبب تنصره وتركه ما كان عليه من مذاهب الحنفاء، وما قالت الحنفاء في ذلك من ظهور الوضح في جسمه وإجماعهم على خلعه، إذ كان في أصل دياناتهم وواجب عباداتهم أن من كان به ذلك لا يصلح للملك، وانه مايل من فشا فيه دين النصرانية واستظهر بهم وبخاصته وصنائعه على من خالفه وأظهر النصرانية، إذ كان غير محظور فيها تمليك من به ذلك وقول من قال منهم انه كتم ما ظهر به وأفشاه إلى بعض وزرائه ممن كان يخفى النصرانية، وأعلمه انه يخشى خلعه عن الملك، فضمن له القيام بكفايته ذلك وأنفذ عدة عساكر إلى من حوله من الأعداء مرة بعد أخرى، بأسماء الأصنام السبعة التي كانت على أسماء الكواكب السبعة، ومثالات لها من النيرين والخمسة وكان الصابئون يقربون لها القرابين ويعتكفون على عبادتها، بعد أن جعلها في غاية الضعف فعادت منكوبة مهزومة، فأظهر الإزراء بها والتنقص لمن يرى عبادتها، وأشار عليه حينئذ بالانتقال الى النصرانية ففعل وما ذهب اليه النصارى من أن السبب في ذلك ظهور صليب له نوري في

السماء في نومه في حال حربه مع ملك برجان، وانه قيل له استنصر به على عدوك تنصر عليه، وانه ركب مثال ذلك على رءوس الأعلام كالأسنة فظهر على عدوه بعد أن كانوا الظاهرين عليه، فدان بها حينئذ وقول من قال منهم إنه رأى ذلك في يقظته، وغير ذلك من أقاويل الفريقين على الشرح والإيضاح ولثلاث سنين خلت من ملكه بنى مدينة القسطنطينية على الخليج الآخذ من بحر ما يطسن، ويعرف في هذا الوقت ببحر الخزر إلى بحر الروم والشأم ومصر، وذلك في الموضع المعروف بطابلا من صقع بوزنطيا وبالغ في تحصينها وإحكام بنائها، وجعلها دار مملكة له أضيفت الى اسمه ونزلها ملوك الروم بعده إلى هذا الوقت غير أن الروم يسمونها إلى وقتنا هذا المؤرخ به كتابنا «بولن» وإذا أرادوا العبارة عنها انها دار الملك لعظمها قالوا «استن بولن» ولا يدعونها القسطنطينية وانما العرب تعبر عنها بذلك والقسطنطينية من الأرض الكبيرة المتصلة برومية وبلاد الافرنجة والصقالبة والأندلس وغيرهم من الأمم الواغلين في الشمال، واتصل ذلك بالمشرق كأرض الترك وغيرها من خراسان إلى الهند والصين، والخليج الآخذ من بحر ما يطس الّذي يعرف بالخزرى، يحيط بها من ثلاث جهاتها ويصب في البحر الرومي، وقيل إنه يحيط بها من جهتين المشرق والشمال وجانباها الغربي والجنوبي في البر وطول الخليج ثلاثمائة وستون ميلا، وقيل وثلاثون، عليه ست عدوات لمن يريد من دار الإسلام اليها مما يلي الثغور الشأمية والجزرية وغيرها فالعدوة الأولى تعرف بأقر وبلى عرض الخليج هناك ميل، وعلى هذا الموضع نزل سابور الجنود بن أردشير وحاصر القسطنطينية، وبنى هناك بيت نار، واشترط على الروم عند انصرافه بقاءه فلم يزل ذلك البيت قائما إلى أيام المهدي فخرب ثم نزل

عليه بعده أنوشروان بن قباذ ملك كالفرس في بعض غزواته فأجرى إلى ما هناك نهرا ونصب عليه أرحاء، وأراد سكر هذا الموضع من الخليج بالحجارة، وجرب الرمل ليعبر عليه، فغلبه الماء لشدة انصبابه من البحر الخزري الى الرومي، الّذي هو بحر الشأم ومصر والعدوة الثانية يقال لها الافقاطى، تكون من هذه العدوة على نحو من ثلاثين ميلا وعرضها من الجانب الشأمي الى ذلك الجانب تسعة أميال، ومن هذه العدوة تعبر عساكر الروم إذا أرادوا الخروج إلى دار الإسلام والعدوة الثالثة تعرف بسنكرة، وبينها وبين عدوة الافقاطى نحو من ثلاثين ميلا، يكون عرض هذه العدوة اثنى عشر ميلا وهذه العدوة تقرب من مدينة نيقية والعدوة الرابعة تعرف بفيلاس بينها وبين عدوة سنكرة نحو من ثمانية أميال يكون عرض هذه العدوة من الجانب الشأمى الى ذلك الجانب وهو بند تراقية نحوا من أربعين ميلا، ومن هذه العدوة يعدى بأسارى الروم إذا أرادوا بهم الفداء الى اللامس، لأنها عدوة عريضة يرهبون بها الأسرى والعدوة الخامسة تعرف بلبادو، وبينها وبين عدوة فيلاس نحو من عشرين ميلا، يكون عرض هذه العدوة من الجانب الشأمي الى ذلك الجانب، وهو بند تراقية نحو من عشرين ميلا، وقد حاصر القسطنطينية في الإسلام من هذه العدوة ثلاث أمراء آباؤهم ملوك وخلفاء، أولهم يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، والثاني مسلمة بن عبد الملك بن مروان، والثالث هارون الرشيد بن المهدي والعدوة السادسة تعرف بابدو، وهي فم الخليج الصاب في بحر مصر والشأم ومبدؤه من بحر ما يطس المسمى بحر الخزر وعرضه في المبدإ نحو من عشرة أميال، وهناك مدينة الروم تعرف بمسناة تمنع من يرد في ذلك البحر من مراكب

الكوذكانه وغيرهم من أجناس الروس، والروم تسميهم «روسيا» معنى ذلك الحمر وقد دخل كثير منهم في وقتنا هذا في جملة الروم، كدخول الأرمن والبرغر وهم نوع من الصقالبة والبجناك من الأتراك، فشحنوا بهم كثيرا من حصونهم التي تلى الثغور الشأمية وجعلوهم بإزاء برجان وغيرهم من الأمم المتأبدة لهم والمحيطة بملكهم، وأبدوا مدينة على هذا الخليج مما يلي الشأم والجزيرة لا من جانب القسطنطينية ومن هذه العدوة الى القسطنطينية مائتا ميل رومية، تكون أميالا بأميالنا نحو مائة وعشرين ميلا، وابدو جبلان جبل من هذا الجانب من عمل الأبسيق وجبل من ذلك الجانب من عمل تراقية، وكان على هذين الجبلين حرس على كل جبل عشرون رجلا يحرسون المراكب إذا دخلت وخرجت ويفتشونها وكانت فيه سلسلة تفتح وتغلق في عمودي حديد من هذا الجانب إلى ذلك الجانب هو باب الخليج الّذي يحاصر به القسطنطينية حين كان للمسلمين أسطول يغزونهم من الثغر الشأمى والشأم ومصر و «الاسطول» كلمة رومية سمة للمراكب الحربية المجتمعة وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا السبب في كيفية بناء القسطنطينية والتنازع في ذلك، وقول من قال إن ما وراء الخليج كان من أرض برجان فاحتال قسطنطين على ملك برجان لعلمه بالموضع وحصانته حتى أذن له في بنائها وما يذم من خصالها وهوائها ومائها وتربتها، وأن الخيل لا تنزو بها ولا تصهل لما يلحقها من الربو لنداوة البلد وعفونته، وقبل ان ذلك لطلسم فيها وغير ذلك من أخبارها ولعشرين سنة خلت من ملك قسطنطين كان «السنهودس» الأول بمدينة نيقية من بلاد الروم تفسير ذلك المجمع وهو القداس حضر هذا المجمع ألفان وثمانية وأربعون أسقفا مختلفو الآراء فاختير منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا متفقين غير مختلفين فحرموا أريوس الإسكندراني والى اسمه

أضيفت الأريوسية من النصارى ووضعوا في هذا المجمع الأمانة التي يتفق عليها سائر النصارى من الملكية، واليعقوبية والعباد وهم النسطورية، ويذكرونها كل يوم في القداس ولهم أربعون كتابا فيها السنن والشرائع واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد الّذي يكون بعد فصح اليهود، وألا يكون فصح اليهود مع فصح النصارى وكان المقدم والرئيس في هذا المجمع الإسكندر، بطريرك الاسكندرية من بلاد مصر وهو بالرومية «بطريركس» تفسيره رئيس الآباء فخفف، وحضر اسطاث بطريرك انطاكية، ومارقس أسقف بيت المقدس، ويوليوس بطريرك رومية، وكان هذا الاجتماع في اليوم التاسع عشر من حزيران سنة 636 للإسكندر الملك وقيل انها السنة التاسعة عشرة من ملك قسطنطين وكثير من النصارى يعد ذلك من شمعون بن قلوفا فأضافها إليه، وبنت هيلانى بإيليا الكنيسة المعروفة بالقيامة في هذا الوقت الّذي يظهر منها النار في يوم السبت الكبير الّذي صبحه الفصح، وكنيسة قسطنطين وديارات كثيرة للنساء والرجال على الجبل المطل على مدينة بيت المقدس المعروف بطور زيتا وهو بإزاء قبلة اليهود وعمرت مدينة إيليا عمارة لم يكن قبلها مثلها، ولم يزل ذلك عامرا الى أن أخربته جنود الفرس حين غلبت على الشأم ومصر وسبت من كان في تلك الديارات وغيرها قبل ظهور الإسلام وذلك في ملك كسرى أبرويز ملك فارس والملك على الروم يومئذ فوقاس على ما نحن ذاكروه فيما يرد من هذا الكتاب مجملا وقد سلف في كتبنا مشروحا والأطوار المقدسة للنصارى أربعة، فأولها طور سينا الّذي كلم الله موسى عليه وأنزلت عليه التوراة وهو على أيام من مدينة القلزم، وعلى يوم وبعض آخر من راية من ساحل بحر القلزم

الثاني هو طور هارون وهو على أيام من جبل طور سينا والثالث طور زيتا على ما ذكرناه والرابع طور الأردن بين فلسطين وطبرية جميعها للملكية من النصارى والأطوار الجبال وبنت هيلانى كنيسة حمص وهي احدى عجائب العالم على أربعة أركان، وكنيسة الرهاء من بلاد ديار مضر وهي احدى عجائب العالم الأربع المذكورة، وكانت هيلانى من بلاد الرهاء من قرية تعرف بتل فخار الى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا هذا، على طريق آمد وقد أتينا على خبر قسطنس أبى قسطنطين، والسبب في تزوجه بها عند مشاهدته إياها والعجائب الأربع جامع دمشق، ومنارة الاسكندرية، وقنطرة سنجة وهذه الكنيسة، وقد أغفل قوم من مصنفي الكتب في التواريخ والسير من النصارى فزعموا أن خروج هيلانى أم قسطنطين الى الشأم كان لسبع سنين من ملك ابنها قسطنطين وهذا غلط متفاحش لأن قسطنطين دان بالنصرانية بعد مضى عشرين سنة من ملكه قال المسعودي: ولقسطنطين أخبار وسير وسياسات في الملك والدين وسير في الأرض وحروب قبل تنصره وبعده، وقد أتينا على جميع ذلك في كتابنا في (اخبار الزمان، ومن اباده الحدثان) من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والممالك الداثرة، وما تلاه من الكتاب الأوسط وفي النسخة الاخيرة من كتاب (مروج الذهب، ومعادن الجوهر) وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) وانما نذكر في هذا الكتاب لمعا من ذلك، ليكون منبها عليها ومدخلا اليها الثاني من المنتصرة قسطنطين بن قسطنطين بن هيلانى. ملك أربعا وعشرين سنة، وكان أبوه قسطنطين عهد اليه بالملك في حياته وولاه القسطنطينية وولى

أخاه قسطنس انطاكية والشأم ومصر والجزيرة وجعل مقامه بأنطاكيّة وولى أخاه قسطوس رومية وما يليها من بلاد الافرنجة والصقالبة وغيرهم من الأمم وأنزله رومية وأخذ على أخويه هذين العهود والمواثيق بالانقياد لأخيهما قسطنطين فاستقام ملكه الى أن هلك الثالث يوليانوس ابن أخي قسطنطين بن هيلانى ملك سنتين، وكان يخفى الصابئية في أيام عمه وابن عمه، فلما ملك أظهرها وارتد عن دين النصرانية وخرب الكنائس، ورد التماثيل التي جعلها الصابئون مثلا للجواهر العلوية والأجسام السمائية التي هي وسائط بين العلة الاولى عندهم وبين الخليقة في العبادات، وقتل من النصارى خلقا كثيرا، وجعل عقوبة من لم يرتد الى الحنيفية القتل، وكان يأخذ من عاد الى الحنيفية بإلقاء اللبان على النار والاكل من ذبيحة الحنفاء وغير ذلك، وكان عظيم السطوة كثير الجنود. قال المسعودي: وسار الى ارض العراق في ملك سابور بن أردشير فهلك بسهم غرب أصابه. وقد أتينا على خبره وخبر سابور الجنود ملك بابل وما كان بينهما من الحروب في الجزء السابع من (كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر) في أخبار الفرس في ملك سابور والروم تسميه «باربديس» تفسير ذلك المرتد والصابئة «أوسيبوس» تفسير ذلك المؤمن التقي، والنصارى جميعا يتبرءون منه ومنهم من يدعوه «البزتاط» . الرابع يوبيانوس، ملك سنة وكان خليفة يوليانوس المقتول ومعه في عسكره ففزعوا الى تمليكه عليهم فأبى الا أن يرجعوا الى النصرانية فأجابوا الى ذلك فرد دين النصرانية وانصرف بجيوش الروم عن العراق بعد قصص كانت له مع سابور ومهادنة قد ذكرناها فيما سلف من كتبنا. الخامس والنطيوس، ملك اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر.

السادس والنس، ملك ثلاث سنين وثلاثة أشهر. السابع والنطيانوس، ملك ثلاث سنين وأربعة أشهر، وعاضده على ملكه غراطيانوس فهلك قبله. الثامن تدوس الكبير وتفسير «تدوس» عطية الله ملك تسع عشرة سنة وفي ملكه كان السنهودس الثاني وهو المجمع بمدينة قسطنطنية من بلاد بوزنطيا اجتمع فيه مائة وخمسون أسقفا، فامنوا مقذونس وأشياعه مع البطارقة الذين بعده قالوا بمقالته وكان المقدم في هذا المجمع طيموثاوس بطريرك الاسكندرية، ومليطيوس بطريرك انطاكية، وقورللس بطريرك بيت المقدس وفي هذا المجمع بطرك وهو أول بطريرك لبيت المقدس وانما كانوا أساقفة وكانت البطارقة أصحاب الكراسي الأربعة. أولها مدينة رومية وهي لبطرس رئيس الحواريين وخليفة ايشوع، الثاني الاسكندرية من بلاد مصر، وهي لمرقس أحد أصحاب الأناجيل الأربعة. والثالث قسطنطينية من بلاد بوزنطيا وكان أول بطريرك لها مطروفانس رتبه الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا الذين أقاموا دين النصرانية بمدينة نيقية المقدم ذكرهم. والرابع انطاكية وهي لبطرس أيضا، واستخلف بطرس على الكرسي بها حين سار الى مدينة رومية واذيوس، فصارت البطاركة خمسة الى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهي سنة 345 للهجرة جميعا للملكية فكان من السنهودس الأول بنيقية الثلاثمائة والثمانية عشر اسقفا الى هذا الاجتماع ست وخمسون سنة، وأطلق طيماثاوس بطريرك الاسكندرية في هذا المجمع للبطاركة والأساقفة والرهبان ببلاد مصر والاسكندرية أكل اللحم لأجل الثنوية ليعرف من كان منهم

مثنوى المذهب إذ كانت الثنوية تمتنع من ذلك، فاما البطاركة والأساقفة والرهبان بغير مصر والاسكندرية كرومية وانطاكية وغيرهما من البلاد فإنهم امتنعوا من أكل اللحم وأكلوا بدلا عنه السمك محنة لهم إذ كانت الثنوية لا تأكل اللحم ولا السمك الا السماعين منهم فان منهم من يأكل اللحم والسمك، ومنهم من يأكل السمك دون اللحم. قال المسعودي: ولثماني سنين خلت من ملكه ظهر الفتية أصحاب الكهف الذين كانوا قد هربوا من داقيوس الملك على ما قدمنا في أخبار الطبقة الاولى من ملوك الروم في هذا الكتاب وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) أخبارهم وما قيل فيهم والتنازع في موضعهم أهو الموضع الّذي بمدينة افسيس وراء مدينة زمرنى على البحر الرومي، أم الهوته التي تسمي خارمى مما يلي قرة بأرض الروم، أم غيرهما من المواضع التي يشار اليها بذلك؟ وخبر تدوس الملك والسبب في إفضاء الملك إليه وما كان من خبره قبل ذلك وبعده. التاسع أرقاذيوس بن ثدوس ملك ثلاث عشرة سنة. العاشر تدوس الصغير بن تدوس الكبير ملك اثنتين وأربعين سنة ولإحدى وعشرين سنة خلت من ملكه كان السنهودس الثالث بمدينة أفسيس على بطريرك القسطنطينية نسطورس وكان على كرسيها أربع سنين حضر هذا المجمع مائتا أسقف، وكان المقدم فيه قورللس بطريرك الاسكندرية، وكلسطوس بطريرك رومية، وبولانيوس بطريرك إيليا فلعنوا نسطورس وتبرءوا منه ونفوه فسار إلى صعيد مصر فأقام ببلاد اخميم والبلينا ومات بقرية يقال لها سيفلح وموضعه معروف في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا، وأضافت الملكية العباد من النصارى وهم المشارقة إليه تقريعا لهم بذلك فسموا النسطورية وكانت رئاسة البطركة للمشارقة في

ذلك الوقت بالمدائن من أرض العراق لداديشوع يعد بلادها في ملك فارس. قال المسعودي: فذكرت العباد أن تيادوس الملك كان كتب إلى يوحنا بطريرك أنطاكية وأساقفته ان يسيروا الى المدينة أفسيس، لينظروا فيما بين نسطورس وقورللس بطريرك الإسكندرية من الخلاف فاجتمع نسطورس وأصحابه وقورللس وأصحابه بها فانتدب قورللس فحرم نسطورس قبل موافاة يوحنا صاحب انطاكية الّذي جعله الملك حكما بينهما فلما رأى نسطورس ان قورللس يجرى الى الحيلة والمغالبة العدول عن الحق اعتزل وقال الديانة لا تكون بالمجاذبات والحيل وطلب الرئاسات وان يوحنا بطريرك انطاكية لما وافى فوقف على فعل قورللس أنكره عليه وحرمه وأنكر ذلك عليه عند قراءته مقالة نسطورس ومقالة قورللس وصحح مقالة نسطورس وأمانته ورد مقالة قورللس وذكر انها مخالفة للحق لا يجوز لأحد أن يقول بها ولا يتقلدها وان يوحنا عاد إلى انطاكية وكتب إلى يطريرك المشرق بما جرى وتوجه الحيلة على نسطورس من صاحب الإسكندرية ببذل الأموال لبطانة الملك حتى حل الحرم عنه وبقي حرم نسطورس، فكان هذا أحد أسباب الخلاف بين أهل المشرق من النصارى وأهل المغرب وداعية إلى ما كان بينهم من العداوة والقتال وسفك الدماء، والعباد تذكر أن أول البطاركة السريانيين الذين نزلوا كرسي المشرق على قديم الأيام بعد صعود المسيح إلى السماء بنحو ثلاثين سنة بعد توما أحد الاثني عشر ادى السليح قبل حدوث الخلاف بين النصارى وهو ادى برمارى السليح من السبعين وهو نصر أهل المدائن ودير قنى وكسكر وغيرهما من السواد وبنى بيعتين إحداهما بالمدائن دار مملكة فارس يومئذ وجعلها كرسيا لمن يأتى بعده من البطاركة ورسم ألا تتم البطركة لمن نصب لها إلا في هذه البيعة، وأخرى بديرقنى وقبره بها، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا خبر المشارقة من النصارى مع سابور

ملك فارس حين أخذهم بالتمجس وامتناعهم من ذلك وقتله منهم نحوا من مائتي ألف وغير ذلك من أخبارهم، وذكر الملكية أن مقالة نسطورس كانت درست فأحياها برسوما مطران نصيبين ودعا اليها المشارقة من النصارى فدانوا بها. قال المسعودي: وفي هذا المجمع خالفت النسطورية الملكية وافترقوا عنهم، فمن المجمع الثاني المائة والخمسين الأسقف الذين اجتمعوا بمدينة القسطنطينية ولعنوا مقذونس إلى هذا المجمع المائتي أسقف الذين اجتمعوا بمدينة افسيس احدى وخمسون سنة، وكان في أيام تدوس هذا عند النصارى حوادث في الدين والملك منها نفيه يوحنا المعروف بفهم الذهب بطريرك القسطنطينية بحكومة حكمها في كرم فكرهت ذلك زوجة الملك يدوقية، وغير ذلك الحادي عشر مرقيان، ملك ست سنين وفي أول سنة من ملكه كان السنهودس الرابع بمدينة خلقيذون على ديسقرس بطريرك القسطنطينية وأوطيسوس اجتمع فيه ستمائة وثلاثون أسقفا فمن المجمع الثالث المائتي أسقف الذين اجتمعوا بمدينة أفسيس إلى هذا المجمع احدى وعشرون سنة وفي هذا المجمع خالفت اليعقوبية سائر النصارى وفارقوهم، وقد ذكرنا في (كتاب أخبار الزمان، ومن اباده الحدثان) من الأمم الماضية والأجيال الخالية والأمم الداثرة في أخبار ملوك الروم وطبقاتهم وسيرهم خبر يعقوب البرذعانى الأنطاكي، وقيل الحراني تلميذ سورس، وكيف أضيف أهل مقالة ديسقرس إلى اليعاقبة، ونسبوا إلى يعقوب، وما كان من سواري. وقد ذكرنا في أخبار ملوك الروم المنتصرة من كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) عند ذكرنا مرقيان هذا والسنهودس الّذي كان في أيامه أيامه اتفقت عليه الملكية والنسطورية واليعقوبية وما اختلفت فيه من الكلام في الأقانيم والجوهر وغير

ذلك، وما احتج به كل فريق منهم لذلك على الشرح، وقول من خالف هؤلاء من فرق النصارى الاريوسية والمارونية والبيالقة وهو المذهب الّذي أحدثه بولس الشمشاطي، وهو من أول بطاركة انطاكية وأصحاب الكراسي بها متوسطا بين مذاهب النصارى والمجوس وأصحاب الاثنين من تعظيم سائر الأنوار وعبادتها على مراتبها وغير ذلك، وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعا وجوامع منبهين بذلك على ما تقدم من كتبنا وسبق من تصنيفنا، ولليعاقبة كرسيان لا ثالث لهما، أحدهما بأنطاكيّة، والآخر بمصر، والغالب على نصارى مصر من الأقباط وغيرها بفسطاطها وسائر كورها وما يليها من أرض النوبة والأحابش رأى اليعقوبية وبها منهم ما لا يحيط به الإحصاء كثرة ومقام بطركتهم بدير يعرف بأبي مقار بناحية الاسكندرية والملكية والنسطورية بمصر قليلون جدا، وما عدا هذين البلدين فإنما لليعقوبية مطارنة واساقفة الثاني عشر لاوون الكبير، ملك ست عشرة سنة. الثالث عشر لاوون الصغير، ملك سنة وكان يعقوبى المذهب وأراد حمل أهل مملكته على ذلك فهلك ولم يبلغ ما أراده وقيل إنه اغتيل بالسم. الرابع عشر زينون، ملك سبع عشرة سنة وكان يعقوبى المذهب وزهد في الملك وجعله الى ولده فهلك ولده فعاد الى الملك. الخامس عشر انسطاس، ملك سبعا وعشرين سنة وكان يعقوبى المذهب. السادس عشر يوسطين، ملك تسع سنين وتتبع اليعقوبية بالقتل والنفي. السابع عشر يوسطانوس، ملك تسعا وعشرين سنة، وفي ملكه كان السنهودس الخامس بمدينة القسطنطينية فحرموا اريجانس أسقف منبج لقوله بتناسخ الأرواح في أجسام الحيوان وتبديل الأسماء وتغير الأجسام، وان الله عز وجل لا يفعل ذلك بخلقه الا باستحقاق لما ارتكبوه من الاجرام وانه لا يجلب

بعذابهم منفعة ولا يدفع عن ذاته مضرة إذ كان غنيا عن جميع ذلك وغير ذلك من الكلام في إيلام الحيوان والتعديل والتحرير، وايبا أسقف الرهاء وتدوس اسقف المصيصة وتوزروطس اسقف انقرة لأقاويل أظهروها، حضر هذا المجمع أصحاب الكراسي الأربعة وأساقفتهم وهم مائة وأربعة وستون أسقفا ولم يحضر بطريرك إيليا وحضر أصحابه فكان من المجمع الرابع الستمائة والثلاثين الذين اجتمعوا بخلقيذون إلى هذا المجمع مائة وست وثلاثون سنة وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) ما كان في أيام هذا الملك من أمر اليعاقبة والملكية ببلاد مصر والاسكندرية وأمر اليهود بإيليا وجبل يهودا وجبل الجبل وقتلهم النصارى، وما بنى هذا الملك من الكنائس والديارات وبطور سينا على الناطس والعليقة وهو الموضع الّذي أنزلت فيه التوراة على موسى بن عمران عليه السلام وغير ذلك من أحواله. الثامن عشر يوسطينوس، ملك ثلاث عشرة سنة، وكان في أيامه أنوشروان الملك. التاسع عشر طيباريوس، ملك ثلاث سنين وثمانية أشهر، وكان بينه وبين أنوشروان مراسلات ومهاداة. العشرون موريق، ملك عشرين سنة وأربعة أشهر وظهر في أيامه رجل من أهل مدينة حماة من أعمال حمص يعرف بمارون اليه تنسب المارونية من النصارى إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا، وأمرهم مشهور بالشأم وغيرها، أكثرهم بجبل لبنان وسنير وحمص وأعمالها كحماة وشيزر ومعرة النعمان. وكان له دير عظيم يعرف به شرقى حماة وشيزر ذو بنيان عظيم حوله أكثر من ثلاثمائة صومعة فيها الرهبان، وكان فيه من آلات الذهب والفضة والجوهر شيء عظيم فخرب هذا الدير وما حوله من الصوامع بتواتر الفتن من الاعراب وحيف

السلطان وهو يقرب من نهر الارنط، نهر حمص وانطاكية. وكان مارون قد أحدث آراء بان بها عمن تقدمه من النصارى في المشيئة وغيرها وكثر متبعوه، وقد أتينا على شرح مذهبه وموافقته الملكية والنسطورية واليعاقبة في الثالوث ومخالفته إياهم فيما يذهب اليه من أن المسيح جوهر ان أقنوم واحد مشيئة واحدة وهذا القول متوسط بين قول النسطورية والملكية وغير ذلك في كتابنا في المقالات في أصول الديانات، ولبعض متبعيه من المارونية ويعرف بقيس الماروني كتاب حسن في التاريخ وابتداء الخليقة والأنبياء والكتب والمدن والأمم وملوك الروم وغيرهم وأخبارهم، انتهى بتصنيفه الى خلافة المكتفي ولم أر للمارونية في هذا المعنى كتابا مؤلفا غيره. وقد ألف جماعة من الملكية والنسطورية واليعقوبية كتبا كثيرة ممن سلف وخلف منهم. وأحسن كتاب رأيته للملكية في تاريخ الملوك والأنبياء والأمم والبلدان وغير ذلك كتاب محبوب بن قسطنطين المنبجي، وكتاب سعيد بن البطريق المعروف بابن الفراش المصري بطريرك كرسي مارقس بالإسكندرية، وقد شاهدناه بفسطاط مصر، انتهى بتصنيفه الى خلافة الراضي. وكتاب اثنايوس الراهب المصري رتب فيه ملوك الروم وغيرهم من الأمم وسيرهم وأخبارهم من آدم الى قسطنطين بن هيلانى، ورأيت لأهل المشرق من العباد كتابا ليعقوب بن زكريا الكسكري الكاتب وقد شاهدناه بأرض العراق والشأم يشتمل على أنواع من العلوم في هذه المعاني، يزيد على غيره من كتب النصارى، وكتابا لليعاقبة في ذكر ملوك الروم واليونانيين وفلاسفتهم وسيرهم وأخبارهم ألفه أبو زكريا دنخا النصراني وكان متفلسفا جدلا نظارا جرت بيني وبينه مناظرات كثيرة ببغداد في الجانب الغربي بقطيعة أم جعفر وبمدينة تكريت في الكنيسة المعروفة

بالخضراء في الثالوث وغيره وقد أتينا على ذكرها في كتاب (المسائل والعلل، في المذاهب والملل) وفي كتاب (سر الحياة) وذلك في سنة 313. قال المسعودي: وقد كان خسرو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان لما هزمه بهرام جوبين واحتوى على الملك وقتل هرمز لجأ الى موريق مستنجدا به فأنجده وزوجه ابنته مريم وهي أم شيرويه القاتل لأبيه أبرويز وأنجده بجيش كثيف فسار بهم أبرويز مما يلي ارمينية وآذربيجان فواقع بهرام وكشفه فلحق بأرض الترك إلى أن قتل بها هناك غيلة، وقد أتينا على ما كان في أيامه في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) في النسخة الاخيرة التي قررنا أمرها في هذا الوقت وهي سنة 345 وهي أضعاف ما تقدم من النسخة المؤلفة في سنة 332. الحادي والعشرون فوقاس، ملك ثماني سنين وأربعة أشهر، ولما ملك تتبع ولد موريقيس حمو أبرويز وحاشيته بالقتل، فلما بلغ ذلك أبرويز أحفظه وسير الجنود الى بلاد الشأم ومصر فاحتوى عليها وقتلوا من النصارى خلقا كثيرا وخربوا الكنائس بإيليا وغيرها وتوجه شهربراز في جيوش كثيرة كثيفة نحو القسطنطينية فخيموا على الخليج بإزائهم واشتد حصارهم إياها، وكان هرقل ابن فوق بن مرقس يختلف من مدينة صلونيقى وهو من أهلها الى القسطنطينية بالزاد في البحر وهم محاصرون فبانت شهامته، وظهرت شجاعته، وأحبه أهل القسطنطينية فخلا بالبطارقة وذوى المراتب فأغراهم بفوقاس، وذكر لهم ما نزل بهم في أيامه وذكرهم بسوء آثاره فيهم وغلبة الفرس على ملكهم بسوء تدبيره وقبح سياسته واقدامه على الدماء، ودعاهم الى الفتك به فأجابوه إلى ذلك فقتلوه

ذكر ملوك الروم من الهجرة الى سنة 345

ذكر ملوك الروم من الهجرة الى سنة 345 واجتمعت البطارقة وغيرهم من ذوى المراتب، من الروم وغيرهم بعد قتل فوقاس لاختيار من يصلح للملك، فوقع اختيارهم بعد خطب طويل وتنازع كثير على هرقل، فملكوه ورجوا صلاح أحوالهم بتمليكه وهو الثاني والعشرون من ملوك الروم المتنصرة، وكان ملكه لثلاث وثلاثين سنة خلت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز ملك بابل، فملك خمسا وعشرين سنة وقيل أكثر من ذلك وفي أول سنة من ملكه كانت هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقام في الملك أيام النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأيام أبى بكر وعمر وسنتين من خلافة عثمان وفي أيامه غلب المسلمون على بلاد سورية وهي الشأم والجزيرة، وكان أخوه قسطنطين معاضدا له على الملك فهلك قبله ولما ملك هرقل جد في حرب الفرس، فكانت له معهم حروب كثيرة وفسد الأمر بين كسرى أبرويز وصاحب جيشه المحاصر للقسطنطينية شهربراز وأتاه هرقل ومالأه على أبرويز، فخرج هرقل في مراكب كثيرة في الخليج الى بحر الخزر وسار الى طرازندة وأبواب لازقة واستنجد هناك ملوك الأعاجم من اللان والخزر والسرير والأبخاز وجرزان والأرمن وغيرهم حتى صار الى بلاد أران والبيلقان وآذربيجان والماهات من أرض الجبل واتصلت جيوشه بأرض العراق فشن الغارات وقتل وسبى وانصرف راجعا الى القسطنطينية بحيلة أوقعها أبرويز عليه

قال المسعودي: وقد أتينا على خبر شهربراز والسبب في فساد الحال بينه وبين أبرويز والى ما آل أمرهما وشرح أخبار هرقل، وما كان بينه وبين فارس من الحروب وحيله ومكايده، وما كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم من المكاتبات والمراسلات، وما كان بين جنوده وبين المسلمين من الحروب بالشأم ومصر وغيرهما في خلافة أبى بكر وعمر، وخروجه عن الشأم وقطعه الدرب الى بلاد الروم، وقوله عند صعوده جبل الآكام واشرافه على الشأم: «عليك السلام يا سوريه سلام مودع لا يعود إليك ابدا حتى يولد الغلام المشئوم، وليته لا يولد! فما أحلى رضاعه، وأمر فطامه» وما كان بينه وبين معاوية بن أبى سفيان في حال أمرته على الشأم من قبل عمر وعثمان من المراسلات والملاطفات. وإخباره يناق غلام معاوية بأن عثمان بن عفان يقتل وما يئول اليه أمر المسلمين بعد ذلك وغير ذلك من أخباره في كتاب (أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان) من الأمم الماضية، والممالك الداثرة وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وانما نذكر في هذا الكتاب لمعا وجوامع منبهين بذلك على ما تقدم تأليفه من كتبنا، ومدخلا الى علم ما سبق إيضاحه من تصنيفنا الثالث والعشرون قسطنطين بن قسطنطين أخى هرقل وقيل إنه ابن هرقل ملك تسع سنين وستة أشهر في خلافة عثمان بن عفان، وهو الّذي غزا في البحر في نحو ألف مركب حربية وغيرها فيها الخيل والخزائن والعدد يريد الإسكندرية من بلاد مصر وكان عامل مصر والإسكندرية لعثمان عبد الله بن سعد بن أبى سرح فالتقوا في البحر فكانت على قسطنطين فعطبت مراكبه وهلك أكثر رجاله ونجا في مركب فوقع في جزيرة سقلية من بلاد افريقية فقتله جرجيق ملكها تشاؤما به لإهلاكه النصرانية وسميت هذه الغزاة ذات الصواري لكثرة المراكب وصواريها، وهي الادقال وكان ذلك في سنة 34 للهجرة

قال المسعودي: وفي ملكه كان السنهودس السادس وهو المجمع بالقسطنطينية من بلاد بوزنطيا وقيل بل كان قبل هذا الوقت، وكان اجتماعهم على لعن رجل يقال له قورس الإسكندراني خالف الملكية وأحدث قولا نحو قول المارونية في المشيئة والفعل وكان عدة من اجتمع فيه من الأساقفة مائتين وتسعة وثمانين أسقفا وقيل دون ذلك فمن السنهودس الخامس إلى هذه السنهودس ثمان وستون سنة وأربعة أشهر وقيل دون ذلك وهذا آخر السنهودسات، لم يكن لهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 والملك على الروم قسطنطين بن لاون ابن بسيل- اجتماع فيما بلغني مع قربنا من ديارهم وبحثنا عن أخبارهم وتنقلنا بالثغر الشأمى وأنطاكية والشأم ومصر، والملكية تذكر هذه الاجتماعات الستة في قداسها وهي الصلاة على القربان في كل يوم، وقد اختلف أهل دين النصرانية في العبارة عن أسماء هذه المجامع عند مقابلتهم الأمانات بالتراجم المعروفة فمنه ما يسميه أهل مصر «السنهودسات» أحدها سنهودس وبها عبرنا في كتابنا هذا لأنها أفصحها ولمقامنا بمصر في هذا الوقت، ويسميه أهل المشرق «السنادسات» وقوم يقولون «سناطس» وقد أتينا على شرحها والسبب في وقوعها وما كان في ذلك من الخلاف والمناظرات بينهم، وأخبار أصحاب الكراسي الذين هم البطاركة أحدهم بطريرك ومراتبهم وتسميتهم وأعدادهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا ممن كان منهم بمدينة رومية والاسكندرية من بلاد مصر وأنطاكية والقسطنطينية وإيليا، في كتاب (مروج الذهب في كتاب ومعادن الجوهر) وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وان كانت أسماؤهم مثبتة في الدبطخة التي تقرءوها النصارى في القداس وذكرنا أسماء الاثني عشر والسبعين تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد وأخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم وأن أصحاب الأناجيل الأربعة منهم يوحنا ومتى من الاثني

عشر ولوقا ومرقس من السبعين وأن مرقس صاحب الاسكندرية ومن كان بعده من البطاركة على هذا الكرسي الحكام على سائر أصحاب الكراسي في كل ما يختلفون فيه، والقضاة عليهم إذا تنازعوا ومتى اجتمعوا في محفل جلسوا حسرا وصاحب هذا الكرسي بعمامة إذ كان خليفة بطرس، وأن السبب في ذلك ان بطرس لما دعا التلاميذ الى ان يسير بعضهم إلى الاسكندرية بالإنجيل الّذي كتبه ويدعو الناس جزعوا من ذلك لأجل من كان بها من الصابئين والقاطرين أحدهم قاطر ويسمى بالقبطية هيراتقس وهم الكهنة وان مرقس انتدب لذلك وكان أصغر القوم سنا فناوله بطرس الإنجيل ومحا اسمه منه وأثبت فيه اسم مرقس وقال له قد جعلناك الحاكم عليهم فيما تنازعوا فيه وغير ذلك من أسرار دين النصرانية وأخبارهم من السليحين وغيرهم مما هو موجود في الكتاب المعروف بيركسيس وفي كتاب ديونوسيوس «الفلو باخيطوا» في أسرارهم أيضا وفي كتاب قليمنس وكان تلميذا لبطرس ورأيت كثيرا من النصارى يقف في هذا الكتاب ويدفع أن يكون صحيحا، وفي الأربع عشرة رسالة لبولس التي كتب بها في أوقات متفرقة الى أهل رومية وغيرهم، وتدعى هذه الرسائل كتاب السليخ، وذكرنا في كتاب (المقالات، في أصول الديانات) وكتاب (خزائن الدين وسر العالمين) أقاويل الأمم العوالم الأربعة في عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس وعالم الطبيعة ومراتب الروحانية والجواهر العلوية والأجسام السمائية وسائر الوسائط والفرق بين النار والنور ومراتب الأنوار وما قاله كل فريق منهم في ذلك من الهند وقدماء الفلكيين وأصحاب الاثنين ومن واقفهم من أصحاب التأويل في هذا الوقت والحنفاء والكلدانيين وهم البابليون الذين بقيتهم في هذا الوقت بالبطائح بين واسط والبصرة في قرايا هناك وتوجههم في صلاتهم

إلى القطب الشمالي والجدي والسمنية وهم صابئة الصين وغيرهم وهم على مذاهب بوداسب وعوام اليونانيين وتوجههم في صلاتهم إلى المشرق وصابئة المصريين الذين بقيتهم في هذا الوقت صابئو الحرانيين وتوجههم في صلاتهم إلى التيمن وهو القبلة واستدبار هم الشمال، وامتناعهم من كثير من المآكل التي كان صابئة اليونانيين يأكلونها كلحم الخنزير والفراخ والثوم والباقلى وغير ذلك وقولهم بنبوة أغاثديمون وهرمس وأميروس واراطس صاحب كتاب صورة الفلك والكواكب وغير ذلك واريباسيس وأراني الأول والثاني وغيرهم واسرارهم في الذبائح والصلوات للكواكب السبعة وغيرها والموقوفات وهي الدخن للكواكب وتمثيلهم مراتب الكهنوت في هياكلهم بما علا من الروحانية وتسميتهم أعلى الكهنة رأس كمرين وما يذهبون اليه من قول أفلاطون «إن من عرف نفسه حقيقة المعرفة تأله» ومن قول صاحب المنطق «من عرف نفسه فقد عرف بها كل شيء» وما جرى بين فرفريوس الصوري صاحب كتاب ايساغوجى في المدخل الى كتاب أرسطاطاليس في المنطق، وكان نصرانيا ينصر مذاهب صابئة اليونانيين مخفيا لذلك وبين أنابوا الكاهن المصري، وكان ينصر الفلسفة الاولى التي كان عليها فوثاغورس وثاليس الملطي وغيرهما وهي مذهب صابئة المصريين من المسائل والجوابات في العلوم الإلهية، وذلك في رسائل بينهم معروفة عند من عنى بعلوم الأوائل وما كانوا عليه من الآراء والنحل وقد صنف على مذاهب الفوثاغوريين والانتصار لهم كتب كثيرة، وآخر من صنف في ذلك أبو بكر محمد بن زكريا الرازيّ صاحب كتاب المنصوري في الطب وغيره كتابا في ثلاث مقالات وذلك بعد سنة 310 وقد ذكر أفلاطون ترتيب العوالم في كتابه المعروف بطيماوس فيما بعد

الطبيعة وهو ثلاث مقالات الى تلميذه طيماوس مما ترجمه يحيى بن البطريق وهو غير كتاب طيماوس الطبي الّذي ذكر فيه كون العالم الطبيعي وما فيه والهيئات والألوان وتراكيبها واختلافها وغير ذلك شرحه جالينوس وفسره حنين بن إسحاق، وذكر بأنه سقط عنه منه كراستان الاولى والثانية، والّذي حصل من ترجمته أربع مقالات ذكر أرسطاطاليس ترتيب العوالم في كتابه فيما بعد الطبيعة في الحرف المعروف باللام وغيره من الأحرف فيما فسره طامستيوس وترجمة الى العربيّ إسحاق بن حنين وذكرنا فيما سلف من كتبنا ما ذهب اليه النصارى من أن البارئ عز وجل خلق في الابتداء جنس الملائكة المقربين روحانيين ذوى جواهر بسائط أحياء ناطقة، ليمجدوه من غير حاجة منه عز وجل الى ذلك، وأنه تعالى جعلهم منقسمين لطبقات تسع، وعلى طبقات بعضها أعلى من بعض واسم جملة الروحانيين بالسريانية وهو اللسان الأول «طغم» وبالرومية «طغماتس» وبالعربية «تغم» والكنيسة عندهم كنيسة السماء ومراتب الكهنوت على مقدار طغمات الملائكة وهي تسع فالطغمة الأولى عندهم طغمة البطارقة ثم ما يلي ذلك من مراتب الكهنة وذكرنا مذاهب الصابئين في ذلك وأنهم يرون ان هذه المراتب على ترتيب الأفلاك التسعة، وكذلك مذاهب أصحاب الاثنين في ذلك قبل ظهور مانى، وأسماء كل فرقة منهم، وما رتب لها من ذوى الرئاسات الديانية تشبيها بما علا من الجواهر العلوية والأجسام السمائية قال المسعودي: فلنرجع الآن الى سياقة الملوك على الترتيب الرابع والعشرون قسطا بن قسطنطين، ملك خمس عشرة سنة وذلك في خلافة على بن أبى طالب عليه السلام وصدرا من أيام معاوية بن أبى سفيان

الخامس والعشرون هرقليانس بن قسطنطين، وهو هرقل الأصغر وقيل ان جده هرقل الأكبر ملك أربع سنين وثلاثة أشهر في أيام معاوية السادس والعشرون قسطنطين بن قسطا، ملك ثلاث عشرة سنة، بقية أيام معاوية، وأيام يزيد، ومروان بن الحكم، وصدرا من أيام عبد الملك بن مروان السابع والعشرون اسطنيانس المعروف بالأخرم، ملك تسع سنين في أيام عبد الملك ثم خلع وخرم أنفه وقطع عرق تحت لسانه ليخرس، فسلّم من ذلك وحمل إلى بعض الجزائر فهرب ولحق بملك الخزر مستنجدا به وتزوج هناك فلم ير عندهم ما يحب، فصارا إلى طرفلا ملك برجان الثامن والعشرون أولنطس وقيل لونطس، ملك ثلاث سنين في أيام عبد الملك ثم زهد في الملك وأظهر العجز عنه فلحق بالدير فترهب التاسع والعشرون أبسيمر المعروف بالطرسوسي، ملك سبع سنين في أيام عبد الملك فسار اسطنيانس الاخرم ومعه طرفلا ملك برجان منجدا له في جيوش كثيفة فكانت له مع أبسيمر حروب يطول شرحها قد ذكرناها في كتاب (أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان) من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة فغلب اسطنيانس على الملك وخلع ابسيمر، وكان ذلك في السنة الأولى من ملك الوليد بن عبد الملك واستوى الأمر له الملك الثاني وهو الثلاثون من ملوكهم وقد كان شرط لطرفلا ملك برجان إذا رجع الملك اليه أن يحمل اليه في كل سنة خراجا، وكان يفعل ذلك واشتد عسفه للروم وبسط يده في القتل فيهم وأباد كثيرا من رؤسائهم وبطارقتهم فأجمعوا على قتله فقتلوه، فكان ملكه الثاني سنتين ونصفا الحادي والثلاثون فيلبقوس ملك سنتين وستة أشهر بقية أيام الوليد وهلك في أول سنة من ملك سليمان بن عبد الملك

الثاني والثلاثون نسطاس بن فيلبقوس ملك ثلاثة أشهر على تحزب كثير واختلاف كلمة ثم خلع ونفى الثالث والثلاثون تيدوس المعروف بالارمنى كان ملكه في السنة التي بويع فيها سليمان بن عبد الملك فبعث اليه سليمان أخاه مسلمة لغزو القسطنطينية برا وبحرا وذلك في سنة 97 وكان في مائة ألف وعشرين ألف مقاتل وكان على أسطول المسلمين في البحر عمر بن هبيرة الفزاري فانضم إلى مسلمة بطريق يعرف بأليون بن قسطنطين المرعشي وضمن له أن يناصحه على أهل القسطنطينية فركن مسلمة إلى ذلك وعبر الخليج وحصر القسطنطينية فوجه أهلها الى مسلمة يبذلون الفدية فأبى فمكر به أليون واستأذنه في مكاتبة رؤساء الروم والتوسط بينه وبينهم فكاتبهم وسار اليهم، فخلا بالبطريرك صاحب كرسي القسطنطينية ورئيس الديانة وسائر البطارقة أصحاب السيوف وولاة الأعمال فدعاهم إلى أن يملكوه عليهم ليقوم بأمرهم ويصرف مسلمة عنهم وذكر لهم ضعف تيدوس ملكهم عن مقاومته فأجابوه الى ذلك وعاد الى مسلمة فأخبره أنهم قد دخلوا في طاعته وسأله التبعد عنهم قليلا وترك حصارهم ليطمئنوا اليه ففعل ذلك فدخل أليون القسطنطينية فملك ونصب التاج على رأسه، فأمر بنقل ما كان مسلمة أعده من الأقوات لعسكره فأدخل القسطنطينية وبلغ مسلمة ذلك فعلم أنه ممكور به فرجع الى حصارهم وعاودهم الحرب وعظم البلاء على من مع مسلمة لذهاب أقواتهم وولى عمر بن عبد العزيز على تلك الحال فكتب الى مسلمة يأمره بالقفول واستحثه على ذلك فقفل بعد كره شديد وخطب طويل وذلك في سنة 100 وقد أتينا على شرح هذه الحروب وما كان فيها من الحيل والمكايد في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) الرابع والثلاثون أليون بن قسطنطين ملك ستا وعشرين سنة بقية أيام سليمان

ابن عبد الملك، وأيام عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام، وهلك في السنة التي بويع فيها الوليد بن يزيد الخامس والثلاثون قسطنطين بن أليون ملك احدى وعشرين سنة أيام الوليد ابن يزيد، ويزيد بن الوليد، ومروان بن محمد، وأبى العباس السفاح، وعشر سنين من خلافة المنصور السادس والثلاثون أليون بن قسطنطين ملك سبع عشرة سنة واربعة أشهر، بقية أيام المنصور، وخمس سنين من خلافة المهدي. السابع والثلاثون ريني امرأة أليون بن قسطنطين وتفسير «ريني» صلاح ثم لقبت بعد ذلك أغسطة وملك معها ابنها قسطنطين بن اليون فلم يزالا ملكين بقية أيام المهدي، وأيام الهادي، وصدرا من خلافة الرشيد. وكانت هي تمضى الأمور والاسم لابنها، وكانت كالمهادنة للمهدي والهادي والرشيد، فلما نشأ ابنها أفسد وتعدى وطغى ونابذ الرشيد ونقض ما كان بينهم من الصلح، فغزاه الرشيد وأوقع به فهرب فكاد أن يؤخذ فلما صار الى قراره خافت أمه أن يكر عليهم الرشيد وكان طغيان ابنها وقبح سياسته قد ظهر في رعيته حتى سبوه وأنكروه، فاحتالت عليه أمه ليبقى ملكها عليها فأمرت بمرآة فأحميت في حال نومه ثم أنبهته وقابلته بالمرآة ففتح عينيه على غرة فذهب بصره. وكان مدة ملكه مع أمه سبع عشرة سنة وتفردت بالأمر خمس سنين وذلك في أيام الرشيد وهادنت الرشيد وحملت إليه الاتاوة فتطرق بذلك عليها نقفور فأعين وعوضد حتى خلعت وانتزع الملك منها وذلك في سنة 187 وهي في بلاط بنته بالقسطنطينية يعرف بالابتار والى هذا الوقت ولغثيطها الياطس، وكان ذا رأى وحزم وسياسة، والبلاط القصر، وفي هذا البلاط مينا عليه سلسلة فيه ينزل رسل العرب إذا قدموا للفداء

الثامن والثلاثون نقفور بن استبراق ملك سبع سنين وثلاثة أشهر في أيام الرشيد وهلك في أول خلافة الأمين وقيل إنه كان من ولد جفنة من غسان ممن تنصر آباؤه وقيل بل من ولد متنصرة إياد الذين دخلوا في أرض الروم من بلاد الجزيرة في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وبايع لابنه استبراق بالملك بعده ولم يعهد هذا فيمن سلف من ملوك الروم، وكانت كتبه تصدر من نقفور واستبراق ملكي الروم، وكانت ملوك الروم قبله تحلق لحاها، وكذلك ملوك الفرس لأمور قد ذكرناها في غير هذا الكتاب فأبى ذلك نقفور وقال هذا تغيير لحق البارئ سبحانه، وكانت مرتبته قبل أن يلي الملك لغثيط وهي ولاية ديوان الخراج. وكانت ملوك الروم تكتب على كتبها من فلان ملك النصرانية فغير ذلك نقفور وكتب ملك الروم، وقال هذا كذب ليس أنا ملك النصرانية أنا ملك الروم والملوك لا تكذب، وأنكر على الروم تسميتهم العرب «ساراقينوس» تفسير ذلك عبيد سارة طعنا منهم على هاجر وابنها إسماعيل، وانها كانت أمة لسارة وقال تسميتهم عبيد سارة كذب، والروم الى هذا الوقت تسمى العرب ساراقينوس وكان مقتل نقفور في حرب كانت بينه وبين برجان في سنة 193، وقد أتينا على أخباره مع الرشيد وحروبه لبرجان وقتلهم إياه وغير ذلك من أخباره في كتاب (مروج الذهب، ومعادن الجوهر) التاسع والثلاثون استبراق بن نقفور بن استبراق ملك شهرين. الأربعون ميخائيل بن جورجس وكان ابن عم نقفور وصهره ملك سنتين في أيام الأمين وقيل أكثر من ذلك فوثب به أليون المعروف بالبطريق وغلب على الأمر وأقام ميخائيل قبله مخفيا أمره، وأشاع هلكه بعد أن ناله بأنواع المكاره.

الحادي والأربعون أليون المعروف بالبطريق، ملك سبع سنين وثلاثة أشهر، وذلك بقية أيام الأمين، وصدرا من خلافة المأمون، فاحتال صنائع ميخائيل فاستخلصوه فوثب باليون وهو مغثر فقتله وعاد الملك اليه وقيل إنه في حال غلبة أليون على الأمر ترهب. الثاني والأربعون ميخائيل بن جورجس الملك الثاني ملك تسع سنين في أيام المأمون وقيل أكثر من ذلك وقد أتينا على خبره وما كان من أمره وعوده الى الملك ثانية في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) الثالث والأربعون توفيل بن ميخائيل ملك أربع عشرة سنة بقية أيام المأمون وأيام المعتصم وصدرا من أيام الواثق، وهو الّذي فتح مدينة زبطرة من الثغور الجزرية فخرج المعتصم نافرا غازيا حتى نزل على عمّورية فافتتحها وذلك في سنة 223 وكان دخوله من الثغور الشأمية ودخل الافشين خيذر بن كاوس الاشروسنى فيمن كان معه من الأولياء وعمر بن عبيد الله بن مروان الأقطع السامي صاحب ملطية من الثغور الجزرية فلقيهم الملك توفيل بن ميخائيل فكانت بينهم حروب عظيمة فانكشف الملك وحماه من كان معه من المحمرة والخرمية، ممن كان استأمن اليه من ناحية آذربيجان والجبال لما واقعهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الطاهري وكانوا ألوفا، ولحق الافشين بالمعتصم فنزل معه على عمّورية وفي ذلك يقول الحسين بن الضحاك الخليع الباهلي في قصيدة له طويلة يمدح أبا الحسن الأفشين. أثبت المعصوم عزا لأبى ... حسن أثبت من ركن إضم كل مجد دون ما أثله ... لبني كاوس أملاك العجم لم يدع بالبذ من ساكنة ... غير أمثال كأمثال إرم وقرى توفيل طعنا صادقا ... فض جمعيه جميعا وهزم وقد ذكره أبو تمام في قصيدته التي مدح بها المعتصم وذكر فتح عمّورية

التي أولها: السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب وقال: لما رأى الحرب رأى العين توفلس ... والحرب مشتقة المعنى من الحرب وقال الحسين بن الضحاك أيضا: في كلمة له طويلة يخاطب المعتصم. لم تبق من أنقرة نقرة ... واجتحت عمّورية الكبرى إن يشك توفيل بتاريخه ... فحق أن يعذر بالشكوى وقال: تفنى بنو العيص وأيامهم ... وذكر أيامك لا يفنى يا رب قد أملكت من بابك ... فاجعل لتوفيلهم العقبي وإنما ذكرنا هذه الشواهد لأن فريقا ممن لا علم له بسير الملوك وأيامهم ذهبوا الى أن المواقع للأفشين والّذي فتحت عمّورية الكبرى في أيامه هو نقفور الّذي كان في أيام الرشيد، وما ذكرنا أشهر وأوضح إذ كان من الكوائن التي يشترك الناس في علمها بسبب شهرتها، واستفاضة انبائها، ولكن الحاجة دعت الى الاستشهاد. الرابع والأربعون ميخائيل بن توفيل ملك ثمانيا وعشرين سنة بقية أيام الواثق والمتوكل والمتنصر والمستعين وكانت أمه تدورة تدبر الملك معه ثم أراد قتلها لأمر كان منها، فهربت ولحقت بالدير فترهبت. ونازعه في الملك رجل من أهل عمّورية من أبناء الملوك السالفة يعرف بابن بقراط فلقيه ميخائيل وقد أخرج من في سجونه من المسلمين للقتال معه، وقواهم بالخيل والسلاح فظفر بابن بقراط فشوه بخلقه ولم يقتله لأنه لم يلبس ثياب الفرفير والخف الأحمر، وقتل ميخائيل بسيل الصقلبى جد قسطنطين بن لاون بن بسيل الملك على الروم في هذا الوقت

المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 في خلافة المطيع وكان قتله إياه في سنة 253 في خلافة المعتز وقيل في سنة 252. الخامس والأربعون بسيل الصقلبى ملك عشرين سنة أيام المعتز والمهتدي وصدرا من خلافة المعتمد وكانت أمه صقلبية فنسب اليها فقيل الصقلبى. قال المسعودي: وقد أتينا على خبره وبدء أمره وخروجه من بلده وهو بند تراقية إلى القسطنطينية ملتمسا للرزق طالبا للمعاش وما كان عليه من الشدة والشجاعة والهمة والمعرفة بأمور الخيل، وكيف اتصاله بميخائيل بن توفيل إلى أن صار المدبر لخيله وانتقاله في المراتب إلى أن سمى «براكنميس» تفسير ذلك المدبر للملك وقيل ان توفيل استحضره لما نمي اليه خبره وخبر الامرأتين اللتين تزوج الملك بإحداهما وزوجه الأخرى إذ كانت شريعتهم تمنع من الجمع بينهما وكان الملك يختلف اليهما، وما توجه لبسيل عليه من الحيلة حتى قتله وصفا له الملك وغير ذلك من أحواله في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) السادس والأربعون أليون بن بسيل ملك ستا وعشرين سنة بقية أيام المعتمد والمعتضد والمكتفي وصدرا من أيام المقتدر، وقيل ان وفاته كانت في سنة 297. السابع والأربعون أخوه الاكصندرس بن بسيل ملك سنة وقيل أكثر من ذلك وقيل إنه اغتيل لسوء سيرته وقبح سياسته. الثامن والأربعون قسطنطين بن لاون بن بسيل ملك وله نحو من ست سنين وقيل أكثر من ذلك في سنة 301 وغلب على أمره بطريق البحر وصاحب مغازيه رومانوس فقام بأمر الملك وشرط على نفسه شروطا منها أنه لا يطلب الملك ولا يريده ولا يتسمى به ولا أحد من ولده. وأقام على ذلك نحوا من سنتين. ومن رسوم ملوك الروم ألا يجلس معهم في

مجلسهم أحد ولا يلبس خفين أحمرين غيرهم فجعل لأرمانوس أن يجلس معه ويلبس خفا أحمر والآخر اسود، ثم نقض الشروط وسمى نفسه ملكا ولبس انتاج والثياب الفرفير التي لا يلبسها الا الملوك وخفين أحمرين وحجر على قسطنطين. ونشأ لأرمانوس أربعة أولاد فخصى الأوسط واسمه توفيلقطس، وجعله خادما للكنيسة فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال جعله بطريركا وهو ملك الدين والقيم به كما ان الملك صاحب السيف، فهو صاحب كرسي القسطنطينية الى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وصاحب الكرسي هو شريك الملك ليس يساوى الملك في الخلق أحدالا هو، ولا يكفر الملك الا له، وإذا جلس الملك جلس على كرسي من ذهب وجلس البطريرك على كرسي من حديد فما كان من نفقات الحرب وجباية الخراج وإعطاء الجند فهو الى الملك، وما كان من أموال الاحباس والوقوف لنفقات الكنائس والديرة والأساقفة والرهبان وما أشبه ذلك من أمر دينهم فهو الى البطريرك، وله في كل بند عامل مثل عامل الملك، والبطريرك لا يأكل اللحم ولا يطأ النساء ولا يتقلد السيف ولا يركب الخيل وإذا أراد أن يركب ركب حمارا وحول رجليه على جانب مثل ركوب النساء. وكان أولاد أرمانوس الباقون اخرصطفورس، واصطفن، وقسطنطين وكانوا جميعا يخاطبون بالملك وزوج أرمانوس ابنته «إلنا» بقسطنطين فكانت تخاطب بالملكة أيضا. وولد لقسطنطين الملك منها ولد سماه ارمانوس فهو ولى عهده والمرشح للملك بعده في هذا الوقت وهلك اخرصطفورس وبقي أخواه قسطنطين واصطفن فلم يزل الأمر على ذلك الى نحو من سنة 330 للهجرة فواطأ ابنا ارمانوس قسطنطين بن لاون على ازالة أبيهم ارمانوس عن الملك ليصفو لهم الأمر فدخلوا عليه في بعض الأيام في عدة من الناس فقبضوا عليه وانفذوه الى دير

كان بناه في الجزائر بالقرب من القسطنطينية وأقام ولداه مع قسطنطين نحوا من أربعين يوما وعملا على الفتك به والاستيلاء على الملك ونذر بما دبراه فسبقهما الى ذلك فأحضرهما طعامه وقد أعدلهما عدة من خواصه فقبض عليهما ونفاهما الى جزيرتين في البحر منفردتين ففتك أحدهما وهو قسطنطين يالموكل به ورام من أصحابه وأهل الجزيرة طاعته فقتلوه وحملوا رأسه إلى الملك قسطنطين فأظهر الجزع عليه، وتوفى ارمانوس بعد اربع سنين من ترهبه وبقي اصطفن في هذه الجزيرة الى هذا الوقت على ما ينمى إلينا من أخبارهم ونحن بفسطاط مصر ممن يرد في المراكب من القسطنطينية من التجار والرسل الى السلطان بها، وصفا الملك لقسطنطين فبقي في الملك بقية أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقى والمستكفي والى هذا الوقت من خلافة المطيع قال المسعودي: وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) خبر من خرج عليه من الخوارج ونازعه في الملك قبل استيلاء ارمانوس عليه وقيامه به كقسطنطين بن اندرونقس الملقب بدوقاس وكان أبوه اندرونقس استأمن الى المكتفي من ناحية طرسوس وكان صاحب جيش اليون ملك الروم وصار الى مدينة السلام في سنة 294 وأسلم على يد المكتفي ثم هلك فهرب ابنه هذا على طريق الجبل وارمينية وآذربيجان فكثر اتباعه والمعاضدون له وصار الى القسطنطينية ونازع قسطنطين بن اليون على الملك وكاد ان يتم له ثم وثب به صنائع قسطنطين فقتلوه وذلك في سنة 301 وكقرقاس أخى الدمستق بارزوس بن الفقاس المساجل في هذا الوقت لأبى الحسن على بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث العدوي عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب صاحب جند حمص وجند قنسرين والثغور الشأمية والجزيرة وديار مضر وديار بكر والمواقع له مرة بعد أخرى،

وكان قرقاس طلب الملك وطمع فيه فقبض عليه وسمل وقد أتينا على سير هؤلاء وأخبارهم وحروبهم مع سائر الأمم وما بنوا من المدن وكوروا من الكور وشيدوا من الهياكل حين كانوا على الحنيفية والكنائس حين دانوا بالنصرانية وما كان من الكوائن والاحداث في أيامهم ودياناتهم ووجوه سياساتهم الى هذا الوقت والتنازع في أعدادهم وما ملكوا من السنين وما كان بينهم وبين ملوك الفرس وغيرهم من الأمم من الحروب والوقائع والزحوف والحيل والمكايد وما كان بينهم وبين خلفاء المسلمين وملوكهم من المغازي والوقائع المشهورة في البر والبحر وأخبار الرسل والوفود بينهم والمهادنات والأفدية وغير ذلك، والتنازع في أنساب الروم وما قيل في وما يذهب اليه بعض ذوى المعرفة منهم والدراية في هذا الوقت من أنهم ولد رومي ابن لنطى بن يونان بن نويه بن سرجون بن بزنط بن توفيل بن رومي بن الأصفر بن اليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم فسموا باسم جدهم وأضيفوا إليه ومن قال منهم انهم من ولد روم بن سملاحين بن هريا بن علقا بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم وغير ذلك من الأقاويل في كتاب (أخبار الزمان، ومن اباده الحدثان) ، من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة في الكتاب الأوسط وفي النسخة الاخيرة من كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) التي قررنا أمرها في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهي أضعاف ما تقدم من النسخ وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب ذخائر العلوم وفي كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه وقد خصصنا كل كتاب منها من أخبارهم بما لم تخصص به الآخر إلا ما لا يسع تركه، وإنما ذكرنا في هذا الكتاب جملا وجوامع استذكارا لما تقدم

ذكر بنود الروم وحدودها ومقاديرها، وما يتصل منها بالخليج، وبحر الروم والخزر وما اتصل بذلك من اللمع المنبهة على ما تقدم من تأليفنا فيما سلف من كتبنا

وقد قدمنا في أول أخبار الروم من هذا الكتاب أن عدة ملوك الروم ثمانية وسبعون ملكا من الصابئين والمتنصرة قبل الإسلام وبعده وان مدة سنيهم إلى ملك قسطنطين هذا تسعمائة سنة وست وستون سنة وشهر وفصلنا ما ملكه الصابئون والمنتصرة فاذ قد ذكرنا الروم وأنسابهم وتاريخ سنيهم وطبقات ملوكهم إلى وقتنا هذا فلنذكر الآن حدود بلادهم وبنودهم وما يتصل منها بالبحار وما لا يتصل ذكر بنود الروم وحدودها ومقاديرها، وما يتصل منها بالخليج، وبحر الروم والخزر وما اتصل بذلك من اللمع المنبهة على ما تقدم من تأليفنا فيما سلف من كتبنا أرض الروم أرض واسعة في الطول والعرض آخذة في الشمال بين المشرق والمغرب، مقسومة في قديم الزمان على أربعة عشر قسما: أعمال مفردة، تسمى البنود كما يقال: أجناد الشام، كجند فلسطين، وجند الأردن، وجند دمشق، وجند حمص، وجند قنسرين. غير أن بنود الروم أوسع من هذه الأجناد وأطول والروم يسمون بلادهم أرمانيا، ويسمون البلاد التي سكانها المسلمون في هذا الوقت من الشأم والعراق سوريا. والفرس إلى هذا الوقت تقارب الروم في هذه التسمية، فيسمون العراق والجزيرة والشأم «سورستان» اضافة الى السريانيين الذين هم الكلدانيون ويسمون سريان ولغتهم سورية وتسميهم العرب النبط. فالبند الأول يسمى «الافتى ماتى» تفسير ذلك الأذن والعين وهو «بند

الناطليق» أعظم بنود الروم فيه عمّورية، أوله مما يلي بلاد الإسلام من الثغور الشامية حصن هرقلة وأول عمل الناطليق رستاق يعرف بغصطوبلى وفيه يقوم سوق البخور وهو سوق يقوم في السنة مرة. البند الثاني «بند الابسيق» فيه مدينة نيقية، أول عمل هذا البند غصطوبلى وآخره خليج القسطنطينية فهذان البندان من دار الإسلام الى خليج القسطنطينية في الطول يكون أميالا أربعمائة ميل واربعة وثلاثين ميلا. البند الثالث «يسرة الناطليق» ويعرف «بترقسين» وهو بند افسيس مدينة أصحاب الكهف ومدينة زمرنى، اخرج هذا البند عدة من الحكماء في سالف الزمان فلاسفة وأطباء، فمن الأطباء روفس الافسيسى له مصنفات كثيرة في الطب وجالينوس يمدحه في كثير من كتبه ويذم روفس الحينيطى، وهذا البند متصل ببحر الروم والشأم. البند الرابع «بند بنطيليا» وهي «دقابلى» يتصل بالبحر الرومي أيضا وفي آخر هذا البند عمل سلوقية وحصن بوقية واللامس، الّذي يكون فيه الفداء بين المسلمين والروم ومنه الى طرسوس خمسة وثلاثون ميلا وهو بند ضيق وحروب المسلمين عليه برا وبحرا فهذان البندان متصلان من دار الإسلام على البحر الرومي الى خليج القسطنطينية أيضا يكون طولهما ثلاثمائة ميل وخمسة وستين ميلا. البند الخامس «بند القباذق» وهو يمنة عمّورية فيه قرة وحصن يدقسى وحصن سلندو وذو الكلاع- واسمه بالرومية كوبسطرة- وقونية ووادي سالمون ووادي طامسة، وأول عمل هذا البند مما يلي الثغور الشأمية مطمورة تعرف بماجدة من قلعة لؤلؤة على نحو عشرين ميلا وآخره نهر آلس وتفسير «آلس» بالعربية نهر الملح وهو نهر مقلوب يجرى مما يلي الجنوب مستقبلا للشمال كنيل مصر ومهران السند ونهر انطاكية المعروف بالارنط وما عدا ذلك من الأنهار الكبار

فمصبها كلها من الشمال الى ناحية الجنوب لارتفاع الشمال على الجنوب وكثرة مياهه وقد أتينا على علة ذلك فيما سمينا من كتبنا. البند السادس «بند البقلار» وهو بند عمل انقرة وأول عمل انقرة نهر آلس وهو آخر عمل القباذق وآخر عمل البقلار بحر الخزر الّذي هو بحر ما يطس فهذان البندان متصلان من دار الإسلام الى بحر الخزر في الطول يكون أميالا اربعمائة ميل وخمسة وأربعين ميلا، وليس للروم أطول من بند البقلار هذا، ولا أكثر رجالة منه. البند السابع «بند الافطماط» وهو عمل نقمودية، وهو بند مربع بين البقلار والابسيق وآخر عمل هذا البند خليج القسطنطينية، وعرض الخليج هناك ميل ويسمى ذلك الموضع الى هذا الوقت أقروبلى. وقد قدمنا صفة ذلك فيما سلف من هذا الكتاب في ملك قسطنطين بن هيلانى عند ذكر بنائه القسطنطينية ووصف خليجها والعدوات الست التي عليه البند الثامن «بند الارمنياق» يمنة البقلار، وهو عمل ماسية وفي طرف هذا البند عمل خرشنة، وآخره بحر ما يطس الّذي يسميه كثير من الناس بحر الخزر وانما هو متصل به لأن بحر الخزر هو الّذي عليه دور الأعاجم كالباب والأبواب وموقان والجبل والديلم، وآبسكون ساحل جرجان، والبهم ساحل آمل قصبة طبرستان على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند إخبارنا عن البحار وترتيبها وما يصب اليها من كبار الأنهار البند التاسع «بند فلاغونية» وهو يمنة الارمنياق وفي طرفه عمل قلونية، فهذه تسعة بنود دون الخليج مما يلي الثغور الشأمية والجزرية وغيرها من بلاد الإسلام، والخمسة الباقية من البنود وراء الخليج متصلة بالقسطنطينية وهي «بند طابلا» ومنه القسطنطينية حده من جهة المشرق الخليج الآخذ من بحر الخزر الى بحر الشأم

ومن القبلة بحر الشأم، ومن المغرب سور ممدود من بحر الشأم الى بحر الخزر يسمى «مقرون تيخس» تفسيره السور الطويل، طوله مسيرة أربعة أيام وبينه وبين القسطنطينية يومان وأكثر هذا البلد ضياع الملك والبطارقة، ومروج المواشي «بند تراقية» «بند مقدونية» «بند بلبونيسة» تفسير ذلك الجزائر الكثيرة، وقيل البلدان الكثيرة وهو غربي القسطنطينية فيه خرقيذية ومثونية وقرنتو واثينس وهي مدينة أرسطاطاليس بن نيقوماخس وثاوفرسطس، ودار أرسطاطاليس فيها بينة الى هذا الوقت معروفة معظمة «بند سالونيكة» التي افتتحها لاون غلام زرافة في البحر سنة 29 في خلافة المكتفي وهي مدينة عظيمة بنيت قبل القسطنطينية بناها الإسكندر بن فيلبس الملك وقد غلبت البرغر وأجناس من الترك بدو يسمون «الولندرية» اضافة الى مدينة في أقاصى ثغور الروم مما يلي المشرق تعرف بولندر وهم بجناك ويجنى وبجغرد ونوكبردة على أكثر هذه البنود الخمسة وذلك بعد العشرين والثلاثمائة وخيموا هناك ومنعوا الطريق من القسطنطينية الى رومية وهو مسافة نحو أربعين يوما وأخربوا أكثر ما هناك من العمائر، واتصلت غاراتهم بالقسطنطينية فلا وصول لمن في القسطنطينية الى رومية في هذا الوقت الا في البحر، وانما العمارة بينهما مما يلي القسطنطينية مسيرة أيام كثيرة وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) السبب في انتقال هذه الأجناس الأربعة من الترك عن المشرق وما كان بينهم وبين الغزية والخرلخية، والكيماكية من الحروب والغارات على البحيرة الجرجانية، واليها يصب نهر جيحون ونهر الشاش وفرغانة وبلاد الفاراب تجرى فيها السفن الكبار من بلاد خوارزم الى بلاد الشاش وغيرها بأنواع التجارات

على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، وليس في المعمور أكبر منها لأنها مسيرة شهر في مثل ذلك، وقيل أكثر على ما قدمنا وماؤها عذب ويليها في العظم بحيرة المارزبون بأرض الروم، وسبب مسيرهم الى هذه الديار. وكان صاحب رومية منقادا الى صاحب القسطنطينية مطيعا له ممتثلا لأمره لا يلبس تاجا ولا يتسمى بالملك على ذلك جرت رسومهم قديما قبل ظهور الإسلام الى نحو سنة 340 للهجرة فان صاحب رومية قوى أمره وكثرت جموعه، فلبس التاج والثياب الفرفير والخفاف الحمر وغير ذلك مما يختص به ملك الروم وتسمى ملكا فلما بلغ قسطنطين بن أليون الملك على الروم في هذا الوقت ذلك أنفذ اليه الجيوش فعادت اليه منكوبة مهزومة فكاتبه حينئذ ورضى منه بالمسالمة وقد كان جرى بينهما مصاهرة قبل هذه المنابذة، زوج ملك رومية ابنته بأرمانوس بن قسطنطين وحملها اليه وجهزها بأفخر ما تجهز به بنات الملوك وأعظمه قدرا فهلكت عنده وسائر أجناس الافرنجية من الجلالقة والجاسقس والوشكنس وارماتجس وأكثر الصقالبة والبرغر وغيرهم من الأمم فدائنون بالنصرانية منقادون الى صاحب رومية، ورومية دار مملكة الافرنجة العظمى قديما وحديثا وقد ذكر ذلك أرسطاطاليس في رسالته الى الإسكندر التي يحرضه فيها على المسير لحرب دارا بن دارا ملك فارس فقال «انك أيها الملك قد رأيت أمارات الظفر عند مسيرك أولا الى الافرنجة، فان مشايخهم الذين كانوا على تخوم بلادهم، لما دنوت منهم أسلموا اطراف بلادهم والتجئوا الى مدينتهم العظمى رومية» قال المسعودي: وكانت مساكن الروم واليونانيين متجاوزة كمجاورة مكان

العراق وهم النبط للفرس سكان فارس والأهواز وارض الجبال من الماهات وغيرها على ما ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب في باب الأمم السبع قبل تجيل الأجيال وتحزب الأمم، الى أن غلبت الروم على ديار اليونانيين، وصار الجميع روما كغلبة الفرس على مملكة النبط غير ان كل فريق منهم يحفظون أنسابهم ويرجعون إلى شعوبهم، وقد ذكرنا في أخبار اليونانيين من كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) ، أن هذه البنود التسعة التي تلى ارض الإسلام في هذا الوقت كانت ديار اليونانيين فإلى وراء الخليج بأيام وكانت ديار الروم ما وراء ذلك الى وراء بلاد رومية وارض الافرنجة برا وبحرا، وذلك نحو من خمسمائة فرسخ إلى أن تتصل ببحر أوقيانوس المحيط وبلاد الأندلس، وأتينا على أخبار هذه البنود ومقاديرها وما يتصل منها بالبحر وما لا يتصل، وما فيها من الحصون العظام والموانى والبحيرات والأنهار والهوتات والحمات. وما وطئ منها المسلمون في أيام مغازيهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وحدودها، وبماذا التنازع في أسمائها، والى ماذا أضيفت وولاتها ومراتبها ومواضعهم وسماتهم ومقادير جيوشهم، ومن يحاربهم من الأمم في البر والبحر، وما استرجعوه مما كان المسلمون غلبوا عليه من بلادهم، كملطية وشمشاط وحصن منصور وقلعة إبريق التي كانت مدينة البيالقة وكان بها عدة من بطارقتهم منهم قربياس مولى آل طاهر بن الحسين وخرسخارس وغيرهما ومدينة سيحان التي يخرج منها العيون التي هي أصل نهر سيحان وهو نهر أذنة من الثغر الشأمى وغير ذلك من الثغور الجزرية فإلى بلاد قاليقلا، وما يتصل بذلك من المشرق والشمال كإرمينية وغيرها والحصون التي عمرت مما كان المسلمون أخربوه في أول الإسلام مما يلي الثغور الشأمية وما غلبت عليه البرغر وبجناك من الترك وغيرهم من الولندرية من ثغور الروم في هذا الوقت، وخبر السور المسمى بالرومية «مقرون تبخس» تفسير ذلك

السور الطويل كما ذكرنا آنفا الحاجز بين بلاد برجان وبين البنود الخمسة التي وراء القسطنطينية المبنى في سالف الدهر بين جبلين عظيمين وهو دون النهر العظيم المسمى بالصقلبية «دنابى» وعرضه نحو من ثلاثة أميال على ما قدمناه ذكره وعليه كثير من البرغر والصقالبة وغيرهم من الأمم الواغلين في الشمال وقول من قال إنه جيحون نهر بلخ على ما ذكرناه فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار أنهار العالم الكبار ومصباتها في البحار وغير ذلك من أخبار الروم وبلادهم وإنما ذكرنا في هذا الكتاب لمعا استذكارا لما تقدم تصنيفه وتنبيها على ما سلف تأليفه وذكرنا فيما تقدم من كتبنا سائر الممالك والأمم ومساكنهم وملوكهم وسيرهم وسياساتهم وحروبهم ووجوه عباداتهم ممن سكن المشرق والمغرب والشمال والجنوب كالهند والصين والترك والخزر واللان، ومن سكن جبل القبق من اللكز ومن جاور الباب والأبواب وقرب من هذا الجبل من الأمم كاللان والسرير والخزر وجرزان والابخاز والصنارية وكشك والسكاسكية وغيرهم والابر وبرجان والروس والبرغر والافرنجة والصقالبة وأجناس السودان مع اختلاف ديارهم وبنائهم وتباينهم في مساكنهم ولغاتهم واخبار مصر والاسكندرية وملوكها ونيلها وما عليه من ممالك الكوشانيين وهم ولد حام بن نوح وأخبار الكلدانيين وهم السريانيون المسمون النبط وأخبار بنى إسرائيل وأنبيائهم وملوكهم ورؤسائهم وقوامهم والأربعة والعشرين كتابا التي تجتمع اليهود والنصارى عليها وتسميها اليهود الكتب الجامعة والنصارى كتب الصورة- والصورة القديمة اثنا عشر منها صغار واثنا عشر كبار، وتسمى أيضا كتب الأنبياء منها التوراة خمسة اسفار وليس تقرأ النصارى في الكنائس من التوراة الا السفر الأول وهو الخليقة، وغير ذلك مما تقدم عنها وتأخر

وأخبار العرب البائدة كعاد وعبيل ابني عوص بن أرم بن سام بن نوح، وثمود وجديس ابني عابر ابن أرم بن سام، وعمليق وطسم ابني لاود بن ارم ابن سام ابن نوح، ووبار بن أميم بن لاود بن أرم بن سام بن نوح، وجرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام، وعبد بن ضخم بن عبس بن هرم بن عابر بن أرم بن سام وغيرهم وتفرقهم عن أرض العراق بعد تبلبل الألسن، وما كان من قضية المجدل وما ارتجز به كل فريق منهم، وأخبار العرب الباقية من معد وقحطان وأنسابهم وأخبار ملوكهم، وأخبار ملوك حمير من التبابعة وغيرهم والتنازع في كمية أعدادهم، ومن قال إنهم سبعون تبعا واستشهد بقول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت أو النعمان بن بشير الأنصاريين لنا من بنى قحطان سبعون تبعا ... أقرت لها بالخرج منها الأعاجم وقول من قال أقل من ذلك وأكثر والسبب الّذي به سموا التبابعة ومن قال ان هذه السمة لم يكن يستحقها منهم الا من ملك اليمن وحضرموت واجتمعت له طاعتهم، ومن رأى انه انما قيل للملك منهم تبع تشبيها بالظل الّذي يتفيأ به وأن التبع في أصل اللغة الظل إذ كان الملوك السعداء ظلا لرعيتهم وكهفا لها وملجأ، واستشهادهم بقول ليلى الجهنية، وقيل قول سعدى الجهنية يرد المياه حضيرة ونفيضة ... ورد القطاة إذا اسمأل التبع يعنى ارتفع الظل وقيل لمعان غير ذلك، ومن سار منهم في البلاد ووطئ الممالك ووصاياهم وعهودهم وحكمهم ومغازيهم من لدن حمير وهو العرنجج ويسمي أيضا زيد بن سبإ وهو عبد شمس، الى زوال نظامهم، وانقضاء ملكهم بغلبة الحبشة عليهم والتنازع في مدة ما ملكوا من السنين من مكثر ومقلل وأقل ما قيل في مدة ملكهم ما حكاه محمد بن موسى الخوارزمي في زيجه في النجوم وغيره أن ذلك ألف وتسعمائة سنة وثمان وثلاثون سنة

ومن تلاهم من ذوى المراتب الملوكية كالأقيال والأذواء والمثامنة والعباهلة وغيرهم، وقيل ان الأذواء لم تكن مرتبة، وانما هي سماة لملوكهم، كذي الإذعار، وذي النار، وذي يزن، وذي رعين، وذي نواس، وذي كلاع، وذي أصبح، وغيرهم ومن ملكته الروم من اليمن بالشأم من تنوخ والضجاعم من سليخ بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وغسان استكفاء بهم من يليهم من بادية العرب أولهم جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وآخرهم جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة الّذي لحق بالروم بعد فتوح الشأم ومن ملكته الفرس بالحيرة من أرض العراق من بنى نصر بن لخم من النعامنة والمناذرة وهم ولد عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم واسمه مالك بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن كهلان ليكفوا بهم من يليهم من بوادي العرب أيضا وآخرهم النعمان بن المنذر الّذي قتله كسرى أبرويز وملك الحيرة بعده اياس بن قبيصة الطائي وغيره الى أن جاء الله بالإسلام وكان عدة من ملك الحيرة من بنى نصر والعباد وغسان وتميم وكندة والفرس وغيرهم نيفا وعشرين ملكا ملكوا خمسمائة سنة واثنتين وعشرين سنة وشهورا، وعمرو بن عدي هو صاحب المثل السائر «كبر عمرو عن الطوق» وهو ابن أخت جذيمة الأبرش الّذي قتلته الزباء ابنة عامر بن ظرب وجذيمة صاحب النديمين الذين يضرب بهما المثل، وفيهما قال متمم بن نويرة اليربوعي في مرثيته أخاه مالك بن نويرة

وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ومن ملك من كندة على معد وغيرها أولهم معاوية بن ثور بن مرتع وهو من كندة وآخرهم حجر بن الحارث بن عمرو أبو امرئ القيس بن حجر، وهو الّذي قتله بنو أسد بن خزيمة، وأخبار ولد نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد ابن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم- ربيعة ومضر وهما الصريحان من ولد إسماعيل بن إبراهيم- واياد وأنمار مع تنازع النساب فيهما من اليمن هم أم من نزار واستشهاد من ألحق ايادا بنزار بقول أبى دواد جويرية بن الحجاج الأيادي وفتو حسن أوجههم ... من اياد بن نزار بن معد وبقول الكميت بن زيد الأسدي اياد حين تنسب من معد ... وان رغمت أنوف الراغمينا وكانوا في الذؤابة من نزار ... وأهل لوائها مترزنينا وقول نساب اليمانية إنه اياد بن أحاظة بن سعد من حمير، واستشهاد من ألحق أنمارا بنزار بقول الكميت أيضا وأنمار وإن رغمت أنوف ... معديو العمومة والخؤول لهم لغة تبين من أبيهم ... مع الغر الشوادخ ذي الحجول وقول اليمن إنه أنمار بن أراش بن الغوث وهو الأزد بن نبت بن مالك ابن زيد بن كهلان وانه ولد له سبعة من الذكور فخمسة منهم يدعون بجيلة وواحد يدعى خثعما، وواحد ينسب والده الى الأزد. وسبب تفرق هذه القبائل وغيرها من معد عن الحجاز، وما قالته نساب القحطانية فيمن تخلج وتنقل عن قبائلهم الى معد وانتسبوا فيهم، وما قالته نساب المعدية فيمن تخلج أيضا وتنقل عن قبائلهم الى قحطان

ذكر الأفدية بين المسلمين والروم

والسبب الّذي لأجله انقادت القحطانية الى تمليك الملوك عليها وأبت المعدية ذلك، الى أن جاء الله بالإسلام، ولم سمت القحطانية أنفسها ومن تقدمها من العرب البائدة العرب العاربة وسموا معدا العرب المتعربة، وغير ذلك من فنون الأخبار وضروب السير والآثار، على الشرح والإيضاح قال المسعودي: فاذ ذكرنا اليونانيين وملوكهم وغلبة الروم عليهم ودخولهم في جملتهم، وملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء والمتنصرة قبل ظهور الإسلام وبعده الى وقتنا هذا وهو سنة 345 فلنذكر الآن ما كان من الأفدية والهدن بين الروم والعرب في أيام ولد العباس إذ لم يكن في أيام بنى أمية فداء معروف مشهور فنذكره بل كان يفادى بالنفر بعد النفر في سواحل الشأم ومصر والاسكندرية وبلاد ملطية وغيرها من الثغور الجزرية، إذ كانت أموية والثغور الشأمية عباسية ذكر الأفدية بين المسلمين والروم الفداء الأول: فداء أبى سليم كان أول فداء جرى في أيام ولد العباس في خلافة الرشيد باللامس من ساحل البحر الرومي على نحو من خمسة وثلاثين ميلا من طرسوس سنة 189 والملك على الروم نقفور بن استبراق يقال انه فودى بكل أسير كان بأرض الروم من ذكر وأنثى فيما ظهر، وذلك على يد القاسم ابن الرشيد وباسمه، وهو معسكر بمرج دابق من بلاد قنسرين من أعمال حلب وفيه قيل يا أيها النفر الغزاة ... النازلون بمرج دابق انى لغاز لو ترك ... ت الى حبيب لي موافق حضر هذا الفداء وقام به أبو سليم فرج خادم الرشيد المتولي له بناء

طرسوس في سنة 171 للهجرة وسالم البرلسي البربري مولى بنى العباس في ثلاثين ألفا من المرتزقة، وحضره من أهل الثغور وغيرهم من أهل الأمصار وغيرهم نحو من خمسمائة ألف، وقيل أكثر من ذلك بأحسن ما يكون من العدد والخليل والسلاح والقوة، قد أخذوا السهل والجبل وضاق بهم الفضاء. وحضرت مراكب الروم الحربية بأحسن ما يكون من الزي ومعهم أسارى المسلمين، وكان عدة من فودى به من المسلمين في اثنى عشر يوما ثلاثة آلاف وسبعمائة، وقيل أكثر من ذلك وأقل. والمقام باللامس نحو من أربعين يوما قبل الأيام التي وقع الفداء فيها وبعدها. وإنما نذكر في كل فداء يرد فيما بعد هذا الفداء الأيام التي وقع فيها الفداء لا مدة مقام الناس باللامس، إذ كان يطول ويقصر وفي هذا الفداء يقول مروان بن أبى حفصة في كلمة له طويلة يمدح بها الرشيد وفكت بك الأسرى التي شيدت لها ... محابس ما فيها حميم يزورها على حين أعيا المسلمين فكاكها ... وقالوا سجون المشركين قبورها الفداء الثاني: فداء ثابت في خلافة الرشيد أيضا باللامس في سنة 192 والملك على الروم نقفور بن استبراق أيضا، وكان القيم به ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي أمير الثغور الشأمية، حضره مئو ألوف من الناس، وكان عدة من فودى به من المسلمين في سبعة أيام ألفين وخمسمائة ونيفا من ذكر وأنثى الفداء الثالث: فداء خاقان في خلافة الواثق باللامس في المحرم سنة 231 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل وكان القيم به خاقان الخادم التركي وعدة من فودى به من المسلمين في عشرة أيام اربعة آلاف وثلاثمائة واثنين وستين من ذكر وأنثى، وقيل أربعة آلاف وسبعة وأربعين على ما في كتب الصوائف، وقيل أقل من ذلك

وفي هذا الفداء أخرج أهل زبطرة، وفيه خرج مسلم بن أبى مسلم الجرمي، وكان ذا محل في الثغور ومعرفة بأهل الروم وأرضها، وله مصنفات في أخبار الروم وملوكهم وذوى المراتب منهم، وبلادهم وطرقها ومسالكها، وأوقات الغزو اليها والغارات عليها، ومن جاورهم من الممالك من برجان والابر والبرغر والصقالبة والخزر وغيرهم وحضر هذا الفداء مع خاقان رجل يكنى أبا رملة، من قبل احمد بن أبى دواد قاضى القضاة يمتحن الأسارى وقت المفاداة، فمن قال منهم بخلق التلاوة، ونفى الرؤية فودى به وأحسن اليه، ومن أبى ترك بأرض الروم، فاختار جماعة من الأسارى الرجوع الى أرض النصرانية على القول بذلك، وأبى أن يسلم الانقياد الى ذلك، فنالته محن ومهانة الى أن تخلص الفداء الرابع: فداء شنيف في خلافة المتوكل باللامس في شوال سنة 241 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل، وكان القيم به شنيف الخادم مولاه، وحضر جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القرشي القاضي، وعلى بن يحيى الأرمني صاحب الثغور الشأمية فكان عدة من فودى به من المسلمين في سبعة أيام ألفين ومائتي رجل، وقيل ألفى رجل ومائتي امرأة، وكان مع الروم من النصارى المأسورين من أرض الإسلام مائة رجل ونيف فعوضوا مكانهم عدة أعلاج، إذ كان الفداء لا يقع على نصراني ولا ينعقد الفداء الخامس: فداء نصر بن الأزهر وعلى بن يحيى في خلافة المتوكل أيضا باللامس مستهل صفر سنة 246 والملك على الروم ميخائيل بن توفيل أيضا وكان القيم به على بن يحيى الأرمني أمير الثغور الشأمية ونصر بن الأزهر الطائي الشيعي من شيعة ولد العباس المراسل الى الملك في أمر هذا الفداء من

قبل المتوكل وعدة من فودى به من المسلمين في سبعة أيام ألفان وثلاثمائة وسبعة وستون من ذكر وأنثى وقد ذكر بعض من لحقنا أيامه من مصنفي الكتب في الكوائن والاحداث والسير والتواريخ أن فداء كان في أيام المعتز، والملك على الروم بسيل على يد شفيع الخادم في سنة 253 الفداء السادس: فداء ابن طغان في خلافة المعتضد باللامس في شعبان سنة 283 والملك على الروم أليون بن بسيل ابو قسطنطين بن أليون الملك على الروم في وقتنا هذا وكان القيم به احمد بن طغان أمير الثغور الشأمية وأنطاكية من قبل أبى الجيش خمارويه بن احمد بن طولون صاحب مصر وأجناد الشأم وديار مضر وغيرها وكانت الهدنة لهذا الفداء وقعت في أيام ابى الجيش في سنة 282 فقتل ابو الجيش بدمشق في ذي القعدة من هذه السنة، وتم الفداء في أيام ولده جيش ابن خمارويه فكان عدة من فودى به من المسلمين في عشرة أيام ألفين واربعمائة وخمسة وتسعين من ذكر وأنثى، وقيل ثلاثة آلاف رجل الفداء السابع: فداء رستم ويعرف بفداء الغدر في خلافة المكتفي باللامس في ذي القعدة سنة 292 والملك على الروم أليون بن بسيل أيضا، القيم به رستم ابن بردو الفرغاني أمير الثغور الشأمية، وكان عدة من فودى به من المسلمين في أربعة أيام ألفا ومائة وخمسة وخمسين من ذكر وأنثى، ثم غدر الروم وانصرفوا ببقية الأسارى الفداء الثامن: فداء رستم أيضا ويعرف بفداء التمام في خلافة المكتفي أيضا باللامس في شوال سنة 295 والملك على الروم أليون أيضا- القيم به رستم بن

بردو، وكان عدة من فودى به من المسلمين ألفين وثمانمائة واثنين وأربعون من ذكر وأنثى الفداء التاسع: فداء مؤنس في خلافة المقتدر باللامس في شهر ربيع الآخر سنة 305 والملكان على الروم قسطنطين بن أليون ملكهم في وقتنا هذا وارمانوس. وقسطنطين يومئذ صغير في حجره، وكان القيم به مؤنس الخادم وبشرى الخادم الافشينى أمير الثغور الشأمية وانطاكية، والمتوسط له والمعاون عليه أبو عمير عدي بن احمد بن عبد الباقي التميمي الأذني، وعدة من فودى به من المسلمين في ثمانية أيام ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستة وثلاثون من ذكر وأنثى الفداء العاشر: فداء مفلح في خلافة المقتدر أيضا باللامس في رجب سنة 313 والملكان على الروم قسطنطين وارمانوس وكان القيم به مفلح الخادم الأسود المقتدري وبشرى خليفة ثمل الخادم الدّلفى على الثغور الشأمية، وعدة من فودى به من المسلمين في تسعة عشر يوما ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة وثمانون من ذكر وأنثى الفداء الحادي عشر: فداء ابن ورقاء في خلافة الراضي باللامس في سلخ ذي القعدة وأيام من ذي الحجة سنة 326 والملكان على الروم قسطنطين وارمانوس وكان القيم به ابن ورقاء الشيباني من قبل الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات وبشرى الثملي أمير الثغور الشأمية وكان عدة من فودى به من المسلمين في ستة عشر يوما ستة آلاف وثلاثمائة ونيفا من ذكر وأنثى، وفضل في أيدي الروم من المسلمين ثمانمائة رجل ردوا وفودى بهم على نهر البدندون في مرار شتى، وزيد في الهدنة بعد انقضاء الفداء مدة ستة أشهر، لأجل من تخلف في أيدي الروم من المسلمين، حتى جمع الأسارى لهم

الفداء الثاني عشر: فداء ابن حمدان في خلافة المطيع باللامس في شهر ربيع الأول سنة 335 والملك على الروم قسطنطين وكان القيم به نصر الثملي أمير الثغور الشأمية من قبل أبى الحسن على بن عبد الله بن حمدان صاحب جند حمص وجند قنسرين وديار مضر وديار بكر والثغور الشأمية والجزرية وكان عدة من فودى به من المسلمين ألفين وأربعمائة واثنين وثمانين من ذكر وأنثى وفضل للروم على المسلمين قرضا مائتان وثلاثون، لكثرة من كان في أيديهم، فوفاهم أبو الحسن ذلك وحمله اليهم وكان الّذي شرح في هذا الفداء وابتدأ به الاخشيذ محمد بن طغج أمير مصر والشأم والثغور الشأمية، وكان ابو عمير عدي بن احمد بن عبد الباقي الأذني شيخ الثغر والمنظور اليه منهم قدم اليه الى دمشق في ذي الحجة سنة 334 ونحن يومئذ بها ومعه يوانس الانسيبطوس البطريقوس المسدقوس المترهب، رسول ملك الروم في إتمام هذا الفداء، وكان ذا رأى وفهم بأخبار ملوك اليونانيين والروم، ومن كان في أعصارهم من الفلاسفة، وقد أشرف على شيء من آرائهم والاخشيذ حينئذ شديد العلة فتوفى يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة من هذه السنة وسار ابو المسك كافور الاخشيذى بالجيش راجعا الى مصر، وحمل معه أبا عمير والمسدقوس الى بلاد فلسطين، فدفع اليهما ثلاثين ألف دينار من مال هذا الفداء، وصارا الى مدينة صور فركبا في البحر الى طرسوس فإلى ما وصلا اليها كاتب بشرى الثملي أمير الثغور الشأمية أبا الحسن بن حمدان ودعا له على منابر الثغور الشأمية، فجد في إتمام هذا الفداء فعرف به ونسب اليه قال المسعودي وهذا آخر فداء كان بين المسلمين والروم الى وقتنا المؤرخ

به كتابنا، وقد ذكرت أفدية غير هذه لم نجد لها حقيقة، لا اشتهر أمرها، ولا استفاض خبرها منها فداء كان في أيام المهدي على يد المعروف بالنقاش الأنطاكي، ومنها فداء كان في أيام الرشيد في شوال سنة 181 على يد عياض بن سنان أمير الثغور الشأمية، وفداء كان على يد ثابت بن نصر في أيام الأمين في ذي القعدة سنة 194، وفداء كان في أيام المأمون في ذي القعدة سنة 201 على يد ثابت أيضا، وفداء كان في أيام المتوكل سنة 247 على يد محمد بن على، وفداء كان في أيام المعتمد في شهر رمضان سنة 258 على يد شفيع ومحمد بن على والصحيح منها والمعول عليه هو ما رسمناه دون ما عداه، وقد ذكرنا في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) شرح هذه الافدية ومن حضرها وكيفية وقوعها ومن ترسل فيها وتوسطها بين المسلمين والروم وشروطها ومقادير النفقات فيها وهدنها وما كان بين المسلمين والروم من المغازي في البر والبحر من الصوائف والشواتي والربيعيات وما جرى بين الروم وبرجان والبرغر والترك وغيرهم من الوقائع المشهورة والحروب المذكورة، وغير ذلك فلنذكر الآن جامع تاريخ العالم والأنبياء والملوك وما اتصل بذلك

ذكر تأريخ الأمم والأنبياء والملوك، وجامع تأريخ العالم من آدم الى نبينا صلى الله عليه وعلى آله، وما اتصل بذلك

ذكر تأريخ الأمم والأنبياء والملوك، وجامع تأريخ العالم من آدم الى نبينا صلى الله عليه وعلى آله، وما اتصل بذلك ليس أمة من الأمم من الشريعيين وغيرهم ممن سلف وخلف إلا ولها تأريخ ترجع اليه وتعول عليه في أكثر أمورها ينقل ذلك خلف عن سلف وباق عن ماض إذ كان به تعرف الحوادث العظام، والكوائن الجسام، وما كان في الأزمان الماضية، والدهور الخالية، ولولا ضبط ذلك وتقييده لانقطعت الأخبار ودرست الآثار وجهلت الأنساب، ولذلك أخذ الإسكندر أهل مملكته بتقييد أيامه وحفظ تأريخه وسيره، لكيلا يضيع ما بان من أمره وحمد من سعيه، ولا يجهل كثرة من ناصب من الأعداء وقتل من الملوك، ووطئ من البلاد، وحوى من المملكة لعلمه بما يلحق كثيرا من الناس من التواني عن نقل الأخبار وتقييد السير والآثار، وإعراضهم عن ذلك إيثارا للدعة وميلا الى التخفيف. واحتذى فعله أردشير بن بابك لما قتل ملوك الطوائف واستوسقت له الأمور، وانقاد الناس الى طاعته، قام بضبط سيرته وعهوده وأيامه وحروبه، إلا أنه اطرح ما كان قبل ذلك وتناساه، لكي يكون الذكر لأيامه وسيرته، فضبط ذلك ضبطا شديدا الى يزدجرد بن شهريار آخر ملوكهم فكانت الأمم السالفة والأجيال الخالية والقرون الماضية تؤرخ الكوائن العظام والأحداث الكبار عندها، وتملك الملوك فمن أقر بالطوفان من الأمم كانوا يؤرخون به ثم أرخوا العام بتبلبل الألسن باقليم بابلى فاما المجوس فلإنكارهم كون الطوفان المستولى على جميع الأرض أرخوا بكيومرث

كلشاه معنى ذلك ملك الطين، وهو عندهم آدم أبو البشر وأصل النسل واليه ترجع الفرس في أنسابها على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب في آخر ملوك الفرس وطبقاتهم مجملا، وفي غيره من كتبنا مفسرا مشروحا ثم أرخوا بقتل داريوس الملك وظهور الإسكندر الملك، ثم ارخوا بظهور أردشير بن بابك وجمعه الملك واستيلاءه على ملوك الطوائف، ثم ارخوا بملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز بن هرمز بن خسرو أنوشروان بن قباذ الملك وهو آخر ملوكهم الى هذا الوقت وأول سنته يوم الثلاثاء وكان سوالف اليونانيين والروم والنبط وهم السريانيون يؤرخون بملوك لهم متقدمين وكوائن واحداث، ثم أرخوا بسنى الإسكندر بن فيلبس، فاستقر تاريخهم على ذلك الى هذا الوقت وقد تنوزع في مبدإ تاريخ الإسكندر فمنهم من رأى أن ذلك من ابتداء ملكه ومنهم من رأى ذلك من أول السنة السابعة من ملكه حين خرج عن بلاد مقدونية الى ناحية المغرب وغيرها من بلاد الأفرنجية، ومنهم من رأى ذلك من غلبته على إقليم بابل وقتله دارا بن دارا ومنهم من رأى أن ذلك من وفاته ومن آدم الى ملك الإسكندر خمسة آلاف سنة ومائة واحدى وثمانون سنة، وقيل خمسة آلاف سنة ومائتان وتسع وخمسون سنة، وبين الطوفان الى ملكه ألفان وتسعمائة وخمس وعشرون سنة، ومن فالغ بن عابر الى ملكه ألفان وثلاثمائة واربع وتسعون سنة، ومن إبراهيم الى ملكه ألف وثمانمائة وثلاث وخمسون سنة، ومن خروج بنى إسرائيل من مصر إلى ملكه ألف وثلاثمائة وست وأربعون سنة، ومن ملك داود الى ملكه سبعمائة سنة وأربعون سنة، ومن سبى نصر لبني إسرائيل الى ملكه مائتان وثلاث وستون سنة وقد ذهب قوم الى أن من ابتداء ملك نصر الى غلبة الإسكندر لدارا

اربعمائة سنة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وستة وخمسون يوما، ومنهم من رأى أن ذلك مائتا سنة وتسع وثمانون سنة، ومن الإسكندر الى صلب ايشوع عند النصارى ثلاثمائة واثنتان وأربعون سنة، ومن الإسكندر الى هذا الوقت الّذي ألف أبو الحسن على بن الحسين المسعودي فيه الكتاب وهو سنة 345 للهجرة ألف سنة ومائتا سنة وثمان وستون سنة وكانت القبط بأرض مصر تؤرخ بأول السنة التي ملك فيها بخت نصّر وأولها يوم الأربعاء، وقد ذكر ذلك ابطلميوس في كتاب المجسطي فأما تاريخهم في زيجه فمن أول سنى فيلبس ابى الإسكندر وأول سنته يوم الأحد وبين تاريخ فيلبس وتاريخ الإسكندر اثنتا عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرون يوما، ثم ارخوا بملك دقلطيانوس الملك، الملك القبطي لعظم ملكه، واستقر تاريخهم على ذلك الى هذه الغاية وبين تاريخ نصر وتاريخ يزدجرد ألف وثلاثمائة وتسع وسبعون سنة فارسية وثلاثة أشهر، وبين تأريخ فيلبس وتاريخ يزدجرد تسعمائة وخمس وخمسون سنة وثلاثة أشهر، وبين تاريخ الإسكندر وتأريخ يزدجرد تسعمائة واثنتان وأربعون سنة من سنى الروم ومائتان وخمسون يوما، وبين تأريخ الهجرة وتاريخ يزدجرد من الأيام ثلاثة آلاف يوم وستمائة وأربعة وعشرون يوما، فأول هذه التواريخ تاريخ بخت نصّر، ثم تأريخ فيلبس، ثم تاريخ الهجرة، ثم تاريخ يزدجرد. كذلك ذكر محمد بن كثير الفرغاني في كتاب الثلاثين فصلا الّذي فيه ناكر جوامع المجسطي لأبطلميوس وغيره من أصحاب الزيجة في النجوم والقوانين، كالفزارى، ويحيى بن أبى منصور، والخوارزمي، وحبش، وما شاء الله، ومحمد بن خالد المروروذي، وابى معشر جعفر بن محمد البلخي، وابن الفرخان الطبري، والحسن بن الخصيب، ومحمد بن جابر البتاني، والنيريزى،

وغيرهم ممن تقدم وتأخر وكان الإسرائيليون يؤرخون بوفاة إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ثم بخروجهم من أرض مصر مع موسى، وكان دخول إسرائيل الى مضر وولده الأسباط وأولادهم وهم سبعون نفسا حين قصدوا يوسف، فكان مقامهم بمصر الى أن خرجوا عنها مع موسى الى التيه مائتي سنة وسبع عشرة سنة يتداولهم ملوك مصر، وأحصاهم موسى وهارون في التيه، فكان من يصلح لحمل السلاح والقتال منهم من ابن عشرين سنة فصاعدا سوى سبط لاوى ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين نفسا، وأحصى سبط لاوى بن يعقوب وهو ابن سبطها من ابن شهر الى فوق فكانوا اثنين وعشرين ألفا ومائتين وثلاثة وسبعين، فجميع بنى إسرائيل على ما أحصينا ستمائة وخمسة وعشرون ألفا وثمانمائة وثلاثة وعشرون الفا وكانت وفاة موسى وهارون وأختهما مريم بالتيه في سنة واحدة لتمام أربعين سنة لهم في التيه، وهم لام واحدة اسمها أماحية ماتت أولا مريم أختهما في ستة أيام من نيسان ولها مائة وسبع وعشرون سنة ومات هارون في أول يوم من آب ودفن في جبل هور وهو أحد الأطوار الأربعة المقدم ذكرها وله مائة وثلاث وعشرون سنة، ومات موسى في سبعة أيام من أذار في أرض موآب ودفن في الوادي من أرض موآب وله مائة وعشرون سنة وتولى الأمر بعد موسى يوشع بن نون، وحارب ملوك الشأم وغيرها واستولى على أكثر البلاد، فأقام ست سنين ومات وله مائة وعشرون سنة، ودبر الأمر بعده فينخاس بن العازر بن هارون وما كان كاهنا، والإسرائيليون يذكرون انه النبي الّذي تسميه المسلمون الخضر، والفرس تزعم أن الخضر هو أحد السبعة بنى منوشهر على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، ولأهل الشرائع وغيرهم من أصحاب

التأويل في وقتنا هذا فيه كلام طويل يطول ذكره، فكان من إبراهيم الى خروج بنى إسرائيل من مصر خمسمائة وسبع وستون سنة، ومن الطوفان الى خروجهم ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمس وثلاثون سنة، ثم ارخوا بإخراب نصر أورشلم وهي بيت المقدس وسبيهم الى بابل، وكان من ابتداء ملك بخت نصّر الى ظهور الإسرائيليين وسبيهم احدى وثلاثون سنة واربعة وثلاثون يوما، ومن ملك داود الى سبى بابل وأربعمائة سنة وسبع وسبعون سنة، ومن خروج بنى إسرائيل من مصر الى سببهم ألف وثلاث وثمانون سنة، ومن إبراهيم الى سبيهم ألف وخمسمائة وتسعون سنة، ومن فالغ بن عابر الى سبيهم ألفان ومائة واحدى وثلاثون سنة، ومن الطوفان الى سبيهم ألفان وستمائة واثنتان وستون ومن آدم الى سبيهم اربعة آلاف وتسعمائة وثماني عشرة سنة، وكان مقامهم ببابل سبعين سنة الى أن ردهم بهمن بن إسفنديار بن كيبشتاسب بن كيلهراسب الى أورشلم، وامر بعمارتهما والإسرائيليون وكثير من الناس يسمونه كورش، وغير ذلك من الكوائن التي كانت فيهم وكذلك أرخت النصارى من مولد المسيح وغير ذلك من أحواله وأما الهند والصين ومن وافقهم من الأمم ممن قال بقدم العالم وأزليته فيأبون كون الطوفان عم جميع الأرض وما ذكر من تبلبل الألسن، وتواريخهم موضوعة على سوالف ملوكهم وأحداث عظيمة كانت في أيامهم يبعد علينا في هذا الكتاب وصفها، وقد قدمنا فيما سلف من كتبنا شرحها وبأعالي الهند ومشارقها البيت المعروف ببيت الذهب بدء تاريخهم بعد ظهور البدّ الأول فيهم وهو اثنا عشر ألف عام مضروبة في ثلاثة وثلاثين ألف عام وهو البيت الّذي دخله الإسكندر بن فيلبس الملك حين قتل فور ملكهم، وكتب بخبره الى أرسطاطاليس وما شاهد منه من العجائب، فأجابه أرسطاطاليس

بالرسالة المعروفة برسائل بيت الذهب التي أولها: الى الإسكندر ملك ملوك الأمم من عبده أرسطاطاليس، أما بعد، كتبت الى تذكر الّذي أعجبك من بنيان بيت الذهب بالهند، وما ذكرت أنك رأيت فيه من العجائب والبنيان الشامخ المزخرف بأنواع الجوهر، وما يونق العين من الذهب الأحمر، حتى قد بهر العيون منظره وسار في الأمم ذكره، وقد كتبت إليك أيها الملك أصونك لمعرفتك بالأمور السابقة العليا والأرضية السفلى، ان يعجبك شيء صنعته الأيدي المنينة بالحكمة في الأيام القصيرة، ومدة الزمان اليسيرة، ولكنى أرضى لك أيها الملك أن ترفع نظرك الى ما فوقك وتحتك وعن يمينك وعن شمالك من السماء والصخور والجبال والبحور، وما في ذلك من العجائب الغامضة والمصانع الظاهرة والبنيان الشامخ الّذي لا ينحته الحديد ولا يثلمه المجانيق، ولا يعمله الأجساد المخلخلة الضعيفة في المدة المنقطعة- ثم مر في إتمام الرسالة في وصف الأرضين والبحار والأفلاك والنجوم والآثار العلوية وغير ذلك مما يحدث في الجو مما قد ذكرناه مع رسائل أرسطاطاليس الى الإسكندر في السياسات الديانية والملوكية وغير ذلك في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وهذه الرسالة مستفيضة في أيدي الناس وكانت العرب قبل ظهور الإسلام تؤرخ بتواريخ كثيرة، فأما حمير وكهلان ابنا سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بأرض اليمن، فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم السالفة من التبابعة وغيرهم، كملك تبع الأكبر وتبع الأصغر وتبع ذي الأذعار وتبع ذي المنار. وأرخوا بنار صوران وهي نار كانت تظهر ببعض الحرار من أقاصى بلاد اليمن أحدها حر والتي يقال إن الحبرين اللذين قدم بهما تبع أبو كرب من المدينة إلى اليمن حاكما أهل اليمن إليها، وكان ذلك سبب تهود كثير من أهل اليمن وذلك مشهور في أخبارهم، وأرخوا بعث شعيب بن مهذم وملك ذي

نواس وملك جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم الدوسيّ وملك آل أبى شمر من غسان بالشام، وأرخوا بعام السيل وهو سيل العرم الّذي ذكره الله عز وجل في القرآن وخروج عمرو بن مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس ابن ثعلبة ابن مازن بن الأزد من مأرب جماع غسان في قومه من الأزد وغيرهم من كهلان وحمير وتفرقهم في البلاد، ثم أرخوا بظهور الحبشة على اليمن ثم غلبت الفرس على اليمن، وإزالة الحبشة إلى أن جاء الله بالإسلام فأما تاريخ ولد معد بن عدنان فإنهم كانوا يؤرخهم بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إياهم عن الحرم، ثم أرخوا بهلاك جرهم في الحرم. ثم أرخوا بعد ذلك بعام التفرق، وهو العام الّذي افترق فيه ولد نزار بن معد بن عدنان من ربيعة ومضر وإياد وأنمار على ما في ذلك من التنازع في نسبة إياد وأنمار إلى نزار على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، ثم أرخوا بعد ذلك بعام الفساد وهو عام وقع فيه بين أحياء العرب وقبائلها التنازع والحروب فاستبدلوا الديار وتنقلوا في المساكن وأرخوا بحجة الغدر وكانت قبل الإسلام بنحو من مائة وخمسين سنة وكان سببها أن أوسا وحصبة بنى أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار خرجا في عدة من قومهما حجاجا فلقوا بأنصاب الحرم أناسا من اليمن معهم كسوة للكعبة ومال للسدنة حمل ذلك بعض ملوكهم فقتلوهم وأخذوا ما كان معهم ودخلوا مكة فلما كان في أيام منى فشا الخبر بالناس فوثب بهم وتحزب معهم قوم فانتهبت الناس بعضهم بعضا فسميت حجة الغدر وأرخوا بالحرب بين ابني وائل بكر وثعلب المعروفة بحرب البسوس وكان الّذي هاجها قتل جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب

ابن على بن بكر بن وائل كليبا، وهو وائل بن ربيعة بن الحارث لقتل كليب ناقة يقال لها سراب لجار لخالة جساس وهي البسوس ابنة المنقذ التميمية ثم السعدية من قضاعة من بنى حرم وأرخوا بحرب بنى بغيض بن ريث بن غطفان المعروفة بحرب داحس والغبراء، وذلك قبل البعث بنحو من ستين سنة وبحرب الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة وهو العنقاء، وإنما سمى العنقاء لطول عنقه، ابن عمر وهو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلوان بن مازن بن الأزد وهو درّ ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وهما أخوان لأب ولأم نسبا إلى أمهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو، ونساب قضاعة يذكرون أنها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وأرخوا بعام الخنان وهو عام شمل أكثر الناس فيه الخنان قال النابغة الجعديّ فمن يك سائلا عنى فانى ... من الفتيان في عام الخنان وذهب أبو جعفر محمد بن حبيب في آخرين إلى أنه سمى عام الخنان، أن بنى عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن كانت لهم وقعة مع بعض العرب فلم يصل بعضهم إلى بعض من كثرة الحديد، فقال قائل «يا بنى عامر خنوهم بالسيوف» فلقب ذلك عام الخنان قال المسعودي: وكانت كل قبيلة من قبائل العرب تؤرخ بيوم من أيامها المشهورة في حروبها فكانت بكر وتغلب ابنا وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار تؤرخ بعام التحالق من إلى حرب البسوس أيام حروبهم المنسوبات

وفزارة وعبس ابنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر بن نزار يؤرخون بيوم الجبلة، وهو اليوم الّذي ظهرت فيه عبس على فزارة وقتل حذيفة وحمل ابنا بدر وغيرهما وبنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن يؤرخون بيوم شعب جبلة، وكان قبل الإسلام بنيف وأربعين سنة بين بنى عامر وأحلافها من عبس وبين من سار إليهم من تميم وعليهم حاجب ولقيط ابنا زرارة بن عدس بن زيد ابن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر ابن أد بن طابخة بن الياس، وهو خندف بن مضر بن نزار ومن عاضدهما من اليمن مع ابني الجون الكنديين المالكيين وفي ذلك يقول جرير كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا ... وعمرو بن عمرو إذ دعا يال دارم ولم تشهد الجونين والشعب ذا الصفا ... وشدات قيس يوم دير الجماجم وإياد تؤرخ بخروجها عن تهامة وحروبها مع فارس الحرب المعروفة بوقعة دير الجماجم، وبتلك الوقعة سمى الدير لكثرة الجماجم على السواد، وذلك في ملك سابور بن سابور ذي الأكتاف ملك فارس، وفي ذلك يقول الشاعر، شاعر اياد على رغم سابور بن سابور أصبحت ... قباب إياد حولها الخيل والنعم وقد ذكر ذلك أبو دواد الأيادي فقال ألا أبلغ خزاعة أهل مر ... وإخوتهم كنانة عن إياد تركنا دارهم لما ثرونا ... وكنا أهلها من عهد عاد وأسهلنا وسهل الأرض يخشى ... بجرد الخيل؟ عشنقه القياد فنازعنا بنى الأحرار حتى ... علفنا الخيل من خضر السواد ثم أرخوا بخروجهم عن العراق إلى الجزيرة حين أوقع بهم سابور، وكان لقيط الأيادي كتب إليهم وهو في حبس الملك ينذرهم ويحذرهم بقصيدته التي أولها:

يا دار عمرة من تذكارها الجزعا ... هيجت لي الهم والأحزان والوجعا ألا تخافون قوما لا أبا لكم ... أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا أحرار فارس أبناء الملوك لهم ... من الجموع جموع تلقط السلعا ولذلك قال مرة بن محكان السعدي حين وجه معاوية عامر بن الحضرميّ إلى البصرة فنزل في تميم يدعوهم إلى أخذ البصرة والوثوب بزياد خليفة عبد الله بن عباس على البصرة وقد سار ابن عباس إلى على عليه السلام بالكوفة فقال مرة مخوفا لقومه زاجرا لهم: قلت والليل مطبق بغراه ... أرقب النجم لا أحس رقادا إن حيا يرى الصلاح فسادا ... ويرى الغي في الأمور رشادا لقريب من الهلاك كما أهلك ... سابور بالعراق إيادا في كلمة طويلة ثم أرخوا بعام الانتقال من ديارهم إلى بلد الروم وآخر من دخل منهم إلى هناك من أرض الجزيرة والموصل في خلافة عمر بن الخطاب نحو من أربعين ألفا كانوا على النصرانية وأنفوا من الجزية حين أخذوا بها وتميم تؤرخ بعام الكلاب وهي الحرب التي كانت بين ربيعة وتميم وأسد وخزيمة تؤرخ بعام مأقط الّذي قتلوا فيه الملك حجر بن الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي أبا امرئ القيس وفي ذلك يقول امرؤ القيس حين بلغه قتله أرقت لبرق بليل أهل ... يلوح سناه بأعلى الجبل بنو أسد قتلوا ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل والأوس والخزرج ابنا حارثة تورخ بعام الآطام لما تحاربوا على الآطام وهي لحصون والقصور وذهب الأصمعي في آخرين من أهل اللغة إلى أنها الدور المسطحة السقوف، وكانت الأوس والخزرج تتمنع بها فأخربت في أيام عثمان بن عفان

ورسومها باقية إلى وقتنا هذا. قال قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد ابن ظفر الأوسي يذكر الآطام في قصيدته التي يذكر فيها يوم بعاث وهو أحد الأيام المشهورة بين الأوس والخزرج أولها: أتعرف رسما كاطراد المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب وقال فلولا ذرى الآطام قد تعلمونه ... وترك الفضا شوركتم في الكواعب وطيِّئ وحليمة واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان تؤرخ بعام الفساد وهي الحرب التي كانت بين الغوث بن طيِّئ وجديلة بن سعد بن فطرة بن طيِّئ بجبلي طيِّئ أجأ وسلمى وما يلي ذلك من السهل، دامت هذه الحرب بينهم ثلاثين ومائة سنة وفيها ولد- فيما ذكر الهيثم بن عدي الطائي- حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن ابى اخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل ابن عمرو بن الغوث بن طيِّئ، وأوس بن حارثة بن لأم بن طريف من بنى مازن ابن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيِّئ، وزيد الخيل بن مهلهل بن زيد ابن منهب بن عبد رضا بن المختلس بن ثوب بن كنانة بن عدي بن مالك بن نابل بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيِّئ، وقد ذكرنا حاتما وكان اعتزل حربهم حين تطاولت ولحق ببني بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة فنزل عليهم وقال يمدحهم ان كنت كارهة لعيشتنا ... هاتي فحلى في بنى بدر جاورتهم زمن الفساد فنعم ... الحي في السراء والضر وفي تلك الحروب تفرق الساميون من طيِّئ فلحقوا بحاضر قنسرين من أعمال حلب الى هذا الوقت وخالطوا الأسباط وغيرهم وتزوجوا فيهم، ومن لزم جبلي

طيِّئ أجأ وسلمى يقال لهم الأجئيون ولم يزل من وصفنا من قبائل العرب يؤرخون بالأمور المشهورة من موت رؤسائهم ووقائع وحروب كانت بينهم الى أن جاء الله بالإسلام فأجمع المسلمون على التأريخ من الهجرة على ما نحن ذاكروه فيما يرد من هذا الكتاب في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد ذهب قوم من أصحاب السير والآثار الى أن آدم لما هبط من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوطه، فكان ذلك هو التاريخ حتى بعث الله نوحا فأرخوا من مبعثه حتى كان الطوفان فكان التاريخ منه الى نار إبراهيم فلما كثر ولد إبراهيم افترقوا فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم الى يوسف، ومن يوسف الى مبعث موسى ومن مبعث موسى الى ملك داود وسليمان، وما كان بعد ذلك من الكوائن والأحداث وارخ بنو إسماعيل من بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل فلم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت معد، وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم، ومن بقي بتهامة من بنى إسماعيل يؤرخون بخروج آخر من خرج منها من قضاعة وهم سعد ونهد وجهينة بنو زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة حتى مات كعب بن لؤيّ فأرخوا من موته الى الفيل، ومنهم من كان يؤرخ بيوم الفجار بين قريش وسائر كنانة بن لؤيّ، وبين قيس ابن عيلان لما قتل البراض بن قيس بن رافع الضمريّ ضمرة بكر بن عبد مناة بن كنانة عروة الرحال بن جعفر بن كلاب واحتوى على اللطيمة التي كانت معه للنعمان بن المنذر، فاقتتلت قيس وكنانة قتالا شديدا فكان الظفر لكنانة على قيس وحضر هذا الفجار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وله عشرون سنة، وانما

سمى الفجار لأنهم تفاجروا فيها واقتتلوا في الأشهر الحرم وهو من أيام العرب المذكورة، وفي ذلك يقول خداش بن زهير العامري فلا توعدني بالفجار فإنه ... أحل ببطحاء الحجون المحارما وقال في ذلك أبو أسماء الضريبة النصري نصر بن سعد بن بكر بن هوازن نحن كنا الملوك من أهل نجد ... وحماة الذمار عند الدمار ومنعنا الحجاز في كل حي ... فمنعنا الفجار يوم الفجار والفجار أربعة الأول يعرف بفجار الرجل وهو بدر بن معشر الضمريّ والثاني الفجار المعروف بالرباح وهو القرد، الثالث فجار المرأة القيسية، والرابع فجار البراض وهو أعظمها ومنهم من كان يؤرخ بحلف الفضول، وكان بعد منصرفهم من الفجار لأجل رجل من بنى زبيد وجماع بنى زبيد منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان باع سلعة له من العاص بن وائل السهمي فدافعه بالثمن وعازّه فلما آيس علا على أبى قبيس فنادى يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائى الحي والنفر إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوبى لابس الغدر فاجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة وبنو الحارث بن فهر فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي ليكونن مع المظلوم حتى ينصف، فسمته قريش حلف الفضول، وفي ذلك يقول الزبير بن عبد المطلب بن هاشم حلفت لنعقدن حلفا علينا ... وإن كنا جميعا أهل دار نسميه الفضول إذا عقدنا ... يعز به الغريب لدى الجوار ويعلم من حوالي البيت أنا ... أباة الضيم نهجر كل عار

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد مهاجرته إلى المدينة لقد شهدت حلفا في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت إلى مثله لأجبت وما زاده الإسلام إلا تشديدا فأما حلف المطيبين فهو قبل حلف الفضول وكان سببه فيما ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مناقب قريش وفضائلها أن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤيّ كان جعل إلى ابنه عبد الدار الحجابة ودار الندوة واللواء وجعل إلى ابنه عبد مناف السقاية والرفادة فلما كثرت بنو عبد مناف في الجاهلية قالوا نحن أحق باللواء والحجابة والندوة من بنى عبد الدار، فتفرقت عند ذلك قريش وعبد الله بن جدعان التيمي حي، وقال بعضهم والله لا يرد أمر قصي فنصرت بنو مخزوم وجمح وسهم وعدي بنى عبد الدار وتحالفوا عند الكعبة فسموا الأحلاف فلما رأت ذلك بنو عبد مناف حالفوا بنى أسد بن عبد العزى وبنى زهرة بن كلاب وبنى تيم بن مرة وبنى الحارث بن فهر فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان وجاءهم عبد الله بآنية فيها طيب فغمسوا أيديهم فيها، ويقال أخرج إليهم الطيب إحدى بنات عبد المطلب، ويقال إنهم وضعوا الطيب في المسجد وغمسوا أيديهم فيه ثم مسحوا الكعبة، وتحالفوا أن لا يسلم بعضهم بعضا فسموا المطيبين فحصلت خمس قبائل بإزاء خمس، فسموا أولئك الأحلاف، وهؤلاء المطيبين. قال عمر بن أبى ربيعة المخزومي، ويقال عبيد الله بن قيس الرقيات يذكر المطيبين والاحلاف ولها في المطيبين جدود ... ثم نالت ذوائب الاحلاف إنها بين عامر بن لؤيّ ... حين تدعى وبين عبد مناف وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقريش تؤرخ بموت هشام بن المغيرة المخزومي والفيل وقد ذكر للابراهيميين تواريخ كثيرة منها التاريخ بوفاة إبراهيم ثم بوفاة إسحاق

وفي الإسماعيليين من كان يؤرخ بوفاة إسماعيل وغير ذلك مما قدمنا فيما سلف من كتبنا شرحه فكان من آدم إلى الطوفان فيما ذكر أهل الكتب ألفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة، ومن الطوفان إلى تبلبل الألسن بأرض بابل ستمائة وسبعون سنة، ومن تبلبل الألسن إلى ولادة إبراهيم أربعمائة وإحدى عشرة سنة، ومن ولادة إبراهيم إلى وفاة موسى عليه السلام خمسمائة وخمس وأربعون سنة، ومن وفاة موسى إلى ابتداء ملك نصر تسعمائة وثمان وسبعون سنة ومائتان وستة وأربعون يوما، ومن ابتداء ملكه إلى أن ظهر على بنى إسرائيل فسباهم إلى بابل إحدى وثلاثون سنة وأربعة وثلاثون يوما، فمن وفاة موسى إلى سبى نصر لبني إسرائيل ألف سنة وتسع سنين واثنان وثلاثون يوما، ومن سبى نصر لبني إسرائيل إلى ولادة المسيح عليه السلام تسعمائة سنة وثمان سنين وسبعة وثلاثون يوما، ومن ولادة المسيح إلى هجرة نبينا صلّى الله عليه وسلّم ستمائة سنة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وأحد وستون يوما، فذلك سبعة الاف سنة وثلاثمائة وثلاث وعشرون سنة وأحد عشر شهرا وعشرة أيام وذهب آخرون من أصحاب التواريخ إلى أن من آدم إلى ابتداء ملك نصر أربعة آلاف وثمانمائة سنة وأربعين سنة ومائتين وثمانية وأربعين يوما بالسنين الفارسية التي هي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع ومن ابتداء ملك نصر الى غلبة الإسكندر لدارا بن دارا أربعمائة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وتسعة وعشرون يوما، ومن غلبة الإسكندر إلى قيام أردشير بن بابك خمسمائة سنة وإحدى عشرة سنة ومائتان وستة وستون يوما، وهذه هي مدة ملوك الطوائف عند هؤلاء ومن قيام أردشير إلى ابتداء تاريخ يزدجرد أربعمائة وسبع وثلاثون سنة وثمانية وعشرون يوما، فمن آدم عليه السلام إلى ابتداء ملك يزدجرد ستة آلاف سنة

ومائتان وخمس وعشرون سنة وثلاثمائة وثمانية وثلاثون يوما الباقي إلى تمام سبعة آلاف سنة للعالم سبعمائة سنة وأربع وسبعون سنة وستة وعشرون يوما وجملة السنين من هبوط آدم عليه السلام من الجنة إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم على ما توجبه التوراة التي نقلها، لأبطلميوس الملك إلى اللغة اليونانية، اثنان وسبعون حبرا من أحبار اليهود بالإسكندرية من أرض مصر، وأجمعوا على صحتها على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، في أخبار ملوك اليونانيين ستة آلاف سنة ومائتان وست عشرة سنة وبين هذه السنين وما يوجبه حساب التوراة العبرانية تفاوت كثير وكذلك نسخة التوراة التي بأيدي السامرة، وهم الكوشان والدوستان من اليهود بأرض فلسطين والأردن بينها وبين هاتين أيضا تفاوت بعيد، وقد ذكر عدة من مستأخرى أصحاب السير والتواريخ، أن من آدم الى نوح ألف سنة ومائتي سنة، ومن نوح الى إبراهيم ألف سنة ومائة سنة وثلاثا وأربعين سنة، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة سنة وخمسا وسبعين سنة، ومن موسى إلى داود خمسمائة سنة وتسعا وسبعين سنة، ومن وفاة موسى إلى ملك الإسكندر ألف سنة وأربعمائة سنة وسبع سنين، ومن داود إلى عيسى ألف سنة وثلاثا وخمسين سنة، ومن عيسى إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم ستمائة سنة. قال المسعودي: وفيما ذكرنا تنازع كثير بين الأسلاف والأخلاف من الأمم ومن عنى بتواريخ الأنبياء والملوك، قد أتينا على جميع ما قيل في ذلك في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) وغيره، وإنما نذكر في هذا المختصر لمعا وجوامع استذكارا لما تقدم من كتبنا فلنذكر سنى الأمم الشمسية والقمرية وشهورها وكبسها ونسيئها، لاتصال

ذكر جمل من الكلام في سنى الأمم وشهورها وكبسها ونسيئها وما اتصل بذلك

ذلك بما ذكرناه والحاجة الداعية إلى معرفته ذكر جمل من الكلام في سنى الأمم وشهورها وكبسها ونسيئها وما اتصل بذلك جميع ما تؤرخ به الأمم من السنين شمسية على ذلك عمل سائرهم من السريانيين والفرس واليونانيين والروم والقبط والهند والصين، إلا العرب والإسرائيليين ومقدار سنتهم الشمسية من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، وعلى التحقيق وجزء من ثلاثمائة جزء من يوم، ومراعاتهم في ذلك ابتداء سير الشمس من نقطة الاعتدال الربيعيّ إلى عودها إليها، وهم مجمعون على أن شهور سنتهم اثنا عشر شهرا، وإن كانت عدتها مخنلفة ولذلك احتاجوا إلى كبس أيام لتتمة مدة السنة فشهور اليونانيين والروم التي غلب عليها تسمية السريانيين إياها لموافقتهم إياهم عليها، أولها تشرين الأول وهو أحد وثلاثون يوما، تشرين الثاني ثلاثون يوما، كانون الأول أحد وثلاثون يوما، وليلة خمس وعشرين منه ليلة الميلاد، كانون الثاني أحد وثلاثون يوما، شباط ثمانية وعشرون يوما وربع، يعد ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرون يوما وفي السنة الرابعة تجبر الكسور فيعد تسعة وعشرون يوما، فتسمى تلك السنة كبيسة بسبب زيادة ذلك اليوم، أذار أحد وثلاثون يوما، نيسان ثلاثون يوما، أيار أحد وثلاثون يوما، حزيران ثلاثون يوما، تموز أحد وثلاثون يوما، آب أحد وثلاثون يوما، أيلول ثلاثون يوما، فلذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم

فأما شهور الفرس فأولها فرودين ماه أول يوم منه النوروز معنى ذلك بالفارسية اليوم الجديد، لأن الجديد في لغتهم «نو» واليوم «روز» وهو أعظم الأعياد عندهم، أردبهشت ماه، خردادماه، تير ماه، مردادماه، شهريور ماه، مهر ماه يوم السادس عشر منه المهرجان وبينه وبين النوروز ستة أشهر ونصف تكون أياما مائة وخمسة وتسعين يوما، آبان ماه يوم السادس والعشرين منه تدخل الأيام العشرة المعروفة بالفرودجان منها تمام آبان ماه وخمسة كبيسة لا تعد من الشهور تسمى الاندرجاهان، آذرماه أول يوم منه ركوب الكوسج بالعراق وغيرها من أرض فارس وذلك من رسوم الفرس في أيام ملوكها، دى ماه، بهمن ماه، اسفندارمذ ماه، عدد كل شهر منها ثلاثون يوما وهي هرمز، بهمن، أردبهشت، شهرير، اسفندارمذ، خرداد، مرداد، ديباذر، آذر، آبان، خور، ماه، تير، جوش، ديبمهر، مهر، أسروش، رشن، فروردين، بهرام، رام، باد، ديبدين، دين، أرد، أشتاد، أسمان، زامياد، مارسفند، أنيران، وليس يتكرر كتكرار أيام الجمعة للعرب فتصير جملتها مع الخمسة أيام الغير معدودة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وكانوا يؤرخون ربع اليوم الّذي يجب لتمام السنة إلى مائة وعشرين سنة فيكبسون حينئذ شهرا وإنما امتنعوا من كبس يوم في أربع سنين لأمور ذكروها منها اعتقادهم في أيام شهورهم أنها أسماء ملائكة وكراهيتهم أن يزيدوا فيها ما ليس منها وغير ذلك من الوجوه مما تقدم شرحها فيما ذكرنا من كتبنا، ولما زال ملكهم وفنيت ملتهم، وذهب من كان يكبس ذلك ربع اليوم من ملوكهم انتقلت أيامهم فدار نورزهم في مدة مائتين وخمسين سنة إلى أيام المعتضد نحوا من شهرين وتقدم لذلك استفتاح الخراج عن الوقت الّذي يحصل فيه غلال الناس

فرده المعتضد في سنة 282 للهجرة نحوا من مدة شهرين وقرره على الشهور السريانية لئلا يعود دورانه إذ كانت محفوظة بالكبس لا يتغير أوقاتها فجعله في اليوم الحادي عشر من حزيران، ونسب إليه فقيل النوروز المعتضدي، وبقي النوروز الفارسي يدور في سائر الفصول الأربعة فيتقدم في كل مائة وعشرين سنة شهرا، وإنما كان موقعه في أول الفصل الصيفي، والمهرجان في أول الفصل الشتوي فأما القبط فيوافقون الفرس في عدد أيام شهورهم وهي ثلاثون يوما، أول شهورهم توت أول يوم منه النوروز القبطي بأرض مصر، بابه، هتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤونه، أبيب، مسرى، وفي آخر مسرى تكبس الخمسة أيام المسماة بالقبطية «ابغمنا» وتعرف باللواحق يفعلون ذلك ثلاث سنين متواليات فإذا كانت السنة الرابعة جعلوا الكبيسة ستة أيام لتنجبر الأرباع من اليوم الواجبة لكل سنة فتحصل أيام سنيهم على الحقيقة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم فأما العرب فإنها تراعى رؤية الأهلة فتجعل حساب سنتها عليها وشهورهم شهر ثلاثون يوما، وشهر تسعة وعشرون يوما، فيكون ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة وأيام سنتهم ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما بالحساب المطلق وهو الجلبل فأما على التحصيل والتدقيق فان عدد هذه الأيام للسنة تزيد في كل ثلاثين سنة أحد عشر يوما تكون حصة السنة الواحدة من ذلك خمسا وسدس يوم فتكون أيام السنة بالحقيقة ثلاثمائة واربعة وخمسين يوما وخمسا وسدس يوم والسنة التي ينجبر فيها هذا الكسر تكون شهورها سبعة تامة وخمسة ناقصة وهذا العدد لأيام الشهور هو بالحساب المصحح من اجتماع الشمس والقمر بمسيرهما الأوسط فأما برؤية الاهلة فإنه يختلف بزيادة ونقصان فيمكن أن تكون شهور متوالية تامة وشهور متوالية ناقصة، ولا يكاد يتفق في كل وقت أن يكون

أول الحساب بالشهور والرؤية يوما واحدا الا انهما يتساويان على مرور الزمان وأيام العرب التي تعد بها من غروب الشمس وهي الأيام السبعة التي أولها الأحد ابتداؤه من غروب الشمس من يوم السبت وآخره غروبها في يوم الأحد وكذلك سائر الأيام، وانما جعلوا ابتداء كل يوم بليلته من وقت غروب الشمس لأجل انها تعد أيام الشهر من وقت رؤية الهلال ورؤية الهلال تكون عند غروب الشمس فأما من سمينا من الأمم ممن لا يراعى في الشهور رؤية الاهلة فان النهار عندهم قبل الليل وابتداء كل يوم بليلته من وقت طلوع الشمس الى وقت طلوعها من الغد قال المسعودي: وقد كان العرب في الجاهلية تنسئ لأجل اختلاف الزمان والمواقيت وما بين السنة الشمسية والقمرية وفيه أنزل «انما النسيء زيادة في الكفر» وكان المتولون لذلك النسأة من بنى الحارث بن كنانة بن مالك ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، أولهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية وكان يعرف بالقلمس وبه سمى من بعده من النسأة فقيل القلامس وكانوا ينسئون في كل ثلاث سنين شهرا يسقطونه من السنة ويسمون الشهر الّذي يليه باسمه، ويجعلون يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الثامن والتاسع والعاشر من ذلك الشهر، فيكون ذلك دائرا في سائر شهور السنة موجبا، وكانوا بذلك مقاربين لغيرهم من الأمم في مدة زمان سنتهم الشمسية. فلم يزالوا على ذلك الى أن ظهر الإسلام وفتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة فوجه أبا بكر في السنة التاسعة من الهجرة على الموسم فحج بالناس وهي آخر حجة حجها المشركون وكان الحج في تلك السنة اليوم العاشر من ذي القعدة ونزلت آيات من سورة براءة فبعث بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع على بن أبى طالب عليه السلام وأمره بقراءتها على الناس بمنى، وكانت الأشهر التي قال «فسيحوا في الأرض أربعة

أشهر» عشرين يوما من ذي القعدة وذا الحجة والمحرم وصفر وعشرة أيام من شهر ربيع الأول، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا عليه السلام بأداء أربع كلمات: أن لا يحجن بعد هذا العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة الا مسلّم، ومن كانت بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدة فأجله إلى مدته فلما كان من قابل حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذي الحجة وهي حجة الوداع، وخطب الناس، فقال ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان هذه حكاية لفظه عليه السلام، ولو عد عاد هذه الأشهر، فبدأ بالمحرم ثم رجب وذي القعدة وذي الحجة لكان ذلك جائزا، وإنما ذكرنا هذا لأن في الناس من يجعلها من سنتين، والنبي صلّى الله عليه وسلّم انما قال منها، فدل على أنها من سنة واحدة فأما الإسرائيليون: فالاشمعث منهم، وهم الجمهور الأعظم يراعون رؤية الأهلة، وعدد الأشهر. وحصر أيامها ويسمون ذلك العبور. ورأيت الأقباط بأرض مصر يسمونه الأفقطى، ومراعاتهم ذلك لأجل عيد الفصح. ثم تنازعوا بعد ذلك فقال فريق من العنانية، أصحاب عنان بن نبادود، وكان من رؤساء الجوالى بأرض العراق، والقرائية، أنهم لا يوقعون الفصح حتى يتكامل ادراك السنبل ويسمونه أبيب، ومنهم من يقول بالفصح عند ادراك البعض منه ولا يراعى الكل

قال المسعودي: وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا تنازع من ذكرنا من الأمم في السنين الشمسية والقمرية وشهورها. وكيفية كبس الأمم ونسيئها، والعلة في ذلك على الشرح والإيضاح، والخلاف بين أبرخس ومتبعيه وابطلميوس القلوذى في أرصادهما، وطلبهما مقدار سنة الشمس وما ذهب اليه أبرخس من أن ذلك يعلم بوجهين، أحدهما مقارنة الشمس للكواكب الثابتة التي عودتها اليها، فان مدة ذلك من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوما، وأقل من ربع يوم. وما ذهب اليه ابطلميوس من أن الغرض والغاية في علم زمان سنة الشمس حركتها وابتداؤها من نقطة الفلك الخارج المائل حتى يعود الى تلك النقطة وأن مدة ذلك من الزمان ثلاثمائة وخمسة وستون يوما، وربع يوم إلا جزء من ثلاثمائة جزء من يوم على ما قلنا، وعليه العمل الأعم في وقتنا هذا. ومقدار المدة بين رصد أبرخس ورصد ابطلميوس بمدينة الاسكندرية من بلاد مصر، وما بين رصد أبطلميوس ورصد المأمون بالشماسية من بلاد دمشق من أرض الشأم في سنة 217 للهجرة وأول يوم من فروردين ماه سنة 201 ليزدجرد وعليه حمل الزيج الممتحن. وما ذهبت اليه الهند في مدة أيام الدنيا، وتنازعهم في عدتها، وأن الأصل في ذلك عدة أيام السندهند تفسير ذلك دهر الدهور، وهو الكتاب الجامع لعلم الأفلاك والنجوم والحساب وغير ذلك من أمر العالم، وعنه فاضل ابطلميوس وشابهه بأرصاد أبرخس وارصاده وكيف عملت الهند كتاب الارجبهز من كتاب السند هند «الارجبهز» جزء من ألف جزء من السند هند، وكتاب الأركند من كتاب الأرجبهز وأن الله عز وجل بلطيف حكمته وعظيم قدرته خلق الكواكب على قدر

أوجاتها، وجوزهراتها في أول دقيقة من الحمل، ثم سيرها جميعا فتحركت جملة واحدة في طرفة عين على سيرها المعلوم، فكانت حركتها أول يوم من الدنيا، ولا تزال تسبح في دور الفلك فإذا اجتمعت في موضع منه أثرت في العالم تأثيرا عظيما مذكرا بدبور واحتراق وغير ذلك، وكثيرا ما لا تجتمع كلها، وان اجتمعت كلها لم تجتمع معها الأوجات والجوزهرات فلا تزال على ذلك طول أيام السند هند حتى تنتهي بجميع أوجاتها وجوزهراتها الى الموضع الّذي فيه خلقت بهيئتها الاولى، وذلك انقضاء الدنيا عندهم، فان جميع أيام السندهند مذ أول ما دارت الكواكب الى أن تجتمع جميعها من السنين أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف سنة شمسية على مدار الشمس، السنة منها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وخمس ساعة وجزء من اربعمائة جزء من ساعة وما في بيت الذهب بأعالي ارض الهند ومشارقها، وهو الّذي دخله الإسكندر الملك من حساب ظهور البد الأول بأرضهم، وتاريخه أن ذلك اثنا عشر ألف ألف عام مضروبة في ستة وثلاثين ألف عام على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب وتنازع حكماء الأمم من الفلكية وغيرهم في أوج الشمس وهو أعلى موضع في فلكها وجوزهرها من تحتها مقابل له، وكذلك كل كوكب من السبعة وعند كثير منهم في هذا الوقت وهو سنة 345 للهجرة أنه في ست درج ونصف من الجوزاء أيضا على ما ذكرنا من الدرج فيها، وعلى مذهب السند هند في سبع عشرة درجة وخمس وخمسين دقيقة، وأربع عشرة ثانية من الجوزاء كذلك ذكر في زيج محمد بن موسى الخوارزمي، وزيج حبش بن عبد الله السند هند، لأن لحبش ثلاثة زيجات المشهور عند الناس زيج الممتحن والثاني

السندهند، ولم يخالف الخوارزمي فيه الا بدقائق، والثالث الشاه، فإذا قيل زيج حبش مطلقا فإنما يراد به الممتحن والّذي حكاه عن ابطلميوس فهو قانون ثاون، وثاون عن المجسطي أخذ وذكر أصحاب زيج الشاه أنه في عشرين درجة من الجوزاء، وذكر أصحاب زيج الممتحن أنه كان في السنة التي قبس فيها وهي، سنة 217، على ما قدمنا في هذا الباب في اثنتين وعشرين درجة وتسع وثلاثين دقيقة من الجوزاء وذهب ما شاء الله المنجم إلى أن أوج الشمس هو عضادة عدل الله بها الفلك، وهذا أحد ما عنت به، وما ذهب إليه الهند وغيرها من أن الأوج يتحرك في كل مائة سنة درجة واحدة، فيكون مقامه في كل برج ثلاثة آلاف سنة وقطعه الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة وكيفية تنقله ودورانه إذا انتقل عن البروج الشمالية إلى الجنوبية انتقلت العمارة فصار الشمال جنوبا والجنوب شمالا والعامر غامرا والغامر عامرا. وأنه لا خلاف بين حكماء الهند والكلدانيين والمصريين واليونانيين والروم وغيرهم، وبين منجمى عصرنا وفلكية وقتنا أنه في برج الجوزاء، وإنما التنازع بينهم في ثباته وتنقله على ما ذكرنا ولثابت بن قرة الصابئ الحراني رسالة في نصرة رأى أبرخس على أن لأوج الشمس حركة مخالفا لقول ابطلميوس، وقد امتحن هذه الرسالة عدة من أهل الهندسة فوجدوا الأوج في أربع وعشرين درجة ودقائق كثيرة تكون من أول الحمل أربعا وستين درجة ودقائق كثيرة. وهذا خلاف لما ذكر أصحاب رصد الممتحن، لأنهم أجمعوا- إلا محمد بن جابر البتاني الحراني- على أن بعد الأوج من رأس الحمل اثنتان وثمانون درجة وتسع وأربعون دقيقة

وذكرنا ما ذهب إليه هؤلاء من أن السبب في كسوف القمر أن ضوءه إنما هو شيء يقبله من الشمس، فمتى تهيأ أن يكون ظل الأرض فيما بين الشمس والقمر فستره أو ستر بعضه انكسف أو انكسف بعضه على قدر ما يستر منه وأن السبب في كسوف الشمس أن القمر يستر الشمس عنا ولذلك صار كسوف القمر إنما يعرض في وقت مقابلته للشمس، وكسوف الشمس إنما يعرض في وقت الاجتماع، وأن أقل ما يكون بين الكسوفين الشمسية والقمرية جميعا ستة أشهر قمرية وذلك على الأمر الأوسط، وأنه قد يمكن أن يكون بين كسوفين شمسيتين أو قمريتين خمسة أشهر، وذلك عند اتفاق شهور عظمي. ويمكن أن يكون بين كسوفين ستة أشهر، وذلك عند اتفاق شهور صغرى. وأنه لا يمكن أن تنكسف الشمس في شهر واحد مرتين في موضع واحد ولا في موضعين مختلفين من الأقاليم الشمالية أبدا، وقد يمكن ذلك في موضعين مختلفين عن خط الاستواء أحدهما في الأقاليم الشمالية والآخر في الناحية الجنوبية وما ذهبوا إليه من أنه إذا كان الصيف في ناحية الشمال كان الشتاء في ناحية الجنوب، وإذا كان الصيف في ناحية الجنوب كان الشتاء في ناحية الشمال، ولأجل ذلك صار نيل مصر زائدا في الشهور الصيفية لترادف الشتاء والأنداء بسائر أرض الأحابش من النوبة والزغاوة والزنج إلى جبل القمر الّذي وراء خط الاستواء ومبدأ منبع عيون النيل منه، ومصب السيول إليه على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا البحار والأنهار الكبار. وكذلك الشتاء بأرض الهند سبيله سبيل شتاء أرض الأحابش واليمن على ما شاهدناه بأرض اللار الكبيرة من أرض الهند وغيرها مما ذكرنا من البلاد وذلك في سنتي 303 و 304 ويسمى هناك اليسارة. والعلة في ذلك عند من ذكرنا كون الشمس وتنقلها في البروج من الشمال

الى الجنوب ومن الجنوب الى الشمال إذا قربت من موضع كان الصيف، وإذا بعدت عنه كان الشتاء، وأنه إذا كان في مكان نهار كان في ضده ليل، وإذا كان في موضع ليل كان في ضده نهار، وأن نصف الأرض ابدا نهار ونصفها أبدا ليل، والشمس حيث كانت من جميع نواحي الأرض الأربع فإنها انما تضيء على نصف الأرض سواء ربع أمامها وربع خلفها وربع عن يمينها وربع عن شمالها، وذلك تمام نصف الأرض والنصف الآخر ستره أن تضيء فيه كثافة الأرض وتدويرها فيكون في ذلك النصف الّذي لا تضيء فيه الليل لأن الليل ظل الأرض إذا ستر بعضها عن بعض ضوء الشمس، فحيثما كانت الشمس فهناك النهار، وحيث لا ترى فهناك الليل. وما ذهبوا إليه من أن أقواما يشتون مرتين ويصيفون مرتين في سنة واحدة، وهم أهل خط الاستواء الّذي يقسم مجرى الشمس بنصفين يأخذ من الشرق حتى يعود الى الشرق والمدن التي على هذا الخط فزان وأزين وعدن والشحر، وغير ذلك من البلاد. وأن الشمس إذا صارت الى أول برج الحمل كان الحر عندهم مفرطا جدا، وإذا صارت الى السرطان زالت عن سمت رءوسهم أربعا وعشرين درجة التي هي الميل فشتوا، ثم تعود الشمس اليهم إذا صارت الى أول الميزان فيصيفون ثانية ويشتد الحر عليهم، فإذا هي زالت الى ناحية الربع الجنوبي وصارت الى أول الجدي شتوا ثانية، وأنهم على هذا الترتيب يصيفون مرتين ويشتون مرتين، غير أن شتاءهم أبدا قريب من صيفهم وأنه قد يكون في بعض المواضع مقدار شهر من الصيف نهار كله، لا ليل فيه. وشهر من الشتاء ليل، لا نهار فيه. وتكون العشرة أشهر الباقية من السنة

كل يوم وليلة أربعا وعشرين ساعة. وهي المواضع التي يرتفع فيها القطب عن الآفاق سبعة وستين جزء وربعا، فهناك يكون مدار ما بين النصف من الجوزاء الى النصف من السرطان ظاهرا فوق الأرض أبدا، وما بين النصف من القوس إلى نصف الجدي غائبا أبدا وما قالوه في المواضع التي يطول نهارها، ويقصر ليلها حتى يكون الساعة والساعتين والثلاث وذلك في أقاصى بلاد الروم، وبلاد البرغر، وبلاد خوارزم، مما يلي البحر الخزري وما قالوه في الساعات المعتدلة وهي التي تكون كل ساعة منها بمقدار ما يدور الفلك خمس عشرة درجة. والساعات الزمانية وهي المعوجة التي تكون كل واحدة منها مقدار نصف سدس النهار، ونصف سدس الليل وما ذهبوا إليه من تأثيرات الكواكب السبعة من النيرين والخمسة، وخاصتها في الأديان والبقاع والحيوان والنبات وغير ذلك. وفيما خالف بين لغات الناس وألوانهم في المعمور الأرض، والعلة في مطر الإقليم الأول في القيظ دون سائر البلاد. وما قالوه في العلة التي صار لها كثير من المواضع لا تمطر كفسطاط مصر وغيرها إلا اليسير، وأن السبب في ذلك: أن جزء بلاد مصر من جهة شمالها عادم الجبال الشوامخ، وأكثر ما يسيل اليه من جهة بحر الحبشة، يحجز بينه وبين مصر جبال البجة كالمقطم وما يليه، فيمنع ذلك البخار فيسيل إلى جهة الشام والعراق، وليس في سمت مصر من جهة الجنوب بحر، فما يسيل الى سمتها من البخار أقل مما يسيل من جهة بحر الحبشة الى الشأم والعراق. والنيل يعين حركة الهواء من الجنوب الى الشمال بجريته، فينقاد سيلان تلك الأبخرة الى الشمال في بلاد كلها حارة، لقلة العرض ومجاورة البحار، أما بحر

الحبشة فمن جهة شرقها، وأما بحر الاسكندرية وهو بحر الروم فمن جهة شمالها، فيحمى جوها فلا يغلظ البخار السائل إليه ولا يجتمع حتى يخالط بحر الاسكندرية ويمتزج به، ويجوز ان معا جهة الشمال من بلاد أروفى، وإذا صارا الى الموضع الّذي يعرض لهما فيه الانحصار ببرد الجو وما يحيط به من الجبال سالت تلك الأبخرة هنالك، فصارت أمطارا في تلك المواضع الشمالية، فلهذه العلة عدم أهل مصر المطر. ولأن النيل بزيادته يفيض على بلاد مصر، فإذا نقص ترادّ الى قعره فقبلت تلك الأرض حسيا كثيرا، لكثرة إقامة الماء عليها، فيكثر ما يرتفع من أرضها في كل يوم من البخار بحر الشمس، فإذا جاء الليل يبرد حرها بالإضافة الى قدر ما كان عليه عند شروق الشمس، فاستحال البحار ماء، فسال بالليل سيلانا ضعيفا لعدمه التكاثف والانحصار، فصار طلا عائدا الى الأرض، ولعلل غير ذلك ذكروها ويجوزان يكون ذلك لعلل استأثر الله عز وجل بعلمها، ولم يظهر أحدا من خلقه عليها، لما هو عز وجل أعلم به من عمارة البلاد، وصلاح العباد قال أبو الحسن على بن الحسين المسعودي: ولما ذكرنا شرح طويل والكلام فيه كثير، ومن ضمن الاختصار، لم يجز له الإكثار. وإنما نذكر في هذا الكتاب طرفا من كل باب ليستدل الناظر فيه بما رسمناه على المراد مما تركنا، قانعين بالتعريض والإشارة من التطويل في العبارة فاذ ذكرنا جامع التأريخ من آدم الى نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وسنى الأمم وشهورها، ونسيئها وكبائسها، وما اتصل بذلك فلنذكر الآن التأريخ من مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مبعثه وهجرته ووفائه، ومن كان بعده من الخلفاء والملوك الى هذا الوقت .

ذكر التأريخ من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومبعثه. وهجرته. ومغازيه. وسراياه. وسوار به. وكتابه. ووفاته. وتأريخ الخلفاء والملوك بعده. وأيامهم. وكتابهم. ووزرائهم. وحجابهم. وقضاتهم. ونقوش خواتيمهم. وما كان من الحوادث العظيمة الديانية والملوكية في أيامهم. وحصر تواريخهم الى سنة 345 في خلافة المطيع

ذكر التأريخ من مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومبعثه. وهجرته. ومغازيه. وسراياه. وسوار به. وكتابه. ووفاته. وتأريخ الخلفاء والملوك بعده. وأيامهم. وكتابهم. ووزرائهم. وحجابهم. وقضاتهم. ونقوش خواتيمهم. وما كان من الحوادث العظيمة الديانية والملوكية في أيامهم. وحصر تواريخهم الى سنة 345 في خلافة المطيع قد ذكرنا فيما سلف من كتبنا تواتر النذارات، وما ظهر في العالم من الآيات المؤذنة بمولد نبينا صلّى الله عليه وسلّم ونبوته، وما أيد الله به عند مبعثه من المعجزات والدلائل والعلامات، مثل إنبائه بالكائنات قبل كونها، وإطعامه الخلق الكثير من الزاد القليل، وهطل الغمام، ونطق الذراع، وتحويله الماء المالح عذبا، وإروائه الخلق الكثير من الماء اليسير، وغير ذلك. وما أتى به من القرآن المعجز الّذي عجز الخلق أن يأتوا بمثله مع تحديه إياهم وتقريعهم بالعجز عنه. فأغنى ذلك عن إعادة شيء منه في هذا الكتاب لشرطنا فيه على أنفسنا الاختصار والإيجاز، ونحن بادئون بحصر التاريخ من مولده صلّى الله عليه وسلّم كان مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد وإنما لم نتجاوز بنسبه صلّى الله عليه وسلّم معدا لنهيه عن ذلك بقوله كذب النسابون وإذا كان التنازع بين معد وإسماعيل بن إبراهيم يكثر ويختلف، في

العدد والأسماء. والعمل الموروث الّذي يقطع عليه ولا ينازع فيه، اتصال نسبه الى معد بن عدنان وقد استقصينا شرح ذلك، وما قيل فيه من الوجوه في كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) وأتينا فيما سلف من هذا الكتاب على ما اشتهر واستفاض من اتصال معد بإسماعيل بن إبراهيم، وما بين إبراهيم وآدم من الآباء، على ما ذكره أهل الكتاب وأهل النسب ويكنى أبا القاسم، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب- عام الفيل، لثمان خلون من شهر ربيع الأول وقيل لعشر، وهو اليوم الثامن من دى ماه سنة 1317 من بدء ملك نصر. واليوم العشرون من نيسان سنة 882 للإسكندر بن فيلبس الملك، وسنة 39 من ملك أنوشروان خسرو بن قباذ بن فيروز، وذلك بعد قدوم أصحاب الفيل مكة بخمسة وستين يوما، وقيل أقل من ذلك. وكان قدومهم مكة يوم الأحد لخمس ليال خلون من المحرم. وتوفى أبوه عبد الله بن عبد المطلب وهو عليه الصلاة والسلام حمل. وقيل بل مات بعد مولده بشهر، وقيل بل في السنة الثانية من مولده، وقيل بعد ثمانية وعشرين شهرا من مولده، وأنه كان خرج في تجارة إلى الشام وتوفى بالمدينة وله خمس وعشرون سنة ودفع عليه الصلاة والسلام الى حليمة بنت أبى ذؤيب، وهو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن لترضعه فأرضعته بلبن بنيها عبد الله والشيماء وأنيسة بنى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر والشيماء التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عضها على كتفها، وهي تحمله في حال صباه، فلما هزمت هوازن بحنين، واحتوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

على أموالهم وذراريهم سارت اليه الشيماء، فاستعطفته وذكرته وأرته أثر العضة فعرفها عليه الصلاة والسلام وكان ذلك أحد أسباب رد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسائر بنى هاشم وبنى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ما صار إليهم من ذلك السبي، ورد أصحابه ما صار إليهم منه حين رأوا ذلك منه عليه الصلاة والسلام. وكان مقامه صلّى الله عليه وسلّم مسترضعا فيهم أربع سنين، فلما كان في السنة الخامسة ردته حليمة الى أمه آمنة، فلما كان في السنة السابعة من مولده أخرجته أمه إلى أخوال جده عبد المطلب بن هاشم من بنى عدي بن النجار بالمدينة يزورهم، وأم عبد المطلب سلمى ابنة زيد بن عمرو بن لبيد بن حرام ابن خداش بن جندب بن عدي بن النجار، فتوفيت أمه عليه الصلاة والسلام بالأبواء، وقدمت به أم أيمن وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة إلى مكة وفي السنة الثامنة من مولده توفى جده عبد المطلب، فضمه أبو طالب إليه فكان في حجره حتى بلغ ثلاث عشرة سنة، فخرج معه في تجارة إلى الشام، فنظر إليه بحيرا الراهب، فبشر بنبوته، وأخبر بعلاماته وحضر صلّى الله عليه وسلّم حرب الفجار، وحلف الفضول، على ما قدمنا فيما سلف هذا الكتاب وله عشرون سنة ولما كمل خمسا وعشرين سنة خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، إلى الشأم مع غلامها ميسرة، فنظر نسطور الراهب الى إظلال الغمامة إياه، وظهور الآيات فيه فبشر بنبوته، ولما عاد الغلام أخبر خديجة بذلك، فأرسلت اليه في تزويجها فتزوجها فلما كمل خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، وتراضت به قريش في وضع الحجر الأسود، حين كثر من قبائلهم التنازع في ذلك، فوضعه رسول الله

صلّى الله عليه وسلّم في موضعه فلما بلغ أربعين سنة بعثه الله عز وجل الى الناس كافة يوم الاثنين لعشر خلون من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الثالث والعشرون من آبان ماه سنة 1357 من ملك نصر، واليوم الثامن من شباط سنة 921 للإسكندر الملك، وله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ أربعون سنة وتنوزع في أول من آمن به من الذكور، بعد إجماعهم على أن أول من آمن به من الإناث خديجة. فقال فريق منهم أول ذكر آمن به على بن أبى طالب- هذا قول أهل البيت وشيعتهم، وروى ذلك عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن أرقم في آخرين وتنوزع في سنه يوم أسلم فقال فرقة كانت سنة يومئذ خمس عشرة سنة، وقال آخرون ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وقيل تسع، وقيل ثمان، وقيل سبع، وقيل ست، وقيل خمس وهذا قول من قصد الى إزالة فضائله، ودفع مناقبه ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير، وصبي غرير، لا يفرق بين الفضل والنقصان، ولا يميز بين الشك واليقين، ولا يعرف حقا فيطلبه، ولا باطلا فيجتنبه وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب، عند ذكرنا خلافته ووفاته جملا مما قيل في ذلك، وإن كنا قد ذكرناه فيما سلف من كتبنا مفسرا مشروحا وأتينا على قول كل فريق من هؤلاء، وما احتج به لمذهبه، وصحح به قوله، والكلام بين متكلمي العثمانية والزيدية من معتزلة البغداديين القائلين بامامة المفضول، وغيرهم من البترية، وفرق الزيدية والقطعية بالإمامة الاثنا عشرية منهم الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه، الّذي رواه عنه أبان بن أبى عياش أن النبي صلّى

الله عليه وسلّم قال لأمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق ولم يرو هذا الخبر غير سليم بن قيس وأن إمامهم المنتظر ظهوره في وقتنا هذا المؤرخ به كتابنا: محمد بن الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب رضوان الله عليهم أجمعين وأصحاب النسق منهم القائلون بأن الله عز وجل لا يخلى كل عصر من إمام قائم للَّه بحق ظاهر أم باطن. ولم يقطعوا على عدد محصور، ولا وقت معين مفهوم. وأن ذاك نص من الله ورسوله على اسم كل امام وعينه، الى أن يفنى الله عز وجل الأرض ومن عليها. وإنما سموا القطعية لقطعهم على وفاة موسى بن جعفر وتركهم الوقوف عليه. وغيرهم من فرق الشيعة وسائر من قال باختيار الامام وأن ذلك الى الأمة أو الى بعضها- من المعتزلة والمرجئة وفرق الخوارج من الازارقة والاباضية والصفرية والنجدات وسائر فرق الخوارج الى هذه الأصناف يرجعون وعنهم يتفرقون والنابتة والحشوية وغيرهم من فقهاء الأمصار وقال آخرون: إن أول من آمن به عليه الصلاة والسلام من الرجال أبو بكر الصديق عليه السلام، روى ذلك عن عمرو بن عبسة، وجبير بن نفير، وإبراهيم النخعي في آخرين وقال آخرون: إن أول من آمن به زيد بن حارثة الكلبي مولاه، روى ذلك عن الزهري، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار في آخرين وقال آخرون: أولهم إسلاما خباب بن الأرت من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم وقال آخرون بلال بن حمامة وكان مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة وتوفى عمه أبو طالب وله بضع وثمانون سنة، وزوجته خديجة بنت خويلد ولها خمس

وستون سنة، في السنة العاشرة من مبعثه بينهما ثلاثة أيام وقيل أكثر من ذلك وذلك بعد إبطال الصحيفة وخروج بنى هاشم بن عبد المطلب من الحصار في الشعب بسنة وستة أشهر وكان مدة مقامهم في الحصار ثلاث سنين، وقيل سنتين ونصفا، وقيل سنتين على ما في ذلك من التنازع وفي هذه السنة وهي سنة خمسين من مولده كان خروجه الى الطائف، وفي سنة إحدى وخمسين كان المسرى على ما في ذلك من التنازع بين فرق الأمة في كيفيته ثم هاجر صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة فدخلها يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وله ثلاث وخمسون سنة، وذلك في سنة أربع وثلاثين من ملك كسرى أبرويز وأمر عليا رضى الله عنه بالتخلف بعده ليؤدى عنه ودائع كانت للناس عنده، فتخلف بعد خروجه ثلاثة أيام، الى أن أدى ما كان عنده من الودائع، ثم لحق به وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه قبل هجرته بالهجرة الى المدينة، فخرجوا أرسالا، فكان أولهم اليها قدوما أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش الأسدي، وعمر بن الخطاب، وعياش بن أبى ربيعة وكان أول لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد قدومه المدينة لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان لسبعة أشهر من قدومه إياها، في ثلاثين راكبا من المهاجرين، الى العيص من بلاد جهينة يعترض عيرا لقريش جاءت من الشام تريد مكة، فلقى أبا جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، وهو في ثلاثمائة رجل من أهل مكة، فتحاجزوا من غير قتال، وفي ذلك يقول حمزة:

بأمر رسول الله أول خافق ... عليه لواء لم يكن لاح من قبلي ثم سرية عبيدة بن الحارث الى رابغ، وهي على عشرة أميال من الجحفة لمن أراد من المدينة قديدا، وذلك في شوال لثمانية أشهر من قدومه المدينة، فلقى أبا سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على الماء المعروف بأحياء. وكان أبو سفيان في مائتين، وعبيدة في ستين راكبا من المهاجرين. وكان بينهم رمى من غير سل السيوف وكان أول من رمى بسهم في الإسلام سعد بن أبى وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب في هذه السرية، وفي ذلك يقول سعد: ألا هل أتى رسول الله أنى ... حميت صحابتي بصدور نبلى فما يعتد رام في معد ... بسهم يا رسول الله قبلي وبنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعائشة ابنة أبى بكر في شوال، وهي بنت سنين، وقيل دون ذلك، وكان تزوجها بمكة وهي ابنة سبع وقيل ست ثم سرية سعد بن أبى وقاص في ذي القعدة على تسعة أشهر من مهاجرته في عشرين رجلا الى الخرار، وهو من الجحفة قريب من خم، يعترض عيرا لقريش فوافى الموضع وقد سبقه العير. وفي هذه السنة ولد عبد الله بن الزبير بن العوام، وكان أول مولود ولد في دار الهجرة للمهاجرين، والنعمان بن بشير الأنصار، وهو أيضا أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة. وفيها كانت وفاة أبى أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي من بنى غنم بن مالك ابن النجار في شوال وفيها كان إسلام عبد الله بن سلام.

ذكر السنة الثانية من الهجرة وتعرف «بسنة الأمر» لأنه أمر فيها بالقتال

ذكر السنة الثانية من الهجرة وتعرف «بسنة الأمر» لأنه أمر فيها بالقتال ثم غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفر في المهاجرين خاصة، حتى بلغ ودّان والأبواء وبينهما ثمانية أميال، يعترض عير قريش. فرجع ولم يلق كيدا، فكانت غيبته خمس عشرة ليلة، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ابن دليم الأنصاري ثم الخزرجي، وفي هذا الشهر تزوج أمير المؤمنين على بن أبى طالب بفاطمة رضى الله عنهما ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم بواط في شهر ربيع الأول في مائتين، يعترض عيرا لقريش وكانت ألفين وخمسمائة بعير، فيها مائة رجل من قريش منهم أمية ابن خلف الجحمي، ففاتته العير، ورجع ولم يلق كيدا وبواط جبل من جبال جهينة، من ناحية ذي خشب من طريق الشام، وبين بواط والمدينة ثمانية برد، وقيل أقل من ذلك، واستخلف على المدينة سعد ابن معاذ ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر أيضا، في طلب كرز بن جابر الفهري، وكان أغار على سرح المدينة من ناحية العقيق، فبلغ الى سفوان، وهي من بدر ففاته كرز بالسرح، فرجع واستخلف على المدينة مولاه زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبي ثم الكناني- كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة- وفي الناس من يسمى هذه الغزاة بدرا الأولى ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الأولى من هذه السنة- وقيل جمادى

الآخرة- ذا العشيرة، يعترض عيرا لقريش ذاهبة إلى الشام ففاتته، وهي العير التي كان القتال ببدر بسببها في رجعتها وذو العشيرة بناحية ينبع، وبين المدينة وينبع تسعة برد، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وقبل إن خروجه في طلب كرز بعد غزوته ذا العشيرة، والأشهر ما ذكرناه، وولد النعمان بن بشير الأنصاري من بنى الحارث بن الخزرج، وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة ثم سرية عبد الله بن جحش من بنى دودان بن أسد بن خزيمة، في رجب في أحد عشر رجلا، وقيل ثمانية إلى نخلة- وهو الموضع المعروف في هذا الوقت ببستان بن عامر، على جادة العراق- فلقوا عير قريش، فقتلوا ابن الحضرميّ، وأسروا منهم نفرا، واستاقوا العير، وقسم عبد الله بن جحش الغنيمة، وأخرج منها الخمس، قبل أن ينزل القرآن بذلك، فعزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء الاذن من الله فأنفذه، وكان أول فيء قسمه وفي هذه الغزاة فيما ذكر سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين، وهو أول من سمى بذلك، وقالت قريش استحل محمد القتل في الشهر الحرام يعنون رجب، وندم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك لأنه قال لهم ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم فأنزل الله عز وجل في ذلك يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ 2: 217- الآية وفرض صوم شهر رمضان في شعبان من هذه السنة، وصرفت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في صلاة الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فاستدار النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو راكع في الركعة الثانية، ودارت الصفوف خلفه فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين، وقيل إن ذلك بعد افتراض صوم

شهر رمضان بثلاثة عشر يوما. وفيها أرى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، من بنى زيد مناة بن الحارث بن الخزرج الأذان في النوم، وورد الوحي بذلك فعمل به ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا العظمى، وهي؟ بدر القتال، وبين بدر والمدينة ثمانية برد، وميلان وكان خروجه لثلاث خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وأحد عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، عدة المهاجرين أربعة وسبعون رجلا، وباقيهم من الأنصار. وقيل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وقيل وأربعة عشر رجلا. الخبر المستفيض أنه كان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فوقع التنازع فيما زاد على الثلاثمائة والعشرة، وهو البضع وكانت قريش تسعمائة وخمسين مقاتلا منهم ستمائة دارع، معهم من الخيل مائة فرس، وكانت الوقعة يوم الجمعة صبيحة. لتسعة عشر يوما من شهر رمضان كذلك روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود، وخارجة ابن زيد الأنصاري ثم الخزرجي عن أبيه زيد وقد روى علقمة بن زيد عن ابن مسعود غير هذا، وهو أنّها كانت صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان، كذلك روى عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد أيضا، وكذلك روى عن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما، فيما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي، والى هذا القول ذهب محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي والسير. فقتل من قريش سبعون رجلا، وأسر سبعون رجلا، كذلك ذكر احمد ابن منصور الرمادي عن عاصم بن على عن عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال حدثني عبد الله بن العباس قال حدثني عمر بن الخطاب

قال: لما كان يوم بدر التقينا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا واسر سبعون رجلا، وقيل ان عدة من قتل يوم بدر من قريش وحلفائهم سبعة وأربعون رجلا والأسرى تسعة وأربعون رجلا، وقيل إن عدة القتلى منهم يومئذ خمسة وأربعون رجلا، والأسرى مثل ذلك رجالا واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا قال المسعودي: وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أفاء الله عليه لكل رجل سهما وللفرس سهمين وضرب لثمانية نفر بأسهمهم لم يشهدوا القتال، وهم: عثمان بن عفان، تخلف عن بدر لمرض رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب له بسهمه. فقال يا رسول الله وأجرى قال وأجرك ومنهم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، يجتمع مع أبى بكر الصديق عليه السلام في عمرو بن كعب بن سعد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤيّ بن غالب، يجتمع مع عمر بن الخطاب في نفيل بن عبد العزى. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثهما لما خرج من المدينة يتحسسان أخبار العير، نعادا بعد انقضاء الحرب، وقيل انهما كانا بالشأم في تجارة لهما فقد ما بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بدر فضرب لهما بسهميهما، فقالا يا رسول الله وأجرنا، قال وأجركما على الله- والأول أشهر وعليه العمل والحارث بن الصمة من بنى مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن الخزرج- وخوات بن جبير بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس- والحارث بن حاطب- وعاصم بن عدي الأنصاريان- وأبو لبابة بشير

ابن عبد المنذر الأنصاري ثم الأوسي. وكان استخلفه على المدينة وما ذكرنا من أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسم للفرس سهمين ولفارسه سهما باتفاق من سائر فقهاء الأمصار وغيرهم، إلا أبا حنيفة النعمان بن ثابت، فإنه قال يسهم للفرس سهما ولفارسه سهما وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن في ذلك. واعتل أصحاب أبى حنيفة لصحة قوله بأحاديث رووها عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعن أمير المؤمنين على بن أبى طالب، وأبى موسى الأشعري. وغيرهم، وإنما ذكرنا ذلك الخلاف للخلاف الواقع بينهم في الخبر. وكانت غيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى أن عاد الى المدينة تسعة عشر يوما ودخلها لثمان بقين من شهر رمضان، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم الضرير، وهو عمرو بن قيس من بنى عامر بن لؤيّ بن غالب. وكانت وفاة أبى لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة في اليوم الّذي ورد فيه خبر وقعة بدر ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الأوسي ثم الخطميّ إلى عصماء ابنة مروان من بنى أمية بن بدر، وكانت تؤذى المسلمين وتحرض عليهم أعداءهم فقتلها عمير، وفي هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بإخراج زكاة الفطر ثم سرية سالم بن عمير الأنصاري إلى أبى عفك شيخ من بنى عمرو بن عوف، وكان يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله في شوال من هذه السنة. ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من شوال إلى بنى قينقاع من من اليهود وكانوا أربعمائة فحصرهم إلى هلال ذي القعدة، فنزلوا على حكمه فاستوهبهم منه عبد الله بن أبى بن سلول- وكانوا حلفاء للخزرج- فأجلاهم إلى

أذرعات من أرض الشأم، وغنم أموالهم وأخذ الخمس، وهو أول خمس خمسه، وفرق الأربعة أخماس على أصحابه. وقيل إن فعله ذلك كان ببدر. وكان استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر الخزرجي ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعروفة بغزوة السويق، خرج في ذي الحجة في طلب أبى سفيان صخر بن حرب، وكان أقبل في مائتي راكب من أهل مكة ليبر نذره أن لا يمس النساء، ولا الطيب حتى يثأر بأهل بدر، فصار إلى العريض، فقتل رجلا من الأنصار، وحرق أبياتا هنالك. فلما بلغه خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في طلبه جعل وأصحابه يلقون جرب السويق تخففا، فسميت غروة السويق وكان استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضا، وفي هذا الشهر بنى على بفاطمة عليهما السلام قال المسعودي: وقد ذكرنا التنازع في سنها عند ذكر وفاتها في خلافة أبى بكر فيما يرد من هذا الكتاب وضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول أضحى رآه المسلمون، وأمر بذلك، وخرج إلى المصلّى، وذبح به شاتين بيده وقيل شاة وفي هذه السنة كانت الوقعة بذي قار بين بكر بن وائل- وعليهم حنظلة ابن سيار من ولد جذيمة بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار، وقيل إنه من ولد كعب بن سعد بن ضبيعة بن عجل- وبين الجيش الّذي بعثه إليهم الملك خسرو أبرويز عليهم الهامرز، وذلك لما امتنع هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل من تسليم ما كان النعمان

ابن المنذر اللخمي ملك الحيرة أودعه إياه من أهله وماله وسلاحه قبل قتل كسرى إياه فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت الفرس، ومن كان معها من العرب، من تغلب وعليها بشر بن سوادة التغلبي، وطيِّئ وعليها إياس بن قبيصة الطائي، وضبة وتميم وعليهما عطارد بن حاجب بن زرارة، والنمر وعليها أوس بن الخزرج النمري، وبهراء وتنوخ وغيرهم من العرب وقتل الهامرز. وقيل إن ذلك كان قبل الهجرة، وإن أناسا من عبد القيس وحنيفة وغيرهم من بكر بن وائل جاءوا من اليمامة وبلاد البحرين الموسم يريدون المضي إلى بكر لانجادها، فوقف عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يعرض نفسه على قبائل العرب ومعه أبو بكر فدعاهم إلى الايمان باللَّه وجرى بين أبى بكر ودغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان النسابة ما جرى حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلّم إن البلاء موكل بالمنطق فوعدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إن نصرهم الله على الأعاجم آمنوا به وصدقوا بنبوته، فدعا لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنصر فلما بلغه ظهورهم على الأعاجم قال هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبى نصروا وهذا يوم تفخر به بكر بن وائل على سائر العرب وفوضل به في مناقبها وذكره من تقدم من الشعراء وتأخر في مدح بكر، وذكر أيامها المذكورة ووقائعها المشهورة ولقد أحسن أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في تلطفه لذلك في مديحه أبا دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعيّ ابن عبد العزى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب

ذكر السنة الثالثة من الهجرة وتعرف «بسنة التمحيص»

ابن على بن بكر بن وائل ببائيته التي أولها على مثلها من أربع وملاعب فقال إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... على الناس أو ما ولدت من مناقب فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المترجم بالديباج- أو فياء العرب فعد- السموأل بن عاديا الغساني، والحارث بن ظالم المري، وعمير بن سلمى الحنفي. ولم يذكر هانئا وهو أعظم العرب وفاء، وأعزهم جوارا، وأمنعهم جارا، لأنه عرض نفسه، وقومه للحتوف، ونعمهم للزوال، وحرمهم للسبى، ولم يخفر أمانته، ولا ضيع وديعته ذكر السنة الثالثة من الهجرة وتعرف «بسنة التمحيص» ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنصف من المحرم في مائتين إلى الماء المعروف بقرقرة الكدر، ناحية معدن بنى سليم، مما يلي جادة العراق إلى مكة وبين المعدن والمدينة ثمانية برد يريد سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، وغطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، فانجفلوا وغنم من أموالهم، ورجع ولم يلق كيدا، وكان استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم سرية محمد بن مسلمة الأنصاري من بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس في أربعة نفر من الأنصار، إلى كعب بن الأشرف اليهودي. وكان رجلا من طيِّئ ثم من بنى نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيِّئ،

وأمه من بنى النضير من اليهود، وكان يشبب بنساء المسلمين. ويحرص على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويرثى أهل القليب، فقتلوه في حصنه للنصف من شهر ربيع الأول ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جمادى الآخرة بفران. وهو معدن بنى سليم بناحية الفرع من الحجاز، فصار إليه وقد تقدم إليهم خبره فتفرقوا، فرجع ولم يلق كيدا، وكانت غيبته عشرة أيام، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الشهر في أربعمائة وخمسين إلى نجد، يريد غطفان فبلغ الموضع المعروف بذي أمر وراء بطن نخل فانجفلوا من بين يديه، فرجع ولم يلق كيدا. وكانت غيبته عشرة أيام، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ثم سرية مولاه زيد بن حارثة الكلبي مستهل جمادى الآخرة إلى الموضع المعروف بالقردة، من أرض نجد بين الرّبذة والغمر وذات عرق من جادة العراق يعترض عيرا لقريش تريد الشأم، فظفر بها، وبلغ الخمس عشرين ألفا، وهذا أول بعث خرج فيه زيد أميرا وفي شعبان من هذه السنة تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفصة ابنة عمر بن الخطاب، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وكان بدريا ولم يشهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بنى سهم غيره وللنصف من شهر رمضان كان مولد الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام، وفيه تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت خزيمة المعروفة بأم المساكين

ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا خرج إليها في نحو من ألف رجل، فانخذل عنه عبد الله بن أبى بن سلول في نحو من ثلث الناس- وكان أشار على على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بترك الخروج إليهم والتمسك بالمدينة. وقال عصاني، ولم يقبل رأيي- وبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نحو من سبعمائة وكانت قريش وكنانة بن خزيمة وأحلافها ثلاثة آلاف، فيهم سبعمائة دارع، والخيل مائتا فرس، ومعهم من النساء خمس عشرة امرأة يحرضنهم فيهن هند ابنة عتبة، وعلى الناس أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد الشمس بن عبد مناف، فالتقوا يوم السبت لسبع خلون من شوال فاستشهد من المسلمين سبعون رجلا، وقيل خمسة وستون رجلا أربعة منهم من المهاجرين. أحدهم حمزة بن عبد المطلب، والباقون من الأنصار. وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا. وعاد إلى المدينة، وكان قد استخلف عليها ابن أم مكتوم ثم خرج من الغد وهو ثانى يوم أحد في طلب أبى سفيان وأصحابه حتى انتهى إلى الموضع المعروف بحمراء الأسد، وهي على عشرة أميال من المدينة على طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة ففاتته قريش. فأقام ثلاثا، ثم عاد وفي الناس من يعد هذه غزاة .

ذكر السنة الرابعة من الهجرة وتعرف «بسنة الترفيه»

ذكر السنة الرابعة من الهجرة وتعرف «بسنة الترفيه» ثم سرية أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومي في المحرم إلى قطن وهو جبل بناحية فيد من آخر بلاد نجد ثم سرية عبد الله بن أنيس الجهنيّ، جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة إلى سفيان بن خالد الهذلي في المحرم أيضا فقتله. وقيل إن قتله إياه كان في السنة الخامسة من الهجرة ثم بعث المنذر بن عمرو الأنصاري في صفر في سبعين رجلا من الأنصار إلى أهل نجد ليقرئوهم القرآن ويعلموهم الدين. فلما انتهوا إلى الموضع المعروف ببئر معونة، على أربع مراحل من المدينة بين أرض بنى سليم وأرض بنى كلاب، أغار عليهم عامر بن الطفيل الكلابي فقتلهم. وكان فيهم عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح الأنصاري ثم الأوسي في صفر في تسعة نفر من أصحابه مع رهط من القارة. وهي من الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر. وعضل وهي من القارة. وكانوا قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. فسألوه أن يبعث معهم من يفقههم في الدين فبعثهم. فلما صاروا بالموضع المعروف بالرجيع، وذلك على سبعة أميال من الموضع المعروف بالهدأة، الهدأة على سبعة أميال من عسفان غدر بهم، فقتلت لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر منهم سبعة نفر، وأسر اثنان خبيب بن عدي الأنصاري من بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وزيد

ابن الدّثنة فذهب بهما إلى مكة، فقتلا هنالك ثم سرية عمرو بن أمية الضمريّ وسلمة بن أسلم بن حريش إلى أبى سفيان بمكة ليغتالاه فنذر بهما فعاد، وقيل إن ذلك في السنة الخامسة من الهجرة ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر ربيع الأول بنى النضير من اليهود، وقيل إنهم وقريظة من ولد هارون بن عمران، وقيل إنهم من جذام وإنما رغبوا عن دين العمالقة وعبادة الأصنام فاتبعوا شريعة موسى، وانتقلوا من الشأم إلى الحجاز وكانت منازل النضير بناحية الغرس وما والاها، ومقبرة بنى خطمة، وكانوا موادعين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم هموا بالغدر به فنذر بهم فنبذ إليهم، فأقاموا على الحرب فسار إليهم فحصرهم خمسة عشر يوما، ثم أجلاهم إلى فدك وخيبر، وقبض ما لهم من الحلقة والكراع فخرجوا يريدون خيبر، وهم يضربون بالدفوف ويزمرون بالمزامير، وعلى النساء المصبغات والمعصفرات وحلى الذهب مظهرين بذلك تجلدا، وكان فيهم- فيما أخبرنا به عن عمر بن شبة النميري- عروة الصعاليك بن الورد العبسيّ، وكان حليفا في بنى عمرو بن عوف، وكان شاعرا مجيدا، وهو القائل في كلمة له طويلة: دعينى للغنى أسعى فأنى ... رأيت الناس شرهم الفقير وعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم قال المسعودي: وفي هذا الشهر فيما ذكر حرمت الخمر على ما في ذلك من التنازع في سبب تحريمها. وفي شعبان من هذه السنة كان مولد الحسين بن على بن أبى طالب، وفي شوال تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومي، وفي هذا الشهر فيما ذكر رجم يهودي ويهودية كانا قد زنيا

ذكر السنة الخامسة من الهجرة وتعرف «بسنة الأحزاب»

ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة في ألف وخمسمائة والخيل عشرة بدرا، لموعد أبى سفيان صخر بن حرب حين أراد الانصراف من أحد فأقام بها ثمانية أيام وتسمى «بدر الثالثة» وخرج أبو سفيان في قريش من مكة إلى عسفان في ألفين والخيل خمسون، ثم لم يقف، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان استخلف عليها عبد الله بن رواحة الأنصاري، وكانت غيبته ستة عشر يوما ذكر السنة الخامسة من الهجرة وتعرف «بسنة الأحزاب» ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم لعشر خلون من المحرم في ثمانمائة إلى الموضع المعروف بذات الرقاع، وهو جبل قريب من النخيل مما يلي السعد والشقرة مختلفة ألوانه فيه بقع حمر وبيض وسود- وقيل إنها انما سميت غزوة ذات الرقاع لكثرة الرقاع في الرايات، فأجفلت العرب من بين يديه، ولحقوا برءوس الجبال وبطون الأودية قال المسعودي: وفي هذه الغزاة صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف لقرب العدو منهم، وإشرافهم عليه على ما في ذلك من تنازع في وصفها وكيفيتها بين فقهاء الأمصار وغيرهم، من السلف. وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها عثمان بن عفان، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم دومة الجندل، وهي أول غزواته للروم، وبين

دومة الجندل وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وقيل ثلاث عشرة وكان صاحبها- أكيدر بن عبد الملك الكندي- يدين بالنصرانية، وهو في طاعة هرقل ملك الروم، وكان يعترض سفر المدينة وتجارهم، فبلغ أكيدر مسيره فهرب، وتفرق أهل دومة الجندل وصار إليها فلم يجد بها أحدا، فأقام أياما وعاد إلى المدينة، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم وفي هذه السنة وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم لليلتين خلتا من شعبان، بنى المصطلق بن سعد بن عمرو- وهو خزاعة ومنه تفرقت بطونهم- ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وإنما سموا خزاعة بانخزاعهم من جملة الأزد إلى بطن مر عند مسيرهم من مأرب، وفي ذلك يقول شاعرهم: ولما هبطنا مر تخزعت ... خزاعة منا في حلول كراكر وكانوا على ماء لهم يعرف بالمريسيع بطريق الفرع، والفرع على ثمانية برد من المدينة فناجزهم فانهزموا، فقتل وأسر وسبى الذراري والأموال، فكان في السبي جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار رئيس بنى المصطلق، وكانت صارت لبعض الأنصار فكاتبها، فأدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابتها وتزوجها، فعتق الناس بقية السبي ببركتها، وعاد إلى المدينة، وكان قد استخلف عليها زيد بن حارثة مولاه. وكانت غيبته ثمانية عشر يوما. وفي هذه الغزاة فقد عقد عائشة، وقال فيها أهل الافك ما قالوا وهم: مسطح ابن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وهو ابن خالة أبى بكر، وكان في عياله- وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرم بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن

عمرو بن مالك بن النجار- وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج- وعبد الله بن أبى بن سلول، وهو الّذي تولى كبره منهم، وحمنة ابنة جحش ابن رئاب. والّذي ذكروه صفوان بن المعطل السلمي، وكان صاحب الساقة في تلك الغزاة، فلما أنزلت براءتها جلدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمانين جلدة، إلا عبد الله بن أبى بن سلول فإنه لم يجلده، وفي ذلك يقول عبد الله بن رواحة، وقيل كعب بن مالك لقد ذاق حسان الّذي هو أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا وفيها نزلت آية التيمم على ما في ذلك من التنازع بين الأسلاف والأخلاف في كيفية التيمم ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم الخندق، وهي غزوة الأحزاب، سارت إليه قريش وغطفان وسليم وأسد وأشجع وقريظة والنضير وغيرهم من اليهود، فكان عدة الجميع أربعة وعشرين ألفا، منها قريش وأتباعها أربعة آلاف، معهم ثلاثمائة فرس، وألف وأربعمائة بعير قائدهم أبو سفيان صخر بن حرب، والمسلمون نحو من ثلاثة آلاف، وذلك في شوال، وقيل في ذي القعدة فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخندق، فخندق وأقاموا محاصرين للمدينة يتناوشون ثم نصر الله رسوله، وهزم الأحزاب، وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم وقد تنوزع في مدة إقامتهم على الخندق، فمنهم من قال شهر، ومنهم من قال خمسة عشر يوما، وقيل غير ذلك

ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم قريظة من اليهود لمظاهرتهم قريشا عليه، سار إليهم عند منصرفه من الخندق، وذلك لسبع بقين من ذي القعدة، وكانوا على بعض يوم من المدينة، فحصرهم خمسة عشر يوما وقيل أكثر من ذلك، ثم نزلوا على حكم سيد الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد ابن عبد الأشهل فحكم بقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وكان سعد رمى يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فكان لمآبه، فقتل من قريظة سبعمائة وخمسين رجلا صبرا. وعاد إلى المدينة، وكان استخلف عليها أبارهم الغفاريّ كلثوم بن الحصين، وتوفى سعد بن معاذ بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وفي هذه السنة تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب ابنة جحش بن رئاب الأسدية، أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح الفهري فهر قريش، وهو عامر بن عبد الله ابن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة في ذي الحجة إلى سيف البحر

ذكر السنة السادسة من الهجرة، وتعرف «بسنة الاستئناس»

ذكر السنة السادسة من الهجرة، وتعرف «بسنة الاستئناس» ثم سرية محمد بن مسلمة الأنصاري في المحرم إلى القرطاء من بنى أبى بكر ابن كلاب بناحية ضرية، بموضع يقال له البكرات، وضرية على سبعة أميال من المدينة. ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنى لحيان من هذيل، وكانوا بالقرب من عسفان خرج إليهم لهلال ربيع الأول ثائرا بمن قتلوا من أصحابه بالرجيع فاعتصموا برءوس الجبال وفيها بعث فيما قيل عمر بن الخطاب سرية إلى القارة، فاعتصموا بالجبال أيضا، وبعث هلال بن الحارث المزني إلى بنى مالك بن فهر فهربوا منه، وبعث بشر ابن سويد الجهنيّ إلى بنى الحارث بن كنانة فاعتصموا بغيضة فأضرمها عليهم عليهم فاحترقوا، فأنكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك ورجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم، وكانت غيبته أربع عشرة ليلة ثم غزوته صلّى الله عليه وسلّم الموضع المعروف بذي قرد من طريق خيبر وهو على ليلتين من المدينة، وكان عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أغار على لقاحه وهي بالغابة، وهي على بريد من المدينة أو أكثر. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأربعاء لأربع خلون من شهر ربيع الأول فاستنقذ بعضها وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم، وكانت غيبته خمس ليال ثم سرية سعد بن عبادة الخزرجي إلى الموضع المعروف بالغميم

ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى جبلي أجأ وسلمى ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي الغمر غمر مرزوق قال المسعودي. والغمر على ليلتين من فيد، طريق الكوفة وكان لبني أسد ثم سرية محمد بن مسلمة الأنصاري في شهر ربيع الأول إلى ذي القصة. وبين ذي القصة والمدينة عشرون ميلا على طريق الرَّبَذَة من جادة العراق إلى بنى ثعلبة، وأناس من تغلب، وكان في عشرة نفر فقتلوا وهم نيام وأفلت محمد جريحا ثم شرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة أيضا في شهر ربيع الآخر ثم سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم، والجموم من بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل على أربعة برد من المدينة ثم سرية زيد بن حارثة أيضا في جمادى الأولى إلى العيص، وهي طريق ذي المروة عن يمينها على ليلة منها مما يلي البحر، وهي على أربع مراحل من المدينة ثم سرية زيد بن حارثة أيضا في جمادى الآخرة إلى بنى ثعلبة بالطرف، والطرف ماء قرب من المراض دون النّخيل، وهو على ستة وثلاثين ميلا من المدينة على طريق العراق. ثم سرية زيد بن حارثة أيضا في جمادى الآخرة أيضا، إلى جذام بحسمى وحسمى وراء وادي القرى مما يلي بلاد فلسطين من أرض الشأم. ثم سرية زيد بن حارثة أيضا في رجب إلى وادي القرى لاجتماع فزارة لك، فقامت بالحرب أم قرفة، فانصرف زيد راجعا. ثم سرية عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ابن كلاب في شعبان إلى دومة الجندل. ثم سرية على بن ابى طالب رضى الله عنه إلى بنى سعد بفدك، وبين فدك وبين المدينة نحو من خمس ليال.

ثم سرية زيد بن حارثة في شهر رمضان إلى أم قرفة، وهي فاطمة ابنة ربيعة ابن زيد الفزارية، وكانت بنواحي وادي القرى على سبع ليال من المدينة، فهزم فزارة وقتل أم قرفة. ثم سرية عبد الله بن عتيك في هذا الشهر إلى أبى رافع سلام بن أبى الحقيق النضري بخيبر فقتله ثم سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري من بنى كعب بن الحارث بن الخزرج إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله ثم سرية كرز بن جابر الفهري في شوال إلى العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستاقوا الإبل. وذلك بالموضع المعروف بذي الجدر بناحية قباء قريب من عين على ستة أميال من المدينة، فأتى بهم فسملت أعينهم، وقطعت أيديهم وأرجلهم على ما في هذا الخبر من التنازع بين فقهاء الأمصار في معناه، وفي آية المحاربة وأحكام المحاربين وحدثنا أبو مسلّم إبراهيم بن عبد الله الكشي عن أبى النعمان عارم بن الفضل السدوسي وسليمان بن حرب بن عثم عن حماد بن زيد. وحدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ قال حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس بن مالك الأنصاري أن قوما من عكل أو عرينة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاجتووا المدينة. فأمر لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا رعاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستاقوا النعم فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر من أول النهار فأرسل في طلبهم، فما ارتفع النهار حتى أتى بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، وألقوا بالحرة، فيستسقون فلا يسقون حتى ماتوا

وقد روى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة، فجعل السمل قصاصا، كذلك ذكر يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن انس بن مالك. قال المسعودي: والعرينون من ولد عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن بجيلة، وبجيلة امرأة سمي ولدها بها وهم بنو أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخى الأزد بن الغوث وعند نساب ربيعة ومضرا بنى نزار، بجيلة من ولد أنمار بن نزار بن معد، وفي كلب عرينة أخرى، وهي عرينة بن ثور بن كلب بن وبرة والعكليون ولد عكل بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحديبيّة، خرج للعمرة في ذي القعدة في ألف وستمائة رجل، وساق معه سبعين بدنة، فصده المشركون عن الدخول إلى مكة، فأقام بالحديبية. وهي من مكة على تسعة أميال مما يلي طرف الحرم وفيها كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت، وذلك لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن عفان إلى أهل مكة يعلمهم أنه لم يأت محاربا، وإنما جاء معتمرا، فاحتبسوا عثمان، واستفاضت الأخبار بقتله، فوقعت البيعة حينئذ. وخرج إليه سهيل بن عمرو بن عبد شمس من بنى عامر بن لؤيّ بن غالب فصالحه على موادعة عشر سنين على أن ينصرف في تلك السنة، ويأتى في العام المقبل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام، فنحر وحلق بالحديبية، وجعلها عمرة وانصرف إلى المدينة، وكان استخلف عليها ابن أم مكتوم، وفي منصرفه عن الحديبيّة قال لأمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه بغدير خم، من كنت مولاه فعلى مولاه وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وغدير خم يقرب من الماء المعروف بالخرار بناحية الجحفة، وولد على رضى

ذكر السنة السابعة من الهجرة، وتعرف «بسنة الاستغلاب»

الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم وفي هذه السنة أجدب الناس، فاستسقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان، وفيها أسلّم المغيرة بن شعبة وفيها انكشف شهربراز صاحب أبرويز بن هرمز عن الروم، وظهرت الروم على الفرس، وفيهم نزلت الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 30: 1- 3 ذكر السنة السابعة من الهجرة، وتعرف «بسنة الاستغلاب» ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المحرم خيبر، وهي على ثمانية برد من المدينة في ألف وأربعمائة راجل، والخيل مائتا فرس، فحاربه بعض أهل الحصون، فافتتحها عنوة، وبعضهم جنح إلى الصلح فأجلاهم ثم سألوه أن يقر الأرض في أيديهم على أن يعتملوها ولهم شطر الثمرة فأجابهم إلى ذلك، فكان يبعث عبد الله ابن رواحة الأنصاري في كل سنة، فيخرص عليهم، فلما قتل بمؤتة وجه مكانه جبار بن صخر، فكانوا على ذلك إلى أيام عمر بن الخطاب، فأخرجهم من الحجاز لأنه بلغه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه الّذي مات فيه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب على ما في هذا الخبر من التنازع بين فقهاء الأمصار في المساقاة واصطفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من سبى حصن القموص صفية بنت حيي بن أخطب من النضير، وكانت عند كنانة بن أبى الحقيق فأعتقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل عتقها صداقها

كذلك ذكر عبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني، وشعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك على ما في ذلك من التنازع في معنى هذا الخبر، وهل ذلك خاصا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أم لأمته التأسي به فيه وفي هذه الغزاة قدم جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه ومن معه، من أرض الحبشة، ومعهم أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب، وكان النجاشي ملك الحبشة زوّجها من النبي صلّى الله عليه وسلّم وأدى عنه المهر، وكانت عند عبد الله بن جحش بن رئاب من بنى غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة ابن الياس بن مضر، وكان هاجر إلى أرض الحبشة وهي معه فتنصر، ففارقته. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند قدوم جعفر ما أدرى بأيهما أنا أبشر، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر وفي هذه الغزاة سم النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذراع شاة أهدتها له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم اليهودي، وكانت سألت: أي عضو من الشاة أحب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها السم، وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء ابن معرور الأنصاري من بنى سلمة من الخزرج قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلفظها ثم قال إن هذا العظم ليخبرني انه مسموم ودعا بها فاعترفت، فقال ما حملك على ذلك؟ قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت إن كان نبيا فسيخبر، وإن كان ملكا استرحت منه وقومي، فتجاوز عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومات بشر من أكلته التي أكل فقتلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الّذي توفى فيه ودخلت عليه أم بشر ابن البراء تعوده، فقال يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلت مع ابنك بخيبر وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مات شهيدا، مع ما أكرمه الله به من النبوة- كذلك ذكر سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن مروان بن عثمان بن أبى سعيد بن المعلى قال المسعودي: وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب غريب الحديث أنه قال صلّى الله عليه وسلّم ما زالت أكلة خيبر تعادّنى في كل عام فهذا أوان قطعت أبهرى قال أبو عبيد مفسرا لذلك: تعادّنى من العداد وهو الشيء الّذي يأتيك لوقت معلوم مثل الحمى الربع والسم الّذي يقتل لوقت فإنه يعادّ صاحبه لأيام حتى يأتى وقته الّذي يقتل فيه، وأصله من العدد، والأبهر عرق مستبطن الصلب، والقلب متصل به، فإذا انقطع لم يكن معه حياة. ولما سمع أهل فدك بما نال أهل خيبر، ومن صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم، ومساقاته إياهم بعثوا إليه يسألونه أن يحقن دماءهم ويخلوا له الأموال ففعل فكانت فدك خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب. وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن خيبر الى وادي القرى، فحصرهم أياما حتى افتتحها عنوة وكان أهل تيماء أعداء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورؤساؤهم آل السموأل ابن عاديا بن حيّا بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقياء بن

عامر، والسموأل أحد أوفياء العرب، وهو صاحب الحصن المعروف بالأبلق الفرد، وقد ذكره أعشى بنى قيس بن ثعلبة في مديحه لشريح بن السموأل فقال: بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار فلما بلغهم ما نزل بأهل وادي القرى صالحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أداء الجزية، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة وكان استخلف عليها سباع بن عرفطة الأنصاري واتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخاتم في المحرم، ونقش عليه محمد رسول الله، وكاتب الملوك في شهر ربيع الأول ونفذت كتبه ورسله اليهم يدعوهم الى الإسلام، وافتتح كتبه اليهم بسم الله الرحمن الرحيم وكان صلّى الله عليه وسلّم أولا يكتب كما تكتب قريش «باسمك اللَّهمّ» حتى نزل عليه ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ الله مَجْراها 11: 41 فكتب بذلك الى أن نزل عليه قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى 17: 110 فكتب «بسم الله الرحمن» حتى نزل عليه إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 فكتب بذلك وقد أتينا على السبب في كتبة قريش «باسمك اللَّهمّ» في أخبار أمية بن أبى الصلت الثقفي من الأخبار المسعوديات المنسوبة إلينا. فبعث عبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى أبرويز بن هرمز ملك فارس، وهو يومئذ بالمدائن من ارض العراق، فمزق كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكتب الى باذام عامله على اليمن أن يشخصه اليه فبعث اليه اسوارين في عدة، وهما فيروز بن الديلميّ وخرخسرو، وقيل بابويه، وقال تأتونى به، فقدما المدينة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرها ان شيرويه بن أبرويز ملكهم قد قتل إياه في تلك الليلة، فرجعا الى باذام فأخبراه، فكان الأمر كما ذكر صلّى الله عليه وسلّم

فأسلما وأسلّم باذام والأبناء بصنعاء، وهم الذين ساروا الى اليمن مع خرزاد بن نرسى بن جاماسب أخى قباذ بن فيروز الملك. وكان أنوشروان سمى مرتبته وهرز حين أنفذه مع سيف بن ذي يزن الحميري منجدا له على الحبشة حين غلبت على اليمن، فقتلوا مسروق بن أبرهة الأشرم آخر ملوك الحبشة باليمن وأقاموا بها. وكان جميع من ملك اليمن من الحبشة أربعة أولهم أرياط، وقيل أبرهة الاشرم ثم أبرهة وهو السائر إلى البيت الحرام بالفيل المذكور في القرآن، ثم يكسوم ابنه، ثم مسروق ابنه أيضا، ومدة ما ملكوا من السنين نيف وسبعون سنة، وكان قطعهم البحر من ساحل الحبشة الى ساحل اليمن من الموضع المعروف بالمندب وهما جبلان، وهذا الموضع أضيق أعبار هذا البحر، وإنما عرضه نحو من ميل ويتصل به من ساحل اليمن ساحل المخا وهي متصلة بغلافقة ساحل زبيد من أعمال ابن زياد في هذا الوقت ومن الناس من يسمى وهرز الديلميّ لأنه ولى مرزبة الديلم والجيل لا أنه كان ديلميا. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دحية بن خليفة الكلبي وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزج والخزج العظم وهو زيد مناة بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب. الى هرقل ملك الروم، وعمرو بن أمية الضمريّ إلى النجاشي اصحمة بن بحر ملك الحبشة، والعلاء بن الحضرميّ الى المنذر ابن ساوى أحد بنى عبد القيس صاحب البحرين، وسليط بن عمرو العامري الى هوذة بن على الحنفي صاحب اليمامة، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن

أبي شمر الغساني عامل هرقل ملك الروم على دمشق وأعمالها، وكان ينزل الجولان ومرج الصّفر، وحاطب بن أبى بلتعة اللخمي وقيل العبسيّ حليف بنى أسد بن عبد العزى الى المقوقس المقرقب النونى بالنون عظيم القبط ببلاد الاسكندرية ومصر، والنون هو قبيل من القبط. قال المسعودي: وقد أتينا على أخبار هؤلاء الرسل مع من أرسلوا إليه ورسل من كان بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخلفاء والملوك ووفودهم إلى سائر الملوك والأمم إلى هذا الوقت وهو سنة 345 في خلافة المطيع في كتاب (فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف) وقيل ان بعثة الرسل الى هؤلاء الملوك كان في السنة السادسة من الهجرة قبل فتحه خيبر. ثم سرية عمر بن الخطاب في شعبان إلى الموضع المعروف بتربة وتربة ناحية العبلاء، على أربع ليال من مكة وقيل خمس، طريق صنعاء ونجران اليمن ثم سرية أبى بكر في هذا الشهر الى بنى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، بناحية ضرية، ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري، ثم الخزرجي في هذا الشهر أيضا الى بنى مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بفدك، فأصيب أصحابه وارتث في القتلى. ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي في شهر رمضان الى الميفعة وراء بطن نخل الى ناحية النقرة مما يلي نجدا على ثمانية برد من المدينة، وفيها قتل أسامة ابن زيد بن حارثة الرجل الّذي قال لا إله الا الله فلامه النبي صلّى الله عليه وسلّم على قتله فقال إنما قالها احتجارا فقال «هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟» فأنزل الله عز وجل في ذلك وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً 4: 94

ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري في شوال إلى يمن وجبار وهما موضعان نحو الجناب والجناب يعارض خيبر ووادي القرى ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المدينة يوم الاثنين لست ليال خلون من ذي القعدة لعمرة القضاء التي كان المشركون صدوه عنها بالحديبية فخرج المشركون عن مكة ودخلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقام بها وأصحابه ثلاثا ثم خرج عنها وعاد الى المدينة وكان استخلف عليها سباع بن عرفطة، وفيها تزوج ميمونة الهلالية خالة عبد الله بن العباس على ما في هذا الخبر من التنازع بين فقهاء الأمصار وغيرهم ممن تقدم: أنكحها وهو محل أم محرم؟ وهي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش بن حمير وهي العجوز الجرشية أكرم الناس أصهارا كان لها ثماني بنات ميمونة ولبابة الكبرى ولبابة الصغرى وعصماء وعزة بنات الحارث بن حزن وسلمى وأسماء وسلامة بنات عميس بن معد بن الحارث بن تيم ابن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهم جماعة خثعم بن أنمار على ما في ذلك من التنازع في نسب أنمار ومن ألحقه من نساب النزارية بنزار بن معد بن عدنان ومن ألحقه من نساب القحطانية بأراش بن عمرو بن غوث بن بنت بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان. تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ميمونة على ما وصفنا، وتزوج حمزة بن عبد المطلب سلمى فولدت له أمة الله وقيل أمامة، وتزوج العباس بن عبد المطلب لبابة الكبرى وتكنى أم الفضل فولدت له الفضل لا عقب له وعبد الله أبا الخلفاء

من بنى العباس وعبيد الله ومعبدا لهما عقب وقثم وعبد الرحمن لا عقب لهما وأم حبيب. ولم يكن اخوة لأم وأب أشرف منهم ولا أبعد قبورا، مات الفضل بالشأم في طاعون عمواس وعبد الرحمن ومعبد بإفريقية وقثم بسمرقند وعبد الله بالطائف وعبيد الله بالمدينة. وتزوج جعفر بن أبى طالب أسماء فولدت له عبد الله وعونا ومحمدا ثم تزوجها أبو بكر فولدت له محمدا ثم تزوجها على بن أبى طالب فولدت له يحيى وعونا لا عقب لهما، وتزوج الوليد بن المغيرة المخزومي لبابة الصغرى فولدت له خالد بن الوليد وباقي البنات عند أزواج شتى ليس لهم من السابقة في الدين والشرف في النسب ما لهؤلاء. ثم سرية ابن أبى العوجاء السلمي في ذي الحجة الى بنى سليم، فأصيب أصحابه ونجا مكلوما ثم سرية عبد الله بن أبى حدرد الأسلمي في ذي الحجة الى الغابة فقتل رفاعة ابن زيد الجشمي. ثم سرية محيصة بن مسعود إلى ناحية فدك. ثم سرية عبد الله بن أبى حدرد الى إضم في ذي الحجة أيضا، وكان فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة فقتل محلم عامر بن الأضبط الأشجعي لشيء كان بينهما في الجاهلية وقيل بل قتله بعد أن حياه بتحية الإسلام فقيل إن فيه نزل وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا 4: 94

ذكر السنة الثامنة من الهجرة وتسمى «سنة الفتح»

ذكر السنة الثامنة من الهجرة وتسمى «سنة الفتح» ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي في صفر إلى بنى الملوح بكديد بين عسفان وقديد. ثم سرية أيضا في صفر إلى مصاب أصحاب يسير بفدك، وفي هذا الشهر قدم عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤيّ بن غالب، وخالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ مهاجرين. ثم سرية شجاع بن وهب الأسدي في شهر ربيع الأول الى بنى عامر بالسى من ناحية ركبة، مما تلى تربة وركبة وراء معدن بنى سليم من المدينة على خمس ليال. ثم سرية كعب بن عمير الغفاريّ في هذا الشهر إلى ذات أطلاح، وهي وراء وادي القرى بين تبوك وأذرعات من بلاد دمشق من أرض الشام فقتل أصحابه جميعا وتحامل الى المدينة جريحا. ثم سرية زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وعبد الله بن رواحة الأنصاري من بنى الحارث بن الخزرج في جمادى الأولى لغزو الروم الى مؤتة من ناحية البلقاء من أعمال دمشق من الشأم لقتل شرحبيل بن عمرو الغساني الحارث بن عمير الأزدي رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى صاحب بصرى، ولم يقتل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رسول غيره وكانوا في نحو من ثلاثة آلاف فلقيهم جموع الروم في مائة ألف أنفذهم هرقل للقائهم وهو يومئذ مقيم بأنطاكيّة وعلى الروم تيادوقس البطريق، وعلى متنصرة العرب من غسان وقضاعة وغيرهم شرحبيل بن عمرو

الغساني، فقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب بعد أن عرقب فرسه، وهو أول فرس عرقبت في الإسلام وجرح نيفا وتسعين جراحة كلها في مقادمه، وعبد الله ابن رواحة ورجع خالد بن الوليد بالناس. ثم سرية عمرو بن العاص في جمادى الآخرة الى ذات السلاسل وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام، فلقيه جموع الروم ومنتصرة العرب فاستمد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمده بسرية فيها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنهم، وكان لعمرو في هذه السرية أفعال أنكرت عليه منها صلاته بالناس جنبا، ومنعه إيقاد النار مع حاجتهم اليها لشدة القر وكثرة الجراح وغير ذلك، وبلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم ما فعل فأجازه لما ذكر فيه من المصلحة للجيش. ثم سرية أبى عبيدة بن الجراح في رجب الى أرض جهينة بناحية البحر بينها وبين المدينة خمس ليال. ثم سرية أبى قتادة النعمان بن ربعي الأنصاري ثم الخزرجي في شعبان الى خضرة أرض محارب بنجد. ثم سرية أبى قتادة أيضا في هذا الشهر الى بطن إضم بين ذي خشب وذي المروة بينها وبين المدينة ثلاثة برد ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة وهي غزوة الفتح سار اليها لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في عشرة آلاف من المسلمين فدخلها، وكان استخلف على المدينة أبارهم الغفاريّ. قال المسعودي: وتنوزع في دخوله أصلحا كان أم عنوة فقال أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي من الأوزاع من حمير في آخرين من أهل الشأم وأهل العراق وغيرهم من أهل الظاهر كأبى سليمان داود بن على الأصبهاني وغيره

فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا واحتجوا بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ألا إن الله حبس الفيل عن مكة وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ألا انها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وبقوله أترون أوباش قريش أنى لقيتموهم فاحصدوهم حصدا وأمره بقتل ابن خطل وعبد الله بن سعد بن أبى سرح ومقيس بن حبابة وغيرهم، وغير ذلك من الحجاج فقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ وموافقته: لم يدخلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنوة وانما دخلها صلحا، وقد تقدم لهم أمان بقوله من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ودليل قول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ من بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ 48: 24. وقد روي ان هذه الآية نزلت في غزوة الحديبيّة كذلك حدثنا ابو جعفر محمد بن جرير الطبري عن بشر بن معاذ عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة وذهب أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي من ذي أصبح بن مالك من حمير وغيره من أهل المدينة إلى مثل ذلك فإنهم لما أومنوا على أنفسهم كانت أموالهم تبعا لهم، وقال آخرون منهم ابو عبيد القاسم بن سلام افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولا جعلها فيئا وغير ذلك من الحجاج، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتل عدة، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤيّ وكان أخا عثمان بن عفان لأمه وأحد من كتب الوحي فارتد مشركا ولحق بمكة، فلما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتله أخفاه عثمان ثم أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم سائلا فيه فصمت النبي صلّى الله عليه وسلّم طويلا

ثم قال «نعم» فلما انصرف به عثمان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن حضره من أصحابه أما والله لقد صمت ليقوم اليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت يا رسول الله؟ فقال إن النبي لا يقتل بالإشارة ومنهم عبد الله بن خطل من بنى تيم بن غالب بن فهر بن مالك، وقيل إن اسمه هلال بن خطل، وابن خطل هو عبد الله وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره مصدقا وكان معه رجل من الأنصار وغلام له فقتل الغلام لخلاف كان منه عليه وارتد مشركا وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بقتلهما معه، ومقيس بن حبابة من بنى كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكان قتل رجلا من الأنصار قتل أخا له خطأ وكان رجع إلى مكة مرتدا، وعكرمة ابن أبى جهل المخزومي، والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي وكان ممن يؤذبه بمكة فقتله على بن أبى طالب عليه السلام، وسارة مولاة كانت لبني عبد المطلب وكانت ممن يؤذيه بمكة أيضا وبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السرايا حول مكة وكان أولها سرية خالد بن الوليد في شهر رمضان الى نخلة اليمانية لهدم العزى فهدمها. ثم سرية عمرو بن العاص في شهر رمضان الى سواع برهاط فهدمه. ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي من الأوس في هذا الشهر إلى مناة بالمشلل فهدمه. ثم سرية خالد بن سعيد بن العاص الى عرنة. ثم سرية هشام بن سعيد بن العاص الى يلملم. ثم سرية الطفيل بن عمرو الدوسيّ في شوال الى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسيّ فهدمه.

ثم سرية خالد بن الوليد الى بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة وكانوا بأسفل مكة على ليلة منها نحو يلملم، بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم داعيا، ولم يأمره بالقتال فقتلهم بالغميصاء، فوداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هوازن وهي غزوة حنين قال المسعودي: وحنين واد الى جانب ذي المجاز بينه وبين مكة ثلاث ليال، وكان خروجه صلّى الله عليه وسلّم في اثنى عشر ألفا من أهل مكة والخيل مائتا فرس وقيل أكثر من ذلك وطلب صلّى الله عليه وسلّم من صفوان بن أمية عارية أدراعا كانت عنده وصفوان يومئذ مشرك قد استأجل النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسلامه شهرين فقال أغصبا يا محمد؟ فقال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح على ما في هذا الخبر من اختلاف الألفاظ واضطراب الأسانيد وتنازع الناس في العارية مضمنة هي كما قال الشافعيّ وغيره واشترط ذلك المعير أم لم يشترط، وهو قول يعزى الى ابن عباس وأبى هريرة وغيرهما أم غير مضمنة كما قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت وصاحباه وسفيان الثوري وأهل الطاهر، ويعزى ذلك الى أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام وعبد الله بن مسعود أم تكون مضمنة إذا اشترط ضمانها كما قال قتادة وغيره، أو كما قال مالك ما كان من ذلك ظاهرا مثل الرقيق وغيره من الحيوان أو الربع فلم يبعد ذلك لم يكن ضامنا، وما كان من العروض والحلي وغير ذلك فهو ضامن إلا أن يصيبه أمر من أمر الله تعالى يعذر به أو يقوم له بينة فلا يضمن وغير ذلك من الأقاويل مع اتفاق الجميع على أن المستعير لا يملك بالعارية واتفاقهم على أن له الشيء المستعار فيما أذن له مالكه أن يستعمله فيه، واتفاقهم على أن المستعير إذا أتلف الشيء المستعار أن

عليه ضمانه فلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هوازن بأوطاس عليهم مالك بن عوف النصري نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ودريد بن الصمة الجشمي جشم بن بكر ابن هوازن وكان أحد فرسان العرب وشجعانهم وهو يومئذ شيخ كبير ضرير، قيل قد جاوز المائتي سنة ليس فيه الا التيمن برأيه وكان من حضر ذلك اليوم من هوازن نصر وجشم أبناء معاوية بن بكر بن هوازن وسعد بن بكر بن هوازن ونفر من بنى هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ولم يحضرها أحد من بنى نمير ولد عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازن، ولا من كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ولا من ولد كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وهم عقيل والحريش وقشير وجعدة وعبد الله وحبيب بنو كعب فهزمهم الله وغنم رسوله أموالهم وذراريهم، وقتل دريد بن الصمة يومئذ في نحو من مائة وخمسين رجلا من هوازن، وهرب مالك بن عوف. ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رجب تبوك مما يلي دمشق من أرض الشأم، وبين تبوك والمدينة تسعون فرسخا، وذلك مسيرة اثنتي عشرة ليلة وكان معه في هذه الغزاة ثلاثون ألفا، الخيل عشرة آلاف، والإبل اثنا عشر ألف بعير، ويسمي جيش العسرة لأنهم أمروا بالخروج لما طابت الثمار واشتد الحر وطاب لهم الظلال، وشق عليهم الخروج لبعد المسافة، وعسرة من الماء، وعسرة من النفقة والظهر، وحث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأغنياء على النفقة والحملان، فصار إلى تبوك، فأقام بها بضع عشرة ليلة، وقيل عشرين، يصلّى ركعتين ركعتين، وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها على بن أبى طالب وقد ذهب قوم إلى أنه استخلف عليها أبا رهم الغفاريّ وعلى أهله على بن أبى طالب، وقيل بل استخلف عليها بن أم مكتوم، وقيل محمد بن مسلمة، وقيل سباع

ابن عرفطة، وتخلف عبد الله بن أبى معسكرا في الموضع المعروف بالجرف في قطعة من الجيش، وفي هذه الغزاة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلى بن أبى طالب لما خلفه بالمدينة ولم يخلفه قبلها، وقد رأى كراهية على لذلك أفلا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي والأشهر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استخلف عليا على المدينة، ليكون مع من ذكرنا من المتخلفين، وقد ذكرنا السبب الّذي له ومن أجله خلفه، وسبب تخلف عبد الله ابن أبى فيما ذكرنا في كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الاعصار) الّذي كتابنا هذا تال له، وفيها كانت قصة الثلاثة الذين خلفوا، فأنزل الله عز وجل «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ» 9: 118 وهم من الأنصار، كعب بن مالك الخزرجي، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الأوسيان وقد أتينا على ما كان بينه وبين هرقل، ملك الروم من المراسلات في هذه الغزاة في حال مقامه صلّى الله عليه وسلّم بتبوك، وهرقل يومئذ بحمص، وقيل بدمشق فيما سلف من كتبنا وبعث من هناك خالد بن الوليد المخزومي إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل، فأخذه أسيرا وفتح الله عليه دومة، وجاءه وهو بتبوك أسقف أيلة يحنة بن روبة فصالحه على أن على كل حالم بها دينارا في السنة، وقدم عليه أهل أذرح فسألوه الصلح على الجزية فقبلها وكتب لهم كتابا، وفي هذه الغزاة نهى عن إخصاء الخيل، وغزوة تبوك آخر غزواته صلّى الله عليه وسلّم وفي انصرافه من هذه الغزاة هم عدة من المنافقين باغتياله صلّى الله عليه وسلّم ليلا وإلقائه في الثنية، وهم المعروفون بأصحاب العقبة، فحال الله بينهم وبين ما أرادوا بنبيه وظهره عليهم، وقد أتينا على شرح خبرهم وسمائهم في كتاب

(الاستذكار) عند ذكرنا هذه الغزاة، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهدم مسجد الضرار وإحراقه، وكان في بنى سالم بن عوف من الأوس، وفيه أنزل الله عز وجل الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ 9: 107. وتوفيت أم كلثوم ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شعبان، وفي ذي القعدة من هذه السنة كانت وفاة عبد الله بن أبى بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن الحبلى، وهو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج بن حارثة، وأم أبيه سلول امرأة من خزاعة بها تعرف، وكان أحد المنافقين، وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة مهاجرا، والتاج ينظم له ليملك ومن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه السنة فرائض الصدقات وأوجب في الغلات مما سقى سيحا أو سقته السماء العشر، وما سقى بالنواضح نصف العشر، على ما في ذلك من التنازع بين فقهاء الأمصار في الوسق والحصر وغير ذلك. ثم وجه عليه الصلاة والسلام أبا بكر الصديق رضى الله عنه في ذي الحجة ليحج بالناس ونزلت عليه سورة براءة، فبعث بسبع آيات من صدرها مع على بن أبى طالب، وأمره أن يقوم بها على الناس بمنى إذا اجتمعوا، وقال أذن في الناس أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم تنادى، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة وحمل عليا على ناقة العضباء، على ما في هذا الخبر من التنازع والتأول بين فرق أهل الصلاة من أصحاب النص من الشيعة، وأصحاب الاختيار من المعتزلة والخوارج والمرجئة وفقهاء الأمصار وغيرهم من الحشوية والنابتة، فحج المسلمون وحج المشركون على منازلهم من الشرك، وقام على بمنى على ما أمره

ذكر السنة العاشرة من الهجرة وهي سنة «حجة الوداع»

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم تمض سنة حتى دخلت العرب في الإسلام، وكانوا أكثر من مائة ألف وتعايروا بالشرك بينهم، والمقام عليه. ذكر السنة العاشرة من الهجرة وهي سنة «حجة الوداع» ثم سرية أسامة بن زيد إلى يبنى وأزدود من أرض فلسطين من بلاد الشأم. ثم سرية خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول إلى بنى عبد المدان من بنى الحارث بن كعب، من ولد عريب بن زيد بن كهلان بنجران اليمن، وفي هذا الشهر توفى إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من مولده إلى وفاته سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام وكسفت الشمس يومئذ. فقال قوم إنما كسفت لموته، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الكسوف. ثم قال أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله ثم سرية على بن أبى طالب عليه السلام في شهر رمضان إلى اليمن، وكتب معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا يدعوهم إلى الإسلام، فجمعوا له فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودعاهم الى الإسلام، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد واسم همدان أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم تتابعت اليمن على الإسلام، وقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفودهم، فكتب لهم كتبا بإقرارهم على ما أسلموا

عليه من أموالهم وأرضهم، ووجه إليهم عماله لتعريفهم شرائع الإسلام، وقبض صدقاتهم، وجزية من أقام على دين النصرانية والمجوسية واليهودية منهم وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمال البحرين، وهو ثمانون ألف درهم، وجه به العلاء بن عبد الله بن ضماد الحضرميّ، وكان حليفا لبني أمية وهو أول مال حمل إلى المدينة ففرقه على الناس، وقدمت وفود العرب عليه من كل وجه من معد واليمن، وكانت تتربص بإسلامها فلما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة ودانت له قريش، انقادت له العرب الى الإسلام وقدم وفد بنى حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل من اليمامة فيمن قدم من الوفود، وفيهم مسيلمة الكذاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة، ويكنى أبا ثمامة، وبنو حنيفة يسترونه بالثياب فلما رجعوا أظهر مسيلمة أمره بادعائه النبوة. وصار اليه في هذه السنة السيد والعاقب وافدا أهل نجران يسألانه الصلح، فصالحهما عن أهل نجران على ألفى حلة في السنة وغير ذلك. ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجا لخمس بقين من ذي القعدة، وقد ساق معه الهدى ستين بدنة، وقيل أكثر من ذلك وأقل، فلما صار بالموضع المعروف بسرف، أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدى، ودخل مكة وقدم على بن أبى طالب من نجران اليمن مهلا بالحج، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: بأي شيء أهللت؟ قال قلت: حين أحرمت اللَّهمّ إني أهل بما أهل به عبدك ورسولك، فقال له هل معك من هدى؟ قال: لا، فأشركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هديه، وثبت على إحرامه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى فرغا من الحج.

ذكر السنة الحادية عشرة من الهجرة وهي «سنة الوفاة»

ونحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الهدى عنهما وحج بالناس وأراهم مناسكهم وعرفهم سنن حجهم، وأعلمهم أن دماءهم وأموالهم عليهم حرام، وأن كل دم موضوع، فسميت حجة الوداع لأنه ودعهم ولم يحج بعدها، وتسمى أيضا حجة البلاغ لأنه حين ودعهم خطبهم فقال في خطبته ألا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وهذا القول بين ماضى الزمان ومستقبله مثبت لبطلان النسيء على ما قدمنا مفصلا فيما سلف من كتابنا هذا. ثم قال اللَّهمّ هل بلغت؟ فقالوا نعم فقال اللَّهمّ اشهد وأحج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه كلهن معه وابنته فاطمة، وقيل إنه أفرد الحج، وقيل أقرن، وقيل انه كسا البيت في حجته الحبرات ذكر السنة الحادية عشرة من الهجرة وهي «سنة الوفاة» فيها كان توجيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص الى جيفر وعبادا بنى الجلندي بن مسعود الأزديين صاحبي عمان يدعوهما الى الإسلام فأسلما، وفي هذه السنة قوى أمر الأسود العنسيّ الكذاب المتنبي باليمن وهو عبهلة بن كعب بن الحارث بن عمرو بن عبد الله بن سعد بن عنس بن مذحج وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان بدء أمره بالموضع المعروف بكهف خبان وكان يدعى ذا الحمار، لحمار كان معه قد راضه وعلمه يقول له اسجد فيسجد ويقول له اجث فيجثو، وغير ذلك من أمور كان يدعيها ومخاريق كان يأتى بها يجتذب بها قلوب متبعيه

وقتل باذان رئيس الأبناء الذين شخصوا مع وهرز الى اليمن، وكانوا أسلموا وتزوج امرأته، فوثب عليه فيروز بن الديلميّ من الأبناء، وعاضده في ذلك داذويه، وقيس بن مكشوح المرادي. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كاتبهم فقتلوه فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بقتله، وقيل إن رأسه حمل المدينة، وقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتنوزع هل كان مقتله في حياته أم بعد وفاته؟ ثم وثب قيس بن مكشوح المرادي على داذويه فقتله منقربا بذلك الى قوم ذي الحمار من عنس، وقال في ذلك. قد علم الأحياء من مذحج ... ما قتل الأسود إلا أنا طلبت ثأرا كان لي عنده ... بقتلة الأسود مستمكنا في كلمة له طويلة أولها: ألمم بسلمى قبل أن تظعنا ... إن بنا من حبها ديدنا ثم ندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زبد في صفر إلى بلاد البلقاء وأذرعات ومؤتة من أرض دمشق من الشأم ثائرا بأبيه، ولأسامة يومئذ ثماني عشرة سنة. وكان في بعثه عمر بن الخطاب والزبير وأبو عبيدة بن الجراح، وتنوزع في أبى بكر، أكان في هذا البعث أم لا؟ فأقاموا يتجهزون إلى أن توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول في علته جهزوا جيش أسامة. قال المسعودي: وكانت غزوات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي غزاها بنفسه سبعا وعشرين غزوة، ومن الناس من يذهب الى أنها ثمان وعشرون، فالذين ذهبوا الى أنها سبع وعشرون، جعلوا منصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم من خيبر إلى وادي القرى غزوة واحدة، والذين رووا أنها ثمان وعشرون جعلوا

غزاة خيبر مفردة، ووادي القرى غزوة أخرى، قاتل منها في تسع، أولها بدر وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف هذا قول محمد بن إسحاق في آخرين، ووافق الواقدي ابن إسحاق في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاتل في هذه التسع غزوات وذكر أنه قاتل في غزاة وادي القرى، وفي يوم الغابة فقتاله في التسع اتفاق. وزاد الواقدي ما ذكرنا وإنما حكينا تنازع هذين لأنهما قدوة في حملة المغازي والسير وإليهما يرجع في ذلك. وكانت سراياه وسواربه وبعوثه على ما رتبنا في هذا الكتاب ثلاثا وسبعين وتنازع مصنفو الكتب في التواريخ والسير في ذلك، فذهب قوم منهم إلى أن سراياه وسواربه ست وستون. وقال آخرون نيف وخمسون. وقال محمد بن إسحاق في عدة من أصحاب السير والمغازي، بل ذلك خمس وثلاثون. وقال محمد بن عمر الواقدي في آخرين من أصحاب المغازي والسير انما كانت السرايا والسوارب ثمانيا وأربعين. قال المسعودي: وأرى أن السبب الّذي أوجب هذا التنازع المتفاوت في اعداد هذه السرايا، أن منهم من يعتد بسرايا لا يعتد بها آخرون، وذلك أنه كانت سرايا في جملة مغاز، فأفردها بعضهم واعتد بها، وبعض جعلها في جملة تلك المغازي، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد وجه في كثير من غزواته سرايا الى ما يلي البلاد التي حلها بعد هزيمة المشركين بخيبر في الطلب على ما قدمنا، ووجه بعد فتح مكة سرايا لهدم الأصنام التي حول مكة، فوقع التنازع لأجل ذلك، فجمعنا في كتابنا هذا جميع ذلك ولم نأل جهدا في حصره وترتيبه، ولم نخله من ذكر خلاف أصحاب السير في ذلك ليكون أعم لفائدته وأجزل لعائدته،

على أنا لم نجد أحدا حصل ذلك تحصيلنا، ولا رتبه ترتيبنا، فمن أراد علم ذلك فليتصفح كتب من عنى بهذا الشأن من الأسلاف والأخلاف يقف على حقيقة ما قلنا وفضيلة ما أتينا، ففهم ذلك بعد الكفاية يسير، ومطلبه قبل الكفاية عسير. وقد ذكرنا ذلك على الشرح والإيضاح، وما فيه من التنازع في كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سوالف الاعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه، وإنما حذفنا من كتابنا هذا الأسانيد ليخف تحمله، ويقرب متناوله. قال المسعودي: وقد ذكر عدة من ذوى المعرفة بسياسة الحروب وتدبير العساكر والجيوش ومقاديرها وسماتها، أن السرايا ما بين الثلاث نفر الى الخمسمائة، وهي التي تخرج بالليل، فأما التي تخرج بالنهار فتسمى السوارب، وذلك قوله عز وجل وَمن هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ 13: 10 وما زاد على الخمسمائة الى دون الثمانمائة فهي المناسر، وما بلغ الثمانمائة فهو جيش، وهو أقل الجيوش وما زاد على الثمانمائة الى دون الألف فهو الخشخاش، وما بلغ الألف فهو الجيش الأزلم، وما بلغ الأربعة آلاف، فهو الجيش الجحفل، وما بلغ اثنى عشر ألفا، فهو الجيش الجرار، وإذا افترقت السرايا والسوارب بعد خروجها، فما كان دون الأربعين، فهي الجرائد، وما كان من الأربعين الى دون الثلاثمائة فهي المقانب، وما كان من الثلاثمائة الى دون الخمسمائة فهي الجمرات، وكانوا يسمون الأربعين رجلا إذا وجهوا العصبة، ويقولون خير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة. وقد رأى قوم أن المقنب مثل المنسر، وأن كل واحد منهما ما بين الثلاثين رجلا الى الأربعين، واستشهدوا على تقاربهما بقول الشاعر: وإذا تواكلت المقانب لم يزل ... بالثغر منا منسر وعظيم

وأن الكتيبة ما جمع فلم ينتشر، وأن الحضيرة النفر الذين يغزى بهم العشرة فمن دونهم، والنفيضة جماعة يغزى بهم وليسوا بجيش كثير، وان الأرعن الجيش الكبير الّذي له مثل رعن الجبل، والخميس الجيش العظيم، والجرار الّذي لا يسير إلا زحفا لكثرته، والجرار أكثر ما يكون من الجيوش العظمى. ويقول الناس فيما ذكرنا كلاما كثيرا، وقد ذكرنا من ذلك أفضل ما قيل فيه وأوجزه. وتنوزع في أي يوم من شهر ربيع الأول كانت وفاته عليه الصلاة والسلام بعد إجماعهم على أن وفاته يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، فقال الأكثرون كانت وفاته لاثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر. وقال آخرون بل ذلك لليلتين خلتا منه، وقال آخرون لتسع خلون منه وكان ذلك اليوم السادس عشر من شهر اسفندار ماه من شهور الفرس، سنة 1380 لبخت نصّر، وهو اليوم الثالث من حزيران سنة 943 للإسكندر بن فيلبس الملك، وسنة 100 من ملك كسرى أنوشروان بن قباذ، وكانت شكاته أربعة عشر يوما وقيل دون ذلك وكان الذين تولوا غسله صلّى الله عليه وسلّم على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتنوزع فيما كفن به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فروى جعفر بن محمد بن أبيه محمد بن على عن أبيه على بن الحسين قال لما فرغ من غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وقيل سحوليين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا. قال المسعودي: والثياب الصحارية مضافة إلى صحار وهي قصبة عمان والسحولية ثياب بيض من قطن تعمل بموضع من اليمن يعرف بسحولا. والى

هذه الرواية يذهب أهل البيت وشيعتهم وبذلك كفن أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام غير أنه عمم بعمامة لأجل الضربة، فصارت عندهم سنة مأثورة معمولا بها. وليس تعد العمامة والمئزر من الكفن المفروض والكفن المفروض عندهم ثوب واحد إذا لم يوجد غيره وثلاثة وخمسة لمن وجد سعة، وروى بعضهم ما زاد على خمسة فبدعة يشق أحد هذه الأثواب في وسطه ويقمص به من غير خياطة فيسمى القميص لذلك وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة وعنها في رواية أخرى أنه صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وحكي عن إبراهيم قال كفن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حلة يمانية وقميص ثم صلّى عليه الناس أفواجا بغير إمام ودفن من الغد يوم الثلاثاء في حجرة عائشة وقيل ليلة الأربعاء وقيل إنه دفن بعد وفاته بثلاثة أيام، وكان الذين نزلوا قبره على بن ابى طالب والفضل وقثم ابنا العباس وشقران ممن سمينا. كتاب من حضر من الكتاب وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يكتب بين يديه في سائر ما يعرض من أموره، والمغيرة بن شعبة الثقفي، والحصين ابن نمير يكتبان أيضا فيما يعرض من حوائجه، وعبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهري، والعلاء بن عقبة يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات، والزبير بن العوام، وجهيم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات، وحذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز، ومعيقيب بن أبى فاطمة الدوسيّ دوس

ابن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر بن الأزد وكان حليفا لبني أسد يكتب مغانم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان عليها من قبله وزيد بن ثابت الأنصاري ثم الخزرجي من بنى غنم بن مالك بن النجار يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان يترجم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسية والروميّة والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن، وكان حنظلة بن الربيع بن صيفي الأسيدي التميمي يكتب بين يديه صلّى الله عليه وسلّم في هذه الأمور إذا غاب من سمينا من سائر الكتاب ينوب عنهم في سائر ما ينفرد به كل واحد منهم، وكان يدعى حنظلة الكاتب، وكانت وفاته في خلافة عمر بن الخطاب بعد أن فتح الله على المسلمين البلاد وتفرقوا فيها فصار إلى الرها من بلاد ديار مضر فمات هناك فرثته امرأة ... من قومه فقالت يا عجب الدهر لمحزونة ... تبكى على ذي شيبة شاحب إن تسألينى الدهر ما شفنى ... أخبرك قيلا ليس بالكاذب إن سواد الرأس أودى به ... حزني على حنظلة الكاتب وكتب له عبد الله بن سعد بن أبى سرح من بنى عامر بن لؤيّ بن غالب ثم لحق بالمشركين بمكة مرتدا، وكتب له شرحبيل به حسنة الطابخى من خندف حليف قريش، ويقال بل هو كندى، وكان أبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرميّ ربما كتبا بين يديه، وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر، وإنما ذكرنا من أسماء كتابه صلّى الله عليه وسلّم من ثبت على كتابته واتصلت أيامه فيها وطالت مدته وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا ويضاف إلى جملة كتابه

ذكر خلافة ابى بكر الصديق رضى الله عنه

ذكر خلافة ابى بكر الصديق رضى الله عنه وبويع أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ، يلتقى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عند مرة بن كعب، وهما في القعدد واحد بين كل واحد منهما وبين مرة ستة آباء، وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فلما أسلم سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله ولقبه عتيق قيل لجماله وقيل لعتقه من النار، ويقال إن ذلك كان اسمه في الجاهلية وأمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في سقيفة بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج- في اليوم الّذي توفى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، وقد كانت الأنصار نصبت للبيعة سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري ثم الخزرجي فكانت بينه وبين من حضر من المهاجرين في السقيفة منازعة طويلة وخطوب عظيمة، وعلى والعباس وغيرهم من المهاجرين مشتغلون بتجهيز النبي صلّى الله عليه وسلّم ودفنه، وكان ذلك أول خلاف حدث في الإسلام بعد مضى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فمن كافر ومانع للزكاة والصدقة، وكان أعظمهم شوكة وأخوفهم أمرا مسيلمة الكذاب الحنفي باليمامة، وطليحة بن خويلد الأسدي ثم الفقعسي في أسد بن خزيمة، وقد عاضده عيينة بن حصن الفزاري في غطفان، فوجه أبو بكر اليهم وإلى جميع من ارتد من ضاحية مضر خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فلقى طليحة فهزمه وفض جموعه وأسر عيينة وذلك في سنة 11 وسار إلى البطاح وأ نحن في أرض تميم وقتل مالك بن نويرة اليربوعي وسار إلى اليمامة فقاتله بنو حنيفة قتالا شديدا إلى أن قتل مسيلمة وصالحه بقيتهم، وذلك في سنة

12 واستشهد باليمامة من المسلمين ألف ومائتا رجل منهم من قريش ثلاثة وعشرون رجلا، فيهم زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ومن الأنصار سبعون وقيل دون ذلك، ولم يزل خالد يطأ فرقة فرقة ممن ارتد حتى رجعوا عن ردتهم وكانت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية اليربوعية يربوع ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم قد تنبت وتبعها نفر كثير منهم الزبرقان ابن بدر، وعطارد بن حاجب بن زرارة، وشبث بن ربعي وكان مؤذنها، وعمرو ابن الأهتم التميميون، وسارت إلى مسيلمة إلى اليمامة فتزوجها وأقامت عنده ثلاثا وفي ذلك يقول الطرماح بن حكيم الطائي لعمري لقد سارت سجاح بقومها ... فلما أتت عز اليمامة حلت فدارسها البكري حتى استزلها ... فأضحت عروسا فيهم قد تجلت فتلك نبي الحنظليين أصبحت ... مضمخة في خدرها قد تظلت وقال عطارد بن حاجب بن زرارة: أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا ويريد بالأنبياء الأسود العنسيّ وطليحة بن خويلد ومسيلمة وجهز أبو بكر الجيوش لغزو الروم بالشأم، وأمر الأمراء، وهم يزيد بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وكتب الى خالد بن الوليد، وكان سار الى ناحية العراق في الانضمام اليهم، فسار معهم فافتتحوا من الشأم بصرى وحوران والبثنية والبلقاء من أعمال دمشق، ولقيتهم الروم بأجنادين ثم بمرج الصفر، فهزموا وقتلوا قتلا ذريعا. وسار المسلمون إلى دمشق، فنزلوا عليها. وتوفى أبو بكر وهم محاصروها، وكانت وفاته بالمدينة ليلة الثلاثاء لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة 13 للهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقيل

أكثر من ذلك ودفن مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجرة عائشة، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقيل وعشرين يوما، وكان طوالا آدم نحيفا خفيف العارضين غائر العينين مشرف الجبهة ناتىء الوجنتين، يغير شيبة بالحناء والكتم. وكان كتابه عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم، ونقش خاتمه «نعم القادر الله» وقاضيه عمر بن الخطاب رضى الله عنه وحاجبه شديد مولاه وكان له من البنين ثلاثة عبد الله المقدم ذكره في سنة 8 في حصار النبي صلّى الله عليه وسلّم الطائف، وقد انقرض ولده، وكان آخرهم إسماعيل بن عبد الله ابن أبى بكر، وعبد الرحمن بن أبى بكر وله صحبة والعدد في ولده منهم الطلحيون بنو طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر أكثرهم بادية منازلهم جاده والصفينة بقفا من الأيم من جادة العراق حذاء المسلح وأفيعية والغمرة لهم إلى هذا الوقت لهم عدد وقوة، محمد بن أبى بكر العقب له من القاسم بن محمد، وكان أحد فقهاء المدينة ومن خيار التابعين، وعقبه قليل من ولده محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، ومن البنات ثلاث منهن عائشة زوجة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأسماء أم عبد الله بن الزبير، ولم يل الخلافة منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم الى وقتنا هذا أحد أبوه حي إلا أبو بكر، وكان أبوه أبو قحافة في الوقت الّذي توفى فيه أبو بكر مقيما بمكة، فلما نعى إليه قال: رزء جليل وورثه السدس وتوفى بعده بسبعة أشهر، وقيل بستة مكفوفا وله سبع وتسعون سنة. وكان إسلامه يوم فتح مكة، وكانت وفاته ووفاة هند ابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية بن أبى سفيان في يوم واحد، وتوفيت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة

ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

11، وقيل إنها توفيت بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاثة أشهر وقيل بستة، وقيل بسبعين يوما وغير ذلك من الأقاويل. ثم تنوزع في سنها، فقال فريق منهم توفيت ولها ثلاث وثلاثون سنة، وقال آخرون بل ثلاثون، وقال آخرون بل تسع وعشرون سنة، وهذا قول أكثر البيت وشيعتهم وقيل دون ذلك، وتولى غسلها أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ودفنها ليلا بالبقيع وقيل غيره، ولم يؤذن بها أبو بكر وكانت مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها صلّى الله عليه وسلّم من فدك وغيرها وما كان بينهما من النزاع في ذلك الى أن ماتت ولم يبايع على عليه السلام أبا بكر رضى الله عنه إلى أن توفيت، وتنوزع في كيفية بيعته إياه، وقد أتينا على ما قيل في ذلك في كتاب (الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار) ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبويع عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤيّ ويكنى أبا حفص وأمه حنتمة ابنة هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم في الوقت الّذي كانت فيه وفاة أبى بكر ففتح الله على يديه أكثر البلاد فجند الأجناد ومصر الأمصار ودون الدواوين وفرض العطاء وكتب التاريخ وسن صلاة التراويح في شهر رمضان، وقتل بالمدينة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة 23 وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل أقل من ذلك والأول أشهر، قتله أبو لؤلؤة الفارسي عبد المغيرة بن شعبة ودفن مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبى بكر في حجرة عائشة، وقد تنوزع في كيفية قبورهم وصفاتها فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما توفى أبو بكر

دفن إلى جانب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه بين كتفي رسول الله ثم توفى عمر فدفن الى جانب أبى بكر رأسه بين كتفي أبى بكر وذكر القاسم بن محمد بن أبى بكر قال دخلت على عائشة فقلت يا أمه اكشفي لي عن قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه فكشفت لي عن قبور ثلاثة ليست بالمشرفة ولا هي باللاطئة بالأرض مسطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، قال فرأيت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مقدما، ورأيت أبا بكر رأسه عند رجلي النبي صلّى الله عليه وسلّم من خلفه، ورأيت عمر رأسه عند رجلي أبى بكر. وذكر أبو عبد الله جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عن أبيه رضى الله عنهما قال رفعت القبور من الأرض قدر شبر مربعة مدكنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وثمانية عشر يوما وكان آدم مشرفا على الناس من طوله كأنه راكب أعسر يسراكث اللحية، وكان كاتبه زيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم، ونقش خاتمه «كفى بالموت واعظا يا عمر» وقيل «آمنت بالذي خلقني» وحاجبه ير في مولاه: وقاضيه أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية ابن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان، وقيل إن أول من قضى لعمر بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وقيل إنه قضى بالمدينة في أيامه، وبعد ذلك السائب بن يزيد بن أخت النمر الكندي. وكان لعمر من البنين تسعة، عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وزيد الأكبر وعبيد الله المقتول بصفين وعاصم وزيد الأصغر وعبد الرحمن الأصغر وعياض

وعبد الله الأصغر، المعقبون منهم أربعة عبد الله الأكبر وعاصم وعبيد الله وعبد الرحمن الأصغر، ومن البنات أربع منهن حفصة زوجة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وكان عمر شاور الناس في التأريخ لأمور حدثت في أيامه، لم يعرف لها وقت تؤرخ به، فكثر منهم القول، وطال الخطب في تواريخ الأعاجم وغيرها، فأشار عليه على بن أبى طالب أن يؤرخ بهجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتركه أرض الشرك، فجعلوا التأريخ من المحرم، وذلك قبل مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة بشهرين واثنى عشر يوما لانهم أحبوا أن يبتدءوا بالتأريخ من أول السنة، وكان ذلك في سنة 17 أو 18 يتنازع الناس في ذلك. قال المسعودي: وقد روى الزهري محمد بن مسلّم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة مهاجرا أمر بالتأريخ، وهذا خبر مجتنب من حيث الآحاد، ومرسل من عند من لا يرى قبول المراسيل، وما حكيناه أولا هو المتفق عليه إذ كان ليس في هذا الخبر وقت معلوم أرخ به ولا نقل كيفية ذلك. وجعل عمر الأمر بعده شورى في ستة نفر على وعثمان وطلحة، وكان غائبا، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص، وجعل معهم ابنه عبد الله ابن عمر مشيرا ومؤامرا وحاكما، وليس له من الأمر شيء وأمهلهم ثلاثة أيام، وأمر أن يصلّى بالناس فيها أبو يحيى صهيب الروم مولى عبد الله بن جدعان التيمي، وكان يقول إنه من النمر بن قاسط، وإنه صهيب بن سنان، ووكل بهم أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري، ثم الخزرجي من بنى عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وهو زوج أم سليم أم أنس بن مالك في خمسين رجلا من الأنصار، وأمره باستحثاثهم وأن لا تمضى الثلاثة أيام إلا وقد أبرموا أمرهم، وأجمعوا على رجل منهم، وقال إن اجتمع خمسة وخالف واحد فاقتلوه، وكذلك إن خالف اثنان

ذكر خلافة عثمان بن عفان

واجتمع أربعة نفر، فان افترقوا فرقتين فكونوا في الفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف، وإن أبت الفرقة الأخرى الدخول فيما اجتمع عليه المسلمون فاقتلوهم، فعرض عليهم عبد الرحمن أن يخرج أحدهم نفسه ويختار من الباقين واحدا، فأحجموا عن ذلك. فأخرج نفسه من الأمر على أن يختار أحدهم مكثوا ثلاثة أيام يتراضون، ثم بايع عبد الرحمن لعثمان، وكان صهره واستوسق الأمر له بعد خطب طويل، ومنازعة كانت بينهم، وفي ذلك يقول الفرزدق: صلّى صهيب ثلاثا ثم أرسلها ... إلى ابن عفان ملكا غير مقسور ذكر خلافة عثمان بن عفان وبويع عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عبد الله، وأبا عمرو، وأمه أروى ابنة كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف يوم الجمعة غرة المحرم سنة 24 وقتل بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة 35 وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقيل ثمان وثمانين وذهب قوم من أهل السير والآثار إلى أن قتله كان يوم الأضحى، واستشهدوا على ذلك بقول الفرزدق. عثمان إذ قتلوه وانتهكوا ... دمه صبيحة ليلة النحر وبقول أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي وكان عثمانيا تعاقد الذابحو عثمان ضاحية ... فأى ذبح حرام ويحهم ذبحوا ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ولم ... يخشوا على مطمح الكفر الّذي طمحوا وبقول حسان بن ثابت الأنصاري. ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ودفن بموضع من المدينة يعرف بحش كوكب بضم الحاء، يضاف إلى رجل

من الأنصار يعرف بكوكب والحش هو البستان فكانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما، وكان مربوعا حسن الوجه أسمر وافر اللحية يصفرها مشدود الأسنان بالذهب، وكان كاتبه مروان بن الحكم، وحاجبه حمران مولاه، وقاضيه زيد بن ثابت الأنصاري، وقد كتب له وقيل إنه قضى بالمدينة في أيام عمر السائب بن يزيد ابن أخت النمر الكندي، وقيل إنه كان على شرطه والأول أثبت قال المسعودي: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن أحمد ابن الجنيد قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا مسعر عن محارب بن دثار قال لما استخلف أبو بكر قال له عمر بن الخطاب أنا أكفيك القضاء، فمكث عمر سنة لا يختلف اليه أحد قال وكيع فأما أيام عمر فان الصغاني حدثني عن عفان عن عبد الواحد ابن زياد عن حجاج عن نافع أن عمر استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له أجرا، وقال يونس عن الزهري ما اتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاضيا ولا أبو بكر ولا عمر، وقال محمد بن يحيى أبو غسان لم أسمع أحدا من أهل العلم يذكر أن عثمان استقضى أحدا حتى مات وكان نقش خاتمه «آمنت باللَّه مخلصا» وقيل «آمنت باللَّه العظيم» وقيل «لتصبرن أو لتندمن» ولم يزل خاتم النبي صلّى الله عليه وسلّم باقيا إلى أيامه فسقط من يده فنقش له على هيئته، فكان خاتم الخلافة متداولا ولكل واحد ممن طرأ بعد خاتم مفرد ينقش عليه ما أحب على ما نحن ذاكروه الى خلافة المطيع فيما يرد من هذا الكتاب. وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اتخذ خاتما من ورق، فكان في يده ويد أبى بكر ويد عمر ويد عثمان، حتى وقع في

ذكر خلافة على بن أبى طالب

بئر أريس. وكان له من البنين تسعة عبد الله الأكبر توفى وله من العمر ست سنين أمه رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما قدمنا وعبد الله الأصغر وعمرو وعمر وخالد وأبان والوليد وسعيد وعبد الملك، المعقبون منهم خمسة عمرو وكان أكبر ولده والذين اعقبوا من ولده محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الملقب بالديباج لحسنه، أمه فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب وعمر وأبان والوليد وسعيد، ومن البنات ثمان وفي السنة التاسعة من خلافته وهي سنة 32 توفى العباس بن عبد المطلب وله ثمان وثمانون سنة، وكان مولده قبل عام الفيل بثلاث سنين، وفيها مات عبد الرحمن بن عوف الزهري وهو ابن خمس وسبعين سنة، وعبد الله بن مسعود ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وله بضع وستون سنة وفي سنة 31 كانت وفاة أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف وقد استوفى سن العباس ثمانيا وثمانين سنة. ذكر خلافة على بن أبى طالب وبويع على بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويكنى أبا الحسن وأمه فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف في اليوم الّذي قتل فيه عثمان قال المسعودي: وكان بين بيعته الى وقعة الجمل بالبصرة خمسة أشهر واحد وعشرون يوما، وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفا من الأزد أربعة آلاف وقيل دون ذلك، ومن ضبة ألف ومائة، وباقيهم من سائر الناس، وقتل من أصحاب

على رضى الله عنه نحو ألف، وقيل دون ذلك أو أكثر. وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 36، وبين وقعة الجمل والتقائه مع معاوية للقتال بصفين سبعة أشهر وثلاثة عشر يوما وكان أول يوم وقعت الحرب بينهم بصفين يوم الأربعاء غرة صفر سنة 37 وتنوزع في عدة من كان مع على عليه السلام فمكثر ومقلل والمتفق عليه من تنازعهم أنه كان في تسعين ألفا وكان معاوية في مائة ألف وعشرين ألفا، وقيل دون ذلك وأكثر منه، وقتل بصفين سبعون ألفا من أصحاب على رضى الله عنه منهم خمسة وعشرون ألفا، منهم خمسة وعشرون بدريا من الصحابة. منهم عمار بن ياسر العنسيّ، عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان حليفا لبني مخزوم، وقتل من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا وقيل في عدة من قتل بينهما دون ذلك وأكثر. وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام والوقائع بينهم تسعون وقيعة وبين وقعة صفين والتقاء الحكمين أبى موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل في شهر رمضان سنة 38 سنة وخمسة أشهر وأربعة وعشرون يوما، وبين التقائهما، وخروج على إلى الخوارج بالنهروان وقتله إياهم سنة وشهران. وكانت الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد الله بن وهب بن الراسبي، راسب ابن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد، وليس براسب بن الخزرج بن جدة بن جرم بن ربان بالراء بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ولا راسب في العرب من معد وقحطان غير هذين فتفرقوا عند نزول على رضى الله عنهم بإزائهم ودعائه إياهم وبقي عبد الله بن وهب في ألف وثمانمائة وقيل ألف وخمسمائة، وقيل ألف ومائتين فقتلوا إلا نفرا قليلا، وقيل إن السبب في تفرق من تفرق عنه أن

الخوارج تنادوا عند إحاطة أصحاب على عليه السلام بهم وإسراعهم فيهم «يا أخواتنا أسرعوا بنا الروحة الى الجنة» فقال عبد الله بن وهب: فلعلها الى النار فقال من فارقه مرائيا: نقاتل مع رجل شاك. ففارقوه، وبين خروجه الى الخوارج وقتل عبد الرحمن بن ملجم اليحصبى وعداده في مراد إياه سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام، وكثير من الخوارج لا يتولى ابن ملجم لقتله إياه غيلة، وبين ذلك وبين أول الهجرة تسع وثلاثون سنة وثمانية أشهر وعشرون يوما. واستشهد بالكوفة في أول العشر الأواخر من شهر رمضان سنة 40 وتنوزع في مقدار عمره فذهب قوم الى أنه استشهد وله ثمان وستون سنة. هذا قول من يذهب إلى أنه أسلّم وله خمس عشرة سنة، وقال آخرون استشهد وله ست وستون سنة، هذا قول من يذهب إلى أنه أسلّم وله ثلاث عشرة سنة. وقال آخرون استشهد وله ثلاث وستون سنة، هذا قول من يرى أنه أسلم وله عشر سنين. وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب عند ذكرنا مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وهجرته التنازع في أول من أسلّم، وقول من قال إنه أسلّم وله دون ذلك الى خمس سنين، وهؤلاء يذهبون إلى أنه استشهد وله ثمان وخمسون سنة. وهذا أقل ما قيل في مقدار عمره وبينا أغراضهم في ذلك وقصدهم لازالة فضائله ودفع مناقبه، وتنوزع في موضع قبره، فمنهم من قال دفن بالغري وهو الموضع المشهور في هذا الوقت على أميال من الكوفة، ومنهم من قال دفن في مسجد الكوفة، ومنهم من قال بل في رحبة القصر بها، ومنهم من قال بل حمل الى المدينة فدفن بها مع فاطمة، وغير ذلك من الأقاويل مما قد أتينا على ذكره. وقد ذكرنا مقاتل آل ابى طالب وأنسابهم ومواضع قبورهم ومصارعهم في كتابنا (في اخبار الزمان، ومن اباده الحدثان، من الأمم الماضية والأجيال الخالية،

والممالك الداثرة) وفي رسالة البيان من أسماء الأئمة وما قالته الإمامية في ذلك ومقادير أعمارهم وكيفية اعدادهم. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكان أسمر عظيم البطن، أصلع أبيض الرأس واللحية، أدعج عظيم العينين، ليس بالطويل ولا بالقصير، تملأ لحيته صدره لا يغير شيبة وكان كاتبه عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونقش خاتمه «الملك للَّه» وقاضيه شريح وحاجبه قنبر مولاه، وكان له من البنين أحد عشر، الحسن والحسين أمهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومحمد بن الحنفية، وأمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع ابن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل، وعمر أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة بن بحير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة ابن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل، والعباس أمه أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد وهو عامر بن كعب ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وعبد الله وجعفر وعثمان ومحمد الأصغر ويكنى أبا بكر، وعبيد الله ويحيى، والمعقبون منهم خمسة، الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس، ومن البنات ست عشرة، منهن زينب وأم كلثوم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالعقب للحسن بن على بن أبى طالب من زيد والحسن، والعقب لزيد من الحسن بن زيد، والعقب للحسن بن الحسن من جعفر وداود وعبد الله والحسن ومحمد وإبراهيم والعقب للحسين بن على بن أبى طالب من على الأصغر ابن الحسين، والعقب لعلى بن الحسين من محمد وعبد الله وعمر وزيد والحسين بن على، والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفر وعلى وعون وإبراهيم، والعقب لجعفر

ابن محمد بن عبد الله ولعلى بن محمد من عون ولعون بن محمد بن محمد ولإبراهيم بن محمد من محمد فأما أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو أكبر ولده فقد ظن قوم أن له عقبا ولم يعقب، والعقب لعمر بن على بن أبى طالب من محمد بن عمر، والعقب لمحمد بن عمر من عمر وعبد الله وعبيد الله وجعفر، والعقب للعباس بن على بن أبى طالب عليه السلام من عبيد الله بن العباس، والعقب لعبيد الله من الحسن بن عبيد الله وكان العقب لأبى طالب بن عبد المطلب من ثلاثة عقيل وجعفر وعلى لأن طالبا الّذي به كان يكنى لا عقب له وبين كل واحد من الاخوة عشر سنين أكبرهم طالب ثم يليه عقيل ثم يلي عقيلا جعفر ويلي جعفرا على، وكان له من البنات اثنتان أم هانئ وجمانة. قال المسعودي: فاذ قد بينا ولد أمير المؤمنين على وعقبه فلنذكر ولد جعفر وعقيل والمعقبين منهم ولد جعفر بن أبى طالب عبد الله وعون ومحمد المقتول بصفين التقى وعبيد الله بن عمر بن الخطاب فقتل كل واحد منهما صاحبه وإلى هذا ذهب نساب آل أبى طالب وان كانت ربيعة تنكر ذلك، وتذكر أن بكر بن وائل قتلت عبيد الله بن عمر المعقب منهم عبد الله. وبه كان يكنى وقيل بأبي الفضل والأول أشهر، والعقب لعبد الله من على وإسحاق ومعاوية وإسماعيل. وولد عقيل بن أبى طالب يزيد وبه كان يكنى ومحمدا وسعيدا وجعفرا الأكبر، وأبا سعيد الأحول، ومسلّم بن عقيل، وعبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر، وجعفر الأصغر، وحمزة وعيسى وعثمان وعليا الأصغر، والمعقب منهم محمد والعقب لمحمد من عبد الله بن محمد.

ذكر خلافة الحسن بن على عليه السلام

وما ذكرنا من أنساب آل ابى طالب، فمن كتاب أنسابهم الّذي حدثنا به طاهر بن يحيى بن حسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب عن أبيه، ومما أخذناه من ذوى المعرفة منهم بأنسابهم. وما ذكرنا من عقب أبى بكر وعمر وعثمان فمن كتاب أنساب قريش للزبير ابن بكار: وما حدثنا به أبو بكر عبد الله بن محمد المعرى القاضي بمكة، وابو الحسن احمد بن سعيد الدمشقيّ الأموي، وابو الحسين الطوسي وحرمي وغيرهم بمدينة السلام، ومما أخذناه عن ذوى الدراية منهم بأنسابهم. ذكر خلافة الحسن بن على عليه السلام وبويع الحسن بن على بن أبى طالب، ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاة أبيه بيومين، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة 40، ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة 41، وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الاولى من هذه السنة، والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه. وكانت خلافته إلى أن صالحه ستة أشهر وثلاثة أيام، وهو أول خليفة خلع نفسه وسلم الأمر إلى غيره. وتوفى بالمدينة مسموما فيما ذكر في شهر ربيع الأول سنة 49، وله ست وأربعون سنة، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمة عليها السلام. وهناك الى هذا الوقت رخامة مكتوب عليها «الحمد للَّه مبيد الأمم ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سيدة نساء العالمين والحسن بن على بن أبى طالب، وعلى بن الحسين بن على. ومحمد بن على، وجعفر بن محمد، رضوان الله عليهم أجمعين» .

ذكر أيام معاوية بن أبى سفيان

وكان الحسن أحد المشبهين برسول صلّى الله عليه وسلّم على ما ذكرنا من صفته ومن أشبهه في كتاب (الاستذكار) . وكان كاتبه عبيد الله بن أبى رافع، وقاضيه شريح، وحاجبه سالم مولاه. وقيل قنبر. ذكر أيام معاوية بن أبى سفيان وبويع معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عبد الرحمن، وأمه هند ابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس- في شهر ربيع الأول سنة 41. وتوفى بدمشق في رجب سنة 60 وله ثمانون سنة، ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقبره مشهور في تلك المقبرة، وقيل بل في الدار المعروفة بدمشق بالخضراء، الى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل ومن ولى الأمر بعده من بنى أمية ممكن سكن بدمشق وان الّذي في مقبرة باب الصغير قبره قبر معاوية بن يزيد بن معاوية. وكانت أيامه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكان طويلا مسمنا أبيض كبير العجيزة، قصير الهامة، جهم الوجه، جاحظ العينين، عريض الصدر، وافر اللحية، يخضب بالحناء والكتم. وكان داهية ذا مكر، وذا رأى وحزم في امر دنياه، إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف وإذا خاف الأمر داري عنه، وإذا خصم في مقال ناضل عنه. وقطع الكلام على مناظرة. وكتب له عبيد بن أوس الغساني، وسرجون بن منصور الرومي، وعبد الملك ابن مروان فيما قيل، وعبد الرحمن بن دراج وسليمان بن سعيد مولى خشن.

ذكر أيام يزيد بن معاوية

وكان نقش خاتمه «لا قوة الا باللَّه» وعلى قضائه فضالة بن عبيد الأنصاري وحاجبه صفوان مولاه، وقيل يزيد مولاه. ومات عمرو بن العاص بن وائل السهمي بفسطاط مصر يوم الفطر سنة 43 وهو وال لمعاوية عليها، وله تسع وثمانون سنة. وقيل له تسعون سنة. وانما ذكرنا وفاته لأن كثيرا ممن لا علم له يقول انه توفى بعد معاوية وتوفى أكثر أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في أيامه، منهن أخته أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان في سنة 44. وحفصة بنت عمر بن الخطاب 45. وصفية بنت حيي ابن أخطب في سنة 50. وجويرية ابنة الحارث المصطلقية في سنة 56، وعائشة ابنة ابى بكر في سنة 58. وأم سلمة في سنة 59. ذكر أيام يزيد بن معاوية وبويع يزيد بن معاوية، ويكنى أبا خالد- وامه ميسون ابنة بحدل الكلبية من بنى حارثة بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب في رجب سنة 60 وامتنع من بيعته الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، وعبد الله بن الزبير حين أخذهما عامل المدينة بذلك، وخرجا الى مكة فأقام ابن الزبير بها، وشخص الحسين يريد العراق، حين تواترت عليه كتبهم، وترادفت رسلهم ببيعته، والسمع والطاعة له، فلما قرب من الكوفة وقد قدم اليها ابن عمه مسلّم ابن عقيل خذله أهل العراق، ولم يفوا له بما كاتبوه به، ووافقوه عليه وانفضوا عن مسلّم وأسلموه الى عبيد الله بن زياد فقتله. وسير الجيوش الى الحسين مع عمر بن سعد بن ابى وقاص، فقتل يوم الجمعة لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61، وقيل ان قتله كان يوم الاثنين والأول أشهر وعليه الأكثر.

ودفن بكربلاء من ارض العراق وله سبع وخمسون سنة، وقتل معه من ولد أبيه ستة وهم العباس وجعفر وعثمان ومحمد الأصغر وعبد الله وأبو بكر ومن ولده ثلاثة على الأكبر وعبد الله صبي وأبو بكر بنو الحسين بن على، ومن ولد الحسن بن على عبد الله والقاسم، ومن ولد عبد الله بن جعفر بن أبى طالب عون ومحمد ومن ولد عقيل بن طالب خمسة مسلّم وجعفر وعبد الرحمن وعبد الله بنو عقيل ومحمد بن ابى سعيد بن عقيل. وامتنع ابن الزبير من بيعة يزيد، وكان يسميه السكير الخمير. وأخرج عامله عن مكة وكتب الى أهل المدينة ينتقصه، ويذكر فسوقه، ويدعوهم الى معاضدته على حربه، وإخراج عامله عنهم. واخرج أهل المدينة عامله ومروان بن الحكم وولده وغيرهم من بنى أمية، وسيروهم الى الشام فبعث اليهم يزيد مسلّم ابن عقبة المري في اربعة آلاف، ومعه زفر بن الحارث الكلابي. وحبيش بن دلجة القيني، والحصين بن نمير الكندي، وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وغيرهم من رؤساء الأجناد. وخرج يزيد مشيعا لهم وموصيا. فقال لمسلّم بن عقبة فيما وصاه به: ان حدث بك حدث فالأمر الى الحصين بن نمير، وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف ولا تبقى عليهم وانتهبها عليهم ثلاثا واجهز على جراحهم. واقتل مدبرهم. وان لم يعرضوا لك، فامض الى مكة فقاتل ابن الزبير. فأرجو ان يظفرك الله به وانشأ يزيد يقول والرايات تمر، وقد علا على نشر من الأرض، وأحاطت به الخيول: أبلغ أبا بكر إذ الأمر انبرى ... وانحطت الرايات من وادي القرى أجمع سكران من القوم ترى ... أم جمع يقظان نفى عنه الكرى وكان ابن الزبير يكنى أبا بكر وأبا خبيب، وسار مسلّم الى المدينة وقد احتفر أهلها خندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان حفره يوم الأحزاب

وشكوا المدينة بالحيطان، وقال شاعرهم مخاطبا ليزيد إن بالخندق المكلل بالمجد ... لضربا يبدي عن النشوات لست منا وليس خالك منا ... يا مضيع الصلوات للشهوات فإذا ما قتلتنا فتنصر ... واشرب الخمر واترك الجمعات فالتقوا بالحرة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 63 وكان على قريش وحلفائهم ومواليهم عبد الله بن مطيع العدوي ابن عم عمر بن الخطاب، وعلى الأنصار وسائر الناس عبد الله بن حنظلة الغسيل بن أبى عامر الأنصاري ثم الأوسي، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل عبد الله بن حنظلة في عدة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ومواليهم وحلفائهم وغيرهم من ذلك من قريش والأنصار نحو من سبعمائة رجل ومن سائر الناس من الرجال والنساء والصبيان نحو من عشرة آلاف فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي والسير، وقيل دون ذلك وأكثر ودخل مسلّم المدينة فأنتهبها ثلاثة أيام وبايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد والقن العبد الّذي ملك أبواه، وعبد مملكة الّذي ملك في نفسه وليس أبواه مملوكين غير على بن الحسين بن على بن أبى طالب، لأنه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة وعلى بن عبد الله بن العباس، فان من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه. فكان ذلك من أعظم الاحداث في الإسلام وأجلها وأفظعها رزء بعد قتل الحسين بن على بن أبى طالب. وهلك يزيد بحوارين من أرض دمشق مما يلي قارا والقطيفة طريق حمص في البر لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 64 وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما، وكان آدم شديد الأدمة، عظيم الهامة، بوجهه أثر جدري بين، يبادر بلذته، ويجاهر

ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية

بمعصيته، ويستحسن خطأه، ويهون الأمور على نفسه في دينه إذا صحت له دنياه. وكتب له عبيد بن أوس الغساني، وزمل بن عمرو العذري، وسرجون ابن منصور. وكان نقش خاتمه «ربنا الله» وقاضيه أبو إدريس الخولانيّ، وحاجبه خالد مولاه، وقيل صفوان. ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية وبويع معاوية بن يزيد بن معاوية ويكنى أبا عبد الرحمن، وإنما كنى أبا ليلى تقريعا له لعجزه عن القيام بالأمر، وكانت العرب تفعل ذلك بالعاجز من الرجال وفيه قال الشاعر: إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا وقيل بل الشعر قديم، تمثل به الشاعر في أيامه وأمه أم خالد ابنة أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة- في اليوم الّذي هلك فيه أبوه يزيد وتوفى بدمشق في شهر ربيع الأول سنة 64، ودفن بها. وكانت أيامه أربعين يوما، وقيل أقل من ذلك، وأكثر، وكان ربعة من الرجال نحيفا يعتريه صفار. وكتب له زمل بن عمرو العذري، وسليمان بن سعيد الخشنيّ، وسرجون النصراني، وكان نقش خاتمه «باللَّه ثقة معاوية» وقاضيه ابو إدريس الخولانيّ، وحاجبه صفوان مولاه .

ذكر أيام مروان بن الحكم

ذكر أيام مروان بن الحكم وبويع مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عبد الملك وأبا الحكم وأمه آمنة ابنة علقمة بن صفوان بن أمية في رجب سنة 64 بعد تنازع طويل كان بين شيعة بنى أمية، ومن يهوى هواهم في عقد الأمر له، أو لخالد بن يزيد بن معاوية، وذلك أن الأمر اضطرب بعد معاوية بن يزيد بن معاوية. وبايع الضحاك بن قيس الفهري وهو أمير دمشق يومئذ عبد الله بن الزبير وكذلك النعمان بن بشير الأنصاري بمصر، وزفر بن الحارث الكلابي بقنسرين وناتل بن قيس الجذامي بفلسطين، ودعي له على سائر منابر الحجاز ومصر والشأم والجزيرة والعراق وخراسان وسائر أمصار الإسلام إلا طبرية من بلاد الأردن، فان حسان بن مالك بن بحدل الكلبي من بنى حارثة بن جناب، وكان بها، امتنع من الدعاء لابن الزبير والدخول في طاعته وأراد عقد الأمر لخالد ابن يزيد، وكان ابن أختهم، واجتمع بنو أمية وشيعتهم، ومن يميل إليهم من رؤساء الشأم، فتشاوروا في عقد الأمر لخالد بن يزيد، وأبى آخرون إلا أن يعقدوا لمروان، إذ كان خالد صبيا لا يقاوم ابن الزبير ومروان شيخ مجرب بقية بنى أمية في وقته، وكان تشاورهم بالجابية بين دمشق، وطبرية فأجمعوا على عقد الأمر له فبويع له بالخلافة، وجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد بن معاوية، ولعمرو بن سعيد الأشدق بعده. وخرج الضحاك عن مدينة دمشق فيمن معه من الزبيرية، واستمد من بالشأم على طاعة ابن الزبير فأمدوه بالجيوش والمال والسلاح، فصار في ثلاثين ألفا من قيس بن عيلان، وغيرهم من مضر وأكثرهم فرسان، وكان مروان

في ثلاثة عشرة ألفا من اليمن من كلب وسواهم، وأكثرها رجالة، وفي ذلك اليوم يقول مروان: لما رأيت الناس مالوا جنبا ... والملك لا يؤخذ إلا غصبا أعددت غسان لهم وكلبا ... والسكسكيين رجالا غلبا وطيِّئا يأبون إلا ضربا ... والقين تمشى في الحديد نكبا ومن تنوخ مشمخرا صعبا ... بالأعوجيات يثبن وثبا وإن دنت قيس فقل لا قربا فالتقوا بمرج راهط، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل الضحاك في جمع كثير من القيسية، وانهزم الباقون، وقيل إنهم أقاموا بالمرج عشرين يوما يقتتلون في كل يوم، والحرب بينهم سجال. وان مروان كادهم، ودعاهم إلى الموادعة والصلح، فلما اطمأنوا الى ذلك شد عليهم وهم غارون على غير عدة ولا أهبة، فكان ذلك سبب هزيمتهم، فكانت هذه الوقعة سبب رد ملك بنى أمية، وقد كان زال عنهم الى بنى أسد بن عبد العزى. ولذلك رأى قوم أن مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف، وهذه الوقعة من الوقائع المشهورة والأيام المذكورة، واليمانية تفتخر بها على النزارية، وقد أكثرت شعراؤها الافتخار بذلك، قال عمرو بن مخلاة الحمار الكلبي: شفى النفس قتلى لم توسد خدودها ... تلم بها طلس الذئاب وسودها بأيدي كماة في الحروب مساعر ... على ضامرات ما تجف لبودها أبحنا حمى الحيين قيس براهط ... وولت شذاذا واستبيح شريدها وقال أيضا: رددنا لمروان الخلافة بعد ما ... جرى للزبيريين كل بريد فالا يكن منا الخليفة نفسه ... فما نالها إلا ونحن شهور

وقال زفر بن الحارث الكلابي يعتذر من فراره ذلك اليوم: لعمري لقد أبقت وقيعة راهط ... لمروان صدعا بينا متنائيا أتذهب كلب لم تنلها رماحنا ... وتترك قتلى راهط هي ما هيا فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزارات النفوس كما هيا أرينى سلاحي لا أبا لك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا فلم تر منى نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا ونجاك شدات الأغر كأنما ... يرى الأكم من أجبال سلمى صحاريا فلما أمنت القوم وامتدت الضحى ... بسنجار أذريت الدموع الذواريا فرد عليه جواس بن القعطل الكلبي فقال: لعمري لقد أبقت وقيعة راهط ... على زفر داء من الداء باقيا مقيما ثوى بين الضلوع محله ... وبين الحشا أعيا الطبيب المداويا دعا بسلاح ثم أحجم إذ رأى ... سيوف جناب والطوال المذاكيا عليها كأسد الغاب فتيان نجدة ... إذا ما انتضوا عند النزال العواليا وفي ذلك يقول الفرزدق: وقد جعلت للحين في المرج والقنا ... لمروان أيام عظام الملاحم رأيت بنى مروان جلت سيوفهم ... عشى كان في الابصار تحت العمائم ولو رام قيس غيرهم يوم راهط ... للاقى المنايا بالسيوف الصوارم ولكن قيسا روغمت يوم راهط ... بطود أبى العاص الشديد الدعائم وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي مخاطبا لعبد الملك: أبوك حمى أمية حين زالت ... دعائمها وأصحر للضراب وكان الملك قد وهيت قواه ... فرد الملك منها في النصاب وقال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان بن الحكم:

أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت ... أقصى الفرات وأهل الفيض والنيل أموالهم حرة في الأرض تلقطها ... فرسان كلب على الجرد الهذاليل ثم سار مروان بعقب ذلك الى مصر، وهم في طاعة ابن الزبير، وكانت له معهم حروب عظيمة قتل فيها خلق كثير من الفريقين الى أن استوسقوا على طاعته، وأخرجوا عبد الرحمن بن جحدم الفهري عامل ابن الزبير عنهم. واستخلف مروان عليها ابنه عبد العزيز وذلك في سنة 65 وعاد إلى دمشق، وسرح عبيد الله بن زياد في جيوش كثيفة للغلبة على الجزيرة والعراق، وولاه كل بلد يغلب عليه، فسار في نحو من ثمانين ألفا، فلما صار ببلاد الجزيرة بلغه مسير سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة وغيرهما في نحو من أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام، وكانوا يسمون جيش التوابين حتى صاروا الى عين الوردة، وهي رأس العين فسرح اليهم عبيد الله ابن الحصين بن نمير وغيرهم من رؤساء الشأم، فالتقوا بها فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وأكثر ذلك الجيش، وتحمل من بقي في أول الليل راجعين الى الكوفة. وذلك في هذه السنة وهي سنة 65 وكانت وفاة مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان من هذه السنة ودفن بها، وله إحدى وستون سنة. وكانت ولايته تسعة أشهر وأياما، وكان طوالا أصهب أزرق بعيد الغور يركب الأمور بغير رهبة ويمضى التدبير على غير روية وكتب له ابو الزعيزعة مولاه، وابن سرجون النصراني، وسليمان بن سعيد الخشنيّ، وعبيد بن أوس الغساني وكان نقش خاتمه «العزة للَّه» وقيل «آمنت باللَّه» وقيل «آمنت باللَّه العزيز الحكيم» وقيل «آمنت بالعزيز الحكيم» وقاضيه ابو إدريس الخولانيّ

ذكر أيام عبد الملك بن مروان

وحاجبه أبو سهيل الأسود مولاه، وقيل ابو المنهال مولاه. ذكر أيام عبد الملك بن مروان وبويع عبد الملك بن مروان ويكنى أبا الوليد وأمه عائشة ابنة معاوية بن المغيرة ابن أبى العاص بن أمية في رجب سنة 65 والحجاز والعراق وفارس وخراسان وما يلي ذلك من البلاد بيد ابن الزبير، وغلب المختار بن أبى عبيد بن مسعود الثقفي على الكوفة، وأظهر الدعاء الى ابن الحنفية، وتجرد لقتلة الحسين فأباد، منهم خلقا كثيرا. وسار عبيد الله بن زياد الى الموصل، وسير المختار إبراهيم بن الأشتر مالك ابن الحارث النخعي للقائه في اثنى عشر الفا، فالنقوا بالزاب من ارض الموصل، فاقتتلوا قتالا شديدا. فقتل عبيد الله بن زياد، والحصين بن نمير السكونيّ، وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري في خلق عظيم من أهل الشأم، وذلك يوم عاشوراء سنة 67 وفي قتل عبيد الله يقول ابن مفرغ الحميري: إن الّذي عاش ختارا بذمته ... ومات عبدا قتيل الله بالزاب ولم يزل المختار مقيما بالكوفة الى أن سار اليه مصعب بن الزبير في أهل البصرة ومعه المهلب بن أبى صفرة الأزدي، ثم العتيكى وغيره من الرؤساء، فهزمه وحصره في قصر الامارة بالكوفة، الى ان خرج مستميتا في نفر من أصحابه، فجالد حتى قتل. وذلك للنصف من شهر رمضان من هذه السنة، وهي سنة 67، ونزل من بقي من أصحاب المختار وهم نحو من ستة آلاف على حكم مصعب فقتلهم جميعا، وكانوا يسمون الخشبية قال المسعودي: وسار عبد الملك الى العراق، فالتقى مع مصعب بن الزبير

بمسكن من ارض العراق، فقتل مصعب في جمادى الاولى سنة 72. وفي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات، وكان من شيعة آل الزبير: إن الرزية يوم مس ... كن والمصيبة والفجيعة بابن الحواري الّذي ... لم يعده يوم الوقيعة غدرت به مضر العراق ... وأمكنت منه ربيعة ووجه بالحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، واسم ثقيف قسى ابن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر في عساكره الى عبيد الله بن الزبير بن العوام، فحصره بمكة ثم بالمسجد الحرام، وقتل به يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى سنة 73 وله ثلاث وسبعون سنة، وأمر به الحجاج فصلب، وأمه أسماء ابنة أبى بكر ذات النطاقين أخت عائشة لأمها، وأبيها وهي يومئذ باقية قد بلغت من السن مائة سنة لم يقع لها سن ولا ابيض لها شعر ولا أنكر لها عقل، غير أنها ذاهبة البصر، وكانت مدة أيامه وفتنته مذ مات معاوية بن أبى سفيان إلى أن قتل ثمان سنين وتسعة أشهر. ومما كان في أيام عبد الملك بن مروان من الحوادث العظيمة والأنباء الجليلة في الملك خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي في سنة 81، وكان الحجاج وجهه في جيش كثيف حسن العدة، وكان يسمى جيش الطواويس الى سجستان لغزو رتبيل ملك زابلستان، ففتح كثيرا من بلادهم، وكتب اليه الحجاج يستعجزه ويغلظ له، فدعا من معه من رؤساء أهل العراق إلى خلع الحجاج، فأجابوه الى ذلك، لبغضهم الحجاج، وخوفهم سطوته، فخلعوه.

وسار عبد الرحمن راجعا لإخراج الحجاج من العراق، ومسألة عبد الملك إبدالهم به، فلما عظمت جموعه ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقرائهم ونساكهم عند قربه منها خلع عبد الملك، وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعا وسمى نفسه «ناصر المؤمنين» وذكر له أنه القحطانى الّذي ينتظره اليمانية وأنه يعيد الملك فيها، فقيل له إن القحطانى على ثلاثة أحرف، فقال اسمى عبد وأما الرحمن فليس من اسمى، وسار الحجاج للقائه حتى لقيه دون تستر من كور الأهواز بسبعة فراسخ، فهزم أصحاب الحجاج، وقتل منهم نحو من ثمانية آلاف. وسار الحجاج الى البصرة، فنزل الراوية وسار ابن الأشعث حتى نزل الخريبة، وذلك في سنة 83. فأقاموا يقتتلون نحوا من شهرين، ثم خرج ابن الأشعث الى الكوفة ليلا لينغلب عليها في نفر يسير وأصبح أصحابه، فبايعوا عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فلقيهم الحجاج فهزمهم، ولحقوا بابن الأشعث، فخرج ابن الأشعث من الكوفة حتى نزل دير الجماجم، وسار الحجاج حتى نزل دير قرة، وكان كتب الى عبد الملك يستمده فأمده بابنه عبد الله بن عبد الملك وأخيه محمد بن مروان، فاقتتلوا بدير الجماجم نحوا من اربعة أشهر، فكانت الوقائع بينهم فيما قيل نحوا من ثمانين وقعة، وابن الأشعث في نحو من ثمانين الفا، وقيل أكثر من ذلك. والحجاج في دون جمعه ولم يكن بعد وقائع صفين أعظم من هذه الحروب ولا أهول من هذه الزحوف، ثم انهزم ابن الأشعث وأهل العراق، وقتل منهم جمع كثير، وسار ابن الأشعث إلى البصرة، وتبعه الحجاج فخرج عنها، فكان التقاؤهم بمسكن من أرض العراق، فهزم أهل العراق وقتلوا قتلا ذريعا، ومضى ابن الأشعث فيمن تبعه حتى صار إلى سجستان، وكاتب رتبيل وصار اليه فوجه الحجاج بجيش كثيف الى سجستان. وكتب الى رتبيل بتسليم ابن الأشعث فيمن تبعه، ورغبه

إن فعل ذلك في مال جزيل ورفع الاتاوة عنه ويخوفه إن أبى ذلك بقصده وتسرية الجيوش اليه، فغدر به رتبيل وسلمه إلى صاحب الحجاج فسار به يريده فألقى ابن الأشعث نفسه من فوق قصر من قصور الرخّج فمات، فأخذ رأسه وصير به إلى الحجاج، وذلك في سنة 84. فوجه به الحجاج إلى عبد الملك فوجه به عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز بمصر وفي ذلك يقول الشاعر: يا بعد مصرع جثة من رأسها ... رأس بمصر وجثة بالرخّج قتلوه بغيا ثم قالوا بايعوا ... وجرى البريد برأس أروع أبلج وتوفى عبد الملك بدمشق لعشر خلون من شوال سنة 86، ودفن بها وله اثنتان وستون سنة، وقيل أكثر من ذلك، فكانت أيامه إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام، وكان أسمر مربوعا، طويل اللحية، يباشر الأمور بنفسه، متيقظا في سلطانه، حازما في رأيه، لا يكل الأمور في أعدائه وأهل عربه الى غيره حتى يباشرها بنفسه، يركب الخطأ في كثير من أموره فتغره السلامة وكتب له قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وابو الزعيزعة، وعمرو بن الحارث مولى بنى عامر بن لؤيّ، وسرجون بن منصور الرومي وكان نقش خاتمه «آمنت به مخلصا» وعلى قضائه أبو إدريس الخولانيّ، وعبد الله بن قيس بن عبد مناف وحاجبه يوسف مولاه، وقد حجبه أبو الزعيزعة وفي أيامه كانت وفاة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بالطائف ذاهب البصر سنة 68، وله إحدى وسبعون سنة، وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين، وصلّى عليه محمد بن الحنفية أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب، وتوفى محمد بن الحنفية بالمدينة في المحرم سنة 81 وله خمس وستون سنة، وصلّى عليه أبان بن عثمان، وهو يومئذ والى المدينة لعبد الملك، وللكيسانية من الشيعة فيه خطوب كثيرة طويلة ودعاوى كثيرة.

ذكر أيام الوليد بن عبد الملك

ذكر أيام الوليد بن عبد الملك وبويع الوليد بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا العباس وأمه ولادة ابنة العباس بن جزء بن الحارث العبسيّ بدمشق في اليوم الّذي توفى فيه عبد الملك، وتوفى بها للنصف من جمادى الآخرة سنة 96، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ودفن بها. وكانت مدته تسع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام، وكان طويلا أسمر أفطس به أثر جدري، بمقدم لحيته شيب لم يغيره، وكان لحانة، شديد السطوة لا يتوقف عند الغضب، ولا ينظر في عاقبة، ولا يكلم عند سطوته، تهون عليه الدماء وكتب له عبد الله بن هلال الثقفي، وصالح بن عبد الرحمن مولى بنى مرة بن عبيد، وانقعقاع بن خليد العبسيّ، وسليمان بن سعد الخشنيّ، وكان نقش خاتمه «يا وليد إنك ميت» وقاضية أبو بكر محمد بن حزم، وحاجبه يزيد مولاه. قال المسعودي: وكانت وفاة الحجاج بن يوسف بن أبى عقيل عامله وعامل أبيه على العراق بواسط العراق في شهر رمضان سنة 95 قبل وفاة الوليد بتسعة أشهر، وكانت ولايته العراق عشرين سنة. وترك في بيت المال مائة ألف ألف وبضعة عشر ألف ألف درهم، وتولى العراق وخراجها مائة ألف ألف درهم، فلم يزل بعنته وسوء سياسته حتى صار خراجها خمسة وعشرين ألف ألف درهم، ونظرت هند ابنة أسماء بن خارجة الفزاري الى الحجاج مسجى، وكانت امرأته فطلقها فقالت: ألا يا أيها الجسد المسجى ... لقد قرت بمصرعك العيون وكنت قرين شيطان رجيم ... فلما مت سلمك القرين وكان عدة من قتله الحجاج صبرا سوى من قتل في زحوفه وحروبه مائة ألف وعشرين ألفا، منهم سعيد بن جبير صاحب عبد الله بن العباس، ويكنى أبا عبد الله

ذكر أيام سليمان بن عبد الملك

مولى لبني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، وكان أسود قتله في سنة 94 لخروجه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكميل بن زياد النخعي من بنى صهبان صاحب على بن أبى طالب، وتوفى وفي محبسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، وكان حبسه حائرا لا شيء فيه يكنهم فيه من حر ولا برد، ويسقون الماء مشوبا بالرماد. ذكر أيام سليمان بن عبد الملك وبويع سليمان بن عبد الملك بن مروان ويكنى أبا أيوب في اليوم الّذي توفى فيه أخوه الوليد، وأمه ولادة أم أخيه الوليد وهلك وهو معسكر بمرج دابق من أعمال قنسرين، ممدا لأخيه مسلمة، وهو على حصار القسطنطينية يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة 99 وله تسع وثلاثون سنة، وكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر وخمس ليال، وكان طويلا أبيض، جميلا قضيفا، جعد الشعر لم يشب، فصيح اللسان، كثير الأدب، لين الجانب: شديد العجب بشبابه وجماله، أكولا، نهما، نكاحا، لا يعجل إلى سفك الدماء، ولا يستنكف عن مشورة النصحاء، فيه حسد شديد وكتب له عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبى العاص، وسليمان بن نعيم الحميري، وابن بطريق النصراني. وكان نقش خاتمه «آمنت باللَّه» وعلى قضائه محمد بن حزم وحاجبه أبو عبيدة مولاه وقيل مسلّم مولاه.

ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله

ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وبويع عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ويكنى أبا حفص وأمه أم عاصم ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب في اليوم الّذي توفى فيه سليمان، فوجه الى مسلمة فأقفله عن حصار القسطنطينية، وقد ذكرنا مدة ما أقام عليها محاصرا لها فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار ملوك الروم بعد ظهور الإسلام في ملك تيدوس المعروف بالأرمني وتوفى عمر بدير سمعان من أعمال حمص مما يلي قنسرين مسموما فيما قيل من قبل أهله يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة 101 وله تسع وثلاثون سنة وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام، وكان أسمر، حسن الوجه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بوجهه أثر من نفح دابة رمحته في صباه قد وخطه الشيب، ومات ولم يخضب. وكان فاضلا يؤثر الدين على الدنيا، ويعمل عمل من يخاف يومه ويرجو غده ويقر بتدينه لما يجرى أهله عليه وكان كاتبه ليث بن أبى رقية ونقش خاتمه «لكل عمل ثواب» وقيل «عمر يؤمن باللَّه مخلصا» وعلى قضائه عبد الله بن سعد الأيلي، وحاجبه مزاحم مولاه، وقيل حسين.

ذكر أيام يزيد بن عبد الملك

ذكر أيام يزيد بن عبد الملك وبويع يزيد بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا خالد، وأمه عاتكة ابنة يزيد بن معاوية في اليوم الّذي توفى فيه عمر، وتوفى بأرض البلقاء من أعمال دمشق يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شعبان سنة 105، وهو ابن تسع وثلاثين سنة، فكانت أيامه أربع سنين وشهرا. وكان طويلا جسيما أبيض مدور الوجه لم يشب، فتى الشباب شديد الفخر ظاهر الكبر، يحب اللهو، ويستعمل الحجاب، لا يعرف صوابا فيأتيه، ولا خطأ فيدعه وكتب له أسامة بن زيد السليحي وزيد بن عبد الله وكان نقش خاتمه «قنى الحساب» وحاجبه سعيد مولاه، وقيل خالد. وكان في أيامه من الكوائن العظيمة في الملك خلع يزيد بن المهلب بن أبى صفرة إياه، واسم أبى صفرة ظالم بن سراق بن صبح بن كندى بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد، واسمه دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ. وكان يزيد في سجن عمر بن عبد العزيز يطالبه بالأموال التي كان يزيد كتب بها الى سليمان بن عبد الملك، أنها صارت إليه عند فتحه جرجان وطبرستان، فلما مات عمر وذلك في رجب سنة 101، هرب يزيد من السجن وصار الى البصرة، وعليها عدي بن أرطاة الفزاري، وكان قد سجن عدة إخوة ليزيد حين بلغه مسيره اليه فسامه يزيد تخليتهم فأبى، واجتمع الى يزيد جمع عظيم وبذل الأموال فكثر تبعه، وسار الى عدي فقبض عليه وسجنه وغلب على البصرة والأهواز وفارس وكرمان، وخلع يزيد بن عبد الملك، فندب يزيد للقائه أخاه مسلمة بن

عبد الملك، وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيوش كثيفة، وخرج يزيد بن المهلب عن البصرة في جموع كثيفة عظيمة، فالتقوا بالعقر من أرض بابل فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل يزيد وعدة من إخوته في جمع من أهل العراق وانهزم الباقون، وذلك في سنة 102، وقيل إن الّذي تولى قتل يزيد القحل بن عياش بن حسان بن سمير بن شراحيل بن عرين بن أبى جابر بن زهير بن جناب، وفي ذلك يقول المسيب بن الرفل الكلبي مفتخرا: قتلنا يزيد بن المهلب بعد ما ... تمنيتم أن يغلب الحق باطله فما كان من أهل العراق منافق ... عن الدين إلا من قضاعة قاتله وقال رفيع بن أزير الأسدي في مقتله مخاطبا يزيد بن عبد الله بن مروان: إليك أمير المؤمنين مسيرنا ... على المقربات والمحذفة البتر نزيد أمير المؤمنين بأرضه ... رءوسا جناها بين بابل والعقر ولاقى يزيد بن المهلب باكرا ... من الموت ساقته الحتوف وما يدرى وركب من بقي من آل المهلب وأتباعهم السفن حتى صاروا إلى قندابيل من أرض السند فوجه مسلمة هلال بن أحوز المازني لاتباعهم، فلحقهم بها، فقتل منهم جمعا وأسر الباقين، فكان المهلب عند وفاته استخلف يزيد بن المهلب على عمله وأمر سائر إخوته بالسمع والطاعة له. وكانت وفاة المهلب بمروالروز من أرض خراسان في ذي الحجة سنة 83 وهو على إمرتها يومئذ، وفيه يقول نهار بن توسعة التميمي: ألا ذهب العز المقرب للتقى ... ومات الندى والجود بعد المهلب أقاما بمروالروز رهني ضريحه ... فقد غيبا عن كل شرق ومغرب

ذكر أيام هشام بن عبد الملك

ذكر أيام هشام بن عبد الملك وبويع هشام بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا الوليد وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي في اليوم الّذي توفى فيه يزيد، وتوفى بالرصافة من أرض قنسرين مما يلي البر يوم الأربعاء لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة 125، وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وإحدى عشرة ليلة، وكان ابيض الى الصفرة ما هو، أحول شديد انقلاب العين، يخضب لحيته بالسواد، ربعة من الرجال، حسن البدن خشن الجانب، شكس الأخلاق، دقيق النظر، جامعا للأموال، قليل البذل للنوال، متيقظا في سلطانه، سائسا لرعيته، مباشرا للأمور بنفسه، لا يغيب عنه شيء من أمر مملكته وكتب له محمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري، وأسامة بن زيد السليحي، وسالم مولى سعيد بن عبد الملك وكان نقش خاتمه «الحكم للحكيم» وعلى قضائه محمد بن صفوان الجمحيّ، ونمير بن أوس الأشعري، وحاجبه غالب مولاه. وفي السنة السابعة عشرة من ولايته وهي سنة 122، كان ظهور زيد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب بالكوفة في نفر يسير، وعليها يوسف بن عمر الثقفي، وقد كان بايعه خلق كثير، ثم قعدوا عنه ولم يفوا له، فلقيه يوسف ابن عمر في جموع عظيمة، فقاتلهم زيد قتالا شديدا إلى ان قتل ومن معه في صفر من هذه السنة وصلب بالكناسة.

ذكر أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك

ذكر أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وبويع الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويكنى أبا العباس، وأمه أم الحجاج ابنة محمد بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل الثقفي في الوقت الّذي هلك فيه هشام فقدم نزار واستبطنها، وجفا اليمن وأطرحها، واستخف بأشرافها، وعمد الى خالد القسري، وهو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله ابن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن بن صعب بن يشكر بن رهم ابن أفرك بن أفصى بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار، وكان رئيس اليمينية في وقته المنظور إليه منهم، وكان على العراق وما يليه من الأهواز وفارس والجبال واخوه أسد بن عبد الله على خراسان، فدفعه الى يوسف بن عمر الثقفي عامله على العراق، فحمله الى الكوفة وعذبه حتى قتله. وقال الوليد: عند ذلك يوبخ اليمن ويقرعها ويذكر خالدا ويفتخر بنزار في قصيدة له طويلة أولها: ألم تهتج فتدكر الوصالا ... وحبلا كان متصلا فزالا وقال: شددنا ملكنا ببني نزار ... وقومنا بهم من كان مالا وهذا خالد فينا أسيرا ... ألا منعوه إن كانوا رجالا عميدهم وسيدهم قديما ... جعلنا المخزيات له ظلالا وتتابعت من الوليد فعال أنكرها الناس عليه، فدب يزيد بن الوليد في الدعاء الى خلعه فأجابته اليمن بأسرها، وعاضدوه ووثبوا معه على عامل الوليد بدمشق فأجابوه وبايعوا يزيد، ثم ساروا الى الوليد وهو في الحصن المعروف بالبخراء مما يلي البر بين حمص ودمشق فقتلوه، وذلك يوم الخميس لليلتين بقيتا

ذكر أيام مروان بن محمد

من جمادى الآخرة سنة 126 وله اثنان وأربعون سنة، فأخذوا ابنيه وليي عهده الحكم، وعثمان، فقتلا بعد ذلك بدمشق مع يوسف بن عمر الثقفي. فقال الأصبغ بن ذؤالة الكلبي في ذلك: من مبلغ قيسا وخندف كلها ... وساداتها من عبد شمس وهاشم قتلنا أمير المؤمنين بخالد ... وبعنا وليي عهده بالدراهم وقال خلف بن خليفة البجلي: تركنا أمير المؤمنين بخالد ... مكبا على خيشومه غير ساجد وإن سافر القسري سفرة هالك ... فان أبا العباس ليس بعائد أقرى معد بالهوان فاننا ... قتلنا أمير المؤمنين بخالد ذكر أيام مروان بن محمد وبويع مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ويكنى أبا عبد الله وأبا عبد الملك وأمه أم ولد، يقال لها زبادة، كانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي، فصارت إلى محمد ابن مروان يوم قتل إبراهيم، وإبراهيم على مقدمة مصعب بن الزبير، ومحمد على مقدمة أخيه عبد الملك بن مروان، وقيل انها كانت حاملا من إبراهيم، فجاءت بمروان على فراش محمد بن مروان، وكانت بنو أمية تكره أن تولى الخلافة أبناء أمهات الأولاد لأنها كانت ترى أن ذهاب ملكها على يدي ابن امة فكان ذلك مروان بن محمد، وكانت البيعة له يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 127، ونزل حران بن ارض الجزيرة. وكان جميع من مالك من قبله من بنى أمية ينزلون دمشق، ومنهم من كان يتبدى، وكانت أيامه كلها فتنا وحروبا، ولم تصف له الأمور، وخالفه أهل حمص وخلعوا طاعته، فحصرهم وحاربهم دفعة بعد اخرى، وخلعه أهل مصر إلى أن

سير اليهم الجنود، فعادوا الى طاعته، وخالفه بنو هشام بن عبد الملك سليمان وأبان وغيرهما مع من انضاف اليهم من بنى أمية وحاربوه مرة بعد اخرى، وخالفه ثابت بن نعيم الجذامي، وأجابه كثير من أجناد الشأم كفلسطين وغيرها. وغلب الضحاك بن قيس الشيباني من بنى المحلم بن ذهل بن شيبان الخارجي الصفرى على العراق، ولم يغلب أحدا من الخوارج قبله ولا بعده عليهما، وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة ومعه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جمع مواليه ورجاله مؤتما بالضحاك تابعا له، وفي ذلك يقول بعض شعراء الخوارج مفتخرا: ألم تر أن الله أنزل نصره ... وصلت قريش خلف بكر بن وائل فالتقيا بكفرتوثا من بلاد الجزيرة، وأقاموا يقتتلون أياما كثيرة أشد قتال الى أن قتل الضحاك وخليفته الخيبري، وتفرق بقية الخوارج، وذلك في سنة 129 وسارت الخوارج الاباضية من اليمن من قبل عبد الله بن يحيى الكندي الملقب طالب الحق، عليهم ابو حمزة المختار بن عوف الأزدي، وبلج بن عقبة، فنزلوا مكة يوم عرفة من هذه السنة، ووادعهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان عامل مكة الى انقضاء الحج ثم هرب وخلاها وسار الى المدينة، ودخلت الخوارج مكة فجهز عبد الواحد للقائهم جيشا، أمر عليهم عبد العزيز بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان، وخرجت الخوارج من مكة، فالتقوا بقديد في صفر سنة 130 فقتل عبد العزيز في جمع كثير منهم، من أهل المدينة سبعمائة أكثرهم من قريش، ولم ينج الا الشريد، فقالت نائحتهم: ما للزمان وما ليه ... أفنت قديد رجاليه فلأبكين سريرة ... ولأبكين علانية ودخلت الخوارج المدينة، فغلبوا عليها ثلاثة أشهر، فوجه مروان للقائهم

عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، سعد بن بكر بن هوازن في اربعة آلاف فالتقوا بوادي القرى، فقتل بلج وأكثر الخوارج، ونجا ابو حمزة، فصار الى مكة، ولحقه عبد الملك فقتله بها وجمعا من أصحابه، ولحق بقيتهم بعبد الله بن يحيى، وسار عبد الملك الى اليمن، فلقيه عبد الله بن يحيى بنواحي صنعاء فاقتتلا قتالا شديدا، فقتل عبد الله وأكثر من كان معه، وذلك في هذه السنة. واشتد امر أبى مسلّم بخراسان، وأخرج نصر بن سيار عامل مروان عنها، وسير قحطبة بن شبيب الطائي في جيوش كثيفة، فقتل نباتة بن حنظلة الكلابي عامل مروان على جرجان في نحو من ثلاثين ألفا، وعامر بن ضبارة المري بأصبهان في نحو من أربعين الفا، وسار في جيوشه نحو العراق، وسار يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري عامل مروان للقائه، فالتقيا بالفرات مما يلي الكوفة، فهزم ابن هبيرة وغرق قحطبة وسارت المسودة الى الكوفة فبايعوا لأبي العباس السفاح. وسار عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس عم السفاح في جمع غفير عظيم للقاء مروان. وسار مروان في جيوش عظيمة وجموع مهولة وعدد كثيرة، فالتقيا بالزاب من أرض الموصل يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة 132، فهزم مروان واستولى على عسكره، وقتل من أصحابه جمع عظيم، فسار حتى أتى الشأم والجيوش تتبعه، فصار إلى مصر فقتل ببوصير الأشمونين من صعيدها ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة من هذه السنة وله سبعون سنة، وقيل أقل من ذلك. وكانت أيامه إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وأحد عشر يوما. وكان شديد الشهلة، أبيض مشربا حمرة، ضخم الهامة، والمنكبين، كبير اللحية، وكان مجربا صابرا على التعب والنصب، يغرى بين القبائل، ويغضب

بين العشائر، ويلقى أموره وهي مدبرة، ويريد أن يجعلها مقبلة. واصطفى قيس عيلان وانحرف عن اليمن، وبادأها العداوة فصارت عليه إلبا، وله حربا وكان كاتبه عبد الحميد بن يحيى بن سعد بن عبد الله بن جابر بن مالك بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤيّ بن غالب. وكان مفوها بليغا له رسائل مجموعة متناقلة يقتدى بها ويعمل عليها، ورأيت له عقبا بفسطاط مصر، يعرفون ببني مهاجر، وقد كان منهم عدة يكتبون لآل طولون. ونقش خاتمه «فوضت أمرى إلى الله» ، وعلى قضائه عثمان بن عمرو البتي، وحاجبه صقلاب مولاه. قال المسعودي أبو الحسن على بن الحسين بن على: وكانت مدة ملك بنى أمية على ما قدمنا من التاريخ منذ صالح الحسن بن على معاوية، وسلّم له الأمر إلى أن قتل مروان بن محمد آخر ملوكهم احدى وتسعين سنة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما، وتنازع أصحاب السير والتواريخ ومن عنى بأخبار ملوك العالم في زيادة شهور وأيام في مدتهم ونقصانها عما ذكرنا والأشهر من ذلك ما قدمنا وكذلك باين هؤلاء أصحاب كتب الزيجة في النجوم فيما ذكروه في كتب زيجاتهم ورسموه من مقادير أيامهم، وقد أتينا على ما قاله كل فريق منهم في مقادير أيامهم وأيام من كان من بعدهم الى وقتنا هذا وهو سنة 345 في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر، في تحف الاشراف من الملوك وأهل الدرايات) وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه وانما الغرض من هذا الكتاب إيراد لمع من ذلك دون الشرح والإيضاح ليسهل درسه على قارئه ويقرب حفظه على راويه

ذكر ما جرت عليه أحوال بنى أمية بعد قتل مروان، بن محمد وتفرقهم في البلاد، وسبب تملك عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام على بلاد الأندلس وولده الى وقتنا هذا وما اتصل بذلك

ذكر ما جرت عليه أحوال بنى أمية بعد قتل مروان، بن محمد وتفرقهم في البلاد، وسبب تملك عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام على بلاد الأندلس وولده الى وقتنا هذا وما اتصل بذلك لما قتل مروان بن محمد بن مروان، تفرقت بنو أمية في البلاد، هربا بأنفسهم، وقد كان عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب قتل منهم على نهر أبى فطرس، من بلاد فلسطين، نحوا من ثمانين رجلا مثلة، واحتذى أخوه داود بن على بالحجاز فعله، فقتل منهم نحوا من هذه العدة بأنواع المثل، وكان مع مروان حين قتل ابناه عبد الله وعبيد الله، وكانا وليي عهده فهربا فيمن تبعهما من أهلهما ومواليهما وخواصهما من العرب، ومن انحاز اليهم من أهل خراسان من شيعة بنى أمية فساروا الى أسوان من صعيد مصر، وساروا على شاطئ النيل الى أن دخلوا أرض النوبة وغيرهم من الأحابش، ثم توسطوا أرض البجة ميممين باضع من ساحل بحر القلزم، فكانت لهم مع من مروا به من هذه الأمم، حروب ومغاورات، ونالهم جهد شديد وضر عظيم، فهلك عبيد الله بن مروان في عدة من كان معهم قتلا وعطشا وضرا، وشاهد من بقي منهم أنواع الشدائد وضروب العجائب ووقع عبد الله بن مروان في عدة ممن نجا معه الى باضع من ساحل المعدن وأرض البجة، وقطع البحر الى جدة من ساحل مكة وتنقل فيمن نجا معه من أهله ومواليه في البلاد متسترين راضين أن يعيشوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا،

فظفر بعبد الله أيام أبى العباس السفاح فأودع السجن، فلم يزل فيه بقية أيام أبى العباس وأيام المنصور والمهدي والهادي، فأخرجه الرشيد، وهو شيخ ضرير، فسأله عن خبره. فقال: يا أمير المؤمنين، حبست غلاما بصيرا، وأخرجت شيخا ضريرا، فقيل إنه هلك في أيام الرشيد وقيل بل في يام الأمين. كان عامل افريقية لمروان عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وكان كاتب مروان وهو بمصر ورغبه في المصير اليه وذكر له كثرة جنوده وعدده ومنعة بلاده ثم تعقب الرأى فعلم أن مروان إن قدم صار كأحد أتباعه وجنوده وأن من وراءه المسودة يتبعونه، فكتب الى مروان يعرفه كراهية من قبله من الجنود لذلك فعوجل، فقطع النيل ومضى الى الصعيد فقتل هناك، وقيل إن كتاب عبد الرحمن الّذي يستدعيه فيه جاءه، وقد قطع النيل الى الجانب الغربي لمعاجلة المسودة إياه، ودخولهم فسطاط مصر، فمضى الى بوصير الأشمونين من صعيد مصر ليصير الى افريقية على طريق الواحات، فبادرته المسودة بالعبور اليه والبيات فقتل، وإن عبد الرحمن لم يكتب اليه كتابا بثبطه فيه عن المسير اليه. وقدم على عبد الرحمن بن حبيب بعد قتله جماعة من بنى أمية يرجون الأمر في بلاده منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، ولؤيّ، والعاص ابنا الوليد بن يزيد فبلغ عبد الرحمن عن ابني الوليد شيء أنكره، ففتك بهما فاشتد خوف عبد الرحمن بن معاوية منه فهرب وقطع المجاز الّذي بين إفريقية والأندلس، الآخذ من بحر أوقيانس المحيط الى بحر الرومي وصار اليها وعاملها يوسف بن عبد الرحمن الفهري وقد عظم الخطب من العصبية بين من بها من اليمانية والنزارية، ودامت عدة سنين، فطمع في الغلبة عليها، وكاتب اليمانية ودعاهم الى نفسه، وسير بدرا مولاه

اليهم، فبايعوه وسارعوا الى طاعته وسروا بقدومه وبلغ يوسف بن عبد الرحمن أمره فسار اليه في النزارية وغيرهم من أنصاره فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم يوسف بن عبد الرحمن وقتل أصحابه قتلا ذريعا وذلك في سنة 139 واستولى عبد الرحمن على بلاد الأندلس، وهو صقع جليل، ومملكة عظيمة، يكون مسيرته نحوا من أربعين يوما في مثلها، فيه مدن كثيرة وعمائر متصلة واستقام له الأمر بعد أن بذل السيف في مخالفته، فاستوسق الجميع على طاعته، ولم يكن خطب لأحد من بنى العباس بالأندلس الى ذلك الوقت، ولأجل ذلك أفردنا هذا الباب لتسمية من ملكها إذ كانت مملكة مفردة لبني أمية، ورسوما قائمة الى هذا الوقت ولم يتبدل ولم ينتقل، فملك عبد الرحمن بلاد الأندلس ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر. وكانت وفاته غرة جمادى الأولى سنة 172 فولى بعده ابنه هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، سبع سنين وتسعة أشهر، وكانت وفاته في صفر سنة 180. فولى بعده الحكم بن هشام بن عبد الرحمن، سبعا وعشرين سنة وشهرا وخمسة وعشرين يوما، وتوفى لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 206. فولى بعده ابنه عبد الرحمن بن الحكم بن هشام، اثنتين وثلاثين سنة، وأربعة أشهر، وتوفى في ربيع الآخر سنة 238 فولى بعده ابنه محمد بن عبد الرحمن بن الحكم، أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما، ونوفى لليلة بقيت من صفر سنة 273 فولى بعده ابنه المنذر بن محمد بن عبد الرحمن سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما. وتوفى للنصف من صفر 275 فولى بعده أخوه عبد الله بن عبد الرحمن، خمسا وعشرين سنة، وخمسة عشر

يوما، وتوفى مستهل ربيع الأول سنة 300. فولى بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ابن مروان الى وقتنا هذا وهو سنة 345 خمسا وأربعين سنة، وبلده عامر، والعدل فيه شامل ولم يكن فيمن سمينا من آبائه ممن ملك الأندلس أحد يسمى بإمرة المؤمنين وكانوا يسمون «بنى الخلائف» الى أن ملك هو فخوطب بها، وصدرت عنه الكتب بذلك ووردت، وخطب له به على المنابر، وجعل ولاية العهد بعده لابنه الحكم بن عبد الرحمن دون سائر اخوته، لما تخيل فيه من النجابة، وتبين من اضطلاعه بالملك وقيامه به قال المسعودي وقد ذكرنا في الأخبار المعروفة (بالمسعوديات) التي نسبت إلينا وفي كتاب (وصل المجالس) جملا من أخبار من سمينا من ولاة الأندلس وسياستهم وحروبهم مع من يجاورهم من الجلالقة والجاسقس والوشكنش وقرمانيش وغوطس وغيرهم من الافرنجية برا وبحرا. وما كان من الأندلس من الحروب والفتن مذ افتحها طارق مولى موسى ابن نصير في سنة 92 في أيام الوليد بن عبد الملك إلى وقتنا هذا، وعبور طارق مولى موسى اليها، وقتله لذريق ملك الاشبان الذين كانوا بالأندلس، وعبور موسى بن نصير بعده، وما لقي من الأمم، وشاهد من العجائب وخبر المائدة الذهب، والبيت الّذي كان فيه تيجان ملوكهم السالفة. وذكرنا في كتاب (فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف) ما كان ببلاد إفريقية من الحروب والوقائع والزحوف منذ افتتحت، وخبر موسى بن نصير، ومن بها كان بعده من الأمراء الى أن أفضى أمر تملكها في أيام الرشيد

الى إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن تميم بن سوادة التميمي، وخبره وخبر ولده من بعده إلى أن زال الأمر عنهم باستيلاء ابى عبد الله الشيعي الداعية المعروف بالمحتسب على مملكتهم، وخروجه في كتامة من البربر، وما كان بينه وبين آل الأغلب من الوقائع والزحوف، وتسليمه الأمر الى عبيد الله، وقتل عبيد الله إياه. وما كان من خبره بعد ذلك وبنائه مدينة المهدية وتسييره الجيوش الى بلاد مصر للاستيلاء عليها مرة بعد اخرى، وذلك في سنة 302، ووفاته ومصير الأمر بعده الى أبى القاسم عبد الرحمن وخروج أبى يزيد مخلد بن كيداد البربري الزناتى من بنى يفرن الأباضي، ثم النكارى في الاباضية وغيرهم، وما كان بينهم وبين جيوش أبى القاسم من الوقائع والحروب ومن قتل منهم الى أن غلب على أكثر إفريقية، وحصاره أبا القاسم في المهدية إلى أن مات بها. وخروج ابنه إسماعيل بن أبى القاسم ومواقعته أبا يزيد، وما كان بينهم من الحروب، وانفضاض الجيوش عن أبى يزيد وحصره إياه، إلى أن قتل أبو يزيد لخمس ليال بقين من المحرم سنة 336، وإن عدة من وقع عليه الإحصاء ممن قتل في تلك الحروب نحو من أربعمائة ألف ووفاة إسماعيل ومصير الأمر بعده الى ابنه أبى تميم معد بن إسماعيل الى هذا الوقت، وغير ذلك من الأخبار مما شرحناه وبيناه في كتاب (تقلب الدول، وتغير الآراء والملل) وإنما نذكر في هذا المختصر لمعا وجوامع، استذكارا لما تقدم تأليفه من كتبنا في هذه المعاني، وتنبيها عليه. وقد رأينا بعض المتأخرين ممن ينحرف عن الهاشميين الطالبيين منهم والعباسيين، ويتحيز إلى الأمويين، ويقول بإمامتهم، يذكر أنه كانت لمن ملك

من بنى أمية ألقاب كألقاب خلفاء العباسيين، وذكر في ذلك روايتين إحداهما قال روى محمد بن عبد الله بن محمد القرشي، قال حدثنا مصعب بن عبد الله بن أبيه عن جده. قال حدثني سابق مولى عبد الملك بن مروان. قال سمعت أمير المؤمنين عبد الملك يقول: تلقب أمير المؤمنين معاوية بن أبى سفيان «بالناصر لحق الله» ويزيد بن معاوية «بالمستنصر على الربيع» ومعاوية ابن يزيد «بالراجع الى الله» ومروان بالمؤمن باللَّه والثانية. قال حدثنا أبو مطرف عن أبيه عن جده. قال: تلقب عبد الملك «بالمؤثر لأمر الله» والوليد ابن عبد الله «بالمنتقم للَّه» ولقب سليمان بن عبد الملك «بالمهديّ» لما أحدث من قطع ما كان على المنبر، وعهده إلى عمر بن عبد العزيز، وتلقب هو «بالداعي الى الله» وعمر بن عبد العزيز «بالمعصوم باللَّه» ويزيد بن عبد الملك «بالقادر بصنع الله» وسمى هشام بن عبد الملك «بالمنصور» وذلك أنه ولد في الساعة التي ورد الكتاب فيها بما كان من مقتل مصعب بن الزبير، فلما قدم أبوه جيء به إليه وخبر باسمه، فقال ليس هذا من أسمائنا بل سموه باسم جده لامه هشام، ولقبوه المنصور، فلم يزل على ذلك حتى عهد إليه يزيد، فلقب «بالمتخير من آل الله» وتلقب الوليد بن يزيد «بالمكتفى باللَّه» ويزيد بن الوليد «بالشاكر لأنعم الله» وإبراهيم بن الوليد «بالمتعزز باللَّه» ومروان بن محمد «بالقائم بحق الله» وكان عبد العزيز بن مروان إذ كان ولى عهد يدعى له على المنابر «بالمعظم لحرمات الله» وكان مسلمة بن عبد الملك لما بنى مدينته التي على خليج القسطنطينية سماها مدينة القهر، وتسمى «بالقاهر بعون الله» قال المسعودي: وهو إن جاء بهاتين الروايتين فان الكافة على خلافه، فلو كان الأمر على ما ذكر لظهر واشتهر واستفاض، وجاء في الأخبار المنقولة القاطعة للعذر والأعمال الموروثة، فلما لم يذكره الجمهور من حملة الأخبار ونقلة السير

والآثار، ولا دونه مصنفو الكتب في التواريخ والسير ممن ذكر أخبارهم ووصف أيامهم ممن تولاهم وانحرف عنهم علم أن ذلك لا أصل له ورأيت في سنة 324 بمدينة طبرية من بلاد الأردن من ارض الشأم عند بعض موالي بنى أمية ممن ينتحل العلم والأدب ويتحيز الى العثمانية كتابا فيه نحو من ثلاثمائة ورقة بخط مجموع مترجم بكتاب (البراهين في إمامة الأمويين) ونشر ما طوى من فضائلهم أبواب مترجمة ودلائل مفصلة يذكر فيه خلافة عثمان ابن عفان ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ومن تلاه من بنى مروان إلى مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ثم يذكر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، وأن مروان بن محمد نص عليه وعهد بالأمر بعده إليه، وينسق سائر من تملك بالأندلس من بنى أمية من ولد عبد الرحمن المقدم ذكرهم، الى سنة 310. وذكر عبد الرحمن بن محمد الوالي عليها في هذا الوقت، وهو سنة 345 ووصف لكل واحد منهم فضائل ومناقب وأمورا استحق بها الإمامة، ونصوصا على أسمائهم وأعيانهم، وادعى الأخبار المتواترة الجائية مجيء الاستفاضة، وعزى ذلك الى شيعة العثمانية ورجال السفيانية وأنصار المروانية، معارضا لأهل الإمامة وهم جمهور الشيعة في المنصوص والنقل، ومستدلا على فساد أقاويل أصحاب الاختيار من المعتزلة والزيدية والخوارج والمرجئة والحشوية والنابتة، ومناقضا لأصحاب النص على أبى بكر من أصحاب الحديث، والبيهسية من الخوارج والبكرية أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد وغيرهم، وأتى بمسائل ومعارضات على من ذكرنا وإلزامات. وذكر من بعد ذلك أخبارا من أخبار الملاحم الآتية والأنباء الكائنة مما يحدث في المستقبل من الزمان والآتي من الأيام من ظهور أمرهم ورجوع

ذكر أيام ولد العباس خلافة أبى العباس السفاح

دولتهم، وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشأم في غسان وقضاعة ولخم وجذام وغاراته وحروبه ومسير الأمويين من بلاد الأندلس إلى الشأم، وأنهم أصحاب الخيل الشهب والروايات الصفر، وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف ولم يذكر في هذا الكتاب هذه الألقاب ولا شيئا منها. ذكر أيام ولد العباس خلافة أبى العباس السفاح وبويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب، وأمه ريطة ابنة عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان ابن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد كان لقب أولا بالمهديّ ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة 132 بالكوفة. وكان مبدأ الدعوة العباسية بالكوفة وخراسان وغيرها من الأمصار في سنة 100 للهجرة، وذلك أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، كان قدم على سليمان بن عبد الملك سنة 98 فأعجب به، وقضى حوائجه وصرفه وضم اليه من سمه في الطريق، فلما أحس بذلك غدا الى محمد بن على بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب، وهو يومئذ بالحمية، وقيل بكرار من جبال الشراة والبلقاء من اعمال دمشق، فأفضى اليه بسرائر الدعوة، وعرف بينه وبين الدعاة، وأعلمه

أن الخلافة صائرة الى ولده، وأن الأمر الى ابن الحارثية منهم، وأمر ببث الدعوة عند تمام المائة سنة للهجرة. فلما حضرت محمدا الوفاة أوصى إلى ابنه إبراهيم، فكانت الدعوة اليه، وسمي الامام، واليه دعا أبو مسلّم بخراسان، فلما وقف مروان بن محمد الجعديّ على ذلك كتب إلى عامله بدمشق، وهو الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم يأمره بتوجيه بعض ثقاته إلى الحميمة أو كرار فيأتيه بإبراهيم الامام، فحمله إلى مروان فحبسه في المحرم من هذه السنة وهي سنة 132، فقتل في محبسه بعد شهرين، وعهد بالأمر بعده الى أخيه أبى العباس عبد الله بن محمد وهو ابن الحارثية. وتوفى أبو العباس بالأنبار في مدينته التي بناها وسماها الهاشمية يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 136 وله ثلاث وثلاثون سنة، وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر ويوما وكان طويلا أبيض أقنى، حسن الوجه، جعد الشعر، له وفرة، سديد الرأى، ماضى العزيمة، كريم الأخلاق، متألفا للرجال، سمحا بالأموال، يهون عليه أن يأمر بسفك دماء عالم من أعدائه من غير أن يعاين ذلك قال المسعودي: وكان أول من وقع عليه اسم الوزارة في دولة بنى العباس أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال، مولى السبيع من همدان وزر لأبى العباس السفاح، وكان يقال له وزير آل محمد، وفيه يقول بعض الشعراء ان المساءة قد تسر وربما ... كان السرور بما كرهت جديرا ان الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرا وقد أتينا على أخباره وسبب قتله في كتاب (مروج الذهب، ومعادن الجوهر) وهو أول وزير وزر لبني العباس وأبوه حي

وكانت ملوك بنى أمية تنكر أن تخاطب كاتبا لها بالوزارة وتقول الوزير مشتق من الوزارة، والخليفة أجل من أن يحتاج الى الموازرة، وكانت العرب تسمى وزير الملك من ملوك اليمن والشأم والحيرة الراهن والزعيم والكافي والكامل تريد بذلك أنه مرتهن بالتدبير زعيم بصواب الرأى كاف للملك مهمات الأمور كامل الفضائل، وكانت العجم تسمى وزير الملك من ملوكها حامل الثقل ووساد العضد ورئيس الكفاة ومدبر الأمور العظام إذ بهم نظام الأمور وجمال الملك وبهاء السلطان وهم الألسن الناطقة عن الملوك وخزان أموالهم وأمناؤهم على رعيتهم وبلادهم، وأعظم الناس غناء عن الملوك والرعية وأولاهم بالحياء والكرامة وكذلك كان اليونانيون والروم يسمون وزير الملك الّذي يدور عليه أمره ويرجع الى رأيه وتدبيره فلما جاء الله بالإسلام ونزل القرآن فيما قص الله من خبر نبيه موسى عليه السلام في قوله (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخى اشدد به أزرى وأشركه في أمرى) استخارت بنو العباس تسمية الكاتب وزيرا فلم يكن الخلفاء والملوك تستوزر إلا الكامل من كتابها، والأمين العفيف من خاصتها، والناصح الصدوق من رجالها، ومن تأمنه على أسرارها وأموالها، وتثق بحزمه وفضل رأيه، وصحة تدبيره في أمورها واستوزر أبو العباس بعد أبى سلمة يا العباس خالد بن برمك وكان نقش خاتمه «الله ثقة عبد الله وبه يؤمن» وقاضيه ابن أبى ليلى الأنصاري ثم الأوسي ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحاجبه أبو غسان صالح بن الهيثم مولاه

ذكر خلافة ابى جعفر المنصور

ذكر خلافة ابى جعفر المنصور وبويع أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس وأمه سلامة ابنة بشير، مولدة البصرة، وقيل بربرية- في اليوم الّذي توفى فيه السفاح، وقتل أبا مسلّم القائم بدولتهم، والمنتقم لهم من عدوهم برومية المدائن في شعبان سنة 137 وكان ظهور محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب بالمدينة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 145 وبايعه خلق كثير من الحاضرة والبادية، وتسمى بالمهديّ، فوجه اليه المنصور عيسى بن موسى في أربعة آلاف فالتقوا بظاهر المدينة فقتل محمد في عدة ممن كان معه، وذلك في شهر رمضان من هذه السنة. وكان ظهور أخيه إبراهيم بالبصرة مستهل شهر رمضان، فغلب عليها وعلى الأهواز، وواسط، وكسكر، وعظمت جموعه، وسار يريد الكوفة فوجه المنصور عيسى بن موسى في العساكر، فالتقوا بباخمرى على ستة عشر فرسخا من الكوفة يوم الاثنين لأربع بقين من ذي القعدة، من هذه السنة أيضا فقتل إبراهيم في جمع كثيف ممن كان معه، وانهزم الباقون وبعقب قتل محمد وإبراهيم لقب بالمنصور وكانت وفاة المنصور ببئر ميمون على أميال من مكة يوم السبت لست ليال خلون من ذي الحجة سنة 158 وله ثلاث وستون سنة، ودفن بالحرم، وكانت خلافته احدى وعشرين سنة، واحد عشر شهرا، وعشرين يوما وكان طويلا، أسمر، نحيفا، خفيف العارضين يخضب بالسواد، محنك السن، حازم الرأى، قد عركته الدهور، وحلت الأيام سطوته، وروى العلم

ذكر خلافة المهدي محمد بن عبد الله المنصور

وعرف الحلال والحرام، لا يدخله فتور عند حادثة، ولا تعرض له ونية عند مخوفة، يجود بالأموال حتى يقال هو أسمح الناس، ويمنع في الأوقات حتى يقال هو ابخل الناس ويسوس سياسة الملوك، ويثب وثوب الأسد العادي، لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك غيره، وخلف من الأموال ما لم يجتمع مثله لخليفة قبله ولا بعده، وهو تسعمائة ألف ألف وستون ألف ألف ففرق المهدي جميع ذلك حين أفضى الأمر اليه واستوزر خالد بن برمك مديدة، ثم غلب عليه أبو أيوب المورياني الخوزي فاستوزره، وقد أتينا بخبر مقتله وخبر من طرأ بعده من الوزراء فيما سلف من كتبنا، ثم استوزر مولاه الربيع، وكتب له عدة غير هؤلاء منهم سليمان بن مجالد وعبد الحميد بن عدي، وابن أبى عطية الباهلي وكان نقش خاتمه «الله ثقة عبد الله وبه يؤمن» وعلى قضائه يحيى ابن سعيد الأنصاري، وأبان بن صدقة، وعثمان بن عمرو البتي، وعبد الله بن محمد بن صفوان، وحاجبه عيسى بن روضة، وابو الخصيب مرزوق مولاه، والربيع مولاه قبل أن يستوزره ذكر خلافة المهدي محمد بن عبد الله المنصور وبويع المهدي محمد بن عبد الله المنصور ويكنى أبا عبد الله وامه أم موسى ابنة منصور بن عبد الله بن شهر الحميري ثم الرعينيّ في الوقت الّذي توفى فيه المنصور، وتوفى بالرذ والراق من أرض ماسبذان من الجبال، لسبع بقين من المحرم سنة 169، وله اثنتان وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين وخمسة وأربعين يوما، وكان حسن الوجه والجسم

ذكر خلافة موسى الهادي بن محمد المهدي

أسمر طوالا، بعينه اليمنى نكتة بياض، كريما حبيبا، بذولا للأموال، حسن العفو، كريم الظفر، لا يدخله غفلة عند مخوفة، ولا يتكل في الأمور على غير ثقة، وصولا لأرحامه، برا بأهله، فيه لين جانب، كثير الولاية والعزل لغير سبب، واستوزر أبا عبيد الله معاوية بن عبيد الله الأشعري الطبراني من مدينة طبرية من بلاد الأردن من أرض الشأم ثم يعقوب بن داود مولى بنى سليم، ثم أبا صالح الفيض. وكان نقش خاتمه «الله ثقة محمد وبه يؤمن» وعلى قضائه عافية بن يزيد الأزدي، وابن علاثة العقيلي. وحجبه الربيع، والخضر بن سليمان، والفضل ابن الربيع ذكر خلافة موسى الهادي بن محمد المهدي وبويع موسى الهادي بن محمد المهدي، ويكنى أبا جعفر، وأمه أم ولد يقال لها الخيزران ابنة عطاء مولدة جرش من أرض اليمن في الوقت الّذي توفى فيه المهدي، وتوفى بعيساباذ نحو مدينة السلام لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 170 وله خمس وعشرون سنة وكانت خلافته سنة وشهرا وخمسة وعشرون يوما، وكان طوالا جسيما، ابيض، أفوه، بشفته العليا بياض، شجاعا بطلا، أشد الناس بدنا، واجرأه مقدما في تسرع، وجبرية ينسب بهما الى الهوج وكان كاتبه عبيد الله بن ابى زياد بن أبى ليلى، ثم استوزر الربيع مولاه واستكتب عمر بن بزيع، وإبراهيم بن ذكوان الحراني قال المسعودي: هذا قول الأكثر ممن عنى بأخبار خلفاء بنى العباس ووزرائهم وكتابهم

وقد ذكر أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح عم ابى الحسن على بن عيسى الوزير في كتابه في (أخبار الوزراء) مما شرحه وزاد فيه أبو العباس احمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار أن موسى الهادي استوزر إبراهيم بن ذكوان الحراني الأعور صاحب طاق الحراني ببغداد من الجانب الغربي وولى الربيع الأزمة والخاتم وذكر أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشيارى في كتابه (في اخبار الوزراء والكتاب) ان الهادي لما قدم مدينة السلام استوزر الربيع مولاه، ثم صرفه عن الوزارة، وقلدها إبراهيم بن ذكوان الحراني، وأقر الربيع على دواوين الأزمة ولم يزل عليها حتى توفى في سنة 169 وله ثمان وخمسون سنة فقلد موسى ديوان الأزمة إبراهيم بن ذكوان وابو عبد الله محمد بن عبدوس أحد المتأخرين ممن صنف في اخبار الوزراء والكتاب، وكذلك المعروف بابن الماشطة الكاتب، وابو بكر محمد بن يحيى الصولي الجليس وعلى بن الفتح المعروف بالمطوق صنف من أخبارهم الى سنة 320 وكان نقش خاتم الهادي «الله ربى» وعلى قضائه أبو يوسف صاحب أبى حنيفة النعمان بن ثابت، وهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب من أنمار بن إراش ابن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، وعداده في الأنصار ثم في بنى عمرو بن عوف من الأوس، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحيّ، وحاجبه الفضل بن الربيع

ذكر خلافة الرشيد

ذكر خلافة الرشيد وبويع الرشيد هارون بن المهدي، ويكنى ابا جعفر وامه الخيزران أم أخيه الهادي في الوقت الّذي توفى فيه الهادي، وبايع لابنه محمد بن زبيدة بالعهد بعده ثم لعبد الله المأمون بعد محمد، وولاه الري وخراسان، وما اتصل بذلك، وأخذ عليهما العهود والمواثيق بالوفاء، وكتب عليهما بذلك كتابين علقهما في الكعبة، ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون، وجعل امر القاسم للمأمون إذا صار الأمر اليه، فان رأى إقراره أقره وإن رأى خلعه خلعه وتوفى بقرية يقال لها سناباذ من طوس من أرض خراسان يوم السبت لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة 193، وهو ابن أربع وأربعين سنة وأربعة أشهر، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وستة عشر يوما. وكان تام الخلقة جميلا، طويلا أبيض مسمنا، قد وخطه الشيب، له وفرة إذا حج حلقها. وكان كامل الأخلاق سمحا شجاعا كثير الحج والجهاد، حج في خلافته ثماني حجج وغزا ثماني غزوات، وتسلط على الأمور بعد مدة من خلافته، فأفسد الصنائع، وأحب جمع الأموال واستوزر البرامكة يحيى بن خالد بن برمك وابنيه جعفر والفضل، ثم نكبهم في صفر سنة 187، وقتل جعفرا، وذلك لسبع عشرة سنة خلت من خلافته. ودفع خاتم الخلافة بعد إيقاعه بهم إلى على بن يقطين، وغلب عليه الفضل بن الربيع، وإسماعيل بن صبيح الى أن مات. وكان صبيح أبو إسماعيل مولى عتاقة لسالم الأفطس، وسالم الأفطس مولى عتاقة لبني أمية واختلت أموره بعد البرامكة، وبان للناس قبح تدبيره وسوء سياسته.

ذكر خلافة الأمين

وكان نقش خاتمه «باللَّه يثق هارون» وقضى له عهده منهم على بن حرملة، وعون بن عبد الله المسعودي، وحفص بن غياث، وشريك بن عبد الله بن أبى شريك النخعي، ومحمد بن سماعة الحنفي، وحجبه بشر بن ميمون، ثم محمد بن خالد بن برمك، ثم الفضل بن الربيع. ذكر خلافة الأمين وبويع الأمين محمد بن هارون الرشيد ويكنى أبا موسى وامه زبيدة أم جعفر ابنة جعفر بن أبى جعفر المنصور يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة 193، وبايع له المأمون بخراسان، وكتب اليه بالطاعة والخضوع وامتثال أمره ونهيه، انقيادا الى ما تقدم به العهد فعمل الأمين في خلعه والاحتيال لذلك وكتب إليه بأمره بتسليم بعض اعماله الى من يرسم له، فامتنع من ذلك، فكتب اليه يأمره بالمصير اليه لمعاونته على تدبير ملكه، فاعتل بأمور ذكرها، فوجه اليه يسأله تقديم ابنه عليه بولاية العهد، ويرغبه في ذلك ويرهبه، فأبى وقوّى الفضل بن سهل ذو الرئاستين عزمه على محاربته. فلما عادت الرسل الى الأمين بذلك بايع لابنه موسى «ولقبه الناطق بالحق» وهو يومئذ صبي صغير وسرح على بن عيسى بن ماهان في خمسين ألفا بأعظم ما يكون من القوة والعدد ليجيئه بالمأمون، فندب المأمون للقائه طاهر بن الحسين ابن مصعب بن زريق بن حمزة الرستمي من ولد رستم بن دستان الشديد وهم موالي خزاعة في الإسلام واليهم ينتمون فنزل الري وسار على بن عيسى حتى قرب منهما فالتقيا فاقتتلا قتالا شديدا، فقتل على بن عيسى وفضت جموعه واحتوى على عسكره وذلك لعشر خلون من شعبان سنة 195 فحينئذ سلّم على المأمون بإمرة المؤمنين وسمى طاهر ذا اليمينين، وسار طاهر يفتح بلدا بلدا ويكسر من تلقاءه

الجيوش إلا أن نزل حلوان فلحق به هرثمة بن أعين في جيش كثيف، وكتب اليه المأمون ان يخلى بين هرثمة وبين المسير الى مدينة السلام ويسير هو اليها على طريق الأهواز فسار هرثمة حتى نزل طاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام وسار طاهر فافتتح الأهواز وواسط والمدائن واحتوى على الكوفة والبصرة ونزل بظاهر الجانب الغربي من مدينة السلام وذلك في سنة 196 فحاصرها وغادوهم القتال وراوحوهم وقد كان الحسين بن على بن عيسى بن ماهان قدم من الرقة قبل وصول طاهر وهرثمة مدينة السلام في جيش كثيف، وكان مع عبد الملك بن صالح ابن على بن عبد الله بن العباس، فلما مات عبد الملك سار الى مدينة السلام لثلاث خلون من رجب من هذه السنة فخلع محمدا ودعا الى المأمون، فأجابه الناس الى ذلك وسجن محمدا وأمه وولده في مدينة أبى جعفر، وطلب منه الجند أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم ومناهم قدوم هرثمة فأخرجوا محمدا بعد حبس يومين وأعادوه الى حاله وجددوا له البيعة يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من رجب من هذه السنة وجاءوه بالحسين بن على فصفح عنه وولاه امره ودفع اليه خاتمه فغدر وهرب يريد هرثمة فلحق فقتل على فرسخ من بغداد على طريق النهروان وأتى محمد برأسه ودخل هرثمة الجانب الشرقي وطاهر الجانب الغربي في المحرم سنة 198 وجد طاهر في القتال الى ان استولى على أكثر الجانب الغربي وحصر محمدا بمدينة أبى جعفر المنصور. فراسل الأمين هرثمة خفية في المصير اليه، وكان أوثق عنده من طاهر، فتأهب هرثمة لذلك، وصار في حراقة له إلى بعض الشارع، وركب معه الأمين وعلم طاهر بذلك، فوجه بعده من خاصته، فرجموا الحرافة، ونجا محمد الأمين سباحة الى الشط، وصار في يد بعض أصحاب طاهر، فقبض عليه، وعرف ظاهر

ذكر خلافة المأمون

خبره، فوجه من قتله، وجاءوه برأسه، فأنفذه الى المأمون الى خراسان. وكان مقتله ليلة الأحد لخمس ليال بقين من المحرم من هذه السنة، وهي سنة 198، وله ثلاث وثلاثون سنة. وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وعشرة أيام، وكان حسن الوجه، تام القامة، أبيض مسمنا، صغير العينين، بعيد ما بين المنكبين، شديدا في بدنه، باسطا يده بالعطاء، قبيح السيرة، ضعيف الرأى، سفاكا للدماء، يركب هواه ويهمل أمره، ويتكل في جليلات الخطوب على غيره، ويثق بمن لا ينصحه، واستوزر الفضل بن الربيع الى أن استتر الفضل لما تبين من اختلال أمر محمد، ووهاء أمره، فقام بوزارته من حضر من كتابه، كإسماعيل بن صبيح، وغلب عليه عدة من الأولياء، منهم محمد بن عيسى بن نهيك، والسندي بن شاهك، وسليمان بن أبى جعفر المنصور. وكان نقش خاتمه «نعم القادر الله» ، وقيل «سائل الله لا يخيب» ، وقضاته محمد بن سماعة، ومحمد بن حبيب، وإسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، وأبو البختري وهب بن وهب القرشي، وحاجبه العباس بن الفضل بن الربيع. ذكر خلافة المأمون وبويع المأمون عبد الله بن هارون، ويكنى أبا جعفر، وامه أم ولد باذغيسية تسمى مراجل- البيعة العامة بعد قتل المخلوع يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم سنة 198 وبايع للرضا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب بالعهد بعده، وأزال لبس السواد ولبس بدله الخضرة وأخذ الناس بذلك فاضطرب من بمدينة السلام من الهاشميين، وعظم ذلك على أهل بغداد عامة وعلى الهاشميين خاصة لزوال الملك عنهم ومصيره الى ولد أبى طالب

فأخرجوا الحسن بن سهل أخا ذي الرئاستين، وكان خليفة المأمون على العراق وبايعوا المنصور بن المهدي فلم يتم له أمر، وكان مضعفا فبايعوا أخاه إبراهيم ابن المهدي بالخلافة لخمس خلون من المحرم سنة 202 ودعي له على المنابر بمدينة السلام وغيرها فوجه الجيوش لمحاربة الحسن بن سهل وهو بناحية المدائن فكانت الحروب بينهم سجالا وسار المأمون عن مرو يريد بغداد ومعه على بن موسى الرضا وزيره القائم بدولته الفضل بن سهل ذو الرئاستين، وقتل الفضل بن سهل غيلة في حمام بسرخس يوم الاثنين لخمس خلون من شعبان من هذه السنة، فقتل الرضا في طوس في أول صفر سنة 203 ولما قرب المأمون من بغداد اضطرب على إبراهيم من كان يعتمد على نصرته، وقعد عنه أكثر من بايعه من الهاشميين وغيرهم فاستتر لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من هذه السنة، وقال معاتبا للعباسيين فلا جزيت بنو العباس خيرا ... على رغمى ولا اغتبطت بري أتونى مهطعين وقد أتاهم ... بوار الدهر بالخبر الجلي وقد ذهل الحواضن عن بنيها ... وصد الثدي عن فم الصبى وحل عصائب الاملاك منها ... فشدت في رقاب بنى على فضجت أن تشد على رءوس ... تطالبها بميراث النبي وكانت أيامه منذ بويع الى ان استتر سنة واحدى عشر شهرا وأياما، ودخل المأمون مدينة السلام يوم السبت لثمان عشرة ليلة خلت من صفر سنة 204 وأمر بإعادة لبس السواد وتخريق الخضرة بعد ثمانية أيام من قدومه ولم يزل إبراهيم مستقرا منتقلا بمدينة السلام الى أن ظفر به في استتاره ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 210 فعفا عنه المأمون واعتقل مديدة ثم

أطلقه ورد عليه نعمته، وإعادة الى رتبته وتوفى المأمون على عين البدندون من أرض الروم مما يلي طرسوس لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 218 وله تسعة وأربعون سنة ودفن بطرسوس فكانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر وثمانية عشر يوما، وكان أبيض يعلوه صفرة أجنى طويل اللحية ضيق الجبين كاملا عالما، جوادا، عظيم العفو، كريم المقدرة، ميمون النقيبة، حسن التدبير، جليل الصنائع، لا تخدعه الأماني، ولا تجوز عليه الخدائع، علمه بما بعد عنه من ملكه كعلمه بما حضره، وربما حرك منه الغضب فعجل بالعقوبة واستوزر الفضل بن سهل، ثم أخاه الحسن بن سهل. فلما أظهر العجز عن الخدمة لعوارض من العلل، ولزم منزله، عدل المأمون الى استكتاب كتاب لعلمه بكتابتهم وجزالتهم، وأنه ليس في عصرهم من يوازيهم ولا يدانيهم، فاستوزرهم واحدا بعد واحد أولهم أحمد بن أبى خالد الأحول. وكان ينوب عن الحسن بن سهل لما تخلف في منزله، فلما دعاه المأمون الى أن يستوزره قال «يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبين الناس منزلة يرجوني لها صديقي، ويخافني بها عدوى، فما بعد الغايات إلا الآفات» ثم أحمد بن يوسف، ثم أبا عباد ثابت بن يحيى، وعمرو ابن مسعدة بن صول. وكان يجرى مجراهم، ولا يعده كثير من الناس في الوزراء ثم استوزر بعد هؤلاء محمد بن يزداد بن سويد. وتوفى المأمون، وهو على وزارته، ولم يملك المأمون بعد الفضل بن سهل كتابه أمره لقيامه بالملك واضطلاعه به، ولم ير أحد أنه مفتقر الى وزير يشركه في تدبيره، ولم يكن يسمى بين يديه أحد من كتابه وزيرا، ولا يكاتب بذلك، فلأجل ذلك ترك كثير من الناس، أن يعد من ذكرنا في الوزراء، ورأيت من صنف كتابا

ذكر خلافة المعتصم

في أخبار الوزراء والكتاب، كأبى عبد الله محمد بن داود بن الجراح، ومحمد ابن يحيى الصولي الجليس، ومحمد بن عبدوس الجهشيارى، والمعروف بابن الماشطة الكاتب منهم من عدهم في الوزراء، ومنهم من لم يعدهم للسبب الّذي بينا. وكان نقش خاتمه «الله ثقة عبد الله، وبه يؤمن» وقاضيه محمد بن عمر الواقدي، ويحيى بن أكثم وحجابه شبيب بن حميد بن قحطبة، ثم على بن صالح صاحب المصلّى، ثم محمد بن حماد بن دنقش. ذكر خلافة المعتصم وبويع المعتصم محمد بن هارون الرشيد، ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد تسمى ماردة- في الوقت الّذي توفى فيه المأمون. وكان قدومه الى مدينة السلام، غرة شهر رمضان سنة 218، وبعث بالأفشين، وغيره من الأمراء، وقواد العساكر، لحرب بابك الخرمى بآذربيجان في سنة 220. وكان الفتح قد أسر بابك في شهر رمضان، وقيل شوال سنة 222، وحمل الى سرمن رأى، فقتل بها في صفر سنة 223. فكان من أدركه الإحصاء ممن قتله بابك في اثنتين وعشرين سنة، من جيوش المأمون والمعتصم من الأمراء والقواد وغيرهم من سائر طبقات الناس في في القول المقلل خمسمائة ألف، وقيل أكثر من ذلك، وأن الإحصاء لا يحيط به كثرة. وكان خروجه في سنة 200 في خلافة المأمون، وقيل سنة 201 بجبل البذين

من بلاد آذربيجان في الجاوذانية أصحاب جاوذان بن شهرك الخرمى صاحب بابك وغيرهم. قال المسعودي: وقد ذكرنا في كتابنا (في المقالات في أصول الديانات) وفي كتاب (سر الحياة) مذاهب الخرمية الكوذكية منهم والكوذشاهية وغيرهم ومن منهم بنواحي أصبهان والبرج وكرج أبى دلف والزّزّين ززّ معقل وززّ أبى دلف ورستاق الورسنجان وقسم وكوذشت من اعمال الصيمرة من مهرجان قذق وبلاد السيروان وأربوجان من بلاد ماسبذان وهمذان وماه الكوفة وماه البصرة وآذربيجان وأرمينية وقم وقاشان والري وخراسان وسائر أرض الأعاجم وغيرها وما بينهم من التنازع، وما بين الفريقين وبين الحمرة والمزدقية والماهانية وغيرهم من الخلاف، وما جرى لنا من المناظرات مع من شاهدنا منهم في هذه المواطن وما ينتظره الجميع في المستقبل من الزمان الآتي من عود الملك فيهم، ومن خلع في الإسلام منهم وظهر من عهد الهرمزان الّذي قتله عبيد الله بن عمر بن الخطاب عند وفاة أبيه عمر الى وقتنا هذا وغير ذلك، واستقصينا الكلام على هؤلاء وغيرهم من أصحاب الاثنين وجميع من قال بالقدم على تباينهم وسائر من خالف التوحيد وباين ملة الإسلام في كتاب (الابانة في أصول الديانة) وكتابنا هذا كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر وخرج المعتصم الى ارض الروم غازيا فافتتح انقرة ومدينة عمّورية في شهر رمضان سنة 223، وكان سخطه على الأفشين خيذر بن كاوس الأشروسني سنة 225 وتوفى المعتصم بسر من رأى الخميس يوم لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 227 وله ست وأربعون سنة وعشرة أشهر وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر ويومين، وكان اصهب ابيض حسن الجسم جميل

الوجه مربوعا، مشربا حمرة عريض الصدر، شديد البدن، طويل اللحية لم يشب، وكان الرجل الّذي لا يقاس به الرجال قوة بدن، وشدة بأس، وشجاعة قلب، وكرم أخلاق، آثر من استحدث من غلمانه الأتراك على المتقدمين من أوليائه ونصحاء آبائه وكان يسمى الخليفة المثمن، لأنه الثامن من خلفاء بنى العباس، وكان مولده سنة 178 وولى الخلافة سنة 218 وملك ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام وفي قول بعضهم انه مات عن ثمانية بنين، وثماني بنات وخلف في بيت المال ثمانية آلاف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم وكانت له ثمانية فتوح عظام منها أسر بابك والمازيار بن قارن صاحب جبال طبرستان، وقهره المحمرة من الخرمية، وكانوا مائتي ألف، قد غلبوا على بلاد الماهات والجبال، وعظمت شوكتهم، واشتد أمرهم، وأسره البوارج، وهي مراكب الهند. وكان فيها منهم عسكر عظيم، قد غلبوا على ساحل فارس وعمان وناحية البصرة، ثم إخلاؤه الزط عن البطائح، وما كانوا غلبوا عليه مما دون البصرة ومما بين البصرة وواسط، وقطعهم السبيل، وسفكهم الدماء. وكانوا خلقا عظيما كثيرا ناقلة عن ناحية الهند لغلاء وقع هناك، فتنقلوا في بلاد كرمان وفارس وكور الأهواز الى أن صاروا الى هذه المواضع، فسكنوها، وغلبوا عليها، وعظم أمرهم، واشتد بأسهم، فأنزلهم بلاد خانقين وجلولاء من طريق خراسان وبلاد عين زربة من الثغر الشأمى، ومذ يومئذ صارت الجواميس بالشأم ولم تكن تعرف هنالك. وقيل إن بدء الجواميس بالثغر الشأم وسواحل الشأم من جواميس كانت

لآل المهلب ببلاد البصرة والبطائح والطفوف، فلما قتل يزيد بن المهلب نقل يزيد بن عبد الملك بن مروان كثيرا منها إلى هذه النواحي، ثم قتله جعفر بن مهر جيش الكردي. وكان ذا عدة عظيمة بين الموصل وآذربيجان وارمينية، قد تغلب على البلاد وأخاف السبيل، وبسط يده في القتل. ثم هزيمة الأفشين لتوفي ملك الروم، ثم فتحه عمّورية، وأسره ياطس بطريقها وهي أعظم مدنهم بعد القسطنطينية، وقد أتينا على شرح هذه الحروب والوقائع في كتابنا (في اخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الاسم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة) واستوزر الفضل بن مروان، وكان كاتبه قبل الخلافة، ثم أحمد بن عمار ابن شاذى البصري، وقيل بل كان خاصا به يتولى عرض الكتب عليه، ولم يكن وزيرا، واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات. وكان نقش خاتمه «الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء» وقضاته جعفر بن عيسى الحسنى من ولد الحسن بن أبى الحسن البصري، وشعيب ابن سهل، ومحمد بن سماعة، وقاضى القضاة أحمد بن ابى دؤاد الأيادي. وكان يذهب في الفقه مذاهب البصريين، وهي طريقة الحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري، وعثمان البتي والأصم وغيرهم، وتخلفه أبو الوليد ابنه وحاجباه محمد بن حماد بن دنقش، وبغا الكبير. وهو أول خليفة من خلفاء بنى العباس انتقل عن مدينة السلام منذ بناها المنصور. وكان السبب في ذلك، أن أهلها كرهوه وتأذوا بجواره حين كثر عبيده الأتراك، وغيرهم من الأعاجم، لما كانوا يلقون منهم ومن غلظتهم، وربما وثبت العامة على بعضهم، فقتلوه لصدمهم إياهم في حال ركضهم، فأحب التنحي

بهم، والانفراد عن مدينة السلام، فخرج في آخر سنة 220 الى ناحية القاطول، فنزل قصرا كان للرشيد هنالك، وهمّ أن يبنى في ذلك الموضع مدينة، ثم بدا له ولم يزل ينتقل في تلك النواحي حتى وقع اختياره على موضع سامرا، وهو في بلاد كورة الطيرهان، فابتدأ ببنائها في سنة 221، وسماها سرمن رأى، وكملت في أسرع مدة وعظمت عمائرها، واتصلت أسواقها وقصورها، ونقلت اليها الدواوين والعمال وبيوت الأموال، وقصدها الناس لنزول الخليفة بها وطيبها وحسن موقعها وعمارتها وصنوف مكاسبهم. وقد ذكر أنها كانت قديمة مسماة بهذا الاسم، سميت بسام بن نوح، وأنها كانت آهلة عظيمة عامرة، فلم تزل تتناقص على مر الزمان وكان آخر خرابها في أيام فتنة الأمين والمأمون، وأن موضع قصر المعتصم، كان ديرا للنصارى وأراضى، فابتاعها منهم، وسرمن رأى آخر المدن العظيمة، التي أحدثت في الإسلام، وهي سبع ونحن ذاكروها في هذا الموضع لما تقتضيه الحال من ذكرها وحسن موقعها عند جمعها واتصال نظمها. فالأولى منها البصرة، وكان تمصير عتبة بن غزوان أحد بنى مازن بن منصور إخوة سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر البصرة في المحرم سنة 17 للهجرة، وبنى مسجدها. ومن الناس من يرى أنها مصرت في أحد شهري ربيع سنة 16، وأن عتبة ابن غزوان، إنما خرج إليها من المدائن بعد فراغ سعد بن أبى وقاص من حرب الفرس بجلولاء الوقيعة، وأن عتبة قدم البصرة وهي يومئذ تدعى أرض الهند فيها أحجار بيض فنزل موضع الخريبة وذهب أبو مخنف لوط بن يحيى الغامدي، وأبو الحسن على بن محمد المدائني والهيثم بن عدي وغيرهم، إلى أن نزول عتبة بن غزوان موضع البصرة كان في

سنة 14. وأن عمر كان أنفذ عتبة إلى ما هنالك، لقطع مواد الفرس عن المدائن وما حولها. قال المسعودي: ومن هاهنا أغفل من ذهب إلى أن البصرة مصرت في هذه السنة. والثانية الكوفة، تنوزع في تمصير سعد بن أبى وقاص الكوفة، فمنهم من قال كان ذلك في سنة 17 أيضا، والى هذا ذهب الواقدي في آخرين، وذهب آخرون إلى أنها مصرت سنة 15. وأن عبد المسيح بن بقيلة الغساني دل سعدا على موضعها، وقال أدلك على أرض ارتفعت عن البق وانحدرت عن الفلاة. ولا خلاف بينهم جميعا أن البصرة والكوفة بنيتا بعد فتح المدائن، دار مملكة فارس، وخروج الملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز عنها الى حلوان ووقعة جلولاء الوقيعة. والثالثة فسطاط مصر، كان تمصير عمرو بن العاص فسطاط مصر سنة 20 وكان مسيره اليها وحروبه مع أهلها سنة 19 على ما في ذلك من التنازع. كذلك ذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه في فتوح البلدان، وأن اسم الحصن الّذي كان قتالهم عليه وهو وسط مدينة الفسطاط، واليوم يعرف بقصر الشمع بابليون وقيل أليونة، فسماها المسلمون فسطاطا لأنهم قالوا هذا فسطاط القوم ومجمعهم وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري في كتابه في فتوح مصر والاسكندرية والمغرب والأندلس وأخبارها، أن عمرا أقام محاصرا لهم سبعة أشهر إلى أن افتتحها، وسار الى الاسكندرية، فلما فرغ من فتحها، ورأى منازلها وأبنيتها مفروغا منها همّ أن يسكنها، وقال «مساكن قد كفيناها»

فكتب الى عمر يستأذنه في ذلك، فسأل عمر الرسول «هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟» قال نعم يا أمير المؤمنين النيل، فكتب عمر الى عمرو «إني لا أحب أن ينزل المسلمون منزلا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف» فتحول عمرو من الاسكندرية الى الفسطاط. قال عبد الرحمن وغيره، وإنما سميت الفسطاط لأن عمرو بن العاص لما أراد التوجه الى الاسكندرية لقتال من بها من الروم أمر بنزع فسطاط، فإذا فيه يمام قد فرخ فقال عمرو لقد تحرم بمتحرم، فأمر به فأقر كما هو، وأوصى به صاحب قصر الشمع فلما قفل المسلمون من الاسكندرية قالوا أين ننزل، فقال بعضهم الفسطاط لفسطاط عمرو الّذي كان خلفه، فنزلوا ووضعوا أيديهم في البناء، ولم يزل عمرو قائما حتى وضعوا قبلة المسجد والرابعة الرملة لما ولى الوليد بن عبد الملك أخاه سليمان جند فلسطين نزل لدّ، ثم أحدث مدينة الرملة ومصرها. وكان أول ما بنى قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين الى هذا الوقت وأذن للناس فبنوا واحتفر لهم القناة التي تدعى بردة، وآبارا كثيرة، واخنط للمسجد خطة وبناه، فولى الأمر قبل استتمامه، وبنى قبة في أيامه وأتمه عمر ابن عبد العزيز بعده غير انه نقص من الخطة، وقال «أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت عليه» كذلك ذكر أحمد بن يحيى البلاذري. والخامسة واسط العراق، كان بناء الحجاج مدينة واسط العراق سنة 83 أو 84 فيما ذكر احمد بن يحيى وبنى مسجدها وقصرها والقبة الخضراء بها وكانت أرض قصب، فلذلك سميت واسط القصب، وبينها وبين البصرة والكوفة والأهواز وبغداد مقدار واحد، وهو خمسون فرسخا

ذكر خلافة الواثق

والسادسة مدينة السلام كان ابتداء ابى جعفر المنصور ببناء مدينته المنسوبة اليه في الجانب الغربي من بغداد سنة 145 وكان هناك دير عادى مما يلي الصراة وباغ وهو البستان بالفارسية فقيل بغداد لأجل ذلك وقيل إنه كان موضع صنم يقال له باغ، قبل ظهور المجوسية وغلبة فارس على هذا الصقع، والأول أشهر، كذلك ذكر ابن أبى طاهر في كتابه في أخبار بغداد، وغيره من المصنفين فلما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب بالمدينة وأخوه إبراهيم بالبصرة شخص المنصور الى الكوفة ولم يزل مقيما بها إلى أن قتلا فعاد الى بغداد سنة 146 واستتم بناءها، وسماها مدينة السلام، وحول بيوت الأموال والدواوين إليها ثم بنى للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي من بغداد، وكان هذا الجانب يدعى عسكر المهدي لمعسكره فيه عند شخوصه إلى الري، فلما عاد نزل الرصافة سنة 151 واتصلت الأبنية في الجانبين جميعا، ويسمى الجانب الغربي من بغداد الزوراء، لازورار الناس في قبلتهم، والجانب الشرقي الروحاء الى وقتنا هذا والسابعة سرمن رأى، على ما قدمنا ذكر خلافة الواثق وبويع الواثق هارون بن محمد المعتصم، ويكنى أبا جعفر، وأمه أم ولد تسمى قراطيس- في الوقت الّذي توفى فيه المعتصم، وهو يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 227 وتوفى بسر من رأى يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة 232 وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام

ذكر خلافة المتوكل

وكان أبيض مشربا حمرة، حسن الجسم، عريض الصدر، كث اللحية في عينية نكتة بياض، يذهب في كثير من أموره مذاهب المأمون، شغل نفسه بمحنة الناس في الدين فأفسد قلوبهم، وأوجدهم السبيل إلى الطعن عليه وكان وزيره محمد بن عبد الملك الزيات على ما كان عليه في أيام المعتصم ونقش خاتمه «الله ثقة الواثق» وقاضيه أحمد بن ابى دؤاد، وحجابه حماد بن ونقش، وإيتاخ، ووصيف ذكر خلافة المتوكل وبويع المتوكل جعفر بن محمد المعتصم، ويكنى أبا الفضل، وامه أم ولد طخارستانية تسمى شجاع- في اليوم الّذي توفى فيه الواثق وبايع لبنيه الثلاثة بولاية العهد بعده: المنتصر، وابى عبد الله المعتز، وإبراهيم المؤيد. وجفا الموالي من الأتراك واطرحهم، وحط مراتبهم، وعمل على الاستبداد بهم والاستظهار عليهم. وضم إلى وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان نحوا من اثنى عشر الفا من العرب والصعاليك وغيرهم برسم المعتز، وكان في حجره وضاق عليهم المال بشركة هؤلاء معهم فيه، وجعل يجيل الآراء في استئصالهم، ونال ابنه محمدا بأنواع الذلة والهوان، فأجمع على قتله، فواطأ وصيفا وبغا وغيرهم من الموالي على الفتك به، فأعدوا لذلك عدة من أصاغر الموالي منهم باغر وغيره فقتلوه بمدينته المسماة الجعفرية من سرمن رأى ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247، وله احدى وأربعون سنة، وكانت خلافته اربع عشرة سنة وتسعة أشهر، وتسعة أيام وكان أسمر رقيق البشرة، يضرب لونه الى الصفرة حسن الوجه، خفيف

ذكر خلافة المنتصر محمد

العارضين، كبير العينين، وكان وسيما مهيبا الى الغاية، رفع المحنة، ومنع الجدل في الدين، وصفت له الدنيا فنال منها أعظم الحظ على إيثاره الهزل والمضاحك والأمور التي تشين الملوك واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات نحوا من أربعين يوما من خلافته، ثم قتله واستوزر محمد بن الفضل الجرجرائى، ثم استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان المروزي، ووزر وأبوه يحيى بن خاقان حي وكان نقش خاتمه «جعفر على الله يتوكل» وعلى قضائه يحيى بن أكثم، وجعفر بن محمد البرجمي، وعلى حجابته وصيف، وبغا، وزرافة ذكر خلافة المنتصر محمد وبويع المنتصر محمد بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا جعفر، وامه أم ولد رومية تسمى حبشية- صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل وتوفى بسر من رأى، لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة 248 وله ثمان وعشرون سنة مسموما فيما قيل، وأن الموالي لما علموا سوء نيته فيهم، وانه على التدبير عليهم بادروه بذلك، فكانت خلافته ستة أشهر ويوما وكان مربوعا، حسن الوجه، أسمر مسمنا، ذا شهامة ومعرفة وإمساك للمال، وحفظ له حتى أنكر الناس عليه البخل، وشدة المنع واستوزر احمد بن الخصيب الى ان مات، وكان نقش خاتمه «محمد باللَّه ينتصر» وقاضيه جعفر بن محمد، وقيل جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وحاجباه وصيف، وبغا

ذكر خلافة المستعين

ذكر خلافة المستعين وبويع المستعين احمد بن محمد بن محمد المعتصم، ويكنى أبا عبد الله، وأمه أم ولد يقال لها مخارق- في اليوم الّذي توفى فيه المنتصر، وغلب على التدبير والأمر والنهي، أو تامش ابن أخت بغا الكبير، وكاتبه شجاع بن القاسم الى أن شغب الموالي فقتلوه، وكاتبه للنصف من شهر ربيع الأول سنة 249 ولم يزل مقيما بسر من رأى إلى أن قتل وصيف وبغا باغر التركي أحد المتقدمين في قتل المتوكل، فشغب الموالي وتحزبوا، فانحدر ومعه وصيف وبغا إلى مدينة السلام لثلاث خلون من المحرم سنة 251 وبايع الأتراك بسر من رأى أبا عبد الله المعتز لحرب من بمدينة السلام، فكانت الحروب بينهم سنة إلا أياما يسيرة والقيم بأمر المستعين محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أن خلع المستعين نفسه، وسلّم الخلافة الى المعتز لليلتين خلتا من المحرم سنة 252، وقتل بقادسية سرمن رأى يوم الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال في هذه السنة، وهو ابن خمس وثلاثين سنة فكانت خلافته منذ بويع الى أن خلع ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية وعشرين يوما، ومنذ خلع الى أن قتل تسعة أشهر. وكان مسمنا، حسن الوجه، أسود اللحية، لين الجانب منقادا لاتباع مهملات الأمور، شديد الخوف على نفسه، فأداء خوفه، وقلة أمنه الى الهرب عن دار ملكه، وقرار عزه، وأدبرت الأمور عنه. واستوزر أحمد بن الخصيب ثم سخط عليه فكانت الوزارة مرسومة بأوتامش التركي، وكاتبه شجاع بن القاسم يدبر الأمور، ثم استوزر بعد قتل أوتامش وشجاع، أحمد بن صالح بن شيرزاد

ذكر خلافة المعتز

وكان نقش خاتمه في الفص المعروف بالجبل «أحمد بن محمد» وقاضيه الحسن بن أبى الشوارب الأموي، وحاجباه وصيف وبغا. ذكر خلافة المعتز وبويع المعتز الزبير بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا عبد الله، وأمه أم ولد رومية تسمي قبيحة- البيعة العامة يوم الخميس لثلاث ليال خلون من المحرم سنة 252 بعد خلع المستعين نفسه. وصار اليه وصيف وبغا، فردهما الى مراتبهما، ولم يزل بعمل في الحيلة عليهما الى أن شغب الموالي فقتلوا وصيفا يوم الجمعة سلخ شوال سنة 253. ثم ركب المعتز في بعض الليالي، وقد بلغته عن بغاغرة ليوقع به، فهرب بغا الى نواحي الموصل، ثم عاد مختفيا في زورق صغير منحدرا في دجلة لتدبير يوقعه على المعتز فعلم فظفر به بجسر سرمن رأى، وعرف المعتز خبره فأمر بقتله فقتل سلخ ذي القعدة سنة 254 وحمل رأسه إليه، فغلب على الأمر وتفرد بالتدبير صالح بن وصيف، وكانت نيته للمعتز فاسدة، وبلغ صالحا التدبير عليه فقبض عليه وخلع لثلاث ليال بقين في رجب سنة 255 وقتل بسر من رأى لثلاث خلون من شعبان من هذه السنة، وله اربع وعشرون سنة، وكانت خلافته منذ خلع المستعين إلى أن خلع هو ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما وكان أبيض حسن الوجه، اسود الشعر، حسن العينين، لم ير في الخلفاء مثله جمالا، يؤثر اللذات، ويعدم الرأى، تدبره امه قبيحة وغيرها وغلب على أموره وقهر في سلطانه، واستوزر جعفر بن محمود الإسكافي ثم عيسى بن فرّخان شاه، ثم احمد بن إسرائيل

ذكر خلافة المهتدي محمد بن هارون

وكانت الكتب تخرج باسم صالح بن وصيف، كأنه مرسوم بالوزارة لغلبته على الأمر، وكان نقش خاتمه «المعتز باللَّه» وقاضيه الحسن بن أبى الشوارب الأموي، وعلى حجبته صالح بن وصيف، وبايكباك ذكر خلافة المهتدي محمد بن هارون وبويع المهتدي محمد بن هارون الواثق ويكنى أبا عبد الله وامه أم ولد رومية تسمى قرب- يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من رجب سنة 255، والغالب على الأمر والقيم بالتدبير صالح بن وصيف إلى أن قدم موسى بن بغا الكبير من الري- وكان هناك عاملا- منكرا ما جرى على المعتز وكتب اليه المهتدي في الرجوع من حيث أقبل، ووجه اليه رسلا في ذلك فأبى، وكانت موافاته سرمن رأى في المحرم سنة 256 ولما قرب منها اختفى صالح بن وصيف، وأطلق المهتدي لسانه في موسى بن بغا، ونسه الى المعصية لمجيئه بغير اذن، الى أن أخذ كل واحد منها على صاحبه الأيمان والمواثيق بالوفاء والمناصحة، وطلب صالحا طلبا حثيثا فظفر به، وقتل لثمان بقين من صفر من هذه السنة، وغلظ أمر مساور بن عبد الحميد الشاري مولى بجيلة ببلاد الموصل، وشهرزور والجبال وغيرها من البلاد، فتجهز موسى بن بغا للخروج اليه، ومعه بايكباك في جيش عظيم فخرجا اليه فلقياه وهزماه وقتلا من أصحابه جمعا فكتب المهتدي الى بايكباك بالفتك بموسى، وتسلّم العسكر، فاطلع بايكباك موسى على الكتاب، وسار الى سرمن رأى، لمواقفة المهتدي على كتابه، فلما حصل عند، قبض عليه، وشغب أصحابه فرمى اليهم برأسه، وذلك في رجب من هذه السنة وخرج ابو نصر بن بغا أخو موسى فخرج فعسكر بخارج سرمن رأى في

ذكر خلافة المعتمد

جمع من الموالي، فوجه اليه المهتدي فأعطاه الأمان، فلما صار اليه قتله، فتنكر له الموالي وشغبوا عليه، فخرج لحربهم في المغاربة والفراعنة والأشروسنية واستنصر بالعامة فهزموه وأسر وبه ضربات مثخنة وقتل بسر من رأى لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256 وله أربعون سنة واربعة أشهر، وكانت خلافته أحد عشر شهرا وثمانية عشر يوما، وكان مربوعا، حسن الجسم، رحب الجبهة، أشهل العينين، عظيم البطن، طويل اللحية، اجلح وكان ورعا، كاد ان يكون في بنى العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بنى أمية هديا وفضلا وقصدا ودينا فصادف أقواما لا يجوز عندهم أخلاق الدين ولا يريدون الا أمر الدنيا، فسفكوا دمه، وتشتت أمورهم بعده واستوزر في أيامه على قصرها جماعة كل سلّم عليه بالوزارة منهم جعفر بن محمود الإسكافي، ومحمد بن احمد بن عمار، وسليمان بن وهب، وكان نقش خاتمه «محمد أمير المؤمنين» وقاضيه الحسن بن محمد بن أبى الشوارب، وحجابه صالح ابن وصيف، ثم موسى بن بغا، وعبد الله بن دكين ذكر خلافة المعتمد وبويع المعتمد احمد بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا العباس، وامه أم ولد تسمى فتيان- يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256 فأهمل أمور رعيته وتشاغل بلهوه ولذاته حتى أشفى الملك على الذهاب، فغلب على أمره وتدبير ملكه وسياسة سلطانه اخوه ابو احمد الموفق طلحة بن جعفر المتوكل، ويسمى بالناصر لدين الله وصيره كالمحجور عليه ولا امر ينفذ له ولا نهى، فقام بأمر الملك أحسن قيام، وقمع من قرب من الأعداء، واستصلح من نأى، على كثير ما كان يلقى من

اعتراض الموالي وسوء طاعتهم وتشغبهم، فلم تزل أمور الموفق جارية على ذلك الى ان توفى بمدينة السلام في صفر سنة 278 قال المسعودي: وكان خروج المعتمد من سرمن رأى الى مدينة السلام يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة 262 في جيوشه للقاء الصفار فاجتاز بها وصار الى الموضع المعروف باضطربذ بين السيب ودير العاقول من شاطئ دجلة فكانت الوقعة هناك مع يعقوب بن الليث الصفار يوم الأحد لسبع خلون من رجب من هذه السنة، فهزم الصفار واستبيحت عساكره، وعاد المعتمد الى سرمن رأى في شعبان من هذه السنة، وسار الصفار الى جنديسابور من كور الأهواز، فتوفى بها في شوال سنة 265 وكان مقتل على بن محمد صاحب الزنج، المنتمي الى آل ابى طالب في صفر سنة 270 وكان ظهوره بالموضع المعروف ببرنخل ناحية المفتح من اعمال البصرة للنصف من شوال سنة 254 في خلافة المهتدي وغلب على البصرة، وأكثر كور الأهواز وما بلى أرجان من ارض فارس وواسط الى الموضع المعروف بالنعمانيّة وجرجرايا من شاطئ دجلة الى الطفوف ونواحي الكوفة، وغير ذلك من النواحي، وكانت أيامه مذنجم الى ان قتل اربع عشرة سنة واربعة أشهر وتنوزع في عدة من قتل من أصحاب السلطان وغيرهم من الرجال والنساء والصبيان بالسيف والحرق والغرق والجوع، فمنهم من يقول ان ذلك ألف ألف وأكثرهم يرى ان ذلك لا يحيط به الإحصاء، ولا يحصره العدد كثرة وعظما، وادخل رأسه بغداد بين يدي المعتضد، وقد زينت له الطرق وعقدت له القباب، يوم الاثنين لأربع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة 270 وتوفى المعتمد ببغداد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 وله خمسون سنة وأشهر، وقيل ثمان وأربعون سنة، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين

ذكر خلافة المعتضد

سنة وثلاثة أيام. وكان حسن الجسم، كبير العينين طويلا جسيما، طويل اللحية، عظيم الهامة وولى الخلافة على وجل من أوليائه وحذر من مواليه فرد الأمور اليهم حتى قام بالإمرة اخوه ابو احمد الموفق على ما قدمنا، واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان، ثم الحسن بن مخلد بن الجراح، ثم سليمان بن وهب، ثم الحسن بن مخلد ثانية، ثم ابا الصقر إسماعيل بن بلبل، ثم الحسن بن مخلد ثالثة، ثم ابا بكر بن صالح ابن شيرزاد، ثم إسماعيل بن بلبل ثانية وكان نقش خاتمه «المعتمد على الله يعتمد» وقاضيه الحسن بن محمد بن أبى الشوارب، ثم اخوه على بن محمد، وحجبته يارجوخ التركي، وكيغلغ، وحسنج وهو الحسن بن ترتنك، وخطارمش، وبكتمر ذكر خلافة المعتضد بويع المعتضد احمد بن طلحة الموفق ويكنى ابا العباس وامه أم ولد تسمى حقير- يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 وتوفى بمدينة السلام ليلة الأحد وقيل الثلاثاء لثمان بقين وقيل لست ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289 وله سبع وأربعون سنة فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما وكان نحيفا ربعة من الرجال حسن اللحية خفيف العارضين يخضب بالسواد سريع النهضة عند الحادثة قليل الفتور، يتفرد بالأمور ويمضى تدبيره بغير توقف، ولى الأمر بضبط وحركة وتجربة، وكف من كان يتوثب ويتشغب من الموالي واستوزر بعد القبض على الوزير إسماعيل بن بلبل، عبيد الله بن سليمان بن

ذكر خلافة المكتفي

وهب، ثم القاسم بن عبيد الله وكان نقش خاتمه «الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء» وقاضيه ابو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد مولى الجهاضم من الأزد، وكان مالكي المذهب، ثم يوسف بن يعقوب، وهو ابن عم إسماعيل وابو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنيفي البصري على قضاء الشرقية. وحاجبه صالح الأمين، ثم خفيف السمرقندي. ولم يل الخلافة من بنى العباس بعد السفاح والمنصور الى وقتنا هذا من لم يكن أبوه خليفة الا المستعين والمعتضد ذكر خلافة المكتفي وبويع المكتفي على بن احمد المعتضد، ويكنى أبا محمد وأمه أم ولد يقال لها خاضع وتلقب جيجق في الوقت الّذي توفى فيه المعتضد، وتوفى بمدينة السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295 وله احدى وثلاثون سنة وستة أشهر، وقيل أكثر من ذلك، وكانت خلافته ست سنين وتسعة عشر يوما وكان دقيقا أسمر اللون أعين قصيرا حسن الشعر واللحية كبيرهما، حسن الوجه والبدن، أفضى الأمر اليه بعد توطئة أبيه الأمور له، فبلى بكثرة الفتوق عليه واضطراب الاطراف. وكان ماله جما، وجيوشه كثيفة، فقام بتلك الأمور مقتفيا فعال أبيه، محتذيا طرائقه، ولم يكن ممن يوصف بشجاعة ولا جبن واستوزر القاسم بن عبيد الله على ما كان عليه في أيام المعتضد، ثم العباس بن الحسن، وزر وأبوه الحسن بن أيوب بن سليمان حي وكان نقش خاتمه كنقش خاتم أبيه المعتضد «الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء

وهو خالق كل شيء» وعلى قضائه يوسف بن يعقوب وابنه محمد بن يوسف، وابو خازم، ثم صير مكانه عبد الله بن على بن أبى الشوارب الأموي، وحاجبه خفيف السمرقندي، ثم سوسن مولاه ومما كان في أيام المكتفي من الحوادث العظيمة التي يجب ذكرها خروج القرمطى صاحب الشأم المكنى أبا القاسم، المنتمي الى آل ابى طالب، وليس منهم في قبائل الكلبيين مما يلي السماوة سنة 289 وسار الى ناحية الرقة من بلاد مضر فلقيه سبك الديلميّ عاملها فاصطلمه القرمطى، ومن معه من الجنود، وسار الى نواحي دمشتى فلقيه طغج بن جف الفرغاني عامل دمشق وحمص والأردن لهارون بن خمارويه بن احمد بن طولون صاحب مصر والشأم بالموضع المعروف بوادي القردان والأفاعي من اعمال دمشق سلخ رجب سنة 289 وأول ... ان معه من القواد ... لموضع المعروف بالكده ... ن من شهر ربيع الأول سنة 290 فهزمه أيضا قتل خلقا من أصحابه، وحصره بدمشق ثلاثة أشهر وعشرين يوما يقاتله أشد قتال والحرب بينهما سجال وتقرمط أكثر من حول دمشق من الغوطة وغيرها وعاضدوه فوافت عساكر المصريين وانضم اليه طغج فواقعوه بالموضع المعروف بكناكر وكوكبا على يوم من دمشق غرة رجب من هذه السنة، فقتل القرمطى في المعركة وانهزم المصريون بعقب ذلك. فيايع القرامطة إخاله يكنى أبا الحسن، وعاودوا حصار دمشق، يغادون أهلها القتال، ويراوحونهم. وقد أسلمه سلطانهم، وخرج منهم، ورحل القرمطى عنهم الى حمص يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب من هذه السنة. فأقام بها، ووجه الى مدينة بعلبكّ من أعمال دمشق. فأباد أهلها، فنهض

المكتفي حينئذ عن مدينة السلام في عساكره، وقدم أبا الأغر خليفة بن المبارك ابن خليفة السلمي أمامه، فنزل أبو الأغر بظاهر مدينة حلب. ووجه القرمطى سرية كبسته، فأتت على أكثر من كان معه، وذلك لعشر بقين من شهر رمضان من هذه السنة. واجتاحت ما بين حمص وحلب وانطاكية ... المكتفي، وانهض الجيوش ... بنواحي البر مما يلي شيزر ... من المحرم سنة أ ... من أصحابه، وأسر جمع كثير، ووقع بين من بقي منهم تحزب، ففارقهم القرمطى مختفيا، وعمل بالمصير الى ناحية الكوفة، فظفر به والى الدالية من أعمال الرحبة، وسقى الفرات ومعه أربعة نفر أو خمسة. فقبض عليه وحمل الى المكتفي بالرقة، فأدخل يوم الاثنين لأربع ليال بقين من المحرم من هذه السنة. ثم دخل المكتفي مدينة السلام في أحسن زي وأكمل عدة، والقرمطى ومن أسر من أصحابه بين يديه يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول من هذه السنة. ودخل بعده محمد بن سليمان في بقية الجنود، ومعه جمع من الأسارى من أصحاب القرمطى ممن تتبع بالشأم. ثم قتل القرمطى وأصحابه بالدكة التي بنيت لهم في المصلّى العتيق ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام لسبع بقين من شهر ربيع الأول من هذه السنة. فكان ذلك من أجل الفتوح وأعمها سرورا بخواص الناس وعوامهم، لما أبادوا من الخلق. وكان ظهوره بالشأم، وما أباد من عساكر الطولونية، سبب خروج محمد بن سليمان الى مصر، وفتحه إياها وتشتيت أمر آل طولون وانحلال دولتهم وزوال

مدتهم، وكان دخوله إياها يوم الخميس مستهل شهر ربيع الأول سنة 292 فكانت مدة دولة بنى طولون سبعا وأربعين سنة وخمسة أشهر وسبعة أيام. ثم خرج قرمطى آخر، يكنى أبا غانم في جمع من كلب أيضا بنواحي الشأم في سنة 293. وقوى أمره وكثر اتباعه، وصار الى نواحي أذرعات وبصرى من حوران والبثنية من أعمال دمشق. وعاث وقتل وسبى وصار الى مدينة طبرية من بلاد الأردن، فدخلها بالسيف، وقتل أميرها جعفر بن ناعم، وكثيرا من الجند والعوام فجرد السلطان للقائه الحسين بن حمدان التغلبي، فلقيه بالموضع المعروف بخندف من أعمال دمشق. فجرت بينهما وقعة تكافئا فيها، ثم كانت للحسين عليهم، فانكشف القرمطى منهزمها في البرية، وذلك في شعبان من هذه السنة، وفي ذلك يقول بعض بنى كلاب، لولا حسين يوم وادي خندف ... وخيله ورجله لم تشتف نفس أمير المؤمنين المكتفي في كلمة له طويلة يصف صاحب هذه الوقعة، وما كان فيها، وأفعال القرامطة بالشأم وسار القرمطى الى هيت، فقتل من أهلها وضربها بالنار، وارتحل عنها متوجها الى ناحية البر. وأنفذ المكتفي عدة قواد لطلبه منهم محمد بن إسحاق بن كنداجيق، ومؤنس الخازن المعروف بالفحل، وغيرهما، فاختلفت كلمة من كان معه من الكلبيين وخافوا الفناء لاحاطة العسكر بهم.

فقتله بعضهم غيلة ودفن ليلا، وتفرق من كان معه، وتفرق من كان معه، وصار بعض زعماء كلب ويكنى أبا الذئب برأس القرمطى وكفيه، الى محمد بن إسحاق بن كنداجيق فأنفذه بما معه الى الحضرة، وأظهر الرأس بها يوم الأربعاء لخمس خلون من شوال من هذه السنة. وكان خروج ذكرويه بن مهرويه في الكلبيين، وغيرهم في هذه السنة أيضا، وهي سنة 293. وكان من أهل الموضع المعروف بالصوأر على أربعة أميال من القادسية عرضا في البر. وقيل إنه أبو من قدمنا ذكره من القرامطة الناجمين بالشأم، وقيل كان قبل خروج عبدان صاحب دعوة القرامطة بسواد الكوفة، وصار الى مصلى الكوفة في يوم النحر من هذه السنة. وعليها إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن عمران، فقتل من أصحاب السلطان وغيرهم جماعة، وأثاب أصحاب السلطان والرعية فكشفوهم، واستمد إسحاق ابن عمران السلطان، فسار إلى الكوفة رائق المعتضدي، ومعه بشر الأفشيني وجنى الصفواني الخادمان فلقوه بالقرب من الصوأر، فكانت عليهم، وأتى على أكثر الجيش، وذلك في آخر ذي الحجة من هذه السنة. وتلقى الحاج مرجعهم، فكان أول من لقي منهم قافلة الخراسانية، وكانت عظيمة بالمنزل المعروف بواقصة، فأتى عليهم. ثم سار إلى المنزل الثاني من هذا المنزل، وهو المنزل المعروف بالعقبة، فأوقع بقافلة السلطان، وعليها مبارك القمي وأبو العشائر أحمد بن نصر العقيلي، وقد كان ولى الثغور الشأمية، فقتلهما وسائر من كان معهما من الأولياء والرعية، ثم لقي قافلة السلطان الثالثة التي فيها الشمسية في الموضع المعروف بالطليح من الهبير،

ذكر خلافة المقتدر

وذلك بين الثعلبية والشقوق في الرمل، فأتى على من كان فيها من الأمراء كنفيس المولدى وأحمد بن سيما وغيرهما من القواد والأولياء وسائر أصناف الناس من سائر الأمصار. وكان عدة من قتل في هذه القافلة الاخيرة أكثر من خمسين ألفا دون من قتل قبلها من أهل القوافل. وسار وصيف بن صوارتكين الخزري، والقاسم بن سيما عن القادسية، لطلبه في جيش كثيف من بنى شيبان، وغيرهم من الأولياء. فالتقوا بين الكوفة والبصرة على الماء المعروف باوم، يوم الأحد لست ليال بقين من شهر ربيع الأول سنة 294 فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم أصحاب ذكرويه، وأخذهم السيف وأسر وبه ضربات، فمات من الغد، وأدخل إلى مدينة السلام ميتا، قد شد على جمل، ومن أسر معه من أصحابه، ورءوس من قتل منهم يوم الاثنين، لتسع خلون من شهر ربيع الأول من هذه السنة. ذكر خلافة المقتدر وبويع المقتدر جعفر بن أحمد المعتضد، ويكنى أبا الفضل، وقيل إن اسمه إسحاق، وإنه إنما اشتهر بجعفر لشبهة بالمتوكل، وأمه أم ولد رومية، تسمى شغب- يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295 ولأربعة أشهر من خلافته أجمع جماعة من قواده وكتابه، فيهم الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي ووصيف بن صوارتكين الخزري، ومحمد بن داود بن الجراح، وعلى بن عيسى وغيرهم من رؤساء الأجناد، ووجوه

الكتاب على خلعه، والبيعة لعبد الله بن المعتز. ففتك الحسين بن حمدان بالعباس بن الحسن، وقتل معه فاتك المعتضدي لمنعه عنه، وخلعوا المقتدر، وبايعوا ابن المعتز، يوم السبت للنصف من شهر ربيع الأول سنة 296، وأقاموا على ذلك يوما وليلة، ولم يزل المقتدر عن سرير ملكه، ولا أخرج من دار الخلافة. ثم أناب عدة من خواص الغلمان، فحاربوا شيعة ابن المعتز، فشتتوهم وهربوا على وجوههم، وقتل منهم جمع كثير، وقبض على ابن المعتز، فقتل. وصفا الأمر للمقتدر، ثم خلع بعد ذلك، وأزيل عن سرير ملكه، وأخرج عن دار الخلافة للنصف من المحرم سنة 317. وبويع أخوه القاهر، وجلس على سرير الملك، وسلم عليه بالخلافة. وكان من الذين سعوا في خلعه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون ونازوك المعتضدي، وغيرهما من رؤساء القواد، ووجوه الأجناد، وأدخلوا معهم في الأمر مؤنسا الخادم المظفر على كره منه، ثم أناب عدة من الرجال، ففتكوا بنازوك في الدار، ونادوا باسم المقتدر، وقتل أبو الهيجاء، وتبايع أشياع المقتدر وخواصه، فأعيد إلى سرير ملكه، وجددت له البيعة، وصفا له الأمر، وذلك في يوم الاثنين، لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم من هذه السنة. ثم فسدت الحال بينه وبين مؤنس الخادم، فخرج مؤنس الى الموصل، ولحقه أكثر الجيش، فعاد الى مدينة السلام. وخرج المقتدر فيمن بايعه من الجيوش للقائه، فقتل بظاهر مدينة السلام، مما يلي الشماسية، يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من شوال سنة 320، وله ثمان وثلاثون سنة وشهر وسبعة عشر يوما.

وكان ربع القامة الى القصر ما هو، دري اللون، صغير العينين، أحور حسن الوجه واللحية أصهبها، أفضت الخلافة اليه، وهو صفير، غرّ ترف، لم يعان الأمور، ولا وقف على أحوال الملك. فكان الأمراء والوزراء والكتاب، يدبرون الأمور، ليس له في ذلك حل ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة وغلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأداه ذلك الى سفك دمه، واضطربت الأمور بعده، وزال كثير من رسوم الخلافة. قال المسعودي: ولم يتقلد الخلافة من أمية وبنى العباس الى وقتنا هذا وهو سنة 345 في خلافة المطيع من اسمه جعفر إلا جعفر المتوكل وجعفر المقتدر، وكان مقتلهما جميعا في شوال قتل المتوكل على ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247 ولم يهج لأجل ذلك فتنة ولا شهر لأجله سيف وقتل المقتدر بين خاصة وضائعه دون سائر من كان معه يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال على ما ذكرنا وتولى قتل المقتدر موالي أبيه المعتضد وكانت فيه وفي أيامه أمور لم يكن مثلها في الإسلام منها أنه ولى الخلافة، ولم يل أحد قبله من الخلفاء وملوك الإسلام في مثل سنه، لأن الأمر افضى اليه وله ثلاث عشرة سنة وشهران وثلاثة أيام ومنها انه ملك خمسا وعشرين سنة إلا خمسة عشر يوما، ولم يملك هذا أحد من الخلفاء وملوك الإسلام قبله ومنها انه استوزر اثنى عشر وزيرا فيهم من وزر له المرتين والثلاث، ولم يعرف فيما قبله انه استوزر هذه العدة ومنها غلبة النساء على الملك والتدبير حتى أن جارية لأمه تعرف بثمل القهرمانة كانت تجلس للنظر في مظالم الخاصة والعامة ويحضرها الوزير والكاتب والقضاة،

وأهل العلم ومنها ان الحج بطل فلم يحج في سنة 317 لدخول ابى طاهر سليمان بن حسن ابن بهرام الجنابي القرمطى صاحب البحرين مكة، وكان دخوله إياها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة، ولم يبطل الحج منذ كان الإسلام غير تلك السنة، وغير ذلك من الأحوال التي كانت في أيامه واستوزر العباس بن الحسن على ما كان عليه في أيام المكتفي فلما قتل العباس استوزر على بن محمد بن موسى بن الفرات، ثم محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الملقب بدق صدره، ثم على بن عيسى بن داود بن الجراح، ثم على بن محمد بن الفرات الوزارة الثانية، ثم حامد بن العباس ثم على بن محمد بن الفرات الوزارة الثالثة، ثم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقانيّ وزر وأبوه محمد بن عبيد الله حي، وكانت وفاته بعد وزارة ابنه باثني عشر يوما، وذلك يوم الاثنين وقت العصر لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، وقيل الأول سنة 312 وكان آخر من وزر وأبوه حي الى وقتنا هذا وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب من وزر وأبوه حي مثل أبى سلمة حفص بن سليمان الخلال، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان، والعباس بن الحسن ابن أيوب، ثم استوزر احمد بن عبيد الله الخصيبى، ثم على بن عيسى الوزارة الثانية ثم أبا على محمد بن على بن مقلد، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح، وهو ابن عم على ابن عيسى، ثم عبيد الله بن محمد الكلواذاني، ثم الحسين بن القاسم ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات وكان نقش خاتمه المقتدر باللَّه، وقاضيه محمد بن يوسف بن يعقوب على الجانب الشرقي والكرخ، وقلد قضاء القضاة الى أن توفى فقلد ابنه عمر بن محمد بن يوسف الجانب الشرقي والكرخ، وعلى مدينة المنصور واعمالها عبد

الله بن على بن أبى الشوارب، وبعده ابنه محمد بن عبد الله وبعده عمر بن الحسن المعروف بالأشناني، وانتقض وبعده الحسن بن عبد الله بن أبى الشوارب، وبعده عمر بن محمد بن يوسف وحجبه سوسن مولاه، ثم نصر القشوري، ثم ياقوت وإبراهيم ومحمد ابنا رائق قال المسعودي: ومن الكوائن العظيمة والانباء الجليلة التي كانت في أيامه ما لم يتقدم مثلها في الإسلام مسير أبى طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي صاحب البحرين من الإحساء من بلاد البحرين الى البصرة في أربعمائة فارس على أربع مائة حجرة لا حصان فيها وخمسمائة راجل ودخولهم إياها ليلا وقتلهم سبكا المفلحي، ومن قدروا عليه من أصحابه، ومن ظهر لهم من الرعية، وذلك في ليلة الخميس لثلاث وقيل لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة 311 وقيل بل ليلة الاثنين لست بقين منه، وكان مسيرهم من الإحساء اليها في ست ليال وتهارب الناس منهم الى الأبلة والمفتح والشطوط والأنهار والجزائر، وغير ذلك وأقاموا في البلد سبعة عشر يوما، ثم رحلوا عنها منقلبين بما احتملوا منها الى بلدهم، ثم اعتراضه الحاج في منصرفهم عن مكة بنواحي الهبير، مما يلي الثعلبية وهو في خمسمائة فارس وستمائة راجل وقتله من قتل من القواد وسائر الأولياء وغيرهم، واسره أبا الهيجاء عبد الله بن حمادان بن حمدون أميرهم، واحمد بن بدر العم، واحمد بن محمد بن كشمرد، وغيرهم من الوجوه وسائر طبقات الناس من النساء والرجال، وأخذهم الشمسية وغيرها من صنوف الأموال التي لا يوقف على تحديدها ومبلغها، وذلك يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 312، ثم اعتراضه الحاج في بدأتهم سنة 313 في خمسمائة فارس وستمائة راجل أيضا وظفره ببعضهم ورجوع الباقين الى الكوفة ومدينة السلام، ومصيره الى الكوفة وموافقته من كان بها من الأولياء الذين جردوا من الحضرة للقائه وهم جعفر بن

ورقاء الشيباني، وجنى الصفواني الخادم مولى ابن صفوان العقيلي، وثمل الخادم الدلفى، صاحب انطاكية والثغور الشامية، وطريف السبكري الخادم وإسحاق بن شروين السبكري وغيرهم من رؤساء الأجناد وهزيمته إياهم وقتله من قتل منهم واسره جنيا الصفواني وغيره، وذلك يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة، ثم مسيره عن الكوفة الى الإحساء بالذرية والثقلة وتسليمه البلد الى إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بالأخيضر صاحب اليمامة بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ومسير أبى القاسم يوسف بن أبى الساج عن واسط في عساكره للقائه، وكان السلطان أشخصه عما كان يليه من الأعمال من بلاد آذربيجان وارمينية وأران والبيلقان وغيرها ليستعد من واسط وينفذ الى بلاد البحرين، وكان مقيما بواسط، مستعدا الى أن جاءه الخبر بمسير صاحب البحرين الى الكوفة، فخرج مبادرا له مسبقه أبو طاهر اليها ونزل الموضع المعروف بالخورنق وحازاها ونزل ابن أبى الساج في اليوم الثاني بالقرب منه في الموضع المعروف بين النهرين مما يلي القرية المعروفة بحروراء واليها أضيفت الحرورية من الخوارج، وابو طاهر بينه وبين الكوفة فكانت الوقعة بينهم يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة 315 فأسر ابن أبى الساج واصطلم عسكره وأتى على أكثر من ثلاثين ألف فارس وراجل مع تفرق كثير من أصحابه عنه في الطريق وتأخرهم عنه، وصاحب البحرين في نحو من الفين من المقاتلة أكثرهم رجالة، ثم مسيره عن الكوفة حتى جاز الأنبار وقطع عدة من أصحابه الفرات الى الجانب الشرقي، فقتلوا من كان بالأنبار من القواد منهم المعروف بالحارثى، وبرغوث وابن بلال ومحمد بن يوسف الخزري وغيرهم من الأولياء، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي العقدة من هذه السنة، وعقد على الفرات جسرا، وخلف السواد والذرية، وعبر في جريدة خيل من

أصحابه الى الأنبار، وسار عنها يريد الحضرة، حتى انتهى الى النهير المعروف بزبارا فوق التل المعروف بعقرقوف بفرسخ وذلك على بعض يوم من مدينة السلام وكان مؤنس الخادم نصر، ونصر الحاجب المعروف بالقشورى، وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقد كان أطلقه وغيره ممن سمينا أنه أسر معه قبل رحيله لمواقعة ابن ابى الساج وسائر من كان بالحضرة من عساكر السلطان معسكرين على هذا النهر، فلما أحسوا بدنوه قطعوا القنطرة التي عليها وصار النهر حاجزا بين الفريقين فشرع قوم من رجالته فرموا بالنشاب، وذلك في اليوم الثاني عشر والثالث عشر من ذي القعدة من هذه السنة ورجع يريد الأنبار وبعث مؤنس غلامه يلبق في نحو من ثلاثة، وقيل من سبعة آلاف على طريق قصر بن هبيرة من طريق الكوفة فعبروا على جسر الفرات المعروف بجسر سورا وساروا في البر ليخالفوه الى سواده. وقد كان قوم من الأولياء، شرعوا في الماء، فأحرقوا الجسر الّذي عقده، فحصل في الجانب الشرقي وسواده في الجانب الغربي. وقيل إنه قطع الجسر عند عبوره، وتأدى اليه خبر يلبق فعبر الفرات في زورق عشرة عشرة من أصحابه، فيهم ثلاثة إخوة له، وعبر خلق سباحة فسبق الى سواده. وقتل أخواه أبو العباس الفضل وأبو يعقوب يوسف، وكانا في السواد بن أبى الساج حين بلغهما قرب يلبق منهم، فلقى يلبق. فأتى على أكثر من كان معه ونجا يلبق منكسرا. وذلك يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة. وسار الى مدينة هيت في ثقلته فنزل عليها وحصرها- وأنا يومئذ بها منحدرا من الشأم أريد مدينة السلام- وعبر أصحابه الذين كانوا في جانب الأنبار على أطواف اتخذوها في الموضع المعروف بفم بقة أسفل هيت، فاجتمعوا منه فواقع.

أهل هيت يوم الأحد لثمان خلون من ذي الحجة من هذه السنة. وكان عبر اليها من المساء هارون بن غريب الخال، وأبو العلاء سعيد بن حمدان، ويونس غلام الأصمعي وغيرهم من الأولياء فكان القتال بينهم فوق السور واحترقت له عدة دبابات. وعاد الى معسكره وارتحل عنها يوم الاثنين صبيحة الوقعة الى ناحية رحبة مالك بن طوق وارتفعت من معسكره نار عظيمة عند السحر قبل رحيله فظننا انه يريد معاودة الحرب وإذا هو قد ضرب ثقلته بالنار لكثرة الذرية والثقلة وقلة الظهر، وصار الى الرحبة وعليها يومئذ ابو جعفر محمد بن عمرون التغلبي فافتتحها عنوة ونزلها وهي من الجانب الشأمى، وقرقيسيا وهي من الجانب الجزري، وبث منها السوارب إلى النواحي، منها سرية الى كفرتوثا ورأس العين ونصيبين عليها الحسين بن على بن سنبر الثقفي، ومعاذ الأعرابي الكلابي، فأوقعوا بالاعراب من تغلب والنمر وغيرهم من الحاضرة. وقد كان أنفذ سليمان الجلي قبل ذلك الى كفرتوثا لحمل الزاد والميرة الى معسكره، وكان من ذوى النسك منهم والدراية بمذهبهم، وقد كلمت غير واحد من دعاتهم، وذوى المعرفة منهم، فلم أر مثله دراية وتحصيلا وتدينا بما هو عليه، وحسن إتقان للسياسة التي تكون مع الدعاة. وكان أولا مع أبى زكريا البحراني، ثم صار مع أبى سعيد الجنابي وولده، ووجه بسرية له في نحو الفين، وقيل دون ذلك الى الرقة، وهي على ثلاثين فرسخا من الرحبة. وكان على السرية الحسين بن على بن سنبر ومعاذ الكلابي أيضا، وكان نزولهما عليها يوم الأحد، لثمان بقين من جمادى الاولى سنة 316، وأميرها نجم غلام جنى الصفواني، فكان القتال بينهم يوم الثلاثاء والأربعاء، لخمس بقين من

هذا الشهر، وانصرفوا في آخر يوم الأربعاء، وقد أصيب عدة من الفريقين، الأكثر منهم من السرية، راجعين الى الرحبة. وأقام صاحب البحرين بالرحبة يروّى في نزول مدينة الرملة من بلاد فلسطين أو مدينة دمشق فيما حكى، ثم عمل على الرجوع الى بلده لأمور قد ذكرناها في غير هذا الموضع من أخبارهم، فسار عن الرحبة في أول شعبان سنة 316 في البر والماء منحدرا في الفرات. وكان مقامه بالرحبة، الى أن خرج عنها نحوا من سبعة أشهر، فنزل على هيت ثانية فقاتلهم قتلا شديدا في الماء والبر، ولم يكن معه في الاولى سفن، ثم انحدر عنهم، وسار الى ناحية الكوفة والقادسية. وامتار واجتاز بظاهر البصرة وعاد الى البحرين. وذلك في آخر المحرم وأول صفر سنة 317. ثم سار الى مكة فدخلها يوم الاثنين لسمع خلون من ذي الحجة من هذه السنة في ستمائة فارس وتسعمائة راجل، وأميرها يومئذ محمد بن إسماعيل المعروف بابن مخلب بعد أن كان من بها من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحاج وغيرهم صافوه ثم انكشفوا من بين يديه عند قتل نطيف غلام ابن حاج. وكان من شحنة مكة وممن يعول عليه وأخذ الناس السيف وعاذوا بالمسجد والبيت. فاستحر القتل فيهم وعمهم. وقد تنوزع في عدة من قتل من الناس من أهل البلد وغيرهم من سائر الأمصار فمكثر ومقلل، فمنهم من يقول ثلاثين الفا ومنهم من يقول دون ذلك وأكثر. وكل ذلك ظن وحسبان إذ كان لا يضبط وهلك في بطون الأودية ورءوس الجبال والبراري عطشا وضرا ما لا يدركه الإحصاء واقتلع باب البيت الحرام. وكان مصفحا بالذهب وأخذ جميع ما كان من البيت من المحاريب الفضة والجزع وغيره ومعاليق وما يزين به البيت من مناصق ذهب وانازيرات ذهب

وفضة وقلع الحجر الأسود ومقدار موضعه ما يدخل فيه اليد إلى أقل من المرفق. وجرد البيت مما كان عليه من الكسوة. وحمل ذلك على خمسين جملا إلا ما أصابه الدم عند عوذ الناس به فإنه ترك. وذلك يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 317. وكان مقامهم بمكة ثمانية أيام يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشيا يقتلون وينهبون، ورحل عنها يوم السبت من هذا الشهر، وعرضت له هذيل بن مدركة ابن الياس بن مضر وهم رجالة في المضايق والشعاب والجبال وحاربوه حربا شديدا بالنبل والخناجر ومنعوه من المسير واشتبهت عليهم الطرق فأقاموا بذلك ثلاثة أيام حائرين بين الجبال والاودية. وتخلص كثير من النساء والرجال المأسورين واقتطعت هذيل مما كان معهم ألوفا كثيرة من الإبل والثقلة. وكانت ثقلته على نحو مائة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة الى أن دله عبد أسود من عبيد هذيل يقال له زياد استأمن اليه على طريق سلكه فخرج عن المضايق وسار راجعا الى بلده. قال المسعودي: ونحن نذكر في أخبار الراضي فيما يرد من هذا الكتاب ما كان له من السرايا في أيامه وغير ذلك من أحواله. وكان مقتل الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل مدينة البيضاء من أرض فارس لست بقين من ذي القعدة سنة 309 ضرب ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه وأحرقت جثته، وذلك في مجلس الشرط ... على سور السجن المعروف بالمترف من هذا الجانب، وكان يوما عظيما لمقالات حكيت عنه في الديانة كثر متبعوه عليها والمنقادون اليها، وكان يظهر التصوف والتأله، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا ما صح عندنا من مذهبه، وذكره في

ذكر خلافة القاهر

كتبه عند ذكرنا مقالات أرباب النحل ورؤساء الملل ذكر خلافة القاهر وبويع القاهر محمد بن أحمد المعتضد، ويكنى أبا منصور، وأمه أم ولد، تسمى قبول، يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة 320. ثم خلع وسملت عيناه يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الاولى سنة 322 وله ست وثلاثون سنة وأشهر. ولم يسمل قبله أحد من الخلفاء وملوك الإسلام. وكانت خلافته سنة وستة أشهر وستة أيام وكان أبيض يعلوه حمرة، مربوعا، حسن الجسم، أعين، وافر اللحية، ألثغ، شديد الاقدام على سفك الدماء، أهوج، محبا لجمع المال على قلته في أيامه قليل الرغبة في اصطناع الرجال، غير مفكر في عواقب أموره، راكبا ردعه، واطئا عشواته يريد الشبه بمن تقدم من آبائه، فلا يمكنه ذلك لسوء تدبيره وقبح سياسته واستوزر أبا على محمد بن مقلة ثم أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله، ثم أبا العباس احمد بن عبيد الله الخصيبى. وكان نقش خاتمه «لقاهر باللَّه» وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب، وحاجبه على بن يلبق، وبدر الخرشنى، وفارس بن الزنداق، ومحمد ابن ياقوت، وسلامة المؤتمن المعروف بأخي نجح ذكر خلافة الراضي محمد وبويع الراضي محمد بن جعفر المقتدر ويكنى أبا العباس، وأمه أم ولد تسمى ظلوم، يوم الخميس لست ليال خلون من جمادى الاولى سنة 322، وتوفى بمدينة السلام يوم السبت لست عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول

سنة 329 وله اثنتان وثلاثون سنة وأشهر، وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. وكان أسمر، أعين، مسنون الوجه، خفيف العارضين، دحداحا، نحيفا، جوادا، محبا للأدب، حسن الشعر، شديد التضريب بين أوليائه، لاستبدادهم بالأمور دونه، وقصور يده عن تغيير ذلك. فاستوزر محمد ابن على بن مقلة، وولده أبا الحسين على بن محمد وكانا يخاطبان بالوزارة وتخرج الكتب بأسمائهما. ثم استوزر أبا على عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي، ثم ابا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح، ثم أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، ثم أبا عبد الله احمد بن محمد البريدي، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد. وكان نقش خاتمه «الراضي باللَّه» وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف، ثم ابناه يوسف، والحسن وحاجباه محمد بن ياقوت، ثم مولاه ذكي ومما ذكر في أيامه من الحوادث العظيمة مسير القرمطى سليمان بن الحسن صاحب البحرين عن الإحساء لاعتراض الحاج في بدأتهم لموسم سنة 323 خرج لست بقين من شوال في تسعمائة فارس وتسعمائة راجل، وقسم العسكر نصفين من الجابرية وهي من الإحساء على ثلاثة أيام، فجعل على أحد النصفين أبا عبد الله الحسين بن على بن سنبر ومعاذا الكلابي فساروا قاصدين طريق مكة لطلب أول الحاج وقصد القرمطى القادسية لاستقبال قافلة الشمسية مع لؤلؤ غلام المتهشم، فوقع ابن سنبر بالخوارزمية وغيرهم، وكان رؤساءهم شاذان وابن حاتم وغيرهما بناحية زبالة والعقبة، فأسرهما وغيرهما من أهل القوافل وقتل، وذلك لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، وانهزم الباقون راجعين يريدون العذيب، ولا علم عندهم أن القرمطى أمامهم،

وسار لؤلؤ غلام المتهشم بالناس، ولقيه القرمطى بالقادسية يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة. فقاتل لؤلؤ إلى أن نالته جراحات، وانكشف أصحابه عنه، وطرح نفسه بين القتلى. ودخل الكوفة في الليل مستخفيا، واستولى أبو طاهر على تلك القافلة بأسرها وكان من انقضاض الكواكب ليلة الأربعاء التي كانت الوقعة في صبيحتها ما لم ير مثله في الإسلام، والقرمطى حينئذ سائر من خفان يريد القادسية وبينهما ستة أميال. ورجع القرمطي مستقبلا للمنهزمين من ابن سنبر الراجعين يريدون الكوفة فلقيهم بالعذيب. فاستأمنه قرة لقافلته، وبذل عنها مالا فأطلقه، ولم يعرض له، وأوقع بالباقين، فقتل وسبى، وصار إليه من صنوف الأموال والأمتعة ما لا يوقف على تحديده ولا يحاط بمبلغه. وكانت له بعد ذلك سريتان الى الكوفة وناحية واسط في أيام الراضي أيضا لم يلق فيهما حربا أثر تأثيرا يذكر، ولم يزل مقيما بالأحساء من بلاد البحرين الى أن توفى يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 332، وله ثمان وثلاثون سنة، لأن مولده في شهر رمضان سنة 94. وقتل أبوه أبو سعيد الجنابي سنة 300، وله يومئذ ست سنين، وبقي العسكر تسع سنين الى أن تسلمه أبو طاهر في شهر رمضان سنة 310. قال المسعودي: وقد أتينا فيما سلف من كتبنا على شرح هذه الحروب والوقائع وما كان من أخباره فيها وأخبار القرامطة البقلية بسواد الكوفة وغلبتهم عليها، وذلك في سنة 316، والعلة في تسميتهم البقلية، وهو اسم دياني عندهم، وكان رؤساءهم مسعود بن حريث وعيسى بن موسى بن أخت عبدان بن الربيط

الملقب قرميط والمعروف بابن أبى السيد وابن الأعمى، وأبو الذر والجوهري وغيرهم. وكان جمهورهم بنو ذهل وبنو رفاعة وإيقاعهم ببني بن نفيس بناحية الطفوف، وجنبلاء، وتل فخار، وهزيمتهم إياه واحتوائهم على عسكره، ومواقعة هارون بن غريب الخال، وصافى غلام نصر القشوري إياهم، ومن قتل منهم وأسر، ومن انضاف منهم الى سليمان بن الحسن عند رجوعه من هيت الى بلد البحرين، وكانوا يعرفون في عسكره بالأجميين، لسكنى أكثرهم الآجام والطفوف من أعمال الكوفة وأخبار الغلام المعروف بالذكرى من أبناء ملوك الأعاجم من بلاد أصبهان، ووروده اليهم في سنة 316، وتسليم أبى طاهر الأمر اليه في سنة 319 وإجماعهم عليه، وما رسم من الرسوم والمذاهب التي أخذهم بها، وقتله لأبي حفص بن زرقان زوج أخت أبى طاهر. وكان يدعى الشريك، وكان أكملهم عقلا، وأوسعهم علما، وأحسنهم أدبا، وبنى سلمان وغيرهم من وجوه العسكر، وهم نحو من سبعمائة رجل، وما أظهر في العسكر من المذاهب الشنيعة، والسير القبيحة، التي لم تعهد، ولا عرفت في عسكر هؤلاء القوم منذ استولى أبو سعيد على هذه البلاد وولده وزوالها بزواله ورجوعهم عنها، واعتذارهم عنها، وما وقع عليها من التدبير الى أن قتل فيما قيل. وعاد الأمر الى أبى طاهر، وغير ذلك من أخبار أصحاب الغرب وحروبهم ومن كان منهم باليمن واتفاق جميع من ذكرنا على سبب واحد وانقيادهم إليه، وقولهم به وانتظارهم له، وأخبار أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، ونسبته واتصاله بملوك فارس، ومكانه من هذه الدعوة، وكيفية دخوله البحرين، وما كان من أمره بالقطيف مع بنى مسمار، واتصاله ببادية بنى كلاب، وكان أبو زكريا

البحراني دعاهم، وما كان بين أبى سعيد وبين أبى زكريا، وقبض أبى سعيد عليه وهلاكه في يده وفتحه سائر مدن البحرين، وكان أهلها في نهاية العدة والقوة كالقطيف، وكان بها على بن مسمار وإخوته، وهم من عبد القيس، وقتله عليا والزارة، وكان بها الحسن بن العوام من الأزد وصفوان، وكان بها بنو حفص، وهم من عبد القيس أيضا والظهران والإحساء، وكان بها بنو سعد من تميم وجواثا، وكان بها العريان بن الهيثم الربعي، وقد ذكره على بن محمد المنتمي الى أبى طالب صاحب الزنج الناجم بالبصرة عند ظهوره بالبحرين في تميم وكلاب ونمير وغيرهم، وذلك قبل مصيره الى البصرة، وكان العريان أوقع بهم في عبد القيس، وبنى عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان وغيرهم وقعات متتابعات، فأخرجه عن البحرين ونواحيها، وقتل من أصحابه خلقا كثيرا، فلما وقع طرفه بالصمان على الطائر المعروف بالمكاء، قال كلمته التي أولها: ايا طائر الصمان مالك مفردا ... تأسيت بى أم عاق إلفك عائق فقال فيها: عدمت عتاق الخيل إن لم أزر بها ... عليها الكماة الدارعون البطارق عليها رجال من تميم وقصرها ... كليب بن يربوع الكرام المصادق وجثوتها سعد وفي جنباتها ... نمير وبيض من كلاب عواتق وإن لم أصبح عامرا ومحاربا ... بخطة خسف أو تعقنى العوائق أيحسبني العريان أنسى فوارسى ... غداة نزال الردم والموت عالق وقال في كلمة أخرى يذكر عبد القيس: أتحسب عبد القيس أتى نسبتها ... ولست بناسيها ولا تاركا تبلى وهجر وكانت أعظم مدن البحر، وكان بها عياش المحاربي، وكان أعظمهم

عدة، وأشدهم شوكة، ومواقعة أبى سعيد العباس بن عمرو الغنوي، وقد جرده المعتضد للقائه من البصرة في السبخة المعروفة بافان، وأفان ماء ونخل أراد العباس نزولها، وذلك عند ارتحاله من الماء المعروف بالإعياء، فسبقه أبو سعيد الى الماء، وطول هذه السبخة سبعة أميال، وبينها وبين البصرة سبعة أيام، وهي على يومين من ساحل البحر، وهي القطيف وبين القطيف وبين البحر ميل، ولها مدينة على الساحل، يقال لها عنك وفيها يقول الراجز: طعن غلام لم يجئك بالسمك ... ولم يعلل بخياشيم عنك فلما توسط العباس السبخة بعث أبا سعيد فغور. ما وراء، من المياه، وكانت في أعلى السبخة، وهو طريق ضيق وأبو سعيد في سبعمائة فارس وراجل من كلاب وعقيل وبحرانيين والعباس في سبعة آلاف من الجند، ومطوعة البصرة والبحرانيين، الذين كانوا خلوا عن البحرين وغيرهم. فأسر العباس وأتى على أكثر من كان معه ولم ينج إلا الشريد، وذلك في رجب من سنة 287. وما كان من سريته الى صحار وهي قصبة عمان مرة بعد أخرى، ودخوله إياها عنوة وبين البحرين وعمان مسيرة عشرة أيام رمال ودهاس، وفي بعض المواضع ماء مالح، والى بلاد الفلج وهي على ثلاثة أيام من اليمامة، والى يبرين وهي من اليمامة على مثل ذلك أيضا، فأباد أهلها وكانت من أطيب بلاد الله وكثرها أهلا، وعمائر ونخلا وشجرا، فلا أنيس بها الى هذا الوقت وفيها يقول جرير فقلت للركب إذ جد المسير بنا ... يا بعد يبرين من باب الفراديس وسبب فتك الخادمين الصقلبيين الّذي كان أخذهما حين واقع بدر المحلى، وكان جاء من عمان في البحر لقتاله، وكان اصطنعهما فقتلاه في الحمام في ذي القعدة

سنة 300 وعدة من خواص أصحابه من القطيفين معه وهم حمدان وعلى ابنا سنبر، وبشر، وابو جعفر ابنا نصير، وهما خالا ولد ابى سعيد المعروف بابن جنان ومحمد بن إسحاق وكانت مدة أبى سعيد مذ ظهرت دعوته بالقطيف وافتتح سائر مدن البحرين وآخرتها هجر إلى ان قتل سبعا وعشرين سنة وقد ذكرنا في كتاب خزائن الدين، وسر العالمين، عند ذكرنا أرباب النحل ورؤساء الملل وما أحدثوه عن الآراء والمذاهب ما ذكره من خالف هذه الطائفة ورد عليهم وحكى عنهم وان هذه الدعوة أحدثت بأصبهان سنة 360 وما الغرض بها والمقصد منها وتسليمهم ظاهر الشريعة، وقولهم في تأويل معانيها، وأمرهم المدعو عند أخذ العهد عليه بستر ما يكشفونه له من تأويل كتاب الله، ومنهم من يقول للمدعو عند ذلك استر ما أكشفه لك من تأويل كتاب الله وتأويل التأويل وتبليغه الى مراتب ينتهون به اليها يسمونها البلاغ، وغير ذلك من دعواتهم ووجوه سياساتهم وأسرارهم في ذلك ورموزهم. وقد صنف متكلمو فرق الإسلام من المعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج والنابتة ممن تقدم كتبا في المقالات وغيرها من الرد على المخالفين، كاليمان بن رئاب الخارجي، وزرقان غلام إبراهيم بن سيار النظام، ومحمد بن شبيب صاحب النظام أيضا، وعباد بن سلمان الصيمري، صاحب هشام بن عمرو الفوطي، صاحب أبى الهذيل محمد بن الهذيل العبديّ العلاف البصري، ومحمد بن عيسى بن غوث، صاحب الحسين بن محمد النجار، وأبى عيسى محمد ابن هارون الوراق، واحمد بن الحسن بن سهل المسمعي المعروف بابن أخى زرقان وغيرهم ممن شاهدناه كأبى على محمد بن عبد الوهاب الجبائي في كتابه في الرد على أصحاب التناسخ والخرمية وغيرهم من أهل الباطن، وأبى القاسم البلخي

وأبى العباس عبد الله بن محمد الناشي، والحسين بن موسى النوبختيّ في كتابه في الآراء والديانات، وفي كتابه في الرد على الغلاة وغيرهم من الباطنية، وأبى محمد عبد الله بن محمد الخالديّ، وأبى الحسن بن أبى بشر الأشعري البصري الكلابي وغير هؤلاء فلم يعرض أحد منهم بوصف مذاهب هذه الطائفة ورد عليهم آخرون مثل قدامة بن يزيد النعماني، وابن عبدك الجرجاني، وابى الحسن ابن زكريا الجرجاني، وابى عبد الله محمد بن على بن رزام الطائفي الكوفي، وأبى جعفر الكلابي الرازيّ وغيرهم، فكل يصف من مذاهبهم ما لا يحكيه الآخر مع إنكار هذه الطائفة حكاية من ذكرنا وتركهم الاعتراف بها، ونحن فلم نقصد في كتابنا هذا حكاية مذاهبهم ولا الرد عليهم وكان مقتل محمد بن على الشلمغاني الكاتب المعروف بابن أبى العزاقر يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة 322 فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرق في مجلس الشرطة في الجانب الغربي لأمور ديانية أحدثهما ومقالات فيما ذكر ذكرها وأظهرها كثر المستجيبون له اليها وقتل معه رجل من اتباعه يقال له ابن أبى عون ويعرف بابن النجم الكاتب مثل ذلك. وقد أتينا على ما ظهر من قوله وحكاه من هذا عن نفسه في رسالته المعروفة بالمذهبة وكتابه في الوصية وكتاب الغيبة وكتاب التسليم، وغير ذلك من كتبه في كتابنا في المقالات في أصول الديانات عند ذكرنا مذاهب الشيعة وغلاتهم.

ذكر خلافة المتقى إبراهيم

ذكر خلافة المتقى إبراهيم وبويع المتقى إبراهيم بن المقتدر ويكنى ابا إسحاق وامه أم ولد تسمى خلوب يوم الخميس لتسع بقين من شهر ربيع الأول سنة 329، وخلع وسملت عيناه يوم السبت لعشر ليال بقين من صفر سنة 333 وله ثلاثون سنة، وأشهر وكانت خلافته ثلاث سنين وعشرة أشهر وعشرين يوما، وكان ابيض صافى اللون اشهل، في شعره شقرة وهو حي الى وقتنا هذا- وهو سنة 345 مكرم على ما ينمى إلينا من اخباره واستوزر سليمان بن الحسن بن مخلد، ثم ابا الحسين احمد بن محمد بن ميمون، ثم ابا جعفر محمد بن القاسم الكرخي بعد ان دبر الأمور ابو الحسن على بن عيسى بن داود بن الجراح، وميسم الوزارة لأخيه عبد الرحمن بن عيسى، ثم ابا إسحاق محمد بن احمد القراريطي، ثم ابا العباس احمد بن عبد الله الأصبهاني، ثم ابا الحسين على بن محمد بن على ابن مقلة وكان نقش خاتمه «المتقي باللَّه» وقاضيه المعروف بالخرقي، وحاجبه سلامة مولاه المؤتمن المعروف بأخي نجح، ثم بدر الخرشنى، ثم احمد بن خاقان ومن الحوادث العظيمة التي كانت في أيامه في الملك مما لم يجر مثله على أحد من خلفاء بنى العباس. دخول ابى الحسين البريدي الى مدينة السلام في جيوشه في الماء وعلى الظهر، يوم السبت لتسع بقين من جمادى الاخرة سنة 33 وهرب المتقى عن دار ملكه، ومعه محمد بن رائق يريدان الموصل وانتهبت دار الخلافة وغيرها من دور الأولياء وانتهك الحريم بعد ممانعة عظيمة وحروب وقتل من الناس وغرق نحو من عشرة آلاف، وقيل أكثر من ذلك

ذكر خلافة المستكفي

ذكر خلافة المستكفي وبويع المستكفي عبد الله بن على المكتفي ويكنى أبا القاسم، وامه أم ولد رومية تسمى غصن، في الموضع المعروف بالبثق على نهر عيسى بإزاء القرية المعروفة بالسندية، في الوقت الّذي سملت فيه عينا المتقى وخلع يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة 334، وسملت عيناه، وله ثمان، وقبل ثلاث وأربعون سنة وأشهر، وكانت خلافته سنة وشهرين وثمانية وعشرين يوما. وكان أبيض اللون، حسن الوجه، صغير الفم، بعارضه شيب، وكان المدبر للأمور في أيامه أبو جعفر محمد بن شيرزاد كاتب توزون التركي وقد كان أبو الفرج احمد بن محمد السامري خلع عليه ووزر سبعة وأربعين يوما، وهو آخر من خوطب بالوزارة في أيام بنى العباس الى وقتنا هذا ثم الشيرازي ابو احمد الفضل بن عبد الرحمن نفذت الكتب عنه باسمه، ثم غلب ابن شيرزاد على الأمر وكان نقش خاتمه «المستكفي باللَّه» وقاضيه ابن أبى الشوارب، وابن أبى موسى الهاشمي، وحاجبه احمد بن خاقان المفلحي. ذكر خلافة المطيع وبويع المطيع الفضل بن جعفر المقتدر باللَّه، ويكنى أبا القاسم، وامه أم ولد صقلبية، تسمى مشعلة- يوم الخميس لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة 334.

ولخمس سنين خلت من خلافته أعيد الحجر الأسود الى موضعه من البيت الحرام في ذي الحجة سنة 339 وكان أخذه في سنة 317 على ما قدمناه في خلافة المقتدر في هذا الكتاب. وقد ذكرنا في كتاب (مروج الذهب، ومعادن الجوهر) أخبار الحجر في الجاهلية ومن تداوله من الأمم من جرهم، وإياد، والعماليق، وخزاعة وكم مرة أزيل من موضعه ثم رد اليه، وغير ذلك من أخبار مكة والبيت الحرام. والغالب على امر المطيع والقيم بتدبير الحضرة الى هذا الوقت أحمد بن بويه الديلميّ، المسمى بمعز الدولة وكتابه وزالت أكثر رسوم الخلافة، والوزارة في وقتنا هذا، وهو سنة 345 على ما ينمى إلينا من أخبارهم ويتصل بنا من أحوالهم، لطول غيبتنا عن العراق، ومقامنا بأرض مصر والشأم قال المسعودي، أبو الحسن على بن الحسين بن على: ولم نعرض لوصف أخلاق المتقى والمستكفي والمطيع ومذاهبهم، إذ كانوا كالمولى عليهم، لا أمر ينفذ لهم. أما ما نأى عنهم من البلدان، فتغلب على أكثرها المتغلبون، واستظهروا بكثرة الرجال والأموال، واقتصروا على مكاتبتهم بإمرة المؤمنين والدعاء لهم وأما بالحضرة، فتفرد بالأمور غيرهم، فصاروا مقهورين خائفين، قد قنعوا باسم الخلافة، ورضوا بالسلامة. وما أشبه أمور الناس بالوقت إلا بما كانت عليه ملوك الطوائف بعد قتل الإسكندر بن فيلبس الملك داريوش وهو دارا بن دارا ملك بابل إلى ظهور أردشير بن بابك الملك

كل قد غلب على صقعه، يحامى عنه ويطلب الازدياد اليه، مع قلة العمارة، وانقطاع السبل، وخراب كثير من البلاد، وذهاب الأطراف، وغلبة الروم وغيرهم من الممالك على كثير من ثغور الإسلام ومدنه وقد أتينا على شرح جميع ما ذكرنا في هذا الكتاب وإيضاحه وأخبار من ذكرنا والغرر من أيامهم وما كان من الكوائن والهرج والأحداث في أعصارهم، وغير ذلك من أخبار الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وما كان فيها من الفتن والحروب في كتابنا (في أخبار الزمان، ومن اباده الحدثان من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والممالك الداثرة) وفيما تلاه من الكتاب الأوسط، وفي كتاب (مروج الذهب، ومعادن الجوهر) وفي كتاب (فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف) وفي كتاب (ذخائر العلوم، وما جرى في سالف الدهور) وفي (نظم الجواهر، في تدبير الممالك والعساكر) وفي كتاب (الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار) الّذي كتابنا هذا تال له ومبنى عليه. وغيرها من كتبنا. وأودعنا كتابنا هذا لمعا من ذلك، استذكارا لما تقدم من كتبنا منبهين على ما سلف من تصنيفنا. وقد كان سلف لنا قبل تقرير هذه النسخة نسخة على الشطر منها، وذلك في سنة 344، ثم زدنا فيها ما رأينا زيادته، وكمال الفائدة به، فالمعول من هذا الكتاب على هذه النسخة دون المتقدمة

§1/1