التنبيه على حدوث التصحيف

حَمْزَة الأَصْفَهاني

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله أطال الله بقاءك في العز والسرور، والأمن والحبور، وأدام نسمتك مُعانًا على ابتناء المكارم، واصطناع المحامد، وأقرَّ بها عينك في زيادة من القدر، ونباهةٍ من الذكر، وبلغك أمانيك محروسًا من المكاره والغِيَر، وأطاب عيشك في تراخي الأمد، وبُعد المهل، مؤيدًا بالتوفيق في القول والعمل. سألت، أنجح الله سؤلك، أن أذكر لك سبب حدوث التصحيف في الخط العربي، واعتراض اللبس في تهجَّيه، حتى اضطروا على ممر السنين عليه، إلى توليد النقط والإعجام فيه، وقلت: قد فضح التصحيف في دولة الإسلام خلقًا من القضاة والعلماء والكتَّاب والأمراء وذوي الهيئات من القرّاء؛ كحيان بن بشر قاضي أصفهان، وقد تولى قضاء الحضرة أيضًا، فإنه كان روى لأصحاب الحديث أن عَرْفَجَة قُطع أنفُهُ يومَ الكلاب، وكان مستمليه رجلاً يقال له كَجَّة، فقال: أيها القاضي إنما هو يوم الكُلاب - كغُراب -[موضع وماء] فأمر بحبسه، فدخل

الناسُ إليه، وقالوا: ما دهاك؟ فقال: قُطع أنف عرفجة يومَ الكُلاب في الجاهلية، وامتُحنتُ أنا به في الإسلام؛ وكان أحمد بن موسى بن إسحاق من جلّة قضاة السلطان؛ فانه أملى بأصبهان على أصحاب الحديث؛ حدثني فلان بن فلان عن هندٍ: أن المعتوه، يريد؛ عن هند؛ أن المغيرة. وزعمتَ أن المحدثين بالبصرة غبروا زمانًا يروون أن عليًا (رض) قال: ألا إن خراب بصرتكم هذه يكون بالريح. فما أقلعوا عن هذا التصحيف إلا بعد مائتي سنة عند معاينتهم خرابها بالزنج، وأن كثيرًا من رواة الحديث يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تختّموا بالعقيق، وإنما قال: تخيّموا بالعقيق، وهو اسم وادٍ بظاهر المدينة، وأنك سمعت رجلاً من جلّة المحدّثين يروي أن مرحبًا اليهودي قتله عليّ يوم حنين وإنما قتله يومَ خيبر، وأن محدثًا يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النَّوم في القدر، وإنما كره صلى الله عليه وسلم الثوم في القِدْر، كما روى آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يستحب العَسَل في يوم الجمعة، وإنما كان يستحب الغُسل فيه، وإن رجلاً آخر روى أنه قال صلى الله عليه وسلم: الجار أحق بصفته وإنما هو بصَقيه كما روى من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلع قديدًا، يريد: بلغ قُديدًا وروى آخر: لا بأس أن يصلي الرجل في كمّه سنّورة، وإنما هي سبّورة وهي الألواح من الأبنوس يكتب فيها

التذكرات. وروى آخر: لعن الله اليهودَ، حرمت عليهم الشحوم فحملوها، وإنما هي: فجملوها أي أذابوها، وروى آخر: من أنزلت إليه نعمة فليشكرها، وإنما هو: أُزِلّت، أي أُسديت. ورووا: عم الرجل ضيق أبيه، وإنما هو: عم الرجل صنو أبيه أي شبهه، ورووا أن الحارث بن كَلَدَة كان يقعد في مقتأةٍ له، وإنما هو: مقناةٍ له، وهي كل موضع يواجه مدار بنات نعش فلا تقع فيه الشمس وإن الحارث بن كَلَدَة كان يقول: الشمس تنقل الريح، وإنما هو: تنفل. ورووا أنه نُهي عن لبس القِسِيِّ، وإنما هو: القَسِيُّ وهو ثوب رقيق النسيج قبطي منسوب إلى قرية من قرى مصر تسمى قَسا، كما أن الشطوي منسوب إلى قرية هناك تسمى شَطَا، والديبقي إلى قرية تسمى ديبقا، وإن الشيرجي، وكان إمامًا من أئمة الحنبلية اجتاز بمسجد فيه مُعَزّى، فخرج عليه منه نحويّ بغيض، فقال له الشيرجي: من المتوفي؟ فقال النحوي: اللهُ، فلبّبه وقال: زنديق والله ورفعه إلى صاحب الجسر، ورووا أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يده سخلةُ تبعر، وإنما هو: تَيْعر أي تعوَت، واليُمار صوت اليَمْر وهو الجدي.

وزعمت أنك حضرت رجلاً من الكبراء وقد قرأ في المصحف {يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والديك} فخالف قول الله عز وجل {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وأن عبد الله بن أحمد بن حنبل تقدم قومًا يصلي بهم فقرأ {اقرأ باسم ربك الذي خُلق} فقال له قائل: أبوك ضرب بالسياط على أن يقول كلام الله مخلوق، وقد جعلت خالق الأشياء مخلوقا! وأنه قرأ يومًا آخر {هو الله الخالق البارئ المصور}، وقرأ آخر {والماديات صبحا} كما قرأ آخر {وفرش مرقوعة} وقرأ آخر {وأخذ برأس أخيه يجزه إليه} كما قرأ آخر {فكذبوهما فعزرنا بثالث}. وذكرتُ أن إبراهيم بن أرومة الأصبهاني حكى أن عثمان بن أبي شيبة قرأ {جعل السقاية في رجل أخيه}، وقرأ {وما علّمتم من

الخوارج مكلبين} وقرأ {واتبعوا ما تبلو الشياطين على ملك}. وإن الوليد ابن عبد الله صلَّى بالناس وهو خليفة فقرأ في أم الكتاب {صراط الذين أنعمتُ عليهم} وقرأ يومًا آخر على المنبر {يا ليتها كانت القاصية} فسمعها عمر بن عبد العزيز فقال: يا ليتها كانت بك. ثم قلت: ودع هؤلاء، هذا حماد الرواية سمى بشارُ الشاعر به إلى عقبة بن أسلم أمير البصرة أنه يروي جلّ أشعار العرب ولا يحسن من القرآن غير أم الكتاب فامتحنه الأمير بتكليفه القراءة في المصحف فصحَّف فيه عدَّة آياتٍ لم يبق على الحفظ منها إلا عدة وعشرون حرفًا وهي: {وأوحى ربك إلى النخل أن اتخذي من الجبال بيوتًا} و {من الشجر ومما يفرشون} {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أباه} و {ليكون لهم عدوًا وحربًا} و {ما يجحد بآياتنا إلا كل جبار كفور} و {بل الذين كفروا في غرّة وشقاق} _____ (1) سورة 5 آية 5 والصحيح من الجوارح.

و {فعززوه ونصروه} و {تُعزّزوه وتوقروه} و {لكل امرئ منهم يومئذ شأنٍ يغنيه} , {هم أحسن أثانًا وزيًا} و {قال عذابي أصيب به من أساء} و {يوم يحمى غليها في نار جهنم} و {فادوا ولات حين مناص} و {تبلوا أخبارهم} و {صيغة الله ومن أحسن من الله صيغة} و {فاستعانه الذي من شيعته على الذي من عدوه} و {سلام عليكم لا نتبع الجاهلين} , {لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها} و {أهليكم أو كأسوتهم} و {يا ويلنا من بلغتنا من مرقدنا هذا ... } و {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العائذين} ويروى العائدين. وقالت: ولأهل اللغة أيضًا تصحيفات تضحك السامعين وسار بها أشعار تروى على الأزمان منها:

أن أبا حاتم حكى عن نفسه أنه كان يقرأ شعر المتلمِّس على الأصمعي. وأراد أن يقول: أغنيتُ شأني فأغنوا اليوم شأنكم ... واستحمقوا من مراس الحرب أو كيسوا فقال: أغنيت شأني، فقال الأصمعي، بالعجلة: فأغنوا اليوم تبسكم إذًا، وأشار إلى أبي حاتم فأضحك منه الحاضرين. وقال أبو حاتم: كنت أختلف مع أبي عبيدة والأصمعي إلى ذوي الأشراف بالمربد من رهط سليمان بن علي للاستماع إلى ما يقرأ عليهما من الكتب، فقرأ على أبي عبيدة يومًا سليمان بن جعفر شعر عبيد فقال: حال الحريص دون القريض فقال أبو عبيدة: الحرص شؤم وتغافل. وقرأ عليه يومًا آخر في شعر عنترة: ذهب الذين فراقهم أتوقع ... وجرى ببينهم الغرابُ الأنقع فقال أبو عبيدة: تعس الغراس ولم يزد عليه.

وقرأ مسلم بن سعيد بن مسلم يومًأ على الأصمعي: عَرَفت بأعشاشٍ وما كنت تعرِف ... وأنكرتَ من أسماء ما كنت تعرف فقال الأصمعي: كذا يقال الشعر؛ ولم يفطنه. وقال المبرد: أخبرني المازني أن خلفًا الأحمر حضر يومًا يونس والفيضُ بن عبد الحميد يقرأ عليه: عذيرَ الحيّ من عَدْوا ... نَ كانوا جنة الأرض فقال له خلف الأحمر: صحّفت إنما هو (حية الأرض) على طريق التجنيس والمطابقة، فلم يقبله وأقلم على روايته، ولمْ فيها ونصره عليه المتنبي فقال خَلَفٌ فيهما: لنا صاحبٌ مولعُ بالخلاف ... كثيرُ الخطاء قليلُ الصواب أشدٌ لجاجًا من الحنفساء ... وأزهي إذا ما مشى من غراب

ذا عضهوا عنده عالمًا ... رَبَا جسدًا ورماهُ بعاب وليس من العِلم في كفِّه ... إذا ذُكرَ العلمُ غيرُ التراب أضاليلُ ألّفها شوكرٌ ... وأخرى مؤلفةٌ لابنِ داب فلو كان ما قد روى عنهما ... سماعًا ولكنَّه من كِتَاب رأى أحرفًا شبهتْ في الهجاء ... سواءً إذا عدها في الحساب فقال (أبي الضيم) يُكنى بها ... وليست (أبي) إنما هي (آبي) وفي يوم (صِفينَ) تصحيفةٌ ... وأخرى له في حديث (الكُلابِ) كتصحيف فيض بن عبد الحميد ... في (جنة الأرض) أو في الذباب وما جِنّةُ الأرضِ من (حيةٍ) ... وما للذُبابِ وصوتِ (الذِّئابِ) وعالى بذلك في صوتهِ ... كمعمعةِ الرعد بين السحاب وعدلت إلى ذكر تصحيف الكتاب فزعمت أن (صاحبِ) بريد أصفهان كتب في الخَبَر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن فائدًا مِمَن بها

من الموالي يلبس خزلجية ويجلس للنساء في الطرقات، فكتب محمد إلى يحيى بن هرثمة، وكان يلي أصفهان من قبله؛ أشخص إلي فلانًا وخزلجيته، فقرأ عليه الكتاب كاتبه محمد بن رسم والد أبي علي الرستمي، وصحّفه إلى (وجزَ لحيته)، فجزّ لحيته وأشخصه، وكان آيةً ونكالاً. وإن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله على المدينة: أحْصِ المخنثين قبلك. فوقعت من قلم الكاتب نقطة على الحاس فجعلها خاء فلما ورد الكتاب على والي المدينة قرأ كاتبه: اخص المخنقين، فقال له الأمير: لعله: أحص المخنثين، فقال: أيها الأمير إن على الحاء نقطةٌ مثل سُهيل، فأمر الأمير بإحضار المخنثين للخصاء فتهارب أكثرهم، ووقع أقلُّهم، فكان من مشاهير من وقع، طويس والدلال وبرد الفؤاد ونومة الضحى ونسيم السحر وضرة الشمس ولعبة العاج وعدة أخر؛ فأما طويس فإنه قال لما خصي: ما عملتم شيئًا فبالخصاء استكملنا الخُناث، وقال الدلال: ضل سعيكم فهذا هو الختان الأكبر، المطرف لولوج الكمر، وقال بردُ الفؤاد: بعدًا وسحقًا لما صرنا به من نساءً حقًا، وقال نومة الضحى: ما كان أغناني عن سلاح لا أقاتل به، وقال نسي السحر: أُفٍ لكم ما سلبتموني إلا ميزابَ بولي. ثم قلت: فاعجب بنقطة أدخلت رجالاً في عداد النساء، وأكبرتَ ما حل بابن الروعي من تلفه على مصَحَّف مُثل عنه، فزعمت أن القاسم

ابن عبيد الله وزير المكتفي بالله كان تقدم إلى ابن فراس أن يُعابئهُ إذا حضر مجلسه بشيء من المصحّف فساقه الحين إلى الدخول عليه من وقته، فأقبل ابنُ فراس إليه وقال له: كيف بصرك باللغة. فقال: ما أفلّ ما يشذّ عني منها، فقال له: ما الجُرامص في كلام العرب، فاختلط ابن الرومي وقال على البديهة: أسألتَ عن خبر الجَرامض ... طالبًا علمَ الجُرامض فهو الجُراضم حين يقلب ... ضارجٌ فيقال جارض وهو الجُراسم والقمحر ... أو الحراسف والجراعض وهو الحزاكل فالقوامِض ... قد تُفَسّر بالغوامض وهو السلحكل إن فهمت ... وإن ركنت إلى المعارض فاصبر وإن حمضَ الجوابُ ... فربّ صبر جر حامض والصفعُ محتاجٌ إلى ... فرعٍ يكون له مقايض

ومن اللحى ما فيه فعلٌ ... للمواسي والمقارض فدسَّ في طعام عشائه السم فتلف من ليلته. وقلتَ: وممن صيره التصحيف ضحكة في مجلس الخلفاء أحمد بن أبي خالد الأحول وزير المأمون، وقد كان حضر مجلسه للمظالم يقرأ عليه القصص، وكان نهمًا فمرت به قصة عليه؛ فلان اليزيدي، فقرأها: التربدي، فقال المأمون: أبو العباس جائع هاتوا له ثريدة، فقدمت إليه فأكرهه على أكلها، وغسل يده وعاد في تصفح للقصص فمرت به قصة مكتوب عليها (فلان الحمصي) فقرأ الخبيصي، فقال المأمون: كان غداء أبي العباس غير كافٍ، لابد للثريدة من أن تتبع بخبيصة، فقرّبت إليه فأكرهه على أكلها. ومنهم شجاع بن القاسم كان قرأ على المتوكل كتابًا فيه (حاضِرُ طَيٍ) فقرأها (جاء ضَرْ طي). وكان للمتوكل صاحب خَبرٍ يقال له ابن الكلبي، فكان يرفع في الخبر له كل ما سمعه ليمين كان أسلفه إياها، فرفع يومًا إليه (وأن امرأتي خرجت مع حِبّةٍ لها إلى بعضُ المنازه فسكرت حبَّتُها وعربدت عليها وجرحتها في صدغها) وترك (الصدغ) غفلاً غير منقوط، فقرأ (في صدعها)، ثم قال: إنَّا لله يعطل على ابن الكلبي مناكُهُ. وقرأ على عبيد الله بن زياد كاتبه عبيد الله بن أبي بكرة أنه وجد جماعة من الخوارج في شَرْب، فقال ابن زياد: وكيف لي بأن يكون

الخوارج يرون الشرب أو الحضور عند الشراب، وإنما وجدوا في (سربٍ). وقلتَ: هؤلاء صرعى التصحيف فمنهم من هلك، وبعض افتضح، ولم يبلغنا أن التصحيف نفع أحدًا إلا في حكاية واحدة جاءت عن الفرزدق فإنهم زعموا أن مولى له ورد عليه البصرة من البادية فأخبره أنه خَلَّفَ بسفوان امرأة قد عاذت بغير أبيه غالب، فرد الفرزدق مولاه من فوره إلى سَفَوَان في اسشخاص المرأة فلما قدمت عليه قال لها: ما الذي دعاك إلى الاستجارة بأبي؟ قالت: ابن لي بالسند قد جمر منذ سنين فزعت في فيكتبه إليك لتتلطف في استيهابه فقال: سمعًا، ثم كتب إلى تميم بن زيد القيني عامل خالد القري على السند: كتبتُ وعَجَلْتُ البِرادةَ إنني ... إذا حاجة حاولتُ عَجّتْ ركابُها ولي ببلاد السند عندَ أميرها ... حوائجٌ جمّاتٌ وعندي ثوابُها

فمن تلك أن العامرية ضمها ... وبيتي نوار طالبَ منها اقترابها أتتني تهادَى بعدَما مالتِ الطُّلى ... وعندي رداحُ الجَوفِ فيها شرابُها فقلت لها إيهِ اطلبي كلِّ حاجةٍ ... لديّ فعندي حاجةٌ وطِلابُها فقالت بحزنٍ حاجتي أنَّ واحدي ... حُبيش بأرضِ السندِ خوى سحابُها فأقفل حُبيشًا واتخذ فيه منَّةً ... لغُصة أمٍ ما يسوغُ شرابُها تميمُ بن زيد لا تكوننَّ حاجتي ... بظَهرٍ فلا يخفى عليك جوابُها ولا تقلبنْ ظهرًا لبطنٍ صحيفتي ... فشاهدها فيها عليك كتابُها فقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّكَ فارسٌ ... شجاعٌ إذا ما الحربُ شبَّ ضِرابُها فلما وردت عليه الأبيات قال للكاتب: أتعرف الرجل؟ فقال: كيف أعرف من لم ينسب إلى أب ولا إلى قبيلة، فقال: فاذهب واحضر بأبي كل من اسمه في الديوان حبيش، أو خنيس، أو حنيش، فأحضرهم وعددهم أربعون فأمر لكل واحد منهم بخمسمائة درهم، فقال: اقفلوا جميعًا إلى حضرة أبي فراس. قلتُ: والذي عرض من لفظ خنيس، وحنيش، وحبيش، من دخول اللبس عليه، وتمكّن التصحيف فيه قد يعرض في علم النسب مثلُه في أسماء القبائل فإن (شيبان) في ربيعة، و (صبيان) في حمير، و (ضَبَّة)

من الرباب و (ضِنَّة) أخت عذرة. وزعمت أن حنين بن إسحاق المترجم كان يحتاط فيما يبلغه من أسماء الأدوية ويفزع من الحرف ذي اللبس إلى آخر يضعه مكانه فمن ذلك أنه كان يكتب (السمتر) بالصاد (الصمتر)، ويقول أخاف أن يقرأ (الشعير) فيصير به الدواء داءً. وعارضت الروايات التي جائت فيمن وضع الخط العربي وقلت: رووا أن أول من وضع الكتابة العربية قوم من الأوائل نزلوا في عدنان ابن أدّ بن أُدد فاستعربوا ووضعوا هذه الكتابة على عدد حروف أسمائهم وكانوا ستة نفر أسماؤهم: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت. وأنهم كانوا ملوك مدين ورئيسهم كلمن فهلكوا يوم الظلّة مع قوم شعيب فقالت أختُ كلمن ترثيه: كَمَونٌ هدّ ركني ... هلكهُ وَسْطَ المحلهْ سيدُ القوم أتاه الحتفُ ... نارًا وسطَ ظُلَّه جُعلت نارًا عليهم ... دارهم كالمضمحلّه ثم وجد من جاء بعدهم حروفًا ليست من أسمائهم وهي ستة: الثاء، والخاء، والذال، والضاد، والظاء، والغين، فسموها الروادف "ثخذ ضظغ".

واقتضيتَ شيئًا مما يطول به الكتاب للتكرار الذي يقع فيه عند الإجابة عنه؛ وأنا أجيبك عما سألتَ عنه سالكًا فيه طريق الإنصاف، وتاركًا سبيل الضاد، متخلصًا من ركوب المصيب، والركون إلى الفساد واللّجاج وحميّة الجاهلية إن شاء الله. بسم الله: أما ما دفعتُه من رواية من روى أن أبجد وهوّز وحطي وما بعدها أسماء رجال وضعوا الكتابة العربية فلازم من جهات كثيرة؛ إحداها: أن هذه الكلمات الواقعة على حروف الهجاء أعني أبجد وأخواتها، لم تزل مستعملةٌ على وجه الدهر عند كل أمة وجيل من سكان الشرق والغرب ومتداولة في الأعداد النجومية خاصةً، وبعدُ فهي عند السريانية الأصل الذي يُتعلم منه الهجاء، وقد بقي استعمال ذلك عن الإسرائيليين من اليهود، والنصارى يدرسونه الصبيان في الكنائس فيقولون عند تعليمهم هجاء العبرانية الف، با، كمل، دال .... ثم يتبعونه بما يجئ بعده من قولهم: هوز، حطي ... على حكاية لغتهم، وهذا الذي عرَّبه عرب الإسلام، فقالوا (أبجد) مكان: ألف، با، كمل، دال. وقال ابن دريد: في حروف الهجاء العربي حرفان لا يجريان إلا على لسان العرب ولا يوجدان في لغات سائر الأمم وهما الظاء والحاء فخالفه بعض من كان يناوئه وقال الحاء موجودة في لغات ثلاث من الأمم؛ السريانية والعبرانية والحبشية.

وقال غير ابن دريد، الصاد لا تقع في لغة الروم، كما أن الضاد لا تقع في لغة الفرس، والذال لا تقع في لغة السريانيين، كما أنه لا يقع في لغة العرب لام بعدها شين، كما لا يقع فيها حرفان من حروف التهجي لفظهما واحد متجاورين في الأسماء والأفعال: شش، وكك .. وقد يقمان في أواخرها نحو نِكَك وصَكَك ومَشَش إلا في أسماء أصلها فارسية نحو: (بَبَان) و (دَدَان) و (ددٍ)، كما أنه لا يقع الذال في لغة الفرس في أوائل الأسماء والأفعال وإنما يقع في أواخرها وأواسطها. والجهة الثانية: أن أصول الهجاء العربي ليست عل نسق تأليف وأصول هجاء السريانيين الذين هو: أبجد هوز .... لأن هجاء العرب مؤسس على: ابتث، جحخد، ذرزس، شصضط، ظعغف، قكلم، نوهي. هذا هو قياس: اب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ وي. له، ألِّف من حروفها جُمَلٌ تجري في العربية مجرى أبجد في السريانية. والجهة الثالثة أن هذا الخبر صادر عن رجل كان يولد الأخبار

على الأمم الذين بادوا كعادٍ وثمود، وطسم وجديس، وأضرابهم، فإذا احتاج إالى توليد أشعار يؤكد بها تلك الأخبار خرج إلى ظاهر المدينة لامتحان الأعراب ملتمسًا من يحسن قول الشعر فإذا عثر على واحد عدل به إالى منزله فغدَّاه وكساه وحباه ثم سأله أن يقول شعرًا من جنس ما يريده فكانوا يعملون له مثل: كَلَمونٌ هدّ ركني ... هلكهُ وَسْطَ المحلهْ وهذا الرجل هو الذي ادعى على آدم عليه السلام أنه كان شاعرًا وروى له: تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجهُ الأرض مغيرٌ قبيحُ تغَيّرَ كلُّ ذي طعمٍ وريح ... وقلَّ بشاشةُ الوجهِ المليح وبُدّل أهلُها أثلاً وخَمْطًا ... بجناتٍ من الفردوس فيح وجاورنا عدوٌ ليس ينأى ... لعينٌ ما يموت فنستريحُ فلولا رحمةُ الخلاق أضحى ... يكفي من جنان الخلد ريحُ فيا أسفي على هابيلَ إبني ... قتيلاً قد توسدَ في الضريح فنسل بغباوته إلى نبيٍّ من أنبياء الله شعرًا ركيكًا واهي الركن ضعيف الأسر ذا إقواء ولم يعلم أن الإقواء من أكبر عيوب العشر وليت شعري ما معنى قوله: تغير البلاد؟ وأين رقاع هذه البلاد؟ ومن كان بانيها؟ وماذا أراد بقوله: ومن عليها؟

وقد جاءت روايات عارية من المحال يقبلها القلب من أن واضع الكتابة العربية مرامر بن مرة قبيل دولة الإسلام، وكان رجلاً من أهل الأنبار، فوقعت من الأنبار إلى الحيرة، ومن الحيرة إلى مكة والطائف، وجاءت رواية أخرى تؤيد هذه، فروي عن يحيى بن جمدية أنه قال سألت المهاجرين: من أين صارت إليكم الكتابة بعد أن لم تكونوا كَتَبة، فقالوا: من الحيرة، وسألنا بعدُ أهل الحيرة: ممَّن أخذتموها، فقالوا: من أهل الأنبار، وفي رواية ابن الكلبي والهيثم بن عدي: أن الناقل لهذه الكتابة من العراق إلى الحجاز كان حرب بن أمية وكان قدم الحيرة قدمة فعاد إلى مكة بها. قالا: وقيل لأبي سفيان بن حرب ممّن أخذ أبوك هذه الكتابة؟ فقال: من أسلم بن سِدرة وقال: سألت أسلمَ: ممّن أخذت هذه الكتابة؟ فقال: من واضعها مرامر بن مرة. فحدوث هذه الكتابة

للعرب قبل الإسلام صحيح يؤيده حدوث آلات أخر لهم لم تكن من قبل منها (الخطابة) و (البلاغة) و (قول الشعر) فإن هذه الأشياء كلها قريبة من ميلادل إقبال دواتهم، وقد كانوا غبروا بباديتهم الدهر الأطول وهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون؛ وكانت لحمير كتابة تسميها (المسند) منفصلة غير متصلة، وكانت حمير أمة على حدة، مباينة للعرب باللغة اليسيرة، بعيدة الدار من ديارهم، في منقطع التراب، على شاطئ البحر، وجيرانهم فيها الحبشة والزنج وأمم أخر من السودان، وكانوا مع ذلك يمنعون تعلم هذه الكتابة على العامة فكان لا يتعاطاها إلا من يؤذن له في تعلمها فلذلك دخلت دولة الإسلام وليس بجميع اليمن من يقرأ بها ويكتب ..... وجل كتابات الأمم من سكان الشرق والغرب والجرب والجنوب اثنتا عشرة كتابة وهي: العربية، والحميرية، والفارسية، والعبرانية، والسريانية، واليونانية، والروسية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية، والهندية، والصينية. فخمس منها اضمحلت وبطل استعمالها وذهب من يعرفها وهي: الحميرية، واليونانية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية. وثلاث قد بقي استعمالها في بلادها وعلم من يعرفها في بلدان الإسلام وهي: الروسية، والهندية، والصينية.

وحصلت أربع هي مستعملات في بلدان الإسلام وهي: العربية، والفارسية، والسريانية، والعبرانية. فأما العربية فذات نوع لا يتفنن، وإنما يتغير تخطيط أقلامها في حال التجويد والتعليق. وأما الفارسية فمتنوعة ذات سبعة فنون ذكر ذلك محمد الموبذ المعروف بأبي جعفر المتوكلي وزعم أن الفرس في أيام ملكها كانت تعبّر عن أصناف إرادتها بسبع كتابات، وأسماؤها: رَمْ دِفيره. كَشْتَه دفيره. نيم كشته دفيره. فِرورده دفيره. راز دفيره. دين دفيره. وسق دفيره.

وأما معنى (رم دفيره) فالكتابة العامية. ومعنى (كَشْته دفيره) الكتابة المغيّرة. ومعنى (نيم كشته دفيره) الكتابة المغيرة نصفها. ومعنى (فرورده دفيره) كتابة الرسائل. ومعنى (راز دفيره) كتابة السر، وكتابة الترجمة. ومعنى (دين دفيره) كتابة الدين وكان يكتب بها قرآنهم وكتب شرائعهم. ومعنى (وسق دفيره) جامع الكتابات، وكانت كتابة تشتمل على لغات الأمم من الروم والقبط والبربر والهند والصين والنبط والعرب. فكانت كتابة العامة من بينها ترسم بثمانية وعشرين قلمًا لكل قلم منها اسم على حدة نحو ما يقال في الخط العربي، خط التجاويد، وخط التحرير، وخط التعليق. وكانت صناعة الكتابة ذات أسماء مختلفة تلزم فنون طبقات الأعمال وقد نسي أكثر الأسماء؛ فما بقي على الحفظ: داد دفيره. شهرهمار دفيره. كده همار دفيره. كنج همار دفيره.

آخرهمار دفيره. آتشان همار دفيره. روان كار همار دفيره. وأما داد دفيره فكتابة الأحكام والأقضية. وشهر همار دفيره كتابة [الثلث] والخراج. وجده همار دفيره كتابة حسابات دار الملك. وكنج همار دفيره كتابة الخزائن. وآخر همار دفيره كتابة الاصطبلات. وآتشان همار دفيره كتابة حسابات النيران. وروان كار همار كتابة الوقوف. وكانت كتابات غير ذلك درست أسماؤها ولم تبق؛ فكانوا يستعملون في الكتابة هذه الأنواع السبعة كما كانوا في المنطق يستعملون خمس لغات وهي: الفهلوية، والدرية، والفارسية، والخوزية، والسريانية. فأما الفهلوية؛ فكان يجري بها كلام الملوك في مجالسهم وهي لغة منسوبة إلى فهلة، وفهلة اسم يقع إلى خمسة بلدان وهي: أصبهان والري وهمذان وماء تهاوند، وآذربيجان. وأما الفارسية فكان يجري بها كلام الموابذة ومن كان مناسبًا لهم وهي لغة كور بلد فارس.

وأما الدرية فهي مدن المدائن وبها كان يتكلم من باب الملك فهي منسوبة إلى حاضرة الباب، والغالب عليها من بين لغات بلدان أهل المشرق لغة أهل بلخ. وأما الخوزية فهي منسوبة إلى كور بلاد خوزستان، وبها كان تكلم الملوك والأشراف في الخلاء ومواضع الاستفراغ وعند التعري في الحمَّام وفي الأتون والمغتسل. وأما السريانية فهي لغة منسوبة إلى كور بلاد سوريان ستان وهي بالعراق، والسوريانيون هم الذين يقال لهم النبط، وبها كان يجري كلام حاشية الملك إذا التمسوا الحوائج وتشكّوا الظلامات لأنها أملق الألسنة. إلى ههنا حكاية زردشت بن آزدخور المعروف بمحمد المتوكلي. وكانت للفرس كتابة أخرى تسمى كتابة العصا حكاها الشفعاني ولم يعرفها المتوكلي فسمعت بكرًا الأقليدسي يقول: سألت الشلمناني عن معنى هذين البيتين: أيُّ كتابٍ بالطي تعرفُهُ ... وعند ضَمٍّ تبين أحرُفُه والنشرُ مما يزيل صورته ... وكُتُبُنا كلُّها تخالفُه فقال: هذا نعت كتابة العصا، وكانت كتابة الملوك الفرس، تودعها الأسرار التي تخاطب بها خواص عمَّالها في بلدان أعمالها، ولم تكن تخط

بمداد ولا ما يجري مجراه، وإنما كان يُعْمَدُ إلى جلد أبيض فيُقَيد منه سير طويل ثم يعمد إلى عصا الفيج أو المكاري فيلف السير عليها، ويضم حروف السي بعضها إلى بعض، ثم يدعو بمسامير فتركب في السير على العصا كي يتماسك، ثم يكتب عليه ما يخاطب العامل به، فإذا فرغ من الكتاب سُلَّت تلك المسامير وكشف ذلك السير عن العصا فكان لا يتبين منها إلا نقط متفرقة، ثم يلف السير ويجعل كالطبق، ويقال للفيج أو المكاري إذا نزلت منزلاً فضع طعامك عليه لتوهم أنه طبق طعامك فيكون هذا دأب الرسول إلى أن يبلغ إلى حضرة المكتوب إليه، فحينئذ يرد لف السير على العصا، كما كان رسم به، بأن يجعل الثقب التي في السير تجاه الثقب التي في العصا، ويشد المسامير في الثقب ثم يضعها عند المكتوب إلأيه، فهذا هو الكتاب الذي إذا ضم وطوي بعضه إلى بعض أمكنت قراءته فإن نشر زالت صورته فتعذرت قراءته. ثم سألت عنها أحمد بن علي البرقي فقال: نعم هذا صحيح، وأخذ درجًا من كاغد كان بين يديه فكسر منه شبيهًا بورقتين وضم أثناءه بعضها إلى بعض ثم كتب عليه شيئًا يُقرأ، ثم نشره وبسمله فصار في كل موضع من الورقتين كالعلامة والنقطة، فقال: هذا هو الكتاب الذي وصفه قائل البيتين: قال بكر: ولم أشر واحدًا من المعنيين ولا خطر لي ببال ولكنني مررت بصحّاف عنده مجلّد فنظرت إلى حروف الأوراق الممسوحة

بالسيف، وقد كتب عليه كتاب كذا وكذا، فكان هذا يُقرأ مادام متصافًا [متصلا] فإذا نشر وتباينت الأوراق صارت الكتاب كالنقطة والعلامة في حروف الورق فهذا الذي أردته. وأما قولهم: صحف فلان ما رواه، وجاء بالمصحّف؛ فقد أجاب أهل المعاني في معناه، فقالوا: أما معنى قولهم (التصحيف) فهو أن يقرأ الشيء بخلاف ما أراد كاتبه وعلى غير ما اصطلح عليه في تسميته، وأما لفظ (التصحيف) فإن أصله فيما زعموا أن قومًا أخذوا العلم عن الصُحف من غير أن لقوا فيه العلماء فكان يقع فيما يروونه التغيير فيقال عندها (قد صحفوا فيه) أي رووه عن الصحف، ومصدره التصحيف ومفعوله مصحّف. فأما المُصحف فمأخوذ من قولهم (أصحف إصحافًا) وأصله أن الصحف جمعت فيه فقيل: قد أصحف، ولو مسمى التصحيف تغييرًا أو تبديلاً جاز. وقال أبو فواس في تقريظ أستاذه خلف الأحمر: لا يهم الحاء في القراءة بالخا ... ء ولا يكون إسناده عن الصُّحف

وأما سبب وقوع التصحيف في كتابة العرب فهو أن الذي أبدع صور حروفها لم يضعها على حكة، ولا احتاط لمن يجيء بعده، وذلك أنه وضع لخمسة أحرف صورة واحدة وهي: الباء، والتاء، والثاء، والياء، والنون. وكان وجه الحكمة فيه أن يمنع لكل حرف سورة مباينة للأخرى حتى يؤمن عليه التبديل. وقال أرسطو طاليس: كل كتابة تتشابه صور حروفها فهي على شرف تولد السهو الغلط والخطأ فيهم، لأن ما في الخط دليل على ما في القول، وما في القول دليل على ما في الفكر، وما في الفكر دليل على ما في ذوات الأشياء. وزعم بعض الفلاسفة أن كتابات الأمم إنما اختلفت كما اختلفت لغاتهم، فأما المعنى الواصل إلى الفكر فواحد لا يتغير، وصورة حروف الهجاء إنما هي علامات تحميل الدلالات، والعلامات كانت أشهر صارت دلالاتها أوضح، وإذا جاءت الدلالات أوضح كان الشك فيها أبعد، والفهم إليها أسرع. وأما سبب إحداث النقط فإن المصاحف الخمسة التي استكتبها عثمان رحمه الله وفرقها على الأمصار، غير الناس يقرءون فيها نيفًا وأربعين سنة, وذلك من زمان عثمان إلى أيام عبد الملك، فكثر التصحيف على ألسنتهم، وذلك أنه لما جاءت الباء والتاء والثاء أشباهًا في الاتصال والانفصال، وكانت الياء والنون بحكيانها في الاتصال تمكن التصحيف في الكتابة تمكنًا تامًا، فلما انتشر التصحيف بالعراق فزع الحجاج إلى كتابه وسألهم أن يضموا لهذه الحروف المشتبهة علامات فوضوا النقط إفرادًا، وازدواجًا، وخالفوا

في أماكنها بتوقيع بعضها فوق بعض الحروف وبعضها تحت الحروف، فغير الناس بعد حدوث النقط زمانًا طويلاً لا يكتبون دفترًا ولا كتابًا إلا منقوطًا، فكان مع استعمالهم النقط يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يُتبعون ما يكتبون بالنقط مع الإعجام فإذا أغفل الاستقصاء على الكلمة فلم توفَّ الحقوق كلها من النقط والإعجام اعترافها التصحيف فالتمسوا حيلة ثالثة [فلما] لم يقدروا عليها قالوا فقد بان لمن عقل وأنصف من نفسه أن اعتراض التصحيف في هذه الكتابة، مع ما جُلب إليها من الزيادة في البيان بالنقط والإعدام، ليس إلا من ضعف الأساس. قالوا: والتصحيف ربما عرض في الكلمة على مثالين وثلاثة وأكثر، وربما لم يعرض فيها بتة، فأما ما لا يعرض فيه بتة فمثل (طمع) فإنه لا تصحيف له إلا أن يوصل بغيره، وأما ما يعرض على مثالين فمثل (الوعد) من المدة و (الوغد) للرجل الخسيس، وأما ما يعرض على ثلاثة أمثلة فمثل (الضَّخْم) للسمين و (الصَّحْم) للاحمرار في السواد و (الضَّجَم) لميلان الشدق. فأما الاسم الثلاثي إذا كانت حروفه كلها من التشابه وكانت مثالة في الخط على هذا (سـ) فإنها تصحف على أكثر من ثلاثين مثالاً نحو: بِنْتُ، نَبْتٌ، نِيبٌ، بِيبٌ، ثَيِّبٌ، ثَبَتَ، ثَبْتٌ، نَبَتٌ، ثَنَتٌ، نَثَتَ، نَبَثَ، ثُبِتَ، نُبْتُ، بَيَّتَ، ثَبَتُّ، نَبُتُّ، بَيَّتَ، يَبُتُّ، تُبْتُ، تُبْتَ، تُبْتُ، يَثِبُ، تَثِبُ، نَثِبُ، بِنْتُ، بِنْتُ، بِنْتَ، بِنْتِ، نَبَتُّ، نَبَتَّ.

فإذا اتفق على الاسم الثلاثي أن يكون أحد حروفه السين تصحّف على نحو مائتي مثال: نحو: (السبب): يكون الأمر والقرابة، ويكون الحبل، فإذا صحّف إلى (السبت) كان اسم يوم من أيام الأسبوع، واسمًا لضرب من السير واسمًا لحلق الرأس. و(السّبِت): اسم للجاود التي تتخذ للنعال. و(السَيب): مجرى الماء وهو معرّب من الفارسية وفارسيته شف. و(السَّيب): العطاء، والسَّيب، العبيد يعتقون. و(الشَّيب): رقة الأسنان ونقاؤها. و(الشيب): سير السوط. و(الشَبَتَ): نبت. و(شيث): ابن آدم عليه السلام. ومعنى له (سَنَبٌ) من الدهر، وسَنَبهُ أي برهة. و(النسيئ) والنسء: التأخير. و(السيُّ) والسيء: المسيُّ. وهو (شيء) أي مبغض. وهم (شتى) أي متفرقون. وهو (سيء الحال) من السوء. وهو (بي بفلان) أي مستأنس به.

و (السنن) جمع سُنَّة. و(سَنَن) الطريق مستواه. وأمر (سنيٌّ) أي سهل و (سنيٌّ) أيضًا أي مرتفع. و(سنيٌّ) مضيء. و(سنيٌّ) مرضيٌ. و(شَئِنٌ) غليظ جافٍ. و(شُنْنٌ) جمع. وفرس (سَنِتٌ) كثير الجري وجمعه سنوت. و(السنوت) الكمّون. و(بئس) ضد نعم. و(بئيس) منه قول الله تعالى: {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} وقد قرئ بييس، وبئس. و(البِيْش) حشيشة هي سم ساعة وهو اسم مأخوذ من الفارسية. و(التيس) واحد التيوس ويقال للضبع تيس سميت بزجر لها وهو قولهم: تيسي جمار، ويقال: تيسأ جمارِ. و(البَنْسُ) التراب. و(التُبُشُ) جمع النابش. و(النشب) الكسب والمال. و(النَسَب) أن ينسب الرجل إلى قبيلته. و(النِسَب) جمع نسبة.

و (السُنُب) جمع سنيب وهو الطريق المستدق للنمل. و(الشَّنَبُ) أن يأكل البمبو الشوك فتغلظ مشافره، وبعير شَنِبٌ. و(الشَّنَبُ) دوية رملية. وطريق (يَبِسٌ) بين اليُبْس. و(الشَّبَتُ) التعلُّق، ونصر بن شبث. و(عبد المسيح بن شَئَن) الكاهن الذي يقول لسطيح: أصمُّ أم يسمعُ غِطريف اليَمَنْ ... أتاكَ شيخُ الحيّ من آل شَئَنْ و(الشَيْن) ضد الزَّين. وقد (شِين) وجهه. و(الشين، والسين) حرفان من حروف المعجم. و(التبيين) للأمر. و(التثبت) للقدم. و(النَّبيت) للصبي. و(النثيث) للحديث. و(السيب) للعطاء. و(البثيث) للتبذير. و(النشب) والنشوب بمعنى واحد.

ويكثر ذلك في الأفعال نحو: (سبَّب له) المال, و(سُبِتَ) من الشُّبات, و(سيّب) خلّى, و(سَنَتَ) وأسْنَتَ من الضرْ, ويقال للمرأة (لم تَبيني) و (تُنبتي) و (بيني) بولدك من البَيْن, ويقال للرجل (أنت تَبْتَني) و (تنثني) , وفي التثنية نحو (ثنتين ثنتين) و (بنتين بنتين) , والأمر (تبيّن)، والمُفَلّي (نَبَشَ)، وقال الله {بست الجبال بسا}، ولم (يَشُب) ودّه مَلق، ولم (يَشِبْ) فلانُ، وأمر (شَتُّ)، و(سَنَتَ) القِدر بالسنوت وهو الكون. وأحرف مما جاء على عجائين إذا لحقتهما ياه زائدة أو أضيفت أو صُغِّرت أو دخلتها نون جمع أو ياء غائب مثل: (بُنَيَّ). وقرعتُ (سنيّ) ندامةَ. وقعقعت له (بشنيّ). والنسوة (شِبْن).

فإذا تصحفت لفظة واحدة على أكثر من مائتي وجه فقد بان أن واضع الهجاء لم يحكم وضعه، ويكون الاحتراس من التصحيف لا يدرك إلا بمعرفة اللغة وعلم مقدمات الكلام ومعرفة ما يصلح أن يأتي بعدها مما يشاكلها وما يستحيل مصاقته لها، فأما إن كان قبل الخمس السنات أو بعدها حرف معنى فإن ذلك يكون منه فنون كثيرة مثل: حسبت، وعسيت، وخنست، ومثل: حنيش، وخنيس، وعبيس، ومثل/ لو خشيت/ فإنه تصحيف/ لوح شيث/ ومثل/ نسخ/ وسببه/ وسيف/. ولو رام إنسان من أهل الزمان أن يضع كتابة سليمة من التصحيف، جامعة لكل الحروف التي تشتمل على جميع اللغات لزمه أن يضع أربعين صورة لأربعين حرفًا؛ منها ثمانية وعشرون حرفًا؛ ما قد رسم بها هجاء العربية التي هي اب ت ث جـ حـ خـ ... ومنها أربعة جارية في العربية على ألسن أهلها ولم يخصموها بصورة وهي: النون الغنَّاء، والهمزة، والواو والياء اللينتان.

فالنون الغنَّاء هي التي تخرج من الغُنَّة وهي مثل نون/ منذر/ لأنها ليست من مخرج ونون/ رَسَن. والهمزة: مثل/ قرأ/ و/ رفأ ومثل أول حرف من/ أحمد/ لأنها ليست من مخرج ألف حامد. والواو والياء في/ عمود/ و/ بعير/ لأنهما ليستا من مرخج ياء/ بُرَيْد/ و/ زبد/ وواو/ واصل/ و/ صواب/. ومنها ثمانية أحرف لا تقع في العربية أصلاً، وإنما تقع في الفارسية خاصة وفي سائر لغات الأمم عامة وهي: الحرف الذي بين الفاء والباء وذلك إذا قلت/ يا/ يعني الرِّجل، وإذا قلت/ بَنِير/ يعني الجبن. والحرف الذي بين الفاء والباء أيضًا وذلك إذا قلت/ لب/ يعني الشفة وإذا قلت/ شب/ يعني الليل. والحرف الذي بين الجيم والصاد وذلك إذا قلت/ جراغ/ يعني السراج، وإذا قلت/ جاشت/ يعني الغذاء. والحرف الذي بين الجيم والزاي وذلك إذا قلت/ وازار/ (واجار) يعني السوق، وإذا قلت/ هوجستان/ يعني خوزستان.

والحرف الذي بين الكاف والغين وهو في أول قولك/ كاذر/ لفارسية القصّار أو في أول قولك/ كج/ لفارسية الجصّ. والحرف الذي بين الخاء والواو في أول قولك/ خرشيد/ لفارسية الشمس، / وخرّم/ لفارسية اليوم. والحرف الذي يشبه الواو في ثاني قولك/ نَوْ/ لفارسية الجديد و/ بو/ لفارسية الرائحة. والحرف الذي يشبه الياء في ثاني قولك/ سير/ لفارسية الشبعان، وفي ثاني قولك/ شبر/ لفارسية الأسد. فذاك أربعون حرفًا تحيط بجميع اللغات، ويخط بكتابتها كل شيء. وحكى لي النوشجان بن عبد المسيح عن أحمد بن الطيب تلميذ

الكندي أنه لما احتاج إلى استعمال لغات الأمم من الفرس والسريانيين والروم واليونايين وضع لنفسه كتابة اخترع لها أربعين صورة مختلفة الأشكال متباينة الهيآت فكان لا يتعذر عليه كَتْبُ شيء ولا تلاوته وهذه صورة تلك الحروف الأربعين .... وقال بعض فلاسفة الإسلام: عدد حروف/ أبجد/ هو كعدد منازل القمر، إذ كان كلا العددين ثمانية وعشرين، وهجاء العرب خارج من هذا التمثيل لأن واضعه أخرجه عن هذا النظام فجعله تسعة وعشرين فعارضه معارض من فلاسفة النحويين وقال: إن كان واضع الهجاء قد أخطأ بزيادة ما زاد فليس ذلك بمخرج حروف هجاء العرب عن موازاة أعداد منازل القمر، كما أن في نفس حروف الهجاء ما يوازي أعدادُه أعدادَ الكواكب السبعة لأن الحروف الزوائد هي على عدد البروج، وهي: الهمزة، والألف، والياء، والواو، والنون، والتاء والهاء، واللام والميم، والسين والياء والكاف. قال: ولها شبه آخر بمنازل القمر لأن هذه الثمانية والعشرين أربعة عشر هي النصف منها فهي تندغم مع لام التعريف، كما أن في منازل القمر أربعة عشر تكون أبدًا مستترة وتحت الأرض.

وأما الموازي لعدد الكواكب السبعة فنهاية عدد حروف الأسماء لأن غاية حروف الاسم الواحد العربي مع ما يلحقه من الزوائد سبعة نحو: مسحنكلة وما أشبهها. قال: وذكر الكندي الفيلسوف ما يؤيد قياسي في هذه الحروف وهو أنه قال: إنما جاء الإعراب على ثلاث حركات هي: الرفع، والنصب، والخفض لتصير هذه الحركات بإزاء الحركات الثلاث الطبيعية التي هي حركة من الوسط كحركة النار والهواء، وحركة إلى الوسط كحركة الأرض والماء، وحركة على الوسط كحركة كرة الفلك. قال: وقد زدت على الكندي زيادة لائقة بما حكاه، وهو أنه ليس في لغة العرب كلمة تتوالى فيها أكثر من ثلاث حركات إلا ما جاء معدولاً نحو/ عُلَبِطٍ/، المعدول عن علابط. قال: ومن وضع الكتابة العربية لم ينتبه إلى ما يدخل اللبس على الأسماء المتشابهة الحروف فترك الناس مضطرين إلى طلبل الاحتيال في التماس العلامات لها وهم مع ذلك يستدلون على تبيُّن ما يقرءون مما قبله وما بعده نحو. (يا أيُّها الرجلُ المُرحى) ينظر إلى ما بعده فإن كان/ مكيَّتَه / أو/ سفينتَه فهو (المُزجي)، وإن كان/ عمامتَه / أو/ كمَّه/ أو ذيلَه/ فهو (المُرخي)، وإن كان/همّه / أو/ غريمَه/ أو/ رأيَه/ فهو (المرجيء). وقد بين وزن الشعر على ما يعرض في الأشعار من هذا النحو: أأن تانوا وحموا العس تحدى

يصلح أن يكون (تُحدى) أي يجدوها الركبان، و (تَخدي) من الوخد وهو ضرب من السير، ولو جاء بعد هذا ذكر السبب لكان (تحدي) أي تنقل أخفافها، وكذلك لو جعل مكان (العيس) العنس. قال: والتصحيف الذي لا يعاب قائله به، ويُمثل للائمة عليه، ما لم تفسد به قاعدة الكلام، ولا يجد المعترض فيه مقالاً، مثل قول القائل: ما زال وقعُ سيوفِنا ورماحِنا ... في كل يوم تحايل ورجام فإنه لم رواه واوٍ (وزحام) لما لحقه بأس. وسواء عليه من روى في شعر الأعشى: (كحلقه من أي رياح) أو (من بني رياح) وكذلك كل ما جرى هذا المجرى من أسماء من لم يشتهر برئاسة وسيادة ولكن في أسماء الناس ما يقع فيه اللبس، حتى لا يحيط بمعرفة الصحيح منه إلا علماء النسب نحو: /عَيْلان / و/ غَيْلان/ و/ ربّان/ و/ زيّان/ و/ عدنان/ و/ عُدْنان/ و/ حيّان/ و/ حنّان/ و/ شيبان/ و/ سيبان/ و/ بشار/ و/ يسار/ و/ عبّاد/ و/ عيّاد/ و/ رباب/ و/ زَيَّات

و/ زياد/ و/ زناد/ ز/ حرام/ و/ حزام/ و/ عباس/ و/ عياش/ و/ خراش/ و/ حبيش/ و/ خنيس/ و/ شريح/ و/ سريج/ و/ زريق/ و/ رزيق/ و/ حُضين/ و/ حُصين/ و/ عفيل/ و/ عُقيل/ و/ خبيب/ و/ حُبيب/ و/ خطيم/ و/ حطيم/ و/ كثير/ و/ كبير/ و/ يزيد/ و/ تزيد/ و/ عيينة/ و/ عتيبة/ و/ عُبيدَة/ و/ عَبيدة/ و/ عبْدة/و/ عَبَدة/ و/ حارثة/ و/ جارية/ و/ حازم/ و/ خازم/ و/ حَرَم/ و/ حَزْم/ و/ بشر/ و/ بسر/ و/ حَجَر/ و/ حُجْر/ و/ حمزة/ و/ جمرة/ و/ عنترة/ و/ عنيزة/و/. فهذه أسماء قد صحف الناس فيها ختى ألجئوا إلى علم العلماء بها كما صحف العلماء اسم الشاعر الذي ذكره امرؤ القيس في قوله.

عوجا على الطلل المُحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام فسألت النسابة أبا الحسين الأصبهاني عنه فقال: رواه الأصمعي/ خذام/ ورواه أبو عبيدة/ جذام/ ورواه راوٍ/ حزام. وقال أبو عبيدة: وفد علينا وفد من بني جعفر من كلاب فيهم أبو الوثيق فسألناه عنه فقال: قدّرنا علم ذلك بالحضر، ونحن على شك في/جذام/ و/حذام/ قلنا: من هو؟ قال: لا أدري. قلنا: فمتى بكى الديار؟ قال: لا أدري. قال النسَّابة: هو عندي غير من ذكروا لأنه امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة بن هُبل، ابن أخي زهير بن جَنأب بن هُبل الكلبي، ويقال له (عدل الأصرة)، وروى أعرابي من كل له أبياتًا يبكي فيها الديار، وذكر علماء كلب أنه كان يغزو مع مهلهل وإياه عنى مهلهل بقوله: لما توغّر في الكُلاب هجينُهم ... هلهلت أثأر جابرًا أو صِنْبِلا فعلم هذا لم يكن بالبصرة وإنما كان بالسماوة، وعنهم أخذ أهل هذا الأمر. بسم الله: وحَضرني في هذا الموضع فقر من حكم البلغاء وبدائع الشعراء في تقريظ الخط العربي يزول بها عن النفوس ذات الفضائل ما يداخلها من الضجر ببشاعة التصحيف.

قال عبيد الله بن العباس العلوي: الخط لسانُ اليد. وقال يحيى بن خالد: الخط صورة روحها البيان، ويدها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصُول. وقال جعفر بن يحيى: الخط سمط الحكمة به تفصَّل شذورها وينتظم منثورها. وقال سهل بن هرون، وقد نظر إلى خطين: هذا وشي محبوك، وهذا ذهب مسبوك. وقال أبو العباس: الخطوط رباض العلوم. وقال خالد الكاتب: الخط حَلْيُ العقول. وقال الحسن بن رجاء: الخط متنزه الألحاظ ومجتنى الألفاظ. وقال أبو دلف العجلي: الخط صيغة الكلام، والقلم سائغه، يفرَّع بما أصلَّه العلم.

وقال عبد الله بن طاهر: حسن الخط يناضل عن صاحبه بوضوح الحجة، ويمكّن من درك البُنية. وقيل: رب خطٍّ ضاق عن العيون، قد ملأ أقطار الظنون. وقال أسحق: الخط صيغة، والقلم صائغ، واللسان مستنبط، والقلب معدن، والعقل عنصر. وقال محمد بن غالب (القرشي): ليس شيء أحمل لشاهد بغائب من خط. ووصف أحمد بن إسماعيل خطًا: فقال: لو كان نباتًا لكان زهرًا، ولو كان معدنًا لكان تبرًا، أو مذاقًا لكان حلوًا، أو شرابًا لكان صفوًا. وقال مسلم بن الوليد الشاعر: الخط هو المقيِّد على الباقين حُكم الماضين، والمخاطب للعيون بسرائر القلوب على لغات مختلفة، في معانٍ مقصودة، بحروف معلومة من ألف وباء وجيم متباينات الصور، مختلفات الجهات،

لقاحها التفكير، ونتاجها التأليف، تخرس منفردة، وتنطق مزدوجة، بلا أصوات مسموعة، ولا ألسن مشحوذة. وقال أقليدس: الخط هندسة روحانية، وإن ظهرت بآلة جسمانية، فأخذ النّظام معناه وأفرغه في قالب سواه من الألفاظ فقال: "الخط أصيل في الروح، وإن ظهر بحواسّ الجسد". وقال جالينوس: الكتابة كلامٌ ميتٌ يتناوله قارئه كيف يشاء، والخطابة كلام حيّ يمكن صاحبه أن يبصره حتى يبلغ منه غرضه. وقال أرسطاطاليس: الخطُ العلةُ الصورة، والقلم العلة الآلية، والمدادُ العلةُ الهيولانية، والكاتب العلة الفاعلية، والبلاغة العلة التمامية. وقال أفلاطون: عقول الرجال ظاهرة على خطوطها، كما أن خطوطها باطنة تحت سن أقلامها. وللحسن بن وهب في نعت قلم: قد راقني كتابك، وآنقني ما ضمنته من وشي بنانك، وأودعته من نسج أقلامك، ونمقته من طرائف خطوطك، وبدائع حروفك، وغنمته فيه من عجائب سطورك، وغرائب فصولك،

التي هي أحسن من الخيلان في خدود الحسان، وأبهج من العقائص في فروع الأوانس، وأبهى من نقوش الخضاب، في أطراف الغانية الكعاب، وأزهر من اللؤلؤ والمرجان في سموط شَكِلات القيان، وأنور من القلائد في لبّات الخرائد، وأملح من نظم العقود، في جَيْب المغناج الخود، وأزبَن من الدرر والزبرجد في صدور النواعم الخُرّد، فسبحان من أجرى أناملك اللطيفة على تقليب أقلامك المرهفة، في منون القراطيس، وبطون الكراريس، بحافات كأنها ألسن الحيّات حتى أطاعتك، ولعبت لك في الحروف بالمد المستقيم، والمعقّف المستدير، وحُسن الخط والتسطير، والتطبق والتفليق، في الجليل الأنيق، والمليح الدقيق، من المرصّف المدرّع، في أسرع من لمح الطارف، ولمع البرق الخاطف في أتم التمام وأحسن النظام/ وأكمل الكمال، وأجمل الجمال، لا بالمختل المموّج، ولا بالناقص المُنَتّج، بحروف مقوّمةٍ مملحة، وعيون مبينة

مفتّحة، تلوح في بقق البياض، كطرائف الأنوار في الرياض، فأنت نسيجُ وحك، ونظيم جوهرك، فبارك الله لك فيما أفادك ومن كل خير زادك. وقال إبراهيم بن جبلة: زارني عبد الحميد الكاتب وأنا أخط خطًا رديًا فقال لي: أتحب أن يجود خطك؟ قلت: نعم. قال: أَطِلْ جلفة قلمك وأَسْمِنها، وحرّف قعلتك وأيْمنها، ففعلتُ فجاد خطي. ونظر عبد الله بن طاهر إلى كاتب من كتاب ديوانه بخط خطًا رديئًا فقال: نخشوا هذا عن ديواننا فإنه عليل الخط. وسئل بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف بالجودة؟ فقال: إذا اعتدلت أقسامه؛ وطالت ألفُه ولامُه، واستقامت سطوره، وضاهى مسوده حدوره، وتفتَّحت عيونُه، ولم تشتبه راؤه ونونه، وأشرق قرطاسُه وأظلمت أنفاسه، ولم تختلف أجناسه، وأسرع إلى العيون تصوره، وإلى القلوب تثمُّره، وقُدرت فصوله، واندمجت أصوله وتناسب دقيقُه وجليلُه، وخرج عن نمط الورّاقين، وبعد عن تصنع المحررين، وقلم لصاحبه مقام اللبسة والحلية كأنه حينئذ كما قيل:

إذا ما تجلّل قرطاسَه ... وساوره القلمُ الأرقشُ تضمّن من خطه حُله ... كنقش الدنانير بل أنقش حروفًا تعيد لعين الكليل ... نشاطًا ويقرؤها الأخفش ووصف أحمد بن صالح من جارية خطّاطه آلات كتابتها فقال: كأن خطَّها أشكالُ صورتها، وكأن مدادُها سوادُ شعرها، وكأن قرطاستها أديمُ وجهها، وكأن قلمها بعضُ أناملها، وكأن بيانها سحرُ مقلتها، وكأن سكينها غنج لحظها، وكأن مقطَّها قلب عاشقها. كما وصف المحرر الأحول آلات الكاتب فقال: ليكن الكَرسُف في نهاية السواد، والليقة التي فيها الكُرسف في غاية اللثين والنعومة، لأنها إذا نعِمت أمكن الكاتب أن يشمها رَوْق القلم، ولا يلحقه كلفة ولا إبطاء في الاستمداد، وليتمهد الليقة والكرسف بالملح والكافور ليكون آمن لبخرها، ولتروّح برائحة ذكية، كما قال أحمد بن إسماعيل بن الخصيب. كأنما النِفْسُ إذا استمده ... غاليةٌ مَدُوقَةٌ بعنبر

ووصف واصف دواةٌ فقال: كأن مدادها لُعابُ الليل. ووصف القرطاس فقال: لا يزال القرطاس أمرد ما لم يكحله ميل الدواة. ووصف السكين فقال: هو مسنُّ الأقلام يتخذها إذا كلت، وبصقها إذا نَبَتْ وبطلقها وبلمها إذا تشعثت، وأحسن السكاكين ما عَرُض صدره، وأرهف حدَّه، ولم يفضُل عن القبضة نصابُه. ووصف رجل الدواة فقال: قرَّبَ البعدَ مركبٌ لدواة ... مُلْجَمٌ من حليَّه بلجام فِضَّةٌ تُستضاءُ في آبنوسٍ ... مثل ضوء الإصباح في الأظلام كخِوانِ الطعام سُهْل للآ ... كلِ ما كان منه صَعْبَ المرام فهذه جمل كافية من نثر البلغاء في نعت الخط، [فلنأت] بما ورد من نظم الشعراء؛ فمن لطيف ما جاء في ذلك قول أحمد بن إسماعيل: أضحكتَ قرطاسك عن جَنْةٍ ... أشجارُها من حكمٍ مثمرهْ مسودة سطحًا ومبيضة ... أرضًا كمثل الليلة المقمرهْ

وقال أيضًا في نعته: وإذا نمنمتْ بنانُك خطًا ... معربًا عن إصابة وسَداد عجب الناس من بياض معانٍ ... تُجْتَنى من سواد ذاك المداد وقال أيضًا: مستوِعٌ قرطاسَه حِكَمًا ... كالروض زيِّن نبتَه زَهَرُه وكأنْ أحرفَ خطَّه شجرٌ ... والشكلُ في أضعافها عمرُه وقال عبد الله بن المعتز: فدونكه موشى نمنمتْه ... وحاكته الأنامل أيِّ حَوْك بشكل يؤمَن الإشكالُ فيه ... كأنَّ سطورَه أغصانُ شَوْك وقال حميد بن أبي سلامة الكوفي: جاء خطٌ كأنه شعراتٌ ... وَسْطَ خدٍ لم يَسْتلبْهُ عذارُ أو كنقش الحناء في كف عذرا ... ء أباحتك لمحها الأستار

وقال علي بن الجهم: يا رقعةً جاءتك مثنيِّةً ... كأنها خدٌّ على خد بَنْدُ سواد في بياضٍ كما ... ذُرِّ فتيت المسك في الورد ساهمةُ الأسطر مصروفةٌ ... عن مُلَح الهزلِ إلى الجد يا كاتبًا أسلمني عَبْثُه ... إليه حَسْبي منهُ ما عندي وقال ابن الرومي يصف كتابًا: مُتَنَطِّق من جلدِهِ ... مُتَخَتِّم في خصره أبدًا تراه وصدرُه ... في بطنه أو ظهرِه وقال أبو تمام يستدعي المكاتبة من صديق له: أُجْلُ القَذى عن مقلتي بأسطرٍ ... يكشفن من كرباتِ بالٍ بالي سودٌ يُبَيِّضْنَ الوجوهَ بمصطفى ... تلك النوادرِ منك والأمثال واحثُتْ أناملَك السوابقَ بينَها ... حتى تجولَ هناك أيُّ مجال

في بطنِ قرطاسٍ أنيقٍ ضُمَّنتْ ... أحشاؤه غررَ الكلامِ الغالي إني أعدُّك مَعْقِلاً ما مثلُهُ ... كَهْفٌ ولا جَبَلٌ من الأجبال وأرى كتابَكَ بالسُّلافةِ مَغْنيًا ... عَن كُتْبِ غيرْك باللهى والمال وقال العلوي الأصفهاني يصف كتابًا ورد عليه من صديق له ويستدعي منه المكاتبة: صَدَفٌ شُقّ عن لآلٍ ودُرِّ ... أم كتابٌ قد فُضَّ عن نظمِ شِعْر وعذارى برزْنَ لي في حِدادٍ ... أم سُطورٌ زَهَتْ بنَظْمٍ ونَثْر لا وأُنْسِي وفرحتي بكتاب ... أنا منْه في أنسِ أضحَى وفِطْر مَا دجا ليلُ وَحْشَتي قَطٌ إلاَّ ... كنتَ لي فيه طالعًا مثلَ بدْرٍ بحديثٍ يقيم للأنسِ سوقًا ... وكتابٍ يَكُفُّ لوعةَ صَدري لا تُؤخِّرْ عَنِّي الجوابَ فَيَوْمي ... مثلُ دهرٍ وساعتي مثلُ شَهْر بأبي لو قدرْت من فرْطِ شَوْقي ... كنتُ طيِّ الكتابِ أولَ سَطْر

واستهدى من أحمد بن إسماعيل دفترًا فيه (حدود الغراء) فأهداه إليه وكتب على ظهره: خُذْهُ فقَدْ سوَّغت منه مشبهًا ... بالرَّوْضِ أو بالبُرْدِ في تفوِيفِه نظمَتْ كما نُظِمَ السحابُ سُطورُهُ ... وتأنَّقَ الفَراءُ في تأليفه وشكلتُهُ ونقطتُه فأمنتُ منْ ... تصحيفه ونجوتُ من تحريفه بستانُ خطٍ غيرَ أنَّ ثمارَهُ ... لا تُجْتَنى إلاَّ بشكلِ حُرُفِه ووصف شاعر لعاملٍ كتابًا فقال: إني رأيتُ بخطه ... حُسنًا يصيدُ به العُقُولا كمنَمْنَمٍ للوَشْي قَدْ ... سَحَبَ الفِيانَ بِهِ ذُيُولا أو كالرِّياض بَكى الحيَا ... فيها فأوسَعَها هُمُولا فتضاحَكَتْ ضَحكَ الخليلَةِ ... حين أبصَرْتِ الخليلا وتَرَاهُ للمعنى اللطيف ... متى أشرْتَ بهِ قَبُولا لا مُستعيدً مِنْكَ إذْ ... تملي عَليهِ وَلا مَلولا

عَرَفَ المبادِئَ والوُصُولَ ... من الخَطابَةِ والفُصُولا وصُنُوفَ تَرْتِيبِ الدعاء ... وأن يُقصَرَ أو يُطيلا والهمْزَ والمُدودَ والمقْصورَ ... والمثَلَ المقُولا وهذه الفقر التي نثرت في نعت الخط بالنثر والنظم، يليق بمجاورتها ما سار عن البلغاء في نعت الأقلام. قال أحمد بن عبد الله الأطماسي: العلم راقد في الأفئدة مستيقظ على الأفواه سائر بالأقلام. وقال العتابي: ببكاء القلم يضحك الخط. وقال جعفر بن يحيى وقد أبصر خطًا حسنًا: لم أرَ باكيًا أحسن تبسمًا من قلم. وقال أنس بن أبي شيخ: عبراتُ الأقلام، في صحون الكواغد، أحسن من عبراتل الدموع، على خدود الغواني. وقال عمرو بن مسمدة: الأقلام مطايا الفطن.

وقال سهل بن هرون: القلم أنف الضمير، إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره. وقال أحمد بن يوسف: القلم لسان البصر، يناجيه بما استتر عن الأسماع. وقال محمد بن عبد الملك: بالقلم تُزَفُّ بنات الفكر إلى خدور الكتب. قال الجاحظ: الدواة منهَلٌ، والقلمُ مانحٌ، والكتاب عَطَن. وقال المأمون: لله در القلم كيف يحوك وشء المملكة. وقال جالينوس: القلمُ طبيبُ المنطق، فتكلم في وصفه عن طريق صناعته. وقال الإسكندر: كل شيء تحت العقلَ واللسان لأنهما الحاكمان على كل شيء، والمخبران عن كل أمر والقلم يوجدكهما شكلين، ويريكهما على صورتين.

وقال عبد الحميد الكاتب: القلمُ شجرةٌ ثمرُها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. وقال بعض البلغاء: القلم أصم يسمع الشكوى، وأخرسُ يفصح بالدعوى، وجاهل يعلمُ الفحوى. وقال العتابي: الأقلام مطايا الأذهان. وقال أيضًا: بريُّ القلم تروى العقول الظلماء. وقال ابن المقفع: القلم بريدُ القلب، يخبر بالخبر، وينظر بلا نظر. وقال أحمد بن أبي دؤاد: القلم سفير العقلِ، ورسولُ الفكر، وترجمانُ الذهن.

وقال ثمامة بن أشرس: ما تؤثره الأقلام لا تطمع في دروسه الأيام. وقال أيضًا: بِنَوْءِ القلم تصوب الحكمة. وقيل: القلم بريدُ العقل. وزعم المنجمون أن لَفْظَ القلم في حساب الجُمَّل "نفَّاع". وتفاخر صاحبُ سيف وصاحبُ قلم فقال صاحبُ القلم: القلم يقتل بلا غرر، والسيف يقتل على خطر، فقال صاحبُ السيف: لكن القلم خادمُ السيف، إن بلغ مراده وإلا فإلى السيف معاده، فتحقق ذلك من قول من قال: السيفُ أصدقُ أنباءَ من الكتب ... في حدِّهِ الحدُّ بين الجد واللعب وقول الآخر: تعنو له وزراءُ الملكِ خاضعةً ... ... ... وعادةٌ السيفِ أن يستخدمَ القلما وقال: القلم أحد اللسانين.

كما قالوا: جودةُ الخط إحدى البلاغتين، كما أن رداءه الخط إحدى الزمانتين. وقالوا: المختار في صلاح الأقلام أن يُطال السنَّان وبُسمنا، وتُحرَّف القَطَّة وتُيمن، ويفرقّ بين السطور، ويجمعَ بين الحروف. والوصف الجامع لاستعمال القلم قول مسلم بن الوليد الشاعر، فإنه قال لكاتب له لما تولى جرجان: حرّف قط قلمك ليعلق المداد به، وأرهف جانبيه ليرد ما استودعته إياه إلى مقصده وشقَّ في رأسه شقًا غير غائر لتحبس الاستمداد عليه، ورفع من شعبتيه لتجمعا حواشي تصويره، فإنك إن فعلت ذلك استمد القلم برشفه وقذف المادة إلى صدره، ثم أرسلها من شقيه بمقدار ما احتملت طيَّته فحينئذ يظهر ما سدّاه العقل، وألحمه اللسان، وبلَّته اللهوات، ولفظته الشفاه، ووعته الأسماع، وقبلته القلوب. بسم الله: لما انتهيت، أدام الله عزك في الرسالة إلى هذا المنتهى، عزمت على قطع المواد عنها، ثم عرضت لي أشياء تليق بما تقدم منها فألحقتها بها مبوبة على سبعة أبواب.

الباب الأول: في تصحيفات العلماء في شعر القدماء وعددهم خمسة وعشرون

الباب الأول: في تصحيفات العلماء في شعر القدماء وعددهم خمسة وعشرون وهم: أبو عبيدة، والأصمعي، وأبو زيد، وأبو عمرو بن العلاء، وحماد الراوية، والمفضل، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه، والأخفش أبو الخطاب، والأخفش سعيد بن مسعدة، وأبو نصر أحمد بن حاتم، وابن الأعرابي، والكسائي، والفرّاء، واللحياني، وابن السكيت، وثعلب، والمبر، والجاحظ، وأبو البيداء الرياحي، وأبو خالد النميري، والكلابي، والسندي، وأبو هفان: أبو عبيدة: قال الرياشي: سمعت كيسان يقول: كنت على باب أبي عمرو بن العلاء فجاء أبو عبيدة ينشده لأبي شجرة قوله:

ضَنْ علينا أبو عمرو بنَائِلهِ ... وكلُّ مُختَبِطٍ يومًا لهُ ورق ما زال يضرِبني حتَّى حَذيتُ لهُ ... وحال مِنْ دونِ بعض البُغيةِ الشَّفَق فقلت: حذيت حذيت وضحكت فغضب، وقال: فكيف هو؟ فلما أكثر قلت: إنما هو خذيت فاتخذل وما أحار جوابًا. وروى بيت امرئ القيس: تجاوزتُ أحراسًا وأهوالَ معشَرٍ ... عليِّ حِراصٍ لو يُسرونَ مَقْتَلي وفسر {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب}، أي أظهروا الندامة، بهذا البيت فصحت في البيت، وفسر به القرآن على غير ما ينبغي، والصواب في رواية الأصمعي وهي (لو يُشِرُّون مقتلي) بالشين المعجمة، قال: ومعنى (يشرون) يظهرون، يقال منه: أشررت الثوب أشرُّه إشرارًا إذا نشرته. وروى أبيات لقيط بن زرارة في يوم جبلة:

يَا قَوْمِ قد حَرَّقتُمُوني باللومْ ... ولَمْي أقاتلْ عَامِرًا قبْلَ اليَوْمْ شَتَّانَ هذَا والعِناقُ والنَّوْمْ ... والمشْرَبُ البَارِدُ في ظِلِّ الدَّوْمْ قال: يعني في ظل نخل المقل، فقال الأصمعي: قد أحال ابن الحائك في قوله، لأنه ليس بنجد دوم، و/ جبلة/ بنجد، وإنما الرواية في الظل الدوم أي الدائم، كما قالوا: زائر وزور، ونائم ونوم.

الأصمعي: قال الرياشي: قلت لابن الأعرابي إن الأصمعي يرغم أن / المفازة/ إنما سميت مفازة تفاؤلاً إلى اسم الفوز، والنجاة منها، وإنما هي مهلكة، ومثل هذا التفاؤل قولهم للتَّديغ/ سليم/ تفاؤلاً إلى اسم السلامة والنجاة، فقال: ليس هذا بشيء، وإنما المفازة المهلكة، يقال: فاز الرجل إذا هلك ومات قال كعب بن زهير بن أبي سلمى: فَمَنْ لِلقوَافي شَانَها مَنْ يَجوكُها ... إذا مَا ثَوَى كَعْبٌ وفَوِّزَ جَروَلُ ولو كان كما زعم لمَلزْم أن يقال في المضلَّة/ وفي المعطشة/ مرواة/ وأما السليم فإنما سليمًا لأنه أسلم لما به. قال الرياشي: فذكرت ذلك للأصمعي فقال: لا يقال أسلم فهو سليم لأن/ مفعلاً/ لا يجئ منه فصيلٌ، فرددته على ابن الأعرابي فقال: أليس عمرو بن كلثوم يقول: مشعشَعَةً كأنَّ الحُصِّ فيها ... إذا ما الماءُ خَالطَها سَخِينا وقد قيل/ ماء مسخن/ وسخين/ فحكيته للأصمعي فلم يقبله، وقال: سخينًا؛ سخيت أنفسنا من السخاء لا من السخن، فقلت قوله لابن الأعرابي: فقال: قل له: فإنهم قد قالوا شراب/ منقع/ ونقيع/، وكلام/ مترص/ و/ تريص/، وشيء مبهم وبهيم وصبي موتم ويتيم؛ والقوم كان دأبهم

في الشتاء أن يشربوا الخمر بمزاج مسخن فأوردت ذلك على الأصمعي فقبله كله. وقال ثعلب: كان ابن الأعرابي يذهب من الخلاف على الأصمعي كل مذهب فروى الأصمعي هذا المثل "يا عاقدُ اذكر حلاًّ". فخالفه ابن الأعرابي ورواه: "يا حامل اذكر حَلاًّ". وقال: قد سمعته من أكثر من ألف أعرابي فما رواه واحد منهم/ يا عاقد. قال: ومعنى المثل: إذا تحملت فلا تورّث ما عقدت. أبو محلمّ على باب أحمد بن سعيد بن مسلم ومعه أعرابي، قال جئتكم بهذا الأعرابي لتعرفوا منه كذب الأصمعي، أليس يقول في قول عنترة: 4 زَوْرَاء تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدِّيْلَم

أن/ الدَّيلم/ الأعداء، فاسألوا هذا الأعرابي، فسألناه فقال: هي حياض بالنور قد أوردتها إبلي. وكان الأصمعي يقول أخطأ الشمَّاخ في قوله: فنعْم المعْتَرَى ركدَتْ إليهِ ... رَحى حيْزُومِها كَرَحَى الطَّحِين ويقول: الكركرة إنما توصف بالصغر واللطافة، فقال ابن الأعرابي: الشماخ مصيب والأصمعي مخطئ لأن الشماخ لم يشبه الكركرة بالرحى في العِظَم وإنما شبهها بها في الاستدارة. قال: وهذا كما قال عنترة: جَادَتْ عَليْهِ كُلُّ حُرَّةٍ ... فتركْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كالدِّرْهَم فلم يشبه مساحة الحديثة بمساحة الدرهم، ولكن باستدارة الدرهم، وإنما هي مستديرة كاستدارة الدرهم. وروى بيت أوس بن حَجَر. أجَوْنُ تَدَاَرَكْ ناقَتي بقرّى لها ... وأكْبَرُ ظَنِّي أنَّ جَوْنًا سَيَفْعَلُ فقال ابن الأعرابي: صحَف الدّعي وإنما هو: ... تَدَارَكْ نَاقَتي بِقرَابِها

أي ما دمت أطمع فيها، وفي مثل للعرب، القرار بقراب أكيس. وحكى محمد بن قنوما عن الأصمعي أنه قال أنكر علي شعبة روايتي بيت أوس بن حجر: فَمَا جَبُتُوا أنَّا نَشُدُّ عَلَيْهمُ ... وَلكِنْ رَأوْا نارًا تُحَشُّ وتُسْفَعُ فقال لي: يا ابن أخي هذا كلام الجند يعني (نشد عليهم) وإنما هو نسدُّ عليهم أي نأتي عليهم بالسداد، وقال: إنما هو (رأوا نارًا تحسنُّ) أي تقتل من قول الله عز وجل: {إذ تحسونهم بإذنه}.

وقال الحارث بن حِلزة: عَنَتًا باطِلاً وظُلمًا كَمَا ... تُعْتَرُ عَنْ حَجْرَةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ وقال: العنزة الراية، والعنزة الحربة ينحر بها، فردّ عليه أبو عمرو ابن العلاء وقال: إنما هو تُعْتَرُ من العتيرة وهي ذبيحة الصنم. وروي بيت الحطيئة: وغَرَّرْتَني وَزَعَمْتَ ... أنَّكَ لاَ تَني بالضَّيْفِ تامُرْ

فقال أبو عمرو إذا صحَّفتم فصحِّفوا مثل تصحيفه؛ وإنما هو وغَررتني وزعمت أنك ... لابِن بالصيف تامِرْ وقال ابو عثمان: أنشد الأصمعي يومًا قول عنترة: وآخرُ منهمُ أجْرَرْتُ رُمحي ... وفي البَجَلِّي مِعْبَلةٌ وَقيعُ فقال له كيسان: تثبت في روايتك يا أبا سعيد؛ فقال: كيف هو عند يا أبا سليمان، فقال: (وفي البَجْلي) بإسكان الجيم، فقال الأصمعي: النسبة إلى بجيلة إنما يقال فيها بَجَلي، فقال من ههنا جاء الغلط، لأن هذا منسوب إلى بطن من بني سُليم يقال لهم بنو بَجْلَة، فقبله منه. وروى بيت ذي الرمة: فِيها الضَّفادِعُ والحِيتَانُ تَصْطَخِبُ

فقال أبو علي الأصفهاني: أي صوتٍ للسمك، إنما هو تصطحب أي تتجاور. وروى قول رؤية: شمطاء تبوي الغيطَ حين ترأم وإنما هو (تُبوي) أي تجعله بمنزلة البو.

أبو زيد: حكى ابن دربد عن أبي حاتم قال: أنشدت الأصمعي: جَأْبًا تَرى بِليتِه مُسَجِّجَا فقال: صحّفت، وإنما هو: جَأْبًا تَرَى تَلِيلَهُ مُسَجَّجَا ثم قال من أنشدك؟ قلت: أعلم الناس، فتغفل عني، قال ابن دريد، وإنما عنى أبو حاتم أبا زيد.

أبو عمرو بن العلاء: روى بيت امرئ القيس: تَاوبَني دَائِي القَدِيمُ فَغَلِّسَا ... أُحَاذِرُ أنْ يشْتَدَّ دَائِي فأنْكَسَا فقال أبو زيد: هذا تصحيف لأن المتأوب لا يكون مغلسًا في حال واحدة لأن الغَلَس إنما هو في آخر الليل، وتأوب جاء في أوله، وإنما هو (فَمَلَّسا) أي اشتدَّ وبرَّح. وروى بيت ابن مقبل مَنَحْتُ نَصَارُى تَغْلِب إذْ مَنَحْتُهَا ... عَلَى نَأيِهَا جَذَّاء مَانِعَةَ الغُبْر (الجذاء) التي لا لبن لها، فقال الأصمعي: هذا خطأ لأن (الغُبْر): بقية اللبن فكيف تمنع بقية لبنها، وإنما هو (حذاء) وهي الخفيفة تسرع إليهم.

حمّاد الراوية: حدث المهلي عن أبي حنش الشاعر قال: كان حماد الراوية زمان السفاح بجنديسابور ينشد: أكل الحَمِيمَ وطَاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ ... مِثْل القَناةِ وأزْعَلَتْهُ الأمْرُعُ فقال: أعزّك الله إنما هو الجميم، فقال: صدقت. الفضل: قال خلف الأحمر أنشد المفضل للمخيَّل: وإذا ألمَّ خيالُها طرقَتْ ... عَيْني فماءُ شئُونها سَجِمُ

فقلت: إنما هو طُرِفَت، فلاجَّ ساعة ثم رجع عنه. وأنشد لامرئ القيس: نَمَسُّ بأعرَافِ الجِيَادِ أكُفَّنَا ... إذا نَحْنُ قُمنا عن شِواءٍ مُضّهِّب فقلت: إنما هو نمش من المش وهو مسح اليد بما يزيل الدسم عنها، ومنها قيل للمنديل مبشُوش. وأنشد للأعشى: ساعةً أكبر النهار كَما شدِّ ... مُحيلٌ لَبونَهُ إعظامًا وإنما هو مخيل بخاء منقوطة أي رأى خالاً من السحابل فخشي على بهمه فشدّها. وروى بيت المتلمس: يكونُ نذيرٌ من ورائي جُنْةْ ... ويمنعني منهُم حُليٌّ وأحمس

فقلت: إنما هو (جُلي) بالجيم و (أحلس) بطنان في ضبيعة؛ فقبله. وروى بيتي حاتم الطائي: لَحَى اللهُ صُعلوكًا مُناهُ وهَمُّهُ ... من العيش أن يَلْقَى لَبُوسًا ومَطْعَمًا يَرَى الخِمس تَعذيبًا وإنْ ياقَ شَعْبَةً ... يَبِتْ قَلبُهُ من قِلَّةِ الهَمَّ مُبْهَمَا فقلت: لا معنى لذكر الخمس ههنا إذا كان ورورد الإبل خمس، وإنما الصواب في الرواية (يرى الخمص) من خماصة البطون، فقبله أحسَنَ قبول. وأنشد جعفر بن سليمان بيت أوس بن حجر والأصمعي حاضر: وذَاتُ هِدْمٍ عارٍ نوَاشرُها ... تُصمتُ بالماء تَوْليًا جَذعًا فجعل الدال معجمة وذهب إلى الأجذاع، فقال له الأصمعي: إنما هو (ثولبًا حدعًا) بالدال غير معجمة مكسورة أي سيئ الغذاء، فضج الفضل وتكلم بالتكبر عليه رافعًا صوته، فقال له الأصمعي: لم نفخت في شيبور اليهود لم ينفعك، تكلم كلام النمل وأصب.

وروى أيضًا في مجلس جعفر: بَيْنَ الأراكِ بين النَّخْل تَشْدَخُهُم ... زرْقُ الأسنة في أطرافها شَيَمُ فقال له الأصمعي: يا أبا العباس لعل الرماح استحالت إلى كافر كوبات فهي تشدخ فقال له: فكيف روايته يا أبا سعيد، فقال: (تسدحهم) والسدح الصرع بطحًأ على الوجه أو على الجنبين. وروى بيت أوس بن حجر: ليثٌ عَلَيْهِ منَ البَرْدِي هِبرِيَةٌ ... كالمَزْبَرَاني عَيّارٌ بأوْصَال

فقال الأصمعي: ما المزبراني؟ فقال: ذو الزُّبرة، فقال: يا عجباه يشبهه بنفسه إنما هو (كالمرزباني) وهو أحد مرازبة الفرس. فأسكته. وفي ما بعد المرزباني أربع رواياتٍ (عيّار) و (غيّار) و (عَبَار) و (عَيّال). فعيّار: منفلت. وغيّار: يغيَر أهله. وعبّار: يعبر بلدًا بعد أخرى وعيّال: متبختر. وروي (بآصال) ز وروى هذا البيت: أصاحِ ترى البَرقَ لم يغتَمِض ... يَمُوتُ فوَاقًا وَيسرِي فُوَاقا فقال له خلف الأحمر، ويقال أنه الأصمعي: صحّفت وإنما هو بشرى أي ينقشع ويتتابع.

عيسى بن عمر: قال أبو الفضل: أخبرنا أبو معمر عن عبد الوارث قال: كنا بباب بكر بن محمد بن حبيب فقال عيسى بن عمر في عرض كلام له، فحمة العشاء فقلت لعلها فحمة العشاء قال: هي فحمة العشاء لا يختلف فيها، فدخلنا على بكر بن حبيب فحكيناها له فقال: فحمة العشاء بالفاء لا غير أي فورته.

الخليل بن أحمد: قال ابن شريد: خالف الخليلُ الناس في أشياء منها: قوله: يوم بُغَاث بغين منقوطة، وهذا يوم مشهور من أيام الأوس والخزرج وهو بعاث بعين بغير منقوطة. وقال في حرف الخاء المنقوطة: (بنو جخجبا) ولا خلاف بين الناس أنه بحاء غير منقوطة. وقال: (الخِصْبُ) الحية وإنما هو الحِضْبُ بضاد منقوطة.

وقال: (الهَمْيَعُ) الموت الوحيي ولا خلاف بين الناس أنه الهيمغُ بنين منقوطة. وقال في حرف السين (المهملة): (السدف): الشخص، وإنما هو الشَّدَف بشين منقوطة، وهذا من غلط الليث على الخليل. وذكر عسل بن ذكوان أن الأصمعي كان منكرًا على الخليل روايته هذا البيت: أفاطمَ إني هالكٌ فَتَبَيَّني ... ولا تَجْزَعي كلُّ النساء يتيمُ

وإنما هو: ولا تجزعي كل النساء تثيم من آمت المرأة تثيم. سيبويه: كان سيبويه يحكي عن الخليل أنه كان يحيز إسكان حرف الإعراب في الاسم المرفوع وفي المجرور في الشعر فعارضه الأصمعي، وقال: ما جاء ذلك عن تثبت نعرفه، فأنشده سيبويه للأقشر: رُحْتِ وفي رجْلَيْكِ ما فِيهما ... وَقَدْ بَدَا هَنْكِ من المِئْزَر

فقال الأصمعي وقال: ما جاءنا مثل هذا البيت للأقشر، وليس للأقشر بيت نعرفه هكذا، فأنشده: إذا اعْوَجَجْنَ قُلْنَي صاحِبْ قَوم فقال الأصمعي: ليست الرواية صحيحة وإنما روايتنا: إذا اعْوَجَجْنَ قُلْنَ صاحِ قَوم أبو الخطاب الأخفش: أنشد أبو الخطاب أبا عمرو بن العلاء: قَالَتْ قُتَيْلَةَ مَالَه ... قَدْ جُلَّلَتْ شَيْبًا شَوَاتُهْ

فقال له أبو عمرو: صحّفت وإنما هو (سَرَانُه) فسكت أبو الخطاب ثم أقبل على القوم وقال: بل مصحّف إنما هو شوانه، والشواة جلدة الرأس. سعيد بن مسعدة الأخفش: قال الرياشي قال لي الأخفش يومًا: إن اختلافك إلى الأصمعي مما يضعك عند أهل العلم، فقلت: إني أجد عنده ما لا أجد عند غيره، فقال: سلني عن شيء مما سألته عنه، فقلت: ما تقول في قول القائل:

قفا تُحَّيى الطَلَلَ الُمحْولاَ ... والرَبْعَ من أَسماءَ والَمَنزِلاَ بَسابعِ الَموْماة لم يَعْفِهِ ... تقادُمُ العَهْدِ بأن يؤهَلاَ فخلط في الجواب ولم يصب فيه، وهذا من أحسن المعاني، إن قيل: كيف لم يعفه تقادم العهد بأن يؤهلا؟ فالجواب فيه: قفا نحيي الطال بأن يؤهل أي بأن ندعو له فنقول: أهلك الله يا طلل فنجعل مكان تحيتنا الدعاة له. وقال الرياشي: كان الأصمعي ينشد: وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أُخوه ... لَعَمْرُ أبيك الا ابني تُمام ورواه الأخفش في رواية أخرى: لعمر أبيك الا الفرقدان فجعل (الفرقدان) بدلا من كل والصواب (إلا الفرقدين) لأن كل كلام واجب استثنيت منه شيئا بإلا فهو منصوب ولا يجوز غيره نحو قولك قدم القوم إلا زيدا (فكل أخ مفارقه أخوه) كلام واجب والمستثنى منه لا يكون إلا منصوبا. وحضر الأخفش عند الأصمعي وقال: أنا أعلم أهل زماني بالنحو

وقياس كلام العرب، فقال له الأصمعي: كيف تروي قول الربيع بن زياد: قَدْ كُنَّ يكنُنَّ الحدِيثَ تَستَراً ... فالآنَ حينَ بَدَوْنَ للِنُّظٌار (يكنن) أو (يكنين) و (بدين) أو (بدون) فما زال يقول مرة (يكنن) ومرة (يكنن) ومرة (بدون) ومرة (بدين) ويلجلج حتى قام وضجر منه. وهذه الحكاية حكاها المبرد عن الجرمي لا عن الأخفش، قال: وكان الجرمي أجل وأغزر عاما من أن يذهب مثل ذا عليه ولكن الأصمعي غالطه.

أبو نصر أحمد بن حاتم: قال أبو محمد الحسن بن أبي قتادة القمي وروى أبو نصر أحمد بن حاتم بيت زهير: وَمَنْ يغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوّاّ صديقَه ... ومَنْ لا يُكَرَّمْ نفسه لاُ يكَرَّم قال أبو محمد: وهذه الرواية أحسن عندي من/ يحسب/ لأن يحسب في معنى (يعده) صديقه، ومعنى الرواية الأخرى (يظنه) صديقه. ابن الأعرابي: قال أبو سعيد الضرير: كان أبو عبد الله يروي بيت زهير: كَخَنْساءَ سَفْعاء الملاطم حُرَّةٍ ... مُشافرَةٍ مزءودةٍ أمّ فرقد

قال: وكان أبو عمرو فيما حكي عنه يروي/ مسافرة/ وهي التي تنشط من بلد إلى بلد فرددت عليه وقلت: إن أبا عمرو يرويه/ مسافرة/ فلم يقبل حتى أنشدته بيت عبدة بن الطبيب: كأنها يومَ وِرْدِ القومِ خامسةً ... مسافرٌ أشعثُ الرَّوْقين مكحول فقبله. وتحدث محمد بن حرير مسقع قال: سمعت ابن الأعرابي يقول في قول جرير وعنده عبد الله بن يعقوب: وُبكرةِ شابكِ الأنيابِ عاتٍ ... من الحيات مَسْمُوم اللعاب فقال عبد الله: إنما هو: ونكزة شائك الأنياب. من قولهم (نكزته الحية). قال مسقع: وسمعت عبد الله بن يعقوب يقول: سمعت ابن الأعرابي يقول أتلع الشيب في الرأس فذهب به إلى علاء في الرأس من (التلعة)، فقلت له: إنما هو بلع أى طلع، ويقال منه: بلع النجم إذا ظهر وطلع، واشتقاق سعد بلع منه.

وذكر عسل بن ذكوان أن ابن الأعرابي صحف في بيت الهذلي: يقلب بالكفٌ قرصًا خفيفا وانما هو (فرضا) والفرض الترس. وتحدث موسى بن سعيد بن مسلم الباهلي قال: كان ابن الأعرابي يؤدبنا فدخل الأصمعي ونحن نقرأ عليه شعر ابن الأحمر فلما انتهينا إلى قوله: أرى ذا شيبة حمال ثقل ... وأبيضَ مثلَ صدرِ السيف نالا فقال الأصمعي: ما معنى/ نالا/ فقال من النوال، فقال: هو بالباء لا بالنون، لأنه أراد أن فيهم شيخا حمال ثقل هو الذي ينيل ويعطي، وفيهم شاب مثل صدر السيف بالا أي حالا أي كالسيف في حاله. فأقام ابن الأعرابي على/ نالا/ وانصرف الأصمعي وجاء أبي فعرفناه الخبر فقال: القول قول الأصمعي، وابن الأعرابي هو النهاية في عامة، والنساء لم يلدن كالأصمعي في ذهنه وحفظ روايته، ثم أمر للأصمعي بأربعمائة دينار، ولابن الأعرابي بمائتين. ومن الخلاف الشديد والتباين بين ابن الأعرابي والأصمعي ما رواه أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش عن السكري أن ابن الأعرابي كان

مما يدعي على الأصمعي فيه التصحيف، والأصمعي يدعي على ابن الأعرابي التصحيف فيه قول الحطيئة: كفرا سنَتَيْن بالأضياف نقعاً ... على تلك الجفان من التقي فهذه رواية ابن الأعرابي، والنقع/ عنده النحر، والنقي/: الحوارى، فيقول إنهم كفوا الأضياف سنتين، والأضياف/ عنده جمع ضيف، والجفان/ جمع جفنة. وأما رواية الأصمعي: كُفُوا سَنِتِينِ بالأَصياف بُقْعاً ... على تلك الجفارِ من النفيّ فهذا قلب خمس كلمات في بيت واحد؛ وسنتون/ عند الأصمعي هو من أسنت القوم إذا أجدبوا، والأصياف/ جمع صيف، والبقع/ يعنى أنهم بقع الظهور ومن النفي/ أي ني الأرشية عليه إذا استقوا للناس. والجفار/ جمع الجفر وهو البئر البعيدة. فكان ابن الأعرابي يحلف أن الأصمعي يصحف في روايته فاذا بلغ قوله الأصمعي تمثل بقول القائل: يُصِيبُ فما يدري، ويخطي فمادَرَى ... وكيف يكونُ النَّوْكُ إلاَّ كذلِك

فهذا مستشنع إذا جرى بين العولم فكيف بين العلماء. وأشنع منه أن ابن السكيت كان يدعي على ابي عبيدة والأصمعي مما لا يليق بهما فوق ذلك. وكان خلف الأحمر والأصمعي يدعيانه على المفضل وابن الأعرابي والله المستعان. الكسائي: روى قول الشاعر: أَعْيَس منُهالاً مِنَ الكَثيب فبلغت روايته أبا عبيدة فقال: أبلغوه عني الرواية: أميسُ مِنْها لا مِنَ الكَثِيب فذكر ذلك له فقال: أصاب الشيخ أبو عبيدة وأخطأت أنا.

الفراء: قال التوزي: أنشد الفراء وأنا حاضر: يا قاَنلَ اللُه صِبْياناَ تَجيٌ بِهم ... أمُّ الهُنَيْيِنِ مِنْ زَندٍ لها وَاري فقال له: إنما ينشد أصحابنا/ أم الهنيبر/ وهي الضبع فقال: هكذا أنشدنيه الكسائي فأحال تصحيفه على الكسائي. وروى ابن كيسان عن المبرد عن المازني قال: حضرت يوما الفراء وهو يقول الجزم في الفعل المستقبل بغير جازم جائز فقد قال الشاعر: مَنْ كان لا يزْعمُ أني شاعرُ ... فَيَدْنُ مني تَنْهَهُ المزاجرُ فقلت له: فان روي/ فليدن منى/ هل تكون لك حجة فيه فسكت ولم يحر جوابا.

اللحياني: حكى أبو الحسن الطوسي قال كنا في مجلس اللحياني وهو (عازم) على أن يملي نوادره، ضعف ما أملى فقال: "مثقل استعان بذقنه" فقام ابن السكيت إليه وهو حدث فقال يا أبا الحسن إنما تقول العرب "مثقل استعان بدقته" لأن البعير إذا رام النهوض استعان بجنبيه، فقطع الإملاء. فلما كان في المجلس الثاني أملى: تقول العرب (هو جاري مكاشري) فقام إليه ابن السكيت وقال: أعزك الله إنما هو (هو جاري مكاسري) أي كسر بيته إلى كسربيتي فقطع اللحياني الإملاء وما أملى بعد ذلك. وقال من احتج عن اللحياني: إذا رام النهوض استعان بعنقه وذقنه، ومنه قيل: ناقة ذقون وهي التي ترجف ذقنها في سيرها.

ابن السكيت: روى بيت طفيل: ترى جُلَّ ما أبقى السواري كَانٌه ... بُعيد السوافي إِثْرَ سَيْفٍ مُفَلُّل فقال ثعلب: إنما هو (مقلل) وهو الذي قلته فضة يعنى قبضته. وروى أيضا: هَرِقْ لها من قرقر ذنوبا ... إِنَّ الذنوبَ تنفَعُ القلوبا فقال ثعلب: إنما هو (تنقع) أي تروي.

ثعلب: أنشد ابن الأعرابي بيت امرئ القيس: وقداغتدي قبلَ العُطاس بسابح ... أقبَّ كيعفور الفلاة مجنَّب فقال ابن الأعرابي: ما أكثر ما تخطئون في هذه اللفظة مع سهولة الدلالة عليها وهي أن نذكر الجيم مع الجيم (التجنيب) في الرجلين و (التحنيب) في اليدين، و (المجنب) الأقنى الأملس وظاهر العصبة. المبرو: حكى أحمد بن عبيد الله بن عمار أبو العباس عن الحمدوني الشاعر أن المبرد روى قول الشاعر: فأخلفْ وأَتِلفْ إِنما المالُ عَارَةٌ ... وكُلْه مع الدَّهْر الذي هُوَ آكلُه

فصحف وقال هو (غارة) بغين منقوطة، وإنما (العارة) العارية. قال العماري: وروى أن حبيب بن خدرة وكان رئيس القعدة بالكوفة فصحف اسمه عن/ خدرة/ إلى/ جدرة/. وقال العماري: وحبيب هذا هو الذي محبا أهل الكوفة بقولة: قَتَلُواُ حُسَيْناً ثُمَّ هُمْ يَبْغُو نَه ... إِنَّ الزَّمانَ بأهْلِهِ أْطوَارُ يَاَ با حُسَيْنٍ والأمورَ إِلى هُدى ... أولادُ دَرْزَةَ أَسْلَمُوهُ وَطَارُوا وأبو حسين هو كنية زيد بن على. الجاحظ: سمعت ابن دريد يقول: وجدت للجاحظ في/ كتاب البيان/ تصحيفا شنيعا في الموضع الذي يقول فيهن حدثني محمد بن سلام الجمحي، قال سمعت يونس يقول: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن

النبي/ صلى الله علية وسلم/ وإنما هو (عن البني) أي عن عثمان البني، فاما النبي/ صلى الله عليه وسلم/ فلا شك عند الملي والذمي أنه كان أفصح الخلق. قال ابن دريد: وأخطأ في هذا الكتاب في تفسير قول مالك بن أسماء ابن خارجة حين وصف جارية فقال: مَنْطِقٌ رائِعٌ وَتَلْحَنُ أَحيَا ... ناً وخَيرُ الَحدِيثِ مَا كَانَ لَحْنا فقال الجاحظ: يستطرف من الجارية أن تكون غير فصيحة وأن يعتري منطقها اللحن، قال ابن دريد: وليس معنى اللحن ههنا ما ذكر، وإنما أراد أنها تتكلم بالشيء وهي تريد غيره. من ذكائها وفطنتها، وهذا كما قال الله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} وكما قال القتال الكلابي: ولقد وَحَيْتُ لكم لكيما تَفْهَمُوا ... ولحنْتُ لحنا ليسَ بالمرتاب

أبو البيداء الرباحي: أنشد أبا عمرو مرة: ولَوْ أَن حَيّاً للمَمنايا مُقَاتلا ... يكونُ لقاتلتُ المنَّية عن مَعن فتىً لا يقولُ الموْتُ من حَرَّوقعه ... لك ابنُك خُذْه، ليس من شيمتي دعني فقال أبو عمرو إنما هو قتالا يقول الموت من حر وقمه. أبو خالد النميري: قال الرياشي حدث مسلم بن خالد بن أبي سفيان بن العلاء قال لما أشخص أبو عبيدة جاء أبو خالد النميري ليخلفه فكان أول شعر أنشده قصيدة الأشعر بن مالك الجعفي فلما بلغ هذا البيت:

أما إذا استدبرته فكأنه ... بازٌ يكفكف أَنْ يَطير وَقدْرَأى أنشدة: نارٌ يُكَفْكِفُ أَنْ يَطيرَ وَقدْ رَأَى فقال فيه جهم: قلتُ لّما غَدا عَليْنا النُّمَيْرِيّ ... وَسارَ المحدَّقاتُ بمعْمَرْ وَأَتانا كَيْسَانُ وابْنُ نُجَيمٍ ... خَلَفاً مِنْ أَبي عُبَيْدَةَ الأعْوَر بغَرِيبٍ لُه يُصَحَّفُ فِيهِ ... ذاكَ تَصْحِيفهُ الذي ليْسَ يُنْكر جَعَلَ/ البازَ/ للجَهَالَةِ/ ناراً/ ... وتَمادَى في غَيَّهِ وتَجبَرَّ

الكلابي: روى بيت عمر بن أبي ربيعة: وكأن أَحْوَرَ مِنْ غِزلانِ ذِي بَقَرِ ... أَهْدَى لُه شَبَهَ العَيْنَيْنِ وَالجِيدَا فقال له ابن الأعرابي: صحفت إنما هو: (سنة السينين والجيدا) السندي: ذكر ابن زبرج قال: كنت عند السندي في جماعة فيهم ابن بميلة فأنشده في وصف الحمام: فَإِذَا دَخَلْتُ سَمِعْتُ فيها رَفَّةَ ... لغْطَ المعَاوِلِ في بُيُوتِ هَدَاد فسئل عن (المعاول) فقال هي التي ينقر بها في الصخر، فتركته في عمائه ولم أنبهه عليه وإنما (المعاول) و (هداد) حيان من الأزد.

أبو الأسمر: ذكر ابن زبرج أنه سمعه ينشد: إذَا الرَّيحُ مَنْ نحوِ الجرِيبِ تَنَسَّمَتْ ... وجَدْتُ لِرَياها عَلى كَبِدِي بَرْدَا فقال إنما هو (نحو الحريب تبسمت) فلاج وأبي أن يقبل. أبو هفاق: روى بيت أبي نواس: فَادْعُ بي لا عَدِمْتَ تَقْدِيمَ مِثْلي ... وَتَأمَّلْ بعَينِكَ السجَّاَدة ورواية عامة الناس: فادْعُ بي لاعَدِمْتَ تَقْوِيمَ مَيْلي اتقضى الباب الأول بما حوى من تصحيف العلماء.

الباب الثاني: في ذكر ما أثاره العلماء من الهو والزلل على الشعراء

الباب الثاني: في ذكر ما أثاره العلماء من الهو والزلل على الشعراء ذكر علماء الآزادمردية: أنهم ألفوا لغات جميع الأمم في الكمية على ما كانوا ناطقين وعلى الجبلة في مبدأ الكون لا يتولد فيها الزيادات والماء على مرور الأزمان وتصرم الليالي والأيام، وإنهم وجدوا اللغة العربية على الضد من سائر لغات الأمم لما يتولد فيها مرة بعد أخرى، وان المولد لها قرائح الشعراء الذين هم أمراء الكلام بالضرورات التي تمر بهم في المضايق التي يدفعون إليها عند حصرة المعاني الكثيرة في بيوت ضيقة الماحة، والإقواء الذي يلحقهم عند إقامة الفوافي التي لامحيد لهم عن تنسيق الحروف المتشابهة في أواخرها، فلا بد من أن يدفعهم استيفاء حقوق الصنعة إلى عسف اللغة بفنون الحيلة؛ فمرة يعسفونها بإزالة أمثلة الأسماء والأفعال عما جاءت عليه في الجبلة لما يدخلون من الحذف والزيادة فيها، ومرة بتوليد الألفاظ على حسب ما تسمو إليه هممهم عند قرض الأشمار، فأما ما دخل عليه الحذف أو حدث فيه الزيادة فكثير مشهور، وقد ذكره

أبو عبيدة في كتاب سماه "الشواذ"، وتلاه ابن السكيت في كتاب يزيد حجمه على كتاب أبي عبيدة بأكثر من الضعف وليس ههنا موضع ذكره. فأما ما خرج إلى الوجود بالتوليد فكثير أيضا يدل عليه قليل ما يحكى منه فمن ذلك قول النابغة: إِلاَّ الأواريُّ لَأ ياَ ما أُبيتنُها ... والنُؤْيُ كالَحوْضِ بالمظلومة الَجلَد فزعم الرواة والعلماء بالشعر أنه أول من سمى الأرض مظلومة وهي التي حفر فيها ولم تكن قبل ذلك محفورة. ومن ذلك قول طرفة: أَبلغْ قتادةَ غَيْرَ سائِلِه ... منَّي الثَوَابَ وعَاجِلَ الثُّكم فزعموا أنه أراد/ الشكر/ فدعته القافية إلى توليد لغة أخرى في/ الشكر/ فقال/ الثكم/. وقال علقمة: أمْ هَلْ كبيرٌ بَكى لم يقضِ عَبْرَتَه ... إِثْرَ الأحبّة يومَ البين مشكومُ

أي مجزي مثاب، وتلا طرفة بعض الشعراء فقال: أُناسٌ ما انقضوا حتى ... تقضى الحمدُ والشكدُ فولَّد هذا الشاعر لغة في الشكر، وتلاه مزرد فقال: أنت أسديتَها إِلي فإِنْ أشكرْك عنها فأنت موضع شُكْب فهذه ثلاثة ألفاظ مؤلفة داخلة على لفظة من كلامهم مشهورة مستغنية بشهرتها وكثرة استعمالها عن استجلاب لغات أخر إليها. ومن ذلك قول العلاف البغدادي: ياهرُّ فارقَتنا ولم تَعُدِ ... ... ... وكنتَ منًا بمنزلِ الوَلَد تطردُ عنا الأذى وتحرُسُنا ... ... ... بالغيبِ من خُنفُسٍ ومن جُرَد فقلت له: إنك عسفت اللغة بقولك/ الجرد/ مكان/ الجرذ/ فقال: وما تنكر من اللفظ إذا جاء المعنى طبقاً له ألا ترى أن الجرد يجرد في البيوت مثل ما يجرده الجرذ في الصحارى. ومن ذلك قول التنوخي في أبيات نعت فيها النارنج فقال:

فمن أحمرِ كالأرجوانِ إِذا بَدا ... ... ... وكالرًاحِ صِرفاً أو كخدٍ مورَّد ومن أَصفر كالصبً يَبْدو كأنٌه ... ... ... كراتٌ أديرتْ من خُلاصةِ عسجد ومن أَخضر غض النبات كأنٌه ... ... ... مشاربُ مِينا أوحِقاق زُمُرّد فأتى بالزمرد بالدال كما ترى خلافاً لمجرى العادة الجارية في هذه الكلمة على وجهة الدهر. قالوا وقد هان صنع من ذكرنا من الشعراء فيما تعاطوه من إزالة أواخر الأسماء عن الجبلّة حتى صيروا الشكر مرة شكما ومرة شكدا بالإضافة إلى صنيع شعراء آخرين ألجاتهم قوافي أشعارهم إلى أن حوَّلوا أسماء البهائم إلى الناس وأسماء الناس إلى البهائم؛ فمن ذلك قول جبهاء

الأشجعي يصف ضيفاً: فمَا بَرِح الولدانُ حتَّى رأيتُه ... ... ... على البكْرِ يَمرِيه بسَاقٍ وحَاِفر فأراد أن هذا الضيف جاء على بكر يستحثه باقه وقدمه فلما كان مبنى قوافيه على الراء عدل عن ذكر القدم التي هي للانسان إلى الحافر الذي هو للبهائم. كما أن النجاشي الحارثي عدل في البهائم عن/ الحافر/ فقال: ونَجّى ابن جُنْد سابِحٌ ذو علالةٍ ... أَجَشُّ هَزيمٌ والرَّماحُ دَوَاني إذا قلتُ أَطرَاف الرَّماحِ يَنَلنَهُ ... تمطَتْ بهِ السَّاقانِ وَالقَدَمان فالشاعر الأول منح الإنسان/ حافرا/ فجعله بهيمة، والثاني منح البهيمة/ قدما/ فجعلها إنسانا. وقال الآخر سالكا مسلك النجاشي يصف قمرية: عَجْبِتُ لها أنَّى يكُنُ غِناؤها ... فصييحاً ولمٌ تَفْغَرْ بمنْطِقهِا فَما فوضع (الفم) مكان المنقار.

وقال الفرزدق يخاطب ذئبا: وأنتَ امْرُؤٌ يا ذِئبُ والغَدْرُ كُنْتما ... أُخَيَّيْن كانا أُرْضِعا بلبان فسمى الذئب/ امرأ/ ولو خاطب ذئبة لسماها (امرأة) فالفرزدق في هذا البيت ذاهب مذهب النجاشي. وقد ذهب في بيت آخر مذهب جبهاء الأشجعي فقال. فَلو كُنتَ ضَبَّيْاً عَرَفَتَ قَرَابتي ... ولكنً زنجياَ غليطَ المشافر وإنما أراد أن يقول/ غليط الشفة/ فثنته القافية عن الحق إلى الباطل. وقالوا: ومن استبداد الشعراء بآرائهم نمط آخر، وهو أن أحدهم يتفاءل بأشياء يتشاءم بها الآخر فيشتق كل واحد للاسم الذي يمر به اشتقاقا موافقا لحاله فيصير بذلك الميمون مشئوما، والمشئوم ميمونا فقال أحدهم: تغني الطائران ببين سلمي ... على غُصنَين من غرب وبان فكان/ البان/ ان بانت سُلمى ... وفي/ الغرب/ اغتراب غير دان

وقال آخر: أَقول يوم تلاقينا وقد سجعت ... حمامتان على غُصْنين من بان الآن أُوقن أنَّ الغُصْنَ لي غُصص ... وَإنما البَانُ بينٌ بيَّنٌ دان وقال آخر: وصاح غرابٌ فوقَ أْعوادِبانة ... بأخبار أحبابي فقسّمني الفكرُ فقلت/ غرابٌ/ لاغتراب و/بانةٌ/ ... لبين دنا، تلك العَيِافةُ والزجرُ وهبَّت/ جنوبٌ/ لاجتنابي منهم ... وهاجت/ صبا/ قلت الصبابة والهجر فجاء من خالف هؤلاء في تخير الاشتقاق واستجلاب رضى الفأل فقال: وقالو اتغنًى (هدهدٌ) فوق دَوَحْة ... فقلت: هُدَى يَغدو به ويَروح و/دَوْمٌ/ فقل دامت مودة بيننا ... و/طلح/ فسالت بالمطيً طلوحُ وقالوا/ عقاب/ قلت عقى حميدة ... دنت بعد هجر قد تلاه نزوحُ وقالوا/ حمام/ قلت حُمّ لقاؤها ... وهبًت لنا ريح الوصال تفوحُ قالوا: فهذا إلى الشاعر إن شاء جعل/ العقاب/ عقى خير وإلا جعلها عقابا، كما يجعل/ الحمام/ مرة حماما، ومرة لقاء قد حم، والبان/ مرة بينا، ومرة بيانا يلوح. ويجعل/ الصبا/ صبابة/ والجنوب/ اجتنابا/ والصرد/ تصريدا كما يجعل/ الهدهد/ هدى وهداية/ والحبارى/ حبورا وحبرة/ والدوم/ دوام العهد.

وقالوا: جاء ابن أحمر في شعره بأربعة ألفاظ لا تعرف في كلام العرب؛ سمى النار/ مأموسة/ وسمى حوار الناقة/ بابوسا/ وقال/ بنس/ بمعنى تأخر وقال/ الأربة/ لما يلف على الرأس. ولا يعرف ذلك في شعر غيره. فأما البيت الذي فيه الحرف الأول فقوله: تطايحَ الطلً عن أعطا ِفها صُعُداً ... كما تطايحَ عن مأموسةَ الشَرَرُ وأما البيت الثاني الذي فيه الحرف الثاني فقوله: حنّت قلوصي إلى بابوسها جَزَعاَ ... وما حنينُك أمْ ما أنت والذَّكَرُ وأما البيت الثالث الذي فيه الحرف الثالث فقوله: وبَنَّسَ عنها فرقدٌ حَصِرُ وأما البيت الرابع الذي فيه الحرف الرابع فقوله: وتقنّع الحرباءُ أُربتَه متشاوساَ بوريده نَقْرُ وجاء ابن مقبل في شعره/ بالميزهر/ اسما للابريق/ والمزمر/ إنما هو من أسماء العود.

وجاء في شعره بجمعين خارجين عن كل قياس فقال: مثل الدمى تصويرهُنّ الطُوّاس وقوله: لمن رَمَى رهنٌ برمي أصواب وحكى التوزي عن أبي عبيدة أن ابن مقبل جاء بكلمتين لم يأت بهما عربي: جمل/ الجوزل/ الم، وهو عند العرب الفرخ. وسمى خلفي الناقة/ توأبانيين/ فقال: توْأَباِنّيّانِ لم يَتَفَلْفَلا وسمى ما تحمله الناقة بخرطومها/ الزبال/

كما سمي الطرماح: الفحل (الكراض). وكما سمى ذو الرمة: الناقة (أدمانة) ولم يسمع من عربي: حمرانة ولا صفرانة ولا خضرانة. وقال ابن قادم: جاء الأخطل بكلمة لم يتكلم بها عربي؛ سمى الذئب (تينانا). ولم يسمع إلا في شعره فقال: يَعْتَفْنهَ عِنْدَ تِينانٍ يُدَمَّنهُ ... بادي العُوَاءِ ضئيلِ الشّخْص مُكْتَئِب وجاء الكميت بقصيدته العصبية بقوله: فللناس القفا ولنا الجبينا فتكلف بعض التحويين الاعتذار عنه فقال، أراد/ الجبينان/ فحذف النون كما حذفها امرؤ القيس بقوله: لهامتنتانِ خظاتا كما ... أكَبَّ على ساعِدَيْهِ النَّمِرْ

وكما حذف الأخطل في قوله: أبني كليبٍ إنِ عَمّيَّ اللذا ... قتلا الملوكَ وفكّكا الأغلالا وجاء دعبل في قصيدته العصيبة التي ناقص فيها الكميت بحرف في قافيتها لا يعرف في كلام العرب، وإنما ولده لما ضاقت به قوافي قصيدته فقال: قتلنا الحارث المدني قسراَ ... أبا ليلى وكان فًتى أثينا فالأثين لا بدرى ما هو. كما حذف جرير في قوله: درس المنا بمتالعٍ فأبان وأراد درس المنازل، وكما حذفت العرب من قولهم "هم بين حاذ وقاذ" أي بين حاذف وقاذف. وقال المبرد في قول الفرزدق: لَبِسْنَ الفرندَ الخسر واني فوقه ... مشاعرَ من خزَّ العراق مفوّفُ

إن كان/ المفوف/ من صفة المشاعر وجب أن يكون/المفلوفة/ وإن كان المخز وجب أن يكون مجرورا لأجل القافية، والقصيدة هي مرفوعة، فالمعني الذي استخرجه له النحويون: لبس الفرند الخسرواني أي شمارا فوقه المفوف من خز العراق وهو رديء. وقال في قول الأعشى: زال زوالها. دعاء على الليل حين لم يأته طيفها أن يزول كما زالت. وحكى عن أبي حاتم انه قال: أراد زالت المرأة زوال الليل، فقيل له: إنما قال زال الليل زوالها، فقال: هذا من المقلوب كما قال لآخر: كان الزناء فريضةَ الرجم واعترض بعض الشعوبية على نحوي في إعراب هذا البيت فقال: لم ينصب/ زوالها/، وكان الصواب أن يقول (زوالها) بالرفع فقال، لأنه أراد "أزال الله زوالها" فقال: فينبغي أن تقول على هذا القياس: مات زيدا بمعنى أمات الله زيدا، ثم قال لقد كذب شاعركم حيث يقول: إنما النحو قياس يتّبع واعترض أيضا على القائل: فرميتُ غَفْلة عيِنه عن شاته ... فِأصبت حبةَ قلبها وطحاَلها

فقال: أترى أن الأعشى توهم أن مسكن الحب في الطحال، لا والله ما توهم ذلك، ولكن ضرورة الشعر قد أوقعته في هذه الشبكة، والحقت به هذه الفضحية لا در در الشعر. وجاء ابن الرومي بعد ثلاثماثة سنة من أيام الأعشى فخالفه في بناء اسم قد كان الأعشى جاء به في قافية من قوافي قصيدة قد بنى قوافيها على فعل بكسر العين من الأسماء والأفعال وهي: أتهجر غانيةً أم تَلُمْ ... أم الحبلُ واهٍ بها مُنْجَذِم فقال فيها: ولم يُودِ من كان يَسْعَى له ... كما قيل في الحرب أودى دَرِم

فجاء ابن الرومي بهذا الاسم مفتوح العين منه مكسور الفاء في قصيدة! أولها: أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قيم ... فليس كثيراً أن تجودا لَها بِدَم وقال منها: سما نحوها خطبٌ من الدهر فاتكٌ ... فطاحتْ جباراً مثل صاحِبها دِرَم وقالوا: من الإقدام على إطلاق القول فيما الانقباض فيه أولى ما قاله الفراء في تأويل قوله عز وجل {أو يأخذهم على تخوف} قال: معناه (على تنقص، قال، وتقول العرب: تخوفت الشيء إذا تنقصته) قال: ومثل ذلك في موضع آخر {إن لك في النهار سبحا طويلا} أو قرئ (سبخا) بالخاء المعجة لجاز لأن السبخ السعة. قال وسمعت بعض العرب يقول: سبخي صوفك، قال: والسبح نحو ذلك وهو صواب كل ذلك ومعنى السبخ والتسبيخ واحد.

وأغفل ما رواه حميد الطويل عن أنس: أن عمر تلا على المنبر {وفاكهة وأبا} فقال هذه الفاكهة، فما الأب، ثم رجع على نفسه وقال لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف. ومما حُكي فيه لفظة الكلمة وفسر بمقلوبها قول المبرد: يقال قحز الشيء إذا ارتفع ومن ذلك يقال: قحز الكلب ببوله إذا طمح به ورفعه، ومثله قزح الكلب ببوله رشه وأنا أحسب أن قوس قزح مأخوذ من مثل هذا، وأنا أكره أن أفسرها لأننا نهينا أن نتكلم فيها. قال: وكل ما حكيناه عن الشعراء من عسفهم اللغة قليل في جنب ما انتزعه بعض العلماء من القول في مجاز الاشتقاق في جميع الكلام لأن القياس وإن كان أطاعهم في بعضه فقد عصاهم في جلته حتى تخبطوا فيه ولن يصلح أن يحكى منه في هذا الموضع إلا النبذ اليسير. زعموا أن (السفر) إنما سمي سفرًا لأنه يسفر عن الأخلاق نحو تسميتهم المكنسة (مسفرة) لأنها تسفر التراب عن وجه الأرض، كما تسفر المرأة عن وجهها النقاب.

و (الصديق) إنما سمي صديقا لصدقه لك، كما أن (العدو) إنما سمي عدوا لعدوه عليك وسمي (القليب) قليبا لأن ترابه يقلب، وكل ما يحفر من نهر وسرب يقلب ترابه أيضا فما الفرق! وسمي (البز) بزا لخفته، وكذلك سمي (المهد) مهدا لكثرة حركتهن وسميت (الصلاة) صلاة لأن المصلي يثنى صلويه وهما جانبا أردافه والقاعد يلوي صلويه فلم لم يسم مصليا، وسميت (الحبشة) حبشة لأنهم تحبشوا أي تجمعوا، وكل أمة حوالى جزيرة العرب مجتمعون في أرضهم كالسند والفرس والنبط والجرامقة والقبط، فلم لم يقع على أسمائهم الاشتقاق؟ وزسميت (التوراة) توراة لأنها مشتقة من (ورى الزند يري وريا)، وإنما التوراة والإنجيل والزبور، أسماء عربت من السريانية، فكيف يطرد فيها قياس الأسماء العربية، أما سمعتهم يقولون بالسريانية (تورى انكيلون زفرتا). وسميت (العراق) غراقا تشبيها بعراق القربة وهو الخرز المخروز في أسفلها، بل بالمكان الذي يثنى منها ويخرز طويلا، وفي القول الأول

سموا (العراق) عراقا لأنها سفلت عن نجد كما سفل ذلك الخرز عن القربة إلى أسفلها. وفي القول الثاني لأنها ذاهبة عن الاستواء كما ثني من القربة ما ثني منها وخرز طولا، فالمه در هؤلاء لقد جاءوا بسحر عظيم. وقال أبو عمرو: العراق اسم لساحل البحر، فلما كانت العراق بالقرب من الساحل سموها باسم الساحل، فقول أبي عمرو يوجب أن يسمى بها اليمن لأنها ساحل البحر لأجل الساحل، والساحل اسمها بالفارسية إيراه. وكذلك شبهوا سيف كورة أردشير خره، من أرض فارس (ايراهستان) وسكانها الايراهية، فعربت العرب لفظ ايراه بالحاق القاف بآخرها، وقالوا: سمي العراق عراقا لكثرة عروق الشجر بها؛ فالعراق في قول أبي عبيدة جمع عرق، وقال الأصمعي: كانت أرض العراق تسمي (دل ايران شهر) أي قلب مملكة الفرس فعربت العرب منها اللفظة الوسطى فقالوا (العراق)، وقالوا في قول عدي بن زيد العبادي:

إِجلَ أنَّ اللهَ قَدْ فَضَّلَكُمْ ... فَوْقَ مَنْ أحْكى صَلِيباً بإِزار إن الصليب: الحسب، والإزار: العفة. واحتجوا بأنهم انتزعوا ذلك من قول بعض المتعاطين للتفسير في معنى قوله تعالي {وثيابك فطهر} أي خلقك فطهره، قالوا: فقد سقط اللوم إلا عمن كان (لا) يعجز (هـ) علم الاشتقاق. فقال: إن/ المسلم/ إنما سمي مسلما لأنه أما فألم، والمؤمن/ إنما سمي مؤمنا لأنه آمن فأمن، ومسمي/ آدم/ آدم لأنه حوي من أديم الأرض، ويقال بل لأنه كان على لون أدمة الأرض، وسمي/ نوح/ نوحا لأنه ناح على قومه! ! . فليت شعري ما كان يسمى قبل أن ينوح عليهم؟ وسمي/ المسيح/ لمساحته الأرض بالانتقال فيها من بلد إلى بلد، والمسيح إنما عرب من السريانية لأنهم يسمونه بهذه اللغة/ مشيحا/. كما أن هذه الأفعال تزيل اللوم عن عبد الأعلى القاضي في كلمات تكلف اشتقاقها منها: / الكافر/ فقال إنه سمي كافرا لأنه اكتفى وفر،

فقيل له، بماذا اكتفى، ومن أي شيء فر؟ فقال: اكتفى بالشيطان، وفر من الرحمن. وسمي/ الزنديق/ زنديقا لأنه وزن فدقيق. وسمي/ البلغم/ بلغما لأنه بلاء وغم. وسمي/ الدرهم/ درهما لأنه در وهم. وسمي/ الدينار/ دينارا لأنه دين ونار. وسمي/ العصفور/ عصفورا لأنه عصى وفر. وسمي/ الطفيشل/ طفيشلا لأنه طفى وشال ولما ورد أبو نواس مصر فدخل جامعها طاف فيه على أهل الحلقات فاتهى إلى رجل يتكلم في الاشتقاق، فقال له: لم سميت السماء سماء؟ فقال: لأنها سمت فعلت، فقال: فلم سميت الأرض أرضا؟ فقال: أرضت أرضا فصارت أرضا. قال: فالكامخ؟ قال: لا أعرف له اشتقاقا، قال: لكني أعرف له اشتقاقا، قال: قله، قال: لأنه كمخ يكمخ كمخا فصار كامخا، فخجل الرجل وترك له المجلس. قالوا: ولو اطرد القياس من كل شيء لجاز أن يشتق العصفور من العصفر، والحرباء من الحرب، والغارة من الغيرة، والعار من العير، والفال من الفيل، والخاطر من الخطر، والجمال من الجمل، والجراب من الجرب، والسرة من السرور، أو من السرير، والبر من البر، إلى غير ذلك ما يطول بذكره الكتاب. قالوا: وقد تعرض أيضا لتفسير اللغة قوم من المؤلفين باللعب فلم تساعدهم الإصابة فحكينا من جميعها أحرفا يسيرة وهي:

الإبل، والحلية، والإثم، والبغي، والمتك، والتين، والزيتون، والخلد ... فأما الإبل فزعموا أنه اسم من أسماء السحاب، وأتوا بالحجة عليها قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}. وأما الحلية فزعموا انها اسم للرحم واحتجوا عليها بهذا البيت: إنَّ في الَخْيلِ لَلَهواً حَاِضراَ ... ثّم في الحِلْيَةِ لَذّاتُ الفَتَى وأما الإثم والبغي والمتك فإن الإثم عندهم من أسماء الخمرن والبغي اسم للمسكر، والمتك اسم للاترج وجعلوا الحجة فيه هذا البيت: نَشْرَبُ الاٍثمَ بالصُّواعِ جِهارا ... وتَرىَ المُستْك بَيْنَنا مُسْتَعارا

وقول امرئ القيس: فاليَومَ أشربْ غيرَ مُستحقبٍ ... إِثْماَ منَ الله ولا واغل وزعم ابن قتية ان (المتكأ) الطعام، واحتج عليه بييت منسوب إلى جميل بن معمر: فَظَلِلْنَا بِنِعْمَةٍ وَاُتّكَأْنَا ... وَشَرِبْنَا اُلَحلاَلَ مِنْ قُلَلِهْ قال فمعنى/ اتكأنا/ طعمنا، والحلال عنده اسم للنبيذ. وأما التين والزيتون: فقالوا فيهما أقوالا ليس أحد منها يطابق الاسم فيه مسماه. زأما الخلد، فزعم قوم انه اسم للسوار، وزعم آخرون: أنه اسم للقرط واحتجوا عليه بهذا البيت: ومُخَلّداتٍ باللّجَين كأنّا ... أعجازُهُن نقىً على كثبان

وقوله تعالى: {يطوف عليهم ولدان مخلدون} فقوم قالوا: مسؤرون، وآخرون قالوا: مقرطون، وادعى قوم من أهل اللغة أن/ القوم/ اسم يقع على الرجال دون النساء، قالوا وذلك أن الرجال قوامون بالأمر دون النساء واحتجوا برواية بيت لزهير تنقضها رواية أخرى وهو: وما أَدري وسوف إخال أَدري ... أَقومُ آلُ حُصنٍ أَم نساء وكتاب الله يرد عليهم قولهم لأن قوم كل نبي كانوا رجالا ونساء والأصمعي يرويه موافقة للتنزيل وهي: وما أدري وسوفَ إِخال أدْري ... رجالٌ آلُ حصن أَمْ نساءُ وذكروا أن جماعة من العلماء العرب نسبوا إلى اختلاق الأخبار كابن دأب

وابن الكلبي والهيثم بن عدي وأضرابهم. ورموا حماد الراوية، وخلفا الأحمر بانهما كانا يصنعان الشعر على

شعر العرب، وتناولوا الخليل فتعذر عليهم بالقدح فيما كان ينتحله من علم اللغة فعدلوا إلى عيب عضهه به المتكلمون وأهل الجدل فقالوا: روى عنه واحد من كبار علماء بلده أنه كان مصروفا عن إدراك الحكمة إلا عن النحو والعروض، وما كل إنسان يفطن لنقصه، وأنه كان محصور الطبع عن تفهم فنون من العلم رام تعلمها فبقي فيها كالا حيرا، فمن تلك الفنون علم الغناء والإيقاع، وعلم الكلام والجدل، وعلم الشطرنج والرد. فأما علم الغناء والإيقاع فإنه وضع فيه كتابا وسماه/ تراكيب الأصوات/ وهو لم يعالج وترا قط، ولا مس بيده قضيبا، ولا كثرت مشاهدته للمغنين. وأما علم الكلام والجدل فله فيه كتاب لو جهد كل بليغ في الأرض أن يتعمد مثل ذلك الخطا وذاك التعقيد لتعذر عليهم الوصول إليه، ولو أن مجنونا استفرغ مجهوده وأفنى مدته في الهذيان لما تهيأ مثل ذلك منه، ولن يأتي مثل ذلك أحد إلا بخذلان الله تعالى لا يبقى منه شيء.

وأما علم الشطرنج والترد فانه زاد في دواب الشطرنج جملا فلعب به قوم امتحانا له ثم رموا به. قال وحدثني إبراهيم بن سيار قال: كان كتابه في التوحيد عند أيوب بن جعفر بن سليمان قد جعله عدة لا نقطاع الخواطر المرضية والأحاديث المونقة فاذا اعترتنا سكتة دعا بالكتاب فصار سببا إلى لهو، وطريقا إلى نشاط النفس، وكتاب هذا مقداره عند المتكلمين القرح، والعلماء الخلتص، ما ظنك به. قال وسمعه أبو شمر يوما يقول: لن يصل أحد إلى معرفة ما يحتاج إليه من النحو حتى يتعلم منه ما لا يحتاج إليه،

فقال أبو شمر له: فقد صار إذا ما لا يحتاج إليه يحتاج إليه! ! وسمعه يوما آخر يقول: لولا كراهة البدعة لصنفت للناس كتابا لا يختلفون بعده في شيء من الدين، فقال أبو شمر له: أو تعد ما ألف القلوب بين المختلفين بدعة؟ . وسمعة يوما آخر يملي كتابه في التوحيد وكان قال: أيها السائل عن فهم القديم، إن قلت أين هو؟ فقد أينته، وإن قلت: كيف هو؟ فقد كيفته، هو شي شيءن ولا شي لا شيء (لا شيء) وشيء لا شيء ولا شيء شيء، فقال أبو شمر له: هذا هو الكتاب الذي لا يجمع ولا يفرق، هذا هو البدعة التي يرفع الله بها من الأرض البدعة! ! ! قالوا: وقد تجافينا عن إعادة ذكر لابن الكلبي، والهيثم بن عدي، وحماد الراوية، والخليل. هذا ابن عون قد حدث عن قتادة قال: حضرت

الحسن وقد سئل عن قوله تعالى {قد جعل ربك تحتك سريا} فقال إنه كان لسريا، وإنه كان لكريما، فقال: هو المسيح. فقال له: حميد بن عبد الرحمن: أعد نظرا إنما السري الجدول فتمعر لونه وقال: يا حميد غلبتنا الأمراء. انتهت الحكايات عن الآزاد مردية منتهاها.

بسم الله وقال من أخذته الحمية لأولئك العلماء فتصدى لهؤلاء العياب بمر الجواب: أما الخليل فليس ما يحكى عنه بعيب راجع عليه فانه كان منتحلا لعلم اللغة لا علم الجدل، بذلك عرف طول دهره، وبعد فان دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها (أصل) عند علماء العرب أفضل من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه وإنما اخترعه في ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طت ليس فيها بيان ولا حجة يؤديان إلى غير حليتهما، أو يفيدان غير جوهرهما، فلو كانت أيامه قديمة، ورسومة بعيدة لشك فيها بعض الأمم لصنعه ما لم يصنعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمنا ذكره ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة كل أمة من الأمم قاطبة، ثم من إمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه الكتاب الذي هو زينة لدولة الإسلام، وفلسفة تفتخر بها العرب على كل أمة. وقد أبان عن حاله جعفر بن يحيى بن خالد فانه قال يوما: حضرت البارحة مجلس أمير المؤمنين الرشيد فتذاكرنا علماء الملة من كل فن فاختلفنا ثم اتفقنا على أنه لم ير فيهم من برع براعة الخليل

وابن المقفع وأبي حنيفة والفزاري. قالوا: فالإقبال ساق إلى دولة العرب مثل الخليل ومثل هشام بن الكلبي الذي عني لهم بضبط الأنساب فصنف فيها خمسة كتب وهي "المنزل" "والجمهرة" "والموجز" "والفريد" "والملوكي"؛ فأما (المنزل) فأكبر كتاب له في النسب ينزل العرب فيه منازلهم وربما تخطاهم إذا وجدوا كطباطبا في عدد أو نباهة، مثل: مراهة، وهاربة،

وطي السهل، وعامر بن صعصمة، ودهمان قيس، وطفاوة دخان، وحرثان، حمان، وعامر بكر، وحلمة أسد، وهرمة هذيل، وأخزم هنانة، وثعلبة عفار، وحر العشيرة، وكرادة مراد، وقائمة الأهبوب، والهن، ومنعة، وحي بن موت، وحور بن جديلة، في أشاء لهذا. وأما (الجمهرة) فهو أوسط كتاب له فيه بعض الأخبار وتعداد أمهات الأشراف والقبائل إلى حيث يفترقون عن قبيلتهم ويتجاوزون إلى بطونهم وذكر فرسانهم وشعرائهم وذوي نباهتهم. وأما/ الموجز/ ففيه ما لا يحسن بمتتبع الأدب والناظر في النسب جهله، فذكر فيه من ينسب إلى بطن وقبيل وشريف كل قوم وشاعرهم ومن احتل السلطة فيهم واستوى على الرئاسة منهم. وأما/ الفريد/ فهو كتاب القبائل، أفرد فيه لكل بطن نسبه، مفردا أيامه وشعره، فذكر كل ذلك بالأسانيد والرواة، وهو الذي أتحف به المأمون. وأما/ الملوكي/ ففيه أخبار غريرة معروفة، ومعرفة كثيرة لا تقع في غيره من كتبه، وفيه ما يقع في/ الفريد/ وإن لم يبلغ مداه، وهو الذي أتحف به جعفر بن يحيى البرمكي.

ومثل عيسى بن يزيد بن دأب الكناني، وهو الذي ارتفع في جلالة القدر أنه كان يتكئ في مجلس الخليفة الهادي، ولا يعرف أحد قبله ولا بعده، فال هذه الخطوة، قالوا: وابن دأب يعد من علماء مضر، وهو تاسع تسعة من علمائهم الذين هم: ابن دأب الكناني، وأبو بكر الهذلي، وزيد بن عياض بن جعدبة، وأبو عمرو بن العلاء المازني، والنضر بن شميل المازني أحد تلاميذ أبي عمرو، وأبو عبيدة معمر بن

المثنى مولى ثيم قريش، وعبد الملك بن قريب الباهلي وهو الأصمعي ومحمد بن اسحق بن يسار مولى قريش، وأبو اليقظان مولى بني القحيف من ربيعة مالك. كما أن ابن الكلبي هو سابع سبعة من علماء اليمن الذين هم: محمد بن السائب الكلبي، وابنه هشام أبو المنذر، والهيثم بن عدي، والشرقي بن القطامي وعوانة بن الحكم الكلبي، ومحمد بن عمر بن واقد

الأسلمي، وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري؛ فهؤلاء على جلالة أخطارهم ونفاسة علمهم، لو جمعوا كلهم في صعيد واحد لم يعشروا الخليل، ولا نالوا في العلم أدنى درجاته، وما ظنكم برجل تولاه كل جبيل، ومال إليه كل فرقة حتى حل في صدورهم فمنحوه الذكر الجميل بألسنتهم، فهذا أحمد بن الطيب وهو فيلسوف ذلك العصر كان يعد الخليل في فلاسفة الإسلام مع أستاذه أبي يوسف الكندي فكان يقول: انتهت علوم جانب المغرب إلى خمس فرق: وهم أصحاب الرواق كانوا بالاسكندرية، وأصحاب اصطوان وكانو يعلبك، وزأصحاب المظال وكانوا بانطاكية، وأصحاب البرابي وكانوا بمصر، والمشاءون وكانوا بمقدونية، ولو جمعوا بأجمعهم إلى الفيلسوف أبي يوسف لكان يرجع بهم، ولم يتفق له مثل اختراع الخليل لعلم العروض، فهذا هو آخر الباب الذي قد انتهينا إليه.

الباب الثالث: في ذكر أبيات رويت مصحفة تصحيفا في اللغة ثم خرج لها العلماء تفاسير مختلفة

الباب الثالث: في ذكر أبيات رويت مصحفة تصحيفًا في اللغة ثم خرج لها العلماء تفاسير مختلفة الحرث بن حائرة: زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا ونحن الولاء قالوا: فمعنى قوله/ كل من ضرب العير/ أي كل من ضرب بجفن على عير، فهذا قول الخليل في كتاب العين، وحكى أبو حاتم عن الأصمعي

وأبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال: ذهب من يحسن تفسير هذا البيت. وقال قوم: العير السيد، وعنى به ههنا كليب بن وائل، سماه عيرا، فلما كان كليب أشرف قومه، سماه عيرا على التشبيهن لأن العير قيم الأتن وقريعها، وقال قوم آخرون ممن/ ليس العير/ عندهم/ السيد/ معنى قوله: زعموا أن كل من ضرب العير موال لنسا ونحن الولاء ان العرب ضربت/ العير/ في أمثالها من وجوه كثيرة فقالوا: "قبل عير وما جرى" "والعير يضرط والمكواة في النار" "وكذب العير وإن كان نزح"، فيقول هذا الشاعر: إن العرب كلها قد ضربت العير

مثلاً فكل من جنى عليكم ألزمتمونا ديته. وقال بعضهم: إن هذا الشاعر عنى بالعير الوتد، وسماه عيرا لنتوئه مثل عير نصل السهم، وهو الثانى وسطه، وذلك أن العرب كلها تضرب بيوتها أوتادا فيقول: كل من ضرب لبيته وتدا ألزمتمونا ديته! وقال بعضهم: عير: جبل، ومعني قوله ضرب العير، أي ضرب في عير وتد الخيمة، فيقول: كل من سكن ناحية عير ألزمتمونا تجنيه عليكم، وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير إلى ثور، وثور أيضا جبل. وهذان الجبلان بالمدينة، وقال قوم: العير الحمار نفسه أي أثهم أضافوا إلينا ذنب كل من ساق حمارا، وعنى بقوله/ كل من ضرب العير/ إيادا، أي أثهم أصحاب حمير. وقال آخرون: بل عنى به المنذر بن ماء الماء لأن شمرا قتله يوم عين أباغ، وشمر حنفي من ربيعة فهو منهم.

وقال آخرون: المعنى أن العرب تضرب الأخبية لنفسها والمضارب لموكها. وقال أبو حاتم: قد أكثر الناس في هذا وليس شيء منه بمقنع، وإنما أصل/ العير/ العير العائر، فأحوجه الشعر فاضطره إلى أن قال/ العير/ قال: والعير والعائر، كلها ما ظهر على الحوض من قذى، فإذا أرادوا أن ينفوا عنه ما عارضه من القذى نضحوه بالماء فانتفت الأقذاء عنه إلى جدران الحوض، وصفا الماء لشاربه، فالعرب أصحاب حياض، وهذا فعلهم، فيقول هذا الشاعر: إن إخواننا من بكر بن وائل زعموا أن كل من قرى في الحياض ونفى الأقذاء عن مائها موال لنا ولنا الولاء عليهم. الأعشى: رَحَلَتْ سُميَّةُ غُدْوَةُ أحْمَاَلهاَ ... غَضْىَ عَلَيْكَ فَمَا تَقُولُ بَداَلَهَا هذَا النَّهارَ بَدَا لَها مِنْ همَّها ... مَا بَالهَا باللّيْلِ زالَ زَوَالَها ويروى/ غضبى علي/ ويروى/ هذا النهال/ ويروى/ زال زوالها/. قوله/ هذا النهار بدأ/ قال الأخفش: إنما نصب/ النهار/ لأنه ظرف أي في هذا النهار بدالها من همها.

وقال غيره: (النهار) صفة (لهذا) أو بدل منه، لأن (هذا) في موضع نصب على الطرف، والمعنى في هذا النهار بدالها من همها؛ وقالوا: المختار أن يكون (النهار) نصيب على الوقت. وقوله/ من همها ما بالها بالليل/ قال بعضهم: هذا الارتحال الذي يرى بدالها من همها في النهار فما بالها بالليل إذا نمنا لم ينا خيالها. وقال آخر: يقول هذا الهم بدا لها نهارا، والهم ما شمت به من صرمه ومفارقته. وقال آخر: هي بالنهار تخاف العيون وتراقب الوشاة فما بالها بالليل أيضا على مثل ذلك الحال لا تزور وقد زال عنها ما تحاذره. وقال آخر: إنما رده على آخر البيت الأول؛ فما تقول بدا لها؟ ثم قال مفسرا لذلك: بدا لها أن همت بصرمى نهارا فما بالها بالليل أي ما لنا ولها بالليل، ليست تدعنا ننامه شوقا إليها وذكرا لها. وقوله/ زال روالها/ قال الأصمعي: دعاء على المرأة أي هذه المرأة لا أكاد أراها بالنهار فاذا جاء الليل أزارني خيالها فما بالها! دعا عليها فقال: زال زوالها، ومعناها لا زال هما يزول زوالها أي يزول معها، أراد أنه لا يفارقها. وقال بعضهم: هو دعاء على الهم، ومعناه زال الهم معها حيث زالت.

وقال أبو عمرو: هي كلة يدعى بها فتركها على حالتها، حكى ذلك أبو عبيدة عنه. وقال بعضهم: هو دعاء على الخيال ومعناه أذهب الله خيالها عني كما ذهبت هي فأستريح. وقال الأخفش: هو دعاء على الليل ومعناه أزال الله الليل الذي نقلي فيه مه ما تقاسيه مع صرمها لنا نهارا، كما زالت سمية، وهذا كما تقول: هلك فلان أي هلكه الله. وقال الأخفش: قال بعضهم: زال معناه ههنا أزال، وهي لغة قوم من العرب يقولون؛ زلت الرجل عن مقامه بمعنى أزلته ومن هذا قول ذي الرمة. زيلَ مِنْهَا زَوِيلُهَا فكأنه قال: ما بال هذا الليل أزالها، ويحكى هذا القول بعينه عن أبي عبيدة. وقال الأصمعي في بعض الحكايات عنه: هذا مقلوب كان يجب أن يقول

زواله إلى زوال النهار، ثم قلب الكلام فقال زال زوالها، فجعل التأنيث الذي يجب أن يكون في زال الزوال، كما قال الشاعر: كانَ الزًناء فَرِ يضَةَ الرّجْم وقال بعضهم: هو خبر وليس بدعاء ومعناه؛ ما بال حظنا من سمية بالليل قد زال كما زالت، وإنما يريد تأخير الخيال الذي كان يقوم مقامها فنستريح إليه، وعلة تأخر الخيال عنه انه سهر لفراقها فلم ينم فيبصره. وقال: وقد يجوز أن يكون دعاء على الليل إذ فاته حظه منها فيه. وقال أبو عمرو: أنا أرويه/ زال زوالهيها/ بالرفع، وإن كان إقواء، وعلى هذا يكو دعاء على المرأة بالهلاك وأن تذهب من الدنيا ونزول عن أعين الناظرين، والأعشى أفحل شعرا من أن يقوي. وقال بعضهم: هو دعاء منه لسميئة لا لاعليها؛ زال ما تهم به من صرمنا في النهار والليل كما زالت هي أي زال عنها همها بذلك. وقال بعضهم: هو إخبار عن الليل وفيه تقدير، فكان زال زوالها، أي كان الليل الذي كان لنا منها وقد زال زوالها. وهذا كما تقول مالي مع فلان ليل ولا نهار، وإنما تعني: مالي مع فلان حظ من الليل ولا من النهار، ولست تعني أن هناك نهارا ولا ليلا، وهذا مثل: يلوينني ديني.

امرؤ القيس: نَطْعَنُهُمْ سُلْكَى ومخلوجةً ... كَرَّك لَأْمَيْن على نابل قال عيسى بن عمر: ذهب من كان يحسن هذا. وقال بعضهم: النابل الذي معه النبل، واللأمان: سهان، وكرهما ردهما عليه كما رمى بها كى يستأنف بهما رميا آخر، والسلكى: الطعنة المستقيمة، والمخلوجة: المنحرفة إلى اليمين واليسار. وقال بعضهم: النابل الذي يريش النبل، وكر السهمين عليه أن يسرع مناولته إياهما من يدفعهما إليه كي لا يقع في ذلك فتور ولا إبطاء فيجف الغدا قبل أن يصل الهم إليه من يد المتناول، وهذا أيضا في وصف السرعة في الطعن. وقال بعضهم: أراد أنه يرد السهمين على صاحب سهام دفعهما إليه لينظر إليها فإذا ألقاهما إليه لم يقعا جميعا مستويين على جهة واحدة، ولكن أحدهما

يموج والآخر يستوى، فشبه جهتي الطعن بجهتي هذين السهمين، فذهب من هذا التفسير إلى أن يخبر عن الشكل الطعنتين المستوية منها والمنحرفة دو موالاة في الطعن. وحكى عن زيد بن كثوة أنه كان يقول: إن الناس يغلطون في لفظ هذا البيت وإنما هو: كر كلامين، أي نطعن طعنتين متواليتين لا يفصل بينهما، كما تقول للرامى: ارم ارم، فاتان كلتان لا فصل بينهما فشبه بها الطعنتين في موالاته بينهما وقال بعضهم: أراد بالنابل الذي يرمي في الحرب فيكون بجنبه من يناوله السام، فاذا رمى بواحد منها ناوله الآخر الذي بجنبه على أثره من غير أن يكون بينهما فرجة فشبه موالاه الطعن بذلك. امرؤ القيس: كَذَبْتِ لَقَد أُصْبي عَنِ الَمرْء عِرْسَهُ ... واَمْنَعُ عِرْسي إِنْ يزِنً بِها الخالي

فقال الأصمعي: الخالي من الرجال الذي لا زوجة له، ويزن: يتهم. وقال أبو عبيدة: الخالي المختال، وأراد: لقد أصبي على المرء المختال عرسه، وأمنع عرسي أن يزن هو بها. زهير: تَدَاركْتُما عَبْساَ وذُبْيَانَ بَعْدَما ... تَفَاَنوْا وَدَقّواَ بْيَنُهُم عِطْرَ مَنْشِم فإن منشم قد سار بها المثل في الشؤم فقيل/ أشأم من منشم/، وقيل أيضا أشأم من عطر منشم واختلف الرواة في لفظ هذا الاسم ومعناه واشتقاقه وفي سبب ضرب المثل به؛ فأما اختلاف لفظه فانه يقال: مَنشم، ومنشم، ومشأم؛ وأما اختلاف معناه فإن أبا عمرو بن العلاء زعم أن المنشم: الشر بعينه وزعم آخرون: أن المنشم ثمرة سوداء منتنة. وزعم آخرون: أنه شيء يكون في سنبل العطر يسميه العطارون السنبل وهو سم ساعة، قالوا: وهو/ البيش/. وزعم آخرون: أن منشم اسم امرأة. وأما اختلاف اشتقاقه، فقالوا إن منشم اسم موضوع كسائر الأسماء الأعلام. وقال آخرون: منشم اسم وفعل جعلا اسما واحدا، وكان الأصل (من شم)، فحذفوا الميم الثانية من (شم) وجعلوا الأولى حرف إعراب.

وقال آخرون: منشم الأصل فيه (من نشم) ومعنى نشم بدأ، يقال قد نشموا في كذا أي بدءوا أو أخذوا فيه، ويقال ذلك في الشر دون الخير، وفي الحديث (لما نشم الناس على عثمان) أي ابتدءوا في الطعن عليه، يقال نشم اللحم أي ابتدأ في الإرواح. وأما من رواه/ مشأم/ فإنه جعله اسما مشتقاً من الشؤم، وأما اختلاف سبب المثل به فإنما هو في قول من زعم أن/ منشم/ اسم امرأة وهو أن الأصمعي قال: كانت منشم عطارة تبيع الطيب، فكانوا إذا قصدوا الحرب غمسوا أيديهم في طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في الحرب ولا يولوا أو يقتلوا فكانوا إذا دخلوا الحرث بطيب تلك المرأة يقول الناس: (قد دقوا بينهم عطر منشم) فلما كثر منهم هذا القول صار مثلا فتمثل به من الشعراء عدة منهم الأعشى، وزهير، فزهير قد مر بيته، والأعشى يقول: فَدَعْ ذَا ولَكِنْ مَانَرَى رَأَيُ كَاشِح ... يَرَى بَيْنَنَا مَن جَهْلِهِ دَق مَنْشم

وقال ابن السكيت: العرب تكني عن الحرب بثلاثة أشياء، أحدها عطر منشم، والثاني ثوب محارب، والثالث برد فاخر. ثم حكى في تفسير (عطر منشم) قول الأصمعي، وزعم في (برد فاخر) و (ثوب محارب) أن فاخرا كان رجلا من تميم وكان أول من لبس البرد الموثى فهم، وأن محاربا كان رجلا من قيس عيلان يتخذ الدروع، والدرع ثوب الحرب، فكان كل من أراد من العرب أن يحارب اشترى ثوب فاخر ودرع محارب، وأنشدوا لقيس بن الخطيم الأوسي: وَلّما رَأَينَا الحْربَ حَرْ باَ تَجرَّدَتْ ... لَبسْنَاَمَعَ البُردين ثَوْبَ الُحَارِب وقال أبو عمرو الشيباني: كانت منشم امرة من خزاعة تبيع الحنوط، وإذا حاربوا اشتروا منها حنوطا لقتلاهم، وإنما سموا الحنوط عطرا في قولهم (قد دقوا بينهم عطر منشم) لأنهم أرادوا طيب الموتى. وقال هشام بن الكلي: سمعت محمد بن السائب يقول: من قال منشم بفتح الميم وكسر الشين فهي منشم بنت الوجيه، من حمير، وكانت عطارة تأني محال العرب والمواسم فكانت العرب إذا تمطرت بمطرها اشتد قتالهم فتشاءموا بها. ومن فتح الميم والشين معا فهي امراة من العرب لم تنسب، كانت أشجع العرب يشترون من عطرها، فأغار عليها قوم من العرب فأخذوا عطرها فبلغ ذلك قومها وأقبلوا إلى الذين فعلوا ذلك بها فأرادوا استئصالهم، ثم قالوا لا تقتلوا إلا من شم منه ريح عطرها.

قال ابن الكلبي: وسمعت عبد الواحد يخبر عن يونس بن نحدة الفنوي أنها امرأة من جرهم كانت إذا خرجت فتيان جرهم لقتال خزاعة في الحروب التي كانت بينهم جاءت بقارورة فيها طيب فتطيبهم وهم في صفهم، ثم تضرب القارورة بالأرض فتدقها فلا يتطيب من طيبها أحد إلا قائل حتى يقتل أو يجرح. وقال بعضهم: منشم امرأة أحدثت عطرا فكانت تتطيب به وتطيب زوجها، ثم صادفت رجلا فطيبته فخرج من عندها وتلقاه زوجها فشم منه ريح طيبها فقتله، فاقتل من أجله حياهما حتى تفانوا، وزعم الذين قالوا إن استقاق هذا الاسم أنما هو عطر من شم، أنها كانت امرأة يقال لها خفرة تبيع الطيب فورد بعضهم أحياء العرب عليها فأخذوا طيبها وفضحوها، فلحقها قومها ووضعوا السيف في أولئك، وقالوا اقتنلوا كل من شم، أي من شم منه طيبها. وزعم آخرون انه سار هذا المثل يوم حليمة، أعنى قولهم/ قد دقوا بينهم عطر منشم/، قالو: ويوم حليمة هو اليوم الذي سار به المثال فقيل: / ما يوم حليمة بسر/ لأن فيه كانت الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام، وبين المنذر بن المنذر بن امرى القيس ملك العراق، وإنما أضيف هذا اليوم إلى حليمة لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن من

الطيب فكانت تطيب بها الداخلين في الحرب فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا. وزعم آخرون: أن منشم امرأة كانت دخل بها زوجها فنافرته فدق أنفها فخرجت إلى أهلها مدماة، فقيل بئس العطر عطرك زوجك فذهبت مثلا. وقال آخرون: كل ما دق من الطيب فهو منشم. وقال بعضهم: هي صاحبة يسار الكواعب حين أتته بمجمرة لتطيبه، فقطعت مذاكيره، قال: وهي من أعدائه، هذا قول اسحق بن زكريا اليربوعي. وقال الحرث بن كريم: هي امرأة رياح بن الأشل الغنوى وعطرها هو الذي أصابوه مع شأس بن زهير حين قتله رياح بن الأشل. وخالف أبو عبيدة هؤلاء كلهم فقال: منشم اسم وقع لشدة الحرب، وليس ثم امرأة وإنما هو ذلك كقولهم: / جاوا على بكرة أبيهم/ إذا جاءوا جميعا وليس ثم بكرة.

لبيد: يَطرُدُ الزُجْ يُبَادي ظِلّهُ ... بِأسِيلٍ كالسَّنَانِ الُمنْتَخَلْ قال بعضهم: إن هذا الفرس مع رأس هذا الزج يباريه بخده الأسيل، والزج ههنا السنان. وقال بعضهم: بل الزج ههنا النعام، والواحد أزج، وهو بعيد الخطو. ابو نواس أما ترى الشَّمْسَ حَلّتِ الَحَملا ... وقامَ وزنُ الزَّمانِ واعتدلا وغنًتِ الطيرُ بعد عُجْمَتها ... واستوفْتِ الخَمْرُ حَوْلَهَا كَمَلا قال بعضهم: الحلول: حول الخمر من لدن لواح الكرم عند دخول الشمس الحمل من المام الثاني فتكون الخمر قد استوفت عند ذلك حولا كاملا وصارت بنت سنة. وقال بعضهم: الحول خول الشمس لأن ذكرها قد تقدم في البيت الأول والمراد من ذلك أن الخمر قد استوفت حول الشمس. وقال بعضهم: الحول: القوة لان الخمر حينئذ أقوى ما تكون

وكان الأصمعي ينشد بين الأشعر الجعفي. يارُبً عَرْجَلَةٍ أَصَاُبوا خَلّةً ... دانُوا وَحَارَد لَيْلُهُمْ حتى بكَى ويقول: كذا قراناه على أبي عمرو: وحارد ليلهم حتى بكى. وينشد: وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففي السيف مولى نصره لا يحارد قال وسمعت من يرويه: وحار دليلهم من الحيرة. النابغة الذبباني: مَجلْتُهُم ذاتُ الإِلهِ ودِينُهُمْ ... قويم فٌماَ يرْجُون غْيرَ العَواقِب

طرفة: سَأحْلُبُ عَنْساَ صَحْنُ سمّ فَأبْتَغي ... بِه جِيرتَي حَتَّى يُحِلو اليَ الخَمْرا ويروى: أن لم يحلوا لي الخمرا وعنس: ناقة، وهي رواية الأصمعي، ورواه المفضل: عيسا، والعيس ماء الفحل ويزعمون أنه سم ساعة. أوس بن حجر: مُخَلَّفونَ وتَقْضي النّاسُ أمْرَهُمَ ... غُسُّ الأمَاَنةِ صُنْبُورٌ فصُنْبُورُ كذا رواية الأصمعي وقال: "غس": ضعيف، يكون واحدا وجمعا. ورواه المفضل: غش.

وقال أوس أيضا: لَعَمْرُكُ مَاَضيَّعتُها غيرَ أنَّها ... أتتني فواري عرَية فالمجلل أبو عمرو: عرية بعيدة، يقول جاءت من بعد، والمجلل اسم رجل. الأصمعي: عريها ما عري منها لسمنه، والمجلل ما ألبس جلا. ألمنلمس: فَهذَا أََوَانُ العِرْضِ حَي ذٌبَاُبهُ ... زَنَا بيرُهُ والأزرَقُ الُمتَلَمَّسُ حي ذبابه: كثير، ويروى: جن ذبابه: أي هاج. حسان بن ثابت: يَسْعَى عَلَيَّ بكَأسِهَا مُتنَطفٌ ... فَيُعِلُّنِي مِنْهَا وَإِنْ لَمْ أْنَهل متنطيف: أي ذو نطفة وهي القرط، ويرى متنطق: من المنطقة.

سويد بن أبي كاهل: ويُحَيَّيني إذَا لاَقَيتُهُ ... وَإذَا يَحْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ ويروى: وَإذا يَحْلو له لحمِي رَبَعْ إذ فسد. ذو الرمة: ولمَّا عَرَفْنَا أنَّه البيْنُ بُكْرَةً ... وَرُدَّ لِأ حْدَاجِ الفِرَاقِ رَ كَائِبُهْ ويروى: أنه التبن.

ابن مقبل: أَباُنوا أَخاُهْم إِذْ أَرَادُوا زيِاله ... بأسْوَاطِ قِدٍ عَاِقدينَ النَّوَاصِيا هذه رواية الأصمعي وقالوا: أبانوا أي أبعدوا من البين أي أبعدوه عنهم بهذا الفعل يقال أبنته بدراهم أي أعطيته إياها. ورواه ابن الأعرابي: أَثاُبوا أَخَاُهْم إِذ أرَادُوا زياله أي جعلوا الضرب ثوابه. القطامي: فَما جَبُنُوا ولكنّا أُنَاسٌ ... نُقيمُ لمِنْ يُقَارِضُنَا القِرَاَعا ويروى: يعارصنا، ويقارصنا، ويقارعنا.

المرار: أمِينُ الشَّوَى مُسْتَقْدمٌ مُتَفاذِفٌ ... إِذا مَاأجَدَّ السَّيْرَ لَمْ يَتَعَذَّر فيه تصحيفات: يروى (أمين السرى) لسير الليل. و(الوى): الأطراف. و (لم يتعذر) أي لم يتأخر لعذر، ولم يتعذر من عادته. ويروى (أغذ السير). وله أيضا: فالمرء أْعدَلُ والغَاز] بشِكّتيه ... لَه صَرِيعٌ مَن الصًفْينٍ مُتْفَعِرُ رووه على روايتين (منعفر) و (منقعر). فمنعفر أي بالتراب، ومنعقر معقور. ابن الدمية: فَلَوْ أنَّ مَا بِي باَلحصَا فلقَ اَلحصَا ... وَبالرَّيحِ لَمْ يُسْمَعْ لَهُنً هُبُوبُ ويروى قلق الحصا.

وذكر الرقاشي عيسى بن اسماعيل عن خلف اغلحراني قال: قرأ الأصنعي على أبي عمرو بن العلاء هذا البيت: ألا قَتَلَتْ مَذْحِجٌ رَبًها ... وكانتْ خزايتُها في مُراد فقال أبو عمرو: هذا من قلة الصنعة، وإنما هو (خرابتها) والخارب اللص. (آخر): فَإني وَأَتيِي بُجَيْراَ حِينَ أَسْأُلُه ... كَعابِطِ الكَلْبِ يرْجُو الطَّرق في الرَّيب عابط: ذابح، ويروى: غابط. (آخر): فَتذَاكَرَا عَيْناَ يطيرُ بَعُوضُهَا ... زَرْقاءَ خَاليَةً مِنَ الُحضَّار الحضار: الناس، ويروى: الخضار: الطحلب.

فهذه جملة من الأبيات منتزعة من أشعار الأوائل رواها الرواة على ما اتفق في مجاء حروفها المتشابهة على أن الرواة لم يختلفوا في ألفاظ شبه اختلافهم في بيت الأعشى وهو: إِني لَعَمْرُو الَّذِي حَطَّتْ مَنَاِسُمَها ... تَحْذِي وَسِيقَ إلَيهِ البَاقِر الغَيِلُ رواه راو: (خطت) وأراد خطت التراب. ورواه آخر: (حطت) واراد اعتمدت في السير. ورواه آخر: (تحدى) أي تساق. ورواه آخر: (تخدي) أي تخدي في سيرها. ورواه آخر: (العشل) وهي الجماعات من الاس والإبل فهذه رواية أبي عبيدة.

ويروى: (الغيل) وهي المان. ورواه آخر: (العثل) وهي الكثيرة. قال ويروى: (الغيل) ويراد بها الكثيرة من قولهم ماء غيل أي كثير، ولا أعرفه إلا المثل. وقد صدر سيبويه كتابه بباب ضمنه أشعارا على روايات توافق ما بني عليه الباب ويخالفه رواة الشعر في أكثرها فمنه روايته لقول الشاعر: أَلَمْ يأْتِيكَ وَالأنباء تَنمي ... بِما لا قَتْ لَبُونُ بني زِياد ورواه غيره: ألَمْ يبلغكَ والأْنَباء تْنمى وإذا روي هكذا لم يكن لسيبويه فيه حجة، ومنها: لا بارك الله في الغوانيَ هَلْ يصبحن إلا لهن مُطَّلَبُ وروي: لا بارك الله في الغوان أما يصبحن إلا لهن مطلبُ بحذف الياء. وفي هذه الرواية أيضا بطلان قياس باب (تحريك الياء). وعلى هذا المجرى عدة أبيات أخرى في كتابه.

الباب الرابع: في ذكر اختلافات من القرآن احتمل هجاؤها لفظين فمن أجل أنه قرئ بهما صارتا قراءتين

الباب الرابع: في ذكر اختلافات من القرآن احتمل هجاؤها لفظين فمن أجل أنه قرئ بهما صارتا قراءتين قال الله سبحانه: {هنالك نبلو كل نفس} و {تبلو كل نفس}. و{إن جاءكم فاسق بنيأ فتبينوا} و {فتثبتوا}. و{الذين ينفقون أموالهم أبتغاء مرضات الله وتثبيتا} و {تبيينا}. و{ألم يئن للذين آمنوا} و {يتبين}. و{إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} و {ليسيئوك.}.

و {تقاسموا بالله لتبيننه} و {لنبيننه}. و{لنبوئنهم من الجنه} و {لنثوينهم من الجنة}. و{إذ جعلنا البيت مثابة للناس} و {منابة}. و{العنهم لعنا كثيرا} و {كبيرا}. و{قل فيهما إثم كبير} و {كبيرا}. و{قل فيهما إثم كبير} و {كثير}. و{ابتغوا ما كتب الله لكم} و {اتبعوا}. و{جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} و{عبد الرحمن}. و{هو الذي أرسل الرياح بشرا} و {بشرى}. و{انظر إلى العظام كيف ننشزها} و {ننشرها}.

و {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} و {فأعشيناهم}. و{قد شغفها حبا} و {شعفها}. و{لا تجسسوا} و {لا تحسسوا}. و{فمن خاف من موص جنفا} و {حيفا}. و{إن لك في النهار سبحا} و {سبخا} أي خفا. و{هو الذي يسيركم في البر} و {ينشركم}. و{إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} و{بين إخوتكم}. و{حتى إذا فزع عن قلوبهم} و {فرغ}.

و {أصبح فؤاد أم موسى فارغا} و {فزعا}. و{ضللنا في الأرض} و {ضلنا} أي تغيرنا. و{فقبضت قبضة من أثر الرسول} و {قبصت قبصة}. و{تالله لأ كيدن أضنامكم} و {بالله لأكيدن}. و{إن كان مكرهم لتزول منه} و {وإن كاد مكرهم}. و{فاذكروا أسم الله عليها صواف} و {صوافي} أي خالصة. وفي قراءة ابن عباس {حتى يلج في اسم الخياط} وفي قراءة غيره {حتى يلح} وقال: الجمل هو قلس من قلوس السفن.

و {قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} و {وصى ربك} في قراءة ابن عباس. وقال {إن يدعون من دونه إلا إناثا} و {إلا أوثانا} في قراءة عائشة. فأما ما أصيب في هجائه ولم يصب في معناه فهو: {ليبلغ فاه وما هو ببالغه}. و{يا نوح لتكوين من المرحومين}. و{فإذا هي ثعبان متين}. و{لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم}.

و {إن يسألكموهما يتحفكم تبخلوا}. و{إذ تلقونه بألسنتكم}. و{أم خشيتم أن تدخلوا الجنة}. وألزم المتوكل عبادة في يوم من أيام رمضان أن يقرأ في المصحف فصحف ما شاء الله حتى بلغ قوله سبحانه {وبشر المخبتين} فصحفه إلى {وبشر المخنثين} فأمر به فسحب على وجهه.

الباب الخامس: في ذكر التصحيف نثرا المستعمل عمدا لا سهوا

الباب الخامس: في ذكر التصحيف نثرًا المستعمل عمدًا لا سهوًا وهو فن يكثر تداول الناس له، ويقع فيه الغث المسترذل، والمقترن بالبذاء والهجر، وقد اقتصرت منه على نبذ يسير. كتب أبو تمام رقعة إلى فلان بن عبد الملك بن صالح الهاشمي يسأله فيها محالا، وكتب على عنوان الرقمة (حسب) وهو اسم أبي تمام، فنقط الحرف الأول من تحته، والثاني والثالث من فوقهما والآخر بنقطتين من فوق وردها إليه؛ وأراد به (جنبنت). وفعل محمد بن عبد الله بن طاهر مثل ذلك برقمة، فضحك. ونهض الحسن بن وهب ذات ليلة عند مجلس ابن الزيات فقال: (سُحير) أي بت بخير، فقال له ابن الزيات: (تنبه) أي بِتَّ به.

ووقف رجل على مجلس الحسن البصري فقال: (أعتمر أخرج أبادر) فقال الحسن: كذبوا عليه ما كان كذلك، فأراد السائل؛ أعثمان أخرج أبا ذر. ومن تصحيف محمد بن عبد الله بن طاهر: (متمامل) يريد: من مل مل. قال المعتصم يوما لغلام من الطباخين: (حاسبت رشيد) فقال له: (زن بين) أراد: جاشتت رسيد، أي أأدرك غذاؤك، فقال، أدراك. وقال المتوكل يوما ليحي بن ماسويه: (بعت بيت بقصرين). فقال له يحيى: أخر الغداء، أراد المتوكل (تمشيت فضرني) فأجابه يحيى بما تضمن العلاج. وكان المستنجد ناقص الهجاء رديء الخط يستعظم من التصحيف كثيرا ويلقي على ندمانه الثيء لا يفهمونه، فكان ابن حمدون يتجاهل

عليه ويتغابى عنده، فكان يكون من تصحيفه عليهم مثل (سقف) و (قدح) و (جاثم) ومن نمط هذا: منجب صب = مَنْ حَبَّ صَبَّ الخنصر = الحُبَّ ضُرٌّ الجندل والصدقتل = الحب ذل، والصد قتل متى ألج بيت هند = ميت الحب شهيد ناي قد ناح به = ناى فدنا حبه باتت فأضى بيتي وأتت فاحتبس = نايت فاضنيتني، وأبت فأحييتني. نرجس طري = برح بي نظري تم ظرفي بستري = نم طرفي بسري طست حسن = طبيبي حبيبي القبعثرى وحليس = ألفت غيري وخليتني انصب عينى في ليتى = إن ضيعتني قتلتني قنعتبتكفيلي = في عينيك قتلي حمزة حدثك بشأني =حمرة خديك سناني

خشخاش = حبيب خانني أبكيت حبيبك فنكل بك = إن كنت خنتك فثكلتك مشمشه ثقيلة = من ينم ينبه بقبلة صينية حسنة = صب نبه حبيبه ضب يحي من يمضي = صب بحب متيم صب محبرة آبنوس = محب زها ببوس كلني بيمينك فبعنى تحتبس = كل شيء منك في عيني حسن لبب سرح مصري = ليس ترحم ضري مسعود = متى تعود الثوب ثمان سوت = ألتوت ثم استوت فروج مسمنة تحت = فر وخمش من يحب تحت الفيل مروحه خيش = تحب القبل من وجه حسن حبش بن بجبير = حبيبي بت بخير صعقت عين بكرك = ضعفت عن شكرك قلنسوة خضرا = قلبي يتوهج ضرًا

جنى بقلب بدرين = حين تقلين تدرين لمازح مقال يغم = لما رحم قال نعم شوفي جر بعيري = سوف تجرب غيري اسحق بن رخش = آسٍ خف بين حبيبين ضرب عيني بشرين = صريع بين نسرين مسلم بن قيس = متى تلمُّ بي فنبيت البت بري قد خضعت راهبا = الشرب بقدح صغير أهنا أشريتني بيدي = اشرب سيدي أعطي نقرة عيني قرد = أعطني قرة عيني فرد ومن المقلوب: ظلمتنا = أنت ملظ كرهتنا = أنتهرك دعوتنا = أنت وغد أرحتنا = أنت خرا جفوتنا = أنت وقح

وما يشبه الآخر منه الأول: (**************************) وتفسيره: لَيْتَنَا لَبَّنَّا لَبِنًا لِبِنَاء لُبْنَا ووقع بعض الوزراء في قصة: (**********************************************) تفسيره: غرّك عزُّك فصار قصار ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك، فعلك تهدأ بهذا. ووقع محمد بن عبد الله بن طاهر: (*******************************************************************************************************************)

وتفسيره: يا بُنيَّ نابني مُصيبةٌ مضنيةٌ أمرضني أمر صي مجدور محذور عليه علته بفزع يقرع قلبي، فلبي واله وآله احمد أحمد وقد وفد وصيف وصيف رحاله رجالة تحتل بجبل. آخر: (******************************************) وتفسيره: إنا، أبا علي، على إتيانك، إننا بك نأنس بأنس الاخوان، الإخوان يجبون يحيون في فيء أنسك، إنك برير ودود العجل العجل فقد فقد الأنام الأيتام الرخية الرحبة.

ووقع محمد بن غالب الأصفهاني إلى الديوان في قصة رجل: هدا هدا فتحير كتابه في قراءته، ثم عبر عليهم صبي كان في غمارهم فقال يقول: (هذا هذاء) أي كثير الهذيان. آخر: (***************************) وتفسيره. امرؤ أمر امرأ أن من آمن أمن، من أمر بأمر الله أمن من الله ومن حذو يقاسب هذا الحذو: (************************) وتفسيره: هل يراع امرؤ إذا هرول ومن ذلك: الفصل لله المبين وتفسيره: الفضل لله المبين وفي اختلاف الحروف من الأسماء ووقع بعضها موقع بعض ما ينسب للأستاذ الرئيس أدام الله أيامه في رجل بالري ولاه العيار والمواريث والحسية والتفتيش وربع عشر المصادرات والقضاء، والإشراف على دار الضرب،

والضوال والأوقاف والنظر في أوقاف الكنائس والبيع، وعمل التوكيل بالرقيق والجلب: تَوَل العَياريثَ واَلحسْفَتْيِشَ ورُبْعُشْ مُصا وقَضا شَر وضَربْ وضَوْ قافَ ونظر وَقَاف الكنابـ ـع ضُمً إلى عَمَلِ التورقِ اجلب

الباب السادس: في ذكر التصحيف عمدا نظما لا نثرا

الباب السادس: في ذكر التصحيف عمدًا نظمًا لا نثرًا قال ابن الرومي في طريقة أبي نواس: أيها الُمدّعي سُلَيْماً سفَاهًا ... لستَ منها ولا قُلاَمةَ ظُفْرٍ إنما أنتَ مُلْصقٌ مثل واوٍ ... أُلصقت في الهجاء ظُلمًا بعمرو ما يَضيقُ الهِجاء من ظلم إبرا ... هيم طَوْراً ومن مُحَاباة عمرو منحوا ذا واوًا، وبَزُّوا أَخاه ... ألفاً سُلَّ بين ردف ونحر وقال أبو نواس يهجو أبان بن عبد الحميد اللاحقي: صَحَّفَتْ أُمّك إذ سمتك في الهد أبانا صيَّرت باءً مكان التاء فالله أعانا

قد علمنا ما أرادت لم تُرِد إِلا أتانا وقال أبان يهجو أبا نواس: أبو نواس بن هاني ... وأمه جُلْبان والناس أنظن شيء ... إلى دقيق المعاني وكان اسم أم أبي نواس (جُلبّان) وأراد أبان أنها تحت (حلّ ثان) وقال أيضاً يهجوه: رأى الصّيفَ مكتوباً فَظَنّ بأنه ... لتصحيفِهِ ضَيف فقامَ يُحاربه وقال أبو نواس يهجو بعض الكتاب: إذا قلتَ الهجاءَ فأنت خَلفي ... واسحقُ بنُ عيسى زيدُ نَقَّ وكان أبوكما ينطي قيلا ... وبرقاً حين يمشي أو كبرق ويروى: وكان أبوكما ينطي فيلقي ... ويمشي حين يمشي لا يبقي أراد: إذا قلت الهجاء فأنت حلقيي، واسحق بن عيسى زنديق، وأبوكما يبطئ بلقاء ويمشي ولا يبقي. وقال آخر [160]: حَنَفِيُّ رأيْتُهُ ... في ضَلاَلٍ من الكَرَمْ

زِدْ عَلى الفاء نقطةً ... وأرفعِ النُّونَ بالقلمْ وقال أبو نواس: واسمٍ عليهِ جُنَنٌ للهوى ... وضٌمه للوصف دوَّار أضحكت عنه سنّ كتمانه ... وكان من شأنَي أخبار بجزم أُولى مبتدا اِسمه ... ثم يكون الوصف إِضمار وخَبْن ما يخبن من بعده ... منه وللطابق أمهار فهو بحذف ذا وترخيم ذا ... أخو الذي تلذعه النار وجنَّة لقَّبت المنتهى ... ثم اسمها في العجم جلار الاسم: (راحة) وقال آخر: اسم متى تعكسه لم تُلْفهِ ... عَنْ رَسْمِهِ الأوّل بالزّائل من أيّ قُطْريه تأمّلَتهُ ... كان سَواءَ ليس بالحائل

فهو على الظاهر من اِسمه ... أمنية العاقل والجاهل وإن تصحّفه تجده أذىّ ... يُكره للموسر والعائل [161] الاسم (العلا) وتصحيفه الغلاء. وقال محمد بن عبد الله بن طاهر: صادني ظيٌ غربرٌ ذو حَورَ ... أدعجُ العينين قتّالُ النظر ألفٌ إن شئتَ مَبْدا اِسمِهِ ... ومن العينين حرفٌ مشتَهَر ثم لامٌ بين هذين فإن ... دَنّتِ النُّقطةُ وُقّيتَ الحَذَر ولُه من سَبَأ حرفانِ ما ... علمتْ نفسي وحرفٌ من سمر الاسم: (العباس) وقال أيضاُ: بـ (طور سيناء) إسمٌ قد حوىِ صفتي ... فالقلبُ من حبّه بالسقم والكَمَد وكان صاحبَ صدق قد حوى كلمي ... فما نطقتُ وما في القلب من فَنَد فقال: أبعدتَ فيما قلت ما أحدٌ ... يأتي بوصفك غير اَلواحدِ الأحد وقال: قرّبه لي كيما أُعاَلجِهُ ... فقلتُ: أفعلُ ياذا العقل والرشد فألق طاءَ وواواَ بعدها ألفٌ ... تلح لك السينُ بعد الراء في وتد واحذف فديتك نوناً قبل وصلكها ... أو بعد وصلكها يا شاعر البلد

ثم الذي خلته يبقي تؤلفه ... فذاكم الاِسم ما في الاِسم من أوَد فغاص فيه فلم يظفرْ بمعرفة ... وزال عقدته ياصاحبَ العقد الاسم: (يسر) [162] وقال أيضا: كَتَمْتُ إسَمك حتى كاد يقتلُني ... وسوف أبديه إن أٌحْرِجْتُ للناس فأول الاسم بِعض الشمسُ آخره ... والآخرانِ من التفاحِ والآس هذا هجاؤُك فانهم قد نطقتُ به ... لما تضمّنه من طولِ وسواس لولاكَ لم نسع للتفاحِفي شجرٍ ... ولا استُلذ بشرب الراحِ في الكاس الاسم (تامش) وقال آخر: اسم من أهواه إِسمٌ حَسنٌ ... فاذٍا صحّفته كان حسن فإِذا أسقطت منه فاءَه ... صارَ نعتاً لهواه المختزَن وإِذا ألقيث منه طَاءَه ... صار فيه عيشُ سكانِ المدن وإِذا ألقيت منه راءه ... صارَ زوراً يعترى عند الوسن

أخرجوا ذاك فلن يخرجَه ... ... ... أحدٌ إِلا أديبٌ ذوِ فطَن [163] الاسم: (ظريف). وقال آخر: كأسنان منشار ثلاث تعدها ... ... ... وعروة مقراضِ إلى جنبها جَلَم وآخرها حَرفٌ يرى خاتماً لهما ... ... ... يحاكي هلالاً جاليا حندسَ الظُّلمْ الاسم (سهلان). وقال آخر: ثنتان قاعدتان ... ... ... بالقرب من غصنِ بان وكالهلال وإلاّ ... ... ... كعقفة الصَّولجان

فثَم إسمُ حبيبي ... ... ... لاُبدَّ من ترجمان الاسم (بنان). وقال آخر! ملكتُ وَدادَ من أهواهُ عَفوا ... سُقيتُ بكأسه فشربتُ صفوا تُنَقَّصُ آخرا منه فتبقى ... حروف تملأ الفتيانَ لهوا فإِن تَنْقُصْهُ ثانيةّ تجدْه ... على نقصانه شرفا وعلوا وإِن تَنْقُصْهُ ثالثة تجده ... شراباً يورث الشُرَّاب شجوا الاسم (سماعة). وقال آخر: شَحَّ عني بودَّه وجَفاني ... شادنٌ ما تَحيدُ عنهُ القلوبُ سائلي عنهُ اسمُهُ أولَ الشًطرِ ... مُعمّى مُصَحّفٌ مَقلوبُ الاسم (حنين). وقال آخر: اسمٌ مُوَّنَّثَةٌ حروفُ هجائهِ ... فإذا طلبتَ هجاءَه فمذكرُ وإِذا أضفتَ إِليه حرفاَ رابعاً ... فمن الطيورِ له نتاجٌ يذكرُ

ويزادُ حرفٌ خامِس في عجْزِهِ ... فمنَ الملوك اسمُ أبيه المنذرُ الاسم [نعم- معن- نعام- نعمان] وقال آخر: وشادنٍ ينطقُ بالطرفِ ... ... ... يقصرُ عنه منتهى الوصف قلت له: ما اسمُك يا سيدي ... فقال لي: في سورةِ الصفٌ فقلتُ: هذا أحمدٌ والذي ... أحكمَ ما أَنزلَ في الصُّحْف فقال: كلاً، قلت: عيسى إذاً ... ... ... وقلتُ: موسى، قال لي: أُفّ مثلُكَ لا يذكرُ بالظرف ... وأنتَ لا تَخْرُج من حرف وليسَ فيه ألفٌ أُثبتَتْ ... تُكتب من قدام أو خلف الاسم [نصر]. وقال آخر: اسم من عيْلَ بهِ صَبْري ومَنْ ... ... ... ليس لي منه سوى طولِ الَحزَنْ حَسَنٌ لا شَكَّ إن أسقطتَ من ... أَحَد البيتين عندي قولَ مَن الاسم [اسماعيل]. وقال آخر: ربعُ موسى مُكرراً فيَ الطَّلاقِ ... في اسمِ من شَفّني بذِكْرِ الفِراق غيرَ أني رأيتُ آخرَ صُبْحٍ ... ثانَي الاسمِ من أميرِ العراق الاسم (يحيى).

وقال آخر: ثلاثُ ياءاتٍ وواوٌ معاَ ... بحكمِ ذي الُّلبِ وسينين ميمٌ وعينٌ أولُ اسميهما ... فخبّروني باسمِ هذين الاسمان [موسى وعيسى]. وقال آخر: يا أبا إسحاقَ واقلبْ ... نظمَ إِسحاق وصَحَّفْ واترك الحاءَ على حا ... لٍ فما للحاء مصرِفْ الكلمة [يا فاحشا]. وقال أبو شراعة: فما رجلٌ من الفتيانِ ليثٌ ... شديدُ الباسِ في الَحسَب الصّميم فان صَحّفْتَ ذلك كان طيراَ ... وتصحيفُ المصحَّفِ في الجحيم وإن صحّفتَ بعدُ يصرْ شراباَ ... يسقّي أهل جنْاتِ النعيم وإن أبدلتَ فتحاَ منهُ ضماَ ... يصمرْ ذاكم فِراشاَ للنؤوم الاسم [حمزة- رخمة- جمرة- خَمرة- خُمرة.]

وكتب إلى عبدان بن أبي عبد الرحمن الأصفهاني: 1 أَبِنْ لي أيها المفتنُّ علماَ ... ومن أضحى الغداةَ بلا نظير 2 ومن مهما عويصُ الشعر أدجى ... وحّيرَ كلَّ ذي علمٍ غزير 3 كفاتا حيرةً منه برأي ... يضيء كدارةِ القمرِ المنير 4 فما شيء تصحّفُه فيضحي ... سروراً للصغير والكبير 5 فان صحّفت ذلك كانَ لوْناَ ... من الألوانِ ذا حُسنْ نضير 6 وتصحيفُ المصحف غير حرف ... أولو جَلَدٍ على بعْدِ المسير 7 فان صحّفْتَهُ من بَعْدُ أيضاَ ... فشيءٌ ليس يُعْدَمُ في السّعيِر 8 وتقلبه وتنكسُه جميعاَ ... فذلك عدةُ البطلِ المغير 9 وتحصيلُ المنكس منه مهما ... تحصْلهُ فمن بعضِ الطيور 10 وفي تصحيفِ ذلك فعْلُ طِرْفٍ ... تأبي حسنَ سائِه نَفور 11 فان قلّبت هذا صارَ نعتاَ ... لسير اليعملات بلا فتور 11 فان قلّبت هذا صارَ نعتاَ ... لسير اليعملات بلا فتور 12 فان أسقطتَ أُخراه فحرفٌ ... لَملك الفرسِ فيِ قَدم العصور 13 فان عكّستِه فطعامَ ملك ... وطفل من يدي أُم وظير الاسم [حمزة] وتصحيفه في البيت الرابع (خمرة)، والبيت الخامس (حمرة) والسادس (حمر) والسابع (جمر)، والثامن (رمح) والتاسع (زمج) والعاشر (رمح) والحادي عشر (جمز) والثاني عشر (جم) والثالث عشر (مخ)

وقال آخر: صفةُ الدمعِ اسمُ من أنا عبدُهْ ... ليسَ في العالمين خَلْقٌ جدُّهْ فاقلبنه وصحّفِ الكل منه ... فاذا ما قلبتَهُ فَهْوَ ضِدُّهْ [168] صفة الدمع (سجوم) وقلبه (موجس) وتصحيفه (موحش) وضده (مؤنس). فالاسم [مؤنس]. وقال آخر: اِسم الذي هو للورى سَكَنُ ... مَعَهُ يطيبُ النومُ والوَسَن إن زدتَ فيه الياءَ آخرَه ... صارَ اسم من هو لي به شَجَنُ اِسم التي كَمَلت بدائعُها ... وإلى محِاسنها انتهى الُحُسنُ ولقد يصير اسمٌ لها جبلاً ... إن رام تنكيسَ اسمها فَطِنُ الاسم: [ليل] قان زدت فيه حرفا صار (ليلى) فان تنكسه صار (يَلْيَلُ) وهواسم جبل. وقال آخر: وما شيٌ تصحّفه فيأتي ... لدى الهيجاء يستلب النفوسا وتَنْكِسُه وتَنْقُصُ منه حرفاً ... فيأتي يصرعُ الرّجُلَ الرئيسا الاسم (زمّج- رمح- حر.).

وقال آخر: أبن ما اسمانِ هذا قَلْبُ هذا ... وتصحيفٌ له وَهُما طَعامُ فألت عنه أبا مسلم بن بحر فقال: يعني التين والزيت، وسألت أبا الحسين بن سعد عنه فقال: يعني الديك والكبد. وقال آخر: حارَ في الُحبّ فتى صَارَ في حبْك مُدْنَفْ يا بديعاَ اِسُمه في الشعر مقلوبٌ مُصَحّفْ الاسم (حار- راح- راج). وقال آخر: أولُه ثالثُ تفاحة ... وآخرُ التفاحِ ثانيه ورابع الخمر له ثالثٌ ... وآخِرُ الوردِ لباقيه الاسم (أحمد). [169] وقال آخر: ثلاثة أَحْرفٍ منها بنَينا ... بيوتاَ أعيتِ البانين قَبْلي وهاتيكَ الحروفُ يُرَيْنَ طراً ... بقصر شارعٍ في دار جُمل الاسم (قصب).

وقال آخر: أَضاء لي ناظرٌ كليلٌ ... ليلةَ مِنْ نورِك اقتبستُ فأنتَ حُلمي بوقتِ نَوْمي ... وأنتَ فكري إذا جلَسْتُ لو قلتَ لي مُتْ لَمُتُّ وجداً ... أو سمتني الحبسَ لا حتبستُ بأي ذنبٍ أتاكَ عني ... تسقمُ جِسمي وأنت طَسْتُ الاسم (طبيب). وقال آخر: ومجلوّ بخلخال وَوَقْف ... يمييدُ الغصنُ منه فوق حقف عبثتُ به فَمرّ ولم يُعَرَّجْ ... على طلبي وأدعوه بسقف يريد (ييتي قف). وقال آخر: [170]. تجنى علَّي بغيرِ اجترامٍ ... تَجنَّيَ مستكبر مُعْتدي وقال وصالك سَبٌ عَلَّي ... فقلت بِسَيَّ تَبَّتْ يَدِي يريد (تسبني سيدي).

وقال آخر: جَزِعَتْ من النَّمام إِذ حيْيتُها ... يوماَ به في باقةٍ الرَّيْحان فرمت به خَجَلاً وقالت: أقصه ... لا تقربنَ مُضَيَّعَ الكتمان فأجبتها منكوس ذلك مأ منٌ ... لا تجزعي من مأ من الإخوان الاسم (نمام). ومن التصحيف قول العلوي الأصبهاي: أُترّجةٌ قد أَتتكَ براً ... لا تقبلنّها وإن سُررْتا إن اسمها إن يَكن سَليما ... فإن منكوسَها هُجِرْتا الاسم (أترجة). وقال آخر: تفاحةٌ من بعد تفاحةِ ... بينهما غصْنان من ضَيْمُرانْ غصنان في أول ما أزهرا ... فما يشيبان ولا يكبرانْ ذاك اسم من قد شفّني غدرُه ... وغّيرتْهُ حادثات الزمانْ الاسم (مشبه). وقال أبو نواس: [171] يا لا بسَ الشنف الذي من أجله ... قلبي على شَرفَ المهالك مشرفُ الشُّ في التصحيف سيفٌ مرهفٌ ... والشنف مثل السيف حينُ يصَحّفُ

جاوزتَ في الحسن المدى حتى لقد ... شك الخلائقُ فيك أَنَّكَ يوسفُ وقال أبو المتاهية: أما تذكُرُ قولي يابْ ... نَ أنوارِ بلاد الله إذا قابلني وجُهـ ... ك زنبور بكا لله يريد (ربي وربك الله). وقال أبو سويد بن أبي المتاهية: أَلا ليتَ من أهواهُ صدَّ عنِ الصَّدِ ... وأعقبَ بعد الجور في الوصل بالمدَّ أقولُ له إِذ لَجَّ في سَطواته ... قلنسوة خضرا أَيا ناقص العهد يريد بقوله (قلنسوة خضرا) قلبي يتوهج ضرا. ومن مقلوب التصحيف قول مخلّد الشاعر وقد رأى ريٌا جارية القراطيسي فقال لها: ما أسمك فقالت: ريا، فقال: يا حبذا أنت يوم السَّبتِ زائرةً ... لوصحَّ إِسُمك مني فيكِ مَقلوبا وقالت عليه بنت المهدي في خادم يقال له (رشأ) وقد حجب عنها:

وَجَدَ الفؤادُ بزينبا ... وجداً شديداً متعبا ولقد كنيتُ عن أسمها ... عمداَ لكي لا تغضبا فجعلتُ زينب سترةً ... وأرَدْتُ ريماً معجبا فذهب قولها (زينب سترة) مثلا سائرا حتى إنه يقال في كل شيء يكنى به هو (زينب سترة)؛ ولعلية في خادم من ىخدم أخيها الرشيد يقال له (طلٌّ) وكانت تحبه: أيا سَرْوةَ البستان طالَ تشوقي ... فهل لي إلى ظلٍ إليك سبيلُ متى يلتقي مَن ليس يُقضى خروجُه ... وليس لمن يَهوى إليه عَديل فأحس الرشيد بخبرها فحجبه عنها فمشت على ميزاب حتى وصلت إليه وحدثته فقالت في تصحيف اسمه: قد كان ما قاسيته زمناَ ... ياسروَ من ظلمٍ لكمْ يكفي

حتى أتيتك زائراً عتماً ... أمشي على حتف إلى حتف فبلغ الرشيد الشعر فحلف عليها أن لا تكلم (طَلاً) ولا تذكر اسمه ظاهراً ولا مصحفا فاتقبضت عنه ثم اتفق أن أشرف الرشيد على حجرتها من السطح وهي تقرأ القرآن فانتهت إلى قوله تعالى {فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير} فلم تذكر كلمة (طل) وقالت: فما نهاني أمير المؤمنين عنه والله بما تعملون بصير. فنزل وقبل رأسها ووهب طلا لها.

باب فيه نمط من المصحف جار على الهو والغلط نسيت إلحاقه وإثباته وتذكرته ههنا وهو عشرة أبيات محكمة كانوا يروونها مصحفة قبل أن يرووها صحيحة؛ فرووا للأعشى: يشقّ الأمورَ ويجتاُبها ... كشقً الفزاري ثوب الردن وإنما هو (كشق القراريّ). ولبيد: وإن كنتِ تبكينَ الكِرامَ فإِنني ... أبا حازم في كل يوم مُذَكَّرُ وإنما هو (أبا خازم). ولأوس: فانكما ياًبني جُناب وجدتُما ... كمن دبَّ يستخفي وفي العُنْق جُلْجُلُ وإنما هو (وخدُتما). ولبشر: مضى أسلافنا حتى نزلنا ... بأرض قد نجا منها نزار وإنما هو (قد نحا)

ولآخر: نظرتْ إليه بعين جارية ... حوراء حانيةٍ على طفل وإنما هو (جازية). ولعنترة: بطل كأن ثيابَه في سَرْجِه ... يُحذى نعال السبت ليس بتوأم وإنما هو (في سرحةٍ) يصفه بالطول والتمام. ولتأبط شراً: فلئن قلت هذيل سباه ... لبما كان هذيلاً يقل وإنما هو: [173] فلئن فلّت هذيل شَباهُ ... لبما كان هذيلاً يفل ولمزرد: صفعت الذكور صفعة لا حجى لها ... يولول منها كل آسٍ وعائِد وإنما هو (صقعت) [صقعة] ولدريد: حتى إذا ملئوا جوانبهم ... منها وقالوا الدْنُي والفصل وإنما هو (خوابيهم). وذكر أبو ربيعة أن رجلا كان يقرأ على الأصمعي شعر النابغة: كليني لهم يا أميمة باضت فقال له الأصمعي: ويلك أم علمت أن كل ناجمة الأذنين تحيض، وكل سكاء الأذنين تبيض، فصار تصحيف الرجل فائدة لنا.

باب فيه نمط من معمى الشعر يصلح أن يحاوربه من المصحف قال أبو نواس: حَصانٌ حصّلت قلبي ... فمنا إِن فيه من باقي لها الثلثانِ من قلبي ... وثلثا ثلثهِ الباقي وثلثا ثلث مايبقى ... وثلْثُ الثلثِ للساقي فيبقى أسهمٌ ستٌ ... تجزّا بين عشّاق وتفسير ذلك أن الأصل واحد وثمانون، والثلثان منها أربعة وخمسون وثلثا ثلثه ثمانية عشر، وثلثا ثلث ما يبقى جزءان، وثلث الثلث جزء، فذلك

خمسة وسبعون، ويبقى ستة أجزاء وهي التي تجزأ بين العشاق. وممن سلك طريقة أبي نواس في التعمية محمد بن بحر الأصبهاني الحاسب فقال: له سُبُعا عُشَيْرَيْ تُسع ... خُمس الثُّمن لَوْ يُعطى وثلثا ربعِ سُدْسَي ... نصف خمسي عَشرٍ أيضا وسبعا تُسع ثمني عُشْر ... عُشْري حاصل يبقى إذا ما زيدَ في الباقي ... من الأصل الذيْ يُبنى له سبعان من ثُمني ... عُشْير اُلخمس قد يوفى

وُسبعا ثمن عُشري ... ثُمن عُشْرَيْ أصله المحصى فكم هذا الذي صار ... له في المال يا هذا وللآخر سبعا رُبع ... عشر الخمس مستقصى فمن ذا منهما حقاَ ... له الأوفر والأوفى وكم يبقى من المال ... إذا حُصَّل أو يُحصى وأصل هذا المال خمسة وسبعون ألفا وستمائة (75.600) فتركت ذكر تفصيله لطوله. وسلك طريقه أيضا أبو الحسن بن طباطبا الأصبهاني بقوله: إن رُحتُ فيما يُريد ملتمساً ... أو جئت أشكو إليه ضيقَ يدي أحصت أُلوفًا يسراه أربعةً ... منقوصة سبعة من العدد فقد عمى به [175] على قبض يد البخيل وعنى ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة وتسمين. وسلك أيضا طريقه ابن أبي البغل فقال: يا خمسة في سبعة ... مع سُبْع ذلك في ميهْ وكمثل ذلك إن ... أضفتَ إليه جزءَ ثمانيه يا نصفَ ألفٍ في القيا ... س ونصفَ ألفٍ لاميه ألقَيتَ ربعَ ثلاثة ... منه فَصَحً حسابيه

وضربتَ ما حصّلَته ... ... ... في نصف ثُلْثِ ثمانيه تأتيك صورةُ طبعه ... بكماله مُتواليه فقد عنى بقوله هذا الشعر (تسعة آلاف وتسعمائة وتسعة وتسعين) وأراد به قبض يد البخيل لأن خمسة في سبعة خمسة وثلاثون، فإذا زدت عليها سبعها كان أربعين، فإذا ضربتها في مائة كانت أربعة آلاف، فإذا أضفت إليها مثلها كانت ثمانية آلاف، فإذا زدت عليها جزء ثمانية وهو الثمن كانت تسعة آلاف، فإذا أضفت إليها نصف الألف مرتين كانت عشرة آلاف، فإذا ألقيت من ذلك الربع وهو ثلاثة أرباع مضروبًا في نصف ثلث ثمانية وهو واحد وثلث كان ذلك واحدًا، فإذا أسقطته من عشرة آلاف حصل تسعة آلاف وتسعمائة وتسعة وتسعون.

وسلك طريقته في التعمية آخر فقال: يا خمسة في خمسة ... ... ... مع خُمس ذلك في ميه يا شكل شيء جذره ... إخراج برج وافيه ياجذر عشر الألف في ... عشر تُحَطُّ ثمانيه ويزاد للتكميل وا ... حدة تكون مساويه وهذا أيضاً عمى بما عميا به وعنى ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة وتسعين لأن خمسة في خمسة خمسة وعشرون، وخمس ذلك خمسة فيصير ثلاثين، فإذا ضرب في مائة كان ثلاثة آلاف، والبرج ثلاثون درجة وهو جذر تسعمائة، والشكل الذي ذكر مع مائة وعشر الألف مائة وجذره عشرة، فإذا ضرب في عشرة صار مائة فإذا حط عنه ثمانية بقي اثنان وتسعون فإذا زيد عليه واحد بلغ ثلاثة آلاف وتسعمائة وثلاثة وتسعين.

ومن الحساب قول القائل: أربعة في مثلها ... مع تسعة في سبعه فاللفظ الذي عمى عنه هو (دليله) وتصحيفها ذليلة وضدها عزيزة، وجاءت حروف (دليلة) تسعة وسبعين. ومن هذا النمط قول أحمد بن عمرو بن رسته الأصبهاني في تعمية (محمد بن محمد) حيث يقول: نفسي الفداء لسبعة مع تسْعةٍ ... في خمسة عددُ البروج تماُمها وابن الذي هو ستةٌ في سَبْعَةٍ ... زيدتْ على خمسينَ فهي نظَاُمها

وقوله فيهما أيضًا: لئن كنت يا مشغوف نَفْسَكَ صَبَّةُ ... بتسعين بعد اثنينِ في العدَّ مولَعه لقد شغفت نفسي بأعداد سبعة ... إذا ضُربتْ في سَبعة ثم أربعه ومن التعمية البديعة قول أبي بكر الضرير المعروف بابن العلاف البغدادي: ألا قلْ لابن أُمَّ حماةِ أمي ... أنا ابنُ أخِ ابنِ أختك غيرَ وَهم ولو زوجتَ أختَكَ من أخ لي ... فأولدَها غلاماَ كان عمي وكان أخي لذاك العَمْ عّماَ ... وكان العمُّ بين دَمي ولحمي فمن أنا مِنكَ أو من أنْتَ مني؟ ... أبِنْ إنْ كانَ فهمُك مثلَ فهمي فسألت عن تفسيرها أبا يوسف الحيري فقال: المخاطيب عمرو، والمخاطب زيد، وعمرو هو ابن خديجة، وخديجة هي أم فاطمة وفاطمة هي أم عبد الله، وخالد؛ وعبد الله هو والد زيد، وجعفر وبكر هما أخوا زيد لأمه، فتزوج جعفر أخو زيد بفاطمة وهي أخت عمرو فولدت منه أحمد، وأحمد هو أخو عبد الله من أمه وهو عم زيد، وهو ابن أخيه وهو من لحمه ودمه، كما قال، لأن زيدا هو ابن عبد الله، وعبد الله هو أخو خالد فيكون زيد ابن أخي خالد، لأن خالدًا هو ابن فاطمة، وفاطمة هي أخت عمرو.

ويكون خالد ابن أخت عمرو، وزيد ابن أخي خالد، فزيد إذن ابن أخي ابن أخت عمرو لأن فاطمة هي أم عبد الله، وعبد الله هو والد زيد تكون فاطمة حماة أم زيد إذ كانت أم أبيه لأن عمرًا ابن أم حماة [أم] زيد. ومن بديع التعمية قول ابن أبي البغل: عصا بعدها أْخلاف ضرع ثلاثةٌ ... ودائرةٌ مثقوبة ومثلث واد يليه صولجانٌ مُعقفٌ ... أَبِنْ لي ما أسميتُ يامتعبثُ الاسم (اسماعيل). وهذا كما وصف إعرابي كتابة (خمسة) على منار في طريق مكة فقال: عليه محجن ودوارة، وثلاثة كأطباء الكَلْبة، وأخرى كمنقار الديك.

باب إذا جاءك شعر معمي منظوم قد تره على أبينه ليسهل عليك إخراجه إن شاء الله فمها يستعان به على إخراج المعمى من الشعر علم أوزانه، والحذق بالذوق فيه، وإحصاء حروفه حتى تقف بذلك على جنس الوزن فتدبر الوزن، وحروفه على ما يوجبه مقدار البيت في الطول والقصر، فإذا عرفت ذلك بدأت بإحصاء الترجمة المرسومة للحروف حتى تقف على عددها فإذا وقفت على جملة العدد نصفته فان اتفق أن يكون نصفه عند منقطع كلمة تأملت الترجمة المرسومة للحرف الواقع في مصراع البيت وتأملت الحرف الذي في آخر البيت فان اتفقا فالبيت مصرع، وربما اتفقا ولم يكن هناك تصريع، وإن كان انقضاء الكلمة الواقعة في الصراع بعد استغراق نصف البيت عددًا أو قبل استغراقه وكان أحد النصفين فيه حروف مشددة، واعتمدت على أن نصف البيت حيث انقطعت الكلمة. وربما اختلف الحرف الذي يقع في مصراع البيت، والحرف الذي في القافية، ويكون البيت مصرعًا، وهو أن يكون أحد المصراعين في التمثيل مثل قولك (أحمد) والمصراع الآخر (اعبدوا)، أو مثل قولك (أحمد) والآخر (اعبدي) للمؤنث فيكون المصراعان متفقين في النظم والذوق مختلفين في سورة الترجمة والخط وزيادة

الحروف. ثم نظرت إلى كثرة ما يتكرر من الحروف، ويروج مع غيره فإذا وجدت في بيت قد رسمت حروفه طيرا في التمثيل؛ غرابا يتكرر مع عصفورة، وعصفورة تتكرر مع غراب علمت أن أحدهما ألف والآخر لام، فان وقعا في طرفي الكلمة دبرت ما يحتمل أن يكون حشوهما فان وقعا في جانب من الكلمة نظرت ما يحتمل أن يكون قبلهما من الحروف أو بعدهما فوصلته بهما ثم تأملت كلمة على حرفين فعملت على أنهما (من) أو (عن) أو (في) أو (قد) أو (بل) أو (هل) أو (إذ) أو (أو) أو (ما) أو (مذ) أو (أو) أو (إن) أو بعض الكلمات التي تشاكلها على ما تقتضيه الكلمة التي قبله والكلمة التي بعده، وربما كان الحرفان من حروف الأمر كقولك (خذ) و (دع) و (سر) و (قل) و (خف) و (نم) و (سل). ثم تأملت ما يطول من الكلمات فعلمت أنه (استفعال)، وربما كان مضافا إلى مؤنث فتزداد الكلمة طولا فتصرفها على ما يقتضي من صورتها من (استفعله) أو (يستفعله) أو (تستفعلها) أو (يستفعلها) أو (مفاعلات) مضافة أو غير مضافة، وتعمل على ابتداء المصراع الثاني من الحروف واوا في بعض الحالات على جملة من النظر لا على الحقيقة، وكذلك أكثر أوائل الكلمات في الحشو، وإذا لاح لك أن الكلام مما يعطف بعضه على بعض تعمل على أنها حروف عطف من واوات أو فاءات. فاذا حققت إصابة حروف البيت دبرت حينئذ وزنه وعملت على أن تجعل لحروف البيت قالبا من تقديرك بالحركات والسواكن حتى إذا وزنت البيت بالمعيار الذي تقيسه به انتهى معيارك عند فناء الحروف ولم يفضل منها شيء، ولم يفضل المعيار عليها، فان فضل أحدهما على آخر غيرت المعيار والمقايسة، وقست قياسا ثانيا للوزن ودبرت الحروف على خلاف تدبيرك الأول فتقيس

أوله مع وسطه وآخره وتمحص فكرك أو تدبيرك فيه من أوله إلى آخره، ولا تقصد بعض حروفه بالتدبير دون بعض فانك إن فعلت ذلك طال عناؤك وانتقض عليك تدبيرك فإذا فطنت لحرف من الحروف التي تقف على معيار كلمتها ولا تدري بناء حقيقتها فأدره على حروف التهجي من: أب ت ث ج ح خ .... حتى يمر بك الوزن الموافق لمرادك فترسم تلك الكلمة به فليس يخرج شيء من الكلام العربي عن تأليف الحروف معانيها فتعلم أن قولك الذي يقتضي صلة، وأن الحروف التي تجيء بعدها الأفعال لا تجعل في مواضعها الأسماء، والحروف التي تقتضي الأسماء لا يتبعها بالأفعال، وإذا اقتضاك الكلام الظروف من الأزمنة أو الأمكنة، واقتضتك الظروف ما يتبعها من الأسماء المضافة إليها أتبعت كل واحد من ذلك ما يقتضيه ويوجبه حكم التأليف ورسم الكلام، ولم تشغل فكرك بتدبير كلمة على وزن اسم وهي فعل، أو وزن فعل وهي اسم، أو حرف مبنى وهو اسم، أو اسم وهو حرف مبني. ومما يعسر إخراجه تعمية بيت مضطرب المعنى واللفظ مخالف لكلام السهل المعنى المستعمل المفهوم، فإذا كان البيت قلقا غير متمكن ولا منبسط اللفظ ولا مفهوم المعنى تضاعف العناء في استخراجه. وأقوى الأسباب في استخراج المعمى ما يضطر إليه الوزن من ترتيب الحروف مراتبها التي ترسم بها فإذا دبرت بيتا ولم يصب قالب وزنه على ما تصرفه عليك في تدبيراتك فشدد بعض ما ترسمه من تلك الحروف أو مدها أو قصر الممدود منها فإذا حصلت وزن البيت وجنسه هان عليك التماس حروفه واستنباطها إن شاء الله. وربما دبرت البيت الممي وأتقنت قالب وزنه وتقاطع كلماته وهيئته التامة

وساعدتك الحروف على ما ترسمها به، وارتج عليك فيه حرف واحد فيضطرك ذلك الحرف إلى نقض ما دبرته واستثناف تدبير ثان فيكون سبب إصابتك ذلك الحرف النافر عن سائر حروفك المدبرة فلا يعذر من صعوبة ما يرد عليك من المعمى فان الفكر يهجم على حقيقته إن آثرت الصبر عليه، والذي يوجب إخراج المعمى من الشعر حتى لا يعذر واحد من رواة الشعر وحملة الآداب وذوي الفطنة والذكاء في جهله وجحود معرفته خلال ثلاث: منها أن تأليف حروف الكلام العربي متناه معلوم مرسوم وقد وقف على مهمله ومستعمله، ومنها أن ازدواج الكلام محدود، متى أزيل عن الحدود التي رسم بها انتقض معناه أعني بذلك وضع الكلمات مواضعها من الأسماء والصفات والأفعال والحروف والظروف والصلات، ومنها أن تأليف الشعر محدود محصور لا تمكن الزيادة فيه ولا النقص منه، ولا تحريك ساكنه ولا تسكين متحركة، فإن الوزن يأباه إلا ما كان مطلقا من ذلك جائزا في الزحاف، وكل ما صحت أصوله وثبتت حقيقته فان العقل يجتذبه ويلصق به، حتى يخرجه إلى العيان، وبعدي مستوره، وما هي أساسه تحير العقل فيه، وأنكره واستوحش منه. وتثبت أسماء طير بعدد حروف الكلام ونمثل مثالا للمعمى ليحتذى عليه إن شاء الله تعالي: طاووس، تدرج، باز، شاهين، باشق، بؤبؤ، عقاب، صقر، نسر، رخمة، غراب، دراج، طيهوج، قبج، ورشان، حمام، بط، صرد، حجل، قنبرة، كركي،

عقعق، ديك، دجاجة، عندليب، العنقاء، حدأة. وإن شئت جعلت بدل أسماء الطيور من أسماء السباع أو الوحوش أو الناس أو أجناس الطيب، أو أنواع الفاكهة، أو الرياحين، أو الآلات أو الجواهر أو نظمت كنظمك هذه الأسماء، أو صوَّرت علامات مختلفة، ولا ترسم شيئا من ذلك بحرف تعينه بل تقيم كل واحد منه مقام أي حرف شئت فإن أردت أن تعمي بيتًا جعلت مكان كل حرف اسم طائر أو غيره فإذا تكرر ذلك الحرف كررت ذلك الطائر أو ذلك الشيء الذي قد رسمته به، وإذا انقضت الكلمة جعلت لها فصلا وعلامة من دائرة أو نقطة أو بعض ما يستدل به على مقاطع الكلمات مثال ذلك إذا أردنا أن نعمى هذا البيت: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل حجل صرد طاووس ... (قفا) ديك تدرج قنبرة ... (نبك) عقعق ديك ... (من) صقر قنبرة نسر عنقاء ... (ذكرى) باشق تدرج عنقاء تدرج ... (حبيب)

عندليب عقعق ديك رخمة كركي ... (ومنزل) تدرج غراب حجل ورشان ... (بسقط) طاووس كركي كركي عندليب عنقاء ... (اللوى) تدرج عنقك ديك ... (بين) طاووس كركي يؤيؤ عندليب كركي ... (الدخول) عندليب باشق عندليب عقعقق كركي ... (وحومل) وقد تدار ترجمة البيت المعمى حتى لا يوقف على أوله ويتوهم على كل كلمة فيها أنها ابتداء البيت دون الكلمة الأخرى فيعسر إخراجه ويتضاعف العناء في تدبيره فإذا أديرت لك ترجمة بيت فابتدئ بتدبير حروفه واستخراجها قبل تدبير وزنه، فإذا كانت الترجمة مبسوطة معروفة المبتدأ فابدأ بتدبير وزنها قبل الحروف واستخراجها فإنك إذا بدأت بتدبير بيت تراد ترجمته وأنت لا تقف على أوله ولا على آخره وانشق لك وزن صحيح غير وزن البيت الذي ترجم لك، فكانت سبيله كسبيل دوائر العروض عند فك الأوزان المختلفة منها، وكل بيت إذا دبرت ترجمته انفك منه ما ينفك من جنسه وكثيرا ما يتفق أن تستوي مقاطع الكلمات مع ابتداءات الأوزان فإذا اتفق ذلك وترجم لك بيت من الهزج ودبرته على أنه من الرجز أو الرمل لم تساعدك الحروف إلا أن يتفق بيت يستوي نظمه ومقاطع كلماته

في الأوزان التي تجتمع في دائرة جنسه ولا يقع في معاه ولا في لفظه نقص، مثل قولك. بدر كريم ماجد ... بحر جواد سابق فانك إذا أردت ترجمة هذا البيت اتسق لفظه لك ومعناه من أي كلمة ابتدأت بها فيه على اختلاف وزنه وتفرعه فتكون مرة كهيته من الرجز ومرة تقول: كريم ماجد بحر ... جواد سابق بدر من الهزج، ومرة تقول: ماجد بحر جواد ... سابق بدر كريم من الرمل، ومرة تقول: بحر جواد سابق ... بدر كريم ماجد ومرة تقول: جواد سابق بدر ... كريم ماجد بحر ومرة تقول: سابق بدر كريم ... ماجد بحر جواد ومرة تقول: بدر كريم ماجد ... بحر جواد سابق

فهذه أمثلة ينبغي أن تقيس عليها فإذا أديرت لك الترجمة فدبر حروفها قبل وزنها وإذا بسطت فدبر وزنها قبل حروفها أو دبر وزنها وحروفها معا. تم كتاب التنبيه على حدوث التصحيف وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وحده، وصلواته على محمد وآله وسلم كتبه عبرت في سنة 1345

§1/1