التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة
القاضي عياض
التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ للإمَام الحَافظِ أبي الفَضل عَياض بن موُسى اليَحصبي المُجَلَّدُ الأوّل قسمُ الدّرَاسَة تحقيق الدكتور محمد الوثيق - الدكتور عبد النعيم حميتي دار ابن حزم
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1432 هـ - 2011 م ISBN 978 - 614 - 416 - 148 - 7 الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها دار ابن حزم بيروت - لبنان - ص. ب: 6366/ 14 هاتف وفاكس: 701974 - 300227 (009611) البريد الإلكتروني: [email protected] الموقع الإلكتروني: www.daribnhazm.com
التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ قسمُ الدّرَاسَة (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدّمَة الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين، المبعوث لكافة الخلق أجمعين، القائل: "مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (¬1). اللَّهم فقِّهنا في ديننا، وعلِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً. أما بعد: إن من الحوافز التي شجعتنا على الاشتغال بهذا الكتاب، الاعتبارات الآتية: 1 - نسبة هذا الكتاب إلى العالم الجليل القاضي عياض: إن القاضي عياضاً بأسلوبه المتين، ولغته الرصينة، وإتقانه لفني الرواية والدراية، وتمكنه من علل الأحكام، وخبرته في ضبط أسماء الأماكن ¬
2 - ارتباط الكتاب بالمدونة
والرجال، بهذه المدارك الواسعة استطاع أن يحفظ للمعلومة صحتها، وأن يبلغها للقارئ في أجود حللها. وقد استطاع بعلمه أن ينتزع الشهادة من علماء المشرق والمغرب برسوخ قدمه في العلم بفنونه المختلفة. فهو كما قيل: شجرة نبتت بالمغرب وفاح شذاها بالمشرق، وهو معتمد الكثير من العلماء شرقًا وغرباً، فلا يليق بنا أن نترك علمه يضيع بين ركام المخطوطات من غير أن نحاول نشره، وأن نكون نحن المغاربة من السباقين لذلك. 2 - ارتباط الكتاب بالمدونة: إن موضوع الكتاب يتناول مصدراً أساساً من مصادر المالكية، وهو "المدونة"، وهي المصدر الثاني بعد "الموطأ"، وهذا المصدر رغم سلاسة أسلوبه فإنَّه ما زال في حاجة إلى الكثير من البحث والتعمق في بعض جزئياته. وما جاء به القاضي عياض في كتابه هذا يوضح الكثير من المسائل التي ربما لا ينتبه إليها القارئ العادي، ولا تثير إلا انتباه المتخصصين. 3 - الوضع الحالي للمدونة: إن قراءة "المدونة" كما هي عليه اليوم ستجيب عن السؤال: لماذا يتعب الطلبة والفقهاء أنفسهم بقراءة مختصر خليل، وفك ألغازه، ويتركون "المدونة"، وهي سهلة الأسلوب واضحة المعاني مقرونة في غالب أبوابها بالأدلة من الأحاديث والآثار، وهي مطبوعة ومتداولة؟ لكن بعد قراءة "التنبيهات" يتبين أن تدريس "المدونة" بوضعها الحالي بنسخها المطبوعة، فيه مجازفة كبيرة، لما فيها من الأخطاء، كما يجب الاحتياط من أخذ الأحكام منها إلا للفقهاء الممارسين الذين يدركون الخلل الفقهي بملكتهم الفقهية، ويتنبهون بذوقهم للأخطاء الطارئة على النص. وفي نسخها الكثير من هذا النوع. كما يوجد في نسخها المطبوعة اختلافات في النص بزيادة أو نقصان، وعندما يأتي القارئ ليقارن بينها فقد يضيف إلى هذه الطبعة ما نقصها من الطبعة الأخرى، وهو لا يعلم أن هذا النقص هو نقص في الرواية، وأن هذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف الروايات. وهذا لا يوضحه
4 - "المدونة" ومختصر خليل
إلا كتاب "التنبيهات"، وهنا تظهر حاجة "المدونة" إلى هذا الكتاب. 4 - " المدونة" ومختصر خليل: من خلال قراءة كتاب "التنبيهات" يدرك القارئ قيمة مختصر خليل، ويعرف المقصود مما فيه من الإشارات، فهو عندما يذكر مصطلحات مثل: (تأويلان، أو تأويلات، ظاهره، والصحيح)، إلى غير ذلك من المصطلحات التي قد يحفظها الطالب من غير أن يدرك معناها. قد لا يعرف ماذا تعني، لكنه عندما يدرس كتاب "التنبيهات" يفهم أن ما يشير إليه خليل ناشئ عن اختلاف روايات "المدونة"، وتأويل المختصرين لها، واختلاف الشارحين لنصوصها. وبذلك تدرك أهمية الشيخ خليل الذي حاول جمع المذهب في كتيب صغير الحجم، كثير العلم، وإن كان في عبارته تعقيد في بعض الأحيان، إلا أنَّه استطاع أن يجمع علماً كثيراً في عبارة وجيزة، وكمثال على ذلك مسألة طال الكلام فيها في رواية علي بن زياد "للموطأ" وفي "المدونة"، وهي مسألة أن ما قطع من الصيد من يد، أو رجل، أو أذن، أو غير ذلك - غير الرأس - لا يؤكل؛ لأنه غير مذكى، إذا لم تنفذ به مقاتل الصيد، لأنَّ الصيد ذكاته بذلك، فلا يؤكل المقطوع دون النصف إلا الرأس. وجاءت هذه المسألة في "الموطأ" الزيادي في فقرة طويلة، من عشرة أسطر، وكذلك وردت في "المدونة" بتسعة أسطر. وهذا البسط يجمعه ما أشار إليه خليل بعبارة وجيزة دقيقة مفيدة وهي: "ودون نصف أبين ميتة إلا الرأس" (¬1). 5 - حاجة "المدونة" إلى كتاب التنبيهات: لا يمكن الاستغناء عن هذا الكتاب في تصحيح "المدونة" وفهم نصوصها، وقد اعتمده الكثير من العلماء الذين شرحوا "المدونة"، أو علقوا ¬
عليها، كما استدل به الكثير من الفقهاء الذين شرحوا كتباً أخرى في الأحكام الفقهية. ومن أجل هذه المكانة التي يحتلها هذا الكتاب فإن مكانه الطبيعي هو أن يطبع بهامش "المدونة"، عندما يكون محققاً، ومؤهلاً للطبع، ولا يعدو أن يكون تحقيق هذا الكتاب مفتاحاً لمن أراد أن يشتغل بتحقيق "المدونة". بناء على هذه الاعتبارات تأكدت رغبتنا في العمل على تحقيق هذا السفر ومحاولة تخليصه من قيود الخزانات التي ظل محبوساً في رفوفها، ونرجو أن يتم إطلاق سراحه بهذا العمل المتواضع. وسنحاول جهد المستطاع ترميم نصوصه، ووضعها في قالب يسهل على القارئ الاستفادة منه، وذلك بوضع النقط والفواصل، وتحديد الفقرات، معتمدين في ذلك على ما فهمناه من النص حسب ما أتيح لنا من النسخ. وقد قسم هذا العمل إلى قسمين: • القسم الأوّل: دراسة الكتاب: وفيه أربعة فصول: الفصل الأوّل: القاضي عياض: شخصيته وحياته العلمية: المبحث الأوّل: التعريف بالقاضي عياض. المبحث الثاني: حياته العلمية. المبحث الثالث: آثار القاضي عياض العلمية. المبحث الرابع: أثر القاضي عياض في فن التحقيق. الفصل الثاني: وقفات مع "المدونة": المبحث الأوّل: قصة تدوين "المدونة". المبحث الثاني: خدمة "المدونة" قبل القاضي عياض.
المبحث الثالث: روايات "المدونة" وأسانيدها. المبحث الرابع: اختلاف نسخ "المدونة". المبحث الخامس: اختلاف نسخ "المدونة" المطبوعة. المبحث السادس: نصوص طرحها سحنون من "المدونة". الفصل الثالث: التعريف بكتاب "التنبيهات". المبحث الأوّل: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه المبحث الثاني: مضامين الكتاب ومقاصده. المبحث الثالث: مصادر الكتاب الفصل الرابع: منهج القاضي عياض في دراسة قضايا الكتاب: المبحث الأوّل: قضايا الرواية والدراية. المبحث الثاني: القواعد الفقهية. المبحث الثالث: ملاحظات تقويمية عامة. • القسم الثاني: التحقيق: وفيه كان الكلام عن النسخ وبيان رموزها، وما يتميز به بعضها عن بعض، وعن المنهج المتبع في التحقيق. والله نسأل أن يحقق رجاءنا، وأن يكلل مسعانا بالتوفيق.
الدراسة
القسم الأوّل: الدراسة الفصل الأوّل: القاضي عياض؛ شخصيته وآثاره العلمية: المبحث الأوّل: التعريف بالقاضي عياض. المبحث الثاني: شخصيته العلمية. المبحث الثالث: آثاره العلمية. المبحث الرابع: أثره في فن التحقيق.
المبحث الأول: التعريف بالقاضي عياض
المبحث الأوّل: التعريف بالقاضي عياض أولاً: نسبه: هو الإمام الحافظ، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (¬1). هذا هو النسب الذي ذكره ابنه نقلاً عنه، إلا أنَّه استدرك أن والده كان يقول: لا أدري، هل محمد والد عياض أو بينهما رجل فهو جده (¬2). ونقل أبو العباس أحمد المقري عن أبي القاسم بن الملجوم تلميذ القاضي عياض أن القاضي عند انصرافه من سبتة قاصداً الحضرة المراكشية زارهم في دارهم بمدينة فاس فسأله ابن الملجوم عن نسبه فقال القاضي: إنما أحفظ عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض، وأحفظ بعد ذلك محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض، ولا أعرف أن محمداً هذا أبو عياض أو بينهما أحد (¬3). وهذان المصدران يتفقان على سلسلة أجداده كما يتفقان على محلّ الخلاف، وهما مصدران جديران بكل ثقة. ¬
ويرتفع نسب عياض إلى يحصب بن مالك بن زيد. ويحصب أخو ذي أصبح الحارث بن مالك بن زيد الذي ينتهي إليه نسب الإمام مالك بن أنس الأصبحي (¬1). وهذا النسب يثبت أن عياضاً عربي الأصل والسلالة، يرتبط بالإمام مالك بصلتين: صلة القربى والنسب بالانتساب إلى قبيلة حمير من عرب اليمن. وصلة الاقتداء بمذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس الذي تمسك به أهل المغرب، وكان عياض من أبرز أعلامه وأشهرهم. هذا وقد تسلسلت المعالي والمفاخر في هذه الأسرة قبل القاضي عياض وبعده، قال عبد الله بن حكم - معاصره - يمدحهم: وكانت لهم بالقيروان مآثر ... عليهم لمحض الحق أوضح برهان (¬2) وكان للجد عمرون بفاس ولآبائه نباهة (¬3). وكان رجلاً فاضلاً من أهل الخير، حافظاً لكتاب الله، حج إحدى عشرة مرة، وظل منقطعاً لعبادة الله في مسجده إلى أن توفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة (¬4). وعُرف ابن أخي القاضي عياض أيضاً أبو عبد الله الزاهد بالعلم والزهد، وقد استخلفه عمه على قضاء غرناطة (¬5). وعُرف من أسرة أمه بتعاطي العلم خالاه أبو بكر محمد وأبو محمد عبد الله ابنا علي المعافري المعروف بابن الجوزي (¬6). أمَّا في عقبه فقد توارث آله القضاء من بعده؛ فتولاه ابنه محمد بن ¬
ثانيا: مولده
عياض المتوفى 575 هـ (¬1)، ثم تولاه حفيد ابنه هذا محمد بن عياض بن محمد بن عياض المتوفى 655 هـ (¬2). وكان حفيده - عياض بن محمد بن عياض - محدثاً فقيهاً معظماً مهيباً (¬3). ثانياً: مولده: اتفقت كتب التراجم على أن مولد عياض كان في سنة ست وسبعين وأربعمائة من الهجرة (¬4). وعلى وجه التحديد في منتصف شهر شعبان، وقد كتب بذلك بخطه إلى ابن بشكوال. وكان مولده في سبتة (¬5) التي انتقل إليها جد أبيه عمرون من مدينة فاس التي دخلها أجداده مرتحلين إليها من الأندلس، وقد انتقل عمرون إلى مدينة سبتة ليكون قريباً من قرطبة التي ارتحل إليها أخواه، القاسم بن موسى بن عياض، وعيسي أخوه ليتتبع أخبار أخويه. وقد أعجبته مدينة سبتة، فاشترى بها أرضاً، وسكنها، وبنى بها مسجداً، ومباني أخرى، جعل ريعها حبساً على المسجد، وخصص باقي الأرض للدفن. ثالثاً: نشأته العلمية: نشأ القاضي عياض في سبتة، في بيت علم ودين، فكان البيت الذي ولد فيه هو المدرسة الأولى التي بدأ يتلقى فيها مبادئ الدين الضرورية، فكانت البداية أولاً من شيوخ بلده، فبدأ بحفظ كتاب الله حتى أتقنه، ثم طلب الحديث والفقه، وتتلمذ في هذه الفنون على شيوخ سبتة في وقته. ¬
يقول محمد ابنه: نشأ أبي على عفة وصيانة، مرضي الحال، محمود الأقوال والأفعال، موصوفاً بالنبل والفهم والحذق، طالباً للعلم، حريصاً عليه، مجتهداً في طلبه، معظماً عند الأشياخ من أهل العلم وكثير المجالسة لهم والاختلاف إليهم، إلى أن برع أهل زمانه، وساد جملة أقرانه. وكان من حفاظ كتاب الله مع القراءة الحسنة والصوت الجهير، والنغمة العذبة، والحظ الوافر في تفسيره (¬1). ولما استوفى القاضي عياض الثلاثين من عمره خرج من سبتة متوجهاً إلى قرطبة، وذلك يوم الثلاثاء منتصف جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة (¬2). وكانت قرطبة تعج بالعلماء والحفاظ، والمشايخ الكبار وطلاب العلم، فأخذ العلم عن أشياخها وحفاظها، ومن بين العلماء البارزين الذين أخذ عنهم بقرطبة: عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، ومحمد بن أحمد بن محمد بن رشد، ومحمد بن عبد العزيز بن حمدين، وأبي الحسين بن سراج، وأبي الحسن بن مغيث، وأبي القاسم النحاس، وغيرهم. ولم تكن الفترة التي قضاها عياض بقرطبة بالفترة الطويلة، فلم تتجاوز ثمانية أشهر وعشرة أيام، لكنها كانت ذات تأثير كبير على شخصيته، وكان لها طيب الأثر على نفسه وعلى عاطفته، وقد سجل هذه الأحاسيس في شعره حيث يقول: أقول وقد جد ارتحالي وغردت ... حداتي وزمت للفراق ركائبي وقد غمضت من كثرة الدمع مقلتي ... وصارت هواء من فؤادي ترائبي ولم يبق إلا وقفة يستحثها ... وداعي للأحباب لا للحبائب لم يغادر القاضي عياض قرطبة قافلاً إلى بلده، بل غادرها متجهاً إلى ¬
مركز علمي آخر، وإلى عالم جليل آخر، وكان وداعه لقرطبة يوم الاثنين الخامس والعشرين من المحرم سنة ثمان وخمسمائة قاصداً مرسية بشرق الأندلس، وكان وصوله إليها يوم الثلاثاء الثالث من صفر من نفس السنة. وكان الأمل من وراء هذه الرحلة الالتقاء بحافظ العصر أبي علي الصدفي (¬1)، والأخذ عنه، لكن لما وصل إلى مرسية فوجئ باختفاء قاضيها الصدفي، وذلك لرفضه الاستمرار في القضاء، ووجد جموع المرتحلين للسماع منه ينتظرونه، غير أن انتظارهم طال، فسافر بعض منهم لنفاذ ما معهم من النفقة، وانتظر هو بقية شهر صفر وربيع الأول. وفي انتظار أن يعلم مكان الصدفي أخرج كتبه واشتغل بالمقابلة مع أصول الشيخ، فقابل الكثير منها على خاصة الصدفي وأهله. ومرت الأيام، ويصدر العفو عن الصدفي من ممارسته القضاء، فيرسل إلى عياض يخبره بذلك وبأسفه على قدومه وهو في اختفائه ويقول له: لولا أن الله يسر خروجي بلطفه لكنت عزمت أن أشعرك بموضع يقع عليه الاختيار من بلاد الأندلس لا يؤبه لكوني فيه، ترحل إليه، وأخرج مختفياً إليه بأصولي، فتجد ما ترغب، لما كان في نفسي من تعطيل رحلتك، وإخفاق رغبتك (¬2). بعد العفو خرج أبو علي الصدفي فجلس يسمع الناس الحديث فلزمه عياض، وسمع عليه الصحيحين، والمؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة لعبد الغني بن سعيد الأزدي، والشهاب في المواعظ والآدابِ للقضاعي المصري. ويقول عنه ابنه في رحلته إلى الأندلس: إنه لقي جماعة من أعلام الأندلس، وقد أجاز له الحافظ أبو علي الجياني (¬3)، ومحمد بن ¬
رابعا: بعض شيوخه
عبد الرحمن بن شبرين (¬1)، وأبو جعفر بن بشتغير (¬2)، كما كاتب أبا عبد الله المازري وكان بمدينة المهدية، فأجازه جميع مروياته (¬3). عاد عياض إلى سبتة في ليلة السابع من جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسمائة (¬4)، وجلس للتدريس وهو في الثانية والثلاثين من عمره (¬5). رابعاً: بعض شيوخه: إن عدد شيوخه يقارب المائة أو يزيدون، وقد خصص لهم كتابه "الغنية". وسنكتفي بذكر أبرزهم خاصة من لهم علاقة بموضوع "المدونة"، أو ورد ذكرهم في مقدمة كتابه "التنبيهات": 1 - أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسين التميمي: أجلّ شيوخ بلده سبتة، كان مولده بمدينة فاس، فانتقل به أبوه إليها، فأخذ عن أبي محمد المسيلي وغيره، ورحل إلى الأندلس ثلاث مرات، إحداها إلى إشبيلية، والثانية إلى ألمرية، والثالثة إلى قرطبة، وكلها رحلات علمية. أخذ عنه عياض "موطأ مالك" بأسانيد كثيرة (¬6)، و"صحيح البخاري" (¬7)، و"صحيح مسلم" (¬8)، و"سنن أبي داود" (¬9)، و"شرح غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام (¬10)، وكتاب "إصلاح الغلط" لأبي ¬
2 - عبد الرحمن بن عتاب
محمد بن قتيبة (¬1)، وكتاب "غريب الحديث" لأبي سليمان حمد بن محمد البستي الخطابي (¬2)، وكتاب "علوم الحديث" لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، وكتاب "الطبقات" لمسلم بن الحجاج (¬3)، وكتب "المدونة"، و"الملخص" لمسند الموطأ، لأبي الحسن القابسي، و"التقصي" لمسند "الموطأ" لأبي عمر بن عبد البر، ومسند "الموطأ" لأبي القاسم الجوهري، و"الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني (¬4). وُلِّيَ قضاء سبتة واستعفى منه فأعفي. وتوفي بها سنة 505 هـ (¬5). 2 - عبد الرحمن بن عتاب: أبو محمد (¬6) عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بن محسن، مسند الأندلس، من أهل قرطبة، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة في بيت علم ودين، سمع من أبيه وغيره من شيوخ الأندلس. رحل إليه الناس من كل قطر (¬7)، تبوأ مكانة أبيه في العلم والإسناد والفتيا (¬8)، أخذ عنه عياض وقابل نسخته من "المدونة" بنسخة أبيه. قال عنه ابن بشكوال: كان من أهل الفضل والعلم والتواضع، وقد كتب بخطه علماً كثيراً، في غير ما نوع من أنواع العلم. وقد جمع كتاباً حافلاً في الرقائق والزهد، سماه: "شفاء الصدور". وهو كتاب كبير. وكان صدراً لمن يستفتي، لسنه وتقدمه. وهو آخر الشيوخ الجلة الأكابر في علو السند وسعة الرواية (¬9). توفي سنة عشرين وخمسمائة (¬10). ¬
3 - أبو علي الصدفي
3 - أبو علي الصدفي: الإمام الحافظ والقاضي الشهيد أبو علي الحسين بن محمد بن فِيرُّه المعروف بابن سكرة، نشأ بسرقسطة وقرأ بها القرآن وسمع بها من أعلامها، مثل: أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي وطبقته، وسمع بالمرية من أبي عبد الله محمد بن سعدون القروي، وأبي عبد الله بن المرابط. خرج من المرية قاصداً الحج، فحج عامه ولقي بمكة أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري (¬1) وأبا بكر الطرطوشي. ثم سار إلى البصرة فلقي أبا يعلى المالكي، وأبا العباس الجرجاني، وأبا القاسم بن عقبة، وغيرهم. وخرج من البصرة قاصداً بغداد، فسمع بواسط من أبي المعالي محمد بن عبد السلام الإصبهاني وغيره، ثم دخل بغداد فمكث بها خمس سنين كاملة، سمع فيها من أبي الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، مسند بغداد، ومن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، ومن أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، ومن أبي عبد الله الحميدي. وتفقه على الفقيه أبي بكر الشاشي وغيره. ثم رحل عن بغداد فسمع بدمشق من أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبي الفرج سهل بن بشر الإسفرائيني، وغيرهما. ومن دمشق رحل إلى مصر فسمع بها من القاضي أبي الحسن علي بن الحسين الخلعي، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم الرازي، وسمع بالإسكندرية من أبي القاسم مهدي بن يوسف الوراق، ومن أبي القاسم شعيب بن سعد، وغيرهما. هكذا كانت رحلة الصدفي إلى المشرق، وعاد إلى الأندلس في صفر سنة تسعين وأربعمائة، ليبث العلوم التي جمعها، في حلقاته التعليمية، وليسمع منه الطلبة كما سمع من الشيوخ، وكان عياض من بين الذين سمعوا منه هذا العلم الذي جمعه (¬2). ¬
4 - محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد (ت: 520 هـ)
4 - محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد (¬1) (ت: 520 هـ): اعتمد القاضي عياض في الكثير من المسائل الفقهية في كتابه "التنبيهات" على شيخه ابن رشد، وقد تتلمذ عليه بقرطبة قبل أن يرجع إلى سبتة مدرساً وقاضياً. كما وجه إليه أسئلة كثيرة في مشكلات قضائية عرضت له في القضاء، من دقائق الفقه ومتشابه المسائل، ومختلف الروايات (¬2). قال عنه عياض: جالسته كثيراً، وساءلته واستفدت منه، وسمعت بعض كتابه في اختصار المبسوطة من تآليفه يُقرأ عليه، وناولني بعضها، وأجازني الكتاب المذكور، وسائر رواياته (¬3). خامساً: محنته ووفاته: بالرغم من كثرة الكتابات عن القاضي عياض (¬4) فإن بعض فترات حياته وبعض مواقفه ما تزال بحاجة للبحث والنقاش، كعلاقته بالموحدين (¬5)، وموقفه من إحياء علوم الدين (¬6)، وتوليه القضاء في عهد الموحدين بقرية داي، وسبب موته، وتاريخ دخوله مدينة مراكش، إلى غير ذلك. ولا غرابة في أن يقع الاختلاف بين المؤرخين في بعض الجوانب من حياته، لأنَّ بعض الذين كتبوا عنه في الفترة الأولى للموحدين لا يبعد أن تكون السياسة الجديدة قد شكلت في نفوسهم رقابة ذاتية جعلتهم يحتاطون فيما يكتبون. ¬
كما يمكن أن تختلف الآراء في هذه الفترة بين موال ومعاد. وغالباً ما تضيع الكثير من الحقائق في مثل هذه الفترة التي تسقط فيها دولة، وتقوم على أنقاضها دولة أخرى. فالقاضي عياض ابتسمت له الحياة السياسية في عهد المرابطين طالباً، ومدرساً، وقاضياً، فاستغل هذه الفترة المزدهرة من حياته في جمع العلم ونشره، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان وفياً لهذه الدولة التي اهتمت بالفقه والفقهاء، لكن هذه الفترة لم تدم طويلاً حتى بدأت ملامح دولة أخرى تلوح في الأفق، يطرد لمعان شعاعها الضوء الخافت المتبقي من دولة المرابطين. فإذا كان القاضي عياض ومن سبقه من العلماء هم حملة مشعل الهداية في عهد المرابطين، وهم فقهاء الدولة، فإن الذي يحمل في الدولة الجديدة مشعل الهداية والإرشاد في بداية أمرها هو الذي يحمل مشعل السياسة، ألا وهو الفقيه السياسي المهدي بن تومرت. وما هي إلا أعوام قليلة بعد وفاة المهدي حتى تتقدم جيوش الموحدين نحو سبتة، فيكون عياض في حيرة من أمره، كيف يتعامل مع هذه الدولة الفتية التي يختلف معها في الكثير من مناهجها. ورغم هذا الاختلاف فقد ساير هذه الدولة إلى أن توفي، وقد أراد الله له ألا يموت إلا بعد أن يشهد وفاة دولة المرابطين، ويشهد ميلاد دولة الموحدين، وبين هاتين الدولتين اختلاف كبير في المنهج السياسي والعقدي، مما يجعل فترة انسجام عياض مع توجهات هذه الدولة لا يمكن أن تمر من غير أن تحدث هزات نفسية في نفسه إن لم تضع حدًّا لحياته. فهي - لا شك - ستخلق له متاعب صحية، ولم تطل هذه المدة التي عاش فيها عياض في كنف السلطان الجديد حتى اختاره الله لجواره، فتوفي ليلة الجمعة - نصف الليل - التاسعة من جمادى الأخيرة من سنة أربع وأربعين وخمسمائة (¬1)، ودفن بمراكش رحمه الله في باب أيلان داحنل السور كما قال ابنه (¬2). ¬
إلا أن المترجمين إن كانوا لم يختلفوا في تاريخ ولادته، فإنهم اختلفوا في تاريخ وسبب الوفاة. فابن خلكان (¬1) يقول ما قاله محمَّد بن عياض. ويقول ابن بشكوال: توفي مغرباً عن وطنه في وسط سنة 544 هـ. وقال الذهبي: وبلغني أنَّه قتل بالرماح، لكونه أنكر عصمة ابن تومرت (¬2). وقال عنه ابن فرحون: توفي بمراكش في شهر جمادى الأخيرة، وقيل: في شهر رمضان سنة 544 هـ. وقيل: إنه مات مسموماً، سمه يهودي (¬3). والأظهر هو ما قاله ابنه لأنه هو الأقرب إليه (¬4). وإذا كان هؤلاء مجمعين على تاريخ وفاته، ودفنه بمراكش فإن ابن كثير خرج عن هذا الإجماع عندما قال: إنه مات بمدينة سبتة (¬5). ¬
المبحث الثاني: شخصية القاضي عياض العلمية
المبحث الثاني: شخصية القاضي عياض العلمية إن الذي ميز القاضي عياضاً وأهله للتصدي لإشكالات كتاب "المدونة" هو تفوقه على أترابه الفقهاء بمؤهل نادر لاحظ هو بنفسه ندرته في وسط الفقهاء في مقدمة كتابه إذ قال: " ... لتوفر عامتهم وجمهورهم على علم المسألة والجواب، وتفرغهم لذلك عن التحقق بعلمي الأثر والإعراب، ولذلك استمرت رواياتهم في الكتاب في كثير منها على الوهم الصريح والتصحيف القبيح". ولعل هذا الانكباب على هذا الكتاب بهذه الطريقة مما ساعد الموحدين في تهمتهم المشهورة للفقهاء بالإيغال في فقه الفروع حتى "نفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها. وكثر ذلك حتى نسي النظر في كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). وهو ما دعا الدولة الموحدية لتهدد هؤلاء الذين تركوا الأصول، وصاروا يحكمون بين الناس ويفتون بهذه المسائل والفروع. وقال عبد المؤمن الموحدي في محفل للفقهاء: سمعنا أن عند القوم تأليفاً من هذه الفروع يسمونه الكتاب - يعني "المدونة" - وأنهم إذا قال لهم قائل مسألة من السنَّة ولم تكن فيه أو مخالفة ¬
أولا: ملامح عن القاضي عياض المحدث المحقق
له قالوا: ما هي في الكتاب ... وليس ثم كتاب يرجع إليه إلا كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ثم بلغ الأمر بالموحدين إلى إحراق كتب المذهب بعد أن جُرد ما فيها من الحديث والقرآن، فأُحرق منها جملة في سائر البلاد، كـ "مدونة سحنون"، وكتاب "ابن يونس"، و"نوادر ابن أبي زيد"، و"تهذيب البراذعي"، و"واضحة ابن حبيب" (¬1) ... إن هذه الحوادث المأساوية تجلي فعلاً ذلك الجمود على كتب الفروع، وتؤكد الفرضية بل الحقيقة التي بنى عليها القاضي عياض في تأليف كتاب التنبيهات. ويؤكد ذلك الواقعُ التاريخي أيضاً، فكثير من الفقهاء اقتصروا على "المدونة" خاصة، وكثير منهم كان يحفظها حرفياً أو كان لا يجاوزها ولا يفارقها، حتى كان من شروط تولي بعض الخطط حفظها (¬2) ... فما الذي امتاز به عنهم القاضي عياض؟ أولاً: ملامح عن القاضي عياض المحدِّث المحقق: كان المؤلف رحمه الله من أئمة وقته في الحديث وفقهه وغريبه، ومشكله ومختلفه، وصحيحه وسقيمه، وعِلَلِهِ وحفظ رجاله ومتونه وجميع أنواع علومه (¬3). وقد ذكره أبو الوليد ابن الدباغ في الطبقة الثانية عشرة من المحدثين في كتابه. ويكفي أن يذكر في شيوخه أعلام زمانه مثل: أبي علي الجياني وأبي علي الصدفي وأبي طاهر السلفي ... ¬
أما مرويات القاضي عياض الحديثية فيطول المقام عند استقصائها بل يصعب؛ لأنه - فيما ذكر من مروياته في الغنية - كان لا يستوعب، إنما يمثل ويختصر، والدليل على ذلك أنه لم يذكر من مؤلفات الإمام مسلم غير كتاب "الصحيح" و"الطبقات"، بينما ذكر من مروياته الأخرى في غير الغنية مجموعة من مؤلفات الإمام مسلم هي: "تمييز الكنى والأسماء" و"الطبقات" و"الوحدان" و"العلل" و"شيوخ مالك وسفيان وشعبة" و"رجال عروة بن الزبير" (¬1). ويدل على هذا أيضاً أن مجموع العناوين التي سردها في الغنية لا تتجاوز بضعاً وثلاثين عنواناً، هذا عدا ما يجمعه في مثل قوله: فهرس فلان، أو كتب فلان. ومن يقرأ مؤلفاته يجده يروي مصنفات كثيرة في شتى أنواع العلم لا ذكر لها في الغنية. ومروياته في الحديث المذكورة في الكتاب هي أمهات معروفة في الحديث؛ في علومه ومتونه ورجاله، ومنها - مثلاً -: "مسند بقي بن مخلد" و"مصنفه" (¬2)، و"مسند الموطأ" لأبي القاسم الجوهري (¬3). وهي نماذج أمسى بعضها في حكم المفقود. وما ينبغي التأكيد عليه هنا مما له علاقة بالقاضي عياض المحدِّث المحقق اتساعه في رواية الأمهات بأكثر طرقها وأسانيدها ونسخها، كالبخاري (¬4)، ومسلم (¬5)، وأبي داود (¬6). وهو إذ اقتصر على ذكر الروايات في هذه الثلاث فلا يعني أن سائرها لم يتوسع فيها، فقد روى غيرها بالطريقة ذاتها كما يوجد في ثنايا كتابيه: "المشارق" و"الإكمال". ¬
والملاحظة الثانية في عنايته بالرواية هي الضبط والتصحيح والتحقيق على الأصول الصحيحة, فروايته لصحيح البخاري عن الصدفي في أعلى درجات الإتقان، نقل الشيخ عبد الحي الكتاني عن العلَّامة إدريس العراقي - ردًّا على من فضل رواية موسى بن سعادة (¬1) عن الصدفي على رواية القاضي عياض قال -: رواية عياض أفضل من رواية ابن سعادة عنه. ثم حكى عن ابن عبد السلام القادري قوله: وقفت على نسخة رواية عياض عن الصدفي عند مولاي إدريس العراقي، وسمعت عليه جلّها، وأنا أقابل عليه معها نسخة ابن سعادة المشار إليها. فباعتبار ما ظهر لي قول شيخنا مولاي إدريس صحيح (¬2). وقال القاضي عياض عن روايته لسنن أبي داود: قرأته على هشام بن أحمد بن العواد في داره بقرطبة وهو يمسك على أصل الجياني الذي أتقنه (¬3). وقال عن روايته للمؤتلف والمختلف للدارقطني: حدثني به أبو علي الصدفي، وعارضته بأصله (¬4). وأكد هذا ابن الأبار في معجمه فقال: وعندي أصل أبي علي من الكتاب، وفيه خط عياض بالمعارضة خاصة (¬5). وانسجاماً مع اهتمامه الشديد بالتحقيق وجمع الأصول، استطاع المؤلف أن يقتني لنفسه أعلاقاً من أمهات الشيوخ الكبار خاصة أصول الصدفي؛ إذ حصلت له أصوله من "التاريخ الكبير" للبخاري (¬6)، و"العلل ¬
ثانيا: القاضي عياض الفقيه
الكبير" للدارقطني (¬1). كما انتهت إليه أصول الباجي لمؤلفاته: "التجريح والتعديل" و"أحكام الفصول" وكتاب "التسديد" (¬2)، وغيرها من أصول علوم أخرى ذكرها في الغنية. ثانياً: القاضي عياض الفقيه: لم يخالف أحد أن القاضي عياضاً فقيه، إن لم يكن الفقه على رأس علومه، فلولا أنه فقيه متميز ما أجلسه أهل بلده لتدريس "المدونة" وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، ثم ما أُجلس بعد ذلك بيسير للشورى، ثم لولاه ما قُلد القضاء بعد ذلك وهو ابن تسع وثلاثين سنة (¬3). قال عنه ابنه: "كان فقيهاً حافظاً لمسائل المختصر والمدونة، قائماً عليها، حاذقاً بتخريج الحديث (كذا) من مفهومها، عاقداً للشروط، بصيراً بالفتيا والأحكام والنوازل" (¬4). وعلى مستوى أعلى من الفقه يشهد أبو القاسم الملاحي في "تاريخ البيرة" أنه "حمل راية الرأي، ورأس في الأصول ... وأشرف على مذاهب الفقهاء" (¬5). ومن العوامل المساعدة على تكوينه وبروزه في الفقه عدد من شيوخ عصره اللامعين ممن أخذ عنهم، منهم: 1) - أبو عبد الله بن عيسى: أجلّ شيوخ سبتة ومقدم فقهائهم (¬6)، وهو أحد أهم شيوخه في "المدونة"، ممن له منهج خاص في تدريسها، تابعه عليه كثير من طلبته السبتيين. 2) - القاضي أبو عبد الله بن حمدين القرطبي: المتوفى سنة 508 هـ، ¬
حلاه القاضي عياض بصاحب النظر الصحيح في الفقه (¬1)، وقد اعتمد المؤلف على نسخته الخاصة من "المدونة" كما سيأتي. 3) - أبو عبد الله محمَّد بن أحمد التجيبي المعروف بابن الحاج: قاضي الجماعة بقرطبة مرتين، وزميل ابن رشد وصاحب الفتاوى ... استشهد وهو يصلي الجمعة سنة 529 هـ (¬2). 4) - أبو الوليد محمَّد بن أحمد بن رشد الجد: المتوفى سنة 520 هـ، قال المؤلف في حقه: "زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم، المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيراً بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم. وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية ... إليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته إلى أن توفي (¬3). جالسته كثيراً وساءلته واستفدت منه" (¬4). وقد يتبادر للذهن كيف أن عياضاً لم يرو "المدونة" عن ابن رشد وهو بهذه المثابة، وهو من درسها وألف عليها، وهو أفقه أهل زمانه؟ ولعل السبب أن الرجل لم يعتن بالرواية والسماع، ولذلك قصد القاضي عياض فيها أهل الفن وإن كانوا دون ابن رشد في الفقه ... وغير هؤلاء عديدون مثل: القاضي أبي عبد الله محمَّد بن داود القلعي الذي درس عليه الأصول خاصة (¬5)، والقاضي أبي بكر بن العربي الذي لقيه غير مرة (¬6)، والمازري الذي أجازه كتبه (¬7) ... ¬
وفهرسة القاضي عياض "الغنية" قد تجلي صورته الفقهية من جهة أخرى هي ملاحظة كتب الفقه فيها وأعدادها وتنوعها وأهميتها، وهي كثيرة يكفي الإلمام ببعضها؛ فمنها: كتب الباجي (¬1)، وتواليف ابن أبي زمنين (¬2)، وكتب أبي عمران الفاسي (¬3)، وكتب اللخمي (¬4)، وكتب عبد الحق الصقلي (¬5)، وكتب المازري (¬6)، وكتب ابن رشد (¬7). وسمى المؤلف عدداً لا بأس به من كتب الفقه المعروفة، غير أن الملاحظ عدم ذكر عدد من المصادر الأساسية في المذهب وعلى رأسها الأمهات، كـ "مختصر ابن عبد الحكم"، و"الواضحة"، و"الأسدية"، و"الموازية"، و"العتبية"، ثم بعض المصادر الأخرى مثل كتب فضل بن سلمة، وأبي إسحاق التونسي، وابن شعبان، وابن القصار، والأبهري، مع العلم أنه كثير الاعتماد والعزو إلى هذه المجموعة من المؤلفات في التنبيهات. وقد يكون السبب لأنه اختصر فهرسته واقتصر على عيون مروياته. ويحتمل أيضاً أن تكون تلك الكتب مضمنة فيما يرويه من مجموعات وفهارس ومرويات الشيوخ، كقوله: إنه يروي فهرسة ابن عبد البر وتصانيفه (¬8)، وفهرسة ابن سعدون وتأليفه (¬9)، وفهرسة القاضي عبد الوهاب ¬
وتصانيفه ورواياته (¬1)، وتصانيف أبي إسحاق الشيرازي (¬2) ... وغير هؤلاء كثير من أهل سبتة والأندلس. وهذا الكم المتنوع من المرويات والمدروسات أسهم في صقل موهبة عياض الفقهية، فقد جمع الأمهات والمصادر من مختلف المدارس المالكية؛ المصرية والبغدادية والقروية والأندلسية. وإذا انضم إلى ذلك التكوين الحديثي والأدبي للقاضي عياض صاغ منه شخصية موسوعية ونموذجاً فقهياً متميزاً، وزادته الممارسة العملية للشورى والقضاء والإفتاء توقداً وتمرساً. شهادات في حق القاضي عياض: أثنى غير واحد على المؤلف وشهد له بالتفوق في غير ما علم، ويهمنا هنا ما هو ألصق بمجال الفقه ... ولعل إحدى الشهادات التي لم يرفع عنها الستار بعد هي شهادة شيخه ابن رشد، فقد أحله مكانة خاصة وأثنى عليه ثناء عطراً وأجله إكباراً، واعترف له بالموهبة الفقهية والبحث عن الدقائق، كان ذلك في مكاتباته إياه في الاستفتاءات التي يرفعها إليه القاضي عياض وهو على قضاء سبتة. فبين الفينة والأخرى تعترضه قضايا فيرفع فيها أسئلة مجموعة قد تبلغ بضعة عشر سؤالاً (¬3)، وبعض هذه الأسئلة مؤرخ بالعام 519 هـ، مما يؤكد التواصل الدائم بين القاضيين (¬4). ومما جاء في هذه الإشادات والتقديرات في مستهل إجابات القاضي أبي الوليد: - "أبقى الله الفقيه القاضي الأجل ... " (¬5). - "يا سيدي وأعظم عددي، وأجل أوليائي في الله وعمدي، ومن ¬
أبقاه الله مؤيداً بتقواه ... " (¬1). - "تصفحت يا سيدي أعزك الله بطاعته وتولاك بكرامته، ونفعك باجتهادك وتفهمك وبحثك عن حقائق الأشياء بحسن تدبرك، وأدام الإمتاع بك، وأنام أعين الحوادث عنك برحمته ... " (¬2). وإنما جاء هذا الإطراء الأخير بعد سؤال من القاضي عياض في موضوع شغل باله ولم يرد أن يكون في معالجته نصيًّا، ورأى أن مراعاة المصلحة يقتضي مخالفة رسم الفتوى، وبعض ما في سؤاله "يقع في البال نتائج وسؤالات ومباحث تحقيقية، إن استقصي النظر فيها خولف ما جرى عليه رسم الفتيا والحكم، وإن تغوفل عنها بقيت في النَّفس حزة منها" (¬3). وقد أقره ابن رشد في غير ما قضية على اجتهاده (¬4). وهؤلاء شيوخ الأندلس يشهدون له بالتفوق أيضاً، فكان من قول شيخه في "المدونة" وغيرها القاضي أبو عبد الله بن حمدين: "وحقي يا أبا الفضل، إن كنت تركت بالمغرب مثلك" (¬5). وقال في حقه شيخه أبو محمَّد بن أبي جعفر: "ما وصل إلينا من المغرب أنبل من عياض" (¬6). وأكبر هذه الشهادات المؤكدة لهذه الدعوى قول شيخه أبي الحسين بن سراج حين عزم على الرحلة لأحد الشيوخ الأندلسيين: "لهو أحوج إليك منك إليه" (¬7). ويزيد تأكيداً لهذا أنه بمجرد حلوله من رحلته الأندلسية أجلسه أهل ¬
ثالثا: ثقافة القاضي عياض اللغوية
بلده للمناظرة عليه في "المدونة" وهو ابن اثنين وثلاثين عاماً أو نحوها (¬1). ولأمر ما أجمع أهل سبتة ابتداراً منهم على هذا الطلب لتدريس "المدونة" دون غيرها مما يتقنه القاضي عياض، وسبتة يومئذٍ فيها من فطاحل "المدونة" غير قليل كما سبق ذكره. وقد صرح تلميذه ابن حمادة بهذا وقال: أجلسه أصحابنا للمناظرة، إذ لم يجدوا من جلوسه محيصاً (¬2). وقد نوه به أبو الحسن الرجراجي في "مناهج التحصيل" غير مرة، وكان يحليه ببعض حذاق المتأخرين. ثالثاً: ثقافة القاضي عياض اللغوية: يقول المترجمون للقاضي عياض: إنه كان حافظاً للغة والأغربة والشعر والمثل، نحوياً ريان من الأدب، شاعراً مجيداً يتصرف في نظمه أحسن تصرف، ويستعمل في شعره الغرائب من صناعة الشعر، خطيباً فصيحاً حسن الإيراد، لا يخطب إلا بما يصنع، خطبته فصيحة ذات رونق، عذبة الألفاظ سهلة المأخذ (¬3). لكن كثيراً من شعره ضاع (¬4). أما نثره وخطبه فأكثر من شعره، وتخطى قدر منها حواجز الزمن حتى بلغنا (¬5). ونذكر هنا هذه القطعة الشعرية لدلالاتها المتعددة، وأهم الدلالات مكانته الأدبية المتجلية في مخاطباته لكبار أدباء عصره وبزه إياهم (¬6): قل للأماجد والحديثُ شجون ... ما ضرَّ إن شاب الوقارَ مجون ¬
ولئن غدوتُ من العلوم بموضع ... تؤمي إليه أصابع وعيون فلديَّ للآداب نفس صبَّة ... فيها إلى مُلح الظروف ركون كنا افترقنا عند دعوى خطَّة ... ساءت فيها - فيما فهمت - ظنون فأتيت بالبرهان فيها نيِّراً ... وعدَتْ عوادٍ بعد ذا وشؤون وبعثت حينئذ ليُعلم أنني ... عين الزمان وسره المكنون وعندما نبحث عن مبتدأ هذا التفوق وأصله، نجد القاضي عياضاً - وهو في أيام طلبه وبعدها - أخذ عن شيوخ مشهود لهم بالكفاءة واليد الطولى في الأدب واللغة والنحو، من أظهرهم: 1) الحسن بن علي بن طريف التاهرتي النحوي أبو علي: المتوفى 501 هـ، قال المؤلف في حقه: "شيخ بلدنا في النحو، درس عمره النحو ببلدنا، وأخذ عنه جماعة من شيوخنا وجماعة من أصحابنا، درست عليه كثيراً من كتب الأدب" (¬1). 2) عبد المجيد بن عبدون الفهري اليابري، الوزير الكاتب، أبو محمَّد: المتوفى 527 هـ، قال عنه المؤلف: "بقية مشايخ الكتاب الأدباء العلماء، وأحد الأفراد من فحول الشعراء، المقدمين عند الملوك والرؤساء، سمع عمه وعاصماً النحوي وأبا مروان بن سراج وابنه ... قرأ الناس عليه كثيراً، وحملوا عنه كتب الغريب والآداب وغير ذلك ... لقيته بسبتة في انصرافه (من مراكش إلى الأندلس بلده)، فأقسم لي أنه ما قصد سبتة إلا للقائي والاجتماع بي، وساءلني عن أشياء في نفسه، وذاكرته في شيء، وسمعت عليه كثيراً من كتابه في نصرة أبي عبيد في الشرح أو جميعَه، وأجازني جميع روايته" (¬2). 3) عبد الله بن محمَّد بن السِّيد البَطَلْيوسي النحوي أبو محمَّد: المتوفى ¬
521 هـ، قال المؤلف في حقه: "شيخ الأدباء في وقته، مقدم في علم النحو واللغات والآداب والشعر والبلاغة، له مصنفات ملاح في شرح أدب الكتاب وشعر المعري ... أجازني جميع رواياته وتصانيفه" (¬1). 4) سراج بن عبد الملك بن سراج الأموي الوزير اللغوي الحافظ أبو الحسين: المتوفى 508 هـ، ولعل هذا أهم شيوخ القاضي عياض؛ حلاه في الغنية بقوله: "زعيم وقته وإمام أهل طريقته، والمقدم في مصره بذاته وسليقته، أكثر أخذه عن أبيه الحافظ أبي مروان ... وإليه كانت الرحلة في وقته بعد أبيه في تقييد كتب الأدب والغريب والشروح، ودرس كتاب "سيبويه"، وقلَّ مشهور إلا وقد أخذ عنه. ورحلت إليه إلى قرطبة سنة 507 هـ فسمعت عليه ما يسره الله بمنه، وجعل لي من نفسه حظاً ودولاً كثيرة ... " (¬2). وللمؤلف في الأدب شيوخ آخرون غير هؤلاء ذكرهم وذكر مروياتهم في الغنية. والوجه الثاني لتكوين المؤلف الأدبي يتجلى في هذه المصنفات المسموعة والأمهات المقروءة على الشيوخ، مثل: "الجمل" للزجاجي، و"الواضح" للزبيدي، و"الكافي" للنحاس، و"الإيضاح" للفارسي، ومثل: "الكامل" و"المقتضب" للمبرد، و"أدب الكاتب" لابن قتيبة، و"الأمالي" لأبي علي القالي (¬3). ومثل: "إصلاح المنطق" لابن السكيت، والألفاظ له، و"الزاهر" لابن الأنباري، و"مختصر العين" للزبيدي (¬4). أما كتب الغريب، وهي الأهم لعلاقتها بشرح غريب الحديث، فمنها: "الغريب المصنف" (¬5)، و"غريب الحديث" (¬6) لأبي عبيد، و"إصلاح الغلط ¬
على أبي عبيد" (¬1)، و"غريب الحديث" لابن قتيبة (¬2)، و"الغريبين" لأبي عبيد الهروي (¬3)، و"غريب الخطابي" (¬4)، و"الدلائل" لقاسم بن ثابت السرقسطي (¬5)، وغيرها من المصادر. والمؤلف كعادته لم يستقص جميع مروياته في اللغة والأدب، وأغفل ذكر بعض المصادر الهامة التي قد لا يوجد لها أثر اليوم، وكان قد اعتمدها في مؤلفاته الأخرى، مثل: كتاب "اليواقيت" لأبي عمر المطرز (¬6)، و"المنقذ" للمفجع اللغوي (¬7)، و"البارع" لأبي علي القالي (¬8)، و"الجامع" للقزاز القيرواني (¬9)، و"الفاخر" للمفضل بن سلمة (¬10)، و"الجمهرة" لابن دريد (¬11) وإذا أحصيت أسماء العلماء ممن ينقل عنهم في كتبه في اللغة تبيّن حجم روايته. والخلاصة أن خزانة عياض وفهرسة مروياته في مختلف الفنون تبقى غير معروفة. وهو - رحمه الله - في موقع جغرافي يتيح له الاستفادة من كل شيخ وكل كتاب يعبر من المشرق إلى الأندلس أو العكس، ويقتني من ذلك ¬
ما يريد، ويطلع على النفائس والأصول النادرة. وهو المعتني بالتحقيق وتصحيح النسخ، تراه في علم اللغة، كما في الحديث والفقه، ينقب عن الأمهات ويقتني منها ما يجد، أو يكتفي بتصحيح نسخه عليها؛ فمن ذلك قوله في غريب ابن قتيبة: "قرأته على القاضي الشهيد ابن الحاج التجيبي في داره بقرطبة، وعارضت كتابي بكتابه ... وصححت كثيراً من شواهده وعويص حروفه على الوزير أبي الحسين بن سراج ... " (¬1). وقوله عن كتاب "الغريبين" للهروي: "قرأت جميعه على ابن سراج وصححته عليه" (¬2). وقوله في كتاب "الدلائل" للسرقسطي: "عارضته بكتاب ابن سراج" (¬3). فالقاضي عياض رحمه الله في مستواه الأدبي لا يقل بل يفوق كبار أهل الصنعة شعراً ونثراً ونحواً، وبلاغةً وصرفاً، فله من الشعر كثير، ومن النثر أكثر، بل وله كتاب في فن الترسيل (¬4). قال الدكتور عبد الله الطيب: "بغية الرائد وحدها تصنف عياضاً في خانة كبار النقاد، كما صنفت "الوساطة" بين المتنبي وخصومه عبد العزيز الجرجاني في ضمنهم، وهو دونه في مرتبة العلم. وليست "بغية الرائد" دون "الوساطة" في مرتبة النقد، بل لا أشك أنها أعلى منها مرتبة. والشهرة حظوظ" (¬5). ¬
المبحث الثالث: آثاره العلمية
المبحث الثالث: آثاره العلمية خلف القاضي عياض رحمه الله مؤلفات كثيرة في الحديث، واللغة، والفقه، والتاريخ، شاهدة على رسوخ قدمه في هذه الفنون التي ألف فيها. منها: ما تناولته يد الدارسين وسعدت به المطابع فخرج إلى حيز الوجود، ومنها: ما هو باق على الحالة التي تركه عليها النساخ، ومنها: ما عرف اسمه وجهل رسمه، ونذكر هذه المؤلفات مبتدئين بما طبع منها: أولاً: المطبوع: 1 - " الإلماع" إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع: هذا الكتاب من الكتب المهمة في مصطلح الحديث، وهو مطبوع (¬1). 2 - الأعلام بحدود قواعد الإِسلام: حقَّقه وقدَّم له الأستاذ المرحوم محمَّد بن تاويت الطنجي وطبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، وقد ترجم إلى الفرنسية (¬2). وشرحه القباب، وما زال الشرح مخطوطاً. ¬
3 - بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد
3 - بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد: يعتبر هذا الكتاب من أوفى الشروح لهذا الحديث، وهو مطبوع (¬1). 4 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: لقد أولى هذا الكتاب للمذهب المالكي عناية خاصة، وذلك لما ينطوي عليه من صور واضحة حول نشوء المذهب وتطوره، ومن أخبار عن رواة المذهب وفقهائه وكتبه، وهذا ما جعل الناس يتطلعون إلى صدور هذا الكتاب. ويؤيد عناية الأمراء به ما ذكره الأستاذ محمَّد بن تاويت الطنجي من عزم السلطان العلوي مولاي عبد الحفيظ على طبعه بمصر، إلا أن العملية لم يكتب لها النجاح. وفي 1330 هـ بدأ مولاي حفيظ بطبع ترتيب المدارك بفاس على نفقته أيضاً فطبعت منه ست عشرة صفحة، ثم حال حائل دون الاستمرار في الطبع. وقد عزم محمَّد الخامس رحمه الله كذلك على طبعه إلا أن هذه الأمنية لم يكتب لها التحقيق. وقد تحققت هذه الرغبة على يد الحسن الثاني رحمه الله (¬2) فقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بطبعه بعد أن قامت مجموعة من الأساتذة بتحقيقه. وقد طبع كذلك في لبنان بتحقيق الدكتور أحمد بكير محمود (¬3). 5 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: عمد القاضي عياض في كتابه هذا الذي درس فيه "الموطأ" و"صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" إلى كلمات المتن، وأسماء الأماكن، والرجال، وكناهم وألقابهم، فقام بترتيبها على حروف المعجم، ثم شرع في ضبط متونها وتصحيحها على الأصول، كما نبه على اختلاف الروايات مع الإشارة إلى الصواب والأرجح منها. وأفرد فصلاً لأسماء الأماكن والأسماء والألقاب ¬
6 - الغنية
والكنى (¬1). قد نبه على منهجيته في الكتاب والأسباب الداعية إلى تأليفه في المقدمة. وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة على يد السلطان مولاي عبد الحفيظ سنة 1328 هـ ثم أعادت وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بالرباط طبعه سنة 1982 ضمن منشوراتها. 6 - الغنية: خصص القاضي عياض هذا الكتاب لشيوخه وما رواه عنهم، وقد حققه وقدم له الدكتور محمَّد بن عبد الكريم، وطبع بالدار العربية للكتاب بليبيا، وتونس، سنة 1978. وحققه وقدم له أيضاً الأستاذ ماهر زهير جرار، وطبع بدار الغرب الإِسلامي ببيروت، سنة 1982. 7 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى: هو من أشهر الكتب التي ألفها القاضي عياض، وقلما تخلو منه خزانة عامة أو خاصة إلى أن قيل فيه: كلهم حاولوا الدواء ولكن ... ما أتى بالشفاء إلا عياض وقد طبع هذا الكتاب مرات عديدة. 8 - إكمال المعلم بفوائد مسلم: هو شرح كمل به شرح أبي عبد الله محمَّد بن عبد الله المازري على صحيح مسلم بن الحجاج المسمى بالمعلم بفوائد مسلم، وقد قام بتحقيقه الدكتور يحيى إسماعيل، وطبع بدار الوفاء للطباعة والنشر سنة 1998 في تسعة أجزاء. 9 - مذاهب الحكام في نوازل الحكام: هذا الكتاب للقاضي عياض وولده، وأصله بطائق أو جذاذات للقاضي عياض جمعها بعد وفاته ابنه أبو عبد الله محمَّد، وهي تشتمل على أجوبة ¬
ثانيا: المخطوط
تمثل الفتوى في الغرب الإِسلامي، وليست مقصورة على عياض وحده، وإنما فيها أجوبة لابن رشد، وابن الحاج، ومحمد بن عياض، وقد قدم لهذا الكتاب وحققه وعلق عليه الدكتور محمَّد بن شريفة، وطبع بدار الغرب الإسلامي. ثانياً: المخطوط: 1 - " التنبيهات" المستنبطة على الكتب "المدونة" والمختلطة: يقع الكتاب في عدة أجزاء وقدره ابنه بعشرة أجزاء (¬1)، ولكن بمفهوم الجزء في ذلك الوقت. وهو موضوع هذا التحقيق. 2 - المعجم في شيوخ ابن سكرة: وقد ذكره الأستاذ محمَّد بن تاويت الطنجي بهذا العنوان: المعجم في ذكر أبي علي الصدفي وأخباره وشيوخه وأخبارهم. جمع فيه نحو مائتي شيخ، ذكره عياض في "الغنية" (¬2) وقال عنه عبد السلام شقور: وقد ورد في إحدى قوائم المخطوطات أنه بمكتبة الجزائر تحت رقم: 58 (¬3). 3 - خطب عياض. هو سفر واحد جمعت فيه خطب عياض، حسب ما قاله ابنه (¬4). ويقول الأستاذ حسن الوراكلي: إنه قد عثر مؤخراً على بعض خطب عياض، ولا يستبعد أن تكون مما كان يشتمل عليه كتاب خطبه. وقال: تنظر هذه الخطب تحت رقم: 79 من مخطوطات جائزة الحسن الثاني لسنة 1979 (¬5). وقد ذكر الأستاذ عبد السلام شقور نماذج من هذه الخطب (¬6). ¬
4 - الفنون الستة في أخبار سبتة
4 - الفنون الستة في أخبار سبتة: وقد ذكر باسم آخر هو: "العيون الستة في أخبار سبتة". ولعل الكتاب واحد، وبالاسم الأوّل ذكره ابنه (¬1)، وهو من الكتب التي لم يكملها. وقال الأستاذ الوراكلي: يفهم من إشارة للشيخ أحمد بن الصديق في كتابه "جؤنة العطار في طرف الفوائد ونوادر الأخبار" 1/ 3 أنه وقف على الكتاب. 5 - الصلاة العياضية على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: توجد هذه الصلاة بمجموع بالخزانة العامة بالرباط، تحت رقم: ق: 1207، وهي منسوبة إلى القاضي عياض، وهي مكونة من ست عشرة صفحة، من الحجم الصغير، وبخط كبير، عدد أسطر كل صفحة عشرون سطراً، وهي صلاة طويلة على طريقة صلاة دلائل الخيرات. وقد نشرها الأستاذ عبد السلام شقور في كتابه (¬2). 6 - قصيدة لعياض في مدح المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: هذه قصيدة في مدح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وجدتها منسوبة لعياض ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط، تحت رقم ق: 1207، والقصيدة مبنية على أسماء سور القرآن، وعلى ترتيبها، وقد ارتأيت أن أعرض هذه القصيدة بأكملها حتى لا تضيع، وحتى تكون مجالاً للبحث في صحة نسبتها إليه وهي: [البسيط] في كل فاتحة للقول معتبرة ... حق الثناء على المبعوث بالبقرة في آل عمران قدماً شاع مبعثه ... رجالهم والنساء استوضحوا خبره قد مد للناس من نعماه مائدة ... عمت فليست على الأنعام مقتصره أعراف رحماه ما حل الرجاء بها ... إلا وأنفال ذاك الجود مبتدره له توسل إذ نادى بتوبته ... في البحر يونس والظلماء معتكرة ¬
هود ويوسف كم خوف به أمنا ... ولن يروع خوف الرعد من ذكره مضمون دعوة إبراهيم كان وفي ... بيت الإله وفي الحجر التمس أثره ذو أمة كدوي النحل ذكرهم ... في كل قطر فسبحان الذي فطره فكهف رحماه قد لاذ الورى وبه ... بشرى ابن مريم في الإنجيل مشتهرة سماه طه وحض الأنبياء على ... حج المكان الذي من أجله عمره قد أفلح الناس بالنور الذي شهدوا ... من نور فرقانه لما جلا غرره أكابر الشعراء اللسن قد خرسوا ... كالنمل إذ سمعت آذانهم سوره وحسبه قصص للعنكبوت أتى ... إذ حاك نسجاً بباب الغار قد ستره في الروم قد شاع قدماً أمره وبه ... لقمان وفق للدر الذي نثره كم سجدة في طلا الأحزاب قد سجدت ... سيوفهم فأراهم ربه عبره سباهم فاطر السبع العلا كرما ... لمن بياسين بين الرسل قد شهره في الحرب قد صفت الأملاك تنصُره ... فصاد جمع الأعادي هازماً زمره في غافر الذنب في تفضيله سور ... قد فصلت لمعان غير منحصرة شوراه أن تهجر الدنيا بزخرفها ... مثل الدخان فيغشى عين من نظره عزت شريعته البيضاء حين أتى ... أحقاف بدر وجند الله قد نصره فجاء بعد القتال الفتح متصلا ... وأصبحت حجرات الدين منتصره بقاف والذاريات الله أقسم في ... أن الذي قاله حق كما ذكره في الطور أبصر موسى نجم سؤدده ... والأفق قد شق إجلالاً له قهره أسرى فنال من الرحمن واقعة ... في القرب ثبت فيها ربه بصره في الحشر يوم امتحان الخلق يقبل في ... صف من الرسل كل تابع أثره كف يسبح للَّه الحصاء به ... فاقبل إذا جاءك الحق الذي قرره قد أبصرت عنده الدنيا تغابنها ... قالت طلاقاً ولم يصرف لها بصره تحريمه الحب للدنيا ورغبته ... عن زهرة الملك حق عندنا ذكره في نون قد حقت الأمداح فيه بما ... أتى به الله إذ أبدى لنا سيره بجاهه سال نوح في سفينته ... حسن النجاة وموج البحر قد غمره
وقالت الجن جاء الحق فاتبعوا ... مزملاً تابعاً للحق لن يذره (¬1) مدثراً شافعاً يوم القيامة هل ... أتى نبيّ له هذا العلا ذخره؟ في المرسلات من الكتب انجلى نبأ ... عن بعثه سائر الأحبار قد سطره الكافة النازعات الضم حسبك في ... يوم به عبس العاصي لما ذعره إذ كورت شمس ذاك اليوم وانفطرت ... سماؤه ودعت ويل به الفجرة وللسماء انشقاق بالبروج خلت ... من طارق الشهب والأفلاك منتثره فسبح اسم الذي في الخلق شفعه ... وهل أتاك حديث الحوض إذ ذكره كالفجر في البلد المحروس غرته ... والشمس من نوره الوضاح مختصرة في الليل مثل الضحى إذ لاح فيه ألم ... نشرح لك القول في أخباره العطره ولو دعا التين والزيتون لابتدرا ... إليه في الحين واقرأ تستبن خبره في ليلة القدر كم [قد] حاز من شرف ... في الفجر لم يكن الإنسان قد قدره كم زلزلت بالجياد العاديات له ... أرض بقارعة التخويف منتشره له تكاثر آيات قد اشتهرت ... في كل عصر فويل للذي كفره ألم تر الشمس تصديقاً له حبست ... على قريش وجاء الروح إذ أمره أريت أن إله العرش كرمه ... بكوثر مرسل في حوضه نهره والكافرون إذا جاء الورى طردوا ... عن حوضه فلقد تبت يدا الكفرة إخلاص أمداحه شغلي فكم فلق ... للصبح أسمعت فيه الناس مفتخره أزكى صلاتي على الهادي وعترته ... وصحبه وخصوصاً منهم العشرة صديقهم عمر الفاروق أحزنهم ... عثمان ثم علي مهلك الكفرة سعد سعيد زبير طلحة وأبو ... عبيدة وابن عوف عاشر العشرة وفي خديجة والزهراء وما ولدت ... أزكى مديحي سأهدي دائماً درره عن كل أزواجه أرضى وأوثر من ... أضحت براءتها في الذكر مشتهره أقسمت لا زلت أهديهم شذا مِدَحي ... كالروض ينثر من أكمامه زهره ¬
ثالثا: المفقودة
ولعياض قصائد كثيرة نشر الأستاذ عبد السلام شقور بعضها في كتابه (¬1). ثالثاً: المفقودة: 1 - غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسيل (¬2). 2 - كتاب "العقيدة". وهذا الكتاب ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ولم يذكره ولد المؤلف في التعريف، قال الأستاذ محمَّد بن تاويت الطنجي: وأظن هذه العقيدة هي كتاب "الإعلام" بحدود قواعد الإِسلام (¬3). 3 - أجوبة القرطبيين: قال عنه ابنه: رأيت هذه الترجمة بخطه، ولم أجدها عنده مبيضة غير أني وجدتها في بطائق فجمعتها مع أجوبة غيرهم (¬4). 4 - أخبار القرطبيين (¬5). 5 - الأجوبة المحبرة عن المسائل المتخيرة: وهذا الكتاب كذلك من الكتب الذي لم يتيسر له إتمامها وقد ذكر ابنه أنه وجد منه يسيراً فضمه إلى ما وجده في بطائق أبيه أو عند أصحابه من معان شاذة في أنواع شتى سئل عنها فأجاب عنها رحمه الله (¬6). ¬
6 - جمهرة رواة مالك: هذا الكتاب ذكره عياض في "ترتيب المدارك" وقد انطوى هذا الكتاب على أزيد من ألف وثلاثمائة راو (¬1). 7 - الجامع في التاريخ: يقول القاضي عياض في ترجمة عبد الله بن ياسين القائم بدعوة المرابطين: وقد بسطنا أخباره في كتاب "التاريخ". وقد ذكره الذهبي، وحاجي خليفة باسم: "جامع التاريخ" (¬2). وذكره المقري باسم: "تاريخ المرابطين" (¬3). هذه مؤلفاته شاهدة على علو منزلته، وإن كنا لا ندعي في هذا العرض الاستقصاء ولا العد والإحصاء، وقد أحسن المقري وأجاد عندما ساق هذه المؤلفات في مقدمة كتابه "أزهار الرياض"، وصاغها في أسلوب جميل على طريق التورية. قال: الحمد لله الذي أعلى مراتب العلماء الأعلام، وزكى منهم العقول الراجحة والأحلام، ومنحهم مآثر تقصر عن جمعها المحابر والأقلام، ومفاخر طارت كل مطار، وجعل معاليهم زاهرة زاهية، وأضواء فهومهم نامية سامية، وأنواء علومهم هامعة هامية، بواكف الأمطار، وأطلعهم على دقائق الأسرار، وهداهم وهدى بهم إلى ترتيب المدارك، وتقريب المسالك، وجلى بمشارق الأنوار من معارفهم وآدابهم، عمن تمسك بأذيالهم وأهدابهم، غياهب الجهل الحوالك، فأضاءت الأقطار، وعرفهم المقاصد الحسان، والوسائل المغتبطة والإلماع بأصول الرواية والسماع، والإعلام بحدود قواعد الإِسلام، وأرشدهم إلى "التنبيهات" المستنبطة السامية الأخطار، حتى رفلوا من حلل التحقيق السابغة، في مطارف وبرود، ووردوا ¬
رابعا: الترتيب الزمني لمؤلفاته
من مناهل التوفيق السائغة كل عذب برود، وتنسموا من حجج الحق البالغة الروض المعطار، واجتنوا أزاهر أضحت منية الطالب وبغية الرائد، واجتلوا جواهر نظمت منها الدرر والفوائد في أجياد الأسطار، فإن أمهم ناقص عديم، ألفى لديهم الغنية والإكمال، أو قصدهم عليل سقيم، وجد في يديهم الشفاء فنال غاية الآمال، وظفر بمنتهى الأوطار (¬1). رابعاً: الترتيب الزمني لمؤلفاته: الذي يبدو لأول وهلة أن القاضي عياضاً فتح موضوعات عدة للبحث، وشرع في تأليف أكثر من كتاب في آن واحد، ولهذا يصعب ترتيب مؤلفاته زمنياً. ومن الملاحظات العامة في كل مؤلفاته المتاحة اليوم أنها جاءت استجابة لرغبات وطلبات الراغبين والطالبين كما سجل ذلك في صدورها: فالمتفقهة رغبوا في الاعتناء بمجموع فقهي - كما في مقدمة "التنبيهات" -. وطلبة الحديث رغبوا في صرف العناية إلى تلخيص فصول في معرفة الضبط وتقييد السماع (¬2). وتكرر طلبهم لكتاب يجمع غوامض ومبهمات ولغات بعض كتب الحديث (¬3). وكثرت الرغبات في تعليق يجمع هذه كلها؛ علم الحديث وفقهه ولغته (¬4). ¬
وجاء السؤال لشرح حديث واحد وبيان أغراضه وحل مقفل غريبه وألفاظه (¬1). ورغب المربون في تأليف لطيف لتدريب المتعلمين على البر (¬2). كما تكرر السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى عليه الصلاة والسلام (¬3). وتكررت رغبات الأصحاب لإمضاء ما كانت النية اعتقدته ... من كتاب حاو لأسماء أعيان المالكية (¬4). وتعين بحكم إلحاح الراغبين في تعيين الروايات والمسموعات التنصيص على عيون من ذلك (¬5). وسواء أكانت هذه الرغبات واقعة أو متخيلة، فإن الحاجة إليها ماسة وفائدتها محققة، إلا أن بعض هذه المؤلفات نبع من رغبات حقيقية اعترضت طلبة الشيخ عند الدراسة كما هو الشأن في كتاب "التنبيهات" الذي خرجت فكرته من دروس "المدونة"، وكتاب "إكمال المعلم" الذي أملته مشاكل مجالس التفقه في "صحيح مسلم" (¬6)، والمشارق الذي فرضته عويصات مجالس السماع والتفقه (¬7). ويمكن استثناء كتاب "المدارك" الذي التقت فيه رغبة الراغبين بشروع في التقميش والتسويد (¬8). والآن، لنحاول مقاربة توقيت المؤلفات, لأن هذا قد يساعد في تحديد وقت وضع "التنبيهات" بما يحمله نص هذا الكتاب من أسئلة قد لا ¬
1 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى
تجد لها جواباً، والاقتصار هنا على المؤلفات التي ورد بشأنها تنصيص أو إشارة يحيلان على زمن التأليف. عندما يتحدث المترجمون للقاضي عياض عن مؤلفاته يعتمدون تقسيماً ثلاثياً وضعه ابنه محمد في ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى: مؤلفاته التي أكملها وقرئت عليه، وهي: 1 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى (¬1): يفهم من مقدمة الكتاب أن المؤلف اختلس كتابته "على استعجال لما المرء بصدده من شغل البدن والبال، بما قلده من مقاليد المحنة التي ابتلي بها فكادت تشغل عن كل فرض ونفل ... " (¬2). وكأن المؤلف يلمح إلى أن ما كاد يصده عن هذا الواجب هو خطة القضاء، وهذا يعني أنه ألف الكتاب وهو في ولاية القضاء. والمقصود هنا الولاية الأولى بسبتة بعد سنة 515 هـ، وقد وردت في الكتاب إشارة تاريخية فهم منها الشهاب الخفاجي (¬3) أنه كان مشتغلاً بتأليفه سنة 535 هـ، ويعكر على هذا ما أورده المقري أنه كان يسمع الكتاب وهو قاض بغرناطة سنة 531 هـ، وتصريح المؤلف هناك أنه قد سمعه منه ما لا يحصى كثرة (¬4)، ويعكر عليه أيضاً أن المؤلف في هذا التاريخ (535 هـ) لم يكن يتولى خطة القضاء، فصح أن الإشارة التاريخية ينبغي أن يفهم منها أن المؤلف يقصد سنة 522 هـ (¬5). ويكاد قارئ مقدمة الكتاب يلمس أن المؤلف كتب الكتاب ردًّا على ظهور المهدي الموحدي مدعي العصمة، وهذا يعني: أن الكتاب ألف بعد ظهور الدعوة الموحدية. ¬
2 - إكمال المعلم بفوائد مسلم
ثم إن المؤلف أحال على كتاب "الشفاء" في إكمال المعلم كثيراً، كما أحال عليه في "مشارق الأنوار" (¬1). 2 - إكمال المعلم بفوائد مسلم (¬2): يلمس من خلال مقدمة الكتاب أن المؤلف لم يشرع في التأليف إلا بعد زمن من تدريس "صحيح مسلم" للطلبة وبعد رغباتهم في حل ما يعترضهم من صعاب، وأنه لم يستطع الاستجابة إلا بعد "أن منّ الله بإحسانه بحل تلك القلادة وزوالها، وفرغ البال من عهودها الفادحة وأشغالها، فتوجه الأمر وانقطع العذر ... " (¬3). فهل يقصد المؤلف بذلك تحلله من خطة القضاء؟ إن كان الأمر كذلك فهذا يعني أنه لم يشرع في التأليف إلا بعد إعفائه من قضاء غرناطة سنة 532 هـ, لأنه مذ تولى قضاء سبتة سنة 515 هـ لم يتحلل من الخطة حتى ذلك الحين. هذا وقد ذكر في "الإكمال" كتاب "الشفاء" كثيراً كما سبق، وأحال فيه أيضاً على "الإلماع" (¬4) بكلام يفيد الفراغ من تأليفه، غير أنه أيضاً أحال في "الإلماع" على موضوع في مقدمة "الإكمال" (¬5)، كما أحال فيه على "مشارق الأنوار"، لكن يفهم من كلامه أنه مشتغل بتأليف "المشارق" وأنه بين يديه (¬6)، غير أنه في المقابل أحال كثيراً في "المشارق" على "الإكمال" كما سيأتي، بل صرح في مقدمة "المشارق" بما يدلّ على أنه أنهى "الإكمال" (¬7)، وهو كذلك يحيل فيه على "التنبيهات" (¬8). هذا وغالب ظن الدكتور يحيى إسماعيل - محقق الكتاب - أنه آخر ¬
3 - "الإلماع" إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع
مؤلفاته، بدعوى أن ممن ترجم لعياض كابن حمادة لم يذكر الكتاب فيما نقل عنه الذهبي (¬1). 3 - " الإلماع" إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (¬2): وهو - كما سبق - من أوائل مؤلفاته، وأحال عليه في "الإكمال" والمدارك (¬3)، وأحال فيه على المشارق (¬4). 4 - بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد: أحال عليه في "المشارق" (¬5) و"الإكمال" (¬6). 5 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك (¬7): في مقدمة الكتاب دلائل على إعداد طويل الأمد لهذا الكتاب وتقميش واف لمادته، وأن المؤلف تفرغ لتأليفه دون انشغال بغيره (¬8). هذا ونص محمَّد بن عياض في "التعريف" أن والده لم يُسمع الكتاب، فإن كان يقصد مصطلح السماع في الرواية فهو كذلك، وإلا فإن تلميذ المؤلف عبد الرحمن بن القصير (¬9) حكى أنه وجد بخط المؤلف إجازة الكتاب لبعض طلبته سنة 532 هـ (¬10). وفي هذه الفترة كان القاضي على قضاء غرناطة، ¬
وهذا قد يعني أن الكتاب قد انتهى منه المؤلف في هذا الوقت. وفي مختصر ابن حمادة "للمدارك" لما أرخ واقعة بسنة 530 هـ، همش الشيخ سعيد أعراب أن اختصار ابن حمادة للكتاب كان في ذلك العام (¬1). كما أن ابن حمادة أورد في ترجمة القاضي عياض في مختصره "للمدارك" عبارة تفيد أن اختصاره كان في حياة المؤلف، وهي قوله: "نسأل الله أن يختم وله بالحسنى" (¬2). وقد يشوش على ما ذكره ابن القصير وما فهمه الشيخ سعيد أعراب أن المؤلف وعد في مقدمة الكتاب بذكر طبقات المالكية حتى طبقة شيوخه وأئمة الزمن الذين عاصرهم (¬3)، وهذا لم يستوف في الكتاب وإن كان ابن حمادة في مختصره زاد زيادات بل طبقات نسبها إلى أصل المؤلف (¬4) ... هذا وأحال في المدارك على "الإلماع" كما سبق، وفيه إشارة إلى ما سماه: "معجم المشيخة" (¬5)، وكأنه يقصد "الغنية". غير أن الاسم المحال به عليه لم أجده في "الغنية". لكنه في المقابل ذكر "المدارك" في "الغنية" وسماه: "الطبقات" (¬6). وذكره أيضاً باسم كتاب: "تقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" في مقدمة "التنبيهات". ¬
6 - "التنبيهات" المستنبطة على الكتب "المدونة"
6 - " التنبيهات" المستنبطة على الكتب "المدونة": هو آخر الكتب التي نذكرها مما عده ابنه في المؤلفات التي أكملها وقرئت عليه (¬1). وحقاً فإن المؤلف أحال عليه في أهم كتابين له وهما: "الإكمال" كما سبق الذكر، و"المشارق" في جزءيه (¬2). وفي المقابل أحال في مقدمته - كما سبق - على "المدارك" إحالة للتوسع في الموضوع المحال به، وهذا يعني أنه قد فرغ من ذلك الموضوع، إلا أن يكون وضع مقدمة "التنبيهات" بعد أن فرغ من "المدارك". وهذا يعني أن كتاب "التنبيهات" ألف قبل "المشارق"، بل قبل "الإكمال" الذي يترجح أن المؤلف لم يبدأ في وضعه إلا بعد سنة 532 هـ، وجزْم محمَّد بن عياض أن الكتاب قرئ على مؤلفه يصعب رده، لا سيما وقد روي الكتاب عن المؤلف ببعض الأسانيد (¬3)، إلا أن نص "التنبيهات" في النسخ الواصلة إلينا - ولا سيما النسخة المعارضة بأصل المؤلف - فيها بياضات وأخطاء وخلط منسوب لأصل المؤلف في مواضع غير يسيرة. وكتب كتاب "الصيام" وكتاب "الحج" في هذه النسخة بخط محمَّد بن عياض. وفي نسخة أخرى صحيحة ملاحظة أول كتاب الحج لمحمد بن عياض هذا يقول فيها: إن والده لما وضع الكتاب لم يتكلم على كتب الحج إلى أن فرغ منها وانتسخها بعض الطلبة، ثم تكلم بعد ذلك على كتب الحج، ودفع مبيضتها إلى بعض طلبته لينتسخها، فضاعت له ... فأشغلت الشيخ رحمة الله عليه فتن الزمان إلى أن أعجلته المنية ... فهذه الطرة تعني أن الكتاب أجيز من قبل المؤلف، وأن كتاب "الحج" تأخر تأليفه، وأن جزءاً كبيراً منه قد ضاع، وأن تأليفه وضياعه ربما كان أواخر عمر المؤلف وبعد توليه قضاء سبتة ثانية سنة 539 هـ، وتلاطم فتن الزمان والحروب التي قامت بين المرابطين والموحدين ووقوف سبتة في ¬
وجوه الموحدين والقاضي عياض على رأسها! وسنعود إلى مشاكل النسخ فيما بعد. المجموعة الثانية: الكتب التي تركها في مبيضاته: ويهمنا منها كتاب واحد هو: مشارق الأنوار على صحاح الآثار (¬1): قال ابن فرحون في ترجمة أبي عبد الله محمَّد بن سعيد بن علي الطراز الغرناطي المتوفى 645 هـ: تجرد آخر عمره إلى كتاب "مشارق الأنوار"، وكان المؤلف قد تركه في مبيضته في أنهى درجات التثبيج والإدماج والأشكال وإهمال الحروف ... وجمع عليه أصولاً حافلة وأمهات هائلة من الغريب وكتب اللغة، فتخلص الكتاب على أتم وجه وأحسنه (¬2). وذكر ابن القاضي في ترجمة إبراهيم بن يوسف بن قرقول المتوفى 569 هـ أن كتابه "مطالع الأنوار" هو كتاب "مشارق الأنوار" عينه، كان القاضي قد تركه في مبيضته، فاستعارها وجرد منها ما أمكن نقله لاستعمائها وصعوبتها (¬3). وكما سبق، فإن المؤلف أحال في "الإكمال" على "المشارق"، غير أن الراجح تأخر "المشارق" عن "الإكمال"، وفي "المشارق" إحالات كثيرة على "الإكمال" (¬4). وأحال في "المشارق" على بغية الرائد، كما مر، وعلى ¬
التنبيهات. لكن الملفت للنظر أنه أحال في "الإلماع" (¬1) - وهو من أوائل مؤلفاته - على "المشارق"، وهو من آخرها! ومما لا بدّ من إيراده على هذا كله أن تلميذ المؤلف ابن القصير وجد بخط المؤلف إجازة كتاب "المشارق" لبعض طلبته مؤرخة بسنة 532 هـ (¬2)، ولعله في هذا التاريخ لم يبدأ بعد في تصنيف الكتاب كما يفهم مما سبق عند الحديث عن "الإكمال"! المجموعة الثالثة: الكتب التي لم يكملها: ويهمنا منها أيضاً كتاب واحد هو: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان (¬3): والمشكل فيه أن المؤلف ذكره في "الإكمال" كأنه انتهى منه (¬4)، كما أن تلميذه ابن القصير ذكره أيضاً فيما وجد بخط المؤلف في إجازته لبعض طلبته سنة 532 هـ (¬5). فهذا يخالف ما جزم به ابن القاضي عياض وهو وارث مكتبته والمتصرف فيها والمسهم في معالجة مسوداته ... ويمكن أن يدرج ضمن هذا القسم الكتب التي أخرجها ولده من بطائق ومسودات أبيه فجمعها وألفها كتباً قائمة، وذكر منها ولده كتابين (¬6). ولا يستطيع الباحث أن يجزم بعد كل هذا بتواريخ محددة لوضع هذه المؤلفات إلا تخرصًا وتقديرًا، فمن الوارد، بل من الواقع، أن المؤلف كغيره يفتح مشاريع كتب وبحث يعطي لكل منها وقتاً خاصاً؛ فقد ذكر ابنه مثلاً: أن لأبيه جزءاً في زيارة الحاضنة والمربية لمحضونها "أتى فيه على ¬
جميع معانيها وفصولها، فمن وقف عليه رأى في هذه المسألة شفاء صدره" (¬1). والكتاب - كما تبين - بدأ مشكلاً اعترضه وهو قاض بسبتة، فرفع فيه سؤالاً إلى شيخه القاضي أبي الوليد بن رشد، ولم يتجاوز جواب الشيخ سبعة سطور (¬2). ومن ذلك أنه لا يبدأ التأليف حتى يجمع جل مادة الكتاب، ثم لا ينتهي منه، أو لا يبدأ في التأليف أصلاً، كما هو الشأن في كتابيه: "الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة" الذي وجد ابنه منه يسيراً، فضمه إلى ما وجده في بطائق أبيه أو عند أصحابه (¬3)؛ وكتاب "مذاهب الحكام في نوازل الأحكام" الذي قال ابنه في شأنه: وجدت هذه الترجمة بخطه، ولم أجدها عنده مبيضة، غير أني وجدتها في بطائق فجمعتها (¬4) ... ثم إن الوارد أيضاً أن يكون يضيف إلى كتبه ويراجعها وينقحها، فيحيل على كتبه الأخرى بعد الانتهاء منها، أو عندما تستجد له معلومات أخرى (¬5)، ويحتمل أن يضيف ذلك ابنه أيضاً، والله أعلم. ¬
المبحث الرابع: أثر القاضي عياض في فن التحقيق
المبحث الرابع: أثر القاضي عياض في فن التحقيق قد يظن البعض أن التحقيق من عمل الناشرين، يتوقف على عمل تقني محدود، ينحصر في المقابلة الشكلية للنص، وأن أهميته دون أهمية البحث في موضوع ما؛ لأنَّ الموضوع يطرح مشكلة ما على مشرح البحث، ويحاول دراستها من جميع الجوانب، فتنصب هذه الدراسة على تصحيح وضعيتها إذا كان فيها خلل، أو إلى إتمامها إذا كان فيها نقص، أو على شرحها إذا كان فيها غموض، أو على نقدها وطرح البديل لها، بينما غاية التحقيق إخراج كتاب كان موجوداً، وإضاعة الوقت فيه نزولاً وصعوداً، لكن الأمر ليس كذلك، فإذا كان الموضوع يطرح مشكلة للبحث، فإن التحقيق يطرح مشاكل كثيرة، بدءاً بالتحقيق في عنوان الكتاب، إلى التحقيق في نسبته إلى مؤلفه، إلى التأكد من نصوصه، إلى دراسة النسخ ومقابلتها والترجيح فيما بينها. ولم يكن التحقيق جديداً بالنسبة للمسلمين ولا غريباً بين علومهم، بل هو متأصل في جذور معارفهم. يقول الدكتور رمضان عبد التواب: لقد سبق العرب علماء أوروبا إلى الاهتداء للقواعد التي يقابلون بها بين النصوص المختلفة، لتحقيق الرواية، والوصول بتلك النصوص إلى الدرجة القصوى من الصحة (¬1). ¬
أولا: المقابلة بين النسخ
وقد ظهر هذا الفن عند المسلمين مع ظهور علم الحديث، ولم يظهر عند علماء أوروبا إلا في القرن الخامس عشر الميلادي بإحياء الآداب اليونانية واللاتينية. ولم تكن بداية هذا الفن في هذا الوقت مبنية على أسس علمية صحيحة، بل كان مجرد محاولات لتصحيح بعض النسخ وطبعها، إلى أواسط القرن التاسع عشر، حين وضعوا أصولاً علمية لنقد النصوص ونشر الكتب القديمة (¬1). وإذا كان هذا الفن قد ظهر مبكراً عند علماء المسلمين، وبالخصوص عند المحدثين وذلك عند شيوع (الوجادة) في القرن الرابع الهجري، فإن القاضي عياضاً كان من المتقدمين الأوائل الذين وضعوا لهذا الفن أسسه - بعد الرامهرمزي أبي محمَّد الحسن بن عبد الرحمن المتوفى سنة 360 هـ، والحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ، والخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ - بدءاً بالمقابلة إلى إصلاح الخطأ، إلى علاج السقط، إلى علاج الزيادة، إلى علاج التشابه بين النسخ إلى غير ذلك - وإذا كان كتابه "الإلماع" قد تحدث عن الجانب النظري لهذا الفن، فإن كتاب "التنبيهات" يعتبر المجال التطبيقي الذي طبق فيه هذه الدروس النظرية. ونشير إلى بعض بصماته التي تركها شاهدة عليه في تأصيل هذا الفن كما تحدث عنها. أولاً: المقابلة بين النسخ: هذه العملية هي الأساس في عمل التحقيق، وهي تستهدف جمع المخطوطات للكتاب الواحد والمقابلة بينها للخروج بنص مستقيم. وقد كانت معروفة عند المسلمين بهذا المصطلح، فهذا القاضي عياض يخصص للمقابلة باباً من كتابه: "الإلماع" (¬2). وبناء على هذا يمكن اعتبار عياض من الأوائل الذين أسهموا في وضع منهج التحقيق. فهو يقول: وأما مقابلة ¬
النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لا بدّ منها، ولا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه، أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون بها ينظر فيه (¬1). وهكذا كان من قبله في الاهتمام بالمقابلة بين النسخ التي أخذها مع الأصل، فقد روى عياض عن هشام بن عروة بن الزبير قال: قال لي أبي: أكتبت؟ قلت: نعم. قال: قابلت؟ قلت: لا. قال: لم تكتب يا بني (¬2). ويقول عياض في مقابلة النسخ: فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفاً حرفاً، حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به، ومطابقتها له، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف دون مقابلة، نعم، ولا على نسخ نفسه بيده، ما لم يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى (¬3). وفي اختيار النسخ كان كذلك للقدماء سبق في تحديد النسخة التي ستكون النسخة الأم، وقد خصص عياض لضبط اختلاف الروايات باباً (¬4) بيَّن فيه طريقة التعامل مع الروايات المختلفة، وما يرد فيها من زيادة أو نقص وتحديد المكان الذي تثبت فيه هذه الاختلافات، فقال: وأولى ذلك أن تكون الأم على رواية مختصة، ثم ما كان من زيادة الأخرى ألحقت، أو من نقص أعلم عليها، أو من خلاف خرج في الحواشي، وأعلم على ذلك كله، بعلامة صاحبه، من اسمه أو حرف منه للاختصار، لا سيما مع كثرة الخلاف والعلامات، وإن اقتصر على أن تكون الرواية الملحقة بالحمرة فقد عمل ذلك كثير من الأشياخ وأهل الضبط كأبي ذر الهروي، وأبي الحسن القابسي، وغيرهما (¬5). ¬
ثانيا: إصلاح الخطأ
وإذا كان المحققون المحدثون قد تحدثوا عن المقابلة على أنها حجر الزاوية في موضوع التحقيق، وأنها تبدأ أولاً باختيار النسخة التي تصلح للمقابلة، ووضعوا لذلك معايير وشروطاً، وذلك من أجل الوصول إلى الصورة الصحيحة للنص، فإن القدامى كانوا لا يكتفون بالنسخة وحدها مهما بلغت درجة صحتها، حتى تكون مروية بالسند، وقد خصص عياض لهذا باباً في كتابه: باب في التقييد بالكتاب، والمقابلة، والشكل، والنقط والضبط (¬1). ثانياً: إصلاح الخطأ: يقول عياض فيما يتعلق بإصلاح الخطأ: الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية، كما وصلت إليهم وسمعوها، ولا يغيرونها في كتبهم، حتى اطردوا ذلك في كلمات من القرآن، استمرت الرواية في الكتب عليها، بخلاف التلاوة المجمع عليها، ... لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة، وفي حواشي الكتب، ويقرؤون ما في الأصول على ما بلغهم. ومنهم من يجسر على الإصلاح. وكان أجرأهم على هذا من المتأخرين القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي (¬2). وقد أشار عياض إلى مثل هذا التصحيح في كتاب "التنبيهات"، وقد بقي الخطأ على حاله في طبعة دار الفكر، بينما أصلح في طبعة دار صادر. قال: وقوله: يقول الله تعالى: {وأكلهم الربا وقد نهوا عنه} (¬3). كذا وقع في بعض النسخ. وهو مما غيرته الرواة من القرآن غفلة مروا عليه. والتلاوة {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (¬4). ¬
ولا يفوتني أن أشير إلى أن ما يميز عمل التحقيق عند القدامى من المسلمين عن التحقيق عند المحدثين، أو عند المسلمين بدل غيرهم، هو ارتباطه بالدين، وذلك للمحافظة على النص الديني من التحريف، وهذا الوازع الديني هو الذي جعلهم يتشددون في ضبط النصوص. هذه إشارة فقط إلى أن عياضاً وإن تناولته الدراسة أديباً وفقيهاً وأصولياً ومؤرخاً فإن إسهامه في ميدان التحقيق ما زال يستحق الكثير من العناية والدراسة.
الفصل الثاني: وقفات مع المدونة
الفصل الثاني: وقفات مع المدونة المبحث الأوّل: قصة تدوين "المدونة". المبحث الثاني: خدمة "المدونة" قبل القاضي عياض. المبحث الثالث: روايات "المدونة" وأسانيدها. المبحث الرابع: اختلاف نسخ "المدونة". المبحث الخامس: اختلاف نسخ "المدونة" المطبوعة. المبحث السادس: نصوص طرحها سحنون من "المدونة".
المبحث الأول: قصة تدوين المدونة
المبحث الأوّل: قصة تدوين المدونة لما قدم أسد بن الفرات الإفريقي من رحلته العلمية إلى الإمام مالك ثم إلى العراق، حل مصر فذهب إلى ابن القاسم وعرض عليه أسئلة ليجيبه عليها على مذهب مالك، فأجابه إلى ما طلب بما حفظ عن مالك بقوله، وفيما شك فيه قال: إخال، وأحسب، وأظن. ومنها ما أجاب فيه باجتهاده على أصل قول مالك، فكان يسأله كل يوم حتى دون عنه ستين كتاباً، وسميت تلك الكتب بـ "الأسدية"، فدخل بها أسد القيروان يدرسها وحصلت له بها رئاسة. ثم تلطف سحنون حتى وصلت إليه - وكان منعها منه - وارتحل بها إلى ابن القاسم فعرضها عليه، فقال له ابن القاسم: فيها شيء لا بدّ من تغييره، وأجاب عما كان يشك فيه، واستدرك منها أشياء كثيرة, لأنه كان أملاها على أسد من حفظه. وكتب إلى أسد أن عارض كتبك بكتب سحنون، فإني رجعت عن أشياء مما رويت عني. فغضب أسد وقال: قل لابن القاسم: أنا صيرتك ابن القاسم، أرجع عما اتفقنا عليه إلى ما رجعت أنت الآن عنه؟ فترك إسماعها، فذكر أن ذلك بلغ ابن القاسم فقال: اللَّهم لا تبارك في "الأسدية"، قال الشيرازي: فهي مرفوضة إلى اليوم (¬1). وقال ¬
الذهبي بعد أن عرض قصة الأسدية: فهي مرفوضة عند المالكية (¬1). هكذا وردت هذه القصة في الكثير من المراجع التي تحدثت عن تاريخ الفقه المالكي مع بعض الاختلاف، إلا أن المضمون متقارب، وربما قد يكون مجيئها من مصدر واحد، وطرأت لها الشهرة بتداولها في هذه المراجع التي أخذتها من ذاك المصدر, لأن أغلب الذين يذكرون هذه القصة يحدثون عن أبي العرب التميمي، أو سليمان بن سالم. لكن هذه القصة تحتاج إلى شيء من البحث والتريث في إصدار الأحكام حتى لا نصف علماء أجلاء بما لا يتفق ومكانتهم العلمية والأخلاقية والجهادية في سبيل نصرة هذا الدين والدفاع عنه. فهذا أسد بن الفرات الذي دخل معركة سلاحها الأوراق والأقلام ولم ينهزم، ودخل معركة سلاحها السيوف والسهام ولم ينهزم، يمكن أن يكون لموقفه من عدم الموافقة على نسخ "الأسدية" أكثر من تأويل، من غير أن نصفه بأنّه بخل بها فقط، ولم يرد أن يمكن سحنون من نسخها حتى تحايل عليه هذا الأخير فقام بنسخها. وقد كان موقف أسد منذ أن أخذ "الأسدية" عن ابن القاسم عدم الموافقة على نسخها، فقد طلب منه أهل مصر أن ينسخوها فأبى، إما لأن صاحب هذا العلم ما زال حياً يمكن لأي واحد أن يأخذ عنه مباشرة. أو لأن النسخة ما زالت تحتاج إلى الكثير من المراجعة، وقد دفع إليه ابن القاسم سماعه من مالك لينظر فيه، ويصحح عليه ما أخذه عنه, لأنه كان يملي عليه من حفظه (¬2)؛ قال أسد: ولما أردت الخروج إلى إفريقية دفع إلى ابن القاسم سماعه من مالك، وقال لي: ربما أجبتك وأنا على شغل، ولكن انظر في هذا الكتاب، فما خالفه مما أجبتك فيه فأسقطه (¬3) أو لأنها مجرد اجتهادات فقهية يقولها الفقيه اليوم، ويمكن أن يتراجع عنها غداً. ولما دخل بها أسد إفريقية، وجلس يدرسها وهي على حالها ربما ¬
أثارت بعض الكلمات فيها كإخال، وأظن، وأحسب، انتباه بعض الفقهاء والطلاب الذين أخذوا الفقه المالكي المقرون بالأدلة عن علي بن زياد، وابن غانم، والبهلول بن راشد، وابن أشرس، وغيرهم، ولم يألفوا هذا الفقه الافتراضي، فجعلوا يتطلعون إلى تصحيحها على ابن القاسم، حتى كتب الله ذلك على يد سحنون، وقد يكون الذي شغل أسداً عن تصحيحها على كتاب ابن القاسم اشتغاله بالقضاء في البداية، واشتغاله بالجهاد بعد ذلك. ويمكن أنه رأى فيها رأياً آخر، وذلك أنها مجرد اجتهادات. فقهية لا تُلزِم المجتهد، فهو لم يكن يلتزم بالمذهب المالكي ولا بالحنفي، بل كان يبحث عن الدليل وقد قيل عنه: إن مذهبه السنَّة لا يعرف غيرها (¬1). وقال عنه المالكي: المشهور عن أسد رحمه الله تعالى أنه كان يلتزم من أقوال أهل المدينة وأهل العراق ما وافق الحق، ويحق له ذلك لاستبحاره في العلوم وبحثه عنها، وكثرة من لقي من العلماء والمحدثين (¬2). أما بخله بالأسدية من أجل الاحتفاظ بها فقط فلا معنى له, لأن هذا لا يستقيم مع كلامهم: إنه جلس للإقراء بها في القيروان، فكيف يبخل بها وهو يدرسها. ثم كيف يستقيم هذا وقد سبق لها أن انتشرت بمصر قبل أن يجلس لتدريسها، فهو يقول: ورغب إلي أهل مصر في هذه الكتب فكتبوها مني (¬3). وفي رواية: وطلبها منه أهل مصر فأبى أسد عليهم، فقدموه إلى القاضي، فقال لهم: أي سبيل لكم عليه؟ رجل سأل رجلاً فأجابه، وهو بين أظهركم، فاسألوه كما سأله. فرغبوا إلى القاضي في سؤاله قضاء حاجتهم من نسخها، فسأله فأجابه، فنسخوا حتى فرغوا منها، وأتى بها أسد إلى القيروان فكتبها الناس (¬4). إذاً كيف يبخل بها وهي منتشرة بمصر؟ والأكثر من هذا أن هذه "الأسدية" اختصرها أبو زيد بن أبي الغمر، ¬
وابن عبد الحكم. وقال ابن حارث: لما كملت "الأسدية" أخذها أشهب وأقامها لنفسه واحتج لبعضها، فجاء كتاباً شريفاً (¬1)، فكان أشهب بعمله هذا قد مهد الطريق لسحنون. وربما يقال: ما الذي جعل المصريين يقبلون على كتاب أسد وابن القاسم موجود بينهم وهو أقرب إليهم؟ وكيف يمكن أن يفهم نشر "الأسدية" في مصر ومنع سحنون منها بالقيروان؟ للإجابة عن السؤال الأول يمكن أن نقول: إن الذي ينقص أهل مصر هو هذا الكم من الأسئلة الذي طرحه أسد على ابن القاسم مما تعلمه من العراق، وكان أسد بن الفرات هو الذي جاء بهذه الأسئلة الافتراضية, لأن مذهب مالك لم يكن يعرف هذا الفقه الافتراضي، بل كان يعرف الفقه الواقعي، حتى أدخل عليه أسد هذا المنهج، وعليه فإنه إذا كان المذهب الحنفي قد تأثر بالمذهب المالكي عن طريق محمَّد بن الحسن الشيباني الذي أدخل "الموطأ" إلى العراق، فإن المذهب المالكي قد تأثر بالمذهب الحنفي عن طريق أسد بن الفرات الذي أدخل هذه الأسئلة الافتراضية (¬2). أما رفضه لمعارضة كتابه بكتاب سحنون فإنه موقف وجيه، ليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب والدعوة عليه؛ لأنه إذا كان هذا قد وقع في بداية الأمر قبل أن يهذب سحنون مدونته ويرتبها، فإن هذه المعارضة إذا وقعت ستكون بسيطة، وقليلة الفائدة, لأن الكتاب ما زال في حاجة إلى نظر جديد في جميع أحكامه، وهذه هي النظرة التي نظر بها سحنون إلى الكتاب. وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن يعارض أسد كتابه بكتاب ما زال في طور الإصلاح والتغيير. وقد اشتغل سحنون بكتابه هذا منذ أن أخذه عن ابن القاسم إلى أن توفي، وترك مسائل ما زالت تحتاج إلى المراجعة، وقد أسقط منه بعض ¬
النصوص، وقد رجع في بعض المسائل عن قول ابن القاسم وأخذ برأي أشهب، ولم يعنف عليه أحد، ولم يدع عليه أحد، فكيف يقال: إن ابن القاسم دعا على الأسدية. والأغرب من هذا أن الذين رووا هذه القصة لم يتوقفوا عند حكاية ما وقع فقط، بل تعدوه إلى مسائل غيبية الله أعلم بها، وبنوا حكمهم عليها فقالوا: بأن هذا الدعاء كان سبباً في انقراض "الأسدية"، أو في رفضها، وهم يقصدون أن الله استجاب دعاءه فانقرضت، أو أصبحت مرفوضة عند المالكية. ويمكن أن يقال لهم: من الذي دعا على الكتب الكثيرة الأخرى التي انقرضت ولم تصل إلينا، ككتب ابن شعبان، وأشهب، وأصبغ، وابن المواز، وغيرهم، ومن دعا على الكثير من الكتب التي رفضها الناس واستبدلوا بها غيرها؟ هذا إذا قلنا إنها انقرضت واندثرت، أما وإنها كانت موجودة إلى عهد القاضي عياض - وقد رجع إلى الكثير من نصوصها ويقول عند مقابلة نسخ "المدونة": وهو ما في "الأسدية" - فهذا لا يصح. بل الأكثر من هذا أنه لا يبعد أن تكون بعض نسخها في بعض المكتبات العالمية، فهذا الدكتور محمَّد إبراهيم أحمد علي يقول: توجد نسخة مكتوبة على الرق من "الأسدية" في دار الكتب الوطنية بتونس (¬1). وعند الرجوع إلى النظر فيما قيل عن "الأسدية" والمدونة يتبين أن إقبال المالكية على مدونة سحنون، وتركهم للأسدية لم يكن مبنياً على هذه التخمينات، بل كان مبنياً على مسائل علمية صرفة، تخضع لمنطق العقل، وقوة الحجة. ومن بين ما شجع على الإقبال على مدونة سحنون ما يلي: - كانت "الأسدية" تشتمل على أجوبة مالك برواية ابن القاسم، أو اجتهادات ابن القاسم على أصول مالك، بينما تضم "المدونة" -زيادة على ما في "الأسدية" مصححاً - الكثير من الأحاديث من موطأ ابن وهب، والكثير من الآثار عن وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهما، إضافة إلى ¬
فقه أشهب، وبعض أهل المدينة، والليث بن سعد، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وهذه الزيادة هي التي أغرت الفقهاء والباحثين فجعلتهم يقبلون عليها ويتركون "الأسدية", لأن الطالب ينظر بعين الناقد المتفحص، الذي يزن المسائل بميزان الصحة والضعف. - إن "مدونة سحنون" هي النسخة الأخيرة المصححة على ابن القاسم، وهذا وحده كاف لجعل أهل العلم يفضلون هذه النسخة على غيرها. - إن للتلاميذ دوراً كبيراً في نشر علم شيوخهم، وآرائهم، فما كثر تلاميذ شيخ من الشيوخ إلا واشتهر علمه وانتشرت شهرته، وأسد بن الفرات لم يكن له من التلاميذ ما لسحنون، لاشتغاله بالقضاء أولاً ثم بالجهاد أخيراً، وقد انتشرت "مدونة سحنون" بمصر والقيروان والأندلس والعراق بوساطة تلامذته، وقد تجاوز عددهم المئات. ويلخص فضيلة الشيخ محمَّد بن عاشور الأسباب التي أدت إلى رفض المالكية للأسدية في سببين: الأول: هو أنه لما بنى إدراج مذهب على مذهب آخر، فقد وقع فيه من الاختلاط في الأقوال، والاختلال في عزوها أمور جاءت قادحة فيما يطلب في كتب الأحكام من الصحة المطلقة. الأمر الثاني: هو أن فقهاء المالكية اعتادوا بناء الفقه على الأحاديث، والآثار، كما هي طريقة مالك في "الموطأ"، وقد سلك أسد في كتابه طريقة فقه خالص، مبني على صريح الاجتهاد (¬1). ولذلك عزف الناس عن كتابه. فلما هذب سحنون "المدونة" وأرجعها إلى المنهج المألوف عند المالكية، وذلك لاحتجاجه لمسائلها بالأحاديث والآثار اهتم الناس بها وتركوا غيرها. ¬
المبحث الثاني: خدمة المدونة قبل القاضي عياض
المبحث الثاني: خدمة المدونة قبل القاضي عياض الذين تناولوا "المدونة" بالشرح والتعليق والاختصار قبل القاضي عياض يعدون بالعشرات. أولاً: الشراح: 1 - أبو القاسم اللبيدي: المتوفى 400 هـ، وشرحه في مائتي جزء كبار في مسائل "المدونة" وبسطها والتفريع عليها وزيادات الأمهات ونوادر الزيادات (¬1). 2 - أبو حفص عمر بن عبد النور، ابن الحكار: وشرحه في نحو ثلاثمائة جزء (¬2). 3 - خلف بن بهلول البريلي: المتوفى 444 هـ، جمع فيه أقوال أصحاب مالك، وهو كثير الفائدة، وكان أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه (شيخ القاضي عياض) يقول: من أراد أن يكون فقيهاً من ليلته فعليه بكتاب البريلي (¬3). ¬
ثانيا: الشروح الجزئية
4 - محمَّد بن يحيى بن لبابة: المتوفى 330 هـ في كتابه "المنتخبة"، وهي على مقاصد الشرح لمسائل "المدونة"، قال فيه ابن حزم: ما رأيت لمالكي أنبل منه في جمع روايات المذهب وتأليفها وشرح مستغلقها وتفريع وجوهها (¬1). ويمكن أن يدرج في الشروح بعض المؤلفات التي قد تبدو مستقلة مثل: جامع ابن يونس وتبصرة اللخمي ومقدمات ابن رشد. ويذكر هنا أيضاً مشروعان لشرح "المدونة" لم يتما، أولهما: للقاضي عبد الوهاب البغدادي (¬2)، وثانيهما: للقاضي أبي الوليد الباجي (¬3). ثانياً: الشروح الجزئية: من المؤلفين من عالج مسائل "المدونة" جزئياً، واكتفى بتحليل وبيان جوانب الغموض فيها، وفي هذا تدخل المؤلفات المسماة بالتعاليق والنكت، ومنها: 1 - تعاليق أبي إسحاق التونسي إبراهيم بن حسن بن إسحاق، وهي مستعملة متنافس فيها (¬4). 2 - تعليق، تتمة لتعاليق أبي إسحاق التونسي لكل من عبد الحميد الصائغ (¬5) وأبي عبد الله بن سعدون (¬6). 3 - تعليق أبي القاسم بن محرز المسمى: "التبصرة" (¬7). ¬
ثالثا: المختصرون
4 - ويذكر هنا تعليق أبي الطيب عبد المنعم بن إبراهيم ابن بنت خلدون (¬1)، وتعليق عثمان بن مالك (¬2)، ونكت عبد الحق الصقلي (¬3)، وأبي القاسم السيوري (¬4) وغيرهم. ثالثاً: المختصرون: من المالكية من اختصر كتاب "المدونة" تقريباً للفظها، وهؤلاء كثيرون لا حاجة للتمثيل لهم، إذ الاختصار لا يدخل في مجال كتاب القاضي عياض، على أنه تنبغي الإشارة إلى بعض المختصرات التي هي في الوقت ذاته نوع من الشروح لما يضيفه أصحابها من نصوص خارج "المدونة" أو يؤولونها حسب أفهامهم واختياراتهم، أو يتصرفون في بناء "المدونة" وصناعتها التأليفية، وأهم هذه النماذج اثنان: 1 - مختصر ابن أبي زيد القيرواني، ولنتأمل فقط في هذه التراجم التي عقدها: - مختصر الجراح والديات والعقول والقسامة من المختلطة ومن المجموعة ومن غيرهما من قول ابن القاسم وروايته، غير مميز ما فيه من المختلطة، وفيه قول غيره وروايته، كل ذلك من غير المختلطة (¬5). - اختصار كتب الحج من المختلطة مما دخل من بعضها في بعض وبما دخل من غيرها فيها (¬6). - مختصر الفرائض من غير "المدونة" من قول مالك في "الموطأ" وغيره. (¬7) ¬
رابعا: ضبط الألفاظ وشرح المصطلحات
وقال في آخر كتاب "الشفعة": "وقد نقلت مسائل يسيرة من كتاب "الشفعة" إلى "البيوع" وإلى "الاستحقاق" وإلى "الحوالة" و"الأحباس" و"الأقضية" و"الشهادات"." (¬1). ولعل هذا ما جعل الناس يميلون إلى مختصر البراذعي - وهو تلميذ ابن أبي زيد - لخلوه من الزيادات (¬2)، ولعله أيضاً ما حمل أبا عبد الله بن الطلاع أن يخرج زوائده (¬3) ويؤلفه على الولاء (¬4). 2 - أبو عبد الله بن أبي زمنين في كتابه المقرَّب "في اختصار "المدونة وشرح مشكلها والتفقه في نكت منها، ليس في مختصراتها مثله باتفاق" (¬5). وأعاد ترتيبه على الولاء كذلك أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر اللواتي شيخ القاضي عياض (¬6). رابعاً: ضبط الألفاظ وشرح المصطلحات: وأخيراً فإن من اهتمام المالكية التأليف خاصة في ضبط وتحليل ألفاظ "المدونة" وشرح غريبها ومصطلحاتها، ومن ذلك: 1 - تفسير "غريب المدونة" لمنذر بن سعيد البلوطي القاضي الظاهري، نقل عنه المؤلف في "التنبيهات"، وأبو الحسن الصغير في التقييد، والرهوني في حاشيته (¬7) ... ¬
2 - جزء في ضبط ألفاظ "المدونة" لعبد الحق الصقلي (¬1). بل في المالكية أيضاً من عمل على إعادة ترتيب مادة "المدونة" وتخليصها من الاختلاط الذي يشوبها وما زال، بالرغم من جهود سحنون في تهذيبها وترتيبها، ولذلك تسمى أيضاً: بـ "المختلطة" (¬2) ... وبالرغم من هذه الجهود المتضافرة التي أنجز معظمها في القرنين الرابع والخامس الهجريين، فإن الإشكال لم يحل، وإن واقع المتفقهة والشيوخ مع "المدونة" ظل بحاجة إلى إعادة تصحيح، ومن يقرأ مقدمة القاضي عياض للتنبيهات يتأكد من هذا، وما ذلك إلا لأن الأمر لم يؤت من بابه ولم يوكل لأربابه. أما أنه لم يؤت من بابه، فلأن الكتاب بحاجة إلى معالجة بمنهجية غير منهجية الشراح والمحشين والمعلقين الذين حاولوا أن يشرحوا روايات "المدونة" بروايات الأمهات الأخرى، ويحللوا ألفاظها تحليلاً لغوياً، ويستنبطوا منها من منطوقاتها ومفهوماتها وكأنها ألفاظ الشارع ... وأما أن المهمة لم يقم بها أهلها، فلأن "المدونة" روايات وسماعات، وآراء واجتهادات، ولغات ومصطلحات، وهي أم مذهب له أصوله وقواعده، بعضها في "المدونة" وبعضها خارج "المدونة". ولتمثيل وتحليل وتركيب هذه المنظومة يحتاج إلى عالم موسوعي؛ فقيه ومحدث ولغوي ومقاصدي، ومن يوازن بين موسوعية عياض وتكوين أغلب الفقهاء المؤلفين قبله يجده مؤهلاً لهذا. وقد عبر أحد العلماء عن هذه الحقيقة موازناً بين المنهجين القروي الأندلسي في تناول "المدونة" وبين منهج مالكية العراق المتأثرين بمناهج المذاهب الفقهية السائدة هناك، فقال: ¬
"وقد كان للقدماء رضي الله عنهم في تدريس "المدونة" اصطلاحان: اصطلاح عراقي واصطلاح قروي؛ فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل "المدونة" كالأساس، وبنوا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ، ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين. وأما الاصطلاح القروي فهو البحث عن ألفاظ الكتاب وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات وبيان وجوه الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب واختلاف المقالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار وترتيب أساليب الأخبار وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع، وافق عوامل الإعراب أو خالفها ... ويحقق ما قلناه تصرف التونسي في تعاليقه اللطيفة المنزع، واللخمي في تبصرته البارعة الختام والمطلع، إلى غير ذلك من تآليف القرويين وتعاليق المحققين من شيوخ الإفريقيين. وقد سلك القاضي عياض في تنبيهاته مسلكاً جمع فيه بين الطريقتين والمذهبين، وذلك لقوة عارضته" (¬1). ونص القاضي أبو بكر بن العربي على تباين المنهجين في قوله: "قرأنا "المدونة" بالطريقتين القيروانية في التنظير والتمثيل، والعراقية على ما تقدم من معرفة الدليل" (¬2). خدمة المدونة بسبتة: هذا الفرش يقصد إلى بيان حضور الدرس الفقهي بوساطة "المدونة" ببلد القاضي عياض سبتة قبيل زمنه وأثناءه حسب ما توفره المصادر، وهو ¬
كاف في تقريب الصورة ودلالتها على تبوئ "المدونة" عالي المراتب وصدور المجالس العلمية؛ فمن الفقهاء الذين درسوها بموطن القاضي عياض: 1 - مروان بن عبد الملك اللواتي المتوفى 491 هـ، وسمع منه خالا عياض المتقدم ذكرهما (¬1). 2 - محمَّد بن خلف بن العاصي (¬2). 3 - القاضي أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الأموي السبتي: المتوفى 520 هـ، شيخ القاضي عياض؛ قال عنه ابن حمادة في مختصره "للمدارك": شاهدته في المناظرة في "المدونة" يلقي الكتاب تحت كتبه (¬3)، ويلقي من صدره (¬4). 4 - عبد الله بن إبراهيم بن جماح: قال عنه ابن حمادة: آخر ندرات سبتة، بل ندرات المغرب، استخلفه أبو الوليد الباجي على إلقاء "المدونة" في مجلسه عند سفرة سافرها، فتعجب أهل دانية من حفظه (¬5). 5 - أبو القاسم عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الرحمن بن العجوز، قال عنه ابن حمادة: حضرت مجلسه في تدريس "المدونة" وغيرها فما رأيت أحسن منه احتجاجاً ولا أبين منه توجيهاً (¬6). ويمكن الحديث في سبتة عن جيل من طلبة "المدونة" ممن أخذوا وتأثروا بمنهج أبي عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي أحد أكبر شيخي القاضي عياض في رواية "المدونة" منهم: 6 - ابنه عبد الله بن محمَّد بن عيسى: قال عنه ابن حمادة: حضرت ¬
مجلسه فما رأيت مثله في تتبع ألفاظ "المدونة" واستخراج الخلاف من آثارها وفهم معانيها وإيقاع الخلاف موقعه (¬1). 7 - أبو بكر بن حجاج بن صالح: قال عنه ابن حمادة: حضرت مجلسه في تدريس البراذعي عرضاً، فما رأيت أقوم منه عليه ولا أكثر استخراجاً للخلاف من ألفاظ "المدونة". 8 - أبو علي بن سهل الخشني: من أصحاب ابن عيسى، قال عنه ابن حمادة: درس "المدونة"، وكان مجلسه من أحسن المجالس وأوعبها لخلاف المذهب وجمع ما وقع في "المدونة" من أقوال ابن القاسم وغيره، وتكلم عليها فيما اتفقا واختلفا بكلام دقيق حسن المعنى (¬2). 9 - أبو عبد الله محمَّد بن قاسم - من أصحاب ابن عيسى -: قال عنه ابن حمادة: درس "المدونة"، وكان ذهب في تدريسها مذهب شيخه أبي عبد الله بن عيسى في إلقاء النظائر للمسائل من كل كتاب من "المدونة" (¬3). والقاضي عياض أحد من لازم أبا عبد الله بن عيسى كثيراً للمناظرة في "المدونة" (¬4)، قال: ناظرت في جميعها عليه مناظرات عدة، وقرأت عليه الكثير منها رواية وضبطاً (¬5). 10 - كما أنه ناظر فيها مدة طويلة على شيخه القاضي أبي عبد الله محمَّد بن عبد الله الأموي (¬6). ¬
11 - وناظر فيها أيضاً على شيخه القاضي أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد البصري (¬1). 12 - وناظر فيها على شيخه القاضي أبى محمَّد عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن منصور اللخمي (¬2). ¬
المبحث الثالث: روايات المدونة وأسانيدها
المبحث الثالث: روايات المدونة وأسانيدها يصعب التكهن بأعداد طلبة العلم الدارسين "للمدونة" الراوين لها عن سحنون، ويتحدث المؤرخون عن أفواج الطلبة القاصدين أو العابرين يبتغون رواية الكتاب، كما يذكرون في تراجم بعض الطلبة أنه حضر عرضتي "المدونة" أو عرضاتها (¬1)، ومن أهل الأندلس بالذات نجد مجموعات وأسماء معروفة؛ يذكر عيسى بن مسكين: أن قوماً من الأندلسيين قد كتبوا "المدونة" وأرادوا أن يسمعوها من سحنون (¬2) ... ويذكر إبراهيم بن محمَّد بن باز أحد أشهر رواة "المدونة" عن سحنون بعد أن حكى واقعة بينه وبين سحنون أغضبت الشيخ فقال: يا أهل الأندلس، ما تبالون عمن تأخذون دينكم! قم، والله لا قرأت لكم حرفاً! فقمنا، فلما كان بعد أيام لم نشعر إلا وسحنون واقف على بيتي عليه فرو وبيده عصا، فقال: السلام عليكم، أي شيء تكتب؟ فرددت عليه السلام وقلت له: أكتب كتاباً من "المدونة". فقال لي: يا أهل الأندلس، أنا أحبكم لأنكم قوم سنة وخير، ثم مضى. فجئنا يوماً ثانياً وكنت أنا القارئ عليه (¬3) ... ¬
وهذه هي روايات الكتاب الواردة في المصادر والفهارس والأسانيد المختلفة: فروايات القرويين رواية يحيى بن عمر (¬1)، وأحمد بن داود (¬2)، وجبلة بن حمود الصدفي (¬3)، وسعيد بن إسحاق الكلبي (¬4)، وإبراهيم بن داود بن رقيق (¬5)، وعيسى بن مسكين (¬6). وروايات الأندلسيين: رواية ابن وضاح (¬7)، وإبراهيم بن باز (¬8)، وإبراهيم بن هلال (¬9)، والعتبي (¬10)، وعثمان بن أيوب (¬11)، وحمدون بن عيسى (¬12)، وأحمد بن سليم القروي (¬13)، ومحمد بن مروان بن خطاب وابنيه خطاب وعميرة (¬14)، وهم آل ابن أبي جمرة (¬15). ¬
أولا: الروايات الأندلسية
وفي كتاب "التنبيهات" نقول عن روايات لأصحاب سحنون يغلب على الظن أنهم رووا "المدونة" أيضاً. ويرد في المصادر أيضاً أسانيد "للمدونة" لا تنتهي إلى الرواة عن سحنون (¬1). أما أسانيد المؤلف في "المدونة"، فكما قال في مقدمة "التنبيهات": "هي من طريق النقل والرواية كثيرة"، وهذا هو الظن بمن نصب نفسه لمعاناة قضايا الكتاب. ومر بنا قبل هذا أربعة من شيوخه في "المدونة" بسبتة، ولا نجد لثلاثة منهم ذكرا في الأسانيد الواردة في "التنبيهات" ولا في "الغنية". ومراعاة للتنويع، والاستقصاء كذلك، نذكر رواياته الأندلسية والقروية. أولاً: الروايات الأندلسية: 1 - رواية ابن وضاح: أ - قال المؤلف: " ... قرأت بلفظي، وسمعت بقراءة غيري، جميع الكتب "المدونة والمختلطة" بمدينة قرطبة - حرسها الله - على الشيخ الفقيه أبي محمَّد عبد الرحمن بن محمَّد بن عتاب رحمه الله سنة سبع وخمسمائة، وعارضت كتابي بأصل أبيه العتيق. وحدثني بجميع ذلك عن أبيه عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أحمد التجيبي عن أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن خالد عن محمَّد بن وضاح وإبراهيم بن محمَّد بن باز وإبراهيم بن قاسم بن هلال، عن سحنون بن سعيد التنوخي". ب - قال المؤلف: "قال القاضي أبو عبد الله بن عيسى: ونا بها أيضاً الفقيه أبو عبد الله محمَّد بن فرج - مولى ابن الطلاع - قال: نا أبو علي الحسن بن أيوب الحداد عن محمَّد بن عبيدون عن محمَّد بن وضاح عن ¬
ثانيا: الروايات القروية
أبي سعيد - سحنون بن سعيد - التنوخي عن أبي عبد الله - عبد الرحمن بن القاسم - العتقي". 2 - رواية ابن باز: يرويها المؤلف بالسند الأول ذاته الذي رواها به عن ابن وضاح (¬1). 3 - رواية ابن هلال كذلك يرويها بالسند نفسه (¬2). ثانياً: الروايات القروية: 1 - رواية أحمد بن داود: قال المؤلف: "وقرأت الكثير منها، على جهة التقييد والسماع أيضاً، بسبتة - حرسها الله - على الفقيه القاضي أبي عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي رحمه الله في سنة سبع وتسعين وبعدها، وناظرت عليه فيها غير مرة قبل التاريخ وبعده، وقرأ علينا أكثرها بلفظه، وأجازني بجملتها وحدثني بها عن القاضي أبي عبد الله محمَّد بن خلف بن المرابط عن أبي الوليد محمَّد بن عبد الله بن ميقل عن أبي محمَّد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن أبي الحسن علي بن مسرور عن أحمد بن داود عن سحنون" (¬3). هكذا أورد المؤلف هذا السند في "التنبيهات"، غير أنه استثنى في "الغنية" فقال: "إلا كتابي الوصايا وجنايات العبيد، فإن ابن مسرور إنما يرويهما عن سعيد بن إسحاق عن سحنون" (¬4). 2 - رواية يحيى بن عمر: يرويها المؤلف بالسند السابق إلى الأصيلي، قال: "نا بها أيضاً أبو العباس عبد الله بن أحمد الإبياني عن يحيى بن عمر وأحمد بن داود عن سحنون" (¬5). ¬
ولأن دراسة هذه الأسانيد هنا قد يكون تكراراً لما سيأتي في النص المحقق، فأرى اقتضاب شهادات تقدر روايات هؤلاء الأعلام وضبطهم لكتبهم. وناهيك بابن وضاح المحدِّث الناقد الذي عليه معول أهل الأندلس في الحديث، وعليه عول المؤلف أيضاً فيما طرح سحنون وأثبت في "المدونة". ومما يدلّ على أهمية نسخته ما ذكر ابن الفرضي في ترجمة وهب بن مسرة أنه: "استقدم إلى قرطبة وأخرجت إليه أصول ابن وضاح التي سمع فيها (¬1)، وقرئ عليه "المدونة" ... " (¬2). وقد عورضت نسخة ابن عتاب - شيخ القاضي عياض - على هذا الأصل كما صرح به المؤلف في "التنبيهات". أما إبراهيم بن باز فيشهد له تلميذه أحمد بن خالد بقوله: "كان من أهل التحفظ بكتبه والضبط والتحري فيها، يرُد الواو فيها والألف، ولولاه ما صحت لنا كتب الرأي، ولم يضبط أحد الرأي ضبطه، وكان ابن وضاح أضبط للحديث، وأبو إسحاق (يعني: ابن باز) للرأي، وليست تصح رواية يحيى بن يحيى في "الموطأ" إلا من رواية إبراهيم بن محمَّد، فإنه تحرى كتاب يحيى بن يحيى حرفاً حرفاً ... وكان من أحفظ الناس "للمدونة" وأضبطهم لها" (¬3). وإذا اجتمعت روايات ابن وضاح وابن باز وابن هلال لتلميذهم أحمد بن خالد بن الجباب المحدِّث الفقيه الضابط المتقن (¬4)، تيقنا مدى الثقة بهذه الروايات وسلامتها. ¬
أما أحمد بن أبي سليمان القروي فقد صحب سحنون عشرين سنة، وكان يصبر على السماع، أسمع الناس عشرين سنة، وكان يقول: أنا حبس، وكتبي حبس (¬1)، وإن كان ابن حارث قد طعن فيه (¬2). وأما يحيى بن عمر فقال عنه ابن حارث: "رحل إليه الناس ولا يروون "المدونة" و"الموطأ" إلا عنه، وكان ضابطاً لما روى، عالماً بكتبه، متفنناً شديد التصحيح لها" (¬3). والملاحظ أن المؤلف - وهو يسرد أسانيده - قدم روايات الأندلسيين على روايات الإفريقيين، وقدم رواية شيخه الأندلسي ابن عتاب - وإنما سمعها منه سنة 507 هـ - على رواية شيخه وبلديه ابن عيسى - وكان قد سمعها وناظر بها قبل سنة 497 هـ وفي أثنائها وفيما بعدها. وأغلب رجال هذه الأسانيد بما فيها أسانيد الروايات القروية أندلسيون أيضاً. هذه بعض أسانيد القاضي عياض المعروفة، ويمكن لقارئ "التنبيهات" أن يتأكد من روايته وأخذه لها عن شيوخ آخرين، ويتأكد أكثر من ذلك من اطلاع المؤلف على نسخ كثيرة لم يشد المؤلف رحاله إلى الأندلس منتصف جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة (¬4) إلا لاستكمال الرواية ومزيد من المقابلة والتصحيح والإسناد، وإلا فقد روى وناظر وتفقه في "المدونة" على يد شيوخه السبتيين كما سبق. وكأن هذه الرحلة والرغبة من القاضي عياض قضية أهل المغرب ودولته، حتى إن أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين كتب إلى قاضيه بقرطبة أبي عبد الله بن حمدين: بأن أبا الفضل "ممن له حظ في العلم حظ نبيه ووجه ووجيه، وعنده دواوين أغفال لم يفتح لها ¬
على الشيوخ أقفال، وقصد تلكم الحضرة ليقيم أود متونها ... " (¬1). أسانيد القاضي عياض إلى المدونة: اعتنى عياض رحمه الله بذكر أسانيده إلى جميع العلوم التي يبثها، ويقوم بنشرها، وتدريسها لطلبته، وعيا منه بأن الإسناد ركن من أركان الدين. فذكر أسانيده إلى كل العلوم التي أخذها عن شيوخه في كتابه "الغنية". ولم يقتصر ذكره لهذه الكتب على سند واحد بل روى كل كتاب من هذه الكتب بأسانيد كثيرة، وما "المدونة" إلا جزء يسير من العلوم التي أخذها بهذه الطريقة. ولما أراد أن يؤلف كتابه "التنبيهات" على "المدونة" قام أولاً بعرض الأسانيد التي أخذ بها "المدونة" فقال في مقدمة الكتاب: ذكر أسانيدنا في هذا الكتاب التي حملناها بها، وأداها لنا شيوخنا إلى مؤلفها، رحم الله جميعهم، وهي من طريق النقل والرواية كثيرة، واقتصرت منها هنا على ما أذكره، فقرأت بلفظي وسمعت بقراءة غيري، جميع كتب "المدونة والمختلطة" بمدينة قرطبة حرسها الله على الشيخ الفقيه أبي محمَّد عبد الرحمن بن محمَّد بن عتاب رحمه الله سنة سبع وخمسمائة، وعارضت كتابي بأصل أبيه العتيق، وحدثني بجميع ذلك عن أبي بكر عبد الرحمن (¬2) بن أحمد التجيبي عن أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم عن ¬
أحمد بن خالد عن محمَّد بن وضاح وإبراهيم بن محمَّد بن أبان وإبراهيم بن القاسم بن هلال عن سحنون بن سعيد التنوخي. قال أبو عبد الله بن عتاب: وحدثني به أيضاً أبو القاسم خلف بن يحيى الفهري عن أبي المطرف عبد الرحمن بن عيسى بن مدراج عن أحمد بن خالد. قال خلف بن يحيى: وحدثنا بها أيضاً أبو محمَّد بن أبي العطاف، عبد الله بن يوسف، عن ابن وضاح عن سحنون. قال المؤلف رحمه الله: وقرأت الكثير منها على جهة التقييد والسماع أيضاً بسبتة حرسها الله على الفقيه القاضي أبي عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي رحمه الله في سنة سبع وتسعين وبعدها، وناظرت عليه فيها غير مرة قبل التاريخ وبعده، وقرأ علينا أكثرها بلفظه، وأجازني بجملتها، وحدثني بها عن القاضي أبي عبد الله محمَّد بن خلف بن المرابط عن أبي الوليد محمَّد بن عبد الله بن ميقل عن أبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن أبي الحسن علي بن مسرور عن أحمد بن داود عن سحنون. قال الأصيلي: وحدثنا بها أيضاً أبو العباس عبد الله بن أحمد الإبياني عن يحيى بن عمر وأحمد بن داود عن سحنون. قال القاضي أبو عبد الله محمَّد بن عيسى: وحدثنا أيضاً بها الفقيه أبو عبد الله محمَّد بن فرج مولى ابن الطلاع قال: حدثنا أبو علي الحسين بن أيوب الحداد عن محمَّد بن عبيدون عن محمَّد بن وضاح عن أبي سعيد سحنون بن سعيد التنوخي عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي. من خلال هذه المقدمة يمكن استخلاص الأسانيد الآتية: أ - أسانيده عن ابن وضاح (¬1): ¬
السند الأول: أبو محمَّد عبد الرحمن بن عتاب (¬1) عن أبيه (¬2) عن أبي بكر بن عبد الرحمن (¬3) التجيبي (¬4) عن أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم (¬5) عن أحمد بن خالد (¬6) عن ابن وضاح عن سحنون. وبهذا السند كذلك أخذ ¬
عن أحمد بن خالد روايتي إبراهيم بن محمَّد بن باز وإبراهيم بن قاسم بن هلال (¬1) عن سحنون (¬2). السند الثاني: أبو عبد الرحمن بن عتاب عن أبيه عن أبي القاسم خلف بن يحيى الفهري الطليطلي عن أبي المطرف عبد الرحمن بن عيسى بن مدراج (¬3) عن أحمد بن خالد عن ابن وضاح (¬4) عن سحنون. السند الثالث: أبو عبد الرحمن بن عتاب عن أبيه عن أبي القاسم خلف بن يحيى الفهري (¬5) عن أبي محمَّد بن أبي العطاف عبد الله بن يوسف (¬6) عن ابن وضاح عن سحنون. وهذه أسانيده إلى ابن وضاح أخذها بقرطبة، وله سند رابع إلى ابن وضاح أخذه بسبتة وهو الرابع. السند الرابع: أبو عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي (¬7) عن محمَّد بن ¬
الفرج مولى ابن الطلاع (¬1) عن أبي علي الحسن بن أيوب الحداد (¬2) عن محمَّد بن عبيدون (¬3) عن ابن وضاح عن سحنون (¬4). ب - سنده إلى رواية أحمد بن داود (¬5): أبو عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي عن محمَّد بن خلف بن المرابط عن أبي الوليد محمَّد بن عبد الله بن ميقل (¬6) عن أبي محمَّد عبد الله بن ¬
إبراهيم الأصيلي (¬1) عن أبي الحسن علي بن مسرور الدباغ (¬2) عن أحمد بن داود عن سحنون (¬3) أشار عياض إلى بعض كتب "المدونة" التي لم يأخذها بهذا السند فقال: وحدثنا بها أيضاً رحمه الله - وهو يقصد محمَّد بن عيسى التميمي - عن القاضي أبي عبد الله بن المرابط عن الفقيه أبي الوليد بن ميقل، عن أبي محمَّد الأصيلي، عن أبي الحسن بن مسرور عن أحمد بن داود عن سحنون، إلا كتابي "الوصايا" و"جنايات العبيد"، فإن ابن مسرور إنما يرويهما عن سعيد بن إسحاق (¬4) عن سحنون (¬5). ج - سنده إلى رواية يحيى بن عمر (¬6): ¬
أبو عبد الله محمَّد بن عيسى التميمي عن ابن المرابط (¬1) عن ابن ميقل عن الأصيلي أبي العباس عبد الله بن أحمد الإبياني عن يحيى بن عمر (¬2) عن سحنون. ¬
المبحث الرابع: اختلاف نسخ المدونة (محاولة للتأريخ لنص المدونة)
المبحث الرابع: اختلاف نسخ المدونة (محاولة للتأريخ لنص المدونة) مما يساعد على فهم مشكلات نص "المدونة" المتسم باختلاف الإلمام بالسياق التاريخي لهذا الكتاب، ثم ما نتج وتراكم من مشاكل بفعل هذا السياق. أولاً: السياق التاريخي للمدونة: الجدير بالذكر أن هذا الكتاب المهيمن على المذهب المالكي دوّن وصيغ على المنهج العراقي الحنفي لما قدم أسد بن الفرات القيرواني - تلميذ مالك ومحمدِ بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة - بالفقه الحنفي، وطلب من ابن القاسم أن يجيبه عن فروعه إجابات مالكية، فأجابه إجابات من حفظه ومن اجتهاده (¬1)، ثم دفع إليه سماعه من مالك وقال له: ربما أجبتك وأنا على شغل، ولكن انظر في هذا الكتاب، فما خالفه مما أجبتك فيه فأسقطه (¬2). وهكذا ألف أسد كتابه "الأسدية" في ستين كتاباً (¬3). ¬
فهكذا يمكن أن تبدأ بنية الكتاب في الاختلاف على يد أسد نفسه لوصاة ابن القاسم إياه بعد أن ناوله سماعه الحاوي لكل علمه عن مالك - وهو بشهادة أبي زرعة ثلاثمائة جلد - (¬1) وفيه عشرين كتاباً (¬2). ثم نذكر روايات أخرى أو نسخاً أخرى من "الأسدية" ليس في القيروان، لكنها امتدت إلى الأندلس وانتشرت في مصر؛ إذ ثبت أن أسد بن الفرات أجازها لأهل مصر، وأن مدار أهل مصر عليها (¬3)، وأن الفقيه المصري أبا زيد بن أبي الغمر "هو راوية "الأسدية" والذي صححها على ابن القاسم بعد ابن الفرات" (¬4)، وله ولفقيهين مصريين آخرين اختصار للكتاب، وهما: محمَّد بن عبد الحكم (¬5) والبرقي (¬6). بل إن القاضي عياضاً نقل عن مختصر ابن أبي الغمر في "التنبيهات" ووصفه في "المدارك" بأنه كتاب موعب حسن لطيف (¬7). أما الرواية الأندلسية للأسدية فكانت على يد عيسى بن دينار، وقد حضر لتدوين أسد إياها على ابن القاسم (¬8). وما كانت روايته ونسخته لتبقى على أصلها أيضاً، فإنه بعد أن بلغه تراجع ابن القاسم عن بعضها كتب إليه سائلاً أن يبين له ما رجع عنه، فأجابه: "قد قرأت كتابك وفهمته، فاعرض ما كتبت عني على عقلك وعلمك، فما رأيت منه صواباً فأمضه، وما أنكرته فدعه" (¬9). وكان من رواتها الأندلسيين المتأخرين: سبرة بن مذكر التميمي الألبيري: المتوفى 314 هـ، سمع من أبي إسحاق البرقي، وقُرئت عليه كتب ¬
أسد بن الفرات؛ قال ابن الفرضي: ورأيت بعض الكتب المقروءة عليه في تاريخ 295 هـ (¬1). وممن رواها أيضاً محمَّد بن أحمد بن أبي الأصبغ الحراني: المعروف بابن أبي الأصبغ المتوفى 339 هـ، رواها عن أبي الزنباع روح بن الفرج (¬2). غير أن التغيير الكبير سيأتي على يد سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني تلميذ أسد بن الفرات الذي لاحظ مع غيره من فقهاء بلده بعض الخلل العلمي والمنهجي في الكتاب، فعزم على إعادة تصحيحه، وكان قد هم أن يرحل بها إلى ابن الماجشون (¬3). قال سحنون: كنت أختلف إلى أسد، فسألته عن بعض تلك الكتب فأبى علي، واحتلت على كَتْبها عن بعض من كتبها عنه، ثم قلت له: إن هذا لعجز أن يكون ابن القاسم بمصر وأحتاج إلى أسد! فرحلت إليه بتلك الكتب، ووقفته عليها وقلت له: إنها قد أخذت الدنيا وكتبت عنك وسارت في الأمصار، فالواجب عليك تصفحها. فأخذ الكتب مني ونظر إليها وتصفحها، وضرب على كثير منها، وأبدل كثيراً، فلما تمت لي انصرفت إلى إفريقية وكتب معي إلى أسد يأمره أن يرد روايته إلى روايتي. وأتيت إلى إفريقية والناس عند أسد، فأوصلت إليه كتاب ابن القاسم، فأبى من الرجوع عن روايته، ولم يزل الرجل والرجلان والثلاثة من أهل الطلب للعلم يأتونني ويكتبون عني حتى عرفوا فضلها على كتب أسد، ومالوا إلي وتركوا أسد بن الفرات (¬4). ولنلاحظ الفرق بين جواب ابن القاسم لعيسى بن دينار الذي كاتبه، فأجابه ووكله لاجتهاده، وبين رده على سحنون، ويبدو أن مكمن الفرق هو في تحمل سحنون متاعب الرحلة وشرح القضية وآثارها على مستقبل ¬
ثانيا: المشكلات المنعكسة عن هذا السياق
الفقه المالكي بعد أن ذاع صيت الكتاب، وأيضاً لأن سحنون ليس وقته طالباً عادياً، قال ابن حارث: رحل سحنون إلى ابن القاسم، وقد تفقه في علم مالك فكاشف ابن القاسم عن هذه الكتب مكاشفة فقيه يفهم (¬1). ويكفي أن نقرأ مباحثاته ومناقشاته مع ابن القاسم في "المدونة". فهل كان ابن القاسم فيما أعاد فيه النظر معتمداً على ما يرويه من سماعه من مالك؟ أم كان يجتهد من عنده؟ فإن كان يرجع إلى سماعه فقد كان لدى أسد نسخة من السماع، وقد أمره ابن القاسم بالرجوع إليه، وإن كان عن اجتهاد فإنه أجاز لعيسى بن دينار أن يعتمد اجتهاده وعقله في التمييز بين ما يوافق المذهب وما يخالفه. هذا مع العلم أن هذه الفروع تتغير أحكامها من حين لآخر، وأن ابن القاسم نفسه أُثرت عنه روايات مختلفة كثيرة في الفرع الواحد (¬2). ثانياً: المشكلات المنعكسة عن هذا السياق: هكذا قام سحنون بدور حاسم في حل بعض غوامض كتاب "الأسدية" وأخرجه في حلة جديدة وفي اسم جديد هو كتاب "المدونة"، غير أن مشاكل الرواية التي نحن بصددها لم تحل، بل زادت وتعقدت! فعلى يد سحنون أعيد انتشار الكتاب في أوسع نطاق جغرافي، وتتالت رواياته واختلفت كما رأينا من قبل. فمن الطلبة من روى الكتاب ونشره في الناس قبل أن يدخل عليه سحنون من عنده ما أدخله، مثل: محمَّد بن خالد بن ¬
مرتنيل القرطبي (¬1)، وأكثرهم رواه عنه بعد أن بدأ ينظر فيه نظراً آخر بالتهذيب والتبويب، وإضافة خلاف العلماء وآراء أصحاب مالك، وتذييل أبوابه بالأحاديث والآثار (¬2). غير أنه لم يتم مراجعة "المدونة" على هذا النهج كما قال القاضي عياض، بل "بقيت منها بقية لم ينظر فيها ذلك النظر إلى أن توفي، فبقيت على أصلها من تأليف أسد، فسميت: بالمختلطة لاختلاط مسائلها، وليفرق ما بينها وبين ما دون منها، وهي كتب معلومة" (¬3). إذا كانت هذه المشاكل تعود إلى ظروف تأليف الكتاب قبل تدوينه من قبل سحنون، فإن الراوي والقارئ له بعد هذا يصطدم بعقبات أخرى غامضة بحاجة إلى بيان. أولاها: تدخل الإمام سحنون في نص "المدونة" وتصرفه فيه بأنواع من التصرف - مخالفاً قوانين الرواية وضوابطها في الاحتفاظ بأصل المروي - حتى يكاد يقال - بل قد قيل -: إن سحنون أحد مؤلفي الكتاب! وذلك بارز في هيكلة الكتاب وفي إعادة ترتيب مادته، وإضافة كثير من الأحاديث والآثار والآراء، وإسقاط مسائل وحروف، والإحالة على مواضيع أخرى من الكتاب. ثم هو مستمر في هذا الإصلاح كلما بدا له ذلك. وهذا ما يفهم من بعض الإشارات مثل ما ورد في ترجمة أحمد بن سليم القروي نزيل بجانة المتوفى 290 هـ: أنه قرأ على سحنون العرضتين جميعاً (¬4)، وقول المؤلف في "التنبيهات": ذكروا أن سحنون كان يقرأها أحياناً، وأحياناً يتركها. وقوله أيضاً عن ابن وضاح: قرأه لنا سحنون في بعض العرضات، وطرحه في أخرى. ¬
ولنر الآن بعض الأمثلة من تصرفات سحنون في الكتاب كما في "التنبيهات"، وهي كثيرة: - "وقول ابن نافع عن مالك: لا أرى بأساً أن يبارئ الخليفة عن الصغيرة إلى آخر المسألة، أنكرها سحنون، وأسقطها عند السماع، وهي ثابتة في روايتنا وكتب الأندلسيين ... ". - "ومسألة من أسلفني دراهم فاشتريت بها منه مكاني حنطة أو ثياباً ... وفي الأصل: أو إلى أجل. وهذا الحرف موقوف في كتاب "ابن عتاب". وقال أبو محمَّد: يريد: إلى أجل؛ كآجال السلم. وقال سحنون: هو حرف سوء، وأمر بطرحه! قال ابن وضاح: هو لأشهب. قال بعض شيوخنا: ومن قول أشهب أدخله سحنون، وهو يجيز ذلك، وليس لمالك. قال فضل (ابن سلمة): قرأه لنا يحيى (ابن عمر)، وما أرى سحنون طرحه إلا لأنه يرد عليه سلفه". - " ... قال سحنون: هذا غلط من قول ابن القاسم". - " ... قال ابن وضاح: هي لمالك، وطرح سحنون منها اسم مالك". - " ... قال سحنون: ليست هذه الرواية صحيحة عندنا". ولم يقف هذا التدخل في نصوص "المدونة" عند راويها ومصححها الإمام سحنون، بل تعداه إلى غيره، لا سيما من الرواة عنه كابن وضاح وابن باز، فكان بعضهم يزيد وينقص أو يقدم ويؤخر، وأمثلة هذا من التنبيهات: - "وقوله فيمن جهر فيما يسر فيه: اعليه سجدتا السهو؟ قال: نعم. كذا في جميع أمهات شيوخنا. وحكى ابن لبابة فيها زيادة: "بعد السلام". قال: وقد طرحت من غير رواية، لكنها إرادته، وكذا أدخلها غير واحد على التأويل، ومن المختصرين من أدخلها على النص".
- "وألحق في آخر الكتاب في أصل ابن باز: زاد في "الأسدية" ... إلى آخر المسألة. قال إبراهيم: لم يدخلها سحنون في "المدونة"، أنا ألحقتها". - "وقعت في كتاب "الصوم" - في بعض النسخ - مسألة الصوم في كتاب "الرهون" من المختلطة فيمن نذر شهراً متتابعاً أنه يكتفي بتبييت أول ليلة منه، وكانت هذه المسألة في كتاب "ابن عتاب" بعد المسألة التي نبهنا عليها قبلها، وكتب عليها: ألحق هذه المسألة إبراهيم بن باز من كتاب "الرهون".". - " ... ولم تكن المسألتان عند ابن وضاح هنا، وصحتا هنا في كتاب "ابن عتاب" لابن باز، وهما صحيحتان في كتاب "الرهون"، ولعل ابن باز نقلهما منه إلى هنا كما فعل بمسائل من الصيام ... ". يضاف إلى هذا عدد لا يستهان به من التصحيحات والإصلاحات لابن وضاح في المضمون، وفي الرواية ورجال الحديث خاصة. ثانيتها: اختلاف روايات "المدونة" عن سحنون اختلافات شتى، بعضها في المضامين وبعضها في الأسانيد وأسماء الرواة، وبعضها في زيادة مسائل أو كلمات أو حروف أو نقصانها. وهذه الاختلافات أحياناً تكون فيما بين الروايات القروية مع الأندلسية، وأحياناً بين الروايات القروية في حد ذاتها، وكذا بين الأندلسية، مما يعقد طبيعة السبب وراء هذه الاختلافات هل هو راجع إلى تقدم تاريخ الرواية وتأخره؟ أو إلى ضبط الراوي وتصحيحه؟ أو إلى تدخله وإصلاحه؟ والنماذج من هذا القبيل مما عرضه القاضي عياض يعد بالعشرات، فمن ذلك: - "مسألة وقعت في بعض روايات "المدونة" في النسخ القروية، وليست في الروايات الأندلسية عندنا، ولم أروها ولا كانت في كتب شيوخنا، وقد ذكرها أبو بكر بن يونس وأبو محمَّد السوسي من "المدونة"، وكذلك نقلها ابن مغيث الطليطلي، وهي صحيحة في غير "المدونة"". - "وقول سحنون: وروى أشهب وابن نافع إلى آخر ما ذكر في
المسألة، ثابت عند شيوخنا، وقرأه ابن وضاح. وفي حاشية كتاب "ابن سهل": ألحقه سحنون بالمدونة ولم يكن فيها أولاً، وكذلك حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد، وحديثه بعده عن رجال من أهل العلم، ومسألة ابن القاسم وابن وهب بعده التي ذكرنا ساقط ليحيى ولأحمد، وقرأه الدباغ". - "ومغيرة عن الحكم عن إبراهيم: أن رجلاً من أهل السواد. كذا في أصل كتابي عن شيوخي، وكذا لأحمد بن خالد في كتاب "ابن سهل"، وله في كتاب "ابن المرابط": عن الحكم عن إبراهيم. وكان عنده: معمر عن أبي الحكم، وأصلحه ابن خالد: مغيرة، وعند "ابن المرابط" للإبياني والقابسي: معمر عن أبي الحكم". ثالثتها: الخلل في البناء التركيبي للكتاب، وهذا لا يرجع إلى لغة الكتاب وحمولتها التشريعية أو إلى الركاكة الأسلوبية أو الأخطاء النحوية، فلغة "المدونة" سهلة سلسة، لكن طريقة إملائها أول مرة سبب في تسرب ألفاظ غير مقصودة، أو ربما غفل الكاتب أو طغى القلم وسبق، فكان أن أثرت هذه الأخطاء في المعنى، وحملت الكلام ما لا يقصد منه، ومثل هذا لا يساعد من أراد أن يتمسك بألفاظ الكتاب ويستنبط منها كما يستنبط من ألفاظ الشارع، وهي قضية ناقشها الفقهاء قديماً ... ومن أمثلة هذا: - "وقوله في منكس التيمم: إن صلى أجزأه، ويعيد التيمم لما يستقبل، قال بعض الشيوخ: هذا حرف مستغنى عنه، إذ لا بدّ من إعادته لكل صلاة، نكسه أو لا ... ". - " ... وافهم أن قوله: حتى يؤدى ويقبل، لفظ مكرر مستغنى عن بعضه، فإنه متى ودي فقد رضي وقبل". - " ... وغيره يقول: هو لفظ رمي به وجاء على غير تحصيل وقصد ... ".
- "كان أبو محمَّد اللوبي يقول: لا حاجة لهذه اللفظة في هذا الموضع ... ". هذه أهم التحديات التي أورثها تناقل الكتاب وروايته، وبقيت تنتظر من يواجهها حتى تصدى لها القاضي عياض بعد أن استعد لذلك وأهله تعمقه في علوم الرواية والإسناد.
المبحث الخامس: اختلاف نسخ المدونة المطبوعة
المبحث الخامس: اختلاف نسخ المدونة المطبوعة أ - طبعة دار السعادة: كانت مطبعة السعادة بمصر، القاهرة، هي المطبعة الأولى التي كان لها شرف إخراج هذا الكتاب سنة 1323 هـ، وكان طبعها على يد حضرة الحاج محمَّد أفندي الساسي المغربي التونسي. يقول الشيخ سليم البشري شيخ المالكية بمصر: بحمد الله تعالى قد اطلعنا على نسخة "المدونة" رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم عن عالم المدينة: الإمام مالك بن أنس الأصبحي رضي الله تعالى عنه، التي استحضرها من المغرب الأقصى، وطبع عليها بنفقته حضرة الحاج محمَّد أفندي الساسي المغربي التونسي الشهير، فإذاً هي مظنة الصحة، والضبط، جديرة بالاعتماد عليها، والركون في إجراء الطبع والتصحيح إليها، دون سواها لقدم عهد كتابتها، وكثرة تداولها بأيدي علماء المالكية المتقدمين، ولما على هوامشها من التقارير والفوائد لبعض أكابر المالكية، كالقاضي عياض، وابن رشد، وغيرهما من الأئمة الأعلام المتقدمين، وهي مكتوبة في رق غزال بخط مغربي واضح، كتبها عبد الملك بن مسرة بن خلف اليحصبي في أجزاء كثيرة جداً، وتاريخ كتابتها سنة 476 هـ (¬1)، وقد شهد ¬
ب - طبعة دار صادر
على طبع هذه النسخة مجموعة من العلماء الذين أشرفوا على عملية طبعها (¬1). وقد طبعت في ثمان مجلدات تضم ستة عشر جزءاً. ب - طبعة دار صادر: هذه الطبعة مصورة عن طبعة دار السعادة إلا أنها خالية من السنة التي وقع فيها تجديد هذه الطبعة، لكن تحمل كل المواصفات التي كانت على طبعة دار السعادة، من تاريخ الطبع، إلى الذي تحفظ له حقوق الطبع، إلى الهوامش، وإلى شهادة العلماء على صحتها. وتتكون هذه النسخة من ستة مجلدات، تضم ستة عشر جزءاً. ج - طبعة المكتبة الخيرية - القاهرة مصر -: طبعت "المدونة" في هذه المطبعة سنة 1324 هـ، وتقع في أربعة مجلدات لكنها خالية من ذكر النسخة التي اعتمدت في طبعها، وقد صدرت بكتاب تزيين الممالك بمناقب مالك، للعلامة جلال الدين السيوطي، وبذيله كتاب مناقب مالك للشيخ الزواوي، وبهامش نسخة "المدونة" المقدمات الممهدات لابن رشد. د - طبعة دار الفكر - بيروت لبنان - سنة 1398 هـ / 1978 م: وهذه الطبعة مصورة عن طبعة المكتبة الخيرية وهي في أربعة مجلدات. هـ - طبعة المكتبة العصرية، صيدا - بيروت: ظهرت هذه الطبعة سنة 1419 هـ، موافق 1999 م، وكان الذي تولى نشرها مكتبة نزار مصطفى الباز، وهي أول نسخة محققة من نسخ "المدونة"، وقد حققها حمدي الدمرداش محمَّد، وهي جيدة في مظهرها، إلا أنها رديئة في مخبرها، لم تف بالمقصود رغم ما صرف فيها من مجهود, لأن تحقيق كتاب كهذا يصعب أن يقوم به إنسان واحد, لأنه قد ¬
يمل، وقد يصعب عليه أن يعود إلى قراءة ما كتب، المرّة بعد الأخرى، ليتأكد من ذلك، وليقوم بتصحيح ما يمكن أن يكون قد أخطأ فيه. وهذا ما وقع للمحقق، فقد ذكر من بين من اختصر "المدونة" أبا محمَّد بن أبي زيد النضري (¬1)، والصواب: النفزي. وقال في الزرويلي: الزويلي (¬2). وخصص عنوانا لسحنون وابن القاسم وأشهب قال فيه: ترجمة الإمام سحنون، والإمام ابن القاسم، والإمام أشهب. فتحدث تحت هذا العنوان عن سحنون وحده، وترك الباقيين، وتحدث بعد سحنون عن أسد بن الفرات وهو غير مذكور في العنوان. أما فيما يتعلق بعملية التحقيق فالمقابلة بين النسختين منعدمة في الهامش، فليس في الهامش إلا تخريج الآيات أو الأحاديث. وقد يشير في بعض الأحيان إلى ما أضافه من نقص إذا كان في هذه النسخة أو تلك، وقد يضعه بين معقوفين، وهذه مشكلة لا يمكن أن تحل بالمقابلة, لأن النقص هو نقص في الرواية من أصلها، فيجب أن تحتفظ كل نسخة بما وجد فيها في أصلها، وإذا كان بينهما اختلاف يثبت في الهامش، وتبقى النسخة سالمة، ويستثنى من هذا الرأي الأغلاط التي يظهر بأنها أخطاء مطبعية. ولم يشر في الهامش إلى الفروقات الكثيرة الموجودة بين النسختين اللتين اعتمد عليهما. وتتكون هذه الطبعة من تسعة مجلدات. - نماذج من اختلاف نسخ "المدونة": أ - الاختلاف في التراجم: سأقتصر على عرض بعض النماذج في الأجزاء الأخيرة من "المدونة" ولن أتطرق إلى الاختلاف الذي ذكره عياض. وسأشير إلى نسخة دار صادر بحرف الصاد، وإلى نسخة دار الفكر بحرف الكاف. ¬
- في ك: في أكل المسافر من الثمرة إذا طابت 4/ 4، وهو ساقط من ص. - في ص: جداد النخل وحصاد زرع المساقاة 5/ 6، وهو ساقط من ك. - في ك: مساقاة الثمر الذي لم يبدو صلاحه 4/ 5، وهو ساقط من ص. - في ك: ما جاء في مساقاة الذي قد بدا صلاحه وحل بيعه. 4/ 5، وهو ساقط من ص. - في ك: مساقاة الأرض سنين على أن يغرسها ويقوم عليها. 4/ 8، وهو ساقط من ص، كما سقط منها: في المساقاة سنين. - في ص: النخل يكون بين الرجلين يساقي أحدهما الآخر ومساقاة الوصي والمديان والمريض. 5/ 16. ضم هذا العنوان في دار الفكر التراجم الآتية: - ما جاء في النخل يكون بين الرجلين فيساقي أحدهما الآخر. - مساقاة حائط الأيتام. - مساقاة المأذون له في التجارة. - مساقاة نخل المديان. - مساقاة نخل المريض. - مساقاة الرجلين. - في ص: في الرجل يشتري أصول النخل وفيها ثمر فتصيبها جائحة. 5/ 34. الرجل يشتري الزرع على أن يحصده ثم يشتري الأرض بعد ذلك. 5/ 35. هاتان الترجمتان سقطتا من ك. - في ك: في الذي يأمره السلطان ببيع الرهن يقول: قد قضيت
المرتهن حقه، ويقول المرتهن: لم أقبض شيئاً. 4/ 157، هذه الترجمة ساقطة من دار صادر. وأكتفي بهذه النماذج من الاختلاف في التراجم، وهي كثيرة لا يخلو منها كتاب من كتب "المدونة"، وإنما سقنا هذا القدر للاستدلال على الاختلاف الواقع بين النسخ المطبوعة. وقد يطرح هذا الاختلاف السؤال الآتي، وهو: هل هذه التراجم من وضع سحنون؟ أو من وضع تلامذته؟ مع انعدام التفاصيل الدقيقة للمراحل التي مر منها تأليف "المدونة" إلى أن وصلت إلى وضعها الحالي، لا يمكن إلا أن نقول: بأن هذه التراجم منها: ما كان من وضع سحنون، ومنها: ما هو من وضع تلامذته، لأن فيها تراجم تتفق عليها النسخ، وتراجم وقع فيها اختلاف، وقد تكون هذه الأخيرة من عمل التلاميذ. ب - الاختلاف في النص بالزيادة أو النقصان: - في ك: في الذي يقارض عبده أو أجيره، قلت: أرأيت إن استأجرت أجيراً للخدمة فدفعت إليه مالاً قراضاً أيجوز ذلك؟ قال: قد أخبرتك أن مالكاً قال: لا بأس أن يدفع الرجل إلى عبده مالاً قراضاً، فإن كان الأجير مثل العبد فذلك جائز 4/ 56 - 57. هنا انتهت المسألة في دار الفكر. وفي دار صادر: 5/ 107: زيادة: قال سحنون: ليس الأجير مثل العبد ويدخله في الأجير فسخ دين في دين. - في ص: في المقارض يشترط على رب القراض غلاماً بعينه قال في آخر الترجمة: قال: يصلح، وقد قال الليث مثل قول مالك في اشتراط العامل على رب المال الغلام بعينه: أنه لا بأس به. 5/ 111، هنا تمت المسألة في ص. وفي ك: زيادة: قال سحنون: وقال غيره: أحب إلي أن لا يشترط
شيئاً وأن يكون القراض على سنته، فإن وقع جاز 4/ 59. - في ك: في شهادة النساء في قتل الخطإ: قال سحنون: وكذلك تجوز شهادتهن على الاستهلال إذا بقي بدن الصبي وشهد العدول أنهم رأوه ميتاً لأن الاستهلال لا يبقى والبدن يبقى فيرى، ابن وهب: وكذلك قال ربيعة، وكذلك الشاهد الواحد شهد على رجل بالقتل لا يجوز إلا أن يكون البدن قائماً، وكذلك شهادة الصبيان إنما تجوز في القتل إذا رئي البدن، وشهد العدول أنهم رأوا بدن الصبي. 4/ 83. هنا تمت مسائل الترجمة. - في ص: في نفس الترجمة: قال سحنون: وكذلك تجوز شهادتهن على الاستهلال إذا بقي بدن الصبي وشهد العدول أنهم رأوه ميتاً لأن الاستهلال لا يبقى والبدن يبقى فيرى، وكذلك قال ربيعة في الاستهلال. قلت: أرأيت شهادة النساء في الجراحات الخطأ أجائزة في قول مالك؟ قال: نعم. 5/ 161. هنا تمت مسائل هذه الترجمة مع ما بين النسختين من الاختلاف في الزيادة والنقصان. - في ك: في آخر ترجمة: الرجل يدير قبل الرجل حقاً بغير شاهد. ساق سحنون في آخر هذا الباب حديثاً ثم قال في آخره: من حديث ابن وهب. 4/ 91. - وفي ص: 5/ 175. قال: من حديث ابن مهدي، وبينهما ما بينهما. - في ك: في المفلس يقر بالدين لرجل، في آخر الترجمة: وكان ابن أبي سلمة يقول بقول مالك الأول، وقول مالك الأول إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضي بعض غرمائه ولا يرهنه. 4/ 118. - وفي ص: في نفس الترجمة: وكان ابن أبي سلمة يقول: هو قول مالك الأول، إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضي بعض غرمائه أو يرهنه. 5/ 229. بين النصين اختلاف واضح. - في ك: في آخر ترجمة الرجل يطلب قبل الرجل حقاً فيطلب منه
حميلاً بالخصومة: قلت: فإن قال: أعطني كفيلاً بالحق حتى أقيم بينتي ولا أريد نفساً، أيلزمه أن يعطيه كفيلاً أم لا يلزمه؟ قال: لا أرى ذلك إلا أن يقيم شاهداً، هذا ما يعرف من قوله، إلا أن يكون المدعي يدعي بينة حاضرة يرفعها من السوق، أو من بعض القبائل فأرى للسلطان أن يوقف المطلوب عنده، ويقول للطالب: مكانك أثبت ببينتك، فإن أتى بها وإلا خلى سبيله، سحنون: وهذا الأصل في كتاب "الشهادات" قد بين. 4/ 140. وهذا النص كله ساقط من دار صادر. - في ص: في آخر ترجمة كفالة المرأة التي قد عنست. قلت: أليس قد كان مالك مرة يقول: إذا عنست جاز أمرها؟ قال: لم أسمعه أنا قط. 5/ 283. هنا انتهت المسألة. - وفي ك: بعد هذا زيادة: ولكن وجدته في كتاب عبد الرحيم. 4/ 145. وهذه الزيادة تطرح إشكالا، أهي من كلام سحنون، أم هي من زيادة تلامذته؟ - في ص: قلت: أرأيت إن ارتهنت نصف دابة كيف يكون قبضي لها؟ قال: يقبض جميعها. 5/ 297، وهذا النص ساقط من دار الفكر. في ص: قلت: أرأيت إن كان إنما ورث الأرض عن أخيه، فأتى رجل فادعى أنه ابن أخيه، وأثبت ذلك، وذلك في إبان الحرث، أيكون له أن يقلع الزرع ويكريه الكراء؟ 5/ 375. هنا تمت المسألة من غير أن تظفر بالجواب، وقد علق الناشر على هذا في أسفل الصفحة، بقوله: لم يذكر جواب هذا السؤال، والتمس له تقديراً. "المدونة": 5/ 375. - وفي ك: جاءت المسألة مقرونة بجوابها فجاء النص كما يلي: قلت: أرأيت إن كان إنما ورث الأرض عن أخيه، فأتى رجل فادعى أنه ابن أخيه، وأثبت ذلك، وذلك في إبان الحرث، أيكون له أن يقلع الزرع؟ قال: ليس أن يقلع الزرع، ولكن له الكراء. 4/ 193. ولعل هذا الاختلاف هو من الأخطاء التي يمكن أن تنتج عن النسخ، لا عن اختلاف الروايات.
- في ك: في كتاب "التدليس": ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، قال: وإن رسول عبد الرحمن وجد الفرس حين خلع رسنها قد هلكت، فكانت من عثمان، 3/ 298. - وفي ص: وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: لأنه وجد الفرس حين خلع رسنها قد هلكت، فكانت من البائع. 4/ 306، 307. - في ك: في "الصلح من جناية العمد": فكذلك القصاص، والنكاح قبض ذلك وحده لا يجوز له الأخذ بغير شيء فكذلك لا يجوز له الأخذ بالغرر، فليس المرسل لما في يديه كالآخذ. 3/ 358. - وفي ص: ينتهي النص عند قوله: فكذلك القصاص. وباقي النص ساقط من ص. 4/ 373. في ك: في "الجعل والإجارة": وإذا قال: اعمل عليها ولكل نصف ما يكون من عملها. 3/ 391. - وفي ص: فإذا قال: اعمل عليها ولك نصف ما يكون من عملها. 4/ 411. - في ك: وقال الليث بن سعد: وإن قضى بعض غرمائه وترك بعضاً جاز له وإن رهن رهنا جاز له ذلك، ما لم يقم به غرماؤه، وكان ابن أبي سلمة يقول بقول مالك الأول، وقول مالك الأول إذا تبين فلسه، ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضي بعض غرمائه ولا يرهنه. 4/ 118. - وفي ص: وقال الليث بن سعد: وإن قضى بعض غرمائه وترك بعضاً جاز له، وإن رهن رهناً جاز له ذلك، ما لم يقم به غرماؤه، وكان ابن أبي سلمة يقول: هو قول مالك الأول، إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضي بعض غرمائه، أو يرهنه. لابن وهب 5/ 229. هناك اختلاف في آخر النص بين النصين، كما أن في ص: زيادة: لابن وهب وهذه الزيادة غالباً ما توجد في آخر الباب بعد الآثار التي يذيل
بها سحنون المسائل الفقهية. وهذه العبارة تكتب في بعض الأحيان: لابن وهب، وفي بعضها: هذه الآثار لابن وهب، وهذه الزيادة مختصة بدار صادر. - في ك: في كتاب "الشفعة الثاني": فيما سمعنا من قول مالك أن أهل الصلح يبيعون أرضهم ممن أحبوا بمنزلة أموالهم، ولا جزية على من اشترى ذلك منهم، لأنه لو أسلم سقطت الجزية عنه وعن أرضه، وهو يتبع بما صالح عليه. فإنما عليه ما صالح عليه، ويبيع من أرضه ومن ماله ما شاء. 4/ 237. كذا هذا النص في ص، إلا أن في آخره: ولا يبيع. 5/ 456، وهو مخالف للنص السابق لأن ما يثبته هذا ينفيه هذا، وليس هذا بالخطأ المطبعي فيصلح بناء على سياق الكلام، وقد أشار مصحح دار صادر إلى أن هذا اللفظ جاء هكذا في الأصل (¬1). - في ك: قال: وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة على امرأة له أخرى فحلف للأولى بطلاق الثانية، إن آثر الثانية عليها، ثم إنه طلق الأولى البتة. قال: قال مالك: تطلق الثانية أيضاً لأنه حين طلق الأولى فقد آثر الثانية عليها (¬2). هذه المسألة ساقطة من دار صادر، وهي ليست من كتاب الشفعة. ¬
المبحث السادس: نصوص طرحها سحنون من المدونة
المبحث السادس: نصوص طرحها سحنون من المدونة تحدث القاضى عياض في كتابه "التنبيهات" عن بعض النصوص التي طرحها سحنون من "المدونة"، والتي حوق عليها، والتي علم عليها بعض الرواة، فبقيت في بعض الروايات، وسقطت من روايات أخرى، وقد ذكر عياض بعض النسخ التي سقطت منها هذه النصوص، وهذا العمل يثير عدة تساؤلات، من بينها: هل كان هذا نتيجة مقارنة بين ما نقله عن ابن القاسم، وما أخذه من مدونة أشهب؟ أم هذه نصوص كانت في المختلطة فوجد من الروايات ما يخالفها؟ وما هو موقف الفقهاء من النصوص التي ثبت أنه طرحها وهي ما زالت ثابتة في بعض النسخ؟ أو في النسخ المطبوعة الآن؟ وهل هذه النصوص التي طرحها هي التي يجب أن تطرح وحدها، أم هناك نصوص أخرى؟ ولعل هذا ما أدى بالذهبي إلى أن يشير إلى أن "المدونة" فيها أشياء هي رأي محض، قال وهو يتحدث عن "المدونة": وأصل "المدونة" أسئلة سألها أسد بن الفرات لابن القاسم فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم، فأصلح فيها كثيراً، وأسقط منها ما أسقط، ثم رتبها سحنون، وبوبها، واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها، بل رأي محض، وحكوا أن سحنون في أواخر الأمر علم عليها، وهم بإسقاطها، وتهذيب "المدونة"،
كتاب المساقاة
فأدركته المنية رحمه الله، فكبراء المالكية يعرفون تلك المسائل، ويقررون منها ما قدروا عليه، ويوهنون ما ضعف دليله، فهي لها أسوة بغيرها من دواوين الفقه، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا صاحب ذاك القبر - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ولم يكن هذا الطرح كله على مستوى واحد، بل هو مختلف بحسب ما يقتضيه الفهم، فتارةً يطرح نصاً كاملاً، وتارةً يطرح جملة، وتارة يطرح كلمة ويستبدلها بغيرها، إلا أن هذا الطرح ما زال مفتقراً إلى المراحل التاريخية التي مر منها، وإلى التعرف على وصفية الأصل المعتمد الذي كانت تجرى عليه هذه التغييرات. وفي كلام عياض ما يشير إلى أن سحنون كان ينقح كتابه أثناء إقرائه لتلامذته، فكان يقابل كلام ابن القاسم في بعض الكتب من "المدونة" بكلامه في كتب منها أيضاً. ويتجلى هذا في كلام بعض تلامذته: أسقطه في العرضة الأخيرة، قرأه في بعض العرضات، ولم يقرأه في أخرى، قرأه سحنون، لم يقرأه. وسنعرض هذه النصوص المطروحة مع كتابة نصوص "المدونة" في بداية الكلام إذا كان النص الذي ساقه عياض ناقصاً، أو غير واضح مع بعض الإشارات إلى الفرق بين نسختي دار صادر، ودار الفكر، غير أنني لن أطيل في هذا لأنني تطرقت إليه في مواضع أخرى. وسأعرض هذه النصوص ضمن الكتب الآتية: كتاب المساقاة - النص الأول: نص "المدونة": قلت: أرأيت الرجل يأخذ النخل والشجر مساقاة، أيكون جميع العمل من عند العامل في المال في قول مالك؟ قال: نعم، إلا ¬
أن يكون في الحائط دواب أو غلمان كانوا يعملون في الحائط فلا بأس بذلك. قلت: أرأيت إن شرطهم (¬1) المساقي في الحائط وأراد رب المال أن يخرجهم من الحائط، أيكون ذلك لرب المال أن يخرجهم في قول مالك، قال مالك: أما عند معاملته واشتراطه فلا ينبغي له أن يخرجهم ولا ينبغي له (¬2) ... إلخ. قال عياض في تعليقه على هذا النص: وقوله: "إذا كان في الحائط دواب أو غلمان يعملون في الحائط ويشترطهم فلا بأس بذلك" (¬3) أوقف في كتاب "ابن عتاب": "ويشترطهم"، وكتب عليه ليس هذا الحرف من "المدونة" (¬4). وصح في الأسدية. وقال: هو لفظ مستغنى عنه، ولذلك طرحه سحنون، والله أعلم. إذ ذلك للعامل وإن لم يشترطهم، كما بينه بعد ذلك في الباب، إلا أنه يستفاد من إثباتها في "الأسدية" قول ثان له، مثل ما في كتاب "ابن مزين" ليحيى، وابن نافع، أنهم لا يدخلون إلا باشتراط، ولعمري إن هذا في الكتاب غير بين، وقد سأله عن هذا فلم يعط فيه جواباً بيناً، وأجابه على منع اشتراط رب الأرض إخراجهم لفساد المساقاة بذلك. وقد اعترض المسألة حمديس، والذي يقتضيه كلامه أن الذي فهم منها صحة لفظة الاشتراط، وإثباتها على ما في "الأسدية", لأنه قال: ينبغي على أصله ألا تفسد المساقاة باشتراط رب النخل إخراجهم, لأنه لو سكت عن الاشتراط لم يدخلوا، وإنما يصح جوابه أن يكون السقي إذا وجب في الحائط، وقع على ما فيه من جميع آلاته، وإن لم يشترط، كالبياض اليسير في النخل تقع المساقاة عليه، وإن لم يذكراه. اهـ. وهذا النص الذي قدمه عياض والذي شرح فيه المسألة شرحاً وافياً ¬
- النص الثاني
يجيب كذلك عن السؤال الذي طرحناه في البداية عن ما هو المصدر الذي يقارن به سحنون ويطرح منه هذه المسائل، فتبين من خلال هذا النص أنه يقارن بالنسخة الأصلية "للمدونة"، وهي "الأسدية". - النص الثاني: نص "المدونة": وقد قال غيره: لا يجوز البيع، ويكون موقوفاً، إلا أن يرضى العامل بتركها، فيجوز بيعها، وهو أحسن من هذا (¬1). قال عياض: وقول غيره في المساقي يفلس فيبيع الغرماء الحائط: لا يجوز البيع، ويكون موقوفاً، إلا أن يرضى العامل بترك المساقاة. ثبت عند شيوخنا، وسقط للدباغ. قال أبو محمَّد: طرحه سحنون. وقال: يجوز بيعه للضرورة. قال سحنون: قول الغير هو النظر، وقول ابن القاسم أحب إلي، إذا وقعت الضرورة كان أخف، ولو كان ابتداء لم يجز. قال غيره: ومعنى قول الغير يكون موقوفاً، أي: حتى يؤبر ثم يباع. انتهى. ورغم كلام أبي محمَّد بأن سحنون طرح هذه المسألة فهي ثابتة في نسختي دار صادر ودار الفكر، إلا أن النص فيه ما يشعر بأن سحنون يميل إلى قول ابن القاسم وإن كان النظر مع قول الغير، ويستفاد هذا من كلامه آخر النص: وهو أحسن من هذا (¬2) فيجوز (¬3). كتاب الجعل والإجارة - النص الأول: قال عياض: وقوله في مسألة: "أبيعك نصف ثوب على أن تبيع لي نصفه، ذلك جائز، إذا ضرب أجلاً" (¬4). ثم قال: "ولو قال: أبيعك نصف ¬
- النص الثاني
هذا الثوب، أو نصف هذا الحمار، على أن تبيع لي النصف الآخر، بموضع كذا، أو قال: أبيعك نصف هذا الطعام، وهو بالفسطاط، على أن تخرج به كله إلى بلد آخر، فتبيعه، قال: قال مالك: لا يجوز" (¬1). قال عياض: ضرب في كتاب ابن وضاح على ذكر الطعام من المسألة الأولى من قوله: "أو قال أبيعك نصف هذا الطعام" (¬2) وقال يحيى بن عمر: وخطه سحنون. قال: وإنما تصح المسألة بطرحه. وهذا ما سار عليه ابن لبابة، فقال: وهو عندي جائز في جميع الأشياء إلا في الطعام، كان على وجه الجعل أو الإجارة واستبعد ابن رشد تأويل ابن لبابة (¬3). - النص الثاني: نص "المدونة": وقال غيره: لا يكون هذا في عمل رجل بعينه، ولا يكون إلا مضموناً وإذا كان مضموناً كان عليه تمام العمل (¬4). هكذا في "المدونة"، وقال عياض: وقع في بعض الأمهات، وقال غيره: لا يكون هذا في عمل رجل بعينه، ولا يكون مضموناً، وعليه في المضمون تمام العمل، وجاء الكلام في المضمون كله لابن القاسم، وفي كتاب "ابن عتاب" أمر سحنون بطرح قول الغير. قال ابن وضاح: وكنا قد قرأناه عليه مرة، فأمرنا بطرحه. وقال: لست أعرفه. وفي كتاب "ابن سهل": ثبت قول غيره لابن باز. وقال ابن هلال: لم يعرفه سحنون. وفي كتاب ابن المرابط نحو هذا، من قول ابن وضاح. قال: وكان موقوفاً في كتاب "ابن وضاح"، وفيه قال ابن وضاح: قال سحنون: مسألة الغير أصح مسائلنا، وهو أصل جيد. وذهب بعض ¬
- النص الثالث
المتأخرين إلى أن قول الغير وفاق، إلا على ما اختصره أبو محمَّد عنه، فهو خلاف. وهذا النص فيه إشكال لأنه كيف يكون سحنون قد طرح هذا الكلام، ثم يقول بعد ذلك: مسألة الغير أصح مسائلنا، وهو أصل جيد. - النص الثالث: نص "المدونة": وكل من اشترى كيلاً فرأى سنبله فلا بأس بذلك؛ لأنه إنما اشترى عنه من حنطته هذه التي في سنبله هذا كيلاً فلا بأس بذلك. قلت: أرأيت إن قال: أبيعك حنطتي التي في بيتي كل إردبين بدينار، قال: لا يجوز ذلك، عند مالك حتى يصفه أو يريه منها. قلت: فما فرقها بين هذا والذي في سنبله؟ قال: لأن الذي في سنبله قد عاينه (¬1). قال عياض: وقوله: وكل من اشترى كيلاً يراه في سنبله فلا بأس به ... إلى آخر قوله؛ لأن الذي في سنبله قد عاينه. قال بعض الأندلسيين: هذا يدل أن بيع الجزاف لا يجوز على الصفة، وطرح سحنون قوله في سنبله أول المسألة، ورده فرآه، ولم يكن في كتاب "ابن عتاب". كتاب تضمين الصناع - نص المدونة: قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل إلى أجل فاختلفنا في الأجل وتصادقنا في الثمن فقال البائع: بعتك إلى شهر، وقال المشتري: اشتريت منك إلى شهرين، قال: إن كانت السلعة قائمة لم تفت، تحالفا وترادَّا، وإن ¬
كتاب كراء الدور والأرضين
كانت قد فاتت فالقول قول المبتاع مع يمينه، وهذا قول مالك (¬1). قلت: وكذلك إن قال البائع: بعتك هذه السلعة حالة، وقال المشتري: بل اشتريتها منك إلى شهرين (¬2)، قال: إن كانت السلعة بيد صاحبها ولم تفت من يد المشتري بشيء مما وصفت لك تحالفا وردت، وإن كان قد دفعها البائع إلى المشتري وفاتت في يديه فالمشتري مدع, لأن البائع لم يقر له بالأجل، وإنما اختلفت هذه والتي قبلها لأن البائع قد أقر بالأجل في التي قبلها، وهذه لم يقر فيها بالأجل، فالمشتري مدع، والبائع كان أولاً مدعياً لأجل قد حل. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: اختلاف الآجال إذا فاتت السلع كاختلافهم في الثمن. رواه ابن وهب (¬3) وغيره عن مالك (¬4). قال عياض: ومسألة الاختلاف في الأجل زاد فيها في بعض الروايات، وكذلك إذا قال: بعتك حالاً، وقال الآخر: إلى شهر ... إلى آخر المسألة، إلى ابتداء رواية ابن وهب هذه المسألة ليست في رواية ابن وضاح. وقال: طرحها سحنون، وأثبتها ابن باز، ويحيى بن عمر، وأحمد بن داود، وصحت في كتبهما. وقوله في آخرها: "وقد بلغني عن مالك أنه قال: اختلاف الأجل إذا فاتت السلعة بمنزلة اختلافهم في الثمن" (¬5) ليس عند يحيى، وصحت لأحمد، وابن باز. كتاب كراء الدور والأرضين - نص المدونة: قال مالك: لا يقلع، ولكن يترك زرعه وبقله حتى يتم ويكون لرب ¬
كتاب الشركة
الأرض مثل كراء أرضه. قلت: على حساب ما أكراه أم كراء مثلها في المستقبل. قال: قال مالك: له كراء مثلها على حساب ما كان أكراها منه (¬1). وقال عياض: وقوله: "قال مالك: لا يقلع، ولكن له كراء مثل أرضه. ثم قال: وله كراء مثلها على حساب ما أكراها منه" (¬2). قال بعضهم: هذا تناقض. كيف يصح كراء المثل مع حساب ما أكرى، وقد طرح سحنون من رواية يحيى قوله: على حساب ما أكراها، واختصرها أبو محمَّد، وغيره، لا على حساب ما أكرى. وكذا وقعت المسألة في المستخرجة (¬3). كتاب الشركة - النص الأول: قال عياض: في الشركة على شيء غير معين: وكذا كان في هذا الباب في "الأسدية" بعد قوله: لا تعجبني هذه الشركة. قال: فإن نزلت رأيت أن يكون ما اشترى كل واحد منهما يلزم صاحبه نصفه, لأنه قد اشتراه بإذن صاحبه. قال حمديس: كأنه حمله محمل الوكالة. ولأصبغ نحوه (¬4). قال فضل: طرح سحنون قول ابن القاسم هنا، وقال: لكل واحد منهما ما اشتراه. هذا النص الذي تحدث عنه عياض لم أعثر عليه في "المدونة" ولعل عياضاً أخذه من "الأسدية"، وهو ما أشار إليه. ¬
- النص الثاني
- النص الثاني: قال عياض: "قول غيره في هبة أحد الشريكين لا يجوز أن يعطي شيئاً من المال، لا من حصته، ولا من غير ذلك" (¬1) ... ، إلى آخر المسألة. ثابتة عند ابن وضاح، وابن هلال، وعند ابن عتاب، وفي كثير من الروايات، وسقطت في بعضها، وثبتت في كتاب "ابن المرابط" لابن باز، وسقطت عنده لابن هلال، ولابن أبي عقبة. قال ابن باز: أمر سحنون بطرحها في العرضة الأخيرة. - النص الثالث: قال عياض: وقوله فيما صنعه أحد الشريكين من المعروف "لا يجوز له أن يصنعه في مال شريكه (¬2). زاد في بعض الروايات: (وهو يجوز عليه من ذلك قدر حصته)، وضرب عليه في كتاب "ابن وضاح". وقال: طرحه سحنون. وصح لابن أبي عقبة، وبعض الروايات. وهذه الزيادة التي ذكرها عياض ثابتة في نسختي دار صادر (¬3) ودار الفكر (¬4). كتاب القراض - النص الأول: نص "المدونة": قال: وسألت مالكاً عن الرجل يبتاع السلعة فيقصر ماله عنها فيأتي إلى رجل فيقول له: ادفع إلي مالاً قراضاً، وهو يريد أن يدفع ماله في ثمن بقية تلك السلعة التي اشترى ويجعله قراضاً، قال مالك: أني أخاف أن يكون قد استغلاها فيدخل مال الرجل فيه فلا أحب هذا (¬5). ¬
- النص الثاني
قال عياض: ومسألة الذي يبتاع السلعة فيقصر ماله عنها، فيأتي الرجل فيأخذ منه مالاً قراضاً إلى قوله: فلا أحب هذا (¬1). زاد في بعض الروايات: ولو علم أن ذلك صحيح لم يكن لغلاء وقع فيه. وما أشبه ذلك. لم يكن به بأس. ولم يكن في أصول شيوخنا من "المدونة". وهي صحيحة في أصل سماع ابن القاسم. وفي "الأسدية". قال فضل: وطرحها سحنون. وقال: لا يعجبني العمل به وإن صح. وقاله ابن القاسم أيضاً. انتهى. وهذه الزيادة التي ذكرها عياض ساقطة من النسخ المطبوعة من "المدونة". وهي من النصوص الثابتة في "الأسدية" الساقطة من "المدونة". - النص الثاني: نص "المدونة": وقد قال غيره: كل من جاز له أن يبيع شيئاً أطلقت له يده فيه فباعه من نفسه وأعتقه فالأمر بالخيار، إن أجاز فعله فقد تم عتقه، وإن رد فعله لم يجز عتقه إلا المقارض، فأنه أن كان في العبد فضل نفذ عتقه للشرك الذي له فيه (¬2). قال عياض: وقول غيره آخر الباب: كل من جاز له أن يبيع شيئاً أطلقت يده عليه إلى آخر المسألة (¬3)، صحيح لابن باز عند ابن عتاب. وقال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحه. وسقط من كتاب "ابن المرابط". كتاب الشهادات نص "المدونة": قلت: أرأيت رجلاً ادعى داراً في يد رجل فأنشب الخصومة فيما بينه وبينه وأقام البينة إلا أن بينته لم تقطع فأراد الذي الدار في يديه أن يبيع الدار أو يهبها أيمنع من ذلك في قول مالك للذي أوقع ¬
كتاب المديان والحجر والتفليس
صاحبه عليه من البينة والذي أنشب من الخصومة. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً إلا أن له أن يبيع، أو يتصدق، أو يهب، ما لم يقض عليه بذلك، لأن بيعه ليس مما يبطل حجة هذا، ولا تبطل بينته التي أوقع، فهذا رد المسألة الأولى في الوقف، وقال غيره: ليس له أن يبيع لأن البيع غرر وخطر (¬1). قال عياض: وقوله في المدعى عليه في دار وأنشب الخصومة ... إلى قوله: لم أسمع من مالك فيه شيئاً. ثم قال: إلا أن له أن يبيع ويصنع فيها ما شاء ... إلى آخر المسألة. قال غيره: ليس له أن يبيع, لأن البيع خطر، وغرر (¬2). طرح سحنون قول ابن القاسم: أن له أن يبيع إلى آخر كلامه (¬3). قال ابن وضاح: ولم يقرأه سحنون، ولم يقرأه أحمد بن خالد، وطرح أيضاً عند ابن باز. وقال فضل: أخبرنا يحيى عن سحنون أن ابن القاسم يقول: كقول غيره. كتاب المديان والحجر والتفليس قال عياض: وقوله في مسألة الوصي يقضي بعض الغرماء: "قلت: فإن كان في المال فضل ليس فيه وفاء بحقوق هؤلاء ... إلى آخر المسألة" (¬4). ثم التي جاءت بعدها في الحضور، والغيب. قال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحها. وقال: والتي تحتها (¬5) تدل عليها. وهي أصل ترد إليه كلما وجدت من نوعه. كلام عياض هنا يفهم منه أن طرح سحنون لهذه المسألة لم يكن مبنياً ¬
كتاب الرهن
على مخالفتها لغيرها، وإنما هو طلب للاختصار, لأن المسألة التي بعدها تدل عليها وهي أشمل منها. كتاب الرهن - النص الأول: قال عياض: ومسألة: "إذا اشترى الرجل من مال ابنه الصغير" (¬1) هي عند ابن عتاب موقوفة. وقال: طرحها ابن القاسم، وثبتت لابن وضاح، وابن باز. ومسألة المؤاجرة في عمل الكنيسة، أو كراء الدابة لها، أو داره، لذلك (¬2) سقطت عند ابن عتاب (¬3). - النص الثاني: قال عياض: وقوله: فإن كسرتهما، ولم أستهلكهما. قال: عليه قيمتهما مصوغين. قلت: أليس قد قلت: إذا كسرهما رجل ولم يتلفهما، فإنما عليه ما نقصت الصياغة؟ قال: هذا أحب إلي، وإليه أرجع وأرى أن يضمن قيمتهما من الذهب مصوغين، استهلكهما، أو كسرهما، فهما سواء. ويكونان له (¬4). كذا ثبت في كثير من النسخ. وسقط هذا من كتاب ابن عتاب. وصحت في كتاب "ابن سهل"، و"ابن المرابط". وكتب عليها: سقطت عند ابن باز، والقابسي. وقال ابن وضاح: طرحها سحنون. وثبت هذا القول في كتاب "الغصب". قال: عليه قيمة الصياغة (¬5). ¬
- النص الثالث
- النص الثالث: قال عياض: ومسألة العبد المأذون يشتري من يعتق على سيده وهو يعلم أو لا يعلم، والبائع يعلم أو لا يعلم، فذلك سواء. وينفذ البيع، ويعتقون على العبد ... إلى آخر المسألة (¬1). طرحها سحنون. وقال: هي خطأ. وصحت عند سعيد بن حسان، وزونان وهي خلاف ما في كتاب "العتق"، و"الوكالات" (¬2)، و"القراض" (¬3)، في التفريق بين علمه، وغير علمه، وأنه إن علم المشتري لم يجز على الآمر، ورب المال وإن لم يعلم أعتق عليهما. كتاب الغصب - النص الأول: قال عياض فيمن استعار دابة فتعدى عليها وحدث بها عيب: وإلى قوله: "وإنما يضمن ما حدث فيها من عيب" (¬4). صحت هذه الزيادة في كثير من الأصول. وسقطت في أخرى. وحوق عليها في بعضها. وكانت في كتاب "ابن عتاب". و"ابن المرابط" موقوفة. وكتب عليها: طرحها سحنون، وكتب عليها في كتاب "ابن المرابط"، قال الأصيلي: قرأها لنا أبو الحسن، يعني الدباغ. وقال: قرأتها على أحمد، وكان بعضها محوقا عليه عند أحمد. وقال يحيى، وابن وضاح: طرحها سحنون. وقال ابن هلال: قال سحنون: والصواب أنه إذا أصابها عيب في التعدي فهو كالغصب، ورب الدابة مخير بخلاف التعدي. - النص الثاني: قال عياض: وقوله في الغاصب: ليس له في حفرة حفرها في بئر في ¬
الشفعة
الأرض، ولا تراب ردم به حفرة في الأرض، أو مطامير حفرها (¬1) طرح سحنون قوله: ولا تراب ردم به حفرة في الأرض، وهو ثابت في أصول شيوخنا. وثبت ليحيى، وابن وضاح، وسقط لأبي الحسن الدباغ، قبل ذلك. لأن التراب ينتفع به (¬2). الشفعة - النص الأول: نص "المدونة": قال مالك: ما الشفعة إلا في الأرضين والدور؛ وان هذا الشيء ما سمعت فيه بشيء وما أرى إذا نزل مثل هذا إلا ولهم في ذلك الشفعة، ونزلت بالمدينة فرأيت مالكاً استحسن أن يجعل في ذلك الشفعة (¬3). قال عياض: يشعر مجموع هذا الكلام إلى اختلاف قوله في "الشفعة" فيها، واختلاف قوله في ذلك معلوم، وكذلك اختلاف قوله في بيع نقضها، واختلاف قول أصحابه في بيع جميعها، من غير رب العرصة، ولا يختلف في وجوب الشفعة فيه، إذا بيع مبنياً مع الأصل، وإنما الخلاف إذا باع أحد الشريكين حصته من النقض دون الأصل، كان الأصل لهما، أو لغيرهما، كان قائماً في البنيان، أو نقض، وهما مشتركان في الأصل وفيه. وقد وقع خلاف ما تقدم نصاً في "المدونة"، في غير رواية يحيى. ونقلها أبو محمَّد فيمن اشترى نقض دار على القلع، ثم اشترى الأرض، فأقره، فاستحق رجل نصف جميع الدار، أنه يأخذ نصف الأرض بالشفعة، بنصف ثمنها، ويغرم نصف قيمة البناء من الأرض قائماً. وكذلك لو اشترى الأرض دون النقض، ثم اشترى النقض. وطرحها سحنون. وقال ابن المواز: رجع ابن القاسم إلى مثل قوله في النخل، أنه يأخذ نصف جميع ذلك، ووقعت ¬
- النص الثاني
هذه المسألة آخر الكتاب في بعض الروايات، ولم تكن عند ابن وضاح، ولا في كتاب "دراس بن إسماعيل". وحوق عليها في كتاب "ابن عتاب". وتمت المسألة في بعض النسخ عند قوله: أيشفع الشفيع في النقض، والعرصة جميعاً. قال: نعم (¬1)، يشفع فيهما. وكذا تمت عند ابن أبي زمنين. وزاد في بعضها: العرصة بما اشتراها المشتري، والنقض بالقيمة (¬2). وهنا انتهت في كتاب أحمد بن أبي سليمان وروايته، وزاد في رواية غيره تعليلاً للمسألة وحجة. قال فضل: ذكرها ابن عبدوس. في هذا النص تحدث عياض عن مسألة الشفعة في النقض (¬3)، وعن مسألة الشفعة في العرصة والنقض في آخر الكتاب (¬4)، وبين أن هذه المسألة الأخيرة اختلفت فيها الروايات بالزيادة أو النقصان، فما تمت فيه المسألة عند ابن أبي زمنين هو ما تمت فيه في دار صادر (¬5)، وما ذكره ابن عبدوس من الزيادة الموجودة في غير رواية أحمد بن أبي سليمان موجودة في دار الفكر (¬6). وفي هذه الزيادة تعليل للمسألة كما قال عياض. - النص الثاني: نص "المدونة": قلت: ولم أجاز مالك الهبة لغير الثواب المسمى، قال: أجازه الناس وإنما هو على وجه التفويض في النكاح، وفي القياس: ¬
- النص الثالث
لا ينبغي أن يكون جائزاً ولكن قد أجازه الناس (¬1). قال عياض: قال ابن وضاح: طرح سحنون قوله: وفي القياس ينبغي ألا يكون جائزاً (¬2). وثبت في كتاب "ابن عتاب". وخرجه في كتاب "ابن المرابط". وقد ثبت للأبياني وحده. - النص الثالث: قال عياض: ومسألة: "من اشترى شقصاً من دار بحنطة، فاستحقت الحنطة، وقد أخذها الشفيع بالشفعة قبل استحقاقه الطعام، لم يرد البيع، ويغرم له مثل طعامه، وإن كان قبل أخذه فلا شفعة له" (¬3). كذا ثبتت عندي الرواية في كتاب "ابن عتاب"، وكذا عند "ابن وضاح". وعند بعضهم، وعند ابن أبي زمنين، والإبياني. وكذا "لابن باز"، عند "ابن المرابط". قال ابن أبي زمنين: وعند ابن وضاح: وغرم له قيمة الشقص. وكذا "لابن وضاح" عند ابن المرابط. و"لابن باز" عند غيره. قال ابن وضاح: كذا أصلحها سحنون، "لا يرد ويغرم قيمة الشقص الذي اشترى" (¬4)، وقال في الرواية الأخرى: هي غلط. قال: وكذا قرأنا عليه بعض زيادة، وطرح: "لم يرد، وغرم له مثل طعامه" (¬5). - النص الرابع: قال عياض: وقوله: "فإن أخذ بالشفعة في نصف الأرض والنخل، أخذ بما يقع عليه من الثمن الأول الذي اشتراه به المشتري" (¬6)، هذا نصه في المختلطة. وأوقفها سحنون، وأمر بطرحها، وقرأها رواية. ¬
كتاب القسمة
كتاب القسمة قال عياض في قول ابن القاسم في صفة القسمة عند شرحه لصفة القسمة عند غيره من العلماء: قال فضل: هذا يرجع إلى ما قال ابن القاسم، لكنه أخصر وأقل عناء، وقد طرح سحنون كلام ابن القاسم في المسألة كلها، وتفسيره لخلافه عنده أصل مالك. وذلك من قول مالك، ثم من قوله: ثم يضرب أيضاً بالسهام لمن بقي منهم ... إلى قوله: وهذا تفسير مني عن مالك (¬1). قال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحها، وقال: التي فوقها خير منها، وضرب عليها في كتاب "ابن وضاح"، و"ابن باز"، و"الدباغ". كتاب الحبس والصدقة والهبة نص "المدونة": قال سحنون: فثبت الرواة كلهم عن مالك على هذا وقاله المخزومي فيما يقسم، وفيما لا يقسم على ما وصفنا، إلا ابن القاسم، فإنه أخذ برجوع مالك في هذا بعينه، فقال: يرجع على من بقي، كان يقسم أو لا يقسم، وما اجتمعوا عليه أحج إن شاء الله، وقال بعضهم: وإن مات منهم ميت والتمر قد أبو فحقه فيها ثابت، قاله غير واحد من الرواة (¬2). وفي دار الفكر زيادة: منهم: أشهب (¬3). قال عياض: كذا في نسخ وثبت عند "ابن عتاب" و"ابن المرابط" إلا قوله: قال بعض الرواة. وقال يحيى بن عمر: طرح سحنون: قال بعض الرواة مرة، وقرأه أخرى. ولم يكن في كتاب "ابن وضاح" من أخذ ابن القاسم برجوع مالك إلى آخر الباب. وسقط عنده لفظ المخزومي قبل. وسقط وقاله أشهب آخر الباب عند "ابن المرابط" لغير أحمد. ¬
كتاب العارية
كتاب العارية قال عياض: وقوله في مسألة عبد الرحيم، في اختلاف المعير والمستعير، في ركوب الدابة، القول قول المستعير، إن كان يشبه قوله مع يمينه (¬1). قال أبو عمران: هذا يدل أن العارية إذا كانت مسجلة مهملة أنها تحمل على عوائد الناس في مثلها. وقال ابن وضاح: أمر سحنون بطرح المسألة كلها. كتاب القذف نص "المدونة": وقال مالك إذا قذف وسكر، أو شرب الخمر ولم يسكر جلد الحد حدًّا واحداً، وان كان قد سكر جلد حدًّا واحداً، لأن السكر حده حد الفرية, لأنه إذا سكر افترى، فحد الفرية يجزئه منها، ألا ترى أنه لو افترى ثم افترى وضرب حدًّا واحداً، كان هذا الحد لجميع تلك الفرية، وكذلك السكر والفرية إذا اجتمعا دخل حد السكر في الفرية (¬2). قال عياض: ومسألة إذا سكر، وقذف، أو شرب ولم يسكر، جلد حدًّا واحداً (¬3). إلى آخر المسألة (¬4). ثبتت في كتاب "ابن وضاح" عند "ابن عتاب". وهي ثابتة في كتاب "ابن المرابط"، وابن سهل. إلا أن التعليل في آخرها ساقط للدباغ. قال ابن باز: أمرني سحنون بطرحها. وهي مطروحة في كتابه، وكتاب يحيى. هذه النصوص إذا درست دراسة متأنية وقوبلت مع ما يماثلها من الأحكام الفقهية وآراء علماء المالكية في المصادر الأساسية للمذهب سيكون بإمكانها أن تجيب عن الكثير من التساؤلات المتعلقة بالمذهب المالكي، ¬
تاريخاً، وفقهاً، واجتهاداً. وستوضح الكثير من أسباب الاختلاف في المذهب المالكي. إلا أن موضوعنا لا يتسع لأكثر من هذا، نظراً لأن الوقت إذا توفر فيجب أن يصرف للتحقيق ويترك هذا الموضوع ليكون موضوعاً مستقلاً.
الفصل الثالث: التعريف بكتاب التنبيهات
الفصل الثالث: التعريف بكتاب التنبيهات المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه. المبحث الثاني: مضامين الكتاب ومقاصده. المبحث الثالث: مصادر الكتاب.
المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه
المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه 1 - اسم الكتاب: لفظ: "التنبيهات" يندرج في مسلك بعض الفقهاء المالكية في الغرب الإِسلامي، خاصة ممن راموا في مؤلفاتهم معالجة قضايا جزئية. وقد حظيت "المدونة" بالنصيب الأوفر من هذا النوع من المؤلفات التي أطلقوا عليها أيضاً اسم: التعاليق والنكت. وجدير ذكره أن المؤلف سُبق إلى هذا الاسم؛ فلفضل بن سلمة البجاني المتوفى سنة 319 هـ الفقيه الكبير تنبيهات في الفقه (¬1)، وكذلك لمحمد بن الخيار العبدري القرطبي المتوفى سنة 529 هـ تنابيه على "المدونة" (¬2). ولغير هذين من العلماء مؤلفات تحمل عنوان "التنبيهات" أو "التنابيه" (¬3). ¬
أما المؤلف فلم يذكر في كتابه الاسم الذي اختاره له، لكنه سماه بنفسه مرة في "المشارق": بـ "التنبيهات المستنبطة" (¬1)، وسماه ثانية: بـ"التنبيهات" (¬2). بينما سماه ابنه بـ "التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة" (¬3). وسماه ابنه أيضاً في إحدى الطرر الواردة في إحدى نسخ الكتاب بـ "المستنبطة" (¬4). وذكره المقري باسم كتاب "المستنبطة" في شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلطة مما وقع في كتاب "المدونة والمختلطة" (¬5). ثم قال: وقد غلب على تسميته ببلاد إفريقية وغيرها: التنبيهات. وقال الذهبي: له كتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب (¬6) وقال ابن فرحون: وله كتاب "التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة"، جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل (¬7) وقال حاجي خليفة: "التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة والمختلطة" (¬8). وأما جملة "الكتب "المدونة"" الوارد في العنوان - وقد يسمى: كتب المدونة بالإضافة، فإن هذا الاستعمال والإطلاق قديم ومستعمل في وصف الكتاب الواحد، مثل تسميتهم الكتب الأسدية (¬9) والكتب الثمانية (¬10) والكتب ¬
الدمياطية (¬1) والكتب المبسوطة (¬2) والكتب المجموعة (¬3) والكتب المدنية (¬4) والكتب السليمانية (¬5) والكتب الجحدرية (¬6). وأما لفظة: "المختلطة" فلم يتفق على المقصود به، هل هو اختلاط التراجم؟ أو اختلاط الأبواب؟ أو اختلاط المسائل؟ أو أنه وقع اختلاط في السماع؟ وإذا كان سحنون قد هذب وبوب أجزاء منها، فما هي الكتب الباقية؟، وإذا كانت "المدونة" من أجل هذا تسمى "المدونة والمختلطة"، فما هو الجزء المسمى بالمدونة؟ وما هو الجزء المسمى بالمختلطة؟ وإذا قيل بأن أبا أيوب المعروف بابن المشتري قد بوب الأبواب الباقية التي تركها سحنون؛ فهل هذا العمل كاف لحذف كلمة "المختلطة" والاقتصار على اسم "المدونة" فقط؟ إذا رجعنا إلى الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع لا نجد إلا لمسات في أطراف الموضوع هنا وهناك، فهذا عياض يقول وهو يتحدث عن أصل "المدونة": قال الشيرازي: واقتصر الناس على التفقه في كتب سحنون، ونظر سحنون فيها نظراً آخر، فهذبها، وبوبها، ودونها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث، والآثار، إلا كتباً منها مفرقة بقيت على أصل اختلاطها في السماع، فهذه هي كتب سحنون، "المدونة والمختلطة" (¬7). وقد ذكر عياض كذلك أن سليمان بن عبد الله بن المبارك أبو أيوب المعروف بأبي المشتري (¬8) هو الذي بوب الكتب "المختلطة" الباقية على ¬
سحنون من "المدونة" (¬1)، لكنه لم يذكر الأبواب التي بوبها هذا الأخير، ولا الأبواب التي تركها سحنون، وهل اقتصر عمل أبي المشتري على التبويب فقط؟، أم فيه تبويب وتهذيب. وقد وجدت مكتوباً فوق مخطوط النكت لعبد الحق الصقلي نسخة ابن يوسف بمراكش، على الصفحة الأولى أسفل عنوان الكتاب: تسمية المختلطة من كتب "المدونة": الصيد، الذبائح، الحج الثالث، الأقضية، الشفعة، القسمة، الغصب، حريم البئر، الرهون، اللقطة، الضوال، الوديعة، العارية، الهبات، الجراحات، السرقة، المحاربين، الرجم، القذف، الديات. انتهى. وقد قارن عياض في كتابه "التنبيهات" بين "المدونة والمختلطة"، ولعله يقصد بها النسخة الأصلية للمدونة قبل تهذيبها وتبويبها، وهي نسخة "الأسدية" التي صححها سحنون على ابن القاسم، فقد قال في بيوع الآجال: وقوله: "لم لا يكون كأنه رجل باع مائة دينار له عليه بخمسين إردبا، وبخمسين دينارا أرجأها" (¬2). كذا في "المدونة". وفي المختلطة: عجلها. وإذا كان في المختلطة: عجلها، وفي "المدونة": أرجأها، فإن التعجيل ضد الإرجاء، فهذا تغيير في الأحكام، فإذا كان العمل منصبا على تصحيح مثل هذه الجزئيات فقد يكون تجاوز مسألة التهذيب والتبويب، إلى التصحيح والتصويب، ومن ثم يكون الاختلاط قد تجاوز الجانب الشكلي "للمدونة" إلى مضمونها. أو لعل هذا مثل من أمثال الأغلاط التي كانت في "الأسدية". وقال عياض في القسمة: لعل هذا الباب بقي على اختلاطه بعد ذكره الاختلافات الواردة فيه وحاول أن يجد لها وجهاً، فأورد عدة احتمالات من بينها الاحتمال الأول. ¬
2 - نسبة الكتاب للقاضي عياض
وقال في الشركة في مسألة الثلاثة نفر: لأحدهم البيت، وللآخر الدابة، وللآخر الرحى، اشتركوا بالسواء، وذكرهم في السؤال أنهم جهلوا أن ذلك غير جائز، فعملنا وأصبنا مالاً، فقسم بيننا أثلاثاً، إذا كان كراء الدابة، والرحى معتدلاً" (¬1)، فظاهر هذا أن مذهب الكتاب هنا ما قدمناه أنه لا يجوز، حتى يكتري كل واحد منهما نصيبه بنصيب صاحبه (¬2)، إذا كان مستوياً. وسحنون يجيز ذلك إذا استويا. قال أحمد بن خالد: هذا قول سحنون. وهو في "المختلطة" خطأ، فأصلحها في هذا الموضع، وتأول سحنون ما في الكتاب أنه إنما يمنع منه إذا كان كراء الآلة وهذه الأشياء مختلفاً. ومن مظاهر اختلاط مسائلها التي ما زالت باقية في "المدونة" شاهدة على ذلك، نذكر مسألة نذر الصيام (¬3) فقد وردت في كتاب "الرهون. كما يلاحظ أن بعض الأبواب لم تذيل بالأحاديث والآثار كالأبواب الأخرى، كما أن بها بعض الأبواب هي كلها آثار وليس فيها كلام لابن القاسم، ولعلها كلها من جامع ابن وهب، انظر في القود بين الحر والعبد (¬4) في العبد يقتله العبد أو الحر (¬5) في كتاب الجنايات. 2 - نسبة الكتاب للقاضي عياض: كتاب "التنبيهات" تواترت الأخبار في نسبته إلى مؤلفه، وقد عزاه لنفسه بنفسه في كتابيه الأشهرين: "الإكمال" (¬6) و"المشارق" (¬7)، وعزاه له ابنه ¬
في "التعريف" (¬1) و"مذاهب الحكام" (¬2)، وذكره له المقري (¬3)، وابن خلكان (¬4)، والذهبي (¬5)، وصاحب طبقات المالكية (¬6)، وحاجي خليفة (¬7)، وإسماعيل باشا البغدادي (¬8)، وغيرهم من أصحاب الفهارس ومؤلفي كتب الفقه المالكيين خاصة ... ومن هذا ما قيل في الكتاب والمؤلف من شعر مادح، كإنشاء أبي القاسم خلف بن عبد العزيز القبتوري المتوفى سنة 704 هـ: وأَعجب تنبيهاته اللائي أوسعت ... غوامض أعيت رائمي فهمها كشفا (¬9) وقول أبي عبد الله محمَّد بن علي التوزري ابن المصري فيه: كأنيَ مذ وافى كتاب عياض ... أنزِّه طرْفي في مريع رياض فأجني به الأزهار يانعة الجنا ... وأكرع منه في لذيذ حياض (¬10) فهذه شهادات عدل في نسبة الكتاب إلى مؤلفه. ¬
المبحث الثاني: مضامين الكتاب ومقاصده
المبحث الثاني: مضامين الكتاب ومقاصده من خلال عنوان الكتاب، ومن خلال الإشارات الواردة في مقدمته، يمكن أن نجمل محاور الكتاب فيما يلي: أولاً: شرح بعض نصوص المدونة: جاءت أبواب "المدونة" على غير المنهج المتبع في الكثير من الكتب، من افتتاح بمقدمات تمهد للتعريف بالموضوع من الناحية اللغوية والاصطلاحية، وتقديم أدلة من الكتاب والسنَّة على مشروعيته، فكانت عبارة عن أسئلة وأجوبة مذيلة في بعض صورها في بعض الكتب بالأحاديث والآثار، مما أدى بابن رشد إلى أن يسد هذا الفراغ بكتابه المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم "المدونة" من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات. جاء هذا الكتاب ليقدم بين يدي كل كتاب تعريفاً لغوياً واصطلاحياً مع أدلة على مشروعية الكتاب من الكتاب والسنَّة، أو الإجماع، أو القياس، ثم بعد ذلك يجمع الصور الفقهية المتشابهة في فصل يجعلها منفصلة عن غيرها، ثم يناقش أحكامها انطلاقاً من "المدونة" والواضحة والعتبية والموازية وغيرها من المصادر المالكية المتاحة له، فيعرضها بأسلوب سهل واضح وسالم من الغموض والتعقيد.
ثانيا: ضبط بعض المفردات وشرحها
أما تلميذه القاضي عياض فنظر إلى الموضوع من جوانب أخرى، لم يتطرق إليها غيره، فتنبه إلى بعض نصوص "المدونة" المحتاجة إلى الشرح والتوضيح، فنسج على منوال شيخه في عرض كتب "المدونة"، وفي شرح بعض النصوص الفقهية التي ساقها، بل الأكثر من ذلك أنه كان يعتمد عليه كثيراً في هذا الباب؛ ففي بيوع الآجال مثلاً عرض عياض للتعريف به عند الفقهاء، وبين الأصل الذي بني عليه، قبل أن يبدأ تعاليقه على نصوص "المدونة"، كما بين التأصيل الذي اعتمده في بيع الأجل كل إمام من أئمة المالكية، كابن القاسم وأشهب وابن المواز وفضل بن سلمة، وابن حبيب وغيرهم. ثانياً: ضبط بعض المفردات وشرحها: اهتم عياض بضبط بعض مفردات "المدونة" وشرحها، سواء تعلقت باللغة، أو بالأشخاص، أو الأماكن، ما دامت هذه الألفاظ غير خاضعة لقياس، أو قاعدة تضبطها، وهذا الاهتمام بضبط الألفاظ أخذه عن شيوخه، فقد أخبر عن شيخه أبي الحسن علي بن المشرف بن المسلم (¬1) الأنماطي (¬2) بسنده إلى أبي إسحاق النيجرمي أنه قال: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس, لأنه لا يدخلها القياس، ولا قبله شيء يدل عليه، ولا بعده شيء يدل عليه (¬3). وهذا المنهج سار عليه كذلك في كتابه "مشارق الأنوار". وقد تشكل هذه الألفاظ المهملة عقبة كأداء أمام القارئ، فتحتاج إلى من يقوم بضبطها، وتقييدها وبيان المقصود منها, لأن القارئ يحار في مثل هذه الكلمات إذا أراد أن يبحث عن معناها، إلى أي مرجع يتجه؟ وهذه الألفاظ لا يضبطها إلا الذين قضوا عقوداً من أعمارهم في ملازمة الشيوخ، مع الحرص على ¬
الضبط عند الأخذ عنهم، ويرحم الله عياضاً فقد روى حكاية عن شيخه ابن عتاب عن أبيه في تعليمه الضبط للمبتدئين، فقال وهو يتحدث عن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تصروا الإبل" (¬1) (¬2)، ضبطه بضم التاء، وفتح الصاد وفتح اللام، من الإبل، هذا هو الصواب. وكذا ضبطناه عن الشيوخ، ولا يصح على ما تقدم غيره، وكان الشيخ أبو محمَّد بن عتاب حكى لنا عن أبيه أنه كان يقول للطلبة: إذا أشكل عليكم ضبط هذا الحرف فاقرؤوا قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (¬3)، ونعم ما قال رحمه الله، لمن يشكل عليه هذا الحرف من المبتدئين، وكثير من الشارحين، ومن لا يتقن الضبط من الفقهاء والمحدثين. وسأعرض بعض النماذج التي ضبطها: - السفتجات، بفتح السين وسكون الفاء وفتح التاء بعدها جيم جمع سفتجة: وهي البطائق التي تكتب فيها الإحالات بالديون. - وخبز الملة، بفتح الميم وتشديد اللام: هو نوع مما يطبخ به الخبز، وهو أن يحمى بالنار موضع من الرمل أو التراب ثم توضع فيه الخبزة، ويرد بعضه عليها حتى تنضج، سمي بذلك لحرارته. - والأمرخ، بفتح الهمزة وآخره خاء معجمة فسره في الكتاب: جبل الفسطاط. - "وحيان بن عمير العبسي" (¬4) - بفتح الحاء وياء باثنتين تحتها. ونسبه العبسي بالعين المهملة بعدها باء ساكنة بواحدة وسين مهملة (¬5) كذا أصلحته ¬
ثالثا: التنبيه على اختلاف الروايات
من أصل ابن عتاب، وفي أكثر النسخ القيسي (¬1)، بالقاف وياء باثنتين تحتها. إلا أن ما ذكره عياض لا يوافق ما في كتب التراجم ففي النسخ المطبوعة من المدونة وفي كتب التراجم: القيسي بالقاف، وهو ما أقره هو كذلك في بعض النسخ. ثالثاً: التنبيه على اختلاف الروايات: نبه القاضي عياض على الاختلاف الموجود في روايات "المدونة"، وما لهذا الاختلاف من أثر على المختصرات الفقهية، والأحكام الفقهية، وسأعرض بعض النماذج من هذا الاختلاف: - قال في كتاب "بيوع الآجال" في مسألة البيع والسلف: وقوله: "إلا أن يرضى من اشترط السلف أن يترك ما اشترط" (¬2). ثم قال: "قلت: لم كان هذا الذي اشترط السلف إذا ترك السلف ورضي في ثبت البيع. قال: كذلك قال مالك" (¬3). كذا روايتنا. وكذا في أكثر الأمهات، وكذا في "الموطإ" (¬4) ووقع في بعض النسخ يرد ما اشترط ورد السلف. قال فضل: وكذا قرأناها على يحيى، إذا رد. قال: وسحنون أصلحها في رواية يحيى في الموضعين. وردها يترك وترك، إذ مذهبه: أنه لا يجوز الإسقاط، والرضى بترك السلف بعد القبض، إذ بالقبض تم الربا بينهما، وقاله ابن حبيب (¬5)، ورواه علي وابن عبد الحكم عن مالك. وذهب أكثر شيوخ القرويين إلى أن قول سحنون وفاق للكتاب، وبعضهم يجعله خلافاً. ويستدل بما في الأصل من قوله: يرد، وكذا حكى أصبغ في أصوله: أنه ¬
يرد السلف وإن قبضه، ومحمد بن عبد الحكم يرى رد البيع وإن أسقط السلف مشترطه. وهذا الاختلاف الواقع بين كلمتي يرد ويترك، هو أصل الاختلاف، هل يرد البيع؟ أو يرد السلف؟ وقد تمسك البعض بما في نسخة يحيى، وقد قال يحيى بن عمر: وسحنون أصلحها: يترك، وإنما كان: يرد. وقال ابن رشد: وإلى هذا ذهب سحنون في إصلاحه مسألة كتاب "بيوع الآجال في المدونة" بأن جعل فيها مكان يرد: يتركو فتدبر ذلك (¬1). - وقال في كتاب الغرر: وقوله: وينقض صاحب الحلية حليته إذا أراد صاحب السيف ذلك وأراد صاحب الحلية ذلك؟ (¬2) كذا في كتابي. وهو يقصد نسخته من "المدونة". ما أورده عياض في هذا النص هو السؤال فقط، ولم يذكر الجواب لأن الذي أراد أن ينبه عليه هو "وأراد" الموجود في نسخته، و"أو أراد" الموجود في كتاب "ابن المرابط". ونص "المدونة": قلت: وينقض صاحب الحلية حليته إذا أراد صاحب السيف ذلك وأراد صاحب الحلية؟ قال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم، هو قوله. قلت: ولا ترى هذا من الضرر؟ قال: لا, لأنهما قد رضيا (¬3). وعلق عياض على هذا النص فقال: ظاهره أنه إنما ينقض باتفاقهما وليس المراد ذلك، بل المعنى: أن من دعا منهما إلى تخليص ملكه فذلك له، ووقع هذا اللفظ في كتاب "ابن المرابط": أو أراد؛ وهذه الرواية أبين. - وفي كتاب "المرابحة": في "المدونة": طبعة دار صادر: فلا يكون للبائع على المشتري غير ذلك (¬4)، وفي طبعة دار الفكر: فلا يكون للمشتري ¬
أن ينقصه من ذلك (¬1). قال عياض عندما علق على هذا النص: كذا عند شيوخي، وروايتي، وهي رواية أحمد بن أبي سليمان، ويحيى بن عمر، وفي بعضها: "فلا يكون للبائع" (¬2)، وكذا عند ابن خالد، قال بعضهم: وهو أصح من المشتري. ورأى عياض أن المعنيين يرجعان إلى معنى واحد لكن لفظ المشتري أليق وأحسن في نظم الكلام. ولم يقتصر عياض على المقارنة بين الروايات، بل كان يقارن كذلك بين "المدونة" وأصلها "الأسدية". - قال في كتاب "العيوب": وقوله: "فإن ادعى المشتري الذي قطع الثوب أن البائع حين باعه علم بالعيب وأنكره البائع (¬3)، قال: على البائع اليمين" (¬4) كذا في "المدونة". وفي أصل "الأسدية"، فإن قال البائع: استحلفوه أنه لم يعلم بالعيب، قال: عليه اليمين، وهذا خلاف ما نصه في الباب أنه لا يحلفه بمجرد الدعوى بالرضى. وإذا كان عياض يعرض هذه الروايات المختلفة فإنه يعرضها إما ليثبت الاختلاف بين النسخ، أو لينبه على الرواية التي اعتمد عليها بعض المختصرين، أو ليبين الأحكام الفقهية المبنية على رواية ما من الروايات، أو ليجمع بين الروايات المختلفة، كما جاء في كتاب "الشهادات": - قال عياض: وقوله: وترك السلطان ما سوى ذلك في يد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يده (¬5)، كذا لإبراهيم بن محمَّد ¬
رابعا: إصلاح الغلط الواقع من بعض رواتها
وسقط: "لا" عند ابن وضاح. قال بعضهم: والأول أصوب. ثم قال: كلاهما صحيح، فبإثبات "لا"، يرجع الكلام إلى السلطان. وبسقوطها يرجع إلى المستحق الذي يأتي فيأخذه. وبهذا جمع عياض بين الروايتين. رابعاً: إصلاح الغلط الواقع من بعض رواتها: نبه عياض على بعض النصوص التي وقع فيها خطأ، فأصلحها سحنون، أو أصلحها غيره، وهذه النقطة من الأمور الدقيقة عند عياض، لأنه لم يعتمد فيها على ملكته الفقهية، وما يعرف من الأحكام، أو القواعد الفقهية، أو القواعد اللغوية فحسب، بل كان يتتبع الخطأ خطوة، خطوة، باستنطاقه المرويات، ولم يغب عنده الاعتماد على السند حتى في هذه الجزئيات الدقيقة، ولم يكن عارضاً لهذه التصويبات فقط، بل كان يتدخل ويعلق ويبدي رأيه في بعض الأمور كما فعل في مسألة القراض. وفي بعضها يعرضها فقط، كما فعل في مسألة الغصب، كما نبه على بعض الزيادات التي لم تكن مما دون سحنون. - ومن الأمثلة على ذلك ما أخذه سحنون عن ابن القاسم في مسألة عامل القراض يدفع إليه المال فيشتري بمائتين مائة نقداً ومائة إلى أجل، قال: أرى أن تقوم السلعة بالنقد، وفي رواية أشهب: أن تقوم المائة الآجلة. قال عياض وهو يستعرض الاختلاف الوارد في هذه المسألة: ومعنى قوله: كان شريكاً: إذا أبى رب المال أن يدفع إليه الألف، على ما تقدم في الأم (¬1). ثم قال فيمن دفع مائة قراضاً، فاشترى العامل بمائتين مائة نقداً، ومائة إلى سنة أرى أن تقوم المائة الآجلة بالنقد (¬2). كذا في كتاب ¬
"ابن عتاب". ونحوه في كتاب "ابن سهل". وكثير من الأصول. قال ابن وضاح: وكذا أصلحها سحنون. قال: وكانت في الكتاب: "أن تقوم السلعة بالنقد" (¬1)، وهو خطأ. وكذا في العتبية (¬2)، وكتاب "عبد الرحيم" (¬3). وكذا ألفيت في بعض الأصول من "المدونة". وهي رواية القابسي عن الدباغ. والإبياني. وخطأوا هذه الرواية. وقاله ابن المواز. والوجهان مرويان عن مالك. قال فضل: قرأ لنا عبد الجبار: تقوم المائة بالنقد، فإن كانت قيمتها خمسين (¬4). وقرأ لنا غيره: "فإن كانت قيمتها خمسين ومائة" (¬5). قال سحنون: السلعة، في كتاب "ابن القاسم"، وأنا أصلحت المائة. وتقويم السلعة بحال. قال يحيى: وقرأ علينا: السلعة. وقال: هي خطأ. قال فضل: وهذا على مذهب ابن القاسم. وأما على ما أصلح سحنون فلا معنى لذكر مائة. وإصلاح سحنون هو على رواية أشهب عن مالك. قال القاضي: لا يصح ذكر لفظة مائة بعد خمسين، مع قوله: تقوم المائة، كما قال فضل. وإنما يتوجب على قوله: تقوم السلعة، وسقطت لفظة مائة من كتاب ابن عتاب، وابن سهل، وأكثر الأصول. وثبتت عند "ابن المرابط". وفي بعض النسخ وقد تقدم: أن تقويم المائة هو الصواب. - وقال في كتاب "الغصب": وقوله: "إن ادعى الغاصب هلاك الجارية، وحلف على صفتها، وغرم القيمة، ثم ظهرت بعد ذلك، مخالفة للصفة، أن للمغصوب منه الجارية" (¬6)، أن يزاد إلى ما أخذ تمام قيمة الجارية، يعني: جاريته له, لأنه إنما جحده بعض القيمة. كذا أصلحها ¬
سحنون. وكذا في كتاب أبي إبراهيم. وكذا خرجها في كتاب "ابن المرابط". وكان في أصله: فيكون للمغصوب منه الجارية، أن يأخذ من الغاصب تمام القيمة، لأنه إنما جحده بعض القيمة، وهما بمعنى. وفي بعض الروايات: "فيكون للمغصوب منه الجارية، أن يرد ما أخذ، ويأخذ جاريته، وإن شاء تركها، وحبس ما أخذ من القيمة. قيل (¬1): هذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي" (¬2). وكذلك في كتاب "ابن عتاب"، وعلم عليه. قال ابن وضاح: قال سحنون: لست أعرفه. يقول هذا وتركه، ولم يعرضه سحنون. قال يحيى بن عمر: روى أصبغ، وأبو زيد عن ابن القاسم: أن لربها أن يرد ما أخذ ويأخذ جاريته. ومما ذكر بأنه لم يكن مما دون سحنون ما ذكره عياض بأنه من زيادة ابن باز من موطأ ابن وهب في كتاب "القراض". قال: زاد في بعض الروايات: "ابن وهب، وقال الليث مثله. إلا أن يكون طعاماً يخاف عليه السوس، أو شبهه، فيتلف رأس المال، فإنه يؤمر حينئذٍ بالبيع" (¬3). ولم يكن هذا في كتاب "ابن وضاح". وكتب في كتاب "ابن عتاب" عليها: أدخلها إبراهيم بن محمَّد من موطأ ابن وهب. وليس مما دون سحنون، وصحت "لابن باز" عند "ابن المرابط". ولم يكن في كتاب "الإبياني"، ولا في رواية الدباغ. ¬
المبحث الثالث: مصادر الكتاب
المبحث الثالث: مصادر الكتاب يتبين لمستقرئ تراث القاضي عياض أنه بحاثة جماع، وأنه قطع على نفسه الاشتغال بالعلم عمره. قال عنه ابنه: "كثير المطالعة، لا يفارق كتبه، كثير البحث عن العلم، توفي وهو طالب له" (¬1). وقال المقري: كان كثير الاعتناء بالتقييد والتحصيل (¬2). وحكى ابنه أيضاً عن ابن عمه أبي عبد الله الزاهد أن القاضي عياضاً جلس وإياه عشية يوم "إذ أتى بعض طلبته بجزء فأخذه من يده، وجعل يستغربه ويورق فيه، وينظر تارة ويتحدث معهم تارة، فلما حان انصرافهم دفعه لصاحبه فقال له: يا سيدي، أمسكه حتى تقضي منه أربك، فقال له: لا حاجة لي به، فما بقيت فيه فائدة إلا أخذتها. وأخبرني بعض أصحابنا أنه سمعه يقول: لما وصل إلى بلدنا كتاب "المقامات" للحريري - وكنت لم أرها قبل - لم أنم ليلة طالعتها حتى أكملت جميعها بالمطالعة" (¬3). وبالموازنة بين كتاباته المختلفة في الموضوع الواحد، وتحليله للمسألة الواحدة في أكثر من كتاب من مؤلفاته أو ضبط علم أو شرح كلمة، يمكن أن يلحظ القارئ مدى التطابق والتكرار الظاهر للمعاني والألفاظ والتعابير ¬
التي غالباً ما تتفق، وكان المؤلف في تقميشه يجمع مادته العلمية في بطاقات ويرتبها، ثم يرجع إلى تلك البطاقات عند الحاجة، وقد يزيد أو ينقص أحياناً. وفي هوامش النص المحقق كثير من "التنبيهات" على هذا السلوك التأليفي عند المصنف رحمه الله فيما تكرر من معلومات بعينها في "التنبيهات" و"الإكمال" و"المشارق" جميعاً. يزيد عدد المصادر المكتوبة المسماة في الكتاب على مائة مصدر بين كتاب كبير ربما وصلت أجزاؤه مائة - بتجزئتهم - وبين جزء أو رسالة صغيرين، وكثير من هذه المصادر هو اليوم في حكم المفقود، مثل: كتب المغيرة المخزومي المدني، وكتب ابن كنانة، وكتب ابن الماجشون أصحاب مالك (¬1)، ومثل: مدونة أشهب، واختصار "الأسدية" لابن عبد الحكم، وأبي زيد بن أبي الغمر، وكتب عيسى بن دينار، وكتب السليمانية والدمياطية والحمديسية والثمانية والمبسوطة والمجموعة، وكتب ابن شعبان وفضل بن سلمة وأبي عمران الفاسي ... يضاف لهذه المائة أكثر مائة ثانية من العلماء والفقهاء من طبقات وأعصار مختلفة حكى عنهم المؤلف آراءهم دون أن يعزوها إلى كتاب، ومنهم من لا يكاد يذكر اسمه في مصادر الفقه مثل: ابن أبي سبرة، وابن أبي عمران الطلحي، وأبي بكر النعالي، والصديني الفاسي، وعبيد الحفناوي، وأبو النجا الفرائضي، والقاضي علي بن جعفر التلباني ... ثم يوجد نوع آخر من المصادر المبهمة تتردد في الكتاب، كقوله: طائفة من البصريين، وفقهاء الحجاز، وأهل الوثائق، ومحققو الأصوليين، وغير هذا. ¬
ومن أسماء اللغويين أكثر ثلاثين ذكرهم كذلك. هذا إضافة إلى بعض المصادر الشفوية التي لا بأس بها وبمحتواها، خاصة في علم اللغة وضبط الرواية. ويثير الانتباه هنا قضية هي ما إن كان المؤلف ينقل عن هذا الكم كله بالمباشرة أو بالوساطة؟ لقد سبق عند جرد مرويات المؤلف في المجالات الثلاثة: الفقه والحديث واللغة، التأكد أن فهرسته لم تحتو كل مروياته، بدليل اعتماده على مصادر في مؤلفاته غير مسماة في الغنية، وصرح في أول فهرسته بالاقتصار على عيون مروياته (¬1). وقد صرح غير مرة أنه ينقل كثيراً من المعطيات المتعلقة بالفروق بين نسخ "المدونة" من هوامش نسخ متأخرة وقعت إليه ولم يطلع على أصول أصحابها. فكما اعتمد على حواشي بعض النسخ لإثبات الفروق، فمن الوارد أن يعتمد على مصادر معينة في نقل آراء وأقوال عن كتب متقدمة، وقد يلاحظ القارئ أحياناً أن المؤلف يلخص مسألة معينة من كتاب ما، فينقل منه نصوصاً لغير مؤلفه وبوساطته، ومثل هذا محتمل في نقل المؤلف نصوص كتاب ابن رشد المقدمات الممهدات، فكثيراً ما لا يختلف ما في الكتابين وتتحد المصادر والأسماء المذكورة فيهما! ويثار بهذه المناسبة عدم ذكر المؤلف لكتاب شيخه الموسوعة، "البيان والتحصيل"، ومع هذا فيمكن القول من ملاحظة بعض النقول عن ابن رشد أنه يرجع إلى الكتاب ... ومن الأمثلة التي قد تدل على النقل بالوساطة قول المؤلف: - " ... خلاف ما وقع في كتب بعض الموثقين وتأوله على "المدونة" أنه بغير رضاهن، وهو وهم منه أو من النقلة عنه". فهذا تصريح بعدم ¬
1 - الأسدية
الاطلاع على الأصل، وإنما اعتمد على النقلة عنه. ولنقارن ما بين نص المؤلف وهذا النص لعبد الحق الصقلي: - قال المؤلف: "قوله: وسأطيب لك ذلك، أي: أتركه لك كله. قاله أبو عبيد في كتاب "الأموال" ورواه: وسأطيبه لك جميعاً". - وقال عبد الحق: "وقوله: وسأطيب لك البقية، معناه: سأتركه لك كله. كذلك فسره أبو عبيد في كتاب "الأموال"، ورواية أبي عبيد في هذا الحديث: وسأطيبه لك جميعاً" (¬1). ولا يبعد أن تكون بعض آراء الفقهاء القرويين في "التنبيهات" مأخوذة عن كتب عبد الحق الصقلي وشرح "المدونة" وشرح "التلقين" للمازري، وفي هذا الأخير بعض النماذج الظاهرة ... ونبدأ هذا الجرد بذكر مصدرين هامين جداً في تاريخ المذهب؛ أولهما: "الأسدية"، وثانيهما: "الاستيعاب". 1 - الأسدية: عندما نستقرئ قاموس المؤلف في التعامل مع "الأسدية"، نجد هذه الاستعمالات: كذا في أصل "الأسدية". وقع في "الأسدية" وأصل "المدونة". وكذلك في كتاب المكاتب من "الأسدية". ومثل هذا متكرر في الكتاب، وهو في ظاهره دال على المباشرة. غير أن استعمالات أخرى تدل على عكس هذا، ومنها قوله: - "قال أحمد بن خالد: هذا أمر أصلحه سحنون، لأن في الأسدية ... ". - " ... كتب عليه: ليس هذا الحرف في "المدونة"، وصح في "الأسدية"". ¬
2 - كتاب الاستيعاب
- "قال أحمد بن خالد: المسألة مصلحة، وليست كذا في "الأسدية".". ومما يدعو للشك في اطلاع المؤلف عليها، وأنه إنما يحكي عن غيره عنها أن بعض تعابيره في ذكرها هي تعابير غيره في ذلك، كابن رشد في "المقدمات" (¬1)، فما هناك هو عين ما في "التنبيهات". هذا ولا ذكر لكتاب "الأسدية" في مرويات القاضي عياض، ولا إشارة لها، بل عكس هذا هو ما ذكره في "المدارك" بعد أن نقل عن الشيرازي قوله: "هي مرفوضة عندهم إلى اليوم" (¬2)، قال بعد ذلك: "ونسيت "الأسدية" فلا ذكر لها الآن" (¬3). غير أن هذا لا يعني فقدانها وانقطاعها؛ إذ توجد أدلة على حضورها وتداولها قبيل عصر المؤلف بقليل، فقد ذكر ابن سهل عن شيخه أبي عبد الله بن عتاب - وهو في طبقة شيوخ شيوخ المؤلف وتوفي 462 هـ (¬4) - ذكر عنه ابن سهل: أنه احتج "يومئذٍ بمسألة أخرجها إلينا معلقة بخط أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التجيبي الطليطلي على ظهر كتاب "القسمة" من "الأسدية"، وهي: قال أبو إبراهيم ... " (¬5). ثم ذكر ابن سهل بعد هذا من قوله: "قرأت هذه المسألة على من حضر من أصحابنا عند الشيخ أبي عبد الله بن عتاب، ورأيت في كتاب "القسمة" الذي كانت هذه المسألة على ظهره من قول مالك ... " (¬6). 2 - كتاب الاستيعاب: هذا الكتاب المغمور المفتقد كان مشروعاً رسمياً في الأندلس لجمع فقه مالك خاصة، لا يشاركه فيه قول أحد من أصحابه، كان قد سقط للحكم ¬
المستنصر الأموي بعضه مما ابتدأه بعض أصحاب القاضي إسماعيل (¬1)، مضى للمؤلف منه مقدار خمسة أجزاء أو نحوها، فانتدب قاضي الحكم - ابن السليم - الفقيهين أبا عمر بن المكوي وأبا بكر المعيطي، وفتح لهما المستنصر خزانته الضخمة الفريدة في نوعها (¬2)، فاكملا الكتاب في مائة جزء بلغا فيه النهاية (¬3)، وللكتاب جامع يبدو أنه كبير أيضاً (¬4). ويبدو أن الكتاب قليل التداول في الوسط العلمي، وممن ذكره الباجي في كتابه "فرق الفقهاء" بقوله: "زاد على مائة كتاب، قرأت بعضه، وقد رأيت أكثره، وكان شيوخنا يقولون: لا تكاد توجد قولة لأصحاب مالك إلا وهي في ذلك الكتاب ... " (¬5). هذا والمؤلف ذكر الكتاب في "التنبيهات"، وذكره أيضاً في نص استفتاء له مرفوع لشيخه ابن رشد (¬6). وآخر من وجدته اطلع عليه أبو الحسن الرجراجي، وكان حيا أواسط القرن السابع (¬7) في كتابه "مناهج التحصيل"، إذ قال: "طالعت الاستيعاب للأقاويل" (¬8). ¬
3 - كتب أشهب بن عبد العزيز (ت: 204)
والحاصل أن هذه الموسوعة ذات أهمية كبيرة من حيث انفرادها بجمع آراء مالك خاصة، ومن حيث الجمع في حد ذاته، ثم من جهة استيعابها لمصادر قديمة لا وجود لها اليوم. ثم الحاصل أن مصادر المؤلف ذات أهمية كبرى من وجهين: أولهما: جمعها لروايات "المدونة"، واختلاف نسخها إلى حين تمكن المؤلف منها وإدخالها في كتابه، وهذا يعطي لكتاب "التنبيهات" قيمة علمية وتاريخية كبرى، لا سيما وأن المؤلف قد قام بعمله هذا في أنسب الأوقات وفي آخر فرصة قبل أن يجمع الموحدون نسخ "المدونة" وبقية الأمهات ويحرقوها في أقطار الغرب الإِسلامي. ثانيهما: إن هذه المصادر التي أصبح كثير منها في حكم المفقود احتفظ كتاب "التنبيهات" منها بمادة لا بأس بها، منها: روايات، ومنها: آراء قد لا توجد في غير الكتاب. هذا بالإضافة إلى بعض مصادره في اللغة التي منها عدد من المفتقدات، وتتضح هذه الأهمية في استفادة كتب اللغة المتأخرة من تراثه اللغوي كما مر من قبل. 3 - كتب أشهب بن عبد العزيز (ت: 204): - " المدونة": قال عياض: وألف أشهب كتابه "المدونة" رواها عنه سعيد بن حسان وغيره، وهو كتاب جليل كثير العلم (¬1). ويقول ميكلوش: ويذكر في السجل القديم لمكتبة القيروان ما مجموعه خمس عشرة كراسة من مؤلفات أشهب، بعنوان: (سماع أشهب) (¬2). وقال يحيى: لما قرأ أسد على ابن القاسم "الأسدية"، وضع أشهب يده في مثلها، فخالفه في جلها - قال عياض: وهي المعروفة بمدونة أشهب، وبكتاب أشهب - فقلت لابن القاسم: يا أبا عبد الله لو أعدت نظرك في هذه الكتب، فإن صاحبك قد ¬
4 - كتب عبد الملك بن الماجشون (ت: 212)
خالفك، فما لاءمك عليه أقررته، وما خالفك فيه أعدت النظر فيه، فقال: أفعل إن شاء الله تعالى (¬1). ولعل هاتين المدونتين هما أساس الاختلاف في كثير من المسائل الفقهية في المذهب المالكي، ومن يراجع "مدونة سحنون" يجد أنه أخذ الكثير من "مدونة أشهب"، بل ربما يأخذ بقول أشهب ويترك قول ابن القاسم، وهذا ما يعنيه القاضي عياض في كتابه "التنبيهات": هذا على أصل ابن القاسم، وهذا على أصل أشهب، بل يمكن إرجاع الكثير من القواعد الفقهية في المذهب المالكي التي يمكن أن تسمى بأمهات الخلاف إلى الخلاف بين هاتين المدونتين. وقد كان أشهب يجتهد برأيه في القضايا التي تلقى عليه حتى لو خالف مالكاً، وقد سأل أسد بن الفرات أشهب فأجابه، فقال: من يقول هذا؟ فقال أشهب: هذا قولي، فدار بينهما كلام، فقال عبد الله بن عبد الحكم لأسد: ما لك ولهذا؟ أجابك بجوابه، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فاترك (¬2). 4 - كتب عبد الملك بن الماجشون (ت: 212): يقول عنه عياض: لعبد الملك بن الماجشون كلام كثير في الفقه وعلم كثير جداً. وقال ابن أكتم القاضي: كتبت عنه أربعمائة جلد أو مائتي جلد - شك الراوي - أو كما قال (¬3). وكان أول من قدم بفقه ابن الماجشون إلى القيروان حماد بن يحيى السجلماسي تلميذ سحنون. وقد وقع في المدارك خلط في هذا الاسم فقد ذكره في ترجمة ابن الماجشون بيحيى بن حماد السجلماسي. قال: وكتابه - وهو يعني: ابن الماجشون - الذي ألفه في الفقه يرويه عنه يحيى بن حماد السجلماسي (¬4) وفي ترجمته قال: حماد بن يحيى ¬
5 - كتب عيسى بن دينار (ت: 212 هـ)
السجلماسي، أبو يحيى (¬1)، وبهذا الاسم الأخير ذكره في "التنبيهات". ولابن الماجشون كذلك: "سماعات"، و"رسالة في الإيمان والقدر"، و"الرد على من قال بخلق القرآن" (¬2). ولعل القاضي عياضاً اعتمد على فقهه المنقول في الواضحة والنوادر. 5 - كتب عيسى بن دينار (ت: 212 هـ): - " الهدية" أو "الهداية": قال عياض: ولعيسى تأليف في الفقه يسمى بكتاب "الهدية" كتب به إلى بعض الأمراء (¬3)، وهذا ما يدل على أهمية الكتاب، وكان في عشرة أجزاء. وقد أثنى ابن حزم على أهمية هذا الكتاب (¬4). وقال ابن عتاب: الجدار من كتاب "الهدية" (¬5). 6 - سماع عيسى بن دينار: لعيسى بن دينار سماع من ابن القاسم وهو لم يسمع من مالك، وقال عياض: غلط من جعله ممن رحل إلى مالك (¬6)، وقد حفظ لنا العتبي سماعه من ابن القاسم في المستخرجة التي شرحها ابن رشد في كتابه "البيان والتحصيل". 7 - مختصر ابن عبد الحكم (ت: 214 هـ): ألف عبد الله بن عبد الحكم ثلاثة مختصرات، جمع فيها سماعاته: - المختصر الكبير: اختصر فيه سماعاته عن أشهب، وذكر عياض أنه يقال: إنه نحا به اختصار كتب أشهب (¬7). وقد اختصر ابن عبد الحكم كتابه ¬
8 - الدمياطية
هذا في كتاب صغير وعلى هذين الكتابين اعتماد البغداديين في المدارسة، وإياهما شرح أبو بكر الأبهري (¬1). ويقول ميكلوش موراني: توجد نسخة من المختصر الكبير بخزانة القرويين، تحت رقم: 810 (¬2). - المختصر الصغير: ويقول القاضي عياض: إن المختصر الصغير قصره على علم "الموطأ" (¬3). - المختصر الأوسط: وفيه أربعة آلاف مسألة وهو صنفان، فالذي من رواية القراطيسي فيه زيادة الآثار، خلاف الذي من رواية محمَّد ابنه (¬4). وعياض في كتابه "التنبيهات" عند نقله عن ابن عبد الحكم تارة يذكره باسمه وتارة يذكر كتابه المختصر الكبير. 8 - الدمياطية: هذا الكتاب منسوب لعبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي المتوفى 226 هـ جمع فيه سماعاته من أكابر أصحاب مالك، كابن وهب، وابن القاسم، وأشهب (¬5). 9 - الواضحة في السنن والفقه: الواضحة لعبد الملك بن حبيب السلمي المتوفى سنة 226 هـ، من أهم الكتب الفقهية في المذهب المالكي وكان اعتماد أهل الأندلس عليها، وقد حظي الكتاب بمكانة متميزة، لجمعه بين دفتيه آراء المدارس المالكية التي تتلمذ عليها. 10 - كتب أحمد بن نصر الداودي (¬6) (ت: 402 هـ): ينقل القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي من غير أن ¬
11 - كتب ابن محرز المتوفى نحو 450 هـ
يشير إلى أي كتاب من كتبه، وإنما يذكر اسمه فقط، ولم يتضح هل ينقل عن كتبه مباشرة، أو ينقل عنها بواسطة؟ ولأحمد بن نصر عدة كتب منها ما هو مفقود، ومنها ما هو مطبوع، وما هو مخطوط، ومن هذه الكتب: - "النامي في شرح الموطأ"، مخطوط بخزانة القرويين تحت رقم: 175، نسخة واحدة مبتور الأول والآخر، مكتوب بخط أندلسي جيد، كما يقول محقق كتاب "الأموال" (¬1). - كتاب "الأموال" وهو مطبوع حققه رضا محمَّد شحادة بمركز إحياء التراث المغربي. - "الواعي في الفقه" مفقود. - كتاب "الأسئلة والأجوبة في الفقه"، مخطوط بجامع الزيتونة، رقم: 10486. وكتب أخرى (¬2). 11 - كتب ابن محرز المتوفى نحو 450 هـ: أبو القاسم عبد الرحمن بن محرز تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن له مؤلفات جيدة منها: تعليق على "المدونة" سماه: "التبصرة"، وكتابه الكبير المسمى: بـ "القصد والإيجاز" (¬3)، ولا ندري هل وصلت هذه الكتب إلى عياض فاعتمد عليها، أو اعتمد عليها بواسطة؟ 12 - كتب أبي إسحاق التونسي: حدد الدباغ تاريخ وفاته بسنة 443 هـ "المدارك": 8/ 62 وجعلها مخلوف سنة 438 هـ. ¬
13 - الموازية
اعتمد القاضي عياض كثيراً على اختيارات أبي إسحاق إبراهيم بن حسن التونسي، ولعله يرجع في ذلك إلى ما نقله عنه ابن رشد. ولأبي إسحاق تعاليق مستعملة متنافس فيها على "المدونة"، وعلى كتاب "ابن المواز" (¬1). 13 - الموازية: الكتاب لمحمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز، وكتابه هذا من أشهر كتب الفقه المالكي في شمال إفريقيا، ولم يذكر القاضي عياض هذا الكتاب بالاسم بل كان يذكر صاحب الكتاب، فيقول: قال محمَّد: وعلى قول محمَّد، وفي كتاب محمَّد، أو ما يشير إلى أن الرأي لمحمد بن المواز. ولم يحتفظ لنا التاريخ بهذا الكتاب، ويذكر بعض الباحثين أن في مكتبة محمَّد الطاهر بن عاشور بتونس من الموازية قطعة قديمة في 15 ورقة (¬2). 14 - كتب يحيى بن عمر (ت: 289 هـ): يحيى بن عمر راوي "المدونة" عن سحنون، ذكر له عياض أقوالاً فقهية من غير أن يسمي كتاباً من كتبه، ويحصي المؤرخ القيرواني أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد عدد مؤلفاته بأربعين جزءاً (¬3)، ونحن نذكر بعض كتبه الواردة في المدارك: كتاب "الرد على الشافعي"، وتوجد قطعة من هذا الكتاب مزودة بسماع أخيه بخزانة القيروان (¬4). كتاب "اختصار المستخرجة"، وهو المسمى: بـ "المنتخبة" (¬5). ¬
15 - كتاب الطبقات لابن أبي دليم (ت: 351 هـ)
وله كتاب في "اختلاف ابن القاسم وأشهب"، وقد اقتبس الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد الكثير من هذا الكتاب وضمنه في كتابه "النوادر". 15 - كتاب الطبقات لابن أبي دليم (ت: 351 هـ): الكتاب لعبد الله بن محمَّد بن عبد الله بن أبي دليم القرطبي، ويسمى: كتاب "الطبقات" فيمن روى عن مالك، وأتباعهم من أهل الأمصار، وهذا الكتاب كان بحوزة عياض وقد نقل منه الكثير في كتابه "المدارك" (¬1). 16 - كتب ابن أبي زمنين (ت: 399 هـ): لابن أبي زمنين كتب في الفقه جيدة ومفيدة، نذكر منها: "المقرب" في اختصار "المدونة"، وشرح مشكلها، والتفقه في نكت منها، قال عياض: وليس في مختصراتها مثله باتفاق. وقال ابن سهل: هو أفضل مختصرات "المدونة" (¬2). - كتاب "المنتخب" وهذا الكتاب انتفع به الكثير وقد حقق جزء منه وطبع والباقي في طريقه إلى الطبع. المهذب في اختصار شرح ابن مزين "للموطأ". وكتب أخرى (¬3). 17 - المنتخبة: نقل عياض الكثير عن ابن لبابة أبي عبد الله محمَّد بن يحيى بن عمر بن لبابة الملقب بالبرجون (¬4)، المتوفى سنة 330 هـ، ولابن لبابة كتب في الفقه أهمها: "المنتخبة" وهي لشرح مسائل "المدونة"، ويعرف ابن لبابة ¬
18 - كتاب إصلاح الغلط لابن قتيبة
باختياراته في الفتوى والفقه الخارجة عن المذهب. وكان جل سماعه من عمه محمد بن عمر بن لبابة (¬1). 18 - كتاب إصلاح الغلط لابن قتيبة: هذا الكتاب لم يذكره عياض بالاسم ولكن لا بدّ أن يكون قد استفاد منه في الكثير من تنبيهاته، وهو يقول في هذا الكتاب: قرأته على محمَّد بن عيسى التميمي، وقرأته على غيره (¬2). 19 - كتاب غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد البستي الخطابي: وهذا الكتاب كذلك من الكتب التي قرأها عياض على محمَّد بن عيسى التميمي، قال: سمعت جميعه يقرأ عليه، وقرأت بعضه، وفاتني ورقات من أوله أجازنيها، وسمعت جميعه على الوزير أبي الحسن سراج بن عبد الملك الحافظ بقراءة أبي شيخنا الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد (¬3). 20 - الملخص لمسند الموطأ للقابسي: لم يذكر عياض الكتاب باسمه ولكنه نقل كثيراً عن القابسي، وكان قد أخذ الكتاب عن شيخه محمَّد بن عيسى التميمي سماعاً، قال: سمعته يقرأ عليه، وقرأه على الفقيه أبي إسحاق بن جعفر (¬4). وقال عياض في ضبط اسمه: وبعض شيوخنا يقول فيه: الملخص بكسر الخاء، وترجمة الكتاب تدل على الوجهين (¬5). ¬
21 - المبسوط
21 - المبسوط: من تأليف القاضي إسماعيل بن إسحاق المبسوط في الفقه ومختصره، ضمنه بعد كلام عبد الملك بن الماجشون، واعتمده عياض في النقل عن العراقيين، واختصره ابن الفخار (¬1). 22 - كتاب ابن مزين (ت: 259 هـ): هكذا ذكر القاضي عياض هذا الكتاب لأبي زكرياء يحيى بن مزين، من غير أن يبين اسمه، وورد في بعض الكتب بتفسير ابن مزين، ولعل المقصود كتابه في تفسير "الموطأ" (¬2). 23 - كتب القاضي عبد الوهاب. (ت: 422 هـ): ترك القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب بن نصر البغدادي مؤلفات كثيرة منها ما هو مطبوع كـ "المعونة على مذهب عالم المدينة، وكتاب "التلقين"، وكتاب "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، وما هو مخطوط ككتاب "الممهد في شرح مختصر الشيخ أبي محمَّد" وكتاب شرح "المدونة" لم يتم وكتاب "النصرة لمذهب إمام دار الهجرة"، وكتب أخرى (¬3). وربما كان يرجع عياض إلى مؤلفاته في الفقه كثيراً كما يرجع إلى المبسوط فيختصر الكلام ويقول على رأي البغداديين، كما وجدت له نقولاً للقاضي عبد الوهاب اعتمد فيها على "المعونة". 24 - التهذيب: من تأليف أبي القاسم خلف بن أبي القاسم الأزدي المعروف بالبرادعي، من كبار أصحاب أبي محمَّد بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي (¬4). وكتاب "التهذيب" من أشهر مختصرات "المدونة"، وكان عياض ¬
25 - مختصر المدونة لابن أبي زيد
يرجع إليه كما يرجع إلى مختصر ابن أبي زمنين ومختصر ابن أبي زيد. 25 - مختصر المدونة لابن أبي زيد: اعتمد القاضي عياض على مختصر أبي محمَّد عبد الله بن أبي زيد عند مقارنة روايات "المدونة" فيقول: وعلى هذه الرواية اختصر ابن أبي زيد، واختصر ابن أبي زمنين على رواية فلان، وفي الخزانة العامة بالرباط نسخة تحت رقم ق: 140، والنسخة الموجودة في خزانة ابن يوسف قطعة صغيرة ومتلاشية جداً ولم نتمكن من المقارنة بينهما. 26 - المدنية: وهي الكتب التي أدخلها عبد الرحمن بن دينار (¬1) إلى المغرب، وسمعها منه أخوه عيسى، فعرضها على ابن القاسم، فرد فيها أشياء من رأيه (¬2). 27 - النوادر: كتاب "النوادر" لابن أبي زيد جمع فيه النوادر والزيادات على "المدونة" من "الواضحة والمجموعة" لابن عبدوس و"الموازية، والعتبية"، وكتاب "ابن سحنون"، وهو مطبوع في خمسة عشر جزءاً. 28 - الزاهي: 29 - مختصر ما ليس في المختصر. هذان الكتابان لأبي إسحاق محمَّد بن القاسم بن شعبان، المتوفى 355 هـ وله كتب أخرى من غير هذين الكتابين، والمشهور عنه في الفقه كتابه "الزاهي"، وقال عياض: وأما كتبه ففيها غرائب من قول مالك، وأقوال ¬
30 - الحاوي لأبي الفرج
شاذة عن قوم لم يشتهروا بصحبته (¬1). 30 - الحاوي لأبي الفرج: " الحاوي" في مذهب مالك لأبي الفرج عمر بن محمَّد بن عمرو الليثي البغدادي، أكثر عياض من النقل عنه. 31 - وثائق ابن العطار: محمَّد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن العطار، كان متفنناً في علوم الإِسلام، عارفاً بالشروط، وعلى كتابه في الشروط عول كثير من الفقهاء. توفي 399 هـ (¬2). 32 - وثائق ابن الهندي: أبو عمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي الفقيه العالم بالشروط، والأحكام، روى عن قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة، وعبد الله بن أبي دليم، ألف كتاباً مفيداً في الشروط. ويعرف كتابه بـ "الوثائق المجموعة"، وهو أشهر كتب الوثائق، ألفه على ثلاث مراحل، ألف أولاً ديواناً مختصراً من ستة أجزاء، ثم ضاعفه وزاد فيه شروطاً وفصولاً، وتنبيهات، ثم ألفه ثالثة وشحنه بالخبر والحكم والأمثال، والنوادر، والشعر، والفوائد والحجج، فصار ديواناً كبيراً جامعاً، فكان عليه اعتماد الموثقين، والحكام بالمغرب والأندلس. توفي 399 هـ (¬3). 33 - المنتقى: " المنتقى في شرح الموطأ" للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت 474 هـ)، وهو مختصر لكتابه "الاستيفاء في شرح الموطأ"، واختصر المنتقى في كتاب سماه: "الإيماء"، ويعتبر كتاب المنتقى ¬
34 - الموطأ
ضمن المصادر الأساسية التي كان القاضي عياض يرجع إليها في كتابه "التنبيهات". 34 - الموطأ: لإمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه، وقد اعتمد عليه عياض في المسائل الفقهية المرتبطة بـ "المدونة"، وكان اعتماده على رواية يحيى بن يحيى الليثي، وقد يشير في بعض الأحيان إلى روايات أخرى. 35 - مجموعة ابن عبدوس: ألف محمَّد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير كتابه الشريف الذي سماه: "المجموعة" على مذهب مالك وأصحابه، وهو نحو الخمسين كتاباً، أعجلته المنية قبل إتمامه، وله أيضاً أربعة أجزاء في شرح "المدونة"، وكان ابن عبدوس من كبار أصحاب سحنون، وقريناً لمحمد بن سحنون (¬1). 36 - كتب عبد الحق الصقلي: ألف أبو محمَّد عبد الحق بن محمَّد بن هارون كتباً جيدة كلها تدور حول "المدونة"، وقد استطاع أن يجمع بين المدرستين المالكيتين المغربية والمصرية، لكثرة تردده على مصر والالتقاء بعلمائها، إلى أن توفي بالإسكندرية، ومن أشهر كتبه: كتاب "النكت والفروق لمسائل المدونة"، وكتابه "الكبير في شرح المدونة" المسمى بـ "تهذيب الطالب" لا يوجد منه إلا الجزء الأول مخطوط (¬2)، ونبه فيه على كتاب "النكت"، وله استدراك على مختصر البرادعي، وله جزء في ضبط ألفاظ "المدونة" (¬3)، وقد اعتمد عياض على كتب عبد الحق وبالخصوص "تهذيب الطالب"، والنكت، في بعض الأبواب، ولا يبعد أن يكون قد اعتمد كذلك كتابه في ضبط ألفاظ "المدونة"، وأسلوب عياض في تعامله مع كتب عبد الحق أنه عند استعراضه ¬
37 - المستخرجة (أو العتبية)
لبعض الآراء الفقهية يقول: وهذا اختيار عبد الحق، وأحيانا يقول: قال عبد الحق، وأحياناً يشير فيقول بعض الصقليين، وأحياناً يذكر آراءهم من غير أن يشير. 37 - المستخرجة (أو العتبية): هذا الكتاب هو ثالث الأمهات والدواوين في الفقه المالكي، وقد اعتمد عليها أهل الأندلس، وهجروا الواضحة، كما يقول ابن خلدون (¬1)، فـ "العتبية" كتاب قد عول عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين والأندلسيين، وقد اهتم ابن رشد بشرحه، وبيانه، ومقارنة ما فيه من الآراء الفقهية بأقوال فقهاء آخرين، فجاء شرحه موافقاً لعنوان كتابه البيان والتحصيل، وقد اعتمد عليها القاضي عياض في الاستدلال ببعض السماعات. 38 - مختصر حمديس: أخذ حمديس بن إبراهيم بن أبي محرز اللخمي عن ابن عبدوس، ومحمد بن عبد الحكم، ويونس الصدفي، وألف كتابه المشهور - كما يقول عياض - في اختصار مسائل "المدونة" (¬2)، وكان عياض كثيراً ما يرجع إلى قول حمديس. 39 - كتاب الخلاف: لأبي عبد الله محمَّد بن أحمد بن خويزمنداد البغدادي المالكي (¬3). هذه بعض المصادر التي أشار إليها عياض في كتابه إضافة إلى كتب رجال الحديث، ومعاجم اللغة. ¬
الفصل الرابع: منهج القاضي عياض في دراسة قضايا الكتاب
الفصل الرابع: منهج القاضي عياض في دراسة قضايا الكتاب المبحث الأول: قضايا الرواية والدراية. المبحث الثاني: القواعد الفقهية. المبحث الثالث: ملاحظات تقويمية عامة.
المبحث الأول: قضايا الرواية والدراية
المبحث الأول: قضايا الرواية والدراية المطلب الأول: معالجة قضايا الرواية أولاً: الرواية الحديثية: ليست المادة الحديثية ذات شأن كبير في الكتاب، وجل تنبيهات المؤلف على ما اعترى الأسانيد، أما المتون فتدخلاته بشأنها قليلة، وهو في ذلك نادراً ما يهتم بتخريج الحديث والحكم عليه أو بالجرح والتعديل، وفي أحيان كثيرة يكتفي بذكر اختلاف روايات "المدونة" لمتن الحديث دون ترجيح، وعندما يرجح فقد يعلل ويستدل ويذكر مصدره، وقد لا يفعل، ومن أمثلة ذلك: "في حديث ابن عمر: ربما حنث ثم كفَّر، وربما قدم الكفارة. كذا لهم، وللأصيلي: ربما حلف. والأول أصوب". وقد يلجأ للترجيح إلى كتب الحديث مثل قوله: "وقوله فيه: بدأ من مقدم رأسه. كذا الرواية في هذا الحرف عندنا في الأم عند ابن عتاب. والرواية في "الموطأ" وكتب الصحيح: بمقدم رأسه".
والمؤلف ينتهي من هذه الموازنات والترجيحات وتصحيح الروايات إلى ربط ذلك بالدلالات والأحكام الشرعيات ... أما معالجته للأسانيد فالغالب عليها جانب الضبط وتصحيح التصحيف والتحريف، وبيان المؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق والمبهم. وغالب أسانيد الكتاب للآثار التي عضد بها سحنون "المدونة" خاصة من كتب ابن وهب ووكيع وعن ابن مهدي. ولعل تفرد بعض هذه المصادر ببعض الآثار هو الحائل بين المؤلف وبين موازنة الروايات، ولذلك كثيراً ما يكتفي بذكر اختلاف الأسانيد دون تعقب، أو يكتفي بترجيح غيره لبعض الروايات، خاصة ابن وضاح المحدِّث الناقد الراوي عن سحنون والملازم له. ويبدو أن ابن وضاح قابل بعض الآثار على أصولها، ورجع إلى مصادرها، فقد صرح مرة أنه رجع إلى كتاب وكيع. ولنتأمل هذه الطرة التي نقلها المؤلف عن بعض أصول شيوخه: "قال ابن وضاح: ليس لابن مهدي في الوضوء ولا في الصلاة ولا في البيوع - يعني: في المدون شيء، إنما هو لوكيع. وليس لوكيع في الصيام ولا في الزكاة ولا في النذور ولا في الشهادات شيء، إنما هو لابن مهدي. قال ابن وضاح: فأما التي في كتاب وكيع فقرأها - يعني: سحنون - عليه في كتابه، وأما التي لابن مهدي فأخبرني موسى (ابن معاوية الصمادحي): أن سحنون أخذها منه؛ يعني: مناولة". وقد يجتهد المؤلف لتقويم بعض الأسانيد من أمهات الحديث أو من كتب الرجال كما في الأمثلة الآتية: "ابن وهب عن مالك عن نافع وابن شهاب أنه بلغه عنهما مثل قول سليمان. كذا لابن وضاح، ولابن باز: ابن وهب عن غير واحد عن نافع. وكذا هو في موطأ ابن وهب". وجل تناول المؤلف لمادة الرواية في الكتاب منصب على تصحيح الأخطاء في أسماء الرواة مما تراكم مع الزمن أو صحفه المتفقهة، ممن لا يتعاطون علم الرواية، بما في ذلك أخطاء سحنون. ومن هذا:
"عباس بن عبد الله بن معبد بن العباس، بباء بواحدة وسين مهملة، كاسم جده. والشيوخ يقولون فيه: عياش باثنتين وشين مثلثة، وهو خطأ". ولابن وضاح في مناقشات المؤلف نصيب غير يسير لأهمية روايته وأهليته الحديثية، فإذا كان قد سلم له كثيراً من التصويبات، فإن جنبه الصواب في بعضها، ولا سيما وقد عرف عنه تجرؤه على الأحاديث وانتقادها. وهو الذي تجاسر - من بين كافة أهل الأندلس - على إصلاح الأوهام الواقعة في رواية يحيى بن يحيى "للموطأ" ورواها الناس عنه على الإصلاح، بينما اكتفى غيره بالتنبيه عليها (¬1)، وربما أوقعته جرأته في أخطاء، وهي كثيرة محفوظة كما قال ابن الفرضي (¬2)، كما ضعف في فقهه ولغته (¬3). ومما خطأه فيه المؤلف: - "قال مالك: ورأيت عبد الله بن الحسن يفعله ... وفي حاشية الكتاب عن ابن وضاح: عبد الله هذا من بني أمية، قال القاضي: وهذا وهم صحيح، فعبد الله هذا هو ابن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، شهرته تغني عن ذكره ... ". ومن العناصر المهمة التي أسهمت في تحقيق النص وبيانه في باب الرواية بيان الأسماء المبهمة في نصوص الكتاب عامة، وهذا أمر جليل لعلاقته العضوية بمدى الثقة في الرأي الفقهي، من ذلك: - "وقول بعض الرواة في المحلوف بعتقها ... بعض الرواة هنا هو ابن غانم". ¬
ثانيا: الرواية الفقهية
- "وقوله: كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد، هو عباس بن عبد الله بن معبد ... ". وأخيراً نذكر بعض الضوابط العامة التي خدم بها المؤلف جانب الرواية في الكتاب، وهي تدل على استقرائه التام لمادة "المدونة"، ومن الأمثلة على ذلك: - "ليس في "المدونة" الصلب بضم الصاد والباء، ولا زبيد بالباء أولاً بواحدة، وهذان الاسمان مشهوران في غيرها". - "كل ربيع في هذه الكتب، أو ابن ربيع فبفتح الراء وكسر الباء. وصبيح بفتح الصاد المهملة وكسر الباء. وأبو الضحى مسلم بن صبيح، هذا بضم الصاد وفتح الباء في "المدونة" كنيته لا اسمه ونسبه، وكنيته بضم الضاد المعجمة. وما فيها من معمر فبفتح الميم وسكون العين". وعندما نعرف بالإحصاء أن المؤلف ضبط أكثر من عشرين وثلاثمائة علم من الأعلام البشرية في السفر الأول وحده - وغالبها أعلام حديثية - نعرف عظيم الفائدة التي تضمنها الكتاب. ثانياً: الرواية الفقهية: لا يختلف منهج التعامل مع هذا الموضوع كثيراً عن سابقه إلا فيما اقتضته طبيعته الخاصة، فكتاب "التنبيهات" احتفظ بكثير من نصوص الروايات المفقودة، وحشي بكثير من الإفادات مما دونه الرواة الأوائل من علاقة بعض النصوص بأصل الكتاب ومن أدخلها أو أسقطها، وما مصدرها؟ وتبعاً لهذا ففي الكتاب مجموعة من الإشارات لكيفية ورود بعض هذه النصوص الفروق بين النسخ، يعني: إشارات الرواية ورموزها التي تبين أن النص أو اللفظ أو الحرف صحيح في أصول الرواية أو موقوف أو مطروح أو مخرَّج إليه أو محوَّق عليه أو مخطَّط عليه ... وهذا إسهام كبير في تحقيق نص الكتاب وتقريبه على صورته الأولى.
وهذا أنموذج لكيفية عمل المؤلف في المقابلة وبيان الروايات والفروق والترجيح: - "قول بعض الرواة في الشريكين في العبد يكاتب ... إلى آخر المسألة، ثابتة في روايتنا، وسقطت من رواية يحيى بن عمر، وليست في رواية إسحاق بن إبراهيم من الأندلسيين، وثبتت عند الدباغ ويحيى بن أيوب من القرويين وابن وضاح من الأندلسيين، ولم يقرأها ابن أبي سليمان ولا أحمد بن خالد، وهي كلام ابن الماجشون". والمقابلة بين الروايات والتنبيه على ما في كل منها هو أحد عناصر منهج المؤلف في دراسة نص "المدونة"، أما دوره في هذا فهو كما ينتظر دور الفاحص الناقد المحدِّث الفقيه، فالروايات الفقهية تحتاج إلى منهج يزاوج بين الرواية والدراية، والقاضي عياض قد يجد من سابقيه من قام ببعض هذا العمل فرد وأثبت، وضعف وأسقط، فكان لا يتجاهل ذلك، بل يورده ويكتفي به أحياناً ويتبناه، وهو في هذا الباب يجد نفسه أمام كثير من اجتهادات سحنون في تقويم النص بالإضافة والإسقاط، ويجد كذلك مجهودات الفقهاء في الاتجاه ذاته فيذكره ويناقشه، وقد يقبله أو يرده. ومثال هذا: - "قلت: طواف الإفاضة عند مالك واجب؟ قال: نعم. زاد في بعض الروايات: وطوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة هذان واجبان يرجع لهما جميعاً ... وسقطت هذه الزيادة من أكثر النسخ. وسقطت لابن وضاح، وحوق عليها في أصول شيوخنا وكتب عليها: طرحها سحنون، وقال: هي خطأ. قال القاضي: وهو الصواب، ليس طواف القدوم - وهو طواف الزيارة - من فرض الحج ولا أركانه! ". - "وقوله: يرجع بقيمة ذلك، كذا عندي وعند ابن عيسى، والذي عند ابن عتاب: بحصة ثمن ذلك، وطرح سحنون "بقيمة" ورد" بحصة"، وقال:
المطلب الثاني: قضايا الدراية
أخاف أن يكون الثمن مجهولاً. وصوابه على ما قال سحنون, لأن العمل في ذلك أن يرجع بحصة ذلك من الثمن". وقد يستعين المؤلف في ترجيحاته بالرجوع إلى الأمهات الأخرى مظان الروايات عن مالك. ومن العناصر المهمة في هذا الباب التي طرقها تمييز كلام الفقهاء أصحاب مالك وغيرهم في "المدونة"، إذ فيها من غير قول ابن القاسم كثير بما في ذلك تدخلات سحنون. والمؤلف يحدد مبتدأ ومنتهى هذه الأقوال المتداخلة ويرجع في ذلك إلى مختصري "المدونة" ليوازن بين أفهامهم وتصرفاتهم في ذلك، وهذه أمثلة: - " ... الكلام كله من أول المسألة عندي في "المدونة" لأشهب ... وعلى كون المسألة كلها لأشهب اختصرها ابن أبي زمنين وغيره، واختصرها أبو محمَّد وغيره من القرويين على أن أول المسألة لابن القاسم ... ". - " ... وما جاء في الكتاب بعد من قوله: ومن طلب التأخير منهما فذلك له ... ، إلى آخر الكلام، ليس من كلام ابن القاسم؛ إنما هو من كلام سحنون ... وهو الذي رجح شيخنا أبو الوليد وذكر أن في رواية بعض الشيوخ أول الكلام: قال سحنون ... ". مادة الرواية في الكتاب وافرة، ومعالجة المؤلف لها في "التنبيهات" غزيرة، وقد تكون هذه الأمثلة بشتى مقاصدها ملمة بذلك، والهدف إثبات أن المؤلف بذل جهداً كبيراً في هذا الباب، ويتضح ذلك من موازناته بين ما في أبواب "المدونة" في حد ذاتها مما يدل على الاستقراء. * * * المطلب الثاني: قضايا الدراية جعل القاضي عياض قضية الرواية ومتعلقاتها هي القضية الأولى والأساسية في مقدمة كتاب "التنبيهات"، سواء تعلق الأمر بالرواية في حد
أولا: بعض الآراء الأصولية في الكتاب
ذاتها، أم في امتدادها وتاثيرها في تفسير النص الفقهي وما تبعه من اختلاف فقال: "وربما اختلف المعنى لذلك الاختلاف فحمل على وجهين، أو تحقق الصواب أو الخطأ في أحد اللفظين". أما اعتناؤه بالقضايا الفقهية ومضامين الكتاب فإنما جاء ثالثاً بعد قضيتي الرواية واللغة وفي آخر المقدمة إذ قال: "ونثرنا أثناء ذلك نكتاً من كلام المشايخ والحذاق وتعليقاتهم، إلى ما استثرناه من أسرار الكتاب واستنبطناه إلى تنبيهاتهم". فهو بهذا يروم القول بأن إيلاء الاهتمام للجانب الفقهي ثانوي، وكما قال: "لتتم الفائدة لباغيها، وتكمل المنفعة لدارسها وراويها". والمقصد من هذا الإيراد التنبيه إلى قضية منهجية في كتاب "التنبيهات" لا بدّ من مراعاتها في التعامل معه، وهي أنه ليس كتاباً فقهياً متكاملاً ولا كاملاً، وإنما يحتوي من الفقه بعض الموضوعات ذات العلاقة بالمسائل التي فيها بعض الإشكال في الرواية أو الدراية، ونسبة هذه المسائل إلى مجموع ما في "المدونة" ضئيل. وإذا كان الأمر هكذا، فلا ينتظر في مادة الكتاب تمام البناء ولا انتظام الهيكلة، ولا الوحدة الموضوعية المتناغمة. وعلى رغم هذا، فإن المادة الفقهية في كتاب "التنبيهات" غزيرة وغنية وغاية في الأهمية؛ لأن مؤلفها عندما يقتنص إحدى المسائل المحتاجة إلى بيان وتعليق، يبين عن مخزون فقهي ثري، وعن نظر أصولي قوي، وعن رأي وترجيح، ولا غرو أن يقول عن تنبيهاته الفقهية وهو يشعر بهذا التفوق: "وأكثرها مما لم يقع له في الشروحات ذكر، ولا انكشف له في التعاليق سر". فما هي مشكلات الدراية في الكتاب؟ وكيف عالجها المؤلف؟ أولاً: بعض الآراء الأصولية في الكتاب: آراء القاضي عياض الأصولية مبثوثة في كتبه الثلاثة الأساسية: "الشفاء"، و"الإكمال"، و"التنبيهات"، بالإضافة إلى ما في مقدمة كتاب "المدارك". والقسط الأكبر منها في صورة تطبيقات عند مناقشة المسائل الخلافية أو شرح النصوص الشرعية.
والغرض هنا "الإلماع" إلى بعض ذلك مما ورد في "التنبيهات" للتأكيد على حضور المنهج الأصولي في تحليلاته: 1 - فمن آرائه البارزة في الأصل الأول - الكتاب - هذان النصان: - "وقول طاوس في صيام الكفارة: يفرق، فقال له مجاهد: في قراءة ابن مسعود متتابعات؟ قال: فهي متتابعات، حجة بالقراءة المتلقاة من خبر الواحد، وهي مسألة اختلف فيها الأصوليون هل تقوم بها حجة كما تقوم بخبر الواحد عن السنة والقول عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ الكل متلقى عنه ويلزم العمل بمقتضاها أم لا تقوم لإسناد ذلك إلى القرآن؟ وهو لا يثبت قرآناً بخبر الواحد، فلما لم يثبت قرآناً لم يثبت حكماً. وإلى هذا ذهب المحققون مع إجماع الكل على أن التلاوة لا تجوز به". 2 - وفي الأصل الثاني - السنَّة - يلفت الانتباه موقف عياض في الدفاع عن الرأي المالكي في تعارض خبر الواحد مع القياس، وهو منفذ جلب على المالكية كثيراً من النقد كما جلبه عليهم موقفهم من خبر الواحد في معارضته لعمل أهل المدينة، وقد نصر القاضي عياض مذهب أهل المدينة بكل قوة في "المدارك" (¬1)، ومما ورد في "التنبيهات" من هذا: - " ... أو يكون هذا على مذهب من قدم القياس على خبر الواحد، وهو مذهب جماعة من الفقهاء الأصوليين ومن أئمتنا البغداديين، وحكوا أنه مذهب مالك ... ". 3 - وفي محور دلالات الألفاظ المتناثرة في الكتاب نذكر هذين النصين النظريين لخصوصيتهما: - "واستقرى شيوخنا من احتجاجه أن مذهبه القول بالعموم في مسائل أصول الفقه، وهو بين من قوله واستدلاله. وهو مذهب عامة الفقهاء من أصحابنا وغيرهم وكثيرٍ من الأصوليين، وأن لفظ الجمع المكسر من صيغ العموم، ولا سيما إذا عرف بالألف واللام كقوله هنا: "المساجد"، وهو أجلى صيغ العموم عند القائلين به". ¬
- "قال القاضي: فيه دليل ما عليه محققو الأصوليين من أن العبيد داخلون في خطاب الأحرار، خلافاً لما ذهب إليه ابن خويزمنداد في ذلك ... والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في خطابهم بفروع الشرائع". 4 - والقارئ لمقدمة مدارك القاضي يشعر بإخلاصه واستماتته في الدفاع عن المذهب في أصوله وفروعه وترجيحه، لكن دون تعصب. ولنقرأ هذا الشاهد من "التنبيهات" وهو بصدد انتقاد بعض المالكية: " ... لا يفتي أحد على مذهب غيره، إنما يفتي على مذهبه أو على الاحتياط لمراعاة خلاف غيره عند عدم الترجيح أو فوات النازلة، وأما أن يترك مذهبه ويفتي بمذهب غيره المضاد لمذهبه فما لا يسوغ". وهذه القواعد التي ذكرها قواعد أصولية مذهبية معمول بها وإن كان في بعضها تفصيل، والمؤلف يراعيها ويسوغها عند دواعيها، وهي متكررة في الكتاب، وأمثلة ذلك: - "وقد يكون عندي معنى قوله: يعيد (المتيمم على موضع نجس) في الوقت، وتخفيفه الأمر مراعاة لخلاف من يقول: إن جفوف الأرض طهورها، وهو مذهب الحسن ومحمد بن الحنفية والكوفيين ... ". - "اختلفت أجوبة مالك رحمه الله وأصحابه في هذا الباب، واضطربت مسائلهم فيه بحسب الاختلاف في الأصل ومراعاة الخلاف، وكذلك اختلف كلام الشارحين ومقاصد المتأخرين". 5 - وهذه القواعد المذهبية الأصولية تسلمنا إلى قواعد أخرى أو ضوابط أدنى تتكرر في تحليلات المؤلف ويعتمدها ويبني عليها من قبيل: - مراعاة الضرورة. - مراعاة المصلحة. - مراعاة الضرر في المال. - مراعاة القلة والكثرة.
ثانيا: منهج تناول القضايا الفقهية
- مراعاة القرب والبعد. وفي الكتاب كثير من القواعد والضوابط الفقهية قد تكون من صياغة المؤلف أو من غيره، لكنه يستثمرها على كل حال. 6 - ومثل ذلك اهتمامه بالجموع والفروق استئناساً وأخذاً بها، أو رداً وانتقاداً للخطإ في استعمالها، وهو يحيل على المتخصصين في الجمع والفرق، مشيراً إلى أنه مسبوق في ذلك، وهنا يُذكر كتاب "النكت والفروق" لعبد الحق الصقلي خاصة. وهذه إشارات في الكتاب: - "وقد تكلم الأشياخ عليهما في الفرق والجمع بما يكفي". - "وفرقوا بينهما بفروق ضعيفة، وأولى ما يفرق بينهما على هذا عندي ... ". - " ... وبينهما عندي فرق بديع سأذكره ... ". ثانياً: منهج تناول القضايا الفقهية: أما تناول المؤلف للمسائل الفقهية ومنهجه في ذلك، فلا بد من التذكير ثانية أنه لا ينطلق من فراغ حتى يضطر إلى اختيار أسلوب خاص في الوضع والطرح والشرح من أجل بناء الفكرة والمسألة ثم الاستدلال لها من الأصول، ولكن بحكم استناده للمدونة وانطلاقه من مسائلها يكتفي بإيراد المسألة من أصلها، إن لم يقل: إنه يختصرها ويعيد بناءها، ضاغطاً وملخصاً أسلوب "المدونة"، ومن هنا يبدأ ليخلص لمعالجة المسائل، فيعرضها ويذكر ما فيها من آراء، ويستدل لذلك ويناقش ويرجح. ومن أهم ملامح أسلوبه في هذا: 1 - عرض المسألة: أول ما يثير انتباه قارئ الكتاب ثراء مضمونه وتكدسه بالنصوص والأسماء، وهو ينبئ عن اطلاع واسع وحشر مادة غنية، والمؤلف أحياناً يستقصي ويورد آراء أربعة وخمسة وستة، هذا مع استحضار مواقع الفرع في
كتب "المدونة" والإحالة عليها، مما قد يدل أن المؤلف حفظ الكتاب، ويستحضر أيضاً مواقعها في الأمهات الأخرى، ويورد نصوصها لمزيد من التفصيل والتوضيح، وأجلى ما يبين هذا المثال الآتي: - "ثم اختلف العلماء في الخيار إذا وقع اختلافاً كثيراً، والمتحصل من الأقوال في مذهبنا فيها ستة أقوال: أشهرها مذهب الكتاب وأن اختيار المرأة ثلاث، ولا مناكرة للزوج، نوت المرأة الثلاث أم لا، وأن قضاءها بدون الثلاث لا حكم له. ثم اختلف هل هو مسقط للخيار ولا قضاء لها بعد، أم لها القضاء ثانية؟ الثاني: أنها ثلاث بكل حال وإن نوت دونها أو لم تنو شيئاً، ولا تسأل عن شيء، ولا مناكرة للزوج. وهو قول عبد الملك. الثالث: أنه واحدة بائنة. ذكره ابن خويز منداد عن مالك، وهو أحد مذهبي علي بن أبي طالب. وتأوله اللخمي على حكاية ابن سحنون عن أكثر أصحابنا واختاره هو. الرابع: أن للزوج المناكرة في الثلاث والطلقة بائنة، وهو قول ابن الجهم، وهو الظاهر عندي من معنى ما حكاه ابن سحنون عن أكثر أصحابنا لا ما تأوله اللخمي. الخامس: له المناكرة والطلقة رجعية، وهو ظاهر قول سحنون. وعليه تأوله اللخمي كالتمليك. وهو قول عمر وعلي أولاً. ومذهب أبي يوسف: أن الخيار رجعية. السادس: أنها إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها أو ردت الخيار عليه فهي واحدة بائن. وهو قول زيد بن ثابت. وحكاه النقاش عن مالك. والحسن والليث رأوا أن نفس الخيار طلاقاً. والخلاف فيه قائم من "الموطأ"، وهو قوله بعد قول ابن شهاب: "إذا خير الرجل امرأته فاختارته، فليس ذلك بطلاق، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت". ولم ير أبو حنيفة الخيار حكماً.
2 - معالجة الخلاف
وللسلف في هذا خلاف زائد على ما ذكرناه". ويهتم المؤلف أحياناً ببعض المسائل المعضلات في المذهب، فيقتحمها ليبين عن تمرسه وتفوقه بما يحققه مما لم يستطعه سابقوه، ولذلك عندما يشعر بهذا الإفضال يحمد الله عليه ويحدث به، فمن ذلك قولاه: - "مسألة العتق على مال، اختلف لفظه في الكتاب في بعضها في كتاب "العتق" وفي كتاب المكاتب في الأسئلة والأجوبة، وذلك لاختلاف صور مسائلها، ونحن نفصلها على ما قاله شيوخنا ونذكر مواضع الخلاف منها والاتفاق على ما تقتضيه مذاهب شيوخنا بياناً يزيح الإشكال إن شاء الله ... ". - "مسألة القرعة، جاء في الكتاب فيها تلفيق موهم أوجب اختلاف شيوخنا في معناها، وهل ذلك قول أو قولان وما ذلك القول؟ وقد تكررت في الوصايا، وكثيراً ما تمر في المناظرات وكل عنها غافل ... ". 2 - معالجة الخلاف: يجدر الذكر هنا أن المؤلف ليس معنياً بالخلاف المذهبي ولا بإيراد آراء المذاهب ومناقشتها، وذلك لأن مقصده الأول في الكتاب ليس كذلك. ولا يعني هذا أنه ضرب صفحاً عن ذكر فقه بعض المذاهب وعلماء السلف، إلا أنه يعتني اعتناء بالخلاف داخل المذهب، وهذا من صميم مشكلات "المدونة" التي يثار بعضها لاختلاف الرواية عن الإمام وتلاميذه. وبإمكان القارئ أن يلمس هذا من خلال القاموس الموظف في قضايا الخلاف، مثل: - "والخلاف في هذه المسألة قوي عن العلماء وعن مالك وأصحابه". - "تحصيل ما في الكتاب من الخلاف فيها ... ". - اختلفت الروايات - اختلف المتأولون والشارحون - ذهب إليه البغداديون - القرويون - المصريون - الأندلسيون ...
أ- بيان سبب الخلاف
هذا وأهم المسالك والإجراءات التي يتبعها المؤلف في معاناة مسائل الخلاف ما يلي: أ- بيان سبب الخلاف: وهذا مدخل هام لفهم مقاصد ومنطلقات المختلفين، وتزداد أهميته في مثل كتاب "المدونة" وبقية الأمهات التي فيها غالباً كلام غفل عن الاستدلال. والمؤلف لاطلاعه الواسع وتوسعه استنبط هذه الأسباب وبينها، وهي أسباب الاختلاف المعروفة مما يعود إلى الرواية وسياق الكلام، أو إلى طبيعة النص ودلالاته ... ومن نماذج هذا في الكتاب: * الخلاف العائد إلى الرواية: - "مسألة من صام رمضان عن رمضان آخر: يجزئه وعليه قضاء الرمضان الآخر، ضبطناه عن شيوخنا بفتح الخاء وكسرها، وفي كتاب "ابن عتاب": الفتح لابن وضاح. وحكى أحمد بن خالد فيه الوجهين وقال: لم يوقف فيه ابن وضاح على شيء، وقال يحيى بن عمر: لم يوقف فيه سحنون على شيء، وقال ابن لبابة: رواه عنه قوم بالنصب، ورواه حماس عنه بالخفض وغيره. واختلف على هذا الراوون والمختصرون والمتأولون .... " فها هي ذي حركة حرف واحد تسبب مشكلاً فقهياً لا يمكن حسمه في ظل الكتاب. ومثل هذا حرف عطف في قوله: - "يجمع في الحضر إذا كان مطر وطين وظلمة، كذا روايتنا عن يحيى في هذا الموضع، وفي الرواية الأخرى: إذا كان مطر أو طين وظلمة ... ". * الخلاف في تفسير مقاصد الإمام ودلالات ألفاظه، وهذا في "المدونة" كثير، وأثره في الفروع المالكية كبير ... ب - دراسة الخلاف: والمقصود بهذا أن المؤلف في تحليله يبين السبب ثم يعمل على السبر وتحديد الوجه الصائب في المسألة.
* غير أنه أحياناً يسكت عن التوفيق أو الترجيح بين الآراء، وربما اختار من الخلاف ما يطمئن إليه دون تعليل اختياره، وهو سلوك يحكيه عن بعض الشيوخ معبراً بقوله: ترجح فيه فلان، أو: توقف، أو: اللفظ محتمل. * والأسلوب الثاني - بعد التوقف وعدم الترجيح -: هو التأويل والجمع والتوفيق بين الآراء والروايات المختلفة، وربما يرجع هذا لعموم ألفاظ الروايات وعدم تفصيلها، ولذلك عادة ما نجد المؤلف في أول تناوله للنص يستهل بقوله: ظاهر الكتاب، ظاهره الخلاف، ثم يتعقبه بالتدقيق في الدلالة، ويورد عليه ما في بقية الروايات ... والمؤلف بارع في هذا المقام، يبين عن عارضة قوية، يدل لذلك عده وفاقاً لما عده غيره خلافاً، وفي مثل ذلك يقول: "لكن يظهر لي وجه يوفق بين الروايتين إن شاء الله". ويسلك أساليب عدة للتوفيق أخصها نابع من امتلاكه ناصية اللغة والبيان، كما في هذا المثال: - "وقوله في كلام غير ابن القاسم: لأن الزوج هو الناكح والمُفْرِضُ" كذا الرواية عند شيوخي، وأخبرني أبو محمَّد بن عتاب عن أبيه أنه قال: لعله: المفوّض، يريد في التحكيم، إذ جعله إلى غيره. وإنما أصلحه الشيخ لأنه لا يقال: مفرض، في التقدير، إنما يقال: فارض, لأنه من: فرض. لا من: أفرض؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}، {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}. وقد رأيته في بعض النسخ: الفارض، وأراه إصلاحاً. لكن للمُفرض - على ما وقعت عليه الرواية - عندي وجه صحيح، وذلك أن: أفرض بمعنى: أعطى معلوم في اللغة، فيُخَرَّج على هذا، أي: أن الزوج هو الذي يعطي الصداق، فتأمله. أو يكون: المفرِض الذي يجعل الفرض لغيره ويفوضه له، فيكون بمعنى
المفوض كما قال الشيخ. يقال: فرضت الشيء: أي قدرته أو أوجبته. وأفرضته لفلان: جعلته فرضاً له". * والأسلوب الثالث الظاهر في الكتاب: هو الترجيح، وللمؤلف في ذلك طرق عدة كالترجيح بالنص الشرعي بمختلف دلالاته، والترجيح بموافقة أصول المذهب، والترجيح بمراعاة سياق "المدونة" وغيرها، والتمثيل لهذا أيضاً بنموذج في اللغة: - "ومسألة سلم الجذع الكبير في الجذوع الصغار منها، عورضت المسألة بأنه يصنع من الكبير صغار. وصوب فضل منع ابن حبيب لذلك. وذهب غيره إلى أن معنى ذلك أن الكبير لا يصلح أن يجعل على ما يصلح فيه الصغار، أو أنه لا يرجع منه صغار إلا بفساد ولا يقصده الناس. وما في الكتاب بين لا بعد فيه ولا اعتراض يصح عليه؛ وذلك أنه قال: جذع نخل كبير وجذوع نخل صغار، فظاهره الجذوع على خلقتها دون أن تدخلها صنعة، ولا يمكن أن يصير من الكبير في غلظه أجذاعاً صغاراً رقاقاً إلا بتغييرها عن خلقتها ونشرها ونجرها، وان فعل بها ذلك لم تكن جذوعاً، وإنما تسمى جوائز إلا على تجوُّز، فهذا معنى مسألة الكتاب عندي. واختلاف الأغراض في الجذع الكبير والجذوع الصغار بيّن؛ لأن كل واحد يصرف حيث لا يصرف الآخر". ويندرج في هذا تقييم المؤلف لاجتهادات السابقين وترجيحاتهم سلباً وإيجاباً، وأحكامه عليها منشورة في الكتاب تبينها التعابير والأحكام النقدية الآتية: - هذا أشبه بأصولهم - وهو حسن - إخراجه من هذا اللفظ بعيد - عكس النظر وضد الصواب - ينكسر ولا يطرد - لم يقل هذا شيئاً. ومما يلفت النظر في الكتاب أيضاً بعض الإحالات التي يحيل بها المؤلف القارئ لمزيد من البحث والنظر، وكأنه لم يستتم الحسم في بعض المسائل، فهو يكرر عبارات من قبيل: تأمل، حقق هذا وانظره، أنعم النظر في ذلك جداً ...
المطلب الثالث: قضية اللغة والمصطلح
المطلب الثالث: قضية اللغة والمصطلح هذه القضية الثالثة التي أخذ المؤلف على نفسه التصدي لها، ونص على ذلك في صدر الكتاب بقوله: "فإن أصحابنا من المتفقهة ... رغبوا في الاعتناء بمجموع يشتمل على شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلظة ... وفي ضبط حروف مشكلة على من لم يعتن بعلم العربية والغريب ... ". أولاً اللغة: إن لغة "المدونة" في غالبها سهلة سلسلة، لكن في بعض نصوصها وألفاظها من الغريب والمهجور بحكم الأساليب المتجددة، وبحكم التطور الذاتي للغة وتجددها، وفيها أيضاً بعض المصطلحات والأعلام البشرية والجغرافية وغير ذلك مما لا يعرف في بيئة الغرب الإِسلامي. غير أن سبباً آخر مهماً يقف وراء هذا الطلب وهذه الاستجابة، هو ضعف لغة الفقهاء، وهو أمر واخذهم عليه غير واحد في غير زمن. وقبيل عصر القاضي عياض سجل ابن سهل عدة شهادات على بعضهم تؤكد هذه الدعوى، ومن ذلك عقد لأبي المطرف بن سلمة الطليطلي انتابته أخطاء في النحو والأسلوب والإملاء عقب عليه ابن سهل منتقداً: "نقلت هذا الجواب، وكان بخط يده على نص ما كتبه هو حرفاً بحرف، وكان فيه لحق اعتذر منه، وهو من أهل الفقه، إلا أنه غير بصير باللسان" (¬1). وانتقد ابن سهل كذلك أسلوب أبي عمر بن القطان - الفقيه الكبير المفتي غريم أبي عبد الله بن عتاب - ووصف أسلوبه في فتوى بأنه ناقص منثور الألفاظ فاسد المساق، وفيه حشو قبيح النظام قليل الفائدة، لا يكاد يفهم إلا بفكرة شديدة وروية بعيدة ... ثم ختم: "وهذا نظام يعزب تحصيله عن الأفهام، وما صدر عنه هذا الجواب إلا بعد أربعين يوماً" (¬2). ¬
وأورد شورى لابن لبابة وعبيد الله بن يحيى ومحمد بن وليد وأيوب بن سليمان، ثم تعقبها بقوله: "أكثر كلامهم حشو لا يفيد علماً ولا يزيد فهماً، وما زاد أبو صالح أيوب بن سليمان - رحمه الله - منثور المعاني، وحشي المساق، ركيك الألفاظ، بعيد من البيان، أشبه شيء بالهذيان" (¬1). وله رحمه الله انتقادات أخرى لأساليبهم وعقودهم غير المحكمة البناء. وفي كتاب "التنبيهات" نماذج من أخطاء الفقهاء اللغوية مثل: - "وقوله في مسألة الْمُنعَى لها زوجها، كذا يقول الفقهاء: المنعى بضم الميم وفتح العين، وهو عند أهل العربية خطأ، وصوابه عندهم: المَنْعيُّ بفتح الميم وكسر العين وتشديد الياء". - " ... والفقهاء يسمون المعترض: عنيناً". - "إبردة ... الفقهاء يقولونه بالفتح ويحسبونه جمعاً" (¬2). ولأن المصطلح قضية لغوية أولاً، ولتداخل مجاله مع مجال اللغة، وللعلاقة الجدلية بين المعنى الدلالي الأصلي والمعنى الاصطلاحي الفرعي، وجد المؤلف نفسه مطالباً - بغرض استكمال تحقيق الهدف - بإضافة هذا الباب، وعبر عن هذه الحاجة بقوله: "وأضفت إلى الغرض المطلوب بيان معاني الألفاظ الفقهية الواقعة في هذه الكتب، وكيفية تجوزها عن موضوعها، وأصل اشتقاق أصولها وفروعها. منهج المؤلف في معالجة لغة "المدونة": عالج المؤلف لغة "المدونة" على ترتيب أبوابها ومسائلها، كفعله في مسائل الرواية والدراية دون ترتيب معجمي أو موضوعي، وقد يؤخر مسائل اللغة والرواية حتى يعود عليها بالشرح بعد مسائل الفقه، وقد يقدمها. لكن ¬
الغالب أن يعالجها في مواقعها. وهو يشرح الغريب من اللفظ ويضبطه، ولا يلتزم بشرح الأساليب والمضامين البلاغية، ويضبط الألفاظ والأعلام ضبطاً بالحروف لا بالحركات، ويعرض اللغات الواردة في الكلمة والخلاف فيها، عازياً ذلك إلى مصادره، مستدلاً على المعاني بالنصوص، موازناً ومرجحاً بين الآراء، وهذا في الغالب. وعندما نجد أنه ضبط وشرح وحلل ما يناهز ستمائة لفظة - في السفر الأول فقط، تبيناً مقدار الجهد المبذول ومقدار الفائدة الإضافية للكتاب، ومقدار حاجة "المدونة" إلى توضيح لغتها، هذا مع التنبيه إلى أن المؤلف قد يضبط الكلمة دون أن يشرحها، وقد يضبطها بأكثر من وجه إذا احتملتها أو وردت بها الرواية، وقد يجمع بين الضبط والشرح، وهو الأغلب. وهذه أهم سمات منهجه في الكتاب: 1 - يلفت الانتباه في أسلوبه الاهتمامُ بالمعاني الأصلية للألفاظ، والبحث في أصول الاشتقاقات. ثم بعد ذلك يذكر المعاني الثانوية والمجازية، مع تعليل وتفسير المعاني الأصلية، ومن ذلك: - "القشب بسكون الشين المعجمة، وهو الرجيع اليابس، وأصله الخلط بما يفسد، وقشب الشيء: إذا خالطه قذر". 2 - كما يسهب أحياناً في ذكر اللغات المتعددة في اللفظ الواحد كقوله: "الأضحية بضم الهمزة وتشديد الياء، وإضحية أيضاً بكسر الهمزة، وجمعها أضاحيّ بتشديد الياء. ويقال: الضحية أيضاً بفتح الضاد المشددة، وجمعها ضحايا، ويقال: أضحاة أيضاً، وجمعها أضاح وأضحى". 3 - وفي تأصيل المعاني والاستدلال لها يلجأ إلى القاموس القراني والحديثي. وقليلاً ما يذكر الشعر، ومن أمثلة ذلك: - "وقوله: اضربوا بأموال اليتامى، أي اتجروا بها، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية".
- "وقد جاءت الكلمتان "الكسوف" و"الخسوف" فيهما معاً في صحيح الحديث ... 4 - ويهتم المؤلف بخلاف أهل اللغة ويعالجه بحسب ما يبلغه اجتهاده، فقد يوفق بين الآراء، وقد يرجح ويستدل لذلك وينتقد، ومن أمثلته قوله: - "ومَراقُّه، بفتح الميم وتشديد القاف: ما رق من جلده كالمغابن والآباط وعُكُن البطن. وقال ابن اللباد: المراق: مخرج الأذى. وقال القتبي: هو ما بين الأليتين والدبر، وقال الهروي: هو ما سفل من بطنه ورفغه وما هنالك والمواضع التي رق جلدها، وهذا كله قريب بعضه من بعض، وأصله ما رق من الجلد، وفي الحديث: أنه عليه السلام "بدأ فغسل مراقه"، يعني في الاغتسال". أما الترجيح فأحياناً يرجح بالعدد وغلبة رأي أكثر أهل اللغة، وهذا يعتمده كثيراً، وقد يرجح بموافقة اللغة للقرآن أو الحديث، وأحياناً بالرواية الثابتة في اللغة، رافضاً القياس والتجاسر على الإصلاح كما هو تصرف بعض شيوخ أهل الأندلس مثل: شيخه ابن سراح وأبي الوليد الكناني الوقشي، وقد انتقد عليهم ذلك (¬1) ... ومن أمثلة ترجيحه: - "وقوله: ولو شاؤوا أن يخرجوا إلى الجُد لفعلوا. الجد: الساحل، بضم الجيم، وبه سميت: جُدة، وجد كل شيء جانبه. وحكى فيه أبو عبد الله الأجدابي الكسر ولا أعرفه هنا، ورواه ابن المرابط وغيره: الجَد بالفتح. وقال ابن لبابة: هو من الجدَد، يريد الأرض. قال القاضي: والضم هو الوجه". وعلى مثل هذا يعتمد أيضاً في الرد على اللغات الخاطئة وانتقاد القائلين بها كما في هذه الأمثلة: ¬
ثانيا: المصطلح
- "ذكر بعض أهل اللغة أنه لا يقال في بنات آدم لبن، إنما يقال فيها: لبان، واللبن لسائر الحيوان غيرهن، وجاء في الحديث كثيراً خلاف قولهم". ومن هذا أيضاً تمييزه للدخيل المعرب من الألفاظ، كقوله في القُرط - بضم القاف - هذا للعشب الذي تأكله الدواب، وأراه ليس بعربي. وكذلك قال في البوقال. وقال في البرابط - وهي عيدان الغناء -: هي فارسية ... 5 - وفي الكتاب بعض القواعد اللغوية النظرية. ثانياً: المصطلح: أما المصطلح في الكتاب فيغلب عليه التعاريف الشرعية، ثم المصطلحات الصناعية وأخيراً ما يمكن اعتباره رموزاً لأعلام المذهب من الأشخاص أو المؤلفات. وإن كان لم يعط للمفاهيم الشرعية مثلما أعطى للتعاريف اللغوية مثل قوله: - "الوضوء في عرف الشرع والفقه: تطهير أعضاء مخصوصة بالماء لتنظف وتحسن ويُرفع حكم الحدث عنها لتستباح بها العبادة الممنوعة من قبل، أو تطهير ما فيه نجس لإزالة حكمه واستباحة العبادة به". - "الصوم إمساك مخصوص عن أفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة". بل إثارة هذه التعاريف لا يلفت النظر في الكتاب إلا في مناسبات معينة كما في مقدمات الكتب. ومن كلامه النظري القليل في قضية المصطلح قوله أول الصلاة: " ... ثم إن الشرع أضاف إلى ما فيها من الدعاء ما شاء الله من ركوع وسجود وأفعال وأقوال". وقوله في أول الاعتكاف: "أصل هذه اللفظة اللزوم والإقامة ...
وخص الشرع هذه الإقامة بصفات لا يصح أن يكون اعتكافاً شرعياً وإقامة عبادية إلا بها". وهذا ينسجم مع موقف المؤلف من قضية المصطلح الشرعي، فهو يرى أنه ليس غريباً على الوسط الذي نزل فيه، وإنما دخله بعض التعديل، وهي قضية كلامية، قال المؤلف في "الإكمال": "إن ألفاظ العبادات واردة في الشرع على ما عهده أهل اللغة، خلافاً لجماهير المتكلمين من الموافقين والمخالفين، إذ كانوا يصومون ويعرفون الصوم، ويحجون ويعرفون الحج، فخاطبهم الشرع بما علموه تحقيقاً، لا أنه أتاهم بألفاظ ابتدعها لهم كما قاله المخالف، أو بألفاظ لغوية لا يعلم منها المقصود إلا رمزاً كما أشار إليه المؤلف - يعني: المازري -" (¬1). ومن إبداعات المؤلف في هذا الباب تخصيصه صفحات عديدة في مقدمة كتاب "الصلاة" لبحث وتحليل وتحديد مفاهيم المصطلحات الشرعية المتداولة في الصلاة والأذان، في بيان مصطلحات أركانها وأسمائها وأوقاتها والدعوات والأذكار الواردة فيها، مع البحث عن أهداف ومقاصد بعضها وحِكمها، حتى قال في شأن كلمات الأذان: "فقد انطوت - على اختصار كلماتها وقلتها - على ما يحتمل بسطه في عدة مجلدات، وانطوت على ذلك الإقامة أيضاً". وهذه أهم المصطلحات الفقهية التي لها دور كبير في تطور المذهب وتجلية مناحي الاجتهاد فيه ... 1 - المذهب: وردت هذه الكلمة كثيراً عند عياض في كتابه هذا، فهو يقول في كتاب "العرايا": ومذهب الكتاب التفريق بين العرية وبين الصدقة والهبة، مشيراً إلى الفرق بين نصوص "المدونة" في هذه الأبواب، إلا أن عياضاً نقل هذا الكلام عن شيخه ابن رشد في المقدمات، ونصه: ¬
ومذهبه في "المدونة" الفرق بين العرية والهبة (¬1)، ويقول في كتب أخرى: ومذهب ابن القاسم، ومذهب أشهب، ومذهب ربيعة، ومذهب "المدونة"، إلى غير ذلك من آراء العلماء وهو يشير بالمذهب إلى أقوالهم. إلا أن المذهب يقصد به من الناحية الاصطلاحية: ما نهجه إمام من الأئمة فيما فيه اجتهاد (¬2)، ويطلق عند الفقهاء المتأخرين من أئمة المذهب على ما به الفتوى، من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم (¬3). إلا أن الذي يظهر من خلال استعمال عياض لهذه الكلمة أنه لم يستعملها بمعناها الاصطلاحي الدقيق. 2 - المعتمد: هو القوي سواء كانت قوته لرجحانه أو لشهرته (¬4). 3 - الروايات: المقصود بالرواية أقوال مالك، على أن القول المروي عن الإمام، كما يسمى رواية يسمى نصاً وقولاً (¬5). وهذا النهج سار عليه ابن الحاجب في مختصره، قال ابن فرحون: إذا أطلق الروايات فهي أقوال مالك رحمه الله، وإذا أطلق الأقوال فالمراد قول أصحاب مالك وغيرهم من المتأخرين (¬6). بينما في "التقريب" (¬7): أنه إذا وقع في المذهب ذكر الرواية فهي عن مالك، لا عن غيره، وإن وقع ذكر القول فقد يكون عن مالك، وقد يكون عن غيره (¬8). ¬
لكن المقصود بالرواية في كتابه "التنبيهات" روايات "المدونة" عن سحنون عن ابن القاسم، كما أخذها عن شيوخه. قال عياض وهو يقارن بين هذه الروايات بعد أن ساق نصاً من "المدونة": وثبت هذا في كتاب ابن عيسى، وسقط في أكثر الروايات، ونبه عنده على سقوطها من بعض الروايات. وما دام حديثنا عن الروايات والأقوال فلا بأس أن نشير إلى ما ذهب إليه ابن عبد السلام من عدم اعتبار آراء الشراح أقوالاً, لأنهم إنما يبحثون عن تصور اللفظ، قال وهو يتعقب كلام ابن الحاجب مؤاخذاً عليه اعتبار اختلاف شيوخ "المدونة" أقوالاً. فقال: وذلك أن المؤلف وكثيراً من المتأخرين (¬1) يعدون اختلاف شيوخ "المدونة" أقوالاً في المسألة التي يختلفون فيها، والتحقيق خلافه, لأن الشراح إنما يبحثون عن تصور اللفظ. والقول الذي ينبغي أن يعد خلافاً في المذهب، إنما مآله إلى التصديق. ألا ترى أن شارح لفظ الإمام إنما يحتج على صحة مراده بقول ذلك الإمام، وبقرائن كلامه من عود الضمير وما أشبهه. وغير الشارح من أصحاب الأقوال إنما يحتج لقوله بالكتاب والسنَّة، وبغير ذلك من أصول صاحب الشريعة، فلم يقع بين الفريقين توارد، فلا ينبغي أن تجمع أقوالهم في المسألة، وإنما ينبغي أن يعد الكلام الذي شرحوه قولاً واحداً، ثم الخلاف إنما هو في تصور معناه (¬2). وأسلوب عياض في هذا الباب شبيه بما ذهب إليه ابن الحاجب، فهو يستعمل القول لما ذهب إليه مالك وابن القاسم وما ذهب إليه الشيوخ، إلا أن الكثير في كلامه أن يستعمل - بدل القول - قال، أو ذهب، أو مذهب، أو إلى هذا نحا، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يريد من خلالها أن يوضح ما يأخذ به كل فقيه. ¬
4 - الوجه: المقصود به عندهم الحكم المنقول في المسألة لبعض أصحاب الإمام أو من بعدهم، ممن بلغوا رتبة الاجتهاد في المذهب. فإنهم يخرجون حكم المسألة على أصوله وقواعده، وربما كان مخالفاً لقواعده إذا عضده الدليل، فإذا قالوا: الاحتمال، كان في معنى الوجه، إلا أن الوجه مجزوم به في الفتوى، والاحتمال يبين أن ذلك صالح لكونه وجهاً (¬1). 5 - التخريج: يطلق التخريج على معان، منها: التخريج المتعلق بالأحكام الفقهية، والتخريج المتعلق بإلحاق ما نقص من النص. فالأول: هو أن ينظر مجتهد المذهب في مسألة غير منصوص عليها، فيقيسها على مسألة منصوص عليها في المذهب مع مراعاة ضوابط التخريج (¬2). والثاني: قال فيه عياض: أما تخريج الملحقات لما سقط من الأصول فأحسن وجوهها: ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعداً إلى تحت السطر الذي فوقه، ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافاً يشير إليه، ثم يبدأ في الحاشية باللحق مقابلاً للخط المنعطف بين السطرين، ويكون كتابهما صاعداً إلى أعلى الورقة حتى ينتهي اللحق في سطر هناك، أو سطرين، أو أكثر على مقداره، ويكتب آخره: صح (¬3). 6 - المشهور: اختلف المتأخرون في المقصود بالمشهور، فحكى ابن بشير، وابن خويز منداد قولين في المشهور، فقيل: المشهور ما قوي دليله (¬4)، وقيل: ما أكثر قائله (¬5). إلا أن هذا الأخير يستدعي أن يزيد نقلته ¬
عن ثلاثة، ويسميه الأصوليون: المستفيض أيضاً، وقد ناقش العلماء هذين القولين، فلم يسلما من المآخذ (¬1). وقال ابن خويز منداد: مسائل المذهب تدل على أن المشهور ما قوي دليله وأن مالكاً رحمه الله كان يراعي من الخلاف ما قوي دليله لا ما كثر قائله، فقد أجاز الصلاة على جلود السباع إذا ذكيت، وأكثرهم على خلافه، وأجاز أكل الصيد إذا أكل منه الكلب، ولم يراع في ذلك خلاف الجمهور (¬2). ولم يتوقف الأمر عند هذين القولين، بل ذهب الفقهاء إلى الحديث عن مشهور آخر لم يبينوا معتمدهم فيه، فذهبوا إلى أن مذهب ابن القاسم (¬3) في "المدونة" هو المشهور (¬4) ما لم يعارض قول مالك (¬5). فهذا القول لا يمكن أن يصنف ضمن ما قوي دليله, لأن هذا حكم مسبق, لأنه حكم له بالشهرة قبل مناقشة الدليل. ولا يمكن أن يصنف ضمن ما كثر قائله, لأن قائله واحد. وما قاله صاحب نظرية الأخذ بما جرى في العمل من أن قول ابن القاسم يكون في حكم المشهور، وأنه وحده يعادل الكثرة المشترطة في المشهور (¬6)، كلام يعوزه الدليل. من خلال مناقشة هذا المصطلح يتبين أن تحديد معناه جاء متأخراً جداً عن استعماله، فقد استعمل بمعان مختلفة تسع كل هذه المعاني. والذي يظهر من كلام عياض أنه لم يتقيد بمدلول واحد للمشهور، فهو يطلق المشهور ويقصد به ما كثر قائله، فهو يقول في كراء الرواحل: والمشهور ¬
والأكثر أنه لا يجوز. وقال في الخيار: على المشهور من قول ابن القاسم، وأصله، وروايته، ومنعه جمع السلعتين. فقد يسير في هذا مع الذين يشهرون قول ابن القاسم في "المدونة" على غيره. وقال في التجارة إلى أرض الحرب: هو على أكثر مذهبه ومشهوره من تقدم أخبار الآحاد. وقال فيها أيضاً: لكن مشهور مذهبه ومعروفه ما ذكرنا من اتباع الأثر وتقديمه على القياس. فهو يقرن هنا بين المشهور والمعروف، والمعروف هو ما كثر قائله. وقد يستعمل المشهور أو الظاهر في تقوية قول على قول أو على أقوال، عندما يكون في المسألة قولان، أو أقوال. 7 - الظاهر والمشهور: يكون من القولين أو الأقوال، فإن قوي الخلاف قالوا: الأظهر، وإلا فالمشهور (¬1). وقد استعمل عياض كثيراً مصطلح الظاهر، فقال: وظاهر الكتاب كذا. وظاهره، وظاهره الجواز، وظاهر المسألة، وقال في المحاباة: ظاهره أن المحاباة سواء كانت في ثمنه أو عينه. 8 - الأصح أو الصحيح: وإذا استعمل هذا التعبير فالمقصود به الأصح أو الصحيح من الوجهين أو الأوجه، فإن قوي الخلاف قالوا الأصح، وإلا فالصحيح. وقد استعمل عياض هذا كثيراً في كتابه إلا أنه في بعض الأحيان يجمع بين هذه المصطلحات. كما جاء في كتاب الأقضية: قال: وفي هذا الفصل يتصور الخلاف على ما في كتاب محمَّد. وتأويل بعضهم على ظاهر "المدونة". وإليه نحا اللخمي وغيره في المسألتين. والوجه الآخر أظهر وأبين وأصح إن شاء الله. 9 - الأصل: استعمل عياض كثيراً هذه الكلمة، وهو يقصد معاني مختلفة، فقد يستعملها بمعنى الدليل كما ورد في التجارة إلى أرض الحرب، عند الحديث عن حديث ابن وهب: فهو بالخيار فيها ثلاثة أيام (¬2). ¬
قال عياض: وجعلها المخالفون أصلاً في ضرب أجل الخيار. وقد يستعملها بمعنى القول كما جاء في قوله: وهو على أصل ابن القاسم صحيح الجواب، وقد جاء هذا عندما تحدث في القراض عن نص "المدونة" في الذي قال لرجل: اجلس في هذا الحانوت وأعطيك مالاً تتجر به فما ربحت فلك نصفه فهذا لا خير فيه. قال عياض: كذا في أصل ابن عتاب، وخارج كتابه فهذا أجير لابن وضاح، وكذا في أصل ابن سهل، وهو على أصل ابن القاسم صحيح الجواب. وأصل ابن القاسم الذي يقصده عياض هو قوله في "المدونة": قال ابن القاسم: فإن وقع ذلك كان فيه أجيراً، يقام له أجر عمل مثله (¬1). وقد يستعمل الأصل بمعنى النسخة، أو نسخة الشيخ، أو النسخة المعتمدة، كقوله: كذا في أصل ابن سهل، أو أصل ابن عتاب، أو غيره. وتارة يستعمل هذا اللفظ وهو يقصد قاعدة من القواعد الخلافية في المذهب، كما جاء قوله في الخيار عند حديثه عن مسألة الجارية تلد في أيام الخيار (¬2) قال عياض: اعترضت من باب بيع المريض، واعتذر عنها فضل، وابن أبي زمنين، وغيرهما، بأن بائعها لم يعلم المشتري بحملها، ولا عرفه، وهذا معترض, لأن معرفة أحد المتبايعين بما يفسد البيع مفسد له على أحد القولين في هذا الأصل. فالمقصود بالأصل هنا قاعدة الاختلاف في علم أحد المتبايعين بالفساد، وهذه القاعدة ذكرها المقري في قواعده وقد جاء فيها: علم أحد المتبايعين بالفساد دون الآخر، اختلفوا في تأثيره (¬3). 10 - المدنيون: المقصود بهم ابن كنانة وابن الماجشون ومطرف وابن نافع وابن مسلمة (¬4). وقد صرح عياض ببعضهم في كتاب "الشهادات" فقال: ¬
فمذهب المدنيين: ابن كنانة، وابن الماجشون، ومطرف، .... 11 - العراقيون: أو البغداديون: يشار بهم إلى القاضي إسماعيل، وابن القصار وابن الجلاب والقاضي عبد الوهاب والقاضي أبي الفرج، والشيخ أبي بكر الأبهري (¬1). 12 - القرويون: أبو عمران والقابسي وابن أبي زيد. 13 - محمَّد: المقصود به محمَّد بن المواز. وقد نقل عنه عياض كثيراً، مرة يقول: وهو قول محمد، ومرة يقول: في كتاب "محمَّد" مشيراً إلى الموازية. 14 - الكتاب: المقصود به "المدونة"، ويطلق عليها كذلك الأم، قال عياض في مسألة البيع والسلف: وذهب شيوخ القرويين إلى أن قول سحنون وفاق للكتاب، وقال - وهو يتحدث عن شرح كلمة الحمال -: وقد جاء في الكتاب مفسراً، وهو يقصد فأين الضمان (¬2)؟ وقال: وظاهر الكتاب في مسألة البيع والسلف إذا كان من المبتاع أن له الأكثر وإن زاد على عدد الثمن والتسليف (¬3). من هذه الأمثلة يستفاد أن عياضاً إذا أطلق الكتاب فالمقصود به "المدونة"، وإن لم يكن هذا المصطلح خاصاً به، بل هو عام بين جميع المالكية. ¬
المبحث الثاني: القواعد الفقهية في الكتاب
المبحث الثاني: القواعد الفقهية في الكتاب سلك عياض في كتابه هذا مسلكاً جيداً في تطبيق القواعد الفقهية، يتجلى في ربط القواعد بمصدر نشأتها ومكان استنباطها، فجاء عرضه هذا في سياق جيد ترتبط فيه القاعدة بتطبيقها، وتحيل على مصدر نشأتها، وإن كان اهتمامه قد انصب أكثر على نوع واحد من القواعد، هو القواعد الخلافية المسماة بأمهات الخلاف، فقد يفتح عمله هذا باب البحث في نشوء القواعد الفقهية في المذهب المالكي من الناحية التاريخية, لأن بذور صيغ هذه القواعد متناثرة في المصادر الأولى للمذهب، كما أنه يمكن أن يساعد على تحديد الأسباب الخاصة بالاختلاف في المذهب المالكي، وذلك باستخلاص الأصول التي اعتمد عليها ابن القاسم، أو التي اعتمد عليها أشهب، وهي ما يعبر عنه عياض بقوله: وهذا على أصل ابن القاسم، أو وهذا على أصل أشهب، وذلك كقوله في كتاب "الجوائح": هل الثلث راجع إلى عين الثمرة وإن كانت قيمتها أقل من ثلث الثمن - وهو مذهب ابن القاسم وروايته - أو إلى ثلث قيمتها - وإن كان المجاح أقل من ثلث الجميع. وهو مذهب أشهب (¬1). أو قوله: وهذا مخالف لأصل ابن القاسم، أو مخالف لأصل أشهب. إضافة إلى اختلاف المختصرين في تأويل نصوص "المدونة"، أو اختلافهم في اعتماد الرواية التي قد يعتمدها كل مختصر من المختصرين. ¬
قاعدة في بيوع الآجال
كل هذا يضاف إلى الاختلاف الأصلي في روايات "المدونة"، وهذا يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل لتتبع هذه المسائل. ونظراً لأهمية موضوع القواعد، فإنني سأعرض لبعض النماذج منها، لكي أحيل القارئ على الرجوع إليها في النص للاستفادة من الشرح الذي يقدمه عياض بين يدي هذه القواعد أولاً، وللتمسك بالخيط الذي يبين المصدر الذي أخذت منه هذه القاعدة، وذلك من أجل تتبعه لمعرفة منطلقها الأصلي، ولا أعني بكلامي هذا أن عياضاً كان يتتبع هذه القواعد، ويقوم بشرحها، وهو يقصد ذلك في تأليفه، وإنما جاء عمله هذا عرضاً أثناء شرحه لبعض نصوص "المدونة"، كما أنني لم أتتبع كل هذه القواعد في الكتاب لطوله، وإنما اكتفيت ببعض ما ذكر منها في الجزء الثاني، ويبقى الموضوع لمن أراد أن يتجه إلى البحث فيه. وإليكم هذه النماذج. قاعدة في بيوع الآجال: قال عياض: والأصل في بيوع الآجال إذا دخلت فيها الإقالة، أو اشترى البائع بعض ما اشترى منه المبتاع، أو ما هو من صنفه: أن ينظر إلى البيعة الأولى، فإذا كانت إلى أجل فهي من بيوع الآجال، فينظر فيها إلى ذريعة فعلهما ومآل أمرهما، وما يجوز من ذلك لو قصداه ابتداء فيمضي، وما لا يجوز فيرد، كانوا ممن يتهم بالعينة أم لا، إلا ما بعدت فيه التهمة من ذلك وعدمت الذريعة، وكذلك فيمن لا تليق به التهمة. هذا الكلام الذي شرح به عياض بيوع الآجال مع الكلام على أحكامه، وعقود الآجال التي جاءت بعد هذا الشرح، هو الذي يوضح الكلام المختصر والمركز الذي جاء به المقري من بعده في قواعده المجردة التي لم تقرن بأمثلة، ولا بإحالة على مصادر تعين على تفسير وتوضيح هذه القاعدة، فقد ورد له في بيوع الآجال في القاعدة (995): أصل مالك حماية الذرائع، واتهام الناس في بياعات الآجال والربا، فينظر إلى ما خرج عن اليد وعاد إليها، فإن كان مما لو ابتدأ المعاملة عليه جاز فعلهما، وإلا لم يصح. فإذا صرف ديناراً بعشرين درهماً فتسلفها من صاحبه لم يجز، وكأنه
قاعدة في البيوع الفاسدة
إنما أخذ ديناراً نقداً في عشرين درهماً مؤخرة، وأخذ الدراهم وردها لغو، وكذلك من باع سلعة بثمن مؤجل فلا يشتريها بأقل منه نقداً أو إلى أجل دونه. وقال بعض المالكية: إنما هذا في غير من لا يتهم لفضله، وهذا يؤدي إلى اضطراب العلة بعدم انضباطها، وهو خلاف ما قصدت العلل لأجله (¬1). هذه القاعدة جاءت لتجمع هذا الباب المتعدد الصور، والمختلف في أحكامه باختلاف صوره، وقد بني هذا الباب على مراعاة التهمة وعلى أصل من أصول المالكية وهو سد الذرائع، وهما أصلان يصعب انضباطهما. ويمكن أن يدخل هذا الباب في الوجوه الخفية من الربا. وهذا ما جعله صعباً في حصر صوره (¬2). قاعدة أخرى في بيوع الآجال، وهي: قاعدة: منع بياعات الآجال: هل هو محرم لنفسه أو للذريعة إلى سلف جر منفعة؟ حكى الباجي في ذلك قولين، وبنى عليها بعضهم الخلاف في فسخ البيعتين، أو الثانية فقط في قيام السلعة. والصحيح أن ذلك لاتهامهما على القصد إلى ذلك من أول، إلا أنا إن جعلنا هذا الاتهام كالتحقيق فسخنا البيعتين، وإلا أزلنا موجبه ففسخنا الثانية فقط (¬3). مبنى هذه القاعدة على الاختلاف في القصد، وهو ما أشار إليه عياض وقبله صاحب النوادر، كما أشار عياض إلى أن مثل هذا التأصيل هو لابن المواز وفضل بن سلمة وغيرهما. قاعدة في البيوع الفاسدة: قاعدة: اختلفوا في التمكين هل هو كالقبض أم لا؟ فإذا اشترى الثمرة شراء فاسداً ثم باعها بيعاً صحيحاً، فهل يكون عليه المثل أو القيمة؟ قولان ¬
على الخلاف فيما باعه المشتري وهو في يد البائع: هل يفوت بذلك أم لا؟ وإذا قلنا بالقيمة: فهل يوم الجذ أو يوم بدو الصلاح؟ قولان على القاعدة، فإن قلنا: كالقبض فيوم الصلاح، وإن قلنا: ليس بقبض فيوم الجذ. وانظر هل يشترط مع التمكين التمكن أم لا (¬1). هذه القاعدة أصلها هو الاختلاف في تأويل ما جاء في "المدونة" في البيع الذي يفيت البيع الفاسد (¬2) كما يقول عياض مبيناً أصل الاختلاف في هذه المسألة: هل من شرطه أن يكون بعد القبض، وإليه ذهب بعضهم، واحتج بقوله في كتاب العيوب في المسألة: "وعليه قيمتها يوم قبضها" (¬3). وجاز البيع إذا كان الأول قبضها، ومثله لمالك في كتاب محمَّد (¬4). وقال آخرون: بيعها فوت على كل حال، قبض أم لا. وفي كتاب محمَّد لمالك مثله أيضاً (¬5). ويتأول هؤلاء قوله إن كان قبضها لإلزامه القيمة يوم القبض، وكأنه يقول: وإن لم يقبضها كانت عليه القيمة يوم البيع، بدليل قوله فيها: ولو تصدق بها قبل قبضها كانت عليه قيمتها يوم تصدق بها. وهذا قول محمَّد في البيع، قال: قيمتها يوم باعها (¬6)، وهذا الأصل مختلف فيه. ومثله اختلافهم في العتق قبل القبض، ولا يختلفون أنه لو علم بالفساد ثم باعها قصداً لتفويتها أن بيعه غير ماض. وكلام عياض هنا: وهذا الأصل مختلف فيه، يبين أن هذه القواعد الخلافية كانت معروفة بين الفقهاء منذ وقت مبكر، وهذا العهد الذي برزت فيه بالضبط يمكن أن يحدد إذا توفرت عند الباحث المصادر الأساسية: ¬
قاعدة في المرابحة
كسماعات ابن القاسم وأشهب، إضافة إلى "المدونة" و"الموازية" و"الواضحة" وغيرها. قاعدة في المرابحة: قاعدة: علم أحد المتبايعين بالفساد دون الآخر اختلفوا في تأثيره، كما إذا قصد النقص في الصورة قبلها، أو تسلف أحد المتصارفين بخلاف علمهما معاً كتسلفهما لأنه يقتضي المنع، وليس التدليس من ذلك لحديث المصراة خلافاً لقوم (¬1). ما ورد في هذه القاعدة أشار إليه عياض في كتاب "المرابحة" وإلى أنه مخرج من كتاب "الصرف"، وقال: وإن قيل: إن البائع كان يعلم ذلك فالمشتري يجهله، وهذا أصل مختلف فيه، إذا كان الفساد من أحد المتعاقدين، هل يفسد العقد أم لا؟ وقد أشار إلى هذا الأصل المختلف فيه كذلك في بيع الخيار، في مسألة الجارية تلد في أيام الخيار. قاعدة في بيع الخيار: قاعدة: اختلف المالكية في البيع: أهو العقد فقط أم العقد والتقابض؟ وعليهما ضمان ما في المكيال والميزان بعد التقدير، وقبل مضي مقدار التمكين أهو من البائع أم من المشتري (¬2)؟ هذه القاعدة بصيغتها تحدث عنها عياض في بيع الخيار عند حديثه عن اكتشاف العيب في السلعة في بيع الخيار، هل تعتبر قيمتها يوم العقد أو يوم القبض، وقد استعرض أقوال العلماء في ذلك عند شرحه لما ورد في "المدونة" في تقويم الجارية المبيعة بالخيار - وقد حدث بها عيب في أيام الخيار - وقال: وقد أشار ابن محرز إلى أن اختلافهم فيه على أصل ¬
قاعدة في الوكالات
اختلافهم في التضمين في الخيار، هل هو من البائع حتى يقبضه المشتري؟ فتقوم على هذا يوم القبض. ومن قال: ضمانها من المشتري، قال: تقوم يوم البيع، وهو قول ابن كنانة (¬1) إذا كان الخيار للمشتري، وقال غيره: هذا على الخلاف، هل العقد بيع على الحقيقة ينقل الملك ويلزم الضمان بنفسه، أو حقيقته التقابض وإنما الكلام عقد يوجب البيع؟ وعلى هذا، هل التسليم والتوفية حق على البائع بما يتم بيعه أم لا؟ قاعدة في الوكالات: قاعدة: اختلف قول مالك في الوكيل هل ينعزل بالموت والعزل أو ببلوغهما إليه؟ على خلاف في النسخ: هل يتقرر حكمه بالنزول أو بالوصول (¬2). اعتبر القاضي عياض هذه المسألة من أصول الفقه، وأصلها صلاة أهل قباء وتحويل وجوههم إلى القبلة لما بلغهم أنها حولت، وقد أوقعوا ما مضى من صلاتهم بعد نسخ القبلة (¬3). كما استعرض اختلاف العلماء في الموت والعزل. وأشار إلى أن هذه القاعدة الخلافية تشتمل على عدة مسائل، وهي مبثوثة في كتب القواعد (¬4). قاعدة: اختلف المالكية في القسمة: هل هي بيع أو تمييز حق (¬5)؟ يرجع القاضي عياض منشأ هذه القاعدة إلى الاختلاف بين "المدونة" و"الأسدية" في مسألة الرجلين لهما ذكر حق بكتاب واحد، أو بغير كتاب ¬
قاعدة في الجوائح
من بيع باعاه بعين أو ما يكال أو يوزن غير الطعام والإدام، أو من شيء أقرضاه من الدنانير، والدراهم والطعام، إلى آخر المسألة (¬1). قال عياض في تعليقه على هذه المسألة: قيل: إنما استثنى الطعام هنا من بيع, لأن إذنه له في الخروج لاقتضاء نصيبه مقاسمة، والمقاسمة فيه كبيعه قبل استيفائه. قاله ابن أبي زمنين وغيره. وفي قسمة "الأسدية" لمالك خلاف هذا، وهو أصل متنازع فيه، هل القسمة بيع أو تمييز حق، وقد أشار عياض إلى هذه القاعدة كذلك في كتاب "القسمة". قاعدة في الجوائح: قاعدة: اختلفوا في المستثنى: أهو مشترى أو باق على الملك، فإذا باع شجراً واستثنى ثمرتها، فهل يمنع من بيع المستثنى قبل قبضه أو لا؟ قولان ولا ضمان ها هنا على المشتري (¬2). اختلف الفقهاء فيمن استثنى من الثمرة كيلاً فأجيح، بما يعتبر هل يوضع من المستثنى بقدره أم لا؟ إلى قولين: فروى ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم أنه يحط، وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ بناء على أنه مشترى. وروى ابن وهب: أنه لا يحط بناء على أنه مبقى. فمنشأ الاختلاف في هذه القاعدة هو الاختلاف بين ابن القاسم وابن وهب في هذه المسألة، وأشار عياض إلى أن الخلاف في هذه القاعدة يرجع إلى ما قضى به عمر بن عبد العزيز لأم الحكم بنت عبد الملك بن مروان في ثمر حائط باعته واستثنت سبعة أوسق (¬3). ¬
قاعدة في الشفعة
قال عياض: قال بعضهم: وما قضى به عمر لأم الحكم بأن ما استثنته من حائطها المجاح لها، ولم يحكم بشمول الجائحة فيه، إنما يأتي على رواية ابن وهب عن مالك في ذلك، وعند ابن القاسم أنه ينتقص من الشيء بقدر ما يصيبها من الجائحة. ثم قال: الخلاف في هذا مبني على الخلاف في المستثنى من المبيع هل هو مشترى من المشتري أو باق على أصل ملك البائع؟ فإذا قلنا: إنه مشترى عمته جائحة الحائط، وأخذت بحظها منه. قاعدة في الشفعة: قال عياض: اختلف في الشفعة أهي على عدد الرؤوس أم على قدر الأنصباء؟ وقوله: "الشفعة على قدر الأنصباء، ليس على عدد الرجال" (¬1). هذا هو المعروف من المذهب (¬2). والمخالف (¬3) يقول: على عدد الرؤوس. قال المقري: في القاعدة (1073): الشفعة عند مالك والشافعي مبنية على فائدة الملك، وعند أبي حنيفة على حكم الملك (¬4). هذه القاعدة تبين أصل الاختلاف بين المالكية والحنفية في هذه القضية وما اعتمده كل فريق منهما، وإن كان عياض لم يشر إلى هذه القاعدة وإنما تحدث عن المضمون، وهذا النوع كثير في كتابه. قاعدة: سلف جر نفعاً: هذه القاعدة تتخلل الكثير من جزئيات البيوع التي يتقى فيها الربا, لأن السلف وجه من أوجه المعروف، ولا يقصد به إلا وجه الله. ¬
قاعدة: الغلة بالضمان
وقد قال الناظم: القرض والضمان رفق الجاه ... يمنع أن ترى لغير الله وقد ذكر المقري هذه القاعدة فقال: شرع السلف للمعروف، ولذلك استثني من الربا ترجيحاً لمصلحة الإحسان بالمكايسة، على مصلحة اتقاء الربا، إذ من عادة الشرع تقديم أعظم المصلحتين على أدناهما، فإذا جر نفعاً بطلت مصلحة الإحسان بالمكايسة فبقيت مفسدة الربا سالمة عن المعارض فيما فيه الربا، وخالف الجميع مقصود الشرع في المشروعية، فبطل مطلقاً (¬1). قاعدة: الغلة بالضمان (¬2): أشار القاضي عياض إلى هذه القاعدة في كتاب "العيوب" عند حديثه عن نص "المدونة" المتعلق بشراء الغنم وعلى ظهرها صوف يوجد بها عيب، فقال: وانظر قول أشهب: "في الصوف على ظهور الغنم المشتراة به يوجد بها عيب، النابت وغيره سواء، كل ذلك تبع ولغو، مع ما بيعت به من الضأن" (¬3) كذا رويناه، وهو بيِّن. وفي بعض الروايات: من الضمان بزيادة ميم، أي: وهو من باب الغلة بالضمان. وهذه القاعدة قال فيها المقري: الأصل أن الخراج بالضمان، فإذا قبض غلة ما له غلة لم تمتنع الإقالة، إلا أن يكون صوفاً نبت عنده ثم جزَّه، هذا مذهب "المدونة"، أما إن اشتراه نابتاً فيجوز إن رده، أو مضى ¬
قاعدة: هل الرد بالعيب نقض بيع أو ابتداء بيع؟
بما ينوبه في الفوت، أو بمثله على القولين، فإذا صحت الإقالة لم يرد الغلة إلا بدليل كما في أحد القولين في "الغاصب" (¬1). قاعدة: هل الرد بالعيب نقض بيع أو ابتداء بيع؟ أشار القاضي عياض إلى هذه القاعدة في كتاب "الاستبراء" ولخص أقوال العلماء فيها مبيناً منشأ الاختلاف، وناقشها مناقشة فقيه متبصر عالم بعلل الأحكام ومبانيها، فقال: قال مشايخنا: لا يختلف قول ابن القاسم وأشهب أن الرد بالعيب نقض بيع. وقال وهو يتحدث عن الجارية تباع فيجد المشتري بها عيباً فيردها: ولكن من حجة ابن القاسم أن يقول البائع للمشتري: أخذتها سليمة الرحم (¬2) فردها كذلك، فإنك حزتها، ولا أدري ما أحدثت عندك. وقد ذكر بعضهم اضطراب ابن القاسم في هذا الأصل، وأشار اللخمي أنه اختلاف من قوله، وقول ابن القاسم في رد السمسار الجعل في المردود بعيب (¬3)، يدل أنه عنده نقض بيع، وكذلك قال في كتاب "الصرف" إذا وجد الدراهم زيوفاً (¬4). وقد أشار بعضهم إلى أنهما يختلفان، هل الرد بالعيب نقض بيع، أو ابتداء بيع (¬5)؟ من هذه المسألة وغيرها، وهو بعيد في التخريج والاستقراء، وغير صحيح في النظر، وكيف يقال: إنه ابتداء بيع، وهو مما يكون غلبة وحكماً، وهل يوجد بيع ينعقد بالإجبار؟ وأما الرد فيصح بالإجبار، إلا أن ¬
قاعدة: هل الإقالة بيع أم لا؟
يقال: إن هذا إنما يعترض ويتصور من مسائل الرد بالعيب فيما تراضوا عليه، فهو ما لم يفصله أحد منهم ويبعد حتى الآن، من رده إنما رده على الوجه الذي يقتضيه الحكم ويوجبه إن اضطر إليه. وقد ذكر هذه القاعدة المقري (¬1) والقرافي (¬2) (¬3) ويترتب على الاختلاف في هذه القاعدة اختلاف في أحكام أخرى تابعة لها كالشفعة في المردود بالعيب، وضمان ما أتلف منه، ورد السمسار الجعل، والتفليس، ورد الغلة (¬4). قاعدة: هل الإقالة بيع أم لا؟ يرى القاضي عياض أن الإقالة بخلاف الرد بالعيب لأنها تقع بتراضي الطرفين، ولا يجبر عليها أحد، فهي التي يمكن أن يخرج فيها القولان وهما: البيع ونقض البيع، فقال: وأما الإقالة فنعم تلك التي يصح فيها تخريج القولين وتأويل العلتين، إذ هي بتراض من المتبايعين (¬5). قاعدة: هل حكم السكوت حكم الإقرار؟ قال عياض في كتاب "الصلح": وحكم السكوت حكم الإقرار على قولهما معاً. وقال ابن رشد في كتاب الدعوى في "الصلح": لا خلاف أن السكوت ليس برضى, لأن الإنسان قد يسكت مع كونه غير راض، وإنما اختلف في السكوت هل هو إذن أم لا؟ ورجح كونه ليس بإذن بقوله عليه السلام في البكر: "إذنها صماتها" فدل ذلك على أن ذلك خاص بها (¬6). ¬
قاعدة: الأتباع هل هي مقصودة مراعاة أم لا؟
وقد جعل المالكية السكوت كالإقرار في أمور ذكرها الونشريسي في كتابه (¬1). وقال المقري: اختلف قول ابن القاسم في السكوت على الشيء هل هو إقرار به وإذن فيه أو لا؟ قال ابن رشد: والنفي أظهر (¬2). وهذه القاعدة هي محل اختلاف بين العلماء، ففيها الاختلاف من حيث المبدأ كما أن حكمها يختلف باختلاف الأبواب الفقهية كذلك (¬3). قاعدة: الأتباع هل هي مقصودة مراعاة أم لا؟ قال عياض في مسألة جواز كراء البقرة واشتراط حلابها (¬4): اعترضها سحنون ومن بعده، وأنها مخالفة عندهم لمنعه اشتراء لبن الشاة جزافاً. وأشار فضل وابن أبي زمنين إلى أنه خلاف من قوله، وعليه حملها أبو بكر بن عبد الرحمن، وبعض شيوخ القرويين، ووفاق لرواية أشهب عنه. وقد اختلفوا في مسألة البقرة المذكورة إذا انقطع لبنها هل يرجع بحصته من الثمن أم لا؟ وكل هذا بناء على الاختلاف في الأتباع، هل هي مقصودة مراعاة أم لا؟ (¬5). وردت هذه القاعدة عند المقري بهذا اللفظ: اختلفوا في كون الأتباع مقصودة أو لا (¬6)؟ إلا أن كلام عياض مهد للقاعدة قبل ذكرها مبيناً الذين اختلفوا فيها، فكان بذلك كأنه أصل لهذه القاعدة. هذه نماذج من القواعد المبثوثة في هذا الكتاب وهي كثيرة كقوله: هل ¬
من البياعات ما هو بيع براءة وإن لم تشترط فيه أم لا؟ وهل يصح بيع البراءة وينتفع بها في كل شيء أو بعض الأشياء أو لا ينتفع بها جملة؟ وهل التسليم والتوفية حق على البائع بما يتم بيعه أم لا؟ ومن أصل ابن القاسم أن عواري الدواب لا تضمن. وكلما يجوز فيه الجعل تجوز فيه الإجارة، إذا ضرب لذلك أجلاً. وهل يرد ما حكم فيه، وإن وافق الحق؟ وهو الصحيح. أم يمضي، إذا وافق الحق ووجه الحكم؟ إلى غير ذلك من القواعد المعبر عنها بقوله: وهو على أصولنا، أو على أصل ابن القاسم، أو أصل أشهب. وقد يكون كتاب عياض هذا مع كتاب عبد الحق الصقلي: النكت هي من أهم الكتب التي أوحت إلى بعض علماء المالكية الاشتغال بفن القواعد الفقهية كالمقري والقرافي والونشريسي وغيرهم.
المبحث الثالث: ملاحظات تقويمية عامة
المبحث الثالث: ملاحظات تقويمية عامة يعالج هذا المبحث بشكل مباشر منهج القاضي عياض في كتاب "التنبيهات" على المستويات الثلاثة التي أثارها الكتاب، الرواية: والدراية، واللغة. وهو استكمال لدراسة منهجه في تناول تلك القضايا الثلاث الرئيسة، وتسجيل لبعض الظواهر والأوهام والملاحظات البادية للعيان. هذه الملاحظات يعود بعضها إلى طريقة المؤلف في التأليف والكتابة، والتعامل مع مادة كتاب "المدونة"، والأسلوب الفني في الكتابة ... ويرجع بعضها إلى المضمون العلمي للكتاب في بعض قضاياه وما يبدو أخطاء في الشكل والموضوع، ويتناول بعضها الآخر قضية المصادر في كتاب "التنبيهات" عامة ... ويستهدف هذا المبحث أساساً إثارة الانتباه إلى أن كتاب "التنبيهات" يضع بعض التساؤلات الملحة من حيث تحريره وتنقيحه في مضمونه وشكله؛ إذ يصعب التوفيق بين القول بأن المؤلف ألف كتابه قديماً وانتهى منه وروي عنه - كما سبق - وبين الواقع الذي ينطق به نص الكتاب في نسخه الصحيحة، بما في ذلك الأخطاء العلمية والنحوية واللغوية والإملائية والأسلوبية التي لا يصدق أحد أن مثل ذلك يصدر عن القاضي عياض العالم الموسوعي الرائد.
أولا: أسلوب التأليف
أولاً: أسلوب التأليف: يقصد بالأسلوب هنا طريقة التأليف والتعامل مع المادة العلمية للمدونة واقتباسها وتوظيفها وترتيبها، ثم أسلوب المؤلف وسبكه ومدى وضوحه ... 1 - مدى تناسق مادة الكتاب: شرح المؤلف مسائل "المدونة" على ترتيبها في الكتاب والباب، وهذا ما فرض عليه الخلط بين المواد اللغوية والحديثية والفقهية دون تمييز. هذا هو الأصل والغالب في الكتاب، وربما خالفه، غير أن هذه المخالفة قد يكون لها مسوغ، وقد لا يظهر وجه التسويغ. فمما له سبب وجيه في عدم التزام ترتيب "المدونة" ما في أول كتاب "الصلاة" عندما عقد مقدمة لبيان أركان الصلاة وأسمائها وأفعالها وأذكارها، فاضطر لتجاوز عشرات الصفحات ليحلل مثلاً مصطلح القنوت والتشهد ... فتراه يتنقل ما بين الصفحات 55 إلى 103، ثم إلى 143، ثم إلى 70، ثم يعود إلى 57 من "المدونة" في جزئها الأول. ومن نماذج تصرفه هذا الذي له سبب مقبول، ما يرتكبه أحياناً كثيرة عندما يعالج مجموعة من المسائل ويناقشها فقهياً، ويؤجل الحديث عن العناصر الأخرى من التعريف بالأعلام وضبطها والشرح اللغوي، إلى آخر التحليل الفقهي، وربما قدم هذه على بحث المضمون، فمن ذلك اقتصاره على القضايا الفقهية الواردة في الصفحات من 290 إلى 301 من الجزء الأول "للمدونة"، ثم رجوعه لشرح بقية المسائل الأخر، ومثاله أيضاً في الجزء الثالث بدؤه بمسائل الموضوع من الصفحات 230 إلى 238، ثم عاد على بدء لينساق مع بقية المسائل حتى الصفحة 250، والأمثلة وافرة. إلا أن الذي لا يعرف مسوغه هو عندما يتجاوز المسألة بعد أن يعالج مسائل لصيقة بها، ثم بعد حين يفردها بالذكر في غير موقعها. من ذلك مسألة المشي أمام الجنازة وقعت في "المدونة" في الجزء الأول في الصفحة 177، وبعد شرح مسائل عدة بعدها إلى الصفحة 182 أفردها بالذكر هناك.
ومن ذلك أنه عندما تحدث عن إبان خروج السعاة للزكاة في "المدونة" (¬1) شرح لفظتين، حتى إذا أوشك على الانتهاء من مسائل الزكاة وقبل آخر مسألة وبين ثنايا مسائل زكاة الفطر الواقعة في "المدونة" (¬2) أقحم مسألة إبان خروج السعاة لجمع الزكاة! ومن هذا أيضاً أنه ذكر اسم الراوي جعفر بن برقان في الحديث عن مسائل الجمعة حوالي الصفحة 154 من الجزء الأول، ولم يذكر اسمه في النسخة المطبوعة من "المدونة" إلا في الصفحة 171، وكذا ذكر هناك أبا عبد الرحمن الحبلي وموقعه في الصفحة 167 من "المدونة". ومن الملاحظات الأخرى في هذا الباب ذكره لمسائل أحياناً لم ترد في الكتاب موضوع النقاش أصلاً، كذكر حكم حمام مكة إذا خرج عن الحرم في آخر كتاب الصيد، وهو في المطبوع من "المدونة" في آخر كتاب "الضحايا". وقريب من هذا شرحه لمسألة النظر إلى فرج المرأة عند الخلاف أوردها في آخر "النكاح الأول" في الجزء الثاني، وليست في "المدونة" هناك، وإنما هي في آخر "النكاح الرابع" في المطبوعة (¬3). وقد أحال على محلها الصحيح وأعاد ذكرها هناك. وربما حمله على ذكرها هناك علاقتها بعيوب النساء - وهو هنالك - أو ربما تكون مكررة في بعض الروايات! فمثل هذا الخلط غير القليل يصعب تفسيره بهذا السبب أو ذاك، خاصة عندما ينقطع السياق وتقحم المسألة في غير محلها، هل هو من عمل المؤلف أو من تصرف غيره؟ وهل ثبتت بعض هذه المقحمات في أصله؟ وهل هي في متنه أو طرره؟ وإذا أضيف إلى هذا نوع آخر من الاختلاط والاختلاف فيما بين فقرات الكتاب، بحيث تقدم فقرة أو تؤخر عن موضعها، أو عندما يكون هذا الخلط داخل الفقرة الواحدة أو المسألة المنفردة - ولا يستقيم معنى الكلام إن لم يُعد ترتيبه - فمثل هذا التصرف ¬
2 - تعامل المؤلف مع مادة المدونة
الواقع في بعض مواطن الكتاب وفي بعض النسخ أو في كلها أحياناً، لا بدّ أن يحمل على التفكير في طبيعة أصل الكتاب والمدى الذي بلغه المؤلف في تصنيفه، وسيأتي تفصيل هذا المشكل الأخير عند الحديث عن نسخ الكتاب. 2 - تعامل المؤلف مع مادة المدونة: وجد المؤلف نفسه أمام كتاب مبسوط وأسلوب لا يعرف الاختصار، بل قد يعتريه الاستطراد، وفي كل مسألة سؤال يبسُطها، وربما استدل لها ووضع إشكالاً يرد عليها، ثم جواباً بالنفي أو الإيجاب، مع الدليل السمعي أو القياسي، وتفريعاً على أصل المسألة أحياناً. فإن رام القاضي عياض ذكر هذا كله اشتغل بما لا ينفع به، وإن صاغ المسائل بأسلوبه خرج عن مقصده، فالتجأ إلى سبيل وسط، مراعياً أحوال المسائل ومساقاتها، فقد يسوق كلام الأصل بحروفه، وقد يختصره، وقد يشير إليه. والغالب عليه الاختصار مع الإبقاء على جل كلمات الأصل إلا في حالات خاصة، كطول المسألة، أو افتراقها في الكتاب كما قال مرة في آخر كتاب "الحج": "وقع له هذا الكلام في وسط الكتاب في موضعين بأطول من هذا اللفظ في السؤال والجواب، وإنما اختصرته على المعنى". وبدهي أنه مضطر إلى التصرف في السياق بتغيير الضمائر وصيغ الأفعال ليناسب سياق المتكلم الشارح، فمثلاً جاء في "المدونة": "قلت لابن القاسم: أكان مالك يعرف التسبيح في الركعتين الآخرتين؟ قال: لا". وصاغه المؤلف كما يلي: "وقوله: لم يكن مالك يعرف التسبيح في الركعتين الآخرتين". وللوقوف على أسلوبه في الاختصار وضغط الكلام وأسلوب "المدونة" في التطويل، أورد هذا النموذج: جاء في "المدونة": "قلت: أرأيت هذا الذي فاته بعض صلاة الإمام فسلم الإمام وعليه سجدتا السهو بعد السلام، فسجدهما الإمام، فأمر مالك هذا أن يجلس حتى يسلم الإمام من سهوه،
ثم يقوم فيقضي: أيتشهد في جلوسه كما يتشهد الإمام في سهوه وهو يلبث حتى يفرغ الإمام ولم يقم؟ قال: لا، ولكن يدعو". اختصر المؤلف كل هذا في قوله: "وقوله في الكتاب: إن جلس فليدع ولا يتشهد". وقد يجد القارئ أحياناً نفسه أمام كلمات في نص "التنبيهات" مرصوفة متناغمة انتقاها المؤلف من نص طويل، فهذا السطر مثلاً لخصه المؤلف من ثلاثة عشر سطراً: "وقوله فيمن أسلم في طعام وأخذ به رهناً فهلك، لم يصلح أن يقاصه بقيمته من سلمه". ومن قبيل الاختصار لجوء المؤلف إلى دمج أكثر من فرع ومثال في فرع واحد. ومن عناصر أسلوبه في التعامل مع مادة "المدونة" - وهو نوع اختصار - الربط بين مواقع المسألة الواحدة في الكتاب أو بين المسائل المتشابهة أو حتى المختلفة ليتمكن من إظهار الخلاف ومناقشته، كما فعل عند ذكر مسألة الزيتون الذي له زيت إذا باعه صاحبه قبل عصره أن عليه إخراج ما كان يلزمه من زيت، وهذا في "المدونة" 2/ 342. وعطف عليها مسألة الجلجلان إذا كان قوم لا يعصرونه وإنما يبيعونه للذين يزيتونه للأدهان ... وهي في "المدونة" 2/ 349. وفي كتاب "الحج" ربط بين مسألة في الصفحة 1/ 371 بنظائرها في 1/ 394 ثم بين أخرى في 1/ 371 بأخريين في 1/ 392 و455، وربط بين مسألة في 1/ 389 وأخرى في 1/ 456. هذا التصرف يقود إلى ظاهرة تتكرر كثيراً في الكتاب هي استحضار المؤلف مواقع المسائل في الكتاب على تباعد ما بينها، وهذا مثال: "وقوله في العبد المأذون إذا اشترى من يعتق على سيده: إنه يعتق عليه، قال ابن القاسم: إذا اشتراهم وهو يعلم. ثبت هذا في الكتاب الأول، وبينه هنا، وأطلق في الثاني عتقه. وحمل سحنون أن معنى ذلك: أنه اشتراهم بإذن سيده. وقد اختلف في مراعاة علمه، وفي كتاب "الرهون" في بعض
3 - أسلوب المؤلف
الروايات: يعتقون، علم أو لم يعلم. وفي الوكالات والقراض مراعاة العلم من غيره". ومن هذا الباب أيضاً إحالات المؤلف عند التحليل على كتب "المدونة" الأخرى أو أبوابها أو على ذات الباب أو على المسألة الفلانية في آخر الباب الفلاني أو بعد هذا بأوراق، وهذا أيضاً كثير في الكتاب. ويكاد المتأمل لتصرف المؤلف في نصوص ومسائل الكتاب يحس بأنه حافظ "للمدونة"، وذلك أنه أحياناً يورد نص "المدونة" الطويل مع بعض الاختلاف اليسير الذي لا يستلزمه الاختصار مما يوحي بأنما يورده من حفظه، وليس هذا غريباً؛ إذ قال عنه ابنه: "كان فقيهاً حافظاً لمسائل المختصر والمدونة قائماً عليها، حاذقاً بتخريج الحديث (كذا) من مفهومها ... " (¬1). 3 - أسلوب المؤلف: الجرأة على نقد وتقويم أسلوب القاضي عياض في كتاب "التنبيهات" لا بدّ أن يفهم في الإطار المذكور سلفاً وهو ظرف تصنيف الكتاب ومدى تنقيحه أو عدمه، وإلا فبلاغة القاضي عياض وأدبه ولغته فوق كل تشكك، ومن يقرأ الباب الذي عقده في "بغية الرائد" (¬2) فيما اشتمل عليه الحديث من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة والأبواب الملقبة بالبديع في هذه الصناعة من لفظ رائق ومعنى فائق ونظم متناسب وتأليف متعاضد متناسق ... لا يسعه إلا أن يوافق الدكتور عبد الله الطيب في شهادته بأن هذا "من أنفس ما كتب في بابه، ويوشك أن يكون قد انفرد به بين أدباء العربية؛ إذ نظائره مما خصص الكاتبون فيه النقد لقطعة أدبية واحدة بعينها قليلة ... " (¬3). وإذاً فما يلاحظ على أسلوبه قد يكون من عدم مراجعة الكتاب، وهو بالأساس لا ¬
يرجع إلى صناعة الكتابة وقواعد البلاغة، وإنما هو خلل أقرب إلى تقنيات الاختصار وجفاف لغة الفقه. وأهم ما يثار في أسلوب كتاب "التنبيهات" الإبعاد بين المبتدأ والخبر، والشرط والجواب، وكثرة الجمل الاعتراضية، وضغط الكلام بشدة حتى لا يكاد يفهم أحيانا، والحيرة في مواقع الفصل والوصل، والمواقع المناسبة لوضع النقط والفواصل، والنقط الفواصل، ونقطتي القول، والحاجة إلى أدوات الربط. ولنقرأ أولاً هذا المثال: "وإجازة مالك بيع اللحم بالخيل والدواب، ومنع ابن القاسم بيعه بالضبع والهر والثعلب. واعتل بكراهة مالك للحومها وأنها عنده ليست كالحرام البين وللاختلاف في أكلها. ولم يقل هذا في الخيل وكراهةُ مالك للحومها على نحو ذلك، واختلافُ الصحابة والعلماء فيها معلوم؛ فذهب بعضهم إلى أن مذهب ابن القاسم في ذلك خلاف مذهب مالك، وأن الذي يأتي على مذهب مالك في المسألة الأولى الجواز في الجميع. وعلى مراعاة ابن القاسم الخلاف الجواز في الجميع". ومن النماذج القلقة في الكتاب هذا النص الذي كان المؤلف فيه بصدد ذكر رأي لأبي عمران الفاسي، ثم اعترض بجملة، ثم رجع لكلام أبي عمران فسبب في الغموض: "وأما أبو عمران فترجح في المسألة وقال: يحتمل الخلاف وغيره، وأن مسألة التي فرق فيها بين القرب والبعد تفسر الأخرى وتقضي عليها ومسألة الابن الغائب - يريد البعيد الغيبة - ومسألة التي قالت: لا أرضى؛ لأنها ردت الأمر وأبطلته - وقد جاءت في "سماع" ابن القاسم: ما وكلت وما رضيت، فلا تشبه المسائل الأخرى التي فيها الإجازة والرضى بالقرب - ويقول: وقوله - على هذا "مرة"، أي: لم يتكلم بهذا التفسير والبيان إلا مرة، وفي غيرها أجمل الجواب". فالجملة: "وقد جاءت في سماع ابن القاسم" إلى قوله: "والرضى بالقرب"، جملة معترضة. وقوله بعدها: "ويقول"، ضميره عائد على أبي عمران.
ومن النماذج التي يصعب فهمها إلا بعد الاستعانة بأدلة خارجية، هذا النص الذي إذا كتب معزولاً عن علامات الترقيم تعسر ضبطه: "وقوله في باب لعان الأخرس - وهو الأبكم في الذي ادعى الاستبراء حين ولدت لأدنى من ستة أشهر وقد لاعن للرؤية -: لا يلحقه الولد ويكون اللعان إذا قال ذلك والذي كان نفياً للولد كذا ثبت الواو عندي وفي أصول شيوخنا وأكثر النسخ وفي كتاب "ابن سهل" و"ابن عيسى" سقطت الواو في رواية قال أحمد بن خالد: إثباتها يدل أنه لعان ثان، كما قال أصبغ قال القاضي ويكون على هذا معنى ويكون اللعان إذا قال ذلك أي ويجب ويقع وهذا أحد معاني كان في لسان العرب ويبينه قوله في كتاب "ابن المرابط" ويلزمه مكان يكون ثم قال والذي كان نفياً للولد، أي: مع اللعان المتقدم الذي مضى للرؤية يكون هذا زائداً لنفي الولد خاصة وكان ها هنا على بابها في الماضي وقد تكون الواو على أصلها عاطفة أن بمجموع هذين اللعانين انتفى الولد". ومن الأمثلة الدالة على عدم تنقيح الكتاب قوله: "أرأيت إن جحد الذي عليه الدين أن لها أن تقيم البينة، دليل على أنها إذا أقر لا تقيم بينة". فمقصد المؤلف هو أن يقول: إن جحد الذي عليه الدين لها أن تقيم البينة. لكنه أبقى أداة الاستفهام، وذلك ما جعل معناه قلقاً. ولعل مثل هذا الغموض حمل مدون كتاب التقييد أو مؤلفه عندما نقل نصاً من "التنبيهات" على تجاوز موضع الشاهد وإدخال جزء من فقرة أخرى لا علاقة لها بالموضوع (¬1). وللتأكد من تعقد أسلوب المؤلف هذه موازنة بين نص لعبد الحق الصقلي في النكت، ومعه ما للمؤلف في شرح الفكرة ذاتها: قال عبد الحق: "إنما وجب أن يصدق التجار أن بين العبدين اللذين باعوا نكاحاً، وإن كان التجار كفاراً، لأنهم يقولون: إنما بعنا على أنهما ¬
زوجان، فهو عيب باعوا عليه ونقص عليهم من أثمانهم، وليس ذلك من باب الشهادة". لخص المؤلف ذلك بقوله: " ... ووجه الشيوخ ما في الكتاب أنه من باب التبرئ ومن عيب الزواج، فلم يتهموا لا من باب الشهادة". ومن الدلائل على أن هذا الأسلوب يعتريه بعض النقص أن الرجراجي رحمه الله في مناهج التحصيل - وهو كثير الاعتماد على المؤلف وقليلاً ما يعزو إليه الكلام - كان أحياناً يتصرف في نص "التنبيهات" بما يوضحه بالإضافة والنقص، ومن ذلك: قال المؤلف: " ... إنما أجاب في النكاح لا في الملك، لأن الملك لا حد معه وإن النكاح شبهة ملك يدرأ الحد بها، وقد يحتج بقوله: "وإن تعمداه، وهذا إنما يصح في الزوجين إذ أشار إلى الحد فيهما، وإلا فما وجه تثنيتهما". نقله الرجراجي هكذا: "إنه أجاب على النكاح دون الملك، لأن الملك لا حد فيه، وإنما الحد في النكاح، إلا أن النكاح في هذه المسألة شبهة تدرأ الحدود، ويحتج قائل هذا القول بقوله: وإن تعمداه، وذلك إشارة إلى الزوجين، وإلا فلا وجه للتثنية". قال المؤلف: "ويحتج إنما فعلت ذلك لرغبتي ... ". نقله الرجراجي: "ويحتج بأنه إنما فعلت ... ". هذا وسيأتي في أثناء الكلام على نسخ الكتاب مزيد بيان لهذه القضية؛ إذ توجد في كتاب المؤلف أوهام أخرى تصب في هذا الباب، مثل الأخطاء النحوية وغيرها. وقد يعجب المرء عندما لا يجد نصاً ولا إشارة لهذا الغموض، مع اعتماد الفقهاء عليه وتقديرهم لفقه مؤلفه، ولم أعثر إلا على جملة وحيدة
4 - مدى شمول "التنبيهات" للمدونة
عند الفقيه النبيه القباب (¬1) في شرحه لقواعد المؤلف؛ يعني: "الإعلام بحدود قواعد الإسلام"، عندما ذكر في آخر كتاب "الحج" ما يأتي: "وكلام القاضي في غير هذا الكتاب كثيراً ما تأتي فيه الجمل الاعتراضية، وربما كان فيه تعقيد" (¬2). فكأنه أشار إلى كتاب "التنبيهات"، وهو المظنون بالفقيه القباب الاعتناء به دون غيره من المؤلفات، ثم إن بقية مؤلفات القاضي عياض لا يعتريها مثل هذا الخلل، ولم يذكر محققوها من ذلك إلا يسيراً كما سيأتي. 4 - مدى شمول "التنبيهات" للمدونة: خطاب مقدمة المؤلف واضح في رسم هدف الكتاب وفي تحديد نوع القضايا محل المعالجة، وهي القضايا الغامضة. ومن الصعوبة إحصاء نسبة المادة المدروسة من "المدونة"، وكذا نسبة المادة الفقهية إلى مثيلتيها الحديثية واللغوية. وأصعب من ذلك الموازنة بين ما قام به المؤلف وما أنجزه غيره من المتصدين للتأليف في موضوع الكتاب. وارتباطاً بهذا، هل كان المؤلف عندما يتجاوز بعض القضايا المحتاجة إلى بيان يضع في اعتباره أن السابقين قتلوها بحثاً؟ مثل هذه التساؤلات ترد عند الرجوع إلى "المدونة"؛ إذ يجد القارئ فيها كما لا بأس به، إن لم يكن كمًّا كبيراً من المسائل والأعلام والألفاظ المحتاجة إلى بيان وشرح وضبط. بل هذا في "المدونة" كثير جدًّا؛ فألفاظ مثل الخروبة (¬3) والصيحاني والعجوة (¬4) بحاجة إلى شرح، لا سيما وهي أسماء معروفة في المشرق، وقد لا تسمع في المغرب، والذي يلفت الانتباه في هذا قيام المؤلف غير ما مرة بشرح بعض ألفاظ دون غيرها مع اجتماعها في نص واحد، ومن أمثلة هذا: "قلت لمالك: أرأيت إن كان كله جعروراً أو مصران الفأرة، أيؤخذ منه أو يؤخذ ¬
ثانيا: أوهام الكتاب
من وسط التمر؟ " (¬1). فإن المؤلف شرح الجعرور وترك مصران الفأرة. ومثل: "نظر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى رجلين نذرا أن يمشيا في قرن، فقال: "حلا قرنكما" ... قال سحنون: ونظر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يمشي إلى الكعبة القهقرى" (¬2). فإن المؤلف شرح القهقرى وترك القرن. وكذا: "أرأيت جميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البزاة؟ قال: لا أدري ما مسألتك هذه، ولكن البزاة والعقبان والزمامجة والشدانقات والسفاة ... " (¬3). شرح المؤلف السفاة فحسب. ومن هذا الباب تجاوز المؤلف لمسائل خلافية دون تعليق، لا سيما والمخالفون ينتقدونها على المالكية، وإن كان هذا يخالف المنطق العام للكتاب في عدم الاهتمام بمسائل الخلاف (¬4). وخلاصة القول: إن الصناعة التأليفية في الكتاب انتابها بعض النقص في الشكل والمضمون، وهذا النقص يصعب تحديد مرجعه وسببه بالضبط، وإن كان الراجح أنه من عدم التصحيح والمراجعة، وسيتعمق هذا الشعور بالنقص في النقطة التالية المتعلقة ببعض الهفوات العلمية في الكتاب. ثانياً: أوهام الكتاب: من غير الإنصاف عزو كل وهم في الكتاب إلى المؤلف، ولا سيما عند احتمال تسرب الخطأ من جهة ثانية، أو عندما تتعدد احتمالات الخطإ، كأن يأتي من الناسخ أو حتى من المؤلف نفسه لسبب غير مقصود مثل: الوهم وسبق القلم وزيغ البصر ... غير أنه لا محيص من الإقرار بورود أخطاء هي مما خطت يده دون غيره، ولا سيما عندما تجمع النسخ ¬
الصحيحة - ومنها معارضة بأصل المؤلف - على أن هذا كان من كتابته، ويؤكد ذلك في الطرر والهوامش، بل ويتكرر هذا عشرات المرات. وإن المرء ليستغرب صدور تلك الهنات من قلم القاضي عياض وهي - قطعاً - هنات لم ينتبه إليها، ولا بد أن الأمر يتعلق بحالة خاصة تعتريه وهو يكتب، وربما كانت هي السرعة والخفة التي يكتب بها، فقد قيل عنه: إنه سريع الوضع، يدل على ذلك وجود أوضاع كثيرة وكتب عديدة يقصر عنها الحصر بخط يده (¬1). وقال عنه ابنه: هو من أكتب أهل زمنه (¬2). وقال عنه: قوي الخط دقيقه (¬3). فربما كانت هذه الدقة أيضاً السبب في بعض ذلك عندما ينقل النساخ من خطه فيخطئون، وقد سبق القول: إنه ترك كتابه "المشارق" في أنهى درجات التثبيج والإدماج والإشكال وإهمال الحروف (¬4). قد يكون هذا مخرجاً، وإلا فمن يصدق أن القاضي عياضاً يرتكب أخطاء في النحو في باب الفاعل والمفعول والعدد وفي التعبير البسيط، وهو الذي ناقش طويلاً في "بغية الرائد" لغة "أكلوني في البراغيث"، واستعرض مذاهب النحويين فيها (¬5). وتوقف وانتقد بعض الأخطاء في باب العدد (¬6) حتى قال الدكتور عبد الله الطيب: "حديثه عن العربية في مفتتح شرحه لمسائل الحديث - يعني: حديث أم زرع - ربما يعيننا على تصحيح بعض أسطار باب العدد في الجزء الثاني من كتاب سيبويه" (¬7). كيف أيضاً وهو اللغوي صاحب "المشارق"، الذي استفاد من تراثه اللغوي المجد الفيروزآبادي في القاموس، وابن الطيب الفاسي في سائر ¬
مؤلفاته اللغوية، ومرتضى الزبيدي في "تاج العروس" والتادلي في "الوشاح" وغيرهم (¬1). وكيفما كان الحال فالأخطاء وقعت وثبتت، ويزيد من صحة ثبوتها عن المؤلف ورود مثيلاتها في بعض مؤلفاته الأخرى كما سنتأكد. والآن نستعرض بعض الأمثلة، وهي مختلفة ما بين أخطاء في المضمون، وأخرى في اللغة، وأخرى في الأعلام. أولاً: فمن أخطاء المضمون التي يمكن إرجاعها كلها إلى الوهم وسبق القلم: 1 - " ... بقوله تعالى: فعم الله المساجد". هكذا في النسخ، وإنما قصد المؤلف أن يقول: بقول مالك، وهو قوله في "المدونة". 2 - قال: "قوله عليه السلام: فلا يخرج يوم الفطر حتى يطلع الفجر ... ". وهذا إنما هو من قول سحنون عقب به على حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. 3 - فسر المؤلف اسم "جَمْع" بأنها عرفة، وكذلك فسرها في "المشارق" مرة، وفسرها هناك بالمزدلفة أيضاً (¬2)، وكذلك فسرها على الوجه الصحيح في "التنبيهات" بعد ذلك. 4 - قال: "وقوله في التي أعتقت عبداً أخذته في صداقها وثلثها لا يحمله: إن لزوجها رده ... ظاهره أنه محمول على الجواز حتى يرده السيد، وقال عبد الملك: هو على الرد حتى يجيزه السيد". والصواب: حتى يرده ... حتى يجيزه الزوج. 5 - قال: " ... وإن الذي يأتي على مذهب مالك في المسألة الأولى ¬
الجواز في الجميع، وعلى مراعاة ابن القاسم الخلاف الجواز في الجميع". تعقبه أبو الحسن الصغير بقوله: "في "التنبيهات" تصحيف في هذه اللفظة، وصوابه: منع الجواز في الجميع، ويدل عليه ما تقدم في صورة المسألة" (¬1). ثانياً: أما الأوهام التي في الأعلام فيمكن أن يرد بعضها إلى التصحيف لكن بعضها قد يكون من وهم المؤلف، ومنها: - "شرحبيل بن حسنة ... بفتح السين المهملة من اسم أبيه". يعني: "حسنة". وإنما هي أمه. - "محمَّد بن الشغيثي - بالغين المعجمة -، كذا عند ابن وضاح ... وصوابه بضم الشين وفتح الغين". والصواب فيه أنه بالعين المهملة. - "وأم قارظ بالقاف والظاء ... ". وكذا ورد اسمها في "المدونة"، لكن الصواب فيها: أم حكيم بنت قارظ. - "يحيى بن مسيك ... ". كذا في كل النسخ، والصواب في اسمه بحر بن مسيك، فلعله تصحيف. - "إياس بن جارية، بالجيم والباء باثنتين تحتها". كذا ضبطه المؤلف، وفي طبعة دار صادر من "المدونة" كذلك، وفي طبعة دار الفكر منها: حارثة. وإنما ذكره المترجمون؛ البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان باسم إياس بن خارجة. - "عيسى بن يونس الضبعي - بضم الضاد وفتح الباء - منسوب إلى بني ضبيعة". وقد ورد في سند حديث في "المدونة". وبالرجوع إلى مظان الحديث تبين اقتصارهم في اسمه على عيسى بن يونس دون نسبة، والراجح أنه عيسى بن يونس السبيعي، وإسناد الحديث يؤيد هذا ... - "يزيد بن أبي أنيسة ... ". والصواب: زيد. ¬
وفي الكتاب نماذج أخرى في هذا الباب، لكنها أوهام حفيفة .. ثالثاً: أما الأوهام التي تعود إلى الأسلوب فهي أنواع: * منها: اللغوي: مثل قوله: - "الضورة، بضم الضاد ... ". وإنما هو الظؤرة - بالظاء المعجمة -. * ومنها: النحوي - وهو كثير - من أمثلته: - "والكسوف والخسوف، قيل: هما بمعنى، ويقالا في الشمس والقمر". - " ... وقيل أيضاً: رصدت في الخير وأرصدت في الشر، وقيل: يقالا فيهما جميعاً". - " ... وأن بينهما بالأندلس اختلاف بيَّن وأغراض مختلفة". - " ... وبالوجهين ذكرهما الدارقطني". وقصده: ذكره. ومثل هذا تكرر غير مرة. * ومن أمثلة الأخطاء التعبيرية قوله: - "وقد يكون هذا جواباً لمسألة ابن القاسم في العبد الذي خرج فضل الخلاف منها". لعل الصواب: التي خرج ... - "شرط في القول بإجازة الدخول عليها أن يكون معها من يتحفظ بها". لعله: من يتحفظ منها، أو منه. ومما يقطع بأن هذه الأخطاء من سبق القلم تكرر العبارات ذاتها في الكتاب على الوجه الصواب وأحياناً في الصفحة الواحدة، بل في الفقرة الواحدة. غير أن ثبوتها بقلم المؤلف لا شك فيه أيضاً، فبالرجوع إلى مؤلفات القاضي عياض الأخرى تبين أن هذه القضية لا تخص كتاب "التنبيهات"، بل ذلك في "المشارق" و"الشفاء" وغيرهما أيضاً. والعجب من ثبوت هذه الأوهام في نسخة المؤلف من "المشارق"، وقد ألفه قديماً وقرئ عليه كثيراً وسمعه منه - كما قال -: "من العالم ما لا يحصى كثرة. ولا
أقف على منتهى أعدادهم" (¬1). قال هذا وهو قاض بغرناطة حوالي سنة 532 هـ وبقي يسمع عليه بعد ذلك لا شك، وإنما قال ذلك بعد أن نبهه أحد طلبته لخطأ لغوي في الكتاب اعترف به المؤلف وصححه ... ومع هذا فبقيت في أصله أخطاء أخرى كثيرة احتفظت بها نسخة يحيى بن أحمد النفزي المشهور بالسراج (¬2) المقابلة على أصول صحيحة معارضة بأصل المؤلف (¬3) ومنها أصل ابن رشيد السبتي الذي يبدو أنه كاتب إحدى نسخ "التنبيهات" ... ومن النماذج المعزوة إلى أصل المؤلف من أوهام في الكتاب: - "وقال: والتابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه". وفوق الكلام: كذا "ع". وهو رمز القاضي عياض. وفي الطرة عن ابن رشيد: أن هذا ما في أصل المؤلف. والصحيح: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} ... " (¬4). - "وفيه عشرة فصول". وفي الطرة عن ابن رشيد: عشر. وقال: كذا لأبي الفضل (¬5). - "وفيه عشرة فصول". قال السراج: الصواب خمسة ... (¬6). - "إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن". في الطرة عن ابن رشيد: بخط المؤلف: رؤية (¬7). ¬
ومن أوهام المؤلف في الرجال هناك: - "أبو عمر بن الفخار". والصواب فيه: أبو عبد الله محمَّد بن عمر بن الفخار (¬1). - "أبو عيسى عن يحيى". والصواب: ابن أبي عيسى عن عبيد الله بن يحيى عن يحيى بن يحيى (¬2). وربما كان نصيب مثل هذه الهفوات في "المشارق" أهم، لا سيما والمؤلف تركه - كما سبق - في أعلى درجات التثبيج وإهمال الحروف ... ومن نسخه المخطوطة التي قد تكون مرجعاً في هذا نسخة بخزانة القرويين مختلطة الأوراق يبدو أنها معارضة بأصل المؤلف، ولم أتمكن من تصفحها، لكن في طررها كثير من "التنبيهات" على ما في الأصل، وفي آخر السفر الأول منها ملاحظة مما يقرأ منها: " ... فهو تنبيه على أنه كذلك وقع في أصل المؤلف ... " (¬3). ولم يسلم المطبوع من الكتاب من بعض هذا، وبعض ذلك مما نبه عليه في هوامشه، ومن ذلك: - "دلوك الشمس: ميلها للزوال لجهة المشرق". وفي الهامش: بهامش الأصل: "صوابه المغرب" (¬4)، وهو كذلك. - "أبو جعفر ... ". وفي الهامش: "الصواب: أبو الوليد" (¬5). ومن الأوهام النحوية غير المنبه عليها، وهذه لا يصح الزعم بأنها من المؤلف: " ... وقيل: الثوب يكون لكميه كمين آخرين" (¬6). ¬
- " ... واليوم الذي قبله يوم القر، لأن الناس قارين به نازلين بمنى" (¬1). والخلاصة أنه قد يكون للقاضي عياض رحمه الله نصيب من هذا الخلل في كتبه فيما يرجع إلى الخط وطريقة الكتابة. وللوقوف على مدى ورود هذا الاحتمال وجدنا المؤرخين يختلفون في وصف خطه؛ فابن جابر الواد آشي (¬2) يقول عنه: "كان بارع الخط المغربي، سريع الوضع، يدلّ على ذلك وجود أوضاع كثيرة وكتب عديدة يقصر عنها الحصر بخط يده" (¬3). وهذا يشهد له قول محمَّد بن عياض: "مليح القلم، من كتب أهل زمانه" (¬4). ويشهد له بصيغة غير مباشرة هذا الشعر للقاضي عياض نفسه: لَمحبرة تجالسني نهارا ... أحب إلي من أُنس الصديق ورزمة كاغَذ في البيت عندي ... أحب إلي مِن حِمل الدقيق (¬5) ومن الشواهد لهذا أيضاً ما سجله المقري عن خطه، إذ قال: "كان بارع الخط المغربي، وقد وقفت على خطه رحمه الله فرأيت خطاً رائقاً ... وكتب مع ذلك كتباً كثيرة بيده" (¬6). وهذا هو الظن بالقاضي عياض المحقق الضابط، وهو القائل أيضاً: خير ما يقتني اللبيب كتاب ... محكَم النقل متقَن التقييد ¬
خطَّه عارف نبيل وعانا ... هـ فصَحّ التبييض بالتسويد لم يخنه إتقان نقط وشكل ... لا ولا عابه لَحاق المزيد فكأنَّ التخريج في طرتيه ... طرر صُففت ببيض الخدود (¬1) غير أن هذا كله يعارضه واقع لا يرتفع متمثل فيما خطته يمين المؤلف مما فيه إشكال كبير، كحال كتاب "المشارق"، ومخطوطات "التنبيهات" - خاصة منها المعارضة بأصل المؤلف - خير دليل على هذه الإشكالات التي نبه عليها الناسخ، من قبيل الأخطاء النحوية والإملائية، وتصريحه أحياناً بأن بعض الكلمات تصعب قراءتها. ومن ذلك أيضاً ما ذكر أحد نساخ كتاب "الشفاء" الذي قابل نسخته على أصل المؤلف فذكر أنه بذل جهداً كبيراً في المقابلة والتصحيح لوجود حواش وتخريجات، وفي الخاتمة بياضات لم تتأت قراءتها (¬2). فهل ترجع هذه الأخطاء إلى سرعة كتابة المؤلف؟ أو إلى دقة كتابته؟ فقد قال عنه ابنه: "كان حسن الضبط، صحيح العقل (كذا، ولعله: النقل)، قوي الخط دقيقه" (¬3). أو لأن المؤلف لم يتمكن من مراجعة هذه الكتب التي تنتابها الأخطاء لسبب أو لآخر؟ فلنستحضر مثلاً الملاحظة التي أكد فيها ابنه محمد أن كتاب "الحج" من "التنبيهات" لم يؤلفه أبوه إلا بعد أن أنهى كتاب "التنبيهات"، ثم دفعه لبعض الطلبة، فضاع منه أغلبه، فشغلت المؤلف فتن الزمان عن تحبيره. ولنلاحظ أيضاً أن أصله من "الشفاء" كان بفاس، وذكر الرحالة ابن جبير: أنه قابل نسخته بأصل المؤلف في فاس، والذي كان أكثره بخطه، وهي مبيضته التي حررها وأظهرها وقرئت عدة مرات عليه (¬4). ¬
وكذلك حصول الطراز الغرناطي على أصله من "المشارق"، وإخراجه إياه، هل كان ذلك بغرناطة؟ وكذلك كون بعض أجزاء مؤلفاته لم تكن بخطه، كيف يمكن تفسير كل هذا؟ إن نهاية المؤلف المأساوية أيضاً، وغموض أيامه الأخيرة لا يساعد على الإجابة على السؤال عن مصير مكتبته، فإنه - وإن كان مفهوماً من كلام ابنه عن مؤلفاته ومبيضاته ومسوداته وبطاقاته أن ذلك وقع تحت يده - لكن يبدو أن المؤلف أيضاً اصطحب معه في استقدامه من سبتة إلى مراكش بعض مؤلفاته أو جلها، ثم لا يدرى مصيرها بعد وفاته بمراكش! فقد قال أبو القاسم بن الملجوم: "اجتاز علينا القاضي عياض عند انصرافه من سبتة قاصداً إلى الحضرة (مراكش)، زائراً لأبي بداره عشية الإثنين الثامن لرجب سنة 543، وفي هذه العشية استجزته وسألته عن نسبه ... " (¬1) ويدل على ذلك أيضاً أنه ذكر في الغنية وفاة شيخه ابن العربي، وقد توفي سنة 543 هـ بعد نفي القاضي عياض إلى مراكش (¬2). وكيفما كان الحال، سيبقى افتراض وقوع الأوهام في أسلوب القاضي عياض وفي خطه وارداً إلى حين بروز نموذج من خطه في كتبه التي قيل: إنه انتهى منها وسمعت عليه، ثم في المؤلفات التي لم يتمها ولم ترو عنه، ولم يظهر حتى الآن هذا النموذج ... وأختم هذا بما قال تلميذ المؤلف عبد الرحمن بن القصير لما وجد في "الشفاء" من نسخته المنقولة عن أصل عليه خط المؤلف قوله: "ودعيا لي بخير"، فكتب في الطرة: كذا كان في المنتسخ منه. والصواب: ودعوا لأنه من دعوت، قال الله تعالى: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} (¬3). ولا شك أنه من الناسخ الغلط، وأما المؤلف رحمه الله فإنه كان أرفع من أن يقع في مثل هذا، بل ¬
كان من المستبحرين في فنون جمة، وكان خطه بالقراءة عليه في الأصل الذي انتسخت منه، والسماع يفلت منه كثير للمستمع والمقروء عليه، ويندرج في لفظ القارئ بالخفي (¬1) (كذا). ¬
قسم التحقيق
قسم التحقيق القسم الأول: تحقيق الدكتور محمد الوثيق
النسخ المعتمدة ومنهج التحقيق في السفر الأول
النسخ المعتمدة ومنهج التحقيق في السفر الأول: أولاً: مضمون السفر الأول من الكتاب: يحتوي هذا السفر على الكتب الستة والثلاثين الآتية: 1 - كتاب الوضوء والطهارة. 2 - كتاب الصلاة الأول. 3 - كتاب الصلاة الثاني. 4 - كتاب الجنائز. 5 - كتاب الصيام. 6 - كتاب الاعتكاف. 7 - كتاب الزكاة الأول. 8 - كتاب الزكاة الثاني. 9 - كتاب الأيمان والنذور. 10 - كتاب الضحايا. 11 - كتاب الذبائح. 12 - كتاب الصيد. 13 - كتاب الأشربة. 14 - كتاب الجهاد.
15 - كتاب الحج. 16 - كتاب العتق الأول. 17 - كتاب العتق الثاني. 18 - كتاب المُكاتَب. 19 - كتاب التدبير. 20 - كتاب أمهات الأولاد. 21 - كتاب الولاء والمواريث. 22 - كتاب النكاح الأول. 23 - كتاب النكاح الثاني. 24 - كتاب النكاح الثالث. 25 - كتاب الرضاع. 26 - كتاب إرخاء الستور. 27 - كتاب طلاق السنَّة. 28 - كتاب الأيمان بالطلاق. 29 - كتاب التخيير والتمليك. 30 - كتاب الظهار. 31 - كتاب الإيلاء. 32 - كتاب اللعان. 33 - كتاب الصرف. 34 - كتاب السَّلَم الأول. 35 - كتاب السَّلَم الثاني.
ثانيا: ترتيب أبواب الكتاب بين النسخ
36 - كتاب السَّلَم الثالث. ثانياً: ترتيب أبواب الكتاب بين النسخ: نسخ الكتاب لا تتفق كلياً في ترتيب هذه الأبواب. والترتيب المعتمد هو ترتيب النسخة المرموز لها بحرف "ز" المعارضة بأصل المؤلف، وتوافقها في ذلك النسخ المرموز لها بحروف "ق" و"ح" و"م". وتوافقها في الترتيب النسختان "ل" و"ط"، إلا أنهما قدمتا السَّلَم على الصرف، لكن في "ط" قُدِّم السَّلَم الأول ثم بيوع الآجال، ثم السَّلَم الثاني ثم الثالث. وتوافقها النسخة "س"، إلا أنها وضعت أحكام العبيد بعد كتاب "الحج"، وبعدها أحكام الأسرة ثم السلم فالصرف. بينما تنفرد النسختان "خ" و"ع" بغياب كافة كتب أحكام العبيد إلى السفر الثاني من الكتاب، وتوافقان النسخة "ز" في بقية التراجم إلا أنهما قدَّمتا السَّلَم على الصرف. وهكذا، فهذه النسخ التسع تقدم لنا النص في خمس صور مختلفة دون إمكان تحديد السبب الحقيقي وراء هذا الاضطراب: هل هو من المؤلف أو من النساخ؟ وهذا الاختلاف يسبب أحياناً بعض البلبلة عندما ترد إحالات في الكتاب على ما مضى أو ما يأتي، فيحتار القارئ. وهو مشكل آخر ينضاف للمشاكل والتساؤلات السابقة عن مدى حقيقة انتهاء المؤلف من كتابه. وإذا كان الترتيب المتبع في هذا البحث اقتضاه ترجيح النسخة المعارضة بأصل المؤلف، فإنه مع هذا ومن خلال نص الكتاب ذاته، توجد دلائل قوية على تأخير أحكام العبيد إلى النصف الثاني من الكتاب كما في النسخة "خ" ومعها "ع"، ويتجلى هذا في إحالة المؤلف في كتب العبيد المختلفة على كتب وقعت في السفر الثاني، فإذا وضعنا كتب أحكام العبيد
في السفر الأول سببت هذه الإحالات في نوع من الاضطراب. - ففي العتق: "وقد نبهنا على اختلاف لفظه هناك" - يعني: في الوصايا -. - وفيه: "وقد تقدم الكلام عليها مستوعباً في الرهون". - وفي كتاب "المكاتب": "وقد بيناه في السلم الثاني". - وفي كتاب "أمهات الأولاد": " ... ومثله في كتاب "الشهادات"، وقد تكلمنا عليه هناك". أحال عليه ثلاث مرات. وهذه الكتب المحال عليها وقعت كلها في السفر الثاني، ولا يتصور أن يحيل عليها كلها بهذه الصيغة وهو لم يصلها بعد، وإن كان يمكن مثل ذلك عند المراجعة والتنقيح (¬1). أما انفراد النسخة "س" بوضع أحكام العبيد بعد العبادات وقبل أحكام الأسرة فمما يعارضه بعض الإحالات كذلك من قبيل قول المؤلف في كتاب الأيمان بالطلاق: "وسيأتي من هذا في العتق". أما النسخ التي قدمت السلم على الصرف، فإن ما في كتاب السلم من إحالات المؤلف على كتاب الصرف لا يساعدها، ومن ذلك: - قال في السلم: "وقد تكلمنا عليها في كتاب الصرف". - وقال فيه: "قد مر كلام فضل ... في كتاب الصرف". - وفيه أيضاً: "وقد مضى مثله في الصرف". وربما سبب هذا الاختلاف بلبلة كذلك في تحديد مبتدأ ومنتهى الأجزاء في النص، إذ المؤلف جزأ كتابه عشرة أجزاء كما ذكر ابنه (¬2) وكرره المقري (¬3). وعند التلفيق بين النسخ أمكن تحديد بعض هذه المعالم الخاصة ¬
ثالثا: وصف النسخ
بالسفر الأول: فالجزء الأول: من أول الكتاب إلى آخر الجنائز كما نص عليه هناك في النسخ "ز" و"ع" و"ح" و"م". والجزء الثاني: يبتدئ بالصيام وينتهي بانتهاء الحج، وهذا ما في آخر الجنائز في النسختين "م" و"ح"، وفي "ط" في آخر الحج: تم الجزء الثاني. غير أن في النسخة "خ" في آخر الجهاد وقبل الحج: تم الجزء بحمد الله وعونه. ولعل هذا له علاقة بما وقع لكتاب الحج عند المؤلف من تأخير تأليفه. أما الجزء الثالث: فنصَّت النسخة "ز" على ابتدائه في أول النكاح. وأما الجزء الرابع: فنصَّت النسخة "ز" كذلك على ابتدائه في أول الرضاع. وأما الجزء الخامس: فلم تنص أي من النسخ على مبتدئه، لكن في النسخة "خ" من آخر اللعان: انتهى الجزء الخامس. وعدا هذا، فلا يوجد نص ولا إشارة يفيدان في تحديد بقية الأجزاء في هذا السفر الأول. ثالثاً: وصف النسخ: يوجد عدد لا بأس به من نسخ السفر الأول، أذكر المعتمد منها أولاً: 1) نسخة الخزانة الحمزية رقم 385، ورمزها حرف الزاي "ز": هذه النسخة لم يذكرها الشيخ المنوني رحمه الله في فهرسته للخزانة، وذكرها في مقال له في مجلة جامعة القرويين (¬1)، وقال عنها: مجلد غير مرتب. غير أن في بعض الفهارس القديمة للخزانة الملحقة بالفهرس المذكور ذكراً للكتاب وأنه في جزءين، وكذلك في دفتر مقيدة فيه أسماء الكتب ¬
يوجد بمقر الخزانة. إلا أن الموجود من النسخة مجلد واحد من القطع الصغير لم أحص أوراقه، إلا أنها تناهز 160 ورقة، ومعدل مسطرتها نحو 30 سطراً في الصفحة. والنسخة كثيرة الخرق بالسوس، وفيها طمس غير يسير، واختلاط كثير، مبتورة في عدة مواضع أولها: مقدمة الكتاب، إذ سقطت مقدمة المؤلف وشيء يسير من مقدمة كتاب الوضوء والطهارة، وهو تقريباً أربع صفحات من قياس 21 × 31 سنتيمتراً. ثم سقط منها بعد ذلك في كتاب "الوضوء والطهارة" وكتاب "الصلاة" ما عبر به بعضهم - وليس الناسخ - في آخر صفحة قبل السقط بهذه العبارة: بقي هنا كراس. وهو نحو ثلاثين صفحة بالقياس المذكور. ثم سقط منها من آخر الزكاة الأول إلى آخر الحج، وكتب في أول السقط بغير خط الناسخ أيضاً: بقي بينه وبين ما يقابله كراستان، وهو نحو 65 صفحة. ثم فقد سائر السفر الثاني من الكتاب إلا يسيراً. وهذه النسخة في غاية الأهمية لأمرين: أولهما: أنها عورضت بأصل المؤلف كما أثبت ناسخها في آخر السفر الأول، إذ قال: "انتهت المعارضة بأصل المؤلف وبخطه ... ". الثاني: أن الناسخ في غاية من الضبط والتحري، وهذا الناسخ لم يعرِّف بنفسه فيما وجد من النسخة، لكن في إحدى الطرر بخطه ما يلي: "يقول محمَّد بن رشيد: رأيته في نسخة قديمة من "المدونة" ... ". ووجدت في لحق في النسخة بتوقيع أحد علماء الزاوية الحمزية اسمه سالم، مما ورد فيه ما لعله: "وهذا لا يحتمل أن يخفى على ابن رشيد سيد الخطاطة". وبالبحث عن هذا الشخص تبين أن ممن يُعرفون بذاك الاسم غير واحد:
أ - محمد بن رشيد بن عيسى بن باز أبو عبد الله: توفي بعد 600 هـ، ترجم له ابن الأبار (¬1) وابن عبد الملك (¬2). ب - محمَّد بن رشيد بن عيسى اليحصبي: المتوفى 553 هـ، ترجم له ابن الأبار (¬3). غير أن هذين لم يذكر عنهما شيء من العناية بالكتابة والخط والنسخ. جـ - محمَّد بن محمَّد بن رشيد: ذكره ابن القاضي وحلاه بالفقيه الكاتب، "كتب في حضرة أبي عنان المريني، وكتب بعده لجملة من بني مرين، قال ابن الأحمر في حديقته: رأيته بفاس، وكان حسن الخط بارعه، ابن مقلة زمانه. إلا أنه لم يكن عنده عربية، فكان إذا أمر السلطان بكتب الملوك ينشئها الفقيه المدرس ... أبو القاسم عبد الله بن يوسف المالكي ... ويضبطه بالإعراب ويعطى للكاتب ابن رشيد فيكتب (¬4) ... ". د - محمَّد بن عمر بن رشيد السبتي أبو عبد الله المحدِّث الفقيه الرحالة، اشتغل بدراسة الفقه، واهتم بالكتابة والمقابلة، وهو أديب خطيب بليغ محدث سيد محدثي المغرب، صحيح النقل، أصيل الضبط، توفي 721 هـ (¬5). وقد يكون هو المقصود، فإنه الأعرف والمعروف بهذا الشأن، يقول الشيخ محمَّد المنوني: "لمع في المغرب المريني طبقة من المصححين للكتب العلمية، منهم: محمَّد بن رشيد السبتي ... ترد الإشارة له في مخطوطة من رسالة "عجالة المبتدئ" في أنساب رواة الحديث للحازمي، ¬
أصلها مصحح بخط ابن رشيد، وعنه نقلها ناسخها ... ومختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل لابن الحاجب بتصحيحه، حيث وقع اعتماد أصله في نسخة قوبلت من فرع الأستاذ أبي عبد الله الطرسوني الذي قابله من أصل ابن رشيد، قصيدة حرز الأماني للشاطبي، بخط يحيى السراج، اعتمد فيها أساساً رواية ابن رشيد، مخطوطة الشفا للقاضي عياض، نسخة يحيى السراج أيضاً (¬1) ... ". فابن رشيد السبتي محدِّث كبير وأديب معروف، أما ابن رشيد الأول فلا يتجاوز إتقان الخط، بينما يهتم ناسخ "التنبيهات" بما وراء الخط من الضبط والتصحيح والترجيح والإضافة أيضاً. هذا ولم أوفق في العثور على نموذج لخطه، وفي أعلام الزركلي عند ترجمته له نموذج منه غير واضح (¬2)، وقد ذكر الدكتور محمَّد بن شريفة أن خطه محفوظ بإحدى نسخ برنامج الرعيني اشتراها الزركلي من مراكش (¬3). ومن أهم ما يميز عمل ابن رشيد في هذه النسخة: معرفته الدقيقة بخط المؤلف، ومن ذلك ما كتب أول كتاب الصيام: "من هنا ابتدأ الجزء الثاني الذي ليس بخط المؤلف، وظهر لي أنه بخط ابنه محمد بن عياض بن موسى رحمه الله". وهمَّش في آخر "الحج" وكتب: "إلى هنا بخط ابن المؤلف رحمه الله"، ثم ذكر أن ما يلي هو بخط المؤلف. ومن ذلك ما في إحدى الطرر: "كان في أصله بخطه: ... وكتب بخط آخر فوقه: ... ولم أتحقق أنه خطه". ومنه: "بخطه، ثم رد: ... بخط محدث". ¬
ومن دقته في وصف الكلمات وأشكالها: "كذا معاداً عليه بمداد آخر، ويشبه أن تلوح الميم تحته خفية". ومن ذلك أنه يرسم الكلمات المشكلة كما هي، وينبه على ذلك، مثل أن يقول: "كذا بخطه، وصورته مشكلة"، ويحتفظ برسوم الكلمات كما كتبها المؤلف، مثل: لسيما، أصطوانها ... ولذلك قال في آخر السفر الأول: " ... وما كان فيه من مشكل كتب على أقرب صورة إليه". ومن عمله في التصحيح إثبات ما يعتقده صحيحاً في المتن ممرضاً عليه بعد أن يثبت ما في الأصل في الطرة، منبهاً على أن ذلك ما بخط المؤلف، وقد قال في آخر السفر الأول: " ... فما كان فيه من لحن كتب على حاله". ومنه أنه عندما يجد سقطاً لا محيد عنه لاستواء السياق يثبته منبهاً على أنه: "سقط من خط المؤلف، ولا بد منه". وهو أيضاً يستحضر نسخاً أخرى ويوازن بينها وبين ما في أصل المؤلف كما في قوله: "في بعض النسخ: به، ولم يثبت بخط المؤلف". ومما يمتاز به أنه - كما يبدو - يستبدل قوله: قال المؤلف رحمه الله بما في أصل المؤلف - ولعله: قال القاضي. وذلك بوضع قوله: "المؤلف رحمه الله" بين دائرتين صغيرتين علامة على أنه من زيادته، ويكتب فوق ذلك حرف "ض" كأنه رمز للقاضي أو لعياض. وقد يعيد حرف الضاد في الطرة مصححاً عليه ... وفي الواقع، فإن دراسة خط هذه النسخة - وهو أندلسي - وطريقة ضبطها ووفرة علامات الضبط في متنها وطررها الغنية ورموزها، والالتزام الشديد بما في الأصل، قد يعطي نموذجاً للمنهج الصارم في تطبيق قواعد علماء الحديث في أصول الرواية. 2) نسخة خاصة مأخوذة عن مصورة الدكتور محمد المختار ولد أباه، ورمزها حرف الخاء "خ".
هي ثاني أهم وأصح نسختين بعد النسخة "ز"، وهي نحو 160 ورقة من القطع الكبير، معدل أسطرها 24 سطراً، وفيها مضمن السفر الأول من الكتاب كاملاً، ما عدا الكتب المتناولة لأحكام العبيد، وفيها يسير أيضاً من السفر الثاني. هذه النسخة غير منقوطة في الغالب الأعم، إلا أنها حقاً نسخة صحيحة وإن لم يرد فيها ما يصرح بأصلها ولا بتاريخها، حتى يخيل للقارئ أحياناً أنها إما نقلت عن أصل المؤلف أو عن أصل منقول عنه. والطرة الوحيدة التي فيها بعض الدلالة ما نصه: "هذا في الحاشية بخطه". ومثل هذا كثير جداً في النسخة "ز". لكن في هوامش النسخة "خ" كثير من الطرر غير المصرحة، مثل: "صححه". وكذلك: "انظره وحققه". وفوق هاتين الإحالتين حرف الضاد. وبالمقارنة بين ما فيها هنا وما في "ز" نجد الإحالتين هناك وفوقهما أن المؤلف كتب ذلك. وفيها أيضاً كثير من الطرر والرموز هي نفسها وردت في هوامش "ز". وفي هوامشها أيضاً علامات ورموز ومعلومات لا توجد في النسخة "ز"، وهذا ما يدعو إلى الموازنة بين النسختين: فمن الأمارات على تقارب النسختين أو أصلهما - وهذا كثير وهو الأصل - أخطاء تتحدان فيها، مثل هذه العبارة: "قوله: لأن الحاكم هنا ينوب مناب الزوج إذا امتنع، وينفذ عليه الطلاق". علم الناسخان فيهما على وجود تقديم وتأخير في قوله: "ينوب هنا"، ثم في قوله: "الطلاق عليه". غير أن الاختلافات بين النسختين ليست يسيرة: فمن ذلك السقط، فكلاهما فيها سقط كلمة أو كلمات أو أسطر، غير أن ذلك في "خ" أكثر، وإن كان غالبه نابعاً عما يسمى بانتقال نظر الناسخ. ومن ذلك فيما يبدو أن ما حوق عليه في أصل المؤلف لا ينقله ناسخ
"ز"، بينما يكتب في "خ" محوقاً عليه، ومن ذلك فقرة طويلة في آخر "النكاح الأول". ويقع الخطأ فيهما، وينبه عليه في "ز" على أنه في أصل المؤلف، ولا ينبه على الخطأ من أصله في "خ"، وهذا كثير. وقد يقع الخطأ في أصل "ز" ويصلحه الناسخ، ولا وجود للخطإ في "خ"، وهذا أيضاً وافر. وينبه ناسخ "ز" على سقوط كلمة في أصل المؤلف، ويصلحه الناسخ باقتراح كلمة، فترد تلك الكلمة في "خ" دون تنبيه عليها ... وهذا نموذج خاص: - في "ز": "قال ابن عيينة ... ". وكتب الناسخ في الحاشية: "درس في الأصل". - وفي "خ" مكان "ابن عيينة": "قال أبو محمَّد". والصحيح في هذا الاسم أبو عبيد، لأنه نقل عنه شرحاً لغوياً. وكرر المؤلف النص والنقل عنه في "المشارق"! 3) نسخة خزانة القرويين رقم 333، ورمزها حرف القاف "ق": وهي نسخة تامة يتكون السفر الأول منها من نحو 110 أوراق من الحجم الكبير بمسطرة 35 سطراً، ومجموع أوراقها 196، نسخت سنة 786 هـ، وهي بخط مغربي صحيح تام به تلاش يسير كما قال في فهرس القرويين (¬1). هذه النسخة ذات خصوصيات تنفرد بها، وهي أقرب النسخ إلى الصحة وإلى النسختين الأصليتين السابقتين "ز" و"خ". وأهم ما يميزها تصرف ناسخها وتدخله في النص بالزيادة والنقص، ¬
وهذا أحياناً يساعده على تجاوز النقص الحاصل في أصل المؤلف من سقط وتعقد أسلوب. وأحياناً أخرى يؤديه إلى الخروج عن الصواب، وهو في كلا الحالين متجرئ عندما تصرف في الأصل ولم يكتف بالتنبيه على الخطأ في الهامش، ولذلك انفردت النسخة بأخطاء لا توجد في غيرها، فهو أحياناً يصحح بتبديل الكلمات أو بطرحها، وأحياناً يصححها بإقحام حروف عليها، وأحياناّ يخرِّج إلى الزيادة التي يزيدها. وقد يكتب على بعض الألفاظ الزائدة حرف الزاي، وقد ينبه في الحاشية إلى أن في نسخة أخرى كلمة مغايرة ... ومن المميزات الناتجة عن تدخل المؤلف قلة الأخطاء النحوية الكثيرة في النسخ الأخرى، ومن أمثلة ذلك: - في كل النسخ: "أو يكون استقباله (الإمام) لأول قعوده مستحب استعداداً لقيامه وواجب عنده". - وفي كل النسخ أيضاً: "فوجه الربا إنما هو في دفع الأكثر، فتجتمع العلتين". وهاتان العبارتان وردتا في النسخة "ق" بالوجه الصحيح. وغير هذا من الأخطاء كثير جداً يتبين عند قراءة فروق المقابلة في النص. ومن نماذج تصحيحاته في المضمون: - "إذا طلقها الأول لا يبرئها حملها من الآخر". - في النسخة "ق": " ... لا يبرئها وضع حملها ... "، وهو الظاهر. - "كان مالك مرة يقول: ليتأخر الذي له السلم إلى إبانها (الثمرة) من السنة المقبلة، هذا قول، ولا تجوز المحاسبة ... ". - في ق: " ... هذا قوله الأول"، وسياق "المدونة" يؤيد ما في النسخة "ق". والناسخ يضيف أحياناً نصوصاً من "المدونة" أو من غيرها ... ومن تصحيحاته الأسلوبية التي تتضح بالمقارنة هذا النص:
- ففي الأصول: "ظاهره أنه ليس من نساء أهل الجزية". - وفي ق: "ظاهرها أنها متى كانت ليست من نساء أهل الجزية ... " وقد يخطئ في هذه التصحيحات أيضاً، وأخطاؤه ليست قليلة، فمن ذلك: - في النسخ: " ... والعجمي الذي قد أجاب. قال: سحنون أدخل: "قد أجاب". ". حاول الناسخ أن يقومها كما يلي: " ... قال سحنون: إذا دخل قد أجاب". وهذا غير صواب. ومن الأخطاء المحيلة للمعنى ما يأتي: - ففي النسخ: "وقوله اللخمي". - كتبه الناسخ: "وقال اللخمي". - ومن ذلك هذا النص فالذي في النسخ: " ... وثبت هنا ذكر مالك فيها في كتاب "ابن عيسى"، وهي في الكتاب الثاني ببينة عن مالك. وقوله في كراهية إنكاح أمهات الأولاد محتمل لإجبارهن ... ". - صاغها الناسخ كما يأتي: " ... وهي في الكتاب الثاني مبينة عن مالك في كراهية إنكاح ... ". فقد اعتقد أن الكلام متسلسل، بينما المؤلف انتقل إلى مسألة أخرى، ولكي يستقيم له النص ويتوافق مع فهمه أسقط: "وقوله"، وأضاف ضمير الغيبة إلى "كراهية"! فهذه نماذج من هذه النسخة التي فيها إيجابيات وسلبيات مجتمعة، غير أن الثقة بها في نسبة كل ما فيها إلى المؤلف متضعضعة بسبب عدم احترام منهج النقل، وكلام الناس حبس كما قيل!
فهذه ثلاث نسخ متميزة، وهي المعتمد الأول في المقابلة، وإن كان المعتمد حقيقة هما الأصلان الأولان، ولذلك طال الحديث عنها، أما سائر النسخ فأهميتها أدنى من ذلك بكثير. 4) النسخة 335 من خزانة القرويين، ورمزها حرف السين "س": منها: السفر الأول حتى أواخر السلم بخط مغربي ضيق، في كاغذ متلاش كثير الخرق بالسوس، عارية من تاريخ النسخ، عدد أوراقها 90، ومسطرتها 41 سطراً (¬1). 5) النسخة 384 ق المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط، ورمزها حرف العين "ع": يوجد منها السفر الأول، وتنتهي في آخر بيوع الآجال في 202 ورقة، بمسطرة 33 سطر اً. 6) نسخة الخزانة الحمزية رقم 331، ورمزها حرف الميم "م": يوجد منها السفر الأول حتى آخر السَّلَم في 173 ورقة بمسطرة 25 سطراً، وهي نسخة بخط أندلسي جميل غليظ، نسخها أحمد بن سعيد بن أحمد الأنصاري بفاس سنة 653 هـ، وفي أولها تمليكان. غير أن جمال هذه النسخة أفسده - على ما يبدو - انتساخها من أصل غير صحيح. 7) نسخة خزانة القرويين رقم 336، ورمزها حرف اللام "ل": وهي كاملة في سفرين: أولهما ينتهي بكتاب الصرف، في أوراق عددها 115، ومعدل أسطرها 30، وهي متلاشية جداً، وعليها تمليك وتحبيس ... وصف خطها في فهرس القرويين بأنه أندلسي جيد (¬2)، إلا أن الواقع أن جله مطموس، كما أن قيمتها لا تكاد تظهر، بل يغلب عليها الخطأ. ¬
8) نسخة الخزانة الحسنية رقم 534، ورمزها حرف الحاء "ح": وهي تامة في 202 ورقة. قال الشيخ المنوني في وصفها: في مجلد من حجم طويل بخط دقيق يتخلله بياض، نسخت سنة 1286 هـ برسم الأمير مولاي العباس العلوي، نسخها محمد بن عبد الهادي بن محمد العربي الصنهاجي المكناسي المتوفى 1329 هـ/ 1911 م (¬1). 9) نسخة الخزانة الحسنية رقم 9818 ورمزها حرف الطاء "ط": وهي كاملة تقريباً، ينتهي السفر الأول ببيوع الآجال، في نحو 104 أوراق، وكتب هناك اسم مالكها عبد العزيز الدادسي السجلماسي. وهذه النسخة لم تعتمد في المقابلة إلا في كلمات معدودة. واختصاراً للكلام، فإن هذه النسخ مجتمعة تتفاوت في الصحة، غير ألا واحدة منها قوبلت وصححت على أصل صحيح، ولا إحداها سالمة من التصحيف والتحريف الشديد والسقط الكثير والاختلاط في الأوراق والمتن وأنواع أخرى من الأخطاء والتصرفات ... بقي أن أذكر نسخاً أخرى من السفر الأول لم أطلع عليها، وهي: 10) نسخة خزانة القرويين رقم 334، وهي تامة وبخط مغربي متلاش جداً، كاد أن يندثر، نسخت سنة 678 هـ في 127 ورقة، معدل أسطرها 38. هذه النسخة مذكورة في فهرس القرويين (¬2)، غير أنها ضاعت كما يقول القائمون على الخزانة. (11 - 12) ذكر بروكلمان نسختين في الإسكوريال (¬3). ¬
ملاحظات عامة
(13 - 14) وذكر أيضاً نسختين في توبنجن (¬1). 15) يوجد في خزانة ابن يوسف بعض أجزاء الكتاب (¬2). 16) ذكر الدكتور محمد المختار ولد أباه نسخة من السفر الأول في خزانة أسرته (¬3). 17) ذكر الأستاذ محمد المختار السوسي نسخة من السفر الأول مبتورة الأول نسخت عام 979 هـ في خزانة تاتلت (¬4). ملاحظات عامة: بعد هذا، وربطاً بما سبق في هذه الدراسة، يبقى التأكيد على أمور واضحة تنتاب الكتاب، ومنها: - الاختلاف في بعض الفقرات تقديماً وتأخيراً، وهذا ملاحظ بكثرة في أول الكتاب، وأحياناً قطع الفقرة الواحدة ثم إتمامها بعد كلام لا علاقة له بها ... وسبقت الإشارة إلى هذه الملاحظة، وأمثلتها بارزة عند الرجوع إلى فروق المقابلة. - البياضات والفراغات المتعددة في الكتاب المنبه على ورودها في أصل المؤلف، بل ينبه المؤلف أحياناً القارئ إلى تحقيق المسألة، ويتوقف الكلام أحياناً عند الجواب على شرط أو ذكر مضاف ... - انفراد بعض النسخ بما لا يوجد في غيرها من كلمات وجمل وعبارات لا يدرى إن كانت أصلية أو من زيادة النساخ. ¬
رابعا: منهج التحقيق
ومن هذا مقطع عزاه إلى "التنبيهات" الشيخ خليل في التوضيح، والشيخ الرهوني في حاشيته، دون أن يرد في أي نسخة من النسخ التي اطلعت عليها. - ومما قد يزكي هذا التوجه الذي هو عدم الانتهاء من التأليف إحالات المؤلف على بعض المصادر الأخرى وتوصيته للقارئ بالتأمل والتحقق، ومن نماذج ذلك: انظر "النوادر" - صحح قوله من نوازله - انظر قول من قال: هو وفاق - انظر في كتاب "محمد والمختصر". صححه، وانظر في "المدنية والمبسوطة والواضحة" وخ. والمؤلف بالمناسبة يستعمل رموزاً لم يمكن فكها مثل: انظر "الظهار والنذور" ش ع م خ - محرز ص ز د - انظر قول القابسي في كتاب ش وصححه - ينظر ويحقق، وانظر ق ... رابعاً: منهج التحقيق: 1 - المقابلة: صرفت جل العناية إلى هذا العنصر لعلاقته بتوثيق النص لا سيما والنص - كما مر - تنتابه مشاكل. واقتضت قواعد المنهج أن تجعل النسخة "ز" هي النسخة الأم للاعتبارات المذكورة سلفاً من كونها قوبلت بأصل المؤلف واحترمت فيها القواعد الدقيقة للضبط. وهكذا أثبت كل ما فيها في المتن مهما كان خطأ لغوياً أو نحوياً أو إملائياً أو أسلوبياً، وإن كان ذلك قد يقطع حبل تفكير القارئ ويستفزه، ثم أثبت في الهامش ما في بقية النسخ ولو كان بادي الصحة والرجحان، وحاولت أن أرجح الوجوه الصحيحة في النص وإن كان يصعب الترجيح في كثير من الأحيان لاحتمال النص لأكثر من وجه في أساليب العربية وبلاغتها ونحوها. لكني أثبت في المتن أيضاً ما أضافته النسخة "خ" باعتبار أصحيتها وأهميتها - كما سلف - واضعاً إياه بين معقوفين [] وذلك لاحتمال السقط في النسخة ز - وهو واقع - أما عندما يكون السقط من النسخة خ وغيرها فأضعه بين قوسين () تمييزاً له عن
2 - التخريج والتوثيق
السقط في النسخة الأم. أما ما لم يرد في هذين الأصلين فأكتفي بإثباته في الهامش إلا عند غياب النسخة "ز" فربما أثبت في الصلب ما ليس في غير النسخة "خ" لا سيما وفيها سقط متكرر. واعتباراً لأهمية الأصلين ز وخ أثبت منتهى صفحاتهما في النص المحقق ولم أفعل ذلك إلا بالترقيم بالصفحات لغياب أصل النسخة "خ"، ثم لأن النسخة ز اختلطت أوراقها اختلاطاً كثيراً فآثرت أن أذكر ذلك بالصفحات متبعاً ترتيب الصفحات تبعاً للوجه الصحيح وعلى ما عليه النص لا على ما هي عليه النسخة من اختلاط، ثم تتابع الترقيم متسلسلاً دون انقطاع وإن انقطعت النسخة ووقع فيها السقط في الأماكن المشار إليها من قبل ... وكذلك تابعت بين صفحات النسخة "خ" عند وقوع السقط الأساسي فيها بسقوط محور أحكام العبيد ... هذا ولم أُعن كثيراً بإثبات كل سقط في غير هاتين النسختين، كما لم ألتزم بإثبات كل الفروق الواردة في غيرهما، بل محوت الكثير منها بعد ما أثبته، بينما حاولت أن أثبت جميع الفروق الواردة في الأصلين مهما كانت تافهة ... واعتنيت بالفروق الواردة في النسخة "ق" بدرجة أدنى. وكذلك يدخل في المقابلة ملاحظة نصوص الكتاب وما في "المدونة"، وإن تسامحت كثيراً في وضع العلامات الحاصرة المزدوجة " " حول النص بالرغم من الاختصار والحذف والتصرف فيه ما دام المعنى لم يتغير ... 2 - التخريج والتوثيق: عملت على تخريج النص القرآني والحديثي واللغوي وترجمة الأعلام البشرية والجغرافية ... مع الاهتمام بالتوثيق من مصادر المؤلف أولاً - إذا كانت متوفرة - ثم من سائر المصادر الممكنة: المصادر: أغلب مادة الدراسة مستقاة من كتاب "التنبيهات" نفسه ثم من كتب المؤلف الأخرى. أما التحقيق فتتقدمها مصادر الفقه ثم مصادر الحديث
والرجال ثم اللغة. والأسلوب المتبع في الغالب البحث عن المادة في المصادر الأصلية: أ - ففي توثيق النصوص الفقهية تصدّر اللائحة مجموعة من الأصول التي لم يتيسر غيرها فاعتبرت بمثابة المصادر الأصلية لاحتوائها مادة هذه الأمهات المفتقدة، ويذكر هنا في المقام الأول كتاب "النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات" الذي احتفظ بنصوص مجموعة من المصادر أغلبها في حكم المفقود مثل "الواضحة والموَّازية والمختصر والمجموعة". وأمكن الرجوع مباشرة إلى مصادر أساسية للمؤلف كـ "المقدمات الممهدات"، و"البيان والتحصيل" لابن رشد و"المنتقى" للباجي، ومنها مصادر المدرسة المالكية بالعراق كـ "التفريع" لابن الجلاب، و"المعونة والتلقين والإشراف" للقاضي عبد الوهاب. ثم تأتي بعد هذا مجموعة من مصادر المؤلف أمكن الرجوع إلى بعضها في نسخها المخطوطة مثل: "التبصرة" للخمي و"الجامع" لابن يونس و"تهذيب الطالب والنكت والفروق" لعبد الحق الصقلي و"تهذيب البراذعي" و"مختصر أبي مصعب الزهري" و"مختصر ابن زيد القيرواني". ثم كانت الاستعانة بمصادر تأخرت عن زمن المؤلف لكن فائدتها كبيرة في الإسهام في توثيق النص وزيادة الثقة به لالتزامها بالنقل من الأمهات واحتوائها كثيراً من النصوص، ومثل ذلك: "التوضيح" للشيخ خليل و"مناهج التحصيل" للرجراجي و"التقييد" للزويلي و"حاشية الرهوني". وأسهمت المصادر الثلاثة الأخيرة بشكل مباشر في بيان نص "التنبيهات" في كثير من نصوصه التي تضمنتها، وخاصة "حاشية الشيخ الرهوني" لالتزامه بالنقل الحرفي والضبط في ذلك. وكان من وراء التكثير من المصادر والإحالات هاجس إمكان الخطأ في النص والتوثق ما أمكن من صحة ما نقل في الكتاب. هذا وتختلف طريقة الإحالة على المصادر المخطوطة ما بين محال عليه بتعداد الأوراق وآخر بأرقام الصفحات، كما أن الإحالة على "المدونة"
التزمت فيه ذكر الجزء والصفحة والسطر أيضاً. ولم أذكر صفحات الإحالة على كتاب "النكت" لعبد الحق الصقلي بسبب اعتمادي على نسخة مرقونة غير منتهية أنجز تحقيقها الباحث الدكتور مراد حشوف بكلية الآداب بالرباط، كما لم أذكر صفحات الإحالة على الجزء الثاني من مختصر ابن أبي زيد لاختلاطه وانطماس أوراقه. ب - أما مصادر الحديث، فالطاغي على الكتاب مصادر الرجال والتراجم، وقد أمكن الرجوع إلى كل مصادر المؤلف تقريباً إلا ما ندر، وهي أمهات في الفن مثل: كتب البخاري وابن أبي حاتم وابن ماكولا والدارقطني ... واكتفيت في تخريج الأحاديث بالعزو إلى المظان لا سيما عندما يخرج النص في الكتب الصحاح، وإلا بحثت عنه في المصادر الأخرى وعن أقوال أهل الفن فيه، وفي بقية تراجم الأعلام كانت المصادر والمراجع حسب كل مترجم وتخصصه وأقرب المصادر إليه، فكان التعامل، تبعاً لهذا، مع كثير من مصادر تراجم الفقهاء وتراجم اللغويين والنحويين ... وكان المصدر الأساس في تراجم علماء وفقهاء الغرب الإسلامي كتب أهل الأندلس والمغرب مثل: ابن حارث، وابن الفرضي، وابن بشكوال، والمالكي، وأبي العرب، والقاضي عياض ... واقتصرت في الترجمة لأهل الحديث على الضروري مما يعرف بالمترجم كذكر الاسم وتاريخ الوفاة ثم الإحالة على المصادر ما دام لا يوجد من وراء الترجمة بحث عن حكم ولا جرح أو تعديل. ولأن المؤلف غالباً ما يورد أسماء الأعلام بقصد ضبطها، إلا إن ورد في سند متصل فأبحث عن الاتصال وعمن نص على رواية الراوي عن شيخه. واعتنيت بأكثر من هذا بفقهاء المذهب لا سيما المغمورين. ج - وكذلك أمكن الرجوع إلى كثير من مصادر المؤلف في اللغة مثل: كتب "العين" و"الجمهرة" وكتب "الغريب" لأبي عبيد وابن قتيبة والخطابي. بينما لم يتيسر الوصول إلى بعضها الذي هو في حكم المفقود - كما رأينا في مرويات المؤلف اللغوية - فاستعيض عن ذلك بالأمهات
المعتمدة كاللسان والتاج والقاموس ... وقد أورد المؤلف كلمات معدودة المعاني لم أقف عليها في هذه المصادر ... أدعو الله جلّ وعلا وتقدس، أن ينفعني بما علمني ويزيدني علماً، وأن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن يرضى عن آبائي وشيوخي، وأن يجمعنا مع شفيعنا ونبينا محمَّد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، آمين والحمد لله رب العالمين.
القسم الثاني: تحقيق الدكتور عبد النعيم حميتي
القسم الثاني: تحقيق الدكتور عبد النعيم حميتي
النسخ المعتمدة ومنهج التحقيق في السفر الثاني
النسخ المعتمدة ومنهج التحقيق في السفر الثاني الجزء الثاني يبتدئ بكتاب بيوع الآجال وينتهي بكتاب الجراحات والديات. ونظراً للاختلاف الموجود في بعض النسخ فيما يتعلق بنهاية الجزء الأول وبداية الجزء الثاني، فإنني اتفقت مع زميلي الأستاذ محمَّد الوثيق على الاعتماد على تقسيم النسخة الحمزاوية، ورمزنا لها بحرف (ز)، وينتهي فيها الجزء الأول بكتاب السلم الثالث. بما يعني أن الجزء الثاني يبتدئ بكتاب بيوع الآجال، وهذا موافق لنسخة الجامع الكبير بمكناس التي رمزت لها بحرف (ع)، ومما شجعنا على اعتماد التقسيهم الموجود في (ز) أننا وجدنا في آخر الجزء الأول ما يلي: كمل الجزء الأول من التنبيهات المستنبطة، والحمد لله حق حمده وصلوات الله على خير خلقه. ويتلوه كتاب بيوع الآجال بحول الله تعالى. وبجانب هذه الكلمات الدالة على ختم الجزء الأول، كتب: انتهت وعرضت بأصل المؤلف وبخطه فما كان فيه من لحن كتب على حاله ... مع كلمات أخرى غير واضحة. ربما تدل على أنهم إذا أرادوا أن يصلحوا شيئاً أو يصوبوه فإنهم يصححون ذلك في الهامش تاركين كلام المؤلف على حاله. النسخ المعتمدة: 1 - نسخ الخزانة الملكية بالرباط: النسخة الأولى برقم: 534 وهي في مجلد كبير بخط مغربي جيد، ويبتدئ الجزء الثاني منها
2 - نسخ القرويين بفاس
بكتاب السلم الثاني، وقد سقطت منها بعض الصفحات في الكتب الأخيرة أشرت إلى مكانها في التحقيق، وفيها بعض البياضات في بعض الصفحات لكنه قليل، وهذه النسخة جيدة في عمومها، وقد نسخها الفقيه الخير السيد محمد ابن الفقيه المرحوم السيد الهادي الصنهاجي، الذي كتبها للعباس بن محمد، وقد فرغ من نسخها في أواسط عام: 1286 هـ. وقد اعتمدت على هذه النسخة في التحقيق ورمزت لها بحرف: ح. النسخة الثانية برقم: 9818 وهي في مجلد واحد، وهي ناقصة من الأول، ومن الآخر، خطها مغربي جيد، وبها خروم كثيرة، وتحتاج إلى ترميم، ولا تسمح إدارة الخزانة بإخراجها للقراء، لكنهم سمحوا بإخراجها لنا لمدة ثلاثة أيام، قابلنا بينها وبين النسخة السابقة فلم نجد بينهما فرقاً كبيراً، وأشرت إلى بعض فروقها في التحقيق ورمزت لها بحرف: ط. 2 - نسخ القرويين بفاس: نسخة برقم: 1191 وهي نسخة في مجلد ضخم بخط أندلسي عار من اسم الناسخ، وتاريخ النسخ: عام: 811 هـ. وتبدأ بكتاب تضمين الصناع، وتنتهي بكتاب الجنايات. نسخة برقم: 333 وهي في مجلد تام بخط مغربي شبه متلاش في أوله، وقد وقع الفراغ من نسخها في جمادى الأولى عام: 786 هـ، على يد الناسخ: ابن أحمد بن إسحاق السوماتي، وهذه النسخة من أحباس سيدي الشريف محمد بن السلطان. وهذه النسخة هي التي اعتمدت عليها في التحقيق، ونقلت نصها وقابلتها بالنسخ الأخرى، واعتمدت ترتيب كتبها. ورمزت لها بحرف: ق.
3 - نسخ الخزانة العامة بالرباط
نسخة برقم: 336 وهي في مجلدين، متوسطين، يتضمن كل منهما جزءاً، الأول بخط أندلسي جيد، تاريخ نسخه، 687 هـ. على يد ابن سعيد البركاني. والثاني يبدأ من البيوع إلى آخر الكتاب. نسخة برقم: 334 وهي في جزء تام بخط مشرقي جيد في ورق متلاش، تاريخ نسخها 678 هـ، بخط محمد بن عبد العظيم. 3 - نسخ الخزانة العامة بالرباط: - نسخة برقم: 1248 م هذه النسخة مصورة على الميكروفيلم وأصلها بالجامع الكبير بمكناس ورقمها: 280 م، ويوجد بها الجزء الثاني ويبتدئ ببيوع الآجال، وهي غير تامة ويصعب قراءة بعض صفحاتها، وهي من النسخ التي اعتمدت عليها في المقابلة، ورمزت لها بحرف ع. نسخة برقم: 3537 ميكروفيلم وهي نسخة القرويين، رقم: 336. إلا أن المصور في الميكروفيلم هو الجزء الأول فقط. نسخة برقم: 1854 ميكروفيلم وهي نسخة الخزانة الملكية، رقم: 534. نسخة برقم: 113 حم وهي نسخة مصورة على النسخة الأصلية بالخزانة الحمزاوية ورقمها: 102. وقد رجعت إلى هذه النسخة أثناء التحقيق. وتوجد نسخة أخرى بخزانة ابن يوسف بمراكش, رقم: 179/ 1, إلا أنه لم يبق منها إلا جزء صغير وهو متلاش جداً.
النسخ المعتمدة في التحقيق
ومن النسخ الموجودة عند الخواص عثرنا على نسخة عند الأستاذ المختار ولد أباه، إلا أن هذه النسخة لا يوجد منها إلا السفر الأول، وينتهي هذا السفر بكتاب البيوع الفاسدة. * * * النسخ المعتمدة في التحقيق بعد الاطلاع على هذه النسخ اخترت من بينها النسخ الآتية: 1 - نسخة: ق وهي نسخة القرويين رقم: 333، وهي بخط مغربي مكتوب بحروف رقيقة إلا أنه مقروء وفيها تلاش في أولها، لكن آخرها سالم، وهي تامة، لكنها لم تفصل بين الجزء الأول والجزء الثاني، وهي مختلفة عن النسخة الملكية في ترتيب الكتب، كما تختلف معها ومع نسخ أخرى في بداية الفقرة التي يكون فيها تعليق عياض وبالخصوص التي يذكر فيها اسمه، ففي النسخة الملكية ونسخة مكناس: قال المؤلف، وقال المؤلف رحمه الله، وفي هذه النسخة: قال القاضي، مما يدل على أن هذا ربما كان مما تصرف فيه النساخ، وقد اخترت ما في نسخة: ق، وأثبته، كما أثبت نصها ولم أعدل عنه إلا إذا تبين أن الصواب مع النسخة الأخرى، أو إذا وجدت كلمة أو نصاً سقط من ق، فإنني أضيفه وأجعله بين معقوفين، ومما جعلني أجعل هذه النسخة في الصف الأول: - أنني وجدت الجزء الثاني تاماً بها. - تبين من خلال تتبعها أن ناسخها ربما كان له حس فقهي، ولذلك تجد فيها بعض الكلمات مخالفة للنصوص الأخرى لأنه يتدخل بعض الأحيان ويصلح بعض الكلمات حسب ما يقتضيه السياق الفقهي.
2 - نسخة: ح
- سلامتها من التلاشي. 2 - نسخة: ح وهي نسخة الخزانة الملكية رقم: 534، وهي بخط جيد، وقد جعلتها في الدرجة الثانية بعد ق، وهي مختلفة في ترتيب كتبها عن ق. 3 - نسخة: ع وهي النسخة المصورة عن نسخة الجامع الكبير بمكناس، ويبتدئ الجزء الثاني فيها من بيوع الآجال، وهي جيدة في ضبطها إلا أنها صعبة في قراءتها لأنها مصورة من الميكروفيلم، وفيها خروم كثيرة في حواشيها. وهي مختلفة كذلك عن ق في ترتيب كتبها، وهي غير تامة، وتنتهي بكتاب الجنايات عند قوله: وقوله إذا قتل المكاتب على هيئته. وبها سقط في الكتب الأخيرة كذلك. ومن مميزاتها أنها تكتب بداية الفقرة بخط غليظ، كما تكتب به كذلك كل كلمة تثير انتباه القارئ. وأنها تكتب في آخر كل كتاب: تم كتاب كذا بحمد الله وعونه، وتبدأ الكتاب الذي يليه ببسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمَّد وعلى آله وسلم تسليماً. 4 - نسخة: خ هذه النسخة هي نسخة الأستاذ المختار ولد أباه، وهي غير تامة، فهي تتضمن الجزء الأول، وكتابين فقط من الجزء الثاني، وهما: كتاب بيوع الآجال، وكتاب البيوع الفاسدة، وقابلت نسخة ق بهذين الكتابين، ورمزت لها بحرف خ، وهي نسخة جيدة لو وجدت كاملة، رغم أن ناسخها يترك الكثير من الحروف المنقوطة بغير نقط، معتمداً على شكل الحرف، وهي متفقة مع نسخة ق في كتابة: قال القاضي بدل قال المؤلف، وتبدأ الفقرة بخط غليظ، وفي نهاية كتاب البيوع الفاسدة: كمل السفر الأول من كتاب التنبيهات المستنبطة، على الكتب المدونة، والمختلطة، والحمد لله رب
5 - نسخة: ز
العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد خاتم النبيين، هذا الجزء الأول من التنبيهات قد ملكه الله تعالى عبده سيدي بن المختار بن الهيبا كان الله للجميع بمنه وكرمه ولياً ونصيراً، آمين. والذي يظهر أن هذه النسخة لم تفرق بين الجزء الأول، والثاني، وإنما جمعت ما وجد في سفر واحد، وعبر الناسخ بالسفر ولم يعبر بالجزء، والكلام الذي ذكر فيه الجزء لم يكن من كلام الناسخ، وإنما أضافه المالك. 5 - نسخة: ز توجد هذه النسخة بالزاوية الحمزاوية، وقد رمزت لها بحرف: ز، وهي أصح هذه النسخ، إلا أنه من سوء الحظ فقد ضاع منها الجزء الثاني ولم تبق منه إلا بعض الصفحات المتناثرة، وقد انتهى الجزء الأولى عند نهاية السَّلَم الثالث مما يدل على أن الجزء الثاني يبتدئ من بيوع الآجال، وهو ما اعتمدناه. ومن الأوراق التي بقيت من الجزء الثاني، بعض الأوراق في الجوائح، وتضمين الصناع، والقسمة، والوصايا الأول، والوديعة، والعارية، وحريم البئر، والسرقة، وقد أشرت إلى ما وجدت منها في ثنايا التحقيق. ومما يؤكد أهمية هذه النسخة ما عليها من التصحيحات في الهامش، رغم ما فيها من خروم كثيرة في وسطها وأطرافها، وهي من النسخ التي التزمت كتابة: قال المؤلف رحمه الله، إلا أنها انفردت بكتابة حرف الضاد قبل كلمة المؤلف، أو فوقها، إشارة إلى القاضي فتكتب هكذا: قال ض المؤلف رحمه الله. 6 - نسخة: د هذه النسخة يوجد أصلها بالخزانة الحمزاوية، ورقمها بالخزانة: 102، وتوجد نسخة منها مصورة على الميكروفيلم بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 113 حم، وفيها الجزء الثاني، ويبتدئ من بيوع الآجال، وينتهي في كتاب الجنايات عند قوله: وقد نبه في المدونة في كتاب الرجم على خلاف فيه.
عملي في التحقيق
وقد كتبت هذه النسخة بخط مغربي واضح، وقد أدرجت في آخر هذا الجزء كتب هي من الجزء الأول، وليست من الجزء الثاني، وقد يكون من خلط المصورين الذين يجدون بعض الكتب التي تكون أوراقها مبعثرة وغير مجموعة، وغير مرتبة، فيصورونها كما وجدوها، وهذه الكتب هي: كتاب الولاء والمواريث، وكتاب أمهات الأولاد، وكتاب المدبر، وكتاب المكاتب، وكتاب العتق الأول، والثاني. وقد اعتمدت على هذه النسخة في بعض الكلمات التي لم تتضح لي بالنسخ المصورة عندي. * * * عملي في التحقيق 1 - المقابلة بين النسخ: لما وقع اختياري على نسخة ق، قمت أولاً بكتابة نصها، ثم بعد ذلك قابلت بينها وبين النسخ المذكورة، وذلك بعد أن وضعت لكل نسخة رمزاً، وأضفت إلى نسخة ق ما سقط منها وثبت في غيرها، ووضعته بين معقوفين، وما ثبت فيها وسقط من غيرها وضعته بين قوسين، ثم حاولت جهد المستطاع أن تكون كلمات النص منسجمة فيما بينها، وأن يكون النص سالماً مما يعرقل فهم القارئ، وذلك بالاعتماد على ما يوجد لدي من النسخ، وما توصلت إليه حسب فهمي أنه الصواب. وأثبت جميع الفروق في الهامش ليرجع إليها القارئ, لأنه ربما قد يظهر لي أن الصواب مع نسخة ع أو ح، في حين أنه في نسخة أخرى، مثبت فرقها في الهامش، فيكون الصواب ما في الهامش لا ما أثبته في النص, لأن الكتاب جد معقد. وأعلم أن هناك نسخاً أخرى لم أتمكن من الاطلاع عليها، وأذكر في هذا الصدد أنني سافرت بمعية زميلي الأستاذ محمَّد الوثيق إلى مدينة تطوان
2 - التخريج
للبحث عن هذه النسخ، فزرنا كتبياً معروفاً هناك ببيع المخطوطات، فسألناه عن التنبيهات فقال لنا: إنه باع نسخة من هذا الكتاب في هذه الأيام لبعض الأوروبيين، ففوجئنا بهذه المخطوطات التي طالتها حتى هي كذلك الهجرة السرية، فقلت في نفسي: سبحان الله، هل ضاقت أرضنا حتى بهذه المخطوطات؟ فصارت تركب قوارب الموت مهاجرة إلى أوروبا؟ أم هاجرت لأن أهلها احتقروها فوجدت ترحيباً لدى غيرهم؟ وما جئت بهذا الاستطراد إلا لنبين بأننا بذلنا مجهوداً كبيراً في العثور على هذه النسخ، إلا أنني لم أظفر إلا بما أشرت إليه من النسخ التي ذكرت بأنني اعتمدت عليها. 2 - التخريج: وفيما يخص تخريج النصوص التي أوردها عياض في كتابه هذا، - وهي كثيرة، قرآنية، وحديثية، وفقهية - فقد حاولت جهد المستطاع أن أتتبع هذه النصوص في مظانها من أجل المقابلة بينها، والتأكد من سلامتها، فجاءت هذه التخريجات على الشكل الآتي: أ - تخريج الآيات القرآنية: قمت بتخريج الآيات القرآنية مشيراً إلى السورة ورقم الآية على رواية ورش. ب - تخريج الأحاديث: خرجت الأحاديث الموجودة في الكتاب من كتب الصحاح، والسنن، والمسانيد، إلا أنني في بعض الأحيان أقتصر على البخاري ومسلم إذا ورد الحديث فيهما. ج - تخريج نصوص المدونة: في مجال التخريج كذلك انصرف جل اهتمامي إلى تخريج نصوص المدونة، للارتباط العضوي بينها وبين الكتاب، فخرجت جميع نصوص
د - تخريج النصوص الفقهية
المدونة الواردة في الكتاب، حتى ولو كانت كلمة، فأنني أشير إلى مكانها، واقتصرت في عملي هذا على ذكر الجزء، والصفحة، من طبعة دار صادر، وإذا كان في النص غموض فإنني أكتب النص كله في الهامش، كما أشير إلى الاختلاف الموجود بين نص المدونة، وما ثبت في النسخ إذا اتفقت كلها على رأي واحد، وإذا كانت الكلمة في نسخة واحدة، وفي النسخ الأخرى ما يخالفها، وكان ما في المدونة يوافق ما في تلك النسخة، فإنني أعضد هذه النسخة بما في المدونة، وكنت كثيراً ما أقابل بين طبعة دار صادر، وطبعة دار الفكر في النصوص التي يذكر عياض أن فيها اختلافاً في روايتها. كما أشرت إلى النصوص التي ذكرها وهي ساقطة من طبعة دار صادر، أو طبعة دار الفكر، أو منهما معاً. د - تخريج النصوص الفقهية: اعتمدت في تخريج النصوص الفقهية على النوادر والمنتقى والمقدمات من الكتب المتقدمة على عصر عياض، وعلى بعض الكتب المتأخرة عنه، نظراً لقلة المراجع المطبوعة لهذه الفترة من جهة، ولأن هذه المراجع إنما تنقل عن هذه المراجع المتقدمة من جهة أخرى. 3 - ترجمة الأعلام: ترجمت للكثير من الأعلام الذين ذكرهم عياض، ما لم تكن لهم شهرة تجعل التعريف بهم من باب مضيعة الوقت، وأشرت إلى مراجع تراجمهم، لمن أراد المزيد. 4 - مكملات التحقيق: حتى يكون النص واضحاً، وسهلاً في قراءته والاستفادة منه لا بد أن يقدم في قالب يجلب النظر، ولا يتعبه، ويلفت الانتباه، ولا يتلفه، من أجل هذا العمل الشكلي في مظهره، العميق في مخبره، قمت أولاً بتوضيح عناوين الكتب، ثم بعد ذلك بتحديد الفقرات، وتوضيح النصوص، وتقسيم
5 - فهرسة الكتاب
الجمل، وفرزها فيما بينها بالنقط والفواصل، والله يعلم كم هو الوقت، وكم يستمر البحث للتعرف عن مكان النقطة، أو الفاصلة. وكل ما قمنا به من عمل في هذا الباب إنما هو مجهود اجتهادي حسب ما فهمناه من النص. 5 - فهرسة الكتاب: لا يخفى على أحد الأهمية الكبيرة التي تقدمها عملية فهرسة الكتب، بدءاً من جمع المادة العلمية، إلى تجزيء الموضوع إلى جزئيات قد تمكن القارئ من الوصول إلى مبتغاه في أسرع وقت، وبمجهود بسيط، إلى الإحالة على الكثير من الأعلام وآرائهم، إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى. من أجل ذلك قسمت الفهارس إلى الموضوعات الآتية: - فهرس الآيات القرآنية. - فهرس الأحاديث النبويّة. - فهرس المسائل الفقهية. - فهرس الكلمات والأعلام والأماكن التي ضبطها عياض في كتابه التنبيهات. - فهرس الأعلام. - المصادر والمراجع. - فهرس الموضوعات.
التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ للإمَام الحَافظِ أبي الفَضل عَياض بن موُسى اليَحصبي قسمُ التحْقِيق القِسْمُ الأوَّلُ تحقيق الدكتور محمد الوثيق دار ابن حزم
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1432 هـ - 2011 م ISBN 978 - 614 - 416 - 148 - 7 الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها دار ابن حزم بيروت - لبنان - ص. ب: 6366/ 14 هاتف وفاكس: 701974 - 300227 (009611) البريد الإلكتروني: [email protected] الموقع الإلكتروني: www.daribnhazm.com
التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ قسمُ التحقِيق (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمَّد النبي وعلى آله وسلم تسليماً [المقدمة] (قال الفقيه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي رضي الله عنه) (¬1): الحمدُ لله الذي عمَّنا بفضله العظيم، وأتمَّ نعمته علينا بهدايتنا إلى الصراط المستقيم، وصلَّى الله على محمَّد نبيه المصطفى الكريم، صلاة دائمة مشفوعة (¬2) بالبركة والتسليم. وبعد: فإن أصحابنا من المتفقهة - أسعدنا الله وإياهم بتقواه - رغبوا في الاعتناء بمجموع يشتمل على: 1 - شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلطة (¬3)، مما اشتملت عليه ¬
الكتب (¬1) المدونة والمختلطة؛ اختلفت الروايات في بعضها، ومنها ما أُرْتِجَ (¬2) على أهل درسها وحفظها. وربما اختلف المعنى لذلك الاختلاف فحمل على وجهين، أو تحقق الصواب أو الخطأ في أحد اللفظين. 2 - وفي ضبط حروف مشكلة على من لم يعتن بعلم العربية والغريب. 3 - وأسماء رجال (¬3) مهملة لا يعلم تقييدها إلا من تَهَمَّمَ (¬4) بعلم الرجال والحديث. وقد استمرت روايات الأشياخ في الكتاب - في كثير منها - على الوهم الصريح، والتصحيف القبيح، لتوفر عامتهم وجمهورهم على علم المسألة والجواب، وتفرغهم لذلك عن التحقق (¬5) بعلمي الأثر والإعراب. وقد كنت كثيراً ما أجري معهم في المذاكرة منها نتفاً، وأجاذبهم في مجالس المناظرة من ذلك طُرفاً، وأقف عند ما لم أحط به علماً معترفاً. فاستخرت الله تعالى على الإجابة، واستوهبته الهداية (¬6) في ذلك والتوفيق للإصابة (¬7). ¬
4 - وأضفت إلى الغرض المطلوب بيان معاني الألفاظ الفقهية الواقعة في هذه الكتب، وكيفية تجوزها عن موضوعها، وأصل اشتقاق أصولها وفروعها. ونثرنا أثناء ذلك نكتاً من كلام المشايخ والحذاق وتعليقاتهم، إلى ما استثرناه من أسرار الكتاب واستنبطناه إلى تنبيهاتهم. وأكثرها مما لم يقع في الشروحات له ذكر، ولا انكشف له في التعاليق سر، لتتم الفائدة لباغيها، وتكمل المنفعة لدارسها وراويها. والله أسأل عصمة تقي (¬1) شهوات النفس ودواعيها، وتوفيقاً يرشد إلى مناهج الطاعات ومساعيها، (بعزته) (¬2). ذكر أسانيدنا في هذه الكتب (¬3) التي حملناها بها، وأداها لنا شيوخنا إلى مؤلفها (¬4) - رحم الله جميعهم - وهي من طريق النقل والرواية كثيرة، واقتصرت منها هنا على ما أذكره؛ فقرأت بلفظي، وسمعت بقراءة غيري (¬5)، جميع الكتب (¬6) "المدونة والمختلطة" بمدينة قرطبة - حرسها الله - على الشيخ الفقيه أبي محمَّد عبد الرحمن (¬7) بن محمَّد بن عتاب - ¬
رحمه الله - سنة سبع وخمسمائة، وعارضت كتابي بأصل أبيه العتيق. وحدثني بجميع ذلك عن أبيه (¬1) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أحمد التجيبي (¬2) عن أبي إبراهيم - إسحاق بن إبراهيم (¬3) - عن أحمد بن خالد (¬4) ¬
عن محمَّد بن وضاح (¬1) وإبراهيم بن محمَّد بن باز (¬2) وإبراهيم بن قاسم / [خ 1] بن هلال (¬3)، عن سحنون بن سعيد التنوخي (¬4). ¬
قال أبو عبد الله بن عتاب: وحدثني بها أيضاً أبو القاسم خلف بن يحيى الفهري (¬1) عن أبي المطرف - عبد الرحمن بن عيسى بن مدراج (¬2) - عن أحمد بن خالد. قال خلف بن يحيى: ونا بها أيضاً أبو محمَّد بن أبي العطاف (¬3) - عبد الله بن يوسف - عن ابن وضاح عن سحنون. قال القاضي (¬4): وقرأت الكثير منها - على جهة التقييد والسماع أيضاً، بسبتة حرسها الله - على الفقيه القاضي أبي عبد الله - محمَّد بن عيسى التميمي (¬5) ¬
رحمه الله - في سنة سبع وتسعين وبعدها، وناظرت عليه فيها غير مرة قبل التاريخ وبعده، وقرأ علينا أكثرها بلفظه، وأجازني بجملتها وحدثني بها عن القاضي أبي عبد الله - محمَّد بن خلف بن المرابط (¬1) - عن أبي الوليد محمَّد بن عبد الله بن ميقل (¬2) عن أبي محمَّد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (¬3) عن أبي الحسن علي بن مسرور (¬4) عن أحمد بن داود (¬5) عن سحنون. ¬
قال الأصيلي: ونا (¬1) بها أيضاً أبو العباس - عبد الله بن أحمد الإِبِّياني (¬2) - عن يحيى بن عمر (¬3) وأحمد بن داود عن سحنون. ¬
قال القاضي أبو عبد الله محمَّد بن عيسى: ونا (¬1) بها أيضاً الفقيه أبو عبد الله محمَّد بن فرج - مولى ابن الطلاع (¬2) - قال: نا (¬3) أبو علي الحسن بن أيوب الحداد (¬4) ........ ¬
عن محمَّد بن عبيدون (¬1) عن محمَّد بن وضاح عن أبي سعيد سحنون بن سعيد التنوخي عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن القاسم (¬2) العتقي. ومما يحتاج إلى بيانه في هذه الأسماء ما يقع فيه كثير من الناس في نسب ابن القاسم، وصوابُه - كما ضبطناه - العتقي؛ بضم العين المهملة وفتح التاء. وهو نسب مولاه؛ فإنه عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة - مولى زبيد بن الحارث العتقي - منسوب إلى العُتَقَاء (¬3)؛ وهم جماعة (¬4) من العرب مُنَّ عليهم فسُمُّوا العتقاء لذلك (¬5). ومسجده (¬6) بمصر يعرف بمسجد ¬
العتقاء. كذا قيده أهل المعرفة بعلم الرجال. وقد نسب بهذا النسب جماعة من أهل العلم. وأكثر الناس يضمّون التاء، وهو خطأ (¬1)، وبفتحها (¬2) - على الصواب - قيدته عن المتقنين وأهل العلم. وأخبرني الفقيه أبو بكر بن عطية (¬3) عن بعض شيوخه المصريين (¬4) أنه قال له: إنما هو الغيفي؛ بالغين المعجمة المفتوحة وياء باثنتين تحتها ساكنة، وفاء، منسوب إلى "غيفةَ" - قرية على مرحلة من مصر (¬5) - وقد نسب إليها جماعة من أهل العلم أيضاً (¬6). وهو في نسب ابن القاسم غلط، والصواب ما ذكرناه قبل. وأما سحنون فالذي سمعناه من جماهير (¬7) شيوخنا المتقنين (¬8) وسائر المحدثين والفقهاء بفتح السين، وبعض المتأدبة والمتفقهة يقولونه بضم السين، ويقولون: إنه لا يوجد فَعْلولٌ في اللسان العربي. وقد أنكر عليهم ¬
(هذا) (¬1) الحذاقُ ووجهوا وجهه بما ليس هذا موضعه، والصواب ما قاله الجمهور. قال صاحب كتاب "تقويم اللسان" (¬2): قال أبو علي الجلولي (¬3): ما سمعت أحداً من أشياخنا ابن ............................. ¬
السمين (¬1) وغيره -[خ 2] يقوله (¬2) إلا بالفتح، وكذلك كان يقوله أبو عمران (¬3). وسمعت بعض مشايخي (¬4) يحكي عن بعض شيوخه بأفريقية (¬5) أنه إنما سمي بسحنون - اسم (¬6) طائرٍ حديدٍ - لحدة ذهنه في المسائل، وسحنون لقب، واسمه عبد السلاَم، مشهور، وكنيته أبو سعيد رحمه الله. ¬
فصل: واعلم أن هذه الكتب (¬1) أصلها سماع القاضي بالقيروان - أسدِ بن الفرات (¬2) - من عبد الرحمن بن القاسم، وهو أول من عملها ورواها عنه وسأله عنها على أسولة أهل العراق، فأجابه عنها (¬3) ابن القاسم بنص قول مالك مما سمع منه أو بلغه أو قاسه على قوله وأصله، فحملت عنه بالقيروان وكتبها عنه سحنون. وكانت تسمى "الأسدية"، و"كتب أسد"، و"مسائل ابن القاسم". ثم رحل (¬4) بها سحنون إلى ابن القاسم فسمعها منه وأصلح فيها أشياء كثيرة رجع ابن القاسم عنها، وجاء بها إلى القيروان وهي في التأليف على رتبة ما كانت عليه "كتب أسد" مختلطة (¬5) الأبواب، غير مرتبة المسائل، ولا مرسمة التراجم. وكتب ابن القاسم إلى أسد ليعرض كتبه عليها ويصلحها منها، فأنف أسد من ذلك. ثم إن سحنون بن سعيد نظر فيها نظراً آخر؛ وبوبها، وطرح مسائل منها، وأضاف الشكل إلى شكله - على رتبة التصانيف والدواوين - واحتج لمسائلها بالآثار من روايته من "موطإ ابن وهب" (¬6) وغيره، فسميت تلك "الكتب المدونة"، وبقيت منها بقية لم ينظر ¬
فيها ذلك النظر إلى أن توفي، فبقيت على أصلها من تأليف أسد فسميت بـ "المختلطة" لاختلاط مسائلها، وليفرق ما بينها وبين ما دون منها، وهي كتب معلومة. وقد ذكرنا خبر هذه الكتب (¬1) مستوعباً، وما جرى بين ابن القاسم وأسد وسحنون في ابتداء عملها وانتهائه في كتاب "تقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" (¬2). ¬
كتاب الوضوء والطهارة
كتاب الوضوء والطهارة (¬1) الوَضوء (¬2) والوُضوء، بفتح الواو وضمها؛ فبالضم الفعل، وبالفتح الماء. وحُكي عن الخليل الفتح فيهما، ولم يعرف الضم (¬3). قال ابن الأنباري (¬4): والأول هو المعروف والذي عليه أهل اللغة. وكذلك الغَسل والغُسل، والطَّهور والطُّهور (¬5). وقال الأصمعي: غَسَلَ غَسْلاً وغُسْلاً (¬6). والوضوء في عرف الشرع والفقه تطهير أعضاء مخصوصة بالماء ¬
لتنظف وتحسن، ويرفع حكم الحدث عنها لتستباح بها (¬1) العبادة الممنوعة قبل. أو تطهير ما فيه نجس لإزالة حكمه واستباحة العبادة به. ولما كان الحدث مانعاً من ذلك أشبه النجس، وصارت هذه الإزالة تحسيناً وتنظيفاً منه. وأصله (¬2) في وضع اللغة هذا / [خ 3]. والوضاءة: الحسن والنظافة؛ يقال: وجه وضيء أي نظيف سالم مما يشين حسنه. وعلى الأصل اللغوي ومجرد التنظيف استعمل في الوضوء قبل الطعام ومما مست النار - عندنا - وغير ذلك. وأما الطهارة فأصلها النزاهة والتخلص من الأنجاس والمذامِّ (¬3)؛ ومنه قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} (¬4)، على تفسير: قلبك (¬5) أو نفسك، أي خلِّصها ونزِّهها عن الآثام وأنجاس المشركين. وقولُه تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} (¬6). وقولُه عز وجل: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬7). وقولُه تعالى: {اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} (¬8)، كله من البعد من العيب والتنزيه عنه والتخلص (¬9) منه. وهي في عُرف الفقه والشرع إزالة الدنس أو النجس أو ما في معناه (¬10) من الحدث، بالماء أو ما في معناه. ولا يعترض على هذا (¬11) ¬
بالتيمم - وهو من أقسام الطهارة وليس فيه تحسين ظاهر - فمعناه المراد به استباحة الطاعة المشترط (¬1) فيها الطهارة، أو (رفع) (¬2) الحدث الموجب (¬3) لها، فهو (¬4) في معنى التنظيف والتحسين، وشرع عند تعذر الماء بدلاً (¬5) منه (¬6)، لئلا تطول المدة بعادمه (¬7)، وتركن النفس إلى الدعة بتركه، فيصعب عليها الرجوع إلى مكرر (¬8) الطهارة. التوقيت في الوضوء: هو التقدير؛ مأخوذ من الوقت، وهو المقدار من الزمان. ومعنى: هل وقت مالك في الوضوء؟ (¬9)، أي هل قدر فيه مالك عدداً يقتصر عليه ويوقف عنده. هذا هو الصواب لا قول من قال من الشيوخ: معناه: أوجب، من قوله تعالى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬10)، أي فرضاً (¬11) لازماً على أحد الأقوال. ويندفع الاعتراض بما قلناه عن قوله: ¬
"واختلفت الآثار في التوقيت"، أي اختلفت في الأعداد (¬1)، والله الموفق. وإسباغ الوضوء (¬2) إكماله وتبليغه حدوده، وثوب سابغ أي كامل، وأسبغ الله عليك نعمته (¬3) أي كثرها وتممها. ذكر (¬4) في حديث عبد الله بن زيد (¬5) في الوضوء: "مالك عن عمرو (¬6) بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني"، كذا هو، حَسن، دون تصغير، والمازني بالزاي والنون، وعُمارة بضم العين، وكذا رويناه. وقال ابن وضاح: "ابن أبي حسين (¬7) - يعني مصغراً - رويناه عن سحنون، وصوابه حسن". قال القاضي: يبينه قوله بعد (¬8): "إنه سمع جده أبا حسن"، وهو الأول، ولا خلاف في هذا. قال البخاري (¬9): أبو الحسن المازني - جد يحيى بن عمارة - له صحبة (¬10). وقال: يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني روى عنه ابنه عمرو (¬11). ¬
وقوله (¬1) في هذا الحديث في ذكر عبد الله بن زيد بن عاصم: وهو جد عمرو بن يحيى. كذا في رواية ابن وضاح، وسقط لغيره. قال أبو عمر بن عبد البر (¬2): كذا وقع في الموطآت كلها فيما علمت، ولم يقله أحد من رواة (هذا) (¬3) الحديث إلا مالك، ولم يتابعه عليه أحد، وعساه جده لأمه (¬4). وذكره البخاري في "الصحيح" من رواية وهيب (¬5) فقال: عمرو بن أبي حسن (¬6) مكان: عمارة. ووقع في روايتنا عن أبي محمَّد بن / [خ 4] عتاب: عن أبيه يحيى أنه قال لعبد الله بن زيد (¬7). وكذا هو في "الموطأ" (¬8). وفي غير هذا الطريق في "المدونة" (¬9): "عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد". ¬
قال أبو عمر: ساقه سحنون بألفاظ لا تعرف لمالك في سنده ولا متنه. وذكره البخاري من طريق التنيسي (¬1) عن مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد بن عاصم (¬2). ومن طريق وهيب عن عمرو عن أبيه: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله (¬3). ومن طريق سليمان بن بلال (¬4) عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يكثر من الوضوء (¬5) فقال لعبد الله بن زيد، كذا في رواية الأصيلي (¬6)، وعند غيره: فقلت لعبد الله بن زيد. وذكره مسلم (¬7) فقال: عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: قيل له: توضأ لنا. والاختلاف في سياقة هذا الحديث في المتن والإسناد كثير. وقوله فيه: "بدأ من مقدم رأسه" (¬8)، كذا الرواية في هذا الحرف عندنا في "الأم" عند ابن عتاب، والرواية في "الموطإ" (¬9) وكتب الصحيح (¬10): ¬
"بمقدم رأسه" (¬1)، وعلى هذا ذكر هذا الحرف بعض المختصرين للمدونة / [ز1] من القرويين. وهي رواية ابن المرابط. و"مِن" أبين على مشهور مذهبنا وظاهرِ اللفظ؛ لأنها لابتداء الغاية. وعلى هذين (¬2) الروايتين اختلف عمل (¬3) الشيوخ في مسح الرأس: هل يبتدئ بالناصية ثم يقبل على (¬4) الوجه ثم يدبر إلى آخره، على مقتضى ظاهر قوله: "فأقبل بهما وأدبر" (¬5). أو يبتدئ من أول منابت شعر الرأس ويقبل منه على مسح رأسه إلى آخره ثم يدبر، أي يرجع من دبر رأسه إلى حيث بدأ. ويكون قوله: "بدأ من مقدم رأسه" تفسيراً للإقبال، و"ردهما" (¬6) تفسير (¬7) للإدبار. أو على أن الواو لا ترتب (¬8). ويؤيد هذا التأويل نصه في بعض طرق البخاري (¬9): "فأدبر بهما وأقبل". ومقدَّم الرأس ومؤَخَّره، بفتح ثانيه وتشديد الدال والخاء، هو (¬10) معروف كلام العرب. وعندهم لغة أخرى: مقدِم وموخِر مخفف الثاني مكسور الثالث (¬11). ¬
وقوله: "إلى المرفقين" (¬1)، يقال بفتح الميم وكسر الفاء، وبكسر الميم وفتح الفاء (¬2). والمرفق آخر عظم الذراع المحدد المتصل بالعضد. وقد اختلف العلماء والمذهب في دخوله في فرض غسل الذراعين ودخول الكعبين في فرض غسل الرجلين، وهل "إلى" غاية أو حد، أو بمعنى مع، بما (¬3) هو معروف في أصولنا. ودليل (¬4) "المدونة" دخولهما (¬5). وانظر قوله في مسألة الأقطع (¬6): لأن المرفقين في الذراعين. وقوله: إلا أن تعرف العرب (¬7) أنه بقي منهما شيء فيغسله (¬8). وقوله فيه: يغسل الكعبين (¬9)، كله يدل على إدخالهما في وجوب الغسل خلاف رواية ابن نافع (¬10) ................................... ¬
عن مالك (¬1). والكعبان: العظمان الناتئان في جانبي الساق. هذا قول أكثر أهل اللغة، وهو موافق لقوله في الكتاب. وكل مرتفع كعب، ومنه سميت الكعبة. وقيل: هما اللذان في ظهر القدم (¬2)، وقاله ابن نصر عن مالك (¬3). وأنكر هذا مالك في "المختصر" (¬4). وفي/ [خ 5] "كتاب الوقار" (¬5): هما ¬
المفصلان (¬1) اللذان على ظهر القدم. قال النحاس (¬2): كل مفصل عند العرب كعب، ومنه كعوب القناة (¬3). وحمران (¬4) - مولى عثمان - بضم الحاء وبالراء. وحديث الحسن (¬5)، و (حديث) (¬6) الشعبي (¬7) آخر الباب، روايتنا فيهما عن ابن عتاب (¬8): "علي عن سفيان". وفي رواية أخرى: "وكيع عن سفيان" (¬9)، وكذا رواية يحيى في كتاب ابن المرابط في حديث الشعبي وحده. ¬
المضمضة (¬1): أصلها التحريك والترديد، ومنه: مضمض النعاس في عينه. وقيل: هي مأخوذة من مض الماء ومضيضه وهو تحريكه؛ يقال: لا تمض مضيض الحمار إذا شرب (¬2). وقيل: هو من المض، وهو الضغط لحبسه الماء في فمه، (ومنه مضني الدهر) (¬3) (¬4). والاستنشاق (¬5): إدخال الماء في الخياشم (¬6) بالنفَس، مأخوذ من التنشق وهو التشمم. والاستنثار (¬7): إرسال الماء من الخياشم (¬8)، مأخوذ من نثرت (¬9) الشيء، وهو قول ابن حبيب (¬10). وقال ابن قتيبة (¬11): هما من النثرة، وهي الأنف، فإذا أدخل الماء في خياشيمه (¬12) قيل: استنشق واستنثر. وقيل (¬13): ¬
الاستنثار تحريك النثرة وهي طرف الأنف وبه سمي هذا. وكأن القاضي أبا محمَّد بن نصر (¬1) نحا لمذهب ابن قتيبة، لأنه في ("تلقينه") (¬2) عد في السنن الاستنشاق ولم يذكر الاستنثار، كأنه رآهما سنة واحدة (¬3)، وأن الاستنثار بحكم التبع والأمر الضروري الذي لا يقصد في نفسه؛ إذ لا بد/ [ز 2] من طرح الماء من الأنف ضرورة. كما لم يعد مج الماء من الفم في المضمضة من أحكام الوضوء ولا هو مقصود في نفسه، بل مجه بحكم الضرورة (¬4)، وقد يبتلع، وما في الأنف أشد ضرورة؛ إذ لا يتمكن (¬5) إمساكه، بل يسترسل بنفسه. لكن عامة شيوخنا وسائر العلماء عدوه في السنن (¬6). والآثار تعضده (¬7)؛ فقد ذكرا (فيهما) (¬8) معاً، ومرة ذكر أحدهما دون الآخر. وقد حد مالك أن يجعل يده على أنفه (¬9)؛ إذ هو أبلغ في نثر ما تعلق بالماء مما ¬
في الأنف من قذر، وذلك لا يذهب بنفس خروج الماء بذاته أو (¬1) بدفع النفَس. وقوله (¬2): "لا يتوضأ بشيء من الأنبذة، والتيمم أحب إلي من ذلك". قال عبد الحق (¬3): "أحب" هنا بمعنى الوجوب؛ لأن العرب تفاضل بين شيئين وإن لم يتساويا. واحتج بقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} (¬4)، وشبه هذا. وقوله (¬5) بعد: "لا يتوضأ من شيء من الطعام والشراب"، كذا روايتنا، وبه تصح المسألة، أي (¬6) لا يلزم آكله وشاربه وضوء، ويدل عليه قوله آخرها (¬7): "ولكن يتمضمض من اللبن ويغسل الغمر إذا أراد الصلاة"، وإنما هذا السؤال على مسألة الوضوء مما مست النار ومن لحوم الإبل التي خولفنا فيها. وفي بعض الأمهات (¬8): "بشيء" مكان "من شيء". وقال أبو عمران: معناه لشيء. وكذا وقع في بعض الأمهات: "لشيء"، وهو بمعنى "من ¬
شيء" في المسألة الأولى. وأما على ظاهرها في الطعام فلا معنى للباء. والغَمَر بفتح الغين المعجمة وفتح الميم هو الودَك (¬1). وقوله (¬2) في الماء الذي تُوضئ به فأصاب ثوب/ [خ 6] رجل: إن كان الذي توضأ به أولاً طاهرا (فإنه لا يفسد عليه) (¬3). المراد هنا طاهرا من نجاسة (¬4) في أعضائه. وقوله (¬5) بعد في التوضإ (¬6) به: أحب إلي من التيمم إذا كان الذي توضأ به أولاً طاهراً، المراد هنا طاهر الأعضاء من قذر ودنس يضيف (¬7) الماء وإن لم تكن به نجاسة. والمراد في هذا كله الماء المستعمل في الوضوء ثم جمع في آنية، لا ما فضل عن الوضوء. و"أحب" هنا على بابها من التفضيل والمزية؛ للاختلاف عندنا في هذه المسألة. وقول (¬8) مالك في الماء المستعمل: "لا يتوضأ به ولا خير فيه"، حمله غير واحد من شيوخنا على أن ذلك مع وجود غيره (¬9)، فإذا لم يجد غيره فما (¬10) قال ابن القاسم بعد (¬11) من استعماله وأنهما متفقان (¬12). وعليه ¬
اختصر المسألة أكثر المختصرين. وذهب بعضهم إلى أنه خلاف، وإليه ذهب شيخنا القاضي أبو الوليد بن رشد (¬1)، (وأنه تخالف بينهما) (¬2) (¬3)، وأن قول (مالك) (¬4): "لا يتوضأ (¬5) ولا خير فيه"، مثل قوله في "المختصر" (¬6) و"كتاب ابن القصار" (¬7): يتيمم من لم يجد سواه، ومثل قول أصبغ (¬8) في "الواضحة" (¬9). ¬
وخَشاش (¬1) الأرض، بفتح الخاء وتخفيف الشين المعجمة، ويقال بكسرها (¬2)، وحكى أبو علي (¬3) فيها الضم أيضاً (¬4) - هو صغار دوابها. والزُّنبور (¬5) بضم الزاي. والخُنفَساء (¬6) بضم الخاء، ممدود: معلومان (¬7). والصرَّار (¬8) بالصاد المهملة وتشديد الراء الأول: هو الجدجد (¬9)، سمي بصوته؛ يقال: صَرَّ وصرصر: إذا صاح. ¬
وقوله (¬1) في الخشاش: لا يفسد الطعام ولا الشراب ولا الماء إذا وقع فيه. ظاهر الكتاب عموم القول في المسألة، وقد تنوزع في ذلك. ولا إشكال أنه إذا لم يتقطع وتتفرق أجزاؤه، أو يطل (¬2) مكثه بطهارة ذلك كله وأكل الطعام، كما أنه/ [ز 3] لا خلاف إذا تغير الماء منه، أو تفرق فيه وغلب عليه أن له حكم المضاف؛ لا يستعمل في تطهير. وهل هو نجس أم لا؟ اختلف فيه (¬3)، ومذهب أشهب (¬4) تنجيسه ما خالطه بطبخ أو شبهه. وأنكره عليه سحنون. والصواب: ألا ينجس ما لا نفس له سائلة كيف كان (¬5). وأما أكل الطعام إذا تحلل فيه أو طبخ فيه فاختلف فيه أيضاً. والصواب ألا يؤكل إذا كان مختلطاً به وغالباً عليه. وإن يتميز الطعام منه أكل الطعام دونه؛ إذ لا يؤكل الخشاش على الصحيح من المذهب إلا بذكاة (¬6)، وإن كان بعض المشايخ (¬7) خرج أكله بغير ذكاة على الخلاف في الجراد (¬8). وإليه ذهب القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب (¬9) ................. ¬
وفيه نظر (¬1). وقوله (¬2) في مسألة الحيتان فأصيب فيها ضفادع قد ماتت: "لا أرى بأساً بأكلها"، يعني الحيتان، أي لا يضرها موت الضفادع فيها، وإلى هذا ذهب أبو عمران (¬3). وقد يعود على الجميع، أي ما تزلع (¬4) من الضفادع؛ لأنها من صيد البحر والماء. والمسألة جاءت في جرة صِير أصيب فيها (¬5) ضفادع، قال: لا بأس بأكله (¬6)، يريد الضمير. وسؤر (¬7) الدواب/ [خ 7] وغيرها، مضموم الأول مهملة (¬8) السين مهموز، وقد تسهل، وهو بقية شرابها، ويقال أيضاً في بقية الطعام (¬9). وعلى هذا جاءت رواية من روى: "لا بأس بالخُبز من سؤر الفأرة" (¬10) - بالضم - ¬
أي بقيتها من خبز أكلت منه. ومن رواه: بالخَبز - بالفتح - أراد بالعجين (¬1) مما (¬2) شربت منه. وفي "اختصار الأسدية" لابن عبد الحكم (¬3): ولا بأس بسؤر الفأرة في الخُبز (¬4). وذهب بعضهم إلى تصحيح رواية الفتح؛ إذ الماء يدفع عن نفسه بخلاف غيره. وهذا خلاف ما في الكتاب (¬5) من التفريق بين الطعام والماء مما ولغ فيه ما يأكل الجيف (¬6) وعكسه. والروايتان صحيحتان. وقوله في مسألة غسل الإناء من ولوغ الكلب: "وكان يضعفه" (¬7)، تنوزع في هذا الضمير كثيراً؛ فقيل (¬8): أراد تضعيف الحديث لأنه خبر واحد ¬
ظاهره نجاسة الكلب، وعارض قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (¬1). وقيل: ضعف وجوب الغسل. وقيل: ضعف توقيت العدد (¬2). قال القاضي: والأشبه عندي أن يريد به الوجوب كما نحا إليه القابسي. ويدل عليه تخصيصه (الماء) (¬3) بذلك وأنه أعظم إراقة الطعام (¬4). ولا حجة لمن قال إنه ضعف الحديث بقوله: "ولا أدري ما حقيقته"؛ فليس في هذا ما يرده. ولعل المراد: ما حقيقة معناه وحكمة الله في هذه العبادة. أو يكون هذا على مذهب من قدم القياس على خبر الواحد، وهو مذهب جماعة من الفقهاء الأصوليين ومن أئمتنا البغداديين، وحكوا أنه مذهب مالك، واستقرؤوا الخلاف من قوله في هذا (¬5) الأصل من ظاهر قوله هذا ومن مسألة الفرعة (¬6) ومسألة المصراة. والقياس هنا على الأصول ألا عدد في أغسال النجاسات. ويؤيد هذا التأويل قوله في "المبسوطة" (¬7): ليس غسل الإناء سبع مرات بالأمر اللازم (¬8). وقال: يغسل، من تأول (¬9) على مذهب ¬
مالك أن غسله تعبداً واجباً (¬1) بظاهر ما في رواية ابن وهب عنه من إراقة الطعام لتسويته مع الماء فيها. ولغ الكلب يلغ بالفتح فيهما. وقوله: "والهر أيسرهما؛ لأنه مما يتخذ الناس"، كذا عند شيخنا (¬2) أبي محمد/ [ز4]. وعند غيره - وهي رواية شيخنا القاضي أبي عبد الله عن القاضي أبي عبد الله بن المرابط -: "لأنهما (¬3) "؛ يعني الهر والكلب المذكور قبله، وهي رواية أبي عمران، وقال: يشبه أن يكون من كلام سحنون (¬4). استدل بعضهم (¬5) من هذه الكلمة، ومن قوله في الكتاب: "وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت وليس كغيره من السباع"، أن مذهب "المدونة" في (غسل الإناء من) (¬6) الكلب المأذون في اتخاذه على أحد القولين لمالك (¬7). وقد ينازع فيه؛ لأنه لم يقل مما أبيح اتخاذه، وإنما ذكر عادة الناس في اتخاذها، والناس يتخذون منها ما يجوز وما لا يجوز. ¬
وقوله (¬1): "لا بأس بلعاب الكلب يصيب ثوب الرجل (¬2)، وقاله ربيعة (¬3). وقال ابن شهاب (¬4): لا بأس إذا اضطررت إلى سؤر الكلب أن تتوضأ به/ [خ 8] "، كذلك في نسخ. وروايتي: وقال ربيعة وابن شهاب. وذكر المسألة. فجاء قول ربيعة في هذا (¬5) لا في تلك. وزاد في رواية شيخنا أبي محمَّد: "وقاله مالك" (¬6). وقوله (¬7): "ذرق عليه طير (¬8) "، أي رمى بما في بطنه. ولعله علم أنه مما لا يأكل الجيف، أو حكم بالغالب والأكثر من الطير (¬9). والإصبع فيه لغات عشر؛ صَرِّف الكلمة على "أفعلَ" كيف شئت (تُصبْ) (¬10). والعاشر (¬11) أصبوع، قاله أبو عمر المطرز (¬12). ¬
وقوله: "ما لا يفسد الثوب فلا يفسد الماء" (¬1)، يعني بيفسد: ينجس. وقوله (¬2) فيمن لم يجد إلا ما شربت فيه دجاج تأكل النتن (¬3): فليتيمم ولا يتوضأ به، حمله بعضهم (¬4) على ظاهره، وهي إشارة الشيخ أبي محمَّد (¬5). وحمله القاضي أبو محمَّد على أنه يجوز في العبادة (¬6)، وأن معناه (¬7): لا يقتصر على الوضوء به دون التيمم (¬8)، بل يجمعهما على أحد الأقوال في الماء المشكوك فيه (¬9)، واحتج بإعادة الصلاة المتوضئ (¬10) به في الوقت (¬11). وحمل هذا غيره لأجل الخلاف في أصل التوضئ [به] (¬12)، فهي صلاة مختلف فيها. ¬
قال القاضي: وليس أصل ابن القاسم جمع الطهرين في مسائله، وإنما هو مذهب غيره (¬1). وعثمان النهدي (¬2)، بفتح النون، نسب إلى بني نهد من اليمن؛ قبيلٍ من قضاعة (¬3). والإوز (¬4) بكسر الهمزة وتشديد الزاي. وعيسى بن أبي عيسى الحناط (¬5)، يقال بالحاء المهملة والنون، من بيع الحنطة. ويقال بالخاء المعجمة والباء بواحدة تحتها، من بيع الخبط - وهو ورق السمر تعلفه الإبل -. ويقال الخياط بالياء باثنتين تحتها من الخياطة (¬6)؛ كان يعمل هذه الثلاثة أشياء (¬7). قوله: "فإن لله عباداً يصلون من خلفه" (¬8)، بالفاء والقاف معاً في ¬
كتاب ابن سهل القاضي (¬1). وعند ابن عتاب وابن المرابط القاف وحدها (¬2)؛ فمن رواه بالفاء رد الضمير للمتغوط، وبالقاف رده على الله تعالى؛ يريد من يصلي من الملائكة ومؤمني الجن. وقوله (¬3): "حُشوشكم"، بالحاء المهملة المضمومة وشينان معجمتان (¬4)، يعني المراحيض والكنف. وأصلها من الحش، وهو مجتمع النخل، يقال هذا بضم الحاء وفتحها (¬5). وكانوا يستترون بها عند الحاجة. أو من الحَش بالفتح، وهو الدبر (¬6) لأنه يكشف في الكنف، أو يتبرز منه فيها. ظاهر الكتاب في استقبال القبلة واستدبارها في المدائن والقرى الجواز في المراحيض وغيرها من غير ضرورة لقوله (¬7): إنما عنى (¬8) بذلك الصحاري والفيافي، ولم يعن المدائن والقرى. وبدليل جوازه (¬9) مجامعة الرجل امرأته إلى القبلة (¬10) ولا مشقة في الانحراف/ [ز5]، عليهما (¬11)، وهو ¬
تأويل اللخمي (¬1). وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو الوليد (¬2) خلاف ما قاله (¬3) في "المجموعة" (¬4): إنما ذلك في الكنف للمشقة. ونحوه في "المختصر" (¬5). وقيل (¬6) أيضاً: إنما أجاز (¬7) ذلك في السطوح إذا كانت عليها جدر (¬8). وقد اختلف في معنى قول مالك في الجماع؛ فحمله بعضهم على ¬
أنه [أجازه] (¬1) في الصحراء وغيرها مستقبل القبلة ومستدبرها، ذكره التونسي (¬2) / [خ 9]، وأنكره غيره (¬3) وقال: إنما الإجازة (¬4) في المدن، وقاله القابسي (¬5). والخلاف في الوجهين من الوطء والحدث مبني على (¬6) ذلك لتعظيم القبلة، فيمنع من ذلك في الجميع، أو لحق المصلين خلفه فيباح إذا كان ساتر كيف كان، فافهمه (¬7). والاستنجاء (¬8): غسل موضع الحدث بالماء، وأصله إزالة النجو، وهو الحدث (¬9)، وسمي نجوا لاستتار من يفعله بنجوة من الأرض عن أعين ¬
الناس، وهو ما ارتفع من الأرض. وقد يقال أيضاً في إزالة ذلك بالأحجار، وجاء في الحديث. وقيل: سمي استنجاء من قولهم: نجوت العود إذا قشرته. وقيل من النجا (¬1)، وهو الخلاص من الشيء، وإذا زال (¬2) ذلك عنه فقد تخلص منه (¬3). وسمي استجماراً من الجمار، وهي الحجارة الصغار التي يزال بها (¬4). وقيل من الاستجمار بالبخور والجمر؛ لأنه يطيب الموضع كما يطيبه البخور. وسمي أيضاً استطابة، وفاعله مطيب ومستطيب؛ لتطييبه الموضع بإزالة الأذى عنه. والإِحليل بكسر الهمزة: ثقب الذكر من حيث يخرج البول. وقوله (¬5): "من استنجى بالحجارة وتوضأ ولم يغسل ما هنالك بالماء حتى صلى يجزئه (¬6) "، يريد موضع الحدث. وقد تنوزع هل يكون ذلك فيما عدا (¬7) موضعَ الاستنجاء (¬8)؟ فأكثر أجوبة الأمهات على أنه فيما يختص بموضع النجو لا فيما عداه. ولابن القاسم خلافه (¬9)، وإليه نحا أبو عمران. ¬
وقوله في الفرق بين الأنعام والدواب: "لأن تلك تؤكل (¬1) لحومها وتشرب ألبانها، وهذه لا تؤكل لحومها ولا تشرب ألبانها"، دليل أن الألبان لها حكم (¬2) اللحوم في الخيل والبغال والحمر في الكراهة الشديدة. والخلاف في الحمر بين الكراهة والتحريم، وهذا هو المعروف. وقد روي عن مالك جواز شرب لبن الأُتُن (¬3). وذكر شيوخنا في ألبان ما لا يؤكل لحمه - غير الخنزير - ثلاثة أقوال (¬4): الحل على الإطلاق، والتحريم على الإطلاق، والكراهة. ومحمد بن طَحْلاء (¬5)، بفتح الطاء المهملة (وسكون الحاء) (¬6) المهملة، ممدود، وهو مدني (¬7). ومحمد بن قيس (¬8) قاضي عمر بن عبد العزيز، بالضاد المعجمة بعد ياء (¬9)، كذا رواه جماعة. ورواه بعضهم: "قاص"، بالصاد المهملة ¬
المشدودة (¬1)، من القصص، وكذا قيده عبد الحق في بعض كتبه، وهو روايتنا عن ابن عتاب. قال ابن وضاح: وهو الصواب. ووقع في "تاريخ البخاري الكبير" (¬2)، في رواية حماد: قاص، أو قاضي عمر. بالشك (¬3). والصواب - إن شاء الله - ما تقدم من قول ابن وضاح. وقد ذكر البخاري (¬4) عن ابن إسحاق (¬5): حدثني محمَّد بن قيس مولى يعقوب القبطي - وكان قاصاً - قال: قصصت على عمر بن عبد العزيز - وهو أمير المدينة -. فقد بين ابن إسحاق وأزال الإشكال بما ذكر (¬6) / [ز 6]. وقوله (¬7) في هذا الحديث: "بإداوة ماء حين تَبَرَّز"، أي حين ذهب لحاجته، وهو مأخوذ من البَراز - بفتح الباء - وهو الفضاء المتسع من الأرض؛ كانوا يذهبون إليه عند حاجتهم للبعد من/ [خ 10] الناس، فسمي الحدث به واشتق فعله منه، كما فعلوا (¬8) ذلك في الغائط وأصله المطمئن من الأرض. والإِداوة، بكسر الهمزة: مطهرة الماء وشبهه (¬9) من الأواني المستعملة ¬
في ذلك (¬1). وقوله (¬2): "شفاء (¬3) من الناسور" (ويروى الباسور) (¬4) بالباء والنون معا (¬5)، وبالباء وحدها في أصل ابن عتاب العتيق. ومعناهما متقارب، إلا أن الناسور بالنون عربية (¬6) وبالباء أعجمية (¬7) - فيما قاله الزبيدي (¬8). وهو بالباء: وجع المقعدة وتورمها من داخل، وخروج الثآليل (¬9) هناك. وبالنون: انفتاح (¬10) عروقها وجريان مادتها (¬11) (¬12). وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم (¬13): هذه الرواية والمعروف في اسمه. وهو قاضي إفريقية وأول مولود ولد من المسلمين بها وعالمها في وقته، ¬
لكن تكلم فيه أهل الحديث (¬1). ونقلت عن كتاب القاضي أبي الأصبغ بن سهل (¬2): ابن وضاح يقول: أنعُم، وغيره يقول أنعَم بالفتح، وكذا كان في كتاب ابن المرابط (¬3)، ولم أره إلا هنا. والشَّرَج (¬4)، بفتح الشين المعجمة وفتح الراء: فم الدبر ومجتمع طوقه (¬5)؛ شبه بشرج الشفرة (¬6) (¬7). وحكى ابن دريد (¬8) فيه سكون الراء أيضاً، قال: وهو أفصح وأعلى. ¬
والرُّفْغ (¬1)، بضم الراء وسكون الفاء وبالغين المعجمة: طي أصل الفخذ مما يلي الجوف (¬2) إلى أسفل، ويقال بفتح الراء أيضاً، حكاهما (¬3) يعقوب (¬4). وليس قول من فسره بأنه العصب الذي بين الذكر وحلقة الدبر بشيء (¬5). وسعيد بن المسيب (¬6) بفتح الياء - ويقال بكسرها - قال ابن المديني (¬7): أهل المدينة يقولون: المسيب بكسر الياء، وأهل العراق يقولونه بالفتح (¬8). وجابر الجعفي (¬9)، بضم الجيم وسكون العين. وبسرة ابنة صفوان (¬10)، بضم الباء وسكون السين المهملة. ويزيد بن قسيط (¬11)، بضم القاف وفتح السين المهملة. وحيوة بن شريح (¬12) بفتح الحاء وسكون الياء باثنتين تحتها، وأبوه بشين مثلثة مضمومة، وآخره حاء مهملة. ¬
(والمحتبي (¬1) بالحاء المهملة. والاحتباء [ممدود] (¬2) هو الجلوس قائم الركبتين جامعاً يديه على ركبتيه، مشبكاً (¬3) بين أصابعهما، أو حابساً إحداهما بالأخرى (¬4)) (¬5). "وسعيد بن إياس الجُرَيري" (¬6) بضم الجيم وفتح الراء الأولى (¬7)، "عن خالد بن علاق (¬8) ". كذا عند ابن وضاح. وعند غيره: عن علاق، وكذا عند القابسي، وكذا في كتاب [أبي] (¬9) عبد الله بن عتاب، وكذا سمعته على ابنه (¬10) أبي محمَّد. والصواب ما عند ابن وضاح من إثبات اسم خالد بن علاق. وقول من قال: عن علاق خطأ. واتفقوا في "المدونة" على روايته بالعين المهملة وفتحها وتشديد اللام. وقرأت في تعليق عن القابسي بخط أبي عبد الله مكي بن عبد الرحمن القرشي (¬11) كاتبه (¬12): ¬
أصحابنا يقولون: عَلاَّق مشدد (¬1)، وأصحاب الحديث يقولون: عِلاَق، بالتخفيف وكسر العين. وصوب القول الأول أبو عمران الفاسي وحكَى نحو ما تقدم عن أبي الحسن. والذي قاله وصوبه صحيح وما عداه خطأ لا يصح. لكنه قد اختلفوا (¬2) هل يقال: بالعين المهملة، كما قال، أو بالمعجمة؟ وهي أكثر وأشهر. وقد ذكره البخاري (¬3) في باب الخاء فيمن اسمه خالد واسم أبيه/ [ز 7] على حرف/ [خ 11]، الغين المعجمة وقال: خالد بن غلاق، وذكر له سند هذا الحديث (¬4) الذي في "المدونة" (¬5). وكذا قال أبو الحسن الدارقطني (¬6). وكذا قيده أبو نصر بن ماكولا (¬7) في كتابه، كلهم بالغين المعجمة المفتوحة واللام المشددة، لكن الدارقطني ذكر أن بعضهم قاله بالعين المهملة (¬8) نحو ما حكاه القابسي عن الفقهاء، وحكى الوجهين (¬9) عن عباس الدوري (¬10). ولم يحك فيه أحد كسر العين إلا ما قلناه عن أبي الحسن. ووقع في المدونة في نسبه: العبسي، بباء بواحدة وسين مهملة، ولم يختلفوا في ضبطه كذلك، وهو - إن شاء الله - وهم أيضاً، إنما هو العيشي ¬
[بياء] (¬1) باثنتين تحتها وشين معجمة، وكذا ذكره البخاري في "تاريخه" (¬2) , وكذا نقلته من خط شيخنا القاضي أبي علي (¬3) رحمه الله متقناً. والمروحة (¬4) بكسر الميم. والمني (¬5): الماء الدافق، بفتح الميم وكسر النون مشدد (¬6) الآخر. وأما المذي (¬7)، فبالذال معجمة (¬8)، ويقال بسكونها وتخفيف الياء، وبكسر الذال وتشديد الياء (¬9). وهو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة. وأما الوذي (¬10)، فبالوجهين أيضاً مثله (¬11)، ويقال في ذلك أيضاً بالدال المهملة، وهو الماء الأبيض الخارج بأثر البول. ¬
يقال: أمنى الرجل يمني، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)} (¬1)، ويقال منى أيضاً. ويقال: مذى وأمذى، ووذى وأوذى، قال جميعه صاحب "كتاب الأفعال" (¬2). قوله (¬3) في الذي يمذي: "إن كان ذلك عن عزبة إذا تذكر خرج منه، أو كان إنما يخرج منه المرة بعد المرة فليغسله ويعيد الوضوء". كذا رويناه عن أبي محمَّد، وكذا في كتاب ابن المرابط. وعند غيره (¬4): "من عزبة أو تذكر، فخرج منه"، وبين الروايتين فرق؛ وهو أنه على الرواية الأولى لا يوجب الوضوء في تكراره مع العزبة إلا إذا تذكر، وعلى الرواية الأخرى يلزمه مع تكرره للأعزب وإن لم يتذكر (¬5). وقد اختلف شيوخنا في هذا على مقتضى الروايتين، واختلف المختصرون عليهما (¬6)؛ قال ابن أبي زَمَنِين (¬7) في قوله بعد هذا في الذي ¬
يصيبه المذي: وأما من كان منه ذلك لطول عزبة أو تذكر فعليه الوضوء (¬1): هذا مثل رواية من يروي "لطول عزبة أو تذكر فخرج منه"، ورواية القرويين: "أو تذكر أو كان مثلها". واختلف البغداديون في وضوء هذا الذي يخرج منه المرة بعد المرة؛ هل محمل (¬2) قول مالك فيه على الوجوب، إذ لا مشقة (¬3) عليه، أو على الاستحباب؟ (¬4). والجنابة (¬5)، بفتح الجيم، أصلها البعد. والجنب بعيد من أعمال المتطهر (¬6) وقرباته، يقال ذلك للواحد والاثنين والجميع (¬7) والمذكر ¬
والمؤنث، وقد قيل في الجمع أجناب (¬1). وقيل: أصله من المخالطة؛ قالوا: ومن كلام العرب: أجنب الرجل إذا خالط امرأته. ولعل هذا ضدا للمعنى (¬2) الأول، كأنه من القرب منها ولصوق جنبه بجنبها، كما قال تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} (¬3)، قيل: (إنها) (¬4) الزوجة. وقوله (¬5) في الممذي (¬6): "ويغسل ما به ويعيد الوضوء"، استدل بعض المشيخة (¬7) بقوله: "ما به" على أن مذهب ابن القاسم ألا يغسل من المذي/ [خ 12] إلا موضعه - لا الذكر كله كما قال سحنون - وتأولوه على ظاهر رواية علي (¬8). وقوله: "إن استنكحه (¬9) من إِبرِدة" (¬10)، ........................ ¬
ذكر ثعلب (¬1) في "الفصيح" (¬2) وأبو عبيد (¬3) في "المصنف" (¬4) هذا الحرف بكسر الهمزة والراء، وكذا قال يعقوب في "الإصلاح" (¬5) وغيرِه، قال يعقوب: ولا يقال إبردة بالفتح، قال: وأبرده الثرى بردة (¬6) وأبرده الغيث مثله (¬7). والفقهاء يقولونه بالفتح، ويحسبونه جمعاً. وإبراهيم/ [ز 8] النخعي (¬8) بفتح الخاء، وقبيله هو (¬9) النخَع بالفتح، فخذ من إياد، ينتسبون في مذحِج (¬10) لنزولهم فيهم، .................. ¬
سمي أبوهم (¬1) بفعله, لأنه نخع عن أرضه وبعد عنها، واسمه جسر (¬2) بن عمرو. وضبطه الشيخ أبو محمَّد عبد الحق في بعض كتبه بالإسكان. وقوله في باب السلس: "قَطَر قَطَر" (¬3)، كذا هي روايتي فيه وفي الباب بعده (¬4) في الوضوء، بفتح القاف والطاء والراء فيهما فعلاً ماضياً. وضبطه آخرون: "قَطْراً قَطْراً (¬5) "، بسكون الطاء وتنوين الراء فيهما مصدراً. وحكيت الروايتين (¬6) عن القابسي. وظاهر ذكره لهما في البابين يدل على إنكار مالك تحديد القطر في المسألتين، وأنه لا يقول: يتوضأ (¬7) من المذي حتى يقطر أو يسيل، أو يحد (¬8) من الماء في الوضوء القطر والسيلان (¬9). وقد وقع في "الأسدية": وسمعته يذكر قول الناس في المذي، ولم يذكر الوضوء. قال فضل بن سلمة (¬10): لم ينكر مالك قطر الماء في الوضوء؛ إذ لو لم يقطر لم يكن ¬
إلا مسحاً، وإنما أنكر التحديد (¬1). وقال ابن محرز (¬2): ظاهر قوله أنه أراد به (¬3): ليس من حد الوضوء أن يسيل أو يقطر. وهو خلاف الأول. وقوله (¬4): "لأني (¬5) لأجده ينحدر (¬6) مني مثل الخُرَيزَة"، بضم الخاء المعجمة، تصغير خَرَزَة (¬7)، وهو مثل قوله في الحديث الآخر (¬8): "كخرز اللؤلؤ". قال القاضي أبو الوليد الباجي (¬9): ¬
كذا أتى (¬1) هذا اللفظ (¬2) من جميع الطرق إلا شيئاً روي عن أبي ذر الهروي (¬3) من طريق أبي مصعب (¬4) في "الموطأ" (¬5) فإنه قال: "مثل الحَريرة" براءين وحاء (¬6) كلها مهمل (¬7)؛ فيكون على هذا شبهها بها (¬8) في ثخانتها ولونها. وفي قول عمر حجة لمن يجيز إمامة من به سلس، وهو قول سحنون (¬9) خلافاً لابن أبي سلمة (¬10). وذهب بعض شيوخنا إلى أن تركه أحسن. ولسحنون مثله (¬11)؛ لأن من له رخصة فلا تتعداه لغيره إلا أن يكون ¬
صالحاً فاضلاً كعمر، فإن فعل أجزأه. وقد يحتج به من يحد (¬1) ألا ينقض المذي الطهر في الصلاة حتى يقطر، وهو ما أنكره مالك بعد هذا. ومذهب ابن المسيب أنه لا ينقضها على مُصَلًّ وإن قطر وسال (¬2). وسلِس البولُ (¬3) يسلَس، بكسر اللام في الماضي، وفتحها في المستقبل، ومعناه اتصل جريه، ومنه السلسلة لاتصال بعضها ببعض. وسلسلة الرمل والبرق مستطيلهما. وقوله في البلل يجده: "اِنضَح ما تحت ثوبك بالماء، والةُ عنه (¬4) "، يكون النضح بمعنى الرش هنا، وقد يجيء بمعنى الصب (¬5). وفائدة النضح هنا بعد غسل ما به ليُندِي الموضع بالنضح؛ فإن وجد بعد ذلك بلة فيمكن أن تكون من النضح فتطمئن نفسه إلى ذلك/ [خ 13] ويزول عنه الوسواس بتتبع ما قد عفي له عنه، كما قال في حديث القاسم (¬6): "إذا استبرأت وفرغت فارشش بالماء". وفي الخبر الآخر: "وقيل هو الماء" (¬7). أو يكون (¬8) النضح الغسل، أي اغسله بالماء واله عنه. يريد (¬9) بما تحت ثوبه فرجَه. هذا كله في المستنكح. ¬
والصَلْتُ بن زُيَيْد (¬1)، بفتح الصاد وآخره تاء باثنتين فوقها، وأبوه زييد بزاي تكسر وتضم، بعدها ياءان باثنتين تحتهما، تصغير زيد. وليس في "المدونة": "الصُلب"، بضم الصاد والباء، ولا زُبَيْد بالباء أولاً بواحدة، وهذان/ [ز 9] الاسمان مشهوران في غيرها. والمقداد بن الأسود بالدال، وهو المقداد بن عمرو البهراني (¬2)، ويقال له الكندي أيضاً، وهو حقيقة من بَهْراءَ من بَلِيًّ (¬3). وقيل له ابن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث (¬4) كان تبناه فشهر (¬5) به (¬6). وقول مالك في رواية علي في المذي (¬7): "ليس عليه غسل أنثييه، إنما عليه غسل ذكره" (¬8). ليس في "المدونة" "كله" (¬9)، ونقلها بعض ¬
شيوخنا (¬1) وقال فيها: "كله" على مذهب سحنون والمغاربة. وأنكرها البغداديون. وفي رواية ابن وهب (عن مالك) (¬2): "لا يغسل منه إلا موضع الأذى"، وهو دليل قول ابن القاسم قيل (¬3) الذي نبهنا عليه. وتأول العراقيون قوله: "وهو أشد من البول (¬4) " بأنه (¬5) لا يستجمر منه. قوله: "ليس على الرجل غسل أنثييه إلا أن يخشى أن يصيبهما شيء" (¬6). قالوا: ظاهر الكلام أنه إن خشي غسل (¬7)، وأن الجسد يُغسل مِن شك النجاسة ولا ينضح، بخلاف الثياب، وأنه خلاف (¬8) لقوله في الموضع الآخر في الكتاب (¬9): والنضح طهور لكل ما شك فيه، فعم، كما حكاه ابن شعبان (¬10) ¬
عن مالك من تسويتهما (¬1) في النضح. ويخرج منهما (¬2) قولان في "الأم". وحجة من فرق أن النضح إنما جاء في الثياب رخصة خارجة عن القياس فلا يقاس عليها, ولأن الغسل يفسدها ويعثَّر (¬3) لبسها ما دامت مبتلة، وذلك غير موجود في الأعضاء (¬4). وتأول من قال هذه المسألة أن مالكاً تكلم إذا لم يخش فلا يغسل، وأهمل الجواب في الأخرى (¬5). ومسألة يحيى (¬6) في الذي لا يزال يطلع منه باسور. هذا بالباء فقط. وقوله في الذي (¬7) قبلته امرأته على غير فيه أو قبلها هو على غير الفم: فمن التذ منهما فعليه الوضوء، وإن لم يلتذ ولم يشته فلا وضوء (¬8). في اشتراطه غير الفم دليل على أنه لا يشترط وجود اللذة في القبلة على الفم ولا قصدها منهما جميعاً، وهو قول مالك في "المجموعة" (¬9). وفيه دليل على أن القبلة لا تنقض الوضوء إلا أن يقصد بها اللذة، وهو ¬
المنصوص عند القاضي أبي محمَّد (¬1) وغيره من (شيوخنا) (¬2). وقوله: "إلا أن يلتذ لذلك (أو) (¬3) ينعظ"، دليل أن (¬4) مجرد الإنعاظ - وإن لم تكن معه لذة - إذا قارنه لمس ينقض الوضوء، وهو أحد القولين عندنا في مجرد الإنعاظ. وقيل: لا وضوء عليه إلا أن يمذي، وهي رواية ابن نافع عن مالك. وتأول الباجي (¬5) على "المدونة" إيجاب الوضوء به (¬6)، وهو بعيد؛ لأن مسألة "المدونة" معها قرينة - وهو اللمس - لقوله: إذا لمس زوجته فلا وضوء عليه إلا أن ينعظ ويلتذ (¬7)، فليس/ [خ 14] هو مجرد إنعاظ. وقوله: "فيمن شك فلم يدر أحدث بعد الوضوء أم لا: فليعد وضوءه، بمنزلة من شك فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً، فليلغ الشك" (¬8). هذا فيما (¬9) تردد في معناه بعض الشيوخ والشارحين، ولا تردد فيه. وكأنه احتمل عنده أنه يلغي الشك في الحدث ويبني على يقين طهارته، ويناقض ذلك ¬
عنده قوله قبل: "فليعد وضوءه". وحكى نحو هذا التأويل ابن لبابة (¬1) عن بعضهم، قال: وفسره غيره على تفسير مالك (¬2). قال القاضي: وليس مراد مالك ذلك بوجه؛ ألا تراه كيف قال: "بمنزلة/ [ز10] من شك في صلاته" (¬3). واليقين (¬4) هنا في مسألته ألا ¬
يؤدي الصلاة إلا بطهارة، هذا هو الذي يبني عليه ويدع دخولها شاكاً؛ لأن العبد مخاطب ألا يدخل صلاته إلا بطهارة يتيقنها, ولا يبرئ ذمته إلا ذلك، فإذا طرأت عليه شكوك في طهارة متقدمة قيل له: أَلْغِها وابن على طهارة متيقَنة مستأنفة تدخل بها في صلاتك، وهذا صفة مسألة الشاك في الثلاث ركعات أو الأربع، قيل له: لا تسقطُ عنك عهدةُ الصلاة، ولا يبرئ ذمتك إلا يقينك بأداء أربع، فألغ الشك وجئْ برابعة تتيقنُ بها كمال صلاتك. وهذا لشبه نه (¬1) بالصلاة من قبل المعنى، وأما من جهة الصورة فلو شك في أثناء وضوئه في غسل عضو منه، فهذا يبني على ما تيقن غسله من أعضائه ويلغي ما شك فيه ويستأنف غسله، كعمله (¬2) في ركعات الصلاة كما قال في الكتاب. وعليه حمل المسألة بعضهم. وقد حمل بعضهم قوله أولاً على المستنكح في الوضوء والصلاة دون غيره. وحكى أبو القاسم بن محرز عن بعض شيوخه أنما هذا على أنه أتى بالرابعة وهي عنده رابعة ثم شك بعد ذلك، فلا يضره الشك مع الاستنكاح، فأما لو صلاها على أنها ثالثة ثم شك هل هي رابعة فإنه يأتي برابعة وإن كان مستنكحاً. ويستوي في هذه الصورة المستنكح وغيره (¬3) إلا في مجرد (¬4) السهو، فهو ساقط عن المستنكح على أحد القولين؛ [يعني] (¬5) فكذلك إذا تيقن بالطهارة ثم شك في الحدث وهو مستنكح لم يضره وبنى على يقين طهارته. ¬
قال غيره: وإن كان شك في بعضه (¬1) غسله وحده إن كان مستنكحاً ولم يعد ما بعده وإن كان بحضرة الوضوء. وقال القاضي أبو محمَّد وغيره: إن المستنكح عندنا يبني على غلبة ظنه، فانظره هل هو وفاق لما قاله ابن محرز أو خلاف؟ وقوله: إن لم يكن مستنكحاً فعليه الوضوء (¬2)، ذهب غير واحد إلى أنه على الوجوب (¬3). وقال أبو يعقوب الرازي (¬4): بل على الاستحباب (¬5)، وهي معنى رواية ابن وهب عن مالك عند بعض شيوخنا في قوله: لا وضوء عليه (¬6)، أي واجب (¬7). وقيل: هما روايتان: [إحداهما] (¬8) الوجوب، وهو ظاهر المدونة لتشبيهه بمسألة الصلاة، والأخرى سقوطه. وقوله في منكس الوضوء: يعيد أحب إلي، وما أدري ما وجوبه (¬9). "أحَبُّ" هنا على بابها في التفضيل. ¬
والاختيار،/ [خ 15]، والهاء في "وجوبه" عائدة على الترتيب (¬1)، ويحتمل عودها على إعادة الوضوء. وقد تنوزع في أَحد (¬2) روايتي (¬3) علي بن زياد بإعادة الصلاة أبداً - ومثله في "كتاب أبي مصعب" (¬4) - هل هو خلاف هذا وقول في وجوب الترتيب، أو على القول بالإعادة بترك السنن عامداً؟ وسعيد المَقبُري (¬5)، بضم الباء، وهو قول أهل المدينة، منسوب إلى المقبُرة. ويقال فيه: مقبَري أيضاً بالفتح، وهو قول أهل الكوفة، ويقال مقبرة أيضاً (¬6)؛ نسب إلى ذلك لأنه كان يألف المقابر، ويقال: بل نزل بناحيتها. وحكي عن ابن لبابة فيه: مُقبَري، بضم الميم وفتح الباء، وأنكره غيره. وليس هذا بشيء ولا قاله سواه. وأبو معشر (¬7)، بفتح الميم. ونُعَيم بن عبد الله المُجْمِر (¬8)، بضم النون، وضم ميم المجمر الأولى وكسر الثانية وسكون الجيم، وسمي بذلك لأنه كان يجمر المسجد، أي يبخره. وقوله (¬9) فيمن ترك المضمضة والاستنشاق ومسح داخل الأذنين في ¬
الغسل من الجنابة كمن ترك ذلك في الوضوء. سقط "داخل" في كتاب ابن/ [ز11] عتاب وثبت لغيره، وبثبوته (¬1) تصح المسألة. ولم يكن في كتاب ابن وضاح، وإنما كان عنده: ومسح أذنيه، وقال ابن وضاح: طرحها سحنون؛ لأن المسح في الغسل إنما هو في داخلهما، قال إسحاق بن إبراهيم: داخلهما هنا (¬2) الصماخان وما والاهما، أي ثقب (¬3) الأذن، وأما بطونهما فكظهورهما في وجوب الغسل. قال بعض شيوخنا: إسقاط "داخل" خطأ غير صحيح. قال القاضي: ليس بخطأ, ولو كان خطأ لما اعتد (¬4) سحنون إسقاطه ليفسد مثله (¬5)، بل رأى سحنون أن إسقاطه أبين؛ لأن المسح إنما يختص بالصماخين، فلما تقرر هذا لم يحتج إلى ذكر قوله "داخل"؛ إذ هما الصماخان، فذكر "داخل" لغو عنده، فرأى إسقاطهما (¬6). ولا يفهم أحد أن داخل الأذنين غيرهما حتى يحتاج إلى ذكرهما ويكون إسقاطها خطأ (¬7). وليس يسمي أحد ما عدا الصماخين داخل الأذنين، وإنما يقال: باطن الأذن وظاهره (¬8). ¬
وأشار بعض متأخري الشيوخ (¬1) أن في قوله في الكتاب: "والأذنان من الرأس" (¬2) إشارة إلى القول بأنهما فرض كقول محمَّد بن مسلمة (¬3)، وأن معنى ذلك أنهما بعضه، فلهما حكمه. وليس كما قال؛ إنما أراد "من الرأس"، أي لهما حكمه في صفة المسح كما قال الجمهور، لا في وجوب المسح (¬4). وفي قوله (¬5) في المرأة: تمسح على الشعر المُرخي على خديها، وكذلك الطويل الشعر من الرجال، وفاق لما في "كتاب ابن حبيب" (¬6)، ودليل على غسل ما استرسل من اللحية كما حكى سحنون عن مالك (¬7)، وخلاف ظاهر ما في "العتبية" (¬8) وقولِ الأبهري (¬9). ¬
وقوله (¬1) في الذي قام لأخذ الماء أثناء (¬2) وضوئه: إن كان قريباً بنى، وإن طال وتباعد أخذه الماء وجف وضوؤه أعاد الوضوء من أوله، ذهب بعض الشيوخ (¬3) أن معناه أنه لم يُعِدَّ من الماء ما يكفيه فكان كالمفرِّط والمتغور (¬4)، ولو أعد ما يكفيه فأهريق أو غُصب لكان حكمه حكم الناسي؛ يبني وإن طال. وعلى هذا تحمل رواية ابن وهب (¬5) وابن أبي أويس (¬6) ....................................................... ¬
أنه يجزئ (¬1) إذا عجزه (¬2) الماء وإن طال،/ [خ 16] وحمله الباجي على الخلاف. وقال غيره: قد يحتمل أنهما سواء على قول من قال من أصحابنا: إن الموالاة فرض مع الذَّكر، وهذا ذاكر بكل حال (¬3). وقوله: "وجَفَّ وضوءه" (¬4)، حَدٌّ في الطول (¬5) على مذهب الكتاب. قيل: وهذا في الهواء المعتدل. وقيل: لا حد له إلا العُرف (¬6) وما يُرى أنه طول (¬7). وقوله في الذي نسي أن يمسح رأسه: "إن كان ناسياً وجف وضوؤه فلا يكون عليه إلا مسح رأسه"، حدُّ في قرب تكرار الترتيب لبعد ما (¬8) نسي في الوضوء، كحد الموالاة في تركه في العمد، فانظره وتأمل قوله في "المدونة". وقوله في شعر المرأة: "إن كان معقوصاً فلتمسح على ضَفْرها (¬9) "، بفتح الضاد، وهو فتل الشعر بعضه ببعض (¬10). والعقص جمع ما ضُفر منه قروناً صغاراً (¬11) من كل جانب (¬12). والحِنَّاء (¬13) ممدود. ¬
والدَلالين (¬1)، بفتح الدال. والوِقاية (¬2) بكسر الواو، وهي الخرقة التي تَلف المرأة شعر رأسها فيها (¬3) وتقيه من الغبار والشعَث، وأما بفتح الواو فالمصدر. وزيد بن الحُباب (¬4)، بضم الحاء المهملة وباءين بواحدة تحتهما. وقول عبد العزيز: "هذا من لحْن الفقه" (¬5)، كذا رويناه بسكون (¬6) الحاء. وكتبت من أصل الشيخ: قال سحنون: معناه من خطأ الفقه (¬7)، وهذا هو الصواب لا غير ذلك، ولا يلتفت إلى ما أشار إليه من قال: يريد بالخطإ قول/ [ز 12] من خالفنا, ولا قول من قال: من صواب الفقه، يعني قولنا (¬8)؛ لأن عبد العزيز لا يوافقنا في المسألة ويرى على من حلق الوضوء (¬9)، وهو قول غيره أيضاً (¬10). والجمهور من أئمة الفقه على خلافه. فإنما خطَّأ عبد العزيز قولَنا. ¬
وقوله: "كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد" (¬1)، هو عباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب (¬2)، بباء بواحدة وسين مهملة كاسم جده. والشيوخ يقولون فيه: عياش (¬3) باثنين (¬4) وشين مثلثة (¬5)، وهو خطأ، وإنما ذكره البخاري وغيره في باب عباس في حرف العين المهملة (¬6). وثلت المد هنا هو مد هشام (¬7)، وقد اختلف في قدره: أهو مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مدان غير ثلث، أو مد ونصف، أو مد وثلث (¬8)؟ وسليمان بن أبي زينب (¬9)، اسم المرأة صحيح. وقوله في القيء: "وما تغير عن حال الطعام غسله" (¬10)، أي تغير إلى أحد أوصاف النجاسة من الصورة أو الرائحة. ¬
والقَلَس (¬1) بفتح القاف واللام: رقيق القيء وابتداؤُه، وهو خروج الماء من المعدة إلى الفم؛ يقال: قلَس الرجل يقلِس - بفتح الماضي وكسر المستقبل - قلْساً بالسكون في المصدر، وبالفتح في الاسم (¬2). قوله في "العِرق يقطع" (¬3)، يريد به الفصْد (¬4). والقَرْحة (¬5)، بفتح الحاء (¬6) وسكون الراء: الجرح، وبغير الهاء بفتح القاف وضمها: الجرح أيضاً، وقيل (¬7) بالضم: ألم الجرح. ونكأَها (¬8) بهمز الألف، أي قشرها. والقَيح (¬9) بفتح القاف. وفي حديث عمر أنه "صلى والجرح ينْثَعب دماً"، بعد النون ثاء مثلثة، وآخره باء بواحدة. كذا رويناه هنا عن ابن عتاب، وعند ابن عيسى: يثعب (¬10)، ومعناه يندفع بالدم. وقوله في الترجمة: في الذيل والوطء (¬11) على الروث، كذا في كثير ¬
من الكتب بالذال. ورواه بعضهم: / [خ 17] في الزبل، بالزاي والباء بواحدة. ولم يكن نص الترجمة كذا عند ابن عتاب، ونص ما عنده: في الوطء على أرواث الدواب وخَثا البقر. وصوابه أَخْثاء (البقر) (¬1) [ممدود] (¬2)، أو خِثْيٌ للواحد، بكسر الخاء وسكون الثاء، وهو (¬3) روثها (¬4)، كذا ذكره ابن قتيبة. قوله: "فيمن وطئ بخفيه على دم أو عذرة: يغسله" (¬5). قال محمَّد بن يحيى بن لبابة (¬6): يريد دماً كثيراً. وهذا على الأصل في الدماء وما في القليل من بعضها من تنازع (¬7). والحارث بن نَبْهان (¬8) بفتح النون. والقَشْب بسكون الشين المعجمة (¬9)، وهو الرجيع (اليابس) (¬10)، وأصله الخلط بما يفسد، وقشُب الشيءُ إذا خالطه قذر. وسليمان بن مِهران (¬11) بكسر الميم، وهو الأعمش (¬12)، عن شَقيق بن ¬
سَلمة (¬1) بفتح الشين أولاً معجمة، وفتح السين في الثاني مهملة، وهو أبو وائل: "لا يتوضأ من مُوطَئ" (¬2)، بضم الميم، كذا رويناه، وبفتح الطاء وهمز آخره. وذكره عبد الحق، والأجدابي (¬3): "مَوْطِئ"، بفتح الميم وكسر الطاء والياء (¬4)، وهو بعيد. في حديث علي (¬5) في طين المطر: وكيع عن عيسى بن يونس (¬6) عن محمَّد بن مجاشع التغلبي (¬7)، كان في كتاب ابن المرابط (¬8). وعند ابن عتاب: عن محمَّد بن علي التغلبي عن أبيه، وتَخَرَّج بخط أبيه - أبي عبد الله -: عن محمَّد بن مجاشع (¬9). وقال: هي رواية ابن وضاح فيما بلغني. قال القاضي: وهو الصواب، وكذا ذكره البخاري وذكر له هذا ¬
الحديث الذي في "المدونة" بسند "المدونة" نفسه (¬1)، وضبط نسبه بتاء باثنتين فوقها وغين معجمة، من تَغْلِب بن وائل. وفيه (¬2): (عن) (¬3) أبيه عن كُهَيْل (¬4)، كذا صوابه،/ [ز 13] وهي روايتنا، بالهاء. وفي بعض النسخ: عن كُمَيل، بالميم، وكذا هو في كتاب ابن المرابط. وهو هنا خطأ. وكُميْل أيضاً من أصحاب علي، آخرُ (¬5). وفي كتاب ابن المرابط: ليس (¬6) ليحيى (¬7): "عن أبيه". ثم ذكر (¬8) في آخر الباب: وكيع عن مجاشع أبي الربيع التغلبي (¬9)، مثل النسب الأول، عن كُهيْل عن أبيه: رأيت علياً خاض طين المطر. فأخر قوله: "عن أبيه" خلافَ ما قال أولاً، كذا كتبته من كتاب ابن عباس (¬10)، وليس هو في كل الكتب (¬11)، وذكر الخبر عن مجاشع لا عن ابنه (¬12)، ولم يذكر وكيع بينه وبينه أحدا، خلاف ما تقدم (¬13). ¬
وقوله (¬1): "ماء المطر المستنقع"، بكسر القاف. وقوله (¬2) في المصلي يرى في ثوبه دماً يسيراً: "لو نزعه لم أر به بأساً"، معناه فيما (¬3) ليس في نزعه مشقة ولا شغل عن الصلاة، كنزع القلنسوة والرداء والعمامة والإزار وشبهه، مراعاة لخفة العمل وكثرته (¬4). والقابسي يقول بنزعه إذا شاء ولو كان قميصاً (¬5)، فرآه من العمل الذي هو من إصلاح الصلاة، لا يفسدها كثيره (¬6). وتأمل قوله: "يغسل قليل الدم وكثيره وإن كان دم ذباب"، وقولَه (¬7) في دم البراغيث: إذا تفاحش غسله، وإن كان غير متفاحش لم يغسل، قال: ودم الذباب يغسل. ففيه دليل على ما ذهب إليه ابن شعبان من التفريق بين دم البراغيث إذ لا ينفك منه (¬8)، وبين دم الذباب لأنه يندر. وظاهر هذا الكلام أيضاً غسل الدماء وإن كانت قليلة معفواً (¬9) في الصلاة عنها، كما في "كتاب ابن حبيب" (¬10)، وإنما يعفى عنه في حكم ¬
الصلاة إذا وقعت به، خلاف ما أشار إليه الداودي (¬1) / [خ 18] من أنه معفو عن غسله في القليل (¬2). وقوله (¬3) في المصلي بالنجاسة: يقطع الصلاة ويستأنفها بإقامة جديدة، كان مع إمام أو وحده. ليس هذا الالتفات إلى تجديد الإقامة؛ إذ لا تلزم المأموم، وإنما هو لتساوي حكم المأموم (¬4) والفذ في قطعها، إلا أن يكون ذلك بقرب ما أحرما فيستويان أيضاً في أنه لا إقامة عليهما، أو يكون الإِمام قد أكمل صلاته بمقدار ما نزع هذا ثوبه أو غسل ما به، فيستويان أيضاً في استئناف الإقامة. وذهب بعض الشيوخ إلى أن هذه المسألة تدل على أن كل من قطع صلاته لأمر أوجبه أنه يعيد الإقامة، قَرُبَ القطعُ من الإقامة الأولى أو بعد؛ لأنه إنما قصد بها أولاً ما قطع، فلا يصلي بها غير ما قطع، بخلاف إذا تأخر دخوله للصلاة بعد الإقامة قليلاً لعذر أو لدعاء أطاله لا لقطع. وقوله (¬5) في الذي يرى النجاسة في ثوبه قبل أن يدخل في الصلاة، قال: "هو مثل هذا كله يفعل فيه كما يفعل فيما فسرت لك". كذا وقعت المسألة مبتورة (¬6) في أكثر الروايات، وتمامها في بعض الروايات وكذلك في ¬
"المبسوط": "فنسي حتى دخل في الصلاة" (¬1). وكذا كانت مخرجة في كتاب القاضي أبي عبد الله (¬2)، فالجواب فيها جوابه في التي قبلها (¬3). وخولة (¬4) بنت يسار، بفتح الخاء المعجمة. وأبوها بياء باثنتين تحتها مفتوحة وسين مهملة خفيفة. وقوله (¬5): "عرَّسنا مع ابن عُمر بالأَبواء"، مشددُ الراء، وهو النزول بالليل للنوم. وقيل: بل يختص بالنزول آخر الليل" (¬6). (والأبواء) (¬7) بفتح الهمزة وسكون الباء بواحدة، ممدود: موضع من عمل المدينة على مرحلة من الجحفة (¬8). وأَمْر ابن عمر في هذا الخبر / [ز 14] للمصلي - وفي ثوبه احتلام - بالإعادة بعد خروج الوقت خلافٌ عند بعض الشيوخ لقول مالك. وهو دليل ¬
قول سحنون في "الكتاب" (¬1). وقال بعضهم: لعل المصليَ به كان عالماً به، جاهلاً بما يلزمه، فيكون وفاقاً. وقوله (¬2) في باب الجبائر: "والمرارة بهذه المنزلة"، كذا رويناه من طريق ابن وضاح وابن قاسم (¬3) عن سحنون، يعني مرارة (¬4) الحيوان يُكسى بها الظُّفر إذا سقط أو إذا اعتراه داء، كالمسألة التي قبلها في الجبائر (¬5). ورويناه من طريق إبراهيم بن باز عن سحنون: "والمرأة كذلك" (¬6)، يعني أنها كالرجل. وحذيفة (¬7) بن اليمان بغير ياء، واسمه (¬8) حُسيل، مصغر. وقوله (¬9): "بال قائماً ومسح على خفيه"، يعني حين توضأ، والحديث معروف (¬10). وجباب أَنْطابُلس (¬11)، بفتح الهمزة، بعدها نون ساكنة، وضم الباء بعدها بواحدة، وبالطاء والسين المهملتين. ¬
والجِباب بالجيم المكسورة: المَواجز (¬1)، وهما سواء في عرف الاستعمال، وهي الماقع (¬2) المتخذة لجمع مياه المطر، وأصله البئر التي لا عمق (¬3) لها (¬4). والحَمْأة (¬5) بسكون الميم والهمز. وقوله (¬6): "وسئل عن رجل أصابته السماء حتى استنقع منها الماء"، كذا هو "رَجُلٌ" في روايتنا، بفتح الراء وضم الجيم؛ أي سئل عن رجل نزلت به هذه النازلة. وعلى هذا اختصر المسألة المختصرون. وقاله بعضهم: "رِجْل" بكسر الراء وسكون الجيم، وتأوله موضع رِجل إنسان أو بهيمة في الطين استنقع فيها ماء المطر. وقيل: بل المراد رِجْل جراد (¬7) أصابته سماء ثم استنقع من الماء الذي أصابه (¬8) شيء/ [خ 19] وسمعت القاضي أبا عبد الله بن حمدين (¬9) يقول: إنما هو رِجَلٌ، بكسر الراء وفتح الجيم، وهي ¬
مسايل المياه (¬1) من الجرون (¬2). والأول أشهر وأبين، لا سيما مع قوله (¬3): "فإن جف ذلك الماء؟ قال يتيمم". فدل أنه لم يقصد المسايل ولا الجراد، وإنما قصد ماء سماء استنقع في أرض (¬4). وقوله (¬5): "إنه يخاف أن يكون فيه زِبل؟ قال: لا بأس به". لم يرد أن هذا في الطرق الجوادَّ (¬6) والتي (¬7) في المدن (التي) (¬8) تكون فيها الزبول وأرواث الدواب؛ لأنه لا يأمر (¬9) بالتيمم من تلك ولا يجيز الصلاة فيها إلا من ضرورة، وإنما أراد غيرها من الأرضين، وإن جوز (¬10) أن يكون فيها زبل، بخلاف الطرق التي يكثر فيها. مسألة (¬11) مياه "الفلوات يصيبها الرجل قد أنتنت ولا يدري من أي شيء" (¬12)، حمل أبو محمَّد بن أبي زيد (¬13) جواب ابن القاسم فيها أنه لا ¬
بأس به - كما جاء في غير (¬1) "المدونة" - لقوله بعد مسألة البئر تنتن من الحمأة ونحو ذلك: "إنه لا بأس من الوضوء (¬2) منها، قال: وهذا مثله" ويحتمل أن يكون معنى "مثله": إن كانت أنتنت من حمأة ونحوها, ولم يجب على مسألة (¬3) إذا لم يدر عم (¬4) أنتنت، ولهذا اختصر البراذعي (¬5) الجواب فيها: "لم يدر مم أنتنت (¬6) " (¬7). ¬
مسألة (¬1) اغتسال الجنب في القصرية وقوله: "لا خير فيه". حمله ابن أبي زمنين عن بعض شيوخه على أنه دخلها قبل غسل ما به من أذى (¬2). وحمله أبو محمَّد على أنه وإن لم يكن في بدنه أذى، قال: "لأنه كماء تُطُهر به مرة" (¬3). وهذا أسعد به؛ لأنه مثل جوابه في الماء المستعمل سواء. وذهب بعض الشيوخ (¬4) إلى أن جوابه في الكتاب فيها أنه لم يفعل، فلذلك شدد ابتداء عليه لما ورد من النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، ولو سئل عمن فعل ذلك لكان جوابه فيها كجوابه في مسألة الحوض أنه إن كان غسل ما به من أذى، وإلا أفسدها (¬5) / [ز15]. وفي حديث القاسم (¬6) وسالم (¬7): "فأنْزَلاه إلى نظرك" (¬8)، بقطع الألف وفتح الزاي، على خبر (¬9) الماضي، حكاه عنهما الراوي (لسائله ¬
الذي خاطبه) (¬1). وعطاء بن مِيناء (¬2)، بكسر الميم، ممدود، وإن كان لفظ الميناء - وهو مرفأ السفن - يمد ويقصر. ومعاوية بن حُدَيج (¬3)، بحاء مضمومة مهملة، بعدها قال مهملة مفتوحة، وياء التصغير، وآخره جيم. وفَرَسٌ عُرْيٌ (¬4)، بضم العين وسكون الراء: لا آلةَ عليه. والفَسقية (¬5)، بفتح الفاء والتشديد: شبه الحوض (لكنه مستطيل، وقيل: هما سواء) (¬6). ¬
وبُكير بن الأشج (¬1) بالشين المعجمة والجيم. وكل ما في هذا الكتاب (¬2): عَلِيٌّ، بفتح العين وكسر اللام: الإسم المشهور، إلا "عُلَيّ بن رَباح (¬3) "، وابنه موسى بن عُلَي (¬4)، فهذا يقال بالضم وفتح اللام على التصغير، ويقال مكبر (¬5) أيضاً، وقال البخاري: والفتح (¬6) الصحيح، وفي باب علِي بالفتح أدخله (¬7). وكان ابنه موسى يقول: لا أجعل في حِلٍّ من صغر اسم أبي (¬8). وجده رَباح بفتح الراء وباء بواحدة، هذا هو الصحيح والمعروف الذي سواه خطأ. وكان بعض شيوخنا يرويه بالوجهين: الأولِ، وكسر (¬9) الراء وياء باثنتين تحتها، وحكاه/ [خ 20] لنا عن أبي مروان بن سراج (¬10)، وحكاه لنا عنه أيضاً ابنه أبو الحسين شيخنا (¬11) ............................. ¬
أيضاً (¬1). وقوله (¬2) في الجنب ينتضح من غسله في إنائه: "لا بأس به ولا يستطاع الاحتراس (¬3) من هذا". وذكر محمَّد (¬4) ابن سيرين فيه: "إنا لنرجو من رحمة ربنا ما هو أوسع من هذا". ظاهره ما انتضح من الأرض. وعليه حمله الناس. وهذا إذا كان المغتسَل طاهراً أو منحدراً (¬5) لا تثبت فيه نجاسة، فإن لم يكن كذلك - وكان يبال فيه ويستنقع الماء فيه - فهو نجس, ويُنجس ما طار منه من رش الماء كما أصابه (¬6). وعلى كل حال فيكره البول في المغتسل، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه وقال: "إن عامة الوسواس منه". خرجه الترمذي (¬7). وقوله (¬8) في باب عَرَق الجنب والحائض: [ابن وهب] (¬9): "أخبرني ابن لهيعة (¬10) ................................................... ¬
والليث وعمرو بن الحارث (¬1) عن يزيد بن أبي حبيب (¬2) عن سويد بن قيس أن أم حبيبة (¬3) "، كذا رواية شيوخنا. ووقع ليحيى: "عن سويد بن قيس (¬4) عن معاوية بن حديج (¬5) عن معاوية بن أبي سفيان (¬6): سمعت أم حبيبة (¬7) ". قال ابن عتاب: وهو الصواب. وقوله (¬8): وتَضْغَث المرأة شعرها، بفتح التاء والغين المعجمة، وسكون الضاد المعجمة، وآخره تاء مثلثة، ومعناه: تضمه وتجمعه وتحركه وتعصره عند غسلها بيديها ليداخله الماء (¬9). وضَفْر رأسها، بفتح الضاد وسكون الفاء، أي نواصيها وقرونها (¬10). وقوله (¬11): "ثلاث حفنات بكفيك، ثم اغمزيه" (¬12)، بالزاي، بمعنى ¬
تضغث أولاً، أي شدي يديك عليه واعصريه. وقوله بعد: "يَكْفيك"، فعل مستقبل في رواية ابن وضاح، وقال: كذا رده علينا سحنون. وهو الوجه والصواب. وفي رواية ابن باز: "بِكَفَّيْك" تثنية كف. ولا خلاف في الكلمة الأولى أنها هكذا (¬1). والحَشَفة (¬2) بفتح الشين: الكَمرة، وهو (¬3) رأس الذكر. والحارث بن نَبهان (¬4)، بفتح النون وسكون الباء. والحَقْن (¬5)، بفتح الحاء وسكون القاف: تَهيؤ الحدث للخروج، وثقله بالأسفل (¬6). وفي آخر الباب (¬7): ابن وهب عن السَرِي (¬8) - بفتح السين المهملة وكسر الراء - عن التيمي (¬9) عن عبيد الله بن عمر (¬10)، كذا عند ابن عتاب وابن المرابط. وفي كتاب ابن سهل: عبد الله - غير مصغر - لابن وضاح، ¬
وقال: هو الصواب (¬1). [ز 16] وأبو غُطَيف (¬2) الهذلي (¬3) عن ابن عمر، بضم الغين المعجمة وطاء مفتوحة مهملة. وقوله (¬4) في مسألة الذي نسي غسل رجليه وخاض نهراً فدلكهما: لم يجزه. قيل (¬5): لأنه ظن أنه أكمل طهارته فغسلهما بغير نية الطهارة ورفضهما (¬6). وقال القاضي أبو محمَّد: لأنه لم يقصده، وليس بمنزلة لو كان في المجلس - يعني متوَضَأه - لأنه ما دام فيه باقياً فحكم النية مستصحب، فإذا انقطع بنقض المجلس زال حكم النية الأولى واحتاج إلى أخرى. قال القاضي: وعلى هذا لو كان يتوضأ بضفة نهر أو بحر، فلما مسح برأسه نسي غسل رجليه، فغسلهما لحينه من طين أو غيره لأجزأه، لاتصال العمل. وقوله (¬7) فيمن أصابه غَثيان في الصلاة، بفتح الغين المعجمة والثاء المثلثة والياء باثنتين من أسفل بعدها: هو تحرك المعدة وتَهَوّعُها (¬8) للقيء/ [خ 21]. وفي الصلاة بثياب أهل الذمة (¬9): "وكيع عن فضيل بن عياض (¬10) "، ¬
كذا رويناه. وكان في أصل ابن عتاب: ابن وهب عن فضيل. وهو وكيع مُصْلَح في أكثر الأصول. ووجدت في بعض أصول شيوخنا عن ابن وضاح: ليس لابن مهدي (¬1) في الوضوء ولا في الصلاة ولا في البيوع - يعني في "المدونة" - (شيء، إنما هي لوكيع. وليس لوكيع في الصيام ولا في الزكاة ولا النذور ولا الشهادات شيء، إنما هي لابن مهدي) (¬2). قال ابن وضاح: فأما التي في كتاب وكيع فقرأها - يعني سحنون - عليه في كتابه. وأما التي لابن مهدي، فأخبرني موسى (¬3) أن سحنون أخذها منه - يعني مناولة -. وقوله (¬4) فيمن تيمم على موضع نجس قد أصابه (¬5) البول أو العذِرة (¬6): "يعيد ما دام في الوقت"، وشبَّهه بمن توضأ بماء غير طاهر أنه يعيد ما دام في الوقت، وهذا قوله فيما لم يتغير من الماء. والماء يحمل قليل النجاسة وغير الماء بخلافه. وظاهر "المدونة" أنه محقق النجاسة لقوله: "بول" (¬7)، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب وأصبغ أنه متى علم بالنجاسة أعاد أبداً (¬8). وهذا مذهبه في الكتاب في المتوضئ بالماء النجس الذي لم يتغير ¬
أنه إنما يعيد في الوقت إذا لم يعلم كما بينه في كتاب الصلاة (¬1). وكله خلاف قول أصبغ في (غير) (¬2) "الواضحة" أن المتيمم بالتراب النجس يعيد أبداً كالمتوضئ بالماء المتغير (¬3). وقد اختلف تأويل الشيوخ في معنى مسألة الكتاب: ففسره أبو الفرج (¬4) أنها لم تكن ظاهرة (¬5)، ولو كانت ظاهرة (¬6) كانت كالماء المتغير بنجاسة؛ تعاد (¬7) منه أبداً. قال القاضي: وأصل مذهبنا أن الماء بخلاف غيره في هذا لدفع الماء عن نفسه. وقال أبو بكر النعالي (¬8): معنى ذلك أن الماء يتوصل إلى حقيقة نجاسته بالحواس، والصعيدُ لا يعلم ذلك فيه، وإنما تعلم طهارته بالاجتهاد، فإذا تيمم باجتهاده فقد ودى فرضه. ولو أمرناه بالتيمم على أرض أخرى لنقلناه من اجتهاد إلى اجتهاد آخر (¬9). ¬
وهذا ضعيف جداً؛ لأن القدر الذي يتوصل إليه بالحواس في الماء هو ما غلب عليه من النجاسات، وذلك يتوصل (¬1) إليه في التراب، ولأن الاجتهاد في المياه تجويز (¬2) طروّ النجاسات التي لم تغيرها عليها (¬3) ممكن تجويزه في الأرض أيضاً، مع أن ما تحل فيه النجاسة من الأرض في جنب الطاهر منها قليل، وهو في الكثير غير معتبر، مع أن اعتبار التجويزات بغير علامات لا أصل له في الشرع، وهو من الوسواس. وقيل معنى قوله في الكتاب بإعادة الوقت (¬4) أن الأرض تُسَفَّي عليها الرياح التراب، فقد اختلط النجس منها بغيره (¬5). وكأن مذهب حمديس (¬6) في قوله: إن التيمم على الأرض النجسة مختلف فيه هل يعيد أبداً؟ أن (¬7) الأرض وإن لم تظهر فيها النجاسة بخلاف الماء؛ يحمل الماء (¬8) النجاسات ما لم تغلبه. وقد يكون عندي معنى قوله: يعيد في الوقت وتخفيفُه (¬9) الأمر مراعاةً ¬
لخلاف من يقول: إن جفوف الأرض طهورها. وهو مذهب الحسن ومحمد بن الحنفية (¬1) والكوفيين، ويقولون (¬2): الشمس تزيل النجاسة، لكنهم يمنعون التيمم عليها ويجيزون الصلاة عليها. وفي حديث (¬3) ثمامة: سحنون عن ابن وهب وابن نافع عن عبد الله (¬4)، كذا عند شيوخنا، وكذا في أصل ابن عتاب خارجاً، وقال: كذا عند إسحاق (¬5)، وفي داخل كتابه (¬6): وأخبرني ابن نافع/ [خ 22] عن عبد الله. وسقط ابن نافع من كتاب درّاس (¬7)، وعنده: ابن وهب وحده. ¬
وثُمامة (¬1) - بثاء مثلثة مضمومة - ابنُ أُثال، بضم الهمزة وتاء مثلثة أيضاً، كذا رواية شيوخنا، وهو المعروف في اسمه واسم أبيه، وهو الذي ذكره أهل علم الأثر. ووقع في بعض روايات الأندلسيين في اسمه: أُثاية - بضم الهمزة وبعد الألف ياء باثنتين تحتها - وأنكر ذلك ابن وضاح (¬2). ورعَفَ (¬3) يرْعُف بفتح الماضي وضم المستقبل، وهي اللغة الفصيحة. وقيل: رعُف بالضم فيهما (¬4). وأصل اشتقاق الرعاف من السبق لسبق الدم إلى أنفه. ومنه رعف فلان الخيل: إذا تقدمها (¬5). وقيل من الظهور (¬6). وقاء (¬7) واستقاء - ممدود مهموز الآخر - وكذلك يقيء. والقيء مهموز الآخر. وأبو الخير اليَزَني (¬8)، بفتح الياء أخت الواو في نسبه، وزاي مفتوحة بعدها نون. وقول ابن المسيب (¬9) فيمن لم ينقطع عنه الدم: "يومئ إيمآء" مهموز أيضاً. ¬
ذهب ابن مسلمة أنما يومئ من يضر به ذلك ويزيد (¬1) مرضاً سجوده (¬2)، وبه فسر قول ابن المسيب هذا، فلم يراعي (¬3) تَمْريث (¬4) ثيابه لو كان لا يضره. وقال ابن حبيب: يومئ وليس عليه أن يركع ويسجد فتتلطخ ثيابه (¬5). وخلافهما في هذا التأويل على الخلاف في مراعاة الضرر في المال (¬6)، وهو أصل تنبني عليه مسائل من الصلاة وغيرها. ولفظه في "المدونة" (¬7) في بناء الراعف يدل من أول مسألة (¬8) على بنائه وإن كان فذا. ومثله في الصلاة الأول في باب النفخ في الصلاة (¬9)، وكذا تأول ابن لبابة مذهبه (¬10) في الكتاب كما جاء في "العتبية" (¬11) ونصه ¬
ابن مسلمة (¬1) وأصبغ (¬2) خلاف ما قاله ابن حبيب (¬3). واختلفوا في تأويل مذهبه في الكتاب متى يبني (¬4)؛ فقيل: إن مذهبه فيه أنه لا يصح له البناء إلا لمن صلى ركعة بسجدتيها ورعف في الأخرى كما في "العتبية" (¬5)، وإلا لم (¬6) يبن وابتدأ صلاته بإقامة وإحرام. وقيل: بل مذهبه بناه (¬7) على الإحرام وإن لم يتم ركعة. وقيل: بل ظاهر قوله لا يبني على إحرام ولا غيره إلا في الجمعة (¬8). قال شيخنا أبو الوليد: وهو ظاهر "المدونة" عندي كما في رواية ابن وهب (¬9). ومسألة (¬10) الجوربين (¬11)، كذا في "المدونة" - في بعض النسخ - الجوربين، أول المسألة، مكان الجرموقين. وفي نسخ: الجرموقين، حيث وقع، ولم يذكر الجوربين (فيه) (¬12) إلا من جهة المعنى والصفة في قوله: ¬
إن كان أسفلهما وأعلاهما جلد مخروز. وباللفظين أول المسألة رويناهما عن ابن عتاب. وسبب إثباتها (¬1) في بعض الروايات وسقوطها من بعضها ما ذكر بعض المختصرين الجوربين وأسقطه غيره، وتفسير (¬2) من فسر الجرموقين بالخف الغليظ (¬3)، أو بلبس خف على خف (¬4) خارجاً (¬5) من "المدونة", لأنه أدخل المسألة بإثر مسألة: من لبس خفين على خفين، قال: "يمسح الأعلى منهما (¬6) "، ثم قال ابن القاسم: "وكان مالك يقول في الجرموقين" (¬7)، وساق المسألة. وهما عند ابن القاسم بمعنى الجوربين، وأنهما خفان من غير جلد خرز عليهما جلد على ما جاء في كلامه في الكتاب (¬8). وقال بعض المتأخرين من البغداديين (¬9): إن قول مالك/ [خ 23] اختلف في المسح على الخفين يلبسان على خفين، وأرى ذلك مما ذكرناه من سياق مسألة الجرموقين بإثر المسألة وكون ذلك عندهم خفان على ما تقدم (¬10). وقال بعض المتأخرين: إنما اختلف قوله إذا لبس الأعليين قبل أن يمسح على ¬
الأسفلين، وأما إن كان مسح على الأسفلين فلا يختلف في جواز المسح على الأعليين، وإليه ذهب اللخمي (¬1)، وظاهر قول البغداديين خلافه. وقوله (¬2): "إن ابن عمر "قال": يمسح أعلاهما وأسفلهما"، كذا أكثر روايتنا، وعند ابن المرابط: "كان". وقول عمر في آخر باب المسح على الخفين (¬3): "أو أقصَى سفري"، بصاد مهملة مفتوحة، كذا في الأصل العتيق - كتاب أبي عبد الله بن عتاب المقروء على ابن وضاح وروايةِ ابنه شيخنا عنه - وفي أخرى: أقضِيَ، بضاد معجمة مكسورة (¬4)، وكذا في أصل شيخنا القاضي أبي عبد الله التميمي. والتيمم (¬5) معناه القصد، قال الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا} (¬6) أي: اقصدوا، {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} (¬7) أي: لا تقصدوه (¬8). وقوله في صفات التيمم (¬9): "ويُمرهما أيضاً من باطن المرفق إلى الكفين (¬10) "، .................................................. ¬
ثم قال (¬1): "ويمر أيضاً اليمنى على اليسرى كذلك". اختلف في تأويل ذلك: فذهب ذاهبون إلى أنه موافق لما في كتاب ابن حبيب من الوقوف في الذراع اليمنى إلى الكف، وأنه لا يمسح باطن (¬2) كفها (¬3) حتى يمسح بها ذراعه الأيسر (¬4) ويوفر ما فيها من الغبار لذلك (¬5)، لقوله: "ويمرهما إلى الكفين (¬6) ". وكذا كان في أصل ابن عتاب وأكثر النسخ، وعليه اختصر أبو محمَّد (¬7) وغيره (¬8)، وهو تأويله أيضاً (¬9). وفي كتاب غيرهم: "إلى الكف"، وكلاهما بمعنى (¬10)، وهذا أوجه (¬11)، وسقطت هذه اللفظة (جملة) (¬12) من كتاب ابن عتاب (¬13) ونسخ أخر، وتم الكلام عنده "من باطن المرفق" ثم قال: "ويمر اليسرى كذلك (¬14) ". ¬
وتأول آخرون أن معنى مسألة الكتاب مسح الذراع الأيمن (¬1) إلى آخر الأصابع بدليل قوله: "ويمر اليسرى أيضاً كذلك (¬2) "، ولا يختلفون في الانتهاء في اليسرى إلى آخر الأصابع، وتأولوا قوله: (ويمر اليسرى) (¬3) - في رواية من روى: إلى الكف أو الكفين، وزاد هذه الزيادة - أن معنى ذلك إلى جهة الكف سائراً إلى أطراف الأصابع (¬4). وأما على إسقاطها فتأويلهم بين، والأول بعيد منها. وقوله (¬5): "وإن تيمم المسافر في أول الوقت وهو يعلم أنه يصل إلى الماء في الوقت أعاد في الوقت إذا وجد الماء"، حملها غير واحد على أنه على يقين (¬6) من وجود الماء، وكذا اختصرها اللخمي (¬7). واختصرها حمديس: وهو يطمع (¬8)، وذكر قوله في "المبسوط" فقال: وهو يظن (¬9). وظاهر هذا أن الموقن بخلافه - على ما في كتاب ابن حبيب (¬10) - وأنه يعيد أبداً (¬11)، وأن الظان والطامع كالخائف (¬12) ألا يبلغ الماء (¬13). وجمع بين اللفظين بعض شيوخنا، وقال: إذا كان على يقين من الماء أو غلب على ¬
ظنه إدراكه، فرأى أن حكمهما سواء، والله أعلم. وبَكر بن سَوادة (¬1)، بفتح السين وتخفيف الواو وقال مهملة، ونسبه الجُذامي بذال معجمة. وقوله: "لك مثل سَهْم جَمْع" (¬2)، رويناه بفتح الجيم وضمها، والفتح الصواب. قال الأخفش (¬3): أي مثل سهم جيش، وقال أبو عمران: أي ¬
يجمع الله لك سهمين من الأجر، وأنكر قول الأخفش. وقيل: / [خ 24] مثل (¬1) أجر أهل "جمع"، وهي عرفة (¬2). ووجه رواية الضم بعيد. والمِرْبد (¬3) بكسر الميم: موضع بقرب المدينة على ميلين أو دونهما منها (¬4). والجُرُف (¬5) بضم الجيم والراء: موضع من جهة الشام قرب المدينة على ثلاثة أيام (¬6) منها (¬7). "والليث بن سعد عن معاذ (¬8) "، كذا عند شيوخنا، وكذا في موطإ ابن وهب، وهي رواية ابن باز وأكثرهم. وعند ابن وضاح - من غير رواية شيوخنا -: عن ابن معاذ. والأول الصواب، ولعله أصلحه. ¬
وقوله في منكَّس التيمم (¬1): "إن صلى أجزأه، ويعيد التيمم لما يستقبل"، قال بعض الشيوخ: هذا حرف مستغنى عنه؛ إذ لا بد من إعادته لكل صلاة نكسه أو لا. وقال غيره من الأندلسيين: لعل معناه: يعيد (¬2) ليتنفل به بعد فريضته (¬3)، فيعيده (¬4) له على سنته. وقال آخر: معناه: إذا تيمم مرة أخرى يفعله على سنته من الترتيب، ولا يعود للخطإ بتنكيسه. وقوله (¬5): "إن طمع أن يدرك الماء قبل مغيب الشفق" مع قوله: "والصلوات كلها" (¬6) - وسمى فيها المغرب -: "يتيمم لها في وسط الوقت" (¬7) إلى آخر المسألة، يدل أن مذهبه هنا أن للمغرب وقتين (¬8). وسقط "المغرب" من كتاب أحمد بن خالد. وقوله (¬9) في تيمم الجنب: "يغتسل لما يستقبل وصلاته تامة، وقاله سعيد بن المسيب وابن مسعود (¬10)، وقد كان يقول غير ذلك ثم رجع إلى هذا أنه يغتسل". قال أبو عمران: يريد أن ابن مسعود قد كان يقول قبل هذا: لا يتيمم الجنب ولا يصلي حتى يجد الماء ثم رجع إلى مثل قولنا. وقال ابن وضاح: كان يقول: لا يغتسل وإن وجد (¬11) الماء (¬12)، يريد: ¬
ويكفيه تيممه. ونحوه لابن أبي زمنين في تأويله (¬1)، وليس بصواب. وحكي النعالي أن معناه (¬2) أنه كان يقول: يغتسل ويعيد الصلاة، ثم رجع عن الإعادة (¬3). والذي ذهب إليه أبو عمران هو الصواب (¬4)، وهو المعروف من مذهب ابن مسعود، وذكره البخاري عنه وأصحابُ الخلاف. وإلى أن الذي رجع هو ابن مسعود ذهب هؤلاء والقابسي وغيرهم. وقد قيل: إن المراد بقوله: ثم رجع، هو ابن المسيب. قوله (¬5) في المسافر يريد يطأ (¬6) أهله وليس عندها (¬7) ماء تتطهر به من حيضتها: "وهما سواء". قيل: معناه الحرة والأمة لتفريق أهل العراق (¬8) بينهما. وقيل: المتوضئ وغير المتوضئ منهما سواء؛ لا يُدخلان على أنفسهما الحدث الأكبر حتى يكون معهما ماء إلا أن يطول أمرهما على ما تكلم عليه الشيوخ (¬9). ويحتمل عندي أن قوله: "وهما سواء"، أي هو والمرأة، كما قال بعد هذا في باب التيمم (¬10): حتى يكون معهما من الماء ¬
ما يكفيهما جميعاً، ومر (¬1) لسحنون في رواية ابن وضاح آخر الباب الأول قبل (¬2) هذا. ابن وهب عن جرير بن حازم (¬3) - بفتح الجيم وكسر الراء في اسمه، وفتح الحاء المهملة وبالزاي (¬4) في اسم أبيه - عن النعمان بن راشد (¬5). كذا رواه ابن وضاح، وكذا عند ابن عتاب. وحكى ابن أبي زمنين أن بعضهم رواه: ابن أبي راشد عن يزيد (¬6) بن أبي أُنَيْسة - بضم الهمزة وفتح النون وبالسين (¬7) المهملة مصغر. ونسبه الجزري، بفتح الجيم والزاي بعدها/ [خ 25] راء. والحَصباء (¬8) ممدود: هو الحصى، مقصور. وقوله في مسألة الطين (¬9): أيتيمم عليه ولا جفَفَ؟ - بفتح الجيم والفاءين معاً - يريد: وليس يجد تراباً جافاً. ¬
وقوله: "ويخفف ما استطاع" (¬1)، بالخاء، ويروى بالجيم. ومثله في "المختصر" (¬2) وجَمَعَهُما، قال: ويخفَّف موضع (¬3) يديه عليه ويجفِّفهما قليلاً (¬4). والصفا (¬5)، مقصور: الحجارة التي لا تراب عليها. والسبِخة (¬6): الأرض المالحة التي لا تنبت (¬7)، وإنما سأله عن هذا لأن مخالفنا - وهو الشافعي ومن وافقه - لا يجيز التيمم إلا بالتراب المنبت، وعليه تأول قوله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬8)، أي تراباً منبتاً، ويحتج بقوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} (¬9). ونحا إلى هذا ابن شعبان من أصحابنا. ومعنى الآية عند أئمتنا - على ما ذهب إليه معظم أهل اللغة - أن الصعيد كل ما علا وجهَ الأرض ما كان. والطيب: الطاهر. ويعضده قوله عليه السلام: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". وحكى ابن فارس (¬10) عن بعضهم أن الصعيد ما علا (¬11) وجه الأرض من التراب الذي لا ينبت (¬12)، واحتج بقوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (¬13). ¬
والكوع (¬1): (طرف) (¬2) عظم الذراع الذي يلي الإبهام (¬3). وقوله (¬4): فهو إلى أن نزع (¬5) بالرشاء ويتوضأ ذهب الوقت إنه يتيمم، يستفاد منه أنه لو لم يبق من الوقت إلا مقدار الوضوء - وهو إن تيمم أدرك الصلاة - أنه يتيمم. وإليه ذهب البغداديون (¬6) (¬7). وذهب القرويون (¬8) إلى أنه يتوضأ ولا يتيمم. وقالوا: الشغل بالرشاء شغل بأسباب الطهارة، والشغل بالوضوء شغل بنفسها، وبينهما فرق. والرشآء، ممدود: وهو الحبل (¬9). وقوله (¬10) فيمن تيمم وهو جنب من نوم لا ينوي به صلاة. كذا روايتنا فيه، وكذا رواه دراس وابن أبي زمنين والباجي وأكثرهم. ومعنى ذلك: تيمم لنوم، وكذلك فسرها ابن أبي زمنين وغيره، وكذا وقعت في رواية بعضهم ¬
باللام بينة، وعليه اختصر أبو محمَّد (¬1) وغيره (¬2). وهذه المسألة موافقة لما له في كتاب ابن حبيب أن الجنب إذا أراد أن ينام - ولا ماء عنده - أنه يتيمم (¬3)، ولا وجه لحجة من احتج به على منع الصلاة لمن توضأ وهو غير جنب لينام، على ما في كتب بعض شيوخنا البغداديين، وخلاف ما في كتاب ابن حبيب وغيره أنه يصلي به، وهو الصواب؛ لأن في ضمن وضوئه للنوم نية رفع الحدث لينام على طهر وغير محدث. ومسألة الكتاب هنا لم يتوضأ بهذه النية، وإنما توضأ لمجرد (¬4) السنة التي أُمِر بها الجنب؛ إما مخافة المس، أو ليكون على إحدى الطهارتين، أو لعله ينشط للغسل، على اختلاف في تأويل ذلك (¬5). ولأن هذا التيمم بدل من الوضوء، وهو لا يستبيح به شيئاً مما يمنع منه الحدث، والحدث الأكبر بأن عليه فكذلك بدله. الحيض (¬6)، قيل: أصله من قول العرب: حاضت السمرة إذا خرج منها ماء أحمر، فكأنه من الحمرة. قال القاضي: ولعل السمرة إنما شبهت بالمرأة. وقيل: الحيض والمحيض اجتماع الدم هناك، ومنه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه. وقوله (¬7) / [خ 26] في المرأة: أول ما ترى الدم "تقعد فيما بينها وبين خمسة عشر يوماً" (¬8)، ثم قال من رواية علي بن زياد عن مالك (¬9): "ثم هي ¬
مستحاضة"، إلى آخر المسألة، كذا رواية ابن وضاح، وليس عنده الرواية الأخرى. وزاد في رواية ابن قاسم وابن باز وأحمد بن داود: "وقد روى علي بن زياد عن مالك أنها تقعد بقدر أيام لِداتها، ثم هي مستحاضة" (¬1)، إلى آخر المسألة، قال ابن أبي زمنين عن ابن وضاح: أمر سحنون بطرح رواية علي هذه (¬2). ولداتها: بكسر اللام وبالدال المهملة المخففة (¬3): أقرانها وأترابها. وسقط في كثير من الروايات قوله: "ورواه علي بن زياد عن مالك" في القول الأول الذي ثبت عند ابن وضاح. قوله (¬4) في التي "رأت الدم خمسة عشر يوماً، ثم الطهر خمسة أيام، ثم الدم أياماً، ثم الطهر سبعة أيام: هذه مستحاضة". ذهب أبو محمَّد بن أبي زيد وبعضهم (¬5) أن مذهبه من هذه المسألة أن أقل الطهر ثمانية أيام كما قال سحنون (¬6). ولا دليل فيه، وظاهره أن السبعة ليست عنده طهراً (¬7). وقال بعض متأخري علمائنا من شيوخ بلدنا وغيرهم (¬8): إن مذهبه أن ¬
الطهر لا يكون أبداً أقل من الدم، وإنما يكون مثله أو أكثر؛ فقد ذكر أن دم هذه كان خمسة عشر يوماً، فلا يمكن أن يكون طهرها إلا خمسة عشر يوماً فأكثر. قالوا: ومعنى قوله: إنها رأت بعد السبعة دماً من جنس دم الاستحاضة التي رأت قبل؛ فلذلك جعلها مستحاضة، ولو رأت دماً تنكره كدم الحيضة لاعتدت بها حيضة؛ لأنه قد مضى لها من الخمسة أيام الأول (¬1) وهذه السبعة والأيامُ التي رأت فيها الدم بينها التي لم تعتد بها في الحيض قدر خمسة عشر يوماً أو أكثر مثل حيضها الأول أو أكثر. فهذا معنى المسألة عندهم. وإليه ذهب القاضي أبو عبد الله بن العجوز (¬2) - من شيوخ بلدنا - وحكاه عن بعض علمائنا (¬3) المتأخرين. وذهب غيره إلى ظاهر الكتاب كما قدمناه. وانظر قول بَكر القاضي (¬4): اتفق العلماء - إلا من شذ منهم - أن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، وقولَ القاضي أبي محمَّد: أقل الطهر خمسة عشر يوماً على الظاهر من المذهب (¬5)، (وانظر قول ابن مسلمة (¬6) ............ ¬
مثله) (¬1)، وانظر قول المغيرة وعبد الملك (¬2) وروايته (¬3) عن مالك: أقل الطهر خمسة أيام، وأقل الحيض خمسة أيام؛ فإذا قل هذا كثر هذا، وإذا قل هذا كثر هذا (¬4)، فهو خلاف قول الأشياخ، لكنهم إنما تكلموا على مذهب مالك وابن القاسم فانظره، فقولهم قول آخر في حد أقل الطهر أنه غير محدود، لكنه لا يكون أقل من الحيض. وهذا الوجه هو الذي يعضده الحديث، وأن المرأة لا يصح أن تحيض (¬5) أكثر من نصف دهرها. وقول أشهب في الحامل ترى الدم: "إلا ألا تكون استرابت من حيضتها شيئاً" (¬6)، كذا في كتاب ابن عتاب، وهي رواية الأندلسيين ويحيى بن عمر. وروى بعضهم: "إلا أن تكون استرابت" (¬7). قال الشيخ أبو محمَّد وغيره: رواية يحيى بن عمر الصواب (¬8). قال القاضي: وهي ظاهرة الصواب؛ لأنها متى لم تسترب من حيضتها شيئاً - لا في تأخير ولا في زيادة/ [خ 27] أو نقص - بَان أن الحمل لم يؤثر في حيضها (¬9) شيئاً ولا نقله (¬10) عن عادتها، فكأنها غير حامل فتستظهر؛ لأنا الآن رأينا تغير الحال، فنظرنا لها بهذا الاستظهار. ومتى استرابت بتغير حال ¬
في الحمل لم تحتج إلى الاستظهار؛ لأنا قد علمنا أن الحمل موجب التغير - وقد حققناه - فلا تستظهر (¬1). وبهذا ردوا الرواية الأخرى؛ لأنها عكس النظر وضد الصواب ونقضٌ لقوله بعده: "هي من أول ما حملت على حيضتها". وذهب أبو عمران (¬2) إلى تصحيح رواية: "إلاَّ أنْ"، أي أنها (¬3) لم تحقق حملها, ولم (¬4) تنتقل عن حالها إلا بيقين، قال: وقد وقعت كذا منصوصة لمالك في حامل استحيضت فشكت أن تكون أسقطت، قال: هي على حيضتها، فكأَن أشهب لما حكى قول ابن القاسم في نفي (¬5) استظهارها قال: وكذلك أقول أنا، إلا أن تكون استرابت من حملها. قال القاضي: لكن يظهر لي وجه يوفق بين الروايتين - إن شاء الله - فيحمل قوله: إلا أن تكون استرابت من حيضتها شيئاً، أي الآن. ثم قال: "هي من أول ما حملت على حيضها"، أي لم تستربه قبل من أول الحمل، فلما كان الآن استرابت حيضها؛ إما بضعف (¬6) الدم في صورته ولونه، أو قلته أو اتصال جريه، أو تغيراً (¬7) في نفسها أو توجع (¬8) تجد معه، أو غير هذا من خلاف عادتها قبل (¬9)، فتستظهر ها هنا، فانظره (¬10). ¬
وقول أشهب (¬1) "فإنها تقعد حيضة واحدة"، وقع في بعض الروايات: قيل لسحنون: ما معنى قوله: تقعد حيضة واحدة؟ قال: تنظر أيام حيضتها كما تصنع التي ليست حاملاً. ولم يكن في كتاب ابن عتاب ولا في كتاب ابن المرابط، وثبت في رواية (¬2) دراس وبعضِ (¬3) الروايات عن ابن وضاح. وفي آخر الباب (¬4) عن ابن شهاب: لا تصلي ما دامت ترى التَّرِيَّة عند الحيضة أو الحمل، هذا يشير إلى قول عبد الملك أنها إنما يحكم لها بحكم الحيض إذا كانت قبل الغسل، فأما بعده فلا حكم لها (¬5). وهي بتشديد التاء باثنتين من فوق، وكسر الراء، وتشديد الياء آخراً مفتوحة باثنتين من أسفل، وهي شبه الْغُسالة (¬6). وكذلك عنده (¬7) القطرة من الدم بعد الطهر. وقيل هي كالخرقة (¬8) التي بها تعرف الحائض طهرها (¬9). وقال الهروي (¬10): الترية: ¬
(الحيض) (¬1) الخفي اليسير أقل من الصفرة (¬2). وفي كتاب "العين": الترية ما رأت المرأة من صفرة أو بياض عند المحيض (¬3). وقال أحمد بن المُعَذَّل (¬4): الترية الدفعة من الحيض لا يتصل بها من دم الحيض ما يكون حيضة كاملة (¬5). وقال الداودي: الترية الماء المتغير دون الصفرة (¬6). وأما القصة (¬7) - بفتح القاف - فهو ماء أبيض يكون آخر الحيض، وبه يستبين نقاء الرحم. قال علي (¬8) عن مالك: هو شبه المني. وروى ابن وهب (¬9) عنه: شبه البول. وقيل هو كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله (¬10). وسميت قصة لشبهها بالقصة - وهو الجير - لبياضها. وذهب أبو عبيد الهروي إلى أن معناه أن يخرج ما تحتشي به الحائض نقياً لا يخالطه ¬
صفرة ولا ترية كأنه قَصّة (¬1)؛ فكأنه ذهب إلى النقاء والجفوف، وبينهما (¬2) / [خ 28] وبين القصة عند النساء وأهل المعرفة فرق بين. قوله في الحامل (¬3) تلد ولدا ويبقى في بطنها آخر: "تنتظر أقصى ما يكون بالنساء النفاس، ولزوجها عليها الرجعة. وقد قيل فيها: حالها كحال الحامل حتى تضع الثاني"، كذا في جميع نسخ "المدونة": وقد قيل. وفي "كتاب ابن سحنون" (¬4): وقد قال (¬5). ومعنى: كحال (¬6) الحامل، أي كحال الحامل ترى الدم على حملها على الاختلاف في ذلك (¬7). ولا خلاف أنها إذا جلست للأول (¬8) أقصى ما يمسك النساء النفاس على اختلاف قولي (¬9) مالك ثم ولدت الثاني أنها تجلس له ابتداء مثل ذلك. واختلف إذا ولدت الثاني قبل استيفاء أكثر ما يجلس النساء (¬10)؛ فقيل: تستأنف، وهو الأظهر، وإليه ذهب أبو إسحاق (¬11). وقيل: تبني على ما مضى للأول، وإليه ذهب ¬
أبو محمَّد (¬1) والبراذعي (¬2). ثم هذا الدم المعتبر المسمى دم النفاس لا خلاف أنه الدم التي يهراق بعد الولادة، وأما ما كان قبل خروج الولد فقيل: إنه غير دم نفاس، وحكمه حكم غيره من الدماء التي تراها الحوامل. واختلف فيما يهراق عند خروج الولد ومعه؛ فقل: ليس بدم نفاس حتى يكون بعده، وهو ظاهر قول عبد الوهاب: "والنفاس ما كان عقيب الولادة (¬3) ". وقيل: هو دم نفاس، ولا فرق بين ابتداء خروج الولد وانفصاله، وهو ظاهر قول كثير من أصحابنا من قوله (¬4): الدم الذي عند الولادة ومع الولادة. وكذلك اختلف فيه أصحاب الشافعي على قولين، ولم يختلفوا في الوجهين الأولين على ما ذكرناه (¬5). ¬
كتاب الصلاة الأول
كتاب الصلاة الأول اختلف في اشتقاق اسم الصلاة مم هو؟ فقيل: من الدعاء، وهو قول أكثر أهل العربية والفقه. وتسمية الدعاء صلاةً (¬1) معروف في كلام العرب وأشعارها، فسميت صلاة (¬2) لما فيها من الدعاء، كما سميت صلاة الجنازة صلاة وإن لم يكن فيها غير القيام للدعاء. ثم إن الشرع أضاف إلى ما فيها من الدعاء ما شاء الله من ركوع وسجود وأفعال (وأقوال) (¬3). وقيل: سميت بذلك من الصَّلَوَيْن، وهما عرقان في الردف. وقيل: عظمان ينحنيان في الركوع والسجود، ومنه (¬4) سمي المُصَلَّي من الخيل؛ لأنه يأتي لاصقا بصَلَوَي السابق (¬5). قالوا: ومنه كتبت الصلاة بالواو في المصحف. وقيل: لأنها ثانية الإيمان وتاليته؛ كالمصلي في الخيل من السابق. وقيل: لأنه متبع فعل النبي عليه السلام، فهو كالسابق، ومتبعه من بعده في صلاته كالمصلي. ¬
وقيل: سميت بذلك من الرحمة، والصلاة الرحمة، وهذا أيضاً موجود في كلام العرب وكتاب الله وحديث نبيه عليه السلام قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (¬1). فهي من الله رحمة، ومن الملائكة (والناس) (¬2) دعاء، وقال - عليه السلام -: "اللهم صل على آل أبي أوفى" (¬3)، أي: ارحمهم. وقيل: سميت بذلك من الاستقامة وقولهِم (¬4): صليت العود على النار إذا قومته (¬5)، والصلاة/ [خ 29] تُقِيم العبد على طاعة الله وخدمته وتنهاه عن خلافه؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (¬6). وقيل: أصلها الإقبال على الشيء تقرباً إلى الشيء، وفي الصلاة هذا المعنى. وقيل: معناها اللزوم؛ فكأن المصلي لزم هذه العبادة أو إنها لزمته. وقيل: لأنها صلة بين العبد وربه (¬7). ¬
معاني أركان الصلاة وأذكارها
معاني أركان الصلاة وأذكارها النية معناه (¬1): القصد للشيء، وهو في العبادات قصد فعلها قربة لله تعالى. والتحريم للصلاة معناه الدخول في حرمها وحرمتها، والحرمة ما لا يحل انتهاكه. ومعنى الله أكبر عند بعضهم: الله أكبر من كل شيء. وأبى هذا آخرون وقالوا: إنما يقع التفاضل بـ "أَفْعَلَ" بين متقاربين (¬2) في الشيء والمتشاركين (¬3) فيه، والله يتعالى عن ذلك، وإنما معنى أكبر هنا: الكبير. قالوا: وقد جاء أفعلُ بمعنى اسم الفاعل كثيراً؛ قال الله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (¬4)، أي هين. وقيل (¬5): بل جاء على نمط كلام العرب في الوصف في المبالغة، ولم يرد به المفاضلة. وحكمة تقديم هذا القول أمام فعل الصلاة تنبيها للمصلي على معنى هذه الكلمة التي معناها أنه الموصوف بالجلال وكبر الشأن، وأن كل شيء ¬
دون جلاله وسلطانه حقير، وأنه جل وتقدس عن شبه المخلوقين والفانين، ولِيَشْغَلَ المصلي خاطره بمقتضى هذه اللفظة ويستحقرَ أن يَذكر معه غيره، أو يحدث نفسه بسواه جل اسمه، وأن من انتصب لعبادته ومثُل (¬1) بين يديه أكبر من كل شيء يشتغل به أو يعرض بذكره (¬2) عما هو قد تفرغ له من طاعته. ومعنى رفع اليدين عند التحريم؛ قيل فيه معنى هذا، وهو نفضهما من كل شيء من أمور الدنيا وطرحه وراء ظهر المصلي ودبر أذنه. وقيل: بل هو عَلَم للتكبير ليَرَى ذلك مَنْ بَعُدَ فيَعلمَ تكبيرَ الإِمام وإن لم يسمعه؛ إذ سائر أفعال الصلاة اقتداءٌ بحركات لا تخفى على من بعد ومن قرب. وقيل: بل ذلك من تمام القيام. وقيل: بل لاستشعار عظيم ما دخل فيه واستهواله؛ إذ كل من استعظم أمراً تلقاه بيديه بتلك الهيئة. وقيل: بل علامة للتذلل والاستسلام. وهذه الوجوه على مذهب من رأى كونهما منتصبتين. وفي انتصاب الأصابع معهما أو حنوّهما قليلا خلاف بين من اختار إقامتهما. وقيل: بل ذلك إشارة إلى الخضوع والرهَب، وهذا على مذهب من رأى بسطهما وظهورُهُما إلى السماء، وهو الرهب. وقيل: بل إظهار للفاقة والسؤال وطلب الرحمة، وهذه عادة من بسطهما وبطونهما (¬3) إلى السماء قبل إرسالهما، فإذا أرسلهما مع التكبير ¬
قَلَبَهما، فجمع بين الرغب والرهب (¬1). والركوع أصله الخضوع، قال الشاعر: ولا تُعادِ الفقيرَ علَّك أن تر ... كع يوماً والدهرُ قد رفعه (¬2) وقيل: أصل معناه الخشوع، واستعمل في التطأطإ والانحناء في الصلاة, لأن فيه خضوعاً وخشوعاً. والسجود أيضاً (¬3) التطامن والميل، يقال: سجدت النخلة، أي مالت (¬4)؛ قال الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} (¬5)، وهو من معنى الخضوع،/ [خ 30] ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (¬6) الآية. ومنه الإسجاد، وهو إدامة النظر في فتور (¬7)، وفي الركوع والسجود هذا المعنى أيضاً من إلصاق أعز الأعضاء وأرفعها بالتراب - أهونِ الأشياء وأسفلها - في السجود والإشارةِ في الركوع إلى ذلك. والقنوت يقع على القيام، ويقع على الدعاء، ويقع على الصلاة، ويقع على العبادة وعلى الخشوع، ويقع على القيام على هذا كله والإقامة عليه، ويقع على السكوت، ويقع على الطاعة، ويقع على الإقرار بالعبودية، ويقع ¬
على الإخلاص (¬1). وكل هذا موجود في القنوت العرفي قي الصلاة؛ لأنه جمع قياما في صلاة (¬2)، ودعاء وخشوعا، وصمتا عن القراءة والكلام، وطاعة لله وإخلاصا لعبادته وتوحيده. ومعنى نستغفرك (¬3) أي نسألك الستر على ذنوبنا وترك المؤاخذة بها بعفوك ورحمتك لنا ونستدعي غفرانك. وأصل الغفران الستر، ومنه سميت الغفارة خرقة تخمر بها المرأة رأسها (¬4). ونخْنَع أي نخضع (¬5) ونضرع (¬6) ونلجأ. ونحفد (¬7)، بفتح الفاء وكسرها، بمعنى نسعى ونبادر إلى عبادتك وطاعتك، ومنه سمي الخدم حفدة لمسارعتهم ومثابرتهم على الخدمة. وفيه (¬8) معنى نحفد نخدم. وعذابك الجِد (¬9)، بكسر الجيم، أي الحق، وقيل: الدائم الذي لا يفتر. ويروى الجَد مصدر جَدَّ. وقوله: ملحق (¬10)، رويناه من طريق ابن باز بكسر الحاء، وعن ابن وضاح بفتحها (¬11) معا؛ فبالكسر بمعنى لاحق، وبالفتح بمعنى أن الله تعالى ¬
يُلحِقه الكافرين (¬1). وقوله في قنوت علي: "من يَفْجُرُك" أي يفتري عليك الكذب ويضيف إليك ما لا يليق بك. ومعنى التشهد (¬2) مأخوذ من الشهادتين المضمنة (¬3) فيه. والتحيات: جمع تحية وهي الملك، وقيل العظمة، وقيل الحياة، وقيل البقاء، وقيل السلام، وقيل التحيات لله: الممالك (¬4) لله، وقيل: معناها التحيات (¬5) كلها التي يُحَيى بها الملوك هو المستحق لها. وسمعت شيخنا أبا إسحاق بن جعفر الفقيه (¬6) يقول: إنما جمعت التحيات هنا ¬
لجمع (¬1) معاني التحية من الملك والبقاء والسلام (¬2). والزاكيات (¬3)، أي الأعمال الصالحات. والطيبات، أي الأقوال الطيبات. والصلوات لله، أي يراد بهذا كله وجه الله (¬4). (وقيل: معناه الرحمة من الله) (¬5). وقد يكون بمعنى أن ذلك (كله من تحية تعظيم وثناء جميل واخلاص لعبادة وعمل صالح وصلاة لا يصلح ذلك) (¬6) لغير الله ولا يستحقه إلا الله جل اسمه. وقيل: معنى الصلوات هنا الرحمة، أي لله التفضل بها والوصف الجميل ببذلها (¬7). وقد يكون معنى ذلك الدعوات والتضرع والرغبة لله (¬8). ومعنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها (الدعاء، وهو من الله تعالى له رحمة، ومن الملائكة والعباد دعاء. ومعنى السلامِ على النبي فيها) (¬9) ¬
والسلامِ ومنها وقيل (¬1): المراد به اسم الله، ومعناه هنا تعويذه بالله، أي أعوذ بالله، كما يقال: الله معك. وقيل: معناه السلامة والنجاة لكم (¬2) كما قال: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} (¬3). وقوله آمين (¬4)، المعروف فيه المد/ [خ 31] وتخفيف الميم، ومعناه استجيب لنا. قيل: هي كلمة عبرانية عُرَّبت مبنية على الفتح، وحكى ثعلب فيه: أمين، بالقصر، وأنكره ابن درستويه (¬5) وقال: إنما جاء ذلك في ضرورة الشعر (¬6). وقيل: بل هو اسم من أسماء الله. وقيل معناه يا آمين استجب لنا، والمَدة مدة النداء عوض الياء. وحكى الداودي: آمّين بالمد وتشديد الميم (¬7)، وقال: إنها لغة شاذة. وقد ذكر ثعلب أنها خطأ (¬8). ¬
ومعنى سمع الله لمن حمده، أي أجاب الله دعاء من حمده. وقيل: المراد بها الحث على التحميد. قال القاضي (¬1): يظهر لي أن تردد قول مالك في اختيار جواب هذا بربنا لك الحمد، أو: ولك الحمد، إنما كان لاختلاف الآثار بذلك، أو على التردد بين المعنيين المتقدمين؛ فإذا جعلنا سمع الله لمن حمده بمعنى الحث على الحمد كان الوجه في الجواب: ربنا لك الحمد، دون واو؛ لأنه مطابق لما حث عليه وامتثال لما ندب إليه. وعلى التأويل الآخر الأَوْلى إثبات الواو؛ لأنه يتضمن تأكيد الدعاء الأول وتكراره بقوله: ربنا، أي استجب لنا أو اسمع (¬2) حمدنا. ثم يأتي بالعبادة التي دُعِي بالاستجابة لقائلها - وهو الحمد - فيقول: ولك الحمد (¬3). وقيل: معنى ذلك على إلهامنا ذلك واستعمالنا له. ومعنى التسبيح التنزيه، وسبحان الله، معناه: تنزيهاً لله عَزَّ وَجَلَّ عن كل ما لا يليق به. وقولهم: وبحمده أي بحمده سَبَّحْنَاه، أي نحمده على استعمالنا لذلك. ومعنى الأذان: الإعلام، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬4)، وقال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (¬5). قال ابن قتيبة: وأصله من الإذن (¬6)، كأنه أودع ما أعلمه إذنه، فالأذان إعلام بدخول الوقت والاجتماع للصلاة وأن الدار دار إيمان. و"كان النبي عليه السلام إذا غزا قوماً؛ فإن ¬
سمع أذانا أمسك، وإلا أغار" (¬1). ففي معنى الأذان الإعلام بهذه المعاني الثلاثة من شعار الإِسلام ودخول الوقت والاجتماع لصلاة الجماعة. وقد رتب الشرع الأذان على ترتيب عقيدة الإيمان وطواه على جمل فصولها؛ من إثبات الذات وصفاتها الذاتية؛ لقوله (¬2): الله أكبر. وإثبات الوحدانية والإلهية الواجبة لها ونفي الشركة المستحيلة عليها بكلمتي (¬3) الشهادة، وهذه (¬4) عمدة قاعدة التوحيد والإيمان المقدمة على جميع وظائفه. ثم إثبات الرسالة لنبينا عليه السلام، وموضعُها في الترتيب بعد ما تقدم من إثبات الذات وما يجب لها وما يستحيل عليها - ولأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع. ثم الدعاء إلى الشريعة من الصلاة - ورتبتها بعد إثبات النبوة - لأن ذلك عُلِم من جهته عليه السلام. ثم الحث والدعاء إلى الفلاح الذي هو البقاء في النعيم الدائم، والإشعار - أثناء ذلك - بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر فصول العقائد الإِسلامية. فقد انطوت - على اختصار كلماتها وقلتها - على ما يحتمل بسطه في عدة مجلدات، وانطوت على ذلك الإقامة أيضاً، ليدخل العبد في الصلاة مجددا لعقائده، وذاكرا لها بقلبه ولسانه، ومخلصاً لله في عبادته وصلاته (¬5). وتقدم معنى الله أكبر. ومعنى حي على الفلاح، أي هلم وأقبل. وقيل: / [خ 32] عجل وأسرع، ومعنى الكلمة التحضيض والحث. والفلاح هنا: الفوز بالنعيم. وقيل: البقاء والخلود. ¬
ومعنى الإقامة (¬1) أي إلى الصلاة؛ لأن المؤذن يقيمهم (¬2) إلى أدائها بدعوته وإعلامه بدخول الإِمام فيها. ومعنى قد قامت الصلاة (¬3)، أي استقامت عبادتها وآن الدخول فيها. وقد يكون المعنى: قد آن القيام لها، والمراد القائمون (¬4)، أي جماعة أهل الصلاة. وقد يكون أيضاً معنى قامت الصلاة: دامت وثبتت. ومعنى التثويب الرجوع؛ فمن جعله قوله: الصلاة خير من النوم (¬5)، فكأنه عاد إلى الحض على فعل الصلاة التي بدأ بها قبل، ثم قال: حي على الفلاح، ثم عاد إلى الحث والحض على الصلاة بقوله هذا. وقال بعضهم: إنما التثويب المشعر (¬6) بحضور الصلاة بعد المؤذن؛ كانَ إذا قَرُبت صعد المنار ثم قال: الصّلاة يرحمكم الله. وكان يُفعل هذا للأمراء ليخرجوا عند اجتماع الناس وتمكُّن الوقت، وكان المؤذن يَقرن بهذا السلامَ على الأمير، قيل: فكان مُثَوِّباً، أي عائداً للدعاء للصلاة بعد المؤذن. ¬
أوقات الصلاة وأسماؤها
أوقات الصلاة وأسماؤها (¬1) سميت الظهر من وقتها، وهو شدة الحر عند الزوال، يقال له ظُهر وظَهيرة، وكأنه وقت ظهور زوال الشمس عن حال وقوفها في كبد السماء، أو حال غاية ارتفاعها، والظهور: الارتفاع. وقيل: سميت ظهراً لأن وقتها أظهر الأوقات وأبينها. وتسمى أيضاً الهجير (¬2). وقد جاء اسمها في الحديث بذلك، مأخوذ من الهاجرة أيضاً، وهو (¬3) شدة الحر. وتسمى الأُولى لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي عليه السلام. والعصر: العشي، وبه سميت صلاة العصر، وفي الحديث: "إحدى صلاتي العشيّ" (¬4). وقيل: سميت بذلك لأنها في أحد (¬5) طرفي النهار، والعرب تسمي كل طرف من النهار عصراً. وتسمي الغدوة (¬6) والعشي ¬
عصرين (¬1)، وفي الحديث: "حافظ على العصرين: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها" (¬2)، يريد الصبح والعصر. وقيل سميت بذلك لتأخيرها (¬3). والمغرب سميت بذلك لكونها عند غروب الشمس، والمراد غروب شخصها وقرصها لا ضوؤها، وهذا اسمها المختص بها, ولا يقال لها العشاء لا لغةً ولا شرعاً، وقد جاء في الصحيح النهي عن تسميتها عشاء (¬4). والعتمة هي صلاة العشاء؛ سميت بذلك من الظلام. والعِشاء، بكسر العين، ممدود: أول الظلام (¬5)، وهذا اسمها في القرآن. وجاء اسمها في الحديث العتمة بقوله: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوْهُما ولو حبواً" (¬6). وجاء أيضاً النهي عن تسميتها عتمة (¬7)، وسميت بذلك من عتمة الليل وهي ثلثه، وأصله تأخيرها؛ يقال: أعتم القوم ¬
إذا ساروا حينئذ. والعتمة: الإبطاء (¬1). وصلاة الصبح سميت بذلك من أول النهار، وهو الصبح والصباح. وقيل: بل من الحمرة التي فيه عند ظهوره، وبها سمي الصبح (¬2). وقال ابن فارس: ويقال: إن صباحة الوجه/ [خ 33] إنما سميت للحمرة (¬3)، والصبح الحمرة. وتسمى أيضاً صلاة الفجر - وهو الضياء المعترض في الأفق من نور الشمس أول النهار - وسمي بذلك لتفجره وانتشاره. والفجر فجران: فالأول منهما أبيض مسترق (¬4) مستطيل صاعد (¬5) إلى الأفق، وهو الفجر الكاذب، وهو ذنب السِّرحان، سمي بذلك لدقته (¬6) - والسرحان الذئب - وهذا لا حكم له في صلاة ولا صوم. والثاني: الأبيض الساطع، وهو الصادق، وهو المستطير (¬7) أي المنتشر، وهو ذاهب في الأفق عرضاً حتى يعم الأفق وتعقبه الحمرة (¬8)، وهذا هو الذي يتعلق به حكم الصلاة عند جميع الأمة (¬9)، وحكمُ الصوم عندنا وعند أكثر الفقهاء. والشفق هو الحمرة التي تعقب مغيب الشمس، كذا قال أكثر أهل اللغة (¬10)، وهو قول مالك (¬11) وغيره من فقهاء الحجاز. وقال بعضهم: هو ¬
البياض الذي يبقى بعد الحمرة، وإليه جنح أبو حنيفة (¬1)، وحكاه بعض المتأخرين (¬2) عن مالك. والذي روي عنه في هذا البياض (¬3) عندي أبين على طريق الاحتياط والخروج من خلاف أهل اللسان والفقه. وقال آخرون: الشفق ينطلق على الحمرة والبياض في اللغة، لكن تعلق العبادة هل يكون بمغيب أول ما ينطلق عليه الإسم أو بآخره؟ وهو موضع الخلاف. وقيل (¬4): الشفق الأحمر غير القاني، والأبيض غير الناصع (¬5). والإسفار: البيان والكشف، وسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته. وهو يقع أولاً على انصداع الفجر وبيانه، وعليه يحمل قوله - عليه السلام -: "أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر" (¬6)، أي صلوها عند استبانة الصبح ولأول ظهوره لكم. والإسفار الثاني هو قوة الحمرة والضياء قبل طلوع الشمس، وذلك آخر وقت صلاة الصبح الذي ليس بعده إلا ظهور قرصها. وقد اختلف هل هو وقت أداء لها أو وقت ضرورة؟ وعليه حمل أبو حنيفة ¬
الحديث المتقدم (¬1). والخلاف في ذلك مبني على الأصل الذي قدمناه قبل (¬2). وسميت صلاةَ الجمعة لجمعها للناس (¬3) للصلاة (¬4)، أو لاجتماعهم فيها. يقال بضم الميم وفتحها وإسكانها؛ فلعل الفتح والضم لكونها جامعة (¬5)، وبالإسكان لجمعهم فيها؛ فإن فُعَلَة للفاعل كهُزَأة، وفُعْلَة للمفعول كهُزْأَة (¬6). وصلاة الوتر سميت بذلك لكونها مفردة (¬7)، والوتر الواحد، ويقال بفتح الواو وكسرها (¬8)، وقد قرئ بهما. والشفع الزوج (¬9). وسميت النوافل لكونها زيادة على الفرائض، والنفل الزيادة (¬10). والسنن: الطرائق، واحدها (¬11) سنة. وهو في عرف الشرع كلما رسم لِيُحتذى؛ فسنة النبي - عليه السلام - طريقه في العبادة التي شرع ليتبع فيها. قوله (¬12): "إنما قياس (¬13) الظل في الشتاء والصيف"، سقط لفظه ¬
"والصيف"، في كتاب ابن وضاح (¬1) وثبت لغيره. وقال سحنون في غير "المدونة": إنما يقاس في الشتاء والصيف. وحكى أبو عمران أن سقوطه هو الصواب (¬2)؛ لأن الشمس في الشتاء منخفضة، فلا يكاد الوقت يتحصل، يعني أن ظهوره في الصيف بين لقصر الظل ثم امتداده/ [خ 34] لأول الزوال. قال: وذكر ابن وهب عن مالك أنه سأله عن وقت الظهر فقال: أما في الصيف فذلك شيء لا يخفى، وأما في الشتاء فأخذ مروحة في يده. فذكر نحو ما في الكتاب. في حديث عمر في الأوقات (¬3): مالك عن نافع - مولى ابن عمر - أن عمر بن الخطاب. هذا الصواب، وهي روايتنا، وكذلك هو في الموطآت وفي رواية مالك حيث وقعت. وجاء عند بعض رواة "المدونة": عن نافع عن ابن عمر أن عمر. وهي رواية أبي عمران الفاسي (¬4)، وقد نبه عليها - رحمه الله - قال: ولم يقل أحد فيه: عن ابن عمر، إلا ما وقع في "المدونة". والذي قاله صحيح؛ هو من رواية مالك كما تقدم. ومن رواية غيره عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر. ولعل "مولى" تصحف (¬5) بـ "عَنْ"، والله أعلم. وقوله (¬6): إذا فاء الفيء ذراعا، الفيء مهموز الآخر، وهو الظل الذي تزول عليه الشمس وترجع، وهو مأخوذ من الرجوع (¬7)، قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬8)، أي ترجع؛ لأن الظل منذ يصبح ¬
في التقلص (¬1) كما ارتفعت الشمس، فإذا توسطت كبد السماء وصارت في مقعد الفلك قيل: وقفت؛ لأن حركتها لا تبين للناظر ولا تظهر في الظل، فإذا مالت عن مقعده وأخذت في الانحطاط أخذ الظل في الزيادة، فهو الفيء؛ لأنه رجع من النقص إلى الزيادة ومن جهة المغارب إلى جهة المشارق (¬2). وقوله: ذراعاً، يعني ذراع الإنسان؛ لأنه ربع قامته، والمراد ربع كل قائم، فمثل بالإنسان؛ إذ لا يعدم إنسان ذراعه ولا قامته حيث كان. والفرسخ المذكور في الحديث (¬3) ثلاثة أميال (¬4)، والميل عشر (¬5) غِلاء، والغَلوة طلَق الفرس (¬6)؛ وهي مائتا ذراع (¬7). ففي الميل ألف باع (¬8)، قيل: من أبواع الدواب (¬9)، وقيل: ألفا (¬10) ذراع، وهو قول ابن حبيب. وقال غيره (¬11): الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع (¬12)، قال ابن عبد البر: وهو أصح ما قيل فيه. وهذا كله من عمر - رضي الله عنه - تقريب ¬
لمعرفة الوقت لا على التحديد. والحَرَس، بفتح (¬1) الحاء والراء: هم المرابطون وأصحاب المحارس. وقوله (¬2): "وكان يرى أن الناس يصلون في الوقت بعد ما يدخل ويتمكن ويمضي منه بعضه في الظهر والعصر والعشاء" (¬3)، كذا عند بعضهم، وكذا في أصل القاضي أبي عبد الله. وعند ابن المرابط: الظهر والعصر والعشاء. وروايتي عن ابن عتاب: والظهر والعصر والعشاء (¬4)، وكذا في أصله. وما عند غيره أبين وأقيس على حقيقة مذهبنا من تقديم المغرب والمبادرة بها والتغليس بالصبح (¬5). وتأول بعض الشيوخ على (¬6) مالك من إنكاره حديث يحيى بن سعيد: إن الرجل ليصلي الصلاة ولما فاته (¬7)، .............................. ¬
أن أول الوقت وسطه (¬1) وآخره في الفضل سواء، وهذا بعيد (¬2)، وإنما أنكر منه مالك أن ظاهره يوجب أن يكون من فاته بعض الوقت كمن فاته جميعه، أو أشد ممن فاته جميعه، لحديث ابن عمر: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتِر أهلَه وماله" (¬3). وقوله في الأذان (¬4): "ثم يرجع بأرفع من صوته بها أول مرة" عائد (¬5) على الشهادة، وكأَن أبا (¬6) عمران يرى أن الغض (¬7) من الصوت في الشهادتين وأن التكبير قبلها بخلاف / [خ 35] ذلك، هذا الذي ينفهم (¬8) من قوله، بدليل استشهاده برواية أبي قرة (¬9) وابن وهب عن مالك وبما في ¬
"سماع أشهب" (¬1) عنه من قوله: "يخفض صوته بالتهليل والتشهد". وقد صرح ابن أبي زمنين بذلك وقال: لا يفرق بين التكبير في مبتدأ الأذان ولا في آخره، وليأت به على لفظ واحد. وقال اللخمي: ظاهر الكتاب أن رفع الصوت بالتكبير الأول مساو لما يليه من الشهادتين أولاً (¬2). والذي قاله أسعد بظاهر الكتاب، وهو الذي ذكر عن أبي مصعب (¬3) أبو تمام (¬4)، وقال: إذا أذن خفض صوته ثم (¬5) يرفعه عند الشهادة. والاختلاف في هذا معلوم لأصحابنا وغيرهم (¬6)، وذلك لاختلاف الرواية عن أبي محذورة (¬7) في ذلك؛ فمن رواية ابن محيريز عنه أن النبي - عليه السلام - حين علمه الأذان ¬
ذكر له التكبير ثم الشهادتين مرتين؛ "قال: ثم ارجع فمُدَّ من صوتك: أشهد أن لا إله إلا الله" (¬1). ومن رواية ابنه عبد الملك (¬2) عنه حين أمره بالتكبير قال له: "ترفع بها صوتك" (¬3)، ثم أمره بالشهادتين وقال له: "تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة". والكل متفق أنه ليس بخفض لا يقع به إعلام، وإنما هو رفع دون رفع. وذكر في الكتاب (¬4) في حديث أبي محذورة: "الصلاة خير من النوم" (¬5) مرتين، وكانت الآخرة منهما في كتاب ابن عتاب موقوفة، وكتب عليها: طرح ابن وضاح من كتابه الثانية. وهو مذهب ابن وهب (¬6) قولها مرة واحدة. وقوله بعد هذا (¬7): "في الأولى من الصبح"، يريد الأذان؛ إذ الإقامة ثانية له. وقيل: يحتمل أن يكون أراد المؤذن الأول، على ما روي من حديث بلال وابن أم مكتوم (¬8)، وأنَّثَ فقال: أولى (¬9) على معنى الدعوة. ¬
وقوله (¬1): "وكان ابن عمر لا يزيد على واحدة في الإقامة"، قال ابن وضاح: يريد لا يقول: قد قامت الصلاة إلا مرة. وقوله (¬2): "لأن المؤذن إمام، ولا يكون من لم يحتلم إماماً"، أي إن الناس يأتمون به في الوقت، ويقبل أهل الأعذار والجهل بالأوقات شهادته في الوقت بأذانه ويقلدونه. ويخرج منه أنه لا يترك للأذان إلا أهل الفضل ومن يُقتدى به ويُقلد قولُه ويوثق بمعرفته (¬3). وقد عزل الحارث بن مسكين (¬4) - أيام قضائه بمصر - عامة المؤذنين عن الأذان لمثل هذا (¬5). وقوله (¬6) في جواز إجارة الرجل يؤذن في المسجد ويصلي بأهله. حمله أكثر المشايخ من القرويين والأندلسيين وغيرهم على أن الإجارة إذا كانت على الأذان والصلاة معاً جازت، بخلاف إذا انفردت على الصلاة (¬7). وذهب بعضهم - من الأندلسيين - إلى أن قوله: "ويصلي بأهله"، صلة للكلام وصفة حال، لا أنه أوقع عليه شرط الإجارة؛ لأنه قال في كتاب الجعل: وإنما جوز الإجارة ها هنا لأنه أوقعها على الأذان والإقامة وقيامه على المسجد (¬8)، ¬
ولم يقع من الإجارة على الصلاة بهم قليل ولا كثير. وقتادة (¬1)، بفتح القاف، ابنُ دِعامة، بكسر الدال. وعبد الله بن محمَّد بن عَقِيل (¬2)، بفتح العين وكسر القاف. وعُقَيل بن خالد (¬3) عن ابن شهاب، بضم العين وفتح القاف. ورطَانة الأعاجم (¬4) - بكسر الراء وفتحها معاً، وفتح الطاء/ [خ 36] المهملة - وهو كلامهم بلسانهم (¬5). وقوله (¬6): "إنها خِبٌّ"، بكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء بواحدة، أي خديعة ومكر (¬7). وقوله (¬8) عن سعيد بن المسيب: "يجزئ الرجل تكبير الركوع إذا نسي تكبيرة الإحرام"، قال سحنون: هذا وهم والصواب أنه ابن شهاب (¬9). قال القاضي: المسألة معروفة لهما جميعاً، وقال مثل قولهما الحسن ¬
والحكم (¬1) وقتادة والأوزاعي (¬2)، لكن خلاف الزهري لهؤلاء أنه - هو والأوزاعي - لا يريانها واجبة. واختلف في التأويل عليها (¬3) في مسألة الكتاب؛ فذهب معظم المتأولين إلى أنهما لا يريان وجوبها (¬4). وقد ذكرنا أن ذلك مذهب ابن شهاب لا ابن المسيب (¬5). وذهب بعضهم إلى أنهما يريانها سنة، ولم يسلم هذا لقائله. وقال بعضهم: بل إنما يريانها سنة للمأموم خاصة، فيحملها عنه الإِمام، وهذا خطأ (¬6) لا يقوله ابن شهاب. قال بعضهم (¬7): بل مذهبهما أنه لا يلزم اتصال النية بالتكبير، وأن المأموم لما قام للصلاة قام بنية وتأخر تكبيره إلى الركوع، وهو أحسن التأويلات. وعلى هذه الوجوه اختلفت الأقوال في المسألة. واختلفوا في تأويل قوله في الكتاب (¬8): "إن كبر للركوع ينوي بذلك تكبيرة الافتتاح يجزئه"؛ فحمله بعضهم (¬9) أنه كبر للركوع في حال القيام، ¬
ولم يلزم هذا غيره. وقال (¬1): ظاهر الكتاب خلافه في المسألة التي تأتي بعد هذا، وذلك قوله (¬2): "لا ينبغي للرجل أن يبتدئ صلاته بالركوع، وذلك يجزئ من خلف الإِمام". نبه بعض الشيوخ (¬3) أنه يدل من قوله هذا أن للمأموم أن يبتدئ صلاته بالركوع، وقال: إنه كالنص من قوله هنا، وأن المأموم بخلاف الإِمام والفذ؛ إذ إخلال المأموم بالقراءة لا يفسد صلاته، وقاس على هذا بعضهم الفذ والإمام على القول: إنه ليس فرضه (¬4) القراءة في كل ركعة. واستدل بعضهم بهذا القول أن الإِمام يحمل عن المأموم تكبيرة الافتتاح، قال والقيام إنما يراد لها. وهذا على رواية ابن وهب (¬5) عن مالك أن تحريم الإِمام يجزئ فيها عن المأموم، وكله خلاف المشهور وما نص عليه في كتاب محمَّد (¬6) وغيره. وكذلك اختلفوا في تأويل قوله (¬7): إذا لم ينو بتكبيرة الركوع تكبيرة الافتتاح أنه يتمادى ويعيد؛ فقيل (¬8): معناه أنه أوقع تكبيرة الافتتاح حال القيام أيضاً، وإلا فلا يصح له التمادي. وقال غيره (¬9): ذلك سواء لأنها ¬
ليست بتكبيرة إحرام فيشترط لها القيام. وقوله (¬1) في الفذ إذا نسي تكبيرة الافتتاح حتى صلى ركعة أو ركعتين "قطع"، كذا في رواية شيخنا وأكثر الأمهات. وفي بعض النسخ: "كبر" مكان "قطع". فإن صحت هذه الرواية فمعناها: كبر للإحرام. ويستفاد منه أنه لا يلزمه القطع بسلام كما روي عن مالك، والأكثر عنه أنه يقطع بسلام (¬2)، وهو قول أكثر أصحابه (¬3). وقوله (¬4) بعد ذلك: "وإنما ذلك لمن كان خلف الإِمام وحده"، يريد التمادي والإعادة المتقدم ذكره لها قبل. وقوله (¬5): "فهي خِداجٌ" (¬6) / [خ 37]- بكسر الخاء المعجمة - أي ناقصة، والخداج: ولد الناقة (¬7) إذا ألقته قبل استكمال خَلقه (¬8). مسألة ناسي القراءة (¬9) من ركعة واحدة من الصبح وغيرها، مذهب الكتاب فيها عند بعض أصحابنا أن أقوال مالك الثلاثةَ (¬10) تدخل فيها أيَّ ¬
الصلوات كانت، وإلى هذا كان يذهب شيخنا القاضي أبو الوليد (¬1)، خلاف ما ذهب إليه غيرهم (¬2) من الشارحين والمختصرين أن ناسيها من الصبح أو صلاة سفر كناسي ركعتين (¬3)؛ لا بد من الإعادة، ولقوله (¬4): ولم نكشفه (¬5) عن المغرب والصبح، والصلوات كلها عند محمل (¬6) واحد. ثم قال فيمن ترك ركعة من الصبح (¬7): أعاد، فخصها. والأول جعلوا (¬8) الكلام هنا مبتدأ. ثم ساق اختلاف قول مالك، وهذا بين من لفظ "الأم" وقولِه: "الصلوات كلها عند مالك محمل واحد"، بعد أن ذكر المغرب والصبح وقولِه آخر المسألة أيضاً بين، ولم يختلف قوله في الكتاب إذا تركها من ركعتين فأكثر أنه يعيد الصلاة. والخلاف في هذا كله وغيره في غير الكتاب معروف. وعيسى بن يونس (¬9) الضُبَعي، بضم الضاد وفتح الباء، منسوب إلى بني ضُبَيْعة (¬10). ¬
وبُدَيل بن ميسرة (¬1)، بضم الباء بواحدة وفتح الدال المهملة، عن أبي الجوزاء، هذا بالجيم والزاي (¬2)، واسمه: أوس بن عبد الله (¬3). وكل ما في "المدونة" عُبادة، فبضم العين وتخفيف الباء. وبفتح العين في غيرها. وهنا: الأعمش عن خَيثمة (¬4)، بفتح الخاء وتقديم الياء باثنتين تحتها على الثاء المثلثة. والاستسقاء (¬5) (ممدود) (¬6): طلب السقيا. وحديث (¬7) عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬8) فيمن (¬9) ......................................... ¬
لم يقرأ بأم القرآن (¬1)، كذا لكافة الرواة. وسقط: "لأبيه" (¬2) عند يحيى بن عمر وأحمد بن أبي سليمان. وآخر الباب في حديث (¬3) (عمر) (¬4): وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي، كذا لابن عتاب والباجي. وعند ابن المرابط (¬5): وكيع عن يونس عن أبي إسحاق. وليحيى بن عمر (¬6): وكيع عن عيسى عن أبي إسحاق. قال ابن وضاح: هو وهم. قوله (¬7): "بلغني أن مالكاً رُئي رافعا يديه حين عزم عليهم الإِمام" (¬8)، ثم قال (¬9): " (قال) (¬10): ابن القاسم: وسمعته يقول: فإن كان الرفع فهكذا". كذا روينا (¬11) في هذا الحرف، والهاء عائدة على المخبر الأول لا عن (¬12) مالك؛ لأن المسألة عند ابن القاسم بلاغ. هذا قول بعضهم. وقد سقط اسم ¬
ابن القاسم هنا من بعض الكتب (¬1)، فحُمل (¬2) أن قائلَ ذلك سحنون، سمعه من ابن القاسم. وقد سقط: "وسمعته يقول" من كتاب ابن المرابط ومن بعض النسخ (¬3)، فيصح الكلام لابن القاسم. ورواه بعضهم: وسمعت مالكاً يقول. قال بعض شيوخنا: هو وهم؛ وذلك أن المسألة عنده بلاغ عنه، وقوله: "فإن كان الرفع فهكذا كما فعل مالك"، وهذا يدل أن الكلام لغير مالك؛ إما للمحدِّث لابن القاسم، أو لابن القاسم، أو لسحنون. وقوله (¬4): "لا يرى هذا الذي يقول الناس: سبحانك اللهم وبحمدك" (¬5)، أي لا يراه سنة (¬6)، قاله الداودي. وتقدم تفسير سبحانك اللهم وبحمدك. ومعنى قوله (¬7): تبارك اسمك / [خ 38]، أي علا. وقيل: تقدس. وقيل: بذكر اسمك تنال البركة، وهي الزيادة في الخير، وبه تكتسب. وقوله: تعالى جدك، أي عظمتك وسلطانك، بفتح الجيم. (والبرَاء بن عازب (¬8)، مخفف الراء ممدود. وأبوه عازب، بعين مهملة ¬
وبالزاي. وليس في هذه الكتب (¬1) البرَّاء مشدد الراء) (¬2). وابن قَطَّاف (¬3) بفتح القاف مشدد الطاء المهملة، كذا رويناه، وكذا رواه أبو محمَّد عبد الحق وغيره. وكان في كتاب ابن عيسى فيه فتح القاف وكسرها معاً. وقال أبو إبراهيم فيه: قِصَاف - بكسر القاف وصاد مهملة مخففة - والأول الصواب. وكذا ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" (¬4) في الحديث الذي ذكره فيه في "المدونة" نفسه. وأبو أُمامة (¬5) - بضم الهمزة - ابن سهل بن حنيف (¬6) - بضم الحاء وفتح النون - مصغر. وفي حديث (¬7) البراء: ابن أبي ليلى (¬8) عن عيسى - أخيه - (¬9)، والحكمِ (¬10) عن ابن أبي ليلى (¬11). كذا في أصول شيوخنا لسائر الرواة، ¬
وعند أحمد بن داود: أو الحكم - على الشك -. والإقعاء، ممدود مكسور الهمزة: الجلوس على ظهور القدمين معاً. وقوله (¬1): "وكان رفع اليدين عنده ضعيفاً إلا في تكبيرة الإحرام"، كذا في أصول شيوخنا، الكلام كله لابن القاسم. وخرَّج بعضهم (¬2) منه منع الرفع في تكبيرة الإحرام وغيره على ما وقع له في "مختصر ما ليس في المختصر" (¬3) من رواية ابن القاسم (¬4)، وإخراجُه من هذا اللفظ بعيد إلا على ما وقع له في بعض الروايات في كتاب الحج في "الأسدية": رأيت مالكاً يستحب أن يترك رفع الأيدي في كل شيء، قلت: وفي ابتداء الصلاة؟ قال: نعم وفي ابتداء الصلاة. وهي مصلحة في "المدونة": "نعم إلا في ابتداء الصلاة"، كذا في نسخ (¬5). وفي كتب شيوخنا: قال: لا. و [ما رُوِ] يَ (¬6) هنا عن ابن وضاح أن قوله: إلا في تكبيرة الإحرام، ليس من كلام ابن القاسم في "المدونة"، وإنما هو من كلام سحنون؛ قال: وهو قاله لي. وسقط من كتاب الأصيلي. فعلى هذا يصح عموم تضعيفه. وقوله (¬7): "فإذا تمكَّن مطمئناً فقد تم ركوعه وسجوده"، إلى آخر ¬
المسألة، حجة على أن الطمأنينة في أركان الصلاة من فرائضها، وهو أصل مختلف فيه عندنا (¬1). قوله (¬2): "ويجافي بِضَبْعَيْهِ"، أي يرفعهما عن جنبيه ولا يلزقهما. وضبعيه - بفتح الضاد وسكون الباء - يريد عضديه، والضبْع: وسط العضد واللحمة التي هناك (¬3). ومحمد بن عمرو بن حلحلة (¬4) بفتح الحاءين المهملتين. وكل ما في هذه الكتب فالزُّبير وابن الزُّبير وأبو الزُّبير، بضم الزاي، وليس فيها بفتحها (¬5). وصالح بن خَيْوان (¬6) بخاء معجمة، بعدها الياء - أخت الواو - ساكنة، كذا روايتنا فيه عن ابن عتاب. ورواه عبد الحق (¬7): حيوان، بحاء مهملة، وكذا عند ابن عيسى، وكل قد قيل (¬8). وبالمهملة قاله البخاري (¬9) وأحمد بن ¬
يونس الصدفي (¬1). وقيده الدارقطني (¬2) وأبو نصر (¬3) بالمعجمة، وخطَّأ من قال غيره. وقوله في نسبه/ [خ 39]: الشيباني، بشين معجمة قاله ابن وضاح، قال: وقاله لي (¬4) سحنون وحرملة (¬5) بالسين المهملة. وهي رواية إبراهيم بن محمَّد (¬6) أيضاً. قال القاضي: والصواب غير هذا كله؛ إنما قاله البخاري: السبائي (¬7)، منسوب إلى سبأ، وكذا ذكره أبو نصر الحافظ (¬8)، وكذا قيده القاضي أبو عبد الله في حاشية كتابه عن الحافظ أبي علي الجياني (¬9). ¬
وقوله (¬1) في وضع اليمنى على اليسرى: لا أعرف ذلك في الفريضة ولكن في النوافل يعين بهما نفسه إذا طال القيام، يشير إلى ما ذهب إليه بعض البغداديين (¬2) أنه إنما أنكر أن يصنع ذلك للاعتماد والمعونة، لا لما جاء في ذلك من الفضل، والكلام يدل عليه وترجمة الباب (¬3). وذهب بعضهم إلى أنه لم يعرف ذلك من لوازم الصلاة (¬4). وقوله (¬5) في الذي قرأ في الركعتين الآخرتين بسورة مع أم القرآن: لا سجود سهو عليه، يبين أن مذهبه في مسألة الذي قدم السورة على أم القرآن، ثم أمرناه بإعادة السورة أنه لا سجود عليه؛ لأنه إنما زاد قرآناً، بخلاف مسألة مقدم القراءة على التكبير في العيدين (¬6) لاختلاف العملين. وقد تكلم الأشياخ عليهما في الفرق والجمع بما يكفي (¬7)، ونبهنا هنا بما ذكرناه ترجيحاً لأحد المذهبين. وفيها أيضاً حجة لمن جلس في الأولى قبل قيامه أو في الثالثة (¬8) ساهيا أنه لا سجود سهو عليه؛ إذ قد اختلف في ذلك هل عليه سجود أم لا (¬9)؟ وذلك أن من العلماء (¬10) من يرى أن من سنته هناك الجلوس ¬
قليلاً، كما أن منهم من يرى القراءة بالسورة في الأربع، فقد وافق سهوه قول بعض أهل العلم وأنه ليس بسهو، بل من حدود الصلاة فلا يسجد له. وظاهر الكتاب أن المريض الذي يصلي جالسا إيماءً أنه لا يومئ بيديه بالسجود؛ لأنه وصف الإيماء بالظهر والرأس (¬1) ولم يزد. وقد اختلف الشيوخ القرويون في تأويله؛ فمنهم (¬2) من ألزمه ذلك ومنهم (¬3) من نفاه. وكذا قال ابن نافع: يكون على ركبتيه في إيمائه (¬4)، وإذا (¬5) قال ابن القاسم في الكتاب (¬6) في الذي بجبهته قروح: إنه لا يسجد على أنفه، فكذلك لا يلزمه وضع يديه في الأرض. وقد يجري الخلاف فيها على الاختلاف في من جلس بين السجدتين فلم يرفع يديه؛ فقد حكى فيها سحنون عن أصحابنا قولين (¬7): قال بعضهم يجزئه، وقال بعضهم لا يجزئه، فعلى هذا وضع اليدين في الأرض والسجود عليهما فرض لقوله: "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء" (¬8)، فعلى المومئ إذاً وضْعُهما في الأرض، كما ألزمه / [خ 40] اللخمي (¬9) وضع الأنف على مذهب ابن حبيب (¬10). ¬
وقد يحتمل أيضاً أن يخرج من الكتاب لقوله (¬1): إذا أومأ (¬2) للركوع: "ويمد يديه إلى ركبتيه"، وإذ جاء بهما (¬3) في مسألة المصلي متربعا فانظره (¬4). وقوله (¬5) في منع المريض (¬6) المستند لحائض أو جنب في الصلاة - وفي غير (¬7) الكتاب: "يعيد في الوقت" - ذهب أكثر شيوخنا (¬8) أن معناه: باشر نجاسة في أثوابهما فكان كالمصلي عليها. وقال بعضهم: بل حكم المستند إليه حكم المصلي؛ لأنه كالمعاون له بإمساكه، فيجب أن يكون على أكمل الأحوال. وضعف هذا بعضهم إذ هذا لا تعدي له للمصلي، وإنما يختص هذا بالممسك (وحده) (¬9) والمستند (¬10) إليه، وإلا فيجب على هذا أن يكون متوضئاً، وهذا ما لا يقوله أحد. والخُمْرة (¬11)، بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: حصير من جريد صغيرة، فإذا كانت كبيرة لم تسم خمرة. سميت بذلك لأنها تخمر وجه المصلي عليها، أي تغطيه (¬12). ¬
وكَوْر العمامة (¬1)، بفتح الكاف: هو مجتمع طاقاتها وما ارتفع منها بأعلى الجبين (¬2). والأَدَم (¬3)، بفتح الهمزة والدال، الجلود المدبوغة، جمع أديم (¬4). وأَحْلاس الدواب (¬5) - بفتح الهمزة وبالحاء والسين المهملتين - واحدها حلس، وهي وهو (¬6) ما يلي ظهور الدواب وما يجعل تحت اللبود والسروج (¬7). وأصله من اللزوم (¬8). وبَكر بن سوادة (¬9)، بفتح السين والواو مخففة. وأبو إسحاق الهَمْدَاني (¬10) بفتح الهاء وسكون الميم وفتح الدال المهملة. وهمْدان قبيلة (¬11) من اليمن (¬12). وليس في هذه الكتب هَمَذَاني بفتح الميم والذال المعجمة؛ منسوب إلى مدينة همَذان (¬13). ¬
ويزيد بن معاوية العبْسي (¬1) بباء بواحدة وسين وعين مهملتين، كذا عند ابن عتاب وابن المرابط. وكان في أصل ابن عيسى وبعض النسخ: القيسي بالقاف. هذا عندهما (¬2) اسمه يزيد، إلا أنه عند يحيى بن عمر: زيد. وكذا رواه الباجي عن ابن باز، ويزيد عن ابن وضاح، وهو الصواب (¬3). والأَلْية (¬4)، بفتح الهمزة وسكون اللام، المقعدة (¬5). وقدْح العينين (¬6): هو استخراج الماء الذي يغطي بصرها (¬7) من مآقها (¬8). والاحتباء (¬9): جلوس الرجل رافعاً ركبتيه جامعاً يديه عليهما، وقد يكون ذلك بردائه (¬10). وقوله (¬11): "بِعَقِب تَرَبُّعِه"، أي يفعله بعد تربعه استعانة لطول الجلوس. ¬
والثوب الكثيف (¬1): (الصفيق) (¬2) الخشن. والسُّبْحة (¬3) صلاة النافلة. وقوله: "نهى أن يصلي المصلي على عود" (¬4)، معناه: يرفعه لجبينه ليسجد عليه. والحسن بن عمرو الفُقَيْمي (¬5)، بضم الفاء وفتح القاف. وقوله (¬6) في المسافر يتنفل على دابته حيث توجهت به، وكذلك على الأرض يتنفل ليلاً ونهاراً في السفر، يريد في مسألة الأرض: إلى القبلة، وعطفها على جواز التنفل لا على ترك التوجه، وإنما سأل عن هذا لما روي عن ابن عمر أنه كان لا يتنفل في السفر (¬7). والطَّنْفَسة (¬8) - بكسر الطاء وفتح الفاء - وهو أفصحها. وبضمهما معاً، وبكسرهما معاً، وحكي فتح الطاء وكسر الفاء، وهي بساط صغير كالنَّمْرقة (¬9). وكل بساط طنفسة، قاله الباجي (¬10). ¬
وجابر بن يزيد عن الشعبي (¬1)، كذا هو: يزيد، وهو الجعفي. قال ابن وضاح هو (¬2) كوفي. وجابر بن زيد آخرُ: بصري (¬3). قال البخاري: جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي، سمع من الشعبي (¬4). وذكر جابر بن يزيد الجعفي (¬5)، وذكر له خبراً مع الشعبي، وهذا متروك مشهور وليس بالأول. وذكر جابر بن زيد، وهو كبير/ [خ 41] من فقهاء التابعين (¬6). وفي حديث هيئة الجلوس (¬7) قال ابن وهب: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بذلك"، من حديث ابن وهب. وذكر الخبر عن أبي حميد الساعدي: "يفضي بوركه إلى الأرض" (¬8) الحديث، كذا في أصل القاضي أبي عبد الله بن عيسى وابن المرابط. ولم يكن عند ابن عتاب: يأمر بذلك وباقي (¬9) الكلام: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفضي بوركه"، لكن فصل بينه ذكر السند. وفي بعض النسخ: عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان يفضي بوركه" الحديث، وعندهم إثبات: يأمر بذلك (¬10) قبل هذا، ¬
فيأتي حديثهم (¬1) على هذا. وفي باب صلاة الجالس (¬2) - في أول خبر سعيد بن جبير (¬3) -: علي بن زياد ووكيع عن سفيان (¬4)، كذا عند ابن عتاب (¬5). وقال وكيع، لابن وضاح. ولم يكن عند القاضي جملة. وفي آخر باب الصلاة (¬6) خلف السكران: "مالك عن هشام بن عروة (¬7) عن أبي بكر بن أبي مليكة (¬8) أن عائشة كان يؤمها مدبر لها"، كذا عند ابن عيسى وفي كتاب ابن المرابط، وكذا في رواية الباجي إلا أنه قال: وكيع. مكان: مالك (¬9). قال ابن وضاح: وكذا جاء في كتاب وكيع (¬10). وعند ابن عتاب: وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة، وكذا هو في "موطإ" مالك عن هشام. وصالح مولى التُؤَمَة (¬11)، الرواية فيه (عندي) (¬12) في الكتاب وعند ¬
أكثر الشيوخ في غيره بضم التاء وهمز الواو بالفتح، وكذا قيده عبد الحق عن الأَجْدابي في روايته. وصوابه عند أهل العربية والرجال: التَوْأَمة، بفتح التاء وسكون الواو وهمزة بعدها. وقد تسهل وتنقل الفتحة إلى الواو فيقال: التُوَمة - وهو اسم مولاة أبي صالح هذا، واسمه نبهان - بفتح النون وسكون الباء بواحدة - وكذلك الحارث بن نبهان (¬1)، وهي التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي، ولدت مع أخت لها في بطن واحد فسميت بذلك (¬2). وعلى الصواب ضبطناه عن بعض شيوخنا ورده علينا المتقنون منهم (¬3). وقوله (¬4): "الصلاة خلف هؤلاء الولاة"، إشارة إلى أئمة الجور من أهل السنة (¬5)، وكلامه في إجازتها خلاف كلامه في أئمة أهل الأهواء (¬6) وتوقفِه في الإعادة خلفهم، والقول بالإعادة في الوقت أو لا إعادة، وأنه يصلي ابتداء وراءهم كيف كانوا، ما لم يكونوا مبتدعين أو غير مأمونين على الطهارة والصلاة أو مغيرين لها عن سنتها، فإن فعلوا ذلك صاروا في حكم المبتدعة لا يصلى خلفهم إلا أن يخافهم فيصلي ويعيد. واستحب ابن حبيب الإعادة خلفهم في الوقت (¬7). وقوله في كتاب الجنائز (¬8): لا يصلى على أهل الأهواء، وظاهره يشعر ¬
أن قول سحنون (¬1) تفسير له (¬2). والخلاف في المسألتين مبني على القولين في تكفيرهم (¬3). وعدي بن الخِيار (¬4)، بكسر الخاء المعجمة بعدها ياء باثنتين تحتها. وقوله: "يصلي لنا إمام فتنة" (¬5)، قيل: في وقت فتنة، وليس بإمام المسلمين المقدم. وإنما كان سؤاله - على (¬6) هذا - عن الصلاة خلف غير إمام إذا حدث على الإِمام / [خ 42] حدث وكان الذي صلى من غير تقديمه. وكان الذي صلَّى بهم أبو أيوب (¬7) ثم أبو أمامة (¬8)، وصلَّى بهم العيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وإلى نحو هذا التأويل أشار القابسي. وقيل: بل أراد رئيس فتنة وصاحبها، وأشار هذا إلى ابن أبي عديس (¬9) - ¬
أحد القائمين والمجلبين على عثمان رضي الله عنه. ولإنكار ظاهر هذا التأويل طرح ابن وضاح لفظة: فتنة من كتابه. وإلى معناه أشار البخاري، ويصحح هذا التأويل ترجمة الباب (¬1) في الصلاة خلف أئمة الجور. وقد تطابق الترجمة التأويل الآخر لقول عثمان: "إذا أحسن الناس فأحسن معهم"، الحديث. وقوله (¬2): "يتقدم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة"، وقال بعد شي (¬3): "أولاَهم بالإمامة أفضلهم وأصلحهم إذا كان أفقههم" (¬4)، فشرط مع الفضل والصلاح أن يكون أفقههم، ولم يشترط مع العلم والفقه أن يكون أفضلهم وأصلحهم، إنما شرط الستر وحسن الحال؛ إذ الفقه مع الستر وعدم السخطة مقدم على الصلاح والتبريز في الخير والإمامة (¬5). وقال القابسي (¬6): معنى هذا إذا وقع التنازع بين الأعلم والأَخير أو الأَسن (¬7)، فأما إذا لم يكن (¬8) تنازع فإن الفقيه يؤمه من هو دونه في الفقه. والأَعرابي (¬9): البدوي - كان عربياً أو عجمياً - بفتح الهمزة (¬10). والرَبيع بن صَبيح (¬11)، كل ربيع في هذه الكتب أو ابن رَبيع فبفتح (¬12) ¬
الراء وكسر الباء، وصَبيح، بفتح الصاد المهملة وكسر الباء. وأبو الضحى مسلم بن صُبَيح (¬1) [هذا] (¬2) بضم الصاد وفتح الباء، في "المدونة" كنيته لا اسمه ونسبه، وكنيته بضم الضاد المعجمة (¬3). وما فيها من مَعْمَر فبفتح الميم وسكون العين. وطَرَسوس (¬4) بفتح الطاء والراء، وبسينين مهملتين أولاهما مضمومة (¬5). وقوله (¬6): "وذلك أمير أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7) " (¬8)، مشدد الميم، من الإمارة. وفي سند هذا الحديث: سمعت (¬9) معاوية بن صالح (¬10) يذكر عن ابن ¬
المسيب، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب: ابن وهب: سمعت من يذكر (¬1) عن ابن المسيب (¬2). وآخر الباب (¬3): "مالك عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها مدبر لها"، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب: وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة (¬4). مسألة من أقيمت عليه المغرب (¬5)، "قلت: فإن صلى ركعتين؟ قال: يتم الثالثة ويخرج ولا يصلي مع القوم"، ثبتت هذه المسألة في بعض الروايات في "المدونة" (¬6)، وهي لأحمد بن أبي سليمان في كتاب ابن عيسى ولابن هلال في كتاب الباجي. وسقطت ليحيى بن عمر، ولم تكن في كتاب ابن عتاب. وقال أبو محمَّد بن أبي زيد: وهذه الرواية خلاف ما له في "المجموعة" من أنه يقطع من اثنتين ويسلم ما لم يركع الثالثة (¬7). وجاءت هذه المسألة في بعض روايات "المدونة". قال ابن حارث (¬8): وهي رواية ابن ¬
عابر (¬1) في "المدونة"، فإن صلى ركعتين قال يسلم كما قال في "المجموعة" كسائر الصلوات، ويدخل مع الإِمام. وقوله فيمن أتى المسجد (¬2) وقد صلى أهله وطمع (¬3) أن يدرك جماعة في مسجد آخر أو غيره فلا بأس أن يخرج إلى تلك / [ز 17] الجماعة/ [خ 43]، وكذلك إن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا ويجمعوا إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال ابن القاسم ومسجد بيت المقدس مثله. قال شيوخنا: معناه لمن قد دخل هذه المساجد، لا لمن لم يدخلها. وكذا جاء مفسرا في "العتبية" في "سماع أشهب" وابن نافع (¬5) قال مالك: من لم يبلغ مسجد الرسول (¬6) حتى صلى أهله إنه يجمع تلك الصلاة في غيره (¬7) وهو ظاهر المدونة, لأنه إنما تكلم على من دخل. وقوله: "في مسجد آخر أو غيره"، وقوله: "فلا بأس (¬8) أن يخرجوا ¬
ويجمعوا"، يدل أن لهم الخروج للجمع في غير المسجد (¬1) إلا من هذه المساجد الثلاث (¬2)، فلا يخرجوا منها للجمع لمسجد ولا غيره. وقوله في الصبي (¬3) "إذا كان يعقل الصلاة"، أي يفهمها، قال بعضهم (¬4): معناه أن يعرف أن تركها يضره وفعلها ينفعه. وعندي أن معناه: يفهم حكمها واللزوم لها وأنه لا يقطعها من دخل فيها اختياراً (¬5). وذكر حديث محجن الثقفي (¬6)، كذا وقع في أصل ابن المرابط وفي نسخ. وسقط من كتاب ابن عتاب وغيره (¬7) "الثقفي" وسقوطه الصواب. وكذا (¬8) جاء في بعض النسخ "أبي محجن"، وهو أشد خطأ. ومحجن هذا من بني الديل (¬9)، وكذلك هو في "الموطأ" (¬10)، وهو بكسر الميم وفتح الجيم. ¬
وقوله (¬1) في مسألة التماثيل في البسط والثياب: "ومن تركه غير محرم [له] (¬2) فهو أحب إليّ". قال أبو عمران: هذا من لفظ (¬3) مالك لا من قول أبي سلمة بن عبد الرحمن. وعبد الرحمن بن المُجَبَّر (¬4)، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الباء بواحدة، سمي بذلك لأنه انكسر فجبر، وهو عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن (¬5) بن عمر بن الخطاب (¬6). ومعاطن (¬7) الإبل: موضع بروكها ومبيتها عند المياه وفي المناهل (¬8). ومُراح الغنم (¬9): موضع مبيتها، بضم الميم (¬10). ومرابض البقر (¬11): موضع بروكها (¬12). وفي سند هذا الحديث (¬13): عبد الله بن مُغَفَّل، بضم الميم وفتح الغين ¬
المعجمة وشد الفاء (¬1)، وهو صحابي (¬2). وقوله: "فيُجِنّنا الليل" (¬3)، بضم الياء وكسر الجيم، أي: يظلم علينا فيسترنا، وأصله من الستر، وكل ما سترك فقد أجنَّك؛ يقال: حسن الليل، وأجنَّ، وأجننا الليل، وجنَّنا، وأجنَّ علينا، وجنَّ علينا (¬4)، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} (¬5). وقوله في الصلاة في الْحِجْر (¬6): "فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به، خلافه في كتاب الحج من "العتبية" وأنه كان يكرهه ثم رجع إلى هذا. وزيد بن جَبيرة (¬7) بفتح الجيم وكسر الباء. ¬
وداود بن الحُصَين (¬1) بضم الحاء وفتح الصاد المهملة. والكَيْمَخْتُ (¬2) بفتح الكاف بعدها ياء باثنتين تحتها ساكنة، وفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وآخره تاء باثنتين فوقها، وهو جلد الفرس (¬3) وشبهه بغير (¬4) مذكى، فارسي استعمل. ومكحول الدَّمشقي (¬5) بكسر الدال وفتح الميم. وبُسْر بن سعيد (¬6) بضم الباء وسكون السين المهملة. حديث: "من أدرك ركعة من الصبح" (¬7)، ثم قال بعده (¬8) ابن وهب: "وبلغني عن ناس من العلماء أنهم كانوا يقولون: إنما ذلك للحائض تطهر/ [خ 44] عند غروب الشمس أو بعد الصبح، أو للمريض يفيق عند ذلك". وفي أصل "المدونة": "أو للنائم والمريض"، وأمر سحنون بطرح "النائم" (¬9). ¬
قال بعض الشيوخ: يصح معناه ولا يطرح، وهو النائم يدرك ركعة قبل طلوع الشمس فيكون مؤدياً، بخلاف لو لم يدركها فيكون قاضياً، ولا يسمى مدركاً، وهو حسن (¬1). والقَرْقَل (¬2) بفتح (¬3) القافين وسكون الراء بينهما: ثوب لا كمَّان له، قال أبو عبيد: القراقل قمص النساء واحدها قرقل (¬4) / [ز 18]. وخصيف (¬5) عن مجاهد، بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة. وقوله: "ليَكفتَ شعراً" (¬6)، أي يضمه، وهو مثل العقص المنهي عنه في الصلاة. وقيل: يستره، يريد بما يجمعه ويضمه، وهو بمعنى قريب من الأول على هذا وليس بمجرد الستر (¬7). ومِخْول بن راشد (¬8) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة، وكذا وجدته مقيداً بخط الأصيلي، وضبطه أكثرهم مُخَوَّل بضم الميم وفتح الخاء وتشديد الواو، وكذا قيده أبو الوليد الباجي (¬9) وغيره (¬10). وقوله (¬11): لا يصلي على جلد حمار وإن ذكي، وأجاز الصلاة على ¬
جلود السباع إذا ذكيت، يدل أن الحمار أقوى في منع الأكل من السباع المكروهة، ودليل على القول الآخر الذي ذكره ابن حبيب أن أكل الحمر (¬1) حرام (¬2) وعلى (¬3) ظاهر الآثار الصحيحة. قوله (¬4): "هل فسر (¬5) لكم مالك لم كره للإمام التنفل في موضعه؟ قال: لا، إلا أنه قال: عليه أدركت الناس". قال القاضي: علله بعضهم بالتخليط على الداخل لئلا يظن أنه في الصلاة (¬6)، وهذا قد يضعف؛ إذ قد لا يتفق كونه وكون الجماعة كلها على هيئة (¬7) واحدة لا سيما الجماعة الكبيرة. وقد يقال: لئلا يتمادى به التنفل بعد خروج الناس فيظن الداخل إذا رآه يصلي في موضع إمامه (¬8) أنه في الفريضة، إذ (¬9) لم يأته من يصلي معه، ويدل على [صحة] (¬10) هذا التأويل أنه لم يلزم (¬11) ذلك من صلى بهم في داره أو في السفر (¬12)، وأنه استحب في "المختصر" (¬13) أن يتنفل (¬14). وقيل: ¬
بل لما يخاف أن يقع في نفس الإِمام من الكبر والتزين بذلك ليُرِيَ من جاء أنه هو الإِمام. والذي يظهر لي أنه كما نُهِيَ أن يصلى أرفع (¬1) مما عليه أصحابه لعلة الكبر والترفع عليهم كما علل شيوخنا - وهو معنى قول مالك (¬2): "لأن هؤلاء يعبثون" - كذلك نهيناه عن بقائه (¬3) منفرداً بموضعه لتلك العلة، ولم يكن بد من تقدمه (¬4) فيه للصلاة ليتبين أنه الإِمام ويقتدي (¬5) به، فإذا كملت الصلاة لم يبق لانفراده عنهم وتميزه بمجلس دونهم إلا الترفع عليهم كالذي يصلي أرفع منهم، ولو احتاج للصلاة على أرفع مما عليه أصحابه ليقتدوا به ويعلمهم لما منع كما فعله عليه السلام حين صنع له المنبر فصلى عليه ليعلمهم ما لعله يخفى عليهم من هيئاته إذا كان سواء معهم، ولينظر جميعهم [جميع] (¬6) حركاته في الصلاة حتى لا يحجبها بعضهم عن بعض، وكما طاف راكباً لمثل ذلك. وقد قال - عليه السلام -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬7)، وقال: "خذوا مناسككم عني" (¬8) (¬9) / [خ 45]. ¬
وقوله (¬1): "مساجد القبائل"، هي مساجد الأرباض (¬2). ومساجد الجماعات هي الجوامع. وعبد الرحمن بن ثَوبان (¬3) بفتح الثاء المثلثة. قوله (¬4): "فشمَّته"، وتشميت العاطس - بالشين المثلثة، وهو قوله للعاطس إذا حمد الله: يرحمك الله -. ويقال بالسين المهملة. وأصل التشميت - بالمثلثة - الدعاء، وكل داع مشمت (¬5). وقيل: المعنى بالسين المهملة فيه من السمت، وهو الهدي (¬6). وقُبآء (¬7) بضم القاف ممدود، ويقصر أيضاً، ويصرف ولا يصرف (¬8)، وقد أنكر بعضهم (¬9) مده. وقوله في القهقهة (¬10) في الصلاة: "يقطع ويستأنف ويعيد الإقامة"، ¬
/ [ز 19] يحتج به بعضهم على ما تقدم قبل في مسألة من صلى بنجس (¬1) أن من قطع الصلاة لأمر يستأنف الإقامة طال أو لم يطل؛ إذ لم يفرق في المسألتين في ذلك، بخلاف من أقام ثم حال بينه وبين الصلاة أمر أو تراخى في ذلك، فهذا يفرق بينه وبين هذه؛ لأن إقامته في الأولى لصلاة قد قطعت، وفي هذه إقامته لهذه الصلاة نفسها، فلا يحتاج إلى إقامة ما لم يطل. وكيع (¬2) عن العُمَري عن نافع. العمري هنا هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الزاهد، أخو عبيد الله العمري الفقيه (¬3)، نُسبا إلى عمر - جدهما - وقد ضعف حديث عبد الله على جلالته وفضله وقولِ بعضهم فيه: إنه عالم المدينة، المرادُ في الحديث (¬4). وأما أخوه عبيد الله فثبت ثقة. ومُعاذة (¬5)، بضم الميم وذال معجم. وقوله (¬6): "لا بأس أن يبصق الرجل تحت قدميه وأمامه أو عن يساره أو عن يمينه"، ليس على التخيير، وإنما هذا كله عند الاضطرار لأحد هذه الوجوه، وإلا فترتيبها أولاً عن يساره وتحت قدمه، كما جاء في الحديث الصحيح (¬7)، إلا أن يكون عن يساره أحد ولا يتأتى تحت قدمه فحينئذ ¬
ينتقل إلى جهة يمينه، لتنزيه اليمين وجهتها (¬1) عن الأقذار والأدناس (¬2) في الشرع، وتخصيصها بأمور البر والبداية بالكرامة. ثم أمامه إن لم يمكن ذلك إلا هنالك، لتنزيه القبلة عن ذلك إلا للضرورة، ثم يدفنه. وألفاظ الكتاب تدل عليه؛ فإنه قال: "إن كان عن يمينه رجل وعن يساره رجل؟ قال: يبصق أمامه ويدفنه" (¬3). وقوله (¬4): "وكان لا يرى بأساً أن يبصق الرجل عن يساره وتحت قدمه إذا كان وحده"، فتأمل قوله "وحده" هنا، وانظر ما قبله يتضح لك (¬5) ما بسطته (¬6)، وإن كان بعض شيوخنا (¬7) قال: إذا دفنها بصق كيف شاء، على ظاهر لفظه (¬8)، ونحوه لابن نافع (¬9). وما قدمناه واضح - إن شاء الله - وأقرب لمعنى حديث النبي - عليه السلام - (¬10): "لا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَل وجهه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره تحت قدمه اليسرى" (¬11). ¬
وقوله (¬1): "شعبة (¬2) عن القاسم بن مِهران" (¬3). كذا رواية ابن وضاح، وهو الذي في كتاب ابن المرابط، ولجمهور الرواة وعند إبراهيم بن محمَّد: سليمان بن مهران. قال أحمد بن خالد: الصواب رواية ابن وضاح. قال القاضي: هو القاسم بن/ [خ 46] مهران - بكسر الميم - مولى بني قيس، قاله البخاري (¬4)، وقال: يروي عن أبي هريرة. روى عنه شعبة. وأما سليمان بن مهران فهو الأعمش. وقوله (¬5) في الحديث: "رأى نخاعة، أو نخامة"، ففرْقُ ما بينهما عند بعض أهل اللغة أن التي بالميم من الصدر، والتي بالعين من الرأس (¬6) لخروجها من النخاع، وهو العِرْق الأبيض الذي في الفقار (¬7). وقال الأنباري (¬8): هما سواء بمعنى (¬9)، وهو كل ما تفله الإنسان ورمى به. وتفريقه في الحديث بين اللفظين إن كان من قول الصاحب وشكه فيدل على افتراقهما في المعنى، وإن كان من قول من دونه وشكه فقد يكون لتحري اللفظ الذي سمع وإن لم يكن بينهما فرق في المعنى. ¬
وهشام الدَّسْتاوي (¬1) مفتوح الدال ساكن السين/ [ز20] المهملة، بعدها تاء باثنتين فوقها، مهموز الآخر، ويقال: دَسْتواني (¬2) بالنون أيضاً؛ منسوب إلى قرية يقال لها: دستوى (¬3)، مقصور. وقوله (¬4): "يؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثْغروا" - بثاء مثلثة ساكنة - يقال: أَثْغَر الصبي إذا سقطت أسنانه. وأثغر: إذا نبتت بعد. وقيل: أثغر وثغر: إذا سقطت، وأثغر: إذا نبتت (¬5). وذكر سحنون في الكتاب (¬6) في الحجة للبناء لمن سلَّم من اثنتين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلم ساهياً وبنى على صلاته ودخل فيما يبني (¬7) بتكبيرة وسجد للسهو (¬8)، يحتج من قول سحنون هذا واحتجاجِه برجوعه بتكبير أن مذهبه أن السلام سهواً يخرج من الصلاة ويرجع إليها بإحرام، وهو قول ابن القاسم في "المجموعة" وروايتُه عن مالك (¬9)، وخلاف ما ذهب إليه أشهب (¬10) وعبد الملك ومحمد (¬11) أنه لا يخرج ولا يحتاج إلى إحرام. ¬
وعلى هذا ينبني الخلاف في الرجوع إلى الجلوس إن تذكر بعد القيام، وليس في "المدونة" فيه بيان؛ لأن من يراه غير مخرج جعل قيامه بعده محسوباً له عن (¬1) النهضة, لأنه في الصلاة بعد، ومن جعله مخرجاً احتاج إلى أن يأتي بها. وقد شرح شيخنا أبو الوليد المسألة في كتابه بما يغني عن إعادته (¬2)، وإنما نبهنا هنا على ما في "المدونة" مما يُستروح إليه من ذلك، وإن كان يحتمل أن يكون التكبير الذي ذكره سحنون في احتجاجه أراد به تكبيرة القيام، والله أعلم. وسَبْرة الجهني (¬3) بفتح السين المهملة وسكون الباء بواحدة. وقع في روايتي (¬4) عن شيخنا أبي محمَّد بن عتاب عن أبيه في الكتاب - فيمن أصاب قملة وهو في الصلاة - قال آخر المسألة: ولا (¬5) يُلقيها (¬6) وهو في صلاة. وفي رواية غيره عن الإِبِّيَاني: وهو في غير صلاة (¬7)، وهو أبين؛ لأنه قال بعد: "فإن كان في غير المسجد فلا بأس بطرحها"، إلا أن يكون معنى الرواية الأولى: لا يشتغل بإلقائها في الصلاة. كما كره له قتلها (¬8). وكما جاء عن عامر (¬9) بعد هذا: "ليدعها" (¬10). ¬
وقوله (¬1): "يدعو على مُضَر". وجاء في الأثر نهي جبريل له عن ذلك (¬2). قال الشيخ أبو عمران: لئلا ينفرهم عن الإِسلام، وأنكر قول من قال فيه: مِصْرَ - بكسر الميم والصاد المهملة - وقال: إنما هي مضر القبيلة، بضم الميم والضاد المعجمة / [خ 47] المفتوحة. وفِطْر (¬3) عن عطاء، بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة. ومُبارَك (¬4) عن الحسن، بفتح الراء. وعبد الأعلى الثَعْلَبي (¬5)، بتاء مثلثة وعين مهملة. كذا في كتاب ابن عتاب وابن المرابط، وهي رواية ابن وضاح، وهو الصواب. وكذا أتقنه المتقنون من أصحاب الحديث. وهو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، كوفي، قاله البخاري (¬6). ووقع عند إبراهيم بن باز وعند بعض شيوخ صقلية (¬7) من ¬
رواة "المدونة": التَغْلِبي (¬1)، بتاء باثنتين وغين معجمة، وليس بشيء. والرَبيع بن خُثَيم (¬2) بفتح الراء. وأبوه بضم الخاء المعجمة بعدها ثاء مثلثة مفتوحة وياء التصغير. وعَبِيدة السَلَماني (¬3) بفتح العين وكسر الباء وفتح السين واللام. كذا يقوله أكثر الشيوخ والمحدثين، وكذا رويناه في هذا الكتاب وغيره عن أكثرهم. وقال فيه بعضهم: السَلْمَاني - بسكون اللام - قالوا: وهو الصواب (¬4). قال الجياني: نسب إلى بني سلمان، حي من قضاعة، وقيل من مراد (¬5). وفي أول (¬6) حديثه (¬7) في القنوت أن أبا موسى / [ز 21] الأشعري (¬8) وأبا بكرة (¬9). كذا لجمهورهم، وهو (¬10) الذي في رواية ابن المرابط وكذا عند ابن باز. وعند ابن عتاب: أبا بكر (¬11). وهي رواية ابن وضاح. ¬
وأبو عبد الرحمن السُلَمي (¬1) بضم السين وفتح اللام. وقوله (¬2) في مسألة "الرجل يكون في الصلاة فيظن أنه قد أحدث أو رعف". استدل بها بعض الشيوخ علي بناء الفذ في الرعاف على دليل كتاب الوضوء (¬3)، وقاله (¬4) في "العتبية" (¬5)، وخلاف ما في كتاب ابن حبيب (¬6). وأكثرُ الشارحين والمختصرين (¬7) حمل المسألة على أنه إن كان إماماً، وأنه أفسد على من خلفه؛ بدليل قوله بعد (¬8): "وهو قول مالك عندنا في الإِمام إذا قطع صلاته متعمداً أفسد على من خلفه" إلى آخر المسألة، وحملها اللخمي (¬9) على أنه لا يفسد؛ لأنه لم يتعمد، واحتج بنفس اللفظ، والأول أظهر. وقوله في مسألة من سلم من ركعتين (¬10): فإن انصرف حين سلم أو أكل وشرب ولم يطل ذلك أنه يبتدئ. كذا في كتابي عن ابن عتاب وفي أصل أبيه وفي الأصل العتيق (¬11). وفي غير روايتي: أو شرب (¬12). وفي ¬
أخرى: "فإن انصرف حين سلم فأكل وشرب ولم يطل ذلك" (¬1)، وكذا في رواية الباجي (وابن المرابط) (¬2). والأول أصوب؛ لأنه جعله بمجرد الشرب في الرواية الثانية يبتدئ ورآه طويلاً، وهذا لا يكون في الشرب. ولم يجعل الشرب وحده في غير "المدونة" طولاً (¬3)، وجعله يسجد للسهو لمن فعله ساهياً بعد هذا في الثاني (¬4). والأشبه أنما (¬5) طال بالأكل المضاف إليه أو بفعله بعد الانصراف على ما في الروايات الأخر؛ لأن نفس (¬6) الانصراف كالطول، أو يكون طال (¬7) شربه شيئاً بعد شيء فجاء كطول الأكل، أو يكون الأكل قليلاً كاللقمة فيستوي مع الشرب كاللقمة ونحوها, لقوله: ولم يطل ذلك. لكنه قد يتخرج من اختلاف هذه الروايات القولان في الشرب وشبهه مما هو من الأفعال من غير جنس الصلاة ولا طول فيه، وكالأكل (¬8) الخفيف/ [خ 48] ونحوه؛ فقد ذكر شيوخنا في ذلك عن المذهب القولين: أحدهما أنه يجبر بسجود السهو، والآخر أنه يبطل الصلاة. واعلم أن هذا إذا سلم ولم يتكلم حتى ذكر فقام لإتمام صلاته أنه لا يختلف فيه ابن كنانة (¬9) ولا سحنون ولا غيرهما أنه يبني، سواء كان سلامه ¬
سهواً لم يقصد به التحليل أو قصده به ثم يذكر أنه لم يتم الصلاة، وإنما اختلفوا إذا تكلم وجرى له كما جرى في قصة ذي اليدين، على ما نص من خلافهم في أمهاتنا. واختلفوا في الوجهين: هل يحتاج لإحرام؛ لأن السلام (¬1) فاصل، أوْ لا يحتاج لأنه في سهوه كالكلام سهواً؟ وقوله (¬2) في الذي جبذ (¬3) إنساناً إليه من الصف: "هذا خطأ من الذي فعله ومن الذي مده (¬4) ". بهذه الزيادة يرتفع الإشكال وأن الخطأ منهما معاً؛ هذا بجبذه إياه، وهذا لخروجه عن صفه وإجابته إياه. وجبذ هنا بذال معجمة، ويقال: جذب أيضاً (¬5). ومعدي كرب (¬6) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال والراء وفتح الكاف والباء. وقوله (¬7): "يتصدق بثمن ما يُجمَر به المسجد ويخلق أحب إلي"، يعني أنه أعظم للأجر، لا أنه يكره تجمير المسجد وتخليقه، بل هذا كله مما يندب إليه، وفعله الصدر الأول،/ [ز 22] لكن رأى مالك الصدقة أفضل. وتجميره هو تبخيره بالبخور. وتخليقه جعل الخَلوق في حيطانه، وهو الطيب المعجون بالزعفران (¬8). ¬
وعقيل بن خالد (¬1) بضم العين، تقدم ذكره. وقوله (¬2) للذي يُروح رجليه في الصلاة: "لا بأس به"، يعني لا يقرنْهما ويعتمد عليهما معاً، بل يفرق بينهما ويعتمد أحياناً على هذا ثم هذا. وأحياناً عليهما (¬3)، وهو معنى يروح، ويقال يراوح. ولا يجعل قرانهما سنة الصلاة، فهو الصفد (¬4) المنهي عنه، وذكر أنه عِيبَ عندهم على من فعله (¬5). وله في "المختصر": تفريق القدمين من عيب الصلاة. وقال أيضاً في قرانهما وتفريقهما: ذلك واسع (¬6). وعده بعض المشايخ خلافاً من قوله. وعندي أنه كله بمعنى التزام القران وجعله من حدود الصلاة منهي عنه (¬7). وكذلك أن يجعل التفريق من سنتها. وأن الأمر موسع يفعل من ذلك ما سهل عليه في الصلاة، ولا يجعل شيئاً من ذلك سنة، ولا يلتزم حالة واحدة (¬8). وقوله (¬9): "لا بأس بالسدل في الصلاة"، هو إرسال الرداء أو ما يلتحف به الرجل من أعلاه وجمعُ طرفيه أمامه دون أن يشتمل به أو يلتحف ويكون عليه إزار أو سراويل، فربما بدا بطنه، فلذلك شرط الإزار وقال (¬10): "وإن لم يكن عليه قميص" - وذلك أنه أحد أزياء العرب ولباسها ¬
ورديتها (¬1)، لا سيما في الحر والصيف, لأن عظم بدنه مستور. وكره في غير الصلاة لأنه من الخيلاء وجر الإزار بطراً. قال مالك (¬2): ورأيت عبد الله بن الحسن يفعله - يعني في الصلاة -. وفي حاشية الكتاب (¬3) عن ابن وضاح: عبد الله هذا من بني أمية. قال القاضي: وهذا وهم صريح، فعبد الله هذا هو ابن (¬4) حسن بن حسين/ [خ 49] بن علي بن أبي طالب (¬5) - رضي الله عنهم (¬6) - شهرته تغني عن ذكره، وهو والد محمَّد المهدي (¬7) القائم علي بني العباس. وبسببه امتحن أبوه وآل بيته. وإنما سأل عنه لأن من العلماء من منعه جملة، ومنهم من أجازه على القميص ومنعه على الإزار (¬8)، ولا يصح في منعه أثر. وقوله (¬9): لم يكن مالك يعرف التسبيح في الركعتين الأخريين (¬10)، لم يرد به التسبيح في الركوع، وإنما مراده بالتسبيح هنا ما جاء عن علي أنه كان يسبح في قيام الركعتين الأخريين ولا يقرأ فيهما. وهو قول النخعي. وخيره سفيان وأصحاب الرأي في القراءة فيهما أو التسبيح. ¬
الصلاة الثاني
الصلاة (¬1) الثاني استدل بعض مشايخ القرويين من قياسه سجود القرآن - بعد العصر - على صلاة الجنازة (¬2) على أن صلاة الجنازة غير واجبة كما نقل عن أصبغ (¬3) - وإن كان المروي عنه (¬4): سنة واجبة -. قال: وذلك أنه إنما يقاس ما ليس بواجب على ما ليس بواجب. ولا خلاف عندنا في سجود القرآن أنه سنة، ولا يصح قياسه على واجب، وإلا فكان يبطل حكم القياس. وقد أشار أبو الحسن القابسي إلى الاستدل الذي المسألة بقول مالك: إنها تصلى بعد الفريضة بتيمم واحد (¬5)، ولا يجمع بين فرضين بتيمم واحد. وأنكر هذا بعض الشيوخ وقال: صلاة الجنازة مع قولنا بوجوبها ليست على كل الأعيان (¬6)؛ فإذا قام بها بعضهم/ [ز 23] صارت في حق الآخرين كالنفل، فجاز فيها ما يجزئ فيه، والمعروف من قوله وجوبها. وأشار أبو القاسم بن ¬
محرز إلى أن سجود القرآن سنة من كلامه في الكتاب هذا (¬1)، وأنه رفعها عن حكم النفل. ومذهب أبي القاسم بن الكاتب (¬2) أنها مستحبة (¬3) في الكتاب لقوله: "وكان مالك يستحب إذا قرأها في إبان الصلاة (¬4) ألا يدع سجودها". وقوله: إبان صلاة، بكسر الهمزة، أي وقتها (¬5)، وكذلك إبان كل شيء. وقوله (¬6) في مسألة الذي يجلس لمن يقرأ لغير التعليم ولِيَسجدَ (¬7) بهم: "لا أحب ذلك، ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة قام عنه ولم يجلس معه". كذا روايتي فيه والذي عند شيوخي وأكثر الأمهات والنسخ. ووقع في بعض الروايات: فإن فعلوا فقرأ لهم سجدة سجدوا معه إذا قعدوا معه. وعلى نحو هذا ذكرها اللخمي (¬8) وابن أبي زمنين، وجعل تكرار جوابه في الكتاب للسؤالين وزاد: فإن لم يسجد سجدوا على ظاهر قوله في الكتاب في السؤال الآخر (¬9): فإن جلس إليه قوم فقرأ لهم ذلك ¬
الرجل سجدة فلم يسجدها أنهم يسجدون. وجاء بها ابن أبي زمنين عطفاً على المسألة التي كرهها مالك (¬1) الذين (¬2) يجلسون لغير تعلم (¬3). فانظره في كتابه يبن (¬4) لك ذلك من قوله. وأما الأكثرون فإنهم أفردوا جوابه إذا سجد وإذا لم يسجد في مسألة التعليم، وأنه متى لم يجلس للتعليم فلا سجود عليه، سجد القارئ أم لا، كما قال في "العتبية". وذهب بعض متأخري شيوخنا/ [خ 50] إلى تنزيل المسألة على ثلاث؛ فالجالس للتعليم يسجد في الوجهين - سجد القارئ أم لا - على مذهب الكتاب. ولا يسجد إلا إذا سجد على ما في كتاب (¬5) ابن حبيب. وإن جلس لاستماع قراءته ابتغاء الثواب لا للتعليم لم يسجد إن لم يسجد (¬6). واختلف إذا سجد. وإن جلس للوجه المكروه لم يسجد، سجد القارئ أو لم يسجد (¬7). وقوله (¬8) مُوخَرَة الرَّحْل بفتح الخاء وبالواو - ويقال أخَرَةٌ -: وهو (¬9) العود الذي خلف الراكب (¬10). وجِلَّة الرمح (¬11)، بكسر الجيم وتشديد اللام، أي: غلظه (¬12). ¬
وشَريك (¬1)، بفتح الشين لا غير، في كل اسم في الكتاب. وقوله (¬2): "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى الفضاء" (¬3)، كذا في كتابي وكتب شيوخي. وعند بعضهم: العصا. يريد الحربة التي كانت تُركَز له, وهي العَنَزة الذي (¬4) جاء ذكرها في الحديث، وهو (¬5) رمح قصير. وغزوة تَبوك (¬6) بفتح التاء لا غير. وقوله (¬7) في السترة: "فإن الشيطان يمر بينه وبينها" (¬8)، قيل في معناه: ¬
يحتمل أنه الشيطان نفسه، وأن الله تعالى يكفيه إياه ويمنعه من الدنو منه وقطعِ صلاته عليه إذا فعل ما أمره به واجتهد في الدنو من سترته، كما يكفيه كشفَ إنائه وفتحَ بابه إذا غطاه وأغلقه ولو بعود وسمى الله عليه كما أمر (¬1) به. وقيل: [بل] (¬2) المراد الرجل الذي يمر بين يديه ويقطع عليه (¬3)؛ لأن النبي - عليه السلام - سماه بذلك وقال: "فليقاتله فإنما هو شيطان" (¬4)؛ قيل لفعله فعل الشيطان. وقيل: بل المراد شيطان ابن آدم لقوله في الحديث الآخر: "فإن معه القرين" (¬5). وقوله (¬6): "الخط باطل"، يريد أن يخط من لم يجد سترة يصلي إليها بين يديه خطاً في الأرض، وقد روي في ذلك أثر ولم يصح (¬7). وقال بالخط جماعة من العلماء، واختلفوا/ [ز 24] في صفته؛ فقيل: من القبلة إلى دبر القبلة، وليس من اليمين إلى اليسار (¬8). وقيل: بل من اليمين إلى اليسار منعطف الطرفين كالهلال (¬9). ¬
والبُوقال (¬1)، بضم الباء، كذا ضبطناه وما أُراه عربيًّا (¬2). والأَتان (¬3): الأنثى من الحُمُر. وقوله (¬4): "ناهزت الاحتلام"، أي: قاربت. وبَكر بن سَوادة (¬5) بفتح السين والواو المخففة، الجذامي، بذال معجمة. وقوله (¬6): "إن قِطًّا أراد أن يمر بين يدي النبي - عليه السلام - فحبسه برجله" (¬7)، تكون الهاء عائدة على النبي - عليه السلام - (¬8)، والرَّجْل له، ويكون هذا في حال القيام، أو تكون تعود على القط ورِجْلِه، فيكون في حال الجلوس. وقوله (¬9): "لا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو يساره إذا كان ذلك قريباً يستتر بها، وكذلك إن كانت أمامه فتقدم إليها، وكذلك إن كانت وراءه فلا بأس أن يتقهقر". قال القاضي: وكذا يجب أن يمشي إلى يمينه عرضاً وشماله، ووجهُه إلى القبلة، وقد جاء في الحديث أنه عليه السلام "كان إذا صلى إلى عمود ¬
أو غيره جعله على حاجبه (¬1) الأيمن أو الأيسر (¬2) "/ [خ 51] ولا يصمده صمداً (¬3). خرجه أبو داود وغيره (¬4). والقَهْقرى (¬5) مقصور: الرجوع إلى خلف ووجهه مستقبل أمامه (¬6). ورأيت بعضهم حكى فيه المد ولا أعرفه. ¬
وانظر قوله (¬1): "إن ناول المصلي نفسه الثوب أو البوقال، قال: لا يصلح عند مالك؛ لأنه مما يمر بين يدي المصلي"، فيه دليل على أن المصلي لو فعله لم تفسد صلاته، وأنه من العمل الخفيف الذي لا يبطل الصلاة. وقوله: "يجمع (¬2) في الحضر إذا كان مطر وطين وظلمة". كذا روايتنا عن يحيى في هذا الموضع. وفي الرواية الأخرى (¬3): "إذا كان مطر أو طين وظلمة"، وهي أكثر الروايات، وعليه (¬4) اختصر أبو محمَّد (¬5). يستفاد من هذه الرواية الأخرى أن مجرد المطر يجمع فيه وإن كانت الليلة مقمرة إذا كان كثيراً، وأنه لا يجمع في الطين إلا مع قران الظلمة، وهو الذي قاله الشيوخ، قالوا: وهو ظاهر المذهب. وخرج بعضهم (¬6) من "العتبية" (¬7) الجمع بمجرد الطين وإن لم تكن ظلمة على ظاهر لفظها. ولم يذكر في "المختصر الكبير" الظلمة أيضاً. وأما الرواية الأولى فلا إشكال (في) (¬8) أن بمجموعها يباح الجمع. وفي بعض النسخ: وإذا كان مطر وطين أو ظلمة. وكذا في أصل ابن عيسى، وهو يرجع إلى ما تقدم، أي مطر وطين، أو مطر وظلمة. فعلى هذه الرواية كأنه اشترط مع المطر الظلمة (¬9). ¬
قال بعض شيوخنا: يجمع بالمطر وحده ولا يجمع بالظلمة وحدها، ويختلف في الطين بانفراده. ولا خلاف بين الأمة في الجمع (¬1) في الظلمة وحدها؛ لأن نصف الشهر ظلمة، إلا أن يكون معها ريح. وفي حديث ابن قسيط في "الأم" (¬2) "أن جمع المطر (¬3) بالمدينة في ليلة المطر والطين، المغرب والعشاء، سنة". كذا في بعض الروايات، وسقطت لفظة الطين من روايتنا وأكثر الروايات (¬4). وإثباتها على معنى ليلة المطر وليلة الطين، لا أنه (¬5) لا يجمع إلا بمجموعهما. وقوله: "سنة"، كذا جاء بعد (¬6) من قول سحنون في الباب الثاني: وقد جمع رسول الله (¬7) في المطر (¬8) للرفق بالناس (¬9)، وهي سنة من رسول الله عليه السلام (¬10). وكذا قال مالك في "المختصر": هي سنة (¬11). وفي كتاب محمَّد أنه في السفر رخصة (¬12) وتوسعة لمن احتاج إليه وليس بسنة لازمة. (قيل) (¬13): ¬
معنى قوله في الجمع للمطر (¬1):/ [ز 25] سنة، أي إنه مما عُمِل بها وسن لنا الترخص بها. وقيل: معناه أن من أخذ برخصة الجمع فسنته أن يأتي بها على الهيئة المشروعة، لا أنها بمنزلة السنن المأمور بامتثالها (¬2) المندوب إلى فعلها، وبينه قوله في كتاب محمَّد: وليس بسنة [لازمة] (¬3)، وقوله في "المجموعة" (¬4): سنة الجمع أن ينادى للمغرب، إلى ما ذكره. وقوله (¬5) في المريض: "إذا كان الجمع أرفق به جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر"، كذا ألحقنا "وسط" من كتاب ابن عتاب وغيره. وعليها اختصرها ابن أبي زمنين (¬6). وفي غيرها من النسخ بإسقاطها. قال ابن وضاح (¬7): أمر سحنون بطرح "وسط"، وبإسقاطها يوافق الجواب في الظهر والعصر الجواب في المغرب والعشاء، وبإثباتها يخالف (¬8). فتأول بعض الشيوخ أن المراد بوسط الوقت وقت الاختيار، وهو نصف القامة. وإليه ذهب/ [خ 52] ابن أخي هشام (¬9)، فهذا على المخالفة بين هذه الصلوات. ولابن سفيان المغربي القروي (¬10) في وسط الوقت في الظهر رَأْي ¬
أنه ثلث القامة لبطء (¬1) حركة الظل وزيادته أول الوقت وسرعةِ ذلك بعده، فالثلث في التقدير عنده وسط. وقال غيره (¬2): بل ربع القامة (¬3)، وهو قول ابن حبيب (¬4). وقال آخرون: بل المراد بالوقت الوقت كله، ووسطه آخر القامة، وهو اختيار أبي عمران (¬5)، وحكَى عن سحنون مثلَه (¬6) في معنى المسألة ابنُ أبي زمنين، وهو ظاهر أمره بإسقاط "وسط" وتسويتِه بين صلاتي (¬7) النهار والليل، [وترخص] (¬8) في المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق (¬9)، فوسطه هنا هذا (¬10) كالقامة بين الظهر والعصر في وقت اشتراكهما. ¬
وقوله هنا في تأخير المغرب إلى مغيب الشفق دليل على أن لها عنده وقتين، وقد تقدم مثله، وهو ها هنا (¬1) بين لقوله (¬2): "في آخر وقت قبل أن يغيب (¬3) الشفق". وتأمل قوله في الكتاب في مسألة جمع المسافر (¬4): "وعلى ذلك الأمر عندنا في الجمع لمن جد به السير"، ولم يشترط فواتَ أمر كما اشترطه قبل قوله هذا (¬5)، فهو نحو قول (¬6) ابن حبيب (¬7): إن للمسافر أن يجمع إذا جد به السير وإن لم يخش فوات أمر. وقد قال أيضاً في آخر باب (¬8) جمع المريض (¬9): "وإنما الجمع رخصة لتعب السفر ومؤنته إذا جد به السير". واختلف في ضبط "وسط"؛ فقيل: لا يقال هنا وفي الدار وشبهه إلا بالإسكان (¬10)، وأما وسَط بالفتح فمعنى (¬11) عدل، قال الله: {أُمَّةً وَسَطًا} (¬12). وقال ابن دريد: يقال: وسَط الدار ووسْطها (¬13). ¬
والفرسخ (¬1): ثلاثة أميال. والبريد (¬2): أربعة فراسخ، وقد تقدم. وقوله (¬3): "إنا قوم سَفْر"، بفتح السين وسكون الفاء؛ جمْعٌ مثل ركب، ومن قرأه: سَفَرٍ خفضه ولم ينون "قوماً" قبله وكان على الإضافة، أي: أصحاب سفر. وعلي بن جُدْعان (¬4) - بضم الجيم وسكون الدال المهملة -. وخالد بن أَسِيد (¬5) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة. وعبد الله بن لهيعة (¬6) بفتح اللام وكسر الهاء. وعبد الرحمن بن جساس (¬7) بفتح الجيم وسينين مهملتين أُولاَهما مشددة. وقوله (¬8): "إذَن والذي نفسي بيده تَضِلون وتصلون" (¬9) (¬10)، بالضاد ¬
المعجمة والمهملة معاً، رويناه بالوجهين؛ فبالمعجمة وفتح التاء من الضلال، أي بمخالفتكم (¬1) الرخصة، وهي رواية أبي عمران وأبي بكر بن عبد الرحمن (¬2)، وكذا حكاه عبد الحق عن كتاب أبي الحسن القابسي. [قال ابن خالد: وهي الرواية] (¬3). وبالصاد/ [ز 26] المهملة مفتوحةً وضم التاء، أي تعيدون الصلاة. أو يكون المعنى: تصلون كما حُد لكم وشُرع لا باختياركم وآرائكم، وهي رواية أبي محمَّد عبد الحق (¬4) عن أبي عبد الله الأجدابي من رواية جبلة (¬5) وابن مسكين (¬6). وأبو جمرة (¬7)، بالجيم والراء، راوي ابن عباس في هذا الكتاب، وهو ¬
نصر بن عمران الضُبَعي (¬1)، والمثنى بن سعيد الضُبَعي (¬2)، كلاهما بضم الضاد وفتح الباء (¬3). وذات النُصْب (¬4)، بضم النون والصاد/ [خ 53] المهملة، موضع من المدينة على أربعة برد (¬5). وداجنته (¬6): هو ما أنس من الحيوان (¬7) في الدور. وأبو حَرب بن أبي الأسود (¬8) بفتح الحاء وآخره جاء بواحدة، وكذا رويناه، ابن أبي الأسود، وكذا هو في "موطإ ابن وهب" وهو الصواب. وكان في الأصل - فيما ذكره بعض الرواة -: عن أبي الأسود (¬9)، فأصلح من "موطإ ابن وهب". والدُوْلي (¬10) بضم الدال وسكون الواو، ويقال في هذا بفتح الهمزة على الواو. وأبو سعيد الخدْري (¬11) بسكون الدال المهملة، منسوب إلى بني خُدرة من الأنصار. وقوله: "رأى خُصا" (¬12)، بضم الخاء وصاد مهملة، وجمعه ¬
خصوص (¬1)، وهي بيوت البوادي، ورواه بعضهم هنا: حِصْنا (¬2)، وليس بشيء؛ لأن البصرة ليست بذات حصون إنما كانت الحصون بالمدينة. وقوله (¬3): "ولو شاؤوا أن يخرجوا إلى الجُدِّ لفعلوا". الجُد: الساحل، بضم الجيم، وبه سميت جُدة (¬4)، وجُد كل شيء جانبه. وحكى فيه أبو عبد الله الأجدابي الكسر ولا أعرفه هنا، ورواه ابن المرابط وغيره [الجَد] (¬5) بالفتح. وقال ابن لبابة: هو من الجدَد، يريد الأرض. قال القاضي: والضم هو الوجه (¬6). وقوله (¬7) في الذي ترده الريح إلى المكان الذي خرج منه وتحبسه فيه أياما: "إنه يتم صلاته ما حبسته الريح في المكان الذي خرج منه". هنا تمت المسألة في "المدونة". قال سحنون: يريد إذا كان له وطناً. ووقعت المسألة في "المبسوطة" (¬8) تامة مفسرة لذلك؛ قال: يتم الصلاة في المكان الذي خرج منه وابتدأ سفره. قال ابن وضاح: وكلام سحنون مخرج ليس في الأصل (¬9). ¬
وقوله (¬1) في مدة القصر: "مسيرة يوم وليلة". كذا عند ابن عتاب وابن عيسى. وعند بعضهم: مسيرة يوم تام. قال أحمد: إن ابن وضاح رده اليوم التام. قال: والرواية مسيرة يوم وليلة. والقولان معروفان عن مالك (¬2). واختلف الشيوخ في تأويل ذلك؛ فقيل (¬3): يوم وليلة يسار فيهما، فيكون بمقدار (¬4) يومين، وذلك أيضاً قدر أربعة برد؛ لأنها مسيرة يومين لغالب أهل السفر وأصحاب الأثقال. واختصره أكثرهم أن قول مالك اختَلف فيه؛ فقال مرة: يوماً (¬5) وليلة. وقال مرة: يومين. واختصره بعضهم: ثم قال يقصر في أربعة برد، وعليه اختصر ابن أبي زمنين (¬6). ولم يذكر أحد منهم اليوم التام إلا ما وقع في كتاب محمَّد (¬7) عن ابن عمر: "يقصر في اليوم التام (¬8). قال محمَّد: وذلك في الصيف للرجل المجد، وأربع (¬9) برد أحب إلى مالك لجمع زمن الشتاء والصيف، السريع (¬10) والبطيء. وهو قول ابن عباس" (¬11)، فكأن ما حكاه (¬12) محمَّد عن مالك هو نحو ما حكاه ابن القاسم في "المدونة". ¬
ومعنى قوله (¬1): ثم ترك ذلك مالك وقال: لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين ميلاً كما قال ابن عباس؛ قيل (¬2): معناه ترك التحديد بهذا اللفظ لما هو أبين منه مما لا يختلف في السرعة والإبطاء ولا بالزمان كما بينه/ [ز 27] في كتاب محمَّد. ولهذا يرجع قوله: مسيرة اليوم التام، كما قال محمَّد وكما وقع في "المبسوط" (¬3) في تحديد سفر البحر اليوم التام (¬4)، ويكون كله/ [خ 54] وفاقاً؛ إما لأن سفر البحر أسرع فيقطع في اليوم فيه ما يقطع (¬5) في البر في يومين أو يوم وليلة - على تأويل بعضهم (¬6) - أو يكون المراد باليوم التام بليلته كما قال غيره (¬7)، فيتفق معنى قوله في البر والبحر. وقع في سند حديث ابن عمر أنه كان يُتم بمكة (¬8): وكيع عن عبد الله بن نافع عن أبيه، كذا عندي، وهي (¬9) رواية ابن وضاح والدباغ. ولابن باز والإِبياني: ابن وهب (¬10)، مكان وكيع، وذكر أن ابن وضاح (¬11) أصلحه. وقال أحمد بن خالد (¬12): الصواب: وكيع. ¬
وفي حديث ابن عمر (¬1) من طريق مالك أنه "كان يصلي وراء الإِمام بمكة أربعاً". كذا عند ابن عتاب وفي أكثر النسخ (¬2)، وعند ابن عيسى وبعضهم: بمنى (¬3)، وكذلك في "الموطأ". وفي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة". ثبت "من الليل" لابن وضاح، وسقط لغيره. ورواية ابن وضاح هي الصحيحة. ثم قالت (¬4): "ثم ينصرف؛ فإن كنت يقظانة حدثني، وإن كنت نائمة اضطجع حتى يأتيه المؤذن، وذلك بعد طلوع الفجر"، كذا لابن وضاح. ولغيره: (¬5) "كان يصلي إحدى عشرة ركعة ثم يضطجع على شقه الأيمن؛ فإن كنت يقظانة حدثني حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، وذلك بعد طلوع الفجر" (¬6). ورواية ابن وضاح حجة لمالك أن الضجعة ليست بسنة (¬7). وليس ما في كتاب ابن حبيب (¬8) خلاف (¬9) لقوله، فانظره. ¬
وظاهر هذا الحديث وحديث "الموطإ" (¬1) أن الضجعة إثر الأحد عشر (¬2) ركعة، وقبل ركعتي الفجر، لكنه قد جاء مبينا أنها بعد ركعتي الفجر في غير (¬3) "المدونة" و"الموطأ". الضَّجعة - بالفتح - الفعلة الواحدة، كالرمية والنومة. وبالكسر: الهيئة كالقِعدة والجِلسة. وقَبيصة بن ذُؤيب (¬4)، بفتح القاف وكسر الباء بواحدة، وأبوه بضم الذال المعجمة، تصغير ذئب. وحسين بن عبد الله بن ضُمَيرة (¬5) بضم الضاد وفتح الميم. وعبد الله بن نافع (¬6) المذكور في هذا الحديث في القراءة في الوتر هو صاحب مالك، وهو الأكبر المعروف بالصائغ، وهو الذي روى عنه سحنون، والذي ذكر العتبي "سماعه" مقروناً بـ "سماع أشهب"؛ لأنه كان أمياً لا يكتب، وهو من أكابر أصحاب مالك المدنيين. وعبد الله بن نافع الزبيري، هو الأصغر، من فقهاء المدينة من أصحاب مالك أيضاً، روى عنه من دون سحنون، خرج عنه مسلم (¬7). ¬
مسألة القراءة في الوتر (¬1)، يقال بفتح الواو وكسرها. تكلم في الكتاب فيما يُقرأ به في ركعة الوتر (¬2)، ولم يُجْر (¬3) ذكرا لما يقرأ به في شفعها في الكتاب، وتكلم في ذلك في غير الكتاب فقال مرة (¬4): ما عندي فيه شيء يقرأ به، واختار مرة ما روي عنه عليه السلام (¬5). وخيره ابن حبيب (¬6) ووسع عليه في الجميع. وهذا كله في الشفع إذا كان مفرداً عن غيره ولم يتقدمه تنفل يتصل به، فأما إذا اتصل به تنفل قبله فلا تتعين له قراءة ولا عدد جملة. وللمصلي أن يوتر حينئذ بواحدة يصلها بنفله (¬7)؛ إذ الوتر عندنا/ [ز 28 خ 55] واحدة. وإلى هذا (¬8) ذهب القاضي أبو الوليد الباجي (¬9) وغيره من متأخري مشايخ المغاربة (¬10)، وهو مبني على أصل المذهب، و ... (¬11) لصواب. وخالف ¬
في هذا بعض مشايخ القرويين (¬1). ولعله في الكتاب إنما تكلم (¬2) على ذلك لأنه أجراهما مجرى سائر النوافل في القراءة؛ إذ الوتر المسنون إنما هو عندنا واحدة فقط (¬3). ومما يبين ما قلناه اختلاف قوله فيمن تنفل في ليله (¬4) ونام ثم قام لوتره؛ هل يحتاج إلى شفع قبله أم لا؟ وإنما اختلف قوله لمراعاة بُعْدِ ما بين التنفل (¬5) والوتر؛ فمرة رأى ذلك يجزئ (¬6) وليس فيهما تخصيص شفع لوتره، ومرة راعى انقطاع الوتر من النفل قبْله وبُعده عن الشفع فرأى إعادته (¬7). ويشهد لهذا قول ابن حبيب في الشفع الذي قبل الوتر: أقل ذلك ركعتان (¬8) وأكثره اثني (¬9) عشرة ركعة. فلم يميز من ذلك للوتر عددا مخصوصا، وإنما أشار إلى صلاة ليل ونافلة قبلها. وتخريج اللخمي الخلاف في عدد ركعات الوتر من مسألة قيام رمضان (¬10) غير صحيح. وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه ¬
من كتاب الصوم إن شاء الله تعالى. وعاصم بن ضَمْرَة (¬1) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم. وخالد بن ميمون الصُغْدي (¬2)، بضم الصاد المهملة وسكون الغين المعجمة ودال مهملة، منسوب إلى بلاد الصُغد (¬3) مما وراء خراسان (¬4)، وهي بلاد سَمَرْقَنْدَ وجهاتها. ويأتي في باب الجمعة (¬5): هارون بن عنترة السَعْدي (¬6)، بفتح السين وسكون العين المهملتين، منسوب إلى بني سَعْد (¬7). قوله في الذي يصلي وتره ركعتين ساهياً (¬8): "يسجد سجدتي السهو ويجتزئ بوتره ويعمل في النوافل كما يعمل في الفرائض"، استخرج بعضهم من هذه المسألة أن مذهب الكتاب أنه لا يعيد في كثرة (¬9) السهو، وهي رواية مطرف (¬10) عن مالك فيمن زاد في الصلاة مثلها ورواية عيسى عن ابن القاسم (¬11). ¬
وقوله (¬1) في الحديث "يا رسول الله، أُوتر بعد الفجر؟ فقال له في الثالثة" (¬2)، انتهى هنا الحديث عند ابن وضاح. وفي بعض الروايات زيادة "اِفعل"، وفي أخرى: أوتر (¬3). وقد فسر سحنون معنى: فقال له في الثالثة (¬4). وقوله في تقصير السُعاة (¬5): "لا أدري ما السعاة". إنما كره الجواب لأنهم عنده سعاة جور لا يقضون بالحق فيما يأخذونه من الزكاة، فهم كمن سافر في معصية. مسألة ذاكر صلاة في صلاة (¬6)، حملها عبد الحق (¬7) على أن صلاة الفرض بعد ركعة لا تقطع بخلاف النفل (¬8)، وأنه لم يختلف قوله هنا في الفرض كما اختلف في النفل لظاهر جوابه، وخرج هو وغيره (¬9) فروقاً بينهما أظهرها ظهور تأثير ذكر الصلاة في هذه (¬10)، قالوا: وإنما يختلف قوله إذا ¬
عقد ثالثة (¬1) لشبهها إذا أكملها بالنافلة إذا أكملت وعدم تأثير الذكر فيها (¬2)، وكذلك تأول غيره (¬3) أن ابن القاسم يفرق في اختياره أيضاً بين ركعة من الثنائية (¬4) وغيرها لعدم التأثير في الثنائية (¬5) إذا أكملها فيرى قطعها، وظاهر مسائلنا التسوية (¬6). وذهب غيرهم من شيوخ الأندلسيين إلى أن المسألة عنده على قولين، وأن قوله في النافلة على أحد قوليه/ [خ 56] في الفريضة، وما لزمه في الفريضة لزمه في النافلة، وإنما أجاب في هذه المسألة على أحد قوليه في النافلة لما وجدوا القولين له في المسألتين (¬7) منصوصين في غير "المدونة". وأما فضل بن سلمة فذهب إلى أن ابن القاسم فرق، ما بين الذاكر في النافلة يتمها ركعتين لكون النافلة كذلك، وأن ذاكر ذلك/ [ز 29] في الفريضة في ثلاث يقطع, لأنها لا تكون النافلة أربعا، قال: وأما مالك فقد اختلف قوله في المسألتين جميعاً. قوله (¬8) في ذاكر صلاة بعد ثلاث ركعات من أخرى: "يقطع التي دخل فيها بعد ثلاث أحب إلي"، رويناه عن شيخنا أبي محمَّد: "إِلَيَّ وإليه"، وكذا كان في كتاب أبيه. و"إليه" هي رواية أبي محمَّد بن أبي زيد (¬9). فالاستحباب ¬
هنا راجع إلى مالك. و"إلي" رواية القابسي (¬1)، فيرجع (¬2) الاستحباب إلى ابن القاسم. وإذا كان هذا فقوله بعد هذا في باب ذكر السهو في الصلاة (¬3) في ذاكر سجود السهو قبل السلام وهو في فريضة وهو على وتر: "يضيف إليها ركعة أحب إلي. وكذلك قال مالك"، فهذا اختلاف من قوليهما في استحباب ما يفعل. وقد ذهب بعض الشيوخ إلى التفريق بين البابين بما تقف عليه عند الكلام على تلك المسألة بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقوله فيما تُقدم من الصلوات المنسية على الحاضرة: الصلاتان والثلاث أو ما قرب من ذلك (¬4)، وفي رواية القاضي أبي عبد الله: وما قرب، وكذا في كتاب ابن المرابط (¬5). وكان في السؤال: أو أربعاً، فأجاب بما ذكرت. حمل بعض الشيوخ (¬6) أن الأربع في حيز القليل الذي لا يختلف فيه لقوله: أو ما قرب من ذلك، وزيادة واحدةِ أقرب القرب. وإنما الخلاف في الخمسة (¬7) كما أن ستة (¬8) في حيز الكثير (¬9) .......................... ¬
فمن راعى (كثرة) (¬1) الخمسة (¬2) التفت إلى أنها صلاة يوم وليلة وجملة أعداد الصلوات. ومن راعى القلة رأى (¬3) أن الكثرة إنما تكون فيما زاد على صلاة يوم وليلة (¬4). وبعضهم يرى أن الأربع في حيز الكثير (¬5) بدليل أول السؤال وعدوله عن ذكر الأربع وتسميته قبلُ في المسألة الأخرى الصلاتان (¬6) والثلاث، ويجعل قوله: أو ما قرب من ذلك، يعني: قل وخف من الصلوات، يريد كما سميت لك لا ما قرب من ثلاث بالزيادة، لا سيما (¬7) على من روى: وما قرب. ونص سحنون أن الأربع في حيز القليل (¬8). وقوله (¬9) في مسألة الإِمام يذكر صلاة، وذكر اختلاف قول مالك، ثم [قال] (¬10) سحنون: وهما يُحملان جميعاً، معناه: يُرويان عن مالك وينقلان عنه، يعني القولين. وقوله (¬11) في مسألة من نسي الصبح والظهر فذكر (¬12) الظهر ثم ذكر ¬
فيها الصبح: "تفسد عليه صلاة الظهر"، اُنظر كيف حكم لها بالفساد، وقال فيمن صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة نسيها: إنها تجزئه ويعيد الآخرة (¬1) في الوقت (¬2). وقال ابن حبيب: تفسد عليه وعليه الإعادة أبداً (¬3). وعلى قول مالك في هذه جاء قول أشهب (¬4) فيمن ذكر الصبح وهو في صلاة الجمعة ولا يطمع إن قطع أن يدرك منها ركعة أنه يتمادى وتجزئه جمعته (¬5)، بمنزلة صلاة خرج وقتها (¬6). وذهب بعض الشيوخ إلى أن الكلام/ [خ 57] في هذا منه مبني على قولين (¬7) في فساد الصلاة الذي (¬8) وقع فيها الذكر، وعليه حملوا اختلاف قوله في مسألة (¬9) ذاكر صلاة وهو في ثلاث من المغرب وراء إمام أنه يسلم من ثلاث، ثم يعيدها، يريد استحساناً (¬10). وفي رواية أخرى (¬11) أنه يضيف إليها رابعة. وقوله (¬12) في الحديث: "ثم فزع إليها" (¬13)، بكسر الزاي: أي ذعر ¬
لفواتها، ويكون أيضاً بمعنى تنبه واستيقظ لها (¬1). فزع من نومه: إذا هب منه. وقوله (¬2) في مصلي الخامسة ساهياً: يجلس ولا يضيف إليها سادسة، إنما قاله لأن النافلة لا تكون ستًّا عند جمهور الفقهاء، وإنما اختلفوا في كونها أربعاً مع اتفاقهم على جواز التنفل باثنتين إلا شيئاً روي عن ابن عمر (¬3) أن نافلة النهار أربع (¬4)، وقاله الأوزاعي (¬5) / [ز30] وأحمد بن حنبل (¬6)، وإلا قول أبي حنيفة أنه إن شاء تنفل ليلاً أربعاً وستاً وثمانياً (¬7)، فرأى مالك مراعاة الخلاف المعلوم ولم يلتفت إلى الشاذ. وقوله (¬8) في الذي يذكر وهو في صلاة الظهر أنه في الخامسة ولم يكملها بسجودها: "إنه يرجع [فيجلس] (¬9) ويسلم ويسجد لسهوه"، ولم يذكر التشهد لأنه قال أول السؤال ما يدل أنه تشهد قبل قيامه للخامسة، وإنما كان شكه قبل سلامه (¬10). وقد اختلف في هذا الأصل: هل يعيد التشهد حتى ¬
يكون سلامه متصلاً به أم لا؟ ومذهب مالك استحباب هذا (¬1) في مسألة القراءة لمن رجع ليركع في رواية أشهب عنه (¬2). وعلى هذا يأتي استحبابه لمن سجد سجدة قرآن في صلاته أنه إذا قام منها قرأ شيئاً قبل أن يركع ليكون ركوعه بعد قراءة (¬3). وقوله (¬4) في مسألة الإِمام الذي سها بسهوه قوم واتبعه آخرون إلى آخر المسألة، وقوله: إن صلاة من لم يتبعه تامة، قال سحنون (¬5): معناه سبحوا به، فأما إن لم يفعلوا وقعدوا فليعيدوا أبداً. قال: وإن كان الذين اتبعوه أيضاً عالمين بسهوه، تأولوا أن عليهم اتباع إمامهم فأحب (¬6) إلي أن يعيدوا. وقوله (¬7) في مسألة الذي ترك السجدة من ركعة وقد قرأ أو ركع ولم يرفع من الركعة التي تليها: "يرجع فيسجد السجدة"، قال بعض الشيوخ (¬8): هذا يدل على أنه يرجع للجلوس ثم يسجد من جلوس كما قال عبد الملك (¬9)، ومثل رواية أشهب (¬10) عن مالك فيمن نسي الركوع أنه يرجع قائماً فيركع، وهو خلاف ما يأتي بعد هذا (¬11) فيمن ركع في الثانية وأُنسِي (¬12) السجدة من الأولى: يترك ركوعه الذي هو فيه وغير ساجداً ¬
لسجدته التي نسي، ولرواية أشهب عنه (¬1) في ذلك: يخر ولا يرفع رأسه. وليس تأويله (¬2) في قوله في المسألة الأولى: "يرجع فيسجد ببين"، إذ قد يحمل قوله: يرجع، أي لإصلاح الركعة الأولى وتمامها ويترك ما هو فيه، (وما تأوله الشيوخ في الفرق في جوابيه بين) (¬3). مسألة من نسي الركوع أو نسي السجود المذكورين (¬4) لا يصح إلا على من لا يرى حركات الانتقالات مستحقة في الصلاة إلا لإرادة الفضل (¬5) ولا يوجب الاعتدال والطمأنينة فيها. وهو أصل مختلف فيه (¬6). وما أرى جوابيه إلا على القولين في ذلك. وداود بن الحُصَين (¬7)، بضم الحاء وفتح الصاد المهملة، وكذا هو في الأسماء،/ [خ 58] وأما في الكنى فبالفتح حيث وقع ذلك في الكتاب. وعبد الله بن بُحَينة (¬8)، بضم الباء وفتح الحاء المهملة. وخُصَيف (¬9)، بضم الخاء المعجمة ............................. ¬
وفتح الصاد المهملة (¬1). وذكر في الكتاب (¬2) حديث ابن وهب عن مالك وهشام بن سعد يرفعه (¬3): "إذا شك أحدكم في صلاته"، إلى قوله: "ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم" (¬4). ثبت قوله: "ثم يسجد سجدتين قبل التسليم" لابن عتاب وحده. قال ابن وضاح: لم يدخل سحنون هذا الحرف، يعني: "قبل التسليم"، وهو صحيح في "موطإ ابن وهب" (¬5) وموطئات مالك رحمه الله. وعن أبي عَبِيدة (¬6)، بفتح العين وكسر الباء، عن ابن مسعود: "إذا قام أحدكم في قعود"، كذا وقع ضبطه عندي عن الشيخ ابن عتاب، وهو وهم، وصوابه ما وقع عند ابن عيسى: أبو عُبَيدة، بضم العين وفتح الباء، وهو ولد عبد الله بن مسعود، مشهور. والذي بفتح العين عن ابن مسعود ¬
[هو] (¬1) عَبيدة السَلَماني، اسم غير كنية، وقد ذكرناه. وحديث ابن مسعود (¬2) هذا: إذا قام من قعود أو قعد من قيام أن سجوده (في الجميع) (¬3) بعد السلام، هو مذهب ابن مسعود، ولهذا حمله سحنون على الخلاف، واعتذر في الكتاب من إدخاله (¬4) وأنه إنما احتج ببعضه، وأن السلام على السهو لا يقطع الصلاة. وقد ذهب أبو عمران إلى حمله على المذهب في أن يجعل القيام من قعود في الرابعة فيكون عمله كله زيادة حكم سجوده/ [ز 31] بعد السلام، والمعروف من مذهب ابن مسعود خلافه. وقوله (¬5) في مسألة ناسي السجود من الأولى والركوع من الثانية: لا يضيف سجود الثانية لركوع الأولى "لأن نيته في هذا السجود إنما كان لركعة ثانية"، يقتضي أنه يخص كل ركعة بنيتها وإلا لا تجزئه، وقد أجاز في هذه بعينها أن يرد الثانية أولى إذا كان قد أكمل ركوع الثانية ونيته لم تكن لها (¬6). وقوله (¬7) في الذي نسي تكبيرة واحدة: لا شيء عليه، فإن نسي أكثر من ذلك سجد قبل السلام، ثم قال بعد هذا (¬8) فيمن نسي بعض التكبير أو نسي سمع الله لمن حمده مرتين أو أكثر. كذا لابن عتاب وعند إسحاق بن ¬
إبراهيم، وهي رواية ابن عيسى، وكذا في كتاب ابن المرابط مكان "أكثر" (¬1): "أو الله أكبر أو مثل التشهدين (¬2)، ونسي أن يسجد حتى طال"، ثم قال: "أما التشهدان والتكبيرة والاثنتان (¬3) وسمع الله لمن حمده مرة أو مرتان (¬4)، فإذا انتقض وضوءه أو طال كلامه فلا أرى عليه سجوداً ولا شيئاً". وهذا كله تصريح في التكبيرة الواحدة بالسجود خلاف ما تقدم وما يأتي له في الباب بعد (¬5). وعلى (هذا) (¬6) الخلاف حملها غير واحد (¬7) وهو بين في "سماع يحيى" (¬8) عن ابن القاسم عن مالك، فقال مرة: لا يسجد، ومرة: يسجد في تارك (¬9) تكبيرة. ويحتمل أن يكون الجواب عائداً على قوله: مرتين، لكن قوله بعد هذا: أما التكبيرة والتكبيرتان وسمع الله لمن حمده مرة أو مرتين، يصحح (¬10) أن مراده/ [خ 59] على رواية إسحاق واحدة، فهو خلاف من الكتاب بين في إيجاب السجود في التكبيرة الواحدة قبل. ¬
وقوله (¬1): "إذا جعل موضع "سمع الله لمن حمده" "الله أكبر"، وموضع "الله أكبر" "سمع الله لمن حمده"، كذا روايتنا. وعند بعضهم: أو موضع سمع الله لمن حمده (¬2). ففي هذه الرواية - وعليها اختصر ابن أبي زمنين - إنما أسقط مرة (¬3). وقد أوجب عليه السجود أيضاً (¬4) إذا (¬5) جعل مبدلها كناسيها، وإن كان عبد الملك بن الماجشون (¬6) قد رأى في هذه (¬7) السجود، قال: لأنه زاد ونقص، ولو نسي تكبيرة واحدة ولم (¬8) يسجد (¬9). وأنكر هذا أبو عمران (¬10) وقال: زيادة الذكر لا يوجب سجوداً. وقد رأى بعضهم أن هذا كله خلاف لما تقدم ولقوله بعد ذلك فيمن نسي سمع الله لمن حمده (¬11): "أراه خفيفاً، كمن نسي تكبيرة". وأكثر المتكلمين على المسألة حملوا جوابه أنه أبدل ذلك في الركوع وفي القيام، فجاء منه إسقاط ¬
ذكرين وبدلهما، فلذلك قال: "أن يرجع فيقول الذي عليه". واختلفوا هل يقولهما معا (¬1) أو إنما يكرر سمع الله لمن حمده وحدها (¬2)؟ فيحصل (¬3) التكبير قبله. وقيل (¬4): لا معنى لتكرار التكبير؛ لأنه في غير محله، وإذا كان هذا فهو كمن ترك تكبيرة، فإذا رجع الآن فقال: سمع الله لمن حمده لم يكن عليه سجود، وإن لم يفعل كان عليه, لأنه نقص ذكرين، وعلى هذا لا يكون خلافاً لما بعده ولا قبله (¬5). وانظر قوله (¬6): "أو انتقض وضوءه"، فلا أعلم بينهم خلافاً أن نقض الوضوء وإن كان بالقرب فيمن سلم قبل أن يتم صلاته أو يسجد سجود سهوه الذي قبل السلام يمنع / [ز 32] البناء، وحكمه حكم الطول؛ لأنا نقدره بعد سلامه السهوي (¬7) في حكم الصلاة، فإذا أحدث قبل جبره انتقض العمل كله؛ لأنها صلاة أحدث فيها قبل تمامها. وقوله (¬8) في التكبير مرتين وسمع الله لمن حمده مرتين: إنه إن نسي سجودهما قبل السلام أو قربه فلا شيء عليه، نص في المسألة (¬9). ¬
وقوله أول الباب (¬1) في الذي عليه السجود قبل السلام فنسي ذلك حتى قام وتباعد: "فليعد صلاته" ولم يفصل، يُشعر بأحد القولين اللذين حكاهما عنه عبد الوهاب (¬2) في الإعادة من (¬3) جميع سجود النقص من غير تفصيل، وعلى هذا حملها بعض المشايخ وأنه قول مفرد، وكذا حكاها (¬4) اللخمي (¬5). وقوله (¬6) في ناسي التشهد: "إن لم يذكر ذلك حتى تطاول فلا شيء عليه"، قيل (¬7): معناه أنه قد كان جلس. ويبينه مسألة الذي نسيه من الركعة الرابعة، فإنه فصل القول فيه (¬8). وقوله (¬9): "فإن الخلاف أشد"، ويروى: أشر، معاً بالراء والدال. وفي رواية ابن المرابط: شر، وهو أصوب؛ أهل العربية لا يقولون منه "أفعل"، وإنما يقولون منه: شر (¬10)، قال الله تعالى: {شَرٌّ مَكَانًا} (¬11) (¬12)، وقد جاء أشر وأخير في الحديث الصحيح كثيراً (¬13). ¬
وقول سفيان في سجود المأموم (¬1): "إن كان سجود الإِمام بعد السلام فإنه يسجد معه"، سقطت: "معه" من نسخ، وثبتت في نسخ، وهي ثابتة في روايتنا (¬2). وهو خلاف لا شك/ [خ 60] فيه، ومذهب سفيان في ذلك كما نص، و [هو] (¬3) مذهب النخعي والشعبي وعطاء والحسن وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور (¬4). وأما بسقوط لفظة: معه، فقد تكلف بعض المشايخ أن يرده إلى المذهب ويكون قوله: فإنه يسجد، يعود على الإِمام وحده، ثم يقوم هذا بعد سجود الإِمام على اختيار ابن القاسم في "المستخرجة" (¬5)، وخلافِ ما له في "المدونة"، وهذا كان يصح لو كان مذهب سفيان كمذهبنا. وقوله في الكتاب (¬6): إن جلس فليدع ولا يتشهد، إنما قاله لأنه قد تشهد في جلوسه أولاً، وجلوسه هذا إنما هو لانتظار تمام الإِمام، فهو يدعو فيه ويصل دعاءه بتشهده المتقدم، كما لو أطال جلوسه في صلاته اختياراً، ولا وجه لإعادة التشهد؛ لأنه ليس بابتداء جلوس هذا أولى ما يقال فيه. ولو كان الإمام قد سلم قبل ¬
تمام هذا تشهده (¬1) أو غفلته عنه لتشهد الآن بكل حال. وقوله (¬2) في الذي أحدث بعد أن سجد سجدتي السهو: "يتوضأ ويسجدهما وقد تمت صلاته، فإن لم يعدهما أجزتا عنه"، قيل: هذا لفظ مستغنى عنه ولو قال: وقد أجزت عنه صلاة (¬3) كفاه (¬4)، وكان أصح؛ لقوله: وقد تمت صلاته، يعني قبل أن يسجدهما، لا أن تمام صلاته بإعادة الوضوء وسجودهما. ذهب بعض الشيوخ (¬5) أن هذا مذهب مالك في إعادتهما، وأن مذهب ابن القاسم أنه لا يلزمه إعادتهما وإن استحب له ذلك. وقال غيره: إنما خفف حدثه قبل سلامه منهما لاختلاف الناس في التسليم: هل هو من الصلاة أم لا فكيف من سجدتي السهو؟ ولم يختلفوا لو أحدث بين سجدتي السهو أنه يعيدهما. وقوله (¬6) فيمن جهر فيما يسر فيه: إن كان قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} (¬7)، وليس من مذهبه في الكتاب (¬8)، والمشهور عنه: قراءة {بِسْمِ اللَّهِ} في أول القرآن (¬9)، ولا هي عندنا من أم القرآن إلا ما وقع في الكتب "المبسوطة" (¬10) لإسحاق بن ¬
يحيى (¬1) عن عبد الله بن نافع: لا يدعها الإِمام في نافلة ولا فريضة، وهي آية من القرآن، ونحوه لابن مسلمة (¬2) في قراءة الإِمام بها في النافلة (¬3) والفريضة، وقد يحتمل/ [ز 33] قولهما عن (¬4) ظاهره فيكون وفاقاً. وقد رأى أشهب التعوذ في النافلة والفريضة (¬5)، وفسره سليمان بن سالم (¬6) وذكر في آخره {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فتحتمل مسألة الكتاب أنه سئل عمن فعل ذلك ممن يراه. وقال بعضهم: هو سؤال عراقي (¬7) , لأن أول سائل عن مسائل "المدونة" لابن القاسم، ومدونَها عنه أسدُ بن الفرات، وكان الغالب عليه مذهب أهل العراق، وهو الذي قرأ أولاً، وهو الذي نقله (¬8) آخراً، وعنه أخذه (¬9) أهل إفريقية ممن يذهب مذهبهم، فأخذ مسائلهم وسأله عنها. ¬
وقد يكون هذا على التقدير، أي جهر من القرآن بهذا القدر. وقوله (¬1) "فيمن جهر فيما يسر فيه: أعليه سجدتا السهو؟ قال: نعم"، كذا في جميع أمهات شيوخنا. وحكى ابن لبابة فيها زيادة "بعد السلام". قال: وقد طرحت/ [خ 61] من غير رواية, لكنها إرادته (¬2)، وكذا أدخلها غير واحد على التأويل (¬3)، ومن المختصرين من أدخلها على النص (¬4). وقوله (¬5) في مسألة ذاكر سجود السهو قبل السلام من فريضة وقد دخل في فريضة: "إن تباعد ذلك من طول القراءة في هذه التي ذكر (¬6) فيها أو ركع ركعة انتقضت صلاته التي كان عليه فيها السهو". اختلف تأويل الشيوخ واختصار المختصرين على ظاهر "المدونة" في حكمه إذا لم يركع وأطال القراءة، هل هو كما لو ركع - وقد استحب له إذا ركع أن يشفعها (¬7) - أم يقطع ما لم يركع؟ بخلاف قوله متصلاً به في النافلة: يتمها (¬8): ¬
فحمله أبو عمران وعبد الحق (¬1) ومن تبعهم على الفرق بين النافلة والفريضة، وأنه يقطع في الفريضة ما لم يركع، ويمضي في النافلة كما نص عليها في الكتاب وكما نص في المسألة في كتاب محمَّد (¬2)، وفرقوا بين الفرض والنفل بفروق معلومة ذكروها (¬3). وذهب غيرهم إلى أنه إنما قال في الفريضة: تنتقض صلاته، ولم يقل: يقطع (¬4). ولا شك على الوجهين أن صلاته الأولى منتقضة، لكن قوله في الفريضة بعد هذا (¬5): إذا ركع يضيف إليها ركعة أخرى أحب إلي. إشارة إلى جواز القطع فيها أيضاً بعد ركعة. وقد اختلف قوله قبل هذا (¬6) فيمن ذكر فريضة في نافلة بعد ركعة. وقد حمل بعض الشيوخ (¬7) الكلام في هذا الباب وفي باب ذاكر صلاة في صلاة (¬8) أنه اختلاف من قوله في النفل والفرض، وأن حكمهما واحد، وعليه يدل اضطراب الألفاظ واختلافها (¬9) في البابين. وحمله بعضهم على أنه ¬
لا يختلف قوله هنا بعد ركعة في الفرض والنفل ولا بعد ثلاث في الفرض أنه يشفع لاتساع الوقت هنا. بخلاف الفائتة التي ذكرها في صلاة (¬1)؛ لأن تلك قد ضاق وقتها، فلذلك اختلف قوله هناك في القطع أو الخروج عن شفع (¬2). وانظر قوله في المسألة (¬3): إن كان قريباً رجع إلى صلاته إن كانت فريضة، ويقضي (¬4) ما كان فيه، فهو بين أن الصلاة التي السجدتان منها إن كانت نافلة أنه لا يرجع إليها من هذه الفريضة، قربت أو بعدت المدة، لعلو قدر الفريضة واستحقاقها التمام على جبر النافلة، فلا يبطل الأعلى بالأدنى. وهذا ما لا يختلف فيه إن شاء الله تعالى. وقوله (¬5) فيمن نسي الجلوس من الركعتين حتى نهض عن الأرض قائماً واستقل عن الأرض: "فليتمادى (¬6) قائماً"، فسر هذا الاستقلال ابنُ المنذر (¬7) عنه وابن شعبان بمفارقة الأليتين (¬8) الأرض. ونقله الشيوخ ولم يعترضوه وهذا لا يصح على مذهبه ولا يتأتى؛ لأنه لا يرجع قبل القيام على أليتيه للجلوس، وإنما يقوم معتمداً/ [ز 34] كما يقوم من الأولى والثانية (¬9)؛ ¬
لأنه إنما قام من سجود، ولو رجع هذا من سجوده على أليتيه ثم قام لحينه لكان قد تم جلوسه ولكان مجزئه (¬1) على من لم يشترط (¬2) الطمأنينة، ولم يسجد هذا إلا لترك التشهد لا غير. وإنما يصح معنى استقلاله/ [خ 62] عن الأرض بأعضاء السجود كلها من اليدين والركبتين، وكذا فسره الشيخ أبو محمَّد (¬3). مسألة (¬4) من صلى نافلته (¬5) ثلاثاً، قال مالك: يضيف إليها ركعة ويسجد قبل السلام. وقال ابن القاسم فيمن صلى نافلته (¬6) خمساً سهواً (¬7): "لم أسمع من مالك فيها شيئاً، ولا يصلي سادسة، ولكن يرجع فيجلس ويسلم ثم يسجد لسهوه"، كذا رواية الكافة. وفي بعض النسخ: ويسجد، وكذا في كتاب ابن المرابط عن أبي الوليد بن ميقل (¬8)، وهذا معه نقص وزيادة. ومقتضى مذهبه قبل (¬9) أن يسجد قبل السلام كما قال ابن القاسم بعد (¬10) هذا. واختلف المفسرون والمتكلمون على الكتاب في هذا؛ فمنهم (¬11) من حمله على اختلاف من قوله في سجود السهو لاجتماع الزيادة والنقص على ما له من القولين في "العتبية": أحدهما أن السجود لاجتماعهما قبل (¬12)، ¬
وهو مشهور مذهبه ومعروفه. والآخر أن السجود لذلك بعد (¬1) كقول أهل العراق (¬2)، وهي رواية زياد (¬3) عنه أيضاً (¬4). وعلى هذا كان التنبيه عليه في كتاب شيخنا أبي محمَّد بن عتاب. وإليه ذهب شيخنا أبو الوليد (¬5). وقد نبه عليه ابن أبي زمنين. وذهب بعضهم (¬6) إلى أنه جواب على مذهب من يرى النافلة أربعاً، واحتج لتأويله هذا بقوله في الكتاب متصلاً بجوابه (¬7): "لأن النافلة إنما هي أربع في قول بعض أهل العلم"، وقد أشار إليه ابن أبي زمنين أيضاً. قال القاضي: ولست أرى هذا واضحاً؛ لأنه لا يفتي أحد على مذهب غيره، إنما (¬8) يفتى على مذهبه أو على الاحتياط لمراعاة خلاف غيره عند عدم الترجيح أو فوات النازلة، وأما أن يترك مذهبه ويفتي بمذهب غيره المضاد لمذهبه فما (¬9) لا يسوغ. ولو أفتى على قول المخالف في المسألة مجرداً لما ألزمه سجود سهو في الخامسة ولا رجوعاً في ¬
السادسة؛ إذ قد قال الشافعي وغيره: يجوز له التنفل بما شاء من العدد شفعاً ووتراً، وإن كان يستحب له مثنى مثنى. وأما الاحتجاج بعد بقوله: لأن النافلة إنما هي أربع في قول بعض أهل العلم، فإنما هو عندي حجة لتفريقه بين المسألتين في الإتمام والرجوع. فجعله يتم أربعا إذا قام لثالثة، لأن من أهل العلم من يرى أن له ذلك اختياراً وإن كان مالك لا يراه، ولم ير له أن يتم ستاً إذا قام لخامسة؛ إذ لا يقول به من قال بالأربع ولا يستحسنه وان أجاز له فعله إذا وقع. هذا عندي معنى الاحتجاج، لا أنه جعله حجة للسجود. قال بعضهم: بل الفرق بين المسألتين أن القائم إلى خامسة لم ينقص غير السلام فلم يراعه، وقد جلس في الثانية فمعه زيادة محضة. وفي المصلي الثالثة لم يجلس في الثانية فمعه نقص. وإلى هذا نحا إسماعيل القاضي (¬1) والقابسي (¬2) وابن الكاتب (¬3) وابن أبي زمنين. وغير هذا القائل (¬4) راعى السلام ورآه نقصا في المسألة، وإليه ذهب في "المختصر" وهو قول ابن أبي زيد (¬5) وابن/ [خ 63] شبلون (¬6)، إذ حكم ¬
النافلة عندنا مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين. واستدل بقوله بعد هذا عن مالك (¬1): "وكان يفرق بين/ [ز 35] النافلة والفريضة؟ قال: نعم". وليس تفريق الفريضة من النافلة في مسألة القائم إلى (¬2) الخامسة إلا في نقص السلام؛ لأنه (¬3) في الفريضة معه زيادة محضة، ومعه في النافلة زيادة ونقص، وهو السلام من اثنتين. ولو كان النقص كما قال الآخر للجلوس لما افترقت الفريضة من النافلة. كذا كتبناه عن بعض شيوخنا. واعتراضُ من اعترض (¬4) على هذا بأنه أيضاً يلزم أن يقال في الفريضة: إنه أسقط السلام من موضعه من الرابعة لا يلزم؛ لأنه ليس يلزم في الفريضة غير سلام واحد، وهو الذي يحلل به بعد ركعة السهو، وزيادة السهو كاللغو. وأما الأربعة في النافلة فيحتاج - على المذهبين - لسلامين، يفصل بين كل ركعتين، وتكبيرةٍ في ابتداء الثانية (¬5)، فلما عقد بين (¬6) الاثنتين الثالثة، ولم يمكنه الرجوع لإصلاحها لفواته بعقد الثالثة (¬7) ولا تعين إبطالها لقول من رأى من العلماء أن النافلة أربع، وأن ما فعله يتعين أن يفعل اختيارا أمره بالتمادي لأربع لئلا يبطل عمله، واحتاط له بذلك لاختلاف العلماء في فعله، ثم رأى له حيطة على مذهبه أن يأتي بجبر ما أسقطه مما كان يلزمه فعله. وحمل بعضهم جوابه في الكتاب على الوهم، وهو مذهب يحيى بن ¬
عمر (¬1) فيها. وتابعه على ذلك من المتأخرين أبو محمَّد اللؤلؤي (¬2)، وترجح (¬3) ابن أبي زمنين بين هذه الوجوه، واحتملت عنده الاختلاف أو مذهب المخالف أو الوهم في اللفظ، قال أبو محمَّد اللوبي (¬4): قوله (¬5): "ويسلم ثم يسجد" صوابه: "ويسجد ثم يسلم". قال ابن أبي زمنين: (¬6) "لا أدري وقع (¬7) قوله هذا على غير تحصيل أم هو اختلاف من قوله، قال: وقد يحتمل أيضاً أن يكون إخبارا عن الذين يقولون: إن النافلة أربع" (¬8). قال القاضي: وقد تكلمنا على هذا كله. وكل هذا على الرواية المشهورة من قوله: ثم يسجد، وأما على رواية: ويسجد، فلا يحتاج إلى هذا؛ لأنه إنما أخبر أن عليه سجود السهو، ولم يقل لا قبل ولا بعد، ففسره ابن القاسم بعدُ، على معروف مذهبه أنه قبلُ، وإن كان ذكر السجود بعد السلام، فالواو لا تعطي رتبة عندهم. وقوله (¬9): "لا أعرف في التشهد بسم الله"، واختصره المختصرون: بسم الله الرحمن الرحيم (¬10) ....................................... ¬
ليس (¬1) هذا نص الكتاب (¬2) ولا نص الحديث ولا قال به أحد من العلماء. ومعنى: لم يعرفه، أي لم يعرف العمل به، أو ليس هو من تشهد النبي عليه السلام المأثور؛ إذ لم ترو التسمية فيه إلا من طريق ضعيف عن جابر، وإلا فقد عرفه في تشهد عبد الله بن عمر بن الخطاب ورواه في "الموطأ" (¬3). وبنص ما في الكتاب قال بعض الشافعية وروي عن علي (¬4)، وهو: بسم الله التحيات لله. وقوله (¬5): "لَأن يجلس على الرَّضْف"، بفتح الراء وسكون الضاد (المعجمة) (¬6)، وهي الحجارة المحمية بالنار (¬7). وأبو رجاء العُطاردي (¬8)، بضم العين وفتح الطاء. وذكر في الكتاب توسعة في صفة السلام في الرد على الإِمام (¬9). وأما السلام الأول فمشهور مذهبنا أن لفظه متعين، وهو/ [خ 64] السلام عليكم. لا يجزئ منه غيره. وهو ظاهر قوله في الكتاب الأول (¬10): "ولا يجزئ من السلام في الصلاة إلا السلام عليكم، ولا من الإحرام إلا الله أكبر"، ففي ¬
ظاهر نصه بلفظه وقرانه (¬1) مع التكبير دليلان على ما قلناه. وقد نص القاضي/ [ز 36] أبو محمَّد (¬2) والشيخ أبو محمَّد (¬3) أنه لا يجزئ تنكيره. وخالف ابن شبلون (¬4) في ذلك وقال: يجزئ. وتأول من قال بذلك (¬5) أن معنى قول مالك: لا يجزئ من السلام إلا السلام عليكم؛ أي لا يجزئ التحلل إلا بالسلام لا بغيره كما قال المخالف. وأبو إسحاق السَبِيعي (¬6)، بفتح السين المهملة وكسر الباء بواحدة وعين مهملة. وأشْعَث (¬7) عن نافع، بثاء مثلثة. وليس يوجد، بالباء بواحدة، في أحد من رواة العلم اسماً ولا كنية إلا في أشعب الطمع (¬8). وثعلبة بن أبي مالك القُرَظي (¬9)، بضم القاف، منسوب إلى بني قريظة. ¬
وثابت البُناني (¬1)، بضم الباء بواحدة وفتح النون وآخره نون أيضاً. وجَرير بن حازم (¬2)، بحاء مهملة، تقدم. وواصِل الرَقاشي (¬3)، بفتح الراء. وقوله في سلام الإِمام والفذ، ظاهر "المدونة" أن سلامهما في الهيئة سواء، وسلام المأموم بخلاف (¬4)؛ لأنه قال في الإِمام (¬5): "قبالة وجهه، ويتيامن قليلاً". وقال في الرجل في خاصة نفسه (¬6): يسلم "واحدة ويتيامن قليلاً"، ولم يقل: قبالة وجهه، وهو ظاهره. وقال في المأموم (¬7): "يسلم عن يمينه ثم يرد على الإِمام". وكذلك وصف سلام مالك خلف الإِمام في "العتبية" (¬8) و"المجموعة". واختلف الشيوخ في معنى ذلك؛ فذهب بعضهم إلى هذا الظاهر، وحكي عن أبي محمَّد بن أبي زيد مثله (¬9)، وإن كان الذي له في "رسالته (¬10) خلاف هذا، فإنه قال: وتسلم تسليمة واحدة عن يمينك، تقصد بها قبالة وجهك، وتتيامن برأسك قليلاً، هكذا يفعل الإِمام والفذ، وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلاً. فهو وإن لم يذكر قبالة وجهك (¬11) ¬
كما ذكر في الفذ والإمام فضمنه أنها (¬1) قبالة الوجه؛ لأنه لا يتيامن إلا من الاستقبال. وإلى استواء سلام الثلاثة ذهب أبو عبد الله بن سعدون (¬2)، وإلى افتراق المأموم أشار عبد الحق (¬3) والباجي (¬4) وغيرهما، وهو ظاهر الكتاب، والله أعلم. قوله (¬5) في الذي ظن أن إمامه سلم فقام يقضي ما فاته فسلم عليه الإِمام وهو قائم أو راكع: يرفع رأسه بغير تكبير ويبتدئ القراءة من أولها ثم يتم صلاته. ولم يجعله يرجع إلى الجلوس. ذهب بعض المتأخرين (¬6) أنها كمسألة المسلم من ركعتين وسط صلاته ينتبه (¬7) لسهوه، و [هو] (¬8) قد قام، وأنه يدخلها من الخلاف في الرجوع إلى الجلوس ما في تلك، وأن جوابه هنا في هذه على قول ابن نافع في تلك، وأنه يلزمه على قول ابن القاسم في تلك أن يرجع إلى الجلوس هنا ليأتي بالنهضة التي تلزمه بعد سلام الإِمام. ¬
وأبى ذلك المحققون (¬1) من شيوخنا وقالوا: بين المسألتين فرق، وإنما الاختلاف في المسألة الأولى للاختلاف في سلام السهو؛ هل يفصل ويؤثر أم لا على ما تقدم؟ وهذا فلم (¬2) يخرج قط من صلاته ولا انفصل عنها، وقد فاته (¬3) رجوعه إلى النهضة، إذ لا يرجع إليها إلا بزيادة انحطاط وعمل آخر في الصلاة، كما منع أن يرجع القائم من اثنتين للجلوس لهذه العلة. والذي سلم من اثنتين هو عند بعضهم (¬4) في غير صلاة حتى يرجع/ [خ 65] إلى صلاته بإحرامه. وعند من يقول (¬5): إن سلامه غير مؤثر ولا يخرجه من صلاته لا يحتاج إلى إحرام ولا جلوس ولا شيء، وقد تقدم الكلام على هذا بأبين وأبسط. وقوله (¬6) في الإِمام إذا استخلف سكراناً أو مجنوناً فصلى بهم فسدت صلاتهم، معناه أنه صلى بالقوم/ [ز 37] شيئاً من الصلاة. وأما نفس تقديمه إذا لم يقتدوا به ولم يعمل عملاً فلا تفسد الصلاة؛ إذ لا يلزم القوم تقديم الإِمام إلا بالتزامهم، وإنما جعل له التقديم لكونه في غير صلاة وهم في شغل من الصلاة عن ذلك، وبدليل قوله (¬7): لو تقدم بهم رجل من قبل نفسه فصلى بهم أجزتهم، وكذلك إذا قدموا هم (¬8) لأنفسهم، فإذا قدم والتزموا (¬9) الإمامة بمقدمه (¬10) كان لهم إماماً وإلا فلا. ¬
ولا فرق في هذا بين السكران وغيره، خلاف ما أشار إليه أبو محمَّد عبد الحق (¬1) وأبو القاسم بن محرز (¬2)، فإنه بنفس التقديم يصير إماما إن كان ممن تصح إمامته. وفي الكلام تناقض؛ لأنه يجب أن تبطل صلاة المأمومين بنفس تقديمه وإن لم يعمل بهم عملاً على هذا. والصواب ما قدمناه فاعتمد عليه، فهو مذهب غيرهما من حذاق شيوخنا، وهو الحق وهو بين من قول سحنون (¬3): إذا قدم الإِمام رجلاً فتقدم غيره وصلى بالناس أنه يجزئهم. وقوله (¬4): "وأبعد العوالي من المدينة على ثلاثة أميال"، العوالي: كل ما كان من المدينة من قرى وعمائر إلى جهة نجد. وكأنه هنا يريد معظم عمارتها, وإلا فأبعدها ثمانية أميال (¬5). وقوله (¬6) في الأمير إذا صلى الجمعة بقرية لا تلزمهم الجمعة: "فإنما هي له ظهر ويعيدون هم صلاتهم، ولا يجزئهم ما صلوا معه، ويعيد الإِمام أيضاً". قال بعض الشيوخ: ظاهر هذا أنهم يبتدئون الظهر، ولا يبنون على ما صلوا معه كما يعيد هو. وقد روى أبو زيد (¬7) عن ابن القاسم أنهم يأتون بركعتين وتجزئهم ظهرا (¬8)، وكذا في "كتاب ابن مزين" (¬9): ويجزئ الإِمام ¬
والسَّفْر (¬1). وكذلك روى ابن نافع عن مالك في بعض نسخ "المدونة"، وهذا موافق لرواية ابن نافع في "المدونة" قبل هذا (¬2): "تجزئ الإمام". وقد جاء بعد هذا في آخر باب الجمعة (¬3) لمالك: "فلا جمعة له، ولا لمن جمع معه، وليعد أهل تلك القرية ومن حضرها معهم (¬4) من (¬5) ليس بمسافر الظهر أربعاً"، وهذا نص قوله في "الموطأ"، فانظر هل هذا مثل رواية ابن نافع [في] (¬6) أنها تجزئ الإِمام؟ إذ لم يذكر الإعادة للسَّفَريين، فقد ذهب بعضهم إلى ذلك، ويكون قوله: لا جمعة له ولا لمن جمع معهم (¬7)، معناه أن صلاته وصلاة المسافرين لا تكون جمعة، وتجزئ عن ظهر، وإنما يعيد (¬8) الحضريون، ويكون خلاف رواية ابن نافع في غير (¬9) الكتاب (¬10) في البناء على الركعتين، أو يكون موافقاً لرواية ابن القاسم ويكون اختصاصه للحضريين بإعادة أربع؛ إذ إنما يعيد غيرهم ركعتين. قال أبو عمران: ويؤخذ من هذه المسألة [أنه] (¬11) من جهر في صلاته عامداً أفسدها، وهي حجة ابن القاسم. ¬
واختلف معنى قوله (¬1): إذا مر بقرية يجمع فيها أو بمدينة من عمله جمع بهم الجمعة وقولِه في الباب الثاني (¬2): "ولا ينبغي له إن وافق الجمعة أن يصليها خلف عامله، ولكن يجمع بأهلها/ [خ 66] ومن كان معهم (¬3) من غيرهم"، هل هذا واجب عليه، وقد لزمته الجمعة، أم جائز مستحب له؟ فظاهر "المدونة" و"الموطأ" (¬4) أنه ليس بواجب عليه، وأطلق بعض المتأخرين (¬5) أنه وجب (¬6) عليه ذلك. وعلل ذلك بأن واليها مستوطن فالجمعة واجبة عليه. وإذا كان ذلك وجبت على مستنيبه - وهو الإِمام الحاضر -. ورد غيره (¬7) هذا من قوله. وقوله (¬8): "ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نَفْرِهم"، بسكون الفاء، وهو اليوم الثاني من أيام منى؛ لأن الناس ينفرون منها متعجلين إلى مكة/ [ز 38] بعد رمي الجمرة. وليس لقول من قال: يوم نفرهم لعدوهم وجه (¬9)؛ لأنها حينئذ واجبة؛ وإن (¬10) كانوا بالحضر يصلي (¬11) صلاة ¬
خوف إن كان خوف، وإن كانوا مسافرين فلا يختص بسقوطها للسفر العدو (¬1) من غيره. والفضل بْنِ دَلْهَم (¬2)، بفتح الدال والهاء، هو (¬3) الصحيح، وكذا رويناه. ورواية عبد الحق فيه بضم الدال والهاء. وقوله عليه السلام (¬4): "آذيت وآنيت" (¬5) ممدودي (¬6) الهمزتين، قال الله تعالى: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} (¬7) (¬8). ومعنى آنيت: أبطيت (¬9) وتأخرت. وأبو عبد الرحمن الحُبُلِي (¬10)، بضم الحاء المهملة وضم الباء بواحدة، رواية أكثر الشيوخ والفقهاء والنحاة (¬11)، وأهل الإتقان يقولونه بضم ¬
الحاء وفتح الباء وبسكونها أيضاً. قال سيبويه ذلك وغيره فيه، وأنه منسوب إلى بني الحبلي (¬1). وجعفر بن بُرْقان (¬2)، بضم الباء بواحدة. وظَهْرَانَي خطبته (¬3)، بفتح الظاء والنون، أي وسطها وأثناؤها، ويقال: ظَهري أيضاً (¬4)، وأنكره بعضهم. وجَمْع (¬5)، بفتح الجيم: المزدلفة. وقوله في إمام الفسطاط يصلي الجمعة بالعسكر، قال: أرى أن يصلوا في الجامع، وأرى الجمعة للمسجد الجامع والإمام قد تركها في موضعه (¬6)، كذا لابن وضاح، وهي رواية شيخنا أبي محمَّد بن عتاب والقاضي أبي عبد الله (¬7)، وعند غيرهما لابن باز: "أرى ألا يصلوا إلا بالجامع (¬8) ". قال أحمد بن خالد: رواية ابن وضاح أحب إلي. قال القاضي: وهذا اختلاف في جواز الصلاة بموضعين في مصر واحد (¬9). وليس العسكر ها هنا الجيش، وإنما هو موضع بطرف الفسطاط فيه جامع يصلي فيه الإِمام على نحو ميلين ¬
من جامع الفسطاط الذي بموسطيه (¬1) المسمى بجامع عمرو (¬2). وقد جاء مفسرا عن مالك من رواية ابن وهب وابن أبي أويس (¬3) ما ينصر رواية ابن وضاح أنه سئل عمن يصلي بالجامع ويترك الصلاة مع الإِمام في العسكر، وذلك أن ابن وهب قال له: إن بعض من عندنا شك في ذلك، أي أن (¬4) موضع الأمر (¬5) أوجب، فقال له مالك: صلاتكم جائزة، يعني في الجامع، ولم يبطل صلاة الآخر ولا رجحها، ورجح صلاة أهل الجامع في "المدونة" لكونه أقدم. وعلى ظاهر رواية (غير) (¬6) ابن وضاح تأول ابن المنذر قول مالك وأنه لا تجزئ الجمعة إلا لمن جمع في العصر. وظاهر تأويله أنه حمل العسكر على غير ما ذكرناه؛ لأنه قال: فنزل طرف البلد. وقوله (¬7) في الإِمام يؤخر الجمعة قال (¬8): يصلي بهم ما لم تغب الشمس وإن كان لا يدرك العصر إلا بعد الغروب. هذا بين في أن النهار كله إلى آخره وقتها، وكذا رواية ابن عتاب، وهو مثل قول مطرف (¬9) عنه نصًّا/ [خ 67]. وفي رواية غير ابن عتاب: وإن لم يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب (¬10)، وكذا في أصل ابن المرابط. وهذه الرواية أصح وأشبه برواية ابن القاسم عن مالك. وقيل أيضاً: إن آخر وقتها ما لم يدخل ¬
وقت (¬1) العصر، وهو قول الأبهري (¬2). وذكر ابن عبدوس (¬3) أنه قول ابن القاسم في تأخير الإِمام ومجيئه من ذلك بما يستنكر. وقيل: حتى تبقى أربع ركعات للعصر. وهذا القول لابن القاسم أيضاً، وقاله سحنون (¬4). وقيل: ما لم تصفر الشمس، وهو قول أصبغ (¬5). وقد قيل: إن سحنون أصلح مسألة الكتاب. وظاهر "المدونة" (¬6) وجوب خطبة الجمعة لقوله: "لا تجمع الجمعة إلا الجماعة والإمام بالخطبة (¬7) "، وهو مشهور المذهب خلافاً لعبد الملك في قوله (¬8): سنة تجزئ الجمعة دونها. وظاهر الكتاب أيضاً اشتراط الطهارة فيها لقوله (¬9): إذا أحدث فيها أنه يستخلف من يتمها ويصلي، ولم يجعله يتمها بغير/ [ز 39] طهارة وكما (¬10) ¬
قال في خطبة العيد (¬1) والاستسقاء (¬2). وقد يعرض (¬3) على هذا أنه إنما أمره بالاستخلاف ليخرج للطهارة لئلا تفوته إذا استخلف بعد تمامها، وهذا لا يلزم؛ إذ لا يلزمه لو أحدث بعد تمامها الاستخلاف، بل يتطهر ويصلي بهم، إذ ليس مقدار طهارته مما يوجب إعادة الخطبة له. والبغداديون يقولون (¬4): إن الطهارة لها سنة. وظاهر "المدونة" أنها لا تصح إلا بحضور الجماعة. وإلى هذا ذهب القاضي الباجي لقوله (¬5): "ولا تجمع (الجمعة) (¬6) إلا بالجماعة والإمامُ يخطب"، قال: "وهذا نص منه"، وهو ظاهر، كذا (¬7) على روايته هذه. والذي في كتب شيوخنا وسائر الأصول - وعليه اختصر المختصرون -: إلا بالجماعة والإمام بالخطبة. وقال البغداديون (¬8): لم نجد فيها نصا لمتقدم (¬9) من المذهب. والذي يجري على المذهب أنها لا تجزئ. ونازع بعض المتأخرين (¬10) في تأويل الباجي على "المدونة" هذا؛ إذ لا (¬11) تقتضي الرواية المشهورة ما ¬
قاله، لكنه على روايته يظهر (¬1). وظاهر "المدونة" (¬2) اشتراط المسجد لها، وذلك قوله: "لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد الجامع، وهو قول عامة أئمتنا، وإنما اختلفوا؛ هل المسجد فيها شرط في الوجوب والصحة أو في الصحة فقط؟ لأنه متى كانوا جماعة ممن تلزمهم الجمعة لو كان لهم جامع على من اشترطه في الوجوب فلم يكن لهم جامع لكان فرضاً على مثلهم إقامة مسجد لجماعتهم؛ إذ إقامة الجماعة على الجملة (¬3) فرض وإن كانت في نفسها سنة على الآحاد، ولكن إحياء السنن الظاهرة كالجماعات والأذان فرض، حتى لو تمالأ على (ترك) (¬4) ذلك أهل موضع لجوهدوا، فإذا كان ذلك فرضاً عليهم ففي ضمن هذا وجوب الجمعة عليهم؛ إذ لا يعدمون مكاناً من الأرض يتخذونه مسجداً إلا على من رأى أنها لا تصح إلا فيما بني على هيئة الجوامع، وهو مذهب القاضي الباجي (¬5)، وخالفه في ذلك غيره. وذكر القزويني عن أبي بكر الصالحي - وهو أبو بكر الأبهري - خلاف هذا، وتأول على "المدونة" إذ لم يذكر المسجد في صفة القرية التي تجب على أهلها الجمعة وتصح منهم أنه لا يشترط، وأنكر ذلك الباجي (¬6) وزعم أنهما مجهولان لا يوثق بعلمهما وتأويلهما، وقد خفي عليه أن أبا بكر الصالحي هذا هو أبو بكر بن صالح الأبهري، شيخ القزويني وإمام تلك الطبقة المشهور/ [خ 68] تقدمه، وأن القزويني مكانه من الإمامة في مذهبنا والتقدم في أعلام أهل العراق مكانه (¬7). ¬
وقد ذكر أبو القاسم بن محرز مسألة لأصحابنا موافقة لما أشار إليه القزويني وتأوله الصالحي، وهي لو اجتمع جماعة أسارى في بلد العدو، بمثلهم تجب الجمعة - وقد خلى (¬1) العدو بينهم وبين شرائعهم - أنهم يقيمون الجمعة والعيدين، كانوا في سجن أو خلي عنهم، فهذا (¬2) لا مسجد لهم ولا وجود له ولا يقدرون على إقامته، وقد ذكر أنهم سواء كانوا في سجن أو غيره (¬3)، فالمسجد هنا غير شرط في الوجوب ولا في الصحة. وهذه أبعد من تأويل الصالحي وضد لمذهب القاضي الباجي؛ إذ يشترط أنها لا تقام إلا في الجامع المخصوص لها. وقد قال شيخنا القاضي أبو الوليد (¬4): "إنه لا يصح أن يقول أحد في المسجد إنه ليس من شرائط الصحة، إذ لا خلاف في أنه لا يصح أن تقام الجمعة في غير مسجد". وقوله في الحديث (¬5): "إذا قعد الإمام على المنبر/ [ز 40] فاستقبلوه بوجوهكم" (¬6)، ذكر القعود هنا على المنبر مجاز، وكذا جاء ¬
بعد في الآثار عن عمر بن عبد العزيز وغيره (¬1). قال مالك (¬2): إنما ذلك إذا قام يخطب. ذهب أبو عمران إلى أن القعود هنا بمعنى القيام، واحتج بما لا حجة فيه، ولا يعرف القعود بمعنى القيام في لغة ولا عرف. ولأهل الكوفة هذه الآثار (¬3) لمنعهم ذلك (¬4) منذ (¬5) خروج الإِمام، لكن وجهُ الحديث: إذا قعد وأخذ في الخطبة. أو يكون استقباله لأول قعوده مستحب (¬6) استعداداً لقيامه وواجب (¬7) عنده. وقوله (¬8) في أهل الخصوص: "يجمعون"، معناه أنهم مقيمون، وإنما هي بيوت لم تبن كما بنيت الأمصار ودورها, ولو كانوا أهل عمود (¬9) أو ¬
انتقال (¬1) لما جمعوا كما قال في "المستخرجة" (¬2). وقوله في صلاة الخوف (¬3): "وحديث القاسم أن تفعل الأخرى ما فعلت تلك الطائفة الأولى, لأنه إنما اختلف قول مالك"، ومر (¬4) في الكلام (¬5) على ما ذكره في سلام الإِمام (¬6). كذا روايتي، وعند أحمد بن خالد - ولم أروه -: "وحديث القاسم أن تفعل الطائفة الأولى كما فعلت تلك في الأولى" (¬7)، ويوهم أنه وهم، وليس بخلاف إلا في اللفظ، ومعناه: أن تصلي هذه الطائفة الآخرة الأولى من ركعتها (¬8) وراء الإِمام كما فعلت الأولى سواء. وقوله في المسألة (¬9): وإذا كان الإِمام مسافراً والقوم أهل حضر "لا أرى أن يصلي بهم الإِمام صلاة الخوف, لأنه وحده"، ثم قال (¬10): فإن جهل وصلى (¬11)، وذكر المسألة. وذكر بعد هذا (¬12): إذا كان القوم أهل حضر ومسافرون (¬13) فصلى بهم، ولم يقل ها هنا: إن جهل، كما قال في ¬
تلك، ولا قال: يصلي بهم ابتداء. لكن متى كان الإِمام وحده كما قال فقد منع ذلك؛ لأنه يخلط عليهم صلاتهم ويغيرها عن صورتها وهيئتها في الأمن وفي الخوف. قال اللخمي: وكذلك لو كان معه الاثنان (¬1) والثلاثة (¬2)، فأما إذا كانوا جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء، فالأولى في أصل المسألة أن تصلي كل طائفة بإمام منها، قال ابن حبيب (¬3): اتفقت بذلك الرواية (¬4) عن مالك، ولا يؤم مسافر بمقيم ولا مقيم بمسافر في المساجد الجامعة (¬5) إلا حيث الأئمة - يعني الأمراء - فإنهم يصلون بصلاته فيتم المقيمون إن كان مسافرا، ويتم معه المسافرون إن كان مقيماً. وانظر مسألة الخوف ها هنا إذا اجتمعوا، فقد حصل فيها هذا الوجه/ [خ 69] بحضور الإِمام، والمسجد ها هنا غير معتبر إلا أن يكون قريباً من مصاف العدو. ووجه آخر أنه لو (¬6) لم يكن الإِمام هنا (¬7) الأمير فصلاة الخوف مشروعة لئلا تفترق الأئمة وتتشعب الكلمة وليجتمع على إمام واحد، ولا سيما في ذلك الموطن وحيث يحض على الائتلاف وينهى عن الخلاف والمنازعة وتخشى الفرقة ومغبة شتات الرأي والكلمة، فلو جعلناها بإمامين؛ للمقيمين إمام وللسفر إمام لسقط معنى صلاة الخوف ولم تصح صلاتهما إلا على صلاة الأمن, وتصبر كل طائفة حتى تصلي الأخرى بإمامها صلاة غير خوف، وبهيئة صلاة الأمن من حضر أو سفر، فكان الائتمام ها هنا (¬8) ................................................. ¬
بالمسافر للطائفتين أولى (¬1). وأما ائتمام المسافر بالمقيم فمعروف المذهب المنع منه ابتداء (¬2)، وأن صلاة المسافر لا تجزئه (¬3)، وهذا على القول: إن فرضه القصر (¬4)، وقد أشار بعض المتأخرين (¬5) إلى أنه لا يبعد إجزاؤها كالعبد والمرأة/ [ز 41] إذا صليا مع الناس الجمعة، وفرضهما في الأصل أربع. وقد رد الأبهري (¬6) هذا بأن الخطاب بالجمعة كان يتناول العبد والمرأة لكنهما عذرا لعورة المرأة ومِلك العبد، فإذا انجلى العذر واحتملاه أجزت كسائر ذوي الأعذار. وأما على القول: إن القصر سنة (¬7) فيمنع أيضاً ابتداء عند الأكثر. ولم يختلفوا في إجزاء ذلك إذا وقع في المساجد العظام، واختلفوا في غيرها بحسب ترجيح فضل سنة القصر على فضل سنة الجماعة أو ترجيح هذه عليها. ويزيد بن رُومان (¬8)، بضم الراء وتخفيف الميم. وصالح بن خَوَّات (¬9)، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وآخره تاء باثنتين فوقها. ¬
ووجاه العدو (¬1)، بضم الواو وكسرها معاً وآخره هاء، أي مقابله. والكسوف والخسوف، قيل (¬2): هما بمعنى، ويقالا (¬3) في الشمس والقمر، وهو ذهاب ضوئهما واسوداد جرمهما. وقيل (¬4): لا يقال في القمر إلا بالكاف (¬5)، والشمس إلا (¬6) بالخاء. وذكر عن عروة بن الزبير مثله (¬7)، والقرآن يرد على قائله (¬8). وقيل ضد هذا (¬9). وقيل (¬10): الكسوف (تغيير (¬11) لونهما، والخسوف مغيبهما في السواد، وحكي عن الليث بن سعد (¬12) الخسوف في الكل، والكسوف) (¬13) في البعض. وقد جاءت الكلمتان فيهما (¬14) معاً في صحيح الحديث (¬15). وقال ابن دريد: خسف القمر ¬
وانكسفت الشمس (¬1). وقال غيره: خسفت الشمس وخسف القمر - بالفتح فيهما - كما جاء في القرآن، وقد جاء خُسف، بالضم على ما لم يسم فاعله. وقال بعضهم (¬2): لا يقال انكسفت الشمس أصلاً، إنما يقال كَسفت، فهي كاسفة، وكُسفت، فهي مكسوفة، وكسفها الله (¬3). وقد جاءت الأحاديث الصحاح فيهما بجميع هذه الألفاظ، فدل على صحة جميعها لغة ومعنى. وأصل الكسوف التغير (¬4)، وأصل الخسوف المغيب، ومنه قولهم: خسفت البئر، وخسف (¬5) به الأرض. وعلى هذا يأتي تفريق الليث بين المعنيين. وعَباد بن تميم المازِني (¬6). وعبد الله بن زيد المازني (¬7)، كلاهما بالزاي والنون، من بني مازن. وابن حُجَيرة (¬8)، بضم الحاء المهملة وفتح الجيم والراء، مصغر. وكَثير بن عبد الله المُزَني (¬9)، بالثاء المثلثة بعد الكاف، ونسبه بضم ¬
الميم وفتح الزاي وآخره نون. وجَرير بن عبد الله البَجَلي (¬1)، بفتح الجيم في اسمه ونسبه. والجُمَحي (¬2) بضم الجيم. وقوله في الحديث (¬3): "رأيناك تكعكعت" (¬4)، بفتح الكافين وسكون العينين المهملتين، ومعناه: نكصت ورجعت إلى خلف وجبنت عن الإقدام (¬5). وقوله (¬6): "قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير" (¬7)، كذا روايتي فيه في "المدونة". وعند بعضهم قال: ويكفرن/ [خ 70]. واختلفت فيه روايات شيوخي في "الموطأ" بالوجهين (¬8). وخطأ أكثرهم إثبات الواو (¬9) , لأنه يثبت الكفر عليهن بالله وفيهن مسلمات. وظهر لي أن إثباتها هو الصواب، وذلك أن النساء إنما كثرن في النار وكانوا (¬10) أكثر أهلها باجتماع الكفرين فيهن، ................................................................ ¬
فساووا (¬1) الربح فيها الكوافر بالله، وزاد فيهن الكوافر للعشير (¬2) والإحسان, وهو بين (¬3). والعشير هنا: الزوج، سمي بذلك لمعاشرته وصحبته (¬4) إياها، والعشير المخالط، مأخوذ من العشرة، وهي الصحبة والخلطة. وقوله (¬5) في مدرك جلوس الإِمام في العيدين (¬6): "إذا أحرم جلس، فإذا قضى الإِمام صلاته قام فكبر ما بقي عليه من التكبير"، ظاهره أنه يكبر ستاً/ [ز 42] ويعتد بتكبيرة الإحرام. وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك في "المستخرجة" فقال: يكبر سبعاً (¬7)، وقال أيضاً: ستاً (¬8). وكذلك اختلفت الرواية عنه في "المدونة" في كتاب الحج فقال فيه (¬9): إذا فرغ - يعني الإِمام - صلى - يعني المأموم - وكبر سبعاً وخمساً، كذا عند ابن وضاح. وعند غيره (¬10): كبر ستاً وخمساً، وهذا وفاق لما هنا. ولم يجعله لأول دخوله يكبر سبعاً قبل أن يجلس، وقد جعله يكبر سبعاً إذا وجده يقرأ في الأولى، وخمساً إن كان في الثانية، كذا قال ابن القاسم في "العتبية" (¬11) وجماعة أصحاب مالك، وكلاهما قضاء لها ...................................... ¬
في حين ائتمامه (¬1) بالإمام, لأن حكم الداخل أن يبادر بعد التحريم إلى صورة حال الإِمام ولا يتأتى (¬2) لشيء، ولأن في وقوفه للتكبير مخالفة الإِمام في القول والفعل؛ ومخالفة الفعل ظاهرة، وقد نهى عليه السلام عن مخالفة الأئمة (¬3). ومخالفته في التكبير إذا وجده يقرأ مخالفة في القول غير ظاهرة فاستخفت، ولمراعاتها ما منع من ذلك ابن وهب (¬4) وعبد الملك في كتاب ابن حبيب وقالا: يكبر واحدة. وانظر قوله (¬5): "ويقضي كما صلى الإِمام بالتكبير [أحب إلي] (¬6) "، إشارة إلى قول عبد الملك: إنه لا يقضي (¬7) التكبير (¬8)، واحتسب عليه بتكبيرة دخوله ولم يحتسبها في مدرك الجلوس من الفريضة وجعله يقوم بتكبير؛ لأنه مفتتح هناك للصلاة غير محتسب بشيء مما أدرك، فرأى أن يكون كمبتدئها، وهذا عنده إذا قام بتكبير غير الأول قام مقامه. وفي كتاب الحج (¬9) فيمن أدرك ركعة كيف يقضي التكبير؟ قال: على ما فاته، كذا لابن وضاح. ولغيره (¬10): يقضي سبعاً كما فاته. وفي "سماع عيسى" (¬11) في المسألة: يكبر خمساً، يعني لتكبير الثانية حين دخوله وراء الإِمام غير تكبيرته للإحرام. ¬
وقوله: "لم يبلغني أن أحداً من أصحاب النبي - عليه السلام - (¬1) كان يسبح يوم الفطر والأضحى قبل الصلاة ولا بعدها"، معناه: يتنفل سبحة الضحى. ويكون: يسبح بمعنى يتنفل ويصلي، يريد في المصلى، وهو المعروف من مذهبنا. وفي كتاب ابن شعبان (¬2) و"مختصر" ابن عبد الحكم لابن وهب (¬3) إجازته بعد الصلاة فيها، وهو مذهب أبي حنيفة (¬4) والثوري (¬5) والأوزاعي (¬6) وجماعة غيرهم. والخلاف عندنا في ذلك إذا صليت العيد في المسجد على هذين القولين. والثالث ما في "الكتاب" (¬7) فيها جوازه قبل وبعد. وأجاز ذلك ابن إدريس (¬8) في المصلى قبل وبعد لغير الإِمام (¬9)، قال: وإنما يكره للإمام. وأما بعد الرجوع إلى المنزل فلا أعلم في ذلك مانعاً له، إلا أنه قد حكى ابن حبيب عن قوم أنها سبحة ذلك اليوم يقتصر عليها إلى الزوال، / [خ 71] واستحبه ابن حبيب (¬10)، وأن إسحاق (¬11) قال: يركع أربعاً إذا رجع إلى منزله. ¬
وقوله (¬1) في ناسي تكبير العيد: إذا ركع مضى ولم يرجع إلى التكبير، يريد وإن لم يرفع رأسه, لأنها ليست من أركان الصلاة، وقد أخذ في ركن فلا يفسده ويشتغل عنه بغير ركن. وقوله (¬2): "إنا نكون في بعض السواحل فيصلي لنا إمامنا صلاة العيد بخطبة"، إلى آخر المسألة، قال (¬3): "لا أرى بذلك بأسا"، كذا كان في الأصل. وأنكر ابن وضاح لفظة "بخطبة"، وأسقطها (¬4) وقال: هم أهل رباط يصلون في مساجدهم، وأهل المصر يخطبون وليس يخطب هؤلاء (¬5). والذي يظهر من هذه المسألة أن من لا تلزمه الجمعة له أن يصلي العيد بخطبة وإن لم تلزمه (¬6) كما نص عليه في "العتبية" (¬7)، وقد قال ذلك في أهل القرى في "المدونة" (¬8). وتلك المسألة/ [ز 43] محتملة أن تكون صغار القرى التي لا جمعة فيها، وهو ظاهرها. وعليه حمل المسألة غير واحد (¬9)، فإن كان هذا فمذهب الكتاب من هذه أنه تلزم القرية التي فيها جماعة وإن لم تلزمهم الجمعة كما نص عليه في "المجموعة" (¬10) خلاف المسألة الأولى وخلاف ما له في "العتبية" (¬11) وما في ................ ¬
رواية ابن نافع (¬1) وغيره عنه، فيخرج من الكتاب القولان. ويحتمل أنما ذكر القرى هنا وإن كانوا ممن تلزمهم الجمعة لأنه لا أمير لهم، فقال: إن العيد يلزمهم وإن لم يكن لهم أمير كما تلزمهم الجمعة لئلا يظن ظان أنه لا يقيم ذلك إلا الأئمة. ألا تراه [كيف] (¬2) قال (¬3): يصلون كما يصلي الإِمام ويقوم إمامهم فيخطب بهم، خلاف ما في كتاب ابن شعبان (¬4) أن من أمر الناس أنه لا يصلي العيدين أهل القرى الذين ليس عليهم أئمة، فإن صلوا فلا بأس. ومذهبه في الكتاب أن لكل من شاء (أن) (¬5) يصليها صلاها ممن لا تلزمه عنده من النساء والعبيد، وأنه لا يصليها من صلاها منهم جماعة كما نص عليه في النساء (¬6) خلاف ما في كتاب ابن حبيب (¬7) من لزومها لهؤلاء. وانظر ما ذكره أبو الحسن اللخمي عنه ونقله من مقالات مالك وأصحابه فيمن تلزمه صلاة العيدين ومن يصليها من غير أهل الأمصار، وأنه خرج من مجموع ذلك ثلاثة أقوال: المنع للجميع، والإباحة للجميع. والإباحة جماعة والمنع أفذاذاً (¬8). وهذا الوجه لا يكاد يوجد ولا يتوجه من تلك الأقوال، بل المتوجه ضده. وهو الذي في "المدونة" من الإباحة أفذاذاً والمنع جماعة كما قال في النساء (¬9): "ولا يؤمهن أحد". ولا (¬10) أُراه إلا ¬
وهماً وتغييراً من النقلة عنه وقلباً للكلام بدليل قوله (¬1) - لما حكى رواية ابن شعبان و"المبسوط" (¬2) -: "فمنع في هذين القولين أن يتطوعوا بها جماعة" وإن كان المازري (¬3) قد حكى عنه نص ما ذكرناه قبل (¬4). وقوله: بِجَمْع، بفتح الجيم، هي المزدلفة، وقد تقدم، وسميت جمعا، قيل: لجمع العشاءين بها، وقد يحتمل أنها سميت بذلك لاجتماع الناس بها ومبيتهم بها (¬5). وقوله (¬6): يسبح، أي يتنفل، وقد تقدم معناه. وأيام التشريق (¬7) هي يوم النحر وثلاثة بعده، سميت بذلك بصلاة (¬8) التشريق، وهي صلاة العيد لكونها عند شروق الشمس (¬9)، وسميت سائر الأيام باسم أولها كما قيل: أيام العيد (¬10). وقد روي عنه عليه السلام أنه ¬
قال: "من ذبح قبل التشريق أعاد (¬1) " (¬2). (وقيل: لأنهم كانوا لا يذبحون فيها إلا بعد شروق الشمس، وهو قول ابن القاسم (¬3): إن الضحية لا تذبح في اليوم الأول ولا في الثاني حتى تحل الصلاة)، / [خ 72] وخالفه أصبغ في غير اليوم الأول. وقيل (¬4): سميت بذلك لأن الناس يشرقون فيها لحوم ضحاياهم، أي ينشرونها لئلا تتغير (¬5). وقيل: لأن الناس يبرزون فيها إلى لمشرق (¬6) وهو المكان الذي يقيم الناس فيه بمنى تلك الأيام (¬7). وكذا يأتي لأصحابنا وغيرهم أنها الأربعة أيام (¬8). وقال مالك في "الموطأ" (¬9) وغيره: "أيام التشريق هي الأيام المعدودات، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر، وهو الأكثر، ومثله لابن عباس. وذكر البخاري: "كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق" (¬10). وقوله (¬11): "ولم يحد مالك فيه - يعني التكبير - حدًّا، وبلغني عنه أنه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر". ثم ذكر سحنون بعد هذا عن علي بن ¬
زياد عن مالك (¬1): الأمر عندنا أن التكبير في ذلك ثلاث (¬2) دبر كل صلاة مكتوبة،/ [ز 44] ورواية علي عن مالك هي (¬3) مثل رواية ابن القاسم، قال: ولم يحد فيه مالك. قلنا (¬4): ونحن نستحبه (¬5)، ولو زاد أحد فيه أو نقص لم أر به بأساً" (¬6). فبان أن ذكر ثلاث (¬7) من قول علي لا عن مالك. وقوله (¬8): أذان المؤذن يوم عرفة إذا خطب الإِمام وفرغ من خطبته قعد على المنبر فأذن المؤذن"، كذا هنا. وقال في الحج الأول (¬9): "إنه واسع، إن شاء أذن والإمام يخطب، وان شاء بعد أن يفرغ من خطبته". وفي كتاب ابن حبيب (¬10): إذا جلس بين الخطبتين (¬11). ¬
كتاب الجنائز
كتاب الجنائز يقال: الجنازة - بفتح الجيم وكسرها معاً - الميت (¬1). وقيل (¬2): الميت بالفتح، والسرير الذي يحمل عليه بالكسر. قوله فيما يقال على الميت من الدعاء (¬3): "وما علمت أنه قال إلا الدعاء للميت فقط"، خرج بعض المتأخرين (¬4) أن مذهب مالك في الكتاب هنا ألا يخلط مع الدعاء غيره، وأن قوله في حديث أبي هريرة (¬5): "هذا أحسن ما سمعت في الدعاء على الجنازة" خلاف، إذ في حديث أبي هريرة حمد الله والصلاة على نبيه. ¬
والأمر عندي خلاف ما تخيله (¬1)، ألا تراه كيف قال في حديث أبي هريرة: "هذا أحسن ما سمعت في الدعاء"، فإن كان أراد ما ذكر في الحديث من الدعاء للجنازة كما قال - وهو ظاهر لفظه - فليس فيه خلاف لما تقدم، وإن كان أراد ما ذكر في الحديث كله من حمد وثناء وصلاة فقد سمى جميعه دعاء، مع أنه في أول المسألة إنما سأله (¬2): "هل وقت لكم مالك فيه دعاء على النبي عليه السلام وعلى المؤمنين؟ " (¬3)، أي حد في ذلك دعاء وعينه دون غيره، فقال: "ما علمت أنه قال إلا الدعاء"، فنفى (¬4) أن يكون وقت شيئاً غير الدعاء، والذي وقت من الدعاء ما استحسنه من حديث أبي هريرة، وغيرُ ذلك من ثناء وغيرِه غيرُ مؤقت، يقول من ذلك ما تيسر عليه كما جاء في حديث أبي هريرة غير مؤقت، وترجح عنده حديث أبي هريرة للاقتداء به. ولفظة التوقيت هنا مجازية. وقوله (¬5): "فقام وسْطَها"، بسكون السين قيدناه عن بعض شيوخنا (¬6)، قال أبو علي الجياني: كذا رده علي القاضي أبو بكر بن صاحب الأحباس (¬7). وقال ابن دريد (¬8): وسْط الدار ووسَطها سواء. ¬
وفَضَالة بن عُبيد (¬1)، بفتح الفاء وضم العين. وواثِلة (¬2)، بثاء مثلثة. وابن الأسْقَع بالسين. وجُبَير بن نُفَير (¬3)، بضم الجيم وفتح الباء، وضم النون وفتح الفاء. وقوله (¬4): "واغسله بماء وثلج وبرَد"، بفتح الراء. ورواه بعضهم بإسكان الراء، والفتح الصواب. والمراد بهذا المبالغة في الدعاء لمغفرة الذنوب، / [خ 73] لأن ما غسل بالماء الصافي الزلال وكرر غسله بولغ في تنظيفه. وقوله (¬5): "وأدخله داراً خيراً من داره، وخيراً من أهله"، كذا أكثر الروايات. وعند ابن عتاب وفي كتاب أبي عبد الله بن المرابط: أبدله. (وفي كتاب الباجي: له) (¬6) مكان أدخله. وقوله (¬7) في حديث أبي هريرة: "اتْبَعْهَا من أهلها"، كذا هو عند ابن عتاب على الأمر، بسكون العين، وكذلك بعده: ثم قل - ونَصَبَ ضميرات المخاطب في الأفعال المذكورة أول الحديث -. في رواية (¬8) ابن عيسى/ [ز 45] عن ابن المرابط: أَتْبَعُها، بضم العين على الخبر، ثم أقول - ورفع سائر الضميرات - (¬9). ¬
ومعنى أسلافنا (¬1): آباؤنا الماضون وأفراطنا المتقدمون في الوفاة قبلنا ومن سبقنا من المؤمنين. وقوله (¬2): "اللهم ثبت عند المسألة منطقه"، كذا في أكثر النسخ. وعند ابن عتاب: عبدك في المسألة. وربيعة بن عبد الله بن الهُدَير (¬3)، بضم الهاء وفتح الدال المهملة. وعَبيدة بن نَسطاس (¬4)، كذا وقع في "الأم" بفتح العين وآخره تاء، وهي الرواية عن سحنون، وإنما ذكره البخاري في باب عُبيد (¬5) بضم العين وآخره دال. ولم أر أحداً من أصحاب المؤتلف ذكره في باب عُبيدة ولا باب عَبيدة. وضبطنا في "المدونة" اسم أبيه نَسطاس بفتح النون، ويقال بكسرها وبالسين المهملة. والحارث بن نَبهان (¬6)، بفتح النون، تقدم. والبَقيع (¬7)، بالباء بواحدة: موضع الجنائز بالمدينة، وأصله القطعة من الأرض، وهو كل موضع فيه ضروب من الشجر. وسمي بقيعَ الغرقد لشجرات غرقد كانت فيه (¬8)، وهي العوسج. ¬
وقوله: "هلم جَرًّا (¬1) "، بفتح الجيم وتشديد الراء، معناه: إلى الآن (¬2). وقوله (¬3): "أكره أن توضع الجنازة في المسجد"، يدل على أن الميت لا ينجس, ولو كان نجساً لم يقل: أكرهه. ومثله في الاعتكاف قوله (¬4): "وإن كانت في المسجد"، على من رواه هكذا (¬5). وعلة الكراهة لما يتوقع أن ينفجر من رطوبته النجسة (¬6). وانظر قوله في كتاب الرضاع في لبن المرأة الميتة: إنه نجس (¬7)، وحلب (¬8) عليه لبن الشاة الميتة، وما ماتت فيه فأرة، وهذا نص في نجاسة الميت من الآدميين؛ لأنه إنما تنجس بالوعاء، فيشعر بالخلاف في المسألة من "المدونة". والقولان معلومان في المذهب. وبنجاسته قال ابن شعبان (¬9)، وهو مذهب ابن القاسم وابن عبد الحكم (¬10) وغيرهم. والذي ذهب إليه ¬
سحنون (¬1) ونصره ابن القصار وغيره من البغداديين (¬2) طهارته. وهو الصحيح الذي تعضده الآثار لحرمته، وسواء كان عندهم مسلماً أو كافراً لحرمة الآدمية وكرامتها وتفضيل الله تعالى لها؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (¬3) الآية (¬4)، وهو أحد قوله الشافعي (¬5). وذهب بعض أشياخنا المتأخرين (¬6) إلى التفريق بين المسلم والكافر وقال: إنما هذه الحرمة حياً وميتاً للمسلم، وفيه جاءت الآثار, وأما الكافر فلا (¬7). قال القاضي: ولا أعلم متقدماً من الموافقين والمخالفين فرق بينهما قبله، لكن الذي قاله بين ولعله مرادهم. وقوله (¬8): "ولا بأس أن يصلي من بالمسجد عليها بصلاة الإِمام الذي يصلي عليها إذا ضاق خارج المسجد"، وكذلك قوله في الاعتكاف (¬9): وإن ¬
انتهى إليه زحام المصلين عليها، يدل على صلاة الناس عليها في المسجد غير المعتكف، والجنازةُ في كل هذا خارج المسجد، ولم يذكر في ذلك شرط الضيق. ويريد بالزحام صفوف من في المسجد، وهو الذي في كتاب ابن حبيب (¬1): "لو صلى عليها في/ [خ 74] المسجد ما كان ضيقاً". ومسعود بن الحكم الزُرَقي (¬2)، بضم الزاي المضمومة (¬3) وفتح الراء بعدها وبالقاف، منسوب إلى بني زُريق من الأنصار (¬4). وقوله (¬5) في الأعجمي الصغير/ [ز 46] إذا مات: "إذا كان قد أجاب إلى الإِسلام بأمر يعرف وإلا لم يصل عليه"، قال ابن القاسم: "وذلك إذا كان كبيراً يعقل الإِسلام (¬6) "، ووقع مفسراً في رواية ابن القاسم عنه في "المبسوطة" (¬7): لا أرى أن يصلى عليهم إلا أن يعرفوا الإِسلام ويُثغروا أو بعد ذلك إذا عقل الإِسلام، قال أبو عمران: ولما لم يفصل دل أن الكتابي والمجوسي سواء (¬8)، قال: وقوله: أجاب بأمر يعرف، أي بإشارة أو مراطنة؛ يريد وإن لم يفصح بالعجمية، بدليل حديث السوداء (¬9). ومذهب ¬
الكتاب أنه ما لم يعقل الإِسلام ويعرف منه لا يصلى عليه، نوى (¬1) إدخاله فيه أو لا، كان معه أحد أبويه أو لا، صار في سهمانه أو اشتراه من حربي، أو توالد عنده من عبديه، وإن قول ابن القاسم تفسير لقول مالك، وعليه حمله غير واحد (¬2). ووقع في بعض روايات "المدونة": قلت: وإن كان رضيعاً قال: إنما سألنا مالكاً عن الصبي ابن سنتين وثلاثة (¬3). قال ابن القاسم: فالرضيع مثل ذلك، وهي رواية ابن لبابة. ولم يختصرها أحد من المختصرين ولا أدخلها، وهي تشعر بخلاف قول ابن القاسم وتقرب من قول عبد الملك (¬4). وقد يحتمل أنه أضرب (¬5) له في هذا الجواب عن من هذا سنه، وأجابه عن من يعقل؛ إذ ابن سنتين لا يعقل، وهو أصح في التأويل. وزاد (¬6) في بعض روايات "المدونة" من طريق ابن هلال (¬7): "وروى (¬8) غيره عن ¬
مالك: يصلى عليه، وهو مثل سيده"، قال ابن وضاح: غيره ها هنا هو معن بن عيسى (¬1)؛ زاد في غير (¬2) "المدونة": إذا كان من نيته أن يدخله في الإِسلام، وهو معنى هذه الرواية في "المدونة"؛ لأنه أتى بها بعد مسألة: إذا كان من نيته أن يدخله في الإِسلام، وهو قول ابن دينار (¬3) وابن الماجشون (¬4). والسقط (¬5)، بضم السين وفتحها وكسرها، ثلاث لغات (¬6). والنعمان بن أبي عياش (¬7)، كذا رويناه وكذا وقع في الأصول كلها. وفي كتاب ابن سهل: قال ابن وضاح: صوابه أبو النعمان. قال القاضي: الذي في الكتاب هو الصحيح لا ما قال ابن وضاح، ¬
قال البخاري (¬1): نعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني. وقوله (¬2): "إذا ارتد الغلام قبل أن يبلغ الِحنث" - ويروى الحلم (¬3) - وكلاهما بمعنى، أي يبلغ أن يكتب عليه الحنث، وهو الإثم، وذلك عند البلوغ. وقارِظ بن شيبة (¬4)، بكسر الراء وظاء معجمة. والحارث بن يزيد العُكْلي (¬5)، بضم العين وسكون الكاف. وقوله في القدرية والخوارج (¬6): "لا يصلى على موتاهم، وإذا قتلوا فأحرى ألا يصلى عليهم"، ظاهره المنع من الصلاة جملة لا سيما بقرينة آخر الكلام، وهذا على القول بإكفارهم (¬7) بالمآل، وقد حكاه ابن شعبان في كتابه (¬8) ونص عليه مالك هناك، وحكاه عنه القاضي أبو عبد الله التستري من أئمتنا العراقيين (¬9). وإلى أن هذا مذهب "المدونة" نحا بعض الشارحين. ¬
وقال سحنون (¬1): إنما تترك الصلاة عليهم أدبا لهم، فإن خيف أن يضيعوا غسلوا، ويصلي عليهم من حضرهم أو أولياؤهم كما قال في اللصوص بعد هذا (¬2). وقد قال نحوه غير واحد من أئمتنا (¬3)، وهي (¬4) مبنية على قول مالك الآخر (¬5) في ترك إكفارهم وتفسيقهم، وهو دليل كتاب الصلاة الأول (¬6) من التوقف في الإعادة خلفهم والقولِ بالإعادة في الوقت/ [ز 47]. واختلافُ أصحابه في هذه المسائل لاختلافهم/ [خ 75] في هذا الأصل. وقد يحتمل أن يرد قوله في الكتاب إلى تفسير سحنون، وإليه نحا غير واحد من الشارحين، ويكون قوله ذلك أن (¬7) يترك ابتداء ولا يرغب فيها أهل الفضل والصلاح حتى يكون ذلك ردعاً لأمثالهم، حتى إذا خيف عليهم الضيعة نظر منهم (¬8)، وصلي عليهم، ويكون قوله: "وإذا قتلوا فذلك أحرى ألا يصلى عليهم" على هذا؛ لأنهم إذا قاتلوا وقتلوا حصل لهم معنى زائد على البدعة من البغي والفساد في الأرض. وقد اختلف العلماء في الصلاة على البغاة المسلمين (¬9)؛ فمنعه أهل العراق (¬10)، فتكون الصلاة على أهل البدع إذا قتلوا أضعف وأحرى في الترك لأهل الفضل وجماعة الناس والرغبة فيها أو الترك (¬11) للكافة جملة ¬
للخلاف فيهم من الوجهين (¬1): التكفير بالبدعة، وترك الصلاة على البغاة. والإِباضية (¬2)، بكسر الهمزة: صنف من الخوارج منسوب (¬3) إلى ابن إباض (¬4) - من رؤسائهم -. وقتيل الصَبر (¬5): هو المأسور المحبوس. والصبر: الحبس والإمساك. والمعترك (¬6) هو موضع القتال. وقوله في المشي أمام الجنازة، تأول اللخمي أن ظاهر "المدونة" الإباحة لقوله (¬7): لا بأس بالمشي أمامها، قال (¬8): "ولا يفهم من هذا أنه أفضل". قال القاضي: وهذا الذي ذكره لا يعلم في "المدونة" جملة، لا في روايتنا ولا في نسخة من روايات غيرنا، إلا أن تكون تلك رواية الشيخ أو وهما ممن رواه له، والذي في جميع نسخ "المدونة" - وعليه اختصر جماعة (¬9) المختصرين -: قال مالك (¬10): "المشي أمام الجنازة هي (¬11) السنة"، ثم قال (¬12): "ولا بأس أن يسبق الرجل الجنازة ثم يقعد ينتظرها حتى تلحقه". فإن كان الشيخ أراد بتأويله هذا اللفظ فهي مسألة أخرى في ¬
جواز السبق والمبادرة وانتظارها. وكيف كان فقد بين أول الكتاب (¬1) أن السنة المشي أمامها. وقوله (¬2) في "الأم": من قتله العدو في معترك أو غير معترك كمثل الشهيد في المعترك، قد يفيد لفظه فيمن غافصهم (¬3) العدو فقتلهم في منازلهم وفرشهم دون مكابرة (¬4) ولا معترك أنهم كالشهيد (¬5) كما قال ابن وهب (¬6) وأصبغ (¬7)، خلاف ما لابن القاسم في "العتبية" (¬8) أنهم يغسلون ويصلى عليهم ما لم تكن ثم مكابرة (¬9) وملاقاة في منازلهم، فذلك لا يسمى معتركاً في اللسان، وإن كان في معنى المعترك، فيكون ما في "المدونة" وفاقا لما في "العتبية". وقوله (¬10) صلى على شَمَّاس بن عثمان الأنصاري، بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم وآخره سين مهملة، كذا رواية ابن وضاح، وكذا ضبطناه في "الأم"، وسقط من بعض النسخ "الأنصاري" (¬11). ورويناه من طريق إبراهيم بن هلال: ثابت بن قيس. وفي حاشية كتاب ابن سهل: في نسخة: عن (¬12) ثابت بن شماس، قال ابن وضاح: "هذا خطأ، وثابت قتل يوم الردة، وهو ابن شماس هذا". وفي "موطأ ابن وهب" كما في "الأم": ¬
شماس بن عثمان (¬1)، وهو الصواب. وسقوط الأنصاري من نسبه صحيح سقوطه، وإثباته خطأ، وهو مخزومي، واسمه عثمان بن عثمان بن الشريد، من مهاجرة الحبشة. وقد ذكر ابن إسحاق السبب في تسميته شماساً ومن سمَّاه به (¬2)، وهو المقتول يوم أحد. وقول ابن وضاح: إن ثابتاً المقتول يوم الردة ابن هذا/ [ز 48] فوهم بين؛ المقتول يوم الردة باليمامة هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي (¬3)، خطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بابن هذا ولا من نسبه. وقوله (¬4) في اللصوص إذا قتلهم الناس: / [خ 76] "لا أرى للوالي أن يصلي عليهم، ويصلي عليهم أولياؤهم"، هو تفسير عندي. مسألة (¬5) من قتله الإِمام في (¬6) حرابة: لا يصلي عليه، ويصلي عليه الناس. كما قال مالك في رواية ابن وهب (¬7) في المعروف بالفسق: "لا تصل (¬8) عليه واتركه لغيرك، وإنما يرغب في الصلاة على أهل الخير"، وما (¬9) ذهب إليه غير واحد من شيوخنا (¬10) من كراهية صلاة أهل الفضل والخير على البغاة والفساق، وأن يزهد في الصلاة عليهم تأديبا لغيرهم، ولما جاء: "رب جنازة (ملعونة) (¬11) ملعون من شهدها"، ويتركون - كما ¬
قال - لأوليائهم ومن يهمهم أمرهم ويختص بهم، حتى إذا لم يكن لهم قائم بهم تعين على غيرهم القيام بهم. ولا يعترض على هذا بقوله فيمن مات بالسياط (¬1): إن الإِمام يصلي عليه؛ لأن الصلاة في الجملة للإمام، فلا يتركها هو عند مالك (¬2) إلا لمن أقام (¬3) عليه القتل زيادة في الردع؛ لأن موجبات القتل أعظم الكبائر، فيتظاهر في الردع (¬4) عنها بكل وجه وإن كان ابن نافع وابن عبد الحكم لم يرويا (¬5) ذلك وخالفاه (¬6)، وزاد الشيخ أبو الحسن اللخمي في المخالفة إلى القول بالعكس (¬7)؛ لأنه إذا أقام عليه الحد فقد جاء بالردع، ومن مات ولم يحد فذاك عنده الذي يستحب للإمام التخلف عن الصلاة عليه. وأما أبو عمران فقال (¬8): إذا مات هذا المقدم للقتل ذعرا قبل إقامة الحد عليه فيصلي عليه الإِمام, لأن ترك الصلاة من توابع الحد. وهذا عندي على ما قدمته إذا كان هذا بحضرة الإِمام إذ له الصلاة، وإلا فالتخلف عن أمثالهم مأمور به. وقوله (¬9): "ليس في غسل الميت حد، يغسلون وينقون"، نقل بعض الناس (¬10) أن هذا مذهب مالك دون التفات إلى استحباب وترٍ فيه. قال بعض ¬
شيوخنا (¬1): ولعله تأوله على ظاهر قوله هذا وليس كذلك، قد جاء تفسير مذهبه آخر الباب من رواية ابن وهب قال: "وأحب إلي أن يغسل ثلاثاً (¬2) كما قال عليه السلام: ثلاثاً أو خمسا" (¬3)، قال: وقد يحتج من يجعل هذا خلافاً لقول ابن القاسم بقوله آخر الباب (¬4): هذه رواية ابن وهب. وقوله (¬5): "يجعل على عورة الميت خرقة عند غسله"، ذهب بعض المتأخرين (¬6) إلى أن المراد السوءتين (¬7) وليس في الكتاب ما يدل على مراده، بل لو قيل فيه ما يدل على القول الآخر: إن العورة من السرة إلى الركبة (¬8) لكان للقول بذلك وجه؛ لأنه قال بأثر ذلك (¬9): "ويفضي بيده الذي يغسله إلى فرجه إن احتاج إلى ذلك"، فلو كانت العورة هي نفس السوءة والفرج - كما قال - لما جاء بذكر الفرج بلفظ آخر، ولو كان استدلاله بقوله بعد هذا في غسل المرأة زوجها، وقوله (¬10): وتفعل به ما يفعل بالموتى، لأن الموتى تستر عوراتهم (¬11)، - وفي بعض النسخ: فروجهم (¬12) - لكان ¬
الاستخراج من هنا (¬1) أبين؛ لأن الذي يلزم (¬2) من ستر أحد الزوجين صاحبه على مذهب الكتاب ومن ألزمه الستر إنما هي السوءتان بلا شك، على حال ما يستحب في حال الحياة. والخلاف في ذلك كالخلاف في حال الحياة، بل هنا أضعف للإباحة, لأنها أبيحت في حال الحياة من تمام الالتذاذ، ولأن الضرورة غالباً داعية إليها عند الجماع إلا على حد من التحفظ، وذلك قادح في اللذة وناقص من تمام قضاء الإربة، وكرهت لأنها ليست من مكارم/ [ز 49] الأخلاق وشيم/ [خ 77] أهل الفضل والسمت، وها هنا زالت العلة المبيحة، ثم بقي سائر الجسد على الإباحة كحال الحياة. ولو منعناها (¬3) النظر إلى ما عدا الفرجين وأخرجناهما عن حكم الحياة بينهما لم يبح لها اختياراً ولا اضطراراً الغسل، إذ ليس بذي محرم. وقوله (¬4): إذا مات الرجل في السفر وليس معه إلا ذوات المحارم، يغسلنه ويسترنه. كذا في "الأم"، وكذا اختصره أكثر المختصرين (¬5) على لفظه، وتأوله بعض شيوخنا (¬6): أي يسترن عورته على قاله (¬7) في "المختصر" (¬8) وقول أبي عيسى (¬9)، وهو الأصح في ¬
معناه؛ إذ النظر إلى جسده عليهن غير ممنوع، ولهن أن يرين منه ما يراه الرجال بغير خلاف. وقد فرق في الكتاب بين هذه المسألة وبين غسل الرجال ذات المحرم فقال فيها (¬1): "يغسلها من فوق ثوب"، فدل أنه بخلاف المرأة في غسلها لذي محرمها, لأن المرأة يجوز لها أن ترى من ذي محرمها ما يجوز للرجل أن يراه من الرجل، وليس لذي المحرم أن يرى من ذات محرمه إلا أعاليها من الرأس والشعر والذراعين وما فوق النحر، ولا يرى منها ما تحت درعها وإزارها. وعلى التسوية ما بين الرجل والمرأة في ذلك وستر جميع الجسد فيهما (¬2) تأولها اللخمي (¬3) على ظاهر لفظ الكتاب، وعلى نص ما في غيره (¬4) لسحنون. وقوله (¬5) في النساء: إذا غسلن الأجنبي في السفر وحيث لا يحضره غيرهن يممنه إلى المرفقين. يحتج به من يرى أنه لا يحل للمرأة أن ترى من الأجنبي إلا ما يراه الرجل من ذوات محارمه، ولقولة (¬6) الكتاب، وهو بين ¬
من هذه المسائل. وقيل: إن حكم المرأة فيما تراه من الرجل الأجنبي حكم الرجل فيما يرى منها، وهذا أضعف الأقاويل. وعلى قياس قوله في "الكتاب" في تيميم النساء للأجنبي يجب أن يُيَمَّم (¬1) (الرجل) (¬2) ذات محرمه ولا يغسلها كما قال أشهب (¬3) وابن نافع (¬4)، لكن بعض مشايخنا (¬5) جعل معنى ما ذكر من غسله إياها من فوق ثوب أن يصب الماء من تحت الثوب ويجافي الثوب عنها حتى لا يلصق بجسدها ولا يصفها ولا يباشر جسدها بيده، ونحوه لابن حبيب (¬6). وعلى هذا كان أيضاً يفعل النساء بالأجنبي مثل هذا. ولا يقاس على هذا غسل الأجانب للمرأة؛ إذ لا خلاف أن جسدها كله على الرجل الأجنبي عورة. وإنما اختلف في ذلك مع النساء مثلها، فالمعروف من مذاهب العلماء وظاهر الكتاب أن الذي يمنع المرأة أن تراه من المرأة ما يمنع (¬7) الرجل أن يراه من الرجل بدليل اتفاقهم على غسل المرأة المرأة، خلاف ما ذكره القاضي أبو محمَّد بن نصر من أن جسدها كله ¬
عورة، وهو ظاهر مذهب سحنون (¬1). وقوله (¬2) في الكافر يموت بين المسلمين: "يَلُفونه في شيء"، كذا روايتي، بالفاء، في هذا الحرف عن شيوخنا. ومن طريق الدباغ: يُلْقونه، بالقاف. وفي كتاب ابن سهل: يلقونه - بالقاف - لابن وضاح، ولم يكن في أصل ابن عتاب غير الفاء. والحَنوط (¬3)، بفتح الحاء: هو/ [ز 50] ما يحنط به الميت من الطيب ويطيب به (¬4). ومَراقُّه (¬5)، بفتح الميم وتشديد القاف: ما رق من جلده كالمغابن والآباط وعُكُن البطن. وقال ابن اللباد (¬6): المراق مخرج الأذى. وقال العتبي: هو (¬7) ما بين الأليتين (¬8) والدبر، وقال الهروي: هو ما سفل من بطنه ورفغه وما هنالك والمواضع التي رق جلدها (¬9)، وهذا كله قريب بعضه ¬
من بعض، / [خ 78] وأصله ما رق من الجلد. وفي الحديث أنه عليه السلام "بدأ فغسل مراقه" (¬1)، يعني في الاغتسال. والرفغ (¬2)، بفتح الراء وضمها: أصل الفخذ وما بينه وبين الفرج (¬3). والمآبِض (¬4)، بكسر الباء: ما تحت الركبة وباطن طيها (¬5). والعَصْب (¬6)، بفتح العين وسكون الصاد، قال في "الكتاب": هي الحِبَر، بكسر الحاء وفتح الباء، (¬7) وكلاهما من ثياب اليمن المَوشية، وسمي عصبا لأن سدا غزله يعصب بالخيوط قبل نسجه، ثم يصبغ ثم يحل عنه فيبقى مكان ما ربط أبيض، ثم ينسج فتأتي ملونة (¬8). والتحبير التزيين (¬9)، وبه سميت الحبر لتزيينها بالصبغ. وقوله (¬10) في صلاة النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل: "لا تؤمهن واحدة منهن، وليصلين عليه واحدة واحدة"، اختلف في صفة هذا؛ فذهب ابن لبابة أن معناه: يصلين عليه أفذاذا في مرة واحدة، إذ لو صلين واحدة بعد واحدة لكانت من إعادة (¬11) الصلاة وتكرارها على الميت، وهو ¬
لا يرى ذلك (¬1). وفي رواية العسال (¬2): "فليصلين عليه وحداناً: واحدة بعد واحدة" (¬3). قال القابسي (¬4): فهذا يدل على جواز تفريقهن الصلاة عليه واحدة بعد واحدة. ونحوه في "المبسوط". وقوله (¬5): "لا بأس أن تتبع المرأة جنازة ولدها ووالدها ومثل زوجها وأخيها إذا كان مما يعرف أن يخرج مثلها على مثله". ثم قال (¬6): "قلت: أفيكره لها أن تخرج على غير هؤلاء ممن لا ينكر لها الخروج عليهم من قرابتها؟ قال: نعم "كذا في رواية شيوخنا، وكذا نقلها أبو محمَّد بن أبي زيد (¬7) وعبد الحق (¬8) وغيرهم (¬9). وفي بعض النسخ والروايات: ممن ينكر، وكانت "لا" في كتاب ابن المرابط ملحقة، وإلحاقها الصواب. ومعنى ذلك عند بعض المشايخ (¬10) أنهم الذين سماهم أولاً، وأنها لا تخرج على غيرهم، ويصحح هذا أنه قال في "المبسوط" (¬11) .................. ¬
في هذه المسألة (¬1): "ويكره أن تخرج على غير هؤلاء الذين لا ينكر لها الخروج عليهم". وذكر ابن يونس (¬2) أن الرواية عنده في "المدونة": "ممن لا يكون لها الخروج عليهم" وتأولها: ممن تحتجب منه من أقاربها في حياته، وأن ذوات غير الأقدار من المتصرفات يجوز لها الخروج على كل من تخرج عليه في الحياة ولا تحتجب منه، ولا تخرج على من تحتجب منه من أقاربها. وقوله في السلام للإمام: "يسمع نفسه، وكذلك من خلف الإِمام، وهو دون الإِمام" (¬3)، ثم قال بعد ذلك في الإِمام: "يسمع نفسه ومن يليه" (¬4)، وقال في الأثر (¬5): يسلم تسليماً خفياً وخفيفاً (¬6)، رُويا معاً. وروايتنا عن ابن عتاب في حديث سهل بن حنيف: خفيفاً (¬7)، وخفياً لغيره. ولابن المرابط: خفيفاً لابن وضاح والدباغ، وخفياً لغيرهما. وفي حديث ابن عباس ¬
قال: "يسلم خفية (¬1) "، كذا لابن عتاب. وعند ابن المرابط (¬2): "كان يسلم تسليمة خفية"، وفي نسخة: خفيفة لابن وضاح. وفي حديث إبراهيم (¬3) بعده قال: السلام على الجنازة تسليمة، كذا لجمهور الرواة. وعند الدباغ عن إبراهيم مثل ذلك عن يمينه (¬4). وفي الباب أيضاً عن سهل بن حنيف (¬5) "عن رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يسلم تسليماً خفيفاً حين (¬6) " (¬7)، كذا عند شيوخنا. وفي كتاب ابن المرابط عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم، وعنده "رجال" أيضاً. [خ 79] وعلى هذا الاختلاف المتقدم اختلاف الروايتين عن مالك في سلام الإِمام: هل يسمع/ من (¬8) يليه أم لا؟ وقد يستفاد الخلاف من اللفظين الأولين في الكتاب، أو قد يكونا (¬9) بمعنى. وهو أولى، لتفريقه بين سلامه وسلام المأموم. وإنما فارقت سائر الصلوات في ذلك لأن الجهر بذلك إنما هو إشعار ¬
بتمام الصلاة لمن خلفه. وصلاة الجنائز من ضرورتها ألا يثبت المصلي إماماً كان أو غيره في موقفه للصلاة، فلم يحتج إلى إشعار. وهذا/ [ز 51] أولى من توجيه (¬1) من وجهه بغير هذا من مشايخنا، وهي العلة في أن سلام المأموم واحدة، ولا يرد على الإِمام لانصراف الإِمام عن مقامه وجهة مصلاه، كما أنه لا يرد على من على (¬2) يساره لافتراقهم. ولأن الإِمام لا يجهر بسلامه (¬3) فلم يلزم الرد عليه، وهو مذهب الكتاب في المأموم. وروى ابن غانم (¬4) عن مالك خلافه أنه يسلم ثانية يرد بها على الإِمام كسائر الصلوات. وقيل (¬5): لعل الخلاف في رد المأموم مبني على الخلاف في إسرار الإِمام أو جهره (¬6) بالسلام. وأسماء بنت عُمَيْس (¬7)، بضم العين وفتح الميم وبسين مهملة. وأبو زَمعة البلوي (¬8)، بفتح الميم ويقال بسكونها، وفي رواية بعض الناس فيه: أبو ربيعة، وهو تصحيف. وسهل بن حُنيف (¬9)، بضم الحاء المهملة. ¬
وقوله (¬1): "كره (¬2) تجصيص القبور"، وهو تبييضها بالجص، وهو الجبس، وقيل الجير. وروي في غير "المدونة": أن تُجَصص، ويروى تُقَصص (¬3)، وهما بمعنى تبييضها أيضاً بالقصة، وهو الجير. وقوله: "والبناء عليها بهذه الحجارة" (¬4)، هو رفعها وتعظيمها. وخرج الشيخ أبو الحسن اللخمي (¬5) أن مذهبه في "المدونة" أنها لا تسنم، وأنه كرهه كما كره البناء. وليس في "المدونة" لهذا دليل إلا ما أدخله سحنون من الآثار في ذلك، وسحنون قد أشار بحجته بذلك أنما هو على من قال: يبني عليها بقوله (¬6): "فهذه آثار في تسويتها فكيف بمن يريد أن يبني عليها"، على طريق سحنون في الاحتجاج بالأولى في غير موضع من الكتاب. وإلا فالمعروف من مذهبنا الذي (¬7) تقرر تسنيمها، بل سنتها (¬8)، وهي صفة قبره عليه السلام وقبور أصحابه. وهو المنصوص في الأمهات، ولم ينص فيها على خلاف لذلك (¬9)، بل لأشهب (¬10) ما يدل على جواز تعظيمه والزيادة فيه على التسنيم، كيف وقد تأول بعضهم ما جاء في تسويتها: أي لا تبنى ¬
وتعظم، ولا تجعل جثى (¬1) كما كانت قبور الجاهلية ثم تسنم، فجمع بين الأحاديث (¬2). وخرج (¬3) أيضاً الخلاف في البناء عليها وإجازته في بناء القبر من هذه الرواية (¬4). وذلك ما لا يفهم من قول أشهب، بل معناه تكثير التراب عليه. وحجته بقبر ابن مظعون (¬5) ليس فيه دليل على أنه كان مبنياً بحجارة أو غيرها، إنما كانت قبورهم - كما روي - جُثَى تراب وكُدَى. وأما الخلاف في بناء البيوت عليها - إذا كانت في غير أرض محبسة (¬6) وفي المواضع المباحة وفي ملك الإنسان - فأباح ذلك ابن القصار (¬7)، وقال غيره (¬8): ظاهر المذهب خلافه. ¬
وخُنَاصِرة (¬1)، بضم الخاء وتخفيف النون وكسر الصاد المهملة، من بلاد قِنَّسْرين (¬2) بالشام. وقوله (¬3): "يُبقر عن الميتة"، بباء بواحدة، أي يكشف عن جنينها بشق بطنها. والبقْر: الشق (¬4). وفي آخر الباب قال سحنون (¬5): "وسمعت أن الجنين إذا استوقن (¬6) بحياته، وكان معقولا معروف الحياة فلا بأس أن يبقر بطنها ويستخرج الولد منها". صحت في أصل ابن المرابط، وكتب عليها: ثبتت للدباغ (¬7) / [خ 80]. ¬
كتاب الصيام
كتاب الصيام (¬1) أصل الصوم في اللغة: الإمساك، قال الله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (¬2) الآية، أي إمساكاً عن الكلام. قال الشاعر: خيل صِيام وخيل غير صائمة (¬3) ................................ أي ممسكة (¬4) عن الصهيل والحركة، وقال بعضهم في هذا البيت: معناه خيل لم تعط علفا (¬5)، فهو من معنى الصيام المعهود. وقال: .......................... وقد صام النهار وهجَّرا (¬6) [ز 52] أي وقفت أفياؤه عن النقصان والزيادة، وأمسكت شمسه لرأي العين عن الحركة. ¬
وهو في عرف الشرع: إمساك مخصوص عن أفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة. والسَحور والفَطور، بفتح السين والفاء، اسم ما يتسحر به ويفطر عليه. وكذلك السعوط والوَجور (¬1)، كالوَقود لما يوقد (¬2) به النار. وبِضم ذلك: الفعلُ (¬3). قال ابن الأنباري: وأجاز بعضهم الفتح في الوجهين، والأول هو المعروف الذي عليه أهل اللغة (¬4). وقوله (¬5) في الذي تسحر (¬6) في أول يوم من أيام النذر المتتابعة، قال: "عليه عشرة أيام يدخل ذلك اليوم في هذه العشرة الأيام أحدها قضاء ذلك اليوم"، كذا لابن وضاح. ولغيره: آخرها، بالخاء والراء. ورواية ابن وضاح أصوب، فإن قضاء ذلك اليوم غير معين منها، بل لو قيل: أولها قضاؤه لكان أصوب من قوله: آخرها, لأن أول يوم هو الذي فسد، فهو يستأنف الصيام فيأتي أول (¬7) عن أول يوم. أو يقال: عليه عشرة ابتدأها، فسد عليه ما ابتدأ منها، فعليه صيامها دون تعرض للقضاء، لكن إنما ذكر القضاء هنا احترازاً من أن يقال له: يلزمه قضاء ذلك اليوم غير العشرة. وقوله في أول الكلام: "يدخل ذلك اليوم في هذه العشرة" بنيته (¬8)، وهو أحسن من قوله: "أحدها قضاء ذلك اليوم"، وإنما يصلح ذكر القضاء لو كان الفطر داخل ¬
العشرة بسبب وجوب الاتصال. قال أبو عمران: وقوله في المسألة: "فإن كان نواها متتابعات" (¬1)، من قول ابن القاسم إلى قوله (¬2): "فإن أفطر ذلك اليوم"، فمن هنا رجع الكلام إلى مالك. وقد اختلف في نسيانه صلة القضاء: هل يجب الاستئناف أم لا؟ وقوله (¬3) في المسألة: إن شاء أفطر واستأنف، ولا أحب له أن يفطره. وكذلك قال في الأكل ناسيا في قضاء رمضان. ليس في هذا تناقض بين الكراهية والإباحة، وإنما أراد أن يفرق بين هاتين المسألتين وبين مسألة التطوع؛ لأن التطوع يؤمر بتمامه والوفاء به ويؤثم في الفطر فيه, لأنه قد أبطل عملا يصح له ولا يلزمه قضاؤه. وهاتان المسألتان لا تصحا (¬4) له عما صامه لهما، ويلزمه قضاؤهما فلا يؤثم في فطرهما إن أفطرهما، لكن يكره له ذلك؛ لأنه قطع عبادة يصح له أجرها تطوعا إن أكملها وإن لم تصح له عما صامها له ولم يلزم تمامها؛ إذ لم يدخل فيها بتلك (¬5) النية، بخلاف ناوي التطوع. وقوله (¬6): مِنْ ذي قَبْلُ، بفتح القاف وكسره، والفتح عندهم أشهر (¬7). وزياد بن عِلاقة (¬8)، بكسر العين. ¬
وبِشر بن قيس (¬1)، بكسر الباء وبشين معجمة. وقوله (¬2) في حديث عمر حين أفطر وقد أمسى "قد طلعت الشمس"، معناه: ظهرت وبرزت؛ لأنه ليس وقت طلوعها. وكذلك قوله في كتاب الظهار فيمن ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم طلعت الشمس: إنه لا كفارة عليه. وأظن (¬3) هنا بمعنى اليقين. ولو كان على شك لكفر هنا على [خ 81] ما ذكره ابن عبيد (¬4) في "مختصره" (¬5) ولم يكفر على ما ذكره البغداديون (¬6)، كما لو أكل في الفجر شاكاً، فلا كفارة عليه باتفاق. ¬
واختلف المشايخ في ترجيح القولين؛ فمنهم (¬1) من رجح مذهب البغداديين، وقد يستظهر هؤلاء بظاهر لفظه هذا في "المدونة" وإن كانت درجة الظن أرفع من الشك، ويأتي بمعنى اليقين، لكن تأوله بعضهم (¬2) بمعنى الشك. ومنهم (¬3) من رجح قول ابن عبيد والتفريق بين الوقتين, لأنه أولاً الأكل له مباح، فلا يحرم عليه إلا بيقين، ولا يصح حكم الانتهاك إلا بتيقن تحريمه عليه، وآخر النهار هو في حكم الصوم، والفطر عليه حرام إلا بيقين (¬4) انقضاء النهار، فهو منتهك ما لم يتيقن انقضاء النهار. [ز 53] وقد أراد بعض شيوخنا (¬5) أن يجمع بين القولين وقال: لعل البغداديين أرادوا بالشك هنا غلبة الظن فيستوي الفطر في الوقتين. وهذا يبعد؛ لأن الشك شيء وغلبة الظن شيء آخر غيره، وأحكامهما مختلفة كأسمائهما وحدودهما. وحديث (¬6) ابن مهدي عن سفيان الثوري في باب الذي يرى هلال رمضان وحده. في رواية إبراهيم بن محمَّد: ابن وهب، مكان ابن مهدي. وقول سحنون: وأخبرني ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن رأى هلال شوال نهاراً، كذا عند شيخنا أبي محمَّد بن عتاب. وعند شيخنا القاضي أبي عبد الله بن عيسى: "قال ابن وهب: وقال لي مالك"، وذكر المسألة. وقائل ذلك ابن وهب, لأنه تقدم قبل في الآثار ذكره. ثم قال آخر المسألة (¬7): "وقال ابن القاسم عن مالك مثله"، فاتفقت الروايتان باختلاف المساق. ¬
وقول سحنون: "وروى أشهب وابن نافع" (¬1) إلى آخر ما ذكر في المسألة، ثابت عند شيوخنا وقرأه ابن وضاح. وفي حاشية كتاب ابن سهل: ألحقه سحنون بالمدونة ولم يكن فيها أولاً. وكذلك حديث (¬2) ابن وهب عن يونس بن يزيد (¬3). وحديثه بعده (¬4) عن رجال من أهل العلم. ومسألة ابن القاسم وابن وهب بعده التي ذكرناها، ساقط ليحيى ولأحمد (¬5). وقرأه الدباغ. والحقنة (¬6): هو ما يستعمله الإنسان من دواء من أسفله. والسُبور (¬7)، بضم السين المهملة والباء بواحدة: الفتيلة، وسألت شيخنا أبا الحسين عن هذا الحرف هل يقال بالفتح؟ فقال لي: الواحد بالفتح والجميع بالضم (¬8). وتجيب - القبيلة - (¬9)، بضم التاء (¬10) وفتحها، وبعض أهل اللغة لا يجيز فيها إلا فتحها (¬11). وفي حديث (¬12) القبلة للصائم: "سمع عبد الله بن عمر يقول: "كنا عند ¬
النبي - عليه السلام - فجاء (¬1) شاب" (¬2)، وذكر الحديث، كذا عند ابن عتاب. وعند ابن عيسى: عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذا في سائر الأمهات (¬3). ومثل هذا التفريق الذي جاء في الحديث بين الشيخ والشاب في القبلة في آثار الكتاب (¬4) - وقال به من ذكر هناك من (¬5) قال به هناك من الصحابة (¬6) - ذكر الخطابي (¬7) عن مالك ويحيى (¬8) بن حبيب مثله، وحكي عن مالك ترخيصه فيها (¬9) في التطوع دون الفريضة. وظاهر الكتاب منعه ¬
فيهما. وهو نص له في غير (¬1) الكتاب. وقوله (¬2) في الذي باشر: وإن كان لم يزل ذلك منه ميتا. وفي رواية ابن عتاب (¬3): "لم يُنزل ذلك منه منياً"، وعلى الروايتين فقد بين (¬4) أنه متى أنعظ - وإن لم يمذ - فعليه القضاء. ومثله لمالك في "العتبية" (¬5) والحمديسية (¬6) في المباشرة والقبلة. وعبد الملك ومطرف (¬7) لا يريان في الإنعاظ شيئاً من مباشرة أو قبلة، ووافقهم (¬8) ابن القاسم من رأيه (¬9) في "العتبية" (¬10) في القبلة/ [خ 82]. وظاهر رواية ابن وهب وأشهب في الكتاب: لا قضاء فيهما لقوله (¬11): وإن لم يمذ فلا أرى عليه شيئاً. وكذا نقلها الباجي من رواية ابن وهب عن مالك نصاً (¬12). وقيل: إنما الخلاف إذا أنعظ عن مباشرة أو قبلة، وأما عن نظر ولمس (¬13) فلا قضاء عليه إلا أن يمذي. ¬
واختلف في المذي؛ هل القضاء منه واجب على قول أكثر الشيوخ أو مستحب على قول بعضهم (¬1)، أو التفريق بين أن يكون عن لمس أو قبلة ومباشرة (¬2) فيجب أو عن النظر فلا يلزم على ما عند ابن حبيب (¬3) إلا أن يتعمده؟. والمغيرة (¬4) لا يرى منه القضاء وإن كان عن قبلة. وقوله (¬5) في الذي يقبل امرأته مكرهة حتى ينزلا" فالكفارة عليه، وعلى المرأة/ [ز 54] القضاء على كل حال"، ظاهره يكفر عن نفسه فقط، كما قال ابن القابسي (¬6) وابن شبلون (¬7) فيها، وتأولها أبو محمَّد أن يكفر عنها (¬8)، وقاله حمديس (¬9). وفي بعض نسخ "المدونة" هنا: فالكفارة عليه عنه وعنها. وليس في روايتنا ولا في أصول شيوخنا لكنها مخالفة كتب بعضهم. وفي بعض الأصول القديمة (¬10). ¬
وما له في مسألة المكره يصب الماء في حلقه (¬1): "عليه القضاء ولا كفارة عليه"، يعضد مذهب ابن شبلون. وما له في باب الكفارة في المكرهة بالوطء يعضد مذهب أبي محمَّد، وهو نص لقوله (¬2): يكفر عنها. والتفريق بين الإكراه بالوطء والإكراه بالقبلة بأنه لا انتهاك في مسألة القبلة, لأنه لم يكن الإنزال من فعله، والإيلاج من فعله، غير بين (¬3)؛ لأن الانتهاك من الرجل فيهما حتى أنزلا في هذه أو لم ينزلا في الأخرى واحد؛ إذ لا فرق بين الانتهاك بالإنزال وبالإيلاج (¬4) منه في حق المرأة، إذ هو مسببه وفاعل موجبه، والمكرهة غير منتهكة لحرمة الشهر في المسألتين، وإنما المنتهك الرجل في نفسه بالفعلين (¬5) وفيها أيضاً. فإما أن يوجب عليه عنها فيهما أو لا يوجب عليه عنها كما قال ابن نافع (¬6) وابن عبد الحكم (¬7) وسحنون (¬8)، وهو قول مالك في "المدنية" (¬9). وقد قال مالك في التي جومعت نائمة (¬10): "لا كفارة عليها"، وفي الذي صب الماء في حلقه (¬11): "لا كفارة عليه". ولم يجعل في الباب كله كفارة عنه على الفاعل؛ إذ لا فرق بين هتكه في المكره بالجماع أو صب ¬
الماء في حلقه، وقد قال سحنون فيها (¬1): هي خير من مسألة التي أكرهها زوجها, ولا فرق بينهما في باب الإكراه. وقد سوى بينهما في كتاب ابن حبيب (¬2) وجعل على المكره فيهما الكفارة عن من أُكرِه. وقد ذهب بعضهم (¬3) إلى أن إلزامه الكفارة في مسألة المكره قولة له في الكفارة في الجماع بأي وجه كان، ناسياً أو غيره، كما قال عبد الملك ورواه هو وابن نافع عن مالك (¬4). وفي "مسائل" القاضي إسماعيل (¬5) عن مالك ألا غسل على المكرهة إلا أن تلتذ ولا النائمة (¬6)، فيبين (¬7) من هذا أنها لا تكون مفطرة، يريد لا قضاء عليهما (¬8). وكذلك قال الشافعي في النائمة. والمعروف عندنا أن عليهما القضاء. واختلف في الرجل المكرِه على الوطء لغيره؛ فقيل عليه الكفارة، وهو قول عبد الملك. وأكثر أقوال أصحابنا أنه لا كفارة عليه. ولا خلاف أن عليه القضاء. والخلاف في حده، والأكثر إيجاب الحد عليه/ [خ 83]. والمرأة المكرهة بخلافه. ¬
وقوله (¬1): "أو غمزها" يعني قرصها أو قبض يده (¬2) عليها، ومنه قولهم: غمزتَ القناة إذا شددت يدك عليها لتقوّم عوجها (¬3). ومن (¬4) قول عائشة: فيغمزني فأضم رجلي (¬5)، وقد قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. وعبد الله بن عامر بن ربيعة (¬6) عن أبيه. كذا رويناه. وفي بعض النسخ: عبيد الله، وهو وهم. وسقط "عن أبيه" في رواية أيضاً، وقال عوضه: عن ربيعة. قال أحمد بن خالد: هو خطأ، ورواية ابن وضاح الصواب، عن أبيه، وليس في الصحابة ربيعة. قال القاضي - رضي الله عنه - (¬7): الصواب ما في الأصل. وقد خرج الترمذي حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه هذا بسنده (¬8). وعامر بن ربيعة هذا عنزي حليف بني عدي، قاله البخاري (¬9) وغيره، بدري، من مهاجرة الحبشة. ¬
وأما قول أحمد: ليس في الصحابة ربيعة، ففيهم عدة كثيرة، عرفنا منهم - بحمد الله - نحو ثلاثين/ [ز 55] رجلاً ممن عد في صحابة النبي - عليه السلام - (¬1) كلهم يسمى ربيعة، منهم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (¬2)، وربيعة بن كعب الأسلمي (¬3)، وربيعة بن عباد الدؤلي (¬4)، وربيعة الدوسي (¬5)، وربيعة بن شخبرة (¬6)، في آخرين لولا التطويل لسردتهم. وقوله (¬7) في الحقنة بالفتائل: لا شيء عليه، وفرق بين ذلك وبين غيرها، فدل (¬8) أن كلامه في الفطر إنما هي (¬9) في الحقنة المائعة (وهي الذي (¬10) فيها الخلاف كما قال اللخمي (¬11) وإن كان القاضي أبو محمَّد (¬12) ذكر الخلاف في الحقنة مجملاً، وأما غير المائعات) (¬13) فلا خلاف فيها. ¬
وقد اعترض أبو إسحاق فيها (¬1) بكل حال على أصله في الرضاع أنه لا يحرم إلا أن يكون له غذاء. قال القاضي - رضي الله عنه -: وهذا لا يلزم؛ لأن الباب مفترق؛ المراعاة في الرضاع ما ينبت اللحم وينشئ (¬2) العظم، ولا يشترط هذا في إفطار الصوم (¬3)، بل ما يصل إلى موضع الطعام والشراب فقط مما يشغل المعدة ويسكن كلب الجوع. وقوله (¬4): استقاء ممدود، أي استدعى القيء، مثل استقام. وذرعه القيء - بذال معجمة - أي غلبه، والقيء مهموز. وحَيْوَة بن شريح (¬5)، بفتح الحاء وياء أخت الواو ساكنة بعدها. وأبوه بشين معجمة، وآخره حاء مهملة. والحارث بن نبهان (¬6)، تقدم. عن يزيد بن أبي خالد، كذا في كثير من الأمهات (¬7) في حديث الكحل للصائم (¬8). وبشَر لفظة "ابن" من كتاب ابن ¬
عتاب، وأوقفه ابن المرابط. والصواب - إن شاء الله - سقوط "ابن". ويزيد أبو خالد هذا هو (¬1) وابن عجلان (¬2) بفتح العين حيث وقع. عن أبي نضرة (¬3) عن أبي سعيد. كذا عندي وفي أكثر النسخ. وفي بعضها: عن نضرة، كلها (¬4) بالنون والضاد المعجمة. وفي بعضها: عن أبي بصرة، بالباء والصاد المهملة. وكله خطأ إلا أبا نضرة كما عندي. وهو المنذر بن مالك، مشهور يروي عن أبي سعيد كثيراً في الصحيحين وغيره (¬5). وأبو مُراوح (¬6)، بضم الميم وكسر الواو. والمَعافري (¬7)، بفتح الميم وبالفاء، منسوب إلى قبيل من اليمن يقال ¬
لهم مَعافر. قال لي ابن سراج: ويقال فيه مُعافر (¬1) أيضاً. وفي متن هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ذرعه القيء" (¬2)، كذا عندي/ [خ 84] للقاضي (¬3) أبي عبد الله. وعند ابن عتاب: كان إذا ذرعه القيء، وكتب عليه "قال". وكذا رده ابن وضاح. وقوله (¬4) في الحديث: "لا تَقَدموا الشهر" (¬5)، كذا ضبطناه في "الأم" عن الشيخ أبي محمَّد بن عتاب؛ بفتح التاء والدال. وضبطناه عن القاضي أبي عبد الله: لا تُقدَّموا، بضم التاء وكسر الدال. ومعناهما صحيح؛ الأول [لا] (¬6) تتقدموا الشهر بصوم تعدونه منه، والثاني: لا تقدموا صوماً قبله ليكون منه أو احتياطاً له. وقوله (¬7): "فإن غُم عليكم فاقدروا له"، معنى غُمَّ: ستر عنكم، من قولك: غممت الشيء إذا سترته (¬8)، ويكون من تغطية الغمام إياه، وليس ¬
من الغيم. وقد رويناه في غير "المدونة" بألفاظ مختلفة مشتقة من الغيم وغيره لها تفاسير بحسبها (¬1). وأبان بن أبي عياش (¬2)، آخره شين معجمة. وقوله (¬3): لا يصام آخر يوم من شعبان الذي يشك أنه من رمضان، هذا تنبيه على أن معناه صيامه تحرياً لرمضان. وعليه يدل لفظ الحديث، كما أنه يكره تحري فطره لمن عادته الصوم لئلا يصل صومه برمضان. نص على ذلك ابن مسلمة (¬4). ثم اختلف في قصد صومه تطوعا بالجواز والكراهة (¬5). وقوله (¬6): "وقد ذكرنا (¬7) عن ربيعة ما يشبه/ [ز 56] هذا"؛ هو قوله في آخر باب صيام آخر يوم من شعبان (¬8) فيمن صام قبل أن يرى الهلال على الاحتياط، المسألةَ بتمامها (¬9). وقوله (¬10): "وهذا من ذلك الباب"، يدل أن صومه تطوعا وصومه على الاحتياط لا يجزئ وعليه القضاء، وإنما تكلم مالك في الكتاب على من صامه تطوعا أنه لا يجزئه وعليه قضاؤه. ولم يأت صيامه احتياطاً أنه لا يجزئه ويقضيه في الكتاب إلا من قول ربيعة وإن كان أبو محمَّد وأكثر ¬
المختصرين اختصروه: ومن صامه حيطة أو تطوعاً (¬1). لكن لمالك في "الموطأ" (¬2) كقول ربيعة فيه، وكذلك في "المختصر" (¬3). وقول أشهب في الكتاب (¬4): "لأنه لم ينو به رمضان وإنما نوى به التطوع"، قال ابن لبابة (¬5): كأنه يقول: إن نوى به رمضان وان كان على شك أنه يجزئه. وهذا مثل قوله في الذي التبست عليه الشهور (¬6) فيصوم على اجتهاده إنه إن صادف رمضان أو كان صام بعده أنه يجزئه. وقياس قول مالك وابن القاسم في متحري لو لم يشك (¬7) لا يجزئ، أن لا يجزئ الأسيرَ ومن التبست عليه الشهور صيامه، صادفه أو صام بعده. قال ابن القاسم في "العتبية" (¬8): لا يجزئه وإن صادف تحريه شهر رمضان. وهو بمنزلة قول مالك في الذي يصوم يوم الشك على أنه إن كان من رمضان أنه لا يجزئه (¬9). قال ابن لبابة: وسحنون يقول (¬10): يجزئه. والقياس أن يجزيه. فهما مذهبان مختلفان، والله أعلم. ¬
وقول عائشة (¬1) في حفصة: "وبدرتني بالكلام، وكانت بنت أبيها" (¬2)، تريد جريئة على الكلام جزلة. ومعنى بدرتني: سبقتني. وقوله (¬3) في التي استيقظت بعد الفجر (فشكت أن تكون طهرت قبل الفجر) (¬4): تصوم وعليها القضاء، "لأنه يخاف ألا تكون طهرت إلا بعد الفجر"، بهذا علل المسألة ابن القاسم ولم يعلل بعدم النية. وهذه - على أصله - لو تحققت طهرها قبل الفجر لم يجزها, لأنها لم تنوه ولا بيتته. خرج بعض الأشياخ (¬5) منه - إذ لم يعلل بذلك - أنها قولة له في جواز صيام الحائض/ [خ 85] إذا طهرت في رمضان أول يوم من طهرها وإن لم تبيته، بخلاف المسافر إذا أفطر في سفره فلا بد من التبييت؛ لأنه هو (¬6) في الصوم أو الفطر بخلاف الحائض. والمعروف أنها والمريض سواء لا بد لهم (¬7) من التبييت إذا صاموا (¬8). ¬
وخرج بعضهم الخلاف في الباب كله فيما فيه تخيير أولاً. وهذا إنما يصح لو تقدم لها صوم أول الشهر، فهي المسألة التي فيها الخلاف لنيتها (¬1) أول ليلة صيام الشهر واسترسالها على بقيته على ما نص عليه أبو القاسم بن الجلاب (¬2) وغيره. وأما من دخل عليها رمضان وهي حائض فلا يجزئها في أول يوم من طهرها دون تبييت إلا على رأي عبد الملك وروايته عن مالك (¬3) وأحد قولي سحنون، وكقول المخالف في إجزاء أول يوم من رمضان لمن لم يبيته إذا ثبت (¬4) داخل النهار لاستحقاق صيامه عليه كما قيل فيها ذلك. وقد قيل: إنه لا يؤخذ من قوله شيء من هذا في الكتاب، وإنما احتج بما لا تنازع فيه من الشك في تأخير الطهر دون ما فيه النزاع من النية. وقد قيل: هذه قولة أخرى في الكتاب لمالك في جواز الصوم بغير نية كما قال عبد الملك عنه (¬5). وقد قيل (¬6): لعلها إنما شكت في الفجر بعد أن رأت الطهر ونوت الصوم، فنامت ثم استيقظت بعد الصباح (¬7) ولم يكن تبين لها الفجر. ¬
وقيل (¬1): قد يحتمل أن معنى قوله: تصوم أي تمسك عن الأكل كمن طرأ عليه أن اليوم من رمضان أنها تلزم (¬2) الصوم في بقيته وتمسك عن الأكل (¬3). قال القاضي - رضي الله عنه -: وهذا كله إنما يجب (¬4) أن يلزمه ابن القاسم لا مالك؛ لأن التعليل إنما هو له لا لمالك وكلام مالك يدل على أصله، لا علة فيه. وقوله (¬5) في المغمى عليه: "وقد بلغني ذلك عن بعض أهل العلم"، كذا عند ابن عتاب وجل/ [ز 57] النسخ. وعند ابن عيسى: "وقد بلغني عن مالك عن بعض من أرضى" (¬6). ولم يختصره على هذا أحد من المختصرين. ومذهبه في الكتاب في المغمى عليه بعد الفجر أن يراعي في القضاء دوام الإغماء عليه جل النهار. وأما إن أغمي عليه نصف النهار فلا قضاء عليه. كذا فسر مذهب ابن القاسم فضلُ بن سلمة. وهو مفهوم الكتاب خلاف ما نقل ابن حبيب (¬7) عن ابن القاسم من مراعاته نصف النهار، ورد عليه فضل. واختلف على مذهب الكتاب في صفة المفرط في قضاء رمضان الذي تلزمه الفدية من هو؟ فمذهب (¬8) أكثر الشارحين (¬9) أنه إنما تلزمه الفدية إذا أمكنه ذلك في شعبان قبل دخول رمضان الثاني فلم يفعله، فمتى سافر ذلك ¬
الشعبان أو مرضه أو بعضه فلا تلزمه فدية فيما سافر فيه منه أو مرضه، ولو كان فيما قبل من الشهور صحيحاً مقيماً. وإلى هذا ذهب البغداديون (¬1) وأكثر القرويين (¬2) في تأويل ما في "المدونة"، وهو معنى ما لمالك في "المبسوطة" وفي "المدنية" من رواية ابن نافع وما لأشهب في "المجموعة" (¬3). وذهب بعضهم إلى مراعاة ذلك في شهر شوال بعد الرمضان الذي أفطره، فمتى مضت عليه (¬4) أيام في سنته عدد ما أفطر وهو صحيح مقيم ولم يصمها حتى دخل عليه رمضان آخر وجبت عليه الفدية ولو كان في بقية العام لا يقدر على الصوم. وهذا المذهب أسعد بظاهر الكتاب لقوله [في المسألة] (¬5): / [خ 86] إذا مات وقد صح شهراً لو (¬6) أقام في أهله شهراً وأوصى أن يطعم عنه: إن ذلك في ثلثه مُبدأ، ولا تُبدأ إلا الواجبات. وبدأه على نذر المساكين، ونذر المساكين واجب فجعله أوجب منه. فلو أنه لا يجب إلا بخروج شعبان لكان قد أوصى بما لم يجب عليه وكان كسائر الوصايا التي لا تبدأ. وهذا بين في الكتب "المدنية" (¬7) و"المبسوطة". قال ابن القاسم: "من كان صحيحاً ففرط في قضاء رمضان حتى مرض أو حتى مات فذلك الذي عليه الإطعام واجباً (¬8) أن (¬9) يوصي به، فأما من مرض في رمضان فلم يزل مريضاً حتى ¬
مات فذلك الذي يستحب له وليس بواجب". وإلى هذا ذهب أبو القاسم بن الجلاب (¬1) وأبو الحسن اللخمي (¬2). وقد قال في موضع آخر من الكتاب (¬3): "إلا أن يكون مريضاً حتى دخل عليه رمضان آخر فلا إطعام عليه"، وكذلك قال (¬4): "إن كان مسافراً حتى دخل عليه رمضان آخر"، قال: "لأنه لم يفرط"، فإنما جعله غير مفرط باتصال المرض والسفر. وقال في موضع آخر من الكتاب (¬5): فإن كان إنما يصح أياماً، قال: فبعدد الأيام التي صح يجب عليه الطعام (¬6). وقد حكى أبو عمران عن أشهب: من عليه قضاء رمضان فمرض حتى دخل عليه رمضان (¬7) فإنه لا يخرجه من الإطعام اتصال المرض. فانظر إن كان هذا المرض بعد صحة تقدمت فهو على ما ذكرناه، وإن كان لم يزل مريضا من رمضان الأول فهو خلاف. وعلى ما ذهب إليه الأكثر إنما يجب عليه الطعام (¬8) إذا كانت هذه الصحة بعدد أيامه من آخر شعبان. وقوله: "إذا أوصى بها أخرجت من الثلث مبدأة"، ذلك عندي على ما تقدم لتفريطه في الصيام مدة صحته، وأنه يرجو سقوطها عنه إذا صح قبل رمضان؛ إذ لا يجب على المفرط إلا بحلول رمضان، ولو كان موته بأثر تمام شعبان لكان على مذهبه في الزكاة التي لم يفرط فيها أن تخرج من رأس ماله، ويدخل فيها الخلاف في لزوم إخراجها إذا لم يوص بها. وعلى ¬
ما قاله محمَّد فيمن وجبت عليه كفارة العمد في رمضان فمات ولم يفرط أنها تخرج من ماله، ولا فرق بين/ [ز 57] الكفارتين. وفي "كتاب أبي الفرج" لمالك إطعام رمضان في ثلثه وإن لم يوص به (¬1). وأما إن صام بعد خروج رمضان الثاني ولم يكفر أو لم يصم متصلاً فهذا مفرط، وصيته بها من الثلث. وقد اعترض القابسي على جواب ابن القاسم وقال: كيف يكون إذا مات مفرطاً وقد أذن له في التأخير، وهل هو إلا كمن مات آخر وقت الظهر؟ وقال ابن محرز: إنما رأى ابن القاسم عليه الإطعام استحباباً لما ذهب إليه غير واحد من السلف فيمن لا يطيق الصوم لكبر أنه يطعم، وحمل ذلك على ما قدمناه من أحد التأويلين وأنه مفرط بترك المبادرة. وقوله (¬2) في صيام المرضع: "إن كانت تقدر على أن تستأجر له، أو له مال يستأجر له به فلتصم"، معنى المسألة فيمن لا أب له أو له أب معسر ولا مال للصبي، وإن كان بعض الشيوخ (¬3) تردد فيمن له أب ولا وجه لتردده. يستدل من قوله هذا على أن عليها أن تسترضع له في الحولين إذا لم يكن لها لبن. وهو قول مالك في غير "المدونة" وقول إسماعيل القاضي وغيره، قال إسماعيل: وذلك من باب الإعانة (¬4). قال أبو عمران: وهو قولهم/ [خ 87] كلهم. وقال القاضي أبو محمَّد بن نصر: لا يلزمها رضاعه؛ هو من فقراء المسلمين إلا ألا يقبل غيرها (¬5). وإلى هذا نحا التونسي، كالنفقة إذا كان فقيراً لم يلزم ذلك. قالوا: ولا فرق بين الرضاع والنفقة، وذلك على جماعة المسلمين كغيره من الفقراء. قال أبو إسحاق التونسي: ¬
بعين (¬1) اللبن خاصة، فإذا لم يوجد فلا تبر في ذلك (¬2) ذمتها. وأما في مسألتنا فالأشبه عنده (¬3) أن يستأجر له, لأن لبنها حاضر وهي ممسكة له لما خشيته من الضرر. وقال أبو عمران في رواية ابن وهب في الحامل (¬4): "تطعم": لا يوجد هذا لمالك، وإنما نقلها سحنون من "موطأ ابن وهب" بالتأويل (¬5). وفي مسألة من نذر ذا الحجة (¬6)، وقع في كتاب شيخنا القاضي أبي عبد الله بعد قول ابن القاسم وروايته عن مالك: وقال أشهب: يستحب قضاؤها (¬7)، يعني (¬8) اليومين بعد يوم النحر، وليس ذلك عليه بواجب. وقال أيضاً: لا قضاء عليه, لأنه نذر معصية. كذا كان عنده، وحَوَّق عليه ولم يروه (¬9). وقول أشهب الآخر صحيح في "مدونته" (¬10) إنه لا يصومها وإن ¬
نذرها (¬1) ولم يستثن منها يوماً. وقال ابن كنانة (¬2) في "المبسوطة" (¬3): يصوم أيام التشريق من نذر صيام سنة معينة. وفي كتاب أبي الفرج مثله (¬4). وهي رواية ابن أبي أويس عن مالك. وعند أبي المصعب (¬5): "لا يصومها سوى المتمتع، إلا من عليه صيام ظهار أو قتل". ونحوه لمالك في "المدنية" (¬6) و"المبسوطة" فيمن صام واجب الشهرين عليه في ذي الحجة غافلاً (¬7). وفي "المختصر" نحوه (¬8). وللمخزومي نحوه (¬9). (وفي "الاستيعاب": روى علي (¬10) عن مالك: يجزئ المتظاهر (¬11) ابتداء صيام ذي الحجة، ويقضي يوم النحر وحده) (¬12). ومثله في ¬
"المدونة" (¬1) لسعيد بن المسيب في امرأة نذرت أن تصوم سنة، قال: تصوم ثلاثة عشر شهراً ويومين في السنة؛ الفطر والأضحى، فهذا يدل على أنها تصوم ما عدا يوم النحر والفطر من أيام التشريق، وإن كان القابسي قد تأول فيها تأويلاً يبعد. وقال ابن أبي زمنين: قوله: في الفطر والأضحى، على خلاف ما أعلمتك من قول مالك. وفي كتاب ابن حبيب عن سعيد في هذه المسألة: تقضي أيام الفطر وأيام الأضحى وما أفطرته لمرض أو حيض، فهذا وفاق لما في الكتاب. ومذهب ابن القاسم ألا يصم (¬2) ابتداء فيها صوم تتابع، ولا يعذر فيها أحد بجهل (¬3)، ويبتدئ الصيام من/ [ز 58] فعل ذلك إلا أن يكون ابتدأه في شوال فقطع به مرض حبسه حتى فجأته (¬4)، فيعذر هذا ويصل بصومه قضاء أيام النحر الثلاث (¬5). وفي كتاب الظهار عذره مالك بالجهل، فانظر ما هذا الجهل أجهل الحكم في ذلك فما هو مما يعذر به، أم جهل العدد والغفلة عن (¬6) أن هذا الشهر فيه ما لا يجوز صومه؟ فهذا مما ربما عذر فيه. وقد ذكر اللخمي الخلاف في هذا كله (¬7). والأولى عندي حمل الجهل هنا بالغفلة (¬8) كما قال في "المدنية" و"المبسوطة"، وأنه جهل ذكر أن فيه أياماً (¬9) لا يحل صومها أو جهل ذلك وظن أنه يجوز له صومهما فصامهما (¬10). وإلى هذا ذهب ابن شبلون. وأما ¬
جهل حكم الظهار وظنه أنه يجوز فيه التفرقة فقلما يجد أحد العذر (¬1) بمثل هذا في أصولنا. ومذهب الكتاب (¬2) وكتاب ابن حبيب (¬3) صيام يوم الرابع منها لمن نذره أو نذر صوم ذي الحجة أو سنة بعينها أو الدهر، وأجاز ذلك إذا فعله في كفارة اليمين (¬4). وأما المتمتع فلا خلاف في جواز صيامه لجميعها إلا/ [خ 88] يوم النحر. وهل يدخل هذا الخلاف في قضاء رمضان من السنة المعينة؟ فيه بين الشيوخ اختلاف، والأشبه عندي - على ظاهر "المدونة" - ألا يقضي, لأنه حصل فيه صوم، ولأنه إنما علل في الكتاب (¬5) في الأيام المذكورة بأنه لا يصلح الصوم فيها. وقوله (¬6) في مثله (¬7) من نذر صيام شهر بعينه: "لا يقضي ما مرض منه"، إلى آخر المسألة، ثم قال: "وروى ابن وهب أن عليه قضاءه (¬8) في شهر آخر. وقال المخزومي: لا يقضي إذا كان الله هو الذي غلبه بمرض، وإن تركه ناسياً فعليه القضاء. وقال مالك: إن ترك اليوم الذي نذر ناسياً فعليه القضاء. وقال أشهب: إذا كان الله الذي غلبه بمرض فلا قضاء عليه". هذه الروايات كلها ثابتة في الأصول (¬9). وهي عند ابن عتاب من رواية ابن ¬
وضاح. وكلها موافقة لرواية ابن القاسم إلا رواية ابن وهب. وقد تكررت رواية ابن وهب بعدها أيضاً لابن وضاح. وهي صحيحة في "المبسوط" (¬1) لمالك. وعبد الملك يرى إن كان نذره لرجاء فضل بركة ذلك اليوم فلا قضاء عليه (¬2). وقوله (¬3) فيمن نذر سنة غير معينة: يصوم اثني عشر شهراً ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام الذبح (¬4)، ولم يذكر اليوم الرابع وهو مما لا يصومه من لم يعينه. وقد استدل بعضهم على جواز وقوع صومه ممن صامه لما لزمه كما قال في كفارة اليمين. وقال القاضي أبو الوليد الباجي: في "المدونة" ما يدل على أنه يصوم (¬5) في هذه المسألة اليوم الرابع، وأراه أراد هذا الموضع. ووقع في "المختصر" مكان هذا اللفظ: "ولا أيام منى" (¬6)، وهو بين على الأصل، ولا يشعر هذا بخلاف لما في الكتاب، لكنه لما كان اليوم الرابع متصلاً بأيام الذبح وله حكمه في الرمي والتكبير وكراهة الصوم وغير حكم انطلق عليه اسمها، كما سمي جميعها أيام التشريق من صلاة العيد حين شروق الشمس أول يوم منها، على من جعل يوم النحر منها, وليس فيها هي تشريق. ويعضد تأويلنا هذا أن ابن حبيب ذكر المسألة فقال: ولا يحسب فيها رمضان ولا ما أفطر فيها (¬7) لمرض ولا ¬
يوم الفطر ولا أيام الأضحى الأربعة (¬1). فانظر كيف أطلق عليها كلها ذلك وعين فيها اليوم الرابع وليس من أيام الأضحى عندنا، ليس إلا على ما تأولناه. أو يكون هذا التفاتاً إلى من عد اليوم الرابع من أيام الأضحى وأجاز ذلك فيه من العلماء. فيرجع ما في الكتاب وفي "المختصر" و"الواضحة" إلى معنى واحد إن شاء الله (¬2). وقوله (¬3) في المسألة: "ويجعل الشهر الذي يفطر فيه ثلاثين يوماً"، قال أبو سعيد بن أخي هشام: / [ز 59]. لعل جوابه هنا فيمن ابتدأ السنة (¬4) على غير الهلال. وقال أبو محمَّد (¬5): "في قوله هذا في الكتاب نظر، ولو كان الفطر في أول الشهر كان بيناً". وفي كتاب ابن حبيب (¬6) فيمن بدأ شهراً بغير (¬7) الهلال فلا بد من إتمام ثلاثين يوماً، قال: وكذلك إذا قطعه إذا لم ينوه (¬8) متتابعاً، وقاله عبد الملك (¬9). ولسحنون (¬10) وابن عبد الحكم (¬11): ما أفطر فيه ما صامه (¬12) ¬
على الأهلة فإنما يقضي منه عدد ما أفطر. وكذلك يأتي على قول محمَّد بن عبد الحكم فيمن أفطر من أوله. وقوله في التي نذرت صيام يوم حيضتها: "قال: لا تقضيها" (¬1)، وهذا على/ [خ 89] أصله, لأنها نذرت معصية. ويتخرج من هذا إذا نذرت صيام يوم الفطر والنحر أنه لا قضاء عليها فيها (¬2)؛ لأنها نذرت معصية. ووقع له في "المبسوط": إذا نذرها وهو يعلم بها عليه القضاء، وإن لم يعلم بها فلا قضاء عليه واستدل على قوله بمسألة ناذر ذي الحجة أن عليه قضاء أيام الذبح، "إلا أن ينوي ألا قضاء لها" (¬3). وقوله (¬4) في مسألة الكافر يسلم نهاراً في رمضان: "أحب إلي أن يقضيه، ولست أرى قضاءه واجباً"، ونحوه في "الموطأ" (¬5). وروى ابن نافع عن مالك في "المدنية" استحباب إمساك بقية النهار (¬6)، وقاله ابن حبيب وعبد الملك (¬7)، وحكى أبو عمران عن ابن القاسم مثله (¬8)، وقاله أشهب (¬9)، ¬
وهو قول ابن خويز منداد (¬1) من العراقيين. وخرج الباجي (¬2) القولين على الاختلاف في مخاطبة الكفار بفروع الشرائع. قال القاضي - رضي الله عنه -: وهذا تخريج بعيد، لو كان هذا لما اختص اليوم الذي أسلم فيه مما قبله، ولا فرق بينه وبين ما سبقه؛ إذ قد فات صومه شرعاً، كما فات ما قبله وجوداً وحساً. ولو كان على ما قال لكان القضاء والإمساك واجباً على أحد القولين بخطابهم، ولم يقل بوجوب ذلك أحد من شيوخنا. وإنما استَحب له عندي هنا الإمساك من استحبه منهم ليظهر عليه صفات المسلمين في ذلك اليوم، ويبتدئ إسلامه بالتزام ما التزموه من الصوم تأسياً بهم واهتداء بهديهم وقمعاً لشهوته (¬3) ومخالفة (¬4) لعادته لأول وهلة. وكذلك استحب له القضاء لما أدرك بعضه ولم يكمل له صومه من غير إيجاب. وأما تخريج أبي الحسن اللخمي (¬5) ترك القضاء على القول بترك الإمساك، واستحبابه على القول باستحباب الإمساك فلا يطرد؛ إذ الحائض ممنوعة من الإمساك والقضاءُ واجب عليها (¬6). والناسي في المرض (¬7) مأمور ¬
بالإمساك، وعليه القضاء (¬1). والمغمى (¬2) والمحتلم (¬3) لا يمسك (¬4) ولا قضاء. والناسي لصومه - يفطر في التطوع - مأمور بالإمساك ولا قضاء، فلا ملازمة لأحدهما الآخر. ومسألة (¬5) الحالف بصوم (يوم) (¬6) يقدم فلان فقدم نهاراً وقول ابن القاسم: لا قضاء عليه، وقال غيره: يقضي ذلك اليوم. هذا الخلاف ثابت في رواية شيوخي من رواية يحيى بن عمر وابن وضاح (¬7). وقال في ناذرة الإثنين والخميس ما عاشت، تحيضهن (¬8) أو تمرض: لا قضاء عليها. وقال ابن وهب في ناذر ذلك فيمرض أو يمرَّا (¬9) به يوم فطر أو أضحى: يقضى بذلك. ثبتت رواية ابن وهب لابن وضاح في كتاب ابن عتاب ولم تكن عند ابن عيسى (¬10). وقد ذكرنا المسألة قبل. ووقعت في كتاب الصوم - في بعض النسخ - مسألة الصوم في كتاب الرهون من "المختلطة" فيمن نذر شهراً متتابعاً أنه يكتفي بتبييت أول ليلة ¬
منه. وكانت هذه المسألة في كتاب ابن عتاب بعد المسألة التي نبهنا عليها قبلها، وكتب عليها: ألحق هذه المسألة/ [ز 60] إبراهيم بن باز من كتاب الرهون (¬1). وبها استدلوا أن مذهبه في الكتاب جواز التبييت لأول ليلة من رمضان عن بقيته. وهو قوله أيضاً في سائر الأمهات؛ "الواضحة" (¬2) وكتاب محمَّد بن عبد الحكم (¬3) وغيرهما، وإن كان ابن عبد الحكم قد قال: (وقد قال) (¬4) أيضاً: "لا صيام لمن لم يبيت (¬5)، / [خ 90] قال ابن عبد الحكم: وهذا الذي هو موافق للسنة أحب إلينا" (¬6). وظاهره خلاف الأول وتعيينُ التبييت لكل ليلة كما قال الشافعي. ووقعت أيضاً بعدها مسألة في بعض النسخ الأندلسية - وسقطت من القروية - (¬7) وهو (¬8) قوله: ولقد سئل مالك عن رجل شأنه صوم الإثنين والخميس فيأتيه وهو لا يعلم حتى يطلع عليه الفجر: أيجزئه صيامه؟: فقال نعم لأنه قد كان على بيات من صومه هذا قبل ليلته. والمسألة صحيحة لمالك في كتاب ابن حبيب (¬9). ومثله عنده فيمن شأنه سرد الصوم (¬10)، ومثله في "المبسوط" (¬11). زاد في كتاب ابن حبيب: ولو لم يشعر حتى مر به ذلك اليوم وهو قد أكل أو شرب فليكف ويمضي على صومه ولا شيء ¬
عليه (¬1) كمن أكل ناسياً في التطوع، وكذلك ذكر (¬2) في يوم عاشوراء. وفي "العتبية" (¬3) لابن القاسم مثله فيمن نذر يوماً (¬4) بعينه أن تبييته (¬5) لأول يوم (¬6) يجزئه. وقد غمزها الأبهري وقال: لعلها استحسان (¬7). وقد حكى ابن وضاح أن أصبغ أجاز ذلك لمن نوى أن يقضي صوماً عليه من رمضان يوم كذا فنسيه حتى أصبح ذلك اليوم فذكره، قال (¬8): يجزيه عن قضاء يومه من رمضان. وحكى (¬9) مثله عن سعيد بن إسحاق (¬10) وغيره من كبار أصحاب ¬
سحنون. وحكى عن سحنون (¬1) وسعيد بن الحداد (¬2) أنه لا يجزئه (¬3). وقوله (¬4) في الكفارة: لا نعرف (¬5) غير الطعام ولا نأخذ بالعتق ولا بالصيام. وقوله في كتاب الظهار (¬6): "وما للعتق وما له؟ "، تأوله بعض المتأخرين أن مالكاً لا يرى غير الطعام على ظاهر لفظه. وهذا ما لا يحل تأويله عليه؛ لأنه خرق إجماع لم يقل به أحد. قال القاضي أبو محمَّد (¬7): ولم يختلف العلماء أن الثلاثة أشياء كفارات في الصيام، وإنما اختلفوا هل هي على التخيير أو الترتيب؟ (¬8). قال القاضي رضي الله عنه: والذي حمله عليه أصحاب مالك المتقدمون مطرف وابن الماجشون (¬9) وابن حبيب استحسان الطعام وتقديمه على غيره؛ لأنه الذي قضى به النبي - عليه السلام - في الحديث (¬10) ¬
وللاستئناس بالقرآن بذكر الإطعام (¬1) لمفطر رمضان، على اختلاف العلماء في معنى الآية وحكمها (¬2)، ولعموم نفع الطعام. قال ابن حبيب: كان مالك يستحب التكفير بالإطعام، أخبرني بذلك عنه مطرف وعبد الملك (¬3)، وكانا يفتيان به. وقدم المغيرة العتق (¬4). وروى ابن وهب وابن أبي أويس عنه أنه موسع (¬5) في الثلاثة يفعل أيها شاء. وهو قول أشهب (¬6). وذهب ابن حبيب (¬7) إلى أنها على الترتيب دون التخيير، وقال: "أنا آخذ بالحديث الذي لم يأت فيه تخيير، لكن بالترتيب كالظهار". وهذا قول المخالف. وقال أبو مصعب (¬8): إن أفطر بجماع أعتق أو صام، وإن أفطر بغيره كفر بالطعام. وإياس بن جارية (¬9)، بالجيم والياء باثنين (¬10) تحتها. ¬
وابن لهيعة (¬1) عن أبي صخر (¬2)، كنية (¬3) بغير هاء. ووقع فيه عند ابن عيسى: ابن وهب (¬4) ابن وهب (¬5) عن الليث بن سعد: حديث المجامع في رمضان. وعند ابن عتاب وابن المرابط: أشهب عن الليث (¬6). وقوله: عرق فيه طعام، رويناه بفتح الراء وإسكانها، وصححه بعضهم، والفتح أصح وأوجه (¬7)، والعرق: الزنبيل. وكذا وقع مفسراً في الحديث في كتاب مسلم (¬8)، وهو جمع/ [خ 91] عرقة (¬9) وهي السفيفة (¬10). من الخوص (¬11)، تجمع ويخاط منه/ [ز 61] المكاتل والزنابيل (¬12)، وهي ¬
القفف (¬1). ومقدار هذا العرق خمسة عشر صاعاً إلى عشرين، كذا فسره ابن المسيب في "الموطأ" (¬2)، وذكره ابن حبيب عن مالك (¬3). وقد رواه أبو هريرة في الحديث بخمسة (¬4) عشر صاعاً (¬5)، وقالت عائشة فيه: عشرون صاعاً، وكلها متقاربة. والنَّذْر والنُّذْر (¬6)، بالفتح والضم وسكون الذال المعجمة. وانظر قول اشهب (¬7) في الذي يصبح في رمضان ينوي الفطر متعمداً وترك الأكل وأتم صيامه: إنه لا كفارة عليه، فقد اختلف في تأويل قوله ولم يختلف في تأويل قول ابن القاسم في المسألة الأولى (¬8) التي أوجب فيها مالك الكفارة أنه نوى الفطر قبل الفجر، ولا في الثانية أنه نواه بعد الفجر (¬9). وأن المسألة الثالثة (¬10) آخر الكتاب (¬11) بمعنى الأولى. واختلف فيها قول أشهب في الموضعين من الكتاب، فقيل (¬12): إنه لا يرى عليه الكفارة، بيت الفطر أو لم يبيته؛ لأنه لم ينتهك حرمة الشهر لفعل ولا أفطر فيه إلا بالنية. وقيل (¬13): لعلة (¬14) إنما أراد لمن بيت الصوم ونوى الفطر في نهاره، ¬
فقد صح له الصوم ولا يرتفض بالنية على أحد القولين. والأظهر من قول أشهب ما تقدم وأنه خلاف ابن القاسم وروايته. وقد حكى أبو الفرج فيمن أصبح ينوي الفطر عن مالك في الكفارة قولين؛ وجوبها وسقوطها. وقول ابن القاسم بعدها (¬1) في الذي نوى الفطر في نهاره: عليه القضاء وأحب أن يكفر (¬2)، حجة في رفض الصوم بالنية. وقول سحنون (¬3): لا كفارة عليه وعليه القضاء استحباباً، التفات (¬4) إلى أنه لا يرتفض عنده. وهو الذي في كتاب ابن حبيب، قال: لا شيء عليه (¬5). مسألة (¬6) من صام رمضان عن رمضان آخر يجزئه وعليه قضاء الرمضان الآخر، ضبطناه عن شيوخنا (¬7) بفتح الخاء وكسرها. وفي كتاب ابن عتاب: الفتح لابن وضاح. وحكى أحمد بن خالد فيه الوجهين وقال: لم يوقَف فيه ابن وضاح على شيء. وقال يحيى بن عمر: لم يوقَف (¬8) فيه سحنون على شيء. وقال ابن لبابة: رواه عنه قوم بالنصب. ورواه حماس (¬9) ¬
عنه بالخفض (¬1) وغيرُه. واختلف على هذه الراوون والمختصرون والمتأولون: فحكى إسماعيل القاضي (¬2) وأبو الفرج (¬3) وغيرهما أن مذهب ابن القاسم: يجزئه عن رمضانه هذا ويقضي الأول. وإلى هذا نحا أبو محمَّد بن أبي زيد (¬4) وابن شبلون. وعليه اختصر ابن أبي زمنين. وإياه رجح غيرهم من القرويين في تأويل لفظ "المدونة" لاحتجاجه بقول بعض أهل العلم (¬5)، وهو قول المغيرة (¬6) وأشهب وعبد الملك بإجزاء حجة النذر. وحجتهم أن هذا الشهر مستحق العين للصوم، فكان صومه له أولى من غيره، كما تعين النذر في الحج بالدخول فيه والفرض على التراخي كقضاء الفائت. وذهب الفضل بن سلمة والقاضي علي بن جعفر التلباني (¬7) أن مذهب ابن القاسم إجزاؤه عن الأول ويقضي الآخر. وهو مذهب سحنون في تأويل المسألة (¬8). وهو لابن القاسم في "العتبية" نصاً (¬9)، وقاله أيضاً أشهب (¬10)، واختصره ¬
عليه جماعة. وحجتهم أنه الذي نوى، وإنما الأعمال بالنيات. وقال (¬1) ابن القاسم (أيضاً) (¬2) في "المبسوط" و"العتبية"، ورواه ابن القاسم عن مالك في "المبسوطة" (¬3)، ورواه علي (¬4) أيضاً عن مالك، وروي عن سحنون (¬5) أيضاً وأشهب (¬6) / [خ 92] وأصبغ (¬7) وابن/ [ز 62] حبيب (¬8) أنه لا يجزئه عن واحد منهما. وترجح فيها أبو عمران وقال: إما أن يجزئه عن الذي نوى أو لا يجزئه عن واحد منهما. وهذا أصح الوجوه في النظر على أصل مذهب مالك (¬9). والحجة لهذا أن هذا الذي هو فيه لم ينوه فلا يجزئه عنه، ونوى الأول في وقت صومه (¬10) مستحق فلا يصح فيه صوم غيره. وقيل: الخلاف في ذلك أيضاً مبني على الخلاف في تعيين رمضان لسنته هل يلزم أم لا؟ وعليه اختلف في مسألة الأسير (¬11). وما ذكرناه أولى وأظهر. وقوله (¬12): الشأن في رمضان الصلاة وليس القصص والدعاء. قيل: ¬
هو إشارة إلى إنكاره ما جاء في الحديث: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان (¬1). وقد يحتمل أن يكون على وجهه، وهو معنى قوله في "المدونة" (¬2): "لا أرى أن يعمل به، ولا يقنت في رمضان ولا غيره ولا في الوتر أصلاً". وروى ابن وهب (¬3) عنه استحباب ذلك في النصف الآخر من رمضان. ونحوه في رواية السبائي (¬4) عنه، وفي المبسوط" مثله. وقوله: "الذي كان عليه الناس الطرد (¬5)؛ يقرأ الرجل خلف الإِمام". ثبتت هذه اللفظة لابن لبابة، وطرحها ابن وضاح ولم يعرفها. ولم تكن في كتب شيوخنا (¬6). ومعناه ما فسره بعد من اتصال قراءة بعضهم لبعض (¬7). وقوله (¬8): "ليس ختم القرآن بسنة"، أي ليس لها حكم السنن, ولم يرد أنها بدعة، وتمام كلام ربيعة يبينه (¬9)، لكنه مما يستحب ويرغب (¬10) فيه، وقراءة الطرد تدل عليه، ولا يجتمع فيه لغير الصلاة كما مضى عليه ¬
السلف، ألا تراه كيف قال: "الشأن في رمضان الصلاة"، فأخبر عما كان عليه [أمر] (¬1) الناس. وقد روى (¬2) محمَّد بن يحيى السبائي (¬3) عن مالك في تفسير معنى قوله: لعن الكفرة في رمضان، أنه القنوت الذي كان يقنت في رفع الرأس من الركوع من ركعة الوتر في النصف الآخر منه، وأن الإِمام كان يدعو على الكفرة ويستنصر للمسلمين ويجهر بذلك كما يجهر بالقراءة. ونحوه لابن حبيب؛ قال: وينصت من وراءه ويؤمنون (¬4). وقوله (¬5) في قيام رمضان: "الذي كان يقومه الناس بالمدينة تسع وثلاثون ركعة يوترون منها بثلاث"، خرج منه بعض الشيوخ قولاً لمالك أن الوتر ثلاث (¬6) كما يقول أبو حنيفة (¬7). وليس في هذا دليل له, لأن مالكاً لم يقله من قبل نفسه ولا قال: إني أفعله فيلزم ذلك مذهبه، وإنما أخبر عما كان يفعل الأمراء من الوتر. وإنما أمر الأميرَ في "المدونة" (¬8) ألا ينقص من عدد القيام، وقال له: "هذا الذي أدركت الناس عليه" وهو الذي سأله عنه الأمير، ولم يتعرض للوتر جملة، بل قد أخبر أن صلاتهم فيها مخالفة لمذهبه، وأنهم كانوا لا يسلمون من الشفع قبلها, ولذلك قال: فإذا جاء الوتر انصرفت فلم أصل معهم. ¬
فكيف يلزم شيئاً ينص على أنه لا يراه ولا يفعله؟ وقد اختلف في معنى ما وقع في الآثار (¬1) من قيام عمر وغيره من قولهم: يوترون منها بثلاث، على مذهب من يرى الوتر واحدة من المالكيين والشافعيين، لا سيما بعد التنفل وقيام رمضان؛ فقيل: لعل هذا فعلوه للخلاف في مسألة الوتر، وليوتى (¬2) بالأكمل. وقيل: لعله لمن ينصرف إلى منزله فيشفع قبل وتره. والأصح في هذا كله/ [خ 93] أن السلف كانوا يوترون بواحدة وبثلاث. وفي "صحيح البخاري" (¬3): "قال القاسم (¬4): رأينا/ [ز 63] أناساً منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإن كلاًّ لواسع". وذكر ابن حبيب أن سبب ترك الفصل والسلام منها أن الأمراء رأوا نقصان (¬5) الناس عند تمام كل شفع فحرسوا (¬6) عليهم وترهم بأن وصلوه بآخر شفع لئلا ينقص (¬7) من حضره فيفوتهم. وذكر يحيى بن إسحاق في كتابه عن ابن نافع: لا بأس أن يوتر الرجل بركعة واحدة ليس قبلها شيء، فإن أوتر وصلى شفعاً قبل وتره فلا أرى أن يسلم منه ولا يفصله وليُصَلِّه ثلاث ركعات لا يسلم (¬8) بينهن، قال: وكذلك جاء عن الأئمة من أهل العلم وفعله عمر بن عبد العزيز في إمرته على المدينة والسبعةُ الفقهاء بها (¬9). ¬
قال القاضي - رضي الله عنه -: وقد امتثله محمَّد بن إسحاق بن السليم (¬1) أيام قضائه بقرطبة وتوليته (¬2) صلاتها. والمعروف من مذهب مالك الفصل في ذلك على ما تقرر في أمهاتنا. قال عيسى (¬3): وهي السنة. وقول مالك (¬4) في صلاة الرجل في بيته في القيام في رمضان أحب إليه، وإنه الذي رأى عليه من عدَّدَ من العلماء (¬5) يفعل، وإنه الذي يفعل هو. ثم قال آخر الكتاب (¬6): "وقد كنت أصلي معهم مرة، فإذا جاء الوتر انصرفت فلم أوتر معهم". والوتر معهم إنما كان حيث يصلون القيام في جماعة بعد ذلك. فدل كلامه هذا أنه كان يقوم معهم وأنه اختلف فعله ¬
وقوله، وأن ما ذكر أولاً آخر فعلته (¬1) لقوله آخراً: "ولقد كنت أصلي معهم مرة" (¬2)، فدل أن بعد ذلك لم يصل معهم. ¬
كتاب الاعتكاف
كتاب الاعتكاف أصل هذه اللفظة اللزوم والإقامة؛ قال الله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} (¬1) أي مقيماً ملازماً. وقال: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} (¬2)، أي محبوساً ملزوماً. وقال تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬3)، أي: ثابتون ملازمون. وخص الشرع هذه الإقامة بصفات لا يصح أن يكون اعتكافاً شرعياً وإقامة عبادية إلا بها. وقول مالك مستدلاً من هذه الآية على جواز الاعتكاف في سائر المساجد لقوله تعالى (¬4): "فعم الله المساجد كلها" ليرد على من قال من السلف: إنها لا تصح إلا في مسجد نبي، وهو قول حذيفة (¬5) وسعيد بن المسيب (¬6). أو على من قال: لا تصح إلا في مساجد الجماعات، وهو قول الزهري وبعض الكوفيين (¬7)، وإن كان قد روي عن مالك هذا القول ¬
الآخر (¬1). واستقرأ شيوخنا (¬2) من احتجاجه أن مذهبه القول بالعموم في مسائل أصول الفقه، وهو بين من قوله واستدلاله. وهو مذهب عامة الفقهاء من أصحابنا وغيرهم وكثيرٍ من الأصوليين، وأن لفظ الجمع المكسر من صيغ العموم، (ولا سيما إذا عرف بالألف واللام كقوله هنا: "المساجد"، وهو أجلى صيغ العموم) (¬3) عند القائلين به. وذكر في مسائل أهل الأعذار الحائض (¬4) وأنها تخرج، فإذا طهرت رجعت لمعتكفها لحينها. وقال في المريض الذي لا يقوى على الصوم (¬5): يخرج، فإذا صح في بعض النهار وقوي على الصوم رجع ولم يؤخر لمغيب الشمس. وقال في الذي صح قبل الفطر بيوم (¬6): لا يثبت يوم الفطر في معتكفه، في رواية ابن القاسم. وروى ابن نافع (¬7): يخرج إلى صلاة العيد ثم يرجع إلى معتكفه. وظاهر هذا كله اختلاف كما نص في مسألة العيد؛ إذ لا/ [خ 94] فرق بين المريض في يوم برئه والحائض في يوم طهرها ومن أخذه العيد/ [ز 64] أثناء اعتكافه؛ إذ كل هؤلاء مفطرون: فإما أن يثبت (¬8) جميعهم في المسجد ويكون عليهم حكم الاعتكاف مع فطرهم كما قال في الحائض والمريض، وهو وفق رواية ابن نافع في مسألة العيد، وتكون الحائض في حال حيضتها في حكم المعتكفة في بيتها والمريض في حال مرضه كما قال في "المجموعة" و"الواضحة": يجتنبا كل ما يجتنبه ¬
المعتكف، ويلتزم كل ما يلتزمه (¬1) إلا الصوم ودخول المسجد الذي لا يصح من الحائض، وكذلك المريض إذا لم يقو على الصيام فيبقى في المسجد معتكفا ولا يخرج عنه إلا مع العجز عن البقاء فيه كما قاله البغداديون (¬2) وابن شعبان (¬3)، ويفعل في مرضه ما يقدر عليه من لوازم عكوفه. أو لا يكون على أحد من هؤلاء حكم العكوف في شيء متي لم يمكنهم الصيام لمرض أو حيض أو طرو يوم العيد، فلا يثبت أحد منهم في معتكفه إلا مع كونه صائماً أو ليلة تبييته الصيام؛ إذ لا يصح اعتكاف إلا بصوم كما نص عليه في رواية ابن القاسم في مسألة العيد (¬4). وتكون الحائض مدة حيضها غير ملتزمة لشيء من الاعتكاف حاشا مباشرة الرجل (¬5) كما نص عليه في "المستخرجة" (¬6)، وكذلك المريض إذا لم يقو على الصيام كما نص عليه في "المجموعة" (¬7)؛ يخرج ولا يقيم في المسجد. وهو أيضاً ظاهر من "المدونة" في المريض، وبين من مسألة صاحب العيد؛ لأنه جعله لا يثبت في المسجد وليس له مانع إلا عدم شرط الصوم. وعلى هذا من تنزيل القولين في كل وجه فسر المسألة بعض مشايخنا (¬8). وذهب بعضهم إلى أن المسألتين مفترقتان؛ إذ ¬
المريض والحائض خرجا لعذر، والذي أدركه العيد هو منهي عن صوم ذلك اليوم، فلو لبث في معتكفه لتوهم عليه الصوم. وهذا فرق ضعيف. وقوله في الآكل يوماً من اعتكافه ناسياً: "يقضي يوماً مكانه ويصله" (¬1)، ظاهره كان نذراً أو تطوعاً، وهو قول عبد الملك في "المبسوط" (¬2)، وعليه حمله بعضهم، فيكون هذا خلاف الصوم التطوع؛ لا قضاء على الآكل فيه ناسياً. وقد ذهب بعضهم إلى أن معنى المسألة في النذر المعين على مذهب ابن القاسم وعلى ما نص عليه ابن حبيب (¬3)، وحكي عن عبد الملك أيضاً (¬4). وأن النسيان في الصوم والاعتكاف سواء لا قضاء فيه وهو أصح. وقوله في المجامع ناسياً ليلاً أو نهاراً في اعتكافه: يفسد اعتكافه (¬5)، "وهو مثل الظهار إذا وطئ فيه"، يعني المظاهَر منها، وأما غيرها فلا يمنع من وطئها ليلاً في شهري صيامه. وكذلك سائر ضروب الاستمتاع بالنساء على وجه العمد والنسيان يفسد الاعتكاف ليلاً ونهاراً، (وهو) (¬6) ظاهر "المدونة" (¬7) ونص في غيرها (¬8)، ولا يختلف فيه. وكذلك وطء المكرهة والنائمة المعتكفة، وأما تقبيلها واللمم بها مكرهة فيجب أن يراعى وجود اللذة منها، وإلا فلا شيء عليها، كما لو قبل ¬
المعتكف أو لمس لوداع أو لغير لذة مما لم (¬1) يقصد به استمتاعاً ولم يجد لذة. وقوله في المعتكف يسكر ليلاً (¬2): يفسد اعتكافه، وذهب (¬3) بعضهم (¬4) إلى أنه من مسكر. وحمل/ [خ 95]، البغداديون (¬5) على هذا كل معصية كبيرة تكون منه أنها مفسدة لعكوفه، وهو في "المدونة" بين باحتجاجه على المسألة بقول ابن شهاب فيمن أصاب ذنباً أن ذلك يقطع اعتكافه (¬6). وذهب بعض الشيوخ (¬7) / [ز 65] إلى أن معنى المسألة تعطيل عمل الاعتكاف بالسكر إلى طلوع الفجر، فلو شرب كل ما يعلم أنه يعتريه ذلك منه لأفسد به اعتكافه. وليس في الكتاب ما يدل على هذا لأنه لم يقل: إنه سكر أول الليل، إنما قال: سكر ليلاً ثم ذهب ذلك منه قبل الفجر، فتحرز بهذا اللفظ وبين أن نيته في اعتقاد الصوم صحت، إذ السكر كالإغماء الذي لا يصح معه الصوم إذا كان قبل الفجر، مع أن استشهاده على المسألة بقول ابن شهاب (¬8) يدل أن فساد اعتكافه لارتكابه الكبيرة، وكذلك يكون حكمه لو لم يسكر منه. وقوله (¬9): "لا يعجبني أن يصلِي على الجنائز وإن كان في المسجد"، ¬
كذا في أصول شيوخنا، وفي بعض الروايات: "وإن كانت". فيه جواز إدخالها المسجد. وقد نبهنا عليها في الجنائز. وعلى هذه الرواية اختصرها ابن أبي زمنين. وظاهر "المدونة" (¬1) جواز الأذان للمعتكف، ولأنه إنما ذكر اختلاف قوله في صعود المنار وكذلك ظهر المسجد. ولم يذكر كراهة الأذان له أثناء ذلك، لأن الأذان إنما هو ذكر ومن نوع ما هو فيه، إلا أن يكون هو مؤذن المسجد الذي يرصد الأوقات أو يكون أذانه في غير موضع معتكفه من رحاب المسجد فيخرج إلى باب المسجد للأذان، فهذا عمل يكره له كما تكره له الإقامة والمشي مع الإمام. وفي "العتبية" (¬2) كراهة الأذان للمعتكف. وفي "كتاب فضل": اختلف قول مالك في أذان المعتكف وصعود (¬3) المنار. وهذا يشعر بالخلاف كله في مجرد الأذان. وقد اعترض فضل على كراهة الأذان بإجازة الإمامة، ولعل مطرف (¬4) الذي أجازها يجيز الأذان أيضاً. وقد حكى ابن وضاح عن سحنون (¬5) أنه لم يجز للمعتكف الإقامة (¬6) في الفرض ولا في النفل ثم قال: إن كان لا يمشي مع المؤذنين فلا بأس. فهذا مما يبين أن الإمامة والأذان عندهم سواء، وأن الخلاف فيهما معاً موجود. ¬
وقوله (¬1): "من أذِن لعبده أو لأمته في الاعتكاف". كذا في أصل شيخينا (¬2). وفي حاشية ابن عيسى رواية أخرى: "أو لامرأته" مكان "أو لأمته" (¬3)، وأن سحنون قال: كلاهما سواء، أو كلاهما صحيح المعنى. لكن مسائله التي أتت بعد تدل أنها الأمة؛ وقال: إذا منعه سيده ثم عتق قضى (¬4) وقال في الأمة الناذرة المشي أو الصدقة (¬5): "لسيدها أن يمنعها، فإن عتقت كان عليها أن تفعل ما نذرت". وفي كتاب العتق في الحالفة بصدقة مالها: إن عليها في حنثها إخراج ثلثها، قال ابن القاسم: إذا رد السيد ذلك بعد حنثها لم يلزمها ذلك. ذهب بعض الأندلسيين (¬6) إلى أنه اختلاف من القول. وذهب القرويون إلى أنه وفاق، وأن مسألة العتق في مال معين، وهذه في غير معين. ويدل على هذا قول مالك فيها: "وذلك إذا كان مالها في يديها الذي حلفت عليه" (¬7). وكذلك قال سحنون (¬8) في مسألة العبد: إن ذلك إذا كان نذر اعتكافه في غير معين، ولو كان معيناً فمنعه سيده لم يلزمه قضاء. وقيل (¬9): معنى مسألة العتق/ [خ 96] رد صدقتها، وهذه منعها من التنفيذ ولم يرُدَّ. وقيل: مسألة الاعتكاف تمت عند قوله: لسيدها أن يمنعها، ثم جاء بسؤال آخر إذا فعلت ذلك ولم يردَّه السيد ولا أنفذته في مدة رقها حتى (¬10) ¬
عتقت،/ [ز 66] فأجاب أن ذلك يلزمها لئلا يظن ظان أنه لا يلزمها إلا بإذن السيد وقت جواز إذنه. مسألة من نذر اعتكافاً معيناً (¬1) فمرضه أو مرض (¬2) فيه. اختلف على مذهب الكتاب فيه لتفريقه بين المريض والحائض؛ فجعل في مسألة المريض: لا شيء عليه. وفي الحائض تقضي وتصل. فقال سحنون (¬3): هذه مختلطة، والأصل المقيد (¬4) عليه أن ما غلب عليه بالمرض والحيض حتى يمضي الوقت أو بعضه فلا قضاء عليه. ونحوه لابن حبيب. وذهب ابن عبدوس (¬5) أن المسألتين في المعنى سواء، وأن جوابه في المريض الذي لم يتقدم له اعتكاف فلم يلزمه حكمه، وإنما مرض من أول الشهر، لأنه قال: نذر اعتكاف شعبان فمضى شعبان وهو مريض، ثم قال: لا قضاء عليه إن تمادى به المرض حتى يخرج الشهر كمن نذر صومه فمرضه. فكذلك عنده الحائض، لو جاء الشهر وهي حائض لم ¬
تقض ما حاضت فيه، وإذا طهرت اعتكفت بقية الشهر، كما لو صح المريض في بقية (من) (¬1) الشهر، وأما لو كان المرض إنما طرأ عليه بعد أن اعتكف شيئاً من الشهر للزمه قضاؤه كالحائض. قال ابن أبي زمنين: وهو معنى ما في الكتاب إذا تعقبت لفظه، ومثلُ ما ذكر ابن عبدوس في "مختصر" أبي مصعب. وغير ابن عبدوس فرق بين المسألتين وقال: مسألة الحائض إنما قال: تقضي، على قوله في ناذر ذي الحجة: إنه [إنما] (¬2) يلزمه قضاء أيام النحر، ولا يفترق على هذا حاضت من أول الشهر أو آخره أنها تقضي، وكذلك المريض لا يقضي، سواء مرض أول الشهر أو داخله. واحتج بعضهم لهذا الفرق أن الحائض معتقدة تكرر حيضتها في وقته (¬3) على العادة، فصارت كأنها قاصدة بدلها، كناذر صوم ذي الحجة على أحد قوليه، والمرض (¬4) لا علم منه حتى يطرأ، فلم يقصد بدله في أصل النذر لا نية ولا ضمنياً (¬5). وهذا مذهب سحنون (¬6) فيما حكاه عنه ابنه في المريض، وهو على رواية ابن القاسم في "المدونة" في كتاب الصيام. وإلى هذا الفرق مال الطابثي (¬7). وقال أبو تمام المالكي: معنى قوله: تقضي الحائض، يعني ما بقي عليها من الشهر بعد طهرها، لا أنها تقضي بعدة أيام حيضتها، لأن المرأة لا ¬
تحيض شهراً كله، وقد يمرض المريض الشهر كله. فهذا عنده معنى فرق ما جاء في الجواب عنهما. وحكى شيخنا القاضي أبو الوليد (¬1) في المسألة قولاً رابعاً أن المريض هنا يقضي على كل حال؛ أصابه المرض أول الشهر أو داخله. وهذا القول على رواية ابن وهب في قضاء المريض الواقعة في بعض روايات "المدونة" المتقدم التنبيه عليها في كتاب الصيام. والجِوار (¬2) والجُوار - بالكسر والضم - من المجاورة، مثل الاعتكاف وبمعناه. وابن أبي نَجيح (¬3)، بفتح النون وكسر الجيم. والمَوَاحيز (¬4) - بالحاء المهملة وآخره زاي - وهي المسالح والثغور (¬5). وقوله (¬6): لأن أهلها رَصَدَة - بفتح الراء والصاد المهملة - جمع راصد، أي حرس يرصدون العدو. وقوله: لِلَّوَذان (¬7)، بفتح اللام والواو، مثل الروغان، / [خ 97] وبذال معجمة، من اللواذ، قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} (¬8). ¬
وقوله في حُجرة معَلقة (¬1)، كذا رويناه بالعين المهملة في "المدونة". ورواه بعضهم بالمعجمة الساكنة (¬2)، وقد اختلفت فيه رواياتنا عن شيوخنا في "الموطأ" (¬3) / [ز 67] في هذا الحديث، وكان عند ابن عتاب الوجهان، وكان عند ابن عيسى وابن حمدين الغين المعجمة، وكان عند ابن جعفر (¬4) بالمهملة، وكتبنا عن بعضهم: بالمعجمة رواية يحيى، ورده ابن وضاح بالمهملة. وقوله: "أيكم أملك لإربه" (¬5) - بسكون الراء وكسر الهمزة - أي لحاجته، قال الله تعالى {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}. وقال أبو سليمان الخطابي: كذا يقوله أكثر الرواة. والإرب: العضو، وإنما هو: لِأَرَبه، بفتح الهمزة والراء، أي لحاجته، قال: والأرب أيضاً الحاجة (¬6). وعبد الله بن أُنَيْس (¬7)، بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء. وقوله (¬8): لم يبلغني أن أحداً من سلف هذه الأمة ولا من التابعين ولا ¬
ممن اقتدي به اعتكف إلا أبا (¬1) بكر بن عبد الرحمن (¬2)، وقوله بعد ذلك (¬3): "قد كان من مضى - ممن يُقتدى به ممن كان يعتكف - يتخذ بيتاً قريباً"، فلعله أراد أبا بكر بن عبد الرحمن فلا يكون في الكلامين تعارض، لكن قوله بعد هذا متصلاً به ما كان أيضاً يفعله أبو بكر بن عبد الرحمن يدل أنه غيره، ثم قال متصلاً به (¬4): "وبلغني ذلك عن بعض أهل العلم (¬5) الذين مضوا أنهم كانوا لا يرجعون حتى يشهدوا العيد". ومثل هذا في "الموطأ" (¬6)، فيدل أن هؤلاء غير أبي بكر بن عبد الرحمن. ¬
كتاب الزكاة الأول
كتاب الزكاة الأول أصل الزكاة النماء والزيادة؛ يقال زكا الشيء يزكو إذا نما بذاته وكثر كالزرع والمال ونحوه، أو بحاله وفضائله كالإنسان في صلاحه وفضله. فسميت صدقة المال زكاة بذلك: قيل: لأنها تبارك في المال المخرجة منه وتنميه كما قال - عليه السلام -: "ما نقص مال من صدقة" (¬1). وقيل: لأنها تزكو عند الله وتنمو وتضاعف لصاحبها كما جاء في الحديث: "حتى تكون أكبر من الجبل" (¬2). وقيل: لأن صاحبها يزكو بأدائها كما قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬3). وقيل: تطهر الأموال وتطيبها. وقد سماها النبي (- صلى الله عليه وسلم -) (¬4) أوساخ الناس (¬5)، ولو بقيت في المال ولم تخرج منه أفسدته وأخبثته. ¬
وقيل: الزكاة التطهير (¬1)، وعليه فسر بعضهم: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} (¬2)؛ قال: تطهر من الشرك، وهو راجع إلى ما تقدم. وقيل: الزكاة الطاعة والإخلاص. وقد قيل في قوله: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (¬3): لا يشهدون (أن) (¬4) لا إله إلا الله، قاله البخاري. ولأن مخرجها لا يخرجها إلا من إخلاصه وصحة إيمانه لما جبلت عليه النفوس من حب المال. ولهذا لما توفي النبي - عليه السلام (¬5) - منعت أكثر العرب زكاتها وتميز بأدائها الخبيث من الطيب. ولهذا قال - عليه السلام - في الصحيح: "الصدقة برهان" (¬6)، أي دليل على صحة إيمان صاحبها. وقيل: بذلك سميت صدقة من الصدق، أي (¬7) هي دليل على صدق إيمانه ومساواة ظاهره وباطنه. وقيل: لأنها لا تؤخذ إلا من الأموال المعرضة للنماء والزيادة كأموال التجارات والأنعام والحرث والثمار. وسماها الشرع أيضاً صدقة فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ / [خ 98] صَدَقَةً}، و {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (¬8) (¬9) الآية. وذلك لأن صاحبها مصدق/ [ز 68] بإخراجها أمر الله بذلك، أو دليل على صدق إيمانه كما تقدم. وسماها أيضاً حقاً فقال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬10). ¬
وسماها نفقة بقوله: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1). وسماها عفواً بقوله: {خُذِ الْعَفْوَ} (¬2)، على اختلاف بين المفسرين في بعض هذه الكلمات. ومعنى النصاب يكون مأخوذاً (¬3) من النُّصُب (¬4)، وهو العَلَم أي إنه الحد الذي أعلم ونصب لوجوب الزكاة. منه، ومنه النُّصُب: حجارة نصبت وأعلمت للعبادة، أو أخذت من الارتفاع ونصائبِ الحوض؛ واحدها نصيبة، وهي حجارة تنصب أي ترفع حول الحوض (¬5)؛ فكأنه ما ارتفع من المال عن القلة. أو من النصاب - وهو الأصل - ومنه نصاب الرجل ومنصبه، أي أصله. فالمراد به على هذا الأصلُ الموضوع، لأن الزكاة تخرج منه. وذكر في الحديث في "الأم" (¬6): "ليس فيما دون خمس أواق زكاة" (¬7)، كذا رويناه؛ أواق مثل غواش، والأوقية أربعون درهماً (¬8) - مضمومةُ الهمزة مشددة الياء - وكذا رويناه في غير "المدونة" عن أكثر شيوخنا. وخطأ الخطابي هذا وقال: صوابه أواقيّ (¬9)، مثل أضاحيّ ¬
وأمانيّ (¬1) على جمع لفظة (¬2) واحدة (¬3). وقد صوب بعضهم (¬4) ما رواه الشيوخ. وذكر (¬5) مسألة جمع الفضة إلى الذهب في الزكاة، وهي من كلام أشهب عند ابن عتاب. قال في أولها: "قال أشهب"، وسقط اسم أشهب لغيره. وقوله (¬6): "كما تجمع الضأن والمعز والعراب (¬7) والبخت (¬8) والبقر والجواميس (¬9) "، ثم قال سحنون (¬10): "وهي في البيع أصناف مختلفة". كذا ألحقت اسم سحنون عليها من كتاب الشيخ (¬11). ومعنى ذلك [وهي] (¬12): ليست بأصناف في السلم مختلفة، بل كل ما يضم منها في الزكاة بعضه إلى بعض لا يسلم الجنس منه في جنس آخر لمجرد اختلاف اسمه إلا بمعنى زائد فيه لا يوجد في السلم (¬13) فيه كما يجوز ذلك في أشخاص الجنس الواحد من الضأن أو العراب أو البقر، إما ¬
من غزارة لبن أو قوة على حرث وعمل أو سرعة في النجاء (¬1) والسبق، هذا كله مع وجود الأجل فيما بينهما، وأما في بيع النقد فلا تبال (¬2) ما كان. وإنما معنى قوله في الكتاب: "وهي في البيع أصناف مختلفة" لتفاوت أثمانها واختلاف الأغراض فيها، وأن لكل واحد اسم وجنس عن (¬3) الآخر يخصه (¬4)، كما للذهب والفضة، لا أنه التفت إلى معنى مسألة السلم. وقوله (¬5) بعد هذا: بمنزلة رجل له ثلاثون ضأنية حلوباً (¬6) فباعها قبل الحول (¬7) بأربعين من المعز وهي غير ذوات (¬8) الدر. هذا الشرط غير محتاج إليه إلا في بيع السلم لا في بيع النقد، ولعله إنما أخبر عن العادة؛ إذ لا يعطي أحد ثلاثين في أربعين إلا لغرض وتفاوت، ولا يكون ذلك مع تفاوت (¬9) حالها، بل حتى تختلف إحداها بالجودة والأخرى بالكثرة بحكم المكايسة، لا على طريق التعرض للفقه (¬10). والضأنية واحد (¬11) الضأن - الهمزة قبل النون في واحده وجمعه - لأنها ¬
عين الفعل، وقد يغلط في هذا المتفقه (¬1). وغِذاء الغنم (¬2) منها التي ولدتها (¬3)، وهي بكسر الغين المعجمة وذال معجمة، ممدود، وهي السخال الصغار، واحدها غَذِي، بفتح الغين وكسر الذال (¬4). والرقة (¬5)، بكسر الراء وفتح القاف وتخفيفها، الدراهم المسكوكة، لا يقال في غيرها. والورق المسكوك وغيره. وقيل/ [خ 99]: يقالا (¬6) معاً فيهما (¬7). وجَرير بن حازم (¬8) الأزدي، بفتح الجيم في اسمه وبالحاء المهملة في اسم أبيه والزاي، وبسكون الزاي في نسبه، ويقال/ [ز 69] بالسين الساكنة أيضاً. وأبو إسحاق الهمْداني (¬9) بسكون الميم ودال مهملة (¬10). وقوله (¬11) في من كانت عنده عشرون دينارا حال عليها الحول فلم يزكها وابتاع بها سلعة فباعها بعد حول آخر بأربعين - وذكر المسألة - ثم ¬
قال (¬1): "قال أشهب: وإن كان عنده عرض قيمته نصف دينار (¬2) أو أكثر زكى الأربعين"، كذا في أصل ابن عتاب. وليس ذكر أشهب في رواية ابن عيسى ولا في كثير من النسخ (¬3). وجاءت هذه المسألة متصلة بقول ابن القاسم، وعلى أن الكلام كله لابن القاسم اختصرها الشيخ أبو محمد وغيره (¬4). وجعل بعضهم ما له في "العتبية" (¬5) خلافاً لما له في "المدونة"، وإنما هي في "المدونة" هنا وهي (¬6) لأشهب كما قلنا، لكنه لم تكن في روايتهم لأشهب والله أعلم. ولم يذكر ابن حبيب هذا الفصل من ابن القاسم (¬7) وذكره لغيره، وذكره محمد لمالك لا لابن القاسم (¬8). ومذهب ابن القاسم أن دين الزكاة يسقط الزكاة، كانت له عروض تفي بدينه أو لم تكن، مرت له سنة أو لم تمر، بخلاف غيره من الدين (¬9)، كذا وقع مبينا في "العتبية"، وكذا فسره فضل بن سلمة وغيره من محققي المذهب. ويصحح هذا قوله في "المدونة" في كتاب القراض في مسألة المقارض المدير: "إن رب المال يزكيه لكل سنة إلا ما نقصته الزكاة"، ¬
ومثله في باب المديان من كتاب الزكاة (¬1) في الذي فرط في الزكاة وبيده مائة (¬2)، إنه لا يزكيها إلا أن يبقى منها بعد إخراج الزكاة ما تجب فيه الزكاة، ولم يذكر في شيء منها إن كان له عرض كما قال في غيرها من مسائل الديون. مسألة الحلي والحجارة، اختلفت رواية الشيوخ في الكتاب (¬3) في مساق الروايات الأخر؛ فعند بعضهم (¬4): "وقد روى ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع أيضاً: إذا اشترى الرجل حلياً أو ورثه فحبسه للبيع - كلما احتاج إليه باع - أو للتجارة، زكاه. وروى أشهب فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة". وكذا هي رواية القاضي أبي عبد الله شيخنا (¬5). وليس عندهم: "معهم" (¬6)، في رواية أشهب. وروى بعضهم مثله وزاد: وروى أشهب معهم (¬7). وهكذا رواية شيخنا أبي محمد. ورواه بعضهم بإسقاط لفظة "زكاه" في الرواية الأولى، وإثبات "معهم". واختلف تأويل الشيوخ وتقديرهم في ذلك من القرويين والأندلسيين باختلاف هذه الروايات: فحمل بعضهم أن الرواية المسقطة منها "زكاه" وإثبات "معهم" وهْم وخطأ (¬8)؛ لاقتضائها ¬
وجوب الزكاة في العروض الموروثة ساعة البيع، لقوله آخر رواية أشهب (¬1): "فلا زكاة عليه حتى يبيعه"، وهو خلاف أصل المذهب (¬2). وإلى هذا نحا ابن أبي زمنين (¬3) وغيره. ومنهم من تأول المسألة ليصححها: فذهب كثير منهم أنها ثلاث مسائل، كل مسألة مفردة بجوابها ورواتها لا اختلاف بينهم فيها، وإنما وقع الإشكال لجميع (¬4) الرواة أولاً، وكل واحد منهم روى مسألته مفردة عن مالك وتكلم على فصل منها دون جملتها، وأن مسألة ابن القاسم الأولى التي تكلم فيها مفرداً - وقال (¬5): "ينظر إلى ما فيها من الورق والذهب فيزكيه" إلى آخر المسألة - إنها في الحلي المنظوم مع الأحجار/ [خ 100] لا المصوغ عليها. وأن معنى روايته مع ابن نافع وعلي في حلي لا حجارة فيه. وأن رواية أشهب معهم بعد هذا في المربوط المصوغ أنه بمنزلة العرض، فيكون في الحلي المربوط بالحجارة بالصياغة على هذا قول واحد في الكتاب (¬6). ¬
وقد رد الشيخ أبو عمران وغيره هذا التأويل على مسألة ابن القاسم الأولى/ [ز 70]؛ إذ مذهبه المعروف في المسألة وفي مسألة السيف غيرُ هذا، وأنه لا تأثير لربطه بالحجارة عنده، وأن كلامه أولاً في المربوط بالصياغة لا بالنظم، وأنه خلاف رواية أشهب، كما اختلفا في مسألة السيف. ويكون على هذا القول إنما وافق علياً وابن نافع في قولهم (¬1): "وإن كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين"، وجاء جوابهم على هذا في "الأم" مؤخراً بعد جواب أشهب الذي تفرد بها (¬2) على إسقاط "معهم" فدخلها إشكال. وقد قيل: إن رواية الجماعة في الحلي المربوط (المصوغ، ويدل عليه قولهم: أيضاً، وقوله عند ذكر أشهب "معهم" فيكون على هذا في الحلي المربوط) (¬3) بالحجارة قولان، وهما في غير الكتاب معروفان (¬4)، ثم كرر رواية أشهب مع ابن نافع في المسألة (¬5) لزيادة بيان وتفسير. ¬
وذهب ابن لبابة (¬1) إلى أن معنى رواية ابن القاسم مع أصحابه وأشهب معهم، أنه إذا باع الحلي المربوط بالحجارة، وكان من ميراث، أنه يزكي مصابة الذهب ويستقبل بثمن الحجارة حولاً. وإن كان من شراء زكى الجميع إذا باع، كان مديراً أو غير مدير. وعلى هذا فالكلام كله والروايات كلها في الحلي المربوط بالحجارة المصوغ معها، فيكون هذا قول ثالث (¬2) في المسألة في الكتاب. وقد يستدل بقوله بعد ذلك (¬3): "وإن كان غير مربوط" (¬4)، وبقوله في الرواية: أيضاً (¬5). وهو إشعار بخلاف رواية (¬6)، وإلا فأي معنى لقوله: أيضاً، إذ معناها الرجوع عن شيء إلى شيء آخر، فيأتي أن ابن القاسم قد روى في الحلي المربوط رواية أخرى أنه كالعرض كما قال أشهب، وكما وقع له في "سماعه" (¬7)، وهو ظاهر هذه الرواية لما قلناه (¬8). ثم اختلف على معنى قول ابن القاسم في المدير: "إذا اشتراه ¬
للتجارة"؛ فظاهر الكتاب أنه يزكي ما فيه من الذهب والفضة تحرياً لوزنه، وقوم حجارته ولم يقوم الصياغة. هذا تأويل بعض شيوخنا (¬1). وذهب التونسي (¬2) إلى تقويم الصياغة وأنها كعرض معها. وأما إن كان غير مدير زكى ما فيه الآن من الذهب والفضة تحرياً، وزكى ثمن ما فيه من الحجارة متى باعها، وإن كان موروثاً تحرى ذهبه وفضته لتمام حول فزكى ذلك، ثم يستأنف بثمن الحجارة من يوم البيع حولاً. ثم اختلف قول ابن القاسم على مذهبه في مراعاة كون الذهب أكثر أو أقل. وأما على قول أشهب فسواء كان عنده الذهب قليلاً أو كثيراً، هو كالعرض. كذا نص عليه في كتاب محمد (¬3). وذكر حمديس أنه إنما أسقط الزكاة من المصحف والسيف إذا كانت حليتهما تبعاً ولم يرد ما اتخذ للتجارة، وإنما جاء به جملة في غير باب التجارة، وهو نحو ما حكاه ابن عبد الحكم (¬4) عن مالك أنه لا زكاة فيه (¬5)، فجعله بخلاف حلي النساء. وحمل بعض الشيوخ رواية ابن عبد الحكم فيما اشري للتجارة، فإذا كان ما فيه تبع (¬6) لم يزكه، يريد الآن، وهو عنده كله كعرض. والأول أظهر لإطلاقه أنه لا زكاة فيه. ويخرج من هذه المسألة على الترتيب/ [خ 101] الأول والثاني أن رواية علي وابن نافع وأشهب أن الحلي الموروث المدخر لغير لبس ولا لرجاء ¬
سوق، بل عدة وليبتاع (¬1) متى احتيج إليه أنه يزكى على رواية "زكاه"، كنص رواية ابن القاسم قبل ومن بقية المسألة على ردها على سؤالهم. وأما أول الباب فنص في رواية ابن القاسم وفي "ديوان أشهب" (¬2): لا زكاة فيه. وفي كتاب ابن حبيب (¬3) الخلاف أيضاً في المرأة تتخذه/ [ز 71] لمثل ذلك إذا كانت أولاً تلبسه، وفرق بين ذلك اتخاذه (¬4) ابتداء عدة. ومذهب "المدونة" ألا زكاة على النساء في الحلي إذا اتخذنه ليكرينه. ونحوه في رواية ابن وهب عن مالك (¬5)، وقاله ابن حبيب (¬6). وقد خرج بعض الشيوخ (¬7) فيه الخلاف من عموم رواية العراقيين عن مالك ومن قول محمد بن مسلمة (¬8). والذي نزل القاضي الباجي (¬9) المسألة عليه، إنما الخلاف فيما تتخذه المرأة للكراء من حلي الرجال، أو الرجال (¬10) من حلي النساء، وأما ما يتخذه كل واحد منهما من حلي مثله وما أبيح له لبسه ليكريه فلم يخرج فيه ¬
خلافاً، وهو ظاهر كلام ابن حبيب (¬1) وهو أظهر. وكذلك خرج اللخمي (¬2) الخلاف في الممسك للعارية مطلقاً على الخلاف في الإجارة، ولا يصح ذلك في النساء. وكذلك فرق في ذلك في كتاب ابن حبيب، إذ ذلك من لباسها، فإذا اتخذته لتعيره كان كما لو اتخذته للباس بناتها وخدمها. وقد يقال ذلك في الرجل أيضاً ولما جاء أن زكاة الحلي عاريته، فيكون الخلاف في الرجال لا في النساء. وإذ الفرق بين الإجارة والعارية بين؛ إذ الإجارة نوع من التنمية والتجارة. هذا إن صورنا الخلاف كما صوره بعضهم في كل حلي، وأما إذا ذهبنا مذهب الباجي - وهو الظاهر - فلا خلاف. وعُمارة بن غَزِيَّة (¬3)، بضم العين المهملة أولاً، وفتح الغين المعجمة في اسم أبيه، وكسر الزاي، بعدها ياء باثنتين تحتها مشددة. ورُزيق (¬4)، بتقديم الراء وضمها، ابن حُكَيم، بضم الحاء وفتح الكاف. كذا ذكره كل من ذكره بغير خلاف. وعَمِيرة (¬5) - بفتح العين وكسر الميم. ابن أبي ناجية، بنون وجيم. والمنذر بن عبد الله الحِزامي (¬6)، بكسر الحاء وبالزاي (¬7). ووقع في حديث ابن عمر (¬8) آخر الباب (¬9): ابن مهدي عن عبد الله بن ¬
عمر، كذا عند ابن عتاب (¬1). وعند ابن عيسى: ابن وهب عن عبيد الله بن عمر. وعبد الله بن أبي سلمة (¬2)، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وحماد بن سلمة (¬3)، كل هؤلاء في الكتاب بفتح اللام. والسلسلة (¬4)، بكسر السينين، واحدة السلاسل، كانت تنصب لتحبس (¬5) الناس فلا يجوزها إلا من أدى زكاته، كذا فسره سحنون. وقيل: هو موضع، وهو غلط. وبنو جُمَح (¬6)، بضم الجيم وفتح الميم (¬7). وابن قُدامة (¬8) بضم القاف. والحكم بن عُتيبة (¬9) أوله باء (¬10) باثنتين فوقها، والثالثة باء بواحدة. وسفيان بن عيينة (¬11) هذا بالياء باثنتين أولاً، وبعدها ياء أخرى ساكنة، وآخره نون قبل الهاء. ¬
ومِلاء ما بين (¬1) السماء والأرض (¬2)، بكسر الميم وسكون (¬3) اللام، وآخره مهموز. وابن رُفيع (¬4)، بضم الراء. وقوله (¬5): "اضربوا بأموال اليتامى"، أي اتجروا بها، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية. وقوله (¬6): "وإن تكارى الأرض وزرعها بطعامه فحصد"، المسألة بكمالها، وقال: لا زكاة عليه إذا باعه، كذا هي الرواية/ [خ 102] عندنا (¬7)، وكذا في أكثر النسخ - بطعامه - بالباء، وهي رواية يحيى بن عمر (¬8) من القرويين. ورواية أكثرهم: لطعامه، باللام، وهي رواية أبي الحسن القابسي وأبي عمران الفاسي، وهي التي صحح أبو عمران (¬9) وقال: معنى المسألة: زرعها لقوته، بدليل قوله (¬10): "فرفع طعامه فأكل منه وفضلت منه فضلة فباعها". قال: وأما لو زرعها من طعام عنده ونوى بزراعتها التجارة فإن هذا يزكي الزرع إذا باعه لحول من/ [ز 72] يوم زكى حبه، كما لو كان ما زرع فيها مما اشتراه للتجارة (فإن هذا يزكي الزرع ¬
إذا باعه) (¬1)؛ [لأن الحب مستهلك غير مراعى] (¬2). وإلى هذا ذهب إبراهيم بن باز من الأندلسيين. وذهب أحمد بن خالد منهم وغيره من القرويين (¬3)، إلى أنه متى زرعها من زرع عنده ليس للتجارة فما رفع منه فله حكم زريعته، فلا يزكه (¬4) على حكم التجارة، بل يستقبل بثمنه حولاً، ورأوا أنه متى (¬5) دخل فصلاً (¬6) من فصول المسألة القنيةُ (¬7) بقي حكمها في الزرع على الفائدة، إذ أصله القنية. وهو ظاهر "المدونة"، والمسألة إنما هي إذا كانت الأرض مكتراة للتجارة، وهو معنى مسألة "المدونة" وعلى مذهب ابن القاسم في ذلك. وأما على مذهب أشهب فعلى كل وجه من وجوه المسألة الزرع غلة لا يزكى ثمنه حتى يستقبل به حولاً، قاله في "المجموعة" "إذا اكتراها للتجارة واشترى قمحاً فزرعه فيها للتجارة وزكى الحب ثم باعه لحول أو لأحوال فلا يزكه (¬8) وليأتنف به حولاً من يوم يقبضه مديراً كان أو غير مدير" (¬9)، وهذا على أصله في غلة ما اكتري للتجارة. وهو قول ابن نافع في "المبسوطة"، كما قال أشهب في الزرع سواء. وإليه ذهب سحنون فيما حكى عنه الفضل بن سلمة وإن كان القاضي الباجي (¬10) وغيره قال: إذا اجتمعت ¬
الوجوه الثلاثة للتجارة: اكتراء الأرض واشتراء الحب والزراعة، فلا خلاف أنه يزكي الحب على التجارة. ولم يبلغ قائل هذا قول أشهب. وقال فيها ابن القاسم في "المجموعة": "يزكي الحب إذا قبضه، نحو جواب "المدونة"، إلا أن تكون الأرض له أو زرعها في أرض الكراء لقوته، ولو كان مديرا قومه لحول من يوم زكاه حباً" (¬1). وذكر ابن حبيب هذا عن مالك وقال: رواه عنه ابن القاسم وغيره، ورأيت أصبغ بها معجباً. وأبو عمرو بن حِماس (¬2) عن أبيه، حماس بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم، وآخره سين مهملة (¬3). وقوله (¬4): "يبيع الجلود والقرون"، هي جعاب السهام، واحدها قرَن، بفتح الراء، تصنع من الجلود (¬5)، وليست بقرون البهائم. وفي "الواضحة": الأقران، ورواها (¬6) أصحاب الغريب: أقرُنٌ (¬7)، وكلها جمع صحيح لما قلناه. وظاهر "المدونة" أن المدير يزكي جميع ديونه من قرض أو غيره (¬8)، على هذا حمل المسألة شيخنا القاضي أبو الوليد (¬9). وقال القاضي الباجي (¬10): إنه لا خلاف في القرض أنه لا يزكى. وخرج اللخمي (¬11) فيه خلافاً. ¬
وظاهر "المدونة" تقويم جميع ما يرجى قضاؤه من الديون (¬1). وعلى هذا اختصرها أكثر المختصرين (¬2)، ولم يفرقوا بين الحالِّ وغيره، خلاف ما لابن القاسم في رواية محمد (¬3) و "سماع" أبي زيد (¬4)، وما لابن حبيب والمغيرة من الاختلاف في زكاة المدير للدين (¬5). واحتج بعضهم بما ذكره في تقويم ما على/ [خ 103] المكاتب (¬6). قال أحمد بن خالد: قوله في تقويم الكتابة بالعاجل يدل على تقويم الديون الآجلة، وهو يقول: يزكي عددها، وقد قال: حكم الدين حكم العرض. وانظر قوله فيمن له مائة وعليه مائة وبيده مائة (¬7): فليزكها وليجعل ما عليه في مائته. قيل: ظاهره أنه يجعل المائة في المائة، حالة كانت التي له أو مؤجلة. ونحوه في كتاب محمد (¬8). والذي لابن القاسم في غير (¬9) "المدونة" في هذا الأصل أنه يحسب عدد الحال وقيمة المؤجل. وسحنون (¬10) يجعله في قيمة المؤجل. وكذا قال ابن القاسم: إذا كان على ¬
غير ملي (¬1). ولا يختلفون أنه يحسب عدد ما عليه. وقوله (¬2): / [ز 73] والزنجي مسلم بن خالد (¬3) رجل من قريش (¬4)، كذا في "الأم". وإنما الزنجي المسمى مولى قريش ثم لبني مخزوم، وهو من علماء مكة، إلا أنه ضعيف في الحديث لسوء حفظه وكثرة غلطه (¬5). وسمي بالزنجي لأنه سكن حارة سكنها الزنج - أمة من السودان (¬6) -. وحكى عبد الحق أنه يقال بفتح الزاي، ولا أعرفه إلا بكسرها (¬7). وتَوِي المال، بكسر الواو، أي هلك، وهذا أفصح من توَى بالفتح وهي لغة أيضاً (¬8). وقوله (¬9): "ابن وهب عن مالك عن نافع وابن شهاب أنه بلغه عنهما مثل قول سليمان"، كذا لابن وضاح. ولابن باز (¬10): ابن وهب عن غير واحد عن نافع (¬11)، وكذا هو في "موطأ" ابن وهب. والربيع بن صَبيح (¬12) تقدم. ¬
وقوله (¬1): "وقال أشهب عن مالك: والدليل على أن الدين يغيب أعواماً"، كذا لابن وضاح في كتاب ابن عتاب وعنده (¬2)، ولابن باز: علي بن زياد عن مالك (¬3). ولم يكن في كتاب ابن عيسى ذكر أشهب ولا غيره سوى: قال مالك. ويزيد بن خُصَيفة (¬4)، بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة. وعُقَيل عن ابن شهاب (¬5) - بضم العين - وهو عقيل بن خالد. وعاصم بن ضَمرة (¬6)، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم. وقول غيره (¬7) في مسألة الموهوب له دين بيده أعوام، سقطت في رواية كثير. وصحت ليحيى بن عمر في كتاب ابن عيسى. وسقطت منها في كتاب ابن عتاب لابن وضاح من قوله: "بمنزلة من له خمسة"، وثبت ما قبل ذلك. مالك: "والسنة عندنا أنه ليس على وارث زكاة (¬8) "، كذا هو في أكثر الروايات. وفي كتاب ابن المرابط لابن وضاح: "قال أشهب: قال مالك". وقوله في مسألة (¬9) العبد بعينه تتزوج به المرأة فيموت قبل أن تقبضه: ¬
ضمانه منها. استدل بعضهم على أنه لا عهدة عند مالك فيما يقبض من العبيد في الصدُقات. وقال ابن لبابة: يحتمل أن الموت بعد العهدة. وقد روى أشهب أن فيه العهدة. وقول ابن شهاب (¬1): "أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان" (¬2)، يعني زكاة الأعطية نفسها لا زكاة غيرها، فقد ذكر عن أبي بكر وعمر أنه كان يأخذ (¬3) من أعطيات الناس ما وجب عليهم (¬4) من زكاة أموالهم (¬5). قال سحنون: كان معاوية يرى أن الزكاة فيها واجبة كدين ثابت. قال أبو عمران: ويحتمل أن مذهبه مذهب ابن عباس (¬6) في الزكاة في الفوائد وإن لم يحل عليها الحول. وقوله (¬7): "لا يرصدون الثمار في الدين"، أي لا يعدونها ويرتقبونها للدين فيسقطون منها الزكاة من أجله، بل يزكيها من وجبت عليه وإن كان عليه/ [خ 104] دين، بخلاف العين الذي يرصد له ويحسب فيه. والرصد والإرصاد: الترقب والإعداد. وقيل: رصدت: ترقبت، وأرصدت: أعددت. وقيل: رصدت في الخير، وأرصدت في الشر. وقيل (¬8): يقالا (¬9) فيهما جميعاً؛ قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (¬10). ¬
وذكر في الكتاب في باب الفوائد (¬1) وباب المديان (¬2) الفرق بين الماشية والثمار والحبوب وبين الدنانير في هذا (¬3). ظاهره أنه من قول ابن القاسم، وعليه اختصره أكثر المختصرين. ووقع عند القاضي التميمي في باب المديان من قول أشهب، وكذا عند ابن المرابط لغير يحيى فى البابين (¬4) من قول أشهب. وقوله (¬5): "لأن السنة جاءت في الضِمار، وهو المال المحبوس" (¬6)، وفسر أيضاً بالمال الغائب (¬7). وقوله/ [ز 74] في نفقة الولد والأبوين (¬8): إنها لا تسقط الزكاة، ثم قال: "فإن فرض القاضي للأبوين والولد نفقة معلومة". (وقوله: "إنها لا ¬
تسقط الزكاة") (¬1)، كذا في بعض النسخ بإثبات "الولد" (¬2). والذي في أمهات شيوخنا سقوط ذكر الولد منها، وعلى هذا اختصرها أكثر المختصرين (¬3)، وهو الذي في كتاب محمد (¬4) لابن القاسم أن الولد كالأبوين؛ إذا ثبتت لهم النفقة بالقضاء سقطت بذلك الزكاة. والذي له في كتاب ابن حبيب (¬5) أنهم كالأبوين أن القضاء بنفقتهم لا يسقط الزكاة (¬6)، وهو ظاهر الكتاب. وقد تأول أبو عمران (¬7) ما وقع في الكتاب أنهما لم يقوما بطلبها عند القضاء (¬8) وأنفقا على أنفسهما من مال وهب لهما، أو تحيلا فيه، ولو كانا (¬9) استسلفاه لسقطت به الزكاة. واحتج بقوله في أول المسألة (¬10): "وإنما تكون النفقة لهم إذا طلبوا ذلك"، فانظره. وقول عثمان (¬11): "هذا شهر زكاتكم"، قال ابن شهاب (¬12): كان شهر المحرم، وقال ابن وضاح: بل رمضان. قال بعضهم (¬13) على ظاهره: إن الدين يحط الزكاة بكل حال؛ كان معه عرض أم لا، إذ لم يذكر ذلك ¬
عثمان، وهو قول فِتْيان (¬1) وابن عبد الحكم (¬2) والليث بن سعد (¬3)؛ قالوا: وإنما يجعل دينه في العين لا غير. واستدل (¬4) بعضهم بقوله في مسألة المفرط في الزكاة (¬5): "إنه إذا فرط فيها ضمنها وإن أحاطت بماله" على أنها دين ثابت وإن لم يوص بها، كقول أشهب (¬6). وذكر مسألة اشتراط الزكاة (¬7) في القراض رواية ابن القاسم الثابتة في كل الأمهات (¬8)، وزاد في بعض الروايات: وقال أيضاً (¬9): "لا خير في اشتراط زكاة الربح في واحد منهما على صاحبه" إلى آخر المسألة، وهي ثابتة في "الأسدية" (¬10). ¬
وبنو القارة (¬1)، بالقاف وتخفيف الراء المفتوحة، وآخرها تاء (¬2)، إليها نسب (¬3) يعقوب بن عبد الرحمن (¬4) وأبوه (¬5) وغيرهما، فيقال: القاريُّ بتشديد الياء غير مهموز. وعُمارة بن غَزِية (¬6)، تقدم. وبنو تغلِب (¬7)، بالتاء باثنتين فوقها، وكسر اللام (¬8). وعمر بن عبد الله (¬9) مولى غُفْر (¬10)، بضم الغين (المعجمة) (¬11) وسكون الفاء، وهي أخت بلال (¬12) مولى أبي بكر. وبنو صَلوتا (¬13)، بفتح الصاد المهملة وضم اللام وبالتاء باثنتين فوقها، كذا لابن وضاح. ولغيره: صليتا، بكسر اللام (¬14). ومغيرة (¬15) عن الحكم عن إبراهيم أن رجلاً من أهل السواد، كذا في أصل كتابي عن شيوخي، وكذا لأحمد بن خالد في كتاب ابن سهل. وله في ¬
كتاب ابن المرابط (¬1): عن الحكم عن إبراهيم. وكان عنده: معمر عن أبي الحكم، وأصلحه ابن خالد/ [خ 105]: مغيرة. وعند ابن المرابط للإِبَّياني (¬2) والقابسي: معمر عن أبي الحكم (¬3). وفي أول باب الجزية (¬4) "قال أشهب: وعلى كل من على غير الإسلام تؤخذ منهم الجزية"، ثبت أشهب عند يحيى في كتاب ابن المرابط وسقط في سائر النسخ. ومسألة الخوارج (¬5) الذين غلبوا على بلدة (¬6)، المسألة الأولى أهل البلدة كلهم خوارج امتنعوا بأنفسهم. والثانية الولاة خوارج. والجواب في إجزاء أخذهم الزكاة أو إخراجهم لها واحد، لأنهم متأولون كما قال أشهب (¬7). وقوله (¬8): "إلا صدقة العام الذي ظفر بهم فيه فإنها تؤخذ منهم"، ظاهرها أنهم لم يؤدوها ولا ادعوا ذلك بعد حلولها، ولو ادعوه لصدقوا، كذا حكى ابن عبدوس عن أشهب (¬9). وعليه حمل قوله في الكتاب أكثرهم. وذهب فضل إلى أن معناها أنه لا يصدقون في هذا ¬
العام وقال: ليس هذا من قول أشهب، يعني ما في الأم (¬1) من آخر المسألة، لابن (¬2) عبدوس/ [ز 75] حكى عنه أنهم يصدقون في هذا العام إن قالوا: أديناها. قال بعض المشايخ: وإنما يصدقون إذا كان خروجهم وامتناعهم ليس لمنع الزكاة وأما لو كان خروجهم لمنع الزكاة لم يصدقوا وهو بين صحيح. وقوله (¬3) في الذي يخرج زكاته قبل الحول: لا يجزئه إلا أن تكون قبل الحول بيسير، ولم يحد، وقول أشهب (¬4): إن أداها قبل محلها لم تجزيه (¬5) كالصلاة، ورواه عن مالك والليث (¬6) في كتاب محمد (¬7). وذكر في الكتاب (¬8) عن مالك: "إن أداها قبل أن يتقارب ذلك فلا يجزئه"؛ قال: بمنزلة الذي يصلي الظهر قبل الزوال. حمله بعضهم على الخلاف وبعضهم على الوفاق لقوله: قبل أن يتقارب. وإليه أشار التونسي وقال: لو قيس على ¬
الصلاة للزم أن يعرف الوقت الذي أفاد فيه المال من النهار، وإنما أريد بالحول التوسعة، وما قاربه مثلُه. وذكر إسحاق بن يحيى (¬1) عن مالك - وهي رواية زياد (¬2) عنه - أن من أدى زكاة ماله قبل حوله (¬3) لا تجزئه، كمن صلى قبل الوقت أو صام رمضان قبل الشهر، وليؤدها إذا حلت إلا أن يؤديها قبل ذلك بيسير أو بشهر أو بشهرين أو نحو ذلك، أو يأخذها منه الإمام من غير أن يؤديها طائعاً فتجزئه، فرأى هذا كله مما قارب. وأنكر ابن نافع هذا من قول مالك وقال: لا أعرفه (¬4) من قوله ولا بيوم واحد، وإنما يقول: يؤدي ذلك بعد وجوبه، وهو قولي، وأما قبل الوجوب فلا بيوم (¬5) واحد ولا ساعة. وهذا يسعد ظاهر قول أشهب. وقال ابن حبيب عمن لقيه: ما قرب؛ الخمسة أيام (¬6) والعشرة (¬7). وعند محمد (¬8): اليوم واليومان. وعيسى عن ابن القاسم (¬9): الشهر قريب على تزحيف (¬10) ............................................ ¬
فيه. وقيل (¬1): خمسة (¬2) عشر يوماً. وروى ابن وهب (¬3) عن مالك أنه لا يجزئ عنده أخذ الساعي لها جبرا قبل الحول في الماشية ولا في المال (¬4)، وهو خلاف ما تقدم من رواية زياد. وعلى هذا الوجه لو أخرجها قبل الحول بالأيام اليسيرة فضاعت، فلمالك في كتاب محمد (¬5): يضمنها. قال بعض الشيوخ (¬6): يزكي (¬7) ما بقي لا ما تلف إن كان فيه زكاة. قال محمد (¬8): "ما لم يكن قبله باليوم واليومين، وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه لأجزته". قيل: معناه: تجزئه ولا يلزمه غيرها بخلاف الأيام. وذهب القاضي أبو الوليد ابن رشد (¬9) إلى أنه متى/ [خ 106] هلكت (¬10) قبل الحول بيسير أنه يزكي ما بقي إن كان فيه زكاة. قال القاضي رضي الله عنه: كذا يأتي عندي على جميع الأقوال، وإنما تجزئه إذا أخرجها ونفذها كالرخصة والتوسعة، فإذا أهلكت (¬11) ولم ¬
تصل إلى أهلها ولا بلغت محلها فإن ضمانها ساقط (¬1) عنه، ويؤدي زكاة ما بقي عند حلوله إلا على (¬2) ما تُؤُوَّل على ما قاله ابن المواز كاليوم واليومين. وأما على رواية أشهب وعلي وابن نافع فلا، وقد قال ابن نافع: ولا ساعة، وأما (على) (¬3) رأي ابن الجهم (¬4) فيزكي ما بقي على أصل حوله على كل حال كان قليلاً أو كثيراً. وقوله (¬5): يجزئ ما أعطيت في الجسور والطرق. الجسور: القناطير، واحدها جسر، بفتح الجيم وكسرها معاً، كان الولاة يُجلسون عليها من يطلب الزكاة من الناس والعشورَ؛ لاضطرارهم إلى الجواز عليها في البلاد المبنية على الأنهار، وكذلك يفعلون في جوادَّ الطرق. وقوله (¬6) في النصراني تمضي له السنة فلم تؤخذ منه الجزية سنة حتى أسلم، قال: سئل عن أهل حصن هودنوا ثلاث سنين على أن يعطوا في كل سنة شيئاً معلوماً/ [ز 76]، فأعطوا سنة واحدة، ثم أسلموا أنه يوضع عنهم، ومسألتك مثله. ظاهره أن الجزية إنما تؤخذ عند تمام الحول، وهو مذهب الشافعي. وليس عن مالك فيه نص، وخرجه بعض شيوخنا (¬7) من قوله هنا في الكتاب وهو بين؛ قال (¬8): وكذلك الجزية الصلحية. وذهب أبو حنيفة إلى أن الجزية يجب أخذها أول الحول بتمام العقد. ¬
وذهب بعض الشيوخ (¬1) أيضاً أن الخلاف إنما هو في الصلحية، ورجح أخذها أول الحول؛ لأنها معاوضة تجب بنجز عوضه (¬2) كسائر المعاوضات، وزعم أنه الذي يأتي على مذهب مالك، واستدل بقوله في تجار الحربيين (¬3): يؤخذ منهم ما صالحوا (¬4) عليه، باعوا أو لم يبيعوا، ولا حجة له (¬5) في ذلك (¬6). قال غيره: بل هو دليل على أخذها بعد الحول كما تقدم؛ لأن وصولهم إلى بلد الإسلام هو معنى ما صولحوا عليه وإقامتهم به، ثم البيع بعد باختيارهم. ولو كان كما تأول لوجب أخذ ذلك عليهم بالعقد قبل الدخول. والركاز (¬7) هو الكنز يوجد في الأرض أو في المعدن، قاله ابن الأنباري، ونحوه للخليل (¬8). قال الهروي: قال أهل الحجاز: هي (¬9) كنوز الجاهلية. وقال أهل العراق: هي المعادن (¬10). وكل محتمل. وأصله من ركز في الأرض إذا ثبت، ومن ركزت إذا غرزت. ومذهب ....................... ¬
ابن القاسم (¬1) وروايته أن الركاز ما وجد في الأرض من ذهب أو فضة، مخلصاً، كان قد دفن بها أو خلق فيها. ورواية ابن نافع (¬2) أنه يختص بما دفن من ذلك ووضع. والنَّيل (¬3): ما خرج في المعدن (¬4)، وقد أنال المعدن إذا أوجد نيله، وأصله العطاء؛ يقال: ناله نولاً ونيلاً. والكنز (¬5): المال المجموع المدخر، وكل شيء جمعته فقد كنزته. واستعمل في الشرع على معنيين: على دفن الجاهلية، وعلى ما لم تؤد زكاته. والنَّدْرة (¬6)، بفتح النون وسكون الدال (¬7)، فسرها في الكتاب: القطعة التي تندر من الذهب والفضة، ومنه نوادر الكلام، وأصله من ندر الشيء إذا ظهر من شيء آخر (¬8). وفي الكتاب: وكان يعد الندرة (¬9). والرِّكْزة (¬10)، بكسر الراء، مثل القطعة. ومعادن القَبلِية (¬11)، بفتح القاف والباء بواحدة وكسر اللام (¬12). ¬
والفُرُع (¬1)، بضم الفاء والراء (¬2)، كذا/ [خ 107] قيده الناس، وكذا رويناه. (وذكر عبد الحق عن الأجدابي أنه بإسكان الراء، ولم يذكره غيره) (¬3). وبلال بن الحارث المُزَني (¬4)، بالزاي مفتوحة وآخره نون. وفي أول سند هذا الحديث: أشهب عن مالك، كذا عند ابن عيسى. وعند ابن عتاب: ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك (¬5). في باب تعجيل الزكاة (¬6) قوله عليه السلام (¬7): "فلا يوم (¬8) لفطر (¬9) حتى تطلع الفجر" (¬10)، كذا صوابه وكذا رويناه. وهو في بعض النسخ مغير. ¬
ووقع في أصل "الأسدية" - وهو مخرج في بعض نسخ "المدونة" وليس عند ابن وضاح ولا عند ابن باز - في مسألة معادن أهل الصلح بعد قوله (¬1): "كان ذلك لهم"، ولهم أن يصالحوا الناس عليه (¬2) من الخمس أو غير ذلك، الذين (¬3) يعلمون (¬4) في معادنهم (¬5). وهو (¬6) مثل قول عبد الملك (¬7) في إجازة دفع المعادن بالجزء قياساً على القراض والمساقاة؛ ومثله لمالك في كتاب محمد (¬8)، واختاره الفضل بن سلمة (¬9). والقول الآخر منعه قياساً على كراء الأرض بالجزء، وهو قول أصبغ (¬10) وغيره واختيار محمد (¬11). وأما بالإجارة يدفعها ربها للعامل فجائز، ويكون ما أخرجت لرب الأرض. وعلى قول مالك وأشهب [ز 77] (¬12) وسحنون (¬13) يجوز كراؤها بها تجارة يدفعها العامل وما خرج له، كمن أكرى (¬14) أرضاً من رجل للزراعة. ¬
وقوله (¬1) في مسألة الركاز في الأرض: "لأن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها" يبين أن من ملك أرضاً ملك ما فيها مدفوناً، وقد اختلف فيه، وهذا قول ابن القاسم. وقول مالك: إنه للبائع (¬2). وقد قال (¬3) في الأجير يحفر للرجل في داره فيجد كنزاً: إنه لصاحب الدار. وقال ابن نافع (¬4): بل للحافر. وقوله (¬5) فيمن وجد ركازا في دار صلحي - وهو من غير الذين صالحوا -: إنه "للذين صالحوا على تلك الدار، وليس لرب الدار فيه شيء"، فدليل هذا خلاف دليل ما قبله ومثل قول مالك أنه لبائع الأرض (¬6)، قاله بعض القرويين (¬7). وقال بعض الأندلسيين: يجب - على أصله - أن يكون للذي له الدار يوم الصلح لا يشركه فيه من صالح معه. وقد قال في كتاب محمد (¬8): إنه لرب الدار ولم يفصل. وقوله (¬9): "سمعت أهل العلم يقولون (¬10) في الركاز: إنه (¬11) هو دِفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولا تكلف كبير (¬12) عمل، وأما ما يطلب منه بمال وتكلف (¬13) فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز". ¬
وحمله بعضهم على الخلاف لما قبله في الركاز. وحمله بعضهم (¬1) أن كلامه في هذا إنما هو في المعدن لا في الركاز، وأنه لا يختلف في الركاز كيف نيل أن فيه الخمس. وكنز النُخَيْرِجان (¬2) - بضم النون وفتح الخاء وسكون الياء باثنتين تحتها وكسر الراء وبالجيم بعدها - سفطان عشر عليهما بعد الفتح (¬3). والنخيرجان هذا وزير كسرى، كان كسرى وهبها له. ولم ير ابن حبيب في ذلك حجة لابن القاسم في أن ما وجد ببلد العنوة للذين افتتحوها، لرد عمر السفطين للجيش الذين افتتحوا البلد. قال ابن حبيب: لم يكونا ركازاً؛ كانا كالغنيمة التي غنمها ذلك الجيش (¬4)، لأنهما ستراً وغُيبا يومئذ (¬5). وقوله (¬6) في الآية في الأصناف: "إنما هو عَلَم أعلمه الله"، كذا ضبطناه بفتح العين واللام. وفي بعض الروايات: عِلم بكسر العين، وكذا لإبراهيم. والصواب الأول، أي إن الله أعلم لنا أهل الصدقات وهدانا إلى أجناسهم وأظهر (¬7) لنا كأنه جعلهم علامة، لا أنه قصد/ [خ 108] القسمة (¬8) بينهم. ¬
وقوله (¬1): "فأسعدهم به أكثرهم عدداً" أي: فأولاهم وأحقهم. وقوله (¬2) في دين الفقير تاوي (¬3): "لا قيمة له"، أي هالك، إذ لا يرجى، فهو كالتالف والهالك والمعدوم. وقوله: "قضى مذمة كانت عليه" (¬4)، أي ذِمام (¬5) المذكورين. وكذلك قوله (¬6): "لا يدفع بها (¬7) شيئاً مما ذكرناه (¬8) من مذمة"، ويقال بفتح الذال المعجمة وكسرها. وقد يكون من الذم، أي يدفع ذمَّهم عنه بترك صلتهم. ويشهد لهذا التفسير قوله بعد (¬9): "وَيجْتَرُّ به مَحْمدة (¬10) "، أي يبتغي حمدهم ويدفع ذمهم، أو حق ذمامهم ورحمهم. ¬
وقول ابن شهاب (¬1): "ونفقة من استعمل من أولئك منها". قال سحنون: "ليس هذا مذهب مالك، وليس له نفقة حسبه ما فرض له. وقول عمر (¬2): يعطى من له الفرس. قيل (¬3) لعله في بلد لا يستغنى فيه عن الفرس. وهُشيم بن بَشير (¬4)، بضم الهاء وفتح الباء وكسر الشين. ومُجالد (¬5)، بضم الميم. ويقال: خَرِبة (¬6)، بفتح الخاء وكسر الراء، هكذا يقول أكثر العرب. وتميم يقولون: خِربة، بكسر الخاء (¬7). وقول علي (¬8): "إن كانت قرية يحمل خراج تلك القرية فهم أحق بها"، يعني أن القرية الخربة بقي خراجها على غيرها حيث انتقل أهلها، فأولئك أحق بها (¬9). وقوله (¬10): "وسأطيب لك ذلك"، أي أتركه لك كله، قاله أبو عبيد ¬
في كتاب "الأموال" ورواه: وسأطيبه لك جميعاً (¬1). وحديث (¬2): "ليس في العنبر زكاة" (¬3)، أوله: أشهب عن سفيان (¬4) بن عيينة عن عمرو بن دينار (¬5). وعند إبراهيم بن باز: ابن وهب عن سفيان الثوري وابن جريج عن عمرو بن دينار (¬6). والآرام - بالمد - (¬7) كالصمع (¬8) والأعلام (¬9). وهي أيضاً قبور قوم عاد (¬10). وأصله من الحجارة المجتمعة. والإِرَمُ: الحجارة، جمعها أرام (¬11). وقد روي: الإراف بالفاء. وفسره ابن حبيب بتخوم الأرض كالسباخات. وقال غيره: هي الأعلام والحدود، واحدتها: أُرْفَة، وجمعها: أُرَف ثم إراف (¬12). وروي: أو الآطام - على الشك - وهي من معنى الأول. قال ابن حبيب والقتبي: هي من بنيان الجاهلية كالصوامع والدرج. وقال بعضهم: هي الجسور. وقيل الكدى. ¬
والقِطْنية (¬1)، بكسر القاف وتخفيف الياء. قيل: ويقال بضم القاف أيضاً (¬2). سميت بذلك لأنها تدخر وتقطن في البيوت. والقَضْب (¬3)، بسكون الضاد المعجمة: الفِصْفِصة (¬4) الرطبة التي ترعاها الماشية. والكُرْسُف (¬5)، بضم الكاف والسين المهملة: القطن (¬6). والخِرْبِز (¬7)، بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الباء وآخره زاي: البطيخ المدور (¬8)، وهو الدلع. وقيل: الخيار (¬9). والفِرْسِك (¬10)، بكسر الفاء والسين: الخوخ (¬11). والأُتْرُنْج (¬12)، بضم الهمزة، ويقال: أترج بغير نون، مشددة الجيم، ويقال: ترنج أيضاً بغير همزة (¬13). ¬
ويَرضخ (¬1)، بالخاء المعجمة: يعطي، وأصله من التراضخ، وهو الترامي بالسهام. وزِرُّ بن حُبيش (¬2)، بكسر الزاي وتشديد الراء. واسم أبيه بضم الحاء المهملة بعده باء مفتوحة وآخره شين معجمة. وحفص بن غِياث (¬3)، بكسر الغين المعجمة بعدها ياء باثنتين تحتها، وآخره تاء مثلثة. وفُطِم (¬4) أي قطع عن الرضاع. والمُسُوح (¬5): ثياب الشعر، واحدها مَسح ومُسح. وقوله (¬6): "ائتلقت"، أي أشرقت وبرقت (¬7). وقوله: فَرَع الناس (¬8) / [خ 109]، أي طالهم وعلاهم. ومنه فرع الشجرة، لأنه الذي علا منها. وقوله (¬9): بسطة، أي زيادة وطولا وتماما، قال الله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (¬10). وحَكيم بن حزام (¬11)، بفتح الحاء في الأول وكسرها في اسم أبيه، وبعدها زاي. ¬
كتاب الزكاة الثاني
كتاب الزكاة الثاني بنت مخاض (¬1)، هي التي كمُلت لها سنة فحملت أمُّها، لأن الإبل سنة تحمل وسنة تربي، فأمه (¬2) حامل قد مخض بطنها بالجنين، أو في حكم الحامل إن لم تحمل. فإذا كمل له سنتان وضعت أمه وأرضعت فهي لبون، وابنها المتقدم ابن لبون. فإذا دخل في الرابعة فهو حق، والأنثى حقة، لأنهما استحقا أن يحمل عليهما واستحقا أن يطرق الذكر منهما الأنثى، واستحقت الأنثى أن تطرق وتحمل - وجاء في الكتاب (¬3) في الحديث: طروقة الفحل وطروقة الجمل معاً عند ابن عيسى، والجمل وحده لابن عتاب (¬4) -. فإذا أكملت الرابعة ودخلت في الخامسة فهو جذع، والأنثى جذعة، وهو آخر الأسنان المأخوذة في الزكاة من الإبل. وكلها أناثي (¬5) إلا ابن لبون (¬6) عند تعذر ابنة المخاض في خمسة وعشرين. ¬
وقوله (¬1): "ابن لبون ذكر"، قيل (¬2): هو تأكيد كما قال تعالى: {وَغَرَابِيبُ (¬3) سُودٌ} (¬4). وقيل (¬5): بل فسره بقوله: ذكر؛ إذ من الحيوان ما ينطلق على ذكره وأنثاه إبن، كابن عرس وابن آوى ليرفع الإشكال. وقال لنا (¬6) بعض شيوخي: بل نبه بقوله: ذكر، على العدل والتسوية بين أرباب الأموال والمساكين فيه وفي ابنة مخاض وتفهيمًا للحكمة في ذلك لسامعه بأنه (¬7) - وإن كان أعلى سنًّا من ابنة مخاض وأكثر لحماً - ففيه نقص (¬8) الذكورية، فعدل كبرُه فضلَ الأنوثية في ابنة مخاض. وفي الأثر: "وهي (¬9) التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله"، كذا لهم (¬10). وعند أحمد بن أبي (¬11) داود: وعبيد الله (¬12)، مكان "عبد الله". وكذلك في آخر باب زكاة الغنم: ابن شهاب عن سالم وعبد الله. وعن (¬13) ابن الطلاع وأحمد بن داود: عبيد الله (¬14). وكذلك لأحمد في آخر باب الخلطاء (¬15) .......... ¬
ولغيره: عبد الله (¬1). وقوله (¬2): "واقترف من غنم جارك"، أي اكتسب؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} (¬3)، أي يكتسبها. والمقترف المكتسب، وهو معنى قوله في باب الفائدة المقترفة، أي المكتسبة المستفادة. والشَنَق (¬4)، بفتح الشين المعجمة والنون، فسره مالك بأنه ما يزكى من الإبل بالغنم (¬5)، وعند ابن عتاب (¬6): هو ما بين الفريضتين كالأوقاص (¬7). ومسألة الشنق في "المدونة" (¬8) من رواية أشهب عن مالك، كذا عند ابن عيسى. وعند ابن عتاب: قال سحنون: قال مالك (¬9). والوقَص (¬10)، بفتح القاف (¬11): ما لا زكاة فيه مما بين الفريضتين، .. ¬
كما بين الثلاثين من البقر إلى الأربعين. وما بين فرائض الإبل والغنم، وجمعها أوقاص. وقال أبو عمرو (¬1): الوقص هو ما وجبت الغنم فيه من فرائض الصدقة في الإبل ما بين الخمس إلى العشرين (¬2). قال أبو عبيد: هو عندنا ما بين الفريضتين، وهو ما زاد على الخمس إلى تسع (¬3). وبعض الناس (¬4) يجعل الأوقاص (¬5) في البقر خاصة. وعليه تأول بعضهم قوله في الكتاب: "ولا يكون في العقد وقص، والعقد عشرة" (¬6) وقال: إنما هذا في/ [خ 110] البقر خاصة، وأما في الغنم والإبل فلا. وقال غيره: بل لعله في الإبل فيما زاد على ثلاثين ومائة صحيح (¬7) هذا كله أنه في الوجهين، وأن قوله هذا إنما هو فيما كثر من البقر والإبل فيما زاد على ستين من البقر وعلى مائة وثلاثين من الإبل، حيث تطرد زكاتها بالسنين المفروضين فيهما واختلاف ذلك بزيادة العقد أو نقصه، وإلا فالوقص عنده (¬8) كل ما بين الفريضتين. وقد قال (¬9): "ليس في الأوقاص من الإبل والبقر والغنم شيء"، وذلك مختلف باختلاف النصف؛ فأقلها في الإبل أربعة، وهي ما بين خمسة ¬
عشر وكذلك إلى خمسة (¬1) وعشرين، وأكثرها فيها تسعة وعشرون، وهو ما بين أحد وتسعين إلى أحد (¬2) وعشرين ومائة، على قول ابن القاسم بالانتقال من الحقتين إلى ثلاث بنات لبون، وعلى إحدى (¬3) قولي مالك في التخيير بينهما، وأما على قوله الآخر بالتمادي على الحقتين إلى تسع وعشرين، فيأتي الوقص ثمانية وثلاثين (¬4). وأقل أوقاص الغنم ثمانون، وهو ما بين أربعين إلى (¬5) أحد (¬6) وعشرين (¬7)، وأكثرها مائتان إلا اثنين، وهو ما بين مائتين وواحد إلى أربعمائة. وأقل أوقاص البقر تسعة، وأكثرها تسعة عشر، وهو ما بين أربعين إلى خمسين (¬8). والإبل العوامل (¬9) هي التي يعمل عليها في السقي والحرث والحمل، وكذلك البقر في الحرث والسقي وشبهه. وذوات الْعَوَار (¬10): ذوات (¬11) العيب (¬12)، والأعور من كل شيء ¬
المعيب (¬1)، والكلمة العوراء: القبيحة (¬2). وأما العور ففي العين خاصة. وكذلك العوار فيما حكاه بعضهم (¬3). ويونس عن ابن شهاب (¬4) عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر، كذا عند ابن الطلاع، وعند غيره: عن سالم وعبد الله. وحَزَرات (¬5)، بفتح الحاء المهملة وفتح الزاي وتقديمها على الراء، كذا هي الرواية (¬6)، وهي صحيحة. ويقال أيضاً بتقديم الراء على الزاي، وهما صحيحان، وهي خيار الأموال. قال (بعضهم) (¬7): سميت حزرة - بتقديم الزاي - لأن صاحبها يَحزرها في نفسه، والتي بتأخر (¬8) الزاي لأن صاحبها يُحرزها (¬9). وثور بن زيد الدِيلي (¬10)، بكسر الدال وسكون الياء، منسوب إلى بني الديل (¬11). والربَّا (¬12)، بتشديد الباء مقصور: التي وضعت، فهي تربي ولدها (¬13). ¬
والأكولة (¬1)، قال أبو عبيد: التي تُسمن لتؤكل (¬2). وقال السلمي (¬3): الأكولة الكباش وليست التي تسمن، قال: وسمعت أنها الرَّبَاعية (¬4)، قال: وهي (¬5) عندي أولى ما قيل فيه (¬6) لقول عمر: تأخذ منهم الجذعة والثنية، الحديث (¬7). وقال: شَمِرٌ (¬8) الأكولة من الغنم: الخصي والهرمة والعاقر (¬9). قال ابن حبيب (¬10): وأما الأكيلة فالتي تؤكل. والماخِض (¬11): الحامل القريبة من الوضع. ¬
وقع في حديث زكاة البقر (¬1): "فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى أن تبلغ سبعين"، كذا في "المدونة". وإنما نقله سحنون من "موطأ" ابن وهب (¬2)، وكان سقط من كتابه "إلى أن تبلغ ستين" (¬3)، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان. وهو صحيح في الحديث، وكذا رواه غيره عن ابن وهب (¬4). وقوله (¬5): "عجل تابع جذع"، ورواه يحيى بن عمر وأحمد بن أبي سليمان: رايع جذع، وكذا عند ابن عتاب. ومعنى: رايع - بياء باثنتين تحتها - أي ظاهر لكبره وخروجه عن/ [خ 111]، حد الصغار جداً. ابن مهدي وقال مالك وسفيان (¬6): "إن الجواميس من البقر"، كذا عند شيخنا (¬7) لأكثر الرواة. ورواه بعضهم: ابن وهب، مكان ابن مهدي. والبُزْل (¬8) من الإبل، جمع بازل، وهو كالكهل من الرجال، والبازل (¬9) هو الذي بزل نابه أي طلع، ويقال في جمعه: بُزَّلٌ بالتشديد أيضاً (¬10). ¬
وفي مسألة (¬1) من له من الضأن سبعون ومن المعز ستون، كذا لابن وضاح وسائر الرواة، وعليه يصح الجواب. وعند ابن باز: ستون فيهما، وهو وهم. وقوله (¬2): "فانظر فإن كان للرجل ضأن ومعز، فإن كان في كل واحد إذا فرقت ما تجب فيه الزكاة أخذ من كل واحدة" (¬3). ذهب بعض المشايخ إلى أن قوله هذا مخالف لأصله في الباب من (¬4) مراعاة الأكثر مع حساب الوقص، وعلى أن الوقص غير مزكى مع النصاب، وذلك أن يكون أحد الجنسين وقصاً للآخر. وأن (¬5) الآخر الأكثر بنفسه لو انفرد لوجبت فيه الزكاة كلها ولم يؤثر فيه الصنف الآخر بزيادة، لكنه لو انفرد هو أيضاً كانت فيه زكاة. ومثاله أن يكون للرجل مائة وأحد وعشرون ضأنية وأربعون معزة، فعلى ظاهر مذهبه وقوله في مسائله في الكتاب يخرج الشاتين من الضأن؛ لأنه يبقى له بعد أربعين منها ما هو أكثر من الأربعين التي هو من المعز. وعليه قال في الكتاب (¬6) فيمن له ثلاثمائة ضأنية وتسعين (¬7) معزة: "ثلاث شياه من الضأن"، لأن اثنتين وجبت في مائة وأحد (¬8) وعشرين، فكان الباقي من وقص الضأن أكثر من التسعين من المعز، فلم يلتفت إلى المعز. وقد قيل (¬9) في المسألة الأولى: يخرج شاة من الضأن وأخرى من ¬
المعز؛ وذلك أنا نحسب وقص الضأن كله مزكى مع نصابه - وذلك المائة والعشرون (¬1) - تبقى واحدة غير مزكاة وجدنا أربعين المعز (¬2) أكثر منها، فأخذنا الثانية منها. فال بعض شيوخنا (¬3): وهذا على مقتضى قوله: "فانظر فإن كان للرجل ضأن ومعز"، المسألة المتقدمة، فإنه عم ولم يذكر وقصاً من غيره. قال القاضي أبو الوليد (¬4): وقد يحتمل أن يكون معناه إذا لم يكن الأقل وقصاً (¬5) للأكثر فلا يكون اضطراباً من قوله. وهذا كله على (¬6) من يقول: "إن الأوقاص مزكاة" مع النصُب. ولم يختلفوا إذا كان الجنس الآخر - وهو غير مؤثر في الزكاة، وهو الأقل - غير نصاب ألا يعتبر به في هذه المسألة كما لو كانت المعز (¬7) ثلاثين. واضطرب قوله في الكتاب إذا كان الجنس الأقل مؤثرا غير وقص، كما لو كانت الضأن مائة وعشرين والمعز أربعون (¬8)، فقال فيها (¬9): يأخذ شاة من هذه وشاة من هذه. وهذا على قوله بأن وقص الضأن قد زكي مع نصابه وانفرد نصاب المعز بالزكاة. وقال في مثلها بخلافه فيمن له ثلاثمائة وستون من الضأن وأربعون من المعز (¬10): تؤخذ الأربعة (¬11) من الضأن. وهذا على مراعاة أن وقص الضأن غير مزكى مع نصابه، فكان أكثر من ¬
المعز فغلبت الكثرة (¬1). ويجب على قوله في كل مسألة منهما (¬2) أن يقول في الأخرى بضد قوله فيها، فهي قولتان له مبنيتان على الأصل المذكور/ [خ 112]. وبذلك قال سحنون في المسألة الأولى من هاتين فقال (¬3): يخرجها (¬4) من الضأن، قال: لأنه إذا أخرج من الضأن شاة عن أربعين بقيت ثمانون، فهي أكثر من المعز. فلم ير أن الوقص داخل في المزكى. وقد رام بعض الشيوخ (¬5) الجمع بين قوليه بأن يكون مذهبه في الوقص أنه غير مزكى فيما زاد على الثلاثمائة لقوله (¬6): "فما زاد"، وأن يكون ما دون ذلك ليس بوقص بل هو مزكى لقوله: إلى عشرين ومائة وإلى مائتين، وفيه نظر. وقد نبه سحنون (¬7) على الاضطراب في قوليه في هذه المسألة ومسألة: لو كانت المعز ثلاثين (¬8) وقال (¬9): مسألة الجواميس أصل ترد إليه هذه ¬
المسألة، وتدل على أحسن من هذا، وأحال على تدبرها كأنه يرى أن قياس قوله في مسألة الجواميس وهي عشرون غير نصاب أن يأخذ من الثلاثين المعز واحدة. قال بعضهم (¬1): وليست تشبه مسألة الجواميس؛ لأن ما زاد في مسألة الضأن والمعز لم ينتقل إلى فريضة أخرى، إنما هي شاة من حيث أخذت، ومسألة الجواميس فيها انتقال من مسنة إلى تبيع. فلو أخذنا مسنة من أربعين من الجواميس عطلنا زكاة عشرين من البقر، فجمعناها فوجدناها ستين فيها تبيعان، أخرجنا واحداً من أكثرها، وهي الجواميس، ثم بقيت ثلاثون أكثرها البقر، فأخرجنا منها تبيعاً، وهذه العشرة الباقية غير وقص (وغير) (¬2) مزكاة باتفاق، بخلاف مسألة الأوقاص المختلف فيها. وهذا ما (¬3) أصلح سحنون المسألة عليه في "المدونة" في مسألة الجواميس بقوله (¬4): أخذ تبيعين، من الجواميس واحد ومن البقر واحداً. وكان في "المختلطة": أخذ تبيعين من الجواميس، لم يزد. وإلى هذا ذهب سحنون؛ كأنه قسم البقر على الجواميس فجاء في كل ثلاثين عشرون جاموساً وعشرة من البقر، فأخرج من الأكثر. وكان فضل بن سلمة أشار إلى أن تنبيه سحنون على مسألة الجواميس إنما هي على قوله في مسألة المائة والعشرين من الضأن والأربعين من المعز. وخالفه غيره وتأول ما ذكرناه (¬5) مسألة الغنم المستهلكة (¬6) إذا أخذ في قيمتها غنماً، قال: "لا شيء عليه فيها" حتى يحول عليها الحول عنده. وفي رواية العسال (¬7): "وقد قال عبد الرحمن: يزكى الغنم التي أخذ، وكأنه باع غنماً بغنم والثمن لغو"، وليست هذه الزيادة عند الأندلسيين ولا عند ¬
شيخنا (¬1). واختصره (¬2): والقيمة لغو إلا أن تكون أقل من نصاب (¬3)، وحملوا (¬4) المسألة على الخلاف في المستهلكة. وعلى ذلك اختصرها أبو محمد، قال: ولابن القاسم قول ثان (¬5). وقال ابن القابسي: قوله: والثمن (¬6) يدل أن اختلاف قوله إنما هو في البيع، وهو أولى بالخلاف من الاستهلاك. والى هذا نحا اللخمي (¬7) وغيره. وقول سحنون في المسألة عند أبي محمد: "والقول الأول أحسن" (¬8)، يشعر بأن مذهب سحنون فيها أن الخلاف في الاستهلاك. وقد قال حمديس (¬9): إنما يدخل الخلاف إذا لم تفت أعيانها حتى يكون الخيار بالرضى بها أو بتضمينها فيشبه المبادلة، وأما لو فاتت الأعيان لم يدخلها خلاف. وقال (¬10) في الرجل يموت وعنده دنانير قد وجبت فيها الزكاة فليس على الورثة أن يؤدوا إلا أن يتطوعوا أو يوصي/ [خ 113] بذلك الميت ولم يفرط (¬11)، ورواية أحمد بن أبي سليمان (¬12): وقد فرط، ثم قال (¬13): "فإن ¬
أوصى بذلك كان في رأس ماله"، ورواية أحمد بن أبي سليمان: كان ذلك في ثلث ماله مبدأ على ما سواه من الوصايا بالعتق وغيره (¬1)، وروايته هذه مطابقة لقوله أولاً: وقد فرط، والأخرى مطابقة لقوله: ولم يفرط. حديثا (¬2) النبي - عليه السلام - أحدهما: "إذا أديتُ الزكاة إلى رسولك" (¬3)، والآخر: "أما والله لولا أن الله" (¬4)، سقطا عند يحيى وأحمد بن داود. وفرق في مسألة الخلطاء مرة بين المُراح والمبيت فقال: "إذا كان الدلو واحداً والمراح والراعي واحداً (¬5)، فإن تفرقوا في المبيت" (¬6)، وذكر ¬
المسألة. وجعله في مكان آخر (¬1) المبيت نفسه. فقال بعضهم: يفهم منه أنه أراد المسرح. وقال القابسي: المقيل (¬2). وقال أبو عمران: المراد به هناك إراحة الغنم، وهو سوقها بالعشي إلى موضع مبيتها (¬3)، يعني ولو افترقت في دور أهلها، وإلا فحقيقة المراح أنه موضع المبيت. قال القاضي: المُراح موضع المبيت، بضم الميم. وقول ابن شهاب (¬4): "إذا أتى المصدق فما هجم عليه زكاه"، ويروى: إذا ثَنَّى المصدق، وهي رواية ابن عتاب. وقوله (¬5) بعده: "ألا ترى أنها إذا ثنيت لا تكون إلا من بقية المال"، يعني جمعت زكاته سنتين، ويكون: ثَنَّى، من ذلك أيضاً، وهو أن يغيب الساعي سنة الجدب ثم يأتي في سنة ثانية فيأخد زكاة عامين. قال أبو عبيد في قوله - عليه السلام -: "لا ثِنَى في الصدقة" (¬6)، هو بكسر التاء، مقصور أي لا تؤخذ في السنة مرتين (¬7). وقوله (¬8): "يشرب سيْحا"، ما يسقى بالسيْح، وهو الماء الجاري على وجه الأرض كماء العيون والأنهار (¬9). ¬
والبعل (¬1)، قيل (¬2): هو ما لا يحتاج إلى سقي ماء مطر ولا غيره، وإنما يشرب بعروقه من رطوبة الأرض، ويستغني بها عن غير ذلك. والتفريق بينه وبين ما تسقيه السماء في الحديث (¬3) يصحح ما قلناه. والْعَثَرِيُّ (¬4)، بفتح العين المهملة والتاء المثلثة وكسر الراء: هو ما يسقى بماء المطر والسيول، يعثر له بعاثور، وهو مثل الساقية (¬5) تحفر للنخل (¬6) البعل لتأتي فيها مياه الأمطار إليها (¬7). وما سقي بالرشاء، ممدود، أي بالدلو. والغَرْب (¬8)، بسكون الراء: الدلو الكبيرة (¬9). والدالية (¬10) هي خشبة يشد بها حبل ويستقى بها (¬11) من نحو الخطاطير. ¬
والزرانيق (¬1) والسانية: اسم الغرب وأداته، وأصله الناقة التي ترفع الغرب، وتسني به (¬2)، هذا أصلها في اللغة، ثم استعملها الناس في آلات ترفع الماء على هيئة مخصوصة. والخَرص (¬3)، بفتح الخاء: فعل الخارص. وبكسرها: الشيء المقدور فيه، يقال: خرص هذه النخلة كذا وكذا وسقاً، وقد خرصها الخارص خرصاً (¬4). وكذلك الوَسق - بالفتح - فعل الرجل. والوِسق - بالكسر - اسم الشيء المقدر. والبلَح (¬5)، بفتح اللام: حمل النخل قبل طيبه إذا كبر وابيض ثم اخضر إلى أن يزهو، على مذهب بعضهم، ثم يكون بُسْراً ثم رُطَباً (¬6). وعند آخرين البسر هو البلَح إذا اخضر، والزهو إذا اصفر أو احمر، ثم يرطب، ثم يجف فيكون تمراً. وقوله (¬7) في النخل يكون بلحاً لا تزهي (¬8): "إن فيها الزكاة"، اعترضها فضل وقال: كيف تؤخذ الزكاة من تمر لا يُجَدُّ إلا بلحاً، ويلزم على هذا أن تؤخذ الزكاة/ [خ 114] من القصيل (¬9) إذا جُدَّ، قال: وقد رأيت سحنون كتب اسمه عليها، فلعله لهذا. قال القاضي: لعل قوله: لا تزهي، لا يتم زهوها ولا ترطب ولا ¬
تُتَمِّرُ، وأنه يبتدئ فيه الصلاح ولا يتم على ما يتم مثله ويكون (¬1) بلحاً كبيراً أو بسراً، ولم يرد البلح الصغير الذي هو علف، فتشبه المسألة الأخرى الذي لا يتمر ويجري (¬2) على الأصل. ويكون قوله: لا يزهي، لفظ (¬3) لم يحقق. وإلا معناه ما تقدم. وإلا فالقول ما قاله فضل. وإلى نحو هذا أشار أبو عمران أنها لا تحمر ولا تصفر، ولكنها تبقى خضراء وتدخلها الحلاوة. وعَتاب بن أَسِيد (¬4)، بفتح العين، وتشديد التاء باثنتين فوقها. وأبوه بفتح الهمزة وكسر السين. ابن وهب عن عبد الجليل بن حميد اليحصبي (¬5)، كذا عند شيوخنا واسم أبيه حُميْد، بضم الحاء، ونسبه بضم الصاد. وعند ابن سهل: عبد العزيز، عوض عبد الجليل. والصحيح: عبد الجليل إن شاء الله، وهو قال (¬6) البخاري (¬7): عبد الجليل بن حميد المصري، وذكر روايته عن ابن شهاب (¬8). وسهل بن حُنيف (¬9)، بضم الحاء. وبُسر بن سعيد (¬10)، بضم الباء، تقدماً. ¬
والجُعرور (¬1)، بضم الجيم (¬2). وابن حُبيق (¬3)، بضم الحاء وفتح الباء، مصغر (¬4). والبَرْني (¬5)، بفتح الباء وسكون الراء: أصناف من التمر (¬6). والجَرين (¬7) - بفتح الجيم - للتمر كالأندر للقمح، وجمعه جُرن (¬8)، ويقال له: المربد أيضاً (¬9). ومحمد بن يحيى بن حَبان (¬10)، بفتح الحاء المهملة وباء بواحدة. وقوله (¬11) في مسألة الزيتون الذي له زيت، والنخل الذي يُتَمَّر، والعنب الذي يُزَبِّب: إذا باعها صاحبها قبل عصره وتزبيبه وإتماره إن عليه إخراج ما كان يلزمه من زبيب وتمر وزيت. وقال في مسألة الجلجلان (¬12): "إذا كان قوم لا يعصرونه، ذلك شأنهم، إنما يبيعونه للذين يزيِّتونه للادهان: أرجو إن أخذ من حبه أن يكون خفيفاً", أشار بعض الشيوخ الأندلسيين أنها خلاف الأولى. وقد اختلف المذهب في المسألة الأولى، وقد قال في كتاب ¬
محمد (¬1) فيها في العنب: يزكى من ثمنه. وقياس مسألة الجلجلان عليه، لأنهم إذا لم يخرجوا زيته وأمسكوه حباً أجزأهم عنده أن يخرجوا من حبه، ولو باعوه لكان على هذا يخرجون من ثمنه. وحكى الباجي (¬2) الخلاف عنه في إخراج الزيت من هذه الحبوب إذا بيعت أو من الحب. وقد يفرق بين المسألتين: مسألة الجلجلان والمسألة الأولى، لأن الجلجلان إنما تحسب (¬3) زكاته زيتاً في البلاد التي عادتهم استعمال زيته وإخراجه وزرعه لذلك (¬4). وقد اختلف قول مالك في حب فجل الزيت (¬5) وحب القرطم (¬6)، وزريعة الكتان هل فيهما (¬7) زكاة لأجل زيتهما (¬8) أم لا (¬9)؟ وكلامه في "المدونة" في مسألة الجلجلان على قوم عادتهم لا يعصرونه، فلم يكن لزيته ¬
إذا اعتبار. أو لو كان في بلاد لا يستعمل للاقتيات فيها ولا للزيت لم يكن فيه (¬1) زكاة على القول: إنها إنما تجب فيما يقتات ويدخر وهو غالب العيش. أو على أنها إنما تجب من الحب فيما يختبر منه (¬2). وذكر في الآثار (¬3): "سفيان عن الأوزاعي عن الزهري قال/ [خ 115]: في الزيتون الزكاة"، كذا هو في الأصول. وعند ابن وضاح: سفيان والأوزاعي. وقوله فيمن خُرص عليه فوجد أكثر (¬4): أحب إلي أن يؤدي زكاة ذلك لقلة إصابة الخراص اليوم. حمله بعضهم (¬5) على الوجوب. وظاهر الكتاب خلافه لقوله: أحب (¬6)، ولتعليله بقلة إصابة الخراص، فلو كان على الوجوب لم يلتفت إلى إصابة الخراص ولا خطئهم (¬7). وقد وقع هذا لمالك مفسرا فقال في كتاب محمد (¬8): إذا كان الخارص من أهل البصر والأمانة فليس عليه إلا ما خرص. وقال في "المبسوطة" (¬9): إن خرصه عالم فوجد أقل أو أكثر لم أر عليه في الزيادة شيئاً، كان خرصه غير عالم فليزكه. وكذا روى ابن نافع عنه (¬10)، وقال من رأيه (¬11): يؤدي ما زاد، خرصه عالم أو جاهل، لأنه حق الله. ¬
مسألة من أدخل بيته ما جد من نخله (¬1) أو ضم من كرمه أو زرعه، والروايتان المنصوصتان عن مالك في الكتاب وكلامُ ابن القاسم في ذلك. اختلف المتأولون والشارحون على حقيقة مذهب مالك في المسألة وصحيح قوله فيها؛ لأنه قال مرة: هو ضامن إذا أدخله منزله (¬2). ومرة قال: إذا أخرج زكاته قبل أن يأتيه المصدق فضاع فهو ضامن (¬3). وقال في المال: إذا لم يفرط لم يضمن (¬4). ثم قال: إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن (¬5). فذهب بعض شيوخ القرويين إلى أنه يحتمل ألا يكون خلافاً، وأن الرواية المطلقة بالضمان ترد إلى المقيدة بإدخاله بيته، وأن ابن القاسم بزيادته الإشهاد (¬6) غيرُ مخالف له؛ إذ يحتمل أن يشهد ليسقط عنه الضمان ثم يأكله، وأن مقتضى قول ابن القاسم بالإشهاد سواء في الأندر أو بعد إدخاله بيته، وأن مالكاً يسوي بين أشهد أو لم يشهد. والمخزومي يبرئه وإن لم يشهد (¬7). وإلى نحو هذا المأخذ نحا أبو عمران. وحمله غيره من شيوخ الأندلسيين على أن قولي مالك مختلفان؛ أحدهما على الإطلاق متى لم يفرط لم يضمن، أدخل ذلك منزله أم لا، أشهد أم لا، كالدنانير. والآخر: يضمن متى أدخله منزله، أشهد أم لا، وأن قول المخزومي موافق للأول، وقول ابن القاسم مخالف للقولين معاً، ويشترط الإشهاد. وسواء ضاع عنده كله أو العشر لا ضمان عليه وإن أدخله منزله. وإلى هذا نحا شيخنا أبو الوليد رحمه الله (¬8)، وتردد نظره في ساعي نفسه لو ضيع ذلك هل يضمن إذا لم يدخله بيته للحرز أو لا يضمن كالدنانير؟. ¬
ولا يختلف أنه إذا ضيع (¬1) أو فرط أنه ضامن، كما لا يختلف إذا أدخله للحرز والتحصين والخوف عليه في أنادره. وقد قاله التونسي (¬2). وإنما يقع الاختلاف إذا لم يحقق الوجه الذي أدخله له (¬3) هل يصدق بدعواه الحرز أم لا يصدق؟ والحبَل (¬4): الحمل بالجنين، بفتح الباء. والأَقِط (¬5)، بفتح الهمزة وكسر القاف: جبن اللبن المخرج زبده. قال الأجدابي (¬6): ويقال فيه: إِقْط، بكسر الهمزة وسكون القاف (¬7). مسألة (¬8) إن "مات عبد رجل قبل انشقاق الفجر من ليلة الفطر"، كذا عند شيوخنا، وهو قول أكثر رواة سحنون. وعند الدباغ: بعد انشقاق الفجر. قال بعضهم: ولعله إصلاح من بعض من احتمل على رأيه في المسألة. وقال أبو عمران: الصحيح: قبل. قال القاضي: اختلفت أجوبة مالك - رحمه الله - وأصحابه في هذا الباب واضطربت مسائلهم فيه بحسب الاختلاف في الأصل ومراعاة الخلاف/ [خ 116]، وكذلك اختلف كلام الشارحين ومقاصد المتأخرين. والتحقيق في ذلك أن الخلاف في الوقت الذي بحلوله تجب زكاة الفطر على قولين معلومين: أحدهما بالغروب، وهي رواية أشهب (¬9) وقول ابن القاسم وحكايته عن ¬
مالك في مسألة العبد المتقدمة - على الرواية الصحيحة - ومن مسألة من مات يوم الفطر (¬1) فأوصى بزكاة الفطر أنها من رأس المال، وإن كان إسماعيل القاضي قال في مسألة العبد الأولى: إن هذا على استحباب، وهو من قوله ميل إلى: القول الثاني، وهي رواية مطرف وعبد الملك وابن القاسم عند (¬2) ابن حبيب (¬3) أنها تجب بطلوع الفجر. وهو قول أكثر أصحاب مالك وكبارهم (¬4). وتردد أشهب من قبل نفسه في وجوبها بالغروب (¬5). فعلى هاتين الروايتين تتفرع مسائل الباب، وذلك فيمن مات، أو ولد، أو أسلم، أو أيسر، أو أعسر، أو تزوج، أو طلق، أو باع عبداً، أو اشتراه، أو أعتقه، أو ورثه، أو وهب له، أو احتلم الولد، أو بني بالابنة البكر: فمن أوجبها بالغروب ألزمها من مات بعده قبل الفجر أو باع بعده عبده، أو كان موسراً ثم أعسر، أو طلق زوجته. ولم يوجبها على من أسلم بعد الغروب، ولا على من ولد له ولد، أو بلغ، ولا على من ورث عبداً، أو وهب له، أو ابتاعه، أو أعتق، ولا على من أيسر بعد عسره. وعلى القول الآخر لا يلتفت إلى الغروب، ويراعى طلوع الفجر في ذلك كله، فيلزم المشتري حينئذ للعبد قبل طلوع الفجر دون البائع، والمتزوج حينئذ دون الزوجة، والبالغ، والبكر المبتني بها دون أبيها، والمعتق دون سيده، ومن ولد وأسلم، والموهوب له، والوارث، والمطلقة دون الزوج، وهكذا في سائر الباب، ولا يلزم من مات حينئذ. ¬
وقد حكيت في المسألة أقوال أخر عن أصحابنا: قال بعضهم (¬1): إن حد وجوبها طلوع الشمس من يوم الفطر. وخرج بعض المتأخرين (¬2) على هذا الخلاف في المسائل المذكورة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقال بعضهم: إنه لا خلاف فيمن مات بعد الفجر أن الزكاة عليه، وهو نصه في الكتاب (¬3). وهذا الحق؛ إذ لم ينص أحد في هذا خلافاً، ولو كان ما قاله الأول لوجد لمتقدم أو متأخر وما أغفلوه سوى هذا القائل. وإنما الخلاف فيما حدث ونشأ بعد الفجر هل يخرج إيجاباً - كما قال في "المدونة" (¬4) فيمن أسلم أو ولد - أم لا يجب، أو ينتقل بنقل الملك؟ وأما أن يسقط عمن ذكرناه رأساً فلا يوجد فيه خلاف. وإنما الذي يجب أن يقال في هذا: هل الوقت من الغروب إلى الفجر موسع الوجوب فيمن أدركه لزمه فرضه، كمن أسلم آخر النهار أو الحائض تطهر فيه فعليهما الصلاة لما أدركا بقية وقته ولزمهما فرضه كذلك هنا، وإن كان الوجوب يتعين أول الوقت والخطاب يتحتم. لكن لما كان الوقت موسعاً لزم من أدركه. أو يقال: إنه غير موسع، فينقضي الوجوب بانقضائه، وعليه يأتي قوله فيمن أسلم يوم الفطر (¬5): إنه ¬
يستحب له إخراج زكاة الفطر. وقول ابن حبيب (¬1): إنما تجب على من أسلم قبل الفجر. وقول ابن مسلمة: لا تجب على من ولد بعد الفجر. فإذا قيل بالتوسعة التي قررنا (¬2) ففي القول تجب بالغروب أربعة/ [خ 117] أقوال: أولها إلى طلوع الفجر. وعلى القول تجب بطلوع الفجر ثلاثة أقوال يشترك فيها مع الوجه الأول؛ يقال (¬3): إلى طلوع الشمس، وهي الرواية التي حكاها القاضي أبو محمد عبد الوهاب (¬4). أو يقال التوسعة إلى زوال الشمس على مذهب ابن الماجشون في "الثمانية" (¬5). أو إلى آخر النهار. وهو ظاهر "المدونة" في مسألة يوم الفطر دون تحديد. فعلى هذا يقع اختلاف قولي مالك (¬6) وغيره من أصحابه في العبد يموت ليلة الفطر قبل الفجر هل عليه فطرة أم لا؟ وفي العبد يباع يوم الفطر ¬
هل هي على البائع إذ قد (¬1) وجبت عليه إما بغروب الشمس أو بطلوع الفجر، أو هي على المبتاع، إذ قد انتقل الملك إليه في وقت الوجوب، أو عليهما معاً كما حكي عن أشهب (¬2) وجوباً، أو على البائع وجوباً، أو على (¬3) المشتري استحباباً على ما قاله أشهب (¬4) أيضاً في مشتري العبد بعد الغروب - ويستخرج من "المدونة" من استحبابه ذلك فيمن أسلم يوم الفطر - أو على المشتري وجوباً وعلى البائع استحباباً كما ذهب إليه محمد (¬5). وذلك إما لتعارض الأدلة في المسألة عندهم، أو (¬6) مراعاة الخلاف، أو لأنه لا بعد في تزكية مال في وقت واحد على مالكين، كمن زكى ماشيته فمات أو باعها وضمها (¬7) من صارت إليه لنصاب فمر به الساعي من يومه ذلك الذي زكاها فيه على الأول فإنه يزكيها على الثاني. ولا خلاف فيمن مات أو طلق أو أعسر أو أعتق أو أخرج العبد من ملكه قبل الغروب أنه لا فطرة عليه، وأنها على المطلقة والمعتق والمشتري، إلا ما وقع لأشهب (¬8) فيمن أسلم أن زكاة الفطر لا تلزمه حتى يلزمه صوم من (¬9) .................................................................... ¬
رمضان بإسلامه قبل الفجر من آخر أيامه وحكي نحوه عن مالك (¬1). كما أنه لا خلاف إذا نزلت هذه النوازل بعد الغروب من يوم الفطر أنه لا يوجبها طارئ من هذه الطوارئ لمن لم (¬2) تجب عليه، ولا يسقطها عمن وجبت عليه. وقد أشار اللخمي (¬3) أن النهار كله وقت توسعة - وجعل (¬4) القول بطلوع الشمس مذهباً - ولا فرق بين المقالتين كما بيناه. وهذا الخلاف كله مبني على معنى قوله - عليه السلام -: "فرض زكاة الفطر من رمضان" (¬5)، هل هو لأول ما يمسى فطراً أو هو مغيب الشمس من آخره؟ ولا يعتبر هذا، إذ هو موجود في سائر الشهر، وإنما المراد الفطر الشرعي المنافي للعبادة المتقدمة من الصوم، وهو من طلوع الفجر بعده، إذ هو الوقت الذي استحب إخراجها عنده (¬6) - ولا يجزئ عند غيرنا إلا حينئذ ويستحب الأكل وإظهار الفطر فيه - أو يتسع وقته، لما لا يختلف فيه أنه من النهار، وذلك من حين طلوع الشمس، فإن الفطر في أيام الصوم حينئذ مجمع على تحريمه؛ إذ الخلاف فيما قبل ذلك هل هو من الليل أو من النهار؟ حتى قد اختلف السلف في جواز الأكل للصائم فيه. وبعضهم أجاز ذلك إلى طلوع الشمس. أو المراد الفطر المعتاد ذلك اليوم، وهو الغد إلى زوال الشمس، ولأنه الحد الذي تؤخر إليه صلاة العيد، أو الأكل سائر النهار الذي هو محل الفطر. ¬
وإذا نظرت لما فسرناه وقررناه ارتفع عنك الإشكال واضطراب/ [خ 118] الأقوال، وعلمت موضع الخلاف في الوجوب والاستحباب وأسبابهما، والله الموفق للصواب. ووقع (¬1) في بعض النسخ بعد مسألة: إذا انشق الفجر يوم الفطر فمات بعده من ألزم الرجل نفقته أن عليه صدقة الفطر، قال سحنون: وأكثر الرواة لا يرون عليه صدقة - ولم أروها ولا هي عند شيوخنا - ولا تصح، وإن ثبتت في رواية فمعناها عندي أنها راجعة لمسألة من مات عبده قبل انشقاق الفجر. وعليه تصح، فإن مطرفاً وعبد الملك وابن القاسم وابن مسلمة يقولان (¬2): لا شيء عليه. وذكر ابن مسلمة أنه مذهب مالك. وهي على القولين المتقدمين. وقد ذكر أبو عمران قول سحنون هذا على نحو ما تأولناه فقال: قال سحنون: وأكثر الرواة يقولون في الذي يموت قبل الفجر: إنه لا فطرة عليه (¬3). وقوله في مسألة العبد يجني جناية فيها نفسه: إن صدقة الفطر على سيده (¬4). ذهب بعض المشايخ إلى أنها معارضة لقوله في مسألة من له عبد وعليه عبد مثله: إنه لا زكاة عليه للفطر، ومثل قول الغير هناك (¬5) وقول سحنون (¬6) لأنه بمنزلة الحب والتمر لا يُسقط زكاتَه الدينُ، ولأن نفقته عليه كما علل هنا بالنفقة. ¬
قال القاضي: قد يفرق بينهما بفرق بين، وهو وإن جمعهما (¬1) النفقة والملك فليس كل من جمعه لزوم النفقة يخرج عنه زكاة الفطر كالعبد المخدم على أحد القولين (¬2) والصحيحِ منهما، ولا كل من جمعته النفقة والملك كالكافر (¬3) - على المشهور - كان خالف فيه ابن وهب، ولا تسقط بسقوط النفقة في كل حالة، فإنها تلزم على (¬4) المكاتب (¬5) في أشهر القولين (¬6)، وإنما سقطت على (¬7) المديان (¬8) عند ابن القاسم، لأنه ليس عنده من حيث يعطيها إلا من هذا العبد المخرجة عنه وهو مستغرق بدين مثله، أو مما لا يلزمه بيعه في دينه مما لا بد له منه، كما لو كانت بيده دنانير وعليه مثلها وليس له شيء سواها لم تلزمه زكاة؛ لأن ما بيده بالحقيقة مال غيره. وفرق ما بين هذا وبين الماشية والحب، لأن هذه زكاتها منها نفسها، فحق الزكاة فيها، كانت لمن كانت، ومسألة العبد الجاني هو مالك له حتى الآن وعنده مال من حيث يؤدي عنه. وغير (¬9) ابن القاسم في المسألة الأولى إنما التفت لما كانت زكاته مخرجة من غير العين جرت مجرى غيرها، ولأن الأصل خروج الزكوات من الأموال، فاستثنى الشرع حط الزكاة عن العين بالدين، وبقي سائر الأموال على الأصل. وقوله في الموصي (¬10) بزكاة الفطر المتعينة عليه: إنها تخرج من رأس المال، دليل على وجوبها، وهو قول مالك وأصحابه (¬11) وعامة ¬
العلماء (¬1)، وإنما اختلفوا هل هي واجبة بالقرآن من عام قوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬2)، وهي إحدى الروايتين (¬3) عن مالك وقوله في "المجموعة" (¬4). وقيل (¬5): بل من قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} (¬6)، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن المسيب، وفي معنى هذه الآية خلاف بين أهل التفسير. وقيل (¬7): بل هي واجبة وفرض/ [خ 119] بإيجاب النبي - عليه السلام - وفرضه، وهي الرواية الأخرى عن مالك وقول أكثر أصحابه، وهو معنى ما رُوي عنهم أنها سنة (¬8). وأطلق هذا اللفظ قوم من أصحابنا (¬9) وتأولوا: فرض بمعنى: قدر (¬10). قال ابن القصار: هي فرض، والفرض في الشرع إذا ورد إنما هو بمعنى الواجب. ولو وقع على التقدير لم يصح أن يقع هنا إلا على الواجب لقوله - عليه السلام -: "على كل حر أو عبد" (¬11)، و"على" حرف صفة من حروف الوجوب لا التقدير، ويزيده بياناً ما خرجه الترمذي: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منادياً ينادي في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم! " (¬12). ¬
مسألة المخدم (¬1)، قوله في المخدم: زكاة الفطر على سيده الذي أخدمه، يوضح حجة الرواية الواقعة في الوصايا الأول أن نفقة العبد المخدم على الذي أَخدم - على من رواه بالفتح -، وروايتُنا فيه: أُخدم، بضم الهمزة. وقد اختلف الرواة عن مالك في ذلك؛ فروي عنه: هي على السيد (¬2). وروي عنه أنها على الذي له الخدمة (¬3). والقولان خارجان من "المدونة". وروي عنها أن نفقته من مال نفسه لا على واحد منها، وحكاها ابن الفخار (¬4). وهذا القول هو الذي ذكره أصحاب الوثائق أنها من خدمته وكسبه وما بقي للمخدم، إلا أن تكون الأيام اليسيرة فتكون النفقة على رب العبد. وقيل (¬5): إن كانت كثيرة فعلى الذي له الخدمة، وإن كانت قليلة فعلى رب العبد. وقيل: إن كان الخلاف فإنما (¬6) هو في الكثيرة، وأما القليلة فعلى رب العبد، وهو مذهب سحنون (¬7). ¬
مسألة القِطْنِية والتين هل يُخْرج منها زكاة الفطر؟ اختلفت روايات "المدونة" فيه (¬1): فرواية الأندلسيين وكثير من القرويين (¬2): "قلت: فالتين؟ قال: بلغني عن مالك أنه كرهه، وأنا أرى أنه لا يجزي ادا (¬3) شيء من القطنية مثل اللوبيا أو شيء من هذه الأشياء الذي (¬4) ذكرنا أنه لا يجزئ إذا كان (¬5) ذلك عيش قوم". وعلى هذا اختصرها حمديس وجمع معها التين. وعلى أنه لا يجزئ ذلك كله اختصرها ابن أبي زمنين وابن أبي زيد (¬6) وغيرهما. وهو الذي في كتاب محمد (¬7) في القطاني والتين. وفي رواية جبلة وعيسى بن مسكين (¬8) بعد قوله في التين "لا يجزئه": "وأنا أرى كل شيء من القطنية مثل اللوبيا أو شيء من الأشياء التي ذكرنا أنه لا يجزئ إذا كان ذلك عيشاً لقوم، فلا بأس أن يؤدوا من ذلك وتجزئهم". وكذا رواه سليمان بن سالم عن محمد بن سحنون (¬9) عن أبيه في المدونة. ¬
ووقع هذا الكلام لأشهب في بعض النسخ في الروايتين جميعاً، ولم يصح في أكثر كتب شيوخنا اسم أشهب. وأوقفه في كتاب ابن المرابط وقال: ليس للدباغ ولا للإِبَّياني. وهو كتاب ابن عيسى، ومثله في "المبسوط" (¬1) و"مختصر" ابن عبد الحكم (¬2). ومعنى عيش قوم أي في الرخاء لا في ضرورة الشدة. وقوله: يبعثون السعاة قُبُل الصيف (¬3)، بضم القاف والباء، أي عند استقبال الصيف، ويقال في هذا قِبَلا، بكسر القاف وفتح الباء أيضاً. وقوله (¬4): "حين (¬5) تطلع الثريا" أي عند الفجر، وذلك منتصف/ [خ 120] شهر أَيَّار، وهو شهر مايه. وقيل لاثنتي عشرة ليلة تخلو منه. وقوله (¬6) في البكر لها الخادم ولم يحولوا بين الزوج وبينها: إن على الزوج زكاة الفطر عن الخادم، "لأنها كانت هي وخادمتها، نفقتها (¬7) على الزوج حين لم يحولوا بين الزوج وبين أن يبتني بها"، ظاهره أن بنفس التمكين تلزمه النفقة. ومعناه أنه قد دعوه للبناء كما فسره في النكاح (¬8)، .................................................... ¬
وكذا قال ابن المواز (¬1). وبهذا فسر هذه المسألة الشيوخ. ولابن شهاب في النكاح (¬2) خلاف هذا حتى يقضي به السلطان. ¬
كتاب الأيمان والنذور
كتاب الأيمان والنذور قوله (¬1) فيمن حلف بالمشي إلى مكة فلم يُفِض: "لا يركب في رمي الجمار، ولا بأس أن يركب في حوائجه. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأساً، وإنما ذلك عندي بمنزلة ما لو مشى فيما قد وجب عليه، ثم أتى المدينة فركب في حوائجه أو رجع من الطريق في حاجة فيما قد مشى فلا بأس أن يركب فيها، وهذا قول مالك الذي أحب أن يأخذ به" (¬2). وفي رواية ابن عتاب (¬3) نحب ونأخذ به (¬4). ونحو هذا وبنصه (¬5) في كتاب الحج، وفيه: الذي أحب وآخذ به (¬6). في هذا بيان وإشارة إلى الاختلاف من قوله في الذي ركب في حوائجه وفي رجوعه لحاجة، وأن له قولاً آخر غير الذي أحب أن يأخذ به ابن القاسم، وهو ما له منصوص في "سماع" ابن القاسم (¬7) في الذي يركب في المناهل: أحب إلي أن يهدي، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه كان يستثقل أن يركب فيها - يعني في الذي سقط بعض متاعه، أو في ¬
حوائجه - وإن كان أبو عمران لم يحمل هذا على خلاف، وحمله على الاستحباب. ولا وجه للاستحباب فيه إن لم يكن خلافاً. وقد اختلف تأويل الشيوخ في قول ابن القاسم: "ولا أرى به بأساً"، هل يرجع على المسألة الأولى - وهو قول مالك: "لا يركب في رمي الجمار"، ويكون خلافاً له، وإليه أشار اللخمي -. أو يعود على الركوب في حوائجه - وهو تأويل أبي محمد - ويعضده قوله في الباب بعد هذا (¬1) مثل هذا الكلام بعد قول مالك في ركوبه في المناهل والحوائج، ولم يجر للركوب في رمي الجمار ذكر. وأما إن قدم طواف الإفاضة فله أن يركب في رجوعه إلى منى (¬2)، يريد وفي رمي الجمار. ولم يوسع له ابن حبيب (¬3) في ذلك، قدم الطواف للإفاضة أو أخره. وقوله (¬4) في الذي حج ماشياً لنذره وخرج إلى عرفات راكباً وشهد المناسك راكباً: "أرى أن يحج الثانية" إلى آخر المسألة. قيل: هي خلاف لما وقع له بعد هذا أنه يجعل مشيه الثاني إن شاء في عمرة أو حجة ما لم يكن الأول (¬5) نذر حجة. ومثله في كتاب محمد (¬6). وجعله هنا يحج لأنه إن ¬
جعله في عمرة لم يمش ما (¬1) ركب، إذ ليس فيها خروج إلى عرفة ولا إفاضة ولا شهود المناسك المشهودة في الحج. وقد اختصرها بعض المختصرين (¬2): رجع قابلاً. جنوحاً لمعنى اللفظ الآخر حتى لا يتنافر. وقال بعضهم (¬3): قوله: يجعل مشيه الثاني إن شاء حجة وإن/ [خ 121] شاء عمرة أن معناه أن (¬4) ركوبه في غير المناسك، وكلامه الأول إنما هو فيمن ركب في المناسك. ووقع في رواية الأندلسيين بعد المسألة (¬5): "قيل لمالك: أفترى عليه أن يهدي؟ قال: إني أحب ذلك من غير أن أوجبه عليه"، ولم يذكر هذه الرواية مختصرو القرويين كحمديس وابن أبي زيد. والرواية صحيحة معناها في العتبية وكتاب محمد (¬6). وقوله في حديث ابن أبي حبيبة (¬7): "وأنا يومئذ حديث السن" (¬8)، في كتاب ابن حبيب وابن مزين (¬9): إنه كان بالغاً، وإنما أشار بحداثة سنه إلى أن مع ذلك في الغالب قلة العلم (¬10). وقوله: "حتى عقلت" أي عرفت ما ¬
يلزمني وتعلمت وأقبلت على التحفظ بما يجب علي، وقد يكون هذا على مذهب من يراعي يوم الحنث في اليمين لا يوم اليمين وهو مذهب. وفي "المبسوط" في (¬1) يمين الصبي يحنث بعد بلوغه: يلزمه (¬2). والجِرْو (¬3)، بكسر الجيم وسكون الراء: واحد القثاء. وقيل: صغارها (¬4). وقيل: طوالها. ومَرَان (¬5)، بفتح الميم وتشديد الراء: موضع على ثمانية عشر ميلاً من المدينة. وقال عبد الحق فيه: مُران، بضم الميم (¬6). وقوله (¬7): "ولا يكون المشي إلا على من قال: مكة" إلى قوله (¬8): "أو الحِجر أو الركن أو الحَجر". ثبت (¬9) عندنا عن شيوخنا كذا. وكذا في أصولهم، وهو صحيح. وسقط من بعض النسخ "أو الحجر". وهما ثابتان (¬10) في كتاب الحج (¬11). مذهبه في هذه المسألة إلزامه اليمين من قال: بيت الله، أو الكعبة، أو المسجد الحرام، أو مكة، أو ذكر شيئاً من أجزاء البيت فقط (¬12)، دون ما عدا ذلك إلا أن ينوي حجاً أو عمرة، فلا يلزمه فيما داخل المسجد الحرام ¬
ولا داخل مكة وخارجها. وهذا تأويل أبي محمد (¬1) وجمهور الشيوخ. وهو مقتضى ما في كتاب ابن حبيب (¬2) عنه (¬3) أنه لا يلزمه في "زمزم" و"الحطيم" و"الحجر". وقد سلم له (¬4) أبو محمد قوله "زمزم"، ولم يسلم له أن ذلك مذهبه في "الحجر" و"الحطيم" لاتصالهما بالبيت. وقد يحتج لهذا بمسألة: أنا أضرب بمالي حطيم الكعبة أو الركن الأسود (¬5) وقوله: إنه يحج فقد سوى بين الركن والحطيم (هنا، لكن قد يتأول ما قاله ابن حبيب (¬6) على وفق الكتاب في أن من "الحجر" أو "الحطيم") (¬7) ما ليس من البيت، فكأنه جعل غاية مشيه إلى أوله كقوله: إلى الحرم، والبيتُ لا شك منه، والحرم متصل به (¬8). وذهب ابن لبابة أن مذهبه في الكتاب أنه يلزمه متى (¬9) ذكر شيئاً مما في المسجد الحرام، خلاف ما كان خارجاً منه، واحتج بمسألة "الحطيم". وحكى عن بعض الناس في ذلك تأويلاً ثالثاً على المدونة وأن الركن ¬
والحِجْر والحَجَر كالصفا والمروة، لا يلزمه فيه شيء خلاف قوله: المسجد الحرام؛ قال: والتبس عليه لفظه في الكتاب. قال القاضي: وكذلك أقول: إنه قد التبس على ابن لبابة في تأويله أيضاً. والصواب والظاهر ما قدمناه أولاً. وفي بعض هذه الألفاظ وأشباهها في الأمهات خلاف كثير معلوم، وإنما قصدنا هنا للتنبيه على مذهب الكتاب واختلاف التأويل عليه فقط. وقوله في آخر باب في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله ونوى مسجداً: "وقال الليث مثله" (¬1)، ثبتت في كتاب ابن عيسى. وكتب عليه في كتاب ابن المرابط: سقط للدباغ وللإِبَّياني. وفي مسألة (¬2) الحالف بالحج من حيث يحرم، قوله: "فهذا يدلك/ [خ 122] في الحج أنه من حيث حنث"، كذا في الأصول. قال سحنون: معناه من حيث حلف، وكذا في رواية ابن الطلاع: من حيث حلف (¬3). وعروة بن أُذَيْنة (¬4) بضم الهمزة، تصغير أذن. ابن مهدي عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد، كذا عند ابن عيسى. وعنده أيضاً: ابن وهب (¬5)، وهي رواية ابن عتاب لا غير. والقهقرى (¬6)، بفتح القافين وبالراء مقصور: مشي الرجل إلى خلف. ¬
وليس لله حاجة بِخَفاك (¬1)، مقصور، وقع في المدونة ممدود (¬2). وعامُ قابلٍ (¬3)، على الإضافة. ومسألة (¬4) الذي يحلف بالسير والذهاب والانطلاق والركوب، قال: لا شيء عليه إلا أن ينوي الحج أو العمرة. ثم قال في الركوب بعد ذلك (¬5): "أرى ذلك عليه"، يريد: نواه أو لم ينوه. سحنون (¬6): وقد كان يَختلِف في هذا القول، كذا ضبطناه بفتح الياء وكسر اللام، راجع إلى ابن القاسم. وقد وقع مبينا في بعض النسخ: وقد كان ابن القاسم يختلف قوله (¬7). ثم ذكر قول أشهب وأنه اختلف فيما اختلف فيه قول ابن القاسم (¬8). فاختصرها حمديس على أن قوله اختلف في جميع الألفاظ (¬9). وعليه تأولها ابن لبابة. وقد حكى القولين عنه ابن حارث. وقد روى سحنون ومحمد بن رشيد (¬10) عنه مثل قول أشهب إلزام جميعها. وبيان ذلك في ¬
المدونة أيضاً من مسألة: أنا أضرب بمالي رتاج الكعبة وإلزامِه الحج أو العمرة (¬1) ولم يشترط في ذلك نية، فإنها لا فرق بينها وبين قوله: أسير إليها (¬2) وأذهب (¬3). وحمل المسألة سائر المختصرين (¬4) على أن الخلاف في الركوب وحده. وترجح أبو عمران في تأويلها (¬5). وقول يحيى بن سعيد (¬6) في الحالفة على جارية ابنها لتحملنها إلى بيت الله: "تحج وتحج بها وتذبح ذِبحاً"، هو خلاف لقول مالك. وحكى ابن حبيب نحوه عن مالك أيضاً. وفي موطأ ابن وهب عنه خلافه. قيل لعله لم تكن لها نية في إحجاجها ولا حملها فاحتاط له في الوجهين. وقوله: "تذبح له ذِبحاً" - بكسر الذال - هو الشاة المذبوحة، قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} (¬7). والذَّبح اسم الفعل. وقد اختلف (¬8) في تأويل قوله في مسألة (¬9): أنا أحمل فلاناً إلى بيت الله، ولم ينو تعب نفسه إنه يحج راكباً ويحج بالرجل معه، فقيل: ¬
معناه نوى حج نفسه، ولو لم تكن له في ذلك نية لم يلزمه، وقيل: سواء نوى أو لم ينو. وقوله بعد (¬1): "وأنا أحج بفلان أوجب من قوله: أنا أحمل فلاناً"، يدل على أنه إن لم تكن له نية في حج نفسه لاستوى اللفظان، وكذلك قال القابسي (¬2): أوجب في لزوم الحج في نفسه. وعبد الكريم الجزري (¬3)، بفتح الجيم والزاي، منسوب إلى الجزيرة. وخِلاس بن عمرو (¬4)، بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام، هذا هو الصواب، وهي روايتنا عن ابن عتاب. وكان في كتاب القاضي بالحاء المهملة. وبالمعجمة ذكره البخاري (¬5) وغيره. وقوله: يَزْحَف (¬6) بالشاة كَرْهاً، كذا ضبطناه بفتح الياء والحاء وهو صحيح. ومعنى ذلك أي يضعف أمر الشاة ويكره الاجتزاء به (¬7) ويرى أن جوازها إنما يكون آخر ما يقدر عليه؛ يقال: زحف البعير وأزحف إذا أَعْيَى فَجَرَّ رَسَنَه (¬8) كأنه بلغ/ [خ 123] غاية قدرته على المشي، وأزحف الرجل إذا ¬
انتهى إلى غاية ما يطلب وكل مُعْيٍ زاحف (¬1). وقوله (¬2): "بئس ما جزيتيها" (¬3)، كذا الرواية بإثبات الياء، وهي لغة لبعض العرب. ومثله قول أبي بكر لعائشة: لو كنت جزيتيه. والأكثر في كلام العرب في مثله حذف الياء والاقتصار على علامة المؤنث بكسر تاء الخطاب (¬4). ومُهَراق (¬5) الدماء بضم الميم وفتح الهاء (¬6). والخزانة (¬7)، بكسر الخاء، وأراد أمانة الكعبة. وقوله فيمن جعل ماله في طيب الكعبة: يدفع إلى خزنتها (¬8)، هذا يدل على جواز تطييبها وتطييب المساجد وتجميرها إذ لو لم يكن طاعة لما ألزمه أن يفي فيه بنذره. وقد فعل هذا في الصدر الأول واستمر عمل المسلمين على ذلك وعمل الخلوف فيها. والأصل في ذلك تطييب النبي - صلى الله عليه وسلم - موضع النخامة في مسجده (¬9). وقول مالك: "الصدقة أحب إليه مما يجمر به ¬
المسجد" ليس على تضعيفه وكراهيته لكن لترتيب فضل أعمال البر بعضها على بعض في الأجر. وكل اسم في هذه الكتب سلاَّم (¬1) أو ابن سلاَّم مشدد اللام إلا عبد الله بن سلاَم الحَبر (¬2) فهو بتخفيف اللام. ومِسعر بن كِدام (¬3)، بكسر الميم والكاف وتخفيف الدال المهملة. وانظر في الكتاب جواز إخراج القيمة عن العروض إذا جعلها هدياً كان في يمين أو غيره، وهو قوله كله عند مالك سواء حلف أم لا؛ قال (¬4): "هو سواء، إذا حلف فحنث أخرج ثمن ذلك كله فبعث به فاشترى به هدياً" وكذلك قال في كتاب الحج (¬5). فقوله: أخرج، ظاهره أنه من عنده، وقد قال في موضع آخر (¬6): "يبيعه ويبعث ثمنه" ولم يفرق ما كان (¬7) بيمين أو غيره. وكل هذا يخالف ما ذكره بعض الشيوخ (¬8) من الفرق بين ما كان بيمين أو غير ذلك، وإنما استويا هنا وفارقَا ما أخرج صدقة لأنه معلوم أنه هنا لم يقصد هدي الشيء بعينه؛ إذ ليس مما يهدى، وانما أراد عوضه، فسواء باعه أو أخرج من عنده. وقد ذكر ابن المواز في الذي يخرج ثوبه هدياً ثم يريد إمساكه وإخراج قيمته قولين عن مالك. والعَوَّام بن حَوْشَب (¬9)، بفتح الحاء والشين المعجمة. ¬
والسَكْسَكي (¬1)، بفتح السينين المهملتين وسكون الكاف. وحكى عبد الحق فيه الكسر في السينين ولا أعرفه. وسكسك قبيل من اليمن (¬2). وغَيلان بن جَرير (¬3)، بفتح الغين المعجمة، وأبوه بفتح الجيم. وأبو بُردة (¬4) عن أبي موسى الأشعري - وهو ابنه - بضم الباء وسكون الراء. وبعدها دال. وقوله (¬5) في الحديث: "إلا أتيت الذي هو خير منها وكفرت يميني" (¬6)، هنا تم الجواب (¬7) عند الرواة. وعند ابن وضاح وأحمد بن أبي سليمان ويحيى بن عمر (¬8) بعده: "أو كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير". قال في كتاب ابن عتاب: صح عند ابن وضاح وخط عليه في كتابه. وفي الحديث الآخر: "فليكفر عن يمينه وليفعل" (¬9)، هنا تم الحديث ¬
عند جميعهم. وزاد في رواية الإِبَّيَاني (¬1): "الذي هو خير". وفي حديث ابن عمر (¬2): "ربما حنث ثم كفر، وربما قدم الكفارة" (¬3)، كذا لهم. وعند الأصيلي: ربما حلف/ [خ 124]، والأول أصوب. وأبو حَصين (¬4)، بفتح الحاء. تقدم (¬5). وقوله (¬6) في الذي حلف على الشك: إنه إن كان كما حلف بر، معناه: وافق البر لا أَنَّ (¬7) الإثم ساقط عنه. وهذا قول غير واحد من الشيوخ، لكن ليس إثم الحالف على الشك كإثم الحالف على تعمد الغموس. وليس وجود ما حلف عليه بعد الشك كما حلف بالذي يزيل عنه إثم الجرأة لا في التعمد ولا في الشك. وكأن بعضهم (¬8) فهم من معنى قول ابن القاسم سقوط الإثم، ولا يصح إلا على ما قلناه. وأشار بعضهم إلى أنه مثل ما وقع له في "العتبية" (¬9) و"الواضحة" في القائل: امرأته طالق إن لم تمطر السماء غداً، فغفل حتى أمطرت في الوقت الذي حلف عليه أنها لا تطلق. وهذا باب غير الأول؛ فإن مسألة الإثم بالجرأة على يمين الغموس متعلق باليمين بالله، ومسألة اليمين بالطلاق على الغيب لا تعلق له بالإثم، ¬
وإنما هو من باب تعليق الطلاق بشرط عند من يرى ذلك في كل شيء. وهو مذهب المخالف، وإليه تجنح هذه الرواية في هذه المسألة، وعلى مذهبه في "المدونة" وغيرها أنها تطلق عليه على كل حال للزوم الطلاق له بأول قوله وحلفه على ما لا يتحققه، وكان فيه شبهة من باب طلاق الهازل أيضاً. ومعنى قوله (¬1): "لعمر الله"، أي بقاء الله والعَمر والعُمر - بالفتح والضم -: الحياة والبقاء إلا أنه إذا استعمل في القسم لم يكن فيه غير الفح. وقول محمد: هو (¬2) بمنزلة: وحق الله، يريد في لزوم الكفارة فيه (¬3)، لا في المعنى، ولم يعجبه (¬4) الحلف به. وقد خرج بعض الشيوخ (¬5) من قول محمد هذا ومن كراهيته (¬6) أيضاً الحلف بأمانه (¬7) وروايةِ علي (¬8) في مسألة الحلف بالقرآن وألفاظ وقعت لهم في هذا الباب الاختلافَ في الأيمان بالصفات، ولم يختلف في الأيمان بالأسماء ولا في أن اللازم فيها إذا جمعت في يمين بالواو أو بغير الواو ¬
كفارة واحدة كقوله: والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، أو: والله والذي (¬1) لا إله إلا هو والسميع والعليم. ومعنى قوله (¬2) في الكتاب فيمن قال: والعزيز والسميع والعليم، هذه الأسماء وما أشبهها في كل واحدة منها يمين أي إنها أيمان لا تفترق بعضها من بعض في أن تلزم الكفارة في بعضها دون بعض، ولم يرد أنها إذا جمعت كفر عن كل اسم (¬3) منها، لأنها راجعة لشيء واحد على مذهب أهل الحق في أن الاسم هو المسمى، أو يدل على شيء واحد على مذهب غيرهم. فلا فرق بين قول مالك هذا وبين قولك: والله والله والله، أو والسميع والسميع والسميع. واختلف في جمع الصفات في يمين واحدة فقيل (¬4): ظاهر "المدونة" أن في كل واحدة منها كفارة فرقت أو جمعت، وإن كان لفظه في الكتاب في ذلك على مساق لفظه في الأسماء (¬5)، وفرقوا بينها لافتراق معانيها. وفي كتاب ابن حبيب (¬6) أن فيها إذا جمعت كفارة واحدة. وفرق متأخرو الأشياخ (¬7) بين ما يرجع منها إلى معنى واحد فيكون/ [خ 125] فيه كفارة واحدة، وأما ما اختلفت معانيه فيكون في كل مختلف منها كفارة. وهذا يحتاج إلى تدقيق وتحقيق (¬8). وذهب بعضهم إلى أن الخلاف فيها مبني على الخلاف في جواز القول فيها بالاختلاف أو بالتغاير أم لا. ¬
وقد أبى جمهور المشايخ (¬1) أن يقال إنها غير الذات ولا خلافها ولا هي هي. وأجاز القاضي أبو بكر (¬2) وغيره إطلاق المخالفة وأبى من المغايرة. ولم ينكر الجويني (¬3) المغايرة بين كل شيئين كل النكير وقال: لا يقطع على تخطئة من قال ذلك، وأبى إطلاقه في الذات والصفات. وإذا رد الكلام إلى حد الغيرين على مذهب أئمتنا - وهو ما جازت بينهما المفارقة (¬4) - امتنع إطلاق هذا في الصفات والذات. ويلزم على من رتب الكفارة على ترتيب الصفات أن يرتب الكفارات في الأسماء على ذلك، فقد اختلف فيها أيضاً: فذهب جمهور المشايخ أنها كلها راجعة إلى شيء واحد وإن اختلفت معانيها. ومذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري (¬5) انقسام الكلام فيها؛ فمنه ما يقال هو هو، وذلك كل ما دل من الأسماء على الوجود، كالله على من لم يجعله (¬6) مشتقاً، وكقديمٍ وباقٍ ودائمٍ. ومنها ما يقال: إنها غيره، وهو كل ما دل الاسم علَى صفة فعل كالخالق والرازق. ومنه ما لا يقال فيه: لا هو هي، ولا هي غيره، وهو كل ما دل ¬
على صفة ذات كالعالم والقادر والسميع والعليم. قال القاضي: والحق عندي في ذلك أن مدرك العقل في الذات الوجود والإثبات بما يجب لها من الصفات ويستحيل عليها، وما وراء ذلك من تكييف وتوهيم فالعقل معزول عنه وممنوع منه كما قال بعض مشايخنا: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معراة من الصفات. وكما قيل: ما تخيلته بوهمك فهو محدث مثلك. كذلك حد العقل إثبات الصفات، ثم هو معزول عما بعد ذلك كعزله عما بعد الإثبات للذات. وهذا عندي هو حقيقة التوحيد والتنزيه ومعنى قول السلف والمشايخ: لا يقال هو هي ولا هي غيره، وقوفاً (¬1) عن الكلام فيه لما ذكرناه. وإن هذه لنكتة حري الاغتباط بها وأن تجري الكفارات في الصفات والأسماء مجرى واحداً ولا تتكرر بتكرر الألفاظ والتسميات المعبرة عن الذات والصفات، على ما ذهب إليه ابن حبيب (¬2) في الصفات وابن المواز (¬3) في الأسماء، وهو معنى ما في "المدونة" عندي (¬4) واللفظ فيهما واحد فيها (¬5) جار على التسوية. ولا وجه يبين للفرق (¬6) بين (¬7) اليمين بالأسماء والصفات راجعة كلها إلى الحلف بالله الواحد المنفرد بأسمائه وصفاته الذي لا يجوز عليه الانقسام ولا التجزي (¬8)، كما أنه واجب أن يتأول أن الحلف بصفات ¬
الذات وأسماء الصفات كلها أيمان. وما وقع من خلاف في بعضها مما أشرنا إليه إنما هو فيما يحتمل أن يرفع (¬1) إلى الأفعال وما خلقه الله وجعله لعباده من رزق وأمانة وعزة. وقد بين ذلك أشهب (¬2) في قوله: في العزة والأمانة وأجاد. ومسألة الحالف بالقرآن والمصحف والخلاف/ [خ 126] في ذلك راجع في التأويل إلى فعل العباد من القراءة كما قال (¬3): يُقَطَّعُ الليل تسبيحا وقرآنا أو إلى جرم المصحف وأوراقه (¬4). وقوله (¬5): أعزم ليست بيمين، وإن قال أعزم عليك بالله هو بمنزلة أسألك بالله؛ لا كفارة في ذلك. وقال في الإيلاء (¬6): إن قال أعزم وأعزم على نفسي، فإن نوى بالله فهي يمين. هكذا اختصره المختصرون (¬7). فافهم الفرق بيْن "عليك"، و"على نفسي"، فإن قوله: على نفسي، وقعت موقع ¬
اليمين. وعلى غيره (¬1) بمعنى الإرادة والرغبة. قال بعضهم: ولو قال: عزمت عليك بالله كانت يميناً مثل: حلفت، إلا أن يريد اليمين. قال القاضي: وكذلك قوله: أعزم عليك بالله، لو أراد بذلك اعتقاد اليمين وإلزامها نفسه كانت يمينا. ولفظ "المدونة" في كتاب الإيلاء محتمل لما تأوله المختصرون ولغير ذلك، ونص ما فيه (¬2): "قلت: أرأيت إن قال: أعزم، ولم يقل: بالله، أو قال: أعزم على نفسي، ولم يقل: بالله، إن قربتك؟ قال: قال لي مالك في: أقسم: إن لم يقل بالله ما أخبرتك"، يريد قوله قبل: إن لم يقل بالله ولم يرد بالله فليس بمولى (¬3). وإن كان أراد: أقسم بالله، فهو مول. قال: فقوله عندي: أعزم مثل قوله: أقسم. فظاهره (¬4) ما اختصرها عليه المختصرون، ولكن في "أعزم" هذه الزيادة في المسألة؛ قوله إن قربتك، فإنه ها هنا عاقد يميناً على نفسه ألا يقربها؛ قال: على نفسي أو لم يقله، إذ هو المراد، بخلاف قوله: عليك، سواء ذكر الله أو لم يذكره؛ إذ المراد التأكيد والرغبة، إلا أن ينوي بذلك عقد اليمين. وقد يحتمل أن يشبهها بأُقسم في الوجه الذي ذكره في السؤال إذا لم يقل: بالله، ولم يرده لا في إرادته بالله ولم ينطق به، لأن أقسم، وأحلف، وأشهد، من ألفاظ صريح القسم، فيصح (¬5) معها نية القسم بالله. وأعزم ليست من هذا، فلا تكون يميناً حتى يذكر معها اسم الله وينوي بها اليمين. وهذا كله يبين خطأ من أشار إلى أن ما في كتاب الإيلاء خلاف ما هنا. ¬
ابن مهدي (¬1) عن عبد الواحد بن زياد (¬2) عن عُبَيد المُكْتِب (¬3): سألت إبراهيم النخعي عن رجل قال: الحلال علي حرام، كذا عند ابن عتاب وأكثر النسخ. وعند ابن عيسى: ابن مهدي عن عبد الرحمن بن زياد. قال البخاري: عبد الواحد بن زياد العبدي، سمع منه عبد الرحمن بن مهدي (¬4). وكذا جاء بعد هذا في باب الرجل يحلف على الشيء الواحد (¬5): ابن مهدي عن عبد الواحد بن زياد، وهو الصواب. وعُبيد، بضم العين. والمُكْتِب، بضم الميم وسكون الكاف وكسر التاء. وقد قيل بفتح الكاف، وهو الذي يعلم الصبيان الكتابة. وقوله (¬6): "رغم أنفي لله"، رويناه بسكون الغين وضم الميم على الإسم، وبضم الغين وفتحها على الفعل (¬7). قال عبد الملك (¬8): إنما كرهه مالك أن يجريه الرجل على لسانه ويستعمله في كلامه، كما كره أن يقول (¬9): لا والذي خاتمه على فمي، ولست أرى ذلك ولا أكرهه تأسياً ¬
بعمر بن عبد العزيز، وما أحسن القول به لأنه من الخشوع. وظاهر "المدونة" أنه إنما لم يعجبه الحلف بمثل ذلك، ألا تراه كيف/ [خ 127] قال بأثره (¬1): "ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". ابن وهب (¬2) عن سفيان عن مسعر بن كِدام عن وَبَرَة (¬3) - بفتح الواو والباء - أن عبد الله بن مسعود (¬4)، كذا عند ابن عتاب. وعند ابن عيسى: عن مسعر بن كدام عن همام بن الحارث (¬5) أن عبد الله بن مسعود، وكذا عند ابن المرابط. وفي نسخة: مسعر بن همام عن وبرة أن عبد الله. قال ابن وضاح: عند غير سحنون: مسعر عن وبرة عن همام أن عبد الله (¬6)، وأصلحه ابن وضاح على رواية سحنون أن عبد الله بن مسعود. وفي طرة ابن عتاب: قال ابن وضاح: كما في الكتاب، يعني الرواية الأولى عند سحنون. وعند غيره: عن مسعر بن كدام عن وبرة عن همام. وفي بعض النسخ الصحيحة: عن مسعر عن همام. وكان مثله مخرجا عند ابن عيسى. ومُحِل الطائي (¬7)، بضم الميم وكسر الحاء، كذا ضبطناه في "الأم" ¬
عن (¬1) ابن عتاب، وكذا ضبطناه في غيرها عن القاضي الشهيد أبي علي والشيخ أبي بحر (¬2) وغيرهما من شيوخنا المتقنين (¬3)، وضبطناه عن القاضي أبي عبد الله هنا وفي غير هذا الكتاب بفتح الحاء وكسرها معاً. وشِمْر بن نُميْر (¬4)، بكسر الشين وسكون الميم وضم النون. وثور بن زيد الدؤلي (¬5) - ويقال الديلي - الواو والياء ساكنان. ومصعب بن عبد الله الكناني (¬6)، بكسر الكاف بعدها نون مفتوحة. وعمر بن الوليد بن عبْدة (¬7)، بسكون الباء (¬8) كذا لابن وضاح: عمر، بضم العين. ولغيره: عمرو، بفتحها. وفي باب عمرو ذكره البخاري (¬9). ¬
وعمر بن الوليد، آخر يقال له الشني (¬1)، وليس في نسبه ابن عبدة. وقال في مسألة الحالف (¬2) ولم يوقت أجلاً: إنما هو على حنث من يوم يحلف، كذا هو الصحيح والجاري على أصل مذهبه، وكذا عند ابن عتاب. وقع عند ابن عيسى: من يوم يحنث، ومعناه يوم يحلف (¬3). وفي حديث الحسن (¬4) في الذي حلف على يمين واحدة في شيء من مقاصد شتى: ابن مهدي عن همام، هذه رواية ابن القزاز (¬5)، وكذا في أصل ابن عيسى، وخرج: عن هشام لابن وضاح. وهو الذي عند ابن عتاب (¬6)، وهي رواية يحيى وأحمد بن داود. والروايتان ثابتة (¬7) في أكثر النسخ. قال بعضهم: همام وهشام جميعاً من أصحاب قتادة. قال القاضي: وليس همام هذا بابن منبه (¬8)، ذلك قديم ليس يروي عنه ابن وهب ولا أدركه، وهمام راوية قتادة هو همام بن يحيى بن دينار (¬9). وهشام هذا قيل هو هشام بن حسان القردوسي (¬10). ¬
ومسألة من كرر اليمين بالله على شيء واحد، وأراد بالثانية غير الأولى، اختلف (¬1) مذاهب المتأخرين والمختصرين في نقل هذا اللفظ وتأويله؛ فذهب أكثرهم (¬2) أنه لا تلزمه الثانية حتى ينوي بها أنها كالنذور عليه، واتبعوا لفظه في الكتاب (¬3) في غير موضع في قوله (¬4): أرأيت إن نوى بالثانية غير الأولى وبالثالثة غير الأولى والثانية، "أعليه ثلاثة أيمان؟ قال: لا يكون ذلك أبداً إلا يميناً (¬5) واحدة، إلا أن يريد بها محمل النذور وثلاثة/ [خ 128] أيمان تكون عليه فيكون كما وصفت". وقد اختلفت روايات "المدونة" في هذا الحرف؛ فما (¬6) ذكرناه هي (¬7) رواية شيخنا فيها. وفي بعض النسخ: أو ثلاثة أيمان. وفي بعضها (¬8): "محمل النذور ثلاثة أيمان" (¬9)، وظاهره نحو ما ذهبوا إليه. وذهب أبو عمران إلى أنه إنما يصح هذا إذا أراد بقوله هذا وبنيته تكرار اللفظ خاصة دون اليمين، فيصح الجواب عن السؤال، وإلا فيمكن (¬10) (أن يكون) (¬11) ابن القاسم ترك الجواب عن السؤال وأجابه على جملة الأصل، كأنه قال له: الأصل في مسألتك أن التكرار لا يكون إلا يميناً، إلا أن تريد به النذور ¬
أو ثلاثة أيمان، فينوي بالأولى غير الثانية. ويعضد هذا رواية من روى: أو قال (¬1). وقوله (¬2) في المسألة الأخرى قبل (¬3) هذه فيها تقديم وتأخير، وهو قوله: "قلت وإن نوى يمينين أو لم تكن له نيته؟ قال: إذا لم تكن له نية فهي يمين واحدة، وإن كان نوى يمينين فكفارتان مثل ما ينذرهما لله عليه"، قال: وصواب الكلام: وإن كان نوى يمينين مثلما ينذرهما لله فكفارتان. وإلى هذا ذهب اللخمي فاختصر المسألة: وإن قال: والله والله لا فعلت كذا، كانت يميناً واحدة، وإن نوى يمينين فكفارتان. ويعضد صحة تأويلهم هذا قول محمد بن عبد الحكم (¬4): إذا قال: والله ثم الله ووالله إن عليه ثلاث كفارات، لأنه رأى أن إدخال حرف العطف يمين أخرى لا للتكرار. ويعضد صحة تأويل الآخر ما وقع له في كتاب الأيمان بالطلاق لتفريقه بين تكرار الطلاق إذا أراد به غير الأول أو أسجله وبين تكرار اليمين بالله، وفيه أيضاً احتمال. وأبين منه قوله في كتاب الظهار (¬5): "إذا كرره ينوي به الظهار (ثلاث مرات لا تكون عليه إلا كفارة واحدة، إلا أن ينوي ثلاث كفارات مثل ما يحلف بالله) (¬6) ثلاثاً وينوي ثلاث كفارات". وفي كتاب محمد (¬7): إذا قال: والله ثم والله، أو: والله ووالله (¬8)، إن فيها كفارة واحدة. وما وقع لابن القاسم في "المبسوطة" (¬9) في الذي يحلف بالله ¬
على شيء فقيل له: إنك تحنث، فقال: والله لا أحنث، ليس عليه إلا كفارة واحدة، لأن الكلام في ذلك في معنى واحد. وقوله هذا خلاف قول مالك فيها: إن عليه كفارتان (¬1). وهذا أولى، لأن مقصد اليمين الأولى على فعل شيء والثانية على فعل غيره وهو الحنث. فتأمله فهو بين، فقد خرج من هذا أن مذهب ابن عبد الحكم نحو ما أشار إليه أبو عمران واللخمي ومن وافقهما. ومذهب ابن القاسم مذهب الجمهور، وهو نص ما ذكرناه لمالك في كتاب محمد. وقول ربيعة: الدهر سنة، والزمان سنة، والحين سنة (¬2)، ثبت "الدهر" عند ابن عتاب، وعليه اختصره أكثر المختصرين من قول ربيعة. وسقط عند ابن عيسى (¬3)، وصح ليحيى، وثبت "الحين" من قوله لابن وضاح عند ابن عتاب، وسقط لغيره (¬4)، وسقط لابن وضاح عند ابن المرابط. ومعنى قول ربيعة هذا وقول مالك في الدهر فيمن قال: لا أكلمك دهراً، أو إلى دهر. فأما إن قال: إن كلمتك الدهر فقيل: معناه ما عاش، ولهذا شك مالك في رواية ابن وهب في الدهر أن يكون سنة (¬5). وفي رواية مطرف (¬6) عنه: الدهر أكثر من السنة. وحديث مجاهد (¬7) في آخر/ [خ 129] باب كفارة العبد، أوله: ابن مهدي عن سفيان الثوري، كذا لابن وضاح. ولغيره: ابن وهب عن سفيان الثوري. ¬
وحديث ابن مهدي (¬1) عن حماد آخر الباب، سقط لغير ابن وضاح (¬2). وقوله (¬3): "إذا كانت مَعْلوثة" بثاء مثلثة، ويقال بالغين المعجمة وبالعين المهملة معاً، أي ذات زبل (¬4). والخبز القَفَار (¬5)، بتقديم القاف وفتحها وتخفيف الفاء: الذي لا إدام معه (¬6). وفي الباب: ابن مهدي (¬7) عن حماد (¬8) عن أيوب (¬9) عن أبي مرثد (¬10) المدني، كذا (¬11) السند عندهم في أكثر النسخ. وسقط "أيوب" عند إبراهيم بن باز. وأبو مرثد المدني عن ابن عباس، كذا في أصل ابن عيسى بالراء المهملة الساكنة والثاء المثلثة مفتوحة (¬12). وعنده في الحاشية: مزيد، بالزاي والياء باثنتين تحتها. وعند ابن عتاب (¬13): عن أبي يزيد، وكذا لإبراهيم في كتاب ابن المرابط. قال الأصيلي: وهو الصواب. وقال ابن وضاح: أبو مرثد ¬
بالثاء - يعني المثلثة - ليس بمدني، وقال البخاري (¬1): أبو يزيد المدني سمع ابن عمر. قال القاضي: ولا أعلم أبا مرثد في الرواة إلا كناز بن حصين (¬2)، حليف حمزة بن عبد المطلب (¬3)، يعد (¬4) - هو وابنه مرثد (¬5) - في الصحابة، وأبو (¬6) مرثد آخر، لا يعرف اسمه. عن مجاهد (¬7). وابن مهدي عن محمد بن عبيد (¬8) عن يعقوب بن قيس (¬9) عن الشعبي في كفارة المتظاهر، كذا في أصل ابن عيسى. وعند ابن عتاب: عن محمد بن عبد الله، وكذا عند ابن المرابط لإبراهيم (¬10): وفي كتاب ابن سهل: عن عبيد لابن وضاح. وهو الصواب، وهو الطنافسي. والآثار في باب الصيام (¬11) في كفارة اليمين لابن مهدي جميعها لابن وضاح. ولابن وهب جميعها لابن باز، إلا حديث مالك فليس في كتاب ابن عتاب فيه اسم مالك. وعند ابن عيسى: ابن وهب عن مالك. وقول طاوس في صيام الكفارة (¬12): "يفرق، فقال له مجاهد: في ¬
قراءة ابن مسعود متتابعات؟ قال: فهي متتابعات"، حجة بالقراءة المتلقاة من خبر الواحد، وهي مسألة اختلف فيها الأصوليون هل تقوم بها حجة كما تقوم بخبر الواحد عن السنة والقول عن النبي، إذا لكل متلقى عنه ويلزم العمل بمقتضاها أم لا تقوم لإسناد ذلك إلى القرآن؟ وهو لا يثبت قرآناً بخبر الواحد، فلما ثبت (¬1) قرآناً لم يثبت حكماً. وإلى هذا ذهب المحققون مع إجماع الكل على أن التلاوة لا تجوز به. وقوله (¬2): والأعجمي الذي قد أجاب عندي كذلك، قال سحنون. قوله: قد أجاب، سحنون أدخلها. وكذلك هو مبين في غير (¬3) "المدونة". ونبه بعضهم على قوله (¬4): "إذا أذن السيد لعبده فأطعم أو كسا في الكفارة ما هو عندي بالبين، وفي قلبي منه شيء والصيام أحب إلي" أنه مثل القول الذي حكاه عنه أشهب (¬5)، إذا كفر عنه بغير أمره أو بأمره أنه لا يجزئ، خلاف قوله بالتفرقة وقولِ ابن القاسم في الاجتزاء بهما معاً (¬6)، أو يكون على ما علل به إسماعيل القاضي (¬7) وابن الماجشون (¬8) وغيرهما أن ملك السيد لم ينتقل عن ذلك إلا بخروجه إلى من يستحقه من المساكين؛ إذ له انتزاعه من يد عبده، فلم يصح له ملك ثان (¬9) عليه. ¬
وعطاء بن يسار (¬1) بفتح الياء، تقدم (¬2). عن معاوية بن الحَكَم (¬3) أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا لابن/ [خ 130] وضاح. وفي الأصل (¬4): عمر بن الحكم. ولا أعرف عمر بن الحكم في الصحابة، وأما معاوية بن الحكم ففيهم (¬5). وقوله: "إذا أعتق رقبة ولم ينو بها عن أيمانه كلها" (¬6)، إلى آخر المسألة، قال: يجزئه، كذا عند القاضي أبي عبد الله. وعند الفقيه أبي محمد: ولم ينو عن أي أيمانه يعتقها، وقال: كذا لابن وضاح، والأول لابن باز. والوجهان صحيحان؛ متى لم يشرك فيها جميع الأيمان كان لم يعين لها يمينا أجزت، وإنما لا تجزئ إذا شرك (¬7) فيها. وكذا نص الكتاب هنا. وفي الظهار: إذا لم يعين في العتق والإطعام والكسوة، ولو شرك في الإطعام والكسوة في كل مسكين لم يُجزه شيء منها، ولا يبني (¬8) على شيء إلا أن يطعم الثلاثين مسكيناً ثلثي (¬9) مد كل واحد منهم، فيَتم له به وبما أخذ قبلُ مدا (¬10) لكل مسكين فيجزيه عن ثلاثة أيمانه. وأما لو شرك ¬
في كل كفارة من الإطعام والكسوة ولم يشرك في كل مسكين فإنه يتم على ما يقع لكل يمين (¬1) من الطعام إذا أراد أن يطعم تمام الكفارة، أو من الكسوة إن أراد أن يكسو. وإلى هذا ذهب فضل (¬2) وهو الصواب والحق، خلاف ما ذهب إليه محمد بن المواز (¬3) من أنه لا يعتد إلا بما يقع ليمين واحدة من ذلك ولا وجه لهذا. وقد اعترضه جماعة الشيوخ وصوبوا ما أشرنا إليه، وهو أفضل (¬4) كما أعلمتك. وقوله: "ولا يعطى من الكفارة في عتق رقبة"، معناه لا يعان فيها بذلك (¬5)، وأما اشتراؤها كلها لتعتق عن الكفارة فيجزئ. وقوله آخر مسألة الذي أخذ الكتاب قبل أن يصل إلى المحلوف عليه: "لا أرى عليه حنثاً، وهو آخر قوله" (¬6) هذا اللفظ راجع إلى مسألة الحنث بالكتاب وهل ينوى أم لا؟ وأما إذا أخذه قبل وصوله فلا يختلف فيه. وقوله (¬7) في الذي يحلف ألا يلبس ثوباً فأداره عليه فرآه لبساً وحنثه. ¬
قال بعضهم: لم يجعل هذا لبساً في كتاب الحج (¬1)، ونحا إلى معارضتها بذلك. قال القاضي: المسألتان مفترقتان؛ لأن الحالف على اللبس قد فعل ما يسمى لبسا فحنث، ولبس الحج المنهي عنه في المخيط ليس هو هذا، وإنما هو اللبس المعتاد له. وأما إن لبس غير المخيط لم يضره؛ إذ ليس النهي لعلة الخياطة، بل لعلة الترفه. ولو كان الإزار أو الرداء أو الملحفة برقع مخيطة فيه (¬2) أو ألفاقاً (¬3) ما ضر الحاج لبس ذلك ولا اختلف فيه. ومسألة (¬4) الذي حلف ما يملك إلا ثوبه وله ثوبان مرهونان، قال: إن كان الثوب كفاف ديْنه (¬5) فلا حنث عليه إن كانت تلك نيته، مثل أن يقول: ما أملك أي ما أقدر إلا على ثوبَي هذين (¬6). كذا في نسخة ابن عيسى. وعند ابن عتاب وابن المرابط: ما أقدر على غير ثوبي هذا. وعلى هذا اختصرها غير واحد (¬7). وفي بعض النسخ: أي ما أقدر على ثوبي، بإسقاط "إلا"، وعلى هذا اختصرها ابن أبي زمنين. والمعنى أيضاً يصح أي لا أقدر ¬
على افتكاكهما. وأصل هذا كله أنه أخرجهما (¬1) بالنية من العموم (¬2). ثم قال: "فإن لم تكن له نية أو كان (¬3) في الثوبين فضل رأيت أن يحنث"، كذا عند ابن الطلاع وهي رواية غيره أيضاً. وعند/ [خ 131] الإِبَّياني وابن عتاب: "وكان في الثوبين فضل". وبحسب هاتين الروايتين والخلاف فيها (¬4) ما (¬5) جاء الخلاف في المسألة بعدها؛ قال (¬6): "فإن لم تكن له نية وليس في الثوبين وفاء، فأرى أنه يحنث"، كذلك عند شيوخنا في "الأم"، وهي رواية الجمهور، وهذا موافق لرواية "أو" (¬7) في المسألة الأولى، وحنثه بمجرد عزم النية أو بمجرد وجود الفضل. وعلى هذا اختصرها غير واحد. وعند ابن المرابط: "فإني لا أراه حانثاً"، وهي رواية الدباغ. وهذا على رواية الواو؛ لأنه لا يحنث بمجرد عدم النية، وإنما يحنث بوجود الفضل. قال بعض الشيوخ (¬8): والصواب - على مراعاة المقاصد إذا عدمت النية - ألا يحنث، كان فيها (¬9) فضل أم لا؟ لأن مراد يمينه على ما يقدر على تسليمه، أو يحنث، كان فيه (¬10) فضل أم لا، على مراعاة الألفاظ، ¬
لكونهما (¬1) على ملكه (¬2). وقوله (¬3) في الحديث: "لم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال المتاع والخُرْثِيَّ" (¬4)، بضم الخاء المعجمة وسكون الراء، وبعدها تاء مكسورة مثلثة ثم ياء مشدد، وهو رديء المتاع. ووقع في هذا الحديث (¬5): يوم خيبر، كذا لإبراهيم وهو الصحيح. وعند ابن وضاح (¬6): يوم حنين. وفي "الموطأ" (¬7) لابن وضاح: يوم خيبر. ولغيره حنين بالعكس. والصواب: خيبر، كما تقدم (¬8). وقال في مسألة الحالف (¬9) أن لا يتكفل لفلان بكفالة فتكفل لوكيله، قال: إذا لم يعلم بذلك ولم يكن من سببه فلا حنث عليه. وقال في الذي ¬
حلف ألا يبيع سلعة لفلان فاشتراها منه له رجل: إن كان من سبب المحلوف عليه حنث. فظاهر الكتاب أنه متى كان من سببه لم يراع علم الحالف به. وهو (¬1) مفسر في كتاب ابن حبيب. ولابن القاسم في "المجموعة" مثله (¬2). وفي كتاب محمد (¬3) خلافه لمالك وأشهب (¬4). وإنما يحنث إذا علم الحالف أن المشتري من سبب المحلوف عليه. وذهب بعض الشيوخ (¬5) إلى أن ما في كتاب محمد وفاق للمدونة. والظاهر من الكتاب خلافه كما قلناه. ثم اختلف من هو الذي هو من سببه؟ فقال في الكتاب: "الصديق الملاطف أو من هو في عياله وناحيته"، ولم يجعل هذا ابن حبيب (¬6) من سببه إلا أن يكون يقوم بأمره، وإنما سببه عنده وكيله وأبوه وأخوه، ومثله من يلي أمره. وتفريقه (¬7) في مسألة الحالف ليضربن عبده أو لا يضربه، فأمر من ضربه: تنفعه نيته بتخصيص نفسه في ذلك. وقال فيمن حلف ألا يبيع سلعة كذا أو لا يشتريها (¬8)، فأمر من اشتراها له أو باعها: يحنث ولا تنفعه نيته عنده بتخصيص نفسه. ¬
ثم قال آخراً (¬1): "قلت: ولا تُدَيَّنُه (¬2) في شيء من هذا؟ قال: لا". هو راجع إلى مسألة البيع والشراء لا على مسألة الضرب. وفرف بعضهم بين المسألتين، بأن عُرْفَ كثير من السادات من يؤنس عبده بمثل هذا الكلام وينوي تولي ذلك بنفسه، وفي البيع والشراء المقصود فيه كراهة شرائه أو خروجه عن ملكه. وقال محمد: "إذا كانت نيته في الشراء والبيع ألا يليه بنفسه، لأنه غُبِن غير مرة فله نيته، وأما إن كره شراءه أصلاً حنث" (¬3)، وقاله أشهب، ولم ينوه ابن القاسم (¬4). وحمل اللخمي ما في كتاب محمد تفسيراً (¬5) للمدونة فنقل المسألة فقال: لم يُنَوَّه إلا أن يبين (¬6) لذلك وجهاً (¬7). وكأنه عنده لم ينوه/ [خ 132] في "المدونة"؛ إذ لم يوجه (¬8) وجها للنية والتخصيص سوى الدعوى لبعدها، إذ المفهوم من بيعها خروجها عن ملكه، ومن اشترائها دخولها في ملكه بأي وجه كان. وبنحوه عللها ابن المواز. ولو وجه وجهاً لا يبعد النية فيه نفعه كما بينه في كتاب محمد، لكن محمد قد قال: فإن ابن القاسم لم ينوه (¬9). وسوى في كتاب محمد بين المسألتين وجعل له نيته. ومثله في كتاب ابن القصار. قال غير واحد من الشيوخ: وهذا من الأيمان التي يقضى عليه بها. والدرهم البارُّ (¬10)، بتشديد الراء: الرديء القبيح الوجه، وهي كلمة ¬
فارسية، وكأنها مغيرة من بارَ الشيء، إذا كسد. وقوله في مسألة الحالف (¬1) أن لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه منه ففر: إنه حانث إلا أن ينوي ألا يفارقه مثل (¬2) ما يقول: لا أتركه إلا أن يفر مني. وفي كتاب محمد: إن الاستثناء بـ "إن" و"إلا أن" (¬3) لا (¬4) تنفع فيهما (¬5) النية. قال شيخنا أبو الوليد (¬6): ولا أعلم في ذلك خلافاً. ونبه بعضهم بهذه المسألة وبمسألة الذي حلف ليأكلن الطعام غداً فسرق أنه حانث (¬7) "إلا أن يكون نوى: إلا أن يسرق، أو: لا أجده"، فكأنه أشار إلى أنه خلاف لما في كتاب محمد. وقد نحا أبو عمران أن معنى: لا يفارق غريمه أنه يمين على الغريم، لأن ابن القاسم قال في كتاب محمد و"المستخرجة": إن حلف لا فارقتك، فهو بخلاف: لا تفارقني، فيحنث إن حلف عليه: لا فارقتني، ففر منه. ولا يحنث إن فر منه في قوله: لا فارقتك. وعلى هذا جعله عندي حانثاً إذا حبس عنه، ولو كان اليمين على نفسه لم يحنث على الأصل وكان كالمكره. وذهب غيره إلى أن مذهب ابن القاسم في الإكراه إنما ينفع ولا يحنث المكرَه إذا كانت يمينه على بر، فأما إذا كانت على حنث فلا تسقط اليمين بالإكراه. فقوله: لا فارقتك يخرج على هذا، ومعناه: لألزمنَّك. وكذلك: ¬
لآكلن الطعام، فلم يجعل الفرار ولا السرقة ولا الربط ولا الحبس إكراهاً، لأن يمينه كانت على حنث. قال القاضي: والذي عندي في معنى ما في الكتاب (¬1) أنه مفرق (¬2)؛ فقول محمد: لا تنفعه النية في "إن" و"إلا أن" يريد استدراكها بعد عقده ليمينه ونطقه بها وإن وصل نيته بيمينه، وإنما تنفعه هنا إذا نطق بها بلسانه. ومعنى مسألة "المدونة" أنه نوى هذه المحاشاة من أول ما ابتدأ يمينه، وعلى هذا يحمل أيضاً مسألة الحالف ألا يشتري ثوباً فاشتراه وشياً (¬3)، أو حلف ألا يدخل داراً ونوى شهراً أن له نيته في الفتيا (¬4). معناه أنه نوى ذلك من أول يمينه، وهو ظاهر من لفظه في "المدونة" وفي كتاب محمد. فإذا نوى هذا التخصيص أو هذا الاستثناء من أول يمينه - وعلى ذلك عقدها - نفعه على أي وجه كان إلا في القضاء فيما يبعد ولا يقتضيه اللفظ. وينفعه فيما بينه وبين الله وإن لم يحرك به لسانه. (ولم يذكر ابن المواز في هذا الوجه خلافاً. وفي كتاب ابن حبيب (¬5): لا ينفعه في مثل هذا حتى يحرك بها لسانه) (¬6). وإن كانت هذه النية إنما حدثت له، أو لُقنها عند آخر يمينه وبعد عقدها، لم ينفعه في "إن" و"إلا أن" حتى ينطق بها، ولا في تخصيص الوشي والشهر إلا أن ينطق بها على ما قدمناه. وحكى ابن المواز (¬7) الاختلاف في استثنائه بالنية بـ "إلا" كنيته: إلا وشياً؛ فقيل/ [خ 133]: ينفعه ¬
كمحاشاته زوجته في مسألة: الحلال عليه حرام، وهي رواية أشهب في "العتبية" أن نيته تجزئ، ومثله لابن حبيب (¬1) في الحالف بالحلال عليه حرام - ويستثنى في نفسه: إلا زوجته -. وقيل: لا ينفعه حتى يحرك بالاستثناء لسانه كسائر حروف الاستثناء، وهو المشهور من المذهب. وكذلك لا ينفعه الاستثناء من العدد باللفظ المجرد إلا أن يكون عقد يمينه على هذا كقوله: عليه الطلاق ثلاثاً إلا واحدة إن فعل كذا، فمتى لم يعقد اليمين على هذه النية والاستثناء لم ينفعه استثناءه وإن وصله بيمينه ونواه أثناءه. وأما الاستثناء بمشيئة الله أو غيره من عباده فلا بد فيها من اللفظ، كانت النية بها من أول عقد اليمين أو متصلاً بها، ولا ينفع فيها مجرد النية. هذا ما لا خلاف فيه إلا شيئاً خرجه اللخمي (¬2) إذا كانت نيته الاستثناء قبل اليمين على القول بأن اليمين ينعقد (¬3) بالنية. وقوله (¬4) في الذي حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر (¬5) فغاب فلان وله وكيل في ضيعته لم يوكله بقبض دينه فقضاه الحالف: إنه يخرجه من يمينه. ظاهره كان بالبلد سلطان أو لم يكن. وعلى الظاهر اختصرها بعضهم (¬6). واختصرها آخرون أنه لا يبر بدفعه إليه إلا عند عدم السلطان أو الوصول إليه. وقد حكى محمد (¬7) القولين جميعاً. وقوله (¬8) في الذي حلف: إن قبلته (¬9) امرأته فقبلته من خلفه - وهو لا ¬
يدري -: لا شيء عليه إن غلبته ولم يكن منه استرخاء. وكذلك (¬1): "إن ضاجعتك، فضاجعته وهو نائم لا شيء عليه. ولو قال: إن ضاجعتني أو قبلتني فهذا خلاف الأول". يريد لأنه إذا حلف على فعلها فكيفما قبلته أو ضاجعته فهو حانث، كان منه استرخاء أم لا. وإذا حلف على فعله هو فإنما يحنث إذا كان منه في ذلك ما حلف عليه باختياره ولم تغلبه على ذلك مثل أن يسترخي في مضاجعتها بعد انتباهه من نومه أو تقبيله على فمه، لأنه مضاجع ومقبل بذلك. وأما لو قبلته على غير فمه فلا شيء عليه كان منه استرخاء أم لا، لأنه غير مقبل لها. ¬
كتاب الضحايا
كتاب الضحايا الأُضحية - بضم الهمزة وتشديد الياء -، وإِضحية أيضاً - بكسر الهمزة - وجمعها أضاحيُّ، بتشديد الياء (¬1)، ويقال الضحية أيضاً، بفتح الضاد المشددة، وجمعها: ضحايا، ويقال أَضْحاة أيضاً، وجمعها أضاح وأضحى، سميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى، ووقت الضحى، وسمي الأضَحى من أجل الصلاة فيه ذلك الوقت، كما سمي يوم التشريق - على أحد التأويلين - أو لبروز الناس فيه عند شروق الشمس للصلاة، يقال: ضحى الرجل إذا برز للشمس، والشمس تسمى الضَّحاء، ممدود. أو من الأكل منها ذلك اليوم، يقال: تضحى القوم إذا تغدوا. وقد تشتق الأضحية من هذا المعنى. ويسمى يوم الأضحى لذبح الأضاحي فيه (¬2). والحَمِرَة (¬3) - بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وفتح الراء - البشمة (¬4). ¬
واستدل بعضهم (¬1) من قول ابن القاسم في الكتاب في الذي اشترى الأَضحية/ [خ 134] فلم يضح بها حتى مضت أيام النحر: قد أثم حين لم يضح بها (¬2)، على وجوب الأضحية، إذ تعلق الإثم لا يكون إلا في الواجبات، وهو الفرق بينها وبين ما ليس بواجب، وهو ظاهر قول ابن حبيب (¬3) أيضاً بتأثيم تاركها. وظاهر المذهب أنها ليست بواجبة وجوب الفرائض، ولكنها من السنن المؤكدة، وهو صريح قوله في الكتاب (¬4): "لا أحب لمن يقدر عليها أن يتركها". وتأول بعضهم (¬5) أن تأثيمه في المسألة قبل على تعيينها للطاعة ثم خُلفه ما عاهد الله عليه في ذلك بتركه وإبطال عمله فيها، ومن ابتدأ عمل نافلة لزمه تمامها، فإن أفسده وقطعه أثم. فلا تنافر بين قول ابن القاسم في الكتاب بتأثيم هذا وبين قول مالك: أحب إلي. وقوله (¬6) في الذي أراد ذبح أضحيته فاضطربت فانكسر رجلها أو أصاب (¬7) السكين عينها: إنها لا تجزئ، ظاهر بين أنها لا تتعين بالنية والقصد والتسمية إلا بتمام ذكاتها، إذ ليس في التعيين أوضح من إضجاعها للذبح، خلاف ما ذهب إليه البغداديون (¬8) من أنه متى عينها أضحية تعينت كالهدايا، ولم يجز له بدلها ولم يضرها ما حدث بها من عيب. ¬
والمِيسم (¬1) - بكسر الميم - أصله الحديدة التي يوسم بها الحيوان، أي يجعل فيها علامة (¬2)، وأراد به هنا ما جعل علامة. وضَلَعها (¬3) - بفتح الضاد واللام - أي عرجها (¬4). والجَلْحَاء (¬5) - بفتح الجيم أولاً وسكون اللام، وآخره حاء مهملة ممدود - هي الجماء التي لا قرون لها (¬6). والسكاء والصمعاء (¬7) ممدودين، فسرهما في الكتاب بالصغيرة الأذنين. وأصل السكاء في اللغة المخلوقة بغير أذنين (¬8). وأصل الصمعاء التي خلقت ملتصقة الأذنين (¬9). والسِبَاقان (¬10) - بكسر السين بعدها باء بواحدة وبالقاف - سِيرانِ يكونان في رجلي البازي وغيره من الطير (¬11). ووقع في الرواية في "الأم" بفتح السين أيضاً. وقوله (¬12) في مسألة شراء السباع: "إن كانت تشترى وتذكى لجلودها ¬
فلا بأس"، ذهب بعضهم إلى أن قوله هذا يدل على شراء الجلود على ظهر (¬1) الخرفان قبل ذبحها، وقد كرهه مالك في "سماع" عيسى. ¬
الذبائح
الذبائح (¬1) الخُلَد (¬2)، بضم الخاء المعجمة وفتح اللام، كذا ضبطناه في الكتاب، وبفتح الخاء وسكون اللام وفتحها أيضاً، وبكسر الخاء وسكون اللام، وهو فأر أعمى (¬3). والوَبْر (¬4) بفتح الواو وسكون الباء بواحدة: دويبة فوق اليربوع ودون السنور (¬5). والحَلَزون (¬6)، بفتح الحاء واللام، كذا ضبطناه عنهما. وقوله (¬7): دجن، أي أنس وألف الناس، ومنه الداجن، وهو ما اتخذ من الحيوان في الدور وألفها. والمَرْوة، بفتح الميم وسكون الراء: الحجارة (¬8). ¬
والمَرِيء (¬1)، بفتح الميم وكسر (¬2) الراء وهمز آخره - وقد يشدد آخره ولا يهمز أيضاً - مبلع الطعام والشراب، وهو البلعوم. والحلقوم (¬3): القصبة التي هي مجرى النفس. والنخْع (¬4)، بسكون الخاء: قطع النخاع، وهو العرق الأبيض الممتد داخل فقار الظهر والعنق، ويقال له: النخاع بكسر النون وفتحها وضمها (¬5). وقوله (¬6) في الشاة يخرق (¬7) السبع/ [خ 135] بطنها ويشق أمعاءها: لا تؤكل لأنها لا تحيى على حال. وقد روي عن ابن القاسم (¬8) أنها تؤكل وإن انتثرت الحشوة. وبه كان يفتي بعض فقهاء الأندلسيين من متقدمي أصحابنا، وهو إبراهيم بن حسين (¬9) بن خالد، وحاج في ذلك سحنوناً، وأعجب ذلك ابن لبابة من قوله (¬10). وقد عد شيوخنا قطع المصران وانتثار الحشوة وجهين من المقاتل. وهو عندي راجع إلى معنى واحد، وهو أنه إذا قطع المصران أو شقه انتثرت حشوته من الثفل، وهو بين في "المدونة" في كتاب الديات ¬
في هذه المسألة قال: يشق أمعاءه فينثره، وإن كان من قال ذلك من شيوخنا ذهبوا إلى انتثار الحشوة أي خروجها من الجوف عند شق الجوف، فمجرد شق الجوف ليس بمقتل عند جميعهم. والحشوة إذا انتثرت منه ولم تنقطع منه عونيت (¬1) وردت وخيط الجوف عليها. وهذا مشاهد معلوم، فليس نفس انتثارها بمقتل. فكيف وقد ذهب بعض المتأخرين من شيوخنا (¬2) أن شق المعاء إنما يكون مقتلا إذا كان في أعلاه وحيث يكون ما فيه طعاما، وذلك المعدة وما قاربها؛ لأنه إذا انشق هناك أو انقطع خرج منه الغذاء ولم ينفذ إلى الأعضاء ولا يغذي (¬3) الجسم فيهلك، وأما ما كان أسفل وحيث يكون فيه الثفل فليس بمقتل. وما قاله صحيح مشاهد، وإليه يرجع عندي ما روي عن ابن القاسم وغيره قبل في المسألة، ولا يكون جميع ما جاء من ذلك خلافاً إذا نزل هذا التنزيل وإن كان ظاهر (¬4) الخلاف. وأما قرض المصران وانبتاته (¬5) بعضه من بعض فمقتل لا شك فيه، بخلاف شقه، لأنه لا يلتئم بعد انقطاعه بالكلية، ويتعذر وصول الغذاء إلى ما بان منه، وتتعطل تلك الأعضاء تحته، ولا يجد التفل مخرجا من داخل الجوف فيهلك صاحبه (¬6). ¬
الصيد
الصيد (¬1) قوله (¬2) في الكتاب في تعليم الكلب والبازي: "إنه إذا زجر انزجر، وإذا أشلي أطاع"، وله في كتاب ابن حبيب شرط ثالث؛ إذا (¬3) دعي أجاب (¬4). فحمل هذا بعض الأشياخ على الخلاف وأنه إنما يشترط في الكلب (¬5) شرطان فقط: الإشلاء والزجر. وقد يحتمل الوفاق لأن الإشلاء يستعمل للمعنيين: للإغراء والدعاء، كما أن الزجر يأتي بمعنيين: الإغراء والكف. وخرج اللخمي (¬6) من الكتاب قولاً ثالثاً أنه لا يشترط الزجر من قوله: إذا أدرك كلبه أو بازيه ولم يستطع إزالة الصيد عنه حتى فات بنفسه أنه يأكله. وقال غيره: لعله هنا لم يجعل عصيانه مرة مما يقدح في تعليمه، وأن غالب حاله أنه كان ينزجر. وأما تفرقة ابن حبيب (¬7) من عند نفسه بين البزاة والكلاب فقول على حياله. ¬
البازي (¬1)، بياء بعد الزاي، وحكى بعضهم: باز، بغير ياء (¬2). وأُشلي (¬3)، بضم الهمزة وشين معجمة ساكنة، ومعناه في الكتاب وعند الفقهاء: أرسل وأغري. وأنكره بعض أهل اللغة (¬4) وقال: إنما الإشلاء الدعاء. وصوب بعضهم (¬5) الوجهين فيه. والزجر الكف والإمساك (¬6)، وهو المشترط في التعليم، وذهب بعضهم أيضاً أن الزجر يقع بمعنى/ [خ 136] الإغراء، وهو معنى قوله في "المدونة" (¬7): "إن أفلت الكلب من يدي على صيد فزجرته". كذا عند شيوخنا، وعند غيرهم: فأشليته، وهما بمعنى. والسُفَاة (¬8)، بضم السين وفتح الفاء وآخره تاء، جمع ساف من الطير والجوارح (¬9). وخرج الشيخ أبو الحسن اللخمي (¬10) من مسألة الصيد إذا فرا الكلب أوداجه قال: "هذا قد فرغ من ذكاته كلها" أن قطع الحلقوم غير مشترط في الذكاة في هذا القول. وما قاله غير بين؛ لأن ذبح الصيد المنفذ مقاتله ليس بمعنى الذكاة الواجبة المبيحة للأكل، لكن لتعجيل موته وإخراج محتقن دمه، فإذا فعل ذلك الجارح استغني عن غيره. وقَطْعُ الحلقوم ليس فيه شيء ¬
من هذا، ألا تراه كيف قال في المسألة قبلها (¬1): "قيل: فإن أدركه وقد أنفذ الكلب مقاتله، أيدعه حتى يموت أو يذكيه؟ قال: يفري أوداجه أحسن عند مالك، وإن تركه حتى يموت أكله"، فهو مذكى عنده، لكن فري أوداجه لما ذكرناه أحسن، ولم يتعرض هنا للحلقوم، وأيضاً فإن الحلقوم بين (¬2) الودجين، ولا يكاد (¬3) ينقطعان إلا وهو منقطع إلا لمن تعمد ذلك، بل قطعه يسبق قطع الودجين لبروزه عليهما. وقوله (¬4) في الصيد يضرب عنقه فيجزله. رويناه بالجيم، وهي رواية الدباغ من القرويين، وكذلك قوله بعد (¬5): فجزله. أي صيره جزلتين أي قطعتين، ورواه غيره: فخزله، بالخاء المعجمة (¬6)، وهي رواية ابن أبي (¬7)، وهما بمعنى، أي أزال بالضربة عجزه، وأصل الخزل في المشي (¬8). وقوله في مسألة إذا ضربه "فأبان العجز (¬9): يأكل (¬10) الساقين". كذا عند ابن عيسى، وعند ابن عتاب: الشقين (¬11). ومعنى المسألة أنه رمى العجز (¬12) بساقيه ونفذ إلى الجوف وقطعه، مثل قوله: فجزله. ووقع في كتاب محمد (¬13) لمالك وربيعة: "إذا أبان وركي الصيد مع فخذيه فلا يؤكل ¬
ما أبان منه". ونحوه لابن القاسم في "العتبية" (¬1): إذا لم تبلغ ضربته الجوف، قال: ولو ضربه من الوركين إلى الرأس فجزله جاز أكل جميعه. وحمله الشيوخ (¬2) على أنه ليس بخلاف، وأن ما في كتاب محمد: لم تبلغ ضربته الجوف، كما قال في "العتبية"، وهو ظاهر. وحمله بعضهم على الخلاف وإن بلغت الضربة الجوف. وعلله بعضهم لأن (¬3) البائن في حيز الأقل. وهذا غير مراعى في مذهبنا، وإنما راعى الكثرة والقلة أبو حنيفة (¬4). ولكنه خلاف لما ذهب إليه البغداديون (¬5) من مراعاة ما لا ترجى معه حياة، فإذا فعل الجارح أو الآلة به ذلك أكل عندهم جميعه. قال القاضي: وعندي أن ابن القاسم ومالكاً وربيعة إنما راعوا في ذلك أن زوال الوركين والفخذين إذا لم تصل الضربة إلى الجوف وتخرق الحشوة وتقطعها وإن كشفت عن الجوف أن الموت منها إنما هو بالمرض والألم لا أنه مقتل، كما لو شق بطنه أو رأسه ولم ينثر دماغاً ولا حشوة وإن كان من المتالف. ألا ترى أن مثل هذا لا يقتل فيه إلا بالقسامة؟ وأما لو قطع حشاه أو جزأه جزءين- كما قال ابن القاسم - فيجب (¬6) أكل جميعه كقطع رأسه، وهو معنى قوله عندي: إذا لم تبلغ/ [خ 137] ضربته الجوف، أي لم يؤثر فيه ليس أنها لم تكشف عن الجوف. وقوله (¬7): حمام مكة وغير حمامه إذا خرج من الحرم لا بأس أن ¬
يصيده الحلال في الحل. فيه دليل أن حرمته إنما هي بالحرم، وكذلك قالوا تخصيصه (¬1) بالشاة وأنه في غير الحرم كسائر الحمام كما قال هنا. قال شيوخنا: فيجب على هذا إذا قتله محرم في غير الحرم أن فيه حكومة كسائر الحمام. وقوله (¬2): "تنهشه الكلاب"، بالشين المعجمة. يقال: نهشت اللحم ونهسته بالمعجمة والمهملة، إذا أخذته بأسنانك عن العظم، وهذا منه. لكن استعماله هنا في الكلام (¬3) بالشين أوجه. وقال بعضهم (¬4): بالسين بأطراف الأسنان، وبالمعجمة بجميع الفم (¬5). وقوله (¬6): "فخزق"، بالزاي، بمعنى قطع. وقوله: "إذا أخذت (¬7) الكلاب ولم تدمه ولم تنيبه" (¬8)، ظاهر الكتاب ¬
أنها (¬1) متى نيبته وإن لم تدمه أكل، ولا خلاف متى أدمته يؤكل. واختلف إذا لم تنيبه؛ ففي الكتاب (¬2): لا يؤكل، لأنه لم تحصل فيه من الجارح والآلة ذكاة. وعند أشهب (¬3) وابن وهب: يؤكل متى مات بفعل من أفعالها أو صدمها أو مماستها، لأنه مما أمسكن. ولا خلاف إذا ماتت (¬4) بسببها ولم تماسه من انتهار أو سقوط وشبهه أنه لا يؤكل. وأفهم اللخمي (¬5) خلافاً فيما (¬6) إذا نيبت ولم تدم ولم تجرح، وجمعها مع مسألة الضرب والصدم. ولا يصح تنييب إلا بإدماء وإن قل. وهو مقتضى قوله في الكتاب في موضع: "إن لم تنيب (¬7) وتدمي" (¬8). ثم لم يذكر الإدماء في سائر المواضع. والضرانيب (¬9) بالضاد المعجمة جمع ضَرِبٍ على وزن نمر، وهو حيوان ذو شوك كالقنفذ كبير. والوبر (¬10)، بسكون الباء بواحدة آخره راء وواو مفتوحة: دويبة نحو الهر (¬11). ¬
الأشربة
الأشربة مسألة خلط العسل بنبيذه، قال: "لا يصلح شربه". كذا عند شيوخنا، وعليه اختصر بعضهم. وفي نسخ: بنبيذ وعليها اختصرها جل المختصرين وهي أبين، ومعنى الروايتين واحد. ومعنى بنبيذه - على هذه الرواية - بنبيذ نفسه؛ الهاء عائدة على الرجل لا على العسل، والمعنى بنبيذ عنده من غير نبيذ العسل، على هذا حملها الشيوخ واختصرها المختصرون. ولا خلاف في جواز إلقاء العسل في نبيذ العسل، والزبيب في نبيذ الزبيب، وهي منصوصة في كتاب ابن حبيب (¬1) وغيره من الأمهات (¬2). وكذلك إلقاء نبيذ (¬3) كل شيء في نبيذ نفسه؛ إذ لا فرق بين إلقائه أولاً وآخراً. وتأول اللخمي مسألة الكتاب على ظاهرها وأنه منع إلقاء العسل في نبيذ العسل وقال: وعلى هذا لا يلقي التمر فى نبيذ التمر. والأول الصواب (¬4). والجَذِيذة، أوله جيم مفتوحة وذالان معجمتان أولاهما (¬5) مكسورة ¬
وبينهما ياء ساكنة، هو (¬1) السويق الكبير الجشر (¬2). والتقطيع والجذاذ (¬3): القطع، قال الله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} (¬4). والبسر المذنَب: الذي أرطب بعضه من جهة ذنبه، كذا ضبطنا (¬5) هنا مذنب (¬6) بالفتح، وضبطناه في كتب اللغة بالكسر (¬7)، وكلاهما له معنى صحيح. فإن أرطب من جانبه قيل له: موكت (¬8). والدُبَّاء، بالمد وضم الدال وتشديد الباء: القَرْعة (¬9) / [خ 138] التي تؤكل (¬10) - بسكون الراء -. والزِفْت، بكسر (¬11) الزاي (¬12). والأُسْكُرْكَة، بضم الهمزة وسكون السين وضم الكاف الأولى وفتح الثانية وبينهما (¬13) راء ساكنة، كذا ضبطناه في الكتاب عن شيوخنا وفي ¬
غيره، وضبطناه أيضاً في كتب اللغة: السُكركة، بضم السين مضمومة (¬1) وهو شراب الذرة (¬2). ¬
كتاب الجهاد
كتاب الجهاد معناه في أصل وضع اللغة: التعب، ومنه الجهد، وهو المشقة. وقوله (¬1): "لا يُبَيَّتُون"، أى لا يغار عليهم بالليل على غفلة، والاسم البيات، بفتح الباء. والدُروب (¬2) جمع دَرب - بفتح الدال - وهي المداخل إلى بلاد العدو، وكل باب سكة (¬3) درب (¬4)، لا كما قال بعضهم: إنها الحصون (¬5). وقوله (¬6): "غِرَّتِهِم"، بكسر الغين المعجمة، يريد غفلتهم، والغراوة: البله والغفلة (¬7). وقوله (¬8): "وأَنْزَهُ للجهاد"، أي أبعد من (¬9) دخول الإثم فيه. ¬
وعَمِيرة (¬1) بن أبي ناجية (¬2)، بفتح العين وكسر الميم، ولا يعرف في الرجال عُمَيرة، بضم العين. وعورة العدو (¬3): ما انكشفت له من حالة يتوصل إليه منها، قال الله تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} (¬4). وأصله من العورة التي يجب سترها. وابن أبي الحُقَيْق (¬5)، بضم الحاء المهملة وفتح القاف (¬6). وبنو لحيان (¬7)، بفتح اللام وكسرها (¬8). وقوله (¬9) في السَلاَّبة (¬10): إذا طلبوا الشيء الخفيف أعطوه، دليل على أن مذهب "المدونة" أن قتالهم ليس بواجب (¬11)، وهو لمالك نص في غير (¬12) "المدونة"، والقول الآخر أنه واجب من باب تغيير المنكر، وهو قول عبد الملك (¬13). وقوله فيهم: يدعون (¬14)، على أحد قوليه في وجوب الدعوة لمن بلغته. ¬
والخُصوص (¬1)، بضم الخاء المعجمة وبالصاد المهملة: بيوت البوادي. وأشهل بن حاتم (¬2)، بشين معجمة. وقوله (¬3): "من حمل علينا السلاح فليس منا ولا راصد بطريق" (¬4) أي قاطع سبيل، والحامل السلاح (الخارج) (¬5) على جماعة المسلمين. ومعنى: ليس منا، أي ليس مثلنا ولا مهتد بهدينا ولا مستن (¬6) بسنتنا. ومعنى راصد مرتقب بطريق لمن يمر بها فيسلبه. وهو مرفوع عطفا، على "من حمل" كأنه قال: ليس منا حامل السلاح علينا، ولا راصد الطريق علينا. مسألة الجهاد مع ولاة الجور (¬7)، قال ابن القاسم: "وكان فيما بلغني عنه لما كان زمان "مَرْعَش" وصنعت الروم ما صنعت قال: لا باس بجهادهم"، وكذا في أكثر النسخ. وعند ابن عتاب لابن وضاح: "وكان فيما بلغني عنه - ولم أسمعه منه (¬8) - أنه كان يكره قبل هذا جهادهم مع هؤلاء الولاة حتى لما كان زمان مرعش". ولم تكن هذه الزيادة في كتاب القاضي ¬
ولا في رواية (¬1) القرويين، وذكرها ابن مزين (¬2) عن مالك. ومرعش - بفتح الميم والعين المهملة وسكون الراء وشين معجمة - حصن كان بالجزيرة، كذا قال ابن وضاح. وقال غيره (¬3): كان رجلاً أسود خرج على أهل الإسلام بالحجاز (¬4). والحَرُوْرِيَّة - بفتح الحاء وضم الراء وتشديد الياء - منسوبون إلى حروراء (¬5)، أول موضع خرجوا فيه على الناس أيام علي بن أبي طالب قيل: ويقال فيه: حرورائي. وقوله (¬6): "لولا أن أرده عن شيء (¬7) وقع فيه"، ولابن وضاح: عن نَتْنٍ (¬8)، ومعناه: عن فعل قبيح وقع فيه (¬9)، ومذهب/ [خ 139] رديء اعتقده. وقوله (¬10): "ولا نعمة عين"، بضم النون وفتحها، وفيه لغات كثيرة (¬11). ¬
ويُحْذَيْن (¬1)، بذال معجمة، أي يعطين (¬2). "وإن الرجل لتنبت لحيته"، ويروي لتشيب لحيته. معاً عند ابن عتاب (¬3) وسلمة بن كُهيل (¬4)، بالهاء مضموم الكاف. والبجَلي (¬5)، بفتح الجيم. والمُرَقَّع (¬6) بن صيفي (¬7)، بفتح الراء وتشديد القاف، "أن جده رباح (¬8) "، يروى بفتح الراء وباء بواحدة - وهي رواية ابن وضاح -، ويروى بكسر الراء وياء باثنتين تحتها - وهي رواية ابن باز - وبالوجهين ذكرهما (¬9) الدارقطني (¬10). وصوب ابن وضاح روايته: "ولا تحرقن نحلا" (¬11) بالحاء المهملة. وعند حُمَة (¬12) النهضات (¬13)، كذا رويناه هنا بضم الحاء وتخفيف الميم عن شيوخنا في الكتاب، وكذا ضبطناه على أبي الحسين بن سراج في ¬
كتاب الهروي، ورويناه عنه وعن غيره في "غريب" الخطابي (¬1): حَمَّة، بفتح الحاء وتشديد الميم، وقال: معناه: الشدة (¬2). قال: وأما الحمة - بالضم والتخفيف - فقوة السم. وبهذا فسر ابن أبي زمنين حمة وقال: استعار لها ذلك. وشنُّ الغارات (¬3): صبها على الجهات وتفريقها، مستعار من شن الماء، وهو تفريقه عند الصب (¬4). وفي مسألة قتل الرهبان بعد قوله (¬5): "فوهن ذلك وضرره على أهل الشرك". زاد ابن وضاح في روايته (¬6): "وهذا (¬7) الأصل لمالك"، و"الأكثر والغالب من الرواة أنهم قالوا: لا يقتل المشايخ ولا الرهبان" (¬8)، كذا في كتاب ابن عتاب لابن وضاح. وقوله: "والأكثر" يشعر بالخلاف في قتلهم، وقد وقعت هذه الرواية في بعض نسخ "المدونة"، وكانت في كتاب ابن عيسى موقوفة، وهو قوله: "وقد اختلف عن مالك في الرهبان؛ فقال: فيهم التدبير والنظر والبغض للدين والذب عن النصرانية، والحب له، فهذا أنكى ممن يقاتل وأضر (¬9)، ¬
والأكثر والغالب أنهم لا يقتلون يعني الرهبان والشيخ الكبير" (¬1). ويُبْنَى (¬2)، بضم الياء باثنتين تحتها وسكون الباء بواحدة (¬3) بعدها نون، مقصور، موضع. وأهل العربية يقولون فيه: أُبنى، بهمزة مكان الياء (¬4)، وهو موضع بالبلقاء (¬5) من (¬6) أرض الشام من عمل فلسطين. وقوله (¬7) "عادى عليه وأحَبَ له"، بالحاء المهملة لابن عتاب، أي أعتقد له الغوائل (¬8) وأحبها له. وعند ابن عيسى: أخَبَ، بالمعجمة (¬9)، أي أضمر له السوء. والخِب: المكر (¬10)، بالكسر (¬11). ¬
والحُشْوة (¬1)، بضم الحاء المهملة، وضبطه بعضهم بفتحها (¬2). وحشوة الناس: من لا يعتد به. وضفة البحر (¬3) وضفته وضفته (¬4): ساحله. وأصله جانب الوادي. ولَفَظَهم (¬5): أي رماهم وطرحهم (¬6)، بفتح الفاء. وقوله (¬7): تَعَبا، كذا رويناه بتاء باثنتين فوقها، أي مشقة، وبالعين المهملة والباء بواحدة. وحكاه (¬8) عبد الحق: بَغْتا، بباء بواحدة أولاً وبالغين المعجمة وبعدها تاء باثنتين فوقها، ومعنى هذا أي على غير قصد ولا اختيار (¬9). وأبو دُجانة (¬10)، بضم الدال. ونسبَه: البلوي (¬11). كذا لابن عيسى، وليس ببلوي، هو أنصاري (¬12) مشهور. وفي نفس الحديث (¬13): ....................................................... ¬
"وثلاثة من الأنصار" (¬1)، وذكر أنه أحدهم. ولا أعلم له سبب (¬2) ينسب به إلى بَلِيّ من حِلْف أو جوار، ولا من ذكره في عدادهم. وحَنَش (¬3) بن عبد الله، تقدم ذكره (¬4)، وهو بفتح الحاء المهملة والنون وآخره شين معجمة، هو الصنعاني (¬5)، واسمه - فيما قاله/ [خ 140] ابن وضاح - حسين، وحنش لقبه، وهو أحد من دخل الأندلس من التابعين مع موسى بن نصير (¬6). ولا خلاف عند أهل الثغر الشرقي أن قبره بسرقسطة (¬7)، ويعينونه، وأما مؤرخو المشرق وأئمة الحديث (¬8) فكلهم يدلون (¬9) أنه قفل من الأندلس وتوفي بمصر (¬10)، .................................... ¬
وقال بعضهم بإفريقية (¬1)، وهو قول حفيد يونس (¬2) صاحب "تاريخ المغاربة". قال الأمير أبو نصر: ويقال فيه: حنش بن علي (¬3). وابن أبي مُعَيْط (¬4)، بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء بعدها وطاء مهملة. ¬
والخَزَر (¬1)، بفتح الخاء المعجمة وفتح الزاي وآخره راء: أمة من الناس (¬2). وحُيَيّ (¬3)، بضم الحاء المهملة وفتح الياء الأولى، ويقال بكسر الحاء أيضاً. وأخطب، بالخاء المعجمة. والزَبِير (¬4) - صاحب بني قريظة - بفتح الزاي وكسر الباء، وهو ابن باطِيا (¬5)، وابنه عبد الرحمن بن الزبير (¬6). ومن عداهما بضم الزاي. وتميم بن طَرَفَة (¬7)، بفتح الطاء والراء. وقتل غِيلة، بكسر الغين المعجمة، أي سراً وخديعةً وغدراً. وقوله (¬8): "وما ذكرته في الحرابة من أهل الذمة"، يروى بالخاء المعجمة وبالمهملة، وهي بالمعجمة خاصة في سرقة الإبل (¬9)، وبالمهملة في كل شيء. ¬
وحديث طاوس عن ابن عباس: "وجد رجل من المسلمين بعيراً له في المغانم (¬1) ". لم يكن في كتاب ابن عيسى، وكان مخرجاً عند ابن عتاب. وسَلْطِيس (¬2)، بفتح السين المهملة وسكون اللام وكسر الطاء المهملة بعدها ياء ساكنة باثنتين تحتها وآخره سين مهملة. وبَلْهِيت (¬3)، بفتح الباء وسكون اللام وكسر الهاء وآخره تاء باثنتين فوقها. والصَعْب (¬4)، بفتح الصاد المهملة وسكون العين المهملة. وجَثَّامة، بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة. ¬
وقوله (¬1): "فيغرق أم يقوم يلتمس النجاة" كذا هو بالقاف، وعند ابن وضاح: أم يعوم، بالعين. وفي حديث عمر (¬2) أنه كتب إلى عمار بن ياسر (¬3) وصاحبيه إذ ولاهما العراق. كان عمار أميراً، وعبد الله بن مسعود قاضياً وصاحب بيت المال، وسهيل (¬4) بن حنيف قاسماً وماسحاً (¬5)، وهما صاحبا عمار، جعل النصف (¬6) شاة لعمار وللآخرين ربعاً ربعاً كل يوم، قال ذلك كله ابن وضاح. والنَّفل (¬7) - بفتح الفاء وسكونها معاً - الزيادة على السهم (¬8)، ومنه نوافل الصلاة. وقوله: "نفل يوم حنين من الخمس (¬9) "، هذه الرواية الصحيحة، وعند بعضهم: يوم خيبر، وهو وهم (¬10). ويُحْرِجه (¬11)، بالحاء المهملة، أي يضيق عليه ويضطره إلى ضيق الطريق، والحرج الضيق. ¬
وصَبِيغ (¬1) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء بواحدة وآخره عين معجمة. وتَمِيم بن فُرْع (¬2)، بضم الفاء وسكون الراء وآخره عين مهملة، كذا ضبطناه عن القاضي أبي عبد الله. وعند الشيخ أبي محمد: فَرع بفتح الفاء. وكذا وجدته في "تاريخ البخاري" بخط القاضي أبي علي. وقيده الدارقطني (¬3) وابن ماكولا (¬4) عن ابن يونس الصدفي: فِرَع، بكسر الفاء وفتح الراء. وبكسر الفاء رواه أبو محمد عبد الحق. وأبو بَصْرَةَ الغِفاري (¬5) بفتح الباء وسكون الصاد المهملة. وشُرَحْبيل (¬6) بن حَسَنة، بضم الشين المعجمة من اسمه، وفتح السين المهملة من اسم أبيه (¬7). وقوله (¬8): "لَمْ يُسِئ شرحبيل" بفتح اللام وسكون الميم، حرف جازم، وما بعده مجزوم على نفي الإساءة عنه، وكذا رويناه، وهو دليل ¬
الكلام/ [خ 141] بعده. ويروى: لِمَ، بكسر اللام وفتح الميم على الاستفهام. ويُسِيءُ، مضموم الآخر. وأَسِيد بن عبد الرحمن (¬1)، كذا لابن وضاح بفتح الهمزة وكسر السين. ولإبراهيم: أُسَيد بضم الهمزة وفتح السين. وبالفتح قاله عبد الغني والدارقطني (¬2) وأبو نصر الحافظ (¬3). وخالد بن الدُرَيْك (¬4)، بضم الدال وفتح الراء، وبفتح الدال وكسر الراء معاً، كذا رويناه في "المدونة" بالوجهين. وبالضم وحده وجدته مقيداً بخط القاضي أبي علي في "تاريخ البخاري" (¬5)، وكذلك ذكره غيره. وفي أول السند: ابن وهب عن أنس بن عياض (¬6)، كذا عند ابن عيسى. وعند ابن عتاب: سحنون (¬7): وحدثني أنس بن عياض. ومعناه أن سحنون (¬8) عطفه على ما تقدم لابن وهب قبل. وفي آخر الباب ما يصححه؛ قوله: لابن وهب هذه الآثار (¬9). وعلى أَكِفَتِهم، بفتح الهمزة وكسر الكاف وتخفيف الفاء المفتوحة، جمع إكاف، ويروى أُكُفَتهم، بضم الهمزة والكاف، وهو مثله (¬10). ¬
وأَشْعَث (¬1) بن سوَّار، بالثاء المثلثة وتشديد الواو. والأُرْدُنُّ - بضم (¬2) الهمزة وسكون الراء وضم الدال وتشديد النون - ومن بلاد الشام (¬3). وفي حديث هذا (¬4): "كنا نأكل الْجَزَر" (¬5)، بفتح الجيم والزاي، يعني ¬
الاسفنارية (¬1). وابن مُخَيمِرة (¬2)، بضم الميم الأولى وكسر الثانية وبالخاء المعجمة. وفي آخر الباب (¬3) في مسألة ما صنع من المشاجب وشبهها في أرض العدو قال سحنون: "معناه إذا كان يسيراً، وقد قيل (¬4): إنه يأخذ إجارة ما عمل فيه، والباقي يصير فيئاً". ثبت في كتابي هذا كله عن شيوخي. وسقط لغيرهم. والمَشاجب عيدان تعلق عليها الثياب وزِقاق الماء (¬5). وقول سحنون هذا خلاف لما في كتاب ابن حبيب أن له إخراج ذلك كله ولا شيء عليه في منفعته وإن كثر، وهو للقاسم وسالم في "المدونة" (¬6). وقول عيسى عن ابن القاسم (¬7): إذا باعه جعل ثمنه في المغانم مثل القول الآخر الذي في بعض روايات "المدونة" الذي ذكرناه. وفي باب الاستعانة بالمشركين: ابن وهب عن مالك عن الفضيل (¬8) بن أبي عبد الله. كذا عندي لهما. وفي كتاب ابن سهل: في بعض الروايات: ¬
"ابن وهب عن الفضيل" (¬1)، وسقط "مالك"، وهو في جامع "العتبية" عن مالك بهذا السند، وكذلك في "الموطأ" من رواية ابن عفير (¬2) والتنيسي (¬3) ومعن (¬4). ورواه ابن القاسم وغيره عن مالك كلهم بهذا السند. وعبد الله بن نِيَار (¬5)، بكسر النون وتخفيف الياء. وحرة الوَبَر، بفتح الباء بواحدة (¬6). مسألة (¬7) أمان المرأة والعبد وجواز ذلك، وأنه ليس للإمام نقضه، وقول غيره (¬8): إن ذلك إلى الإمام (¬9). ظاهره الخلاف في تأمين غير الإمام. وإلى الخلاف في ذلك أشار غير واحد (¬10)، وهي رواية معن (¬11) عن مالك ¬
أن أمان غير الإمام ماض، ونحوه لمحمد (¬1). وذهب بعض الشيوخ (¬2) إلى أن قول غيره تفسير، وأنه ليس لأحد أن يمضي أماناً إلا برأي الإمام، وأن للإمام تعقبه وإمضاؤه (¬3) أو رده، وهو الذي في كتاب ابن حبيب (¬4) وابن سحنون (¬5). وإدخال سحنون حديث عمر يدل على إمضائه ذلك والقول به (¬6). وذكر في الكتاب عن الأوزاعي (¬7): "لا يجوز على المشركين (¬8) أمان مشرك"، وهذا مذهبنا المشهور، وحكى بعض المتأخرين فيه (¬9) خلافاً. وذكر ابن المنذر/ [خ 142] في نفاذ أمان المقاتلين من الرجال الأحرار الإجماع (¬10)، وإنما (¬11) الخلاف في تأمين غيرهم. وعُبادة، بضم العين. ابن نُسَيّ (¬12)، بضم النون وفتح السين المهملة وتشديد آخره. وعبد الرحمن بن غَنْم (¬13)، بفتح الغين وسكون النون. ¬
وسعيد بن عامر بن حِذْيَم (¬1)، بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الياء، كذا رواه ابن وضاح وغيره. وعند ابن باز بالخاء المعجمة. والصواب الأول، وكذا قيده أهل هذا الشأن. وابن مُحَيْريز (¬2)، بضم الميم وفتح الحاء المهملة وآخره زاي. ويحيى بن مُسَيك (¬3)، بضم الميم وفتح (السين) (¬4). و"روعات البعوث تنفي روعات القيامة" (¬5)، وعند ابن عتاب: تقي. وعنده في أول هذا السند (¬6): سحنون، قال الوليد (¬7): أخبرني عن يحيى (¬8) بن مسيك، يعني بالذي أخبره ابن لهيعة، لأنه قد تقدم ذلك في الحديث قبله، ثم كرر (¬9) عند ابن عتاب آخر الباب: الوليد عن ابن لهيعة عن يحيى بن مسيك، كذا عنده هنا. والحديث كله مخرج في حاشيته. والأمور التي تُتْعِب (¬10) - ويروى: تُعْنِت - وبالوجهين روينا هذا الحرف هنا. ¬
والطَوَى (¬1) بالفتح في الطاء والواو مقصور. والماحُوز، بالزاي والحاء المهملة (¬2). سحنون (¬3) عن الوليد، حدثه عن الأوزاعي ويزيد بن (¬4) جابر وسعيد بن عبد العزيز (¬5) عن مكحول. كذا لابن عيسى، وزاد عند ابن عتاب بين الأوزاعي ويزيد: وعمرو بن (¬6) ...... ¬
جابر (¬1). وحسين بن شُفَيّ (¬2)، بضم الشين وفتح الفاء وتشديد الياء. وابن وَعْلَة (¬3) - بسكون العين المهملة. السبائي، بفتح السين والباء مهموز مقصور - "قلت (¬4) لعبد الله بن عمر: إنا نتجاعل" (¬5)، كذا لابن عتاب. ولابن عيسى: ابن عمر (¬6). وزرعة بن مَعشر (¬7)، بفتح الميم وبالشين المعجمة، كذا لهما. وعند ابن عيسى عن ابن الطلاع: مِعْيَر، بكسر الميم وياء باثنتين تحتها مكان الشين. عن تُبَيْع (¬8)، بتاء باثنتين فوقها مضمومة بعدها باء بواحدة مفتوحة وياء باثنتين تحتها ساكنة وآخره عين مهملة. والرُبطاء والرُبضاء، روينا الحرف بالضاد المعجمة وبالطاء المهملة، وهما بمعنى ربطوا أنفسهم في الثغور. وبالضاد المعجمة كانت في كتاب ابن سهل لابن وضاح، جمع رابض، كأنهم لملازمتهم إياها ربضوا بها كما تربض السباع، إذا تمكنت من الاعتماد عن (¬9) .................... ¬
الأرض (¬1). وحُيَي (¬2) بن عبد الله، وأبو عبد الرحمن الحبلي تقدم (¬3) ذكرهما. وقوله (¬4) في قتال الفَزازنة، بفتح الفاء وبالزاي فيهما، مخففة الأولى مكسورة الثانية وبعدها نون، وهم صنف من الحبشة (¬5). وقوله (¬6): وأن يُدْعَوا، وكذلك الترك. ظاهر في إباحة قتالهم، وهو خلاف ما حكاه ابن شعبان عن مالك في النهي عن قتالهم والآثارِ المروية في ذلك ولما حكاه سحنون عن مالك من مضي العمل بترك قتال الحبشة (¬7). والآبُرُ (¬8)، بهمزة مفتوحة ممدودة وباء بواحدة مضمومة وآخره راء مضمومة، صنف (¬9). ومُنذر بن ساوِي (¬10) بالسين المهملة وكسر الواو. ¬
وقوله (¬1): "إلى عباد الله الأسْدِيَيْن"، بسكون السين، كذا قيده أبو عبيد في كتاب "الأموال" (¬2) منسوب إلى الأَسْدِ من اليمن، يقال (¬3) لهم أيضاً (¬4): الأَزْدُ (¬5)، وليس من بني أَسَدٍ (¬6). قال أبو عبيد (¬7): وبعضهم يرويه هنا: الأَسْبَذِيين، بزيادة الباء وذال معجمة، منسوبون إلى فرس كانوا يعبدونه (¬8). وقوله: "وبيت النار لله ولرسوله" (¬9) / [خ 143]، يريد بيوت نيرانهم التي يوقدونها لعبادتهم؛ إذ كانوا مجوساً، يعني أنها لا يبقى (¬10) لهم، وأن لله ولرسوله الحكم فيها بهدمها ومحو آثارها وقسمة أرضها للمسلمين. وقوله: "سِلْمٌ أَنْتَ" (¬11)، الرواية بكسر السين، ويجوز فيه الفتح. والإِبَاضِيَة (¬12) - بكسر الهمزة - صنف من الخوارج. وفي حديث عبد الكريم (¬13) "أن الحرُورية خرجت"، وعند ابن عتاب أن الحروراء. فأقام المضاف إليه مقام المضاف. ¬
وفيه: "ويَخْلَعوا (¬1) الأمر". وعند ابن عيسى: ويُخِيفوا الأمن، ولم يكن الحديث بنصه وكماله عند ابن عتاب. وذو الخُوَيصرة (¬2)، بضم الخاء، تصغير خاصرة. وقوله: "خبت وخسرت إن لم أعدل (¬3) "، بفتح التاء وضمها في الحرفين معاً، وبالفتح وحده رواها القابسي وابن اللباد وغيرهما (¬4). وبالضم وحده رواها (¬5) كثير من شيوخنا في غير "المدونة". ومعناهما صحيح؛ أما بالضم فعن نفسه إن لم يعدل، وبالفتح خبتَ أنت وخسرت إن لم أعدل أنا وأنت من أتباعي وممن يقتدي بي. ورِصَافه - بكسر الراء والصاد المهملة - وهو مدخل القِدْح نصل السهم، وأصله العقبة التي يشد عليها مع القِدْح (¬6). ونَضِيَّه (¬7) - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء باثنتين ¬
تحتها. ورويناها في الكتاب بضم النون، وهو القِدْح، وقيل: النصل (¬1). وقُذَذُه (¬2) - بضم القاف وذالين معجمتين أولاهما مفتوحة - وهو ريش السهم (¬3). وتَدَرْدَرُ (¬4) - بدالين مهملتين - أي تضطرب وتتحرك (¬5). وقوله (¬6): على حين فُرْقَة - بضم الفاء - أي وقت افتراق من الناس واختلاف، وهو خروجهم عند اختلاف الناس بين علي ومعاوية (¬7). ويروى: على خير فِرْقَة، بكسر الفاء، أي على أفضل الطائفتين، وهو حزب علي. وبالوجهين روينا هذين الحرفين عن شيوخنا (¬8). وقوله (¬9): "إحدى يديه"، كذا لابن عيسى وابن عتاب. وعند ابن عتاب أيضاً: ثَدْيَيْهِ، والصواب الأول. وطُبْي الشاة - بضم الطاء المهملة وسكون الباء بواحدة - ثديها (¬10). وقوله (¬11): "الحكم في الأمة يرجع بها" (¬12)، كذا لابن عيسى، وعند ¬
ابن عتاب: نرجع بها، بالنون (¬1). وقوله: ولا يقذفها (¬2)، كذا لابن عيسى بذال معجمة مكسورة، وعند ابن عتاب: يقفوها. ومعناهما يرجع لوفاق إن شاء الله (¬3). ¬
كتب الحج
كتب (¬1) الحج (¬2) أصل الحج القصد، وسميت هذه العبادة حجا لما كانت قصد موضع مخصوص من الأرض. وقيل: الحج مأخوذ من التكرار والعود مرة بعد أخرى لتكرر (¬3) الناس عليه كما قال تعالى: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} (¬4) أي: يرجعون إليه ويثوبون في كل عام، ولأن الحاج يكرر (¬5) وروده على البيت عند القدوم والإفاضة والوداع. والقِران جمع الحج والعمرة في إحرام واحد وعملٍ واحد وإرداف الحج بعد الإحرام بالعمرة. وجاء في بعض المسائل (¬6) الإقران، والصواب القران. ¬
والتمتع تقديم العمرة والتحليل منها في أشهر الحج في سفر ثم الإحرام بعد ذلك من عامه بالحج. وقيل (¬1): سمي متمتعاً لتمتعه بإسقاط أحد السفرين لهاتين الطاعتين وترفيهه نفسه بذلك. ولأجل هذا النقص لزمه الهدي. وقيل (¬2): بل لإحلاله بين عمرته وحجته وتمتعه أثناء/ [خ 144] ذلك بما شاء مما يمنعه المحرم. وقوله (¬3): "إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم، ذلك مجزئ عنه، وإنما يجوز الغسل بالمدينة لهذا أو رجل يأتي ذي (¬4) الحليفة فيغتسل إذا أراد الإحرام". ظاهر المذهب أن المستحب أن يغتسل بالمدينة ثم يسير من فوره، وبذلك فسره سحنون (¬5) وابن الماجشون، وهو الذي فعله النبي عليه السلام، كما استحب أن يلبس حينئذ ثياب إحرامه، وكذلك فعل عليه السلام. وحمل بعض الشيوخ (¬6) أن استحباب ابن الماجشون خلافُ الكتاب، وأن مذهب الكتاب تسوية الأمرين. وقوله (¬7): كان يستحب أن يصلي نافلة إذا أراد الإحرام وليس في ذلك حد، ولو صلى مكتوبة أحرم بعدها. قال بعض الشيوخ (¬8): مفهوم المذهب أن سنة الإحرام أن يكون عقيب صلاة، لا أن من سنته أن يصلي من أجله، يريد بكل حال. ¬
قال القاضي: وهذا مثل ركعة الوتر أن من سنتها أن يكون قبلها نافلة على حقيقة مذهبنا ومشهوره، لا أن يصلي من أجله، وقد بيناه في الصلاة. ومفهوم المذهب أن الحج ليس على الفور، وهو دليل أكثر مسائل الأصول (¬1) من "المدونة" و"العتبية" و"المجموعة" (¬2) و"كتاب ابن عبد الحكم" (¬3) وغيرها. وحكى البغداديون (¬4) عن مالك أنه عنده على الفور. والصواب الأول كما قدمناه، وهو الذي عليه غيرهم من شيوخ المذهب عنه ويعتقده فيه؛ فقد نص على المعتدة أنها لا تخرج للحج أيام عدتها، ولو كان على الفور لخرجت. وقال: لا يحج دون أبويه (¬5) فإن منعاه فلا يعجل (¬6) عليهما في حجة الفريضة، وليستأذنهما العام بعد العام (¬7)، وهذا مثله. وقال أيضاً: ليخرج في الفريضة ويدعهما، فهذا على الفور (¬8). وقال في الذي حلف على زوجته ألا تخرج إلى الحج وهي صرورة: إنه يؤخر (¬9) سنة (¬10). ولم يروا تجريح من ترك الحج مع الاستطاعة وطَرْحَ شهادته (¬11)، وكل هذا يقتضي أنه على التراخي (¬12). ¬
واختلف على تأويل الكتاب وظاهر عموم ألفاظه في غير مسألة في مجاوز الميقات غير مريد للحج ثم نواه أنه لا دم عليه؛ فقيل: سواء كان صرورة أو غير صرورة، وهو تأويل الشيخ أبي محمد (¬1). وفرق غيره بين الصرورة وغيره، قال: وإنما هذا في غير الصرورة، وأما الصرورة فإنه بنفس تعديه الميقات غير محرم متعد، وإن لم يقصد الحج فعليه الدم، لأن الحج كان لازماً له كمن نواه ممن ليس بصرورة. وإلى هذا ذهب أبو القاسم بن شبلون وزعم أنه ظاهر الكتاب من قوله "في الذي يتعدى الميقات وهو صرورة ثم يحرم: عليه الدم" (¬2)، فأبهم ولم يقل مريداً للحج أو غيره. ثم قال: "أرأيت من تعدى الميقات ثم أحرم بعدما جاوزه وليس بصرورة أعليه الدم؟ قال: "نعم إن كان جاوزه حلالاً وهو يريد الحج فأحرم فعليه الدم". قال: فتفريقه في السؤالين بين الصرورة وغيره يبين أنهما بخلاف. قال القاضي: وذهب بعض الشيوخ إلى أنه اختلاف من قوله في الصرورة (¬3)، وتأويل ابن شبلون إنما يصح بعد على القول (¬4): إن الحج على الفور، وإلا فلا وجه له. وقوله (¬5) في الغلمان (¬6) يحرم بهم وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة: "لا بأس به". ثم قال: "وكان يكره/ [خ 145] للصبيان حلي الذهب" (¬7)، وهذه الكراهة معناها التحريم؛ لأنه قال بعد هذا فيه وفي الحرير (¬8): أكرهه لهم كما أكرهه للرجال، وهو حرام على الرجال عنده. ¬
فظاهره أنه لم يكن (¬1) الخلاخل والأسورة لهم من الفضة، وذلك حرام على الذكور كالذهب إلا الخاتم وحده وآلة الحرب. وقد قال بعض الشيوخ (¬2): إن ظاهر جوابه أولاً جوازه في الجميع، إذ لم يفسر ذهباً ولا فضة، قال: والأشبه منعه (¬3) من كل ما يمنع منه الكبير؛ لأن أولياءهم مخاطبون بذلك. وقاله أبو إسحاق، قال: ويأتي على قياس قوله (¬4) جواز إلباسهم ثياب الحرير. وقد نص على منعهم منه في الكتاب، ثم مثل هذا ستر (¬5) بعض عضو الإحرام. وقد قال في الكبير: لو كان في عنقه كتاب لنزعه (¬6)، وكأنه خفف مثل هذا في الصغار والله أعلم. قال القاضي: ظاهره التخفيف إذ سئل عنه في الإحرام، ولو سئل عن جواز لبسهم له لعله كان لا يجيزه على أصله كما جاء في مسائل من صرف أواني الفضة والذهب وبيعها وأشباهها. والعمرة (¬7): أصلها الزيارة كما قال: ¬
وراكب جاء من تثليت معتمرا (¬1) أي زائراً، وقيل: اعتمر أيضاً لمعنى قصد (¬2). والإهلال بالحج: رفع الصوت بالتلبية. والتلبية (¬3) معناها الإجابة، ونصبت على المصدر وثُنيت للتأكيد، أي إجابة بعد إجابة. وقيل: معناها اللزوم، أي أنا مقيم عند طاعتك وأمرك (¬4)، من قولهم: لب بالمكان وألب أي أقام (¬5) به. وقيل: لبيك: اتجاهي لك، أي توجهي وقصدي، من قولهم: داري تلب دار فلان أي تواجهها (¬6). وقيل: معناه (¬7) محبتى لك، من قولهم امرأة لبة إذا كانت محبة في ولدها (¬8). والمواقيت: الحدود من الأرض، والْمُوَقَت المحدد، والموقت أيضاً المفروض (¬9). وقوله (¬10): ........................................ ¬
البان السَّمْح (¬1)، بفتح السين المهملة وسكون الميم وآخره حاء مهملة، هو الخالص الذي لم يدخله طيب (¬2). والمُفْدَمُ بالعصفر (¬3): المشْبَع صبغه (¬4). والمُمَشَّق: المصبوغ بالمِشق، وهي المَغْرة: التربة الحمراء (¬5). والْبَرَّكانات (¬6) - بفتح الباء وتشديد الراء - مثل الأكسية، وأهل اللغة يقولون: ثوب بَرنكاني (¬7). والخَطمي (¬8): الخبيز له لعابية يغسل بها الشعر وغيره، وهو بفتح الخاء المعجمة (¬9). والحُرُض، بضم الحاء المهملة وضم الراء وضاد معجمة: الأشنان (¬10). وقوله (¬11): "استلم الحجر"، قيل: هو افتعل، من السَّلام بالفتح كأنه ¬
حياه بذلك. وقيل: بل من السلام - بالكسر - وهي الحجارة، أي لمسه. والأول أبين لاستعماله في الركن وغيره. وقيل (¬1): "وتراه (¬2) خُرْقاً ممن فعله، بضم الخاء والراء وبعدها قاف، أي حمقاً وقلة عقل، والأخرق الأحمق" (¬3). وأصله الذي لا حرفة له. وقوله: المُحْصَر بمرض والمَحْصُور (¬4) بعدو، معناه (¬5) المحبوس عن البيت بهذين العذرين. وقد فرق أهل اللغة بينهما كما قال هنا، فقالوا في المرض: أُحْصِر فهو محصَر، وفي العدو حَصَر فهو محصور، وهو قول أبي عبيدة (¬6) وغيره، وحكى ابن قتيبة في المرض الوجهين (¬7). والصَرورة (¬8): الذي لم يحج قط، بالصاد المهملة. وقوله (¬9) في الداخل مكة "في أشهر الحج بعمرة فحل وعليه نَفَس فأحب أن يخرج إلى ميقاته"، بفتح الفاء، أي سعة من الزمان ووقت الحج. ومسألة (¬10) من أحرم بالحج في طواف عمرته أو بعده، قال أولاً: إن أحرم بالعمرة فطاف لها ثم أحرم بالحج لزمته الحجة وصار قارناً، فإن أضاف الحج إلى العمرة بعد ما سعى/ [خ 146] لعمرته لزمته الحجة وهو غير ¬
قارن. ثم قال بعد ذلك عن مالك أيضاً (¬1): "إنه كان لا يرى لمن طاف وركع أن يردف الحج مع العمرة"، قال: ورأى علي ذلك، ويمضي على سعيه ويحل ثم يستأنف الحج، وإنما ذلك ما لم يطف ويركع، فإذا طاف وركع فليس له أن يدخل الحج على العمرة. ووقع له هذا الكلام في وسط الكتاب في موضعين بأطول من هذا اللفظ في السؤال والجواب، وأنا اختصرته على المعنى، وهو كله ساقط في رواية أكثر (¬2) القرويين وغيرهم ولم يذكرها أكثر مختصريهم، وثبتت في رواية الدباغ وابن لبابة، وقال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحها من الموضعين. ولم تكن في رواية يحيى. وقال أيضاً: (¬3) "الذي كان يستحب مالك إذا طاف بالبيت لم يردف الحج مع العمرة" - ولم يذكر هنا الركوع - (¬4) "وأنا أرى ألا يفعل، فإن فعل قبل فراغه من سعيه بين الصفا والمروة مضى على سعيه"، وذكر نحو ما تقدم ثم قال: فإن طاف وسعى بعض السعي ثم أحرم بالحج أرى ألا يفعل، فإن فعل قبل أن يفرغ من سعيه رأيت أن يمضي على سعيه ويحل ثم يستأنف الحج. ثم قال: فإن كان سعى ثم فرض الحج بعد فراغه من السعي فلا يكون قارناً، ويؤخر حلاق شعره، ولا يطوف بالبيت حتى يرجع من منى إلا أن يشاء أن يطوف تطوعاً، ولا يسعى بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى وعليه دم لتأخير الحلاق. وقال في موضع آخر: "من أحرم بعمرة له أن يلبي بالحج ما لم يطف ويسعى (¬5) ". وقال في "الموطأ" (¬6) نحوه عن بعض أهل العلم أنه سمعه يقول: إن له ذلك ما لم يطف بالبيت ويسعى (¬7) بين الصفا والمروة، فقال هنا ما تراه، وقال مرة: "ما لم يطف ¬
ويركع" (¬1)، ومرة لم يذكر الركوع ولم يره قارنا متى سعى وإن لم يفرغ من سعيه. فاختلف المتأولون في كلامه هذا في ثلاث (¬2) مواضع هل فيه اختلاف أو هو وفاق: الأول هل له ذلك ما لم يطف أو لم يطف (¬3) ويركع أو ما لم يكملّ السعي: فذهب بعضهم (¬4) إلى أنه وفاق في أنه لا يفيته إلا تمام الطواف، وإنما اختلف لفظه لأنه لم يذكر مرة الركوع، وذكره مرة، فعنده أنه إن صلى الركعتين لم يكن قارناً، وإن لم يكن صلاهما كان قارناً. وإلى هذا ذهب القاضي أبو محمد عبد (¬5) الوهاب، وعليه حمل أكثرهم ظاهر الكتاب، لكنه يكره القران عندهم ما لم يركع، فإذا أوقعه لزم. وذهب آخرون إلى أنه مختلف هل يفيته الطواف أو لا يفيته إلا تمام السعي؟ وأن في قوله الواحد: إنه ليس له أن يقرن ويردف الحج على العمرة منذ يطوف، يريد طوافه كله. وفي قوله الآخر قال: إنه قارن وإن طاف وصلى ما لم يتم السعي، قال: وإنما ذكر الركوع مرة، وتركه مرة لأنه أجزأ عنده ذكر الطواف عنه. وإلى هذا ذهب ابن لبابة وذهب إلى أن لفظه في الكتاب واختلافه يرجع إلى هذا، ويكون عنده قوله: قبل فراغه من سعيه، على القول الواحد: إنه بتمام الطواف لا يصح القران. وقد حكي عن القاضي أبي محمد عبد الوهاب (¬6) نحو هذا أنه لا يفيت القران إلا بتمام (¬7) ¬
السعي. وذهب أشهب (¬1) وابن عبد (¬2) الحكم أنه متى طاف ولو شوطاً واحداً فلا يصح له القران ولا يلزمه/ [خ 147] إحرامه بالحج. وقال آخرون: إنه لا يختلف قوله أنه لا يكون قارنا متى أكمل الطواف بركوعه وإن لم يسع أو سعى بعض السعي، وهو ظاهر الكتاب. الموضع الثاني إذا لم يكن قارناً هل يلزمه إحرامه الذي أحرم بالحج أم لا (¬3)؟ - وذلك إذا أردف الحج في طوافه أو سعيه - (¬4) على القول: إنه لا يرتدف حينئذ ولا يكون قارناً. فقيل: إنه يلزمه ذلك الحج - وهو ظاهر قوله في الكتاب: ويستأنف الحج - وإلى هذا ذهب أكثرهم. وذهب يحيى بن عمر (¬5) إلى أن ذلك لا يجب عليه، وأن معنى قوله: "يستأنف الحج": أي إن شاء. ولا يختلفون أنه إذا أردف الحج بعد تمام السعي أن الحج لازم له، وهو نص الكتاب وغيره. وقد عارض بعضهم قوله هذا بقوله في الثاني (¬6): "ولا يردف الحج على العمرة الفاسدة"، واختصرها هناك أبو محمد: "ولا يلزمه"، فانظره (¬7). الموضع الثالث قوله: "ويمضي على سعيه ويحل"، فاختلف في تأويل قوله: يحل: فذهب بعضهم أن معناه: يحلق لعمرته بخلاف الذي أردف بعد تمام ¬
السعي، فهذا يؤخر الحلاق وعليه دم لتأخير الحلاق كما نص عليه في الكتاب. والأول لا دم عليه، لأنه حلق وحل بذلك. وقيل: معناه يحل الفراغ (¬1) من السعي، وهو ظاهر الكتاب لإطلاقه الإحلال في غير موضع على الفراغ من السعي. وفي المسألة فصل رابع وهو أن مذهبه في الكتاب أنه إذا جعله قارناً في إردافه وهو يطوف أو يسعى - على ما تقدم من الخلاف في التأويل - أنه لا يقدح تماديه على تمام سعيه أو طوافه (¬2) في قرانه. وعند أشهب أنه متى تمادى على طوافه بعد قرانه لم يكن قارناً، وإن قطع التمادي كان قارناً (¬3). وقوله (¬4) في المواقيت في أهل الشام ومصر والمغرب إذا مروا بالمدينة (¬5) فميقاتهم ذو الحليفة، ليس لهم أن يتعدوها، وإن أحبوا أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة فذلك واسع (¬6)، ولكن الفضل لهم من ميقات النبي - صلى الله عليه وسلم -. كذا في أصل "المختلطة"، وكذا كان في كتاب ابن عيسى وأصل ابن المرابط. وعند ابن عتاب: فميقاتهم ذو الحليفة. وهو الصحيح، وكذا أصلحها ابن وضاح في "المدونة"، وعليه اختصرها المختصرين (¬7). وقوله (¬8) آخر الكلام: "وأهل أهل (¬9) اليمن من يلملم، وأهل نجد من قرن"، ليس معطوفاً على من منهم بالمدينة وعلى ما اتصل من الكلام ¬
قبله، وإنما هو استئناف كلام أن مهل هؤلاء من هذه المواضع، وإنما هو معطوف على مبتدأ الكلام. قوله (¬1): "ذو الحليفة لأهل المدينة"، وقد أدخل مجيئه (¬2) آخراً ليبين على بعض من لم يفهم في الكلام (¬3)، وهو بين في الكتاب أنهم بخلاف غيرهم من أهل الشام ومصر؛ إذ مهل أولئك الجحفة في طريقهم فكان لهم التأخير إليها، وهؤلاء مهلهم ليس في طريقهم، فصار مهلهم إذا مروا بالمدينة من ذي الحليفة لا يمكنهم غيره من مهلاتهم. والجُحفة على نحو ستة أميال من البحر، وبينها وبين المدينة ثمانية مراحل سائراً إلى مكة (¬4). وذو الحليفة على ستة أميال من المدينة، وقيل: سبعة (¬5). وقوله (¬6) في الذي دهن قدميه أو عقبيه من شقوق: "لا شيء عليه، وإن دهنهما من غير علة أو ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما أو لعلة فعليه الفدية"، كذا في نسخ، وعلى هذا اختصره ابن أبي زمنين/ [خ 148]. وسقطت اللفظة في بعض النسخ، وعلى ذلك اختصرها أبو محمد (¬7) وغيره. وكانت في كتب شيوخنا: ليحسنهما أو من علة، وفي رواية ابن لبابة: من غير علة (¬8). ¬
وهذا اللفظ أو إسقاطه هو الصواب، وعليه اختصر كثير منهم. وبيانه في الثاني: "إن دهن شقوقا في يديه أو رجليه بزيت أو شحم أو ودك لم تكن عليه فدية، وإن كان بطيب افتدى، وإن كان لزينة بغير طيب افتدى. وفي كتب يحيى بن يحيى عنه: إن دهن باطن قدميه بزيت فلا شيء عليه، وإن دهن شقوقاً في ساقيه افتدى، ويقال (¬1) أيضاً: إن دهن بطون كفيه وقدميه من شقوق أو ليمرنهما للعمل فلا بأس، وإن دهن ظهورهما أو باطن (¬2) ساقيه أو ركبتيه (¬3) لخوف أن يصيبه (¬4) شيء فليفتد. وهذا يشعر بصحة اختلاف الرواية: من علة أو من غير علة، وأنه مرة راعى الضرورة في الساقين والذراعين كمراعاتها في الرجلين واليدين، ومرة لم يراعها للزوم ذلك اليدين (¬5) والرجلين غالباً. وقد جوز دهن (¬6). وقوله (¬7): "دخل مكة فطاف الطواف الأول الذي أوجبه مالك الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة" (¬8)، ثم قال: "ليس عليه أن يستلم إلا في ابتداء طوافه الواجب إلا أن يشاء". ثم قال بعد هذا: "قلت: طواف الإفاضة عند مالك واجب؟ قال: نعم. زاد في بعض الروايات: وطوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة، هذان واجبان يرجع لهما جميعاً فيما ترك منهما، فيطوف ما ترك منهما، وعليه الدم والدم فيه خفيف. وسقطت هذه الزيادة من أكثر النسخ، وسقطت لابن وضاح، وحوق عليها في أصول شيوخنا وكتب عليها: طرحها سحنون وقال: هي خطأ. ¬
قال القاضي رحمه الله: وهو الصواب، ليس طواف القدوم - وهو طواف الزيارة - من فرض الحج ولا أركانه، لكنه عندنا سنة مؤكدة. وتسمية مالك لهذا الطواف أولاً وفي غير هذا الموضع واجبا، أي من مؤكد السنن كما جاء في الوتر وغسل الجمعة. وطريق المَأزِمَين (¬1)، مهموز مكسور الزاي مفتوح الميمين مثنى، قال ابن سفيان (¬2): هما جبلا مكة وليستا (¬3) من المزدلفة (¬4). وقال أهل اللغة: هما (¬5) مضايق جبلا (¬6) منى. والمآزم والمآزق - بالميم والقاف: المضايق، واحدها مأزم ومأزق، بكسر الزاي. وقوله (¬7): "الذي رأيت مالكاً يستحب أن يترك رفع الأيدي في كل شيء، قلت لابن القاسم: وفي ابتداء الصلاة؟ قال: نعم، وفي ابتداء الصلاة"، كذا في "الأسدية" هنا. وفي "المدونة" - في رواية شيوخنا -: وفي ابتداء الصلاة؟ قال: لا. وفي كثير من الأمهات: قال: نعم، إلا في ابتداء الصلاة (¬8)، ونحوه في كتاب الصلاة. تقدم (¬9) في كتاب الصلاة أن من ذلك اللفظ الأول ومما في كتاب ¬
الصلاة من قول من قال: إن تلك اللفظة لابن القاسم لا لمالك، ذَكَرَ مَنْ ذَكَرَ في (¬1) "المدونة" أن مذهبه فيها أنه لا ترفع الأيدي لا في أول الصلاة ولا فيما بعد ذلك، وقد بيناه في كتاب الصلاة (¬2). وذكر (¬3) طواف الوداع - وهو طواف الصَدَر - بفتح الدال، أي الرجوع، وهو الطواف الثالث، وهو مستحب عندنا. وقوله (¬4) في المعتمر الذي طاف على غير وضوء وقد حلق: "إن كان أصاب النساء أو تطيب (¬5) أو/ [خ 149] قتل الصيد"، إلى قوله (¬6): "وأما الصيد والطيب فعليه لكل ما فعل من ذلك فدية كفارته (¬7) ". كذا عند شيوخنا، وسقطت لفظة "الطيب" من رواية ابن عتاب (¬8)، وثبتت لابن المرابط. وسقط جوابه من رواية القرويين، وحذفه أكثر المختصرين وأجابوا عن الصيد والثياب. وفي نسخة: "فعليه لكل ما فعل من ذلك فدية (¬9) فدية"، وفي نسخة: فعليه لكل ما فعل من ذلك فدية، وهذا يختص بالصيد، وزاد بعضهم: وعليه في الطيب الفدية. وقال في الثاني في المحرم إذا أصاب الصيد على وجه الإحلال والرفض فأصاب النساء والطيب والصيد في مواضع مختلفة فحكم عليه في كل صيد جزاء، وأما اللباس والطيب كله فعليه لكل شيء يلبسه ويتطيب به كفارة واحدة؛ يريد للباس كفارة (¬10) ¬
وللطيب كفارة. ذهب بعض الشيوخ أنه اختلاف من قوله والله أعلم. وقوله (¬1) في الذي يأتي المصلى في العيد وقد فاتته ركعة: إنه يقضي ستاً، لأن السابعة تكبيرة الإحرام وفد جاء بها لأول دخوله. ثم قال (¬2): فإن أدرك الإمام في التشهد؟ قال: "يحرم ويدخل مع الإمام فإذا فرغ صلى وكبر" (¬3). ¬
كتاب النكاح الأول
كتاب (¬1) النكاح الأول (¬2) أصل (¬3) النكاح في وضع اللغة الجمع والضم، وقالوا (¬4): نكحت (¬5) البر في الأرض إذا حرثته فيها، ونكحَت الحصى أخفافَ الإبل إذا دخلت فيها، ثم استعملت (¬6) في الوطء. وهو في عرف الشرع ينطلق على العقد لأنه بمعنى الجمع، ومآله إلى الوطء. وقد جاء في كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه السلام كثيراً للعقد، وهو أكثر استعماله في الشرع؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬7)، {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (¬8)، {وَلَا ¬
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (¬1)، و {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬2)، و {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (¬3). ويبعد أن يكون المراد بهذا الوطءُ؛ إذ الوطء عموما (¬4) منهي عنه بغير عقد. وقد ورد أيضاً بمعنى الوطء في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬5)، وقوله: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (¬6) الآية، على خلاف في تأويلها بين العلماء. وكذلك قيل أيضاً: إنه ورد بمعنى الصداق في قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} (¬7). والصحيح أن المراد هنا العقد. ومعنى: لا يجدون نكاحاً، أي: لا يقدرون على الزواج لعسرهم. والصداق، بفتح الصاد وكسرها، ويقال: صَدَقَة وصَدُقَة ويجمع صَدُقَات. ومعناه مشتق من الصدق والصحة (¬8)، ومنه فرس صدق وكلام صدق، أي صحيح متساوي (¬9) الباطن والظاهر، فكذلك النكاح الشرعي بشرط الصداق مستوي (¬10) الظاهر والباطن بخلاف السفاح صحيح العقد ثابته. ويقال له أيضاً: فريضة ونحلة وأجر؛ قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (¬11)، وقال: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬12)، وقال: {اللَّاتِي ¬
آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} (¬1). وقد سمي في الحديث أيضاً عُقْراً (¬2)، وكذلك ذكره في كتاب أمهات الأولاد. وسمي أيضاً علاقة/ [ز 78] ومهراً، وسمي أيضاً نفقة/ [خ 150]، ومنه قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (¬3) {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} (¬4). وسمي أيضاً بضعاً. والشغار (¬5) أصله في اللغة الرَّفْع، وذلك من قولهم، شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول (¬6)، ثم استعملوه فيما يشبهه فقالوا: شغر الرجل المرأة إذا فعل ذلك بها للجماع، وشغرت هي أيضاً إذا فعلته. ثم استعملوه في النكاح بغير مهر إذا كان وطئاً بوطئ وفعلاً بفعل، فكأن الرجل يقول لآخر (¬7): شاغرني، أي أنكحني وليتك وأنكحك وليتي بغير مهر فمنعته الشريعة. وجاء في الحديث (¬8) مفسراً بذلك. وقيل: بل سمي بذلك لخلوه من الصداق ورفعه عنه من قولك: بلدة شاغرة، لخلوها من أهلها وارتفاعهم عنها. وقد أجمع العلماء على تحريم نكاح الشغار، ثم اختلفوا فيه بعد ¬
وقوعه. واختلف مشايخنا في علة تحريمه (¬1): هل هو لفساد عقده لكون كل بضع صداقاً للأخرى؛ فهو للزوج غير تام الملك لمشاركة من أصدقته بحقها فيه، فكان كمن زوج وليته رجلين أو تزوج نصف امرأة؛ أو عقد بيعاً في سلعة من رجلين (¬2) على أن لكل واحد منهما جميع السلعة، وهذا كله ما لا يصح فيه عقد. وعلى هذا حملوا قوله المشهور بفسخه (¬3) قبل وبعد؛ إذ هو أصله فيما فسد لعقده على ما حكاه البغداديون (¬4) عنه في الوجهين من القولين (¬5)، وعلى ما في كتاب ابن عبد الحكم (¬6) من الخلاف فيما فسد صداقه (¬7). ومن أصحابنا من جعل علة قوله بالفسخ لهذا لجمعه الفسادين في الصداق والعقد. وقال أبو عمران (¬8): إنما اختلف قوله للاختلاف في النهي هل يدل (¬9) على فساد المنهي عنه؟. وقال القابسي (¬10): إنما اختلف قوله لاختلافهم في معنى الشغار. ولا وجه يظهر لقوله هذا (¬11). ¬
وأما القاضي إسماعيل (¬1) فنحا أن علته عروه عن الصداق وشرطهما ذلك. فعلى هذا تأتي (¬2) القولان له على ما نص عليه فيمن شرط ألا صداق عليه، وإليه نحا الباجي (¬3). قال القاضي: وتفريقه في الكتاب (¬4) بين الشغار ووجه الشغار يدل عندي على هذا (¬5)؛ إذ لو كان لأجل فساد الصداق مجرداً لكان جوابه فيهما سواء، إذ هو موجود فيهما. وإن كان لفساد العقد فكذلك يجب أيضاً أن يكون الجواب فيهما لمشاركة كل واحدة زوج الأخرى في بضعها مع الخلو من الصداق أو تسميته معه، على أن مسألة المشترط ألا صداق قد يحمل الخلاف فيها إما على الخلاف في فساد الصداق؛ إذ عدمه كفساده، أو على الخلاف في فساد العقد؛ إذ خلو العقد عن الصداق أو التفويض فيه وشرط إسقاطه خلل ببعض أركانه فأدى إلى فساده. وبه علله ابن حبيب (¬6). وقد قال بعض البغداديين: إن المعقود به إذا كان فاسداً وجب فساد العقد. أو يكون قولاه على الوجهين؛ فمرة غلب عليه (¬7) فساده للصداق فقال بإمضائه بعد الدخول، ومرة غلب (¬8) فساده للعقد فرده أبداً. وقد أشار عبد الحميد أنه يتخرج من الكتاب - على التعليل في منع الشغار بأنه لفساد عقده - قول فيما فسد لصداقه (¬9) بفسخه أبداً كما حكى البغداديون. وقال ¬
السيوري: إنه يتخرج من قوله فيه (¬1): إن فيه الميراث والفسخ/ [خ 151] بطلاق قول ثالث، وهو إمضاؤه بالعقد كمذهب المخالف. وخرج هذا القول فيه غيره على أحد قوليه فيما اختلف الناس فيه أنه يمضي ولا يرد، وأن نزوله كحكم حاكم به وحكي عن بعض البغداديين. لكن هذا يبعد؛ لأن فوات ما اختلف/ [ز 79] فيه بالعقد إنما هو فيما الخلاف ابتداء في إجازته أو منعه، فإذا وقع فهل وقوعه فوت أم لا؟ هو موضع النظر والخلاف. وأما الشغار فمتفق على منعه ابتداء والنهي عنه، والخلاف فيه إذا وقع: هل يمضي أم يرد؟ (¬2) فليس وقوعه كوقوع ما اختلف فيه قبل وقوعه، فلا يجعل وقوع مثل هذا فوتاً. وقد قيل: إن العقد في مثل هذا فوت (¬3) في النكاح لوقوع الموارثة والمحرمية وأحكام كثيرة بنفس العقد، فأشبه اختلاف الأسواق المفيتة للعقود الفاسدة في البيوع بل هذا أشد. وقوله (¬4) في وجه الشغار إذا دخلا: يفرض لهما صداق مثلهما ولا يلتفت إلى ما سَمَّيا. قال سحنون (¬5): "إلا أن يكون ما سَمَّيا أكثر فلا ينقصان من التسمية". ثبت هذا اللفظ من قول سحنون في الأصل، وحمله الشيوخ على التفسير لقول ابن القاسم؛ إذ قد بين ذلك ابن القاسم في المسائل التي شبهها بها في التي تزوجت بمائة وثمرة لم يبد صلاحها (¬6)، أو بمائة نقداً ومائة إلى موت أو فراق (¬7). وذكره ابن لبابة من قول ابن القاسم ولم يذكر فيه اسم سحنون. ويكون معنى قوله عندهم: ولا يلتفت إلى ما سَمَّيا إن كان أقل من صداق المثل، فيكون لهما الأكثر إذ لم يبق للزوجين حجة، وإنما ¬
الحجة للنساء، تقول (¬1) كل واحدة [منهن] (¬2): جعل في مهري ما سمي ونكاحَ الثانية فتبلغ مهر مثلها. والزوج - وإن (¬3) سمى أكثر من صداق المثل ويحتج: إنما فعلت ذلك لرغبتي في تزويج وليتي - فيقال له: قد وصلت إلى غرضك، إذ قد ثبت لك ما أردت بالدخول ولم تفسخه فلا حجة لك. وهذا مذهب عيسى بن دينار الذي نذكره بعد. وقال بعض الشيوخ: إن الأولى في المسألة حملها على ظاهرها من أن لها صداق المثل مطلقا؛ إذ هو عقد فاسد فات بالدخول ففيه صداق المثل كسائر العقود الفاسدة. وجعلوا قول سحنون خلافاً، وأن هذه الزيادة ليست في "الأسدية"، واحتجوا بما وقع مبيناً في "مختصر" (¬4) أبي زيد بن أبي العمر (¬5) من قوله: فإن بنا (¬6) بهما كان لهما صداق المثل، كان أقل من التسمية أو أكثر. وأما إن كان إنما دخل بالواحدة منهما فإنه يفسخ نكاح التي لم يدخل بها، ويمضى نكاح المدخول بها ولها صداق مثلها، كان أقل من التسمية أو أكثر، كذا فسرها في "سماع (¬7) يحيى بن يحيى" عن ابن القاسم، وهي جارية على الأصل الأول، لأن حجة الزوج (¬8) في فسخ نكاح وليته التي يحتج إنما زاد (¬9) في التسمية ليتم نكاحها لم يتم (¬10) له. وقال عيسى بن دينار في "المبسوطة" (¬11) خلافَه؛ قال: إن دخل بهما أو بإحداهما فرض ¬
للمدخول بها صداق المثل إن كان أكثر مما فرض لها عند العقد. وقوله (¬1) في الكتاب: إذا سمي لاحداهما دون الأخرى ودخل بهما (¬2) "يجاز (¬3) نكاح التي سمى لها، ولها مهر مثلها. ويفسخ نكاح الأخرى دخل أو لم يدخل". اختلف تأويل المفسرين/ [خ 152] والمختصرين في هذه أيضاً؛ فاختصرها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: ولكل واحدة صداق المثل (¬4)، فسوى بينهما. وكذا نقل ابن لبابة المسألة عن "المدونة". وهذا على الأصل المتقدم؛ لأنا لما فسخنا نكاح التي لم يسم لها بكل وجه بقيت حجة الزوج فيما زاد؛ إذ لم يتم له غرضه في إمضاء نكاح وليته. قال ابن لبابة: وقد أخطأ جماعة في تأويل المسألة ورأوا ألا ينقص من المسمى إن كان المثل أقل وأنه مراده. قال شيخنا القاضي أبو الوليد (رضي الله عنه) (¬5): وقول عيسى على تأويل أبي محمد وخلافُ رواية يحيى. وقوله (¬6): "لا يجبر أحد أحداً على النكاح إلا الأب في ابنته البكر وفي ابنه الصغير وفي/ [ز 80]، أمته وعبده والولي في يتيمه". المراد بالولي هنا الوصي؛ إذ غيره لا يجبر ولا يزوج الصغير على مشهور المذهب إلا ما وقع في كتاب يحيى بن إسحاق لابن كنانة (¬7) في أخ زوَّج أخاً له صغيراً يليه وليس بوصي عليه: إنه يمضي ويلزمه، وذكر عن مالك فسخه إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ. وظاهره التسوية بين اليتيم الكبير والصغير، ولم ¬
يفرق كما فرق في الأولاد، فيحتمل (¬1) أن يريد يتيمه الصغير الذي لم يبلغ, وهو مذهبه في "المدونة". وفي "الموازية" (¬2) إنكار ذلك. والمخزومي (¬3) يجيزه إذا كان نظراً. وإليه يرجع معنى ما في كتاب محمد و"المدونة" بدليل كلامه في مسألة الخلع عليه فانظره هناك. وأما الأب في ابنه الصغير فلا خلاف في جواز ذلك عليه عند أهل العلم. وقد قيد ذلك في كتاب الخلع (¬4) إذا كان فيه الغبطة والرغبة كنكاحه من المرأة الموسرة. وهذا نحو قول المخزومي في اليتيم. وقد يحتمل قوله في الكتاب: "والولي في يتيمه" أن يريد الكبير أيضاً. ويأتي له بعد هذا في باب إنكاح الرجل (¬5) ابنه الكبير بيان ذلك في قوله: إذا زوج ابنه الذى بلغ، قال: لا يلزمه النكاح، وذكر المسألة وقال في آخرها: "إذا كان الأبن قد ملك أمره" (¬6)، فقد يحتج به لإجبار السفيه البالغ، وهو نص ما لابن القاسم في "سماع" عيسى في "العتبية" وقول ابن حبيب (¬7). وقد تأول بعضهم ملك أمره، أي في نفسه لا في ماله نحو قوله في المسألة الأخرى: وذهب حيث شاء، وتفسيرِ ابن القاسم لها بمثل هذا. وفي "المدونة" أيضاً خلافه نصاً في كتاب الخلع واشتراطه في الكبير هناك (¬8) بأمره، وهو قول عبد الملك (¬9) أنه لا يزوجه إلا برضاه. وقد يتأول ما تقدم من قوله: "إذا كان قد ملك أمره" أي بنفس البلوغ، فيكون أيضاً حجة لمسألة أخرى بخروجه عن حجر أبيه بنفس البلوغ. ¬
وقوله (¬1) في الذي ذكر أن له ابنة أخ سفيهة فأراد أن يزوجها ممن يحضنها (¬2) ويكفلها فأبت، فقال: لا يزوجها إلا برضاها وإن كانت سفيهة في حالها. ظاهره مخالف لما ذكر القاضي أبو الحسن بن القصار (¬3) أن اليتيمة يزوجها الولي إجباراً إذا رأى المصلحة لها في ذلك، وتسليم حذاق المشايخ ذلك متى خيف عليها الفساد وأبت من النكاح وإن كانت ثيباً، وإن كان ابن المنذر قد حكى في أصل المسألة خلافاً عن مالك، وأنه حكى عنه أن لوصي الأب أن يزوج الصغيرة دون الأولياء نحو ما ذكر من مذهب عروة بن الزبير (¬4). وهو خلاف مشهور مذهب مالك من أنه لا يزوجها إلا برضاها وبعد بلوغها. وقوله (¬5) / [خ 153] في الذي (¬6) شكت بتزويج زوجها ابنتها من ابن أخ له معدم وقالت: أترى لي في ذلك متكلماً؟ قال: "نعم، إني لأرى لك في ذلك متكلماً (¬7) ". كذا رويناه على الإيجاب لا على النفي، ولا يصح الكلام إلا به؛ لأنها سألته (¬8): ألها متكلم؟ فقال: نعم. ثم أعاد عليها بأنه رأى لها في ذلك متكلماً. ومن رواه: لا أرى - على النفي وبمد "لا" - لم يستقم مع قوله قبل: نعم، واختل المعنى وناقض بعض (¬9) كلامه بعضاً (¬10). وفي ¬
كثير من النسخ: "إني أرى لك (¬1) "، وعليه اختصر بعض المختصرين، وهو يرفع الإشكال. واختلف المشايخ في مدني قول ابن القاسم (¬2): "أراه جائزاً إلا أن يأتي من ذلك ضرر فيمنع"، هل هو خلاف لمالك أم لا؟ فمنهم من حمله على الخلاف - وهو مذهب سحنون (¬3) - وقال: وبقول (¬4) ابن القاسم أقول. قال: ويعني بالضرر ضرر البدن، وأما الفقر فلا، وقال مثله ابن حبيب (¬5). ومنهم (¬6) من قال: هو وفاق. ولعل ابن القاسم لم يتكلم/ [ز 81] على الفقر الفادح المضر بها، وإنما تكلم على أن ابن الأخ بالإضافة إلى مالِها فقير لسعة حالها هي وكثرة يسرها (¬7). وقال أبو حفص العطار (¬8): الفقر ضرر بين. واحتج بعضهم لذلك ¬
بقول النبي عليه السلام لفاطمة بنت قيس (¬1): "أما معاوية فصعلوك لا مال له" (¬2). وذهب بعض قدماء المشايخ أنه إذا خشي عليها أكل مالها كان في ذلك متكلم كما قال مالك. وهو من الضرر الذي ذهب إليه ابن القاسم، وإن لم يخش ذلك لم يعترض الأب في ذلك في قوليهما معاً، وإن جوابها (¬3) وقع (¬4) على هذين الوجهين. ود (¬5) هذا أبو القاسم بن محرز وغيره وقال: هو إحالة للمسألة؛ إذ لا معنى لذكر الفقر هنا؛ إذ المانع الخوف منه وعدم الأمانة. وكلام سحنون يدل على خلاف هذا. وقوله (¬6) في التي دخل بها وطلقت قبل المسيس: أما التي طالت إقامتها مع زوجها وشهدت مشاهد النساء فلا يزوجها الأب إلا برضاها، وأما الشيء القريب فيزوجها، والسنة طول. فهل السنة طول بمجردها أو بإضافة مشاهد النساء لها؟ وهو ظاهر الكتاب. وقد ذكر القاضي أبو محمد ابن نصر في حد الطول روايتين: إحداهما السنة. والأخرى زوال الحياء والانقباض (¬7). وسواء على مذهب الكتاب وافقها الزوج على عدم المسيس أو ناكرها. وقوله (¬8): "إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وليس للوالد أن يمنعه". ومثله في باب الحضانة، قال ابن القاسم: "إلا أن يخاف من ¬
ناحيته سفهاً فيمنعه". ظاهر قول مالك وظاهر مسألة البكر إذا بنى بها ثم طلقت أن بمجرد (¬1) البلوغ في الذكران ومجموعَه مع الدخول في الإناث يخرجهم من (¬2) الولاية. وهي رواية زياد (¬3) عن مالك أن البلوغ فيهما بمجرده يخرجهما من ولاية الأب. قال شيوخنا: ومعناه فيمن علم رشده منهما أو جهل حاله، لا من علم سفهه. وأما ابن القاسم فيقول خلافه وأنه لا يأخذ الولد ماله حتى يعلم منه الرشد إلا ما وقع له هنا. وكذا تأول ابن أبي زيد (¬4) المسألة المتقدمة، قال: يذهب بنفسه لا بماله، وهذا هو ظاهر الروايات عن مالك وابن/ [خ 154] القاسم في "المدونة" وغيرها في غير موضع (¬5). واستحسن بعض الشيوخ ألا يخرج من ولاية أبيه حتى يمر به (¬6) بعد بلوغه عام. ومشهور قول مالك في "المدونة" و"الموطأ" (¬7) وغيرها (¬8) أن البكر لا يخرجها من ولاية الأب بعد البلوغ إلا الدخول ومعرفة صلاح حالها. ومعناه عندهم أنها لا تعرف سفيهة (¬9). واستحب في كتاب ابن حبيب مرور سنة بعد الدخول (¬10). وقيل عنه: ما لم تعنس، على ما في رواية عبد الرحيم (¬11)، ....................................... ¬
وقاله ابن القاسم في بعض روايات كتاب الكفالة. وقيل (¬1): حتى يمر بها في بيتها سنة بعد الدخول وإن علم رشدها، وهو ظاهر قول يحيى بن سعيد في "المدونة" وقول مطرف (¬2) في "الواضحة". وقيل غير هذا مما هو معروف من الخلاف بين أصحاب مالك المتقدمين والمتأخرين. وكذلك فيمن لا ولاية عليه منهما لا نطول بذكره لوجوده، وإنما ذكرنا هنا ما يخرج من الكتاب نصاً أو ظاهراً، وقد ذكرنا منه بعضاً (¬3) في كتاب النكاح الثاني. وقال بعض الشيوخ: الفرق بين النفس والمال أن الغالب الشفقة على النفس، فلم يعترض في ذلك، والمال يحتاج إلى اختبار ومعرفة بالتصرف فيه بما يظهر منه خبر ذلك، فلم يمكن منه حتى يظهر منه ما يوجب ذلك. وجعل ظهور السفه منهما بعد بلوغهما يبقي (¬4) حكم الولاية عليهما من غير نظر سلطان في ذلك ولا حكمه/ [ز 82]. قال بعضهم: وهو مثل قوله فيمن تبين سفهه بعد رشده أنه يكون سفيهاً محجوراً في الحكم وإن لم يحجر عليه قاض، وهو أصل مختلف فيه. وقول غير (¬5) ابن القاسم في صمت البكر (¬6): "إذا كانت تعلم أن ¬
السكوت رضى"، قال بعض مشايخنا (¬1): ظاهر قوله أنه شرط في ذلك، وقد قال القاضي أبو محمد: إنه ليس بشرط في صحة الإذن (¬2). وحمله أكثرهم على الاستحباب (¬3). وترجح أبو عمران هل هو وفاق لابن القاسم أو (¬4) خلاف؟ والأيَّم (¬5) هي التي لا زوج لها. قال إسماعيل القاضي (¬6): بالغاً كانت أم لا، بكراً أم ثيباً (¬7)، وليس كما توهم قوم أنها الثيب خاصة. وقال الحربي نحوه؛ قال: الأيم التي مات عنها زوجها أو طلقها، والبكر التي لا زوج لها أيم أيضاً، ورجل أيم (أيضاً) (¬8): إذا لم تكن له امرأة (¬9). والسَّرِي بن يحيى، بفتح السين وكسر الراء (¬10). وقوله (¬11): إن النبي - عليه السلام - "زوّج عثمان ابنتيه ولم يستشرهما" (¬12)، كذا للرواة (¬13). وعند ابن باز: ابنته ولم يستشرها (¬14)، على ¬
الإفراد، وهو أصح؛ لأن الأولى إنما تزوجها عثمان (¬1) قبل إسلامه في الجاهلية (¬2) وقبل مبعث النبي عليه السلام. مسألة الولي يزوج وليته أو ابنه الكبير وهما غائبان فبلغهما فرضيا: "لا يقام على هذا النكاح" (¬3). وقوله (¬4) في الذي زوج أخته ولم يستشرها فبلغها فرضيت: "بلغني أن مالكاً مرة كان يقول" - وذكر تفريقه بين القرب والبعد (¬5) -. وقوله في الأخرى (¬6) التي قالت: "ما وكلت ولا أرضى، ثم كلمت فرضيت: لا يقام على هذا النكاح". تنازع الشيوخ في هذا؛ فذهب بعضهم إلى أنه خلاف وأنه كان يفرق مرة بين القرب والبعد، أو تأخيرِ (¬7) الإعلام وتعجيله، ومرة لم يفرق، واستدل بقوله "مرة"، وبقوله آخر المسألة (¬8): "وهذا قول مالك الذي عليه أكثر أصحابه (¬9) ". وهذا صحيح؛ فإن الخلاف فيه بين منصوص من قول مالك في كتاب محمد (¬10) وغيره. ¬
وقال/ [خ 155] بعضهم: الخلاف إنما هو في البعيد الغيبة. وبعضهم (¬1) يقول: بل في البعيد الغيبة والقريب الغيبة. قال القاضي رحمه الله: وقد وجدنا لسحنون هذا أيضاً؛ قال: من الرواة من يقول: إذا تقدم العقدُ الرضى فسخ، قرب أو بعد (¬2). وحمل بعض الشيوخ الخلاف في ذلك على ما ذكره البغداديون من اختلاف قول مالك في النكاح الموقوف على الإذن؛ هل يجوز إن أجيز بالقرب أم لا سواء كانت الإجازة للزوج أو للمرأة أو للولي (¬3)؟ قال ابن القصار: فإذا قلنا بالإجازة فلا فرق بين القرب والبعد، وإنما يستحسن فسخه إذا بعد، ويجوز إذا قرب لاستخفاف الشيء اليسير في الأصول (¬4). وأنكر القاضي أبو الفرج هذا المنزع في المسألة وقال: كان يلزمنا (¬5) على هذا تجويز كل عقد ممنوع إذا قرب، وإنما معنى (¬6) ذلك عنده في تجويزه في القرب أنها علمت فعله فلم تنكره ثم رضيت، وأما لو لم تعلم حتى أعلمت كانت كمسألة الابن (¬7). وأما أبو عمران فترجح في المسألة وقال: يحتمل الخلاف وغيره، وأن مسألة التي فرق فيها بين القرب والبعد تفسر الأخرى وتقضي عليها ومسألة الابن الغائب - يريد البعيد الغيبة - ومسألة التي قالت: لا أرضى؛ لأنها ردت الأمر وأبطلته - وقد جاءت في "سماع" ابن القاسم: ما وكلت وما (¬8) ¬
رضيت (¬1)، فلا تشبه المسائل الأخرى التي فيها الإجازة والرضى بالقرب - ويقول (¬2): وقوله - على هذا "مرة"؛ أي لم (¬3) يتكلم بهذا التفسير والبيان إلا مرة، وفي غيرها أجمل/ [ز 83] الجواب. وقال في مسألة (¬4) الابن الغائب "ينكر ما صنع أبوه من إنكاحه: لا ينبغي للأب أن يتزوجها". وقال (¬5) في مسألة الأجنبي الغائب يزوجه الرجل بغير أمره فأجاز: لا يجوز إن طال ولا يتزوجها أبوه ولا ابنه. قال ابن لبابة: معنى مسألة الابن أنه قريب الغيبة، وكذلك مسألة الأجنبي هو أيضاً قريب الغيبة لكنه لم يعرف ذلك حتى طال، قال: ومذهبه إذا كانت الغيبة قريبة فلم يجز وقع التحريم، وكذلك إن كانت بعيدة فأجاز؛ لأنه لو أجاز بالقرب جاز فصارت شبهة. ويقول بعض أهل العلم: إنه إن أجاز جاز وإن كانت بعيدة. قال ابن لبابة: ولا يقع عندي التحريم بشيء من هذا، ولو صح هذا لوصل الناس إلى تحريم من شاؤوا من النساء على غيرهم بعقد نكاحها على من تحرم عليه بسببه بغير أمره. وظاهر كلام غيره التسوية في التحريم بين القرب والبعد والإجازة والرد، وجعل قول المدنيين: إذا قدم فلم يرض أنه لا يقع به التحريم (¬6)، وما لمالك في ذلك أنه خلاف لما في "المدونة" (¬7). ¬
وقوله (¬1) في الحديث: "فما صمتت عنه وقرت جاز عليها"، كذا عندنا. وفي نسخ: "وأقرت" (¬2). وكلاهما يرجع إلى معنى؛ فالأول بمعنى السكون والقرار، يقال: قر يقر إذا سكن. أي لم تُظهر كراهة ولا بَدا منها نفور ولا انزعاج. وفيه حجة أن إنكار البكر يكون بغير القول - كما قاله شيوخنا البغداديون (¬3) وغيرهم - إن بكت، أو نفرت، أو قامت، أو ظهر منها ما يدل على الكراهية لم تنكح (¬4). وكما قال شريح في الكتاب (¬5): "إن معَّصت لم تنكح". ومعناه قطبت وجهها وأظهرت/ [خ 156] فيه الكراهية (¬6). وهو بتشديد العين المهملة وبالصاد المهملة (¬7). وإن كان القاضي أبو محمد بن نصر حكى عن مالك أن الإنكار لا يكون إلا بالقول (¬8)، وهو اختيار بعض الموثقين (¬9). والرواية الأخرى من الإقرار، وهو التسليم والانقياد، أي لم تنكر ذلك وأقرت عليه وسلمت، بظاهر حالها وصمتها. وأشْعَث (¬10) بن سوَّار، بالثاء المثلثة وتشديد الواو في اسم أبيه. ¬
مسألة وضع الصداق، اختلف الشيوخ هل قول ابن القاسم (¬1) بإجازة وضع الأب من الصداق على وجه النظر قبل الطلاق والدخول؟ وهل (¬2) هو مخالف لقول مالك: "لا يجوز أن يضع منه إذا لم يطلقها": فذهب بعضهم إلى أنه خلاف؛ إذ لا يشترط فيه بعد الطلاق نظراً (¬3)، ولأن الحكمة في ذلك الحض على الإحسان وكرم الأخلاق، وأن الزوج حين طلقها قبل أن يصل منها إلى مرغوبه فمكارم الأخلاق تقتضي ألا تأخذ منه ما كان بذل لها مما فاته منها وتتنزه عنه وتتركه له كما تركها، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (¬4)، وهن الزوجات، إذ هذه صيغة جمعهن. والمراد به - والله أعلم - المالكات أمرهن. ثم قال: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (¬5)، وهو - عندنا - المالك أمر من يلي عليه، كالأب في البكر، والسيد في الأمة، لأنه خطاب لغير الأزواج المخاطبين بالمواجهة أول الآية، فدل أن المراد غيرهم، فندبوا لمثل ذلك (¬6). والمراد عند غيرنا (¬7) بهذا الأزواجُ؛ ندبوا أيضاً لذلك إذا طلقها وفوتها ما رجته منه، فكان من مكارم الأخلاق والإحسان ألا يسترد منها ما أسقطه عنه الشرع مما كان بذل لها عن معاشرتها التى تركها من قبله. وقوله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (¬8)، يشعر بصحة/ [ز 84] التعليل الذي ذكرناه، كما أمر الزوج بالمتعة في الوجوه الأخر، وجعله حقاً على المتقين وعلى المحسنين تسلية عن الفراق. وإن كان شيوخنا - رحمهم الله - لم يصرحوا بما قلناه ¬
لكنه يفهم من مضمون قولهم (¬1) وتعليلهم بتحريض الأزواج عليها لما شوهد من المسامحة منه. وقال آخرون من شيوخنا: هو وفاق وأنه إذا كان نظراً صح قبل الطلاق، كما جاز له أن يزوجها ابتداء بأقل من المهر وبما شاء. واستدل قائل هذا بأن ابن القصار قد حكى عن مالك مثل قول ابن القاسم نصاً (¬2). وقد وقع في الجزء الثاني في باب التفويض في المسألة: قال مالك: "ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من صداقها إلا الأب وحده، ولا (¬3) وصي ولا غيره. قال ابن القاسم: إلا أن يكون ذلك منه على وجه النظر ويكون ذلك خيراً لها فيجوز إذا رضيت مثل ما يعسر (¬4) الزوج"، وذكر مثل قوله في الأول في بقية المسألة في نظر الأب (¬5). فزيادته ها هنا رضاها، وإجازةُ الولي ذلك عند بعض شيوخ الأندلس قولة ثالثة لابن القاسم اشترط فيها (¬6) رضاها (¬7) مع رضى الولي. وتأولها بعضهم أنه إنما تكلم هناك في الوصي وأن له أن يزوج (¬8) بأقل من الصداق إذا رآه نظرا في البكر والثيب السفيهة. وقد وقع له هذا نصاً. ورواية ابن وهب عن مالك هنا (¬9): لا يجوز/ [خ 157] وضيعة الأب "إلا إذا وقع الطلاق وكان لها نصف الصداق، فأما قبل فلا يجوز لأبيها" هو مثل ما ذكر ابن ¬
القاسم على معنى قول مالك أول الباب (¬1) وقوله (¬2): "لأنه لو طلقها ثم وضع الأب نصف الصداق الذي وجب فذلك جائز"، قال فضل: هذا يبين أن الوضيعة إنما هي بعد الطلاق. قال القاضي: لقوله: "ثم وضع الأب نصف الصداق"، و"ثم" تقتضي الترتيب والمهلة. ويبينه من رواية ابن وهب قوله (¬3): إذا وقع الطلاق كان لها نصف الصداق، فأما قبل فلا يجوز، ولأن ما كان عند الطلاق ووقع عليه فليس بعفو، إنما يكون مخالعة ومعاوضة (¬4)، والعفو إنما هو الترك والإغضاء والمسامحة؛ يقال جاءه الأمر عفواً صفواً، أي سهلاً دون صعوبة. وقوله (¬5): "وذلك فيما يرى موقعه من القرآن" أي تأويله والمراد به. وقوله (¬6) في التي قال لها: أنا أزوجك من فلان، فسكتت وهي بكر: إنه رضى. ثم قال في التي زوجها وليها بغير أمرها فبلغها: "إن سكوتها لا يكون رضى" (¬7)، هو بين في الفرق في الصمت والنطق في الحالين، وهو بين في كتاب ابن حبيب (¬8) أن التزويج متى تقدم الإعلامَ لم يكن رضى (¬9) في البكر وغيرها إلا بالنطق، وإنما يكون صمت البكر رضى إذا كان حين التزويج أو تقدمه الإعلامُ والإذن كما نبه عليه في الكتاب (¬10) قبل. وقد ¬
ذهب بعض الصقليين إلى التسوية بين المسألتين إذا أعلمها أن سكوتها رضى وأشهد عليها بذلك، وفيه نظر. مسألة الذي قبض مهر ابنته، قال في أول السؤال في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها ودفع الزوج الصداق إلى أبيها (¬1)، "قال: سئل مالك عن رجل يزوج ابنته ثيباً فدفع الزوج الصداق إلى أبيها ولم ترض، فزعم الأب أن الصداق قد تلف من عنده، قال: يضمن الأب الصداق"، ثم قال آخر الباب (¬2): / [ز 85] "وإنما رأيت مالكاً ضمَّن الصداقَ الأبَ الذي قبض في ابنته الثيب لأنها لم توكله بقبض الصداق، وأنه كان متعدياً حين قبضه ولم يدفعه إليها حين قبضه فيبرأ منه؛ بمنزلة مال كان لها على غريم فقبضه بغير أمرها، فلا يبرأ الغريم والأب ضامن، وتتبع الزوج". ففي لفظه تلفيف لقوله أولاً: "بغير رضاها"، وقوله بعد: "ولم ترض"، ثم جعل الصداق من حقها وترجع به على الزوج، وهذا كله يدل أن الجواب في التي رضيت بالزوج ولم ترض بقبض الأب [له] (¬3) ولا جعلته إليه، ولم يجبه على السؤال الأول. وعلى ما ذكرناه حملها العلماء واختصرها المختصرون؛ فنقلها ابن أبي زمنين في الأب (¬4) يزوج ابنته برضاها، واختصرها أبو محمد وغيره: "وإن قبض الأب للثيب صداقها بغير أمرها" (¬5). وقد اعترض سحنون على جوابه بالتضمين بانه ليس بوكيل فيأخذه على الاقتضاء، وإن كان رسولاً فلا ضمان عليه (¬6). وقد أجاب عن ذلك الشيوخ وأظهروا حجة مالك في ذلك ¬
بأجوبة مشهورة أصوبها وأبينها (¬1) ما نص عليه في الكتاب من تعديه بحبسه عنها فضمن لذلك. وقيل: لأنه متعد بقبض ما لم يجعل له قبضه والزوج لم يرسله به، بل دفعه إليه على وجه الاقتضاء جهلاً منه وظناً أن ذلك له. مسألة وقعت في بعض روايات "المدونة" في النسخ القروية/ [خ 158] وليست في الروايات الأندلسية عندنا، ولم أروها ولا كانت في كتب شيوخنا، وقد ذكرها أبو بكر بن يونس، وأبو محمد السوسي من "المدونة"، وكذلك نقلها ابن مغيث الطليطلي، وهي صحيحة في غير "المدونة"، وهي فيمن قال: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من ابن أخي أنه جائز، صغيراً كان أو كبيراً، ولم يبين قرب أو بعد. قال سحنون: إنما يجوز (¬2) إذا رضي ابن الأخ بالقرب ولم يتباعد (¬3). وهذا الاستثناء لابن القاسم في "المبسوطة". وقد ذكر منه عن "المدونة" ابنُ مغيث متصلاً بقول ابن القاسم: ذلك جائز إذا رضي ابن الأخ (¬4). ولم يقل ما قاله غيره: صغيراً كان أو كبيراً. قال سحنون: ولو لم يقل: من مرضي، لم يجز عند ابن القاسم، وكذلك قول أصبغ ومحمد (¬5)، قال أصبغ (¬6): كان في المرض لمغمزاً (¬7)، ولكن أهل العلم مجمعون على إجازته وهو من أمر الناس ووصاياهم في أمراضهم. مسألة الأبعد يزوج مع حضور الأقعد (¬8)، مشهور المذهب وظاهر ¬
الكتاب إجازة ابن القاسم فيه إذا وقع ومنْعه ابتداء. وقد تأول بعض المشايخ (¬1) أن ظاهر مذهبه في الكتاب إجازة فعله ابتداء من مسائل ظاهرة، منها قوله في الأخ يزوج أخته ولها أب حاضر، فأنكر الأب أذلك له، قال: لا، وما للأب وما لها! (¬2). وقولُه (¬3): "وقد أخبرتك يقول مالك: إن الرجل من الفخذ يزوج وإن كان ثم من هو أقرب منه، فكيف بالأخ وهما في القعدد سواء؟ "، وهذه موافقة للرواية التي حكاها البغداديون في جواز ذلك ابتداء (¬4). وحمل ابن حبيب كلام ابن القاسم على التناقض (¬5). قال أبو عمران: معنى قول ابن القاسم أن الأقرب أولى في الاختيار ولا يختاره ابتداء. وإن (¬6) فعله (الأبعد) (¬7) جاز. ورواية علي في تسوية الشقيق وغير الشقيق، وأن إجازة مالك في المسألة (¬8) إنما هو في مثل هذا، وإنما الذي لا ينبغي إذا لم يكونوا إخوة. أشار بعضهم إلى أن هذا وفاق لابن القاسم/ [ز 86] وهو بعيد، ويظهر من قول سحنون على المسألة - فيما حكاه عنه (بعض) (¬9) الشيوخ (¬10) وكتبناه من كتاب ابن عتاب -: هذه جيدة عليها أكثر الرواة. أنها (¬11) موافقة لقول غير ¬
ابن القاسم. وجعلها بعضهم قولة على حيالها، وإلى هذا نحا الفضل بن سلمة (¬1)، وهو عندي أشبه. ويعضده ما حكاه أبو محمد عبد الحميد عن سحنون (¬2) أنه قال: ليست هذه الرواية صحيحة عندنا، أرأيت إن مات وترك شقيقه وأخاه للأب من أولى بالميراث؟ ومذهب مالك وابن القاسم أن الشقيق مقدم عليه وأولى، ذكره ابن حبيب عن علماء المدينة ومالك وأصحابه المدنيين والمصريين (¬3). وقوله (¬4): "فإن اشْتَجروا"، أي تنازعوا وتخالفوا. وقوله (¬5): "لا ضَرر ولا ضِرار" (¬6)، يقال: لا ضرر، ولا ضرّ، ولا ضيرْ، ولا ضر، ولا ضارورة، ولا ضرار، بمعنى واحد، فيكون هنا على قول بعضهم تكرير لفظ (¬7) بمعنى التأكيد. وقيل: بل هما بمعنيين أي لا يُلزم أحد ضررا وإن لم يقصده فاعله ولا ضرارة الذي قصده وأتاه عمدا (¬8). وأما ما جاء في الكتاب من ذكر العَصبة (¬9) والعشيرة (¬10) والفخذ (¬11) فقال أبو محمد بن قتيبة: القبيلة بنو أب واحد. قال ابن الكلبي والفراء: ¬
الشعب أكبر (¬1) من القبيلة، ثم العمارة / [خ 159]، ثم البطن، ثم الفخذ (¬2). وقال غيره: القبيلة، ثم الفصيلة (¬3)، وفصيلة الرجل وعترته وأسرته: رهطه الأدنون (¬4). وقال الليث: الشعب ما تشعب من قبائل العرب (¬5). وقال الهروي: فخذ الرجل: نفره الذين هم أقرب عشيرته (¬6). وحكى (ابن فارس) (¬7) في "مجمل اللغة" أن الفخْذ من النسب بالإسكان، وأما العضو فبالكسر (¬8). قال الحربي في العضو: فَخِذ وفَخْذ وفِخْذ (¬9). قال القاضي: فائدة اختلاف أئمتنا في ذي الرأي من أهلها من هو؟ (أي) (¬10) إنه ليس من العصبة (¬11) وأنه آخر درجات الأولياء الخاصة، (فعلى قول ابن القاسم آخر درجات أولياء الخاصة) (¬12) العشيرة (¬13)، وعلى قول عبد الملك (¬14): البطن، وعلى قول ابن نافع (¬15) أنه من العصبة. ¬
وقوله (¬1) في ذي الرأي من أهلها: "والمولى وإن كانت من العرب"، المراد به هنا الأسفل، لأنه داخل في عداد العشيرة لقوله عليه السلام: "مولى القوم منهم" (¬2)، ولدخوله في جماعتهم وعقلهم وأحكامهم وأوقافهم، ولأن الأعلى مع كونها من العرب لا يصح. وهما عندنا وليان: الأعلى والأسفل، وقد قاله بعض شيوخنا. وأما في البطن أو العصبة فلا يدخل الأسفل. وذكر ابن حبيب أن مراعاة الأقرب إنما هو للإخوة وبني العم دِنية (¬3) وأشباههم من الأقارب، قال: فإذا تباعدوا مثل بني العم غير دنية ومثل الموالي فذلك فيهم أسهل وأجوز منه في الأدنين بالنسب والقرب اللاصق، لا بأس أن يليه منهم ذو السن والحال وإن كان ثم من هو أقعد منه (¬4). وأما الولاية العامة - وهي ولاية الإسلام - فلا خلاف عندنا أن الخاصة من النسب أو الحكم مقدمة عليها وأولى، وأنها مع عدمها ولاية صحيحة. ثم اختلف - مع وجود الولاية الخاصة - هل تكون العامة ولاية يصح بها العقد أو لا؟ على ثلاثة أقوال: فالمشهور أنها غير ولاية في الشريفة دون الدنية، وهو مذهب ابن القاسم وروايته (¬5). والثانية أنها غير ولاية فيهما، وهي رواية أشهب (¬6) وقول ابن ¬
حبيب (¬1). والثالثة أنها ولاية فيهما، حكاها القاضي أبو محمد ابن نصر (¬2)، وهو ظاهر رواية ابن وهب (¬3) عند محمد. ووقوف مالك فيها (¬4) إذ سئل إنما هو على ثباتهما على ذلك النكاح. وحمل أبو عمران (¬5) وغيره أن الوقوف في إجازة الولي هل له ذلك ولم يقف في الفسخ، وفي المسألة الأخرى/ [ز 87] بعدها وقوفه في الفسخ فقال: "وما فسخه عندي بالبين قلت له: أترى أن يفسخ؟ فوقف عنه" (¬6). وأما الظاهر فالوقوف فيها جملة، وتردده بين أن يكون له فيه حق أو هو حق الله لا حق الولي، أو يكون على ما هنا رأى فسخه ورجح حق الله وترجح في غيره، وعلى ماله بعد هذا أنه رآه من حق الولي فله إجازته، وتردد هل هو من باب أولى فترجح في فسخه له. وعلى هذه الوجوه الثلاثة الاختلافُ فيه إذا وقع هل يمضي لوقوعه (¬7) على ما حكاه البغداديون (¬8) عن مالك - وهذا على مراعاة الأولى - أم فيه الخيار للولي؟ وهي رواية ابن القاسم (¬9) فيفيته الدخول، وهذا على أنه حق للولي، أو يفسخ أبداً؟ وهو قول سحنون (¬10)، وهذا على أنه حق لله تعالى. وحديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) (¬11): "لأمنعن ذوات ¬
الأحساب تزويجهن إلا من الأكفاء"، وحديث النبي/ [خ 160] عليه السلام بعد: "إذا جاء أحدكم (¬1) من ترضون دينه (¬2) فأنكحوه" (¬3)، وحديث ابنته (¬4) البكر (¬5)، لم يكن منها شيء في كتاب ابن عتاب ولا ابن عيسى (¬6). وقول غير ابن القاسم - وهو المغيرة المخزومي (¬7) - "ليس العبد ومثله إذا دعت إليه ذات المنصب مما يكون الولي بمخالفتها عاضلاً" (¬8)، وجواب ابن القاسم فيها محتمل. وظاهره الجواز لأنه قال (¬9): إنه لم يسمع فيه من مالك إلا إجازته إنكاح الموالي في العرب وإنكارَه على من فرق بينهم واحتجاجه بالآية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬10)، وأطلق القاضي أبو محمد (¬11) عن ابن القاسم إجازة ذلك. وذهب بعض الشيوخ إلى أن ابن القاسم لا يخالف غيره، واستدل بالمسألة بعد في الولي (¬12) إذا رضي بزوج ¬
فطلق ثم أرادت نكاحه أنه ليس له أن يمتنع منه "إلا أن يأتي منه حدث من فسق ظاهر ولصوصية (¬1). قلت: وكذلك إن كان عبداً؟ قال: نعم، ولم أسمع العبد من مالك". وقال آخرون: هذا لفظ محتمل أن يكون ليس له الآن فيه كلام، لأنه رضي به أولاً، وإنما اطلع على عبوديته الآن فلا رد له، واستدل أيضاً بمسألة (¬2) تزويج العبد ابنة سيده برضاه ورضاها. واشتراطُه الرضى فيهما يدل على أن لكل واحد منهما متكلم (¬3) في ذلك. والمُسالمة (¬4)، كذا رويناه بضم الميم، وقال أحمد بن خالد: صوابه بفتح الميم، جمع من يسلم من النساء كالمهالبة، وهو الصواب، ولا معنى لضم الميم هنا (¬5). وأم قارظ (¬6)، بالقاف والظاء المعجمة. ¬
والُمُوَلَّى عليها والمُولى (¬1) عليه، كذا قرأناه وسمعناه من الكافة، وكذا يقولونه، وأنكر بعض النحاة هذا عليهم وقالوا (¬2): صوابه المَوْلِيُّ، بفتح الميم وكسر اللام (¬3)، وأجاز ذلك آخرون. مسألة الوصي (¬4) وتفريقه في الكتاب في إنكاحه مع الأولياء بين البكر والثيب، وأنه أولى في البكر من الأولياء، وليس للأولياء معه فيها قضاء. وقال في الثيب (¬5): إن زوجها الأولياء والوصي ينكر جاز، وكذلك إن زوجها الوصي والأولياء ينكرون (¬6)، وليس الوصي بمنزلة الأجنبي. قال فضل: أقامه مقام الأب، وكذا قال أشهب (¬7). ذهب بعض المشايخ إلى أن هذه الثيبُ التي يجوز عليها عقد الولي دون الوصي إنما هي الرشيدة، وأما المحجورة فكالبكر، إلا أن رضاها بالقول دون الصمت. وقد وقع هذا نصاً لأصبغ (¬8) في كتاب فضل وابن مزين ويحيى بن إسحاق، قال: الأولياء في الثيب غيرِ المولى عليها أولى بالبضع من الوصي، غير أنه إن زوج الوصي برضاها جاز ذلك على الأولياء وإن كرهوا، وليس الوصي في ذلك كالأجنبي/ [ز 88]، وهو ظاهر ما في النكاح الثاني والوصايا (¬9)، ويعضده تشبيهه إياها بمسألة إذا أنكح الأخ الثيب بحضرة الأب وإجازته ذلك (¬10) وقوله: ما للأب ولها واحتجاجه بها على هذه المسألة. ¬
وحمل فضل أن هذا خلاف لما في كتاب ابن حبيب (¬1) من أن الوصي يقوم مقام الأب، وأنه أولى بعقد نكاحها من الإخوة والأعمام والعصبة والسلطان، وأنه أولى بإنكاح مولاة الموصي من ولده وجميع أوليائه، وكذلك كل من كانت ولاية تزويجه إلى الموصي من البنات والأخوات وذوي القرابات، أبكاراً كن أو ثيباً، نزل الوصي منزلته، فكلامه هذا بين في أنه أولى بإنكاح الجائزات الأمر لذكره الموالي والأخوات/ [خ 161] والقرابات وكلَّ من كان للموصي إنكاحه، وذكر (¬2) أنه قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين. وقال سحنون (¬3): ليس الوصي لها بولي، يعني الثيب الرشيدة. قال شيخنا القاضي أبو الوليد رحمه الله: وهذا إذا قال الموصي: "فلان وصي (¬4)، ولم يزد (¬5) "، يعني ولو قال: على إنكاح بناتي، لكان أولى على كل حال. ولو قال: وصي على مالي، فقال أشهب في "ديوانه" - وحكاه فضل عنه -: إنه يزوج بذلك بناته ما لم يقل: وليس إليه من بناتي شيء. ويجيء أيضاً أنه ليس له من ولاية النكاح شيء كما قال سحنون. وظاهر الكتاب في وصي الأب على البكر إذا أنكحها الأولياء أن للوصي رده، وهو منصوص في كتاب محمد (¬6)، فهل هذا حق للوصي وأنه لا ولاية للولي معه فيها كما ليس له ذلك مع الأب الذي أنزله منزلته فينقضه على كل حال، أو حماية للأوصياء لئلا يفتات عليهم ويتسع الأمر فيؤدي إلى إسقاط ما بأيديهم. وقال الشيخ أبو إسحاق: ظاهره أنه إن أجازه الوصي جاز. ونحا بعض الشيوخ إلى أنه إن كان نظرا منع الوصي من فسخه. ¬
وأشهل بن حاتم (¬1) بشين معجمة، عن شعبة عن سماك (¬2)، كذا عند شيوخنا. وعند ابن سهل: سقط "عن شعبة" عند يحيى، وثبت لغيره. وقوله في مسألة الموالي (¬3) يكفلون صبيان الأعراب تصيبهم السَنَة: إن تزويجه على الجارية جائز، ومَن أنظرُ لها منه؟ يعني بعد بلوغها ورضاها. ومعنى السَّنَة هنا الشدة والغلاء، قال الله (تعالى) (¬4): {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (¬5). وقال في "الواضحة" في معنى المسألة: وذلك إذا مات أبوها وغاب أهلها (¬6)، وعلى هذا حمل الشيوخ المسألة أنها غير ذات أب، وأنه من باب إنكاح الكافل والمربي لليتيمة، ولا يرون أن المكفولة يزوجها الحاضن في حياة أبيها (¬7). وقيل: يريد (¬8) إذا كان غائباً (¬9). والذي أشار إليه ابن حبيب من مغيب أهلها، يعني أولياءها الخاصين ¬
بها، ولأن أكثر هؤلاء الصبيان الذين تصيبهم السنة ويكفلهم الناس دافة (¬1) البوادي وجالية (¬2) الأعراب ومجهولون لا يعرف آباؤهم ولا تتعين أنسابهم ولا يَعرفون هم ذلك لصغر أسنانهم، ويأتي الموت في الشدائد والجلاء غالباً على أهاليهم وتفرق الضرورة بينهم، ثم يشِبون (¬3) وقد جهل آباؤهم ومن بقي من عصبتهم حيث وقعوا، ولا يَعرف الأبناء الآباء، فهم إما موتى أو مجهولون في حكم الموتى، فحكمهم حكم المحضونين سواء. ولا يكون إنكاحهن إلا برضاهن خلاف ما وقع في كتب بعض المدنيين (¬4) - وتأوله على "المدونة" - أنه بغير رضاهن، وهو وهم منه أو من النقلة عنه. مسألة الأمة (¬5) يعتقها رجلان وقوله: كلاهما وليان، وأن لأحدهما أن/ [ز 89] يزوجها بغير رضى الآخر. اعترضها بعضهم وقال: إنما له نصف الولاء، ومسألة الأخوين أقوى منها. قال القاضي: ولم يقل هذا شيئاً، لأن الولاء لحمة كالنسب لا يتنصَّف كالملك، وذِكْره مسألة الأخوين يضعف قوله؛ لأن الأخوين إذا كانا في قُعدد لم يُختلف أن إنكاح أحدهما/ [خ 162] جائز على ¬
الآخر (¬1)، وإن أشار بالتنصف إلى الميراث أنه بينهما فيلزمه هذا في الأخوين، وله أن يقول: لو انفرد الأخ بالميراث حازه، بخلاف أحد المعتقين. وقوله (¬2) في مسألة الرجل يأتي إلى المرأة يقول لها: إن فلاناً أرسلني إليك أعقد نكاحه فترضى هي ووليها ويضمن الصداقَ الرسول وأنكر الآمر إذا قدم، قال: (¬3) "لا يكون على الرسول شيء من الصداق الذي ضمن"، وقع في بعض النسخ من "المدونة" - ولم أروه (¬4) -: "وقال غيره - وهو علي بن زياد - يُضمَّن الرسول ما ضمن". وفي بعض النسخ: قلت له: أفيكون على الزوج للمرأة يمين أنه لم يرسله إذا أنكر؟ قال: لم أسمع من فيه (¬5) شيئاً، وأرى ذلك عليه. هذه المسألة صحيحة في "الأسدية". وقال سحنون: لا يمين عليه. وقوله فيها (¬6): "أفتكون تطليقة؟ قال: نعم، يكون طلاقاً". في بعض النسخ: قال غيره: لا يكون طلاقاً. سحنون: وبه آخذ (¬7). قال ابن وضاح: رأيته في كتابه. والذي يضمن ¬
نصف الصداق الذي وجب على الزوج لا جميعه على قول علي (¬1). وقوله في المرأة إذا أمرت رجلاً فزوج وليتها جاز ذلك، معناه عند أكثر أئمتنا مولاتها أو من تلي عليها بإيصاء. وقال ابن لبابة: مذهبهم إجازة توكيلها في إنكاح (¬2) أختها ومولاتها إلا ما قال سحنون عن الغير: إن المرأة ليست بولي، يريد ابن لبابة وإن لم تكن وصياً (¬3)، وعليه تأول قوله في الكتاب (¬4): لا تعقد على أحد ولا على ابنتها وإن كانت وصية (¬5)، ولكن تستخلف على ذلك، واستدل بحديث (¬6) تزويج أم الفضل (¬7) ميمونة (¬8) وتقديمها العباس (¬9)، وبما ذكر عن ابن شهاب من ذلك (¬10)، وبمسائل وقعت في "العتبية" (¬11) في التي زوَّجت ابنتها بنت عشر سنين وغيرها. وإنما منع (¬12) على قوله في الكتاب من إنكاحها ابنتها ¬
إلا أن تكون وصية، لأنها ليست من أوليائها، بخلاف الأخت والمولاة، فانظره. وقوله في النصرانية (¬1) لها أخ مسلم فخطبها مسلم فقال: "أمن نساء أهل الجزية هي؟ قال: نعم، قال: لا يجوز عقد (¬2) نكاحها، وما له ولها! قال الله (تعالى) (¬3): {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (¬4) ". قال أبو عمران: سواء كانت صلحية أو عنوية، لأنهم أهل جزية (¬5)، وإنما أراد بذلك تنبيهاً أن معاقلتهم بينهم لا يدخل معهم غيرهم فيها، فرأى النكاح من ذلك. وقال ابن حبيب: لأنهم أعطوا الجزية على أن يخلى بينهم وبين نسائهم. وقال بعض الشيوخ: ظاهره أنه (¬6) ليس من نساء أهل الجزية كالأمة والمعتقة والمولاة أنه يزوجها وليها المسلم، وهو قول ابن القاسم (¬7) ومحمد (¬8) وابن حبيب (¬9)، وحكاه عن مالك. ومنع أبو مصعب (¬10) إنكاح المسلم أمته النصرانية (¬11)، وقوله (¬12) ¬
اللخمي هذا في المعتقة لعلة الكفر فيهما (¬1). وهذا لا يلزمه إذ قد تكون علته ألا يعقد نكاح الأمة إلا النصراني (¬2)، بخلاف عقد نكاحه للمعتقة من مسلم. وقد قال ابن وهب: لا يعقد المسلم نكاح وليته النصرانية لنصراني (¬3). وقال غيره فيمن فعل ذلك: ظلم نفسه لما (¬4) أعان عليه من ذلك ودخل فيه. وفي "سماع" عيسى عن ابن القاسم: لا يزوج المسلم النصرانية من مسلم ولا نصراني، كانت أخته أو بنته أو مولاته (¬5). وفي "سماع" زونان (¬6): يزوج النصراني ابنته من المسلم دون النصراني (¬7). وحُمل (¬8) معنى رواية عيسى على أنهما من أهل/ [خ 163] الجزية، ورواية زونان على أنهما معتقان لمسلم. وقوله (¬9): "ولا تعقد/ [ز90] المرأة النكاح على أحد من الناس"، ظاهره التسوية بين الذكور والإناث، وهو قول حكاه عبد الوهاب (¬10) وغيره. والمعروف أنها إنما لا تعقد على النساء اللواتي (¬11) تشترط الولاية في ¬
حقهن، وأما غيرهن من الذكران ممن تليه أو تملكه، أو من وكلهن (¬1) على إنكاحه فجائز كما نص عليه في "العتبية" (¬2) و"الواضحة" (¬3). وكذلك العبد والنصراني في الوجهين (¬4). وقوله في المرأة (¬5) من الموالي تزوجت رجلاً من قريش ذا شرف ومال ودين بغير ولي استخلفت على نفسها: إنه يفسخ نكاحه (¬6) إن شاء الولي. فقد جعل للولي هنا فسخه بكل حال إن شاء وأنه حق له، وهو نكاح صواب كما تراه، وجعل له الخيار وإن لم يكن رده نظراً. وفي كتاب محمد خلافه أنما يرده الولي إذا لم يكن إمضاؤه (¬7) نظراً في جميع وجوهه، ولو راعى أنه حق لله لم يعلق فسخه بمشيئة الولي. ومسألة الوكيل (¬8) إذا التزم الألف التي زاد وقال الزوج: لا أرضى أن يكون نكاحي بألفين، يؤكد ويصوب تعليل من علل بزيادة المؤن التابعة للصداق، ويضعف تعليل من علل بالمنة، إذ لا يقتضي اللفظ ذلك (¬9). وقوله (¬10) في التي تزوجت بغير ولي ففرق السلطان بينهما فطلبت المرأة زواجه (¬11) مكانها: إن للسلطان ذلك، "قال سحنون: هذا إن لم يكن ¬
دخل بها (¬1) "، كذا هو في روايتي مبين لسحنون، وسقط اسم سحنون من رواية أبي عمران وقال: الكلام لسحنون. قال أبو محمد: يريد ولو دخل لم ينكح إلا بعد ثلاث حيض، قال أبو عمران: وهو جار على أصل سحنون، لأنه قوله في العبد يتزوج بغير إذن سيده: إن زوجته تستبرئ بعد إجازة السيد. وكذلك كل عقد كان فاسداً ثم أجيز، بخلاف ما كان فاسداً لصداقه ففات بالدخول هذا لا استبراء فيه، وكذلك كل وطء فاسد في نكاح صحيح كوطء الحائض والمعتكفة، وقاله ابن الماجشون. وأما ابن القاسم فقال في كتاب ابن حبيب: إن كان نكاحاً ليس لأحد إجازته فلا يتزوجها إلا بعد الاستبراء، ومثله له ولمالك في "المدونة". وكذلك قال في وطئه لها بعد الفسخ بملك اليمين، قال في كتاب ابن حبيب: وإن كان لأحد إجازته من سلطان أو ولي فله أن يتزوجها في عدتها منه، وعند محمد في المملكة توطأ قبل العلم: عليها الاستبراء، فانظر فكله يشعر بالخلاف. وإنكاره (¬2) لحديث عائشة في تزويجها حفصة بنت عبد الرحمن (¬3) - أخيها - ظاهره أنها تولت العقد، وعليه يأتي إنكاره في الكتاب واحتجاجه بقوله عليه السلام: "لا تتزوج المرأة إلا بولي" (¬4). وقد روي أن عائشة بعد أن خطبت - ولم يبق إلا العقد - جعلت رجلاً عقد، وعائشة كانت القائمة بأمور عشيرتها وذاتَ الرأي فيهم والمرجوعَ إلى قولها وحكمها. وابن القاسم يجيز مثل هذا في الابن القائم بأمر (¬5) أبيه وفي الأخ وغيره. ¬
وفي إجازة عبد الرحمن (¬1) دليل على إجازة الولي أو من له الخيار وإن بعُد قبل الدخول، لأن عبد الرحمن إنما كان قدم من الشام. وفيه دليل على أن التوقف والإنكار/ [خ 164] ليس بفسخ لإنكاره ثم رضاه بعده. وقوله (¬2) في الوليين يزوج كل واحد منهما المرأة من رجل. إنما تصح صورة المسألة إذا وكلت على ذلك وفوضت إليه التزويج على أحد قوليه: إنه يزوجها وإن لم يسمه لها، أو يكون كل واحد سمى لها رجلاً وشاورها فيه أو خطبها فوكلته على إنكاحها منه. وقوله (¬3): هي للأول إلا أن يدخل الآخر فهو أولى، قال/ [ز 91]، ابن القاسم في "العتبية": وكذلك بيع السلعة إلا أن يكون قبضها الآخر، وحكاه عن ربيعة. ونحوه في وكالات "المدونة". واختار ابن لبابة (¬4) أن تكون للأول أبداً كان دخل الآخر. وكذلك حكم السلعة على المشهور من المذهب. وقوله فيما يفسخ بطلاق ثم رأى غير ذلك لرواية بلغته، وزاد في موضع آخر: "عن مالك". وليس في روايتي هنا عن ابن عتاب، وعليها اختصرها المختصرون (¬5)، وثبت هنا ذكر مالك فيها في كتاب ابن عيسى (¬6)، وهي في الكتاب الثاني مبينة عن مالك (¬7). وقوله (¬8) في كراهية إنكاح أمهات الأولاد محتمل لإجبارهن، فقد ¬
اختلف قوله (¬1) في ذلك: وإلى هذا التأويل ذهب الفضل بن سلمة. وعليه يدل قوله في إرخاء الستور: ولا أرى أن يفسخ إلا أن يكون في ذلك ضرر فيفسخ. ولو كان برضاها لم يراع (¬2) الضرر إذ رضيته. وأكثر المفسرين حمله على أنه برضاها. وإنما كرهه لأنه ليس من مكارم الأخلاق والنفوس الأبية، لأنها فراش له، فهو يزوجها، وقد تطلق فترجع إليه. ولو بتَّ عتقها لم يكره إنكاحها، فهو لما لم يبت عتقها دل أنه أبقى المنفعة فيها لنفسه يوماً ما، ثم أباحها بالنكاح لمن أنكحها منه، وهذا من قلة الغيرة وضعف الهمة. وكذلك وقع في "سماع" ابن القاسم: ليس من مكارم الأخلاق؛ إن كانت له بها حاجة أمسكها أو يعتقها (¬3). وقوله في الذي تزوج عبدُه بغير إذنه فقال: لا أرضى، وقوله: ذلك جائز إذا كان قريباً، معناه القرب في المجلس، فإن طال أياما لم يجز (¬4)، قاله ابن وهب. وقوله (¬5) في الذي يزوج أخته بكراً بغير أمر الأب: إن كان ابنا فوض إليه أبوه أمره، وهو الناظر له، جاز إذا رضي الأب بذلك. معناه أنه غائب، قاله سحنون (¬6). قال حمديس (¬7): يعني ولم يطل ذلك. قال القاضي رضي الله عنه: لأن الأب في ابنته البكر لا ولاية لأحد ¬
معه فيها ولا مشورة لها في نفسها، فإذا كان ابنه منه بالصفة التي ذكر كانت له شبهة في الدخول في ذلك، وكان للأب إمضاء فعله بالقرب كولاية الإسلام مع ولاية النسب، بخلاف الأجنبي أو الولد غير المفوض إليه، إذ عقد هذا فاسد لا يمضي؛ إذ لا شبهة له مع وجود الأب كعقد العبد والكافر ومن لا حق له في ولاية النكاح بالشرع (¬1). وقول (¬2) النبي عليه السلام (¬3): "ألا أنكحك أميمة (¬4) بنت ربيعة بن الحارث" [هو ابن عبد المطلب] (¬5)، هذه رواية الأصيلي عن الإبياني وابن مسرور، بميمين. ولغيرهما: أمية، وروايتنا عن ابن عتاب: أمية بياء باثنتين تحتها وميم واحدة، وكذا عند ابن سهل معاً؛ أمية وأميمة. المعروف: أميمة بميمين، وكذا ذكره ابن السكن (¬6) في هذا الحديث، وقد قيل فيها ¬
في هذه القصة في غير "المدونة" أمامة بنت/ [خ 165] عبد المطلب، وكذا ذكره البغوي (¬1) في هذا الخبر بعينه والبخاري في "تاريخه" (¬2)، وقال ابن أبي حاتم: أميمة بنت عبد المطلب (¬3)، وقاله في موضع آخر: أمامة. وذكر البخاري في بعض روايات الحديث: خطبتُ (¬4) إلى النبي (¬5) عمته (¬6)، فهذا يؤكد أنها ابنة عبد المطلب (¬7). وذكر أيضاً في نسبها مثل ما في المدونة (¬8). وفي سنده ابن (¬9) عباد بن سِنان، كذا قيَّدناه في "المدونة"، بكسر السين المهملة ونون بعدها، وكذا ذكره ابن السكن (¬10)، وكذا قيده ابن مفرج (¬11) ....................................................... ¬
وذكره البخاري: شيبان (¬1)، وكذا كان في أصل شيخنا أبي علي من "تاريخه" (¬2)، ووقع في كتاب العذري عنه: شباك، وهو خطأ، وشيبان ذكره أبو عمر بن عبد البر (¬3) وابن أبي حاتم (¬4)، وذكره في باب آخر شمتان. ورواه البخاري: "من غير أن يتشهد" (¬5)، يعني الخطبة، ورواه ابن السكن: يشهد، كما في "المدونة"، من الشهادة. والدُّف - بضم الدال لا غير (¬6) - هو المُدوَّر من وجه (¬7) واحد، وهو الغربال، وأما المُربَّع/ [ز 92] الذي بوجهين فهو المزهر (¬8). وقد اختلف في إباحته (¬9)، وليس بعربي، والمزهر عند العرب هو عود الغناء (¬10). ¬
والبَرابط (¬1): عيدان الغناء بالفارسية، واحدها بَربَط بفتح الباءين معاً (¬2). وشهادة الأبْذاذ (¬3) أي المفترقون (¬4)، وهو ألا يجتمع الشهود على (إشهاد) (¬5) الولي والمتناكحين، بل إذا عقدوا النكاح وتفرقوا قال كل واحد لصاحبه: أشهد من لقيت، فسره في "المختصر" (¬6)، ووقع في بعض نسخ "المدونة" مفسراً من رواية ابن وهب، وهذا على أصلنا ومشهور مذهبنا أن الإشهاد ليس بشرط في صحة العقد. وفي كتاب القزويني عن أشهب عن مالك ما ظاهره الزام الإشهاد في العقد (¬7) كقول مخالفنا (¬8). وذكر مسألة النكاح بالخيار (¬9) واختلاف قوله في فسخه بعد الدخول، وذكر أن لها المسمَّى ولا ترد إلى صداق مثلها. وفي أصل "الأسدية": لها ¬
صداق مثلها. ثم ذكر مسألة (¬1) من تزوج بصداق على أنه إن لم يأت به إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما: هو نكاح فاسد ويفرق بينهما، ولم يقل لي مالك: دخل أو لم يدخل، ولو دخل لم أفسخه. ثم كرر المسألة بعد في الباب الثاني وقال (¬2): قال مالك: هو نكاح (¬3) باطل مفسوخ على كل حال، دخل أو لم يدخل؛ لأني رأيته نكاحا لا يتوارث عليه. قال سحنون: هذه قولة كانت لي (¬4) في تزويج الخيار، وكان يقول: لأن فساده في عقده ثم رجع فقال: إذا دخل جاز (¬5). فحمل فضل وغيره اختلاف قول مالك في المسألتين على ظاهر قوله. ويحتمل أنه لم يسمع البيان من مالك إذا (¬6) دخل أو لم يدخل، وبلغه عنه من قبل غيره، فكثير ما يأتي هذا. وعلل بعضهم المسألتين كأنها من باب [نكاح] (¬7) المتعة. وقد يستدل بإدخال مالك (¬8) لها في باب النكاح إلى أجل. وأما ابن لبابة فقال: إرادة سحنون أن ابن القاسم لم يسمع من مالك: دخل أو لم يدخل، في مسألة: إن لم يأت بالمهر لأجل (¬9)، وكان لمالك ¬
القولان في مسألة الخيار، فقاس مسألة الأجل عليها وحملها قول مالك؛ إذ أصلهما عنده سواء. وقد وقع في "العتبية" (¬1) في مسألة إن لم يأت بالمهر من "سماع" ابن القاسم القولان. وقوله (¬2) في الذي تزوج بثلاثين ديناراً نقداً وثلاثين إلى سنة، قال أحمد بن خالد: كذا في "المدونة"، / [خ 166] والذي في "الأسدية": وثلاثين نسيئة إلى ثلاثين سنة، فعلى ما في "المدونة" كره قربه. قال أحمد: يكره قربه كما يكره بعده. وقال ابن وضاح: يكره إلى ثلاث سنين أو أجل قريب كما يكره في البعد، واستحب أن يكون لثمان وعشر. وفي كتاب محمد: كرهه مالك إلى ست (¬3) سنين، قال ابن القاسم: ولا يعجبني إلا إلى سنة أو سنتين (¬4). وعلة ذلك ما قاله في الكتاب (¬5): "لم يكن هذا من نكاح من أدركت"، وعلى ما في "الأسدية": إن الثلاثين من الأجل البعيد المكروه، وقد كرهه ابن القاسم فيها وفي العشرين؛ قال: ولا أفسخه. ومن "سماع" عيسى: يفسخ في العشرين، ثم أجازه في الأربعين، والخلاف في حد الجائز منه في القرب وذكرُ نقده (¬6) مذكور في أمهاتنا معلوم (¬7). وقوله (¬8) في الكتاب: "وأما إذا كان إلى أجل بعيد فأراه جائزاً ما لم يتفاحش"، وقع لابن القاسم أنه لا يفسخه في العشرين والثلاثين وأكرهه، ¬
ولو كان إلى ستين أو ثمانين فسخته (¬1). على (¬2) هذا هو بيان الفحش وقدره عنده. وقوله (¬3): وضُغاها (¬4)، بضم الضاد المعجمة وغين معجمة، ممدود، أي صوتها وصياحها (¬5). وابن سَنْدَر (¬6)، بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الدال المهملة، كذا عند أكثر الرواة. وعند أحمد بن داود: سندره؛ بزيادة هاء. ورغائب (¬7) الأموال: خطيرها وما يُرغب فيه ويحرص عليه منها. ومجاهد بن جُبَير (¬8)، كذا في "الأم" عندنا مصغراً. وقال / [ز 93] بعضهم: صوابه جَبر. ¬
قال القاضي: كلاهما يقال، وقد ذكر البخاري الاختلاف في ذلك في (¬1) تاريخه (¬2). وقوله (¬3) في العبد يتزوج ابنة مولاه برضاه ورضاها: كان مالك يستثقله، وأجازه ابن القاسم. قال مالك في غير الكتاب: ليس من مكارم الأخلاق. وهذا الصحيح في تعليلها وإن كان غير واحد (¬4) عللها بأنها قد تملكه فينفسخ النكاح. واعترض على هذا. وما فسره به مالك أولى. وقد احتج بعضهم له (¬5) بأنه ليس للولي أن يزوج وليته العبدَ إلا أن ترضاه وأنه (¬6) ليس بكفؤ، وليس لها هي أيضاً أن ترضى بالعبد دون رضاه من هذه المسألة وقولِه فيها: برضاها ورضاه. وحملها بعضهم على أنه ليس له أن يجبر البكر على هذا؛ قال: ولذلك اشترط الرضى فيها. وظاهره أنه في غير البكر، والله أعلم. وقوله (¬7): والحرة ليست تحته بطول تمنعه (¬8) نكاح الأمة، أصل الطول الفضل والغنى، قال الله تعالى: {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} (¬9). وكون الحرة تحته مغنية له عن نكاح الأمة إذ كان في وطئها ما يكف شهوته ويمنع عنته (¬10)، فلا حاجة به إلى نكاح أمة ولا ضرورة إلى ذلك، ¬
فإن لم تقم به واحتاج إلى غيرها - وليس عنده طول بما يتزوج به حرة أخرى - فهل يباح له نكاح الأمة حينئذ؟ فيه قولان: أحدهما منصوص في الكتاب من رواية ابن نافع، وهو هذا؛ قال (¬1): "لأنها لا تتصرف تصرف المال". والآخر قوله في رواية ابن القاسم وابن/ [خ 167] وهب وعلي: (¬2) "لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يجد (¬3) طولاً بالحرة"، كذا رويناه عن بعض شيوخنا، بالحرة. وهو نص ما له في كتاب محمد (¬4). وفي كتاب ابن عيسى وكثير من النسخ: طولاً لحرة، بلام (¬5)، وعليه اختصر أكثرهم (¬6). فإذا كان هذا فلا حجة فيه ولا استقراء، لكن يستقرأ من قوله بتخيير الحرة إذا تزوجها عليها على ما ذهب إليه أبو عمران. وقوله هذا محتمل للوجهين: أحدهما أنه بنى على هذا وأن الحرة ليست بطول، لكنه بقي حقها في مشاركة الأمة وضَعَةِ حالها في ذلك. والآخر (¬7) أنه مبني على جواز نكاح الأمة ابتداء على أحد قولي مالك في كتاب محمد (¬8) وعلى ما له في "سماع " ابن القاسم في "العتبية" (¬9) وإن وجد الطول ولم يخش العنت، وإشارتِه في "المدونة" (¬10): "لولا ما قالته ¬
العلماء قبلي لرأيته حلالاً؛ لأنه في كتاب الله حلال". وعلى هذا اختلف الشيوخ هل للمرأة الحرة خيار إذا تزوج الأمة على هذا القول أم لا؟ فذهب أبو إسحاق (¬1) أن ذلك لها لأنه حق لها. وقال غيره: لا خيار لها على هذا القول، لأنه إذا أبيح له فالأمة من نسائه كالعبد. ويعضد ما أشار إليه أبو إسحاق ما قال عبد الملك: إن العبد إذا تزوج الأمة على الحرة أن الحرة بالخيار (¬2)، فرأى أن حقها في المنع من مشاركة الأمة في الحر والعبد سواء. وقد قال بعض شيوخنا: لعل هذا في عبد له هيئة وحال حتى يقال: إن الإماء ليس (¬3) من نسائه. وهذا بعيد، وهو مبني على تعليل أبي إسحاق. ومما يعضد ما نبهنا عليه من أن خيار الحرة هنا مبني على جواز نكاح الأمة ابتداء من غير شرط التسوية في الخيار لها أيتهما (¬4) تقدمت، وقول عبد الملك: إنما تختار الحرة في فسخ نكاح الأمة أو تثبيته لا في نفسها (¬5). فهذا كله يبين أن ذلك من حقها لا من حق الله؛ إذ لو كان لحق الله لم يكن لها خيار في نفسها ولا فيها، ولفسخ على قوله الآخر وإن لم يعلم، كان زوجها حراً أو عبداً. وقد اختلف أصحابنا (¬6) في شرط القدرة على النفقة على الحرة هل هو من الطَّول أو ذلك في الصداق وحده على قولين. ¬
واختلف العلماء في القدرة على نكاح حرة كتابية: هل هو (¬1) طول - وهي (¬2) مقدمة على الأمة المسلمة - أم ذلك خاص بحرائر المؤمنات لتخصيص الله تعالى لهن في الآية؟ والذي نصره أبو القاسم الطبري (¬3) وحذاق أصحاب الشافعي أن حرائر الكتابيات كحرائر المسلمات، لأنهن في معناهن، ولأن علة المنع إرقاق الولد في الإماء، وهو غير موجود في الحرائر الكتابيات، / [ز 94] ولأن الله تعالى قد خصهن في جواز النكاح وسواهن فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬4)، وقد نص مالك - رحمه الله - على هذه العلة في إرقاق الولد في الأمة في "مبسوط" القاضي إسماعيل وطرد أصله عليه، فأجاز نكاح الابن أمة أبيه (¬5)، إذ ولده منها معتق على جده، وكذا يأتي في إماء الأجداد والأمهات والجدات. وعلى هذا المعنى حمل مسألة الابن في الكتاب حذاق شيوخنا (¬6) أنها جائزة ابتداء مع وجود/ [خ 168] الطول وأمن العنت، وإن كان ظاهر سؤاله في الكتاب مجملاً محتملاً. كما سأله عن نكاح الأب أمة ابنه أيضاً فمنعه (¬7) وإن كان أيضاً معتقاً على أخيه، لكن قد يكون لعلة أخرى وهو شبهة ملك الأب لمال الابن، ألا تراه كيف قال (¬8): "كأنها له"، فسواء هنا ¬
خشي العنت أم لا، فهي مسألة أخرى. واختلاف قول مالك وأصحابه معلوم وإن كان مشهور قول مالك المنع إلا بالشرطين اللذين ذكر الله (تعالى) (¬1) وأن الآية محكمة، ومشهور قول ابن القاسم الجواز لاختلاف ظواهر الآيات وتأويل العلماء في ذلك: فذهب سحنون (¬2) ومحمد (¬3) إلى نسخ الآية بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬4). وذهب غير واحد إلى الحجة بعموم ألفاظ إباحة النكاح كقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، إلى قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬5). وذهب بعضهم - وهو اختيار ابن لبابة -[إلى] (¬6) أن الآية لا تقتضي منع نكاح الإماء مطلقاً، إنما هو لما كانوا (¬7) عليه من الكراهة والتنزيه عن ذلك لأجل استرقاق الولد، أعلمهم الله أن ذلك خير من الزنا. وما قاله بعيد من لفظ الآية. قال القاضي أبو الوليد الباجي (¬8): وفي "المدونة" ما يدل على قولنا بالمنع أنه منع تحريم، وهو قول أشهب (¬9) وابن عبد الحكم (¬10)، وعليه (¬11) قوله بفسخه في "المدونة". والقول الآخر أنه على الكراهة، ¬
وعليه (¬1) قوله بتخيير الحرة (¬2). وإلى الكراهة إشارة (¬3) ابن لبابة. وقول غير ابن القاسم: (¬4) لا يجوز للرجل اشتراء زوجته الحامل منه إذا كانت أمة لأبيه، لأن ما في بطنها قد عتق على أبيه، وهو والأجنبيون سواء. قال بعض شيوخنا: يحتمل أن ابن القاسم كذا يقول، ويدل على هذا قول ابن القاسم آخر الكلام (¬5): "ألا ترى أن سيدها لو أراد بيعها لم يكن ذلك له، لأنه قد عتق عليه ما في بطنها". وقوله (¬6) في مسألة الغارَّة أنها حرة، اختلف في مذهب ابن القاسم في الكتاب إذا كان دخل بها، لأنه قال (¬7): "أخذ منها الصداق الذي دفع (لها) (¬8)، وكان لها صداق المثل، وإن شاء ثبت وكان لها المسمى". ثم قال (¬9): "وأرى إن كان أكثر من صداق مثلها ترك لها صداق مثلها وأخذ منها الفضل". فذهب بعضهم أن ظاهر مذهبه في الكتاب أنه إن كان المسمى أقل لم يكن لها سواه، وإنما عليه الأقل، وهو نص "العتبية" (¬10)، ولأشهب عند محمد (¬11)، وغيره (¬12) لابن القاسم: يبلغ به صداق مثلها، وهذا بين إذا أراد التماسك. قال محمد: ¬
وقد قيل: له أن يأخذ جميع ما أعطاها إلا ربع دينار (¬1). وقوله على ضَرامة، بفتح الضاد أي على مشاركتها، كذا ضبطناه. وصوابه بكسر الضاد، كذا هو الإسم، وحُكي فيه الضم، وأما الفتح (¬2) فمن الضيم، ويقال بالضم أيضاً (¬3). وقوله (¬4) في المسألة: "إذا ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً (¬5) يأخذ الأب فيه غرة، وعليه للسيد عشر قيمة أمه يوم ضربت"، وفي أصل "المختلطة": / [ز95] يوم استحقت (¬6). والأول الصواب. وقوله (¬7) في ولد الغارَّة: إنه يرجع على الولد في عُدم الأب، يستخرج منه أن تقويم الولد بغير مال (¬8) كما/ [خ 169] ذهب إليه غير واحد، إذ لا يمكن أن يكون في أموالهم قيمتهم بأموالهم، فيقتضي أن يخرج من أموالهم أكثر من أموالهم، وهو محال. ومال آخرون إلى تقويمهم بأموالهم وحكوها رواية، ولم يوقف عليها (¬9). وقوله (¬10) في تقويم ولد أم الولد الغارَّة: على الرجاء فيهم والخوف ¬
لحريتهم لموت سيدهم أن لو جاز بيعهم على هذا، وهذا الرجاء في خدمتهم. قال مالك في "الثمانية" (¬1) وابن حبيب (¬2): ولا قيمة لمن لم يبلغ العمل منهم، أي يقومون على هذا الغرر ليخدموا سيدهم مرة يخاف أن يتعجل بموت سيدهم أو موتهم أو يرجى طولها بتأخر موتهما، هذا معنى ما أشار إليه ابن أبي زمنين وغيره. وقال فضل: على الرجاء أنه إذا قتل أخذ قيمته عبداً، يعني أن لو جاز بيعه أيضاً على هذا، فانظره فهو خلاف ما تقدم (¬3). وعلى هذا في تقويمه على أبيه عبداً لسيد أمه إذا قتل وأخذ أبوه ديته قيمته عبداً لا على الرجاء والخوف، وكذا (¬4) قال حمديس، لأن الرجاء قد انقطع بموتهم. وإلى هذا ذهب معظم الشيوخ وإن كان عظيمهم أبو محمد قال في "المختصر": يريد على الرجاء والخوف (¬5)، ووهَّم أبو عمران قوله هذا جداً، وصوبه غيره. وقد قيل: لعل مراد أبي محمد راجع إلى ولد المدبرة المذكور قبل (¬6). واختلاف أئمتنا في هذا كله مذكور في الأمهات، وغرضنا هنا التنبيه على معنى الكتاب. وقوله (¬7) في الغار يزوج (¬8) أمة على أنها حرة: "إن الصداق على الزوج، ويرجع به على الذي غره"، ظاهره - وهو صريح في كتاب ¬
الاستحقاق - أنه يرجع بجميعه، بخلاف إذا غرّت المرأة بنفسها أنه يترك لها ربع دينار، وإليه ذهب سائر المختصرين والشارحين. وذهب بعض الشيوخ (¬1) إلى أنهما سواء، وأنه يترك للغارّ ربع دينار، ولا وجه له. وذكر مسألة العبد (¬2) إذا تزوج بغير إذن سيده هنا، وذكرها أيضاً في الكتاب (¬3) الثاني مع مسألة المكاتب (¬4)، وجاء بين الجوابين خلاف وزيادة في اللفظ ظاهره افتراقهما. قال أبو عمران (¬5): لا فرق بين العبد والمكاتب في ذلك، وما أجمله هنا فسره في الثاني، وللسيد أن يفسخ عنهما، وأن قول سحنون: (¬6) "وقيل: إذا أبطله عنه السيد بطل فيهما جميعاً"، وهو (¬7) وفاق لقول ابن القاسم. قال: وقد يكون من قول ابن القاسم ويضيفه إلى نفسه، قال: وتفريقه في المكاتب في الثاني بين غر أو لم يغر (¬8) تفسير لما أجمل في الأول في العبد، وأن معنى مسألة الكتاب الأول في العبد أنها تتبعه (¬9) أنه غر، وعلى هذا اختصرها ابن أبي زمنين (¬10). وقد تأولها أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو محمد عبد الحق وغيرهما من ¬
القرويين على الفرق بينهما، وأن العبد - غر أو لم يغر - للسيد إسقاطه عنه. وأما المكاتب فلا يسقطه عنه إلا إذا لم يغر، فإن غر وقف الآمر؛ فإن عجز كان للسيد إسقاطه، وإن أدى (¬1) بقي عليه (¬2). واعتلوا أن المكاتب إنما (¬3) عليه نجوم وليس لسيده أخذها له، فصار شبيهاً بما تداين به. وقال ابن الكاتب (¬4): يحتمل أنه إن لم يغر لا يبطل عنه إلا بإبطال السيد، فإذا غر فتتبعه (¬5). وذكر العيوب الأربعة (¬6) التي ترد بها المرأة ولم يبين حكم البرص في الرجل في الكتاب، لكن قول/ [خ 170] ابن المسيب (¬7): "من تزوج امرأة وبه (¬8) جنون أو ضرر فإنها تخير"، قال مالك (¬9): "والضرر الذي أراد ابن المسيب هي هذه الأشياء التي ترد منها المرأة"، فقد بين أن الرجل كالمرأة. وقد وقع له/ [ز 96] في "سماع" ابن القاسم (¬10) مفسرا: يرد (¬11) المرأة أيضاً للرجل من هذه العيوب. وإن كان قد وقع في البرص اختلاف معروف سنذكر منه ما في كتاب الخيار في موضعه. والعَفَل (¬12)، بفتح العين المهملة وفتح الفاء، في النساء كالأدَرَة في ¬
الرجل (¬1)، وهي بروز لحم من الفرج (¬2). والقَرْن (¬3) - بفتح القاف وسكون الراء (¬4) - مثله، لكنه قد يكون خِلقة غالباً، وقد يكون عظماً ويكون لحماً (¬5). والرَّتَق (¬6) بفتح الراء والتاء: التصاق موضع الوطء والتحامه (¬7). والمجبوب (¬8): المقطوعُ جميع ما هنالك. والخصي (¬9): المقطوع الأنثيين أو المسلول ذاك منه، قال ابن حبيب: وذكره قائم أو بعضه (¬10). والفقهاء يطلقونه على المقطوع منه إحداهما. والعِنِّين (¬11): الذي له ذكر شديد الصغر أو كالهُدبة، وهو الحصور، لأنه حصر عن النساء (¬12)، أو خلق بغير ذكر، أو لا يأتي النساء رأساً. وقال ابن حبيب: العنِّين الذي (يكون) (¬13) له ذكر كالأصبع لا ينتشر (¬14)، والحصور الذي له كالزر، أو خلق بغير ذكر (¬15). والفقهاء يسمون المعترض ¬
عنيناً (¬1)، وهو الذي طرأت عليه علة منعت انتشار ذكره. وقد أطلق ذلك علية في الكتاب (¬2). وإنما هذا المعترَض، بفتح الراء. وقوله (¬3): "وجدها لِغَيَّة"، بكسر اللام وفتح الغين المعجمة وتشديد الياء، أي لغير نكاح (¬4) كما قال في الموضع الآخر: (¬5) لِزِنْيَة، بكسر الزاي، وحكى بعض اللغويين فيه كسر الغين أيضاً (¬6)، وضده لِرِشْدة، أي لنكاح حلال ورشاد، [هذا] (¬7) يقال بفتح الراء وكسرها، والفتح أشهر (¬8)، وقال أبو عبيد: لا أعرف الكسر (¬9)، وحكاه غيره. وانظر قول ربيعة: (¬10) "فما قطع على الزوج منها اللذة مما يكون من داء أرحامهن"؛ هو مثل قول ابن حبيب (¬11) وخلاف قول مالك الذي لا يشترط قطعها، وإنما يشترط نقصها. وعبد الأعلى بن سعيد الجَيْشاني (¬12)، بفتح الجيم وسكون الياء باثنتين تحتها وشين معجمة وآخره نون. ¬
وشَمِر بن نمير، بفتح الشين المعجمة وكسر الميم، وبكسر الشين أيضاً وسكون الميم (¬1). ومحمد بن عكرمة المَهري (¬2)، بفتح الميم وبالراء. وعبد الله بن يزيد بن خُذامر (¬3) كذا روايتي فيه بضم الخاء المعجمة عن شيوخنا وبالذال المعجمة، وكذلك (¬4) رواية أحمد بن داود، وكذا قيده عبد الحق. وكان قاضياً لعمر بن عبد العزيز على مصر، وفى كتاب ابن سهل وابن عيسى: بالحاء المهملة روايةُ يحيى. وعَميرة بن أبي ناجية (¬5)، بفتح العين. وقول ربيعة (¬6): "الوجع المعضل من الجنون والبرص"؛ العرب تسمي كل مرض وجعاً (¬7). ويُعاض (¬8): يعطى عوضاً. ¬
مسألة (¬1) النظر إلى فرج الحرة؛ ذهب ابن أبي زمنين إلى أن مذهب "المدونة" يدل لفظه على نظر النساء إليها إذا احتيج إلى ذلك، وإليه ذهب ابن لبابة وصوبه (¬2)، وقال: إنه مذهب مالك وأصحابه في النظر إلى داء الفرج، إلا ما ذكر عن بعض أصحابه - وهي رواية ابن وهب (¬3) عن مالك - إذا أنكرت البكر الوطء/ [خ 171] وادعاه الزوج، حكاها حمديس وابن أبي زمنين، وقاله ابن سحنون عن أبيه (¬4) خلاف ما قاله ابن حبيب (¬5) وما ذكر سحنون عن ابن القاسم (¬6). وانظر من حيث أخذ ابن أبي زمنين من لفظه في الكتاب هذا؛ هل من قوله في الباب: ما هو عند أهل المعرفة من داء الفرج ردت به (¬7). وهذا قد يمكن أن يتقاررا (¬8) الزوجان على/ [ز 97] صفته، ثم يسأل عنه أهل المعرفة فلا دليل فيه للنظر (¬9)، ..................................... ¬
أم من قوله في مسألة (¬1) وقد قال في الثاني في تداعي الزوجين في المسيس: فقال ناس: (¬2) "يجعل في قبلها الصفرة وتمامها (¬3)، ثم ينظر [إليه] (¬4) الرجال على ما في "المدونة"، أو ينظر إليها النساء على ما في كتاب ابن حبيب (¬5). وإذا كان هذا هنا فبابه واحد، لأنه كله من النظر للعيب والضرر. ¬
النكاح الثاني
النكاح (¬1) الثاني (¬2) قول مالك (¬3): "لا يجتمع في صفقة واحدة نكاح وبيع"، وكأنه جعل هذه العلة في المسألة، وقد فسرها أئمتنا (¬4) رحمهم الله بتنافر العقدين وتضادهما، لكون أحدهما مبنياً (¬5) على المكايسة والمشاححة، والآخر مبني على المقاربة (¬6) والمسامحة. فعلى هذا لا تبالي (¬7) سمى لكل عقد منهما عوضا أم لا، خلاف ما ذهب إليه جماعة من المشايخ في أنه إذا سمى حين العقد أو لم يسم - ووقع الاختبار قبل الدخول وعلم أنه يبقى للبضع ما يستحل به - أنه جائز على كل الأقوال فانظره. وعلى من علل بعروّ البضع عن صداق (¬8) أو بجهل ما وقع (¬9) له أو بوقوفه على الاختبار يجوز إذا وقع الاختبار (¬10) والتسمية (¬11) قبل العقد. ¬
وقول بعض الرواة (¬1): إن بقي مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعداً جاز، وهو عبد الملك (¬2) في كتاب محمد، ومثله في "سماع" أشهب، ونحوه لمطرف (¬3) في "الثمانية" على كراهة ذلك ابتداء وإمضائه (¬4) إذا نزل وكان الثمن كثيراً فيه فضل بين على البيع (¬5)، ولأشهب عند البغداديين (¬6) إجازته ابتداء. والزيادة المراعاة عند الغير إنما هي يوم الصفقة، كذا فسرها ابن حبيب عن مطرف. وقد أجرى الشيوخ العمل في المسألة على قول الغير على الاختلاف في عمل مسألة المُوضحتين (¬7) فانظره (¬8) في كتبهم (¬9). وقوله (¬10) في الصداق الفاسد لغرره: "إن ما فات منه بعد قبضها له وإن لم يحل باختلاف أسواق ولا نماء ولا نقصان فهو من المرأة أبداً حتى ¬
ترده، لأنه في ضمانها يوم قبضته"، فمعنى قوله: وإن لم يحل مما (¬1) ذكره (¬2)، أي فات بأمر من الله وأنه بقبضها منه في ضمانها وإن كان لم تضمنه قبل بتغير وزيادة لأن بنفس قبضها له ضمنته، فإن لم يتغير بشيء (¬3) ردته بحاله، وإن تغير بوجه من وجوه التغير أو فاتت عينه بعد التغير أو قبله ضمنته، فلهذا تحرز (¬4) بهذا اللفظ. وقوله (¬5) بعد: "وهذا في غير الثمرة التي لم يبد صلاحها"، كذا روايتي (عنه) (¬6) عن شيوخي في هذا الحرف، هذا الكلام متصل بكلام ابن القاسم، وعند غيري فيه (¬7): "قال فيه سحنون"، في أوله. والفرق بين الثمرة وغيرها عند (¬8) بعضهم أن الثمرة في أصول البائع، فلا يتهيأ [فيها] (¬9) للمشتري فيها قبض، وإذا لم يتهيأ له ذلك حتى فاتت لم يتعلق به ضمان، بخلاف ما جدت/ [خ 172] منه (¬10) إذ قد حصل في قبضها. مسألة الجنين، خرج بعض الشيوخ منها أن حوالة الأسواق يفيت (¬11) بيع التفرقة وإن كان البيع فاسدا (¬12)، لقوله أول المسألة (¬13): "إلا أن تقبض ¬
الجنين بعد ما ولد". ثم قال (¬1): "ويحول في يديها باختلاف أسواق (¬2) أو نماء أو نقصان". وقوله (¬3) في مسألة الثمرة: "وعليها ما جدت من الثمرة وما حصدت من الحب"، فألزمها رد المكيلة فيما بيع جزافاً بيعاً فاسداً، ولم يجعل حوالة الأسواق/ [ز 98] فيه فوتاً، خلاف ما قال محمد (¬4) وغيره، فذهب بعض الشيوخ إلى استقراء الخلاف من "المدونة" هنا ومن كتاب محمد فيما بيع جزافاً بيعاً فاسداً ثم علم كيله؛ فمرة جعله كالعروض، ومرة كالمكيل والموزون. ومذهبه هنا أن المكيل والموزون لا يفيته (¬5) حوالة الأسواق، وهو (¬6) مما اختلف الشيوخ فيه، وجعله بعضهم فوتاً. وقوله (¬7) فيمن تزوج على بيت وخادم: لأن للأعراب بيوتاً قد عهدوها ولهم شورة قد عرفوها، فانظر هل يرجع العرف على الزوجين وعليهما (¬8) بذلك حال العقد، فهذا لا إشكال فيه - وهو كالمعين والمقدر - أو على غيرهم كما قال بعد ذلك (¬9): "إذا كان الشوار معروفاً عند أهل البلد، ولكل قدره من الشورة"، وأن هذا يرجع إلى عادة مثلهم وإن جهلوا هم قدرها ¬
حين العقد كما قال في الخادم: "إن لها خادماً وسطاً" (¬1). قال القاضي أبو الحسن بن القصار: إنما هذا بمنزلة نكاح التفويض الذي يعلم في ثاني حال ويقضى فيه بمهر المثل وإن جهل حين العقد، وهو صداق صحيح، بل هذا أولى بالصحة. ومعنى البيت هنا ومعنى الشوار واحد، وإنما جاء بالشورة تفسيرا للبيت. ومحمد بن عبد الحكم (¬2) على أصله يمنع الزواج عليها على هذا الوجه إلا بوصف معلوم البيوع. والشَورة والشَوار، بفتح الشين: المتاع وما يحتاج إليه البيت من المتاع الحسن واللباس الحسن؛ تقول العرب: ما أحسن شواره! أي لباسه. والشارة: الهيئة وحسن الملبس. والشُورة، بالضم: الجمال. [وكله متفاوت] (¬3) ومسألة (¬4) المتزوجة على قلال خل فوجدتها خمراً، ظاهر قوله في الكتاب أنها ترجع بمثلها، وهو بين فيه من كلامه (¬5)، وذلك غير متعذر بملء القلال بعد تطهيرها إن تطهرت، أو بمعرفة قدر ما تحمل من ماء إن لم تتطهر به، ثم يكال ذلك الماء ويدفع من الخل قدره. وأما سحنون فجعل فيها القيمة وذهب بها مذهب الجزاف (¬6). وأنكر محمد بن عبد الحكم (¬7) فيها المثل وقال: لم يكن خلا قط، فكأنه يذهب إلى أن يكون فيه صداق المثل كنكاح انعقد على خمر أو على ¬
غير شيء. وقد عورض بالنكاح على عبد، ثم استحق بحرية فقيل له: لم يكن عبداً قط، وهو يقول: إن لها قيمته. وقال بعضهم: إن كان اشترط في المسألة الكيل فلا بد من المثل، وإن كان لم يشترطه فهو من باب الجزاف، لكنا نتوصل إلى حقيقة معرفة مثله، فلا معنى للقيمة. وقال آخر (¬1): بل الصواب القيمة، إذ قد وقع العقد على/ [خ 173] ما لا يصح العقد به إلا أن يقال: إن مثل هذا لا يراد لعينه، حتى لو استحق لزم البائع أن يأتي بمثله كالدنانير، فقد قاله بعضهم. أو على القول بأن المكيل والموزون كالدنانير لا يراد لعينه، فقد قيل أيضاً. أو يقال: حكمه حكم (¬2) العروض. ولنا على هذين الأصلين مسائل كثيرة في أن الجزاف في المكيل والموزون كالعروض لاختلاف تقدير المتبايعين وتباين غرضهما (¬3) في ذلك. وقد قال بعضهم إن قوله: "هو بمنزلة من تزوجت بمهر فأصابت (به) (¬4) عيباً أنها ترده وتأخذ مثله إن كان يوجد (¬5) مثله، أو قيمته إن كان لا يوجد مثله" تفصيل في المسألة، أي إن كان على الكيل فبمثله أو على الجزاف فبقيمته. وقيل: معناه إن كانت الأغراض تتفق فيه كالدنانير والدراهم فبمثله، وإن كانت تختلف فبقيمته. قال القاضي: وانظر النكاح على/ [ز 99] هذه القلال - وقد قال: "بأعيانها" - فإن كانت حاضرة فكيف لم يوقف عليها حتى يعلم هل هي خمر أو خل والصفة مع حضورها لا تصح؟ وإن كانت غائبة وقد رأياها، لكنها في البلد واشتريت على رؤيتها المتقدمة أو صفة الخل على الاختلاف في البيع على ¬
الصفة في البلد، أو كانت غائبة عن البلد فاشتريت على صفة أو رؤية متقدمة. والمسألة في هذين الموضعين ممتنعة، إذ لا يرجع الخل خمراً أبداً (¬1). ولا وجه لصورة المسألة تنزل عليها وتصح عندي إلا أن تكون حاضرة بأعيانها ورأيا (¬2) وظناها خلاًّ بما شُبه عليهما في أعلاها أو رائحتها ثم استبان أنها خمر، أو تكون جماعة قلال اطلع على بعضها - وهو خل - فحمل بقيتها على حكم ذلك فإذا هي لم تتخلل بعد، أو كانت معفَصَة أو مغلقة بما يعسُر حله أو يخشى فسادها بحله، فاستغنى بما اطلع عليه من بعضها، أو على رأي [أبي] (¬3) محمد في إجازة بيع الثوب المطوي في جرابه. وقوله (¬4) فيمن سموا في السر مهراً وأعلنوا خلافه: "يؤخذون بالسر إن كانوا قد أشهدوا على (ذلك"، أي أشهدوا أن الذي نعلنه ليس بصداق، أو أشهدوا على) (¬5) العقد بخمسين ثم أعلنوا مائة. لكن الحال تختلف في يمين الزوج إن ادعت عليه الزوجة الانتقال بعد الخمسين إلى المائة، فلا يحلف في المسألة الأولى ويحلف في الثانية. وقوله (¬6) في التي (¬7) تزوج على ألف، "فإن كانت له امرأة أخرى فلها ألفان: هذا من الغرر". ¬
قال فضل: معناه إن كانت له يوم عقد النكاح. وهذا فرق ما بينها وبين المسائل بعدها إذا تزوجها بالف (¬1) وتضع له ألفاً على ألا يخرجها من البلد ولا يتزوج عليها: إن ذلك له ولا شيء عليه" (ولا يلزمه الشرط؛ لأن في المسألة الأولى لا تدري ما صداقها؛ أعنده امرأة فلها ألفان، أو ليست عنده) (¬2) فلها ألف؟ والأخرى ليس فيها غرر، إنما هو شرط لما (¬3) أن فعل فعلاً زادها ألفاً في صداقها. وتردد فضل وغيره في هذا وقالوا (¬4): المسألتان سواء، ومرجع (¬5) المرأة في جميعها إلى أنها (¬6) لا تدري ما صداقها ألف أو ألفان؟. وذهب أبو عمران أن معنى قوله: "لا شيء عليه" أي لا يقضى عليه بهذه الزيادة، لأنه خرج منه مخرج اليمين لا مخرج التبرر/ [خ 174] والتقرب الذي يقضى به. وظاهر الكتاب في الذي يترك له بعد العقدة للشرط جوازه ابتداء؛ لأنه جعل الخيار له في ذلك (¬7). وفي "المختصر": هذا باطل. ونحوه في "المدنية" (¬8) و"السليمانية" (¬9) و"المبسوطة"؛ لأنه من تحريم ما أحل الله له، ¬
وأن الذي أعطيه على مذهبه في الكتاب إن وفى صح له، وإن لم يف رده. فمرة يكون سلفاً، ومرة يكون بيعاً. وفي سائر نسخ "المدونة" في المسألة قال (¬1): "فإن فعل شيئاً من ذلك فلها أن ترجع عليه". وهو بين. وفي حاشية كتاب شيخنا القاضي أبي عبد الله وفي (¬2) بعض النسخ: فليس لها أن ترجع. وظاهر اللفظ خطأ لكنه لعل معناه: فإن فعل ما شرطه لها ووفى [له] (¬3) به. ويكون وفاقاً، وإلا فهو وهم. ورواية علي في المسألة: عن مالك عندنا وفي أصول شيوخنا (¬4). وسقط في رواية يحيى: "عن مالك". وهي (¬5) من قول علي نفسه في كثير من النسخ (¬6). وعلى هذا اختصرها بعضهم. قال ابن وضاح: هي لمالك، وطرح سحنون منها اسم مالك. وقد ذكرها آخر الباب عن مالك من رواية ابن نافع (¬7). وعندي بعدها في كتابي: ورواه (¬8) أشهب أيضاً عن مالك (¬9)، وكذا في كتاب ابن عيسى وكثير من النسخ. ولم يكن في أصل في كتاب (¬10) ابن عتاب ولا ابن المرابط (¬11). وقوله (¬12) في الذي (¬13) وجدت بالعبد عيباً وقد حدث/ [ز100] عندها ¬
عيب: "إن شاءت حبست العبد ورجعت بقيمة العيب، أو ردت العبد وما نقصه العيب عندها ورجعت بالقيمة". في هذا الكلام تساهل، كيف ترد قيمة وتأخذ قيمة؟ قال بعضهم: وكلامه إنما هو في حكم الرد بالعيب لا في صفة المطالبة؛ إنما يقال: إن ما فات عندها من عيب العبد لا حساب له (¬1) على الزوج، وترد عليه (¬2) بما بقي منه وتأخذ قيمته (¬3)، فإن كان قيمة العيب الحادث عندها الربع ردت العبد، وهو الثلاثة الأرباع الباقية وأخذت قيمتها. والقيمة ها هنا يوم عقد النكاح، بخلاف البيع (¬4). وقوله (¬5): بِعْهُ فَرَسَكَ وهو ضامن لك علي، أي لازم ذو ضمان. وفي الحديث في المجاهد: "كان ضامناً على الله أن يدخله الجنة" (¬6)، أي: جهاده ذو ضمان كما قال تعالى: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (¬7)، أي ذات رضى. وقول (¬8) ابن أبي الزناد (¬9): "حيث وضعه الأب فهو جائز، أي (¬10) إن ¬
جعله على ابنه لزمه"، يحتمل أن يكون وفاقاً لمالك وابن القاسم وإذا (¬1) كان الابن مليًّا. ويحتمل أن يكون خلافاً لهما إذا كان عديماً ووفاقاً لقول أصبغ (¬2) أنه إن جعله عليه سقط عن الأب وبقي الخيار للابن إذا كبر (ما لم يدخل) (¬3). وقوله (¬4): "أنكح ابنه صغيراً أو كبيراً" أكثرهم (¬5) تأوله على الكبير السفيه. وقال أبو بكر بن يونس (¬6): قد يكون في الرشيد؛ لأن الأب ولي العقد فالثمن عليه كالوكيل. قال القاضي رحمه الله: وهذا بعيد هنا؛ لأن الوكيل إن طلب بالمال طلب به الآمر، ولأن البيع فيه عهدة ولا عهدة في النكاح، والأول أصح. وقوله (¬7) في التي وهبت مهرها لأجنبي فعلم الزوج بذلك، إلى آخر المسألة. وقوله: اتبعها بنصفه ديناً ولم ترجع على الموهوب. وفي كتاب محمد (¬8):/ [خ 175] ترجع. قيل (¬9): معنى ما في "المدونة": وهبته هبة مطلقة وقالت للموهوب (¬10): ............................... ¬
اقبضها من زوجي، ولو صرحت أن الهبة من الصداق فلها أن ترجع كما حكى محمد. وقوله (¬1) في الذي (¬2) فرض لها شقصا من دار فرضيت به: فيه الشفعة (بقيمته) (¬3). قال بعض الشيوخ (¬4): هذا إذا كان الفرض قبل البناء، وأما إن كان بعد فإنما يأخذه بصداق مثلها. وقع في بعض روايات "المدونة" - وكان عند شيخنا أبي محمد مخرجاً إليه - في مسألة (¬5): "من زوج ابنه صغيرا في مرضه وضمن صداقه" بعد قوله: "لا يعجبني هذا النكاح"، قال: فإن علم بالنكاح قبل موت الأب فسخ ما لم يصح. فإن قال: أما إذا لم تجوزوا ما أعطيته فأنا أصدق عنه من ماله - وللولد مال - أيثبت النكاح؟ قال: نعم. قلت: فإن ماتا أو مات أحدهما قبل أن يعلم بالنكاح أيتوارثان؟ قال: لا. هنا انتهت الزيادة (¬6). والخلاف يدخل في الميراث على ما تقدم من اختلاف قوله فيما لأحد من الناس إجازته وفيما اختلف الناس فيه؛ إذ للأب هنا أن يصححه. وللوصي بعده. وللولد إن بلغ ورضي بالتزام الصداق. أو (¬7) لأنه من نكاح الخيار والنكاح الموقوف، وهو مما اختلف فيه، أو لأنه ببطلان (¬8) هذا (¬9) الصداق فيرجع (¬10) إلى النكاح بالغرر، وهو مما اختلف فيه هل يمضي إذا وقع أم لا على ما تقدم؟ ¬
ويخرج الخلاف في هذا النكاح ابتداء بجوازه (¬1) أو فسخه (من الكتاب) (¬2)، فقال فيه أول الباب (¬3): "ذلك جائز عند مالك". ثم قال بعده (¬4): "لا يعجبني"، وفي هذه الزيادة: يفسخ. وقوله في المسألة (¬5): إن الوصي ينظر للصبي بما هو له غبطة في إمضاء/ [ز 101] هذا النكاح أو رده، يحتج به أنه ليس للوصي إنكاح محجوره الصغير إلا على هذا الوجه كما قال المخزومي، ونبه عليه في كتاب محمد. وفي قول بعض الرواة (¬6) في الناكح (¬7) بدرهمين: "لا يجوز"، إلى آخر المسألة. زاد في رواية الدباغ والسدري (¬8): "والنكاح مفسوخ قبل الدخول وبعد الدخول، لأنه كأنه تزوجها بلا صداق" (¬9). وبإثبات هذه الزيادة ¬
اختصرها من المختصرين ابن أبي زمنين وغيره (¬1)، ولم تكن عند شيوخنا. وعلى إسقاطها اختصرها أبو محمد (¬2) وغيره. وقوله (¬3) في البكر المولى عليها إذا فرض لها الزوج صداق مثلها فرضيت به وأبى الوصي: القول قولها. وإن رضي الولي ولم ترض هي فالقول قول الولي (¬4). ظاهره أنه لا يتم ذلك إلا برضاهما معاً بالصداق. والصحيح عند شيوخنا على منهاج المذهب أن يمضي على رضى الوصي. وهو الذي في كتاب ابن حبيب، ولا يلتفت إلى رضى البكر؛ إذ النظر في المال له، بخلاف إذا كان هذا حين العقد فلها ألا ترضى بالزوج إلا بالوجوه التي ترضيها من إضعاف الصداق وغيره مما تشترطه وتأبى أن ترضى بالنكاح دونه، ولا يتم العقد ما لم ترض. بخلاف إذا رضيت بالتفويض ثم نازعت في الفرض (¬5). وقوله (¬6): "وإن كانت بكراً ووليها لا يجوز أمره عليها لم يجز ما فرض لها الزوج إلا أن يكون سداداً يعلم أنه مهر مثلها ولا يجوز ما وضعت"، ثم قال (¬7): "لأن الوضيعة لا تجوز إلا للأب". هذا يدل أن للأب الرضى لها بأقل من صداق/ [خ 176] مثلها في نكاح التفويض، كما له إنكاحها بأقل من صداق مثلها ابتداء. ولذلك فرق في الكتاب (¬8) بينه وبين الوصي ولم يجزه للوصي. ¬
وقال ابن القاسم بعد كلام مالك وتفريقه (¬1): "إلا أن يكون ذلك منه على وجه النظر لها"، إلى آخر كلامه. محمله عند عامتهم على أنه في الوصي وأن له الرضى بأقل من صداق المثل. ويدل على أنه الوصي قوله (¬2): "وما كان على غير هذا لم يجز وإن أجازه الولي". والظاهر أن يرجع كلام ابن القاسم على قول مالك في آخر تلك المسألة (¬3): "ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من صداقها إلا الأب وحده، لا وصي ولا غيره"، فيكون كلام ابن القاسم في العفو دون الرضى عائداً عليه. ولهذا ذهب بعضهم، لكن قياسهما واحد إذا كان له العفو جائزاً مما (¬4) فرض الزوج فالرضى بدون صداق المثل على ذلك أجوز لكن شرط هنا رضاها (¬5)، فقال بعضهم: هي قولة ثالثة في العفو عن الصداق. وقد تقدم في الأول من هذا. وانظر قوله هنا: "إذا رضيت" فلم يجز ذلك للوصي إلا برضاها مخافة الفراق وللرغبة فيه، فقد يحتج به في مسألة: إذا ذهبت المحجورة لتسكن (¬6) زوجها معها في دارها أو إنفاقها على نفسها رغبة في الزوج ومخافة طلاقه وغبطتها به، وأنه إن فارقها رجعت تسكن دارها وتنفق على نفسها وتعدم ما ترغبه من زوجها (¬7)، وأن ذلك لها إذا طلبته على ما أفتى به شيوخ ¬
الأندلس، وبه أفتى أبو القاسم بن عتاب (¬1) وقاله شيخانا (¬2) هشام بن أحمد الفقيه (¬3) والقاضي محمد بن حمدين (¬4) وغيرهم. وهو الذي يوجبه النظر. ولم ير ذلك يجوز في إسقاط النفقة أبو المطرف الشعبي (¬5) وقال: يلزم على هذا فيما طلب من مالها أن يسوغ له إذا ساعدته وخشيت فراقه إن لم تفعل (¬6). قال القاضي - رحمه الله -: وهذا لا يلزم، والفرق بينهما أنها تقول في الوجه الأول: أنا إن فارقني رجعت آكل مالي وأسكن داري/ [ز 102] ولا أتزوج سواه، فسكوني (¬7) الآن داري وأكلي مالي مع زوج (¬8) أرغب فيه ¬
أولى بي (¬1). وغيرُ ذلك من مالها باق لها طلقت أو بقيت. وقوله (¬2): "وقد قيل إنها إذا رضيت بأقل من صداق مثلها إنه جائز، ألا ترى أن وليها لا يزوجها إلا برضاها"، إلى آخر الرواية. وهي ساقطة من أكثر الكتب، ولم يقرأها ابن وضاح وقرأها ابن داود. ولم يذكرها كثير من المختصرين وذكرها بعضهم. وأمر سحنون بطرحها (¬3). ومثله في رواية عيسى فيما حكاه فضل عن بعض (¬4) روايات "العتبية"، وأن معرفة الصداق والرضى به في التي لا تولى (¬5) بأب أو وصي من أب أو حاكم لها دون وليها. وهذا على القول: إن (¬6) بلوغها رشدُها كما تقدم في الصبي، وهي رواية زياد عن مالك فيهما. أو على أن فعل السفيه غير المحجور ماض كما قال مالك وعامة أصحابه. وذهب شيخنا القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد أن خلاف ابن حبيب (¬7) وعيسى إنما هو في اختلافهم في صداق المثل فأكثر؛ قال: والقياس ألا يثبت ما رضي به أحدهما صداقاً إلا بعد نظر السلطان (¬8). وظاهر لفظه في الكتاب في باب التفويض (¬9) أن للأب بعد الدخول الرضى بأقل من/ [خ 177] صداق المثل بقوله: فإن كان الولي ممن يجوز أمره عليها أو المرأة ممن يجوز أمرها فتراضيا قبل المسيس أو بعده فذلك جائز، ويكون صداقها ما تراضيا عليه، ولا يكون صداقها صداق مثلها يؤكد ¬
أنه خلافه وإن كان بعضهم قال: ليس بخلاف، بل يرجع قول مالك في الجواب على الثيب الجائزة الأمر. وقال بعضهم: بل هو فيما زاد على صداق المثل لا فيما نقص. وبسبب (¬1) اختلاف هذه التأويلات اختلف اختصار المختصرين. وقوله (¬2) في التي تزوجت "على عروض بأعيانها فلم تقبضها حتى ضاعت: المصيبة من الزوج، لأن مالكاً قال ذلك في البيوع، إلا أن يعلم هلاك ذلك ببينة". قال ابن أبي زمنين: لم يعطنا جواباً في النكاح هل يفسخ أم لا؟ وقد اختلف قوله في فسخه في البيوع، قال ابن أبي زمنين: وأرى أن يمضي النكاح ويغرم قيمة الثوب. وإلى هذا ذهب غير واحد (¬3). واضطرب نظر الشيوخ في وقت فرض المثل للمفوضة: أيوم العقد؟ إذ من حينئذ وجب الميراث وحقوق النكاح بينهما فهو كالموت (¬4). أم من يوم الحكم إن كان النظر قبل البناء؟ إذ لو شاء الزوج طلق حينئذ ولم يلزمه شيء. وأما لو كان بعد البناء فيوم الدخول، لأنه يوم الفوت. واختلافهم في هذا كاختلافهم في قيمة الهبة للثواب متى تكون، هل يوم الهبة أو يوم الفوت؟ وقوله (¬5) في التي أعتقت عبداً أخذته في صداقها وثلثها لا يحمله: إن لزوجها رده، إلى آخر المسألة. ظاهره أنه محمول على الجواز حتى يرده السيد (¬6)، وكذا له في كتاب ابن حبيب (¬7). وقال مطرف وعبد الملك: هو على الرد حتى يجيزه السيد (¬8). ¬
وقوله (¬1) في التي تزوجت على أبيها: "يعتق عليها بالعقد"، قال في كتاب ابن حبيب: بكراً كانت أو ثيباً، علمت به أو لم تعلم (¬2). معنى مسألة "المدونة" عند بعضهم إنما تصح في الثيب الجائزة الأمر؛ إذ البكر والسفيهة ليس لوليها أن يتلف عليها مالها (¬3)، ورضاها هي كلا رضى. قال: وما قاله ابن حبيب خلاف هذا، وهو في البكر ضعيف لما ذكرناه. لكن فضلاً قد أشار إلى أن مذهب ابن القاسم كمذهب ابن حبيب على الجملة من غير تفسير. لكنها إن كانت غير مولى عليها/ [ز 103] فيصح على القول بجواز أفعالها. وقوله (¬4) في الكتاب في المسألة عن بعض جلساء مالك: "إنه (¬5) كان لا يستحسن أن يرجع الزوج على المرأة بشيء إذا طلقها" كذا جاء مجملاً. وفسره حمديس وغيره بمعناه (¬6) إذا كان الزوج عالماً، يعني حين العقد. وعلى هذا اختصره أكثرهم (¬7)، وقد صرح بعلمه أول المسألة (¬8). وابن القاسم يستحب قوله الأول أنه يرجع عليها بنصف القيمة (¬9)، وليس لها عليه شيء. وابن كنانة في "المبسوطة" (¬10) وغيرها (¬11) يقول: إذا لم تعلم هي كان لها عليه صداق مثلها، وله عليها قيمته. قال عنه فضل: ويفسخ قبل البناء على هذا (¬12). وحكي عن ¬
عبد الملك: يعتق عليها (وترجع عليه بقيمته، وفي "ديوانه" (¬1): ويغرم لها نصف قيمته إن غرها) (¬2)، ويرجع العبد إليه (¬3). ولم يفرق ابن حبيب بين علمها أو جهلها وسوى ذلك. وفرق بين علم الزوج وجهله فقال (¬4): إن كان علم حين العقد فلا سبيل إلى رد عتقه، وإنما يتبع/ [خ 178] ذمتها بنصف قيمته. وإن لم يعلم إلا عند الطلاق أخذ نصفه وعتق عليها النصف إلا أن يشاء أن يمضي لها عتقه ويتبعها بنصف قيمته. وقوله (¬5): "إن كان إنما استحق من الدار البيت (¬6) أو الشيء التافه الذي لا ضرر فيه على مشتريه"، كذا روايتنا فيه. وبيانه في كتاب الاستحقاق حيث يقول: "ورب دار لا يضرها ذلك فيها بيوت كثيرة ومساكن رجال"، وكما قال في "العتبية": كالبيت من الدار الجامعة. فهو تفسير موافق لما فسره سحنون أن هذا في مثل الفنادق (¬7). وأما الدار الكبيرة ذات المساكن والذي اشتراها لا يمكن أن يسكن معه أحد لكثرة حشمه فله أن يردها. وكذلك إن استحق من هذه الجزء اليسير ولو كان العشر فإنه ضرر وإنما يراعى الضرر. أو يكون على ما ذهب إليه غيره من أن يكون هذا البيت المستحق منها طرفاً لا مدخل له على الدار وله مدخل من خارجها وينحجز عن الدار، فمثل هذا إذا كان يسيراً لا ضرر فيه. وقوله (¬8): "يرجع (¬9) بقيمة ذلك"، كذا عند ابن عيسى. والذي عند ¬
ابن عتاب: بحصة ثمن ذلك. وطرح سحنون "بقيمة" ورد (¬1) "بحصة"، وقال: أخاف أن يكون الثمن مجهولاً. وصوابه على ما قال سحنون؛ لأن العدل في ذلك أن يرجع بحصة ذلك من الثمن مطلقاً إذا كان جزءاً (¬2). وإن كان معيناً كالبيت فبحصة ذلك من الثمن، ولكن بعد معرفة قيمته من جميع قيمة الدار فيفض الثمن عليه بحسب ذلك. وإليه يرجع معنى قوله "بقيمته"، على ما في الأصل. وعلى هذا يحمل قوله بعد هذا (¬3): "وإن كان استحق ما فيه ضرر مثل نصف الدار وثلثيها كان المشتري بالخيار بين أن يحبس ما بقي في يديه ويرجع بقيمة ما استحق منها" - ويروى: بثمن (¬4) ما استحق - فهو أيضاً على ما تقدم. فقوله: بثمن، بين على الجزء. وقوله: بالقيمة، على ما تقدم في المعين وإن كان هذا اللفظ من قوله: "مثل نصف الدار أو ثلثيها" لم يثبت عند ابن عتاب (¬5) هنا وثبت لابن عيسى، لكنه ثابت في كتاب الاستحقاق؛ قال: "نصفها أو جلها". وقوله في كتاب الاستحقاق: أو كان أقل من النصف مما يكون ضرراً ليس يدل أن الأقل من النصف من هذا كثير، إذ لم يحدده هنا، وإنما قصد ما يكون ضرراً إذ (¬6) لم يشك أن النصف فأكثر منه ضرر، ثم الأقل إنما يراعى فيه الضرر. وإلى هذا نحا بعض شيوخنا، قال: يريد وإن (¬7) كان العشر إذا أضر. ووقع في كتاب القسم: وأرى إن استحق ثلث الدار أنه ضرر يوجب له الرد أو التماسك. فجعل الثلث هنا في حيز الكثير ضرراً ¬
بذاته (¬1) وقول ابن شهاب (¬2): "لكن فارقته بحق لِحَق"، يروى هكذا بكسر اللام وفتح الحاء، ويروى: بحق لَحِقٍ بفتح اللام وكسر الحاء. وكلاهما صحيح في المعنى. وذكر في الباب (¬3) - في كتاب إبراهيم بن محمد بن باز في آخر مسألة من أعتق أمته تحت عبد وقد قبض صداقها - (مسألتي كتاب الرهون في المعتق لها تحت حر وقد قبض صداقها) (¬4) ولا مال له غير الأمة أن عتقها لا يرد. ومسألة ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بغير جهاز. ولم تكن المسألتان عند ابن وضاح هنا (¬5)، وصحتا هنا في كتاب/ [خ 179] ابن عتاب لابن باز. وهما صحيحتان في كتاب الرهون/ [ز 104]. ولعل ابن باز نقلها (¬6) منه إلى هنا كما فعل بمسائل من الصيام قد نبهنا عليها (¬7) في كتابه. والذي له في هذا الكتاب في صداق الأمة عند أكثرهم خلاف ما له في كتاب الرهون (¬8). وقد جمع بعضهم بين القولين أن ما ها هنا غير مبوأة معه بيتاً، وما في الرهون قد بوئت معه (¬9). وقول مخرمة (¬10) في الأمة: "لها مهرها إلا ما يستحل به فرجها"، مثل ¬
قول سحنون (¬1). وقول ابن شهاب (¬2): "إنها أحق به إلا أن يحتاج إليه ساداتها"، موافق لقول مالك في كتاب الرهون. ويكون قوله: "إلا أن يحتاج إليه ساداتها"، يعني بعد قبضها له والدخول بها كما قال سحنون، فلهم انتزاعه إذا صح قبضها له واستباحتها به. وفي آخر باب التفويض (¬3): يونس عن ابن شهاب أنه قال: "إذا دخل ولم يفرض لها"، المسألة بكمالها. ثم قال: يونس عن ربيعة أنه قال (¬4): "إذا دخل بها فقد وجبت عليه الفريضة". كذا روايتنا عن شيوخنا. وفي كتاب ابن سهل: (كذا) (¬5) لابن باز. وعند ابن وضاح: يونس عن ربيعة، فيهما معا (¬6). مسألة اختلاف الزوجين (¬7) في قبض المؤجل وأن القول قول المرأة إن كان حان (¬8) الأجل قبل الدخول، يقتضي أن لها قبضه قبل الدخول ومنع نفسها حتى تقبضه كالنقد. وهو نص لمالك عند محمد (¬9). وفي "المنتخب" خلافه. وكذلك ذكر فضل (¬10) عن يحيى بن يحيى، وأن المؤجل كسائر ديونها تتبعه به إذا أعسر. ¬
وقوله (¬1) في دعوى الدفع بعد الدخول: "القول قول الزوج"، ولم يذكر في الكتاب يميناً، وذكر عنه اليمين. وهو أصله في الكتاب في الباب كله أن ما يكون القول فيه لأحدهما إنما هو مع يمينه كما نص عليه في مسألة الورثة (¬2) ومسألة التفويض وغيرهما، وأنه لا يصدق بمجرد قوله، إلا أن عبد الملك (¬3) في هذه المسألة لم يجعل (عليه) (¬4) يميناً في دعوى الدفع مع الطَّول، وإنما جعله بالقرب وإذا جاءت بلطخ (¬5). وقد قال شيوخنا (¬6) في الباب: إن جواب مالك في المسألة إنما هو على أن المهور عندهم على النقد. وهذا كله فيما ادعى دفعه قبل الدخول (من معجل ومؤجل (¬7). وأما ما ادعى دفعه بعد الدخول فلا يصدق فيه إذ صار كسائر الديون. وقوله (¬8) في الاختلاف في الصداق قبل الدخول) (¬9): "تحالفا وفسخ النكاح". قيل: ظاهره بغير طلاق. وقد يقال بطلاق، وذلك لاختلاف الناس في فسخه بعد التحالف جملة أو تخيير أحد الزوجين في الرضى بقول صاحبه وثبوته، والقولان عندنا. أو لبقائه وتصحيحه بصداق المثل، وهو قول الشافعي (¬10). ولا أحسبهم يختلفون أنه إذا وقع الطلاق بإثر التحالف وقبل ¬
الحكم بفسخه أنه يقع، وإنما النزاع في فسخه. وقد قال ابن القاسم وغيره: كل نكاح اختلف الناس فيه فالفسخ فيه بطلاق. وانظر على القول الآخر: كل ما كانا مغلوبين على فسخه فالفسخ فيه بغير طلاق من غير مراعاة الخلاف فيه. فالمسألة تتخرج على هذين الوجهين. وقد قال القاضي أبو محمد: "إذا حلفت قيل للزوج: تحلف وتسقط عنك دعواها، ويكون بعد بالخيار (¬1) بين أن يدفع إليها ما حلفت عليه ويدخل بها شاءت أو أبت، أو تطلق بغير شيء" (¬2). وقاله غيره (¬3) إنه من رضي منهما بما قال الآخر بعد التحالف لزم النكاح. فهذا يدل أن الطلاق إليه وأن فسخه طلاق/ [خ 180]، لأن الحاكم ينوب هنا مناب الزوج إذا امتنع وينفذ الطلاق عليه. وتخييرهما أيضاً على هذا - وهو قول المغيرة (¬4) وابن حبيب - يوجب أن يكون فسخه على هذا طلاقاً، خلافاً لسحنون في أنه لا تخيير له وأنه بتمام التحالف يتبارآن كاللعان (¬5) / [ز 105]. وقوله: "على قدرها وغِناها"، بالقصر والكسر رويناه، من كثرة المال. وضبطه أبو محمد عبد الحق بالمد والفتح، من الكفاية. والأول أولى وأليق بالمسألة. مسألة المتزوجة على التحكيم، قال في الكتاب (¬6): إنه كالتفويض، قال: وهو بمنزلة المفوض إليه، وتوقف المرأة فيما حكمت أو من (¬7) رضي بحكمه، فإن رضي بذلك الزوج جاز، وإلا فرق بينهما. وهو نص في كتاب ¬
ابن حبيب (¬1) في جميع وجوه التحكيم أنه كالتفويض، وأن الزوج إن فرض صداق المثل قبل الدخول لزم النكاح عند ابن القاسم (¬2) وابن عبد الحكم (¬3) وأصبغ (¬4). وحكي عن عبد الملك (¬5) مثله، إلا إذا كان الحكم للمرأة فإنه لا يلزمها الرضى بصداق المثل. ولابن القاسم (¬6) وأشهب (¬7) نحوه أيضاً. ولعبد الملك في كتاب محمد (¬8): يفسخ في هذا الوجه من تحكيم المرأة وحده. قال بعض شيوخنا (¬9): ولا خلاف إذا كان الزوج هو المحكم (مع القول بجوازه أنه كالتفويض. واختلف على مذهب الكتاب إن كان المحكم) (¬10) الزوجة أو الولي أو الأجنبي، أو شرك أحد مع أحدهما في التحكيم: فذهب القابسي (¬11) أن الحكم هنا [على] (¬12) عكس حكم التفويض، والمحكم هنا كالزوج في التفويض، فإن فرض صداق المثل لزمهما، وإن ¬
حكم بأقل من صداق المثل لزم الزوج وكانت المرأة بالخيار، وإن فرض أكثر من صداق المثل لزم المرأة والزوج بالخيار. ويجعل هذا معنى قوله في الكتاب (¬1): "إن رضي بما حكمت أو رضيت بما حكم فلان جاز النكاح، وإلا فرق بينهما ولم يكن عليه شيء، بمنزلة التفويض إذا لم يفرض لها صداق مثلها". وحمل أبو محمد (¬2) وغيره أن معناها أن النكاح لا يلزم إلا بتراضي الزوج والمحكم، زوجة كانت أو غيره (¬3). فإن فرض الزوج صداق المثل فأكثر ولم يرض بذلك المحكم (لم يلزم، زوجة كانت أو غيرها. وإن فرض المحكم صداق المثل فأقل، برضاها لم يلزم) (¬4) الزوج إلا أن يشاء (¬5). وقد تقدم ما في كتاب ابن حبيب. وهو قول ثالث في جوازه على الإطلاق وأنه كالتفويض، وهو الذي حكاه عبد الوهاب (¬6). وقول عبد الملك في استثنائه تحكيم المرأة من الجواز قول رابع. وفي كتاب محمد (¬7) قول خامس أن ذلك لا يلزم إلا بتراضي الزوجين، كان أحدهما المحكم أو غيرهما، وهو قول أشهب. وقال ابن الكاتب: إن التحكيم إذا كان للزوج فهو تفويض لا يختلف فيه. وقد ذكر اللخمي وغيره أنه مما يختلف فيه. ¬
قال القاضي - رضي الله عنه -: وذلك - والله أعلم - لخروجه عن صورة رخصة التفويض كما علل به غيره في الكتاب (¬1). وما قاله ظاهر الكتاب؛ لأنه نص عليه في الجواز مع غيره ثم جاء بالخلاف على الجملة دون تفصيل، فجاء في أصل المسألة أربعة أقوال: الجواز مطلقاً. والمنع مطلقاً. والتفريق بين تحكيم الزوج فيجوز، أو غيره فيمنع. والتفريق بين تحكيم الزوجة فيمنع أو غيرها فيجوز. فإذا قلنا بالجواز فيأتي في ذلك خمسة أقوال أيضاً: تأويلان على/ [خ 181] "المدونة" كما تقدم. وأنه تفويض في كل الوجوه. وأنه لا يلزم إلا بتراضي الزوجين على ما في كتاب محمد. وأنه لا يلزم إلا برضى المرأة على ما قال عبد الملك إذا كان لها الحكم. وقوله (¬2) في كلام غير ابن القاسم في المسألة: "لأن الزوج هو الناكح والمُفْرِض"، كذا (¬3) الرواية عند شيوخي. وأخبرني أبو محمد بن عتاب عن أبيه الفقيه أبي عبد الله أنه قال: لعله: المفوِض، يريد في التحكيم، إذ جعله إلى غيره. وإنما أصلحه الشيخ لأنه لا يقال: مُفْرِض، في التقدير، إنما يقال: فَارِض، لأنه من: فرض، لا من: أفرض؛ قال الله تعالى/ [ز 106]: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ (¬4) مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} (¬5)، {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬6). وقد رأيته في بعض النسخ: الفارض، وأراه إصلاحاً. لكن ¬
للمُفرض - على ما وقعت عليه الرواية - عندي وجه صحيح، وذلك أن: أفرض بمعنى أعطى معلوم في اللغة، فيُخَرَّج على هذا، أي إن الزوج هو الذي يعطي الصداق، فتأمله. أو يكون: المفرِض الذي يجعل الفرض لغيره ويفوضه (¬1) له، فيكون بمعنى المفوَّض كما قال الشيخ. يقال: فرضت الشيء: (أي) (¬2) قدرته أو أوجبته. وأفرضته لفلان: جعلته فرضا له (¬3). وقوله (¬4) في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع: "إن ذلك لا يجوز، إذ لا يقطع شيئاً (¬5) إلا أن يكون فشا وعرف. وأحب إلي أن يتورع ولا ينكح". نبه بعضهم (¬6) على هذا اللفظ وقال: هو خلاف ما له في الرضاع في قوله (¬7): "لا يفرق القاضي بقولها وإن عرف قبل ذلك من قولها". وليس هذا بخلاف؛ لأن قوله هذا: "لا يقطع شيئاً"، مثل قوله: "لا يفرق القاضي بينهما" هناك، يريد سواء فشا أو لم يفش. وقوله هنا: "إلا أن يكون أمر (¬8) فشا وعرف"، يعني فيتأكد التنزه والتورع وإن كان - على كل حال وإن لم يفش - يحب له أن يتنزه عنها. وهو قوله هنا: "وأحب إلي ألا ينكح ويتورع". وقد جاء مبينا في كتاب الرضاع (¬9) التنزه وإن لم يفش. وقد يكون قوله هذا راجع (¬10) إلى الذي أخبره أبوه بأنه تزوج المرأة التي خطبها، وتشبيهِه لها ¬
بمسألة الرضاع هذه (¬1). وقد قيل (¬2) فيها أيضاً: لا أراها جائزة على الولد إلا أن يكون فشا قبل هذا من قوله، وأرى أن يتورع. ولو فعل لم أقض به". يحتمل قوله: "ولو فعل" يعني [بعد] (¬3) الفشو. ويحتمل قبله. قال بعضهم: يعني لو فشا لم يقض به. قال أبو عمران: يؤمر بالتنزه في المسألتين وإن لم يفش، فإن فشا كان الأمر بالتنزه والتورع أقوى من الأول. وقوله في قول الأم (¬4): أرضعتهما (¬5): لا يتزوجها، هو أيضاً على التنزه (¬6)، والأم وغيرها على مذهب الكتاب سواء عند فضل ويحيى بن عمر وأبي محمد (¬7) وغيرهم. وهو بين في كتاب الرضاع (¬8) وكتاب محمد (¬9). وعند ابن حبيب (¬10) ومحمد (¬11) يقضى يقول الأم كالأب. قيل: هو خلاف. وقيل (¬12): لعلها الأم الوصية أو المنكحة ففسد النكاح. وفرق بينهما لاعتراف عاقده بفساده، فكانت كالأب. وقيل: الوصية بخلاف الأب. وقد اختلف في مسألة التخيير والتمليك هل هي مثلها أم (¬13) خلافها، وسننبه عليها - إن شاء الله (¬14) -. ¬
مسألة (¬1) نكاح المريض إذا دخل، قال: "صداقها في/ [خ 182] ثلثه". كذا قال هنا، زاد في كتاب الأيمان بالطلاق (¬2): فإن كان ما سمى لها أكثر من صداق مثلها لها صداق مثلها. فتأوله أبو عمران (¬3) على أن لها الأقل. وفي بعض روايات "المدونة" (¬4) هناك قال سحنون (¬5): هذا غلط من قول ابن القاسم! لها صداق مثلها ولا يعجبني. وقد روى علي بن زياد (¬6) عن مالك: لها الصداق الذي سمى، ولا يلتفت إلى صداق مثلها (¬7). وروى أشهب (¬8) عن مالك مثله. كذا هنا، الكلام كله ثابت عند إبراهيم بن محمد، وقرأه أحمد بن خالد، ونقل أبو عمران معناه (¬9) زيادة: "وقاله ابن القاسم في النكاح الثاني" (¬10). فظاهر قول سحنون عن ابن القاسم (¬11) أولاً في رواية ابن باز مراعاة المثل مطلقاً، فكأنه فسد من أجل الغرر في صداقه. وظاهر قوله عنه في زيادة أبي عمران أنه جعل ما له في النكاح الثاني خلاف ما في كتاب الأيمان. ولهذا قال أبو عمران: وإنما تعلق، يعني ¬
سحنون، بظاهر قوله "لها". ففهم منه المسمى، قال: وقد اختلف قول ابن القاسم فيه. قوله (¬1) في الذي باع أمته المتزوجة/ [ز 107] في موضع لا يقدر الزوج على جماعها: "أرى المهر على الزوج"، معناه أن مشتريها سافر بها إلى موضع يشق على الزوج اتباعه لضعفه. ولو كان لا يقدر على الوصول إليها لاستطالة مشتريها وظلمه له وأنه ممن لا ينتصف منه لم يكن على الزوج صداق، بل إن قدر على البائع قضي عليه برده عليه إن كان قبضه وبقي النكاح منعقداً. فمتى قدر على الوصول إلى زوجته دفع الصداق. وقاله أبو عمران. مسألة الأختين (¬2) المغلوط بهما، قال: "لكل واحدة صداقها على الذي وطئها"، هو محتمل أن يكون صداق مثلها كما حكى ابن محرز أنه وجده لابن القاسم وحكي (¬3) عن سحنون. أو ما سمى (¬4) لها مع الزوج الأول. وإن كان الصداقان متساويان (¬5) فلا كلام على ما قاله سحنون. نعم، قد يقال: إن للزوج مقالاً في أن يقول: إنما بذلت أنا هذا الصداق لزوجتي (¬6) لجمالها أو دينها، وأما هذه فما كنت أبذله لها. فانظره وانظر إذا اختلفت الصدُقات وما ذكر الشيوخ في ذلك بما يغني عن إعادته. وقال ابن لبابة: لهما الصداق المسمى، لأن كل واحد سمى ما عليه وطئ, ويكون لكل واحدة صداقان. وهذا إذا اتفقا، فإن اختلفت (¬7) الصداقان فالمثل أشبه. ¬
وقوله (¬1) آخر الباب برجوع الزوج بالصداق على من غره وأدخلها عليه، قال بعضهم: هذه قولة له في الكتاب بالغرم بالغرور بالقول، إذ قد اختلف فيه، والصواب الرجوع به. قال القاضي - رحمه الله -: وقد يقال: إن إدخالها عليه وتمكينه منها غرور فعل، فيلزم على أصله في الكتاب. مسألة الذي يزوج عبده (¬2) أمته ثم يهبها له ليفسخ نكاحه: لا يحرمها ذلك عليه ولا ينفسخ نكاحه ولا تنزع منه. قال بعض الشيوخ: فيه دليل على إكراه السيد عبده على قبول الهبة؛ إذ لو قبلها لم يختلف في فسخ نكاحه، وانما تتصور المسألة إذا أبى العبد أن يقبلها. وقوله: "اغْتَزَتْ طلاق زوجها"،/ [خ 183] بالغين المعجمة وزاي مخففة، أي قصدت وأرادت (¬3). وقوله (¬4) في التي نكحت على مائة إلى موت أو فراق: كان مالك يقول: "يقوم المهر المؤخر بقيمة ما يسوى معجلاً ثم تعطاه"، هذه قولة كانت لمالك في جميع صداق الغرر. قال ابن عبدوس: كان مالك أولاً يقول فيمن تزوج ببعير شارد وشبهه: لها قيمة ذلك على غرره، ثم رجع إلى صداق المثل. وقول ابن المسيب (¬5) في الكتاب في نكاح الرجل لمن زنى بها: "إذا تابا وأصلحا"، ونحوه لابن عباس. وهو مذهب جماعة من السلف أنه لا يتزوجها إلا إن تابا (¬6)، وهو تأويل الآية عندهم. وهو خلاف لظاهر قوله في ¬
الكتاب (¬1) إذ لم يشترط التوبة. وهو قول كافة العلماء. وابن مسعود لا يرى أن يتزوجها أبداً (¬2) بظاهر قوله (¬3): {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} (¬4). وروي أن الآية منسوخة (¬5) بعموم قوله (¬6): {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (¬7)، وبقوله (¬8): {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (¬9)؛ إذ ظاهر الآية أن للزاني نكاح المشركة. وقيل (¬10): المراد بالآية الوطء نفسه. وقيل (¬11): بل نزلت في بغايا مشتهرات نهي عن نكاحهن ما دمن بحالهن. وقيل: الآية على ظاهرها، ولا يتزوج المحدود في الزنا إلا محدودة فيه مثله، وإلا فسخ نكاحهما. وحكي هذا عن بعض السلف (¬12)، وروي فيه أثر عن النبي عليه السلام (¬13)، وبه قال بعض الشافعية (¬14). ¬
وقول مالك وابن القاسم (¬1) وما بلغه عن مالك في المريضة التي لم تبلغ حد السياق ولا يُقدر على جماعها إذا دعت إلى الدخول في لزوم النفقة. ظاهره الخلاف، وعلى هذا حمله اللخمي (¬2)، وذلك أنه قال عن مالك (¬3): إذا كان/ [ز 108] مرضها يقدر معه على الجماع لزمته النفقة. وقال عن ابن القاسم: وقد سألته إذا كانت (¬4) "لا يقدر على جماعها فدعته إلى البناء وطلبت النفقة؟ قال: ذلك لها إلا أن تكون وقعت في السياق (¬5)، ولم أسمعه من مالك وبلغني عنه وهو رأيي". فاختلاف القولين بين لاشتراطه أولاً تأتي الجماع. وحمله غير واحد على التفسير والوفاق. وعليه اختصرها المختصرون. وظاهر لفظ الكتاب أنما تلزم النفقة الزوج إذا دعي للبناء وتمكن له ذلك، احترازاً من المرض المشرف أو عُرْفِ الدخول أو الصغر. وهو معنى قوله في كتاب الزكاة (¬6): "لأنها كانت هي وخادمها نفقتهما على الزوج حين لم يحولوا بين الزوج وبين أن يبني بها". وليس بخلاف إذ لا يقول: إن بنفس العقد تجب النفقة إلا ما وقع لسحنون (¬7). وقال ابن محرز في معنى مسألة الزكاة: ودعوه (¬8) إلى البناء. ¬
وقول ابن شهاب (¬1) (هنا) (¬2): "ليس للمرأة الناكح (¬3) نفقة إلا أن يكون لها وصي خاصم (¬4) زوجها في الابتناء بها فأمره بذلك السلطان وفرض لها". ظاهره الخلاف، فكيف وقد قال (¬5): "ولا شيء لها، قبل ذلك! ". وقوله في عجز المكاتب (¬6) عن نفقة ولده الصغار الذين معه في الكتابة: لا يشبه عجزه عن الكتابة والجناية. قال أبو عمران: يعني في نفقة تقدمت، وأما ما يحتاجون إليه الآن فإحياء رمقهم مقدم على كل شيء، ويقال له: أنفق عليهم، أو يقال ذلك للسيد. قال القاضي: وهذا صحيح/ [خ 184] بين، ألا تراه كيف سوى الكتابة والجناية، ولا إشكال في هذا. وظواهر مسائل الكتاب تدل أن لأبي الصبية البكر أن يدعو الزوج إلى الدخول بها وتلزمه النفقة وإن لم تطلب ذلك الابنة؛ لأنه الناظر لها والمنفق عليها. وإلى ذلك ذهب بعض شيوخنا وذكر أنه مقتضى المذهب وقاله أبو المطرف الشعبي، قال: وكما له أن يجبرها على العقد كذلك يجبرها على الدخول ويسلمها لزوجها، وكما له بيع مالها، وتسليمه بغير أمرها كذلك بضعها (¬7). وذهب المأموني (¬8) إلى أنه ليس له ذلك، ولا يلزم الزوج النفقة ¬
عليها إلا بدعائها هي أو توكيلها أباها (¬1). ومثله لابن عتاب. وتطلق عليه قبل البناء بعدم النفقة، قاله ابن حبيب. وهو ظاهر الكتاب. وقوله (¬2) في التلوم في الصداق: "منهم من لا يرجى له، ومنهم من يرجى له"، وقال في الفرض في النفقة (¬3): "منهم من يطمع له بقوة، ومنهم من لا يطمع له بقوة" (¬4). ذهب بعضهم أن ظاهره أن من لا يرجى له ولا يطمع له ألا (¬5) تلوم (¬6) له، وأنه يطلق عليه لحينه، وقد حكى فضل أن هذا مذهب ابن القاسم. وحكى ابن حبيب عن مالك فيمن نكح (¬7) ولم يجد شيئاً: يضرب له الشهر والشهرين (¬8). قال فضل: وهذا خلافه. والأكثر حمل لفظه في "المدونة" على السواء والتلوم في الجمع على نحو ما قاله ابن حبيب. وهو الصواب، وإلا كان ظلما على الزوج. وكما يتلوم له إذا رجونا وتؤمر بالصبر أو الإنفاق على نفسها من مالها أو ما تصنعه لو لم يكن لها زوج حتى نختبر الحال، كذلك إذا قطعنا على ألا شيء عنده فلعله يسأل ويستسلف ويفتح الله له بشيء من عنده. وقوله (¬9) في الذي أنفق على رجل: "لا ينظر في هذا إلى الإسراف، ¬
وإنما يرجع بغير السرف"، يعني في حال المنفق عليه ولو كان ما أنفق يشبه حال المنفق عليه، وإن كان سرفاً في حق غيره، لرجع عليه به. وهو بين في الكتاب في قوله (¬1): "ولو كنت أنفق من مالي لم أنفق هذا". فإنما صار ذلك سرفاً في حقه، وأنه ليس/ [ز 109] نفقة مثله، فلذلك لم يرجع به عنده. وقوله (¬2) في الذي له على امرأته دين فقضي عليه بنفقتها فأراد حسابها: "إنها إن كانت غنية قيل للزوج: خذ دينك وادفع إليها نفقتها، وإن شئت فحاصها (¬3) بنفقتها". قال بعض الشيوخ: معناه أن دينها (¬4) من نوع ما فرض عليه وأنه يلزم المتداينين المقاصة إذا دعا أحدهما إليها. ودليل على أن للزوج إن شاء دفع النفقة عيناً، لم يجبر على غير ذلك، إذ جعل إليه محاصتها بما عليها (¬5). وقد قال محمد في الزيت والإدام وغيره: له أن يجمع ذلك كله ثمناً فيعطاه (¬6) مع القمح، وكذلك قال في ثمن الطحن (¬7) مع ثمن (¬8) القمح (¬9). وقاله ابن حبيب في ثمن اللحم (¬10) والصرف (¬11)، ¬
قال (¬1): والحاكم في ذلك مخير، إن شاء أمره بما فرض أو بأثمانه. والظاهر خلاف ذلك وأنه إنما يصح بمراضاتهما (¬2)، وهو القياس؛ إذ إنما وجب عليه طعام وكسوة ولم تجب عليه قيمة وقد حكى البغداديون عن المذهب قولين في جواز دفع الثمن عما/ [خ 185] يجب عليه من طعام، وهل هو بيع الطعام قبل قبضه واستيفائه؛ إذ هو عوض لها عن الاستمتاع كما أخذ (¬3) عن إجارة وغيرها على القول: إن النفقة عوض عن الاستمتاع، فلا يجوز دفع ثمن عنه إذا عللنا منع بيع الطعام قبل استيفائه بأنه شرع غير معلل. وإن عللناه بالعينة - وهو ظاهر تعليل مالك وإدخاله الحديث تحت ترجمة العينة - لم يمنع من دفع الثمن عن النفقة إذ لا عينة فيها. وإذا كان الخلاف في جوازه (¬4) ابتداء فكيف تجبر عليه المرأة؟ وقد تردد بعض الشيوخ في جواز دفع الثمن عن الجميع أو منعه أو دفعه عن غير الطعام. قال القاضي: ولا فرق عندي بين الطعام وغيره إذا سلِمنا (¬5) من علة بيع الطعام قبل قبضه. وهو ظاهر ما في كتاب محمد. وأنه لا يجبر عندي على دفع ثمن، وأنه إن شاء دفع جميع ما يفرض عليه من مأكول وغيره ومن يطحن له (¬6) القمح أو يوجهه (¬7) مطحوناً إن كان الفرض لأمد لا يتغير فيه الدقيق، فذلك له. وكذلك أرى ذلك لها إن أراد هو دفع الثمن ولم ترد هي إلا عين ما فرض لها لما يلزمها من ¬
مؤنة تكلف الشراء. وقد تختلف الأثمان بارتفاع الأسواق فيضر ذلك بها. وقوله (¬1) في اختلافهما في فرض القاضي: "القول قول الزوج (إذا أشبه". روي عن بعض أصحاب سحنون أن مذهب ابن القاسم أنه لا يمين على من أشبه قوله) (¬2) منهما؛ إذ لا يحلف على حكم حاكم مع شهادة شاهد. وذهب بعضهم إلى أن معنى قوله في الكتاب، مع يمينه (¬3). وهو الظاهر، وأنه حجة لجواز الحلف مع الشاهد على قضاء (¬4) القاضي. وقد نبه على ذلك في كتاب القاضي أبي الأصبغ بن سهل خلاف ما قال بعض أصحاب سحنون وما لابن القاسم في "العتبية". قال القاضي: وعندي أن مسألة الكتاب خارجة عن هذا الأصل المتنازع فيه؛ إذ قضاء القاضي فيها ثابت باجتماعهما عليه. ثم وقع الخلاف في مقدار ما فرض واستحقته قِبَلَهُ، فجاءت دعوى في مال في ذمة الزوج، فالقول قول من أشبه هنا مع يمينه، وليس على القضاء كما قيل. وحكي (¬5) عن سحنون أن المسألة إنما هي فيما مضى من الفرض، وأما ما يستقبل إذا تنازعا فيه فالسلطان يستأنف النظر في ذلك. وقد اختلفت روايات (¬6) "المدونة" ها هنا؛ فالذي في روايتنا (¬7): إذا لم يشبه ما قالا أعطيت نفقة مثلها فيما يستقبل؛ يفرض لها القاضي نفقة مثلها. وعليه اختصر ¬
المختصرون (¬1). وفي بعض النسخ: / [ز110] وفيما يستقبل - بزيادة واو -. وكانت في كتابي فضربت عليها اتباعاً لرواية شيوخي، وإثباتها أصح معنى ولفظا على ما تقدم. ويصحح ما (¬2) قاله سحنون. وعلى إسقاطها يأتي الكلام الآخر مكرراً، ويشكل هل إرادته (¬3) الماضي أم (¬4) الآتي؟ وقوله (¬5) في تلف النفقة بيد المرأة: "لا شيء لها على الزوج". وظاهر ما قاله في تلف نفقة ولدها مثله (¬6)، وعليه اختصر المختصرون. وقد يحتمل جمعهما في السؤال الثاني. وقد يحتمل أن يكون جوابه في جمعهما في المحاسبة. ثم قوله بعد ذلك (¬7): "فهذا يدلك إن أتلفته أو ضاع منها فلا شيء عليه" راجع إلى التي أتلفت نفقتها أول الكلام، لا على نفقة الولد، لكن المختصرون جمعوا/ [خ 186] الجواب فيهما. ولم يذكر ابن أبي زمنين فيها الابن (¬8). وهذا ما لم تقم بينة على الهلاك، فإن قامت فظاهر "المدونة" التضمين فيها (¬9) وهو نص عند محمد (¬10) في نفقتها. وأما نفقة الولد فلا تضمنها هنا؛ لأنها لم تقبضها لنفسها ولا هي أيضاً فيها محضة الأمانة، إنما أخذتها بحق كالرهان والعواري. وخرج اللخمي سقوط الضمان عنها في نفقتها مع قيام البينة. ¬
وقوله (¬1) في الغائب وله مال حاضر: تفرض النفقة وتكسر عروضه في ذلك، أي تباع (¬2)، ولا خلاف في الغائب، وأما الحاضر فقد قال قبل هذا أول الباب في عروض الزوج هل تباع في النفقة على الزوجة؟ (¬3) ثم قال (¬4): "لا بد أن يباع عليه ماله"، قال أبو عمران: لم يذكر حاضراً ولا غائباً ولا أدري هل يباع عليه وهو حاضر؟ وفيها نظر. قال القاضي: وقع في كتاب يحيى بن إسحاق (¬5) عن ابن القاسم فيمن أبى أن ينفق على امرأته - وهو حاضر وله أموال ظاهرة - أيأمر الإمام بأخذ ماله فيدفع إليها؟ قال: بل يفرض لها عليه ويأمره بالدفع لها، فإن فعل فذلك، وإن لم يفعل وقف؛ فإما أنفق وإلا طلق عليه. وفي "الواضحة": إن لم يكن له مال حاضر وعرف ملاؤه (¬6) فرض عليه، وإن عرف عدمه لم يفرض عليه، وهي مخيرة في الصبر بلا نفقة أو تطلق عليه. وكذلك إن جهل ملاؤه (¬7) من عُدْمه (¬8). وانظر إنما فرض على الغائب في الكتاب إذا كان له مال حاضر، وإلا ترك حتى يقدم فيفرض لها. ولم يتكلم في الكتاب على الطلاق بعدم النفقة على الغائب (¬9)، وحكاه أبو محمد عن ابن القاسم، وقاله أبو محمد (¬10) ¬
وغيره، وبه فتى (¬1) الشيوخ والقضاة وأباه القابسي (¬2)، وقال بعض الأندلسيين: لم نجد الطلاق عليه في الكتب (¬3) ولا جاء فيه عن أحد أثر من علم (¬4) إلا عن ابن مُيَسَّر (¬5). وقوله (¬6): "عَرْض أو فَرْض"، هو هنا بالفاء، وهو العين. والعرض - بالعين - ما عداه. قال ابن أبي زمنين: ويدخل في العرض الرِباع وغيرها. وهو قول أكثر أهل اللغة أن ما عدا العين فهو عرض (¬7). وقال ابن عيينة (¬8): هو ما عدا العقار والحيوان والمكيل والموزون (¬9). وقوله (¬10): ويكون الغائب على حجته، دليل أن مذهب الكتاب إرجاء ¬
الحجة للغائب (¬1). وقوله (¬2): "أرأيت إن جحد الذي عليه الدين؟ " إن لها أن تقيم البينة، دليل على أنه إذا أقر لا تقيم بينة، ويحكم على الغائب فيما أقر به مديانه ويفرض لها فيه. وقد اختلف قول سحنون في هذا الأصل [فقال] (¬3) فيمن أقر بوديعة لغائب: لا يقضي منها دينه. وحجته أن الوديعة قد تكون لغير مودعها وديعة عنده أيضاً أو رهنا أو عارية. وقال أيضاً فيمن أقر ببضاعة لغائب: يقضي منها دينه (¬4). وقوله (¬5) في / [ز111] مسألة المجوسية إذا أسلم زوجها: "ليس عليه لها نفقة، لأنها لا تترك". قال ابن أبي زمنين: قد قال في الثالث (¬6): إن تأخر إسلامها شهراً أو أزيد قليلاً ثبت النكاح، قال: فعلى هذا تلزمه نفقتها في الوقت (¬7). ¬
قال القاضي: ظاهر قوله هذا أنها توقف. وقد قال ابن اللباد: معنى ذلك غفل عنها، وهو أصح. وأما النفقة فإنما (¬1) تلزمها (¬2) في المدة لأنها بقيت/ [خ 187] زوجة. وانظر هل هي بإبايتها للإسلام ومنعه منها (¬3) لذلك كالناشز فلا نفقة لها، أم بخلافها؟ إذ الناشزة (¬4) مبتدئة بظلم امتناعها، وهذه لم تحدث أمراً إلا ما كانت عليه معه قبل هذا. وقوله (¬5): "فرض لها نفقة مثله لمثلها"، موافق لما ذكره ابن القصار (¬6) أن النفقات في البلاد بحسب أحوالهم وعاداتهم، وإنما وقع لمالك ما وقع من التقدير والفرض لبعض الأشياء دون بعض بالمدينة لاقتصادهم. وقول ربيعة: "أما العَبا والشِمال فعسى ألا يكسوها" (¬7) يعني ذلك، ووسع في غليظ الثياب كما ذكر وكما قال يحيى بن سعيد (¬8)، وموافق لما في كتاب محمد (¬9). ومعنى ما في كتاب ابن حبيب (¬10) أنها لا تطلق عليه إذا وجد غليظ الكتان (¬11) ........................................ ¬
ومثله في "سماع" عيسى (¬1) ويحيى عن ابن القاسم (¬2)، ويحيى عن ابن وهب (¬3). وكذلك قوله (¬4) فيما "سد مخمصتها ودفع الجوع عنها". وفي كتاب فضل (¬5) خلاف هذا كله وقال: رأيت مذهب ابن المواز ألا يكسوها إلا ما يشبه مثلها، وإن عجز عن ذلك فرق بينهما، وحكاه عن أشهب (¬6). والعَبَا (¬7)، ممدود: أكسية صوف خشن (¬8). ومثله الشِمال، بكسر الشين، جمع شَملة، بفتحها (¬9). والخَيْف (¬10)، بفتح الخاء المعجمة وياء ساكنة بعدها باثنتين تحتها: ضرب (¬11) من خَشِن الثياب، كذا ضبطناه. ورواه غيري: الخُنُف (¬12)، بضم الخاء والنون بعدها، وهو ضرب من خشن الأزر (¬13) والثياب أيضاً (¬14). والإِتْرِيبِي (¬15)، بكسر الهمزة وسكون التاء باثنتين فوقها وكسر الراء، ¬
بعدها ياء باثنتين تحتها، وبعدها باء بواحدة: ضرب أيضاً من خشن الثياب، منسوب إلى: إِتْريب، قرية من قرى مصر (¬1). وعمرو بن حفص بن خَلْدة (¬2)، بسكون اللام وفتح الخاء المعجمة، قاضي المدينة، الزرقي الأنصاري، كذا وقع في "المدونة": عمرو. وصوابه: عُمر (¬3). (واختلف في اسم أبيه؛ فحكى البخاري: عمر بن عبد الرحمن (¬4). وقال الدارقطني (¬5) وأبو نصر الحافظ (¬6): عمر) (¬7) بن حفص، كما نسبه هنا. وما حكاه عن ربيعة في الخدمة (¬8): "تعين بقوتها عند العسر" وفاق ما في كتاب ابن حبيب (¬9) وغيره في غير ذات الشرف، وخلاف لما وقع لمالك في الباب بعد هذا من قوله (¬10): "ليس عليها من خدمة بيتها شيء"، ومثله في "العتبية". وفي "المبسوطة": لا يلزمها من خدمة بيتها شيء، لا عجين (¬11) ولا كنس إلا أن تطوع، إلا لمثل أصحاب الصُّفَّة التي إن لم تطحن لزوجها طحنت لغيره. وحكى الصديني الفاسي (¬12) عن عيسى بن دينار ¬
أنها تطلق عليه بعدم الخدمة. وحكاه ابن وضاح عن سحنون. قال في "الواضحة": "إلا أن يعسر الزوج وإن كانت ذا (¬1) قدر وشرف، فليس عليه إخدامها وعليها الخدمة الباطنة كما هي على الدنية" (¬2). وقال ابن مسلمة: عليها خدمة داخل بيتها واجب لزوجها. وقال ابن نافع: عليها أن تنظف وتفرش وتقوم وتخدم. وقال ابن خويز منداد: على المرأة أن تخدم خدمة مثلها. وإن كانت ذات قدر فخدمتها الأمر والنهي في مصالح المنزل. وإن كانت دنية فعليها الكنس والفرش وطبخ القدر. وعليها استقاء الماء إن كانت عادة البلد، لعله يريد: من بئر دارها أو مما يقرب من منزلها ويخف. قال: / [خ 188] وقد قال أصحابنا: ليس عليها خدمة غير التمكين من نفسها (¬3). وقوله (¬4) في ضرب/ [ز 112] الأجل للعنين، يريد المعترَض، والفقهاء يطلقونه عليه. وقد تقدم شرحه. وقوله (¬5) في وَالي بعض المياه الذي أخطأ في ضرب الأجل لامرأة المفقود وقول ابن القاسم: "أظنه ضرب لها أربع سنين من يوم فقدته". قال أشهب عن مالك في هذه: إنما كان ضرب لها سنة واحدة. ¬
وقوله (¬1) بتصويب نظر (ولاة) (¬2) المياه في مثل هذا، ولم يطعن عليه في حكمه في ذلك إلا من حيث أخطأ نظرهم في أمور الغيب والمفقودين، وهو مما نصوا على أنه مما يختص به القضاة دون غيرهم. وقول (¬3) ربيعة في المجنون: "إذا أعفاها من نفسه". قال أبو عمران: هو خلاف لما في الكتاب (¬4)، وهو قول أشهب وابن وهب (¬5). ومسألة المتداعيين في العنة وقوله (¬6): "وقال ناس: تجعل في قبلها الصفرة" إلى آخر المسألة، ذكر ابن حبيب هذه الحكاية (¬7) بطولها واختلاف المفتين فيها - ابنِ أبي عمران الطلحي (¬8) وابن أبي سبرة (¬9) وابن أبي ذئب (¬10) ¬
وعبد العزيز ومالك (¬1) -، وأن ابن أبي سبرة هو الذي أفتى بالصفرة، لكن بعكس ما في "المدونة"، وإنما قال: يطلى ذكره بالزعفران ثم يرسل عليها، فإذا فرغ، بزعمه، نظر النساء إلى فرجها، فإن وجد فيه (¬2) الزعفران بحيث لا يكون إلا بالمسيس قضي له عليها. وقال ابن لبابة على لفظه في الكتاب: يريد وتبطح (وتربط) (¬3) على ظهرها في الأرض، ويكتف هو من خلف ظهره ويطلق عليها. قال القاضي: يريد لئلا يوصل ذلك الصبغ بيده إلى هناك، أو تمسحه هي عنه. وما قاله ابن لبابة من البطح والربط والتكتيف لم يقله غيره ولا هو مقتضى ما في "المدونة" وكتاب ابن حبيب، لاشتراطه طلب (¬4) النساء له، حيث لا يمكنه (¬5) كونه هناك (إلا بالمسيس) (¬6). وكذلك على مقتضى قوله في الكتاب، ينظر أيضاً إلى وجود الصفرة بذكره بحيث لا يمكن إلا بالمخالطة والجماع، وذلك لا يخفى مما يمكن أن يصل إليه بأصبعه ثم ينقله إلى عضوه مع أنها هي تبين عن نفسها متى فعل ذلك (¬7). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
النكاح الثالث
النكاح (¬1) الثالث (¬2) مسألة المتزوج امرأتين (¬3) في عقدة بصداق واحد فطلق أو مات. لم يعط فيها جواباً إلا قوله (¬4): "لا أرى أن يجوز"، فظاهره على أصله أنه لا شيء لها؛ لأنه عنده من باب غرر الصداق، لقوله (¬5): "لأنه لا يدري ما صداق هذه من صداق هذه". قال أبو محمد (¬6) وغيره: لا شيء لهما (¬7). وقال بعض شيوخنا (¬8): يحتمل أن يقال على قوله فيمن نكح بدرهمين فطلق: إن لها نصف الدرهمين أن يكون لها هنا [نصف] (¬9) ما يخصها من المسمى. وكذا يقول ابن دينار وابن نافع وأصبغ (¬10) وسحنون (¬11) ومن يقول ¬
بإجازته. وقد تكلم شيوخنا على تفريع هذه المسألة ونصوا الخلاف فيها بما هو موجود في أصولهم، وغرضنا التنبيه على مقتضى جوابه. وقوله (¬1): "إلا أن يكون سمى لكل واحدة صداقها" دليل على أنه إذا سمى في جمع (¬2) السلعتين لرجلين في عقدة ثمن كل واحدة أنه جائز. قال ابن لبابة: لا أحسبهم يختلفون في هذا. وهذا ما لم [يكن] (¬3) نكاح إحداهما بشرط الأخرى، فإن كان بشرطها؛ فذهب ابن سعدون (¬4) إلى جوازه وفرق بين النكاح والبيوع. وذهب غيره إلى أنه كالبيوع وأنه لا يجوز إلا أن يكون ما سمى لكل واحدة هو مثل صداق مثلها على الانفراد. وقوله (¬5) في متزوج الحرة والأمة، وذكر قولي مالك (¬6). فأما فسخ نكاح الأمة فعلى أصله إذا لم يكن على شرط إباحة نكاحها أو على القول بأن الحرة تحته طول. قال فضل: وانظر على هذا/ [ز 113] إن وجد طولاً فعقد نكاحها (¬7) فإنه فاسد وإن سمى لكل واحدة صداقها. وقاله سحنون. قال القاضي: وكذلك يجيء إن لم يجد طولاً على القول: إن الحرة تحته طول على ما في كتاب محمد وعلى إحدى الروايات في "المدونة" وقد ذكرناها قبل. وقد قال سحنون: قوله في مسألة الأم والبنت المتزوجتين في ¬
عقدة وللأم زوج ولم يعلم به (¬1): "لا يجوز؛ لأن من قول مالك: كل صفقة جمعت حلالاً وحراماً لا تجوز": هذه (¬2) مسألة ترد نكاح الحرة والأمة. قال بعض الشيوخ: معناها أنه لم يسم لهما (¬3) صداقاً، ولو سمى لكان نكاح الابنة (¬4) جائزاً. وقال غيره: بل إنما جمعت الحلال والحرام عنده لأنه سمى صداقيهما، وإلا فأي حلال كان يكون فيها. وقوله (¬5) في متزوج الأم والبنت في عقدة ولم يدخل بهما: لا تحرمان عليه لأنه لا يرثهما يوماً ما، ولو طلق لم يكن طلاقاً. قال سحنون: وقد بينا هذا في أول الكتاب (¬6). كذا عند شيخنا أبي محمد وغيره. وفي روايتنا عن القاضي أبي عبد الله شيخنا: وقد بينا هذا في الكتاب الأول (¬7). فعلى الرواية الأولى تكون إشارة إلى قول غيره (¬8): لا يتزوج الأم للشبهة/ [خ 190] في البنت. وعلى الرواية الثانية تكون إشارة لما حكي عن بعض أصحاب مالك في الذي يزوج ابنه وهو غائب. كذا قال أبو عمران، ويحتمل عندي أن تكون إشارة إلى ما بسطه في باب ما يفسخ بطلاق وما فيه الموارثة والتحريم، فانظر ذلك الأصل. وقول زيد بن ثابت (¬9): "الأم مبهمة ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب" موافق للمذهب، لكنه يفرق بين الموت والطلاق، فيحلها بعد الطلاق قبل الدخول، ويحرمها بالموت ويجعله كالدخول. والموت والطلاق عندنا نحن سواء. ¬
وقول مخرمة (¬1) بن بكير عن أبيه: سمعت سعيد بن عمار يقول: سألت سعيد بن المسيب. كذا في "المدونة". وفي "موطأ" ابن وهب: سعد بن عمار وهو الصواب (¬2). قال البخاري في باب سعد: سعد بن عمار، روى عنه بكير بن الأشج، روى عن سعيد بن المسيب. وقوله (¬3) في الذي تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج أمها - وهو لا يعلم - فبنى بها: يفرق بينهما ولا صداق للابنة، لأنه لم يتعمد الزوج هذا التحريم. اختصرها أبو محمد ومن وافقه (¬4): "وهو عالم أو غير عالم" (¬5). وذهب غيره إلى أنه متى كان عالماً فالصداق ثابت عليه، يريد نصفه. وإليه ذهب ابن لبابة وأبو عمران (¬6). وهو مفهوم الكتاب بقوله (¬7): لأنه لم يتعمد الزوج. مسألة الذي يزني بأم امرأته وقوله: يفارقها ولا أحب لابنه أن يتزوجها (¬8)، وقال في موضع آخر: "أكرهه". وسئل: أتحرم عليه زوجته؟ قال: يفارقها". وسئل (¬9): أتحرم على ابنه؟ فقال: لا ينبغي أن يَخبر رجل وابنه امرأة. وقال في مسألة الواطئ لجاريته وعنده أمها: هي أشد في التحريم فيمن (¬10) ................................................. ¬
زنى بأم امرأته (¬1). فحمل الشيوخ قوله [هنا] (¬2) على أنه لا يقضى عليه بالفراق، كما نص في كتاب محمد (¬3)، وأنه على التنزه والكراهية خلاف ظاهر كتاب ابن حبيب (¬4) أنه كان يرى ذلك يحرم، وأنه رجع عما في "الموطأ" (¬5) من تحليل ذلك - وأن الحرام لا يحرم الحلال - إلى (¬6) تحريم ذلك، وثبت عليه إلى أن مات (¬7). وقد نقل عنه بعض شيوخنا (¬8) القضاء عليه بذلك وحمل المسألة على ثلاثة أقوال. والذي له في كتاب الاستبراء مثل ما في "الموطأ". وقيل: ما هنا على الاستحباب، وما في الاستبراء على أنه لا يجب/ [ز 114]. وقوله (¬9): "إنما تلك الربيبة التي لا تقع الحرمة إلا بجماع أمها"، يريد وما كان في معناه من الالتذاذ. وقد بينه قبل (¬10): إذ (¬11) نظر إليها تلذذاً (¬12)، أو إلى شعرها، أو قبل أو باشر لم يصلح له نكاح ابنتها. وإن كان ابن شعبان وابن القصار ذكرا عن المذهب في الحرمة بالنظر للأم للتلذذ قولين. وقال ابن وهب عن مالك في النظر: أحب إلي ألا يتزوجها. ¬
وقوله (¬1) في الأصل الذي عقد: "كل من يحل من النساء أن ينكح واحدة بعد واحدة فلا يحل الجمع بينهما في ملك واحد مثل العمة وابن (¬2) الأخت" إلى آخر المسألة. وقول ابن القاسم (¬3): "والعمة وبنات أخيها (وبنات أختها) (¬4) وبنات بناتها وبنات بنيها وإن سفلن، بنات الذكور منهم (¬5) والإناث، فلا يصلح للرجل أن يجمع بين/ [خ 191] اثنين (¬6) منهن". قال بعضهم: ما في الكتاب لا يستقيم؛ إذ ظاهر قوله: وبنات بنيها وبنات بناتها يرجع ضميره إلى العمة، ولا يجوز إن تزوجها ودخل بها أن ينكح أحداً من ذريتها بعدها، لأنها أم لهن. ونحوه لابن أبي زمنين؛ قال: هذا لفظ غير محصل، ولو قال: المرأة وبنات أخيها وبنات أختها وبنات بنيها كان أصوب. وقال أبو عبد الله بن عتاب: الصواب: وبنات بناتهن وبنات بنيهن. فيرجع الضمير على قولهما إلى الأخوات والإخوة أو بنيهن. وكما نصصناه روايتنا في الكتاب عن شيوخنا وفي جميع النسخ إلا أنه لم يكن في كتاب ابن عتاب: وبنات أخيها (¬7). وهو ثابت لغيره. وقد يرجع الضمير في قوله: وبنات بنيها وبنات بناتها على الأخت ويستقيم الكلام على نص الرواية ويسلم من الاعتراض ولا يحتاج إلى تغييرها. ¬
وقوله (¬1) في باب الجمع بين النساء: عن عبد الله بن رَزِين عن علي بن أبي طالب (¬2). كذا وقع في "المدونة" تقديمُ (¬3) الراء وفتحها وآخره نون. وأنكره ابن وضاح وقال: إنما هو ابن زُرَيْر (¬4) تقديم الزاي وضمها وآخره راء، قال: وهو رجل من مصر غافقي (¬5). وبالوجهين رويناه (¬6) عن أبي محمد ابن عتاب. والصحيح ما قاله ابن وضاح وهو الذي قيده الدارقطني (¬7) وغيره من الحفاظ المتقنين (¬8). والإحصان (¬9) معناه الامتناع، ومنه الحصن للامتناع فيه. والإحصان في كتاب الله ولغة العرب واقع على معان كلها راجع إلى الامتناع؛ فيقع على العقد لأن به يتوصل إلى الوطء. وعلى الوطء لأن به يمتنع من الفاحشة. ومنه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} (¬10) هذا في المتزوجات، وكذلك قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬11). ويقع على الإسلام لمنعه من الفواحش، ومنه قوله تعالى (¬12): {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬13) أي الحرائر، ¬
ومثله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬1)، والحرية تمنع عن الزنا (¬2) والفاحشة. وإنما كان الزنا في العرب في الإماء غير منكر، وفي الحرائر منكر (¬3). ويأتي الإحصان بمعنى العفة، لأنها مانعة أيضاً، ومنه قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} (¬4) وقوله تعالى (¬5): {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}. ولما تظاهرت موانع الحرة المسلمة تضاعف عقابها على الأمة التي ليس عندها من الإحصان سوى الإسلام. ثم لما تضاعف إحصان الحرة المسلمة وتأكد بالنكاح قويت الموانع عن الميل إلى الزنا وغلظ فيه الأمر وانتهت فيه (¬6) العقوبة منتهاها بإفاتة (¬7) النفس بالرجم مبالغة في الزجر والردع. قول بعض/ [ز 115] الرواة (¬8) في إحصان المجنونة، ثابت عند ابن عتاب، وموقوف عند ابن عيسى، وساقط من نسخ. وقول ربيعة (¬9): "يحصن الحر المملوكة (¬10)، وتحصن الحرة العبد (¬11)، لأن الله جعله تزويجاً تجري فيه الرجعة والعدة"، ويروى ¬
الردة (¬1)، وهي بمعنى الرجعة. مسألة التي أنكرت الوطء وتخييره لها في أخذ الصداق. قال سحنون: ليس لها أخذه إلا أن تصدقه. ذهب كثير من الشيوخ إلى أنه/ [خ 192] وفاق للمدونة بدليل قوله في كتاب إرخاء الستور فيمن لم يعلم له بزوجه خلوة فادعى إصابتها وأنكرته وقد طلق: لها النفقة والسكنى إن صدقته. لكن الكلام هناك لأشهب، وهو محتمل. وبينهما عندي فرق بديع سأذكره هناك إن شاء الله، مع أن الكلام هناك لأشهب. ولابن القاسم في كتاب الرهون في اختلاف المتبايعين في تأجيل الثمن: يؤخذ المشتري بما أقر به حالاً إلا أن يقر بأكثر مما ادعى البائع فلا يكون للبائع إلا ما ادعى. ووقع في بعض نسخ المدونة - وليس عند شيوخي - في هذه المسألة بين (¬2) قول مالك (¬3): لا يحلها إلا الاجتماع منهما على الوطء، وبين قول ابن القاسم في تديينها (¬4): وقال ابن وهب عن مالك: إن كان الزوج يذكر ذلك عند فراقه إياها فلا يحل لزوجها أن يتزوجها، وإن كان إنما قال ذلك بعد الفراق لم يقبل قوله، ويتزوجها زوجها الذي فارقها بالبتة (¬5). وذهب بعضهم إلى أنه خلاف. ولسحنون (¬6) منصوصاً في ¬
استلحاق "العتبية" (¬1) في أحد قوليه: إن لها أن تأخذه وإن كانت مقيمة على الإنكار. وقد قيل: لا يحكم لها بما أقر لها به وإن رجعت إلى قوله إلا أن يشاء أن يدفع ذلك إليها. وقاله عيسى عن ابن القاسم في نكاح "العتبية". وقول ابن القاسم (¬2): "إذا ارتد وعليه أيمان بالعتق أو عليه ظهار أو عليه أيمان بالله إن الردة تسقط ذلك". كذا روايتنا هنا "أو عليه ظهار". وهو محتمل لمجرد الظهار أو يمين (¬3) به. وعلى هذا اختصرها أبو محمد بقوله: وتسقط أيمانه بالعتق والظهار وغيرها من الأيمان. ونقلها غيره: وعليه أيمان بعتق أو بظهار (¬4). ونقلها ابن أبي زمنين وغيره على لفظ الكتاب لاحتمال الوجهين. ولا شك أن حكم اليمين بالظهار حكم اليمين بالطلاق، وإن كان لم ينص ابن القاسم على يمين الطلاق ونص عليه غيره، فهو خلاف قول ابن القاسم. وكلام غيره بين أنه يخالفه فيه (¬5). واختلف عن ابن القاسم في يمين الظهار عند محمد. وقال بعض شيوخنا (¬6): وكذلك على لفظ الكتاب لو كان الظهار قد حنث فيه فوجبت عليه الكفارة لأسقطها (¬7) ارتداده، وتأول على ذلك مسألة الكتاب، بخلاف لو كان لزمه مجرد ظهار ولم (¬8) يحنث فيه فلا يسقطه ¬
ارتداده كمبتوت (¬1) الطلاق. قال: ومثله في كتاب محمد (¬2). وذهب غيره (¬3) إلى أنه لا فرق بين مجرد الظهار واليمين بالظهار، وأن معنى المسألة التسوية في ذلك كله، وأن الردة تسقطه، لأن فيه كفارة، بخلاف الطلاق. وأكثرهم يحملون قول ابن القاسم أن الردة لا تسقط الطلاق البات. وبعضهم يقول: إن ما ألزم الغيرُ من ذلك واحتج به لا يلزم ابن القاسم إذ لا يقوله. وذهب القاضي أبو بكر بن زرب (¬4) أن مذهب ابن القاسم أن الردة تسقط الطلاق، ويجوز للمطلق ثلاثاً قبل ارتداده نكاحها دون زوج. وحكى القاضي إسماعيل مثله عن ابن القاسم. وقال أبو عمران: هذا الأشهر عنه. وحكى الدمياطي (¬5) عنه خلافه وأنها لا تحل له قبل زوج. وكذلك قول غيره/ [خ 193]: إذا ارتد الزوج المحلل أن ردته لا تبطل/ [ز 116] الإحلال، هذا أيضاً لا يلزم ابن القاسم؛ لأن المنصوص له ¬
في "الدمياطية" أنه يبطل ولا تحل لمطلقها. وأما لو ارتدا جميعاً ثم أسلما جاز أن يتناكحا عندهم على قول ابن القاسم. وكذلك اختلفوا في معنى أيمانه بالعتق التي أسقطها على (¬1) ذلك في غير المعين. وأما المعين فيلزم كالمدبر. وقيل: بل المعين وغيره سواء. قال القاضي: والأصل في هذا كله: هل حكمه في ردته حكم الكافر الأصلي لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (¬2)، فتبطل طاعاته المتقدمة ويسقط عنه كل ما يسقط عن الكافر الأصلي إذا أسلم، وتجري أحكامه على حكمه حال كفره. وعلى هذا مذهب ابن القاسم (¬3). أو يقال: حكمه إذا رجع إلى الإسلام الحكم الأول من إسلامه وكأنه لم يرتد قط. وعلى هذا مذهب أشهب (¬4). ولذلك ورثه من مات ممن يرثه أيام ردته (¬5) وجعل المرأة باقية على عصمة زوجها إذا رجعت إلى الإسلام، فكأنهما لم يزالا مسلمين. وأن الإحباط إنما يكون لمن مات على الكفر كما قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} الآية (¬6). ولأن الخسران في الآية الأولى إنما يصح مع الموت على الكفر. فعلى هذا، الخلافُ (¬7) في ردته: هل تنقض الطهارة، وتلزمه إعادة الحج؟ ولا خلاف أن كل ما يلزمه في حال الردة أو الكفر الأصلي يلزمه ¬
في حال رجوعه للإسلام كحقوق الآدميين وأن ما لا يلزمه من الطاعات حال كفره الأصلي لا يلزمه بعد كسائر العبادات. وإنما ألزم الحج لأنه ليس له وقت مخصوص يفوت بفواتها (¬1) كالصلوات والصيام، ووقت الحج موسع إلى بقية العمر. فكان عند رجوعه واستئنافه الطاعة كالمبتدئ الإسلام؛ مأمور بأداء فريضة الحج وغيرها من فرائض الإسلام كما يؤمر بأداء ما أدرك وقته من الصلوات وما يأتي، وصوم ما بقي عليه من شهر رمضان وما يستقبل. وكان القابسي (¬2) وغيره يرجح قول الغير ويقول: قول ابن القاسم استحسان، والنظر يوجب خلافه وأنه إذا تاب كأنه لم يزل مسلماً. وقوله (¬3): "قلت: أرأيت ما لا تجعلها به محصنة: هل تحلها بذلك الوطء؟ "، ثم قال آخر الكلام: "لا". كذا في الأمهات. وجاء بعد مسألة الصبية (¬4) التي يجامع مثلها، فيشكل إذا رد عليها ولا يستقيم. وإنما رجع هذا السؤال على أصل المسألة. وكذلك وقع في بعض النسخ: قلت: أرأيت المرأة؟ وهو صحيح. والزَّبِير بن عبد الرحمن بن الزَّبِير (¬5)، بفتح الزاي فيهما وكسر الباء. وهو الصحيح وكذا لابن وضاح. وعند ابن باز بالضم. ولم يختلف أصحاب الحديث في فتح الآخر، وهو الزَّبِير بن باطيا (¬6)، أحد زعماء اليهود الذين لهم مع النبي عليه السلام في كتب السير أخبار ومحاجة، وإنما اختلفوا في اسم ابن ابنه هذا المسلم؛ فالأكثر يقوله بالفتح، وهو الذي قيد فيه أصحاب ¬
الإتقان: البخاري والدارقطني (¬1) والأصيلي/ [خ 194]. وكذا رواه أصحاب "الموطأ" عن مالك إلا مطرفاً ويحيى بن يحيى فقالوه بالضم (¬2). وبعضهم قال: إنما يقال في المسلم بالضم؛ لأن معناه بالفتح الحَمَأة المنتنة فلا يسمى به المسلم. وهي بالضم غير المنتنة. وهذا فرق لا تقوم به حجة؛ إنما هي أسماء مسموعة كيف جاءت. ورِفاعة بن سِموأل (¬3)، بكسر السين المهملة. ورويناه في "الموطأ" بالوجهين. ورويناه في "السير" (¬4) عن الشيخ سفيان (¬5) بالفتح. وعن القاضي أبي عبد الله وأبي الحسين الحافظ (¬6) وغيرهما بالكسر. وهو الذي صوبه أبو مروان بن سراج وقال: الرواة يفتحونه، وأنكر سيبويه الفتح (¬7). وقوله (¬8): "سمع أبا مروان التجيبي" كذا الرواية [ز 117]. وعند ابن المرابط ودراس بن إسماعيل: أبا مرزوق (¬9). قال ابن أبي زمنين: وهو ¬
الصواب. وكذا في "موطإ" ابن وهب. وقال البخاري في باب أبي مرزوق: أبو مرزوق التجيبي (¬1). وتقدم اختيار بعضهم فتح التاء في نسب "تجيب" والأكثر يضمها. وقوله (¬2): "ولا تكن مسمار نار في كتاب الله". كذا رويناه، وعند بعض الرواة: في حدود الله. ومعناه النهي عن أن يكون (¬3) محللاً فيجمع بين الزوجين كما يجمع المسمار بين الخشبتين. وقال: مسمار نار أي يعاقب على ذلك بالنار (¬4) كما قال: "ما أسفل من ذلك ففي النار" (¬5). وقوله في الكافرين (¬6): إذا تزوجها بغير مهر أو شرط ألا مهر لها ثم أسلما. قيل: فرق بين هذين اللفظين أن الأول أضمراه، والثاني صرحا به وحكمهما سواء. ¬
واختلف على مذهب الكتاب في المسألة؛ فذهب أبو محمد (¬1) وغيره إلى أنه إن دخل بها فلها صداق المثل مثل إذا لم تقبض الخمر والخنزير. وكذا بينه في كتاب ابن حبيب (¬2)، وأن جوابه في الكتاب على المسألتين جميعاً جواب واحد. وذهب غيره (¬3) إلى أنه إذا دخل بها في المسألة العارية من المهر وبغير صداق فلا شيء لها. وكذا بينه في كتاب محمد (¬4)، وأن جوابه في الكتاب بصداق المثل في مسألة الخمر والخنازير وحدها لقوله: "وقد قبضت". وليس جواباً للمسألة العرية من المهر ولا فيها ما قبض. وأما قبل الدخول فقالوا: لا يختلف أنه لا يدخل بها إلا أن يفرض مهر مثلها، وهذا هو الصحيح. وقوله في المجوسيين (¬5) يسلم الزوج: "تقع الفرقة بينهما إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم". قال محمد (¬6): يريد إن لم تسلم مكانها (¬7). "قال ابن القاسم: وأرى إن طال ذلك فلا تكون امرأته وإن أسلمت، وأرى الشهر وأكثر من ذلك قليلاً". كذا عندنا. وفي بعض نسخ "المدونة": وأرى الشهرين (¬8). وتأولها شيوخ القرويين (¬9) أنها لا توقف هذه المدة على مذهب الكتاب، وأن معناها غفل عن إيقافها (¬10). وجعلوا قول ابن القاسم موافقاً لقول مالك: إنه إن عرض عليها الإسلام فلم تسلم فرق بينهما ولم توقف. ¬
وفي كتاب محمد: يعرض عليها اليومين والثلاثة (¬1). وكذلك في "سماع" أبي زيد (¬2). قال بعض شيوخنا (¬3): وساوى ابن القاسم قبل الدخول وبعده. قاله في أب (¬4) الصبي يسلم، وحكم الصبي حكم من لم يدخل، وهو نص له في كتاب محمد (¬5) / [خ 195] وروايته عن مالك. وأشهب (¬6) يقول: إن كانت غير مدخول بها بانت وانقطعت العصمة بإسلام زوجها، ولا يعرض عليها. وإن كانت مدخولاً بها [كان] (¬7) كما لو تقدم إسلامها؛ هو أحق بها متى أسلمت ما لم تنقض عدتها. قال ابن أبي زمنين: المعروف أنها إذا وقفت إلى شهر أو بعده فأسلمت أنها امرأته. فظاهر كلامه خلاف ما تأوله القرويون، وقد تقدم منه قبل هذا. وحكى بعض الشيوخ (¬8) في التي تسلم قبل البناء أنه لا خلاف أنه (¬9) لا سبيل إلى الزوج إليها (¬10) إلا أن يكون (¬11) أسلما معاً. وهو ظاهر الكتاب في مسألة الصبية (¬12) وأنه لا يعرض عليها الإسلام، وتفريقه في ذلك بينها وبين الصبي. وزعم اللخمي أن الخلاف فيها ¬
إذا كان إسلامه عقيب إسلامها (¬1) نسقا. وفي "العتبية" (¬2) جوازه. وقوله (¬3) في مسألة الذمي يتزوج مسلمة: "قال: قال مالك في ذمي اشترى مسلمة"، إلى آخر المسألة، ثم قال (¬4): "قال ابن القاسم ولا أرى أن يقام في ذلك حد وإن تعمداه". كذا روايتنا فيه على التثنية. قال بعض الشيوخ: إنما أجاب في النكاح لا في الملك (¬5) , لأن الملك لا حد معه، وأن النكاح شبهة ملك يدرأ بها الحد (¬6). وقد يحتج لقوله (¬7): وإن تعمداه، وهذا إنما يصح في الزوجين إذ أشار إلى الحد/ [ز 118]، فيهما، وإلا فما وجه تثنيتهما؟. وقال بعضهم (¬8): هذا يدل أن مذهبه هنا أن من تزوج ما حرمه الكتاب عالماً لا يحد لشبهة النكاح، كقول أبي حنيفة (¬9). وهو مثل قول أصبغ في "الواضحة" فيمن تزوج أختين عالماً (¬10) , ومثل قول مالك في ¬
ناكح المعتدة. وقاله بعض أصحابنا (¬1) في ناكح (¬2) الخامسة. قال القاضي: ولا خلاف عندنا في المحرمات بأعيانهن اللائي لا يحل نكاحهن يوماً ما إلا ما أشار إليه هذا (¬3)، وإنما الخلاف في المحرمات لعلة إذا ارتفعت ارتفع التحريم. وقال بعضهم: بل جوابه على الملك والزوج الذمي، ولم يتعرض للكلام على الحرة المسلمة. ولذلك جمع الجواب؛ قال (¬4): "ولكن أرى العقوبة إن لم يجهلوا". وقد وقع في بعض روايات "المدونة": لا أرى عليه في ذلك حدا وإن تعمداه. فهذا بين في الزوج الذمي أو السيد (¬5) الذمي وتكون التثنية لهما. وقد تكون التثنية للزوجين. ومنهم من رد التثنية إلى الزوج الذمي والولي (¬6). ووقع في بعض الأصول الصحاح بإسقاط الألف من "تعمداه"، فيرجع على الزوج الذمي وحده. وكذلك اختصرها بعضهم. وبإثباتها اختصر ابن أبي زمنين. وقد سقطت لفظة: وإن تعمداه، جملة من كتاب ابن المرابط (¬7). ¬
وذكر بعضهم الاختلاف في حد الحرة (¬1) إذا علمت. وإلى حدها مال ابن محرز وغيره، وهو قياس المذهب. وإلى إسقاط الحد مال أبو عمران وفرق بينها وبين ناكح ذات المحرم بفرق ضعيف. مسألة السبي (¬2)، قول أشهب بين في أنه يهدم النكاح ويفسخه؛ سُبِيا متفرقين (¬3) أو مجتمعين. واختلف على مذهب ابن القاسم في الكتاب؛ فذهب أبو إسحاق (¬4) أنه مثله وأنه لا يراعي شيئاً ولا يشترط وطء السيد ولا علمه بالزواج ولا غير/ [خ 196] ذلك، وأن ما في كتاب محمد من مراعاة ذلك (¬5) خلاف. وإلى أنه وفاق ذهب ابن لبابة (¬6)؛ قال: وكذلك لو سبي أحدهما ثم جاء الآخر مسلماً أو مستأمناً. وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن (¬7) أن مذهب الكتاب وفاق (¬8) لما قاله محمد من أنه غير هدم على الجملة إذا ثبتت الزوجية، وإنما يهدمه وطء السيد الأمة بعد استبرائها ولم يعلم بالزوجية، واستدل بمجيئه في الكتاب بمسألة الأمة المرجوعة (¬9) ولم يعلم سيدها برجعة زوجها لها حتى وطئها. وذكره لها حجة على مسألة السبي. وانظر كلامه بعد هذا في باب نكاح أهل الشرك إذا قدم زوجها وهي في استبرائها؛ قال (¬10): "قد انقطعت العقدة بالسباء"، فهذا يبين أنها في ¬
الكتاب خلاف ما في كتاب محمد. وقد قال ابن القاسم (¬1): لو أتت مسلمة وقد بنى بها، ثم سبي فأسلم في عدتها كان أحق بها، ولها الخيار للرق الذي مسه. ولو جاء هو أولاً مسلماً ثم سبيت فسخ نكاحهما، إلا أن تسلم بقرب إسلامه. وقوله (¬2) في الصبي يزوجه أبوه ذمية أو مجوسية فيسلم: لا يفرق بينهما إلا أن يثبت على إسلامه إلى بلوغه. كذا وقعت الرواية عند ابن وضاح وعند أكثرهم. ولم يكن عند شيوخنا فيها خلاف. وحكى ابن أبي زمنين أن غير ابن وضاح رواها: ذمية مجوسية. وفي نسخة عنه: ذمية ومجوسية. وبغير واو رواها الشيخ ابن لبابة. فذهب فضل وابن اللباد وغيرهما أنه إنما أجاب في الكتاب على المجوسية؛ إذ الجواب إنما يصح فيها، ولم يجب على الذمية غيرها؛ إذ لو كان الجواب في ذلك كان خطأ؛ لأن نكاح نساء أهل الكتاب جائز للمسلمين. وذهب أبو عمران وغيره أن المراد باللفظين المجوس؛ يعني ذمية منهم أو حربية. وذهب ابن لبابة وغير واحد/ [ز 119]، (إلى) (¬3) أن: "أو" خطأ، وصوابه سقوطها. وعليه اختصرها كثير منهم: ذمية مجوسية. ومنهم (¬4) من حذف: ذمية، وقال: مجوسية، فقط. واختصرها ابن أبي زمنين: ومجوسية. وهي بالمعنى الأول، أي ذمية من المجوس. وفي نسخة عنه بغير واو، كما اختصر غيره. وقوله (¬5) في الزوجين المسبيين: "إن لم يكن إلا قول العلج ¬
والعلجة (¬1) لم يصدقا". قال القاضي: هذا في السباء بيَّن، وأما ما باعه أهل الحرب أو من اشتراهم من بلد العدو فبخلاف (¬2)، فسوى بينه وبين السباء في ظاهر الكتاب. ووقع في كتاب ابن حبيب (¬3): إذا قالا ذلك - ولم يعلم إلا بقولهما، أو قاله بائعهما - فلا ينبغي لمالكهما في الوجهين أن يمسهما (¬4)، ولا يفرق بينهما؛ قال: لأنه بيع وليس بسبي، والبيع لا يقطع النكاح. ونحوه لسحنون. ووقع في "المدونة": "إن زعم ذلك الذين باعوهما أو علم ذلك ببينة". ونحوه في كتاب ابن حبيب، بإثبات "أو" (¬5). وعليها اختصرها أبو محمد (¬6) وغيره (¬7). وجاء في كتاب محمد: وعلم ذلك ببينة، بغير ألف (¬8). فهذا لا إشكال فيه إذا ثبت وعلم ببينة. ووجه/ [خ 197] الشيوخ (¬9) ما في الكتاب أنه من باب التبرؤ من عيب الزواج فلم يتهموا، لا (¬10) من باب الشهادة. قال القاضي: ولقولهم عندي شرح نبسطه؛ وذلك أن العلجين صارا ¬
هنا كالطارئين منهم بأمان، أو جاءا مسلمين وادعيا الزوجية، فإنهما يصدقان كالطارئين علينا من بلد آخر من المسلمين. فإذا وافقهم المالك على هذا مضى ذلك وصار كمن قامت له بينة. وإن كذبهم من ملكهم لم يقض بثبات نكاحهما على من ملكهم لإدخال الضرر عليه بذلك، كما لو ادعى عبداه ابتداء عليه النكاح وصار (¬1) كالطارئين من المسلمين، إذا كذبهما أهل رفقتهما ومن جاء معهما. وعلى هذا أحمل قول "المدونة" و"الموازية". وليس بخلاف لما في كتاب ابن حبيب، وأنهما لا يصدقان إذا كذبهما مالكهما ومن جلبهما أو من جاء من بلادهما، ويصدقان إذا لم يكذبوهما فانظره. وقوله في الذمية (¬2) المسبية: صداقها للجيش. قال مشايخنا يدل هذا أن مذهبه أن المسبي إذا كان له مال في أرض الإسلام أنه للجيش الذي سباه فيئاً. مسألة المتزوج للكتابية في دار الحرب (¬3). كرهها مالك، وكره أيضاً الذمية في دار الإسلام (¬4)، لكن كراهيته الحربية (¬5) أشد، حتى شك ابن القاسم هل يحكم بفسخ ذلك أم لا؟ ورأي ابن القاسم عليه أن يطلقها من غير قضاء (¬6)؛ وذلك أن كثيراً من أهل العلم لا يرون نكاحها ويرون الآية المبيحة للكتابيات إنما هي في الذميات منهن دون الحربيات (¬7)، وللعلة أيضاً التي ذكر مالك من الخوف على ولده هناك وتنصُّره. وأشد منه سكناه معها دار الحرب والكفر وحيث (¬8) يجري حكمهم عليه، وهو ¬
حرام بإجماع وجَرحة ثابتة في فاعله مع الاختيار (¬1)؛ ولهذا أدخل سحنون بأثر المسألة قول ابن شهاب (¬2): "غير أنه لا يحل للمسلم أن يقدم على أهل الحرب المشركين ليتزوج فيهم أو يلبث بين أظهرهم". ومراده هنا بالمشركين أهل الكتاب والذمية فهذه العلل فيها كلها معدومة، ولكن كرهها للمودة التي تكون بين الزوجين؛ قال الله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (¬3) و {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬4). ولِمَا ذَكر (¬5) من تربية ولده على الكفر وتزيينه في قلبه، وتكريه الإسلام وأهله له، وتغذيتهم بالخمر والخنزير، ومضاجعته لها وتقبيله إياها، وذلك في فيها، وعرقه معها، وقد اختلف في نجاسته. وروايتنا فى "المدونة" (¬6): "وتُغَذي/ [ز 120] ولدها على دينها"، بالغين والذال المعجمين (¬7)، من التغذية بالطعام والشراب. وفي بعض الروايات: وتُعْدي بالمهملتين ساكنة العين، من الإعداء، وهو إغراؤها (¬8) إياهم بالكفر وتزيينه لهم وتحبيبه لنفوسهم. ونائلة بنت الفرافصة (¬9) بفتح الفاء وضمها معاً، وبعضهم لا يقوله في ¬
أسماء الناس إلا بالفتح (¬1). وابن قارظ (¬2) بالقاف والظاء المعجمة. وتفريقه بين مسألة الصبية (¬3) زوجة النصراني يسلم أبواها النصرانيان وأن نكاحها يفسخ، ومسألةِ الصبي النصراني أنه إذا أسلم أبواه يعرض على زوجه الإسلام،/ [خ 198] وتنزيله الصغير (¬4) هنا إذا أسلم أبواهما منزلة الكبيرين إذا أسلما، بين في تفريقه أن الكبيرة (¬5) إذا أسلمت قبل الدخول لا يعرض على الزوج الإسلام. وإذا أسلم الزوج الكبير يعرض. وتقدم الكلام في هذا قبل. وقوله (¬6): "ناهزوا الاحتلام" أي قاربوا، وأصل النهز الحركة (¬7). ¬
وأرهقوا (¬1) الحلم بمعناه. والحَزَاورة (¬2): الغلمان الأشداء المراهقون؛ اشتق من الْحَزْورة وهي الحصباء الغليظة. وقد يكون من الحزر والتقدير، والواو زائدة، أي يقدر ويحزر أنهم بلغوا أو قاربوا (¬3). وقوله في النصراني (¬4) يسلم وولده صغار: "هم مسلمون. قال سحنون (¬5): وأكثر الرواة أنهم مسلمون بإسلام أبيهم". قال فضل: هذا يدل أن من الرواة من يقول: ليس إسلام أبيهم إسلام (¬6) لهم وإن كانوا صغاراً (¬7). وقوله (¬8) في الذي أسلم وعنده أم وابنتها ولم يبن بهما: يمسك من شاء منهما؛ كان نكاحهما في عقدين (¬9) أو عقدة واحدة. "وقال بعض الرواة: لا يجوز له أن يحبس واحدة منهما" (¬10). فرأى أن للعقدة عليهما في [حال] (¬11) الكفر تأثيراً يوجب فسخ نكاحهما. وقال بعض الشيوخ (¬12): معنى هذا في عقد واحد، ولو كانت واحدة بعد أخرى لأمسك الأولى، ولا يكون أشد حالا من المسلم. ¬
زاد في قول غيره: ولا بأس أن ينكح الابنة نكاحاً جديداً مستأنفاً. ثبتت هذه الزيادة عند القاضي أبي عبد الله وغيره. وعلى إثباتها اختصر أبو محمد (¬1). وسقطت عند ابن عتاب وغيره (¬2). وعلى إسقاطها اختصر ابن أبي زمنين وغيره (¬3). والخلاف في هذا مبني على صحة عقودهم وفسادها؛ فابن القاسم لا يرى عقودهم صحيحة ولا يراعيها ولا يرى فيها شبهة، فلا تؤثر عنده. وغيره يراها مؤثرة مع اختلاف العلماء في صحتها وفسادها. وأشهب راعى ذلك لكنه لم يفسخ النكاحين، لكنه حرم الأم للشبهة في عقد البنت وأبقاه مع البنت. وسواء عنده كانت عقدتاهما متفقتين أو مفترقتين. وهذا كله موافق لأصله أول الكتاب في متزوج الأم وابنتها في عقدة أن يمنع من الأم (¬4) "لشبهة عقد (¬5) البنت". وقد يكون عندي (¬6) غير ابن القاسم إنما راعى وقت إسلامه وهما في عقدة، فكأنه حينئذ عقد عليهما؛ إذ هما في ملكه بعقده المتقدم، كانا معاً أو مفترقين (¬7)، فلذلك رأى فسخ النكاحين ثم ينكح الابنة كما قال؛ إذ (¬8) لم يدخل بأمها. وظاهر قوله [أنه] (¬9): لا ينكح الأم للشبهة في البنت كما قال أشهب ¬
وعلى أصله في العقد على الأم والبنت معاً. ألا تراه لم يتعرض إلا لنكاح البنت. ولم يذكر الأم؟. وغيره هنا هو أشهب والله أعلم. فإن كان فيكون لأشهب في فسخ النكاح فيهما أو في الأم وحدها قولان. وانظر قول ابن القاسم (¬1): إذا حبس الأم وأرسل الابنة لا يعجبني لابنه أن يتزوجها، وهل هو سوى (¬2) عقد الكفر. وقد جعل له هنا تأثيراً في الحرمة، والذي له في كتاب محمد خلاف هذا وأنها (¬3) لا تحرم بعقد (¬4) أهل الشرك. وقوله (¬5) في الذي أسلم على عشر زوجات، قالوا: مذهب ابن القاسم أنه/ [ز 121] لا صداق لمن فارق منهن، خلاف ما في كتاب ابن حبيب (¬6) من إيجابه لكل مفارقة نصف الصداق؛ لأنه/ [خ 199] لما اختارهن من غيرهن كأنه ابتدأ اختيار طلاقهن. وعند محمد (¬7): لكل واحدة خمس (¬8) صداق؛ لأنه لو طلق جميعهن. كان عليه صداقان؛ لكل واحدة خمسه. وابن القاسم يرى أن أصل النكاح في الشرك غير منعقدٍ؛ فاسدٌ، فإذا فارق كأنه لم يكن. قالوا: ومذهبه أنه بغير طلاق خلاف ما في كتاب ابن حبيب أنه طلاق. وقد تقدم (¬9) .............................................. ¬
في إسلام الزوجين (¬1) أنه فسخ. وقد تقدم أيضاً لابن القاسم قبل هذا في الذميَّيْن إذا أسلما - وقد أصدقها خمراً أو خنزيراً - ولم تقبضه أنه إن لم يعطها صداق مثلها فرق بينهما وكانت تطليقة (¬2). وهذا فراق هو مخير فيه، فهو مشعر بالخلاف واضطراب قوله في هذا الأصل على القولين. وفي حديث غيلان الثقفي (¬3): ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد (¬4)، كذا الرواية. وعند ابن عيسى سقوط "أبي" من بعض النسخ (¬5). والصواب إثباته كما في الأصول. ¬
وبعده (¬1): ابن لهيعة أن أبا وهب الجَيْشاني (¬2). كذا روايتنا، وهي رواية يحيى بن عمر فيما وجدته في كتاب ابن سهل. وذكر أن رواية إبراهيم بن باز وابن مسرور الدباغ والإبياني: ابن وهب عن ابن لهيعة. وهو بمعنى الأول؛ لأن الحديث الذي قبله لابن وهب. وذكر أن رواية ابن وضاح هنا (¬3): أشهب عن ابن لهيعة. والجَيْشاني، بفتح الجيم وسكون الياء باثنتين تحتها وشين معجمة وآخره نون. وقوله (¬4) في أنكحة المشركين وشروطهم؛ ذكر في أول الباب (¬5): إذا تزوجها على خمر أو خنزير أو ما لا يجوز، إذا لم يدخل بها أنه كالتفويض. واختلفت ألفاظ (¬6) روايات الشيوخ في هذا الموضع اختلافا كثيراً في مساق الجواب عن المسألة، وجميعها يرجع إلى هذا المعنى. ثم قال بعد ذلك (¬7): "وما كان من شروطهم في أمر مكروه فإنه يثبت من ذلك ما يثبت في الإسلام ويفسخ (¬8) ما يفسخ في الإسلام إلا ما كان من شرط من طلاق"، إلى قوله (¬9): "فإنه لا يلزمه". كذا رواية ابن وضاح، وكذا عند ابن عتاب. وعند غيره: فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا ¬
يفسخ من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام، وما شرط لها من طلاق، إلى آخر المسألة. ومثله في بعض روايات عبد الحق. إلا أن هنا: ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام. وعند ابن مسكين (¬1) ويحيى بن عمر: فإنه يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام، ذكره عنهما عبد الحق. وفي رواية جبلة (¬2): فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام. وعند غيرهم: فإنه لا يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام. وهذا نص ما في كتاب القاضي أبي عبد الله بن عيسى، وهي رواية ابن لبابة. قال يحيى (¬3): وهي رواية سحنون، وهي الصواب. وهي كلها - إن شاء الله - راجعة إلى معنى؛ وذلك أنه يرجع قوله: يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام، يعني بعقد النكاح لو لم يشترط من تلك الشروط، مثل إسقاط النفقة وشبهه، ولا يضر اشتراط/ [خ 200] إسقاطه في نكاح الكفر. ويفسخ من ذلك ما يفسخ في الإسلام مما لا يلزم الزوج بالعقد، مثل شرط ألا يتزوج عليها ولا يخرجها من بلدها ولا يمنعها زيارة أهلها. فهذا كله يسقط ولا يثبت لا في الإسلام ولا في الكفر. فعاد الفسخ على هذا للشرط لا للعقد ولو علقه في (¬4) الكفر بيمين؛ إذ أيمانهم غير لازمة. وإلى هذا يرجع قوله: لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ إلا ما كان يفسخ في الإسلام. وكذلك رواية من روى: لا يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام، مثل ما علقه من الشروط بطلاق أو عتق، / [ز 122] فإنها لازمة في الإسلام ثابتة، غير ثابتة في ¬
الكفر (¬1). ولذلك جاء بهذه المسألة في الكتاب بعد هذا. وقيل في قوله: ولا يفسخ من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام، يعني من العقود الفاسدة في الإسلام. قوله (¬2): "مثل ما لو شرط ألا نفقة لها، أو عليه من قوتها كذا وكذا، أو فساداً (¬3) في صداق، فإن هذا وما أشبهه (يسقط ويكون لها نفقة مثلها) (¬4)، ويردان من ذلك إلى ما ثبت (¬5) في الإسلام، وليس يشبه (¬6) المسلمة إذا لم يبن بها؛ لأن المسلمة إذا لم يبن بها فرق بينهما"، كذا رواية إبراهيم في هذا الفصل. قال ابن لبابة: ومعنى هذا أن ما عقدوه في كفرهم ساقط وإن كان مما يلزم في الإسلام وما تفسد به أنكحتهم. وعند ابن وضاح مكان هذا الكلام: فإن هذا وما أشبهه يرد فيه إلى ما يثبت في الإسلام. لا غير. وكان هذا الكلام كله ساقط (¬7) من أول الباب في بعض الروايات، وساق الكلام (¬8): فإن كان ذلك مما لا يحل لها أخذه كالخمر والخنزير رأيت النكاح ثابتا، وليست كالمسلمة إذا لم يبن بها (¬9). وسقط ما بين ذلك من سائر الكلام (¬10). وقوله (¬11) في إذا طلق ثلاثاً فرضيا بحكم الإسلام، "فالقاضي مخير ¬
إن شاء حكم وإن شاء ترك، فإن حكم حكم بحكم الإسلام، وأحب إلي ألا يحكم، وطلاق أهل الشرك ليس بطلاق". قال بعض شيوخنا (¬1): ظاهره أنه لا يلتفت في الحكم بينهم إلى رضى أساقفتهم. وفي "العتبية" لابن القاسم: لا بد من رضى أساقفتهم. وظاهره بحكم آخر الكلام إن حكم بينهم أن يتركهم ولا يفرق بينهم؛ إذ هو حكم الإسلام في طلاق أهل الكفر كما قال. وعلى هذا تأول المسألة ابن أخي هشام وابن الكاتب وغير واحد، وهو أظهر. وحملها القابسي (¬2) وغيره على ظاهر اللفظ وعلى أنه يحكم بينهم بالفراق؛ إذ هو حكم أهل الإسلام الذي تراضوا به. ثم اختلفوا؛ فأما القابسي فلم ير أن يزيد شيئاً على أن الحاكم يفرق بينهم (¬3) مجملاً دون الثلاث. وذهب ابن شبلون إلى الحكم بالثلاث كالحكم بين المسلمين ويُبِينها منه. وكان الشيخ أبو محمد يقول: إن كان العقد صحيحاً ألزمه (¬4) فيه الطلاق. وإن كان مخالفاً لشروط الصحة لم يلزمه (¬5) شيئاً (¬6). وقد يحتج هؤلاء بما وقع في كتاب العتق الثاني في النصراني يعتق عبده ويتمسك به أنه لا يعرض له إلا أن يرضى السيد بحكم الإسلام فيحكم عليه بحريته، وظاهره (¬7) والطلاق سواء. ¬
وقوله (¬1) في السَّبية/ [خ 201] الصغيرة: "لا أرى أن يطأها حتى يجبرها على الإسلام إذا كانت [قد] (¬2) عقلت ما يقال لها"، يعارض (¬3) هذا قوله: "إنها لو رجعت على (¬4) الإسلام لم تقتل، وأنه إسلام لا تستحق به ميراثاً ولا تحرم به على زوج، والاحتياط ألا يباح له الاستمتاع منها بإسلام غير محقق. وإلى هذا نحا سحنون، وأنكر قوله (¬5): "حتى تجيب إلى الإسلام". وقال بعضهم: وقوله: إذا كانت تعقل الإسلام، يدل أن له الاستمتاع منهن بمن لم يعقل الإسلام. وقد ذكر ابن المواز جواز عتقها في الرقاب الواجبة وإن لم تسلم. وقوله (¬6) في إجازة إنكاح السيد عبده النصراني أمته النصرانية أو المجوسية، ووقع له في كتاب محمد كراهة ذلك، فهل مذهب الكتاب في الجواز إنما هو إذا وقع؟ لأنه قال: "فتزوج (¬7) السيد الأمة من العبد أيجوز هذا النكاح أم لا؟ قال: نعم". ولم يقل ابتداء إن للسيد فعل ذلك. وما في كتاب محمد على الكراهة (¬8) ابتداء؛ لأنه عون لهم على عصيانهم وارتكاب ما لا يحل لهم في كفرهم، ولأنه ليس من أنكحة المسلمين فكيف يتولاه/ [ز 123] مسلم! أو يكون خلافاً كما حمله عليه بعض الشيوخ. وعليه ¬
اختصره أكثرهم على جوازه ابتداء فأباحه على القول: إنهم غير مخاطبين بفروع الشرائع، ولأن السيد بالحقيقة هنا ليس بعاقد نكاح، إنما هو آذن ومبيح. وكرهه على القول الآخر، لأن كل واحد منهما محرم على صاحبه حتى يسلم لكون أحدهما مجوسياً (¬1)، أو لكون النصرانية أمة وهي لا يجوز وطؤها بالنكاح، ولا تحل أيضاً للنصراني، فعقد هذا المسلم معونة لهم على عصيانهم. وأجازه على القول الآخر لأن السيد هنا بالحقيقة ليس بعاقد نكاح، إنما هو آذن؛ إذ لا يلزم في أنكحتهم ما يلزم في أنكحة المسلمين من شرط الصداق والولي. وليس يحتاج هنا أكثر من تراضيهم وعقدهم على أنفسهم باسم النكاح، ويأذن لهم السيد في ذلك، فليس بعاقد ولا منكح، وإنما هو تارك لهم على دينهم كتركهم وشرب الخمر وأكل الخنزير على مشهور القولين في ذلك، بخلاف جلبها لهم وشرائها وعصرها وسقيها إياهم فالسيد ممنوع من هذا على كل حال. وقول مالك (¬2): "إذا ارتد فقد وقعت الفرقة بينه وبين أزواجه إذا كن مسلمات". ذهب اللخمي أن ظاهره خلاف قول ابن القاسم بعده (¬3): إنه تقع الفرقة وإن كن من غير أهل الإسلام، وكذلك إذا تزوج في ارتداده كتابية لم يجز. وهذا هو مشهور المذهب. وكذلك اختصرها أبو محمد على الوفاق، خلاف قول أصبغ (¬4): إنه لا يحال بين المرتد وبين زوجاته الكتابيات، ولا يحرمن عليه إن عاود الإسلام. وأما العودة إلى زوجاته إذا راجع الإسلام فالخلاف فيه معلوم مبني على حكمه هل هو حكم الكافر الأصلي - وإسلامه الآن كابتداء إسلام - أو أن ردته إن رجع إلى الإسلام (¬5) ملغاة وكأنه لم يزل ¬
مسلماً على ما تقدم؟ وبالله التوفيق/ [خ 202]. ¬
كتاب الرضاع
كتاب (¬1) الرضاع (¬2) يقال: الرَّضَاعُ والرَّضَاع والرَّضَاعة والرَّضَاعَة (¬3). والْوَجُورُ (¬4) والسَّعُوط، بالفتح؛ فالوجور ما يدخل في وسط الفم (¬5). وقيل: ما صب في الحلق (¬6)، يقال في فعله: وجر وأوجر. واللَّدود ما صب تحت اللسان. وقيل ما صُب في جانب (¬7) الفم (¬8). واللَّدِيدَان: جانبا الفم (¬9). ¬
والسعوط ما نُشق (¬1) في الأنف (¬2). وذكر [بعض] (¬3) أهل اللغة (¬4) أنه لا يقال في بنات آدم: لَبَن، وإنما يقال فيه (¬5): لِبان، واللَّبَن لسائر الحيوان غيرهن. وجاء في الحديث كثيراً خلاف قولهم (¬6). وقوله في الحقنة (¬7): "وأرى إن كان لها غذاء"، يعني اللبن الذي في الحقنة، وهذا على أنه غير مستهلك في الدواء، فإن كان الدواء غالباً عليه فعلى مذهب "المدونة" لا يحرم كقوله في الطعام المطبوخ باللبن، ولأنه إذا كان كذلك وغلب عليه الدواء لم يغذ ولا كان له حكم. وقد فسر ابن المواز (¬8) معنى التغذية بأنه لو منع الطعام ولم يصل منه شيء إلى جوفه إلا من جهة الحقنة كان له غذاء، فيكون حينئذ ما يصل إليه من الحقنة من اللبن وإن قل يُحَرِّمُ، وإن كان عند ابن حبيب (¬9) قد أطلق التحريم، وعند أبي عبيد (¬10) عن مالك أطلق أنه لا يحرم (¬11). ¬
وقول ربيعة (¬1): "ورَبَّ (¬2)، مِعَاه (¬3) غير اللبن"، أي غذاه وأصلحه (¬4)، وكل من قام على شيء وأصلحه فقد ربه، ومنه سمي الربانيون. وقوله (¬5): "كل ما (¬6) أدخل في بطنه من اللبن فهو يحرم"، نبه بعضهم أنه يظهر منه أن مراده من حيث دخل من مدخل الطعام أو غيره، بدليل إدخاله في هذا الباب، ولم يدخله في باب رضاع الكبير. وقوله (¬7): "وتجعل لبن للفحل (¬8) من يوم حملت؟ قال: نعم"، ثم/ [ز 124] سأله بعد ذلك: وقبل أن تحمل؟ قال: نعم، هو للفحل. وهذا هو المعروف من المذهب وغيره بغير خلاف، ويكون قوله (¬9): "من يوم حملت"، أي من يوم ظهر بها اللبن؛ لأن أول ظهوره غالب (¬10) بالحمل وأنه لا ينظر (¬11) به الوضع، لا أنه لا يعتبر إن درَّت قبل الحمل. وقوله (¬12) في التي حملت من زوج آخر: "إن اللبن لهما إن كان لم ينقطع لبن الأول"، وكذلك لو وضعت؛ على ظاهر مذهبه في الكتاب ونصِّ ما له في كتاب محمد (¬13). وخلافُ هذا في "مختصر" ¬
الوقار (¬1) أن بالوضع ينقطع لبن الأول. وهو الذي حكى ابن المنذر عليه إجماع العلماء (¬2)، وخلافُ (¬3) ما في كتاب ابن شعبان (¬4) عن ابن وهب أن وطء الثاني يقطع حرمة لبن الأول، وخلافُ (¬5) ما لسحنون (¬6) أن بمضي خمسة أعوام - أقصى أمد الحمل من فراق الأول - تنقطع حرمة لبنه. فجاءت أربعة أقوال. وانظر فظاهر لفظه أنه لا يعتبر غلبة أحد اللبنين على الآخر ولا كثرته من قلته، فيكون الحكم للأكثر الغالب (¬7)، بخلاف غلبة الطعام أو الدواء على اللبن؛ لأنه وإن غلب عليه اللبن الآخر فلم يغير القليل عن صفته، بل هو لبن على ما كان عليه. وكذلك لو خلط على هذا لبن من امرأتين فغذي بهما طفل. وقد اختلف العلماء في ذلك هل الحكم للأغلب أو لهما جميعاً؟ وتردد بعضهم في ذلك هل يقوله (¬8) ابن القاسم أو لا (¬9) يفرق (¬10) بين اللبن والطعام؟ (¬11) وأما على ما في كتاب ابن حبيب (¬12) فلا مراعاة لشيء من ذلك، وإنما يراعى وصوله إلى الجوف لا غير. والغِيلة (¬13)، بكسر الغين المعجمة: اسم من الغيل، وهو إرضاع المرأة ¬
ولدها وزوجها يطؤها (¬1) / [خ 203]. والخلاف في معناه مفسر في "الأم" (¬2). ولا تفتح الغين إلا مع حذف الهاء. وأصله من الضرر (¬3). وقيل من الزيادة. وقد رواه بعض شيوخنا في غير "المدونة" بفتح الغين. وكذلك قيده عبد الحق عن الأجدابي في "المدونة". وحكى بعض أهل اللغة الوجهين في الرضاع، وفي القتل الكسرَ لا غير (¬4). وقال بعضهم: لا يصح الفتح في الرضاع إلا مع حذف الهاء؛ يقال: غيلة وغيل وغيال. ويقال: أغال الرجل ولده إغالة، واغتيالاً. وقال بعضهم: الغَيلة: المرة الواحدة، بالفتح (¬5). وقوله (¬6): "حتى ذكرت فارس والروم، فلم ينه عنه النبي عليه السلام"، هو طرف من الحديث، وتمامه: "حتى ذكرت أن فارس والروم يفعلونه فلا يضر أولادهم" (¬7). وقوله (¬8): "حتى يَلْفِظه الحجْر"، بكسر الفاء؛ لَفِظ يَلْفِظ أي طرح (¬9)، والمعنى: يستغني (¬10) عن الرقاد في الحجر للرضاع، والْحَجْر [والْحِجْر] (¬11) ¬
بالفتح والكسر (¬1). وقوله (¬2): "لأن مالكاً قد رأى (¬3) الشهر والشهرين بعد الحولين (رضاعاً"، كذا عند ابن عيسى. وعند ابن عتاب: ما بعد الشهر والشهرين بعد الحولين) (¬4). والمختصرون كلهم والشارحون إنما نقلوه على الرواية الأولى. ولعل تقويم (¬5) هذه الثانية: "رأى ما بعْدُ"، بضم الدال، ويكون: "الشهر والشهرين بعد الحولين" تفسيراً لـ "ما بعدُ" المتقدمِ وبدلاً (¬6) منه، أو مفعولا لـ "رأى". وقوله: "وعاش بالطعام"، ويروى بالفطام. وكلاهما عند ابن عتاب (¬7). وقوله (¬8): "إنما ذلك في الصبي إذا وصل رضاعه بالشهرين بعد الحولين بالحولين". كذا في الأصل، وفيه تقديم وتأخير. وصوابه: "إذا وصل رضاعه بالحولين بالشهرين التي" (¬9) بعد الحولين. وفي بعض النسخ (¬10): "إذا وصل رضاعه بحد الحولين بالشهر والشهرين"، وهذا بين. ¬
والحبر (¬1) هو العالم، بفتح الحاء وكسرها (¬2). وقول عبد الله بن مسعود (¬3): "إنما أنت مداوي" (¬4)، نقله ابن أبي زمنين أن ابن مسعود قاله لأبي موسى، وفسره بأنه كان يبيع العقار (¬5)، كأنه نفاه عن العلم لشغله بذلك. ولم يكن عندنا في "الأم" اسم أبي موسى/ [ز 125] هنا مصرحاً، وإنما فيه (¬6) "أن عبد الله قال له: إنما أنت رجل مداو". وعلى هذه الكناية تأول أبو عمران أنه عنى بذلك الرجل السائل لهما بأنه مص من ثدي امرأته لبناً، لا أبا موسى، وأن ابن مسعود أراد بقوله هذا: إنك لم تقصد الرضاعة بمصك ثديها، وإنما أردت المداواة بإزالته من ثديها لاحتقانه فيه وأن بقاءه فيه يضر بها. وقيل: أراد بذلك أبا موسى وأنك مفتي (¬7) كالطبيب المداوي فيجب له أن يتثبت ولا يعجل. ووقع في "الأسدية" - وليس في "المدونة" - قلت: أرأيت لبن المرأة هل يتداوى به ويشربه الناس؟ قال: لا بأس بذلك. قلت: وهل سمعته من مالك؟ قال: قال مالك: لا بأس بأن يستسعط بلبن المرأة، فأرى ذلك مثل هذا إذا كان على وجه الدواء. قال القاضي: والذي يخرج من مجموع هذه المسألة إباحته على وجه الدواء، وكذلك من هذا الأثر، ولا شك في حله وطهارته، لكن يجب توقيه ¬
لأجل حرمة الرضاع (¬1) والخلافِ في وقوعها للكبير. وقوله (¬2): "عند دار القضاء"، كذا عندهما (¬3) بالقاف. وعند ابن عتاب بالفاء أيضاً معاً، وكتب: صوابه القضاء، يعني بالقاف. قال القاضي: وهو المعروف في الأمهات وكتب الحديث، ولا وجه للفاء. وأكثر الناس يظنون أن دار القضاء دار الإمارة. وبه فسرها بعضهم، لا سيما وكانت دار مروان بن الحكم (¬4)، وهو غلط؛ إنما سميت بذلك لأنها بيعت/ [خ 204] في قضاء دين عمر بن الخطاب بعد موته، [وكانت تعرف بدار قضاء دين عمر] (¬5) ثم اختصر واقتصر بتسميتها بدار القضاء (¬6). وقوله (¬7) في لبن المرأة الميتة: إنه حرام - وشبهه بلبن الشاة الميتة وبما وقعت فيه فأرة - يدل على نجاسة ابن آدم بالموت، خلاف ما دل عليه ما له في الجنائز، فيخرج القولان من الكتاب. وقد تكلمنا عليها هناك. وقوله (¬8): الحد على من وطئ ميتة، فكذلك اللبن، يعني أن حرمة الميتة في نكاحها والحية واحد في إيجاب الحد وتحريم الفرج، فكذلك ¬
رضاعها في الحرمة في الحياة والموت حكمه واحد. والحد في الأجنبي كما قال. واختلف شيوخنا المتأخرون في حد زوجها إذا وطئها ميتة؛ وإلى إسقاطه مال أكثرهم والمحققون منهم؛ لبقية حرمة الزوجية وحقوقها بغسله لها منكشفة الجسم وأنه أحق بتدليتها في قبرها. وقوله (¬1) في لبن الميتة: "ولا يجعل في دواء"، يبين (¬2) أنه لا يتداوى بالنجاسة والمحرمات. وقوله في القائلة (¬3): إنها أرضعت رجلاً وامرأته: لا يفرق بينهما ويقال للزوج: تنزه عنها؛ أمره هنا بالتنزه ولم يشترط الفشو، وهو خلاف ظاهر ما له في النكاح الثاني. وقد تقدم الكلام عليه هناك. وكذلك الكلام على شهادة الأم وتأويل أكثرهم أنه فراق بغير إجبار ولا قضاء، ويبينه قوله في الكتاب إثر المسألة (¬4): "وليس قول المرأة: هذا أخي. والرجل: هذه أختي، كقول الأجنبي". وقوله (¬5) في المسألة قبلها: "إذا قالت أم المرأة: قد أرضعتكما"، وكذا (¬6) روايتنا فيها عن القاضي أبي عبد الله (¬7). "فينهى عنها على وجه الاتقاء لا على التحريم ولا يفرق القاضي بينهما" (¬8). وروايتنا فيها عن الفقيه أبي محمد (¬9): "إذا قالت امرأة" مكان "أم المرأة". وهذا كله خلاف ¬
تأويل ابن حبيب (¬1) ومحمد (¬2) أنه يقضى (¬3). وقد غلط فضل هذا التأويل. وقيل: هذا خلاف. وقيل (¬4): لعلها عندهما عاقدة النكاح بوصية، فكانت كالأب. وقيل: سواء فيها الوصية وغيرها، بخلاف الأب. وقد جاء في التمليك والتخيير (¬5) في الذي قال للخاطب: "هي أختك، ثم قال: ما كنت إلا كاذباً: لا يتزوجها". قال بعض الصقليين: ولا يقضى عليه بالفراق هنا؛ لأنه قاله عند الخطبة والرد، بخلاف القائل ذلك في غير خطبة. بخلاف مسألة الرضاع. وسوى غيره بينهما ولم يعذره، ورأى التفريق بالقضاء. وهو أولى. وقد قال في هذا الكتاب (¬6): "إذا أقر/ [ز 126] الرجل (¬7) أو الأب في ابنه الصغير أو ابنته بالرضاعة ثم يقول: ما كنت إلا كاذباً، أو إنما أردت أن أمنعه. قال مالك: لا أرى للوالد أن يزوجها (¬8). قال مالك: ذلك في الأب في ولده، فإن تزوجها يفرق السلطان بينهما ويؤخذ بإقراره الأول". قال فضل: الرجل هنا المذكور أولاً المقر على نفسه بالرضاعة، لا أجنبي شهد وأقر على غيره. ولزم إقرار الأب ها هنا لأنه يعقد على الصغير، فقام مقام إقرار الكبير على نفسه. قال القاضي: فانظر قوله: أردت أن أمنعها، أو كنت كاذباً لم يقبل فيهما عذره. وسوى بين اعتذاره وتصريحه بالكذب كما نص في كتاب ¬
محمد (¬1) وخلاف ما ذهب إليه من ذكرنا من الصقليين من التفريق. وانظر مذهبه إذا قال ذلك الأب بعد عقد النكاح؛ فقد نص في كتاب محمد (¬2) أنه لا يقبل قول الأب ولا الأم بعد النكاح، ولا قول الجارية ولا امرأتين عدلتين/ [خ 205] من غير أمر فاش ويؤمر بالتنزه. وإن كان مع المرأتين الفشو قضى بالفسخ. فظاهره أن اشتراط الفشو إنما هو في المرأتين لا في الأب؛ لأنهما هنا كشاهدين لكن شهادة المرأتين ضعيفة ناقصة لم تجوز في الحقوق إلا مع رجل، وفي مواضع ينفردن بها إن لم يكذبهن ما هو أقوى من شهادتهن، فإذا كان معها هنا (¬3) الفشو قوى ضعفها، وإن عريت منه ضعفت؛ إذ لو كانت صحيحة لم تخف وسمعت. وإلى معنى هذا نحا ابن لبابة. والأب بعد العقد فليس بشاهد، فشا أو لم يفش، إنما هو مقر بفسخ عقد عقده على غيره فلم يلزم به شيء، بخلاف الزوج إذا أقر على نفسه؛ لأن المرء يؤخذ بإقراره على نفسه لا على غيره، كما أن قوله ذلك ولم يعقد النكاح حتى رشد ابنه وابنته وجاز أمرهما غير لازم، وهو كغيره من الناس. واختلف إذا فسخ نكاحهما بقول الأب ثم كبر الابن ورشد هل ذلك الفصل (¬4) تحريم؟ وكالحكم بصحة رضاعهما، وهو قول غير واحد. أو إنما حل للعقد (¬5) لاعتراف عاقده - وهو الأب - بفساده، ولا يسري ذلك إلى ¬
تحريم النكاح فيما بعد إذ (¬1) لم يثبت. وقوله (¬2) في رجل قال في امرأة: "هذه أختي من الرضاعة أو غير ذلك من النساء اللائي يحرمن عليه". كذا عندهما. وفي طرة ابن عيسى: اللائي لا يحرمن عليه لابن وضاح. وهو وهم. وقول ربيعة (¬3): "الرضاعة لا تكون إلا باجتماع رأي أهل الصبي والمرضعة"، قال ابن وضاح: معناه لم يزل يُسمع (¬4). وهذا مثل قوله: فشا وعرف عند الأهلين والجيران. وقوله (¬5) فيمن تزوج صبية أرضعتها أمه أو أخته، وذكر زوجة أخيه: إنها يفرق بينهما. ومعناه: وقد دخل بها أخوه ولم يفارقها، أو فارقها وبقي حكم لبنه لم يقطعه لبن غيره. وقوله (¬6): "لو أن لبناً صُنِع به طعام"، كذا لابن عتاب بالنون والعين المهملة. ولابن عيسى: صُبغ، بالباء والغين المعجمة. وانظر قوله (¬7) في اللبن يخلط بالطعام أو بالدواء حتى يغيب فيه: إنه "لا يحرم؛ لأن هذا اللبن قد ذهب، وليس في الذي أكل أو شرب بلبن (¬8) يكون فيه عيش للصبي ولا يحرم"، فقد رد الأمر فيما يحرم من اللبن إلى التغذية كما نص عليه في مسألة الحقنة. ولم يراع غيرُه في كتاب ابن حبيب ¬
هذا، وإنما راعوا وصوله إلى الجوف (¬1). وهو الذي رجح أبو محمد السوسي (¬2) وأبو الحسن اللخمي (¬3) وغيرهما إذا كان خلطه بطعام أو دواء يغذي؛ لأن لذلك القليل - وإن لم يظهر - حظه من التغذية، كما لو جمعت نقطة من ماء وأخرى من عسل، وأخرى من لبن وأخرى من سمن ومن نبيذ وزيت وعصير وغير ذلك، وكذلك من مطعومات مختلفة، وخلطت حتى لم يتميز منها شيء في جملتها، وغلب على كل نقطة منها مجموع سواها، لم يبطل حكم التغذية/ [ز 127] خلطها وغلبة بعضها على بعض؛ إذ لكل نقطة منها حظها من التغذية، ولا يبطل ذلك أنها الأسير (¬4) لغلبة البقية عليها، بخلاف الأدوية غير المغذية إذا غلبت على اللبن فإنها بكثرتها وغلبتها عليه؛ أبطل (¬5) فعلُها (¬6) في الدواء فعلَ ذلك القليل في التغذية. وقد تقدم الكلام لو كان الخلط بلبن آخر. ¬
والضُّؤَرَة (¬1) بضم الضاد (¬2) وفتح الواو المهموزة (¬3)، كذا روَّيناه هنا. وروِّينا (¬4) في كتاب الجعل: الضُّورَة (¬5) / [خ 206]، وقرأناه في كتاب الهروي (¬6) على شيخنا أبي الحسين (¬7) بهمز الواو ساكنة (¬8). قال: وهو نادر، وهن المرضعات؛ واحدها ضِئْر (¬9) مهموز، سميت بذلك لعطفها على الولد (¬10). وقوله (¬11) في كراهة (¬12) إرضاع الكوافر: "إنما غذاء الصبي بما يأكلن ويشربن، وهي تأكل الخنزير وتشرب الخمر، فلا آمنها أن تذهب به إلى بيتها فتطعمه ذلك"، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب (¬13): "غذاء اللبن مما يأكلن ويشربن"، فظاهره أن العلة نجاسة لبنها والخوف أن ¬
تطعم الصبي وتسقيه ما لا يحل. وعلى هاتين العلتين اختصرها الشيخ أبو محمد (¬1) وبعضهم (¬2) فقال: لِمَا يتغذين به، أو يُغذين به الولد. ونبه بعض الشيوخ على ما ذكرناه من هذا قولةً (¬3) له في الكتاب في نجاسة عرق السكران وعرق الجلالة. واختصر المسألة ابن أبي زمنين على العلة الواحدة فقال: "لأنهن يشربن الخمر ويأكلن الخنزير، فأخاف أن يطعم الصبي ذلك". وهذا لفظه (¬4) بنصه أول الباب في الكتاب (¬5)، ولم يعرج على اللفظ الآخر الذي ذكرناه. وقوله (¬6): إذا وجد الأب - وهو موسر - من يرضع ولده بخمسين وأبت هي إلا بمائة: "الأم أحق أن ترضعه بما يرضع به غيرها"، إلى آخر المسألة. حمله ابن الكاتب (¬7) وغيره (¬8) على أجر رضاع مثلها لا على ما طلبت ولا على ما وجد الزوج. ويشهد له قوله بعد (¬9): "وليس للأب أن يفرق بينه وبينها إذا أرادت أن ترضعه بما ترضعه به الأجنبية"، ثم قوله آخر المسألة (¬10): "فإنها (¬11) أحق به بأجر رضاع مثلها"، وقوله أيضاً آخر الكتاب (¬12): إذا وجد من يرضعه باطلاً وهو موسر لم يكن له أخذه وعليها رضاعه بما ترضع به غيرها، ويجبر الأب على ذلك. ومثله في كتاب ¬
محمد (¬1). وسواء وجد الأب من يرضعه عندها أو (¬2) لم يجد؛ لأن المرضعة تتناوله عند الرضاعة وغيرها وهو تفريق بينه وبينها. وقال غيره (¬3): إنما تكون أحق به بأجرة المثل إذا لم يقبل غيرها أو لم يوجد من يرضعه غيرها (¬4). وأما إذا وجد من يرضعه غيرها باطلاً أو بدون أجر المثل فلا حجة لها إلا إن أخذته بمثل ذلك. ومثله فى كتاب ابن سحنون لأبيه. وقد يشهد لهذا أيضاً من الكتاب قوله (¬5): "إذا علق بالأم لا صبر له عنها أو كان لا يقبل غيرها، أو خيف عليه فأمه أحق به بأجر مثلها". وفي كتاب ابن حبيب (¬6) عن مالك - ورواه ابن وهب (¬7) عنه أيضاً - أن القول قول الأب إذا وجد من يرضعه باطلاً أو بدون أجرة المثل. ووقع هذا القول في الكتاب آخر الباب في رواية شيخينا - رحمهما (¬8) الله - ونصه (¬9): وقد قيل: إن كان الأب موسراً ووجد (¬10) من يرضعه باطلاً قيل للأم: إما أرضعيه (¬11) باطلاً أو فرديه إلى أبيه. وقد ذكر ابن المواز (¬12) القولين عن مالك. ¬
كتاب إرخاء الستور
كتاب إرخاء الستور معنى هذا اللفظ الخلوة، كان هناك ستر أو غلق أو لا، إذا كان هناك خلوة. وذلك أن الغالب في مثل هذا إرخاء الستر عندها لمن له ستر، فسمي بذلك باسم الغالب عليه. قال عيسى بن دينار في كتابه "إرخاء الستر": والدخول/ [ز 128] هو الإعراس/ [خ 207] والبناء البين. تقدمت (¬1) في كتاب النكاح مسألة اعتراف الزوج بالدخول وإنكار الزوجة (¬2) وتخييرها في أخذ الصداق كاملاً أو نصفه وكلامُ سحنون أن ذلك إذا صدقته. وما في آخر هذا الباب (¬3) مما يدل على أنه وفاق بما تقف عليه هناك. وقول ربيعة (¬4) في تقاررهما على نفي المسيس: إذا دخل عليها عند أهلها لها نصف الصداق. وإن قال: لم أدخل، وقالت: دخل، صدقت وكان لها الصداق. قيل: يريد أن الدخول كان (¬5) معلوماً، ولو كان مجهولاً ¬
صدق الزوج. وكذلك قوله (¬1): "الستر بينهما شاهد، وله عليها الرجعة إن قال: وطئت". قال أبو عمران: هو وفاق؛ يريد إذا كان دخول اهتداء وإن أنكرت هي. ومثله في كتاب محمد (¬2)؛ حيث يقبل قولها في الصداق يقبل قوله في الرجعة والعدة ودفع الصداق. وقول ابن المسيب (¬3): "إذا دخل عليها في بيتها صدق عليها، وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه"، يعني بقوله: "في بيتها" غير دخول اهتداء. وهذا وفاق للمدونة وأحد قولي مالك في كتاب محمد (¬4). وقوله الآخر: حيث أخذهما الغلق القول قولها، على ظاهر حديث عمر. وحكى عيسى في كتابه أن دخوله عليها حيث كان على وجه الزيارة فالقول قوله. وقوله في القائل (¬5) لزوجه: راجعتك في عدتك بعد انقضائها: لم يصدق "إلا أن يكون يبيت عندها ويدخل عليها". قال محمد في قوله "يبيت عندها": هذا على أحد قوليه في منعه الدخول عليها في رجعتها (¬6). وأما على قوله بإباحة ذلك له إذا كان ثم من يتحفظ بها (¬7) فلا حجة له في الدخول والخروج. وأما المبيت فإن كان في بيتها أو هي في الدار معه وحدها (¬8) فهو حجة على القولين جميعاً. وتأمل ظاهر قوله: يبيت ويدخل. وقوله (¬9): "اجتلاها" (¬10)، بالجيم، ............................. ¬
أي كشفها وعرضت عليه (¬1)، وأصله من الكشف والظهور. والسقط (¬2) من الولادة، بضم السين وفتحها وكسرها، وتقدم (¬3). وقول عمران بن الحصين (¬4): "طلق في غير عدة"، معناه أنه لما لم يشهد عند طلاقه لم يحسب له تلك الأيام من العدة ولا تعتد بها، ولا يصدقان جميعاً في ذلك؛ إذ يتهمان على إسقاط العدة. والأقراء (¬5) هي الأطهار، على ما الكتاب (¬6)، واحدها قُرء وقَرء بالضم والفتح. واختلف السلف ومن بعدهم هل هي الأطهار أو الحيض؟ وعند (¬7) أهل اللغة يقع ذلك عليهما (¬8) جميعاً (¬9). وقيل: اشتقاقه من الجمع، وعليه شواهد من كلام العرب وقولهم (¬10): قريت الماء في الحوض، وما قرأت الناقة جنيناً قط (¬11). وقيل: من الوقت، وشواهده من اللغة قولهم: هبت الريح لقرئها أي لوقتها (¬12). وقبل: من الانتقال، وشواهده قولهم: قرأ النجم إذا أفل، وقرأ إذا طلع. ¬
وقوله (¬1): "حتى ترى أول قطرة من الحيضة الثالثة فقد تم قرؤها وانقضت الرجعة عنها وحلت للأزواج. قال أشهب: أستحب ألا تعجل بالتزويج حتى يتبين أن الدم التي (¬2) رأت دم حيض يتمادى بها" إلى آخر كلامه. الكلام كله من أول المسألة عندي في "المدونة" لأشهب، وأوله: "وقال غيره إذا طلق الرجل امرأته"، وساق المسألة إلى قوله: "قال أشهب: غير أني أستحب" - بغير واو (¬3) -. وعلى كون المسألة كلها لأشهب اختصرها ابن أبي زمنين وغيره. واختصرها أبو محمد (¬4) / [خ 208] وغيره (¬5) من القرويين على أن أول المسألة لابن القاسم ثم جاء باستحباب أشهب بعده، وهي روايتهم والكلام لابن القاسم وأنه مذهب (¬6) صحيح مشهور. وأكثر الشيوخ حملوا قول أشهب على التفسير والوفاق لما تقدم. وذهب غير واحد إلى أنه خلاف لقول ابن القاسم. وهو مذهب سحنون (¬7) لقوله: وهي خير من رواية ابن القاسم؛ قال: وهو مثل قوله في رواية ابن وهب: إنها لا تحل للأزواج ولا تبين (¬8) من/ [ز 129] زوجها حتى يعلم أنها حيضة صحيحة (¬9). وإلى أنه خلاف كان يذهب (¬10) .............................. ¬
شيخنا (القاضي) (¬1) أبو الوليد بن رشد (¬2) - رحمه الله - وقال: يؤخذ من "المدونة" من هنا أن الدفعة الواحدة تكون حيضا كما قال محمد (¬3). وإليه نحا أبو عمران (¬4). وقال القاضي أبو الوليد: وهذا هو مذهب ابن القاسم، وذلك أنه لا حد لأقل الحيض عنده؛ لأنه قد يكون يوماً أو بعض يوم إذا كان قبل (¬5) طهر فاصل، وبعد (¬6) طهر فاصل. فإذا رأت أول قطرة انقضت عدتها وحلت للأزواج، ولا معنى لاستحباب تربصها على مذهبه؛ إذ لو انقطع بعد ساعة لما كان للزوج عليها عند ابن القاسم رجعة، لأن الدم إن عاد على قرب أضافه إليه وكانت حيضة ثالثة صحيحة، وإن عاد عن بعد وبعد مدة كانت حيضة رابعة. وإنما يلزم التربص على مذهب من يحدد للحيض؛ فعلى مذهب ابن الماجشون (¬7) تتربص خمسة أيام أقل أمد الحيض عنده. وعلى قول محمد بن مسلمة (¬8) تتربص ثلاثة أيام أقل ذلك عنده. وعلى ما حكاه الخطابي عن مالك: أقل الدم يوم؛ تتربص يوماً. وهذا لاحتمال (¬9) انقطاعه، فإن انقطع وعاد بقرب لفق منه العدة المذكورة وصح عند هؤلاء حيضا. وإن انقطع ولم يعد إلا عن بعد كانت تلك الدفعة والحيض المنقطع عندهم ملغاة لا يعتد بها في شيء؛ حكمها (¬10) حكم دم العلة والفساد، وتقضي ما تركت فيه من الصلاة. ¬
قال القاضي: وهذا تخريج لمذهب ابن القاسم من الكتاب من هذا الموضع كما قال أبو عمران. ونحوه له في كتاب الاستبراء مما سننبه عليه في موضعه - إن شاء الله -. والذي ذهب إليه جمهور الشيوخ أنه إن لم يتمادى (¬1) بها [الدم] (¬2) أنها لا تحتسب به حيضة ولا لما تقدم على نحو ما في كتاب محمد. وعلى ما رواه ابن وهب عن مالك أنها لا تبين إذا رأت الدم حتى يعلم أنها حيضة مستقيمة. واختلفوا إذا راجعها زوجها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه ثم رجع الدم بقرب، هل هي رجعة فاسدة؟ إذ قد استبان أنها حيضة ثالثة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل. وهو الصحيح. وقد قيل: لا تبطل، رجع عن قرب أو بعد (¬3). وأما قول شيخنا: وتقضي ما تركت فيه من الصلاة ففيه نظر ولا يوافق عليه. وذكر في الكتاب (¬4): "ابن وهب: قال ربيعة ويونس: ومن طلق امرأته فليشهد على الطلاق والرجعة"، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب: ابن وهب: قال يونس وقال ربيعة. وفي كتاب ابن سهل: أشهب عن ابن وهب عن يونس وقال ربيعة. وكتب خارجاً: قال أحمد: قال ابن وضاح: كذا رواه أشهب عن ابن وهب (¬5). وبعد هذا: أشهب عن ابن لهيعة عن يونس عن ربيعة، في كتاب ابن عتاب، موقوف، وكتب عليه: ليس لابن وضاح (¬6). ¬
وقَبَاث بن رَزِين (¬1) بفتح القاف والباء بواحدة بعدها، وآخره تاء مثلثة. كذا ضبطناه في "الأم" عن شيوخنا، وكذا ذكره/ [خ 209] البخاري (¬2) والدارقطني (¬3)، ويكنى بأبي هاشم، من أهل مصر، ليثي. وضبطه أبو نصر الحافظ (¬4) بضم القاف. واسم أبيه بفتح الراء بعدها زاي، وآخره نون. وقول عمر (¬5): "إن الأزواج حرام عليها ما بَقِيتُ"، كذا رويناه بضم تاء المخبر عن نفسه. قال إسماعيل القاضي: قال ابن وهب: يعني عمر نفسه، وكذلك في "موطأ" ابن وهب. قال أبو عمران: وهذا على طريق الردع والزجر في أول الإسلام وقبل اشتهار السنن لئلا يجترأ على مثل هذا، وليس عليه العمل. قال القاضي: ويصحح هذا قولُه: ما بقيت. وقصر ذلك على مدة اجتهاده ونظره. وقد حكي عن ابن وضاح وأبي صالح (¬6) أن عمر إنما قال ذلك لأنه راجعها فكانت له زوجة فغيره عليها (¬7) حرام. وهذا بعيد؛ شاهد القصة وقول عمر وإخفاؤها الحمل لا يساعده/ [ز 130]. وقد يحتمل عندي أن يكون اجتهاد عمر بهذا أنها لما كانت حاملاً، ثم ولدت وكتمت الولادة فهي مدعية أنها لم تلد، وأنها بعد حامل في العدة حرام على الأزواج، ¬
وهي بالحقيقة لا تلد إذ قد ولدت ما كتمت، فلا يصح لها النكاح مع تماديها على قولها: إنها لم تلد. ومتى رجعت إلى أنها قد كانت ولدت لتتزوج الآن قيل لها: قد قلت: إنك لم تلد (¬1). فقولك يكذب بعضه بعضاً. فنحن ننتظر ولادتك على ما قلته، عقوبة لها (¬2). وقول ابن شهاب (¬3) في قوله: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (¬4): "بلغنا أنه الحمل، وبلغنا أنه الحيضة". قال بعض العلماء: هو في الحمل أظهر. ومسلم بن صُبيح (¬5)، بضم الصاد المهملة، أبو الضحى (¬6). وقوله (¬7): "إن من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها"، استدل الناس بالآية المتقدمة على ائتمانهن. وقال بعض العلماء: ليس في الآية دليل واضح على أمانتها، وليس في نهيهن عن كتم ما في أرحامهن دليل على ائتمانهن، كما ليس فيه دليل على غيره من الأحكام. وإنما الحجة فيه الإجماع. وقول أشهب (¬8) في الذي لا يعلم أنه أرخى عليها سترا يدعي إصابتها: "لا رجعة له عليها ولها عليه النفقة والكسوة، وعليها العدة إن صدقته. ولو لم تصدقه لم تكن لها عليه نفقة ولا كسوة ولا عليها عدة". نبه ¬
الشيوخ من هذه المسألة وفاق (¬1) ابن القاسم لسحنون في المسألة المتقدمة وطلبها جميع الصداق إذا اختلفا في الدخول، وأنها إنما تأخذ جميعه إذا رجعت إلى قوله. وقد تقدمت في النكاح. لكن عندي بين المسألتين فرق؛ وذلك أن الصداق حق مجرد اعترف لها به، وأنه متقرر في ذمته وإن كانت هي لا تدعيه. وها هنا النفقة والكسوة من توابع العدة، فهي لا تطلبهما (¬2) ولا تأخذهما (¬3) ما لم تجب عليها عدة، ولا تلزمها عدة ما لم تصدقه. وكيف تطلبه بهما وهي تكذبه وتتزوج غيره إن شاءت! ولا يجتمع هذا مع أحكام العدة، وهو فرق بين (¬4). والخضراء في قوله: "فإذا هي خضراء"؛ أي سوداء (¬5). وقوله في المتعة (¬6): "وزعم زيد بن أسلم أنها منسوخة"، وقول ابن القاسم (¬7): "قال الله (¬8): {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (¬9)، فجعل المتاع للمطلقات كلهن - المدخول بهن وغيرهن - ثم (¬10) استثنى في موضع آخر فقال (¬11): {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (¬12) " الآية، وقول مالك (¬13) ¬
في التي سمى لها صداقاً فطلقت قبل الدخول: لا متعة لها/ [خ 210]. وهي التي استثنيت في القرآن. فمذهب مالك خلاف مذهب زيد (¬1)؛ مالك يرى التخصيص من عموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}، ومن عموم قوله: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (¬2)، ومن قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} (¬3) الآية، فخصت من سائر المطلقات في الآية الأولى، ومن المطلقات قبل الدخول في الآيتين بعدها، وإن سماها استثناءً فهو تخصيص؛ إذ هما بمعنى، إلا أن للاستثناء صيغاً بحروف الاستثناء (¬4). وزيد يراها منسوخة (¬5). وهو قول ابن المسيب وغيره. ثم اختلفوا ما هو المنسوخ: فعن ابن المسيب وجوب المتعة لقوله: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} و {عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، فصارت ندباً وترغيباً. وقيل: بل الناسخ قوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية، فعلى هذا، المنسوخُ من المتعة هذا الحكم وحده. وغير هؤلاء لا يرى فيها نسخاً ولا تخصيصاً، وأنها واجبة لكل مطلقة مدخول بها أو لا، مسمى لها أو لا. وهو قول علي وابن عباس والحسن وجماعة (¬6). فيأتي للعلماء فيها خمسة أقوال: وجوبها عموماً، وهو هذا القول. واستحبابها في جميعهن، وهو قول ابن المسيب. واستحبابها في الجميع ¬
غير المفروض لها قبل الدخول وحدها فلا شيء لها، وهو قول مالك وأصحابه (¬1). ووجوبها في الجميع إلا في هذه وحدها، وهو قول محمد بن مسلمة من أصحابنا/ [ز 131] والشافعي (¬2) وجماعة. وإيجابها في غير المدخول بها التي لم يفرض لها، وندب في المدخول (¬3)، وهو قول ابن عباس وأهل العراق. وقول ابن عمر (¬4): "لكل مطلقة متعة؛ التي تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً". قال فضل (¬5): قوله في المطلقة واحدة أو اثنتين (إن) (¬6) كان دخل بها ما أظنه إلا بعد انقضاء عدتها ولم يراجعها، وأما قبل فلا متعة لها حتى تنقضي العدة. ويدل عليه قول ربيعة بعده (¬7): "إنما يؤمر بالمتاع من لا ردة له عليها" أي لا رجعة. ونقل بعضهم (¬8) كلام فضل مطلقاً: لا متعة لها حتى تنقضي. وقال أبو عمران: ينظر فإن كان نيته رجعتها لم يمتِّع، وإن كان نيته ألا يراجعها متع وإن لم تخرج من العدة. ثم إن بدا له فراجعها لم يرجع بها، لأنها كالهبة المقبوضة. وابن حُجَيرة (¬9)، بتقديم الحاء المهملة المضمومة وبعدها جيم مفتوحة. والخلع (¬10) معناه الزوال والبينونة (¬11). وكذلك المبارأة معناه المفاصلة والبينونة (¬12). ¬
والنشوز (¬1) الامتناع من الزوج والاستعصاء عليه، والنشوز أصله (¬2) الارتفاع، والنشْز والنشَز ما ارتفع من الأرض (¬3). ورافع بن خَديج (¬4)، بتقديم الخاء وفتحها. وقوله (¬5): قد جَلَّت بالجيم وتشديد اللام، أي: أسنت (¬6) وكبرت. وسودة بنت زَمعة (¬7)، بفتح الزاي وفتح الميم وسكونها معاً. وضَنَّتْ بمكانها بالضاد، أي اغتبطت به وبخلت بتركه. وقول ربيعة (¬8) في التي تخاف من زوجها نشوزاً: "ما يحل من صلحها وإن رضيت بغير نفقة ولا كسوة ولا قسم؟ قال: ما رضيت من ذلك جاز عليها"، معناه ما يعطيها على الرضى بذلك والبقاء، أو تعطيه على ألا يفارقها وتبقى معه على ذلك أو على ترك ما كرهت. وقول عثمان (¬9): "الخلع مع الطلاق تطليقتان إلا أن يكون لم يطلق قبله شيئاً فالخلع تطليقة"، يريد أنه في نفسه طلاق، فإن تقدمه طلاق حسب الخلع طلاقاً، خلاف قول ابن عباس (¬10) والشافعي أنه فسخ لا يحسب طلاقاً. وليس المراد أن الخلع بنفسه/ [خ 211] طلقتان (¬11)؛ إذ لم يقل ¬
بهذا أحد، ولأنه إنما قال: مع الطلاق. وإلى نحو ما قلناه أشار أبو عمران في تأويل قوله في هذا الباب. وهو ظاهر قوله: "إلا أن يكون لم يطلق قبله شيئاً"، لكن احتجاج سحنون به آخر الباب في إذا أتبع الخلع طلاقاً، وقوله متصلاً به: "وقال ابن أبي سلمة: إذا لم يكن بينهما صمات" يدل على خلاف هذا، وأن معناه إذا خالع وطلق. والخلع بالغرر جائز ماض عنده في الكتاب (¬1). ولابن القاسم قول آخر أنه كرهه (¬2). وفيه قول ثالث أنه ممنوع (¬3)، ويمضي الخلع بغير شيء. قال بعض الشيوخ: ويجب على أصلهم أن يعوض قيمة ما خرج من يدها أو يبطل الخلع كله (¬4). وقد خرج بعضهم من قوله (¬5) في اشتراط النفقة على الولد بعد الحولين أو على الزوج أن ذلك ساقط عن الأب اختلاف (¬6) من قوله في "المدونة". وعلى حكم التسوية في الجواز في ذلك كله قول المغيرة (¬7) ¬
وغيره (¬1). وقال بعضهم: ليس بخلاف، وفرقوا بينهما بفروق ضعيفة (¬2). وأولى ما يفرق بينهما - على هذا عندي - أن يقال: إن الغرر هنا كثير ومن الجهتين؛ لأن المرأة لا تدري هل يعيش الولد فيلزمها ما التزمت وتخرجه من يدها على كل حال ويصل الزوج إلى غرضه، أم يموت بعد الحولين الولد أو الوالد، فلا يخرج من يدها شيء ويتوفر مالها ولا يصل (¬3) الزوج إلى غرض، أم تخرب (¬4) ذمة المرأة وتعدم فلا يصل الزوج (أيضاً) (¬5) إلى غرض. وغير هذا من البعير الشارد والآبق والثمرة قد أخرجت ذلك المرأة من يدها ويئست من رجوعه إليها وبقي الغرر فيه من جهة الزوج وحده. والنفقة في الحولين أخف في الغرر؛ لأنها لو لم تخالعه عليها لكان رضاعه لازما لها في الزوجية مدة الحولين، فهي لم تخرج من يدها/ [ز 132] شيئاً للفراق سوى ما كان يلزمها مدة الزوجية من الرضاع. وإذ قد يقوم بالصبي رضاعه ويستغني به عن نفقة كأكثر الصبيان وغير ذلك من كسوة ومؤنة فكالتبع، ولأن الأب إذا أعدم بعد الطلاق في الحولين لزم الأب (¬6) رضاع الولد فيهما بخلاف النفقة فيما بعدهما. وكذلك في الحمل هي لو لم تكن حاملاً كانت نفقتها على نفسها، فإذا التزمتها في الحمل لم تزد على نفسها شيئاً كان لا يلزمها لو لم تكن حاملاً. وقد قال ابن وهب في "المبسوط": إنما يجوز من ذلك صلحها في الحولين على الرضاع وحده، فأما على نفقة (¬7) فلا يجوز في الحولين ولا بعدهما، وهذا يشد ¬
نظرنا في المسألة والتفاتنا إلى الفرق الذي ذكرناه. وكثير مولى سمرة (¬1)، كذا في الأصول. وكتب خارجاً عند شيوخنا: "مولى ابن سمرة" (¬2)، وهو الصحيح (¬3). وكذا قاله البخاري. وهو كثير بن كثير أو ابن أبي كثير، كذا على الشك ذكره البخاري (¬4). والجميع بفتح الكاف. وأشهل بن حاتم (¬5)، بشين معجمة. وقوله في الحامل (¬6): "فإن مات زوجها قبل أن تضع انقطعت النفقة عنها"، قال فضل: قوله في كتاب طلاق السنة (¬7) - لأن السكنى وجبت (¬8) عند الطلاق فلا ينقطع بالموت ما وجب - خلاف لهذا. وقال غيره: ليس بخلاف، وفرق بينهما. وقوله (¬9): "وإن (¬10) اتسع لخدمة أحدهما (¬11) "، كان القاضي ابن يبقى يتأول بقوله هذا أن الإثبات على من طلب الزوج بالخدمة وأن ماله يتسع لذلك، وأن يحمله (¬12) على غير الاتساع حتى يثبت ضده. ¬
ومذهب ابن القاسم في المطلق طلاق الخلع في الكتاب أنها واحدة بائنة؛ لأنه قال قبل رواية غيره في المسألة قبلها: إذا خالع/ [خ 212] زوجته على أن أعطاها مائة درهم إنها بائنة، ثم قال (¬1): "قال مالك: وكذلك لو لم يعطها شيئاً فخالعها فهي بائن". وهو منصوص مبين له في "الواضحة" وغيرها (¬2). وقوله في "الأم" (¬3): "وقال غيره، فقيل له: المطلق طلاق الخلع"، وذكر المسألة وأنها البتة، بين أن الجواب لمالك، وأن الضمير في "له" لمالك الذي جرى ذكره في المسألة قبلها بسطر، وليس ثم على من يعود سواه. وقول غيره فيها: "فقيل له"، بالفاء، يدل على عطف المسألة على التي قبلها وأن قوله فيها تمام لرواية ابن القاسم، لا لغير ابن القاسم كما ظنه أكثر المختصرين، وجعله كثير منهم لعبد الملك (¬4). وكذلك ذكره ابن حبيب في الواضحة (¬5) عنه. ومسألة أبي ضمرة (¬6) نقلها في "المدونة" واختلافَ الرواة عن مالك ¬
فيها فيمن طلق وأعطى. ووَهَّمَ أبو بكر بن عبد الرحمن (¬1) وغيره هذا النقل وقالوا: إنما وقعت المسألة في "موطإ" ابن وهب (¬2) و"الأسدية" (¬3) وكتاب محمد (¬4) فيمن صالح وأعطى، أو خالع وأعطى، لا من طلق وأعطى. وأن رواية ابن القاسم هنا في "الأم" أنها رجعية إنما هي فيمن طلق وأعطى، غير مخالفة لروايته قبلها فيمن خالع على أن أعطى مائة أنها بائن، وليس بخلاف، وإنما هي مسألتان. وترجح أبو عمران في احتمالها (¬5) الخلاف أو الوفاق. وفي كتاب محمد: إن كان جرى بينهما بمعنى الخلع والصلح فهي بائنة، وإن لم يكن على ذلك فهو طلاق (¬6). قال بعض شيوخنا (¬7): [ومسألة] (¬8) الذي طلق طلاق الخلع، والخلاف فيها إنما هو في المدخول بها، وأما من لم يدخل بها فلا يختلف أنها واحدة. وتعليل مالك في الكتاب (¬9) بأنه "ليس دون البتة طلاق يبين إلا الخلع" (¬10) يدل عليه، لأن طلاقه قبل البناء يبين. ومسألة المختلعة (¬11) على أن يكون الولد عنده وإجازته ذلك إذا لم يضر بالصبي. قال الفضل (¬12): روايته عنه في منع بيع الأمة برضاها على ¬
أن يفرق بينها وبين ابنها الذي/ [ز 133] لم يثغر لأنه حق للصبي، خلاف لقوله هنا ووفاق لقول عبد الملك (¬1): إن شرط الزوج لهذا باطل، والولد مع أمه ما دام صغيراً، ولو جاز ذلك لجاز بيعها دون ابنها برضاها. ومثل قول عبد الملك روى ابن غانم والمدنيون عن مالك. قال بعض شيوخنا (¬2): يخرج من هذه المسألة أن لمن له الحضانة (¬3) تولية حقه فيها لغيره وإن أبى من هو أولى من المُوَلَّى؛ إذ لم يشترط هنا في جواز ذلك إن لم يكن ثم من هو أحق بالحضانة من الأب. وقد اختلف هل له ذلك أم لا؟ وقال أبو عمران (¬4): القياس ألا يسقط حق الجدة هنا إن قامت بالحضانة. وقوله في مسألة (¬5) المخالعة على تعجيل الدين، "وقيل: إن الدين إذا كان لها عليه"، كذا عند ابن عيسى. وفي كتاب ابن عتاب لابن وضاح: إذا كان له. قال أحمد بن خالد: "عليه" هو الصواب. قال القاضي: رواية ابن وضاح وهم كما قال ابن خالد تفسد بها المسألة ولا تستقيم إلا بكونه "عليه"، وعلى هذا اختصرها المختصرون والشارحون. وقوله في المخالِعة (¬6) يستبين لها بعد أن بالزوج جنون أو جذام (¬7): ¬
"لا يكون له شيء من الخلع"، وذكر أنه فسخ بغير طلاق (¬1). قال سحنون في مسألة النكاح المختلف فيه في ثاني (¬2) النكاح: "إن الخلع فيه جائز ولا يرد، قال/ [خ 213]: ولو رأيت الخلع فيه غير جائز ما أجزت الطلاق. ثم ذكر اختلاف قول مالك في هذا الأصل وأن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه فالخلع فيه مردود، ويرد عليها ما أخذ منها. قال سحنون (¬3): وهذه ترد إلى ما في كتاب الخلع، يعني ما قدمناه في وجود العيب. وهو مما يحكم فيه بالطلاق، وليس مما يفسخ بكل حال؛ إذ للزوجة الرضى به، وقد رد فيه الخلع. وقال في كتاب محمد (¬4): ما لأحد الزوجين الرضى به فلا يرد فيه الخلع. وظاهر الكلام في هذا الكتاب لابن القاسم، وعلى ذلك اختصره غير واحد، ونقله اللخمي لابن الماجشون (¬5). وقد ذكر هذا عبد الحق عن بعض شيوخه وأن مذهب ابن القاسم الرد فيها (¬6). وكلام سحنون ورد (¬7) مسألة النكاح إليها يدل على خلاف ذلك (¬8). وقوله (¬9) في هذه المسألة: "أو جذام أو برص"، ثبت "البرص" عند ابن عيسى. وأوقفه في كتاب ابن عتاب (¬10) وكتب عليه: هذا خلاف ما له في الخيار (¬11) إلا أن يكون غرها منه. ¬
قال القاضي: انظر ما في الخيار وهل هو خلاف كما ذكر؟. وإلى الخلاف نحا اللخمي (¬1) وغيره والتفريقِ فيه بين الرجل والمرأة. وظاهر ما في كتاب الخيار أنه فيما طرأ (¬2) بعد النكاح. وفي "العتبية" (¬3) رد المرأة والرجل من قليل البرص إلا أن يكون اليسير الذي يستيقن أنه لا يزداد فلا يردا (¬4). وقوله في الخلع على الصبي (¬5): ذلك جائز لأنه ممن يكره (¬6) لشيء ولا يجب له، كذا عند ابن المرابط. وعند شيوخنا من طريق غيره وأكثر النسخ: ممن يكره، بسقوط "لا". وثباتها أبين. وقوله (¬7): "زوج الوصي (¬8) اليتيم وهو بالغ بأمره"، وقد ذكر تزويج السيد العبد الكبير بغير أمره (¬9)، دليل على اشتراط رضى السفيه وأنه لا يجبره الوصي على النكاح خلاف ظاهر ما له في النكاح الأول. وقد نبهنا عليه هناك وذكرنا الاختلاف فيه. وقوله (¬10): "إن كان بالغاً عبداً أو يتيماً أو ابناً يأبى الطلاق ويكرهه، ويكونون ممن لو طلق (¬11) وليه أو سيده أو أبوه كارهاً ¬
لمضى (¬1) طلاقه"، كذا لابن عتاب. ولغيره: "ووليه أو سيده أو أبوه كاره" (¬2). وهو أبين وأصح من الأولى (¬3). وقوله (¬4): "وإنما ذلك (¬5) ضيعة لليتيم (¬6) ونظر له"، كذا عندهما بالضاد المعجمة. وفي طرة ابن عتاب وعند (¬7) إبراهيم: "صَنْعة" بالصاد المهملة والنون. قال أحمد: هو أجود. وفي نسخ (¬8): غبطة لليتيم. وهذا أبين معنى. ومذهب ابن القاسم في الكتاب (¬9) في تطليق السيد على عبده الصغير طلاق السنة عند (¬10) / [ز 134] غير واحد، وروايته (¬11) عن مالك مثل مذهب ابن نافع أنه (¬12) "لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع"، وأن رواية ابن نافع (¬13) بخلاف (¬14) ذلك إذ (¬15) لم يشترط الخلع. ويجوز إذا كان نظرا بغير خلع إذا حمل على ظاهره، وهو قول أكثرهم (¬16). وحمل بعضهم الكل على ¬
الوفاق. قال ابن لبابة: وقد قيل: لا يجوز وإن كان على وجه الخلع؛ لأن للسيد انتزاعه، فكأنه أخذه لنفسه. وقوله في إنكاح ولده الصغير: "إنه يعقد عليه لما يرى له في ذلك من الحظ، ولما له في ذلك من الرغبة"، يدل على ما تقدم في النكاح الأول، وأن ما في "المدونة" من ذلك وفاق لما قاله المخزومي. وقول ابن نافع عن مالك (¬1): "لا أرى بأساً أن يباري الخليفة عن الصغيرة"/ [خ 214]، إلى آخر المسألة. أنكرها سحنون وأسقطها عند السماع (¬2). وهي ثابتة في روايتنا وكتب الأندلسيين (¬3). قال ابن لبابة: رواية ابن نافع أحسن، ولم أر أحداً تعجبه رواية ابن القاسم أنه (لا) (¬4) يبارئ عنها إلا برضاها. وقوله (¬5) في كراهة إنكاح أم الولد هنا. ظاهره كراهة جبرها. ويدل عليه قوله: "ولا أرى أن يفسخ نكاحها إلا أن يكون في ذلك ضرر فيفسخ". ولو كان برضاها لم يلتفت إلى الضرر لرضاها به. وإلى هذا ذهب فضل بن سلمة خلاف ما تأوله بعضهم مما هو ظاهر أيضاً في غير هذا الموضع أن كراهيته (¬6) لأنه ليس من مروءة الأخلاق. وقد قدمناه (¬7) في كتاب النكاح الأول. ولا يبعد أن يكون كره إنكاحها جملة لأنه ليس من مكارم [الأخلاق] (¬8). وكره أيضاً (¬9) إجبارها على النكاح لشبهة الحرية فيها. فتكلم ¬
في كل موضع بحسب بابه وأدخل المسألتين في البابين كما جرى له في غير مسألة. وقوله (¬1) في خلع المريضة (¬2): "لا يجوز ذلك"، حمله بعضهم أنه خلاف لقول ابن القاسم بعده (¬3) وأنه أبطله على الإطلاق. ولم يجز منه شيئاً كالمرأة تهب جميع مالها أنه لا يجوز منه الثلث على مذهبه وروايته. وعليه حمله محمد بن المواز (¬4). وأكثرهم يرون قول ابن القاسم هنا مفسرا لقول مالك. وكذا جاء في "العتبية" (¬5) من رواية ابن القاسم عنه كقول ابن القاسم في "المدونة" وأتم كلاماً. وقوله (¬6): "وقال ابن القاسم: وأنا أرى إن كان صالحها على أكثر من ميراثه لم يجز"، كذا عند ابن عيسى وأكثر النسخ. وعند ابن عتاب (¬7): "قال ابن القاسم وابن نافع". وكذا في نسخ. وقوله (¬8) في البنت تبقى في حضانة الأم حتى تبلغ مبلغ النكاح أو يخاف عليها، فإذا بلغت وخيف عليها؛ فإن كانت (¬9) في حرز ومنعة وتحصين كانت أحق بها حتى تنكح، وإن لم يكن كذلك ضم الجارية أبوها أو أولياؤها. ¬
قال القاضي: إنما راعى هنا حد النكاح والحرز والمنعة في المسكن؛ لأن من بلوغها حد النكاح وملاقاة الرجال يخشى على الصبية الفساد إذا لم يكن المسكن في حرز وتحصين لا سيما في الشابة وذات الجمال فيهن. ولا يراعيه فيما قبل من صغرها عن حد النكاح وإطاقة الرجال، وإنما يراعي حال الحاضنة في نفسها من القيام بالولد واستحقاقها ذلك. وقوله (¬1): "حجْري له حِواء"، بفتح الحاء في الأول وكسرها معاً. وحِواء بكسر الحاء فقط، ممدود، أي مسكن ومحل (¬2). وأصل الحواء البيوت المجتمعة، وجمعها أحوية (¬3). ويزيد بن مجمع (¬4)، يقال بفتح الميم وكسرها، وكذا ضبطناهما (¬5) عن شيخنا القاضي أبي علي وغيره. وحكى لنا الشيخ أبو بحر عن شيخه القاضي أبي الوليد الكناني (¬6) إنكار الفتح. ¬
وقوله (¬1): "حَضنك خير له"، كذا رويناه بفتح الحاء على المصدر أي حضانتك، ويصح بالكسر، وهو الحجر. وقوله (¬2): "وكان وصيفاً"، يروى بتخفيف الصاد؛ صفة للصبي. وبتشديدها صفة/ [ز 135] للراوي للقصة، أي حسن الوصف والحكاية لما يخبر عنه. والزَّمْنى (¬3) بسكون الميم مقصور، وفتح الزاي، مثل المرضى، جمع زَمِن، وهو من به عاهة أو آفة أقعدته عن الكسب (¬4). وبضم الزاي وفتح الميم ممدود، مثل كرماء. وكأنه جمع زمين، يقال: زَمِنَ فهو زَمِنٌ. وأما أزمن/ [خ 215] فهو مُزمن، فهو من الكبر ومرِّ الزمان عليه. وقوله (¬5): [قلت] (¬6) أرأيت إن كان تحت أبيها (¬7) حرائر أربع، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب: ضرائر أربع. وكلاهما صحيح المعنى. وقوله (¬8) في الذي لأمه المعسرة زوج معسر: "ينفق عليها، ولا حجة له في أن يقول (¬9) فليفارقها"، حجة لمسألة اليتيمة إذا أرادت سكنى دارها مع ¬
زوجها أو نفقتها على نفسها، وخشيت فراقه إن لم يكن هذا. وقد تقدمت في النكاح الثاني. وقول السائل (¬1) لربيعة عن الولد: "هل يموِّن أبويه في عسره ويسره؟ قال: ليس عليه ضمان"، أي إن ذلك إنما يلزم (¬2) في يسره دون عسره، وليس بشيء لازم له على كل حال كالديون. ومعنى يمون ينفق عليهما ويقوم بمؤنتهما. وابن لهيعة (¬3) أن أبا بشر المدني (¬4). كذا في كتابي ونسخ بالشين المعجمة، منسوب إلى المدينة. ووجدت أبا محمد عبد الحق قيده بالسين المهملة. وقوله (¬5): "إلا أن يكون للصبي كسب"، يعني صناعة. وقوله (¬6): "من الصبيان من هو قوي على الكسب إلا أنه على كل حال على الأب نفقته"، يريد قوياً بذاته ولكنه لا صناعة له، أو له صناعة بارت فلا تمونه، لكن لو أراد الأب فيمن له قوة أن يعلمه كسباً ويدخله صناعة كان ذلك له إلا أن يكون من غير أهل الصنع وممن لا يتعيش (¬7) بها ¬
وممن على مثله في ذلك معرة، فيمنع الأب من ذلك. وكذلك إن كان من أهل الصناعات ولكنه أدخله في صناعة لا تليق بمثله من صنع الأراذل. وقوله (¬1) في الحكمين إذا قال أحدهما: برئت (¬2) منك. وقال الآخر: خلية: "أما التي لم يدخل بها فهي واحدة؛ لأن الواحدة تخليها وتبرئها (¬3). وإن نوى (¬4) بها (¬5) البتة فهي أيضاً واحدة". وقال بعض الشيوخ: قوله هذا خلاف ما له في كتاب التمليك. قال أبو عبد الله بن عتاب: لأن مذهبه في "خلية وبرية"، لغير المدخول بها أنها ثلاث إذا لم تكن له نية. وظاهر ما ها هنا أنها واحدة؛ يعني لقوله: "فهي واحدة وإن نوى بها أيضاً البتة، يعني الحكمين (¬6) فهي أيضاً واحدة". فدل أن الكلام قبل فيمن لا نية له. وقول ربيعة (¬7): "وإن كان يسيء الرِّعَة"، بكسر الراء أي لا يرع ولا يتقي، من الورع (¬8). أو يكون من المراعاة، أي لا يراعي حق صحبتها. وقال الهروي: الرعة ما يظهر من سوء الخلق لأنه يراعي (¬9). وقوله (¬10): "وليس للحكمين أن يبعثا إلا بسلطان"، خلاف لقول مالك ¬
إذ أجاز بعثهما للوليين في المحجورين (¬1). وقوله (¬2): "فتقاضيا على الخلع دون الحكمين"، أي اتفقا وقضيا به على أنفسهما. وقول سحنون (¬3): "فكيف يحل (¬4) تحكيم المرأة والعبد والصبي والنصراني والمسخوط؟ "، نص في أن حكم المسخوط (¬5) لا يجوز إذا وقع، خلاف ما له في كتاب محمد (¬6) من جوازه إذا وقع. وقد ذكر أبو القاسم بن محرز الخلاف في المرأة والعبد. وقال القاضي الباجي (¬7): لا يختلف في المرأة والعبد والكافر والصبي. وقول مالك (¬8): "وأحسن ما سمعت أنه يجوز أمر الحكمين عليهما"، تنبيه على خلاف الناس في ذلك؛ فإن أبا حنيفة والشافعي (¬9) - في أحد قوليه - ومن وافقهما لا يجيزون فراقهم (¬10) على الزوجين. ¬
كتاب طلاق السنة
كتاب طلاق السنة أصل معنى الطلاق الذهاب والإرسال/ [خ 216]. ومنه: انطلق فلان في كذا، أي ذهب. وأطلقت كذا من وثاقه: أرسلته (¬1). وفي الطلاق هذا؛ لأن المرأة تذهب به عن الزوج، والزوج يرسلها من وثاق عصمته. وقوله (¬2): / [ز 136] "فإن أراد أن يطلقها ثلاث تطليقات عند كل طهر أو عند كل حيضة طلقة"، لفظ غير محصل لا فائدة فيه هنا (¬3)، ولهذا طرحه ابن وضاح، ولم يكن في رواية شيخنا أبي محمد (¬4). وثبت في رواية شيخنا القاضي أبي عبد الله (¬5): لأن الحيض لا يحل فيه إيقاع طلاق. ولعل معناه عند أول كل طهر أو في آخره عند انتظار الحيضة. وقوله (¬6) فيمن طلق في طهر مس فيه: "لا يؤمر برجعتها كما يؤمر الذي يطلق امرأته وهي حائض". حكى القاضي أبو محمد ابن نصر أنه يؤمر استحباباً ولا يجبر (¬7). وظاهر الكتاب خلافه. واختصرها الشيخ أبو محمد ¬
وغيره: ولا يجبر كما يجبر المطلق في الحيض. وقد قال في موضع آخر: ولا يؤمر بمراجعتها، وهو قرء (¬1) واحد. والصواب أن يطلق في طهر لم يجامع فيه. وهذا بين في ترك الأمر جملة. وما في الكتاب محتمل أنه لا يؤمر جملة أو لا يؤمر أمر الجبر كما يؤمر الآخر. وقول ابن مسعود (¬2) لمن أراد أن يطلق ثلاثاً: "فليطلقها طاهراً تطليقة في غير جماع، ثم يدعها حتى إذا حاضت فطهرت طلقها أخرى"، وذكر مثل ذلك في الثالثة (¬3). وبهذا قال أشهب في أحد قوليه (¬4). وهو قول أبي حنيفة. قال أشهب: ما لم يرتجع بنية الفراق (¬5). ولأشهب قول آخر أنه لا بأس وإن ارتجع بنية الفراق (¬6). ولا خلاف أنه لو ارتجع بنية البقاء ثم بدا له فطلق هكذا في كل طهر لما كره له الرجعة ولا الطلاق. وقد أنكر أحمد بن خالد إدخال سحنون حديث ابن مسعود، وهو صريح خلاف مذهبه وما أنكره مالك (¬7) وقال (¬8): لم يدرك أحداً يقتدي (¬9) به يرى ذلك. قال القاضي: وعذر سحنون فيه بين؛ إنما هو بعض حديث احتج بأوله في صفة طلاق السنة، ثم جاء ببقية الحديث على نصه وإن لم يأخذ ¬
به للعلة التي ذكر مالك، وإن كان قد وقع في "الموطأ" من رواية يحيى في تفسير قراءة ابن عمر: {فطلقوهن لقبل عدتهن} (¬1): قال مالك: هو أن يطلق في كل طهر مرة (¬2). وقد أنكر هذا على يحيى (¬3)؛ إذ ليس مذهب مالك. ولم يروه غيره وطرحه ابن وضاح. وإنما في "موطإ" ابن القاسم: فتلك العدة أن يطلق الرجل المرأة في طهر لم يمس فيه. وقوله (¬4) في قراءة ابن عمر: {فطلقوهن لقبل عدتهن}؛ قيل (¬5): هذه قراءة على طريق التفسير نحو ما يذكر من قراءة ابن مسعود. وقد يكون من شاذ القراءة التي لم يجمع عليها. وقد اختلف العلماء في إقامة الحجة بها وهل تنزل منزلة خبر الواحد الذي يجب فيه (¬6) العمل وإن لم يقطع بصحة مُغَيَّبِه (¬7) أم لا يجب بذلك عمل لإسنادها إلى القرآن - ولا يثبت إلا بالقطع -. ووقع عندنا في الأصل هذا الكلام لابن عمر في البابين جميعاً، وكذا نقلها أكثرهم، وكذلك وقع في الموطآت. وفي بعض نسخ "المدونة" الكلام لعمر بن الخطاب (¬8). وذكر أهل التفسير معناه لابن عباس وتفسيره (¬9) ذلك: ¬
لاستقبال عدتهن وقبل (¬1) وطئهن. وبهذا فسره مالك في الكتاب. ونحوه (¬2) ما في رواية ابن القاسم في "الموطأ". وقُبُل الشيء بضم القاف والباء، أوله. ومالك بن الحارث السَلِمي (¬3)، بفتح السين وكسر اللام. وقول ابن شهاب (¬4): / [خ 217] "يستقبل بطلاقها الأهلة فهو أسد"، بالسين المهملة، أي أصوب، من السداد؛ إذ قد يكون الشهر تسعة وعشرين يوماً فتعتد به، ولأنه إذا كان للأهلة أمن الغلط. وقوله (¬5): "يطلق المستحاضة زوجها إذا طهرت للصلاة" لعلها في ذات القرء المعروف، وقد حملت المسألة [على] (¬6) غير هذا، وهو أولى ووفاق منصوص مثله في كتاب محمد (¬7) وفي "المدونة"، وعليه أدخل سحنون قول ابن شهاب. وقوله (¬8) في اليائسة: "فإن طلق قبل الأهلة أو بعدها/ [ز 137] اعتدت ثلاثة أشهر؛ ثلاثين يوماً لكل شهر"، كذا عند شيوخنا، وكذا جاء بعد ¬
لربيعة (¬1). وفي بعض النسخ لابن شهاب: ثلاثين يوماً لشهر، وشهرين للأهلة. وأراها رواية أبي عمران. وهذا موافق لقول مالك في كتاب كراء الدور والأرضين وغيره: "إنها تعتد للشهر الأول بالأيام ثلاثين يوماً، وباقي الشهر (¬2) بالأهلة"، ورواه ابن وهب عنه وذكر أنه اختلف قوله في بعض اليوم هل يلغى أو يبنى عليه؟ ومذهب ابن القاسم إلغاؤه. وأما على ما في الأصول لابن شهاب من روايتنا فخلاف (¬3) قول مالك في ظاهره. وقد تأوله أبوعمران على الوفاق فيمن عسر عليه رؤية الأهلة (¬4). وقول ابن عمر (¬5): "أما أنا فإني طلقت امرأتي مرة أومرتين فإن رسول الله أمرني أن أراجعها" الحديث، كذا لابن عيسى وغيره. وعند ابن عتاب: أما أنت طلقت امرأتك (¬6). قيل: وهو الصواب، وكذا ذكره في الصحيح لمسلم (¬7). ومعناه (¬8): أما أنت، أي إن كنت طلقت امرأتك مرة أومرتين، فحذف الفعل الذي يلي "أن" وجعلوا (¬9) "أما" عوضاً منه وفتحوا "أن". ويدل على صحته قوله بعد آخر الحديث (¬10): "وإن كنت طلقتها ثلاثاً فقد حرمت عليك" (¬11). ¬
وقوله (¬1) في غير المدخول بها: "لا بأس بطلاقها وإن كانت حائضاً أو نفساء"، سقط "نفساء"، في كتاب ابن عتاب. وثبت لغيره. وذكر عن ابن وضاح أنه (¬2) طرحها إذ لم ير لها معنى لغير المدخول بها. قال القاضي - رحمه الله -: يحتمل أنه تزوجها وهي نفساء ثم طلقها، فلا يبعد هذا. وقول سليمان بن يسار: "إذا طلقت المرأة وهي نفساء"، هو عن ابن وهب عن ابن لهيعة. وعند ابن عيسى (¬3): ابن وهب وأشهب عن ابن لهيعة. وقوله (¬4) في المطلقة الرجعية: "ليس له أن يتلذذ منها بشيء وإن كان يريد مراجعتها حتى يراجعها. وهذا يدلك على الذي أخبرتك أنه كره أن يخلو معها أو يرى شعرها أو يدخل عليها حتى يراجعها". وظاهره أن التلذذ بها على كل حال ممنوع، لاستشهاده بمنعه الذريعة لخلوه معها ورؤية شعرها ودخوله عليها. وقال اللخمي (¬5): الباب كله واحد وأن قوله اختلف في جميع هذا، وخرج الخلاف في التلذذ بها. وهو بعيد في التلذذ جداً، وكذلك يبعد في النظر إلى الشعر والخلوة. وكيف يصح في الخلوة وقد شرط في القول بإجازة الدخول عليها أن يكون معها من يتحفظ بها (¬6)، وهذا ضد الخلوة. وإلى هذا ذهب ابن محرز (¬7) وغيره من الشيوخ أن الخلاف إنما هو في الجلوس عندها والأكل معها. وأما التلذذ بشيء منها فلا يجوز جملة. وكذلك النظر إلى ¬
وجهها وكفيها خاصة لغير لذة فلا يختلف قوله في إجازته؛ لأن الأجنبي ينظر إليه. وقوله (¬1) في أول باب عدة/ [خ 218] المطلقة من الإماء: "قلت: كم عدة المطلقة إذا كانت ممن لا تحيض؟ "، كذا عند ابن عيسى وأكثر النسخ والروايات. وعند ابن عتاب (¬2): كم عدة الأمة المطلقة؟. والترجمة تدل عليها. وقول ربيعة (¬3): "تستبرا (¬4) الأمة إذا طلقت وقد قعدت عن المحيض بثلاثة أشهر"، رواه أشهب عن الليث. وعند ابن عيسى (¬5): ابن وهب وأشهب عن الليث. وقوله (¬6) في التي لم تحض من الإماء: "تعتد في الوفاة أربعة أشهر وعشراً، إلا أن تحيض حيضة قبل شهرين وخمس ليال فذلك يكفيها"، يعني الشهرين وخمس ليال مع الحيضة، وهو خلاف. وقول ربيعة: "والتي قد يئست (¬7) بثلاثة أشهر إذا خشي منها الحمل وكان مثلها يحمل"، هذا خلاف لقوله في الكتاب: "من اشترى (¬8) كل من تحمل الوطء كان مثلها يحمل أو لا، ووفاق (¬9) لرواية ابن عبد الحكم فيمن ¬
لا يحمل مثلها من كبر وصغر (¬1)، ولرواية علي بن زياد (¬2) فيمن لا يحمل مثلها من صغر أنه لا استبراء عليها في البيع. وقد قال ابن لبابة: لا عدة على من يؤمن عليها الحمل من صغر أو كبر/ [ز 138] ولا استبراء في الأمة. وقوله (¬3): "فإن انقضت الثلاثة الأشهر إلا يسيراً"، كذا عندنا وهو الصواب. وفى بعض الروايات (¬4): "الثلاثة الأشهر الاستبراء"، وهو تصحيف، وقد نبه عليه أبو عمران. وقول يحيى بن سعيد (¬5) في التي لم تحض من الإماء، رواه ابن وهب عن الليث. وعند ابن عتاب: أشهب وابن وهب عن الليث. وقوله (¬6): "أن تعرك عركتين" أي تحيض حيضتين؛ عركت الجارية تعرك إذا حاضت (¬7). وقول يحيى بن سعيد (¬8) في حديث ابن المسيب عن قضاء عمر بن الخطاب (¬9): "تأتنف السنة حتى ترقأ (¬10) الحيضة"، كذا لابن باز وابن وضاح وجماعة من الرواة؛ ترقأ الحيضة [أي ترتفع] (¬11) أي حتى ترتفع في طول السنة، يقال: رقأ الدم، مهموز، والدمع: إذا انقطع (¬12). وروي (¬13): "حتى ¬
توفي الحيضة"، بالواو والفاء أي فتزول عن حكم السنة وتعتد بها. وبعده (¬1): ابن وهب عن ابن لهيعة، كذا لابن عيسى. ولابن عتاب (¬2): أشهب عن ابن لهيعة. وقوله (¬3): "لا أرى الأربعة أيام (¬4) والخمسة وما قرب طهراً، وأرى أن الدم بعضه من بعض إذا لم يكن بينهما من الطهر إلا أيام (¬5) يسيرة؛ الخمسة ونحوها"، هذا يبين قول أبي محمد: وفي "المدونة" ما يدل على أن أقل أمد الحيض (¬6) ثمانية، لأنه لم ير السبعة في كتاب الوضوء طهراً (¬7). وقد قال هنا: الخمسة ونحوها وما قرب، ونص هناك على السبعة ولم يزد ولا قال: ونحوها. وقد زادت على الخمسة اثنين وقريباً (¬8) من نصف العدد، فهو آخر ما قرب وأكثر من النحو، لأنها إن كانت ثمانية جاء النحو ثلاثة أيام أكثر من نصف خمسة، وليس يدخل في نحو الشيء زيادة نصفه، وغاية ما قال فيه بعض الشيوخ الثلث. وتأمل ما كتبنا في الظهار (¬9) عليها من تأويل شيوخ بلدنا. وقوله (¬10): "إن بنت سبعين سنة أو ثمانين سنة إذا رأت الدم لم يكن ذلك حيضاً" (¬11)، ظاهره أحد القولين في كتاب محمد أنها تصلي وتصوم ¬
ولا تغتسل وجوباً (¬1)؛ لأنه إذا لم يكن حيضا فليس له أحكام الحيض كالمستحاضة. والقول الآخر أن حكمها في الصلاة والصيام وغير ذلك حكم الحائض إلا في العدة وحدها. وقول ابن المسيب (¬2): "عدة المستحاضة سنة"، رواه عند ابن عتاب: أشهب وابن وهب عن مالك عن ابن شهاب. وعند غيره (¬3): ابن شهاب. وقوله في الجارية تحيض فترفعها/ [خ 219] حيضتها: "يتربص بها مشتريها ثلاثة أشهر". وعند ابن عيسى: تعتد ثلاثة أشهر. وقول سليمان بن يسار (¬4) في الرجل يطلق المرأة تطليقة أو اثنتين ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها آخر (¬5) الأجلين، وهو مذهب ابن عباس (¬6). قال أبو عمران: وقد يكون وفاقاً أي إنها وإن رأت الدم ثلاث مرات قبل الأربعة أشهر (¬7) وعشر فلا بد لها من الاربعة أشهر وعشر آخر الأجلين. والإحداد (¬8) أصله المنع، ومنه حد الدار (¬9)، أي المانع من أن يدخل فيها ما ليس منها. وحدود الله: المانعة من التزيد عليها. والحد في العقاب: المنع من فعل ما عوقب عليه. وقد يكون أيضاً كله بمعنى التقدير الذي لا يزاد فيه ولا ينقص منه. ويقال فيه: حد حداً، وأحد إحداداً، وحدت المرأة وأحدت (¬10). ¬
وقول ابن نافع (¬1) في إحداد الكتابية ساقط في كثير من النسخ (¬2) ولم يكن عند ابن عتاب. وثبت في نسخ كثيرة من قول ابن نافع. وكذا اختصره أبو محمد (¬3) وغير واحد. وثبت في أصل ابن عيسى: ابن نافع عن مالك. وهو صحيح لابن نافع (¬4) وابن كنانة (¬5) وأشهب (¬6) في غير "المدونة". وقوله (¬7) في الأمة الحادة إن باعوها: يبيعونها ممن لا يخرجها من موضع عدتها. وقال في باب آخر (¬8): إذا انتقل أهلها (¬9) انتقلوا بها. قال/ [ز 139] بعضهم: هذا خلاف إذا كان لهم هم الخروج بها، فكيف لا يجوز للمشتري ذلك؟ وإلى نحوه أشار حمديس (¬10). وقال غيره: إنما قال: لا يخرجها أي من موضع عدتها كالبائعين، فإذا أرادوا الانتقال انتقلوا بها كما ذلك للبائعين. وقيل: لا يبيعونها ممن لا يَرع (¬11) عن ذلك ولا يلتزم إبقاءها ممن (¬12) لا يتقي الله في ذلك. وقيل: ينتقلها (¬13) ربها الأول للضرورة ولا يبيعها إلا ممن لا ينقلها؛ إذ لا ضرورة في ذلك. وقيل: إنما ينتقلون بها إذا كانت غير مبوأة معه بيتاً، فإن بوئت معه بيتاً لم يكن لهم ذلك، وهو معنى ما يأتي ¬
آخر الكتاب (¬1). ومعنى ما ها هنا: لم تبوأ معه، وهو منصوص في كتاب محمد (¬2) ويكون وفاقاً. والبُرود والعَصْب: من ثياب اليمن، تفسر في الجنائز. والخِيري، بالخاء المعجمة المكسورة. والزَنبق (¬3)، بفتح الزاي بعده نون: دهن مطيب (¬4). والحَل (¬5) هنا، بالحاء المهملة المفتوحة، وهو الشِيرَق بكسر الشين المعجمة وآخره قاف، ويقال بالجيم أيضاً: وهو دهن السمسم (¬6). والأدهان المربَّبَة (¬7)، بباءين كليهما (¬8) بواحدة. والحناء (¬9)، ممدود. والكتَم (¬10)، بفتح التاء: الوَسِمَة التي يصبغ بها الشعر (¬11). وقال أبو عبيد: هو الكتَّم بتشديد التاء (¬12)، وهو يدهم حمرة الشعر ولا يسوده كما زعم بعضهم ممن أخطأ في ذلك (¬13). ¬
والفُرْقُبي (¬1)، أوله فاء مضمومة، وبعد الراء قاف مضمومة بعدها باء بواحدة. ورأيت بعضهم قال: إنه يقال أيضاً فيه قرقبي بقافين من فوق. والأول المعروف والذي سمعناه (¬2). قال الخطابي: وهي ثياب كتان بيض، قال: ولعلها نسبت إلى فرقوب (¬3)؛ أولها فاء، فحذفوا الواو في النسب (¬4). وفي "العين" (¬5): القرقبية ثياب كتان بيض؛ ذكره بقافين منقوطتين (¬6). وهذا يصحح الرواية الأخرى (¬7). وحديث (¬8) صفية عن عائشة، أو حفصة، أو كلتيهما (¬9). هو في "الموطأ" (¬10) عن عائشة وحفصة بغير شك. ¬
وقوله (¬1): "لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله، أو تؤمن بالله واليوم الآخر"، كذا لابن عتاب ولابن وضاح عند ابن عيسى. وسقط عنده في "الأم": تؤمن بالله ورسوله. الحِفْش (¬2) بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة: البيت الصغير [الدني] (¬3). وتفتض (¬4)، بالفاء وآخره/ [خ 220] ضاد معجمة: تتمسح به (¬5). قيل (¬6): تمسح قُبُلها كالنُّشْرة (¬7). وقوله (¬8): "بعَرة فترمي بها من وراء ظهرها"، على طريق التهاون بما لقيت في تلك السنة حزناً عليه ووفاء له. وقوله (¬9): "تحد المرأة سنة ثم تجلس في بيت وحدها على ذَنَبها"، قيل هو راجع إلى قوله: سنة [أي] (¬10) إلى آخرها. وقيل: على ذنبها مباشرة ¬
الأرض. وقيل: جالسة أبداً غير مضطجعة على جنب ولا ظهر. وقول سحنون (¬1) إثر هذا: فلما قال رسول الله (¬2): "لا يحل لمسلمة تؤمن بالله"، فالأمة من المسلمات". قال القاضي: فيه [دليل] (¬3) ما عليه محققو الأصوليين من أن العبيد داخلون في خطاب الأحرار، خلافاً لما ذهب إليه ابن خويزمنداد [في ذلك] (¬4). ويستخرج منه مثل قول عبد الملك (¬5) ألا إحداد على الكتابية. والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في خطابهم بفروع الشرائع وعلى القول: إن عدة الوفاة عبادة، ولذلك ألزمتها الصغيرة ومن يؤمن منها الحمل. وعلى القول بأنه من حقوق الزوج للذريعة إلى التشوف للنكاح، فهو حكم بين مسلم وكافر (¬6). مسألة أم الولد (¬7) يموت زوجها وسيدها ولا يعلم أولهما موتا: إنها تعتد أربعة أشهر وعشراً مع حيضة، مخافة أن يكون السيد (مات) (¬8) أولاً فتكون حرة يلزمها عدة الحرائر، أو يكون مات آخراً وحلت له، فتلزمها حيضة منه. ولهذا قال سحنون (¬9): " [وذلك] (¬10) إذا كان بين الموتتين أكثر من شهرين/ [ز104] وخمس ليال، وأما إن كان بين الموتتين أقل من شهرين وخمسة أيام فإنها تعتد أربعة أشهر وعشراً"؛ لأنه إن لم يكن بين الموتتين أكثر من ذلك لم تحل للسيد قط، فلا تلزمها الحيضة. ¬
قال أبو القاسم بن شبلون (¬1): وكذلك لو تحقق أن بين الموتتين شهران (¬2) وخمسة أيام لا أكثر لكان لها حكم الأول (¬3)؛ لأنه لم يمض وقت تحل فيه للسيد. قال غيره: ولو جهل مقدار ما بينهما هل أقل من ذلك أو أكثر لكانت كما لو حقق أنه أكثر، ولزم الأخذ بالأحوط والحيضة. قال أبو عمران: وقول سحنون هذا مطابق لقول ابن القاسم وتفسير له. وذهب بعض الشيوخ (¬4) إلى أن جوابه هذا على غير أصل ابن القاسم في الأمة تباع فيرتفع دمها؛ فمذهب ابن القاسم أنه تبرئها ثلاثة أشهر، فكذلك هذه كانت تجزئها على هذا عن الحيضة الأربعة أشهر (¬5) والعشر. فإنما يأتي جوابه على أصل ابن وهب (¬6) في مسألة الأمة أنها تنتظر مجيء الدم أو تسعة أشهر. وقال غيره (¬7): ليس هذا بصواب، والحيضة ها هنا في أم الولد عدة لقوة الاختلاف فيها، فلا بد هنا من مطالبة أقصى الأجلين. وهذا كقول ابن القاسم فيمن نكح في عدة وفاة ودخل بها (¬8) فعليها أقصى الأجلين من العدتين؛ الأربعة الأشهر (¬9) والثلاث الحيض. ¬
قال القاضي: وهذا صحيح، ولا يشبه هذه الأمة المبيعة التي مثل بها ذاك؛ لأن تلك، الاستبراءُ فيها كله واحد [من واحد] (¬1) وهذه من الاثنين (¬2) كالمتزوجة في العدة والمنعي لها زوجها وأشباه هذا مما فيه عدتان من اثنين، فلا خلاف أنها تطلب أقصى الأجلين على أصله. ومسألة المرتابة لم يختلف فيها، لأنها عدة واحدة من زوج واحد. وقال أبو القاسم بن محرز: إن كانت هذه الأمة ممن عادتها أن ترى حيضها في هذه الأشهر فإن رأتها أجزت عنها، وإن لم ترها طلبتها أو بلغت إلى تسعة أشهر كالمسترابة. وإن/ [خ 221] كانت عادة تلك أنها لا ترى الحيض إلا في أكثر من ذلك فلا بد لها من طلبها؛ يريد وإن لم ترها تمادت إلى تسعة أشهر، إلا أن تكون إنما تراها بعد التسعة أشهر فتطلبها أبداً (¬3). وقوله (¬4) في أم الولد يموت عنها زوجها وسيدها ببلد غائبٌ، ثم تأتي بعد ذلك بولد تدعي أنه من سيدها: إنه يلحق به (¬5) ما لم يدع أنه لم يطأ. عارض بعضهم هذه المسألة بما في كتاب النكاح والاستبراء إذا اشترى أختها بعد أن زوجها ثم رجعت إليه أن ذلك لا يمنع السيد من وطئ أختها، وبهذا عارضها - والله أعلم - سحنون وقال في المسألة الأولى: لا يلحق به الولد إلا أن يعلم منه إقرار بالوطء (¬6). والمواعدة (¬7) في العدة ممنوعة، وهي من المفاعلة، وهو ما تواطأ عليه الرجل والمرأة وعقدا عزمهما عليه. وقد اختلف في القضاء بفسخ ¬
النكاح بذلك إذا وقع العقد بعد تمام العدة، ثم اختلف بعد القول بفسخه جبراً: هل تحرم عليه للأبد بما هو منصوص في كتبنا؟ (¬1) وقوله (¬2) في التعريض: "إنك لنافقة" إلى آخر الكلام، يحتمل أن يكون من كلام مالك - وله أدخله اللخمي - ويحتمل أن يكون من كلام غيره، وعليه نقله بعضهم (¬3). وقد قال في الكتاب بعد ذكره (¬4): "وقاله ابن شهاب وابن قسيط وعطاء ومجاهد وغيرهم". وقول بعضهم في الكتاب (¬5): "لا بأس أن يهدي لها"، حكاه ابن وضاح عن سحنون (¬6). قال محمَّد: وهو مذهب مالك وأصحابه (¬7). ومنعه ابن حبيب إلا لذوي النهى (¬8). وقال بعض شيوخنا (¬9): والوعد في العدة بخلاف المواعدة في حكم الفراق وإن اتفقا في الكراهة ابتداء ولا يفرق في الوعد بوجه. والوعد من أحدهما والمواعدة منهما. وقوله (¬10) في المتزوجة المدخول بها في العدة: "وأما في الحمل فإن مالكاً قال: / [ز 141] إذا كانت حاملاً أجزأ عنها الحمل من عدة الزوجين"، ظاهره أن الحمل من الأول. واختصره بعضهم فزاد: وإن كان من الآخر. وعليها حملها غير واحد من الشيوخ أن الوضع ممن كان منهما يبرئها. وهو ¬
قول ابن القاسم (¬1) في "مختصر" أبي محمد ورواية أشهب في كتاب محمَّد (¬2)، وضعفها محمَّد (¬3). وقال أصبغ (¬4): إن كان الحمل من الآخر فلا يبرئها، ولا بد لها من ثلاث حيض للأول. وهذا ظاهر قوله في "المدونة": إذا تزوجها في عدة الوفاة بعد حيضة فأتت بولد لستة أشهر فعدتها وضع الحمل، وهو آخر الأجلين. قال شيخنا (القاضي أبو الوليد: فقوله: وهو آخر الأجلين) (¬5) دليل أنه اعتبر انقضاء العدة من الزوج الأول لما كان الحمل من الثاني، فإن اعتبره في الوفاة فيجب أن يعتبره في الطلاق (¬6). قال القاضي: وليس من هذا (¬7) عندي قوله بعد هذا (¬8) في المنعي لها زوجها تتزوج فيأتي زوجها وهي حامل ثم يموت: إنها تستكمل أربعة أشهر وعشراً من يوم مات، ولا تنقضي عدة زوجها الأول بالوضع من الآخر. قال (¬9): "وكذلك قال [لي] (¬10) مالك في المسائل كلها"، ثم قال: "وهذا قول مالك في أمر هذا الزوج الغائب وأمر الزوج الذي تزوجها في العدة وفي الوفاة عنها وفي حملها على ما وصفت لك"، فانظر ظاهر هذا الكلام كله. ¬
وقوله: "في العدة وفي الوفاة"، كذا هو في الأصول بواو العطف، وهو بَيَّنٌ في تسوية الْعِدَد كلها (¬1) في ذلك، فتخَرَّج القولان من "المدونة" وأنه لا يبرئ الحمل من الآخر عن الأول أظهر (¬2) في هذه المسائل، خلاف ما نقل غير واحد، إذا (¬3) المسألة الأولى اللفظ فيها محتمل، / [خ 222] وأما إن كان الحمل من الأول فلا خلاف أنه يبرئ منهما جميعاً. ولا خلاف لو كان نكاح الثاني بعد حيضة أو حيضتين أنها تبني عليهما ما بقي من حيضها. وما وقع من نقل بعض الشيوخ (¬4): تستأنف ثلاث حيض بعد الوضع، فإنما معناه أنها لم تحض قبل. ولا يقول أحد: إن الوضع يهدم ما مضى من عدتها ولا تحتسب بحيضها. وانظر هل يكون الوضع من الآخر عند من لا يراه يبرئ من الأول حكمه حكم حيضة فتحتسب بها، فقد ذكر ابن محرز (¬5) أنه يحتسب بها، فأنْعِمْ (¬6) النظر في ذلك جداً. وقد حكى أبو محمَّد عن أشهب (¬7) في المنعي لها زوجها أن الوضع من الآخر يبرئها منهما. قال: وهو خلاف قولهم كلهم. وقال ابن حبيب عن أصبغ (¬8) فيها: إذا طلقها الأول لا يبرئها حملها (¬9) ¬
من الآخر، سواء كان بائناً أو رجعياً، ولا بد من ثلاث حيض بعد وضع الحمل. قال: وإنما يجزئ عن الآخر فيمن تزوج من النساء في عدة إذا كانت عدة الأخرى (¬1) استقصاء للعدتين، فانظر هذا أيضاً. وحكى عنه فضل نحوه. قال: وليس يجزئها الوضع من الآخر من جميع ذلك، وقد أخطأ من قال: يجزئها ذلك، أو من فرق بين البتات وغيره. قال: وأما إن كان الأول مات ولم يطلق فهذه سواء كانت حاملاً (¬2) أو غير حامل، فلا تحل إلا بالخروج من الأمرين جميعاً: الاستبراء بالحيض وانتظار وضع الحمل وعدة الوفاة بالليالي والأيام, لأن هذين أمران مختلفان؛ هذه عدة مفروضة للموت، والأخرى استبراء. فهذا غير هذا لا تحل إلا بالخروج منهما والقعود إلى آخرهما. وفي هذا وأشباهه قيل: أقصى الأجلين. وهذا خلاف ما أشار إليه شيخنا - رحمه الله -، فانظره. وقوله (¬3): "فمتى وجدت ملكاً خالطه نكاح بعده في البراءة أو ملك"، كذا عند إبراهيم بن باز "بَعْده" بفتح الباء وسكون/ [ز 142] العين، وعند ابن وضاح: بِعِدَّة، بكسر الباء والعين. وفي كتاب عبد الملك (¬4): بعد البراءة. وقوله (¬5): "وروي أيضاً عن مالك في أم الولد أنها ليست كالمتزوجة في العدة"، كذا لابن المرابط. وعند ابن عتاب: وروي أيضاً أنها ليست؛ لم يذكر أم الولد. وسقط عند ابن عتاب لابن وضاح قوله: "عن مالك" وأبهم الرواية. فحملها أكثر المختصرين على أن الخلاف في أم الولد وحدها على نص ما في كتاب ابن الطلاع مبيناً. وعليها اختصر ابن أبي زمنين. وحمل بعضهم الخلاف في جميع مسائل طروء (¬6) وطء النكاح على استبراء الملك ¬
أو وطء الملك على عقد النكاح. وإليه أشار اللخمي. وعليها (¬1) اختصر ابن أبي زيد. وقوله (¬2) في المتزوجة في عدة الوفاة: "إن كانت مستحاضة أو مرتابة تعتد (¬3) أربعة أشهر وعشراً من يوم مات الأول، وسنة من يوم فسخ نكاح الثاني". قالوا: فيه دليل أن مذهب ابن القاسم في الكتاب كمذهب أشهب وسحنون وعبد الملك (¬4). وروي عن مالك (¬5) أن المسترابة والمستحاضة تبرئها (¬6) الأربعة الأشهر والعشر خلاف قولهما (¬7) المشهور أنهما ينتظران تسعة أشهر (¬8). وقوله (¬9): وقال مالك وعبد العزيز فيمن تزوج في العدة ودخل بعدها: إنه كالمصيب في العدة، ظاهره في تأبيد التحريم؛ إذ لا يختلف أحد في فسخ النكاح المعقود في العدة كيف كان. وقد اختلف في تأويل (¬10) قول عبد العزيز أهو هذا؟ - أو يكون (¬11) ما روى/ [خ 223] ابن نافع (¬12) عنه من أنه لا يتأبد التحريم بالنكاح في العدة خلافاً (¬13) لهذا الظاهر - أو يكون ليس بخلاف وإنما تكلم هنا ووافق مالكاً في فسخ النكاح وأنه يفسخ، أصاب في ¬
العدة أم لا؟ وحكى أبو عمران أن العتبي روى عن سحنون عن ابن نافع عن عبد العزيز أن المتزوج في العدة ووطئ بعدها يفسخ ويكون خاطباً من الخطاب (¬1). وقول مالك (¬2) أيضاً: يفسخ وما هو بالحرام البين. وهذا نحو قول عبد العزيز هذا، لأنهم تأولوا تحريم (¬3) التأبيد. ونحوه في "الأسدية". وهو قول المخزومي (¬4). وعبد الرحمن بن سليمان الحجري (¬5) عن عقيل، كذا لابن عيسى. وعند ابن عتاب (¬6): سلمان، وهو الصواب، وكذلك ذكره البخاري (¬7). وعُقيل هنا بضم العين، وهو ابن خالد، صاحب ابن شهاب. وعلى الصواب رواه عبد الحق. وخبر امرأة ابن عجلان (¬8) هو لأشهب عن الليث. وسقط أشهب لابن وضاح. وقوله (¬9): "كل (¬10) حامل طلقها زوجها فمات فإنها لا تنتقل إلى عدة ¬
الوفاة" معناه بحكم الإحداد، وإلا فهذه العدة في الحامل من الطلاق والوفاة واحدة، وهو الوضع. وقوله (¬1) في زوجة الصبي يصالح عليه (¬2) وصيه أو أبوه ولا يكون لها نصف الصداق. وقع في "الأسدية" وأصل "المدونة": ولا يكون لها إلا نصف الصداق. ووهمه بعضهم وأصلحه بإسقاط "إلا". وقد نبه عليه ابن أبي زمنين وأبو عمران وغيرهم. وقد يحتمل الصحة، وهي قولة أخرى في الخلع المبهم مثل قول غيره. ومسألة (¬3) الرجلين تزوجا "امرأة في طهر واحد فوطئها أحدهما بعد صاحبه، ثم تزوجها الثاني وهو يجهل أن لها زوجاً فجاءت بولد"، كذا جاء لفظه في الكتاب. وهو لفظ غير محصل، وإنما يصح بإسقاط "ثم"، أو على حذف "تزوجها" الأول، وأغني (¬4) ما تقدم من الكلام عنه. وأجاب عنها أن الولد للأول، ومثلها بمسألة المتزوجة في عدة قبل حيضة (¬5). ووقف فيها أبو عمران وكأنه لم ير جوابه في الكتاب فيها نفسها بيناً إنما جاء بها في جواب تلك المسألة الأخرى. وما هو عندي إلا بين من جوابه بما تقدم، ولا فرق بين المسألتين. وقوله (¬6) في المتزوجة في العدة: "وإن كان تزوجها بعد حيضة أو حيضتين من عدتها فالولد للآخر إذا ولدته لتمام ستة أشهر من يوم دخل بها ¬
الآخر"/ [ز 143]، ظاهره تمام الشهور. قال ابن القاسم: إلا أن يكون الشهر السادس من تسعة وعشرين، وأنكره في أكثر. وقال محمَّد بن دينار (¬1): يلحق به (¬2) وإن نقص ليلتان أو ثلاث (¬3) قدر ما بين الأهلة. وقد وقعت قديما بفاس (¬4) مسألة امرأة جاءت بولد لخمسة أشهر وأربعة وعشرين يوماً هل يلحق به أم لا؟ واختلف فيها فقهاء بلدنا أيضاً. والصواب ألا يلحق هنا إذ لا يصح توالي ستة أشهر (¬5) نقص. وبه أفتى من فقهائنا أحمد بن القاضي (¬6) ومحمد ابن العجوز (¬7) وعبد الله بن حمو المسيلي (¬8) وخالفهم أبو علي القيسي (¬9). ¬
وقوله (¬1) في التي تتزوج في عدة وفاة فظهر بها حمل. قال ابن القاسم: "إن دخل بها قبل أن تحيض فالعدة وضع الحمل، كان أقل من أربعة أشهر وعشرا (¬2) أو أكثر، لأنه للأول. وإن كان بعد حيضة أو حيضتين وقد ولدته لستة أشهر من يوم دخل بها الآخر فالعدة وضع الحمل وهو آخر الأجلين وهو للآخر". وانظر ما كتبنا عليه قبل هذا وحققه/ [خ 224]. وقال بعضهم: ينبغي أن ينقطع الإحداد عنها إذا مضى لها ستة أشهر ولم تضع، لأنها حينئذ تخرج من عدة الأول ومسكنه وترجع إلى مسكن الثاني الذي الحمل منه. واختلف في النفقة على الحامل من الثاني المتزوجة في العدة هل هي على الثاني؛ لأنه ولده وبسببه حبست (¬3) عن زوجها، أو على الأول؛ لأنها في عصمته؟ وقوله (¬4) في مسألة المُنْعَى لها زوجها تتزوج. كذا يقول الفقهاء: المُنعى، بضم الميم وفتح العين. وهو عند أهل العربية خطأ وصوابه عندهم: المَنْعِيُّ بفتح الميم وكسر العين وتشديد الياء (¬5). وقوله (¬6): "ترد إلى الأول ولا يكون للزوج الآخر خيار"، كذا في الأمهات وكذا في رواية إبراهيم بن محمد. والذي في رواية ابن وضاح: ولا يكون للزوج الأول خيار. وهو الصواب؛ لأن فيه يتصور الخيار لو صح ¬
لفوات سلعته عند غيره، وأما "الآخر" فلا وجه لقوله هذا فيه. وقوله (¬1): ولا يقربها الأول حتى تحيض أو تضع حملها إن كانت حاملاً. ثم قال (¬2): "وتعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع الآخر، ويحال بينه وبين الدخول عليها، فترد إلى زوجها الأول". لا إشكال في منع الآخر إلى (¬3) النظر إليها والدخول عليها فما فوق ذلك؛ لأنه كالأجنبي. وأما الأول في هذه العدة من الآخر فلا إشكال في منعه الوطء، لاختلاط (¬4) الماءين والحيطة (¬5) على النسب في غير الحامل، وشبهة ذلك في الحامل وسقيه ولد غيره بمائه، لنهي (¬6) النبي عليه السلام عن ذلك. وأما ما عدا هذا من الاستمتاع فمباح لأنها زوجته (¬7)، وإنما حبست عنه لأجل اختلاط النسبين كما لو استبرأها من زنا أو غصب، ولئلا يسقي ماءه (¬8) ولد غيره. وبدليل لو كانت هذه المغصوبة بينة الحمل من زوجها لجاز له وطؤها؛ إذ الولد ولده عند ابن القاسم وغيره. وكرهه أصبغ كراهة لا تحريما (¬9). وقوله (¬10) في المطلق لا تعلم بالرجعة زوجتُه فتَزَوَّجُ (¬11) غيره ثم يأتي: إن مالكاً وقف قبل موته بعام فقال: "زوجها أحق بها"، كذا في ¬
الأمهات وانتهت المسألة. وفي بعض النسخ: إلا أن يدخل بها الآخر (¬1). وهو معنى المسألة لا أنه أحق بها على كل حال؛ لأن هذا إنما هو في المنعي لها. وإن كان بعض الشيوخ أراد تخريج هذا القول في المسألة وتسويتها مع المنعي لها. وضبطنا هذا الحرف: وَقَف قبل موته، بفتح الواو والقاف. ووقع في أصول صحيحة أيضاً: وُقِّف، بضم الواو وكسر القاف المشدد (¬2). وهو أصح وأشبه بمساق المسألة، فتأملها. وقوله (¬3) فيما أنفق على ولد المفقود ثم جاء العلم أنه قد مات. قيل (¬4): "يردون ما أنفق عليهم بعد موته. سحنون (¬5): معناه كانت لهم أموال يوم أنفق عليهم". قال بعضهم: إن لم يتأول قوله على ما قال سحنون وإلا فهو خلاف من قول ابن القاسم قبل هذا في الوصي ينفق على اليتيم من مال أبيه، ثم يطرأ/ [ز 144] دين يغترق (¬6) المال: إنه لا يرجع على اليتامى بما أنفق عليهم إن لم يكن لهم مال. ويكون وفاقاً لقول المغيرة وأشهب بالرجوع عليهم على كل حال. قال فضل: كيف تكون لهم أموال على ما قال سحنون وينفق عليهم من مال المفقود؟ إلا أن يقال: إنها ظهرت لهم الآن ولم يكن عُلِم بها. قال أبو عمران: يستغنى عن هذا بأن ما ورثوه عن أبيهم قد صح أنه كان لهم حينئذ (¬7). قال القاضي: لا يستغنى عنه بهذا؛ إذ قد يكون ما أنفق/ [خ 225] ¬
عليهم أضعاف ما يجب لهم من التركة لكثرة الورثة معهم وعدد الإخوة الكبار أو الصغار الذين لهم أموال ظاهرة لا يحتاجون إلى إنفاق من ماله. وقوله: يَسْتَحِسُّ (¬1)، بالسين المهملة فيهما، أي يبحث ويفتش (¬2). وقوله (¬3) في الذي تزوج في العدة ودخل بعدها: "يفسخ وما هو بالتحريم البين"، يشير بقوله هذا إلى تأبيد التحريم لا إلى تحريمها الآن وفسخ نكاحها. وهذا مثل مذهب المخزومي في المسألة قبل هذا وخلافُ قول مالك وعبد العزيز. وأما فسخه الآن فما لا خلاف في بيان تحريمه. وقوله في المجبوب (¬4): "إن كان ممن لا يمس امرأته فلا عدة عليها"، قال أبو عمران: هذا تقريب في اللفظ؛ إذ هو ممن لا يمس. قال القاضي: وقد يحتمل لفظه عندي أن يكون معناه: إن كان ممن لا يحتاج إلى النساء ولا ينزل ولا يلتذ، فإذا كان هذا تحقق أنه لا يولد له. وإن كان ممن (¬5) إن دنا للنساء وعالج فهذا يخشى منه الولد كما يخشى ممن يعزل. وأما الخصي فإن كان قائم الذكر كما قال في كتاب النكاح (¬6)، أو معه بعضه كما يفهم من كلام أشهب (¬7) هنا - وهو مقطوع الأنثيين أو باقيهما ¬
أو أحدهما (¬1) أو اليسرى منهما على اختيار ابن حبيب (¬2) - فهذا هو الخصي الذي قال في الكتاب: يسأل أهل المعرفة إن كان يولد لمثله؛ لأنه يشكل إذا قطع بعض الذكر دون الأنثيين، أو الأنثيان أو أحدهما (¬3) دون الذكر، فهل ينسل وينزل أم لا؟ وإن كان ابن حبيب (¬4) فصل هذا فقال: إن كان ممسوحاً فلا عدة عليها ولا يلحق به ولد، وتحد امرأته إن جاءت بولد. وإذا بقي معه أنثياه أو اليسرى منهما وبقي معه من العسيب بعضه فالولد لاحق به. لأنه يرى أن الماء من الأنثيين والولد من اليسرى منهما، وما بقي معه من العسيب يمكنه به الوطء. وانظر قول أشهب هنا (¬5): "لأنه يصيب بما بقي من ذكره"، هل "من" للتبعيض، ويكون بعضه؟ أو للبيان، ويريد جميعه؟ وكلاهما على مذهب الكتاب ومذهب ابن حبيب سواء. وإنما يختلف في نقص (¬6) الأنثيين أو أحدهما (¬7)؛ فمذهب الكتاب الإحالة على سؤال أهل المعرفة عن صفة حاله من الحاجة للنساء (¬8). وابن حبيب الاحتمال (¬9) على علم (¬10) أهل الطب وعلم التشريح. واحتجاج مالك في عدة الوفاة على الصغيرة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ ¬
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (¬1) على مذهبه في القول بالعموم. وقوله في حديث الفُرَيْعة (¬2): "إن سعيد بن إسحاق (¬3) بن كعب بن عُجْرَة"، كذا في الأمهات، وكذا في أصل ابن عيسى وغيره. وكان عنده لابن (¬4) المرابط (¬5): سعد، وكذا عند ابن عتاب وابن سهل. واختلف (¬6) فيه رواة "الموطأ" عن مالك وغيرهم. وسعيد رواه معمر والثوري (¬7). ورده (¬8) ابن وضاح "سعد" (¬9)، وكذا قاله البخاري (¬10) وهو الصواب. وابن عُجْرة، بضم العين وسكون الجيم وبعدها راء. والفُرَيعة، بضم الفاء وفتح الراء مصغرة، بنت مالك بن سنان، بكسر السين المهملة. والخُدري (¬11)، بضم الخاء، منسوب إلى بني خدرة كذلك (¬12) وبعد ¬
الخاء دال مهملة، وهو فخذ من الأنصار (¬1). (وطرف) (¬2) القَدُّوم (¬3)، بفتح القاف وتشديد الدال، كذا هو هنا وفي "الموطأ" وغيره لأكثر الرواة. وضبطه أحمد بن سعيد/ [ز 145] الصدفي (¬4) بضم القاف (¬5). وذكر بعضهم فيه تخفيف الدال (¬6). والصواب فتح القاف/ [خ 226] وتشديد الدال (¬7)، قال ابن وضاح: هو جبل بالمدينة (¬8). وقوله (¬9) في التي "غلبت زوجها فسكنت موضعاً غير بيتها الذي طلقها فيه: لا كراء لها". ذهب أبو عبد الله بن الشقاق (¬10) إلى الاستدلال منها على أن الناشز لا نفقة لها مدة نشوزها ولا رجوع لها بذلك ¬
خلاف ما في كتاب محمَّد (¬1). وقال أبو عمران: ليست المسألة مثلها؛ لأن البقاء في المنزل للمعتدة حق لله، وبقاؤها مع الزوج حق له. وقال نحوه أبو بكر بن عبد الرحمن (¬2) وخالفه في التعليل؛ قال: لأن السكنى حق لها، وليست المسألة كما قال أبو عمران مثل مسألة الناشز؛ لأن الحق في السكنى إنما هي (¬3) إذا سكنت، وهذه لم تسكن الموضع الذي يلزمها الزوج سكناه ويلزمه إسكانها إياه، ففيم تأخذ الكراء لما لم تسكنه؟ وقوله (¬4) في أهل الدار إذا أرادوا أن يخرجوها فذلك لهم إذا انقضى الكراء. معناه إذا كان إخراجهم لحاجة لهم للدار من سكنى أو بناء أو شبه هذا، كذا فسره ابن كنانة في "المدنية" و"المبسوطة"؛ قال: وليس لرب المنزل أن يخرجها إلا لعذر مجحف يخافه على داره إن تركت فيها. وليس لهم أن يتزيدوا عليها في الكراء أو المسكن (¬5) لها بالكراء الذي كان يتكاراه زوجها. ومعناه عندي أن يكون ذلك من قبل أنفسهم، وأما لو جاءهم من يكتريها بأكثر كان لهم إخراجها إلا أن تلتزم الزيادة هي أو الزوج. ولا خلاف أن أهل الدار متى تركوها بكراء مثلها أنه لازم للزوج في الطلاق ولها (¬6) في الوفاة. وبيانه في الكتاب بعد هذا. ¬
وقول مروان (¬1): "أجل هي أمرتهم بذلك"، أي نعم. وقوله (¬2): في مكان وحِش، أي مخوف تتوحش فيه. وقوله (¬3) في مبيت المعتدة: لا تبيت إلا في مسكنها الذي كانت تسكن فيه من بيتها وأسطوانها الذي كانت تبيت فيه في صيفها وتبيت فيه في شتائها. قد بين هذا الكلام في تمام المسألة، وقال (¬4): ليس معناه أنها "لا تبيت إلا في بيتها الذي فيه متاعها؛ إنما وجهه أن جميع المسكن لها الذي هي فيه من حجرتها وأصطوانها (¬5) وبيتها، ولها أن تبيت حيث شاءت"، و"ما كان من حوزها الذي تغلق عليه باب حجرتها". وبينه في كتاب القاضي إسماعيل أيضاً فقال: تبيت في جميع ما كان (¬6) تسكن فيه في حياة (¬7) زوجها (¬8). قال بعض المتأخرين: وذلك كل ما لو سرقت منه من دار زوجها لم تقطع، لأن أصل هذا الحجر (¬9). قال القاضي: وفي هذا عندي نظر. والذي ذهب إليه الأبهري وابن القصار استحسان ألا تبيت إلا حيث كانت تبيت (¬10). ولعل كلامه في الكتاب على هذا واختلاف لفظه على المستحب والمباح. ¬
وقوله في البدوية (¬1): "تنتوي مع أهلها حيث انتووا"، أي ترحل وتبعد، من النوى وهو البعد. وهذا يدل على ما أشار إليه بعض الشيوخ (¬2) أنما يكون لها أن تنتوي مع أهلها إذا كان رحيلهم لغير القرب، لانقطاعهم عنها وانقطاعها عنهم، وأما إذا كان على قرب بحيث لا تنقطع عنهم وترجع إليهم عند تمام عدتها فتقيم مع أهل زوجها. والمراد بهؤلاء أهل الخصوص والعمود والانتقال. والقروية التي (¬3) ذكرهم هم أهل المدن. والقرية المدينة، قال الله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (¬4). وقوله (¬5): تدَّلِج، بشد الدال المهملة، أي تخرج سحراً؛ يقال: ادَّلج/ [خ 227] وأَدْلَج. وقيل: الإدلاج، مخفف، سير الليل كله. ومثقل: يختص بآخره (¬6). والسائب بن يزيد بن خَبَّاب (¬7)، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء ¬
بواحدة، كذا عند ابن عيسى في الكتاب، وهي رواية ابن وضاح. وعند ابن/ [ز 146] عتاب: حُباب، بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء، وهي رواية ابن هلال. وكذلك اختلف فيه الرواة في "الموطأ" (¬1). والأول هو قول الدارقطني (¬2) وأصحاب الضبط (¬3). وقَنَاة (¬4)، بفتح القاف والنون وآخره تاء: موضع قرب أحد بالمدينة (¬5). وعبد الله بن عياش المخزومي (¬6)، بالشين المعجمة. وواقد بن عبد الله بن عمر (¬7)، بالقاف. والصَّرورة (¬8)، بالصاد المهملة، وهي التي لم تحج حجة الفريضة (¬9). ¬
وقوله (¬1) فآمَ نساؤهم كذا هو بمد الهمزة، على وزن قام، في أصل ابن عيسى؛ يقال: آمت المرأة إذا مات زوجها (¬2). وعنده لابن المرابط (¬3): فأُيِّمَ نساؤهم، وكذا لابن عتاب، بضم الهمزة وكسر الياء وتشديدها. ويصح أن يكون: إِيمَ، بكسر الهمزة، مثل قيل، وكلاهما صحيح على ما لم يسم فاعله. ويقال: تأيمت أيضاً (¬4): تفعلت من ذلك، واسمه الأيمة، وامرأة أَيِم. وقول سالم (¬5) بن عبد الله عن التي يخرج بها زوجها فيتوفى: "تعتد حيث توفي، أو ترجع إلى بيت زوجها"، لعله قبل الوصول، فيكون وفاقاً. وأما إن كان بعد فخلاف إن كان انتقاله انتقال سكنى واتخذ الموضع مسكناً وسكنى. وقول ربيعة (¬6): "ترجع إلا أن يكون المنزل الذي مات فيه زوجها منزل نقلة أو له فيه ضيعة" (¬7)، كتب عليها سحنون اسمه وقال: لا نقول بقول ربيعة في الضيعة، وأنكره غير واحد من رواة "المدونة". والمَواحيز (¬8): مثل الرباطات والثغور. وتفريقه في الكتاب (¬9) في التي تخرج إلى الحج في عدتها من (¬10) القرب والبعد. ذهب بعضهم إلى أن ذلك في الفرض دون النفل. وأن النفل ترجع فيه وإن بعدت، كخروجها إلى الغزو والطلب بحق والرباط. وإليه نحا ¬
أبو بكر بن عبد الرحمن (¬1). وسوى غيره بين الفرض والنفل، بخلاف الغزو والرباط، وفرق بين ذلك بفرق ضعيف. والأول أصوب. و"مَلَل" (¬2) بفتح اللام والميم، على ثمانية عشر ميلاً من المدينة (¬3). وقوله (¬4) في المتوفى عنها يتركها الميت في داره فتباع (¬5) للغرماء ويشترط السكنى على المشتري. إنما يشترط ها هنا على مذهب الكتاب العدة المعلومة. ثم اختلف على هذا بما (¬6) زاد هل للمشتري الرجوع به أم لا؟ ففي كتاب محمَّد (¬7) لمالك: يرجع به ويرد (¬8). وفي "العتبية" (¬9) لابن القاسم: لا يرجع. وقاله سحنون (¬10). ولو اشترط أقصى ما يمسك النساء الريبة لم يجز النقد فيها على مذهب الكتاب وجاز العقد (¬11). وعلى ما في كتاب محمَّد يجوز العقد والنقد، وعلى ما في "المدونة" لابن شهاب. وعلى ¬
هذا الشرط إن ذهبت الريبة قبل الأجل كانت الدار بقية الأجل للورثة. ولو كان العقد على (¬1) أن تزول الريبة قربت أو (¬2) بعدت لم يجز على كل قول، للغرر وجهالة وقت قبض الدار. وابن عبد الحكم (¬3) لا يجيز اشتراط العدة بوجه من هذه الوجوه. وقوله (¬4) في سكنى الأمة وتفريقه بين أن تبوأ معه بيتاً أو لا، ثم قال: "فإنما حالها اليوم بعد ما طلقها كحالها قبل أن يطلقها في ذلك، ولم أسمعه من مالك". قال/ [خ 228] بعض الشيوخ الأندلسيين (¬5): قوله هذا يدل أن سكنى العدة تبع لسكنى العصمة، ويدل أن المرأة (¬6) إذا طاعت لزوجها بسكناه معها في دارها دون كراء ثم طلقها فطلبت منه كراء أمد العدة لم يلزم ذلك زوجها. وبهذا أفتى أبوا (¬7) عمر ابن المكوي (¬8) وابن القطان (¬9)، ¬
وقاله الأصيلي (¬1)، وذهب القاضي ابن (¬2) يبقى بن زرب وابن عتاب (¬3) أن عليه الكراء. وإليه ذهب اللخمي (¬4)، لأن المكارمة قد زالت بالطلاق. ومثلها المسألة الأخرى بعد هذا في الكتاب في التي تسكن بكراء منزلاً "هي اكترته فطلقت ولم تطلب الزوج بالكراء حتى انقضت العدة، قال: ذلك لها" (¬5)، فهذا/ [ز 147] يدل على أحد القولين المتقدمين. وقوله (¬6): "وإن كانت تحته فطلبت منه الكراء، ذلك لها"، وظاهر ما في كتاب كراء الدور خلافه. وقد تكلم الشيوخ على المسألتين وهل هو خلاف من قوله أو اختلاف في السؤالين بما هو مشهور. وترجح فيها بعضهم. وقوله (¬7): "وحيث ما وجب الصداق كاملاً وجب (¬8) السكنى"، قال بعض الشيوخ: هذا كلام ينكسر ولا يطرد؛ إذ قد يجب جميع الصداق ولا تجب السكنى (¬9) مثل المدخول بها عند أهلها، والأمة تطلق بعد البناء ولم تبوأ مع الزوج مسكناً. قال القاضي: تأمل قوله في الكتاب أول المسألة (¬10) في التي "خلا بها ¬
في بيت أهلها، ولم يبن بها إلا أنهم أحلوه (¬1) وإياها" - يريد دخول غير اهتداء، وأنكر الجماع -: عليها العدة (¬2) "ولا سكنى لها؛ لأنه قد أقرت أنه لا سكنى لها". ثم ذكر إذا ادعت ذلك وأنكره هو (¬3): "لا سكنى لها، وإنما عليه نصف الصداق". ثم قال: "وإنما يكون عليه السكنى إذا وجب الصداق". فظاهره خلاف ما ذكر هذا الشيخ، ولكن الفقه ما ذكره؛ لأن هذه لم يستقر له معها سكنى ولا كان دخول اهتداء، فيكون ابتداء سكنى. ومسألة (¬4) سكنى المرتدة الحامل، قال في السؤال: "ألها السكنى والنفقة؟ قال: نعم, لأن الولد يلحق بأبيه، فمن هنالك لزمته النفقة". فحمل بعضهم (¬5) هذا أن الجواب في النفقة وحدها ولم يُجب عن السكنى؛ إذ هي مسجونة على ما قاله ابن اللباد (¬6). واختصره المختصرون أن النفقة والسكنى لها لقوله: نعم، في أول الجواب بعد السؤال عنها. وقيل (¬7): معنى هذه السكنى إن غفل عن سجنها. وقد يقال إن ذلك إذا كان الموضع الذي تعتقل فيه تطلب فيه كراء. وقوله (¬8): "وإن كانت غير حامل يعرف ذلك لم تؤخر واستتيبت"، فقوله: "يعرف ذلك" يعني أنها لا يعجل قتلها إلا بعد اليقين من براءتها من الحمل لحق الولد الذي في جوفها، فإذا تحققنا براءتها قتلت. وقوله: لم تؤخر، قد يحتج به من لا يرى التأخير ثلاثة أيام ويخرجه ¬
من قوله هذا، وهو أحد قولي الشافعي. واختلف عن عمر في ذلك. وعن مالك في ذلك قولان: وجوب تأخيره، واستحبابه (¬1). وقول غيره (¬2) - وهو أشهب (¬3) وكذا بينه في كتاب ابن عيسى -: "إنما عدة المستحاضة [سنة، وليست مثل المرتابة, لأن عدة المستحاضة] (¬4) سَنَة سُنَّة". قيل: معناه أن السنة جاءت في المستحاضة وأن لها السكنى. والمرتابة مقيسة عليها، ولأن المستحاضة أمرها أبين في السكنى. وليس أن قول هذا خلاف لقول ابن القاسم/ [خ 229]. قال القاضي: تأمل هل يقال: إنه كقوله الآخر في كتاب محمَّد؟ (¬5). وقوله (¬6) في المرأة التي مات زوجها في دار بكراء ولم ينقد: "لا يكون لها أن تخرج إذا رضي أهل الدار، إلا أن يكروها كراء لا يشبه كراء ذلك المسكن فلها أن تخرج إذا أخرجها أهل الدار". احتج به بعض الشيوخ (¬7) على أن مسألة "المدونة" في غير النقد (فيما) (¬8) ليس فيه وجيبة (¬9) ¬
وإنما أكرى كل سنة بكذا. فإذا نقد فيها صار كالوجيبة، وإلا فأي كراء يتجدد للمرأة أو أي (¬1) زيادة يصح طلبها لأرباب المسكن وقد لزمتهم الوجيبة بما كانت؟ قال: وأما ما فيه وجيبة فسواء تقدم (¬2) أم لا؛ إذ قد وجب الكراء في ذمة الميت، فأشبه داراً يملكها. ومثل هذا في رواية أبي قرة (¬3) وعلي بن زياد وابن وهب عن مالك، خلاف ما في كتاب محمد (¬4) نصاً أن باقي الوجيبة التي لم يؤد كراءها ميراثاً (¬5) إلا أن تشاء المرأة أن تسكن في حصتها وتكري (¬6) نصيب الورثة، يريد برضاهم، إلى تمام المسألة. ومذهب "المدونة" عندي محتمل لما قال. وقد يحتمل أن يكون موافقاً لما في كتاب محمَّد ويرجع قوله: "إلا أن يكروها كراء لا يشبه" على جملة المسألة إذا تمت الوجيبة وقد بقي من العدة شيء، أو يكون ذلك إذا قام (¬7) عليه الغرماء. ورواية ابن نافع فيمن طلق بالبتات ثم مات في العدة أنه "سواء طلق ثم مات/ [ز 148] أو مات ولم يطلق". معناه: فلا سكنى لها على الزوج، يعني في غير داره التي يملك. وكذلك وقعت مفسرة لابن نافع في غير ¬
"المدونة". وبه فسرها غير واحد (¬1). وتفريق ابن القاسم بين المسألتين أظهر. وقوله (¬2) في المطلقة البتة في بيت بكراء فأفلس زوجها: إن أهل الدار أحق بمسكنهم وأخرجت منه المرأة. يريد لأنها عين سلعته، فهو أحق بها في الفلس، فإن سلم أحدها كانت المرأة أحق بها من سائر الغرماء بحوزها لها كما اقتضاه بعض الغرماء وحازه قبل التفليس. وقول ابن المسيب (¬3) في الحامل المتوفى عنها: "إلا أن تكون مرضعاً، فإن أرضعت أنفق عليها. بذلك مضت السنة". قال سحنون: معنى ذلك في مال ولدها. من كتاب ابن سهل عن ابن وضاح. ولابن القاسم مثله في "المدنية". وقوله (¬4) في مسألة المكاتب يشتري زوجته الأمة "فلم يطأها بعد الشراء، فخرجت حرة فلا استبراء عليها"، كذا عند شيوخنا في الأصل على النفي. وفي حاشية كتاب ابن عيسى: فالاستبراء عليها في نسخة. والروايتان تجتمعان إن شاء الله؛ فالأولى أن ذلك إذا حاضت حيضتين عند المكاتب قبل عتقها، وعلى ذلك جاء بالمسألة إذ ذكر ذلك أولها. ومعنى الرواية الثانية أن عتقها قبل الحيضتين، فلا بد من الاستبراء بحيضة أو حيضتين على اختلاف قول مالك في الكتاب (¬5). وكذلك في المسألة التي بعدها (¬6) في التي (¬7) "تزوج أمة فلم يدخل بها حتى ¬
اشتراها (¬1): يطأها بملك يمينه، ولا استبراء عليه"، كذا في كتابي وفي سائر النسخ؛ إذ لا تلزمه عدة من نفسه. وفي طرة كتاب/ [خ 230] ابن عيسى: والاستبراء عليه. وهذا بعيد، إلا أن يقال (¬2). واختلاف قوله في مسألة زوجة المكاتب إذا اشتراها في استبرائها بحيضة أو باثنتين (¬3)، إنما ذلك لغيره لا له؛ إذ له وطؤها بملك يمينه للحين. وقيل هذا الاختلاف ينبني (¬4) على الاختلاف في الاستبراء من الفسوخ هل هو استبراء أو عدة؟. وقيل: ليس من هذا الباب وإنما هو هل إباحة الوطء للمكاتب مبطل لحكم العدة كالوطء نفسه وهادم لها، أم ليس بهادم لها؟. وقيل في قوله في المسألة (¬5): إن مات عنها هذا المكاتب أو عجز فصارت لسيده إنه يفهم من هذا أن عجز المكاتب انتزاع لماله. وقال أبو عمران: لا يفهم منه. وما قاله الأول بين (¬6). وقوله (¬7): "وتعتد وهي في ملكه؟ قال: نعم، وقد تعتد الأمة من زوجها وهي في ملك سيدها (¬8) ". قال (¬9) ابن عبدوس: قال سحنون: لا تشبهها، هذه محرمة على سيدها التي (¬10) رجعت إليه، وتلك حلال لسيدها ¬
الذي اشتراها وكانت زوجته قبل (¬1)، وإنما تشبه هذه المختلعة؛ لا يحل لأحد زواجها في عدتها، ولزوجها زواجها في عدتها. وهي في حكم العدة، لأنه لو طلقها قبل الدخول ثبتت (¬2) على عدتها الأولى، ولو مات عنها مضت لأقصى العدتين، فكذلك هذا المكاتب هي حل له وهي تحري (¬3) في عدتها. ¬
كتاب الأيمان بالطلاق
كتاب الأيمان بالطلاق قوله في الذي "طلق امرأته فقال له رجل: ما صنعت؟ قال (¬1): هي طالق. هل ينوى إذا قال (¬2): إنما أردت واحدة (¬3)؟ قال: نعم، والقول قوله". نص على النية وسكت عن غيرها. ظاهر المسألة أنه إن لم ينو شيئاً (يلزمه فيها ثلاث. وذهب بعض الشيوخ (¬4) إلى أنه لا يلزمه شيء إذا لم ينو شيئاً) (¬5) لقرينة السؤال، وجعلوه إذا ادعى/ [ز 149] النية يحلف، قياساً على مسألته مع الشاهدين عند محمَّد (¬6). قالوا: وذاك إذا أراد مراجعتها لا الآن. وذلك إذا كانت الثانية في التقدير ثالثة بتقدم طلقة قبل أو بتأخرها. وهذا كله إنما يصح في المدخول ¬
بها، وأما غيرها فلا يلزم هذا الطلاق فيها بعد الأول (¬1) للفصل بينهما، ولما وقع من سؤال وجواب وكلام. ولو قال في جوابه للرجل: قد طلقتها، لم يحتج إلى شيء، ولا يمين عليه، نوى الإعلام أو لم ينوه، لأنه إنما أخبر عن شيء فعله. ومسألة كتاب محمَّد (¬2) في الذي أشهد شاهدا بعد آخر بطلاق امرأته وقال: أردت بها واحدة: يُنَوَّى ويحلف مثلُها. وقولهم (¬3): هذه أبين من الأولى (¬4) ليس ببين، بل القرينة ها هنا تكثير الشهود. وهو في الثاني أعذر منه في الثالث. وكذلك لو أشهد أولاً شاهدين لكان سواء، خلاف ما ذهب إليه بعضهم من التفريق لاستغنائه بشاهدين. وهذا لا وجه له، لأن تكثير الشهود في الشيء الواحد مما يقصده الناس. وقوله في القائل (¬5): إن أكلت أو شربت أو قمت أو قعدت فأنت طالق: هذه أيمان كلها. ذهب أكثرهم (¬6) إلى أن هذا فيمن قيد بصفة أو مدة أو عين مخصوص، فإذا أطلق/ [خ 231] طلق عليه للحين؛ إذ لا بد من فعل هذه الأشياء، بخلاف ما يمكنه ألا يفعله كالركوب وشبهه. وذهب ابن محرز (¬7) وغيره أن ظاهر الكتاب خلاف هذا، ولا تطلق عليه حتى يفعل ما حلف عليه؛ لأن هذه أفعال يمكن ألا يفعلها، إذ هي معلقة بمشيئة آدمي وتحت قدرته، بخلاف ما لا تعلق فيه بمشيئته وقدرته من ¬
الحيض ومثله. ولأنه قد فرق في الكتاب بينها وبين (¬1): "إذا حضت" وقال: "هذه ليست يميناً". وقوله هنا: هذه أيمان - وسوى بينها وبين الركوب (¬2) - قالوا: ولو قال: إن قمت أبداً، أو أكلت أبداً، طلقت عليه. وإليه نحا شيخنا القاضي أبو الوليد رحمه الله. وتفريقه (¬3) بين تكرار اليمين بالله وتكراره اليمين على الشيء الواحد بالطلاق أنه يتعدد الطلاق بتعدد اليمين إلا أن ينوي أن الثاني هو الأول ليسمعها أو يؤكد الحال عندها. قد يستفاد منه هنا تقوية أحد التأويلين على كتاب الأيمان والنذور في تكرار اليمين بالله (¬4) أنها واحدة وإن نوى بالثانية غير الأولى إلا أن ينوي ثلاث كفارات كالنذور. وقد بينا المسألة هناك ومن قال: إن معناها متى نوى بالثانية غير الأولى أنها تتكرر. وقد يكون تفريقه هنا بين اليمين بالله والطلاق في إهمال النية فلا يتكرر في اليمين بالله ويتكرر في الطلاق، خلاف ما ذهب إليه ابن نافع من أنهما سواء. ولا تتكرر اليمين بالطلاق في هذه المسألة حتى ينوي بالثانية طلاقاً آخر (¬5). ومسألة: "إن كنت تبغضني (¬6) فأنت طالق إن أجابته بما يطابق يمينه بأنها تبغضه. ففي إجباره على الطلاق خلاف، وظاهر الكتاب إجباره عند بعضهم لقوله (¬7): فليفارقها. وفرق بعضهم بين هذا وبين لو قالت له: لا ¬
أبغضك، فقال في هذه: يؤمر ولا يجبر؛ لأنها لو أبغضته لم تجب بما لا يوجب طلاقها (¬1). وقد قال في التي حلف عليها (¬2): إن دخلت الدار فقالت: قد دخلت: لا يجبر ويؤمر (¬3). [وقد] (¬4) قال في التي حلف عليها (¬5): لتَصْدُقِني (¬6): "أرى أن يفارقها، وما يدريه صدقته أم كذبته؟ " وهذا كله أصل مختلف فيه في الإجبار في الطلاق المشكوك فيه. وقد قال فيمن شك كم طلق (¬7): لا تحل له ولا سبيل له إليها. وظاهره الإجبار. وقال في الذي لم يدر بما حلف: لا يقضى عليه. وأما إن أجابته بخلاف ما حلف عليه بأنها تحبه فقال ابن القاسم (¬8): لا يجبر. وقد قيل: يجبر. وقد اختلف في التأويل/ [ز 150] على الكتاب فيها. وفي كتاب ابن حبيب لمالك (¬9): لا يقضى عليه. ولأصبغ (¬10): يقضى عليه. وهو من باب الشك في الطلاق والخلاف فيه. وقد أشار بعض الشيوخ إلى هذا. وكذلك اختلف في تأويل مسألة الكتاب (¬11) في الذي حلف ولم يدر: أحنث (¬12) أم لا؟ فذهب ابن الجلاب (¬13) أنه على الاحتياط. وقال أبو عمران (¬14): هو على الإجبار قياساً على ظاهر المسألة المتقدمة في الحالف: ¬
إن كنت تبغضيني، وقوله: فليفارقها. وأصبغ (¬1) لا يلزمه شيئاً في فتيا ولا قضاء. وفي كتاب ابن حبيب (¬2) عن مطرف/ [خ 232] وعبد الملك (¬3) وابن القاسم (¬4): من شك في طلاق امرأته أمر ولم يجبر بحكم. وفرق أصبغ (¬5) بين بعض هذه الوجوه، فلم يلزمه شيئاً في الذي شك في الحنث فيما حلف به على فعل غيره في المستقبل، كدخول الدار وشبهه حتى يتسبب له سبب تقوى به تهمة حنثه فيلزمه في الفتوى دون القضاء. وأما إن حلف على (¬6) غيره على ما مضى كالحالف (¬7): لتخبرني وتصدقني إن كنت تبغضيني، فهذا عنده يطلق عليه في القضاء والفتوى؛ لأن الشك فيه قائم، وهو غيب من علمه. وكذلك عنده إذا شك في عدد الطلاق، أو أيقن (¬8) بالحلف ولا يدري بماذا يقضي (¬9) عليه في الوجهين. فرتبها أصبغ على قوة غلبات الظنون ولم يجعل في مجرد الشك شيئاً. ولا خلاف أنه إن لم يكن للشك في الحنث سبب إلا التجويز أن يكون حنث لطول المدة أنه لا حكم له، وإليه يرجع عندي قول أصبغ - إن شاء الله -. وقد نقل بعض الشيوخ [بعض] (¬10) كلام أصبغ لابن القاسم، ¬
وهو في الأصل لأصبغ مفصول من كلام ابن القاسم. وقال بعض علمائنا: إن قول مالك: إن مسألة الذي لم يدر بما حلف غير معارضة للتي شك فيها كم طلق؛ لأن الذي لم يدر بما حلف شك حقيقة، ولذلك (¬1) لم يقض عليه بالفراق. والآخر قد تيقن الطلاق بالواحدة وتحريم الفرج بها، ثم طرأ الشك في الرجعة هل تصح إن كانت واحدة أو لا تصح إن كانت ثلاثاً؟ فمنعها استصحاباً لأصل التحريم المتيقن، كما استصحب في شك الطلاق أصل التحليل المتيقن، فليس باختلاف من قوله. وهو حسن. وقوله (¬2) في الحالف بطلاقها إن لم يطلقها: "هي طالق مكانه، وقد قال مالك: لا تطلق إلا أن ترفعه للسلطان (¬3) وتُوقفه"، كذا عند شيوخنا وعليه اختصرها ابن أبي زمنين أنه من قول مالك. واختصره (¬4) غيره: وقال غيره (¬5). وقوله في هذه الرواية: "وتوقفه" يعني: فتطلق عليه حينئذ. وقد قيل (¬6): حتى يضرب له أجل الإيلاء؛ فإن طلق وإلا طلق عليه بتمام الأجل بالإيلاء. ولا يمكن ها هنا من الوطء، لأنه على حنث في يمينه. فإن اجترأ ووطئ سقط عنه الإيلاء واستؤنف ضربه له. ولم يلزمه استبراء من هذا الوطء متى جاز له تطليقها ومراجعتها للاختلاف في منعه من الوطء في يمين الحنث. وتمامها في الإيلاء. ¬
وقوله في الذي حلف (¬1) لو كان حاضرا لشره مع أخيه لفقأ عينه: هو حانث. قال حمديسٌ (¬2) في هذه المسألة: وقد قال أيضاً: لا شيء عليه. قال القاضي رحمه الله: اختلف قوله في هذا الأصل. وكذلك قال سحنون (¬3)، وهو ما لا يمكّن من فعله شرعا. وكان يمكنه قدرة وعملا ولكنه فات وقته أو العين المفعول به ذلك ومضى. فقال هنا: يحنث. وقال في مثلها في الثوب: لو شققته شققت بطنك: لا يحنث، وذلك أنه حلف على أمر يعتقد أنه كان يفعله. وإلى اختلاف المسألتين أشار ابن لبابة (¬4). وإلى أنه اختلاف قول أشار سحنون. وأما مثل هذا فيما يأتي ويستقبل فلا يختلف أنه لا يمكن من فعله وتطلق [عليه] (¬5) / [خ 233] إلا أن يجترئ فيفعله قبل فيبر في يمينه. وأما ما يمكنه فعله ويباح له/ [ز 151] في المستقبل فلا يحنث قولاً واحداً. وأما ما حلف على فعله في مثل هذا في الماضي فيحنث عند أصبغ (¬6)؛ لأنه حلف على أمر فات لا يقدر على فعله وغيب لا يعلم كيف كان يكون حاله فيه. ولم يحنثه عبد الملك (¬7) لأنه مما كان يمكنه فعله ولا يمنعه منه مانع في الغالب، وذلك مثل: لو كنت حاضراً أمس لكذا لفعلت كذا، ولأعطيتك كذا، أو لأقضينك (¬8) دينك. وقوله: إذا حبلت فأنت طالق (¬9): لا يمنع من وطئها مرة. معناه أنه لم ¬
يكن وطئها في ذلك الطهر، ولو وطئها فيه طلقت عليه عند ابن القاسم (وروايته) (¬1). وقوله (¬2): "من طلق امرأته إلى أجل هو آت فهي طالق حين تكلم به"، معناه إن لم يكن الأجل مما لا يبلغه عمرهما أو عمر أحدهما. وقوله (¬3): إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق: هي طالق لأنه شاك في حالها الآن. وهذا بخلاف: إن ولدْتِ جارية. أو إذا ولدتِ جارية، فلا شيء عليه حتى تلد، لأن هذا تعليق بشرط. وكذلك: إن أمطرت السماء غدا، فلا تطلق [عليه] (¬4) حتى تمطر. وكذا بينه في كتاب ابن حبيب (¬5) وفرق بينه وبين لو قدم الطلاق في هذا فيلزمه على كل حال لأنه كالأجل. وهذا كله ما لم يدع علم غيب في ذلك وتخرصاً فيكون لا فرق بين تقديمه الطلاق وتأخيره، ولا بين: إن أمطرت وبين إن لم تمطر. كما أنه لو حلف على ذلك لعادة جرت له وعلامات عرفها واعتادها - ليس من جهة التخرص وتأثير النجوم عند من زعمه - لم يقع الحنث عليه على ما ذكره بعض الشيوخ (¬6) حتى يكون ما حلف عليه. ويحتج عليه بقوله - عليه السلام -: "تلك عين غُدَيْقَة" (¬7). وتأتي مسألة الحالف على قدوم أبيه. ¬
ثم إنه في هذه الوجوه الغيبية التي يحنث فيها إن غفل حتى أمطرت السماء أو ولدت غلاماً لم يحنثه عبد الملك (¬1) وغيره إذا وافق البر. وحنثه عيسى (¬2) بكل حال. وحكى الفضل بن سلمة القولين عن ابن القاسم (¬3). وقوله (¬4) في الكتاب في مسألة الدور (¬5) في الشك في الطلاق ثم تزوجها الزوج الأول: ترجع على تطليقة. معناه: باقية (¬6) متى طلقها بانت منه على مذهب ابن القاسم (¬7) وابن نافع (¬8) وأشهب (¬9) فيما حكى عنه ابن عبدوس، وصححه فضل ووهَّم ابنَ حبيب في نقله المذهب الآخر بإحلالها للزوج بعد نكاح ثلاثة أزواج كما رواه ابن حبيب عن مالك وذكر أنه مذهب أصبغ وأشهب (¬10). قال فضل: وإنما هو ابن وهب. ورجح ابن حبيب قول مالك وصوبه (¬11). والذي صوبه يحيى بن عمر وفضل وسائر الناس قول ابن ¬
القاسم، وهو الصواب (¬1) إذا تؤمل (¬2)؛ فإن الشك باق أبداً مقدر في المسألة لا ينقطع بألف زوج، فكيف بثلاث (¬3). ولا يقطعه إلا ما قاله (¬4) ابن القاسم وغيره مما هم متفقون عليه من تطليقه إياها ثلاثاً وتبتيتها في أول شكه، أو متى ما ردها بعد زوج، فإنه إذا راجعها بعد زوج بعد ذلك كانت عنده على ثلاث تطليقات وسقط الشك فتفهمه. وقد وهم بعض المشائخ في نقل رواية ابن وهب/ [خ 234] في قوله: إذا طلقها ثلاثاً مجتمعات أو مفترقات زال الشك، وظن أنه قول ثالث وتكلف توجيهه، وليس بقول ثالث؛ أما المجتمعات فمعناها في كلمة، وهذا ما لا يختلف فيه. وأما المفترقات فمعناها من الأزواج. وهو قول مالك عند ابن حبيب الذي ذكرناه ومن وافقه من أصحابه، وهو قول ابن وهب. ويصح (¬5) أن تكون مفترقات في رجعة واحدة، لأن بأول طلقة بانت منه لتقدير أنها ثالثة على القولين جميعاً. وإن لم تكن ثالثة فهو طلاق رجعي، يريد: وفيه (¬6) الطلاق. فقد بانت بما أردفه على القولين جميعاً. وقوله في مسألة (¬7) الاستثناء بمشيئة فلان وهو ميت: لا تطلق عليه، / [ز 152] لم يبين في الكتاب علم الحالف بموته أو لم يعلم، وهما سواء على مذهبه في الكتاب، ويختلف إن علم بموته على رأي سحنون (¬8) في "إن شاء هذا الحجر"، وأنه ندم. ¬
وقوله (¬1): "إن تزوجتك أبداً، أو إذا تزوجتك أبداً، فلا يكون إلا على مدة" (¬2). طرح ابن وضاح "أبداً" من المسألة. وليست في رواية القرويين (¬3). ونقلها شيوخهم بزيادة "أبداً" من كتاب محمَّد (¬4). ولا فرق بين إثباتها وسقوطها، لأنها راجعة إلى الزواج لا إلى الطلاق. وسيأتي من هذا في العتق (¬5). وقوله في القائل (¬6): "كل امرأة أتزوجها عليك طالق، فطلق امرأته ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج إنه لا يلزمه اليمين"، كذا هنا. وقد اعترض عليها محمَّد (¬7) وغيره بما روي عن مالك وقاله جماعة من أصحابه (¬8) أن اليمين باقية، وإنما تسقط زوال العصمة ما كان في المطلقة نفسها من الأيمان. وأما ما حلف عليها فيه بسواها (¬9) فبخلاف (¬10)؛ كما لو حلف بالله أو بالمشي أو الصدقة ألا يطأها (¬11)، فاليمين باقية عليه وإن تزوجها بعد زوج. وهو الذي نص عليه في كتاب الإيلاء، وفرق بين بتات المحلوف بها والمحلوف عليها، وهو الأصل. وقوله (¬12) في الذي جعل لزوجته إن تزوج عليها فأمرها بيدك (¬13)، ¬
فطلقها ثم تزوج أجنبية ثم رد زوجته الأولى: إن التمليك ثابت عليه ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء، وسواء شرطوا ذلك عليه في عقدة النكاح أو تبرع بذلك. إنما نبه بهذا للخلاف (¬1) في ذلك؛ فإن مطرفاً يفرق بينهما ويلزم ذلك بالشرط في أصل النكاح ويسقطه في التبرع إذا زعم أنه لم يرد إلا ذلك. وأشهب (¬2) يحمل اللفظ (على) (¬3) مقتضاه، ولا يلزمه شيئاً متى كان زواج الأجنبية والأولى خارجةٌ من عصمته. وقوله في المملكة أمرها (¬4) إن تزوج عليها ففعل: إنها إذا طلقت نفسها بعد الدخول واحدة كان الزوج أملك بها، وإن كانت غير مدخول [بها] (¬5) كانت بائنا. ظاهره أنها رجعية، وقد أنكر هذا سحنون (¬6) وقال: هذه طلقة لا رجعة فيها، لأنها في أصل النكاح. قال أبو عبد الله بن عتاب (¬7): ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة بائنة، لأن ذلك في أصل النكاح (¬8)، وقد أسقطت من صداقها لشرطها فصار خلعاً بائناً (¬9). فيكون قوله في الكتاب على هذا "زوجها أملك بها" جار (¬10) على غير أصولهم كما أنكر سحنون. قال بعض شيوخنا: ومعنى إلزامه/ [خ 235] في المسألة الثلاث إذا اختارته، ومنعه الزوج من المناكرة أنه كان في أصل النكاح، ولو كان طوعاً كانت له مناكرتها. وهو مفسر في كتاب التخيير والتمليك. ¬
وقوله (¬1): إذا رضيت بامرأة ولم ترض بأخرى لها أن تطلق نفسها وتحلف. أنكر سحنون المسألة وقال: هذه رواية ضعيفة لا أعرفها، وهي على إذنها. قال أحمد بن أبي سليمان - صاحبه -: تدبر قوله: وهي على إذنها، هل أراد أن إذنها أولاً لا يمنعها (¬2) القضاء فيما بعد، ويكون إنما أنكر اليمين فقط؟ قال فضل: وجدت لسحنون عليها في كتاب ابن عبدوس: الحلف باطل. قال غيره: هذا يدل أن تركها وإذنها قبل التزويج ينفع (¬3)، وإلا فما فائدة اليمين؟ وقوله (¬4) في الحالف ألا يتزوج من الفسطاط فتزوج، وتشبيهه لها بمن حنث (¬5) بالطلاق فلم يعلم فوطئ أهله بعد حنثه، وهما سواء وحكمهما واحد، وقوله (¬6): إن مات بعد الدخول ليس عليها عدة الوفاة، وإنما عليها ثلاث حيض. قال بعض شيوخنا: دليل "المدونة" من هنا إذ لم يجعل لها حكم الزوجية في الانتقال إلى عدة الوفاة ألا موارثة، وأن عليهما الرجم إن اعترفا بذلك كما في كتاب ابن حبيب (¬7) وخلاف ما في "العتبية". والذي يتقرر من مذهب ابن القاسم وروايته/ [ز 153] خلاف لقوله: إن كل نكاح مختلف فيه فالتوارث فيه. والخلاف في هذه المسألة قوي عن العلماء وعن مالك وأصحابه. وقوله (¬8) في الحالف لا يتزوج من الفسطاط فوكل من يزوجه: "النكاح لازم إلا أن يكون قد نهاه". قال بعض شيوخنا: وكذلك لو أعلمه أنه حلف ¬
وان لم ينهه، ويضمن الرسول الصداق. قال القاضي رحمه الله: ولو قام (¬1) على نهيه وإعلامه بينة لم يلزم واحداً منهما شيء ولم ينعقد النكاح؛ لأنه لم يوكله قط عليه. وكذلك في السلعة لو أعلمه بذلك فيها واشتراها باسمه وتبرأ من الثمن لم ينعقد البيع فيها. وقوله (¬2): "مخالعة السكران جائزة"، يستفاد منه أحد القولين في غير الكتاب في بيعه ونكاحه وسائر أفعاله، لأنها من باب المعاوضات والعقود الزائدة على الأيمان (¬3). والسَرِي بن يحيى (¬4)، بفتح السين المهملة بعدها راء. "وخَريعة من ظلم" (¬5)، بفتح الخاء وكسر الراء وبالعين المهملة، أي قطعة منها (¬6). وقيل: أصله من الشق؛ خرعت الشيء: شققته (¬7). والاختراع أيضاً الخيانة (¬8)، وقد تكون في هذا المعنى. وقوله (¬9): "ولا نعمة عين"، بضم النون وبفتحها، أي قرة عين، وفيه لغات كثيرة (¬10). والنَّعْمَة والنُّعْمَة: المسرة. ¬
وقوله (¬1) في مسألة ربيعة في الذي سأله رجل: بكم ابتاع السلعة فأخبره "فقال: لم تَصدقني. فطلق امرأته إن لم يخبره، فقال: بدينار ودرهمين، ثم ذكر فقال: بثلاثة دنانير (¬2) وثلاثة دراهم". وقوله: قد طلق امرأته. اختلف من هو الحالف المطلق عليه امرأته، وعلى من يعود هذا الضمير في "امرأته": هل هو السائل - وعليه اختصرها ابن أبي زمنين - أو المسؤول - وعليه اختصرها أبو محمَّد -؟ وتأويل المسألة/ [خ 236] في إيجاب الحنث مراد المحلوف له قبل تذكر الحالف إن كان صاحب السلعة، أو فوات (¬3) أجل إن كان ضربه الحالف، أو كان مقصد الحالف إن كان السائل ليخبر (¬4) به الآن. وقول ابن شهاب (¬5) في الحالف: إن لم أفعل كذا: "إن لم يجعل ليمينه أجلاً ضرب له أجل، فإن أنفذ ما حلف عليه وإلا فرق بينه وبين زوجه". قال ابن أبي زمنين: هذا خلاف أصول أصحابنا إلا أن يريد أجل الإيلاء. وانظر قوله (¬6): "إن سمى أجلاً أراده وعقد عليه قلبه حمل ذلك في دينه واستحلف" (¬7). فهذه تدل على مسألة "العتبية": إن حلف: إن كلمت زيداً - ونوى شهراً - أنه ينفعه إن جاء مستفتياً. وتأمل قوله: "وعقد عليه"، فقد قالوا: إنما ينفعه هذا إذا عزم على ذلك أول يمينه، وهو ظاهر كلام ابن شهاب (¬8). ¬
وقوله (¬1): صاغراً (¬2) قَميئاً، بفتح القاف وتخفيف الميم وهمز آخره، أي حقيراً ذليلاً (¬3). والفخذ، تفسر في النكاح. والحِواء، بكسر الحاء المهملة ممدود: المكان الذي يحوي جماعة. وقوله: ثم أثم (¬4): أي حنث. وعيسى بن أبي عيسى الحناط (¬5)، والخياط، والخباط، تقدم في الطهارة. ويحيى بن أبي أُنَيسة (¬6)، بضم الهمزة وفتح النون مصغراً (¬7)، الجزري، بفتح الجيم والزاي. وبنو جُشَم (¬8)، بضم الجيم وفتح الشين المعجمة (¬9). ومخرمة بن بكير (¬10) عن أبيه: سمعت عبيد الله بن مِقسم - بكسر الميم - يقول: طلق رجل من آل أبي البَخْتَري - بفتح الباء وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء باثنتين فوقها. وفي رواية ابن وضاح: سمعت عبيد الله بن مقسم (¬11) يقول: سمعت سليمان بن يسار يقول: طلق رجل من آل أبي ¬
البختري امرأته وهو سكران. وعند إسحاق (¬1): "قال: حسبت أنه قال: عبد الرحمن (¬2). وقد قيل (¬3): إنه المطلب ابن (¬4) أبي البختري" (¬5). وقوله (¬6): "لا تقام الحدود إلا على من احتلم أو بلغ الحلم"، معناه بلغ السن الذي لا يبلغه أحد إلا من احتلم. أو بلغ، أي ظهرت عليه علامات الاحتلام وبلوغ حده كالإنبات. وقوله (¬7): "والطلاق من حدود الله". وقال في باب الشهادة في الطلاق بعد هذا: "الطلاق حق من الحقوق/ [ز 154] وليس بحد من الحدود"، فقوله: من حدود الله، أي مما حد فيه الأحكام والأعداد. قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (¬8). وقد يكون من حدود الله على ما أشار إليه في غير موضع أنه يؤول إلى الحدود من الإحصان ووجوب الرجم، ولذلك جعل في كثير من أحكامه العبد على النصف من الحر. وقوله ها هنا: "وليس من الحدود" في باب الشهادة أنه لا يلزم الشهود فيه إذا لم تتم الشهادة حد ولا عقوبة كما يلزم في الشهادة في الزنا ¬
والحدود، كما سيأتي تفسيره بعد هذا (¬1). والمغمور: الذي ذهب عقله من إغماء أو مرض (¬2). والفضل بن الحسن الضَمْري (¬3)، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وآخره راء. وقول ربيعة (¬4) في الأمة: "إن عُتق زوجها قبل أن يخلو (¬5) أجلها لم يكن له عليها رجعة"، كذا روايتي. وهو وفاق لمذهب الكتاب، لأن اختيارها بائن. ووقع في حاشية كتاب الدباغ عند ابن سهل لبعض الرواة: قبل أن يخلو بها (¬6). فهذا يشعر بخلاف الكتاب/ [خ 237] ويوافق ما في "مختصر ما ليس في المختصر" أن اختيارها رجعي، إذ لولا هذا لم يفترق قبل الدخول من بعده (¬7). وزَبْراء (¬8) بفتح الزاي وسكون الزاي (¬9) بواحدة ممدود. ¬
وقوله في المرأة (¬1) يطلقها زوجها في مرضه وتزوجت أزواجاً كلهم يطلقها ثم يموتون: إنها ترثهم. نبه بعض الشيوخ (¬2) أنها ترث في المرض الطويل، لأن هذا لا يتأتى إلا بعد انقضاء العدة من (¬3) كل اثنين. قال القاضي رحمه الله: وقد يتفق هذا في المدة القريبة، أن يكون جميعهم لم يدخل بها واتفق مرض كل واحد منهم بأثر عقد نكاحه. أو تفترق الحالات، فيكون الأول دخل وتركها حاملاً فولدت للغد ونحوه، ثم تزوجها آخر فمرض لأمد قريب، ثم ثالث فيجرح جرحاً مرض منه. وهكذا حتى قد يتفق في الأيام اليسيرة بل في اليوم الواحد مثل هذا. وأيضاً فإنها فرض مسائل يتكلم عليها إن اتفقت. وقد اختلف في المرض المخوف إذا طال بما هو مذكور في كتبنا، وأقرب أن يحتج لهذا بقوله في المجذوم وصاحب السل وشبهه: إن كان أضناه وألزمه البيت والفراش يخاف عليه. ومعلوم أن هذه الأمراض مما يطول وإن التزم صاحبها الفراش. وقوله (¬4) في الذي يقرب لضرب الحدود أو لقطع يد أو رجل أو لحد الفرية: "إن ما كان من ذلك يخاف منه الموت كما خيف على الذي حضر الزحف فهو بمنزلة المريض". عارضها بعضهم بأنه لو خيف عليه الموت من الحد لم يقم عليه. فأجاب بعضهم أن هذا لم يقصد بالكلام عليه، وإنما أجاب عن الفصل الذي سئل عنه، ولو سأله: هل يقام الحد على من هذه حاله؟ لقال: لا. وقيل: لعله إذا فعل ذلك من يراه صواباً من الحكام أو من جهل ذلك منهم. واعتل القابسي (¬5) أن معناها بعد إقامته. ¬
وهذا إحالة المسألة لوجهين (¬1): أحدهما أنه قال في السؤال: قرب لضرب الحدود. والثاني قياس ابن القاسم لها على حاضر الزحف التصحيح. ولو كان كما قال كان مريضاً لا يختلف في فعله. وذهب ابن أبي زيد أن الخوف إنما حدث منه أو أدركه من الجزع ما يدرك حاضر الزحف وراكب البحر، فحكم له بحكمها (¬2). وهذا أشبه وأولى، ولو كان القطع لحرابة لم ينبغ أن يلتفت إلى الخوف وأقيم عليه الحد بكل حال؛ إذ أحد حدوده القتل. وقوله فيمن تزوج في المرض ودخل: لها صداق مثلها، ومعارضة سحنون لها في بعض النسخ. تقدم الكلام عليها في ثاني النكاح. وثبت (¬3) قارظ بالقاف والظاء المعجمة (¬4). وعبد الله بن مُكْمَل (¬5)، بسكون الكاف وفتح الميم. ¬
ويزيد بن عياض (¬1) عن عبد الكريم بن أبي المخارق (¬2)، / [ز 155] كذا لابن وضاح. وعند ابن باز: عبد الكريم بن الحرث (¬3). وكلاهما مشهوران قرينان متعاصران؛ ابن أبي المخارق بصري، وابن الحرث مصري (¬4). ومجاهد بن جبير (¬5) - ويقال جبر غير مصغر - وهو أشهر. وبالتصغير قاله ابن إسحاق. وحكى الوجهين البخاري (¬6). وقول ابن شهاب (¬7) فيمن "به مرض لا يعاد منه؛ رمد (¬8)، أو جرب (¬9)، أو ريح (¬10)، أو لَقْوَة (¬11)، أو فتق (¬12) "، معناه أن مثل هذه الأمراض منها ما/ [خ 238] يخف ويتصرف به صاحبه ويطول أمر بعضها، فالناس لا يعودون أصحابها، لأنهم غالباً لا يلازمون الفرش. والعيادة إنما هي لمن تخلف فيعاد ليعلم حاله وليقام عليه في مرضه فيما احتاج إليه، لا أن العيادة في الحين مسنونة (¬13) ولا مستحبة. وقد جاء في حديث زيد بن ¬
أرقم: "عادني رسول الله (¬1) من وجع كان بعيني" (¬2). وقوله (¬3): "إن طلقها واحدة وهو مريض، ثم صح ثم مرض، ثم طلقها وهو مريض لم ترثه إلا أن يموت وهي في عدتها من الطلاق الأول لأنه ليس بفار، إلا أن يرتجعها ثم يطلقها وهو مريض فترثه وإن انقضت عدتها". فيه دليل على أن الرجعة في الطلاق السني تهدم العدة. وهذا مثل قول ربيعة في الذي أمر امرأته أن تعتد وهو صحيح ثم مرض في عدتها ومات وقد انقضت عدتها قبل موته وكيف إن أحدث لها طلاقاً أو لم يحدثه: لا ميراث لها إلا أن يكون راجعها ثم طلقها في مرضه فلها الميراث وإن انقضت عدتها إذا مات من ذلك المرض. وهذا بين أن المراجع في طلاق السنة متى طلق بائنة (¬4) في العدة أنها تستأنف العدة وإن لم يمسها، بخلاف المراجع في عدة الطلاق البائن؛ هذه لا تستأنف العدة إن طلق إلا أن يكون دخل بها في هذه الرجعة. وهو منصوص في طلاق السنة من "العتبية" وغيرها من الأمهات. وهو أصل من أصولنا أن الرجعة في السنية تهدم العدة الأولى على كل حال. وفي البائن لا تهدم إلا بالدخول فيها. وفي قول ربيعة أيضاً أن المريض له ارتجاع المعتدة من الطلاق الرجعي؛ لأنها زوجته بعد، والموارثة بينهما. وهو نص قول سحنون في "العتبية". بخلاف ابتداء النكاح؛ لأنه لم يدخل وارثاً برجعته، إذ في الرجعية الوراثة. وقوله (¬5): "وليس عليها إلا عدة ما حلت منه من الطلاق"، كذا لابن وضاح. ورواية ابن باز: خلت، بالخاء المعجمة وتخفيف اللام. ¬
ومسألة المتزوج (¬1) امرأتين ودخل بإحداهما، ثم طلق إحداهما ثم هلك الرجل قبل انقضاء العدة. وقع هنا: "ولم يعلم أيهما المطلقة المدخول بها أو التي لم يدخل بها"، وصح عند ابن باز وأكثر الرواة. وسقط عند ابن وضاح وقال: طرحه سحنون وهو صحيح في "المختلطة". وقال ابن خالد: هو جيد على مذهبهم، وإنما الذي في "المختلطة" - وطرح سحنون - قولُه: فشك الشهود في أيهما (¬2) طلق، لأن الشهادة هنا ساقطة. وقوله (¬3) في الذي طلق إحدى نسائه وقال الشهود: أنسيناها: "شهادتهم لا تجوز إذا كان منكراً"، ثم قال (¬4): فإن قالوا: نشهد أنه قال: إحدى نسائي طالق (¬5) أنه سواء (¬6): إن كان نوى واحدة بعينها فذلك له. معناه أنه مصدق لشهادتهما، ولو كان منكراً هنا لم ينو ولزمه طلاقهن، بخلاف الأولى. وقوله هنا (¬7): "والطلاق حق من الحقوق، ليس حداً من الحدود"، قد تقدم في هذا الكتاب من لفظه خلافه. قال بعض الشيوخ (¬8): ومعناه هنا أن الشهادة فيه ليست كالشهادة في الزنا التي لا تمضي إلا إذا جاءت على فعل واحد ووقت واحد ولا تلفق وهذه تلفق. ¬
ومذهبه في الكتاب/ [خ 239] هنا ألا تلفق الشهادات بالطلاق على الأفعال المختلفة، كشاهد على الحلف على دخول الدار، وآخر على الحلف على كلام زيد. وكذلك لا تلفق الأفعال مع الأقوال، كشاهد على قوله: أنت طالق، وآخر على حنث في فعل. وتلفق عنده/ [أز 156] الأقوال بعضها إلى بعض وإن اختلفت ألفاظها وأوقاتها، كالشاهد على قوله: هي حرام وآخر على البتة، وشاهد على الطلاق يوم الجمعة، وآخر يوم الخميس. وتلفق الأفعال إذا كانت من جنس واحد وإن اختلفت أزمنتها، كالشاهد على الحالف بمكة ألا يدخل [دار] (¬1) عمرو، وآخر على حلفه بالبصرة بمثل ذلك. وكذلك إن اتفقت اليمين واختلف الفعل في الحنث بمثل ذلك، كالشاهد على الحالف ألا يكلم فلانًا أنه رآه يكلمه يوم الخميس وآخر يوم الجمعة. وقد حكى اللخمي (¬2) أنه يختلف في هذه الوجوه فقال: واختلف في ضم الشهادتين إذا كانا (¬3) في (¬4) موطنين وكانتا على قول أو على فعل، أو إحداهما على قول والأخرى على فعل؛ فقيل: تضمان. وقيل: لا تضمان. وقيل: إن كانا (¬5) على قول ضما (¬6)، ولا يضمان (¬7) إن كانا (¬8) على فعل. وقيل: تضما (¬9) وإن كانا (¬10) على فعل، فإن اختلف فعل وقول لم تضما. ¬
وخرج الخلاف مما وقع لأصحابنا ومن الكتاب. وقوله (¬1): استأدت، أي استعدت ورفعت أمره إلى الحاكم. وقول سليمان بن يسار (¬2) في الذي شهد عليه شاهد أنه طلق ثلاثاً بمصر، وآخر مثله بإفريقية، وآخر مثله بالمدينة هل يفعل بهم شيء (¬3)؟ قال: لا، وتنزع منه امرأته. أي هل يعاقبون لاختلافهم كشهود الزنا؟ وقول ربيعة (¬4) في الثلاثة الذين يشهدون على رجل بثلاث تطليقات؛ كلّ واحد على واحدة ليس معه صاحبه، فأمر الرجل يحلف (¬5) أو يفارق فأبى. وقوله: أنه يفرق بينهما إن أبى أن يحلف وتعتد عدتها من يوم يفرق بينهما. قال القابسي (¬6): معناه أن كلّ واحد شهد عليه في يمين حنث فيها، فلذلك إذا نكل طلق عليه بالثلاث، فظاهر هذا أنه يحلف بتكذيب كلّ واحد. قال: وأما لو كان في غير يمين لزمت طلقة؛ يريد لاجتماعهم عليها وحلف مع الآخر، فإن نكل لزمه اثنتان. فعلى هذا يكون وفاقا للمذهب وعلى أحد قولي مالك في التطليق عليه بالنكول. وذهب غيره (¬7) إلى أن قول ربيعة خلاف؛ لأن ظاهره أنه إن حلف لم يلزمه شيء. ومالك يلزمه واحدة لاجتماع اثنين عليها. وهو قول مطرف ¬
وعبد الملك وأصبغ. ورواه عن ابن القاسم في "الواضحة" أنها تلفق، كانا في مجلس أو مجالس. وهو مذهبه في الكتاب. وفي كتاب محمّد مثله؛ قال (¬1): بخلاف لو كان على كل طلقة شاهدان في مجالس مختلفة، فلكل شهادة طلقة وإن ادعى أنها واحدة كرر بها (¬2) الشهادة. وقال أصبغ (¬3): هذا إذا قال: اشهدوا أنها طالق، وأما إن قال: اشهدوا أني طلقتها فتضم الشهادات وتكون واحدة ويحلف. وسوى بعضهم بين الجميع وقال: القياس أن يصدق (¬4) ويحلف. كما ينويه إذا قال/ [خ 240]: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. وقال أبو محمّد بن أبي زيد (¬5): يريد: يلزمه بالنكول الثلاث. فعلى هذا لا يكون أيضاً خلافاً ويكون تحليفه لما زاد على الواحدة. وقال أبو عمر بن القطان: قول ربيعة هنا موافق لرواية عيسى في شهادات "العتبية" أنه يحلف ولا يلزمه شيء. قال أبو محمّد (¬6): ولو شهدوا أن ذلك في وقت واحد لزمته واحدة دون يمين. وأما كون العدة عند ربيعة من يوم الحكم فاحتياط للأزواج؛ إذ لم يحقق اليوم الذي طلقها فيه. وأما التي تبين منها فمن يوم طلق أولاً؛ وذلك لأن المرأة إن قامت بذلك فهي معترفة بأن العصمة قد انقطعت بينها وبينه من يومئذ، وإن لم تقم فلا يبيح لها الرجعة إذا لم يحلف على تكذيب الشهود، فهو كالمصدق لكل واحد منهم. ¬
والذي يأتي على مذهبنا وأصولنا أن العدة من يوم أرخ/ [ز 157] الشاهد الثاني الذي يحكم عليه في ذلك بتطليقة، وإن أرخوا كلهم وقتاً واحداً فمنه العدة (¬1). ومسألة (¬2) التي شهد شاهد أنه طلقها على ألف درهم وشهد آخر على أنه طلقها (¬3) على عبدها: لا تجوز شهادتهما. قال ابن محرز: رأيت في بعض الروايات بأثر هذا: "وعليه اليمين". قال القاضي رحمه الله: ولم تقع هذه الزيادة في النسخ الواصلة إلينا (¬4) ولا عند شيوخنا. وقد قال سحنون (¬5) في المسألة (¬6): إن كانا منكرين فالقول ما قال ابن القاسم، وهذا يدل على بطلان تلك الزيادة. قال: وكذلك إذا ادعت شهادتهما جميعاً. وقيل: يحلف الزوج على تكذيب كل واحد وإن اختلفت الشهادتان لأنها شبهة توجب اليمين. وظاهر قول سحنون أنه لا يمين عليه. وكذلك لو ادعى الزوج شهادتهما جميعاً وهي تنكر، إلا أن الطلاق يلزم لاعترافه به، وعليها هي اليمين في الوجه الذي به تدعي الخلع. وقيل: لا يمين عليها ولا يحلف هو مع واحد منهما. ولو قامت هي بأحدهما وهو منكر لهما حلف الزوج [على تكذيبه لا غير. ولو قام هو بأحدهما وهي منكرة لهما حلف] (¬7) واستحق ما شهد له به شاهده ولزمه الطلاق. زاد غيره: ويحلف على شهادة الآخر. وإن قامت بأحدهما وقام هو بالآخر؛ فذهب القابسي إلى أنه ينظر: فإن كان الزوج قام بشهادة الدراهم بيع العبد فيها ووفيت له، يعني إن كان في ثمن ¬
العبد عددها فأكثر ولا يخالف (¬1) هنا. فإن فضلت فضلة من ثمن العبد وقفت حتى يرجع الزوج إلى طلبها. وقول المرأة وإن نقص شيء حلفت المرأة على تكذيب شاهد الزوج وسقطت عنها الزيادة. وقيل: يحلف مدعي الفضل ويأخذ. وإن كان الزوج هو القائم بالعبد وهو مضمون أخذت الدراهم من المرأة فاشتري بها للزوج عبد على الصفة ولا أيمان هنا أيضاً. وإن نقصت الدراهم عن ثمنه حلف الزوج واستحق الزيادة. وإن فضل من الدراهم فضل فكالأولى. وكذلك إن كان العبد معيناً وليس في ملكها، الجواب واحد ويحلف هنا الزوج/ [خ 241] إن كان ثمن العبد أكثر من الدراهم. وإن كان العبد معينا في ملكها حلف الزوج على ما كانت دعواه من شهادة الشاهدين. قاله سحنون. وقيل: إن كان الزوج هو الذي قام بشهادة العبد، وذلك في مجلس واحد، فهو تكافؤ ويقضى بالأعدل مع يمين القائم؛ لأنه إن كان الأعدل شاهد الزوج فباليمين (¬2) معه يستحق حقه. وإن كان شاهد المرأة فتحلف على تكذيب شاهد الزوج ودعواه. وإن كانا في مجلسين وعرف الأول فالحكم له والآخر لغو. وإن لم يعلم حلفا وقسم العبد والدراهم بينهما. ولا خلاف أن الطلاق لازم في جميع الوجوه إلا في إنكار الزوج أمر الشاهدين جميعاً لاعترافه في غير هذا الوجه بالطلاق إما معهما أو مع أحدهما. وقوله (¬3) في قبول شهادة النساء في الاستهلال والولادة، ظاهره على الإطلاق، وعليه حمله بعض الشيوخ وإن لم يكن البدن (¬4) حاضراً؛ إذ بقولهما (¬5) يقضى أولاً وآخراً. ¬
وقوله (¬1) في التي جحدها زوجها الصداق (¬2) وهي تعلمه: "لا يرى لها شعراً ولا صدراً ولا وجهاً". قال بعضهم: ظاهر هذا أن الأجنبي لا يرى وجه الأجنبية. وهو ليس بعورة عند مالك وأهل العلم لإبدائها إياه في الصلاة. وفي كتاب الظهار (¬3) خلافه، وليس هذا الظاهر هنا. وسيأتي الكلام على ما في كتاب الظهار هناك. وقد قال مالك في "الموطأ": وقد يرى غيره وجهها. وإنما مراده هنا ألا تريه إياه، لأنّه ينظر إليه على طريق التلذذ فلا تمكنه من ذلك ولا تجعل له لذلك سبيلاً ما استطاعت. وكذلك نظر الأجنبي إليه على هذا الوجه لا يجوز بإجماع. وقوله (¬4) في الذي (¬5) شهد بطلاقه وهو ينكر: "يفرق بينهما". قيل: ظاهره أنها تعتد من اليوم/ [ز 158]، وهو دليل قوله: لا حد عليه (¬6). وقوله (¬7) في شهادة السيد على عبده بالطلاق: "لا يجوز" (¬8). قال ابن القاسم في "المدنية": ويحلف العبد. وقوله (¬9) في شهادة النساء للمرأة بطلاق زوجها: "إن كانتا ممن تجوز شهادتهما عليه، أي في الحقوق حلف، وإلا يحلف"، كذا وقع هنا. زاد في كتاب الشهادات: يريد: إلا أن يكن مثل أمهاتها وبناتها وأخواتها وجداتها أو مَن هو منها بظنة. وهذا على الأصل في شهادة الرجال. وزاد في ¬
كتاب العتق (¬1): أو عمتها أو خالتها، وليس هذا بمنزلة الحقوق وهذا طلاق. يريد لأن هذا لو شهدوا (¬2) لها به في الحقوق جازت، ولكن يتهم النساء في هذا الباب لعصبية بعضهن على بعض بما لا يتهمن عليه في الأموال. ولعل هذا هو مراده في الشهادات: أو من هو منها بظنة. ¬
كتاب التخيير والتمليك
كتاب التخيير والتمليك اختلف شيوخنا هل التخيير مكروه لاقتضائه الطلاق الثلاث المنهي عنه أم مباح؟ إذ ليس نفس إيقاع الثلاث وإنما هو مسبب له، أو لظاهر الآية في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بالتخيير وفعله ذلك. والأظهر/ [خ 242] في (¬2) الآية التخيير فيما بين الدنيا والآخرة، ثم رجوع الأمر بعد ذلك إن اخترن الدنيا للنبي عليه السلام (¬3)، فيمتع (¬4) ويسرح. وأن السراح الجميل لا يقتضي البتات بلفظه. وليس في أمره عائشة بمشاورة أبويها (¬5) ما يدفع هذا الاحتمال؛ إذ اختيارها سبب لتسريحه إياها. وكان عليه السلام يكره ذلك. وخبر اختيار العامرية الذي ذكر في "المدونة" (¬6) .................. ¬
لم يصح (¬1) ولا خرجه أهل الصحة (¬2). ثم اختلف العلماء في الخيار إذا وقع اختلافا كثيراً، والمتحصل من الأقوال في مذهبنا فيها (¬3) ستة أقوال: أشهرها مذهب الكتاب وأن اختيار المرأة ثلاث، ولا مناكرة للزوج، نوت المرأة الثلاث أم لا (¬4)، وأن قضاءها بدون الثلاث لا حكم له. ثم اختلف هل هو مسقط للخيار ولا قضاء لها بعد، أم لها القضاء ثانية؟ الثاني أنها ثلاث بكل حال وإن نوت دونها أو لم تنو شيئاً، ولا تسأل عن شيء، ولا مناكرة للزوج. وهو قول عبد الملك (¬5). الثالث أنه واحدة بائنة. ذكره ابن خويز منداد عن مالك (¬6)، وهو أحد مذهبي علي بن أبي طالب (¬7). وتأوله اللخمي على حكاية ابن سحنون عن أكثر أصحابنا واختاره هو. الرابع أن للزوج المناكرة في الثلاث والطلقة بائنة، وهو قول ابن ¬
الجهم (¬1)، وهو الظاهر عندي من معنى ما حكاه ابن سحنون (¬2) عن أكثر أصحابنا لا ما تأوله اللخمي. الخامس له المناكرة والطلقة رجعية، وهو ظاهر قول سحنون (¬3). وعليه تأوله اللخمي كالتمليك. وهو قول عمر (¬4) وعلي أولاً (¬5). ومذهب أبي يوسف (¬6) أن الخيار رجعية. السادس أنها إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها أو ردت الخيار عليه فهي واحدة بائن. وهو قول زيد بن ثابت (¬7). وحكاه النقاش (¬8) عن مالك. والحسن (¬9) والليث (¬10) رأوا أن نفس الخيار طلاقاً (¬11). والخلاف فيه قائم من "الموطأ" (¬12)، وهو قوله بعد قول ابن شهاب: "إذا خير الرجل امرأته فاختارته، فليس ذلك بطلاق، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت". ولم ير أبو حنيفة الخيار حكماً. وللسلف في هذا خلاف زائد على ما ذكرناه. ¬
ومسألة (¬1): "اختياري (¬2) في أن تطلقي نفسك تطليقة واحدة أو أن تقيمي". ظاهر كلام ابن القاسم أنه سواها مع قوله: "اختاري في واحدة" وأنه يحلف ما أراد إلا واحدة. وعليه تأولها ابن أبي زيد وغيره. واختصرها ابن أبي زمنين وزاد: قال ابن القاسم: ولا أرى عليه (¬3) يميناً. قال: ولم يرو ابن وضاح قول ابن القاسم. وكأن المراد عندهم محتمل/ [ز 159] لإمضاء الفراق في مرة واحدة باتا لا يحتاج الإعادة والتكرار، فسواء سمى التطليقة أم لا. ويدل عليه قوله: أو تقيمي - والواحدة لا تبينها - وهي معه في حكم المقيمة بعد (¬4). وتأول آخرون أن المسألتين مفترقتان. وهو ظاهر كلام محمّد (¬5) بن المواز؛ لأنه رفع الاحتمال بقوله: تطليقة، بخلاف إذا لم يسمها، كما لو قال: تطليقة - ولم يقل واحدة - لم تقتض أكثر من واحدة. وقوله (¬6): "إذا قال لها اختاري في تطليقتين/ [خ 243] فاختارت واحدة: لا يقع عليها شيء"، كذا في رواية أشياخنا (¬7) بزيادة "في"، وكذا في كثير من النسخ، وعليها اختصرها أبو محمّد وأبو عبد الله (¬8) وأكثرهم. وسقطت ¬
"في" من بعض النسخ (¬1)، وعليها اختصرها بعض المختصرين (¬2). وقد فرق بين هذه المسألة والأولى بعضهم، فلم يدخل خلافاً في مسالة تطليقتين أنه ليس لها اختيار واحدة. وكذلك عنده على (¬3) ما في الكتاب في مسألة "في". وذكر ابن سحنون (¬4) أن لها في مسألة: اختاري في تطليقتين أن تختار واحدة أو اثنين (¬5)، لاحتمال قوله الاختيار في الأعداد أو في البقاء. قال بعض شيوخنا: ويسأل الزوج؛ فإن كان نوى اختيار الأعداد لزمه ما فعلته. وإن قال: أردت أن أخيرها في التطليقتين أو الترك حلف ولم يلزم دون الثلاث. قال: ولها أن تختار بعد لأنها تقول: ظننت أنه أراد العدد. وهكذا قال في الكتاب (¬6): "إذا ملكها في التطليقتين فقضت بواحدة تلزمه إلا أن يريد: ملكتك في التطليقتين، أو كَ "في" ولم يملكها في الواحدة"، فاحتملت عنده هنا الوجهين معاً. وإذا قال (¬7): قد ملكتك الثلاث تطليقات، فطلقت نفسها ثلاثاً لزمته، يريد: ولا تلزم الواحدة، لأن هذا إنما خيرها في الثلاث فقط. وقد قال في باب آخر (¬8): إن قال لها: أنت طالق ثلاثاً إن شئت، فطلقت واحدة لا شيء عليها من الطلاق، وجعله كالخيار. وكذلك قال إذا قال لها (¬9): "أمرك بيدك في أن تطلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة". وفي "الثمانية" (¬10): إذا قال: ملكتك ثلاثاً قضت بما ¬
شاءت. وفي كتاب ابن حبيب (¬1): لا تقضي بالواحدة. ومثله لأصبغ (¬2). وفي كتاب ابن القصار (¬3) إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة، أو طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً لم يلزمها (¬4) شيء. مسألة (¬5): اختاري اليوم كله: ليس لها أن تختار بعد مضيه (¬6). اختلف هل هذا على قوليه معاً في التمليك - وهذا مذهب كبار المشايخ (¬7) - أم يخرج على القولين؟. وقال في مسألة التمليك (¬8): كان يقول "ذلك لها ما دامت في مجلسها، فإن تفرقا فلا شيء (¬9) ". ثم قال (¬10): "إذا قعد معها ما يرى الناس أنها تختار في مثله وأن قيامه لم يكن قطعاً ولا فراراً". وقال أيضاً في موضع آخر: إذا قامت من مجلسها فلا شيء لها بعد ذلك. وقال أيضاً في موضع آخر (¬11): "أما ما كان من طول المجلس وذهاب عامة النهار ويعلم أنهما قد تركا ذلك فلا أرى لها قضاء". وظاهر هذا كله موافق. وإنما ذكر عامة النهار هنا لأن السائل ذكره في سؤاله فأجابه عليه، لا أنه يشترط ذهاب عامة النهار في قوله هذا على ما نبه عليه بعض المختصرين. ¬
وقول أشهب (¬1): إذا افترقا سقط الخيار ولها ذلك ما أقاما في المجلس راجع إلى ذلك (¬2) ووفاق إن شاء الله تعالى. والمسألة على قولين: أحدهما: مراعاة المجلس والافتراق وإن (¬3) كانا بالقرب، أو طوله والخروج عما كانا فيه إن لم يقوما عن قرب. والثاني: أن لها ذلك ما لم توقَف. وعلى هذا اختصرها أكثرهم. ونبه بعضهم أن في القول الأول لفظين لينبه (¬4) على الخلاف. وأن القول الأول على قولين: أحدهما: الافتراق، إما بالأجسام أو بما يظهر من الخروج إلى غير ما كانا/ [خ 244] فيه وما يدل على تركها ما جعل لها. والثاني: مراعاة طول المجلس وجل النهار. وهذا ظاهر ما في كتاب ابن حبيب فإنه قال: ذلك لها ما كانا في مجلسهما، فإذا تفرقا ولم يحدثا شيئاً/ [ز 160] فأمرها إلى زوجها، قال (¬5): وكان يقول أيضاً: وإن طال المجلس حتى يُرى أنه ترْك لما كان (¬6) فيه بطل ما جعل لها. ثم رجع فقال: حتى يوقف (¬7) أو توطأ (¬8). ¬
وقوله (¬1): أنت طالق إن شئت. قال ابن القاسم: ذلك لها وإن قامت من مجلسهما (¬2)، وذلك تفويض فوضه إليها. وهذا قول مالك في كتاب الأيمان (¬3)، والأمر بيدها حتى توقف (¬4). وكذلك قال في الظهار (¬5) في: "أنت علي كظهر أمي إن شئت". ولابن القاسم في "الواضحة" (¬6) و"المبسوطة": لا قضاء لها في: أنت طالق إن شئت إلا في المجلس. وهو ظاهر قوله في كتاب العتق (¬7)، وفي ما (¬8) هناك احتمال (¬9). وهذا هو الذي رجحه بعض شيوخنا (¬10) المقتدى بهم. وخرج ابن محرز الخلاف في ذلك من قول مالك من ظاهر قوله (¬11): إن قال: "أنت طالق إن شئت، أو اختاري، أو أمرك بيدك"، قال: قد اختلف قوله فيها؛ فكان يقول: ليس لها أن تقضي إلا في المجلس، قال: فظاهر قوله أنه اختلف قوله في: أنت طالق إن شئت، ولم يجعله كالتمليك إذا علقه ¬
بالمشيئة، قال: وله وجه صحيح؛ لأن قوله: أنت طالق إيقاع للطلاق. فإنما يصيره تمليكاً تعليقه بالمشيئة فيصير كالتمليك المطلق، ولا يكون كالتمليك إذا وكد بتفويض المشيئة لها؛ إذ لا بد أن يكون للتفويض بالمشيئة تأثير وقوة، وليس إلا القضاء متى شاءت. وقد فرق ابن القاسم بين قوله: إن شئت فأنت طالق وبين قوله: إذا شئت، في كتاب الأيمان (¬1). وحمله الشيوخ على اختلاف قول مالك في "إذا" هل تقتضي المهلة فيكون تفويضاً، أو الشرط المجرد فيكون مثل "إن"، فانظر هذا. وأما (¬2) قوله: أمرك بيدك إن شئت، أو إذا شئت، فعند مالك أن ذلك ليس بتفويض، ويجري على قوليه (¬3) في التمليك المطلق. ولذلك (¬4) قال غير ابن القاسم في مسألة كتاب الظهار في القائل لامرأته (¬5): "إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي": "إن هذا على وجه قول مالك في التمليك في الطلاق". وذكر اختلاف قوله والتمليك (¬6). وابن القاسم يرى ذلك تفويضاً وأنه بيدها ما لم توقف (¬7). ¬
وحكى ابن حبيب (¬1) عنه في ذلك قولين وأن هذا آخر قوليه (¬2)، فنبه على الخلاف. وقد تأول بعضهم (¬3) على ابن القاسم أن "إن" (¬4) في التمليك ليس بتفويض بخلاف الطلاق، حكاه أبو النجا الفرائضي (¬5). وقال أصبغ (¬6): إن شئت ففي المجلس، وإذا شئت تفويض، وأما متى شئت [ومتى ما شئت] (¬7) فتفويض حتى توقف في جميع هذا كله أو توطأ إلا على قول أصبغ (¬8) في: كلما، هو (¬9) عنده تفويض لا يقطعه الوطء، بخلاف ما ليس بتفويض، فإذا قضت (مرة) (¬10) بما قضت لم يكن لها عودة. وأما: أنت طالق كلما شئت، فأبلغ في التفويض، ولها الخيار مرة بعد مرة بما شاءت من الطلاق. وكذلك في التمليك حتى توقف. وأما ما شئت، وكم شئت فتخيير في العدد دون الأمد في الطلاق والتمليك. وقوله في المملكة إذا ردت على زوجها: قد طلقت نفسي ولا نية لها، وجوابه إذا نوت، وسكت/ [خ 245] عن السؤال إذا لم تنو. فاختلف في ¬
التأويل على الكتاب في ذلك؛ فذهب أكثرهم إلى أنها إذا لم تنو ثلاثاً (¬1)؛ لأن هذا باب فراق التخيير والتمليك إذا لم تكن نية. وإليه نحا أبو محمّد واللخمي وشيخنا أبو الوليد القاضي (¬2)، وهو قول أصبغ (¬3). وذهب آخرون إلى أنها واحدة، كما لو قالها لها الزوج ابتداء، وحكاه عبد الحق (¬4)، وهو نص قول ابن القاسم في "الواضحة" (¬5). ثم يختلف على هذا في حكم هذه الواحدة في التخيير والتمليك على ما تقدم. وأما إن قالت: أنا طالق فهي على الواحدة إلا أن تقول في المجلس: نويت أكثر فيقبل قولها. ثم يجري ذلك على الأصل في التخيير والتمليك. وقول ربيعة (¬6) في: "الحلال عليه حرام: هي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته، ولو أفردها كانت طلاق (¬7) البتة/ [ز 161]. وقال ابن شهاب مثله ولم يجعل فيها يميناً. ظاهره أنه خلاف (¬8)، وأنها خارجة حتى يدخلها بالنية لقوله: ولو أفردها. وأما الكفارة فرآها ربيعة على مذهب من جعل في الحرام كفارة يمين، لظاهر الآية لقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬9)، ومالك لا يقوله (¬10). ¬
وقول (¬1) ابن شهاب: لم يجعل فيها يميناً، يعني كفارة. وإلا فمذهبه أن يحلف: ما نوى امرأته (¬2). قال أبو عمران (¬3): ورواه أشهب عن مالك. وقد اختلف على مذهب مالك في اليمين (¬4). وقوله (¬5) في الحرام: له محاشاتها بقلبه، يريد: ولا يمين عليه إن لم تقم عليه بينة، فإن قامت بينة فحكى الأبهري والفاسي (¬6): يحلف. وقيل: لا يحلف. وقوله (¬7) في القائل لزوجته حين مسته منه في ملاعبتها: "هو عليك حرام"، ووقوف مالك وابن القاسم فيها وإلزام بعض أهل المدينة فيها التحريم (¬8)، هو على القول بإلزام الطلاق باللفظ دون النية. وقوله (¬9) في: حبلك على غاربك: "قد قال عمر (¬10) ما قد بلغك أنه نواه، ولا أرى أن ينوى"، ظاهره عند بعضهم (¬11) لا قبل الدخول ولا بعده. والذي في كتاب محمّد (¬12) وغيره أنه ينوى فيما دون الثلاث قبل الدخول ¬
ويحلف. قال في كتاب محمّد (¬1): ولو ثبت عندي أن عمر قاله ما خالفناه. وقد أثبته في "الموطأ" (¬2) وأدخله: فعارض بعضهم قوله بهذا وأنه قد ثبت عنده وخالفه. وأجابه بعضهم (¬3) أنه لم يشرح في حديث عمر دخل أم لا (¬4). فلعل مالكاً أشار أنه لو ثبت عمل عمر في هذا وتنويته إياه في كل حال، وأنه إنما نواه بعد الدخول. وقال بعضهم: إنما قال ذلك لأنه روى الحديث مقطوعاً غير مسند (¬5). وهذا ضعيف، لأن المراسل (¬6) عند مالك والمقطوع مما يجب العمل به عنده ومما يحتج به. قال القاضي رحمه الله: والذي عندي أن الذي يزيل الاعتراض عن قوله هذا، وإثباته في "الموطأ" ويجمع بين الأمرين مع قوله في "المدونة" أنه نواه أنه الظاهر، لكنه لا يقطع على أن عمر كان لا يلزمه إلا ما نواه؛ إذ ليس في الحديث ذلك مبيناً، وإنما فيه أنه أحضره موسم الحج واستحلفه عند الكعبة: برب هذه البنية ما أردت بقولك؟ فقال الرجل: لو استحلفتني ¬
بغير هذا/ [خ 246] المكان ما صدقتك. أردت الفراق - يريد الثلاث - فقال له عمر: هو ما أردت. فالثابت من هذا الحديث أن قصد عمر بهذا التغليظُ عليه والتشديد بعظيم ذلك المقام والوقت وعظيمِ ما حلفه به ليرجع إلى الحق ولا يَلبِس عليه ويهاب هناك قول الباطل كما كان، فلما أقر ألزمه ما أقر به على نفسه، وانكشف الإشكال في الفتوى واللبس بإقراره. وهو معنى قوله في "المدونة": إن عمر نواه، أي سأله عن نيته، ولو لم ينو (¬1) وادعى نية لم يعرف ما كان يقول له عمر، وهل كان يقبل نيته أم لا؟ فهذا عندي معنى قول مالك: لو ثبت أن عمر قاله ما خالفته، فلا تعارض بين ما في "المدونة" و"الموازية" و"الموطأ" على هذا الأخذ، وهو بين حسن جداً، والغالب على الظن أنه مراده بقوله هذا لا غيره، والله الموفق. ومسألة (¬2) القائل: هي أختك من الرضاعة، تقدمت في الرضاع. وقوله (¬3): أنت طالق، وقال: أردت من وثاق. واختلف (¬4) على تأويل الكتاب إذا كان (¬5) في وثاق هل يُديَّن ويقبل قوله كما قال مطرف (¬6)؟ فقيل: يقبل. وقيل: لا يقبل في نية الوثاق وإن كانت في وثاق على مذهبه في الكتاب، إلا أن يكون جواباً لكلام قبله. وفرق هذا بين صريح الطلاق وكناياته في هذا الباب؛ فإن كان سئل إطلاقها من الوثاق فقال ذلك وقال: أردته قبل قوله لشاهد السؤال، كما قال في مسألة (¬7): اعتدي - إذا كان ¬
جوابا لكلامها أعطاها (¬1) فلوساً - فقالت: "ما في هذه عشرون فقال: اعتدي"، وقال بعد (¬2): "لأن" اعتدي" جواباً (¬3) / [ز 162] لكلامها". ولا يقبل عند (¬4) هذا إن قاله ابتداء، سواء كان على قوله بينة أو لا؛ لصريح لفظة الطلاق. وغيره كما تقدم ينويه لقرينة كون الوثاق. ولا يختلف إذا لم يكن وثاق أنه لا ينوّى. وقوله (¬5): وهذا الذي قاله مالك في البتة في فتيا مالك قد كان عليه شهود، فلذلك لم ينوه مالك، يدل هذا أنه لو جاء مستفتياً لنواه. الكلام لسحنون في سؤاله، وهو - وإن كان في الكتاب من كلامه - فإنما نقله عن مالك كما تراه، ولم ينكره عليه ابن القاسم (¬6). وقد اختلف ابن نافع (¬7) وغيره عن مالك في قبول قوله في الفتيا. ويتخرج من هذه المسائل وأخواتها القولان اللذان حكاهما البغداديون (¬8) في إلزام الطلاق بمجرد اللفظ دون النية، أو بمجرد النية دون ¬
اللفظ، على ما خرجه الشيوخ من الكتاب: فأما إلزامه بمجرد اللفظ فمن إلزامه الطلاق في مسألة: أنت طالق وقال: أردت من وثاق، ولا بينة عليه، ولم يعذره وإن جاء مستفتيا. ومن قوله (¬1): "يؤخذ الناس في الطلاق بلفظهم (¬2) ولا تنفعهم نياتهم"، ومن الذي أراد واحدة فزل لسانه وقال: البتة (¬3)، ومن خلاف أهل المدينة في الذي قال لامرأته وهو يلاعبها: هو عليك حرام (¬4)، ومن مسألة هزل الطلاق. والقول الآخر من مسألة البتة، وغير مسألة مما قال فيها: أنه تنفعه في الفتيا نيته، فلم يعتبر مجرد اللفظ. وأما مجرد النية فمن مسألة (¬5): ادخلي، واخرجي، إذا أراد به الطلاق. وقوله (¬6) في مسألة: "لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك: لا شيء عليه إذا كان الكلام عتاباً إلا أن يكون نوى الطلاق"، ظاهره إن لم يكن عتاباً ولم ينو/ [خ 247] شيئاً أنه طلاق، مثل قوله ذلك لعبده في مسألة كتاب العتق (¬7). وقوله (¬8): "أنت طالق تطليقة، ينوي: لا رجعة لي عليك"، كذا روايتنا وفي أكثر النسخ. وعند بعضهم سقط: ينوي. وعلى إثباتها اختصر ابن أبي زمنين (¬9). وعلى سقوطها اختصر أبو محمّد وغيره (¬10). ¬
وقول ابن شهاب (¬1) في القائل لزوجته: أنت سائبة (¬2) وَمِنِّي (¬3) عتيقة: يحلف ما أراد الطلاق ولا شيء عليه. هذا موافق لما في "الواضحة" (¬4) إلا في اليمين فلم يلزمه يميناً. وفي "ثمانية" أبي زيد: متى قال "مني" فهو الطلاق. وإن قال لزوجه: أنت حرة، ولأمته: أنت مطلقة، فلا شيء عليه حتى يقول "مني"، فيلزمه الطلاق في الزوجة والحرية في الأمة. وقول ربيعة (¬5) في البرية: "إنها البتة إن كان دخل بها، فإن لم يدخل بها فهي واحدة"، ولم يشترط النية. ظاهره الخلاف. وقوله (¬6) في القائل: شأنكم بها: "رآه الناس طلاقاً" (¬7). قال في "الموطأ" (¬8): رآه الناس تطليقة واحدة. أنكر هذا محمّد (¬9) وقال: إنما تكون تطليقة في غير المدخول بها إذا ادعى النية في ذلك، وأما في المدخول بها فلا (¬10)، ولا ينوي. وروى عيسى (¬11) عن ابن القاسم أنها في غير المدخول بها واحدة، وفي المدخول بها ثلاث، ولا ينوي. وهو لمالك في "المختصر" (¬12) أنه ينوي في واحدة في المدخول بها (¬13). ¬
ومسألة القائل: وهبتك لأهلك: إن كان دخل فهي ثلاث ولا ينوى، فإن كان لم يدخل فهي ثلاث (¬1) إلا أن ينوي أقل من واحدة. قال في كتاب "التفسير" ليحيى (¬2): ويحلف. وفي "العتبية" (¬3): هي واحدة، ولم يذكر يميناً. وقال في العتق الأول (¬4): "إذا وهب زوجته فقد وهب ما يملك منها" ولا ينظر قوله لها. وتأولها ابن لبابة على الخلاف إذ لم يفرق قبل ولا بعد، وأنها ثلاث لقوله: ما كان يملك منها. وفي سند حديث عمر (¬5) وقوله لشريح، ذكر فيه: أبو يحيى بن سليمان الخزاعي (¬6) عن عبد الرحمن بن أبي/ [ز 163] زيد (¬7) أن عمر. كذا عند شيوخنا وفي روايتنا. وفي كتاب ابن سهل: ابن زيد (¬8) ليحيى وأحمد، وابن أبي زيد لابن وضاح. وفي بعض النسخ: عبد الملك (¬9)، مكان عبد الرحمن. ¬
كتاب الظهار
كتاب الظهار الظهار مأخوذ من الظهر، وكني به عن المجامعة؛ لأنه ركوب للمرأة كما يركب ظهر المركوب، لا سيما وعادة كثير من العرب وغيرهم المجامعة على حرف من جهة الظهر، ويستقبحون سواه ذهاباً إلى التستر والحياء والخَفَر (¬1) وألا تجتمع الوجوه حينئذ ولا يطلع على العورات. وهي كانت سيرة الأنصار حتى نزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (¬2) الآية - على إحدى الروايتين في سبب نزولها -. وكان الظهار أحد أنواع طلاق الجاهلية، فنزل في أول الإسلام بأوس بن صامت (¬3) وزوجه خويلة (¬4)، فجرت لها في ذلك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5) مجادلة اختلفت الأحاديث في نصها، فأنزل الله (تعالى) (¬6): {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآيات (¬7). وشرع الظهار (¬8) حكما غير حكم الجاهلية على ما نصه في كتابه العزيز. ¬
ومذهب مالك في "المدونة" في تفسير العودة أنه إرادة الوطء والعزم عليه مع إرادة الإمساك. وهو مشهور مذهبه، وهي رواية أشهب (¬1) عنه وعن عبد العزيز في "المختصر" (¬2)، وقول أصبغ (¬3)، وقولُه في كتاب محمّد (¬4) وابن (¬5) شعبان، وظاهرُ/ [خ 248] قوله في "الموطأ" (¬6). وذكر بعض شيوخنا (¬7) أن معنى ما في "الموطأ" العزم على الوطء مجرداً، وقاله مرة في الكتاب (¬8). وعليه حمل بعضهم مذهب "المدونة". وإليه نحا اللخمي (¬9). ولفظه في "الموطأ" (¬10) محتمل لأنه قال: "أن يُجمع على إمساكها وإصابتها". قال الباجي (¬11): فهو يحتمل (¬12) أن يكون إفراد كل واحد منهما بالعزم عودة، أو يكون راجع (¬13) إلى الإمساك للوطء. والفرق بين القولين أنه لا يلزمه بمجرد الإمساك دون وطء كفارة، ولا بمجرد العزم دون إمساك. وحكى ابن الجلاب (¬14) أن أحد القولين عن مالك العزم على الإمساك. ونحوه لعبد الله بن عبد الحكم (¬15) ويحيى بن عمر (¬16)، ¬
وتأول عليه قول ابن نافع في الكتاب (¬1). وفائدة ذلك في موت أحدهما أو افتراقهما بعد العزم دون إمساك، أو الإمساك دون عزم (¬2) فلا شيء عليه على المشهور. وعلى القول الآخر عليه الكفارة بمجرد العزم المتقدم. وإذا أجمع عليهما وجبت عليه الكفارة ولو ماتت أو طلق (¬3). وهو بين في "الموطأ" ونص في "مختصر" ابن عبد الحكم (¬4) وقاله أصبغ (¬5) والمفهومُ من مذهب الكتاب والمعمول به من المذهب. قال الباجي (¬6): وليس من شرط العزم على الإمساك الأبدية، بل لو عزم على إمساكها سنة كان عازماً. وحكى القاضي أبو محمّد (¬7) وغيره عن مالك قولاً رابعاً أنه الوطء، كما قال أبو حنيفة وأصحابه. فعلى هذا لا تلزمه الكفارة حتى يطأ، ثم لا يطأ حتى يكفر. وقاله جماعة من السلف. وحكاه أصبغ عمن يرتضي من أهل المدينة (¬8). وتأول ابن رشد (¬9) قول ابن نافع في الكتاب على مراعاة قول الشافعي (¬10): إن العودة مجرد الإمساك والبقاء معها دون إرادة وطء ولا فراق متصل بالظهار، وقد أمكنه ذلك فتلزمه الكفارة بذلك. على (¬11) نحو هذا تأول أبو عمران مسألة الكتاب (¬12) في الذي معه جارية ظاهر منها، لا ¬
يملك غيرها، أنه يجزئه أن يعتقها عن ظهاره (¬1). وأما يحيى بن عمر فتأول قول ابن نافع على ما تقدم (¬2) من مجرد قصد الإمساك/ [ز 164] في قوله: "إذا أخذ في الكفارة قبل الطلاق ثم طلق فأتم تجزئه، لأنه حين ابتدأ كان ذلك جائزاً [له] (¬3)، لأنه ممن كانت له العودة جائزة قبل أن يطلق". قال يحيى: به أقول لو صام وهو لا يريد المصاب إلا حبس امرأته أنه يجزئه. وقال (¬4) فضل: إنما ذهب إلى هذين الحرفين [من] (¬5) قوله: "ولأنه ممن كانت له العودة جائزة قبل أن يطلق". قال القاضي رحمه الله: فدل أنه لم ينو عودة كما تأول يحيى. وقوله: لا يريد المصاب إلا حبس امرأته بين في مجرد العزم على الحبس وأظهر من مجرد الحبس دون عزم على ما تأوله ابن رشد. ولم يلتفت أبو محمّد ولا ابن أبي زمنين ولا غيرهما من المختصرين إلى هذين التأويلين وحملوا قول ابن نافع على الوفاق. وتأوله ابن أبي زيد وغيره أنه أراد العودة قبل الطلاق وأن ظاهر قول ابن القاسم فيها: يجزئه، أن معناه لا يجب عليه تمامها. وانظر ما حكاه ابن سحنون عن أبيه (¬6): وقول أكثر أصحابنا أن من كفر بغير نية العودة لا تجزئه. فإنه يدل على الخلاف وأن منهم من يقول: ¬
يجزئه. و [هذا تأويل] (¬1) ابن رشد على ابن نافع والله أعلم. وللسلف والعلماء فيها أقوال غير هذه: فأهل الظاهر (¬2) يرون العودة بالقول وتكرير التظاهر، فبذلك يوجبون الكفارة. والثوري وغيره (¬3) يرون العودة فعل ذلك في الإسلام/ [خ 249] والعود إلى فعل الجاهلية، أو العود إلى فعل ما حرموه عليهم بالظهار، فتجب على هذا بمجرد القول الأول. فتحصيل الأقوال والتأويلات على هذا لمالك أربعة أقوال: العزم على الوطء وحده. والعزم على الإمساك وحده. والعزم عليهما معاً (¬4). والوطء نفسه. ولابن نافع الإمساك مجرداً على أحد التأويلات عنه. وقولان لغير مذهبنا (¬5). ومذهب ابن القاسم في الكتاب (¬6) في المظاهر بالأجنبية أنه مظاهر إن سمى الظهر إلا أن يريد به الطلاق. وإن لم يسمه فهو طلاق ولا يصدق في دعواه الظهار. قيل: معناه لم تكن له نية في الظهار أو قامت عليه بينة، ولو جاء مستفتياً قبل قوله (¬7). قال القاضي أبو الوليد شيخنا (¬8): وشرح مذهبه في ذلك أنه يقبل قوله إن جاء مستفتياً، فإن حضرته بينة لزمه الطلاق بما شهد ¬
(به) (¬1) عليه والظهار متى راجعها بما أقر به. وظاهر مذهب غيره في "المدونة" (¬2) - وهو عبد الملك عند بعضهم (¬3) - أن الظهار من الأجنبية طلاق، سمى الظهر أم لا (¬4)، نواه أو لا، إلا أن يريد: مثل فلانة في الهوان، ولا ظهار عليه في كل هذا عنده. وقيل: بل يفرق عبد الملك إذا ادعى النية (¬5) فيلزمه الفراق والظهار متى راجعها، ويسوي (¬6) إذا لم تكن نية ذكر الظهر أم لا. ومذهب أشهب (¬7) أنه ظهار، ذكر الظهر أم لا. وعند محمد (¬8) متى ذكر الظهر فهو ظهار وإن نوى الطلاق. وأما الظهار بذوات المحارم فهو ظهار سمى الظهر أم لا (¬9). لا خلاف في هذا عندنا، إلا أن ينوي بذلك الطلاق أو يقرن بالظهار لفظ التحريم، فإن نوى بذلك الطلاق كان عند ابن القاسم البتات. ولا ينوى في دونها سمى الظهر أم لا. كذا فسره عيسى في "سماعه" (¬10) في "العتبية". وفسره شيخنا (¬11) أن ذلك فيمن جاء مستفتياً. (وقال سحنون (¬12): ينوى فيما أراد ¬
من الطلاق) (¬1)، وأما من حضرته البينة فيلزمه الظهار إن كان سمى الظهر متى ردها، وقضي عليه بالفراق لاعترافه، ولا يقضى عليه بالظهار إن لم يسم الظهر. وعند عبد الملك (¬2): هو ظهار ولا يكون طلاقاً وإن نواه. وروى أشهب (¬3) عن مالك أنه ظهار إن سمى الظهر، وطلاق إن لم يسمه. ونحوه لابن القاسم عند محمّد (¬4). وبه فسر بعضهم (¬5) مذهبه في الكتاب وأنه وفاق لقول أشهب. وإليه نحا الأبهري (¬6). وأما إن قرن بظهاره/ [ز 165] لفظ الحرام فقال: حرام مثل أمي؛ ففي الكتاب (¬7) أنه ظهار. ومثله في "العتبية" (¬8). وقال مالك في كتاب محمّد (¬9): ما لم يرد بذلك الطلاق. وكذلك قال عبد الملك (¬10) في ذلك وفي: أحرم من أمي، ولو نوى الطلاق. قال محمّد (¬11): هذا فيمن سمى الظهر. وفي "كتاب الوقار" في: حرام مثل أمي: هو البتات، ويلزمه الظهار متى راجع. وفي "سماع" عيسى في: أحرم من أمي: إنها ثلاث (¬12). وقوله (¬13) بعد شرح بعض كبار أصحاب مالك في المظاهر: "وقد ¬
روى ابن نافع عن مالك نحو هذا"، ثبت لابن وضاح وبعضهم. وسقط لغيره. وقول ربيعة (¬1) في القائل: أنت مثل كل شيء حرمه الكتاب: هو ظهار. وكذا قال عبد الملك وابن عبد الحكم وأصبغ (¬2). قيل (¬3): معناه أنه أراد ما حرم الكتاب من النساء، ولو أراد غيرهن من محرم المطعومات وغيرها لكانت الثلاث. وبهذا قال في مسألة/ [خ 250] ربيعة مالك في "المبسوط"، وابن القاسم في "العتبية" وكتاب فضل، وقاله ابن نافع (¬4). واختار بعض المتأخرين (¬5) إلزامه الحكمين جميعاً، وأنه متى راجعها بعد زوج لزمه الظهار. وقول مالك (¬6) في تظاهر النساء من أزواجهن: "لا يلزم؛ إنما قال الله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} (¬7)، ولم يقل: واللائي يظهرن". قد يستقرأ منه أن مذهبه في الأصول أن جمع المذكر (¬8) لا يدخل فيه جمع الإناث. والصحيح أن احتجاجه إنما هو بمجموع قوله: {مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}، لا بمجرد قوله: منكم. وقوله (¬9) بعد هذا أيضاً في المظاهر من الصبية والمحرمة والحائض والرتقاء: "هو مظاهر، لأنهن أزواج، وقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ ¬
مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} " يحتج به على مشهور مذهبه بالقول بالعموم على ما تقدم (¬1). وقوله (¬2) في القائل: "أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار، فإذا مضى اليوم ولم يفعل فلا يكون مظاهراً"، وقرن الجواب فيها وفي قوله (¬3): "أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار اليوم"، وسوى بينهما جميعاً في الجواب ولم يفرق بين تعيين اليوم للدخول أو للظهار. وعلى التسوية بين ذلك حملها اللخمي؛ قال: وقاله مالك ومطرف وابن عبد الحكم. وعليه اختصرها ابن أبي زمنين، وهو موافق لما قاله محمّد بن عبد الحكم في القائل: أنت طالق اليوم إن كلمت فلاناً غداً، أنه إن كلمه غداً فلا شيء عليه؛ لأن الغد مضى وهي زوجة (¬4) وقد انقضى وقت وقوع الطلاق. ومثله في كتاب محمّد لابن القاسم (¬5) فيمن قال لامرأته (¬6): إن تزوجتك فأنت طالق غداً، فتزوجها بعد غد فلا شيء عليه، وإن تزوجها قبل غد طلقت عليه. وتأولها أبو محمّد وابن لبابة وغيرهما أن المسألتين مختلفتان في الجواب على ظاهرهما، وإنما جمعهما في الجواب؛ لأن المراد بهما واحد، فقال (¬7): يريد إن كلمتك اليوم. وعلى هذا اختصرها أبو محمّد، فسوى بين المسألتين في الصورة والمعنى. ¬
واحتج من تأول هذا بتشبيهه لها بالمسألة بعدها بقوله (¬1): أنت طالق اليوم إن دخلت الدار، وأنت (¬2) طالق إن دخلت الدار اليوم، فكذلك المسألة المتقدمة، لكنه استغنى عن تكرار اليوم في اللفظ الثاني بدلالة المسألة الأولى عليه. وقال هؤلاء: إن الجواب في ظاهر مسألة الكتاب لو لم يتأول على هذا، بخلاف جوابه في مسألة الكتاب وأنه يجب أن يكون مظاهراً لتعليقه الظهار باليوم دون الدخول، لأن الظهار صادف عصمة، وهو مما لا يتعلق بوقت كما لو قال ذلك في ظهار مطلق. وإلى هذا ذهب ابن محرز وغيره. وذكر اللخمي الخلاف فيه. وقال أبو محمّد في مسألة محمّد بن عبد الحكم المتقدمة: هذا خلاف أصل مالك، والطلاق يلزمه إذا كلمه غدا، وليس لتعلق الطلاق بالأيام وجه. وفي "العتبية" في: أنت طالق اليوم إن دخل فلان الحمام غداً: لم تكن طالقاً حتى يدخل فلان الحمام غداً، / [ز 166] وله وطؤها. وقوله (¬3): أنت علي كظهر أمي إلى قدوم فلان، أو أنت طالق إلى قدوم فلان: لا يكون مظاهراً ولا مطلقاً حتى يقدم. تأوله أكثرهم أن "إلى" هنا بمعنى "عند". و"إذا" كالشرط لا كالأجل. ألا تراه كيف قال: فإن لم يقدم فلا يقع عليه ظهار ولا طلاق. ثم قال فيمن قال (¬4): أنت طالق، أو كظهر أمي من الساعة إلى قدوم فلان: لزمه الطلاق والظهار؛ لأن من ظاهر أو طلق ساعة واحدة لزمه في تلك الساعة وما بعدها. وكان اللخمي أشار إلى التفريق هنا بين الطلاق والظهار واعترض مسألة الظهار، وأن مفهومها أن جعلها مظاهرة من الآن إلى قدوم فلان، لأن "إلى" ¬
غاية، وذلك يصح في الظاهر (¬1) ما لم يطأ حتى تنقضي المدة، وتبقى بعدها كما/ [خ 251] كانت، بخلاف الطلاق والعتاق مدة معينة؛ إذ لا يمكن أن يرجع بعد الفراق. وهذا مثل ما حكاه مطرف عن مالك في "مختصر" ابن شعبان (¬2) فيمن ظاهر مدة مقدرة فانقضت قبل العودة أن الظهار ساقط، ومثله مروي عن ابن عباس. وقوله في الكتاب فيمن ظاهر من زوجته ثم قال لأخرى: وأنت علي (¬3) مثلها: "عليه كفارتان"، فانظر قوله: "ثم" وهي تقتضي المهلة، ولو كان متصلاً فهل هو سواء كما قال يحيى - أراه ابن عمر - فيمن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وأنت - يشير إلى أخرى -: إن عليه كفارتين (¬4) أم لا يلزمه في الاتصال إلا كفارة واحدة كما قال في هذه المسألة أشهب؛ إذ لا فرق بين قوله: أنتما مني كظهر أمي، أو قوله: أنت وأنت. وقد قال في مسألة الكتاب: ثم قال لأخرى. وللاستئناف حكم تجديد الظهار لا شك. وقوله في الكتاب (¬5) في التفريق بين قوله: كل امرأة أتزوجها، وبين قوله: إن تزوجتكن، ومن تزوجت منكن، وأيتكن كلمت. وفي كتاب محمّد (¬6) بين (¬7): كل امرأة أتزوجها، وبين: من تزوجت من النساء، فجعل "مَنْ" و"أَيًّا" بمعنى التعيين والتخصيص. وألزم الكفارة في كل من تزوج منهن، ولم يجعل ذلك في قوله: "كل" وإن كانت "كل" و"من" و"أي" من ¬
ألفاظ العموم، لكن فرق بينهم (¬1) هنا عنده أن "من" و"أيا" إنما كانتا (¬2) من صيغ العموم لإبهامهما واشتمالهما على الآحاد بغير تخصيص ولا تعيين فأفادتا العموم من هذا الوجه؛ لا من مقتضى نفس صيغتها (¬3) كمقتضى لفظة "كل" و"أجمع"، فلما كانت "من" و"أي" إنما تقع على الآحاد لزمت في كل وجه كفارة، ولم يلزم ذلك في "كل"؛ إذ هي بنفسها ووضعها للاستغراق، فكانت كاليمين على فعل أشياء يحنث بفعل أحدها. وقد قال عبد الملك (¬4): إنما هي كفارة الكلمة الواحدة التي قال من منكر القول والزور. وليس كما فرق به بعض الشيوخ (¬5) أن ذلك لأجل "مِنْ" التي للتبعيض في قوله: من النساء، إذ لا تأثير لـ "مِن" ها هنا، وليست للتبعيض بل لبيان الجنس (¬6). ألا ترى أنه لو قال: كل من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي لكان كمن قال ذلك وإن لم يقل: من النساء. وقد خرج بعض شيوخنا من قوله: إن تزوجتكن، من الخلاف ما في مسألة: إن دخلتما الدار. وفيها (¬7) نظر. وكذلك انظر إذا جعل العموم مقيداً بزمان كقوله: كل امرأة أتزوجها عليك كظهر أمي، فقد اختلف فيها عن ابن القاسم في "السماع" (¬8) و"العشرة" (¬9)، والصواب الذي رجع إليه أن عليه ظهار ¬
واحد (¬1) لا يتكرر، بخلاف لو قال: من تزوجت عليك. ففي كل من تزوج ظهار، لوقوع "مَن" على الآحاد. ولمالك في "المختصر" (¬2) - وقاله ابن نافع (¬3) -: إن "كل" توجب الظهار في كل من تزوج. وقوله (¬4) في المظاهر يُقبِّل قبل أن يكفر، قال: "لا يباشرها ولا يقبلها، قال مالك: ولا ينظر إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، لأن ذلك لا يدعو إلى خير". تأول اللخمي (¬5) من المسألة من قوله: لأن ذلك لا يدعو إلى خير، أن الظهار لا ينعقد بغير (¬6) الوطء، لا (¬7) تجب فيه الكفارة بما عدا الوطء، وإنما منع من أنواع الاستمتاع للذريعة بذلك إلى الوطء، وأنه لو قال على هذا: قُبلتك، أو مضاجعتك علي كظهر أمي/ [ز 167] لم يلزمه ظهار. وهذا الذي قال خلاف المعروف (¬8) من مذهبنا. والمتقرر/ [خ 252] من مذهب مالك عند أئمتنا البغداديين وغيرهم أن جميع أنواع الاستمتاع محرم عليه، قاله ¬
محمّد والأبهري (¬1) وابن نصر (¬2) وغيرهم، وأنه ليس له أن يتلذذ منها بشيء كما قاله (¬3) ربيعة (¬4) وابن شهاب (¬5) في الكتاب. وحكى الباجي (¬6) أنه اختلف في تأويل منعه في الكتاب وغيره في ذلك على وجهين: فحمله القاضي أبو محمّد (¬7) على الوجوب. وحمله عبد الملك (¬8) في "المبسوط" على الكراهية (¬9) للتغرير للجماع الذي لا يحل لمن لم يكفر، نحو كراهتهم القبلة والملامسة للصائم. قال القاضي رحمه الله: ولكن ما خرجه اللخمي قول صحيح في المذهب. وهو قول الحسن (¬10). وعليه يأتي قول علي بن زياد (¬11) وسحنون (¬12) في المجبوب والمعترض والشيخ الفاني ومن لا يقدر على الجماع: لا يلزمهم ظهار. وخرج بعض شيوخنا (¬13) على هذا الظهارَ من الرتقاء والصغيرة، لكن تخريجه ذلك من قوله في "المدونة" - كما تقدم - ليس (¬14) ببين، ولا يسلم له أن ذلك راجع إلى القبلة والمباشرة، لأنه إنما ذكره بعد النظر إلى شعرها ¬
وصدرها. وفصله من مسألة المباشرة والقبلة بقوله: وقال مالك. وذلك أن حكم النظر إلى محاسنها خلاف المباشرة والقبلة؛ لأن المباشرة والقبلة ملتذ بهما ممنوعتان (¬1) على كل حال، وإنما اختلف في منعهما هل على التحريم أو الكراهة؟. والنظرُ - إذا كان للذة - مثلها (¬2)، وإن كان لغير لذة كان أخف ولم يمنع إلا للتغرير. وقد قال أبو القاسم بن الجلاب (¬3): لا يقبل ولا يباشر، ولا بأس أن ينظر إلى الرأس والوجه واليدين وسائر الأطراف قبل أن يكفر. وقال مالك في "العتبية" (¬4): له النظر إلى شعرها. وفي الكتاب (¬5) إجازة النظر إلى وجهها. قال: وغيره (¬6) أيضاً ينظر إلى وجهها. فهذا كله يبين أنه لغير لذة، ولا يباح له للذة كما لا يباح لغيره. وقد فرق ابن الجلاب بين الملامسة والنظر كما تراه، وليس إلا لما قلناه. فعلى هذا يحمل قوله في الكتاب وأنهما مسألتان: إحداهما: ممنوعة بالجملة وهي القبلة والمباشرة، لأن اللذة بهذه مقصودة. والأخرى: ممنوعة وإن كانت لغير لذة؛ لأنها لا تدعو إلى خير ويكون ذريعة للمتفق عليه في المنع من الوطء، فأما من منع من النظر للذة (¬7) أو كرهه للتغرير، وأباحه من أباحه لأنها زوجة (¬8) بعد. ألا تراه في ¬
الكتاب (¬1) لم يمنعه أن يكون معها ويدخل عليها بغير إذن إذا كان تومن ناحيته؟ ودخوله عليها بغير إذن بسبب أن ينظر منها إلى ما اتفق عند دخوله. وهذا عندي نحو ما في كتاب ابن الجلاب من جواز النظر إليها، وإلى رأسها وسائر أطرافها. فلو خُرَّج منه من الكتاب قول آخر بإجازة النظر إلى شعرها وصدرها ساغ، وهو نحو ما في كتاب ابن الجلاب من النظر إلى رأسها وسائر أطرافها. ومن الأطراف القدمان اللذان هما عورة بخلاف اليدين. وهي في هذا كله بخلاف المعتدة؛ لأن المعتدة عندنا منحلة العصمة مختلة النكاح، وهذه ثابتة العصمة صحيحة النكاح. وقد قال بعض الشيوخ: نستدل (¬2) من قوله: ويدخل عليها إذا كانت تؤمن ناحيته، أن من حلف بالطلاق ليفعلن، أنه لا تترك معه امرأته إلا أن يكون مأموناً. وخرج اللخمي أيضاً الخلاف في الملامسة والقبلة في الظهار من مسألة: إذا لمس أو قبل بعد ما أخذ في الصيام، واختلافِ أصبغ (¬3) وعبد الملك في فساد صومه، واستئنافه/ [خ 253] أو صحته والبناء عليه، واختلافِ قول سحنون (¬4) في ذلك؛ قال: فعلى قول عبد الملك (¬5) ومطرف (¬6) بفساده يكون مظاهراً إذا علق به الظهار عنه (¬7) / [ز 168] أو أفرده بالنية أو النطق، وعلى قول أصبغ ومن لم يفسد به الصوم لم يجعله مما يتعلق به الظهار، سواء أفرده أو أدخله في الجملة. ¬
وذهب غيره إلى أن هذا إنما هو على الاختلاف في الامتناع من ذلك هل هو على الوجوب أو الاستحباب كما تقدم؟ قال القاضي رحمه الله: ولا يستقيم تخريجه ذلك على قول عبد الملك وأحد قولي سحنون؛ لأنهما قد بينا أنما كره للتغرير كالقبلة للصائم. وتمثيلهم بها يدل أنه ليس منع وجوب. والخلاف في هذا كله على الخلاف في تأويل قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (¬1) هل هو عام في جميع أنواع الملامسة - وهو قول مالك وجمهور العلماء - أو مخصوصة بالجماع؟ وهو قول الحسن وبعضهم (¬2). وقوله (¬3) في المظاهر ودخول الإيلاء عليه إذا كان مضاراً: "إذا علم بذلك فمضت أربعة أشهر أو أكثر وقف كالمولي؛ فإما كفر وإلا طلقت عليه". هذا في الظهار المطلق (¬4)، ويحتمل قوله أن يكون الأربعة الأشهر من يوم ظهاره - وعليه اختصر أكثرهم (¬5) - أو من يوم علم حاله وتبين ضرره - وعليه حمله بعضهم (¬6) -. ويدل عليه تشبيه غيره لها بمسألة الحالف ليفعلن وقولِه (¬7): "ليس بحقيقة الإيلاء"، وقولِه (¬8): "فهذا يبتدأ له أجل المولي في الحكم عندما رأى السلطان من ضرره". وقد ذكر في الكتاب القولين عن مالك في وقفه متى هو؛ هل هو قبل ضرب الأجل أو بعده؟ ¬
وقول الغير (¬1): "ليس الظهار بحقيقة الإيلاء، ولكنه من شَرْج ما يقرر (¬2) عليه". كذا لابن باز بالشين المفتوحة المعجمة والجيم وسكون الراء (¬3)، أي من ضرب هذا ونوعه (¬4). وعند ابن وضاح: سرح، بالسين والحاء المهملتين، ولا معنى له هنا. وقوله (¬5) في القائل: إن قربتك فأنت علي كظهر أمي، قال في السؤال: "متى يكون مظاهراً حين (¬6) تكلم بذلك أم حتى يطأ؟ قال: هو مول (¬7) حين تكلم بذلك، فإن وطئ زال عنه الإيلاء ولزمه الظهار بالوطء. وغمزها سحنون (¬8). قال فضل (¬9): أراه ذهب لقول عبد الملك: أنه لا يمكن من الوطء، وإنما تكلم ابن القاسم هنا على أحد قوليه في كتاب الإيلاء (¬10) في الذي يحلف بطلاق زوجته (¬11) البتة إن وطئها؛ ففي أحد قوليه: أنه يمكن من الفيئة بالوطء، فعلى هذا جوابه هنا. قال ابن محرز (¬12): ليس في قوله هنا ما يدل على تمكينه من الوطء، وإنما قال: فإن وطئها. وكأنه هو فعل ذلك. فالمسألة باقية على احتمال القولين. ولابن القاسم في "العتبية" (¬13): إذا وطئها مرة ثم طلق أو ماتت فلا كفارة عليه إلا أن يطأ ¬
ثانية، وهو ظاهر ما ها هنا. وقال ابن المواز (¬1): ليس له أن يحنث نفسه بالوطء، لأنه فاء فيئة (¬2) تقع في امرأة مظاهر منها، "وهو ممن لا تنفعه الكفارة قبل الوطء؛ لأنه لم يصر فيها (¬3) مظاهراً حتى يطأ، فقد قيل. يعجل عليه طلقة الإيلاء. وقيل: حتى تتم له أربعة أشهر كالحالف البتة ألا يطأ". فعلى قول محمّد تلزمه الكفارة بأول وطء. كذا تأوله بعض الشيوخ (¬4)، وهو بين على ما أصله. وسيأتي في كتاب الإيلاء. وقوله (¬5) في المظاهر إذا جامع وهو معدم وهو (¬6) من أهل الصيام / [خ 254] لأنه لا يقدر على رقبة ولا على الإطعام، ثم أيسر قبل أن يكفر: "عليه العتق". قال ابن وضاح: أمرني سحنون بطرح قوله: ولا على الإطعام (¬7)، وقال لي: ليس هذا موضعه. وكذلك هو؛ إنما وقع لفظه في السؤال من غير تحصيل؛ لأن من هو من أهل الصيام لا يجوز له الإطعام، فلا يلتفت إلى قدرته عليه ولا عدمها. وقوله (¬8) في العبد المتظاهر: أحب إلي أن يصوم، وإن أذن له سيده في الطعام (¬9) فالصيام أحب إلي منه. قال ابن القاسم: بل الصيام هو الذي فرضه الله/ [ز 169] عليه، وليس يطعم أحد يستطيعه" (¬10). ظاهر قول ابن القاسم توهيم قول مالك لقوله: ¬
أحب، وأَن "أحب" على بابها، ولذلك قال: بل هو فرضه. وقد صرح بذلك في "المبسوط" (¬1) وقال: لا أدري ما هذا، ولا أرى (¬2) جوابه فيها إلا وهما. ولعل جوابه في كفارة اليمين. ومثله طرح سحنون (¬3) لهذه اللفظة وقال: بل هو واجب (¬4). قال القاضي أبو إسحاق (¬5): لعله إنما قال ذلك لأن السيد - وإن أذن له في الطعام - فله أن يرجع فيما لم يصل إلى المساكين ويمنعها (¬6) منها، "يريد: فكأن ملكه عليها (¬7) غير مستقر" (¬8)، ولأن للسيد انتزاع مال عبده وما وُهب له. وقال عبد الملك (¬9): ولأن إذن السيد لا يخرجه عن ملكه إلا إلى المساكين. وقد عورض هذا بأن هذا يقال فيمن أبيح له الإطعام ممن عجز عن الصوم، فأما من يقدر عليه فهو فرضه، فلا وجه له. وعورض أيضاً بالمكفر عن غيره ولم تخرج الكفارة من ملك صاحبها إلا إلى المساكين. وقال القاضي أيضاً والأبهري (¬10): إنما قال: الصوم أحب إلي لأنه عجز عن الصوم، فكان أحب إليه أن يؤخر حتى يقوى عليه. ¬
وعورض (¬1) هذا بأن من هذه سبيله - ويطمع في برئه (¬2) ولم يطل عجزه - ففرضه التأخير حتى يقوى، فما (¬3) للاستحباب هنا، وإن كان لا يقوى ولا يرجى ففرضه الطعام، فلا وجه لذكر الصوم فيه. وقال غيرهم: هذا الكلام من مالك تجوز (¬4)، ومعناه أن السيد أذن للعبد في الطعام ومنعه من الصيام، فتردد في ذلك؛ هل للعبد أن يعدل إلى الطعام مع قدرته على الصيام أم لا؟ إذ ليس منع السيد عن الصيام عذراً بيناً له؛ إذ إذن السيد له في النكاح إذن في حقوقه، وهذا من حقوقه. وهو قول عبد الملك (¬5) ومحمد (¬6) وابن (¬7) دينار، وأنه ليس له منعه جملة من الصيام وإن أضر به. وذهب مالك وابن القاسم (¬8) أن له منعه إذا أضر به في خدمته، فتردد هذا عند مالك فقال: الصوم أحب إلي، أي الصوم عن إذن السيد له في الصيام أحب إلي، فإذا كان هذا ارتفع الإشكال. وترتيب (¬9) كفارة الظهار على العبد ترتيبها على الحر. ¬
قال القاضي أبو إسحاق (¬1): ويحتمل أن يرجع "أحب إلي" إلى (¬2) جهة السيد؛ أي إن إذن السيد له في الصيام أحب إلي من إذنه في الطعام. قال القاضي رحمه الله: وقد تكون "أحب" على بابها من ترجيح الأمرين (¬3) ولا تكون وهما ولا تجوزا (¬4)، وهو أن يكون ترجيح الصوم أولى وإن منعه السيد منه مع قدرته عليه. وهو قول محمد؛ قال: إذا أذن له سيده في الإطعام ومنعه الصوم أجزأه وأصوب أن يكفر بالصيام. وهذا مثل قوله في الكتاب (¬5) في كفارة اليمين: إذا أذن له سيده أن يطعم أو يكسوا (¬6) يجزئ/ [خ 255] وفي قلبي منه شيء، والصيام أبين عندي. فلم ير ملكه للطعام والكسوة ملكاً متقرراً. وقال ابن أبي زمنين: لم يعطنا في جواز الإطعام إذا أذن له فيه سيده جواباً بيناً. وقد رأيت بين المختصرين فيه اختلافاً. ويجب على قوله في اليمين بالله أن يجزئه إذا أذن له فيه سيده وكان لا يستطيع الصوم. وفي "المبسوط" لعبد الملك في هذا: لا يجزئه. ومثله لابن دينار في "المدنية" (¬7)؛ قال: ليس على العبد عتق ولا إطعام ولو وجد ما يطعم ويعتق، لكن يصوم. وانظر تعليل ابن القاسم في جواز ذلك له في الكفارة لليمين بقوله: كأجنبي كفر عنه. هل يكون قول مالك هنا نزعة (¬8) إلى قول أشهب: لا ¬
يجزئه وإن كفر عنه، وكان (¬1) بأمره؟ وقوله (¬2): "أرى أن يطعم من التمر والشعير عِدْل شبع مد (هشام) (¬3) من الحنطة". قيل (¬4): معناه يقال: إذا شبع رجل من مد حنطة، كم يشبع من غيرها؟ ثم قال بعد هذا (¬5): كان مالك يقول في الكفارات كلها في كل شيء من الأشياء مدا (¬6) بمد النبي عليه السلام، إلا في الظهار فإنه مد بالهشامي (¬7). وفي كفارة الأذى مدان بمد (¬8) النبي (¬9). نبه بعضهم أنه خلاف للأول. وهو بين، ومثله له في ثالث الحج (¬10)؛ قال: يعطي لكل مسكين مدين من شعير مثل الحنطة/ [ز170]. وقوله (¬11) في كفارة اليمين: "يغدي ويعشي ويكون معه الإدام، فإذا أعطى من الخبز ما يكون عِدْل (¬12) ما يُخرج من الكفارات من كيل الطعام أجزأه"، يريد أنه إذا كان معه الإدام فلا بأس أن يغدي ويعشي بأقل من مد إذا شبعوا. قاله بعض شيوخنا (¬13). وتأمل ها هنا تفرقته الكفارة في الغداء ¬
والعشاء، فهو بين (¬1) أنه إنما يراعي وصول قدر المد إلى مسكين واحد وإن تفرقت عليه في أوقات، وأن من أعطى لكل مسكين نصف مد أو ربعه في الكفارة أن له أن يتم على ذلك تمام المد، سواء كانت بيد المسكين أو أكلها. وهذا ظاهر "المدونة" خلاف ما ذهب إليه أحمد - وأراه ابن خالد - أنه إنما يتم (¬2) عليها إذا كانت قائمة بأيدي المساكين حتى يَكمل بيد كل مسكين مد في وقت واحد، وأنه لا يجزئه تفرقة المد في أوقات على مسكين (¬3)، وزعم أنه ظاهر "المدونة"، وأن عليه يتأول قوله (¬4): "عليه أن يعيد على ستين مسكيناً نصف مد نصف مد". واستدل عليه أيضاً بقوله: إذا شركهم (¬5) في طعام كل مسكين لم يجزه. وبقوله: إذا أعتق بعض عبد ثم اشترى بقيته بعد ذلك لا يجزئه. ولا حجة له في هذا؛ لأن العتق كشيء واحد لا يجوز تفرقته، والطعام يجوز تفرقته على الأيام. ومسألة الشركة في كل مسكين هي بنفسها مسألتنا فحتى (¬6) الآن على ظاهر الكتاب ينظر ما يقع لكل واحد منهم فيكمل عليه تمام المد. وقوله: لا يجزئه إن لم يفعل هذا، واقتصر على الاشتراك (¬7). وقوله (¬8): قلت: أرأيت إن أطعم بعض من لا تلزمه نفقته؟ قال مالك: لا أحب أن يطعم أحداً من قرابته وإن كانت (¬9) لا تلزمه نفقته. قلت: ¬
أيعيد؟ قال: لا يعيد"، كذا في نسخة. وعند ابن وضاح (¬1): "قلت: أرأيت إن أطعم من قال مالك: لا أحب أن يطعم أحداً من قرابته وإن كانت لا تلزمه نفقته، أيعيد؟ قال: لا يعيد. وعند غيره: أرأيت إن أطعم من لا تلزمه نفقته أيعيد؟ قال: لا/ [خ 256] يعيد". وقوله (¬2) في الرضيع: يُطعَم من الكفارة كما يعطى الكبير إذا كان يأكل الطعام، يدل أن المراعى المدُّ المعلوم فيه (¬3)، لا قدر الآخذ وعادته في الأكل، خلاف ما ذهب إليه بعض الشيوخ أنه إن كان قوم لا يشبعهم المد الهشامي (¬4) زيدوا قدر شبعهم. ويدل على صحة ما ذكرناه قول ابن القاسم في كفارة اليمين (¬5): إن أخرج مدًّا بمد النبي عليه السلام حيث ما أخرجه أجزأه، وكأن ذلك الآخر التفت إلى مذهب مالك في تلك المسألة (¬6) أن (¬7) لأهل البلدان عيشاً غير عيشنا، فليخرجوا من وسط عيشهم (¬8). قوله (¬9) في الأعجمي في كفارة الظهار: أرجو أن تجزئ، ومن صلى وصام أحب إلي. قال في النذور: والعجمي الذي قد أجاب (¬10). قال: سحنون أدخل (¬11) "قد أجاب". ¬
ووقع هنا عند ابن عتاب مخرج (¬1) إليه بأثر المسألة: قال سحنون: معنى العجمي الذي قد أجاب إلى الإسلام. وهي مفسرة في غير "المدونة". وبذلك فسرها ابن اللباد وابن أبي زمنين (¬2) وغيرهم. واختصرها أبو محمد (¬3): ويجزئ عتق الأعجمي الذي يجبر على الإسلام وإن لم يسلم. وهي مفسرة كذلك في كتاب محمد (¬4)؛ قال: لأنهم على دين من اشتراهم، قال: وقال أشهب (¬5): لا يجزئ حتى يجيب إلى الإسلام. والخلاف في هذا كثير معروف في أمهاتنا (¬6). وقوله (¬7): يجزئ الأعور في عتق الظهار. وقال الشيخ ابن لبابة: معناه: غير الأنقر (¬8). والكافة تحمله على الأنقر، ويدل عليه قول ابن القاسم في "تفسير" يحيى: لأنه يعمل عمله الذي كان يعمل في صحة عينيه (¬9). وقوله (¬10) في الذي "أُوصِي إليه بعتق رقبة فوجدها تباع فأبى أهلها إلا أن/ [ز 171] يدفع العبد إلى سيده مالاً: إن كان ينقده فلا بأس". معناه من مال عنده (¬11)، لا أن يستسعيه فيه. وقوله (¬12): "وقال ابن عمر ومعقل بن يسار" (¬13). كذا عندي، وكذا ¬
أصلحته في كتابي: [يسار] (¬1)، بياء باثنتين أسفل أولَه ثم سين مهملة وآخره راء. وفي بعض النسخ (¬2): سنان؛ أوله سين مهملة مكسورة بعدها نونان (¬3) بينهما ألف. وأما معقل، مفتوح (¬4) الأول بعين مهملة ساكنة وبعدها قاف. وقوله: "أي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمناً" (¬5)، كذا عنده بالمهملة. وأنفَسُها عند أهلها، أي أغبطها وأفضلها. والشيء النفيس: الرفيع الذي يتنافس عليه، أي يتحاسد. وقول ابن نافع (¬6) "في المظاهر إذا أخذ في الكفارة قبل الطلاق ثم طلق فأتم: إن ذلك يجزئه؛ لأنه حين ابتدأ كان ذلك له جائزاً، لأنه ممن كانت له العودة قبل أن يطلق". تأوله يحيى وفضل أنه بمجرد الإمساك على ما قدمناه. وتأوله أبو محمد أنه أراد العودة قبل الطلاق. وقد مضى الكلام عليه (¬7). وقوله (¬8) فيمن حلف بعتق رقبة لا يطأ أهله، فأعتق (¬9) رقبة لإسقاط الإيلاء: "أتراه مجزئاً عنه ولا إيلاء عليه؟ قال: نعم، وإن كان أحب إلي ألا يعتق إلا بعد الحنث". فهذا من قوله هنا موافق لما في كتاب محمد من أحد قوليه بالجواز في عتق غير المعين لإسقاط الإيلاء. وظاهر ما في كتاب الإيلاء وأحد قوليه في كتاب محمد أن ذلك لا يجزئه إلا/ [خ 257] في عتق ¬
المعين. فانظره هناك. وقد ذكر الشيوخ (¬1) عن الكتاب فيها القولين من الكتابين. وتمامها في الإيلاء. وقوله (¬2) في الذي صام شهريه في ذي القعدة وذي الحجة وعذره له بالجهالة. قال يحيى وسحنون (¬3): لا أعذره بالجهالة ويبتدئ. قال القاضي رضي الله عنه: انظر هذه الجهالة أهي جهالة بالحكم أو جهالة بالعدد وتعيين الشهر (¬4) وغفلة عن أن فيه فطر؟ (¬5) فيكون كالناسي. وانظر قوله في "المبسوطة" و"المدنية": من صام واجب الشهرين عليه غافلاً، فكله يبين أنه جهلُ العدد والغفلةُ عن عين الشهر لا جهل (¬6) الحكم. وقدمنا من هذا الأصل في كتاب (¬7). وألحق في آخر الكتاب في أصل ابن باز: زاد في "الأسدية": وكذلك لو كانت عليه كفارة يمينين (¬8) فأطعم عشرة مساكين، فلما كان يوم آخر (¬9) لم يجد من يطعم الكفارة الأخرى: إنه لا يطعمهم مرة أخرى في قول مالك ¬
وليلتمس غيرهم، فإن فعل رأيت ذلك يجزئه (¬1) إلى آخر المسألة. قال إبراهيم: لم يدخلها سحنون في "المدونة"، وأنا ألحقتها (¬2). ¬
كتاب الإيلاء
كتاب الإيلاء أصل الإيلاء الامتناع، قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} (¬1) الآية. ثم استعملت فيما كان الامتناع منه (¬2) بيمين، فسموا اليمين أَلِية، فصار الإيلاء الحلف؛ يقال منه: آلى وتألى وائتلى (¬3)، ومنه: "من تألى على الله يكذبه" (¬4)، و"تألى ألا يفعل خيراً" (¬5). وقد قيل: هذا في قوله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} الآية أيضاً، وأنها في حلف أبي بكر ألا ينفع مسطحاً (¬6). ثم خص هذا اللفظ في عرف الشرع في حلف الأزواج على الامتناع من ¬
أزواجهن (¬1) فقال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)} (¬2)، فذكر تعالى الإيلاء ولم يذكر مماذا ولا بماذا. فبحسب ذلك ما (¬3) اختلف العلماء فيه وفي صفته (¬4)؛ هل هو عام في كل حلف عليها، قصدها بضرر (¬5) أو غيره؟ بأي يمين كانت وعلى أي وجه حلف من امتناع كلام أو جماع أو إنفاق (¬6)؟. وقيل: ذلك عام في الأيمان خاص في الجماع/ [ز 172]. وقيل (¬7): كل حلف على وطئها أجل فيه (¬8) أجلاً قريباً أو بعيداً أو أهمله. وقيل (¬9): بل كل حلف على وطئها للأبد أو أهمل، فمتى أجل لم يكن إيلاء. وقيل (¬10): بل هو خاص بالحلف على أربعة أشهر فما زاد. ¬
وقيل (¬1): بل على أكثر من أربعة أشهر. وقيل: بل هو خاص في الأيمان، فلا يكون إلآ إلا (¬2) لمن حلف بالله دون غيره من الأيمان. ومذهب مالك أن ذلك عام في الأيمان خاص في المحلوف عليه بثلاثة أوصاف: في الجماع، وعلى وجه الضرر، وأن يضرب أجلاً أكثر من أربعة أشهر. واختلف تأويل أصحابه إذا زاد على أربعة أشهر يسيراً: فقيل: هو مولى (¬3) في اليسير كالكثير وفي اليوم ونحوه، قاله في كتاب محمد (¬4)، وفي "المدنية" (¬5) قال مالك: إذا تم الأجل وقف ساعة ترفعه، وذلك أن الأجل قد انقضى وفرغ الله (¬6) منه. وهو نحو ما تقدم، يعني بالأجل الأربعة الأشهر. وقيل: لا يكون مولياً (في) (¬7) اليوم إلا في زيادة مؤثرة. وقيل: لا يكون مولياً في زيادة مثل أجل التلوم له (¬8). ولا يطلق عليه إلا بعد الإيقاف؛ فإما فاء وإما طلق أو طلق عليه السلطان، وليس ¬
مجرد تمام الأجل طلاقاً وهذا مشهور مذهبه ورواية كافة أصحابه. قال فضل: أصحاب مالك/ [خ 258] مجمعون على ذلك إلا ما روى أشهب (¬1) أن مالكاً كان يرى أن الطلاق بمرور الأجل. وحكاه ابن نافع (¬2) وعبد الملك (¬3) عن مالك أيضاً أن الطلاق يقع بتمام الأربعة الأشهر. وهو قول جماعة من السلف (¬4). وحكى ابن خويزمنداد (¬5) عن مالك قولين (¬6) معاً. وتأول بعض شيوخنا على هذا أن المولي أربعة أشهر مولياً (¬7). وهو تأويل لا يصح؛ إذ بتمام الأربعة أشهر سقط عنه الإيلاء، بخلاف إذا زاد عليها. وقوله: "فاء"، أي رجع وهو ها هنا (¬8) رجوعه إلى حاله الأول معها قبل الحلف، والفيئة الرجوع. ومصدر فاء: فيئاً وفيوءاً (¬9). وجاء في كتاب ابن عتاب في موضع: الإيفاءُ. ولا وجه له. وقوله (¬10) في الحالف ألا يطأ حتى يفعل كذا: "إن كان ذلك الشيء مما يقدر على فعله أو لا يقدر على فعله فهو مول (¬11) بذلك". ¬
يحتمل أن يكون معنى: لا يقدر، أنه ممنوع من ذلك أبداً كالحالف حتى يمس السماء. أو يكون لا يقدر عليه في الحال ويقدر في ثاني حال كالحالف ليحجن أو لأخرجن (¬1) إلى بلد كذا ولا يمكنه الخروج الآن، فهو مول (¬2) من الآن كما نص عليه في "العتبية" (¬3) وكتاب ابن سحنون. ويمنع من وطئها من حين حلف. وعليه تأول بعض شيوخنا (¬4) مذهبه في الكتاب (¬5)، وهو بين من هذا اللفظ: "ويدخل عليه الإيلاء من يوم حلف. قال غيره: إذا تبين ضرره بها". ولابن القاسم في كتاب الظهار (¬6) مراعاة الضرر مثل ما هنا لغيره. ووقع له في كتاب محمد أنه لا يمنع من الوطء حتى يمكنه ذلك ويأتي إبان الخروج. وهو قول ابن نافع عنه في الكتاب. وفيه متصل بقول غيره (¬7): "قال: إن لم يمكنه ما حلف عليه فلا يحال بينه وبين امرأته ولا يضرب له أجل الإيلاء، فإذا أمكنه فعله قيل له: أنت بسبيل الحنث ولا تقربها، فإن رفعت أمرها ضرب لها (¬8) السلطان أجل المولي". وحمل يمينه هنا على المقصد، أي إذا أمكنني. ثم وقع له بعد هذا آخر المسألة (¬9): "إذا أمكنه فترك الخروج إلى البلدة وترك الحج حتى جاء وقت إن خرج فيه لم يدرك الحج، فمن حينئذ يقال له: لا تصب امرأتك. وإن رفعت أمرها ضرب له أجل الإيلاء، فإن فعل قبل الأجل ما هو بره ومخرجه من الحج والخروج بر ¬
ولم (¬1) يكن عليه إيلاء، وإن جاء وقت الإيلاء ولم يفعل ما أمكنه طلق عليه ثلاثاً". وظاهر الكلام أنه لغير ابن القاسم؛ إذ هو متصل/ [ز 173] بقوله. وعليه اختصره بعضهم. ونحا غيره (¬2) إلى أنه من قول ابن القاسم، وإنما داخله كلام غيره أثناء كلامه. واختلف في تأويل قوله هذا: فقيل: هو مثل قول ابن نافع وأن هذا حكمه لو رفعته قبل ضيق الوقت وقبل الفوات متى دخل الإبان وأمكن الخروج. فيكون على هذا في المسألة قولان: المنع من حين حلف، والمنع من حين يمكن الفعل. وقيل (¬3): بل هذا قول ثالث وأنه لا يمنع حتى يضيق الوقت ويخشى فوات الحج. ومعنى قوله عند هذا: "حتى جاء وقت إن خرج لم يدرك الحج"، يعني على سير الناس المعتاد، وأنه يدركه إذا أجد (¬4) السير وشق على نفسه. ويدل على هذا التأويل قوله بعد: "فإن فعل ما هو بره من الحج والخروج بر". وقيل (¬5): بل معناه أنه لا يمنع من الوطء ولا يدخل عليه الإيلاء حتى يفوته ما حلف عليه من الحج بالجملة على ظاهر اللفظ. فهو قول رابع، ويضرب له أجل/ [خ 259] الإيلاء حينئذ ويمنع من الوطء، فإن خرج أو أحرم في الأجل لم تطلق عليه حتى يجيء وقت الحج ويمكنه الخروج، وإن لم يفعل ذلك ولم يحرم (¬6) حتى تم الأجل طلق عليه (¬7). ¬
ومسألة الحالف (¬1) بطلاق امرأته البتة لا يطأها وقوله: "ففعله وبره فيها لا يكون إلا حانثاً، فرأى مالك أنه مول". ثم قال بعد (¬2): "يطلقها عليه السلطان ولا يمكنه من وطئها، وليس هو ممن يوقف على فيئته" (¬3). ثم قال بعد هذا بأوراق: "لا يطلق عليه حتى يحنث بالفعل وهو مولى" (¬4)، وذكر عن الرواة (¬5): "لا يمكن من الفيء". قال (¬6): "وروى أيضاً أن السلطان يحنثه ولا يضرب له أجل المولي". كتبت (¬7) عن شيخنا أبي محمد بن عتاب عن أبيه أن مضمن كلامه في المسألة في هذا الكتاب اختلف على أربعة أقوال: أحدها: أنه مولي (¬8) ولا يطلق [عليه] (¬9) إلا بعد انقضاء الأجل. الثاني: أنها تطلق عليه إذا قامت وهو مول. الثالث: تطلق عليه وإن لم تقم وليس بمول. الرابع: تطلق عليه إذا قامت وليس بمول. فالقول الأول بين كسائر الأيمان في الإيلاء، يريد: ويمكن من الفيئة بالوطء (¬10) على أحد القولين، فيقع عليه طلاق الثلاث، فإن لم يفعل طلق ¬
عليه بالإيلاء أولاً (¬1) يمكن ويطلق (¬2) عليه بالإيلاء. وكذلك الثالث بين في أنه حانث بمجرد يمينه طالق ساعة حلف، كما لو حلف على مس السماء وما لا يمكنه فعله جملة. وهو قول مطرف (¬3) وابن كنانة، أي (¬4) تطلق عليه هنا بالبتة. ألا ترى قوله في الكتاب: إن السلطان يحنثه بالبتة (¬5) التي حلف بها إذ لا يمكنه البر فيها على قول كثير منهم. وقال بعض الشيوخ فيها: إن معناها أنه يطلق عليه لأن الطلاق لزمه ساعة حلف. وكذلك الرابع في البيان إنه ليس بمولي (¬6) إذ لا يمكن من الفيء، وليس بحانث إذا (¬7) لم يفعل ما حلف عليه، ولكن تطلق عليه (¬8) للضرر ويحتمل بالثلاث. ومعنى الثاني - وهو المشكل منها - أنها تطلق عليه بطلقة الإيلاء، وذلك إذا قامت وعجلناها عليه (¬9)، وكذا نص عليه ابن القاسم عند ¬
محمد (¬1)، ولا يضرب له الأجل إذ لا يمكن من الفيء، وله الرجعة لعل زوجه ترضى بالمقام معه عند ابن القاسم وغيره. فالفرق (¬2) بين هذه الأقوال إنما هو في ضرب الأجل وفي الرجعة وفي صفة الطلاق (¬3). والقول الأول هو حقيقة قول ابن القاسم، وكذا جاء في "الأسدية" (¬4). وقيل (¬5): إنما (¬6) خالفه في "المدونة" عنه من إصلاح سحنون. وقوله في القائل (¬7): علي ذمة الله، "قال مالك: أراها يميناً". وقال في النذور (¬8): "لم أسمع فيها من مالك شيئاً" (¬9). فيحتمل أنه هنا بلاغ، وأراد أنه لم يسمعه هو منه بنفسه، وقد يمكن/ [ز 174] هناك لم يذكر سماعه لها منه ثم ذكره حين سأله هنا. وقوله (¬10): علي نذر (¬11) ألا أقربك: هو مولى (¬12). وقول يحيى: ليس بمولى (¬13) غير خلاف؛ لأنه التفت إلى أن النذر نفسه هو ألا يقربها، كأنه ¬
قال: علي نذر الامتناع منك، وليس مما ينذر. ومقصد ابن القاسم: علي نذر إن قربتك، وإلزامه نفسه النذر إن فعل ذلك. وهذا مثل مسألة: علي نذر أن أشرب الخمر، وعلي نذر ألا أشرب الخمر - إذا أراد نذر شربها أو ترك شربها - فلا شيء (¬1) عليه، شربها أو لا. ولو أراد/ [خ 260] بذلك إلزام نذر له إن شربها أو إلزامه إن لم يشربها لزمه كفارة إن (¬2) خالف ما حلف عليه. وتقدمت (¬3) مسألة "أعزم" في النذور والكلامُ عليها. وقوله (¬4) في القائل: "كل مال أستفيده من الفسطاط صدقة إن جامعتك، أيكون مولياً؟ قال: لا، هو (¬5) مثل ما فسرت لك في العتق"، يريد اختلاف قوله في دخول الإيلاء عليه لحينه أم حتى يستفيد مالاً. وعلى لفظ الكتاب اختصرها ابن أبي زمنين. واختصرها أبو محمد (¬6): وإن حلف بحرية ما يملك من ذي قبل أو صدقته ألا يطأ ليس بمول (¬7)؛ لأنه لا يحنث في يمينه، فإن خص بلداً لم يكن الآن مولياً حتى يملك من ذلك البلد عبداً أو مالاً، فحينئذ يكون مولياً للزوم الحنث له بالوطء. وهذا كله على مذهب ابن القاسم في إلزام هذا في الحالف بالمال (¬8)، فأما على قول عبد الملك وأصبغ (¬9): إنه لا يلزم في المال شيء قبل الملك، خص أوعم، فلا إيلاء عليه، ملكه بعد أم لا. ¬
وقوله (¬1) في القائل إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر: "إن جامع قبل أن ينسلخ الشهر أو قد بقي منه شيء فهذا الذي عليه قضاء الأيام التي جامع فيها". في هذا اللفظ تلفيق (¬2)، ولذلك طرحه أكثر المختصرين (¬3) والشارحين، وقالوا إن جامعها فيه صام بقيته. ولم يسقه على لفظه غير ابن أبي زمنين. والذي يظهر لي أن ذكر القضاء هنا صحيح؛ لأنه قال أولاً (¬4): إن جامعها بعد الشهر لم يكن عليه قضاء. ثم قال (¬5): "وإنما يكون عليه قضاؤه لو جامع قبل أن ينسلخ الشهر"، فهذا الذي يكون عليه قضاء الأيام التي جامع فيها، يعني جامع في جميعها أو جامع ثم لم يصمه إما جهلاً أو نسياناً. وهو مطابق لجوابه في القضاء أول السؤال. وقوله: "قضاء الأيام التي جامع فيها" لا إشكال فيما بعد الأول (¬6)، وأما أول يوم جامع فيه فلا يلزم على مذهبه قضاؤه، وإنما يلزم على مذهب أشهب في مسألة ناذر صوم يوم يقدم فلان فقدم نهاراً. أو لعل مراده بقوله الأيام التي جامع فيها، يعني بقيتها. وقوله (¬7) في القائل لامرأته: "والله لا أقربك، ثم قال لها بعد ذلك بشهر: علي حَجة (¬8) إن قربتك"، وذكر المسألة "ثم قال (¬9): ولو حنث نفسه ¬
فالحنث يقع عليه لليمينين جميعاً، فكذلك إذا حلف بالطلاق إذا أبا (¬1) الفيء إن ذلك لليمينين جميعاً"، كذا لابن وضاح. وعند غيره: إذا حنث بالطلاق. وهو أصوب. وقوله (¬2) في الذي حلف بطلاق امرأته ليجلدن غلامه فطلقت عليه بالإيلاء، ثم تزوجها بعد العدة، قال: "يرجع عليه الوقف". قال بعضهم: يريد عاد مولياً ووُقِف. فانظر ما معنى وقف؛ هل هو استئناف الوقف فقط أم استيناف الأجل كما قال في مسألة (¬3): عبدي ميمون حر إن وطئتك صار مولياً؟ وظاهره استئنافه. ومسائل الذي طلق ثم راجع، أبين من ذلك في استئناف ضرب الأجل كما نص عليه في "الأم". وقول ربيعة (¬4) في الذي حلف ليخرجن إلى إفريقية بطلاق امرأته: يكف عنها، إلى آخر كلامه. وقوله: "وعسى ألا يزال مولياً حتى يأتي إفريقية ويفيء"، هذا مثل/ [ز 175] ما في كتاب محمد أنه لا يبر بنفس الخروج حتى يأتي البلد الذي حلف/ [خ 261] عليه. وقال محمد: إن خرج من فوره لم يمنع من زوجته (¬5). ¬
وقوله (¬1) في الذي "حلف بطلاق امرأة له ثلاثاً ألا يطأ امرأة له أخرى". إنه إنما راعى انقطاع الملك وزوال اليمين في المحلوف بها لا في المحلوف عليها. وهو الصحيح خلاف ما في كتاب الأيمان بالطلاق من تسويته بينهما، فانظره هناك. وقول ابن شهاب (¬2): "إن حلف ليفعلن ولم يجعل ليمينه أجلاً ضرب له أجل"، بينه في كتاب الظهار، أي أجل الإيلاء. ومسألة ما يكون به الفيء ويسقط الإيلاء، جاء في الكتاب فيها إشكال لمن لم يحقق الباب (¬3)؛ فاعلم أن من كان مولياً بما يصح الحنث فيه قبل الأجل كالطلاق البات أو العتق لمعين (¬4) أو صدقة معين (¬5)، ففعل ذلك قبل الفيئة سقط عنه الإيلاء، كان له عذر من مرض أو سجن أو لم يكن؛ لأن إيلاء هذا قد سقط عنه بحل يمينه ظاهراً وباطناً. وهذا معنى قوله في الكتاب: أو بطلاق امرأة له أخرى. قيل: يعني ثلاثاً (¬6). وقد وقع لعبد الملك (¬7) - ومثله في "المختصر" - أن الفيء فيمن (¬8) لا عذر له لا يكون إلا بفعل ما حلف عليه من الوطء، فأما إن كان بعتق غير معين أو نذر صدقة أو صوم غير معين أو طلاق غير بات - مما لا يصح التحنيث فيها قبل الفعل - فمعروف مذهب مالك وأصله (¬9) أنه لا يزيل إيلاءه تحنيثه نفسه ¬
بذلك قبل الفعل؛ سواء كان له عذر أو لا (¬1)؛ لأنه لو حلف بمثل ذلك ألا يدخل الدار أو لا يفعل فعلاً، ثم أراد تحنيث نفسه بعتق رقبة أو طلاق زوجة واحدة أو صوم شهر لحل (¬2) يمينه لم ينفعه، ولزمه ما حلف به متى ما دخل الدار؛ لأن أصل يمينه على بر، فكذلك (¬3) في الإيلاء. وهو مذهبه في كتاب محمد وفي هذا الكتاب ومعنى قوله (¬4): "فإن لم تكن يمينه التي حلف بها لا (¬5) يجامع مما يكفرها فإن الفيئة له بالقول". ووقع له في كتاب الظهار في العتق غير معين (¬6) أن ذلك يجزيه. وقد نبهنا عليه هناك وتخريج الشيوخ القولين عن (¬7) "المدونة" من الكتابين وهما (¬8) نص في كتاب محمد (¬9) عن مالك. قال أبو محمد (¬10): وقول محمد فيما حكاه عن مالك من أحد قوليه لا يجزئه ذلك إلا في رقبة معينة، يريد محمد في الأحكام وزوال الإيلاء، وأما فيما بينه وبين الله فيجزئه أن يكفر عنه قبل الحنث. وضعف بعض شيوخنا (¬11) ما في كتاب الظهار وما وافقه وقال: بعيد (¬12). وما قاله صحيح لما قدمناه على أصولنا. وإنما يستقيم ذلك على ما قاله الشيخ أبو محمد في ¬
اليمين بالله، ولو كانت يمين المولي بالله لصح تكفيره وحله قبل الحنث على مذهب ابن القاسم وروايته؛ لأن حل اليمين هنا ظاهر، ويحتمل في الباطن أنها منعقدة وأن كفارتها (¬1) لغيرها؛ فلذلك لم ير أشهب حل اليمين بذلك (¬2)، ورواه أيضاً عن مالك (¬3). واختلفا (¬4) على هذا هل تصح فيئته هنا بالقول إذا كان له عذر من مرض أو سجن؟ فابن القاسم يرى ذلك فيئة (¬5). ومالك وابن أبي حازم (¬6) وابن دينار وأشهب لا يرون ذلك؛ لأنه مما يقدر على حلها من الأيمان كالمعين. وعلى هذا النحو يأتي الخلاف على من رآه (¬7) يصح في تعجيل الحنث في غير المعين. ومن التزم فيه الأصول قال: الخلاف فيه بعيد؛ إذ لا تنحل (¬8) اليمين بغير المعين قبل الحنث فيها لا ظاهراً ولا/ [خ 262] باطناً. وهو معنى قول ابن أبي حازم وابن دينار في المريض إذا فاء بلسانه. وقد ذكر العتق المعين ثم قال (¬9): "ولو كانت يمينه بغير العتق مما لا يستطيع أن يحنث فيه إلا بالفعل قبلنا ذلك منه وجعلناه له فيئة". وقوله (¬10): "إلا أن تكون/ [ز 176] يمينه في شيء بعينه فيسقطه فتقع ¬
اليمين فلا يكون عليه إيلاء". معنى "تقع": تسقط وتنحل. ثم قال (¬1): "مثل أن تكون يمينه بعتق رقبة معينة أو بطلاق امرأة أخرى": معناها طلاقاً باتاً أو آخر طلقة. ويدل على صحة هذا قوله قبل بعتق رقبة معينة؛ لأنها ما لم تبن منه بالبتات (¬2) زوجه (¬3) له لم يقع عليه الحنث لما قدمناه، إلا على ما قاله (¬4) في كتاب الظهار كما بيناه. وجاء بعد هذه المسألة بأثر قوله: "امرأة أخرى"، زيادة في كتاب ابن عتاب: وقد أخبرنا به ابن نافع عن مالك (¬5). وقوله في إيلاء المريض: "له حكم المولي". قال سحنون (¬6): "كيف يكون مولياً وهو لم يحلف على ضرر، وإنما أراد إصلاح نفسه كالحالف عليها حتى تفطم ولدها". وقد أشار بعض الشيوخ إلى هذا؛ قال: وكذلك لو كان صحيحاً ضعيف البنية وكان حلفه على صلاح نفسه لم يكن مولياً، بخلاف لو كان حسن البنية. وقول ابن المسيب (¬7) في مسألة عمر وبضعة عشر من الأنصار. ومن سمى من التابعين في أن مضي الأربعة الأشهر للمولي ليس بطلاق. له في "الموطأ" (¬8) خلافه؛ ذكر فيه عن سعيد بن المسيب وأبي ¬
بكر بن عبد الرحمن (¬1) أنها بمضي الأربعة الأشهر تطليقة. وأن مروان بن الحكم (¬2) كان يقضي بذلك. وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب (¬3). ¬
كتاب اللعان
كتاب اللعان هو مشتق (¬1) من اللعنة التي في الخامسة للزوج لقوله: {لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (¬2). ومن المرأة في الخامسة: {غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (¬3). فلما كانت هذه (¬4) الدعوتان منهما غلبت إحداهما على الأخرى، فسمي التحالف الذي فيه لعاناً وملاعنة؛ لأن الفعال والمفاعلة أكثر مجيئهما من اثنين فصاعداً. وأصل اللعن البعد والطرد، ومعنى لعنه الله: أبعده من رحمته. وكانت العرب إذا تمرد الشرير منهم طردوه وأبعدوه عنهم لئلا يؤخذون (¬5) بجرائره وسموه لعيناً. قوله (¬6): "يلتعن المسلم في المسجد وعند الإمام"، والمعنى: في المسجد بمحضر الإمام، والواو هنا للجمع لا للتقسيم. وأصل مذهب الكتاب أنه لا يكون إلا في المسجد لا في غيره. وقال عبد الملك (¬7): في ¬
المسجد أو عند الإمام. فـ "أو" على قوله للتقسيم والتخيير. وعلى هذا حمله شيوخنا وأنه خلاف (¬1). قال بعضهم: لأن المقصود جمع الناس للتعظيم والترهيب، وذلك يكون بمحضر الإمام ومجتمع الناس عنده، أو بمجتمع الناس في المسجد. قال القاضي رحمه الله: الذي يأتي على المذهب أن الأيمان كلها فيما يهم وله قدر لا تكون إلا بالمسجد الجامع وحيث يعظم منه. ولا أمر أعظم من هذا. وقوله (¬2): "في دبر الصلوات"، قال صاحب المواقيت (¬3): إنما يقال في (مثل) (¬4) هذا دبْر، بإسكان الباء (¬5)، وإنما (¬6) بتحريكها (¬7) العورة. وبالضم رويناه في كل شيء وذكره عامتهم. قال ابن الأعرابي (¬8): يقال دبُر الشيء ودبْره أي آخر أوقاته (¬9). وقوله (¬10): ................................................ ¬
"يتلاعنا (¬1) دبر العصر (أو الظهر) (¬2)، وما كان من دبر/ [خ 263] العصر أشدهما"، كذا في نسخ كثيرة. وروايتنا في ذلك في كتاب ابن عتاب: وما كان من دم العصر أشدهما، وكذا ضبطنا الحرفين بتنوين الميم من "دم"، ورفع الراء من "العصر". ومعناه: ما (¬3) كان من دم - يريد القسامة - وعطف ذلك على اللعان وتم الكلام. ثم رجع فابتدأ وقال: العصر أشدهما، يعني مما ذكر أولاً من دبر الظهر والعصر. كذا فسره في حاشية كتاب شيخنا/ [ز 177] القاضي أبي عبد الله بن حمدين. ونحوه في كتاب ابن الهندي (¬4). وفي نسخ: والعصر - بزيادة واو الابتداء والاستئناف - أسدُّهما، بسين مهملة أي أصوبهما في الحكم، وهي رواية ابن باز. وبالشين المعجمة لابن وضاح، أي أثقلهما لليمين، لما في جاء (¬5) من التشديد في الحالف في اقتطاع الحقوق بعد العصر (¬6)، ولأن صلاة العصر مشهودة تشهدها ملائكة الليل والنهار. ووجدت في حاشية كتاب ابن عتاب وفي حاشية أخرى في كتاب ابن حمدين: قال ابن وضاح: العرب تقول: في دم العصر أي دبر العصر. وهذا غير معروف في كلام العرب فيما بلغنا. وعلى هذا التفسير - لو صح - يكون غير منون على الإضافة. وقوله (¬7) في الصبية: "وإن كانت ممن لو نكلت (¬8) لم يكن عليها حد"، لفظ تجوز به، وهي ممن لا تحلف فكيف تنكل! والمراد ممن لو ¬
أقرت لم يكن عليها حد. ولو (¬1) قدرنا إلزامها اليمين فنكلت لم تحد كما مثله في النصرانية بعد هذا (¬2). واختلاف قول مالك في الذي رأى امرأته تزني ثم جاءت بولد، قال (¬3): "تلتعن (¬4)، ولا يلزمه الولد إن جاءت به وإن أقر أنه كان يطأها حتى رآها تزني". ثم قال (¬5): فإن جاءت بالولد من بعد لعانه بشهرين أو ثلاثة أو خمسة أنه يلزم الأب لأنه من وطء هو به مقر، والحمل قد كان من قبل أن رآها تزني. ثم قال بعد هذا: إن جاءت به لأدنى من ستة أشهر من يوم دعوى الرؤية فالولد ولده لا ينفى بوجه من الوجوه؛ لأن اللعان قد مضى وعلمنا أنه ابنه، لأنه رآها يوم رآها وهي حامل منه. قلت: فإن ادعى الاستبراء حين ولدته لأدنى من ستة أشهر؟ قال: فالولد لا يلحقه، ويكون اللعان إذا قال ذلك والذي كان نفياً للولد. فهذان قولان: قول لا يلزمه على الإطلاق، وقول يلزمه إن جاءت به لأقل من ستة أشهر. ثم قال (¬6): "وقد اختلف فيها قول مالك، وأحب إلي إذا رآها تزني وبها حمل ظاهر لا شك فيه أن يلحق به إذا التعن على الرؤية". ثم قال عن مالك (¬7): "إنه ألزمه مرة الولد ومرة لم يلزمه، ومرة يقول بنفي - وإن كانت حاملاً". فاختلف في تأويل هذا ومعناه؛ فقيل: ¬
إن ذلك كله راجع إلى القولين الأولين، يريد لم يلزمه إياه مرة على الإطلاق ولا يلتعن لنفيه ثانية، وهو معنى تكرير قوله عند بعضهم (¬1): تنفيه (¬2) وإن كانت حاملاً. ومرة ألزمه له على التفصيل المتقدم إن ولدته قبل ستة أشهر من دعوى الرؤية. فعلى هذا يكون جميع ما في "المدونة" من هذا الكلام عن مالك قولان (¬3)، وإليه ذهب ابن لبابة (¬4). وقيل: بل قوله بنفيه وإن كانت حاملاً أي بلعان ثان وإن لم يدع استبراء. وهو قول عبد الملك (¬5) أيضاً (¬6) وأصبغ (¬7). فعلى هذا تكون ثلاثة أقوال. وذهب بعض الشيوخ أن معنى قوله: مرة ألزمه، أي ولا لعان له، لأنه لم يدع استبراء. وهذا نحو قول عبد الملك (¬8) وأشهب (¬9) وابن عبد الحكم (¬10) في كتاب محمد. وفي كتاب محمد/ [خ 264] أيضاً في هذه المسألة: لا ينفيه بحال ويلحق به. فيأتي (¬11) على هذا قول رابع في الكتاب. ¬
وقيل: بل قوله: ومرة ألزمه أي فلا ينفيه إلا بلعان ثان؛ لأن الأول إنما كان للرؤية خاصة. ثم اختلف في معنى قوله: ينفيه وإن كانت حاملاً؛ هل وهو مقر بالحمل عارف به، أم لم يعلم أنها حامل إلا بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: فقيل: ذلك سواء علم أو لم يعلم، أقر بالولد أو لم يقر؟ وهو نص في كتاب محمد (¬1) وإحدى روايات/ [ز 178] الجلاب (¬2) والبغداديين وظاهر قول المخزومي في الكتاب (¬3) في قوله: وهو مقر بالحمل، وذلك أنه لما اطلع على خيانتها صح له نفي ما كان أقر به قبل بسلامة (¬4) نيته وصحة اعتقاده لعفافها على الظاهر والفراش له، وقامت له الآن حجة بريبة (¬5) الفراش فصح له نفيه. وذهب ابن محرز (¬6) أن معنى ذلك كله فيمن لم يقر بالحمل ولا عرف به حتى ظهر بعد اللعان (¬7) وبالوضع، وأنه لما ظهرت خيانتها عنده لم يأمن (¬8) من الحمل، فكان اللعان لكل حمل يظهر بعد. وأن اختلاف قوله إنما هو فيما لم يعلم. وأن معنى قول المغيرة (¬9): "مقر بالحمل" أي بالوطء بدليل قوله بعد هذا (¬10): "فإن اعترف به بعد هذا ضربته الحد". وهذا موافق ¬
لأحد قولي مالك في التفرقة المتقدمة. قال شيخنا القاضي (¬1): وهذا بعيد. قال القاضي رضي الله عنه: وظاهر كلام المغيرة ما تأوله ابن محرز لقوله: فإن ولدت ما في بطنها قبل ستة أشهر فالولد منه، وإن ولدته لستة أشهر فللعان. فلو كان ظاهرا وهو مقر به حين اللعان لم يحتج إلى هذا التفصيل لعلمنا على كل حال أنه كان قبل اللعان. وقوله (¬2): "واعترافه به ليس بشيء"، يريد اعترافه بالوطء. وعلى التأويل الآخر يريد الإقرار (¬3). ثم قوله (¬4): "ولو اعترف به بعد هذا ضربته الحد" يدل أنه لم يكن معترفاً به قبل هذا. ومذهب "المدونة" في هذا أنه يحده. وتأول ابن يونس قول المغيرة: إن اعترف بالحمل الآن (¬5) أن امرأته حملت بهذا الولد وأنه ولدها. ثم يعتبر إيلاده بعد الرؤية؛ فإن كان لأقل من ستة أشهر لزمه، وإن كان لستة (أشهر) (¬6) فأكثر جاز أن يكون للرؤية. وقد التعن لها وادعى أن هذا الولد لها فهو كما التعن. وهذا قريب في المعنى من قول ابن محرز. فيأتي على قول المغيرة ثلاث (¬7) تأويلات: الاعتراف بالوطء لا بالحمل، وهي إحدى روايات الكتاب واختيار ابن القاسم فيه. ¬
الثانية (¬1): الإقرار بالحمل، وهو نص ما في كتاب محمد (¬2) وإحدى (¬3) تأويلات الكتاب. الثالث: أن اعترافه بالحمل حين وضعته لا حين لاعن. وقد حكى القاضي عبد الوهاب (¬4) وابن الجلاب (¬5) في مدعي الرؤية على حامل مقر بحملها ثلاث روايات: يحد ويلحق الولد ولا لعان. ويلتعن ويدرأ الحد ويلحق الولد. ويلتعن ويسقط الحد والولد. فقوله الأول - وهو نصه في كتاب محمد (¬6) - مبني على أن اللعان لا يكون إلا لنفي الولد، وقال: كل من لاعن لم يلحق به الولد، وإن اعترف به بعد اللعان حد، وهذا مقر به. قيل (¬7): فيحد ولا يلاعن. قال محمد: هذا إعراق (¬8). هذا معنى [قوله] (¬9) لا شك فيه. وقد تأوله الباجي (¬10) ¬
(رحمه الله) (¬1) على غير مقتضاه وأن معناه عنده: يلاعن وينتفي بذلك. ولفظه لا يقتضي هذا (¬2). وتأويل اللخمي (¬3) والبغداديين ما تقدم، وهو (أصح) (¬4). والقولان الآخران على ما في "المدونة". فإن ادعى في المسألة الاستبراء بعد أن/ [خ 265] ولدته وأنكره لم يلحق به، وسقط (¬5) نسب الولد بلعان ثان عند عبد الملك وأصبغ، وبغير لعان مجدد (¬6) عند أشهب. والقولان يخرجان من "المدونة" على اختلاف رواية هذا الحرف في باب لعان الأخرس، وهو قوله (¬7): "ويكون اللعان إذا قال ذلك والذي كان نفياً للولد". ثبتت الواو في رواية وسقطت في أخرى، وهي في كتابي ثابتة، وسنبينه بعد. فأما إن نفاه بادعاء الاستبراء مجرداً دون رؤية لم يلزمه وانتفى على المشهور. وقال أشهب/ [ز 179] في كتاب محمد (¬8): لا ينتفي لأن الحمل يأتي على الحيض. وقوله (¬9) في الذي قال لامرأته: "وجدتها وقد تجردت (لرجل) (¬10)، أو هي (¬11) مضاجعته (¬12) في لحافها (¬13) عريانة" إلى آخر المسألة: "لا لعان بين ¬
الزوجين إلا في الرمي بالزنا برؤية أو نفي حمل وعليه الأدب دون الحد" (¬1). وفي كتاب محمد نحوه. قال (¬2): "ولا لعان بينهما إلا في صريح القذف أو تعريض يشبه القذف"، وقال (¬3) عن ابن القاسم وأشهب: يحد ولا يلاعن. وقال ابن القاسم في كتاب القذف من "المدونة": يلاعن. وتأول على ظاهر لفظه في هذا الكتاب. وهذا لو قاله لأجنبية لحد، وإنما لم يحده لأنه لم يقل ذلك مشاتمة فيظن به التعريض، وإنما قاله خبراً، وهو مضطر إلى الخبر كشاهد لو شهد به لم يحد. وهذا كالقائل لابن الملاعنة: لست ابن فلان، ولأن الزوج لو أراد ذكر غير ذلك ذكره؛ إذ له مندوحة باللعان وأنه لو رأى غير ذلك لم يملك نفسه عن ذكره بحكم الغيرة وطباع البشر، فإذا ذكر هذا دل أنه صادق غير معرِّض. ويدل عليه أنه قال في كتاب محمد (¬4): ولو أنه لما قيم عليه بالتعريض قال: رأيتها تزني للاعن. والعَجلاني (¬5)، وبنو العَجلاني، بفتح العين. وعَفَر النخل (¬6) بفتح العين المهملة وفتح الفاء، كذا ضبطناه في الكتاب، وفسره بأن يترك من السقي بعد الإبار بشهرين (¬7). وروينا هذا ¬
الحرف على (¬1) شيخنا أبي الحسن (¬2) بن سراج اللغوي: عفْر، بالإسكان (¬3)، ويقال عفَار بفتحها وزيادة ألف، وفسره اللغويون بنحو ما في الكتاب. وحكى اللفظين أبو عبيد الهروي. ورأيت بعضهم فسر هذا اللفظ بالبعد، وهو يرجع إلى نحو ما تقدم كأنه أبعد عهدها بالسقي، وإنما يفعل هذا حين تعقد الثمرة فيها لئلا يفسدها (¬4) السقي. وابن سَحْماء (¬5) بفتح السين المهملة وحاء ساكنة مهملة، ممدود. وقول ابن شهاب (¬6): "من نَفَى ولدها" كذا لابن وضاح بالنون. ولغيره: قَفا، بالقاف، وهما بمعنى؛ يقال: قفوت أي قذفت (¬7)، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬8). وقوله (¬9) في ميراث ولد الملاعنة: "ترثه أمه وعصبته"، معناه أنها من الموالي، لأن ابنها مولى لهم وليس له أب معلوم يجر ولاءه. ولو كانت عربية لم ترثه عصبتها، لأنهم ليسوا بعصبة له، وميراثه للمسلمين. والأوْرق (¬10) من الإبل ما في لونه سواد. وقيل للحمامة ورقاء لتغير البياض بلونها إلى السواد (¬11). ¬
وأنَّى (¬1) هنا، بمعنى كيف. وقوله (¬2): "عِرق نزعه"، أي نزع إليه وأشبهه، أي نزع إليه في الشبه؛ يقال: نزع إليه إذا أشبهه (¬3) وأصله من الميل والخروج من شيء إلى شيء، ومنه نُزَّاع العسكر. ونُزَّاع القبائل (¬4). وقوله (¬5): "لم يرخص له في الانتفال منه" بالفاء وآخره لام، أي في الانتفاء، وهما (¬6) بمعنى واحد (¬7). وهو عندنا في/ [خ 266] الكتاب في هذا الموضع بالوجهين معاً. وقول ربيعة (¬8) ونافع وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد (¬9) فيمن لاعن زوجته ثم قذفها: "يجلد الحد"، مثله لابن شهاب في كتاب محمد (¬10). قال محمد: ولم أسمع من (أصحاب) (¬11) مالك فيها شيئاً بيناً، ولا حد عليه لأنه إنما لاعن لقذفه (¬12). ¬
وقول ابن القاسم (¬1) في ملاعنة الأعمى، خلاف قول غيره، فإما أن يكون على أحد القولين في اللعان بالقذف المجرد، أو يُديَّن في ذلك [من أين علم] (¬2)، كما روى ابن وهب آخر الباب عن مالك (¬3): "يحمله في دينه". وقول غيره (¬4): حتى يأتي بما يدل على صدقه بما (¬5) يذكر من مس بيده أو شبهه (¬6)، كما نقل ابن القصار (¬7) عن مالك أنه لا يلاعن حتى يقول لمست، يعني لمس الفرج في الفرج. وقوله في/ [ز180] باب لعان الأخرس - وهو الأبكم - في الذي ادعى الاستبراء حين ولدت لأدنى من ستة أشهر - وقد لاعن للرؤية (¬8) -: "لا يلحقه الولد، ويكون اللعان إذا قال ذلك والذي كان نفياً للولد"، كذا ثبت الواو عندي (¬9) وفي أصول شيوخنا وأكثر النسخ. وفي كتاب ابن سهل وابن عيسى سقطت الواو في رواية (¬10). قال أحمد بن خالد: إثباتها يدل أنه لعان ثان كما قال أصبغ (¬11). قال القاضي: ويكون على هذا معنى "ويكون اللعان إذا قال ذلك"، أي ويجب ويقع (¬12)، وهذا أحد معاني "كَانَ" في لسان العرب. ويبينه ¬
قوله في كتاب ابن المرابط: "ويلزمه"، مكان "يكون". ثم قال: والذي كان نفياً للولد أي مع اللعان المتقدم الذي مضى للرؤية يكون هذا زائداً لنفي الولد خاصة. و"كَانَ" ها هنا على بابها في الماضي. وقد تكون الواو على أصلها عاطفة أن (¬1) بمجموع هذين اللعانين انتفى الولد؛ إذ لولا الرؤية المتقدمة التي لاعن بها (¬2) ما نفاه ولا التعن له الآن. وعلى حذف الواو يكون معناه: ويكون اللعان إذا قال ذلك الذي كان - أي المتقدم - نفياً للولد. أي إن ذاك اللعان الذي تقدم وكان للرؤية يكون لنفي الولد أيضاً ويجزئه ولا يلزمه لعان ثان إذا قال هذا، أي نفاه (¬3) وادعى الاستبراء. ومما يصحح أن مراده بلعان (¬4) ثان قوله آخر المسألة (¬5): إذا أكذب نفسه في دعوى الاستبراء وادعى الولد: أعليه الحد أم لا (¬6)، لأن اللعان قد كان برؤية (¬7)؟ قال: عليه الحد؛ لأنه صار قاذفاً لأن اللعان الذي كان لما ادعى الاستبراء أنه كان بعد ما وضعته فقد كان نفياً للولد، فهذا يدل أنهما لعانان: لعان متقدم [للرؤية] (¬8) ولعان ثان لنفي الولد، وهذا (¬9) واضح هنا. ويخرج من هذا الموضع أن الملاعن إذا قذف زوجته بعد اللعان حد ¬
كما قال نافع (¬1) وربيعة وعبد الرحمن (¬2) في الآثار (¬3)، خلاف ما قاله محمد واختاره (¬4). وقوله (¬5) في غير المدخول بها إذا جاءت بولد لستة أشهر وادعته منه: يتلاعنان (¬6) ولها نصف الصداق. وكذا في "الموطإ" (¬7). وقد كثر (¬8) الاعتراض على هذا الحرف وطلبُ التوجيه له: فقيل: ذلك على الاختلاف عندنا هل هو فسخ أو طلاق؟ فإثباته فيه الصداق يدل أنه طلاق. وقد يحتج قائل هذا بقوله في "الأم" (¬9): "لأنها في عدة منه وهي مبتوتة" وجعلِه (¬10) لها السكنى. وأصل مذهبنا والذي حكاه شيوخنا أن اللعان فسخ، وإذا كان هذا فيجب ألا يكون فيه قبل الدخول صداق، وهو الذي نص عليه ابن الجلاب (¬11) / [خ 267]. وعلل بعض المشايخ المسألة بأنها أثبتت الدخول بأيمانها وهو نفاه بأيمانه، فتساوت الدعاوى في الصداق فقسمناه بينهما كما لو تعارضت شهادة اثنين في حق واستوت فيه الدعاوى، والأيمان في اللعان مقام ¬
الشهادة. وهذا يعترض (¬1) عليه بأن مجرد دعواه هو لو لم يكن لعاناً يوجب نصفاً، ودعواها هي توجب جميعه، فلم يعتدل قسمه على النصف. فإن قيل: لعانه أوجب سقوط الجميع قيل: لا يصح إسقاطه إلا بلعانهما جميعاً، فبالوجه (¬2) الذي يثبته لها لعانها هو الوجه الذي يسقطه عنه. وقد يُنفصل عن هذا بأن التلاعن هنا قد وجد فلا يقدر عدمه وحكمه في جهتهما مختلف، ولعان كل واحد مصدق لقوله، فتعارضا على ما تقدم واستوت دعواهما. وقيل (¬3): إنما ذلك لأنا لا نعلم صدق الزوج، ونتهم (¬4) أنه أراد تطليقها وتحريمها باللعان ليسقط عنه الصداق فألزمناه نصفه، إذ حلف على نفي الدخول. قال القاضي: ويحتمل أن يكون ذلك لاختلاف الناس وقول من قال: هو طلاق (¬5). وقد/ [ز 181] تأوله بعضهم على المذهب. وفي الكتاب لبكير (¬6) بن الأشج (¬7): "هو البتة وإن كان لها مهر وجب لها عليه". وعثمان البتي (¬8) لا يراه فراقاً. وهو قول طائفة من البصريين. وعبد الله بن الحسن (¬9) ¬
وأبو حنيفة وأصحابه يرونها طلقة بائنة. ولابن نافع (¬1) في كتاب ابن مزين ولعيسى (¬2): أحب للزوج أن يطلقها بعد تمام اللعان ثلاثاً كما جاء في الحديث (¬3)، فإن لم يفعل فهو فراق لا (¬4) تراجع فيه. وأبو حنيفة والشافعي يقولان: لا تقع الفرقة إلا بحكم حاكم. واختاره ابن لبابة (¬5) ورأى له الرجعة بعد زوج مع كراهية (¬6) ذلك، فلعله إنما راعى في نصف الصداق هذا للاختلاف (¬7)، والله أعلم. مسألة؛ نص الكتاب ومشهور المذهب والمعروف من قول مالك وأصحابه أن الفراق إنما يقع بين الزوجين بتمام لعانهما (¬8) وأنه لو لم يبن (¬9) من اللعان إلا مرة واحدة من المرأة فأكذب الزوج نفسه جلد الحد وكانت امرأته (¬10). قال بعض شيوخنا (¬11): "وعلى هذا إذا مات الزوج بعد أن التعن وقبل أن تلتعن المرأة أنها ترثه، التعنت أو لم تلتعن بعده. وهذا قول ربيعة ومطرف في كتاب ابن حبيب (¬12) واختياره" (¬13)، وهو قول ربيعة أيضاً في كتاب محمد (¬14) واختياره، ........................................ ¬
خلاف ما لربيعة في الكتاب (¬1) ورواية البرقي (¬2) عن أشهب (¬3)؛ لأنه مات وهي امرأته. وهذا بخلاف (¬4) ما لربيعة في الكتاب (¬5) أنها لا ترثه إن مات، ولسحنون في "العتبية" (¬6) إذا لاعن الزوج ونكلت المرأة ثم أكذب الزوج نفسه، قال: لعانه قطع لعصمته ولا ميراث بينهما، ونحوه لأصبغ في "العتبية" (¬7) في التي تزوج في عدتها فتأتي بولد فتلاعن (¬8) أحد الزوجين أنها تحرم أبداً (¬9) على الذي لاعنها ولم تلاعنه. فهذا كله يقتضي أنه بتمام لعان الزوج يقع الفراق وتنقطع العصمة والميراث ويلزم التحريم. وهذا ظاهر "الموطإ" (¬10)، ونص كلامه: "قال مالك في الرجل يلاعن امرأته فينزع ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين ما لم يلتعن في الخامسة: إنه إن نزع قبل أن يلتعن جلد الحد ولم يفرق بينهما". وأنكر ابن اللباد قول سحنون. ¬
وتأول بعضهم قوله في "الموطإ": بعد يمين أو يمينين، وقولَه: ما لم تلتعن في الخامسة، أنه يرجع إلى أيمان المرأة يرده (¬1) (إلى القول) (¬2) المشهور، وهو أولى ما حمل عليه، واللفظ يحتمله. وقيل: / [خ 268] بل ذكر الوجه الذي لا يختلف فيه وسكت عن سواه. وهذا يبعد مع قوله: ما لم يلتعن الخامسة. وقد تأول هذا القول (¬3) الآخر بعض الشيوخ على "المدونة" في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص لقوله (¬4): "إذا أكذب نفسه بعد أربع شهادات من قبل الخامسة التي يلتعن بها جلد الحد ولم يفرق بينهما"، فدليله لو كان بعد الخامسة لفرق بينهما كظاهر "الموطإ". وقال في الكتاب: "إن ماتت المرأة بعد لعان زوجها (¬5) ورثها الزوج، وإن مات الزوج ورثته إن لم تلاعن وتحد، ولا ميراث لها إن لاعنت"، وهذه هي رواية المصريين وقول عبد الملك بن الماجشون وربيعة في "الأم"، فلم يجعل الفراق وقطع الميراث بمجرد التعانه حتى تلتعن هي. وكذلك لو كانت البادئة هي في الالتعان ثم ماتت، قاله في كتاب محمد (¬6). فعلى هذا أن الأمر مرتقب (¬7) بالتعانها إن التعنت. فكان بعض شيوخنا (¬8) يجعل هذه قولة على حدتها. فيأتي على هذا في المسألة ثلاثة أقوال: اثنان منصوصان في الكتاب، وثالث متأول فيها من الآثار منصوص في "العتبية" ظاهر في "الموطأ". والله الموفق للصواب (¬9) / [ز 182]. ¬
كتاب العتق الأول
كتاب العتق الأول (¬1) يقال العِتق والعَتاق والعَتاقة بفتح العين فيهما، وعتَق الغلامَ، بفتح العين، وأعتَقه سيده فهو عتيق، وعبيد عتقاء وأمة عتيقة وإماء عتائق، ولا يقال: عاتق (¬2) وعواتق إلا أن يراد مستقبل أمره فيقال: هو عاتق غداً. ولا يقال: عُتق الغلام بضم العين، ولكن أُعتق (¬3). ومعنى العتق ارتفاع الملك عنه. وقد قيل: سميت الكعبة بالبيت العتيق لأنه لم يملكه أحد من الجبابرة. وقيل لأنه عتق من الطوفان. وقد يكون اشتقاق العتق من الجودة والكرم. وفرس عتيق إذا كان سابقاً. وعِتق الرجل كرمه، فكأنه لما زال الرق عنه لحق بالأحرار وتم فضله. وقد يكون من القوة والسراح من قولهم: عتق الفرخ إذا قوي على الطيران، فكأن هذا زال عنه ضعف العبودية وقيد الرق، وقوي بحريته على التصرف على اختياره والذهاب حيث شاء (¬4). والعتق مندوب إليه بالجملة ومن نوافل الخير المرغب فيها العظيمة الثواب، ويجب أحياناً بعشرة أسباب: بإلزام الرجل ذلك نفسه وتبتيله عتق ¬
مملوكه ابتداء. أو بنذره ذلك لأمر كان أو يكون. أو بالحنث في يمين بذلك. أو بحمل مملوكته منه. أو بعتقه بعضه فيبتل عليه باقيه، أو بالتمثيل به، أو بشراء من يعتق عليه، أو بقتل النفس خطأ، أو وطئ المتظاهر، أو بمكاتبة العبد، أو مقاطعته على مال أو خدمة لذلك (¬1). ويلحق بها وجهان آخران وهو (¬2): كفارة اليمين بالله. وكفارة الفطر (¬3) في رمضان، إلا أن الفرض في هذين موسع للتخيير فيه (¬4) وبين غيره من الكفارات المذكورة معه، وإنما يتعين الفرض في ذلك بتعيين المكفر. وقوله (¬5) في الذي قال: لله علي عتق رقيقي هؤلاء: إنه لا يجبر على عتقهم، وإن مالكاً كان يرى ذلك واجباً عليه ولكنه لا يجبر ويؤمر. إنما قال هذا لأنه إذا أجبر فهو بخلاف نذره، لأن القصد بالنذر لله القربة، وإذا أجبر لم يكن له فيه نية ولا ثواب وكان تفويتاً لنذره، فترك وما قصد فلعله يفعله. وأشهب (¬6) يرى إجباره إن قال: لا أفعل، فإن قال: أفعل ترك. وهو التفات إلى تعليلنا لقول ابن القاسم. وقوله (¬7): "كل مملوك لي حر وله مكاتبون وأمهات أولاد: إنهم كلهم أحرار"، يخرج من هذا أن الإناث يدخلن (¬8) في لفظ المماليك إذا لم تكن له نية، ولا يختص ذلك بالذكور، وهو أحد قولي سحنون، وقال أيضاً: ¬
ذلك يختص بالذكور. وكذلك جاء في بعض روايات "العتبية" عنه (¬1). قال بعض مشايخنا (¬2): لأنه يقال مملوك ومملوكة، ولو قال أردت الذكور دون الإناث صدق، ولا يضره قوله: كل مملوك. قاله في "العتبية". وقوله (¬3): "إن قال: كل عبد أشتريه فهو حر فلا شيء عليه فيما اشترى من العبيد. وكذلك لو قال: كل جارية أشتريها فهي حرة فلا شيء عليه فيما اشترى من الجواري إلا أن يسمي جارية بعينها أو عبداً بعينه"، هذا دليل أيضاً على أن الإناث لا يدخل (¬4) في لفظ العبيد كما قال سحنون في "العتبية". وعليه يدل لفظه في غير موضع من الكتاب. ومنه قوله في كتاب الصيام (¬5): "هل تجوز شهادة العبيد والإماء في هلال رمضان؟ ". وقد فرق بين لفظهما في الكتاب العزيز فقال: {مِنْ عِبَادِكُمْ} (¬6)، وقال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} (¬7)، {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ}. وذهب فضل إلى أن الإناث يدخلن (¬8) في لفظ العبيد. واستحسنه بعض [ز 183] المتأخرين بقوله (¬9): {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (¬10). وقد استدل على هذا بقوله في كتاب القذف في الأمة والعبد ¬
"إذا أعتقا فقال لهما رجل: زنيتما في حال العبودية: لا حد عليه إذا أقام البينة أنهما زنيا وهما عبدان"، ولا حجة فيه لأنه من باب تغليب المذكر على المؤنث إذا اجتمعا. ولم يختلفوا في: رقيقي، أنه يدخل فيه الذكور والإناث. واعلم أن يمينه بما يملكه إن خلصه للاستقبال؛ إما بحروف الاستئناف، وفي (¬1) معناه كقوله: أملك فيما أستقبل، أو غداً، أو أبداً، أو أكتسبه، أو أستفيده، أو أشتريه، أو يدخل في ملكي، أو أملكه إلى سنة أو شهر، فلا خلاف في هذا أنه لا يدخل فيه ما في ملكه يوم حلف وأن ذلك يختص بما يملك بعد. وكذلك عكسه إذا نص على ما في ملكه كقوله: الآن، أو ملكته، أو في ملكي، أو تحت يدي، أو عندي، أو عبيدي، أو مماليكي، أو رقيقي، فلا خلاف أيضاً أنهم يدخلون في اليمين دون ما يستأنف ملكه بعد اليمين. وجاء اختلاف من لفظه وإشكال في قوله: كل عبد أملكه، لاشتراكهما (¬2) في الحال والاستقبال، هل يختص بالاستقبال أو يعم الوجهين؟ والعموم أشبه بأصولهم (¬3). قاله ابن أبي زمنين، وعليه حملها ابن لبابة. واختلف ظاهر جوابه في الكتاب في هذا (¬4): فمرة ساوى بين أملكه وأشتريه (¬5)، وبينه وبين: فيما أستقبل (¬6)، ولم يلزمه شيء (¬7) فيما (¬8) أملك (¬9). ومثله جوابه في مسألة (¬10): إن كلمت فلاناً ¬
فكل عبد من (¬1) الصقالبة حر أنه إن كلم فلاناً "فكل مملوك يملكه بعد ذلك منهم حر". وخالف هذا في مسألة: إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه حر (¬2)، قال: "لا يلزمه الحنث إلا في كل مملوك كان عنده يوم حلف" لعمومه فيما يستقبل كل ملوك. ولو لم يكن عنده عاماً لما يملكه الآن ولما يستقبل لما ألزمه شيئاً. واختلف الشيوخ في تأويل هذه المسائل وحقيقة مذهبه في ذلك: فذهب بعضهم إلى الخلاف، وأن معناهما مجرد الاستقبال في مسألة الصقالبة، ولا يلزمه فيمن في يده شيء على ظاهر المسألة. وإليه ذهب سحنون (¬3)، حكاه عنه ابن عبدوس. وذهب آخرون إلى الوفاق وأن معنى مسألة الصقالبة أنه لم يكن له يوم حلف عبد صقلبي وأنه جرد النية للاستقبال، فلذلك خص حنثه بمن يملكه بعد إلا أن تكون له نية. وهو نص ما في كتاب محمد (¬4)، وهو تأويل ابن أبي زمنين وابن لبابة وغير واحد. وقد جاء في بعض الروايات: فكل مملوك أملكه بعد ذلك. حكاها ابن أبي زمنين. فعلى هذا لا يكون إشكال بين الجوابين. قال ابن أبي زمنين: وهو أشبه بأصولهم. قال بعض مشايخنا المتأخرين: وأكثر استعمال الناس اليوم هذا اللفظ فيمن في الملك لا لما يستقبل. ¬
ابن وهب (¬1) عن ابن (¬2) الدراوردي (¬3) عن عثمان بن ربيعة (¬4)، في الباب الثالث. كذا رواية الجماعة. وعند الدباغ والإِبياني: أشهب عن ابن الدراوردي (¬5). وقوله في مسألة: "إن دخلت الدار أبداً فكل مملوك أملكه أبداً حر": إنه يلزمه فيمن عنده يوم حلف. كذا في "المدونة" من رواية الأندلسيين وبعض القرويين. وفي كتاب ابن عتاب ثبات "أبداً" في الموضعين، وكذلك في كتاب المكاتب من "الأسدية". ومن الرواة من أثبتها آخراً في الملك فقط، وهو الذي في كتاب ابن المرابط (¬6). ورواية يحيى (¬7) والعتبي إسقاطها آخراً وإثباتها أولاً الدخول (¬8)، وهو الصحيح. وليس لإثباتها في الدخول ولا لإسقاطها تأثير في الفقه، وإنما الفقه في إثباتها في الملك أو إسقاطها منه. وبإسقاطها يصح جوابه في التزامه (¬9) عتق من يملكه على ما في كتاب محمد (¬10)، ويكون وفاقاً لقول أشهب بعده (¬11). وبإثباتها يأتي خلاف قول أشهب. ويتبين (¬12) خطأ إدخال من في الملك فيه، لأن "أبداً" ¬
تشعر بالاستقبال كما قال في كتاب محمد (¬1) وكما قاله أشهب في الكتاب (¬2). ويروى أن سحنون أصلحها وأسقطها من أصل/ [ز 184] "الأسدية". وهي عند أكثرهم وهم وخطأ، وأنه متى قال: أملكه أبداً، فإنه مجرد للاستقبال. وذهب آخرون إلى صحتها وأن يكون معناها أنه نوى ما في ملكه وما يستقبل، فلذلك لزمه ما في ملكه (¬3). وهو تأويل ابن لبابة؛ قال: وهي مثل قوله في المسألة الأخرى (¬4): فكل مملوك لي حر إنه لا يلزمه اليمين إلا فيمن ملكه، فحملها ابن لبابة أنه لو لم يعم فيما يملك في الاستقبال صلحت أيضاً له. وليس هذا مراده إلا أن تكون له نية؛ لأن قوله في هذه المسألة: "لي" ظاهره الملك الآن، مثل "عندي"، بخلاف: أملك، التي ظاهرها الاستقبال. قال ابن لبابة: وسواء عند مالك قال "أبداً" أو لم يقله [إنه يحاشي (¬5) من في ملكه إلا أن يريد هو ذلك، فإن أرادها فذلك له؛ قال: "أبداً" أو لم يقله] (¬6). وهذا خلاف ما قاله محمد. وأشهل بن حاتم، بشين معجمة. والآبُر بمد الهمزة وضم الباء وراء مخففة بعدها، وهم جنس من العجم. والصقالبة (¬7): جنس من الروم. ¬
وفارعة من رأس المال، بعين مهملة وفاء، أي مبداة خارجة. وقوله عاسروني في اليمين، بسين (¬1) مهملة، أي ضايقوني، من العسر. واغْرُبِي (¬2)، أي اُبعُدي، بالراء المضمومة والغين المعجمة، كذا الرواية. واعزُبي بالعين المهملة (¬3) والزاي بمعناه. وبقية مسألة من حلف بعتق عبده فباعه ثم ورثه، من قوله: إن كان أقل من ميراثه إلى آخر المسألة، ليس في كثير من الروايات، وصحت لابن وضاح وهي صحيحة. وقول بعض الرواة في المحلوف بعتقها ليفعلن كذا إلى أجل: إنه ليس لسيدها وطؤها كما ليس له بيعها، وذكره عبد الرحمن عن مالك (¬4). بعض الرواة هنا هو ابن غانم، وهي روايته عن مالك، وفرق بين الحرة والأمة في هذا (¬5). وقال مثله ابن الماجشون. وله قول آخر بجوازه كرواية ابن القاسم (¬6). وقوله (¬7) في المديان: رهنه جائز، وإن الرهن مثل القضاء. كذا رواية ابن باز والإبياني. ولغيرهما: وإنما الرهن مثل البيع، وهي رواية ابن وضاح. ¬
قال القاضي: وقد اختلف قوله في كتاب المديان في الرهن والقضاء جميعاً. وقوله: إذا جعل عتق عبده في يده، فقال: أنا أدخل الدار - يريد بذلك العتق - لا يصدق. وقول غيره: إذا قال: أنا أدخل الدار، وأنا أذهب، وأنا أخرج: إنه عتق إذا أراده؛ لأن هذا من الكلام يشبه أن يكون يريد به العتق. وذكر ذلك أيضاً محمد في كتابه وقال: "قول ابن القاسم أصوب" (¬1). وذكر عن عبد الملك (¬2) مثل قول ابن القاسم، فحملهما على الخلاف. وذهب غير واحد إلى أنه ليس بخلاف وقال: إن ابن (¬3) القاسم لم يتكلم على قوله: اذهب واخرج، ولا يخالفه في هذا، بدليل قوله في مسألة من قال لرجل: أعتق جاريتي، فقال لها: اذهبي. قال القاضي: ما ذهب إليه ابن المواز عندي من أنه خلاف أظهر وأصوب، فإنه لا يمكن أن يعترض عليه في قوله: ادخل الدار، أنه خلاف، وإنما تعقب في قوله: اذهب واخرج. واجعلها (¬4) غيره كلها سواء زالت علة هذا القائل التي اعتل بها ودل أن ابن القاسم لا يراها من ألفاظ العتق ولا كناياته، فلم يلزم السيد بها شيئاً، وصار العبد مدعياً النية فيها نادماً على تركه التصريح بعتق نفسه؛ إذ لو أراده لصرح به. وهذا بين. وأما حجته بمسألة المأمور فهو (¬5) حل محل الآمر السيد، وهو وكيله على العتق أو مفوض إليه من قبله ذلك، فحكمه حكمه؛ وتقبل دعواه النية في ذلك، ويلزم ذلك السيد كما يلزم ذلك هو إذا نواه؛ لأنه مصدق على نفسه وعلى موكله، بخلاف العبد المتهم في نفسه الذي هو خصم سيده (¬6) هنا لا يصدق ¬
في دعواه عليه. وبهذا علل في الكتاب؛/ [ز 185] قال (¬1): "لأن العبد مدعى (¬2) فلا يصدق على سيده؛ لأنه لم يتكلم بالعتق ولا بحروف العتق". وأيضاً فإن أصل ابن القاسم وأشهب في الباب مختلف، وكلاهما أجاب على أصله؛ فابن القاسم يرى أنه متى قال العبد هذا اللفظ، نواه أو لم ينوه، أنه لا رجوع له إلى عتق نفسه. وأشهب يقول في كتاب محمد (¬3): إن قوله كالسكوت، يريد إذا لم ينو شيئاً ولا ادعى نية. وقوله (¬4): "أنت حرة إن هويت، أو رضيت، أو إن شئت، أو إن أردت: إن ذلك لها وإن قاما من مجلسهما، كالتمليك". وقول ابن القاسم (¬5): "وأما أنا فلا أرى لها بعد أن يفترقا من المجلس شيئاً، إلا أن يكون شيئاً فوضه إليها". اختلف في تأويل هذا؛ فقيل: معناه حتى يقول: متى شئت فأعتقي نفسك، أو أنت حرة متى شئت، وإن قوله أولاً: إن شئت، وإن أردت، وما ذكر أولاً ليس بتفويض، وإنه تمليك يدخله القولان. وذهب آخرون إلى أن قول ابن القاسم إنما (¬6) عطفه على قوله: "كالتمليك"، يريد في أحد القولين، وأن ابن القاسم يرى في التمليك القول الآخر، إلا أن يكون شيئاً فوضه إليها مثل هذه الألفاظ المذكورة في الكتاب، ونحوه في كتاب التمليك. وقد ذكرنا هذا هناك مبيناً، وألفاظ التمليك وغيرها. مسألة القرعة، جاء في الكتاب هنا فيها تلفيف موهم أوجب اختلاف شيوخنا في معناها، وهل ذلك قول واحد أو قولان وما ذاك القول؟ وقد تكررت في الوصايا. وكثير ما تمر في المناظرات ومجالس المذاكرات وكل عنها غافل. ¬
فحقيقة مذهبه عند أكثرهم أنه إذا قال في مرضه (¬1): عشرة من عبيدي أحرار، ولم يسمهم، وله ستون عبداً أنه يقرع على سدسهم أو سدس ما بقي منهم، فيعتق ما خرج في السدس كان أقل من عشرة أو أكثر ويرق الباقون، إلا أن يكون الباقي عشرة فيعتقون أجمع وإن كانوا أكثر قيمة من السدس (¬2)، إن حملهم الثلث أو ما حمل الثلث منهم. وعلى هذا يدل لفظه هنا في غير موضع كقوله (¬3): "إن بقي عشرون عتق منهم النصف"، "وإن كانوا ثلاثين عتق منهم الثلث بالقرعة، ويرق ما بقي". وكقوله (¬4): "إن بقي منهم أحد عشر عتق منهم عشرة أجزاء من أحد عشر". وزاده بياناً في أول كتاب الوصايا الأول فقال: ولو خرج أقل من العشرة أو أكثر. ومثله مبين (¬5) في الوصايا الثاني فيمن قال: عشرون من غنمي لفلان، وغنمه مائة، أعطينه (¬6) خمسها بالسهم، وقع له في ذلك عشرون أو ثلاثون أو عشرة، ولم يكن له غير ذلك، كذلك فسر لي مالك. ومثله في"العتبية". وهو مذهب ابن عبد الحكم (¬7) ومطرف وعبد الملك وابن كنانة وابن حبيب (¬8)، وأنه لا يزاد على ما خرج في السهم ولا يلتفت إلى العدد وإن حمله الثلث. وأن ذكر العدد هنا كذكر الجزء لو قال: سدسهم، أو ربعهم، كما بينه في "المدونة" بقوله (¬9): "ورق ما بقي"، وبقوله في المسألة بعد (¬10) ¬
هذا: إذا قال (¬1): "رأس من رقيقي أحرار (¬2)، أو خمسة، أو ستة، قوموا رؤوسهم بينهم" إلى قوله (¬3): "وإن خرج سهمه كفاف الجزء الذي سمى عتق وحده ورقوا جميعاً. وإن كان أكثر عتق منه مبلغ ما سمي ورق (¬4) ما زاد، ورق جميعهم". ثم قال (¬5): "ولا يلتفت بعد ذلك إلى العدد إذا كان فيما يبقى للورثة بقية الأجزاء على ما سمي"، لكنه زاد بعد هذا كلاماً في رواية الأندلسيين به دخل الإبهام (¬6). وكذلك قوله في الوصايا الثاني في مسألة الغنم والوصية منها بعشرين، وهي مائة: أعطيته خمسها، ولو وقع في ذلك عشرة ولم يكن له غير ذلك وقد بقي من الثلث ما زاد على الخمس. ولا فرق بين الوصية بالغنم أو بالعتق هنا. وإلى تأويل جميع ما جاء في "المدونة" على هذا الذي ذكرناه/ [ز 186] ذهب إسحاق بن إبراهيم وغيره من الأندلسيين وجماعة من القرويين. وعليه اختصر بعضهم ما جاء في الباب من خلاف هذا على ما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى. وذهب آخرون أن مذهبه في الكتاب ما تقدم مع ضيق المال وأنه لم يترك سواهم. فأما متى كان له مال سواهم (¬7) فإنه يلتفت إلى العدد حتى يستكمل من الثلث عشرة وإن كانوا ثلث (¬8) جميع تركته من العبيد وغيرهم. ¬
وقالوا: إلى هذا يرجع مفرق (¬1) مذهبه في الكتاب، وبه ختم كلامه لقوله في المسألة بعد هذا (¬2) إذا قال: "رأس من رقيقي أو خمسة أو ستة أحرار، ولم يسمهم بأعيانهم". وأجاب فيها بنحو الجواب الأول في القرعة بينهم، إلى قوله: "لا يلتفت في ذلك إلى العدد إذا كان فيما يبقى للورثة ثلاثة أرباعهم أو خمسة أسداسهم بقية الأجزاء على ما سمى. ثم قال (¬3): "وذلك إذا لم يترك مالاً غيرهم، فإن ترك مالاً غيرهم استكملوا عتق جميع ما سمى في ثلث جميع ماله حتى يؤتى على جميع وصيته التي سمى على ما فسرت لك". ونحوه في الوصايا الأول أيضاً. وليست هذه الزيادة عند القرويين (¬4) ولا ذكرها مختصروهم. وهي ثابتة في أصول شيوخنا، وهي التي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم (¬5). وعليها حمل ابن أبي زمنين مذهب "المدونة" لا غير وقال: معناه أنه تقوم جميع التركة من الرقيق وغيرهم، ثم ينظر إلى ثلث ما يجتمع في القيمة فيخرج منه جميع ما سمي أو ما حمل منه الثلث بالسهم. قال غيره: وصفة السهم على هذا أن تضرب العدد الذي سمي؛ إن خمسة فخمسة، أو ستة فستة، خرج في الستة نصف عشرهم أو ثلاثة أرباعهم، لا تراعي القيمة إذا استكمل العدد الذي سمي، يريد: يضرب بالسهم لكل واحد بعد معرفته (¬6) قيمته حتى يستكمل العدد أو يتم الثلث من جميع المال. قال فضل: وأبى ابن حبيب هذا وذهب إلى قول عبد الملك ومن ذكر معه. قال فضل: وقد ذكر مطرف (¬7) عن مالك إذا قال: إحدى عبدي (¬8) حر، يريد في الوصية إنما يعتق واحد كامل. وكذلك إن كانوا ثلاثة ¬
أعتق واحد بالسهم وإن كان أقل من الثلث من قيمتهم أو أكثر إذا حملهم الثلث. وهذا نحو ما حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم وظاهر ما قالوه (¬1) هؤلاء على "المدونة" وظاهر هذه المسألة وهذه الزيادة. وأما بعض القائلين أولاً فتأولوا هذه الزيادة وجعلوا المسألتين واحدة والجوابين سواء، وقالوا: قوله: "فإن ترك غيرهم استكمل عتق ما سمي من الثلث" إلى آخر الزيادة، أنها راجعة إلى قوله في أول الباب: إن كانوا كلهم عشرة أنهم يعتقون إن حمل هؤلاء العشرة الثلث وإن كانت قيمتهم أكثر من الخمس (¬2)، فكذلك في هذه المسألة، يريد إن ماتوا، إلا العدد الذي سمي. وهو عندهم معنى قوله على ما فسرت لك، يريد في مسألة العشرة، لكن لما بعد ما بين هذا الموضع وما فسره أولاً في صدر الباب دخل الإشكال. وإلى نحو هذا أشار إسحاق بن إبراهيم. وغلطوا التأويل الآخر على الكتاب وقالوا: كيف يصح أن يقول في هذه (¬3): إنما يعتق منهم كفاف ما سمي من الجزء، كان ربعاً أو سدساً بالسهم، كان واحداً أو عشرين أو ثلاثين، ولا يلتفت إلى العدد إذا كان فيما يبقى للورثة ثلاثة أرباعهم أو خمسة أسداسهم بقية الأجزاء على ما سمي إذا لم يترك مالاً غيرهم، فهو لم يعتقهم في ثلث أنفسهم فكيف يعتقهم في ثلث غيرهم! فدل أن الكلام راجع إلى ما تقدم أو أن فيه وهماً وغلطاً (¬4)، فلذلك أسقطه من أسقطه. ¬
وأما محمد بن يحيى بن لبابة وغيره فقالوا: هما قولتان له/ [ز 187] اختلف جوابه فيهما في مواضع من الكتاب؛ مرة بهذه ومرة بهذه، واختلطتا (¬1) في هذه المسألة فأدخلت اللبس؛ فالذي له في أول الباب وفي أول هذه المسألة وفي الوصايا الثاني الجواب المتقدم المشهور، والذي له هنا آخر الباب القول الآخر. وتمت عنده المسألة وابتدأ بقوله: فإن ترك مالاً غيرهم استكملوا. لكنه أسقط قوله: وقد قال أيضاً. وأدخل اللبس بقوله: وذلك إذا لم يترك مالاً غيرهم. ومثله في أول الوصايا الثاني في مسألة الغنم أيضاً. قال القاضي: وقد نبهنا على اختلاف لفظه في مسألة الغنم هناك بما يدل على القولين في الموضعين فيه. وعلى أنه اختلاف قول (¬2) حمل المسألة اللخمي (¬3) من القرويين. وعلى هذا القول تأول بعضهم قوله في الوصايا الأول في مسألة الشاة. والأظهر فيها القول الأول. وقوله (¬4) في هذه المسائل: "ولم يسمهم بأعيانهم" يدل أنه لو سماهم لم يكن هذا جوابه، وأنهم يعتقون بالحصص كما قال سحنون ومحمد. وفي كتاب ابن حبيب (¬5) لمطرف وعبد الملك: يقرع بينهم، سمى أو لم يسم. وجرير بن حازم (¬6)، بالجيم في الأول والحاء المهملة في الثاني والزاي. وأبو قلابة الجَرمي (¬7)، بالجيم المفتوحة والراء. ¬
ودَهُورا (¬1)، بفتح الدال وضم الهاء، اسم الغلام المذكور. كذا ضبطناه عن إبراهيم بن محمد. ورواية ابن وضاح بسكون الهاء وفتح الواو، وكذلك في كتاب ابن المرابط (¬2). وقوله: "وغُشي على الآخر" (¬3)، بضم الغين على ما لم يسم فاعله، كذا رويناه عن ابن عتاب وغيره، أي أصابه الغشْي حسرة لما فاته من العتق. وفي حاشية كتاب ابن سهل: وغَشَى، بفتح الغين والشين معاً، وفتح راء "الآخر" على المفعول. قال أحمد بن خالد: معناه أخطأه السهم وجاوزه. قال القاضي: وهذا غير معروف في كلام (¬4) العرب. والشِّقص (¬5): النصيب، بكسر الشين. وشوار البيت (¬6) - بالفتح والكسر - متاعه وما يحتاج إليه فيه من فُرش وأسباب. ومحمد بن عَجلان (¬7)، بفتح العين. وقوله (¬8) في الذي أعتق في مرضه وعليه دين: لم تكن القرعة عند مالك إلا في الوصية، وهذه وصية على أصل مالك؛ لأن البتل عنده في المرض والوصية به سواء. وقد بينه بعد آخر الباب (¬9) بقوله: سواء بتل في مرضه أو أعتق بعد موته، لأنها وصية. أي حكمها حكم الوصية. ¬
وقوله (¬1) في مسألة المدبر وفي (¬2) باب المديان يعتق عبده: "ولقد سمعته - ونزلت - فألزم التدبير الذي دبره كله ولم يجعل فيه تقويماً" أي مقاواة، وهي المزايدة بينهما (¬3). وقد قال قبل هذا (¬4): "وكانت المقاواة (¬5) عنده ضعيفة". ثم قال في باب العبد بين الرجلين (¬6) يعتق أحدهما نصيبه إلى أجل: "سمعته يقول فيمن دبر حصته من عبد بينه وبين شريكه إنه يقوم عليه. وقوله في المدبر غير هذا، إلا أنه أفتى بهذا وأنا عنده، فالذي أعتق حصته إلى أجل أوكد وأحرى أن يقوم عليه". قال اللخمي (¬7): معناه أنه يقوم عليه بالحكم كالعتق. قال القاضي رحمه الله: وهذا والذي في الباب (¬8) سواء. وأما على قوله المتقدم إنما (¬9) يكون مخيراً بين شيئين: أن تقوم (¬10) عليه أو يدبر نصيبه كالعتق. وأما قوله بالمقاواة فهو أن يتزايدا فيه، فإن وقف على المدبِّر كان مدبراً كله، وإن وقف على الآخر كان رقيقاً كله. قال بعضهم (¬11): ¬
والمقاواة جنوح إلى القول بجواز بيع المدبر. وعلى القول بالمقاواة يكون الشريك مخيراً بين أربعة أشياء: إن شاء قوم. وإن شاء تماسك. وإن شاء دبر. وإن شاء قاوى. فهذه ثلاثة أقوال في "المدونة" بينة/ [ز 188]، وفي كلها يصح التخيير للشريك على ما ذكرناه على أصولهم، لكن التخيير يختلف. وفيها قول رابع ذكره محمد عن مالك (¬1) وابن حبيب عن مطرف وعبد الملك أنه يحكم عليهما بالمقاواة ولا بد منه (¬2)، ولا خيار للشريك وهو حق للعبد، وبه أخذ ابن حبيب (¬3). وفيها قول خامس لسحنون: إذا كان الشريك المدبر معسراً أن للشريك أن يرد تدبيره ويكون كله رقيقاً. وقوله (¬4) في الذي اشترى أباه وعليه دين: "إنه لا يعتق عليه"، فإن اشتراه وعنده بعض ثمنه قال: "أرى أن يرد البيع. وقال ابن القاسم: لا يعجبني ما قال وأرى أن يباع منه بمقدار بقية الثمن ويعتق ما بقي". ثم ذكر قول بعض أصحابه (¬5) - وهو المغيرة -: إنه "لا يجوز له ملك ابنه (¬6) إلا إلى عتق، فأما إذا كان عليه دين يرده فقد صار خلاف السنة" إلى آخر المسألة. اختلف هل قول مالك في المسألتين سواء؟ وأن معنى "لا يعتق عليه" في الأولى كقوله: "يرد البيع" في الثانية، قاله القابسي (¬7). وقيل: هما مختلفان، ولا يرد في الأولى ويباع في الدين، بخلاف الثانية. وهو تأويل ¬
أبي محمد (¬1) والصحيح تأويل القابسي؛ لأن المسألة جاءت مجتمعة باللفظين مبينة في كتاب يحيى بن إسحاق (¬2) "المبسوط" (¬3)؛ قال مالك: من اشترى أباه وعليه دين، أو عنده (¬4) بعض ثمنه، لا يعتق منه شيء، وأرى أن يرد البيع. ثم قال: قال ابن القاسم: لا يعجبني وأرى أن يباع منه ببقية الثمن. فقد بين في هذا مذهب مالك بما لا يحتاج إلى تأويل. وقول المغيرة حجة لمالك، ولذلك أدخله سحنون (¬5). وقوله (¬6) عن عمر (¬7) في التي "أعتقت مصابتها من عبد وهو ثُمنه ولا قيمة عندها، فجعل له من كل ثمانية أيام يوماً، وجعل له (¬8) يوم الجمعة، وللورثة سبعة أيام، وهو قول مالك". كذا عندي "يوم الجمعة" في كتابي. وفي عامة النسخ: وجعل له في يوم الجمعة، وكذا في كتاب ابن المرابط، وهي روايتنا عن القاضي أبي عبد الله عنه. وعلى هذا اختصره المختصرون. واختلفوا في تأويله؛ إذ لا يستقيم أن يجعل له سهمه يوم الجمعة أبداً، إذ لا يبقى من الأيام بعد إلا ستة وقد جعل للورثة سبعة أيام: ¬
فقيل: معناه ابتدأ القسم له يوم الجمعة وبدأ بالعبد فيه، ثم يدور القسم بعد ذلك إلى تمام ثمانية أيام، فيكون يومه في الدور الثاني السبت ثم هكذا. وقيل: معناه أنه قسم بينهم يوم الجمعة خاصاً أبداً، فجعل فيه ثمنه للعبد وباقيه لهم، وسائر الأيام يقتسمونها على ما قال؛ سبعة للورثة، ويوماً للعبد، إما لأن يوم الجمعة لم يكن يوم كسب عندهم ولا تَنفُق فيه صنعة العبد لعادة جرت، فقسمه بينهم لئلا يغبن من يقع له. أو لحاجة العبد المعتق بعضه هنا لحضور صلاة الجمعة وقوة ترغيبه فيها، فجعل ذلك له في ذلك الحين والله أعلم. أو لأنه يوم راحة للعبيد في عرفهم، فحملهم عليه وسوى بينهم فيه على طريق العرف. والتأويل الأول من ابتداء القسم أشبه لكونه فردا، كما يبدأ بالقسم لصاحب النصيب القليل. وعلى هذا التأويل يخرج من "المدونة" أن العبد يبدأ، وهو الذي استحب أشهب في كتاب ابن سحنون (¬1)، فإن تشاحوا فيمن يبدأ استهموا. وبالاستهام قال ابن المواز (¬2) والوقار. وقوله (¬3) في الأمة الحامل بين الشريكين "دبر أحدهما ما في بطنها: إنه إذا خرج تقاوماه (¬4) فيما بينهما". ظاهره أنه إنما يتقاوماه (¬5) وحده، ولم يره تفرقة وإن صار الولد لأحدهما لبقاء الأم بينهما، وعليه تأولوا قوله هنا. ¬
وروي عن سحنون أنه إنما يتقاوماه (¬1) مع الأم معاً، فإن صار للذي دبر كان الجنين مدبراً والأم رقيقاً، وإن صار للآخر كانا رقيقين. وقوله (¬2) / [ز 189] في الذي أعتق شقصه من عبده بتلاً في مرضه: قوم عليه ما بقي في ثلثه (¬3)، وكان حراً كله إن كان له مال مأمون ولا ينتظر به موته، وإن لم يكن له مال مأمون لم يقوم نصيب صاحبه إلا بعد موته، ونصيبه أيضاً إنما يكون في ثلثه بعد موته، ولا يقوم عليه في مرضه ويوقف في يد المريض. ومن قوله أيضاً (¬4) لا يقوم عليه في مرضه كانت له أموال مأمونة أو لا (¬5) حتى يموت، على ما نبه عليه من اختلاف قوله في المعتق لجميع عبده في المرض. وقال أيضاً (¬6): "إذا أعتق شقصه في مرضه فبتله قوم عليه نصيب صاحبه منه، كانت له أموال مأمونة أو غير مأمونة". وظاهره أنه يقوم عليه الآن ولا يعتق عليه إلا بعد الموت. وعليه حمله غير واحد من شيوخنا. وهو نص ما في كتاب محمد. وفيها قول رابع أنه لا تقويم فيه في نصيب الشريك في مرضه، وإنما يعتق عليه في الثلث شقصه إن مات فقط، إلا أن يصح فيقوم عليه، إلا أن تكون له أموال مأمونة فيقوم فيها. وهو قول عبد الملك وابن حبيب (¬7) وظاهر قول ربيعة في "المدونة" (¬8)، ولكنه لم يفرق بين المأمون وغيره. وفيه قول خامس حكاه ابن سحنون أن يخير الشريك بين التقويم وقبض الثمن ويبقى كله للمعتق موقوفاً، فإن مات عتق عليه أو ما حمل ¬
الثلث منه، وما بقي رقيقاً لورثته. وإن شاء تماسك الشريك بنصيبه إلى أن يموت شريكه فيقوم في ثلثه. وقوله (¬1) في سند حديث "من أعتق شِركاً له في عبد" (¬2): أشهب عن يحيى بن سليم (¬3) وغيرِه من أهل العلم عن عبد الله بن عمر المدني (¬4)، كذا للجماعة. ولبعضهم: عبيد الله (¬5). وقوله (¬6) في العبد المأذون إذا اشترى من يعتق على سيده: إنه يعتق عليه، قال ابن القاسم (¬7): ......................................... ¬
"وذلك إذا اشتراهم (¬1) وهو لا يعلم". ثبت هذا في الكتاب الأول، وبينه هنا. وأطلق في الثاني (¬2) عتقه. وحمل سحنون أن معنى ذلك أنه اشتراهم بإذن سيده. وقد اختلف في مراعاة علمه؛ وفي كتاب الرهون في بعض الروايات: يعتقون، علم أو لم يعلم (¬3). وفي الوكالات والقراض مراعاة العلم من غيره. واستحسن أصبغ قول ابن القاسم: إنهم يعتقون، علم أو لم يعلم. كذا قال (¬4). وقد تقدم الكلام عليها مستوعباً في الرهون والله أعلم. ¬
كتاب العتق الثاني
كتاب العتق الثاني قوله (¬1): "لا يجوز للأب أن يشتري من يعتق على ولده، وقاله أشهب. قال سحنون: وكذلك العبد لا يجوز له أن يشتري من يعتق على سيده". هذا كله يدل أن مذهبه لا يجوز ابتداء ولا يباح. واختلف إذا وقع: فأشار بعضهم أن مذهب مالك وابن القاسم أنهم يعتقون على الابن إذا لم يعلم الأب أو علم وجهل لزوم العتق، ولا يعتقون على الابن إذا كان الأب عالماً. وأنه يختلف في عتقه هنا على الأب أو يبقى له رقيقاً. وأجرى الأب هنا مجرى الوكيل سواء. وإلى هذا نحا اللخمي (¬2). وذهب غيره من القرويين أن الأب بخلاف الوكيل، وأنه سواء كان عالماً أو غير عالم أنه لا يعتق على الأب ولا على الابن؛ لأنه لو أعتق عبد ابنه عن ابنه (¬3) لم يعتق عليه. وإلى هذا نحا ابن يونس وعبد الحق (¬4)، وهي في كتاب ابن يونس أكمل وأفسر، وما قاله الأول أبين وأقيس. وحجته أنه لو أعتق عن ابنه لم يلزمه. ولا حجة له فيه؛ إذ لو أعتق/ [ز190] الوكيل أو المأذون أو المقارض عبيد أصحاب المال أو ما اشتروه من أموالهم لم يعتقوا، وإنما أعتقناهم في الوجوه التي أعتقناهم عليهم لشبهة التصرف في ¬
المال وإطلاق اليد فيه، وشبهةُ الأب في ابنه الصغير أقوى فلا فرق. وكذلك اختلفوا هل ينعقد على مذهب مالك وابن القاسم فيهم الشراء على ابنه مع علمه أم لا؟ فتأول بعضهم أن مذهبه أنه لا ينعقد من قوله في مسألة المديان إذا اشترى من يعتق عليه البيع (¬1) مردود، وأما على قولهم في الوكيل والمقارض فالبيع ماض. وإنما اختلف هل يعتق عليهما أو يبقى رقيقاً لهما؟ وأما أشهب (¬2) فقد نص أنه لا ينقض (¬3) ويباع عليه مخافة بلوغ الولد فيعتق عليه. واعترض هذا بعض الشيوخ (¬4) وقال: لا يلزمه عتقه وإن بلغ؛ لأن غيره اشتراه. وليس هذا بشيء، وإنما يصح هذا على القول: إن البيع غير منتقض، وإلا فنحن نعتقه عليه بالميراث فكيف بملك تقدم! وقول سحنون آخر الباب: "وكذلك العبد الذي قدمناه"، ساقط في كثير من الروايات ولم يكن في كتاب ابن سهل (¬5). وأدخله ابن أبي زمنين من غير "المدونة". وكان في كتاب ابن عتاب من كتاب [إسحاق] (¬6). ¬
وقول النخعي (¬1) في الذي قال لأمته: "إن ولدت غلاماً فأنت حرة فولدت جارية وغلاماً، فهما عبدان وهي حرة". كذا روايتنا وكذا رواها ابن أبي زمنين. قال: ومعناها أن الجارية ولدت أولاً. وجاء في بعض الروايات (¬2) مبيناً: "ثم غلاماً"، وكذا في كتاب ابن سهل. وقوله (¬3): "أرأيت لو أن رجلاً قال لأمته: ما في بطنك حر، ولها زوج ولا يعلم أنها حامل، فجاءت بولد لأربع سنين: لا يعتق عليه من هذا إلا ما كان لأقل من ستة أشهر". قال يحيى: قال سحنون: ليس من كلام ابن القاسم "ولها زوج"، أنا أصلحته (¬4). وانظر قوله (¬5): إذا اشترى نفسه من سيده بخمر أو خنزير عليه قيمته. وتأويلهم أنه مضمون (¬6). ولو كان معيناً لكسرناه كما قاله ابن مُيسَّر في كتاب محمد (¬7) وأصبغ في كتاب ابن حبيب. ومسألة العتق (¬8) على مال والاختلاف بين ألفاظه، مبينة في كتاب المكاتب. وقوله (¬9) فيمن أعتق عبده بتلاً وعليه، أو على أن عليه مائة: إنها تلزمه. يدل أن مذهبه هنا جواز إجبار السيد عبده على الكتابة وإلزامه ذلك. ¬
وعليه يدل قوله في كتاب المكاتب (¬1) في مكاتبة الرجل عبده على نفسه وعلى عبد له غائب: إن ذلك يلزمه ويتبع بها الغائب، شاء أو أبى. وهو قوله في كتاب إسماعيل القاضي (¬2) وأن له إجباره. واختاره البغداديون من شيوخنا (¬3). وعلى قوله في "أنت حر على أن عليك": إن العبد مخير (¬4). ظاهره أنه لا يجبره. والقولان لابن القاسم. وحكاهما معاً منذر القاضي (¬5) عن مالك. وحكى ابن حبيب (¬6) الخلاف في ذلك أيضاً. وانظر قوله في الباب بعده (¬7): "إذا قال السيد: أعتقته على مائة دينار، وقال العبد: أعتقني بغير مال: إن القول قول العبد". فانظر هل هو خلاف لقوله أولاً (¬8): إنه يعتق عليه ولا يلزمه المال، ووفاق لقول مالك في المسألة بإلزامه المال لو اعترف أنه قال ذلك وأن المسألة واحدة. وقد أشار بعض شيوخنا إلى أن قول ابن القاسم هنا خلاف لقوله أولاً (¬9). وقد تكون المسألتان مختلفتين. وأما ما ههنا شرط عليه أن يدفع ¬
لي كذا، فلا يختلف في إلزام هذه إذا تقاررا عليه، وأن العبد بالخيار ما لم يلزمه (¬1). وقوله (¬2) في القائل لأمته: إن أديت إلي ألف درهم فأنت "حرة، يتلوم لها السلطان"، ثم قال في الباب بعده (¬3): إن أديت ألف درهم إلى ورثتي فأنت حرة، فمات والثلث يحملها أو لا يحملها، قال: ويتلوم لها السلطان على قدر ما يرى ويوزعه عليها. قالوا: ففرق بين ما قاله من ذلك في الصحة وما قاله في المرض وعلى وجه الوصية/ [ز191]. قال سحنون: إن قاله في صحته لم ينجم عليه ويتلوم له بغير تنجيم، فإن قاله في المرض تلوم عليه ونجم عليه (¬4) كالوصية. وما في الكتاب في الموضعين يشهد لهذا. ومثله في كتاب المكاتب (¬5): "إذا قال المكاتب لعبده: إن جئتني بمائة (¬6) فأنت حر: يتلوم له كما يتلوم للحر لو قاله لعبده، ولا تنجم عليه كما تنجم الكتابة". وقوله (¬7) في النصراني يدبر عبده أو يكاتبه فيسلم العبد فأراد النصراني فسخ ذلك: "لم أعرض له إذا كان تدبيره قبل أن يسلم العبد". كذا رواية ابن باز. وعند ابن وضاح وابن هلال: إذا كان رده. قال ابن أبي زمنين: ورده أصوب. وهذا على مذهبه في "المدونة" أنه ليس له رده بعد الإسلام على ما جاء مفسراً في "العتبية" (¬8). وقد تتأول الروايتان على الصواب وأنهما ¬
يرجعان إلى معنى واحد. وإنما يك (¬1) ذلك إذا كان رده وتدبيره كلاهما قبل إسلام العبد؛ فمتى أسلم العبد صار حكماً بين مسلم ونصراني يحكم فيه بحكم الإسلام، بخلاف إذا كان رده أو تدبيره بعد الإسلام. وعلى تخريج أبي محمد عبد الوهاب في المسألة تصح رواية تدبيره أيضاً، وأنه متى كان التدبير قبل إسلام أحدهما فللسيد عنده رده؛ إذ عقوده لا تلزم. واختلف إذا أعتق ثم أسلم العبد على مذهب "المدونة"؛ فذهب بعضهم إلى أن مراده أنه يعتق عليه كالمدبر. وقيل: لا يعتق عليه بخلاف المدبر، وكذا في "العتبية" (¬2). وهذا الوجه هو الذي رجح بعض مشايخنا. واختاره اللخمي (¬3)، وأن الإسلام لا يؤثر في صحة عقده إلا أن يكون قد بان عنه فيحكم بينهم بإمضاء العتق. وقوله (¬4) في النصراني يعتق عبده فيتمسك به أو يدبره: "لا يعرض له إلا أن يرضى السيد بحكم الإسلام فيحكم عليه بحريته"، يدل أن معنى قوله في الطلاق: "إذا حكمونا حكمنا بينهم بحكم الإسلام أنه الطلاق، بخلاف من ذهب إلى غير ذلك. وقد ذكرناه في النكاح الثالث. وقوله (¬5): "من مثل بعبده". المثلة بضم الميم وسكون الثاء، وبفتح الميم وضم الثاء، وقيل بضمهما معاً (¬6): هي العقوبة. قال الله: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} (¬7). والمثلة أيضاً: التمثيل، وهوالمَثْل أيضاً، بفتح الميم وسكون الثاء، وهو التمثيل والنكال. ومنه قوله: وكل مثل في ¬
الإسلام. والعبد الممثول به هو المفعول به ذلك. قال الحربي: قال أبو عمرو: المثل قطع الأنف والأذن. وقال غيره: هو النكال (¬1). واختلف أصل (¬2) المذهب في المراعى في ذلك مما يوجب العتق، فلم يختلفوا فيما أزال منه عضوا أنه ينقصه ذلك منه وإن قل وكان ظفراً أو سناً، كما نص عليه في كتاب ابن حبيب (¬3) أنه يعتق عليه، إلا ما ذهب إليه أصبغ (¬4) في السن الواحدة أنه لا يعتق. وكذلك جاء أصلهم فيما فعله به من ذلك مما لا ينقصه شيئاً، ولكنه شوه به صورته وإن كان لنفعه كالكي في الوجه. وعليه يأتي قوله في الكتاب (¬5) في كي الفرج: "إذا انتشر (¬6)، وساءت منظرته"، وأن هذا عنده كالنقص. وفرقوا بين كي الوجه وغيره (¬7)، فلم يجعلوه في كي الجسد يعتق؛ إذ ليس فيه ذلك التشويه، وهو في الوجه تسوية (¬8). وانظر قوله في الكتاب (¬9): إذا أحرق بالنار من جسده شيئاً أنه يعتق ¬
- وجعله مثلة ولم يشترط فيه ما اشترط في حرق فرج الأمة من الانتشار والقبح (¬1)؛ هل يحمل عليه ويكون وفاقاً؟، وهو الأشبه ولهذا فرقوا بين الجسد وغيره في الوسم (¬2). أو يكون خلافاً ويكون مراعاته الكي مطلقاً للنهي عن التعذيب بعذاب الله خصوصاً (¬3). ويكون تفريقهم على هذا بين الوسم في الوجه والجسد؛ إذ مقصوده منفعة نفسه بالتنبيه على العبد أنه أبَق أو أنه عبد فلان كما جاء في مسائلهم، دون قصد مجرد العذاب والتشويه، فاستخفوه في الجسد/ [ز 192] لهذا ولم يستخفوه في الوجه لحصول التشويه فيه وإن لم يقصد. ولهذا استخف مالك حلق الرأس واللحية (¬4)، لأنه يعود سريعا لهيئته، ويستر الرأس بالعمة والوقاية، وفي الوجه بالتلثم إلى أن يعود. وراعاه المدنيون في العَلِيِّ (¬5)؛ لأن تلك المدة التي ينبت فيها - وإن قربت - فيها تشويه على أمثالهم وشهرة فيها، وليس يعود إلى ما كان عليه أولاً إلا في مدة طويلة. وقد أشار فضل إلى أن العلة في ذلك عند مالك أنه ليس من الجسد. وقد اختلف أصحابه فيمن طلق شعر امرأته هل تطلق أم لا؟ وقوله (¬6) سَحَلت، بفتح السين والحاء المهملة، فسره في الكتاب: بردت (¬7). والمِسحل - بكسر الميم - المبرد. وزِنْباع (¬8) بكسر الزاي. ¬
وسَنْدَر (¬1)، بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الدال المهملة. ومعنى قوله في الحديث (¬2): "وهو مولى الله ورسوله"، قيل معناه أن العتق فيهما سنتهما وحكمهما، ليس بقصد آدمي وعمله. وقد يكون معناه أنهما ناصراه على من فعل ذلك به. وقوله: اللقيط والمنبوذ (¬3) وتفريقهما (¬4) بين لفظهما. قيل: اللقيط هو الملتقط حيث وجد، وعلى أي صفة وجد في صغره. والمنبوذ: الذي يوجد منبوذاً لأول ما ولد (¬5). وقيل: اللقيط: ما التقط من الصغار (¬6) في الشدائد والجلاء ولا يعلم له أب (¬7). وعلى هذا جاء قول ابن القاسم فيمن قذف اللقيط بأمه وأبيه (¬8) حد، ومن قذف بذلك المنبوذ لم يحد (¬9). وقال مالك (¬10): ما نعلم منبوذاً إلا ولد زنا، وعلى قائله لغيره الحد. ¬
وأراد بعض المشايخ (¬1) أن يخرج من "المدونة" خلاف هذا من قوله في الذي استلحق لقيطاً: إنه لا يلحق به إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد، وسَمع (¬2) قول الناس: إذا طرح عاش. وهذا لا حجة فيه؛ لأن هذا في النادر، وإنما تكلم على ما جرت به العادة أولاً، وفي هذه على نازلة وقعت شدت لها (¬3) دلائل. وإلا فالغالب ما قاله أولاً. وقوله (¬4) في الذي أجر عبده سنة ثم أعتقه قبلها. جاء في رواية سليمان بن سالم فيها زيادة وهو (¬5): وقال أشهب: إذا أعتقه السيد قبل السنة حلف بالله ما أراد عتقه إلا بعد تمام الإجارة، فإن نكل كانت الإجارة للعبد. وقوله (¬6) في المقر في مرضه بما فعل في الصحة: "إن قام الذي أقر له وهو صحيح أخذ ذلك منه، وإن لم يقم حتى مرض أو يموت فلا شيء لهم وإن كانت لهم بينة، إلا العتق والكفالة"، يريد إذا كان هذا فيما يحتاج إلى حوز، وأما غيره كالإقرار بالدين لمن يجوز له إقراره، وبالبيع وغير ذلك، فإنه يلزمه إقراره، كانت عليه في الصحة بينة أم لا. وقوله (¬7): "إذا شهد شاهد على رجل أنه أعتق عبده بتلا وشهد آخر أنه دبره، حلف مع كل واحد منهما وأبطل شهادته"، ظاهره أنه يحلف يمينين على إبطال شهادة كل واحد. وقد جاء مثل هذا مبيناً في "العتبية" في اختلاف الشاهدين في الطلاق؛ قال: يحلف مع شهادة كل واحد منهما على ¬
تكذيبه. وفي هذا الأصل من جمع الحقين في يمين واحدة خلاف معروف وتفريق. والاختيار في مثل هذه المسألة ما في "العتبية" وظاهرِ الكتاب من إفراد كل حق بيمين.
كتاب المكاتب
كتاب المكاتب الكتابة مشروعة مندوب إليها، وكانت في الجاهلية فأقرها الإسلام، وهي العتق على أداء مال منجم. واختلفوا: هل تكون حالة؟ وهي مشتقة من الأجل المضروب لنجومها، والكتاب هو الأجل/ [ز 193] فيها؛ قال الله عز وجل: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} (¬1)، أي أجل مقدر. ومنه قيل: كاتب عبده، أي وافقه على ذلك. وقد يكون من الإيجاب واللزوم لإلزام هذا العبد أو التزامه ما جعل عليه من المال؛ قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (¬2)، أي أوجبها. وقيل: بل من الكتاب الذي يكتبونه بينهم في عقد ذلك. ويقال فيها: كِتابة، وكَتابة وكِتاب، ومكاتبة؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} (¬3)، الآية. وقوله (¬4): إذا كاتب عبده على ألف درهم ولم يضرب أجلاً إذا رضي بذلك إنها تنجم عليه على قدر ما يرى. قال ابن القاسم (¬5): "والكتابة عند الناس منجمة، فأرى أن تكون منجمة ولا تكون حالة وإن أبى ذلك سيده"، ¬________ (¬1) الحجر: 4. (¬2) الأنعام: 54. (¬3) النور: 33. (¬4) المدونة: 3/ 232/ 5. (¬5) المدونة: 2/ 232/3.
ظاهره أن الكتابة إنما تكون منجمة. وإلى هذا أشار الشيخ أبو محمد في "رسالته" (¬1)، وأن التنجيم على ظاهر كلامه من شرطها وصحتها. وهو قول الشافعي (¬2) وأنها لا تجوز حالة. وحكى القاضي أبو محمد (¬3) عن متأخري شيوخنا أنها تجوز حالة. وهو مذهب أبي حنيفة (¬4)، وهو الذي ارتضاه هو (¬5) وغيره من أئمتنا (¬6). وقد يحتمل قوله: "والكتابة عند الناس منجمة" الغالب والعرف، فلذلك حكم فيها في المبهمة والوصية بالتنجيم. والقطاعة (¬7) - بفتح القاف وكسرها أيضاً (¬8) - هي مقاطعة السيد عبده المكاتب على مال يتعجله من ذلك، أو أخذ العوض (¬9) عنه معجلاً أو مؤجلاً. وكأنها من قطع طلبه عليه (¬10) بما أعطاه، أو القطع له بتمام حريته بذلك، أو قطع بعض ما كان له عنده من جملته. وهو جائز عند مالك وابن القاسم بكل ما كان وبما لا يجوز بين رب المال وغريمه، عجل العتق بذلك لقبض جميعه أو أخره لتأخير بعضه، عجل قبض ما قاطع عليه أو أخره. وسحنون (¬11) لا يجيزها (¬12) إلا بما يجوز بين الأجنبي وغريمه. ¬
وقوله (¬1): {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (¬2)، على الندب والترغيب عندنا (¬3) لا على الوجوب، خلافاً للشافعي (¬4) ومن وافقه أنها على الوجوب. وللناس في ذلك اختلاف كثير منه في "المدونة" ثلاثة أقوال: أحدها أنه "يوضع (¬5) عنه من آخر كتابه". وهو قول مالك في الكتاب ومن حكاه عنه من بعض أهل العلم وأنه أحسن ما سمع والذي عليه أهل العلم وعمل الناس بالمدينة، وذكره في الآثار عن ابن عمر (¬6). الثاني: قول علي بن أبي طالب: ربع الكتابة (¬7). وله قول آخر. الثالث: قول النخعي (¬8) إنه أمر لم يختص به السيد، وإنما هو شيء خوطب به هو وغيره بمواساته ومعونته. فهذه الأقوال الثلاثة في "المدونة". وفيها قول رابع أن الخطاب للولاة، يعطونهم من الزكاة التي فرض الله لهم، وهو قول زيد بن أسلم (¬9). وقول خامس عن عمر بن الخطاب: يعطيه عند عقد الكتابة من ماله (¬10). ¬
وقول ابن شهاب (¬1): "لا تجوز وصية المكاتب في ثلثه"، دليل أن وصية العبد لا تجوز كما ذكر ابن شعبان. ومثله لابن القاسم آخر الكتاب (¬2). وقوله في مسألة اللؤلؤ (¬3): لأنه لا يحاط بصفته. أشار بعضهم (¬4) إلى أنه خلاف قوله بجواز السلم فيه. وليس بشيء؛ لأن السلم يقدر على حصر صفته بأن يذكر جنسه وعدده ووزن كل حبة منه وصفتها، فينحصر الوصف أو ينحصر حبه فيقول: أسلم لك في مائة حبة على صفة هذه وقدرها. وإذا كاتبه على لؤلؤ مبهم تعذر معرفة الوسط منه لتفاوت أجناسه وأجناس وسطه، ولأنه أدنى (¬5) تفاوت يزيد في قيمته كثير. فحصر الوسط منه بغير صفة ولا تقدير متعذر على مذهبه، خلاف للوصفاء؛ لأن تباين/ [ز194] أوساطهم بعضهم من بعض غير بعيد. وهذا الصحيح، خلاف قول غيره في تسويته بين الوصفاء واللؤلؤ. وهم متفقون متى لم يسم لِلؤلؤ عدداً أو وزن جملته أنه لا تجوز الكتابة. واختلفوا إذا لم يسم عدد الوصفاء؛ فقال بعضهم: هو كاللؤلؤ لا يجوز. وقال غيره: يجوز وله كتابة مثله وصفاً (¬6). وقوله (¬7) في مسألة المقاطع "بإذن شريكه فعجز المكاتب، فإن أحب الذي قاطعه أن يرد الذي أخذ من القطاعة ويكون على نصفه من رقبة العبد فذلك له". بينه بعد هذا أنما (¬8) ........................... ¬
يرد نصف ما أخذ حتى يتواسى (¬1) مع الذي لم يقاطع. ولو كان الآخر قبض أقل مما قاطع الآخر فإنما يرد عليه بقدر ما يستوي معه، وذلك نصف ما فضله به. وقوله (¬2): "غلام يقال له شَرَف"، بفتح الشين المعجمة وفتح الراء، كذا في كتاب ابن عيسى وكذا قيدناه عليه. وسمعناه من ابن عتاب: شَرْفَى (¬3)، بسكون الراء وفتح الفاء مقصور. وفي آخر حديثه قال: أصلحك الله، أحسن إلى أم ولدي، إلى آخره، لم يكن عند الإبياني. وثبت للجماعة. قوله في آخر باب العبدين يكاتبان كتابة واحدة فيغيب (¬4) أحدهما: وقاله أشهب بن عبد العزيز أيضاً عن مالك. ثبت "عن مالك" لابن هلال وحده. وسقط لغيره (¬5). وابن عمار بن عيسى الدؤلي (¬6)، بضم الدال وهمز الواو وفتحها. ¬
وقوله: حتى يُعذِر في شأنه، بكسر الذال، أي يتلوم ويتربص. وقوله (¬1): "فإن مَلَّح"، بتشديد اللام وآخره حاء مهملة، أي أعيى وضعف (¬2) وعجز عن الأداء. "وأخْنى ببعض شروطه" (¬3)، أي أفسدها. وخَنَى الدهر: آفاته. وأخنى: أهلك، وهو منه (¬4). وشَبِبت (¬5)، بفتح الشين وكسر الباء. ابن غَرْقَدة (¬6)، بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف. والحرث بن نبهان (¬7)، بفتح النون أوله. وقوله (¬8): من عرض أو فرض - بفتح الفاء - أي عين. ووُسَطاء منهم (¬9)، أي بين العالي والدني، بفتح السين. والوسط أيضاً الجيد الرفيع، ووسط الدار والقوم، يسكن ويفتح. وهو لِرِشدة ورَشدة - بفتح الراء وكسرها - الذي هو من نكاح ووطء صحيح جائز. ¬
وقوله في تحويل (¬1) العين في العرض الذي على المكاتب على التأخير أو فسخ الدراهم في دنانير إلى أجل: لا بأس بذلك، وذكر قول مالك في العروض (¬2) "ولم ير (¬3) ديناً في دين، فكذلك في الدنانير والدراهم لا بأس به. قال سحنون: وذلك إذا عجل للمكاتب العتق". كذا في كتاب ابن سهل، وعليه اختصر المختصرون. ولم يكن قول سحنون في كتابي عن ابن عتاب (¬4). وموسى بن محمد المدني (¬5)، منسوب إلى المدينة. وعبد الله بن يامن (¬6)، أوله ياء باثنتين تحتها. وقوله (¬7): "إن الحرث بن هشام (¬8) كاتب عبداً له"، وأنه رفع إلى عثمان هذا وهم، والحرث استشهد أيام عمر سنة عشرين (¬9). قال ابن ¬
وضاح: أُرَاه عبد الرحمن بن الحرث (¬1) لا أباه. وقوله (¬2): "في كل حِلًّ شيء مسمى"، كذا في روايتنا عن شيوخنا، بكسر الحاء وتشديد اللام. وفي كتاب غيري: في كل أجل. وهما بمعنى. وأراد بالحل هنا حلول الأجل المضروب لذلك. والزَّمِن (¬3)، بكسر الميم: الذي أصابته زمانة من مرض أو عذر فعطلت كسبه. والجمع زَمْنى، مثل مرضى، والاسم الزَمانة، بفتح الزاي. وقد زمن الرجل. ولا يقال أزمن إلا من طول الزمان. وجاء في الأصل: أزمن. والغَناء، ممدود مفتوح الغين: الكفاية. "وكان ماله ضامناً" (¬4): هو الذهب والفضة، يقال له: مال ناطق إذا كان حيواناً. وصامت للعين. والمراد في هذا الكتاب ما خفي من المال ولم يظهر كالصامت الذي لا ينطق ولا يعرف بمكانه، ولأن العين أكثر ما يمكن إخفاؤه من (¬5) غيره. وقوله: للِدُيَّان (¬6) - بضم الدال، وتشديد الياء بعدها - أي أصحاب الدين. والجَلاء (¬7)، مفتوح الجيم ممدود: الخروج عن الوطن والانتقال منه. ¬
وقول ربيعة (¬1): "لا يتخذ/ [ز195] طفراً"، أي اغتناماً وفرصة (¬2). وقوله (¬3): وانتظاراً إذا تأخر وانتظر به القضاء. كذا لابن عتاب. وعند ابن عيسى: وانتظار أدآء، ممدود اسماً، وبعده: تأخر وانتظر به القضاء. وقوله (¬4): "يخنس نجومه"، بالخاء المعجمة والنون، كذا لابن وضاح في كتاب ابن المرابط. ولغيره: يحبس بالحاء المهملة والباء. ومعنى الأول: يكسر (¬5). والثاني: يمنع (¬6). وقوله (¬7): "وينظر الإمام إلى اللمم من ذلك فيَجبُره" (¬8)، أي الشيء اليسير من ذلك. وقوله (¬9): "إلى الشطط فيكسره" أي إلى الشيء الزائد فيرده. وزياد، مولى ابن عياش (¬10)، بشين معجمة. ¬
وقوله (¬1) في تسور (¬2) المكاتب: "وقد أحل الله ذلك حتى يؤدي"، كذا لهم. ولأحمد بن داود: حين يؤدي. وانظر قوله (¬3): "إذا كان للمكاتب على سيده دين وحل عليه نجم من نجومه: إنه يكون قصاصاً". نبه بعضهم أنه خلاف ما له في كتاب الصرف من المنع من المقاصة بغير رضاه وما في كتاب العدة. وقد تكلمنا عليه هناك. ومسألة (¬4) من أعين في كتابته ففضلت له (¬5) من ذلك فضلة إلى آخر المسألة. زاد في كتاب ابن سهل: في بعض روايات "المدونة" - وهي ثابتة في "المبسوط" بنصها، وليست في رواية شيوخنا في "المدونة" ولا في أكثر النسخ التي وصلت إلينا فقال فيها بعد تكرار كلام -: قلت: أفلا يتصدق به؟ قال: لا ولكن يرده إلى أهله إن عرفهم، فإن لم يعرفهم فليتصدق به. قال ابن القاسم: والصدقة أحب إلي إذا لم يعرف أهله من أن يعين (¬6) بها مكاتباً. وهذا خلاف قول سحنون (¬7): إنها توقف أبداً لأصحابها. ولقول أشهب (¬8): إنها تجعل في مكاتبين أو رقاب. ¬
مسألة العتق على مال؛ اختلف لفظه في الكتاب في بعضها في كتاب العتق وفي كتاب المكاتب في الأسولة والأجوبة، وذلك لاختلاف صور مسائلها. ونحن نفصله (¬1) على ما قاله شيوخنا ونذكر مواضع الخلاف منها والاتفاق على ما تقتضيه مذاهب شيوخنا بيانا يزيح الإشكال إن شاء الله تعالى؛ فهي خمس مسائل: الأولى: أنت حر وعليك كذا. الثانية: أنت حر على أن عليك كذا. الثالثة: أنت حر على أن تدفع إلي كذا. الرابعة: أنت حر على أن تؤدي إلي كذا. الخامسة: أنت حر إن أديت إلي كذا أو دفعته، أو إذا أديته أو جئت به أو أعطيته، أو متى جئت به أو أديته. فاختلف؛ هل ترجع هذه الصور الخمسة (¬2) إلى ثلاث مسائل ترجع إلى ثلاثة أجوبة، أو هي أربع مسائل لها أربعة أجوبة؟ فمذهب معظم الشارحين والمختصرين من القرويين وغيرهم أن مذهب مالك فيها أنها ثلاث مسائل له فيها ثلاثة أجوبة ترجع إلى جوابين بالحقيقة. فالمسألة الأولى قوله: عليك، وعلى أن عليك. وأنهما عنده سواء أعتق العبد على هذا برضاه أو بغير رضاه. فأما: وعليك، فهو نص قوله في "المدونة" (¬3) في العتق الثاني على تعجيل العتق فيها. وهو ظاهر قوله في "على أن عليك"، في كتاب المكاتب لقوله: "العتق جائز، والدنانير لازمة للعبد وإن أبى العبد وقال: لا أؤديها". واختصرها بعضهم: كان حراً ويتبع ¬
بالمال. ومثله في كتاب محمد (¬1)؛ قال: هو حر وعليه المال، وهو قول سحنون عنه. قال: و"عليك" و"على أن عليك" عند مالك سواء. المسألة الثانية قوله (¬2): على أن تدفع إلي كذا، "فلا يعتق عنده حتى يدفع؛ لأنه لم يبتل عتقه إلا بعد أخذ المال"، ولا يعتق العبد إلا أن يقبل ويرضى ويدفع المال (¬3). هذا مجموع لفظه في الكتاب على افتراق مواضعه. ومثله في كتاب محمد؛ قال: لأن هذا من ناحية الكتابة (¬4). قال بعض شيوخ القرويين (¬5): ولم يختلف المذهب في هذا أن العبد بالخيار بين القبول والرد، وأنه إن قبل لم يعتق حتى يدفع المال. وكذلك يجيء على قولهم وعلى مذهبه إذا قال: على أن تؤدي إلي، أو تعطيني، أو تجيئني بكذا؛ كله بمعنى واحد/ [ز 196] لا يلحق (¬6) فيها العتق إلا برضى العبد والمجيء إليه بما قال. وكذا في كتاب محمد الجواب في: على أن تؤدي إلي، لم يعتق حتى يؤدي ويقبل العبد (¬7)، وله ألا يقبل (¬8)؛ لأنه من ناحية الكتابة. وافهم أن قوله: حتى يؤدي ويقبل، لفظ مكرر مستغنى عن بعضه، فإنه متى ودى فقد رضي وقبل. المسألة الثالثة قوله: إن أديت إلي، أو إذا، أو متى، فهذا عنده من ناحية الشرط لا يعتق إلا بالأداء، كقوله: إن دخلت الدار، لكنه نوع من القطاعة والكتابة، فلهذا منعوه من البيع (¬9) حتى يتلوم له الإمام فيؤدي أو يعجزه لحق العبد في ذلك إذا طلب ذلك السيد. وهي بالحقيقة راجعة إلى ¬
معنى الجواب في قوله: على أن تدفع إلي، أو على أن تؤدي إلي، فمآل الحكم والجواب فيهما واحد؛ لا يعتق إلا بالأداء. وله ألا يلزم ذلك نفسه ولا يقبل ما لزمه (¬1). هذا مذهب مالك عند هؤلاء في هذه المسائل. ومذهب ابن القاسم عندهم أنها أربع مسائل بأربعة أجوبة؛ يوافق مالكاً منها في الفصل الثالث والرابع من الخمسة (¬2) المذكورة أولاً. ويخالفه في الأولى في السؤالين جميعاً. فيلزمه العتق في قوله: وعليك ولا يلزمه المال. ومعناه عندهم إذا كان بغير رضى العبد. فأما إذا كان برضى العبد - وعلى ذلك أعتقه - فيلزمه المال قولاً واحداً. وقد قال في كتاب أمهات الأولاد (¬3): "إذا أعتق أم ولده على مال جعله عليها برضاها إنه يلزمها"، فهذا يدلك من قوله أنه إنما لا يلزمها عندها (¬4) إذا كان بغير رضاها. وأن العبد لو رضي للزمه المال عنده. وأما قوله: على أن عليك، فلا يلزمه ابن القاسم هنا المال ولا العتق إلا برضى العبد. ويخير العبد في العتق (¬5) إن شاءه معجلاً وأدى المال إن كان عنده. أو يتبع به ديناً إن عجز عنه. أو يأبى ذلك فيبقى رقًّا. وأما بعض مشايخ الأندلسيين فذهب إلى أنها ثلاث مسائل - على مذهب ابن القاسم - له فيها ثلاثة أجوبة، في كل جواب لكل مسألة قولان: الأولى (¬6) قوله: وعليك. وجوابه فيها في "المدونة" (¬7) ما تقدم من نص قوله الذي ذكرناه، خلاف قول مالك وأشهب (¬8). وله فيها قول آخر ¬
مثل قولهما استقرؤوه من آخر كتاب العتق (¬1) في مسألة اختلاف السيد والعبد إذا قال السيد: أعتقته على مال، وقال العبد: على غير مال فقال: القول قول العبد ويحلف، فلو كان لا يلزمه المال على قوله لم يحلفه له. لكن المسألة عندي محتملة أن يكون السيد ادعى عليه الرضى بالتزام المال، فلا بد من يمينه على قول جميعهم. أو يكون جوابه فيها على مذهب مالك، لا على مذهبه. الثانية قوله: على أن عليك، أو على أن تدفع إلي، فهذان الوجهان عند هذا مسألة واحدة جوابها واحدة (¬2)، اختلف فيها قول ابن القاسم أيضاً؛ فقال في الكتاب في قوله: على أن عليك ما تقدم، وقال في قوله: على أن تدفع إلي: العبد مخير - كقول مالك - ولا عتق للعبد إلا بأداء المال، وله ألا يقبل. وقال في "العتبية" (¬3) في: أن (¬4) على أن عليك: العبد مخير في الرضى بالعتق على ذلك معجلاً، فيلزمه المال ديناً، أو يرد ذلك فلا يلزمه ويبقى رقيقاً. وأن هذين القولين يدخل (¬5) المسألتين جميعاً وأنهما عنده واحد. وترجح في هذا التأويل بعض شيوخنا. وعلى تسوية المسألتين واللفظين والعبارتين اختصر المسألة ابن لبابة وقال: قال في العتق الثاني من "المدونة": "إن قال: أنت حر على أن عليك كذا: إنه لا يعتق إلا بالأداء؛ قاله مالك"، ثم قال: وقولك (¬6): عليك، خلاف قوله: على أن عليك. ¬
قال القاضي: وهذا كله كلام ابن القاسم في: على أن تدفع إلي/ [ز 197]، فعبر ابن لبابة بهذا عن قوله في "المدونة": على أن تدفع إلي (¬1)، ورآهما سواء، كما قال من ذكرناه. ونحوه في كتاب محمد في قوله: إن جئتني، وإذا جئتني: إنه لازم مثل قوله: على أن عليك؛ قال: ولا يبيعه ولا يهبه حتى يوقفه الإمام (¬2). فعد (¬3) هؤلاء أن لابن القاسم قولين في كل وجه من هذين الوجهين وأنهما عنده سواء. وأن قوله في هذه في "المدونة" هو قوله في "العتبية" في تلك، وقوله في "العتبية" هو (¬4) قوله في هذه في "المدونة". الثالثة قوله: على أن تؤدي إلي. فلم يختلفوا فيها - فيما علمت - أنه لا يعتق إلا بالأداء وإحضار المال. وله ألا يقبل ويبقى رقيقا كما تقدم. ويتلوم له كما قال مالك في: على أن تدفع إلي. وفرق هؤلاء بين قوله: على أن تدفع، وبين قوله: على أن تؤدي. وقال بعض شيوخنا (¬5): لا فرق عندي بينهما. وما قاله صحيح لا شك فيه وأنهما مخالفان لقوله: على أن عليك؛ لأن في قوله: على أن تدفع إلي، أو: على أن تؤدي كأنه جعل للعبد اختياراً ونظراً لصرفه الفعل إليه، وذكره عملاً (¬6) له وتفويضه في ظاهر اللفظ ذلك إليه. وفي قوله: على أن عليك. وعليك، إلزام لا رأي للعبد فيه ولا نص له على عمل فيه، ولا سيما على القول بإجبار العبد على الكتابة. وكذلك عند جميعهم: إن أديت إلي، وإذا أديت إلي، ومتى أديت، وأخوات هذه الكلمات مثل: على أن تؤدي إلي، الجواب فيها واحد، وأنها من ناحية القطاعة والكتابة. ¬
هذا تفصيل هذه المسائل، واختلاف الشيوخ في مذهب مالك وابن القاسم فيها على ما تراه. وسنورد في ذلك تفصيلاً آخر نزيد به هذه المسائل بياناً ونذكر ما فيها من خلاف لغيرها: المسألة الأولى قوله: أنت حر وعليك - والعبد (¬1) غير راض كما قدمناه - فيها ثلاثة أقوال: الأول: قول مالك وأشهب: إلزام السيد العتق معجلاً (¬2)، والعبد المالَ بكل حال؛ معجلاً إن كان موسراً، وديناً إن كان معسرا. وقد تأوله بعضهم أيضاً من المسألة (¬3) الأخرى كما قدمناه. الثاني: مشهور قول ابن القاسم (¬4) وقول ابن المسيب إلزام السيد العتق على ما تقدم، وإسقاطه المال عن العبد. الثالث: قول عبد الملك (¬5) وابن نافع (¬6): يخير العبد إن شاء في التزام الدين إن لم يكن عنده المال، وإلا رد ذلك وبقي رقيقاً. المسألة الثانية: قوله: أنت حر على أن عليك. فيها أربعة أقوال: الأول: قول مالك بإلزامهما (¬7) العتق والمال، كقوله في الأولى. الثاني: قول ابن القاسم في "العتبية" (¬8): العبد مخير في التزام الدين ويعتق، أو رده ويبقى رقيقاً، كقول عبد الملك في الأولى. ¬
الثالث: قول ابن القاسم على رأي بعضهم (¬1): إنه مخير بين القبول - ولا يعتق إلا بالأداء - أو الرد ويبقى رقًّا. على جوابه في "المدونة" في: أن على (¬2) أن تدفع إلي وتسويتهم بين اللفظين (¬3). الرابع: قول أصبغ (¬4): لا خيار للعبد ولا عتق حتى يدفع المال، فكأنه عنده من باب الشرط. المسألة الثالثة: قوله: أنت حر على أن تدفع إلي، فيها ثلاثة أقوال: الأول: تخيير (¬5) العبد في أن يقبل ويلزم (¬6) المال، ولا يعتق إلا بأدائه. أو يرد ويبقى رقًّا. وهو قول مالك وابن القاسم في "المدونة"، وقول جميعهم على ما ذكره بعضهم (¬7) من أنهم لا يختلفون في ذلك. الثاني: قول ابن القاسم في "العتبية": في: على أن عليك، وقول بعضهم (¬8): هو سواء. وعلى أن تدفع ويخير العبد في الرضى بالعتق معجلاً ويلزمه المال ديناً، أو يرد ذلك فيبقى رقيقاً على ما فسرناه. الثالث: تخريج بعض شيوخنا (¬9) أنه متى دفع العبد المال كان حرًّا، شاء العبد أم أبى، يريد: وللسيد إجباره على دفعه. قال: وهذا على/ [ز 198] القول بإجبار السيد عبده على الكتابة. ¬
المسألة الرابعة: أنت حر على أن تؤدي إلي. الجواب فيها باتفاق أن العبد لا يعتق إلا بالأداء، وله أن يرد ولا يقبل. ويتخرج فيها القول الآخر المخرج فوق هذا. وفرق بعضهم بينها وبين: أن تدفع إلي، كما قدمناه. وبعضهم سوى بينهما. وهو الصحيح (¬1) لتفويض التخيير للعبد بقوله: تدفع وتؤدي. المسألة الخامسة: قوله: إن أديت إلي، أو أعطيتني، أو جئتني، أو إذا، أو متى، وشبه ذلك. فظاهره في الحكم في العتق ومآلِ الأمر إلى (¬2) أنه لا فرق بين ذلك وبين قوله: على أن تدفع إلي، وعلى أن تؤدي إلي، وأنه لا يلزمه العتق إلا برضاه ودفعه ما لزمه، وأن له أن لا يقبل ذلك ويبقى رقيقا. ويدخله من التخريج الإجبار على الأداء على ما تقدم. وعبر بعضهم عن هذه الألفاظ بقوله: على أن تؤدي لي (¬3) إذ (¬4) اعتقد التسوية بينهما. ولا فرق في مآل الحكم في ذلك، وإن اختلفت عبارته عن المسألتين في الكتاب وغيره، لكنه يختلف: هل هو تفويض في: "إن"، و"إذا"، و"متى"، وللعبد ذلك وإن طال الزمان، وهو قول مالك في "المبسوطة" (¬5)؛ قال: له ذلك ما دام في ملكه وإن طال زمانه، ويلزم ذلك ورثته من بعده، قاله في: إذا، ومتى، وإن. قال ابن القاسم: ولا سبيل إلى بيعه في هذه الوجوه ولا هبته حتى يوقف عند الإمام ويتلوم له أو يعجزه. ومثله له في "المدونة" على قياس قول مالك. وفي "العتبية": متى طال ذلك لم يلزم السيد ما جاءه به. ونحوه للمخزومي في "المدنية" (¬6) و"المبسوطة". ¬
ومذهب سحنون أنه متى قاما من المجلس فلا حرية للعبد وإن جاءه بالمال. وقوله: "ليس للسيد أن يبيعه حتى يوقفه السلطان"، معناه أن العبد رضي بالتزام ذلك والعتق عليه، ولهذا قال: وليس للعبد أن يُطول بالسيد، يعني في الأجل في طلب المال، ولا يدع السلطان السيد يتعجل بيعه حتى يتلوم له. ولهذا شبه بعده المسألة بالتلوم في القطاعة. والقطاعة إنما هي بمراضاة العبد وقبوله ذلك. ولهذا قال في كتاب المكاتب: "وأرى أن يصنع في هذا ما يصنع في الكتابة ويتلوم له، ولا تنجم كما تنجم الكتابة". وقوله (¬1) في الرجل يكاتب عبدين له وأحدهما غائب فأبى الغائب وقال الآخر: أنا أؤدي؛ قال: "يمضي على كتابته، فإن أداها عتق الغائب ولم يلتفت إلى إبائه ويكون مكاتبا مع صاحبه، ويرجع عليه صاحبه بحصته من الكتابة، لأنه قد دخل معه فيها، شاء أو أبى. وقاله أشهب"، ثم شبهها بمسألة (¬2) من أعتق عبده على أن عليه كذا فأبى العبد "إن العتق جائز، والدنانير لازمة" (¬3). قال فضل بن سلمة وغير واحد من الشيوخ المتقدمين والمتأخرين: هذا دليل على إجبار السيد عبده على الكتابة، وهو الذي لابن القاسم في "سماع" أصبغ. وفي "مختصر" أبي محمد لابن القاسم خلافه أنه لا يلزمه (¬4). وقد ذكرنا اختلاف قول مالك وأصحابه فيها قبل في العتق. قال فضل: فأما أشهب فإنما اعتل في التفريق ما بين مكاتبة الحاضر مع الغائب وبين مكاتبة الحاضر وحده كرها، بأن الحاضر له أن يعجز نفسه إذا كان وحده فلا يكاتب إلا برضاه، والآخر ليس له ذلك دون الغائب. وفي "النوادر": "إذا ¬
لزم (¬1) عبيده (¬2) الكتابة بكذا وكذا، فلم يرض أحدهما فذلك يلزمه عند ابن القاسم، وكذلك لو كان أحدهما غائبا. وقاله أصبغ على الاستحسان والاتباع. وكذلك عندي العبد الواحد يلزمه سيده/ [ز 199] الكتابة وينجمها عليه فيأباها، فإنها تلزمه أحب أو كره. ولا حجة له إلا لعجز ظاهر" (¬3). وقول يحيى (¬4) بن سعيد في الذي يعتق شقصاً له من مكاتب: "فإنما يترك له نصيبه من المال ولم يفك له رقاً، فإن عجز المكاتب فإن الناس اختلفوا في حظ المعتق منه؛ فقال ناس: يجوز (¬5) حظه فيه عتيقاً ولا يكلف تمام عتقه؛ لأنه إنما كان ترك له يومئذ ذهباً (¬6) كانت (¬7) له عليه. وقال آخرون: يكون للمعتق حظه في العبد إذا عجز" إلى آخر المسألة. كذا في كثير من الأصول، لكنه خط عليه فيها، وكذلك خط عليه في كتاب ابن عتاب. والذي عنده في "الأم" وعند القاضي أبي عبد الله (¬8) ما هذا نصه: "فإن الناس اختلفوا فيه؛ فقال ناس: يكون للمعتق حظه في العبد إذا عجز" إلى آخر المسألة. لا غير؛ لم يذكر قولاً آخر. وخالد بن إلياس العدوي (¬9)، كذا في كثير من النسخ وفي أمهات ¬
شيوخنا. وفي بعض النسخ: خالد بن إياس، وكذا في كتاب ابن المرابط. قال الأصيلي: وإلياس هو الصواب (¬1). وانظر قول سحنون (¬2) في بنت المكاتب إذا ولدت فوطئ السيد البنت السفلى: فهي بحالها معهم إلا أن ترضى ويرضون بإسلامها إلى السيد وتكون أم ولد، ويوضع عنهم من الكتابة مقدار حصتها. قال سحنون (¬3): "ويكون من معها في الكتابة ممن يجوز رضاهن؛ فإن كانت في قوتها وأدائها ممن ترجى نجاتهم بها ويخاف عليهم - يعني العجز - إن رضوا بإخراجها لم يجز". قال القاضي رحمه الله: هذا وفاق وتفسير. وعليه تحمل مسألته في عتق أحد المكاتبين برضى بقيتهم. وكله خلاف قول غيره وقولِ ربيعة أنه لا يلتفت إلى رضاهم؛ لأنا لا ندري ما تصير إليه حالهم؛ فابن القاسم وسحنون اعتبروا حالهم الآن عند وقوع نازلتهم ولم يعتبروا ما يتوقع. وربيعة وغيره اعتبروا ما عساه أن يتوقع في المآل وإن لم يكن في المعتق رجاء ولا خوف الآن. وقول ربيعة (¬4) وعبد العزيز (¬5) إنهما كانا يريان بيع كتابة المكاتب لا تجوز. موقوف في كتب شيوخنا. وثبت في بعض النسخ، وصحت في رواية سليمان بن سالم وغيره. وإلى مذهبهما ذهب محمد بن لبابة في ¬
"منتخبه" (¬1)، وذهب أيضاً إلى ظاهر مذهب يحيى بن سعيد (¬2) في جواز بيع رقبة المكاتب برضاه، عجز عنده أو لم يعجز. ولم تأت مبينة في رواية يحيى. وقد تأوله بعض أصحابنا أنه إنما باعه لأنه عجز. وقوله في المكاتب يكاتَب وله أمة حامل: إنه (¬3) لا يدخل في الكتابة. زاد في كتاب محمد: إلا أن يشترطه (¬4) سيده (¬5). وذكر فيها هناك خلافاً لأشهب ولم يفسره فانظره. وقوله (¬6) في حديث بكير: إنه سمع عبد الرحمن بن القاسم وابن قسيط (¬7) استفتيا في رجل كان له مكاتب فقال له رجل: "أبتاع منك ما على مكاتبك هذا بفرض مائتي دينار". كذا في بعض الروايات بالفاء. وفي أصول شيوخنا (¬8): "بعرض مائتي دينار"، بالعين. قالا (¬9): "لا يصلح هذا إذا ذكر فيه ذهب وورق، لكن يأخذه بعرض ولا يسمي، فليس به بأس". معناه: سمى العرض على أن يأخذ عوضه ذهباً، يعني وما على المكاتب ذهب. قول بعض الرواة (¬10) في الشريكين في العبد يكاتب كل واحد منهما ¬
نصيبه بعد الآخر والذي كاتباه عليه مختلف، وأجلهما مختلف، مثل أن يكاتبه أحدهما بمائة إلى سنتين، والآخر بمائتين (¬1) إلى سنة، إلى آخر المسألة. ثابتة في روايتنا. وسقطت من رواية يحيى بن عمر وليست في رواية إسحاق بن إبراهيم من الأندلسيين. وثبتت عند الدباغ ويحيى بن أيوب (¬2) من القرويين، وابن وضاح من الأندلسيين. ولم يقرأها ابن أبي سليمان ولا أحمد بن خالد (¬3). وهو كلام عبد الملك بن الماجشون. وقول ابن القاسم (¬4) في الحجة على المسألة آخر الباب: "لم يكن يجوز لأحدهما أن يأخذ/ [ز 200] منه شيئاً دون صاحبه لاختلاف الحرية بلا قيمة. كذا لشيوخنا؛ بالخاء والفاء. ولغيرهم: اجتلاب، بالجيم والباء. وقوله: واذا به الذي يفتح له عتقه، كذا في أصول شيوخنا. ويروى: يبيح. وقوله (¬5): "يأخذ هذا بنجوم، ويأخذ هذا بخراج، فأحدهما لا يدري يوم أذن له". كذا في أصول شيوخنا. وفي بعض الروايات: فيأخذ ما لا يدري يوم أذن له. وتأمل قوله في النصراني (¬6) يعتق عبده أو يكاتبه فأراد تغيير ذلك: "لم أعرض له إلا أن يسلم العبد". دليله أنه متى أسلم لم يكن له نقض ذلك؛ ¬
لأنه حكم بين مسلم ونصراني. ولم يفرق هنا إن لم يسلم بين بينونته عنه أم لا، خلاف ما له في "العتبية" (¬1) وما قاله الشيوخ. وقد تقدم في العتق من هذا الأصل وفي النكاح الثالث. وقوله (¬2) في أم ولد النصراني تسلم: "وأكثر الرواة يقولون: تكون موقوفة إلى أن (¬3) يسلم فيطأها". ثبتت لابن وضاح. وسقطت لغيره. ولم تكن في كتاب ابن المرابط. وقوله في المكاتب (¬4) يغنمه أهل الحرب أو يأبق إليهم ثم يغنمه المسلمون: يرد إلى ربه إن علم، فإن عرف أنه مكاتب ولم يعرف سيده أقر على كتابته وبيعت وكانت فيئاً للمسلمين. ظاهره [أنه متى لم يعرف] (¬5) عين ربه. وإن عرف أنه لمسلم وعرف بلده أنه يُقْسَمُ. وهذه أبين مما في كتاب الجهاد في المتاع إذا لم يعرف ربه؛ لأنا ها هنا قد نتوصل إلى معرفة بلده واسمه من المكاتب نفسه. ولأنه قد يتوصل من المكاتب لمعرفته عين ربه وإن سماه وجهل اسمه لاشتراك الناس في الأسماء. وهو خلاف ما ذهب إليه عبيد الحفناوي (¬6) وإبراهيم بن أبي الفياض البرقي (¬7) أنه لا يقسم حتى يوجه إلى البلد ويبحث عنه. وخلاف ما ذهب إليه محمد فيما جهل ربه وبلده أنه كاللقطة توقف؛ فإن لم يوجد من يعرفه قسم (¬8). ¬
وقوله (¬1) في الرجل يكاتب عبده على أن السيد أو العبد بالخيار يوماً أو شهراً: إنه يجوز. جعل الخيار في الكتابة بخلاف الخيار في البيع في ضرب الشهر في العبد. ومذهبه عندهم في الكتابة أنه سواء كان الأجل قريباً أو بعيداً، بخلاف الخيار في البيع؛ لأن العلة في البيع (¬2) مخافة الزيادة للضمان، وبقاء المعين يقبض إلى أجل ليبقى في ضمان بائعه ويزاد لذلك في ثمنه، وهنا العبد في ضمان مالكه على كل حال. وحكى فضل عن أشهب: إن طال أجل الخيار جداً فسخت الكتابة إلا أن يترك الخيار مشترطه. وظاهره خلاف قول ابن القاسم، لكن حكى سحنون عن أشهب مثل قول ابن القاسم. فانظر هل يوافق ابن القاسم في الشهر ونحوه، ويخالفه فيما زاد؟ وهو دليل قوله: إن طال جداً. وهو المفهوم من غرض ابن أبي زمنين. وقوله (¬3) في اختلاف المتبايعين: "إن كان المشتري قبض السلعة وبان بها فالقول قوله". جعل بعض الشيوخ قوله: وبان بها، قولاً مفرداً، غير قوله بمجرد القبض. وقد بيناه في السلم الثاني. وقول أشهب (¬4): يدخل مع المكاتب من اشتراه من قرابته الولد والوالد، ولا يدخل الأخ (¬5). حمله اللخمي (¬6) على أنه لا يدخل الجد عنده. وقول ابن نافع: "لا يدخل إلا الولد قط (¬7) إذا اشتراهم بإذن السيد". وقال (¬8) في غير "المدونة": اشتراهم بإذن السيد أم لا. ظاهره خلاف "المدونة". ¬
وحمله بعضهم على الوفاق باستدلاله لأن له أن يستحدثهم في كتابته (¬1)، فإذا اشتراه فكأنه استحدثه ولا يحتاج إلى الإذن وفي الاستحداث، فكذلك في الشراء. وانظر قوله (¬2): "إذا أراد أن يشتري المكاتب أمة كان تزوجها وهي حامل: إنه ليس لسيده أن يمنعه شراءها، ولا تكون أم ولد إلا بإذن سيده بشرائها" فجعل السكوت هنا ليس بإذن؛ لأنه لو كان إذناً كانت به أم ولد وهو قد علم بشرائها، وليس له منعه من ذلك. فدل أن إذنه هنا إنما/ [ز 201] يكون صراحاً (¬3). وقوله (¬4): "استسرَّ وليدة"، أي اتخذها سُرية، أي جارية للوطء، والسر النكاح (¬5). وقوله (¬6): "اجترموا جريمة"، أي: جنوا جناية، والجرم الجناية. وآخر باب (¬7) "في المكاتب يموت ويترك أم ولد" ولم (¬8) يكن عند ابن وضاح، وتم الكتاب عنده قبله. ¬
كتاب المدبر
كتاب المدبر (¬1) التدبير عقد عتق مقيد بموت العاقد. وله أحكام خالف فيها العتق إلى أجل والوصية [بالعتق] (¬2) بعد الموت. وهو مأخوذ من العتق بعد موت المعتق وإدبار الحياة عنه. ودبر كل شيء: ما وراءه، بسكون الباء وضمها. والجارحة، بالضم لا غير. وأنكر بعضهم الضم في غيرها (¬3). فمتى نص على لفظ التدبير أو قال: هو حر عن دبر مني فهذا حكمه، ما لم يقيد ذلك بما يزيله عن سنته بقوله (¬4): ما لم أغير ذلك، أو أرجع عنه، أو لم أنسخه بغيره، أو أحدث فيه حدثاً. فهذا له حكم الوصية. ومتى كان العتق بلفظ الوصية ولم يذكر لفظ التدبير فليس له حكم التدبير، إلا أن يقيده أيضاً بصفة التدبير وسنته، كقوله: إذا مت فعبدي فلان حر، لا يغير عن حاله، أو لا مرجع لي فيه ومثل هذا. فهذا له حكم التدبير. وأما إن قال ذلك مجرداً: عبدي حر إذا مت، أو متى مت، أو بعد موتي، فله نيته في ذلك من تدبير أو وصية. فإن عري عن ذلك فابن القاسم (¬5) يراها ¬
وصية حتى ينوي التدبير. وأشهب (¬1) يراه تدبيراً حتى ينوي الوصية أو يقارنه ما يقتضيها، من كونها لسفر أو في مرض أو تجديد وصية ونحوها (¬2). وكذلك اختلف إذا قيد تدبيره بشرط كقوله: إن مت في سفري أو مرضي، أو في هذا البلد، أو إذا قدم فلان فأنت مدبر، هل هي وصية له الرجوع فيها؟ - وهو قول ابن القاسم في "سماع" أصبغ (¬3) إلا أن يكون قصد التدبير - وله في كتاب محمد بن المواز (¬4) وابن سحنون (¬5): هو تدبير لازم. وقاله ابن كنانة (¬6). وذكر في الكتاب (¬7) جواز رهن المدبرة ورهن جنينها (¬8)، واحتج بأن "ذلك لا ينقصها من عتقها شيئاً وإن مات سيدها" فاعلم أنه إنما يجوز ارتهانها على وجهين: إما في غير ابتداء سلف وابتداء عقد بيع، بل تطوع بالرهن، أو برضى من المرتهن أن يأخذها عوضاً عن رهن آخر، فهذا جائز لا اعتراض فيه؛ لأنه إن حل أجل دينه والسيد حي عديم، والدين بعد التدبير، لم تبع وبقيت رهناً إن شاء المرتهن إلى موت السيد أو ملائه. وإن كان الدين قبل التدبير بيعت فيه وكان أحق بها، فلا علة هنا تمنع من الرهن وإن كان إنما رهنها في نفس عقد بيع؛ فإن كان الدين قبل التدبير جاز ذلك قولاً واحداً؛ لأنها في كل حال بحلول الدين أو بموت السيد تباع فيه، ¬
والمرتهن أحق بها. وإن كان الدين بعد لم يجز للغرر؛ إذ صاحب الدين لا يدري متى يقبض دينه، وهو إنما يرجو قضاءه من رهنه أو ملاء السيد، فلا يدري هل يحل أجله قبل موت السيد وهو ملي فيأخذه لأجله، أو وهو عديم وهو لا يقدر على بيع الرهن فينتظر وفاة السيد لبيعه؟. وعلى هذا الوجه تأول بعض شيوخنا (¬1) قول أشهب في منعه رهن المدبر. وعلى ما تقدم يجب أن يتأول إطلاق إجازة مالك وابن القاسم لرهنه. ويكون هذا كله غير اختلاف منهم، بل كل منهم تكلم على وجه لم يتكلم عليه الآخر. وتأول أبو محمد وأبو عمران قوله في جواز رهن ما دبر جنينها (¬2) أنما ذلك إذا كان الدين متقدماً لا متأخراً؛ إذ لا يجوز له أن يعرض المدبر للبيع، ومعنى/ [ز 202] ذلك أنها تباع بجنينها. وهذا كما تراه لو لم يرهنها لكان هذا الحكم؛ إذ ليس تدبير ما في بطنها بأقوى من عتقه. ونحن نبيعها للغرماء بما في بطنها ولو أعتقه فلم يزد الرهن هنا حكماً، اللهم إلا أن يقال: إن هذا مستقل (¬3) الصورة في التدبير، وإن الرهن فيه تصرف يشبه البيع، فيكون هذا على وجه الكراهة لا على الإيجاب في المنع، ويلزم هذا كله في رهن كل مدبر. ويحمل عليه ظاهر قول أشهب في منع رهن المدبر مطلقاً، خلاف ما تأوله من ذكرناه قبل والله أعلم. وقول يحيى بن سعيد في المدبر (¬4) "إذا مات سيده: ماله له، وولده من أمته لورثة سيده، لأن ولده ليس من ماله"، ظاهره الخلاف. وقد ذهب عمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وعطاء (¬5) أن ولد المدبرة غير مدبرين، ¬
مملوكون (¬1) لسيدها. وهو أحد قولي الشافعي (¬2)، فيشبه أن يحيى ذهب إلى هذا. وهو قول عطاء (¬3) أيضاً في ولد المدبر من أمته إن لهم حكم أمهم. وهو قول ابن عمر (¬4) والليث والأوزاعي والزهري (¬5). فهم على هذا مال للسيد انتزاعهم في صحته. وقد تأول بعض شيوخنا (¬6) قول يحيى أنه في أولاده قبل التدبير. فيكون وفاقاً لمذهب مالك، والله أعلم. وقوله (¬7) في الذي كاتب عبده ومدبره، فمات السيد وخرج بعض المدبر من ثلثه: إنه يسعى مع صاحبه في بقية الكتابة إلى آخر المسألة، ثم قال: "وإنما يسعى من المدبر ما بقي فيه من الرق"، صحت هذه الزيادة لابن وضاح وحده، وليست في كل الروايات. ولم يذكرها ابن أبي زمنين ولا غيره من المختصرين. وقول أشهب (¬8): "لا يجوز عقد كتابة عبدين أحدهما مدبر" إلى آخر كلامه. سقطت في كتاب ابن عتاب لغير ابن وضاح. وهي ثابتة لأكثر الرواة من القرويين وغيرهم. وقوله في المدبر (¬9) يقع "في المغانم إذ عرفوا سيده، أو أنه لأحد من المسلمين بعينه". كذا في كتب شيوخنا. وسقطت لفظة "بعينه" في بعض الروايات. وقد نبه عليها ابن أبي زمنين وقال: سقطت في أكثر الروايات. ¬
وبسقوطها تصح المسألة؛ لأن حكم المدبر إذا علم به في المقاسم - وإن لم يعرف ربه - خلاف العبد الذي ليس بمدبر؛ لا يقسم ويؤاجر. بذلك فسرها سحنون. قال القاضي: ومما يدل أن الصواب سقوطها أنه كلام مكرر؛ لأن قوله قبل: "إذا عرفوا سيده"، يغني عن قوله: "إن عرفوا أنه لرجل بعينه"، فدل على سقوط: عينه. ويأتي قوله (¬1): "فإن لم يعلموا حتى اقتسموه" أي لم يعلموا أنه مدبر. وقول بعض الرواة (¬2) في مسألة النصراني يشتري مسلماً ويدبره: "لا يجوز اشتراء النصراني لمسلم؛ لأني لو أجزت له اشتراءه ما بعته عليه، ولكن لما لم يجز له ملكه ابتداء لم يجز له شراؤه". قال ابن أبي زمنين: معناه أن البيع يفسخ وينقض التدبير. قال القاضي: قال بعض شيوخنا: لأنه إذا لم يجز شراؤه فكأنه دبر عبد غيره. وتأول أكثرهم قول غيره على تعجيل العتق كما نص عليه في مسألة (¬3): إذا أسلم مدبره. وفيها تكلم غيره في تبتيل حريته. ولأنه منع نفسه بالتدبير من بيعه. ولم يتكلم على المسألة الأولى في التدبير، وإنما تكلم في الشراء مجرداً بغير تدبير. ولو كان كلامه وجوابه على الوجهين لكان تناقضاً؛ لأنه قال في أول الكلام (¬4): "لو أجزت شراءه ما بعته عليه"، أي لتركته له ملكاً وواجرته له كما يقول ابن القاسم في التدبير. ثم قال آخراً في مسألة: إذا أسلم عبده فدبره (¬5)، "فلما منع نفسه بالتدبير من البيع". فلو رد المسألة على الأولى لكان ظاهر كلامه أنه يبيعه عليه في مسألة الشراء إذا لم يدبره فتأمله فإنه دقيق المعنى. وقد وجدت في ¬
بعض النسخ تمام قول بعض الرواة عند قوله: / [ز 203] لم يجز له شراؤه. ثم قال: وقال غيره: وإذا أسلم عبده ثم دبره. فانظره (¬1). وقوله (¬2): استباع سيده، أي طلب منه البيع. وقوله (¬3): تشبث بنصيبه، بشين معجمة وآخره تاء مثلثة، قبلها باء بواحدة: أي تمسك كما جاء في الرواية (¬4) الأخرى. ¬
كتاب أمهات الأولاد
كتاب أمهات الأولاد لأمهات الأولاد من ساداتهن الأحرار حكم الحرائر في ستة أوجه، وحكم العبيد في أربعة أوجه. فلا خلاف عندنا أنهن لا يبعن في دين ولا غيره. ولا يرهن. ولا يوهبن. ولا يؤاجرن. ولا يسلمن في جناية. ولا يستعين (¬1). وأما ما حكمهن فيه حكم العبيد ففي انتزاع أموالهن - لكن ما لم يمرض السيد -. وفي إجبارهن على النكاح، في أحد القولين (¬2). وفي استخدامهن، لكن خفيف الخدمة مما لا يلزم الحرة. وأن لسادتهن فيهن من الاستمتاع ما لهم في الإماء. وأما ولدها من سيدها فلا خلاف أنه حر. وأما ولدها من غير سيدها قبل حملها من سيدها فلا خلاف أنه عبد. وأما ولدها من غير سيدها بعد كونها أم ولد فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: ربيعة يقول (¬3): هو حر كولدها من سيدها. والزهري يقول (¬4): هو عبد ¬
كما (¬1) ولدته قبل ذلك. ومالك يقول (¬2): هو بمنزلتها؛ يعتق من رأس المال. لكنه يخالفها في وجوه منها: جواز استخدامه واستئجاره (¬3). وقوله (¬4): "كل من أقر بوطء أمة له فجاءت بولد لما يشبه فهو ولده إلا أن يدعي استبراء". قال في موضع آخر: بحيضة فهو مصدق. ظاهره بغير يمين (¬5). وهو مذهب (¬6) كتاب محمد (¬7) وظاهرُ كتاب طلاق السنة من قوله: لا لعان فيه، واللعان يمين. وقال محمد بن مسلمة (¬8): إن اتهم حلف، فإن نكل لحق به الولد ولم ترد اليمين. وهو مذهب عبد الملك ومطرف وعيسى (¬9) في إلزام اليمين. ورواه أشهب (¬10) عن مالك. وقد اختلف في الأصل؛ فالمغيرة (¬11) لا يرى نفيه بالاستبراء جملة في قوله الأول، وإليه مال بعض متأخري شيوخ القرويين (¬12). وابن الماجشون (¬13) ¬
يقول: لا تستبرئ (¬1) بأقل من ثلاث حيض، وإليه رجع المغيرة (¬2). وقول أشهب (¬3): "ألا ترى أن الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل الدخول ويزعم (¬4) أنه لم يمسها فالطلقة بائن، ولا يجوز له ارتجاعها إلا بنكاح وولي وصداق، فإن ظهر بالمرأة حمل فادعاه لحق المرأة به وكانت زوجته بغير صداق ولا نكاح مبتدأ"، معناه أن له الرجعة ما لم تلد بغير ولي ولا صداق. وقوله: "عتق اقتراف؛ إنما أعتقته السُّنة" (¬5). الاقتراف: الاكتساب، أي لم يعتقه ربه ابتداء من قبل نفسه، إنما أعتقه عليه الحكم. والزنج (¬6): صنف من السودان (¬7)، بكسر الزاي، ويقال بفتحها أيضاً. والحُملاء (¬8): هم الذين يُحْمَلون ويُنتقلون (¬9) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (¬10). ومعنى "يُسْعِيها" (¬11)، أي يخارجها. وهو معنى قوله (¬12): "لأن أمهات الأولاد لا سعاية عليهن". ¬
وقوله في مكاتبة أم الولد: لا تجوز ويرد المال. معناه عند بعض شيوخنا (¬1): بغير رضاها، ولو كان برضاها جاز كما قال الأبهري (¬2) عن المذهب. ويدل عليه قوله في الكتاب (¬3): "إذا أعتقها على أن جعل عليها ديناً بغير رضاها لم يجز"، "وإن كان برضاها فلا بأس به؛ إنما هي بمنزلة امرأة خالعها زوجها بدين جعله عليها. وأم الولد كذلك"، ولأن الحر الأجنبي لم (¬4) رضي بمخارجة غيره له لنفسه أو يهب له خراجه وخدمته مدة لجاز. وقد قال مالك في "المختصر" (¬5) لا تؤاجر/ [ز 204] أم الولد إلا برضاها. وقوله (¬6): "من أقر بوطء أمته فجاءت بولد، فأنكر أن تكون ولدته"، كذا روايتنا، وهي رواية أكثر الرواة. وروي عن ابن وضاح (¬7): "أن يكون ولده". قال ابن أبي زمنين: والرواية الأولى أصح. وهو كما قال، لأن جوابه ليس على إنكار الولد، بل على إنكار الولادة. وتمثيله لها في الكتاب بمسألة المطلقة (¬8) "تدعي أنها أسقطت ولا يعلم ذلك إلا بقولها: الولد (¬9) والسقط لا يكاد يخفى على الجيران، وإنها لوجوه يصدق فيها النساء، وهو الشأن. فكذلك مسألتك في ولادة الأمة"، اختلف في تأويلها على المعروف واختلاف قول مالك: فقيل: معناه أنها تصدق بكل حال بحضور الولد، ولأن الولد هنا ¬
حاضر. وقد بين ذلك في كتاب القذف وغيره. وعليه تأولوا مسألة كتاب الشهادات. وهو قول سحنون (¬1). وحكاه محمد (¬2) عن مالك. وقال ابن لبابة: يحتمل أن يقال معناها أنه في الأمة لا يخفى على الجيران، لكن ما في كتاب القذف يرده (¬3) قوله: ولا علم جيرانها (¬4) بذلك فالولد به لاحق (¬5). وفي كتاب محمد (¬6): "إذا أقر بالوطء وقال لها: لم تلدي هذا الولد فقال مالك: لا يخفى على الجيران. وقال مرة أخرى: هي مصدقة. وقال في موضع آخر: هو به لاحق وإن لم يعرف الجيران بها حملاً، ولا لها ولادة ولا طلقاً إذا كان معها الولد. وإن لم يكن معها ولد وقالت: أسقطت أو ولدت، لم تصدق إلا بامرأتين عادلتين على الولادة". وهذا الفصل ما لا يختلف فيه. ومثله بعد هذا في هذا الكتاب وفي كتاب الشهادات. وقال بعض شيوخنا (¬7): فإن ادعت على سيدها علما أحلفته وإلا فلا يمين عليه. وقال بعضهم: إن ابن القاسم (¬8) يفرق؛ فإذا كان هو المقر بالوطء ولم ينكر فهي مصدقة؛ لأن السيد مقر أنه أودعها الولد، فهي تقول: هذه ¬
وديعتك. وفي الإنكار للوطء وإقامة البينة عليه لا تصدق (¬1) إلا بامرأتين على الولادة؛ لأنه غير معترف لها مكذب لبينته (¬2). وأبعد هذا آخرون وقالوا: سواء على قوله أقر أو قامت عليه بينة هي مصدقة. وهو ظاهر قول سحنون؛ قال: الجارية مصدقة بكل حال، وساوى بين إقراره وإقامة البينة عليه. وقال بعد هذا: إذا ادعت أنها ولدت من سيدها لم تحلفه، "كما لا يحلف في العتق، إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء ثم امرأتين على الولادة، فإذا أقامته (¬3) صارت أم ولد، وثبت نسب ولدها إن كان معها ولد إلا أن يدعي استبراء"، فظاهر قوله هنا أنها لا تصدق وإن كان معها ولد إلا بما ذكر من البينة على الوطء والولادة. ومثله في كتاب الشهادات. وقد تكلمنا عليه هناك وحمْلِ بعضهم (¬4) له على ظاهره وتخريجه على مذهب سحنون وربيعة في أن شهادات النساء لا تقبل إلا مع وجود الولد لا مع عدمه، وهو خطأ. وقد ذكرنا قبل من فرق بين الاعتراف والبينة ومن سوى، وهو الصحيح. وأن معنى ذكر الولد هنا لصحة نسبه، لا لثبوت كونها أم ولد؛ لأنا إنما نحتاج لإثبات النسب مع وجوده. وتكلمنا عليه أيضاً هناك على دعواه الاستبراء بعد الإنكار وأنه على أحد القولين في هذا الأصل، وأنهما يخرجان من الكتاب من هذه المسألة وغيرها، فانظره هناك. وكذلك نبهنا على اختلاف الرواية في إقامة الشاهد الواحد بالإقرار والمرأتين على الولادة، وسنذكره بعد. مسألة الاستلحاق؛ تحصيل اختلافهم وعباراتهم في الكتاب في ¬
المسألة أنه إذا ادعى والد ولداً في ملكه أو/ [ز 205] ملك غيره وقد ولد عنده أو عند من اشتراه منه، ولم يدعه (¬1) المشتري وجاء بما يشبه أن يلحق بمدعيه، فإن لم يولد عنده ولا عند من اشتراه منه فقول مالك وابن القاسم في غير موضع (¬2): إنه يلحق به ما لم يتبين كذبه. وفي آخر الكتاب (¬3): "إذا لم تكن الولادة عنده ولا عند المشترى منه فلا أنقض (¬4) صفقة مسلم فيه، أحدث فيها (¬5) المشتري شيئاً أو لم يحدثه، ولا يلحق النسب أبداً إلا بأن (¬6) تكون أمه أمة له، وولد عنده أو عند من باعه (¬7) منه ولم يجزه (¬8) بنسب، أو كانت عنده زوجة بقدر ما يلحق فيه الأنساب، وإلا فلا يلحق أبداً". وجاء هذا الكلام في الكتاب في روايتنا متصلاً بآخر قوله (¬9): "وقال آخرون: ومالك يقوله". وعلى هذا من اتصال الكلام نقله جماعة من المختصرين (¬10). ونقله ابن أبي زمنين واللخمي (¬11) من قول سحنون. وهو خلاف ما تقدم من قول مالك ومعروف مذهبه. وقد نبه أحمد بن خالد عليها وأنها مثل قوله: إذا قال: أولاد أمتك مني زوجتنيها وأنكر ذلك السيد: إنه يثبت نسبهم منه. وفيما قاله نظر. فإن أشكل الأمر في تصديق الأب فهو مصدق عندهما. ¬
واختلفت الروايات فيما ظاهره كذبه مع تجويز صدقه، كادعائه الغلام يولد في أرض الشرك ولم يعلم أنه دخل تلك البلاد، فهذا قد اختلفت الرواية فيه في الكتاب: ففي موضع (¬1): إن عرف أنه لم يدخل تلك البلاد قط لم يصدق، وهذا الذي يعرف كذبه. فجعل هذا أنه إنما يتبين كذبه إذا علم وحقق أنه لم يدخل تلك البلاد، وأنه إذا لم يعلم ذلك بخلافه. وقال في موضع آخر (¬2): "إذا لم يعرف أنه دخل تلك البلاد لم يصدق" (¬3). فعلى هذا أنه لم يصدق مع الإشكال كما إذا عرف (¬4). ومثله قوله (¬5) في مسألة مدعي الغلام تقوم البينة أنه لم تزل أمه ملكاً لفلان غيره حتى هلكت عنده؛ قال: "لعله كان تزوجها، فلا أدري ما هذا". وفرق بينه وبين لو (¬6) قامت البينة أنها لم تزل زوجة لفلان، فجعل ذلك مثلما يولد في أرض العدو (¬7). قال بعض الشيوخ: ولا فرق بين المسألتين ولا بين الحرة والأمة في هذا إذا لم يكن له نسب معروف. وقد ذكر بعض المشايخ اختلاف قوله في المسلمة (¬8)، وأراه من هذا الموضع، والله أعلم. وعلى الوجه الأول اختصرها ابن أبي زمنين. إلا أنهم تأولوا على ¬
قوله: يصدق في الإلحاق أنه لا يسقط ملك المالك عن أمه، ولا تنتزع من يده إلا أن يثبت أنها كانت له ملكاً. فهذان وجهان الخلاف فيهما قائم من الكتاب: أحدهما: إذا لم يكن يعرف أنه ولد عنده أو عند من باعه منه. الآخر: إذا أشكلت دعواه وبعدت ولم يقع القطع على كذبه. ووجه ثالث أيضاً وهو إذا أعتقه المشتري؛ فقد اختلف قول ابن القاسم فيه أيضاً: فقال في الباب الأول: إن أكذبه الذي أعتقه لم يصدق. وقال بعده في باب آخر (¬1): "إن لم يستدل على كذب البائع فالقول قوله". وهذا قول غيره (¬2) - وهو أشهب - ورجحه سحنون وقال (¬3): "هذا أعدل قوله" (¬4). ووجه رابع وهو إذا ادعى أمه (¬5) أنها أم ولد له، فلا خلاف أنه من لم يثبت له قبل فيها ملك أنها لا ترد إليه بدعواه. وإنما الكلام إذا أثبت فيها ملكاً متقدماً (¬6)؛ فابن القاسم يراعي التهمة فيها، فإذا لم تكن تهمة استرجعها، والتهمة عنده فيها الصبابة أو عدم ما يرجع به من ثمنها. وهذان الوجهان في "المدونة". وفي "العتبية" (¬7): أو لزيادة وفراهة (¬8) فيها. وغيره في الكتاب لم يراع شيئاً من ذلك فيها، وأنه متى ألحق الولد ثبت النسب ¬
ورجعت الجارية. وعبد الملك (¬1) وأصبغ (¬2) لا يرون التهمة إلا عدم الثمن. وهذا كله مع ظهور الولد ووجوده. فأما اعترافه بعد بيعها (¬3) بها أنها أم ولد قد ولدت منه ولا ولد معها فقد اختلف فيها أيضاً قوله في الكتاب: ففي كتاب الآبق مرة قال:/ [ز 206] لا ترد مطلقاً، ومثله في كتاب المكاتب، وهو قول أشهب في كتاب الآبق أيضاً. قال فضل: أراه وهما. ومرة قال: ترد إليه إن لم يتهم فيها. وهو قوله في "العتبية" و"الواضحة" (¬4) وأصل قوله. وحكى بعضهم (¬5) أن له في كتاب الآبق أن ترد مطلقاً أيضاً، وليس في روايتنا ذلك. وفي كتاب أمهات الأولاد ما يستدل به عليه من قوله: "إذا اشترى جارية فأعتقها، فادعى البائع أنها كانت ولدت منه: إنه لا يقبل قوله بعد العتق"، كذا جاء مطلقاً. ثم جاء بذكر الولد على السؤال الذي قبله. فظاهره أنه لو لم تعتق لقبل قوله. قال عبد الملك: ولو علم (¬6) إقراره بمسيسها قبل بيعها صدق بكل حال؛ اتهم أو لا، معها ولد أو لا (¬7). وعلى مثل هذا حملوا لو اعترف بها بعد أن مات ولدها (¬8) الذي باعه معها، فانظره. وقوله (¬9) في مسألة الذي ادعى ولداً من الصقالبة أو الزنج وتصديقه فيه إذا علم أنه دخل تلك البلاد (¬10). ¬
نبه بعض الشيوخ (¬1) أنه يستفاد منه أن الحملاء يجوز لهم استلحاق الأولاد ويصدقون فيهم، وإنما يكلفون البينة إذا ادعوا غير ذلك من القرابة، واستحسنه وقال به. وأباه ابن القصار (¬2) وعبد الوهاب (¬3) وقالا: لا يقبل قول الحملاء في ولد ولا غيره. وهو ظاهر "المدونة". وانظر قوله (¬4) في "الحملاء إذا عتقوا (¬5) فادعى بعضهم أنهم إخوة بعض أو عصبة بعض"، وأنه لم يتكلم في ادعاء بعضهم البنوة لبعض. فهو نحو ما أشار إليه اللخمي أنهم إنما لا يصدقون (¬6) في دعواهم غير الولد. وأما في الولد فيجب على قوله الذي ذكره قبلُ تصديقُهم. وأكثر الناس لم يفرق بين ذلك. والنظر يقتضي التفريق (¬7). وقد أفتى القاضي ابن سهل (¬8) أنهم متى احتاج الآباء منهم أو الأبناء للنفقة حكم بينهم بالنفقة كالثابتي النسب وإن لم يتوارثوا، وكان هذا من أجل اعترافهم بلزوم هذا الحق لهم. قال وكذلك إن شهد بعضهم لبعض لم تجز شهادته. لكن في "الواضحة" أن اشتراءه (¬9) أباه المولود في الشرك لم يعتق عليه وإن استحب له ذلك. وهذه تعارض تلك. ¬
وقول مالك (¬1) عن عمر: "إنا لا نورث أحداً من الأعاجم إلا أحد (¬2) ولد في العرب"، وقوله بعده (¬3): "وذلك الأمر عندنا المجتمع عليه"، واحتجاجه به في مسألة الحملاء. قيل: معنى قول عمر فيمن لم يثبت نسبه وإنما كان من قولهم، كما حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم عن مالك (¬4)، وهو الأظهر، وخلاف ما حكاه ابن حبيب عن عبد الملك (¬5) أنه كان لا يورثهم بتة (¬6). وقوله (¬7): إذا قال القافة: هو منهما، قول مالك أنه يوالي أيهما شاء، كما قال عمر. وقال بعد في موضع آخر (¬8): "لا أدري هو قول مالك، ولكن رأيته مثل قول عمر"، فيحتمل أنه لم يذكره في موضع وتذكره في الموضع الآخر، أو يكون تحرى اللفظ. فمعنى القول الواحد أن مذهب مالك فيها مذهب عمر لا لفظه، فلما شاححه فيه في الموضع الآخر قال: لا أدري، أي هذا لفظ مالك كلفظ عمر أو بمعناه. وقيل: يحتمل قوله: لا أدري، أي لم أسمعه منه، وقوله: هو قول مالك، أي بلغني عنه، ولم أحققه منه. وقوله في الجارية (¬9) بين الشريكين يطأها أحدهما ثم يطأها الآخر بعد طهر فتحمل: إن عليه في يسره "نصف قيمتها يوم وطئها". وقال في الباب الآخر بعده (¬10): "يوم حملت"، وكذا قال في كتاب القذف. وقد حكى ¬
محمد (¬1) القولين جميعاً. وحكى أيضاً عن مالك التخيير في أيهما شاء ربها وما هو خير له. وهو اختيار محمد وابن لبابة؛ قال: وهو النظر. قال محمد: وهذا إذا كان وطئها مرات، وأما إن كان مرة فيوم الحمل يوم الوطء. قال بعض شيوخنا: وهو كله تفسير للمدونة. وقال غيره: هو اختلاف فيها من قوله كما في كتاب محمد. وقال آخرون: هذا إذا كان الوطيان (¬2) في طهرين. وأما في الطهر/ [ز 207] الواحد فكوطء واحد. وأما إن لم تحمل فالمعروف أن مذهب "المدونة" والمفسر فيها في هذا الكتاب (¬3) وغيره أن سيدها بالخيار في التقويم أو التماسك. وقد جاء لفظان فيها في كتاب الشركة ظاهرهما خلاف هذا وأنهما قولان آخران له: أحدهما: قوله في باب المتفاوضين يشتري أحدهما جارية لنفسه، وذكر مسألة الشريكين فقال: إنها تقوم عليه يوم وطئها، ولم يذكر تخييراً. ونحوه في كتاب محمد أنه يجبر على التقويم على شريكه. واللفظ الآخر: قوله في الباب نفسه في أحد المتفاوضين إذا اشترى جارية لنفسه فوطئها: إنهما يتقاومانها. قال محمد بن يحيى: وكذلك قوله في كل ما لا ينقسم يكون بين الرجلين إنهما يتقاومانه إذا دعى أحدهما إلى البيع، فإن أبى أحدهما المقاومة عرضت للبيع، ويأخذها من أحب إمساكها بما بلغت. وجعل ابن أبي زمنين هذا حكم المتفاوضين دون غيرهما. وحكي فيها قول رابع أنها باقية على حالها من الشركة، ويعطي الشريك ما نقصها إن كان نقصها الوطء. وهذا نحو رواية البرقي عن أشهب: لم يجب على الواطئ تقويم. قال بعضهم: وهو القياس. ¬
فإن كانت حملت وهو معسر ففي الكتاب فيها أربعة أقوال: فقال مرة (¬1) - وهو قوله القديم -: هي أم ولد للواطئ، ويتبعه الآخر بنصف قيمتها ديناً كالموسر دون قيمة نصف الولد، وتأولوه (¬2) أنه مجبور على التقويم. والذي سمع منه ابن القاسم أنه يباع نصفها للذي لم يطأها، فيدفع إليه ويتبعه بنصف قيمة الولد إلى آخر ما ذكره في الكتاب، ولم يذكر تخييره في التمسك. ومثله في كتاب القذف وزاد: وإن شاء الشريك تمسك بنصفه واتبعه بنصف قيمة ولدها ويعتق نصف الواطئ. وحمل الشيوخ الكلامين على معنى واحد، وأن ما في كتاب القذف تفسير لما هنا. ومثله في "المستخرجة"؛ قالوا: ومعناه إن شاء تماسك بنصيبه واتبعه بنصف قيمة الولد، وإن شاء ألزمه القيمة يوم الوطء في ذمته ولا يباع له في القيمة وقاله سحنون (¬3). ولا شيء له على هذا في الولد. وإن شاء كان له نصف قيمتها يوم حملت، تباع في ذلك ويتبعه بنصف قيمة الولد. وذكر في الكتاب عن غيره (¬4) أن الشريك بالخيار؛ إن شاء تماسك واتبع الواطئ بنصف قيمة الولد، وإن شاء ضمنه واتبعه في ذمته، ولم يجعل له هنا أن تباع عليه. والقول الرابع وقع في كتاب ابن عتاب - في رواية غير ابن وضاح وقال: أوقفه في كتاب ابن وضاح -: وروى أشهب أنه إذا لم يكن للواطئ مال أنها تكون أمة على حالها ولا يعتق منها شيء، وليس هذا قول عبد الرحمن عنه. وهذه رواية ابن لبابة في كتاب ابن سهل وقال في أولها: وروى أشهب وعلي بن زياد. وليس فيها: وليس هذا قول عبد الرحمن عنه. ¬
وفيها قول خامس رواه عبد الملك ومطرف (¬1) عن مالك أنه بالخيار كما تقدم، إلا أنه إذا تمسك (¬2) لم يرجع بقيمة الولد، وإن قوم، فإن شاء اتبعه أو بيع له نصفها. ثم يختلف بعد ذلك في الرجوع عليه بالنقص، وفي عتقها على المعسر إذا لم تقوم عليه على ما جاء في الكتاب وغيره. وقوله (¬3) في المأذون يعتق وله أمة حامل: إن ما في بطنها رقيق للسيد ولا تكون به أم ولد للمأذون، وهي أمة له بمنزلة ماله يتبعه إذا عتق. "قال ابن القاسم: إلا أن يملك العبد ذلك الحمل قبل ان تضع فتكون به أم ولد" (¬4). تأوله أبو محمد وغيره أن معناه: ملكه بهبة (¬5) أو ميراث لا بشراء، إذ لا يجوز له شراؤه لأنه غرر، إلا أن يفوت بالوضع فتكون به أم ولد عند بعضهم، وما لم تلد ينقض شراؤه. وعند آخرين إلا أن يفوت بالشراء أو العتق عليه، أو بتمام (¬6) الشراء خرج حرا ففات نقص (¬7) شرائه. وقيل: بل شراؤه هنا جائز للضرورة وارتفاع التحجير في الأمة وتمام تصرفه فيها كاشتراء رب الدار الغلة والسكنى ممن وهبها له/ [ز 208] لرفع التحجير وتمام ملك التصرف (¬8). وهذا على قول ابن القاسم وروايته عن مالك، بخلاف رواية غيره في أنها لا تكون بذلك الحمل أم ولد. وهي رواية أشهب (¬9) عن مالك. ¬
وقوله (¬1) في المكاتب يكاتب وله أمة حامل (¬2): إن ما في بطنها رقيق للسيد، لأنه لا يدخل معه إلا باشتراطه. وأنه قول الرواة كلهم إلا أشهب. قال فضل: كان أشهب وحده يقول فيها: إن الولد داخل في الكتابة مثل الذي يهب الأمة وهي حامل ولا يستثنيه. قال: إلا أن يكون السيد استثنى عند الكتابة ماله أو الحمل، فلا يكون في الكتابة. وخالف مالكاً. وقوله (¬3) في الأمة إذا أقامت شاهداً واحداً على إقرار السيد بالوطء وامرأة واحدة على الولادة، قال: "يحلف لأنها لو أقامت امرأتين على الولادة ثبتت الشهادة على الولادة". كذا روايتي هنا عن ابن عتاب. وروايتي فيها عن ابن عيسى من طريق الدباغ (¬4): شاهدين. وكذا في كتاب ابن سهل فيها: أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء. فجاء في هذا مع الشاهد الواحد في الوطء والمرأة الواحدة بالولادة روايتان على هذا. وقال ذلك بعض الشيوخ (¬5). وذكر هنا أيضاً إذا أقام شاهدا واحداً على الإقرار بالوطء وامرأتين على الولادة. وليس في كتاب الشهادات زيادة "على الولادة" أنه يحلف كما يحلف في العتاق. ورواه بعضهم: أو امرأتين. ولم تكن المسألة في كتاب ابن عتاب هنا (¬6)، وثبتت عنده في الشهادات لابن وضاح، وقال: ثبتت في غير الشهادات لابن باز، وثبتت في كتاب ابن سهل لابن أبي دليم (¬7)، ¬
وأوقفها سحنون. وروي عنه أنه لا يمين عليه. وقد ذكرناها والخلاف فيها في الشهادات (¬1). وصححها بعضهم. وأنكرها آخرون، وقالوا: لا يحلف حتى يثبت أصل الاعتراف بالوطء بشاهدين. وقال ابن لبابة: له هنا وفي كتاب الشهادات قولان في تحليفه مع الشاهد الواحد: أحدهما أنه لا يحلف حتى يثبت إقراره. والآخر أنه يحلف. ومعنى قوله هنا: أو امرأتين ليس أنه لم يقم لها على الإقرار أحد (¬2) إلا امرأتين (¬3) على الولادة؛ إذ هذا لا يصح، إذ لو اعترف لها بالولادة وأنكر الوطء لم يلزمه يمين. وإنما يريد - والله أعلم - شاهدين على الإقرار وادعت الولادة مع حضور الولد، على تأويل من يفرق بين اعترافه والشهادة عليه الذي قدمناه أول الكتاب (¬4). ولا يصدقها في إقامة البينة عليه (¬5) إلا ¬
بامرأتين على الولادة، فلا شك أنه هنا يحلفه إذا ادعت عليه علما بالولادة كما ذكرناه عن بعض الشيوخ قبل. أو يكون معنى قوله: أو امرأتين، راجع (¬1) إلى الشهادة على الإقرار بالوطء، وهو أشبه وأصوب، لسيما (¬2) أنه ليس في كتاب الشهادات زيادة على الولادة. وأصله في غير موضع أنه يحلف بشهادتهما على دعوى العتق والطلاق، فصار في وجوه المسألة كلها الخلاف في تحليفه على اختلاف تأويلهم، سواء كان الشاهد (¬3) على الإقرار واحداً وامرأة واحدة على الولادة أو اثنتين، أو كان شاهدان على الإقرار وواحدة على الولادة، وبالله التوفيق. والْقَافة (¬4): جمع قائف: وهو الذي يعرف الأنساب بالأشباه (¬5). وهو علم صحيح (¬6). ومُجَزِّزاً (¬7)، بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى، هذا الأشهر والأعرف. وقيل فيها بفتح الزاي الأولى (¬8). والمُدْلِجي (¬9)، بسكون الدال وكسر اللام والجيم (¬10). ¬
و"تَبْرق أسارير وجهه" (¬1)، أي تضيء من الاستبشار والسرور. وأسارير الوجه: خطوط الجبين (¬2). وقوله (¬3): "آنفاً"، أي قريباً. وكعب بن سُور (¬4)، بضم السين المهملة، وآخره راء. وسليمان بن أبي حَثْمَة (¬5)، بفتح الحاء وسكون الثاء المثلثة. والتَّوْأَم، بفتح/ [ز 209] التاء وسكون الواو وفتح الهمزة: الولد الذي يكون في بطن مع آخر، وهما توأمان (¬6). وقوله (¬7): "يَليط أولاد الجاهلية"، أي يلصقهم بآبائهم ويلحقهم بهم (¬8). وقوله: ولا عُقْر عليه، بضم العين وسكون القاف، أي لا صداق عليه. ¬
كتاب الولاء والمواريث
كتاب الولاء والمواريث الولاء، بفتح الواو، ممدود، من الوَلاية - بفتح الواو - وهو من النسب والعتق. وأصله من الولْي وهو القرب. وأما من الإمارة والتقديم فبالكسر. وقيل: يقال فيهما بالوجهين معاً (¬1). والمولى في كلام العرب لفظة متصرفة لمعان كثيرة؛ تكون للمعتِق. والمعتَق. ولأبنائهما. وللناصر (¬2). ولابن العم. والقريب. والعاصب. وللحليف (¬3). والقائم بالأمر. وناظر اليتيم. والتابع (¬4) المحب. والمراد به هنا ولاية الإنعام والعتق (¬5). وعتق السائبة (¬6) هو أن يقول لعبده: أنت سائبة، يريد به العتق (¬7)، فهذا الذي ولاؤه للمسلمين عند مالك وعامة أصحابه، وروي عنه أنه لمعتقه. رواه عنه ابن وهب في "مختصر" ابن عبد الحكم، وقاله ابن نافع وعبد الملك (¬8). وهو الذي كرهه في غير (¬9) "المدونة" مالك وأبى منه. ¬
وكذلك إن قال له: أعتقتك عن المسلمين، أو أنت حر عنهم، فهذا حكمه حكم السائبة. لكن ليس يكره هذا مالك ولا غيره. ولم يختلف في جوازه ولزومه وإن اختلف لمن ولاؤه، وإنما كره لفظ السائبة في الأول لاستعمال الجاهلية لها في الأنعام وتحريم الله ذلك (¬1)، ولأنه كما قال مالك: أمر تركه الناس وتركوا العمل به. وقوله (¬2): "أعتق عبد الله بن عياش" (¬3)، بشين معجمة. وقوله (¬4): "رجلاً (¬5) يقال له العَلَمَّس" (¬6)، كذا هو بتقديم العين المهملة على اللام مفتوحتين، بعدهما ميم مشددة وآخره سين مهملة، كذا هو في رواية ابن وهب في "المدونة". ولغيره: العملس (¬7)، الميم على اللام. وفي أول سند هذا الحديث (¬8): "ابن وهب عن ابن أبي (¬9) الزناد". وعند ابن باز: أشهب عن ابن أبي الزناد. وفي كتاب ابن سهل: أشهب (¬10) وابن وهب عن ابن أبي الزناد. ¬
قال ابن وضاح: العلمس لابن وهب، والعملس لأشهب. وقد رويناه جميعاً، ولم يكن في كتاب ابن المرابط غير تقديم الميم (¬1). وبنو تغلِب (¬2)، بكسر اللام. وفي كتاب ابن المرابط (¬3): مالك عن أبي الزناد، وهي رواية الإبياني. قال: وكذلك في أصل الأصيلي، وقال: ردوه: ابن أبي الزناد (¬4)، وخطأوا على مالك. وابن أبي طوالة (¬5)، بضم الطاء في رواية ابن عيسى، وهو المعروف فيه. وكذا سمعناه من سائر شيوخنا في غير "المدونة". وضبطناه عن ابن عتاب بالفتح هنا. وقَبِيصة (¬6)، بفتح القاف وكسر الباء بواحدة، ابن ذُؤيب، بضم الذال المعجمة. وقوله (¬7): "إن أعتق عبداً عن أبيه أو أخيه وهو نصراني، قال: الولاء للذي أعتق عنه إذا كان مسلماً، وإن أعتق عبداً مسلماً عن نصراني فلا ولاء له وهو لجماعة المسلمين، بمنزلة النصراني يعتق المسلم". وسقط عند ابن ¬
عتاب قوله: عبداً مسلماً. وثبت لغيره. وبثباته تصح المسألة، ثم قال (¬1): "فإن كان نصرانياً فولاؤه لأبيه إن أسلم أبوه". وأسقط أبو محمد (¬2): (إن أسلم أبوه) (¬3). وقال ابن أبي زمنين: قوله: إن أسلم أبوه، لفظ مستغنى عنه، وبإسقاطه تصح المسألة. وقيل: إنما قيل (¬4): إن أسلم أبوه، أي حين ينظر في أمرهم ويثبت له الولاء، لأنه حكم بين مسلم ونصراني. وأما إذا لم يسلم والعبد كذلك فلا يعرض لهم في ولائهم ولا يحكم بينهم في ذلك. هذا (¬5) فائدته. وفي لفظ "المدونة" تلفيق (¬6) / [ز 210]. واختصرها المختصرون (¬7): إن أعتق عبده عن أبيه أو أخيه المسلم فالولاء للمعتق عنه، وإن أعتق عبداً مسلماً عن أبيه أو أخيه النصراني فلا ولاء له عليه، وولاؤه لجماعة المسلمين. وإن كان نصرانياً كان ولاؤه لأبيه. زاد بعضهم: إن أسلم بعد ذلك. وقيل: إنما يرجع قوله: إن أسلم (¬8) على ما قبله من الكلام من قوله: إن أعتق عبداً مسلماً عن نصراني، يعني عن أب نصراني، فلا ولاء له إن أسلم أبوه. وفي بعض نسخ "المدونة": إن كان أسلم أبوه. وهذا صحيح إن كان أبوه مسلماً كما قال. وقوله (¬9) في النصراني يعتق عبداً له نصرانياً فيسلم العبد ولسيده ورثة مسلمون: إنهم يرثون ولاءه. وكذلك إذا ولد النصراني أولاداً وأسلموا ورثهم ¬
مولى (¬1) النصراني، كذا في كتابي. وفي رواية أخرى: مولاه النصراني. وذكر ابن أبي زمنين الروايتين وقال: الأولى أصح. وقوله (¬2) في المتحملين: "إذا كان في أيهم قوم من المسلمين أسارى أو تجار، فشهدوا على عتقهم"، ظاهره جواز شهادة التجار إلى أرض الحرب وأنها ليس بجَرحة، وسحنون يراها جرحة. وهو الصحيح لدخولهم حيث تجري أحكام الكفر عليهم وإذلال دينهم لغير ضرورة. وقيل: لعل مسألة الكتاب لم يدخلوها بالاختيار، وإنما رمتهم الريح إليهم (¬3). ومسألة (¬4) من أقر أنه باع عبده من فلان وأنه أعتقه. قول أشهب فيها: "لا يعتق عليه إلا أن يقر بعد ما اشتراه أن سيده كان أعتقه"، وأما إقراره وشهادته وليس في ملكه إلى آخر قوله، ثابت في كتاب ابن عتاب كله. وهو في كتاب ابن المرابط مخرج ليحيى من قوله: "وأما"، وثبت ما قبله. وسقط من كثير من النسخ ومن رواية القرويين (¬5). وقوله في المكاتب (¬6) إذا دبر عبده: إن رد السيد تدبيره بطل، وإن لم يعلم حتى أدى الكتابة وعتق كان مدبراً، وكذلك لو دبر عبدَ عبدٍ له، كذا عند ابن عتاب على الإضافة. ولغيره (¬7): "عبدٌ عبداً له"، وكذا عند ابن المرابط. وكلاهما صحيحان. ¬
وقوله (¬1): "مراغِماً لأهل الإسلام"، بكسر الغين المعجمة، أي معادياً لهم ومباغضاً ومضراً. وأصله من الإذلال والأذى (¬2). وقوله (¬3) فيمن أسلم من أهل الذمة: كانت جريرته على المسلمين، أي جنايته. ويروى (¬4): "كانت جزيته للمسلمين"، وهما صحيحان أيضاً. وقوله (¬5): "لا ولاء إلا لذي نِعمة"، أي منعم بالعتق، يريد: لا يوهب ولا يباع. ولا ولاء لملتقط، ولا لمن أسلم على يديه. وقوله (¬6) فيمن أُوصِي له بمن يعتق عليه فلم يحمله الثلث فلم يقبل ذلك. "قال علي بن زياد: سقطت الوصية"، كذا في أصول شيوخنا. ووقع في بعض النسخ زيادة قبل قول علي قوله: فلم يقبل بما أوصي له به منه فهو حر وولاؤه للميت. وكان هذا المزيد مخرجاً في كتاب ابن عتاب موقوفاً (¬7). وهو في "العتبية" صحيح لابن القاسم. وكذلك المسألة الأخرى بعدها وهي قوله (¬8): "وإن أُوصِي له بشقص منه" هي من قول ابن القاسم في الأصول. وكذا في كتاب ابن المرابط. وكذا اختصرها ابن أبي زمنين. وسقط منها في كتاب ابن عتاب "قال ابن القاسم" (¬9) في أولها. وعليها اختصر القرويون (¬10). وزاد في كتاب ابن عتاب فيها (¬11): "وإن لم يقبل لم يعتق من العبد إلا ما أوصي له به". ¬
وقوله (¬1) في قصة موالي الزبير (¬2): "منهم عطاء ومسافر بن إبراهيم (¬3) "، كذا لابن عتاب. وفي رواية ابن عيسى وأصل ابن المرابط: بنو إبراهيم. وكلاهما بمعنى صحيح؛ هما أخوان. وكذا في أصل ابن سهل: ابنا إبراهيم، مثله. وفي بعض النسخ: وإبراهيم. وكذا كان في أصل ابن المرابط فأصلحه. وهو وهم. قال البخاري: عطاء بن إبراهيم مولى الزبير (¬4). وأبو أُسَيد (¬5) المذكور في حديث انتقال الولاء، بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء (¬6). وقوله (¬7) في الذي ترك ابنتين فادعى رجل أنه مولاه فأقرت له إحدى البنتين: إنها إن ماتت ولم تدع وارثاً غيره يحلف ويأخذ الميراث. قال محمد (¬8): اليمين في هذا/ [ز 211] خفيفة (¬9). وما في الكتاب حجة في أن من اعترف له بالأخوة أو بوراثة - لم يثبت إلا من قوله - أنه لا يرث على مذهب ابن القاسم. ومن أثبت له الميراث بالاعتراف (¬10) حتى يحلف على تصديق ما أقر له به (¬11) المقر. وهو قول أبي عمر بن القطان وأبي مروان بن مالك (¬12). ¬
وبهذه المسألة استدل أبو مروان. وهو كما قال؛ لأنها (¬1) إنما ورثهما باعترافهما (¬2) وهي كالأولى. وأفتى غيرهما أنه لا يمين في هذا. واختلف فيه قول أبي عبد الله بن عتاب (¬3). وفي مسألة (¬4): إذا أقام الرجلان البينة على رجل أنه مولاه (¬5) وتكافت (¬6)، وهو مقر لأحدهما: إنه للذي أقر له. المسألة. وقول سحنون: لا ينتفع بإقراره لأحدهما إذا كان بعد التنازع، وإنما ينفعه إذا كان قبل التنازع. فحينئذٍ يكون إقراره كالشيء في يديه إذا ادعاه رجلان وأقاما البينة جميعاً فتكافت، إلى آخر كلامه. ثبتت داخل الكتاب في رواية ابن وضاح في بعض الروايات. ولم يكن في أصول شيوخنا (¬7). وقوله (¬8) في باب الشهادة على الشهادة في الولاء: "فإن شهد شاهد ¬
واحد على السماع" إلى قوله (¬1): "وقال غيره: أو لا ترى". كذا في كتاب ابن عتاب. وهو ليحيى عند ابن المرابط. وقال سحنون. مكان "غيره" لأحمد بن داود. وكذلك قوله (¬2): "وقال غيره. وإنما استحسن". كذا في كتاب ابن عتاب. وسقط في كتاب ابن المرابط لغير يحيى. وجاء الكلام كله لسحنون عنده لغير يحيى. وواقد (¬3) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالقاف. وقوله (¬4): "ابنان لأب وأم، وآخر لِعَلَّة"، بكسر اللام الأولى وفتح العين المهملة وفتح اللام الثانية مشددة. وكذلك: أولاد علات، كله الإخوة والبنون ليسوا لأم واحدة (¬5). وأشهل بن حاتم (¬6)، بشين معجمة. والفريضة الغراء (¬7)، بالمد. قيل: سميت بذلك لانفرادها بحكمها وأنه لا نظير لها كغرة الفرس. والأولى أن يقال كغرة الفرس لكون الجد والأخت فيها يرثان معاً بالعول، وأنه يُرْبَى للأخت مع الجد فيها ولا يربى في غيرها، وليس للأخت مع الجد في غيرها شيء (¬8). والأشبه أن يقال لشهرتها كغرة الفرس. وقيل: بل لأن الجد أغرى بسهمه على نصيب الأخت. وتسمى أيضاً: الأكدرية؛ قيل لأن عبد الملك بن مروان (¬9) ألقاها على رجل ينظر في ¬
الفرائض، يسمى أكدر (¬1) فأخطأ فيها. ومعنى "يربى لها" (¬2)، أي يزاد ويرفع. والحَرَّة (¬3)، بفتح الحاء هنا، حرة المدينة (¬4)، وهي أرض فيها حجارة سود. وقُدَيد (¬5)، بضم القاف، من عمل المدينة (¬6). وقتادة (¬7) بن دِعامة، بكسر الدال. وخِلاس (¬8)، بكسر الخاء وبتخفيف اللام وسين مهملة. وحَيْوة (¬9) بن شريح، بفتح الحاء. وقوله في ورثة النصراني (¬10): "وإن كانوا مسلمين ونصارى حكم بينهم بحكم الإسلام، ولم أنقلهم عن موارثهم، ولا أردهم إلى أهل دينهم"، كذا ¬
روايتنا عن أبي محمد بن عتاب. ورويناها عن غيره: بحكم دينهم (¬1)، وكذا في كتاب ابن المرابط وابن سهل، وهي رواية يحيى بن عمر. قيل: وهي أبين من الأخرى. وقيل الروايتان بمعنى. ومعنى: حكم بينهم بحكم دينهم، أي بمواريثهم كما تمم به الكلام (¬2). وهو معنى: بحكم الإسلام، أي فيهم وأن يبقون (¬3) على مواريثهم في الكفر كما بينه آخر الكلام (¬4). ومعناه أن المسلم إنما أسلم بعد موت الميت. ومعنى قوله آخر الكلام: "ولا أردهم إلى أهل دينهم"، لأجل كون هذا المسلم معهم، فلا يحكم في أمر مسلم ونصرى (¬5) إلا المسلمون، ورث أو لم يرث. وقول عمر بن عبد العزيز (¬6) في مسلمين ونصارى جاؤوا إليه في ميراث "يقسم (¬7) بينهم على فرائض الإسلام. وكتب إلى عامله: إن جاؤوك فاقسم بينهم على فرائض الإسلام، وإن أبوا فردهم إلى أهل دينهم". كذا في رواية ابن عيسى عن ابن المرابط. وعند ابن عتاب: إلى أمر دينهم. وهذه أصح، أي اقسم بينهم على وراثة/ [ز 212] الكفر. ومعناه أن بعضهم أسلم بعد موت الميت، فميراث الميت على وراثة الكفر. وقوله: فردهم إلى أهل دينهم، تفسره الرواية الأخرى: "أمر دينهم" كما تقدم. ويحتمل أنه أراد: ويقسم ورثته الكفار على ¬
قسمهم كما قال ابن القاسم (¬1). وليس معناه أن يردوا إلى أهل دينهم يحكمون بينهم فتجري أحكامهم على المسلم الذي (¬2) معهم. أو يكون معناه أنه يحكم أولاً أنه لا ميراث للمسلمين معهم، ثم يرد الباقين من النصارى إلى أهل دينهم يحكمون بينهم إن أبوا أن نحكم نحن بينهم. وقد تأوله بعضهم أنه خلاف لقول ابن القاسم. ولا يصح ذلك. ¬
كتاب الصرف
كتاب الصرف (¬1) الصرف مأخوذ من التقلب، ومنه صرف الدهر (¬2). وتصرف الأمور أي تقلبها واختلافها شيئاً (¬3) بشيء، وكذلك مصرف (¬4) الذهب بالفضة (وإرطالها بالنحاس) (¬5) قلب عيناً (¬6) بأخرى، وبه سمي فاعل ذلك صيرفياً. وقد يكون من الصريف (¬7) الذي هو الصوت؛ لجلبه (¬8) أصوات الدراهم والدنانير عند تحريكها وعدها أو وزنها. ولهذا يعبرها (¬9) أهل العبارات (¬10) بالخصومات (¬11) والنزاع (¬12). ¬
وقد يكون من الوزن، وهو أصلها، والصرف الوزن. وهو أحد التفاسير في قوله عليه السلام: "لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" (¬1)، أي وزناً ولا كيلاً. قاله ابن دريد (¬2). والورق (¬3) - بكسر/ [خ 295] الراء وفتحها - الدراهم، حكاه الهروي، وكذلك الرقة، بكسر الراء وتخفيف القاف. قال بعضهم: ولا يقال لما لم يضرب (¬4) من الدراهم ورق ولا رقة (¬5)، وإنما يقال فضة. والفقهاء يطلقون هذه الأسامي كلها بمعنى على الفضة. وكذلك قال ابن قتيبة: إن ذلك كله يقال في المسكوك وغيره (¬6). وألفاظ الحديث يدل (¬7) على صحة هذا. والنَظِرة (¬8)، بكسر الظاء، بمعنى التأخير، قال الله تعالى (¬9): {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬10). وهَآءَ وهَآءَ (¬11)، بالمد والفتح غير منون، بمعنى: خذ وتناول، أي يقول كل واحد منهما لصاحبه ذلك. وقيل: هو بمعنى خذ وأعط. وأكثر المحدثين والفقهاء يقولونه بالقصر (¬12). وقد قيل فيه ذلك. ويقال: هَأْ، ¬
بالهمزة ساكنة (¬1). فمن قصره فهو تسهيل هذا الوجه (¬2)، ومنه قولهم: هاكم. ويقال: هآءِ، ممدود مكسور. والمد والفتح أفصح وأشهر (¬3)؛ قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (¬4). والمناجزة (¬5): المسارعة. والإنجاز: الإسراع والعجلة. واختلف لفظه في الفلوس في مسائله بحسب اختلاف رأيه في أصلها أهي كالعرض (¬6) أو كالعين؟ فله هنا (¬7) فيها التشديد وأنه لا تصلح فيها النظرة ولا تجوز، وشبهها بالعين. وظاهره المنع جملة كالفضة والذهب. وقال بعد هذا (¬8): ليست كالدنانير والدراهيم (¬9) في جميع الأشياء، وليست كالحرام البين، وأكره التأخير فيها، وأجاز بدلها (¬10) إذا أصابها ردية (¬11). وقال في بابي (¬12) السلم: إن باع بها وكيل ضمن؛ لأنها كالعرض إلا في سلعة يسيرة الثمن. وفي الزكاة: لا تزكى إلا في الإدارة كالعرض. وفي ¬
السلم الثالث منع بيعها جزافاً كالعين. وفي الأول: يسلم فيها الطعام والعرض لا غير. وفي القراض - من رواية عبد الرحيم (¬1) - جواز بيعها بالعين نظرة. وفي العارية: إن أعارها فهو قرض كالعين. وفي الاستحقاق: إن استحقت وكانت رأس مال سلم أتى بمثلها كالعين. وفي الرهون: إن رهنت طبع عليها كالعين. ومسألة اللذين (¬2) تواجبا الصرف ثم استقرض كل واحد منهما من غيره ما صرفه، قال: "لا خير فيها"، ثم ذكر مسألة (¬3): إذا استقرض أحدهما الدينار (¬4) فقال: "إن كان شيئاً متصلاً". فخففه. وقال أشهب في الباب الآخر (¬5) فيها: "لا خير فيه". حمل سحنون أن قول ابن القاسم في المسألتين متعارض (¬6)، ولذلك قال في الأولى: هي خير من التي تحتها، والآخرة كلام أشهب خير. وهو مذهب/ [ز 213] غير واحد من الشيوخ، سواء علم الآخر أنه لا دينار عنده في المسألة الثانية أم لا. وذهب بعضهم (¬7) إلى أن اختلاف جواب ابن القاسم لاختلاف المسألتين، وأن صاحب الدراهم في المسألة الثانية لم يعلم أنه لا دينار عند صاحبه فلم يلزمه ما فعله من الاستقراض له؛ إذ لعله إنما فعل ذلك طمعاً أن يبطل الصرف وندماً ويحل (¬8) الصفقة فلم تلزم دعواه صاحبه. ولو كان عالماً ألا شيء عنده لما جازت كالأولى. ¬
وقيل: بل إذا كان ذلك منهما معاً كثر الغرر من الجهتين (¬1) والخطر، إذ يمكن أنهما لا يجدا (¬2) من يسلفهما معاً في الحين أو من يسلف أحدهما ولا يسلف الآخر. وإذا كان من الجهة الواحدة كان أقل خطرا. والغرر القليل مغتفر، وقلما تسلم منه البيوعات. ونبه بعض الشيوخ أنه يستفاد من هذه المسألة أنه لا يلزم تعيين الدينار/ [خ 296] في الصرف ولا من شرطه إحضار العينين. والرَماء (¬3)، بفتح الراء ممدود: الربا، وهو مفسر في الحديث (¬4). وتكسر الراء ويقصر أيضاً (¬5). والربا مقصور، وأصله الزيادة؛ ربا الشيء إذا زاد. وكان ربا الجاهلية زيادة محضة. ومسألة السيف (¬6) المحلى وقوله في مشتريه: ولم أنقد ثم بعت السيف، فعلم بفسخ (¬7) ذلك، فبيع الثاني جائز. يخرج من هذا الكلام أنه إنما باعه ولا علم عنده من فساد فعله لقوله بعد ذكر البيع الثاني: وعلم بقبيح (¬8) ذلك. كذا روايتنا بالواو. ورواه بعض شيوخ القرويين: ثم علم. وعلى هذا اللفظ نقلها ابن محرز، وبه استدل. وهو (¬9) أبين في ¬
الاستخراج وأرفع للاحتمال، وأنه إنما يفوت البيع الفاسد بالبيع الصحيح إذا لم يقصد بائعه تفويته به، وأنه لوعلم بفساده ثم باعه ليفوته لم يمض بيعه ونقض البيع الأول والآخر. وسواء في هذه الوجوه كان النصل (¬1) تبعاً أو جُلّاً. وقوله (¬2) عن ربيعة: إنه كان يرى بيعه إذا كان ما فيه من الفضة تبعاً بالذهب إلى أجل. وهو قول سحنون وأشهب (¬3). وكذلك يقولون ببيعه بما فيه من تبع (¬4) الفضة بالفضة إلى أجل أو من بيع (¬5) الذهب بالذهب إلى أجل. ومالك اقتصر فيه على ما مضى من عمل الناس على ما قاله في "موطأ" (¬6) كتبه، والاقتصار على ما جاء من جواز بيعه نقداً، وخروجه عن حكم البيع والصرف وحكم بيع العين بالعين متفاضلاً لما كانت العين تبعاً. وجرى هنا مجرى العرض عنده إلا في التأخير، وعن حكم البيع والصرف إذا لم يكن العين تبعاً، وأجراه في هذا الوجه مجرى الصرف في جميع وجوهه. وذلك كله للضرورة إلى استعماله وللمضرة في نزعه وتفصيله، وللأثر الوارد في ذلك إن كان ثبت عنده. ولم ير حوالة الأسواق فيه فوتاً (¬7). وهذا خلاف ما في "الموازية" (¬8) في الحلي الجزاف أنه تفيته حوالة ¬
الأسواق (¬1). وهذا جزاف (¬2) لا شك فيه، وأفاته بتغير (¬3) ذاته من تغير (¬4) نصله وإن كان تبعاً، ومن أصله أنه لا يفيت تغير (¬5) الأقل في البيع؛ إذ النصل هو المقصود من السيف والذي يقع عليه اسمه، وغير ذلك في المعنى (¬6) تبع له وإن كثر، كمال العبد لو (¬7) كان أضعاف قيمته فهو في حكم التبع له، ولأن النصل متى انقطع لم تبق المنفعة المرادة بالسيف، كما ترد الدار باستحقاق منفعة منها تضر بساكنها وإن كانت أقل ثمن الدار كاستحقاق موضع مستراحها أو بئرها، بخلاف استحقاق غير ذلك منها مما تراعى كثرته من قلته. وكذلك ذكره (¬8) انكسار الجفن (¬9) (على قلته في جانب السيف؛ لأنه صون للنصل ولا يستغني عنه، ولأنه إذا انكسر لا يمكن رد حليته على غيره إلا بتغيرها (¬10) أو نفقة (¬11) في إصلاحها، أو يكون انكسار الحلية أو بعضها بانكسار الجفن) (¬12). وبعضهم يرويه: نصله وجفنه (¬13)، تحرزاً (¬14) من المسألة - ولا يحتاج/ [ز 214] إلى ذلك لما ذكرناه - وكذلك نقض حليته قد ¬
يكون نقصاً (¬1) لا يرجع إلا بمؤونة ونفقة، أو يكون نقص (¬2) فساد. وقد تأول بعضهم أن تقويته له (¬3) بهذه الأشياء اليسيرة في الظاهر خلاف لقوله: لا تفيته حوالة الأسواق. وقوله (¬4) في الكتاب في السيف: إذا كان ما فيه من الذهب والورق الثلث، ظاهره جواز تحليته بالذهب. ونحوه في "الموطأ" (¬5) في السيف والمصحف والخاتم، ومثله في كتاب محمد (¬6). وفي "المختصر" وفي "سماع" ابن القاسم (¬7) وعند ابن حبيب (¬8) ما ظاهره خلاف هذا أنه لا يجوز في حلية الرجال/ [خ 297] الذهب؛ لأنه قال: وما كان من حلي الرجال فيه الذهب والفضة جميعاً فلا يحل شراؤه بالذهب على حال وإن كان الذي فيه يسيراً جداً، لأن الذهب ليس من حلية الرجال، ولا بأس ببيع ذلك بالورق إن كان الذي فيه من الورق تبعاً. فحمله غير واحد من شيوخنا على الخلاف. وقال أبو عمران: ليس في الظواهر نص على خلاف ما قال ابن حبيب. قال القاضي: قد نص البغداديون من أئمتنا على جواز ذلك. وقد تأول كثير من الشيوخ (¬9) مسألة الخاتم الذي فيه الذهب أنه خاتم النساء. وتردد ¬
بعضهم في (¬1) إذا كان في خاتم الرجل الأقل ذهبا. ونص في "العتبية" (¬2) وغيرها منع (¬3) القليل من ذلك فيه والكثير. وحلي النساء كله حكمه حكم السيف إلا ما كان منظوماً فليس له هذا الحكم. وحكم (¬4) العروض والعين إذا اجتمعا في صفقة لا يجوز إلا أن يباع كل واحد منهما بانفراده بما يجوز أن يباع به أو يكون العين يسيراً جداً أو العرض كذلك فيباع، بخلاف ما هناك من عين أو بعرض آخر. ووقع في كتاب ابن حبيب أنه يجوز أن يباع ذلك بالورق نقداً، فتأولوه فيما فيه الذهب يسيراً أقل من الدينار أو الجوهر يسيرا كذلك. وكذلك قال ابن القاسم في حلية السيف إذ نقضت فلا تباع بفضة. وقوله (¬5): "تكون حليته الثلث فأدنى"، معظم شيوخنا أن هذا حد القليل والتبع. وما زاد عليه فليس بتبع وإن قل. قال الباجي (¬6): لم يختلف أصحابنا في النص على ذلك. وقال التونسي: إنه إن زاد على الثلث القليل لم يجز. وخرج الباجي (¬7) من جواز مسألة الشراء بنصف درهم ورد درهم صغير أن التبع النصف. قال: ومن أصحابنا العراقيين من يرى النصف في حيز القليل. ¬
وهل يكون المراعى في هذا الثلث قيمة الفضة مصوغة من قيمة الجميع أو وزنها من قيمة النصل والجفن؟ اختلف (¬1) شيوخنا في ذلك. وظاهر "الموطأ" (¬2) وكتاب محمد (¬3) مراعاة القيمة من الجميع. وجاء في "المدونة" (¬4): "وعلى البائع الثاني قيمة السيف من الذهب يوم قبضه"، ظاهره قيمة جميعه من فضة ونصل، خلاف ما وقع لسحنون هنا ولبعض الشيوخ في المسألة الأولى (¬5). وقول سحنون (¬6) في الذي نصله تبع لفضته إذا فات بالبيعة الثانية الصحيحة "هذا من الربا، وتنقض فيه البياعات كلها حتى يرد إلى ربه، إلا أن يتلف البتة ويذهب فيكون على مشتريه قيمة الجفن والنصل ووزن ما فيه من الفضة، لأن الفضة ليس فيها فوت. وكذلك إذا انقطع السيف أو انكسر الجفن فإنما عليه قيمة النصل والجفن ووزن الورق. وليس ما (¬7) قال ابن القاسم: إن عليه قيمته من الذهب". ثبتت (¬8) في بعض النسخ من الكتاب، وسقطت في أكثر الروايات (¬9). وعلى أنها من غير "المدونة" أدخلها ابن أبي زيد وابن أبي زمنين وأكثر المختصرين (¬10) والشارحين. ¬
وقول سحنون هذا على أصله في البيوع المجتمع على تحريمها أن البياعات تنقض فيها أبداً وترد إلى ربه، وله أن يجيز أي بيعة شاء من الصحيح وأنه لا يفيته بيد مشتريه شيء/ [ز 215] وضمانه من بائعه. وإن هلك بيد مشتريه ببينة فضمانه من البائع إلا أن يكون الهلاك من سببه أو بدعواه. وقد اعترض أبو محمد بن أبي زيد قول سحنون: وزن (¬1) الفضة وقال: كيف/ [خ 298] يردها وهي مصوغة (¬2) وقد يزاد في الثمن لها! وتأول اللخمي أن معنى قوله: ووزن الورِق أي مصوغاً. قال: وهذا على أحد قولي مالك في القضاء في المصوغ بالمثل. وحمله غيره على ظاهره وأنكر ما قال، وأنه ليس أصلهم. وذكر في الكتاب (¬3) بعد هذا مسألة الحلي يكون فيه الذهب والفضة، وأحدهما ثلث والآخر ثلثان: إنه لا يباع بشيء مما فيهما (¬4)، ولكن بالعرض. وعند أشهب (¬5) وعلي: يباع بأقلهما، ورواه علي عن مالك (¬6). وقد حكاها ابن القاسم عنه في "المستخرجة" (¬7) وكتاب محمد (¬8) وقال: رجع مالك فقال: لا يباع بذهب ولا ورق على حاله (¬9). ظاهر مسألة الكتاب أن جميعه ذهب وفضة، وعليه تأولها فضل، ولو ¬
كان فيه لؤلؤ وحجارة مركب ومشبك بهما. ففي كتاب ابن حبيب (¬1): إن كانا جميعاً تبعاً للحجارة بيع باحدهما نقداً. قال القاضي: ومثال ذلك أن تكون قيمة اللؤلؤ والحجارة مائة وفيه من الذهب والفضة خمسون، اتفقا أو تفاضلا؛ لأنك متى أفردت أحد (¬2) العينين كانت أقل من الثلث، فإذا اجتمعتا كانتا ثلثا. فكل واحد من العينين تبع لصاحبه وللجوهر الذي معه، كذا فسرها فضل. قال ابن حبيب: وإن كانا جميعاً أكثر من التبع فلا يحل بيعه بواحد منهما؛ مثال (¬3) أن يكون ما فيهما من الذهب والفضة تسعون أو ثمانون (¬4) ومن الحجارة ما قيمته مائة. فإن كان أحدهما تبعاً والآخر أكثر من التبع فلا بأس ببيعه بالتبع ولا يباع بالأكثر. ومثاله أن تكون قيمة الجوهر مائة كما قلنا والذهب سبعون (¬5) والفضة عشرة، فإن سبعين (¬6) أكثر من جملة المائة (¬7) التي هي مائة وثمانون. أو يكون الذهب مائة والجوهر خمسين والفضة خمسين. قال فضل: وروايته (¬8) هنا على رواية أشهب، فأما ابن القاسم فإنما ¬
أجاز أن يباع بالتبع فدون إذا كان أحدهما (¬1) مع الجوهر فقط. حتى إذا كانا جميعاً مع الجوهر لم يجز أن يباع بواحد منهما وإن كانا جميعاً تبعاً للجوهر الذي معهما. وهذا على القول الذي رجع إليه مالك. وعلى ما في كتاب ابن حبيب هو (¬2) الذي حكاه ابن القاسم في "المستخرجة". قال القاضي: وكان يجب على رواية ابن القاسم وغيره إذا كان مع العينين (¬3) لؤلؤ أو حجارة وكانا تبعاً أن يباع بأقلهما أو بأكثرهما. ولا مانع من ذلك لأنه إذا جاز عنده إذا كان وحده أن يبيعه بذلك (¬4) العين التي هي تبع أو إذا كان غير تبع أن يبيعه بخلافه، فما يمنع من بيعه بما شاء منهما إذا كانا تبعاً؟ وإنما كلام ابن القاسم في الحلي من الذهب والفضة خالصاً دون حجارة كما قدمناه ويدل على ذلك جوازه مقاسمة الحلي في كتاب القسمة إذا كان فيه من اللؤلؤ والجوهر (¬5) الثلثان ومن الذهب والفضة الثلث فأدنى. وكذلك السيوف المحلاة وإمضاؤه قسمتها على القيمة. وما وقع في كتاب محمد من هذا واختلاف قول مالك وما ذكر فضل معناه عندي فيما كثر من ذلك ولم يكن تبعاً. وقوله (¬6) في الذي يصرف عند الصراف ديناراً بعشرين درهماً ثم يشتري سلعة من رجل فيحيله عليه، ومثلها بالذي اقتضى من صرفه/ [خ 299] عشرة ثم قال لصاحبه (¬7): ادفع العشرة الباقية إلى هذا: "قال مالك: لا يعجبني حتى يقبضها هو منه ثم يدفعها إلى من أحب، وهذا مثل ذلك". قال ¬
سحنون (¬1): لو لم يفترقا لم يكن بذلك بأس، يعني المتصارفين، وقاله أشهب (¬2). وهذا معنى مسألتي الكتاب (¬3). ألا ترى قوله: "ألا ترى أنهما افترقا قبل قبضها؟ ". وكذا هو مفسر في كتاب محمد (¬4)؛ قال: إلا أن يقبضها مكانه قبل افتراق الثلاثة. وقال في "المبسوط": إذا باع السيف المحلى بفضة فلم ينقد حتى/ [ز 216] باعه من آخر ثم نقد في المجلس، أن البيع ماض. فلم ير العقد بين (¬5) الصرف والقبض تفرقاً. وحكى (¬6) شيخنا القاضي أبو الوليد أن قول سحنون (¬7) خلاف، وأنه لا يجوز في الإحالة وإن كانا حاضرين. وهذا على الخلاف في التأخير اليسير في الصرف. وفي كتاب محمد (¬8) جوازه. وفي "المدونة" ما يدل على القولين. ومسألة إذا استقرض (¬9) أحدهما الدينار من ذلك، وكذلك مسألة (¬10) الذي صرف ووكل من يقبض وقام وذهب، فهذا يدل أنه إنما منع ذلك لأجل الافتراق. ومسألة (¬11) الصيرفي يمسك الدينار ليقاص به الآخر من دين له عليه، ¬
قال (¬1): "إذا تناكرا رأيت ألا يجوز ويدفع إليه ديناره صرف دراهمه ثم يتبعه بدينار". اعترضها سحنون وقال، جوابه فيها على غير أصل، ولها نظائر تكسرها. ويجب أن يكون الدينار معقولاً. ووقع لأشهب في كتاب محمد (¬2): للصيرفي حبسه أحب الآخر أو كره. وحمله بعض الشيوخ على الوفاق. قال بعضهم: معنى تناكرا أي أنكر أن يكون له عنده شيء. والأظهر ما قاله غيره أن التناكر في تسليم المقاصة؛ قالوا: لأن الاختلاف والمناكرة توجب المطاولة وتراخي القبض وذلك يبطل الصرف، فأمرا بإنجازه ثم يطلب من له حق حقه. ولو كان عقدهما الصرف على شرط ألا يقاصه كان في ذلك ثلاثة أقوال: إبطال الشرط وجواز العقد. وصحتهما. وفسادهما. على أصل الخلاف في بيع وشرط. وقد اختلفوا في هذة المسألة بالأقوال (¬3) الثلاثة في كتاب محمد (¬4). ومسألة (¬5) من أسلفني دراهم فاشتريت بها منه مكاني حنطة أو ثياباً: إن كان (¬6) السلف إلى أجل ذلك على النقد، وإن كان حالاً جاز [ذلك] (¬7) يداً بيد. وفي الأصل: أو إلى أجل (¬8). وهذا الحرف موقوف في كتاب ابن عتاب. وقال أبو محمد: يريد إلى أجل كآجال السلم. وقال سحنون: هو حرف سوء، وأمر بطرحه. قال ابن وضاح: هو لأشهب. قال ¬
بعض شيوخنا: ومن قول أشهب أدخله سحنون. وهو يجيز ذلك، وليس لمالك. قال فضل: قرأه لنا يحيى، وما أرى سحنون طرحه إلا لأنه يرد عليه سلفه وأسلم عيناً عليه في ذمته في طعام إلى أجل. وهذا الدين بالدين. وبهذا علل مالك المسألة ومنعها في "المبسوطة". وقيل: إنما الاختلاف في إثبات هذه اللفظة وطرحها على الخلاف في العارية الحالة؛ هل توجب تأخير (¬1) مقدار الانتفاع بها أم لا توجبه؟ وكذلك السلف الحال. والذي يدل عليه قوله هنا أن السلف إذا وقع مطلقاً أنه يتضمن التأجيل، وأن صاحبه إذا قام مكانه يطلبه/ [خ 300] لم يكن ذلك له، وضرب له من الأجل ما يرى أنه أدار المسلف منفعته به. وعليه يدل منعه أن يصارفه بدراهم أسلفها له مكانه بدينار وقوله: آل أمرك أن رددت إليه دراهمه وأخذت منه ديناراً في دراهم إلى أجل، فقد جعل لها أجلاً (¬2). وقوله (¬3) في القائل للذي (¬4) عليه الدين: بع هذه العروض واستوف حقك منها: "لا بأس به". اعترضها سحنون وقال: أخاف أن يسلمها لنفسه فيكون ربها مخيراً، فقد فسخ دينه فيما لا يتعجل. ولا أدري رضي بذلك أم لا. وقوله (¬5): "إلا أن يكون مثل صنف عرضه في صفته وجودته وعدده أو أقل أو أدنى". قال بعض الشيوخ: هذا ترك لقوله أول السلم: إن العرض بمثله إلى أجل على وجه البيع لا يجوز (¬6). ¬
قال القاضي: هذا غير بين، لأن هذين لم يقصدا وجه البيع ولا تبايعا عرضاً بعرض، وإنما اتهما أن يمسك الآخر العرض لنفسه. وهو إنما قبضه ليبيعه، فليس ينزل منزلة ما قصد. وقوله (¬1) في القائل لمن له عليه طعام من شراء: "بعه لي وجئني بالثمن" وذكر المسألة وقال (¬2): "إن جاءك بأكثر من دنانيرك أو أقل كان رباً وبيع الطعام قبل استيفائه"، فوجه الربا إنما/ [ز 217] هو في دفع الأكثر، فتجتمع العلتين (¬3). ولم يذكر إن جاءه بمثل رأس المال سواء، فعند أشهب يجوز ذلك. قال فضل: ويجب على أصل ابن القاسم أنه لا يجوز لتأخير قبض رأس مال (¬4) السلم عند الإقالة. وقوله (¬5): "أرايت عبداً لي صيرفياً، أيجوز لي أن أصارفه؟ قال: نعم، عبدك وغير عبدك (¬6) سواء". كذا عندي، وعليه اختصره كثير من المختصرين. وكذا جاء في "المبسوط" و"الأسدية". ولهذا قال ابن أبي زمنين في "اختصاره": إذا كان مسلماً. وفي بعض النسخ "نصرانياً"، مكان "صيرفياً". وعلى هذا اختصره أكثرهم (¬7). وفي بعض المختصرات: (صيرفياً نصرانياً) (¬8). ظاهره إنما سأله من أجل عملهم بالربا واستحلالهم له بدليل قوله ¬
بعد (¬1): "وكره مالك أن يكون النصارى صيارفة في أسواق المسلمين لعملهم بالربا". وهذا يدل أن الرواية الصحيحة: نصرانياً. وبعضهم تأولها على مصارفته إياه بالربا فمنعه. ولهذا قال: إنه كغيره من الناس، وإن الربا بينه وبين عبده لا يجوز. (وهذه تصحح رواية إسقاط "نصراني". وابن وهب (¬2) يجيز الربا بين السيد وعبده) (¬3). وهو على الاختلاف: هل معاملته معاوضة صحيحة أو هو انتزاع؟ وعلى الاختلاف: هل العبد مالك حقيقة أم لا؟ وعلى هذا تنبني مسائل كثيرة من المذهب. وقيل: معنى المسألة أن العبد النصراني كان يتجر بمال نفسه؛ إذ لا يجوز لسيده أن يأذن له في التجارة بماله. وقيل: يحتمل أنه أراد إذا وقعت المسأله ونزلت معاملته معه مضت، وأنه كغيره من النصارى. واختصره بعضهم: عبدك وعبد غيرك من الناس سواء. ويحتمل أنه وإن تجر بمال سيده فإنما يكون ذلك بمحضر سيده فتجوز له معاملته. قيل: وإنما تجوز مصارفته من عبده النصراني أو غيره بغير السكة التي فيها اسم الله لكراهة مسهم لها ودفعها إليهم. وقوله (¬4) في الذي يشتري بنصف درهم طعاماً ونصفه فضة نقداً: إنه يجوز، ولم يجزه في الثلثين، فرأى النصف هنا غير كثير. وكذلك إذا أخذ بنصفه فلوساً وبنصفه فضة؛ قال (¬5): "وهذا بمنزلة العرض". وخفف أشهب في الأكثر (¬6). وأجاز في كتاب محمد (¬7) أن يأخذ بكسر الدرهم سلعة ويأخذ ¬
بباقيه دراهم صغاراً، ومنع ذلك في نصفه فلوساً ونصفه فضة/ [خ 301]. ورواه يحيى عن مالك. ووافقه عليه ابن القاسم في كتاب محمد (¬1). ومثله في "العتبية" (¬2) إذا أخذ بنصفه لحماً ونصفه درهماً صغيراً؛ قال مالك: وكنا نكرهه ويخالفنا فيه أهل العراق. قال عنه أشهب: وكان مالك يكرهه في القليل والكثير، وكنا نكرهه ثم خففناه، ونحن نجيزه الآن لأن الناس لا يطلبون فيه صرفاً. ومنعه أشهب (¬3) أيضاً في بلد فيه الفلوس، وأجازه (¬4) ببلد فيه الدراهم الصغار خلاف (¬5)، ولا فرق بينهما. قال بعض الشيوخ: ولو كان الغالب على البلد المعاملة بالخراريب والدراهم الصغار لم يجز، كما لو كانت سكتهم مكسورة مجموعة ومقطوعة لم يجز الرد بوجه في قليل ولا كثير، إذ لا ضرورة لذلك. ولا يختلفون في هذا كما لا يختلفون أن ما جاز من ذلك في المعاملات لا يجوز في القرض (¬6) وغير البيع، إذ لا ضرورة فيه. وجاء في رواية عيسى أنه يجوز في الاقتضاء من درهم (¬7) البيع كما يجوز في أصله (¬8)، ولا يجوز في الاقتضاء من القرض كما لا يجوز في أصله. ¬
قال بعضهم: ولو كان الذي يرجع إليه فضة غير مسكوكة لم يجز. قال ابن أبي زمنين: وهذا إنما هو في الدرهم الواحد ولو كثرت لم يجز (¬1). ومسألة (¬2) الذي استودع دنانير رجلاً فصرفها بدراهم، قال: ليس له إجازة ذلك وإنما له مثل دنانيره. قال ابن أبي زمنين: معناه: صرفها لنفسه، ولو صرفها لربها لكان له أن يجيز. وفي كتاب محمد عكسه أنه إذا صرفها لنفسه (¬3) لم يكن لربها الرضا بها (¬4)؛ لأنه صرف فيه خيار، ولو لم يصرفها لربها ورضي بإسلامها لربها جاز، يريد ورضي ربها (¬5)؛ لأنه صرف مبتدأ (¬6). قال أبو عمران: سواء عندي صرفها لنفسه/ [ز 218] أو لربها، وليس (¬7) له إلا مثل دنانيره. وهذا على الاختلاف في الخيار في الصرف. ومذهب "المدونة" وغيرها منعه. وفي كتاب محمد ما يشعر بالخلاف فيه. وهو نص في "الزاهي" (¬8). وفي "المدونة" الاختلاف فيما يؤول من الصرف إلى الخيار مما لم يعقد عليه المتصارفان الخيار كقضاء الكفيل دراهم عن دنانير. وقد قال في السلم الثاني في الذي دفعت إليه دنانير ليسلمها في طعام فصرفها بدراهم لغير نظر ثم اشترى طعاماً وقبضه: إن لرب الدنانير أن ياخذ الطعام؛ ففيه إجازة ما فعله ¬
من الصرف. وكذلك في مسألة (¬1) الذي أمره أن يبيع له سلعة أو طعاماً فباعها بطعام أو غيره فله إجازته. وفي تأويل هذه تنازع مذكور في السلم. وقال في مستودع الحنطة (¬2) يشترى بها لربها تمراً: له أن يجيز ما صنع ويأخذ الثمن (¬3). وقال في آخر المسألة (¬4): "لأنه لما تعدى على الحنطة ضمنها". قالوا: فرق بين هذا وبين الدنانير أن المبتاع بالدنانير ابتاع على ذمته، فلا يسقط استحقاقها ما لزم ذمته فلم يكن له أخذ العوض (¬5)، وأما الطعام فمشترى لعينه، فإذا استحق انتقض البيع، وإذا أخذ عرضه (¬6) انتقض البيع. وأشهب لا يجيز لربه الرضا بالطعام إذا باعه المودع لربه؛ لأنه طعام بطعام فيه خيار. قالوا: وهذا إذا أضمر ذلك في المسألتين، ولو صرح بذلك لمن صرف منه أو بايعه لفسخ البيع على كل حال. وقد عارض بعضهم إجازته هذه المسألة بمسألة مستحق الخلخالين إذ لم يجز إجازة (¬7) الصرف فيهما لربهما إلا بحضورهما، فيكون كالصرف المبتدأ. وقول سحنون (¬8) في مسألة الخلخالين كقوله (¬9) هنا في الطعام؛ إن أجازه مستحقها (¬10) جاز. قال: ومسألة الطعام خير منها. ¬
وفرق بعض المشايخ/ [خ 302] بينهما بما تقدم من ضمان الطعام بتعديه، وإنما أخر عن (¬1) ذمته تمراً. والخلخالان لم يضمنا (¬2) لحضورهما، وبائعهما غير متعد. وقال أبو عمران: يمكن أن يكون بائع الخلخالين أودع الثمن حتى جاءه المستحق فأجاز البيع وأخذ الثمن، أو مشتريهما أودع الخلخالين فأجاز المستحق البيع فلذلك جاز. ويكون تمادي يد المودع (¬3) عنده قبضا لهما بعد إجازة البيع وأخذ الثمن، ولا يحتاج فيه إلى تجديد قبول المشتري؛ إذ يد المودع كيده، وهو في نفسه متماد على الشراء فأغنى ذلك عن تجديد القبول. ولو كان ذلك فيما يوزن احتاج إلى تجديد الوزن (¬4). ومسألة (¬5) ثوب بدينار إلا درهماً، وقوله: "قلت: فإن كانت السلعة والدرهم نقداً والدينار إلى أجل؟ قال: لا يصلح. قلت: لم؟ قال: لأنه يدخله ذهب بفضة إلى أجل". ثبتت في نسخ. وسقطت من نسخ (¬6). وثبت (¬7) عندي لغير ابن وضاح. وسقطت عنده. وقول أشهب (¬8): يجوز إذا تقدم الدينار والدرهم كذلك يقول إذا تأخرا أو اختلفا (¬9) جميع الوجوه جائزة عنده. كذا وقع له في "المستخرجة" (¬10). ¬
وهي رواية ابن وهب (¬1) وابن عبد الحكم (¬2) عن مالك. وقول ربيعة (¬3) في الرجل يشتري الثوب بدينار إلا درهمين (¬4) أو ثلاثة إلى آخر المسألة. طرح ابن وضاح: (أو ثلاثة) (¬5) في كتاب ابن سهل. وثبت في سائر الأصول. وقوله (¬6): "إن فيه لمغامزكم من الصرف". كذا لابن وضاح. وعند غيره: لما غمزكم (¬7). وقوله (¬8): "فدفع الدينار وأخذ الثوب ولم يجد عنده درهماً. قال: هو أمثل أن يأخذ الدرهم مع الدينار". كذا لابن عيسى، وكذا لابن وضاح. والذي عندي في الأصل: هو أمثل من أن يأخذ (¬9). وسقوط "من" الصواب. وقول يحيى بن سعيد (¬10): "أشبه لعمل (¬11) الصالحين ألا يفارقه حتى ¬
يأخذ الدرهم ولا يكون في شيء نظرة". هذا مثل قول محمد بن عبد الحكم (¬1). وقول سحنون (¬2): "ابن وهب عن طلحة بن أبي سعيد (¬3). والليث عن صخر بن أبي غَليظ" (¬4). كذا هو بفتح الغين المعجمة وآخره ظاء معجمة. وفي حاشية كتاب ابن سهل: عن الليث عن طلحة بن أبي غليظ (¬5). وكذا رواية ابن وضاح (¬6). وكذا قُيد على (¬7) أبي ميمونة - دراس بن إسماعيل - / [ز 219] هنا. قال أحمد بن خالد: هذا غلط، وهو في "موطأ" ابن وهب عنهما معاً عن صخر، ويدل عليه قوله: حدثهما. ولكن في تلك النسخ: حدثه (¬8). وقوله (¬9): "ابن الدراوردي عن ربيعة وغيره: لا يكون بيع وصرف وبيع (¬10)، ولا شركة وبيع". سقط قوله: ولا شركة وبيع. عند ابن وضاح وابن باز (¬11). ¬
وقوله (¬1): "ولا وَأْي"، بإسكان الهمزة، أي وعد. والعِينة (¬2) - بكسر العين - قد فسرها في "المدونة"؛ وهو أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن. أو يشتريها بحضرته من أجنبي ثم يبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها به إلى أجل، ثم يبيعها هذا المشتري الآخر من البائع الأول نقدا بأقل مما اشتراها به. وخفف هذا الوجه بعضهم ورآه أخف من الأول. وسميت عينة لحصول العين - وهو النقد - لبائعها. وهو قد باعها بتأخير. والعينة على وجوه أربعة: حرام وربا صراح. ومكروه. وجائز. ومختلف فيه: فالأول الذي هو ربا صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة التي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل/ [خ 303] ثم على ثمنها الذي يشتريها به منه بعد ذلك نقداً. أو يراوضه على ربح السلعة التي يشتريها له من غيره فيقول: أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا، أو للعشرة كذا. قال ابن حبيب: فهذا حرام. قال: وكذلك لو قال له: اشترها لي وأنا أربحك وإن لم يسم ثمناً؛ قال: وذلك كله رباً. ويفسخ هذا، وليس فيه إلا رأس المال (¬3). والثاني المكروه مثل الذي يقول له: اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح، أو لا يصرح بذلك ولكن يعرض به. ¬
قال ابن حبيب (¬1): فهذا يكره؛ فإن وقع مضى. وكذا قال ابن نافع عن مالك؛ قال مالك: ولا أبلغ به الفسخ. قال فضل بن (¬2) سلمة: وهذا على قول ابن القاسم. ويجب أن يفسخ شراء الآمر. وكذلك كرهوا أن يقول له: لا يحل لي أن أعطيك ثمانين في مائة ولكن هذه سلعة قيمتها ثمانون خذها بمائة. والثالث الجائز، وهو لمن لم يتواعد على شيء ولا يراوض (¬3) مع المشتري فيه كالرجل يقول للرجل: عندك سلعة كذا؟ فيقول: لا، فينقلب عنه على غير مواعدة فيشتريها التاجر ثم يلقى صاحبه فيقول: تلك السلعة عندي. فهذا له جائز أن يبيعها منه بما شاء من نقد وكالئ. ونحوه لمطرف عن مالك. قال ابن حبيب: ما لم يكن عن مواعدة أو تعريض أوعادة. قال: وكذلك ما اشتراه الرجل لنفسه يعده لمن يشتريه منه بنقد أو كالئ، ولا يواعد في ذلك أحداً ليشتريه منه ولا يبيعه (¬4) له. وكذلك الرجل يشتري السلعة لنفسه وحاجته، ثم يبدو له فيبيعها، أو يبيع دار سكناه ثم تشق عليه النقلة منها فيشتريها، أو الجارية ثم تتبعها نفسه، فهؤلاء ما استقالوا أو زادوا فيه فلا بأس به. قاله مطرف عن مالك. وذكر ابن مزين: لو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعة يقبضها فلا خير فيه، ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا؟ فيلتحق هذا الوجه بهذه (¬5) الصورة على قوله بالمكروه (¬6). ¬
الوجه الرابع (¬1) المختلف فيه: ما اشتري ليباع بثمن بعضه مؤجل وبعضه معجل. فظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه. وفي "العتبية" (¬2) كراهته لأهل العينة. قال ابن حبيب: إذا اشترى طعاماً أو غيره على أن ينقد بعض ثمنه ويؤخر بعضه إلى أجل؛ فإن كان اشتراه ليبيعه كله لحاجته لثمنه فلا خير فيه (¬3). وكأنه إذا باعه بعشرة نقداً وعشرة إلى أجل قال له: خذه فبع منه ما تريد أن تنقدني، وما بقي فهو لك ببقية الثمن إلى الأجل. وإنما يعمل بهذا أهل العينة، وهو قول مالك فروجع فيها غير مرة فقال: أنا قلته، قاله ربيعة وغيره قبلي (¬4). قال ابن لبابة: وغيره هنا ابن هرمز (¬5). وذكر ابن عبدوس نحوه من رواية ابن وهب وابن نافع عن مالك. ونزل ابن لبابة ما جاء في ذلك من الجواز والمنع على التفريق بين أهل العينة/ [ز 220] وغيرهم؛ فيجوز في غير أهل العينة ويمنع في حقهم. ويحيى بن أبي أُسَيد (¬6) بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء، كذا رويناه هنا. وفي كتاب ابن سهل: بفتح الهمزة والكسر قرأه ابن وضاح. وكذا وجدته مقيداً بخط شيخنا القاضي الشهيد في أصله من "تاريخ البخاري" (¬7). والأول الصواب على ما رويناه في "المدونة". وكذا قيده أئمة الحديث وأصحاب علم الرجال والضبط (¬8). وكذا وجدته مقيداً أيضاً بخط القاضي الشهيد في كتاب آخر. ¬
وكذا/ [خ 304] رويناه [عنه] (¬1) في كتاب عبد الغني الحافظ (¬2). وهو مصري مولى الزبير بن العوام، يكنى بأبي مالك، وقد حدث عن ابن عمر (¬3). وأبو البَلاط (¬4)، بفتح الباء وتخفيف اللام (¬5). وقول ابن عمر (¬6) له في مسألته: إنا نشتري السلع (¬7) فنعطي الدراهم فترد إلينا من تلك الصغار: "لا تصلح". قال (¬8): هي تبين مسألة الكتاب أنما أجاز الرد في كسر الدرهم الواحد للضرورة، وأما إذا كثرت الدراهم فلا يجوز الرد في كسورها. ومعنى مسألة أبي البلاط عندهم هذا في كثرة الدراهم لا في الدرهم الواحد. وإلى هذا التأويل ذهب ابن أبي زمنين (¬9) من الأندلسيين (¬10) وأبو محمد اللوبي من القرويين ومن شايعهم من الفريقين. وقال أبو القاسم بن الكاتب: إن علة مسألة أبي البلاط كون الدراهم الصغار مجهولة الوزن، واستدل بقوله (¬11): "لو وزنت كانت سواء". ¬
وقال غيرهم (¬1): بل كانت العقود تقع بدراهمهم الصغار، ثم يدفعون كبارا إذا كانت عند المشترى بعددها، ويرد فضل وزنها من الفضة. وقول يونس (¬2) بن يزيد لربيعة: "ما صفة البيعتين اللتين لا يجيزهما (¬3) الصفقة الواحدة. كذا عند ابن عيسى وهو أبين. وسقط عند ابن عتاب لفظة "لا"، وكتب عليه: معنى يجيزهما (¬4) نجمعهما (¬5). فعلى هذا يخرج وجه لإسقاط (¬6) "لا". ووجدت هذا التفسير لسحنون في بعض حواشي الكتب (¬7). وقوله (¬8) في آخر مسألة الورثة يتزايدون في الحلي إن تلف بقية المال: "أليس يرجع عليهم فيما صار عليهم يقتسمونه؟ "، يريد أن شراءه وكتبه على نفسه - وإن ظن أنه بقدر ميراثه - لا يبيح له ترك النقد في المجلس؛ إذ قد يتلف المال فيرجع عليهم ويرجعون عليه، ويتناقدون ما فضل به بعضهم بعضا. فآل أمرهم إلى تأخير الصرف. وقد يكون قوله: عليهم بمعنى لهم، كما يجيء لهم بمعنى عليهم. وقد يكون معنى ذلك فيما كتبوه هم عليهم كما كتب هو على نفسه. والجُرْز (¬9) المموه، بضم الجيم وسكون الراء وآخره زاي: ضرب من ¬
السلاح مثل العمود والدبوس وشبهه (من السلاح) (¬1). وغلط من قال: إنه إناء. ومعنى المُمَوه: المَغْري المَطْلي. وذكره (¬2) بيع القدح والسكين وما عدا السيف (¬3) والمصحف والخاتم، وبعد هذا ذكر الإبريق من الفضة (¬4)، وبعده ذكر الآنية، وتكلم عن (¬5) استحقاق أثمان ذلك وفي العيب به، ونص في باب استحقاق الدراهم على كراهتها وإن كان ما فيها تبعاً، قال: ولا أرى أن تشترى. وقد كررها (¬6) في السلم الثاني. وهناك الكلام عليها. وقوله هنا (¬7): لا تباع بفضة، ظاهره أن تباع بالذهب. ونحوه في كتاب ابن حبيب (¬8). وجوزوها (¬9) بالعرض. وإنما منع بيعها بما فيها، لكن قوله في باب الاستحقاق: "لا أرى أن تشترى" يرفع الإشكال. والأصل فيما لا يجوز اتخاذه من ذلك أنه لا يباع بما فيه ولا بغيره من العين لجمعه البيع والصرف لغير ضرورة، إلا أن يكون ما فيه من العين أقل من الدينار أو من العرض كذلك، على ما تقرر في أصل مسألة جمع البيع والصرف. ¬
وقوله (¬1): وكيع عن محمد بن الشغيثي (¬2)، كذا لابن وضاح عند ابن عتاب، بفتح الشين المعجمة وكسر الغين المعجمة بعدها، وبعدها ياء باثنتين تحتها، ثم تاء مثلثة. وعند إبراهيم بن محمد في/ [خ 305] هذا النسب: السَبِيعي، بفتح السين المهملة وبعدها باء بواحدة مكسورة، وهو خطأ. والصواب الأول/ [ز 221]، لكن صوابه بضم الشين وفتح الغين (¬3). وكذا كان عند ابن عيسى لابن وضاح (¬4). وهو محمد بن عبد الله بن مهاجر الشغيثي. كذا ذكره البخاري في "تاريخه" (¬5) وقيده الحفاظ. وشغيث قبيلة من بني العنبر بن تميم (¬6)، وأما السبيعيون ففي همدان. وقوله (¬7) في حديث نافع عن ابن عمر في الذي تقاضاه فقال: "يا نافع، اذهب فصرف له، أو أعطه بصرف الناس، قلت: أرأيت إن أراد أن يأخذها مني؟ " قائل هذا نافع لابن عمر. وكذا جاء في بعض النسخ مبيناً. قال نافع: أرأيت؟ (¬8). ¬
وبُسر بن سعيد (¬1)، بضم الباء وبالسين المهملة. وقوله (¬2) في الذي صرف ديناراً بدراهم فوجدها نُقصا فرضيها: لا بأس به. معنى النقص هنا في وزن آحادها وقبضها (¬3) عددا أو قبضها عدا (¬4). ولو كان النقص من الكيل لكان كنقصان العدد، وقد قال بعد هذا: إن تأخر من العدد درهم فرضي أن يأخذها لم يجز، لأن الصفقة وقعت على ما لا خير فيه. وتلك الدراهم النقص المذكورة هي بمعنى الزُلُل التي ذكر أشهب في الكتاب (¬5). وهي بضم الزاي واللام وتخفيفها. ورواها بعضهم مشددة اللام، وهو خطأ. والعُتَّق (¬6)، بتشديد التاء وفتحها، كذا الرواية. والصواب العُتُق، بضم التاء وتخفيفها، مثل لفظة الزلل. ومعناه القديمة. وقوله في بدَل ستة دنانير بستة دنانير. أصلحها سحنون: ثلاثة، على ما تقدم قبل هذا في "الأم" أنه (¬7) يجوز ذلك في الدينارين والثلاث (¬8). وعلى مقتضى كتاب محمد (¬9) يجوز في الدينارين ولا يجوز في العشرة. قد يتعلق به في تصحيح رواية: ستة. ¬
وقوله (¬1): "لا يجوز أن يأخذ قبل الأجل سمراء من محمولة (¬2) وإن كانت سلفاً. أشهب: وقد قال: إنه جائز". كذا عند ابن عتاب، وظاهره أن الخلاف لمالك. وعند ابن المرابط (¬3): "وقال أشهب: إنه جائز". وفي نسخ: وقد قال عبد الرحمن. وعليه اختصر المختصرون (¬4). ولم يلتفت هنا إلا لعلة حط الضمان، فلما لم يكن في القرض أجاز ذلك فيه. وفي القول الأول التفت إلى علة الطعام بالطعام نسيئة (¬5). وقوله (¬6): "في الذي أسلف عشرة دنانير تنقص سدساً أو ربعاً من كل دينار فأعطاه عشرة قائمة: لا بأس به". أخذ هنا من الكتاب جواز اقتضاء القائمة (¬7) من الفرادى (¬8) كما نصوا عليه. وهو مما لا يختلف في اقتضاء ¬
أحدهما (¬1) من الاخرى (¬2)؛ لأن الفضل من جهة واحدة. وقال (¬3) في اقتضاء المجموعة (¬4) من القائمة: لا يجوز. كذا في الأصول. وعليها تكلم الشيوخ وفرقوا بين اقتضاء المجموعة عنها في المنع واقتضائها هي عن المجموعة في الجواز (¬5). وقال بعضهم: لا فرق بين الوجهين؛ فإما الجواز فيهما أو المنع. وإليه نحا اللخمي (¬6). وإلى المنع فيهما نحا ابن لبابة. وفي بعض النسخ في هذا الموضع "فرادى"، مكان "قائمة". وكذلك في أصل كتابي. واذا كان كذا جاء الكلام في الفرادى أنها لا تقتضى من المجموعة. وهذا ما لا يختلف فيه أنه لا تقتضى أحدهما (¬7) من (¬8) الأخرى لفضل وزن هذه وفضل عيون هذه. ¬
وقوله في صفة القائمة: الميالة، أي الراجحة في الوزن. وقوله: "ولا يباع القمح وزنا بوزن". يؤخذ منه أحد القولين أنه لا يباع بالدقيق كذلك، خلافاً لما حكاه البغداديون (¬1) من جوازه بالوزن/ [خ 306]. وفي "السليمانية" مثله. ومعنى (¬2) ما ذكر من الكيل في كتاب الصرف وزن الدراهم قبله (¬3) بالصنجة. وكِفة (¬4) الميزان بالكسر، وكذلك كل مستدير، وكذلك كُفة الحابل وهو الصائد (¬5) وكُفة الثوب (¬6)، بالضم، وكذلك كل مستطيل (¬7). وكفة كل شيء حرفه، لأنه يكف عن الزيادة فيه (¬8). وطُلَيب بن كامل (¬9)، بضم الطاء المهملة وآخره باء بواحدة، واسمه عبد الله، مصري من أهل إسكندرية من كبراء أصحاب مالك. وقيل: أصله من الأندلس (¬10). ¬
والدينار البارُّ (¬1)، بتشديد الراء: الرديء، كذا الرواية وكذا يقولونه. وصوابه: البائر. وقد تأول بعضهم من كلامه في مسألة الدينار البار/ [ز 222] شرحاً لمسألة طليب، وهو قوله هنا: "مثل الدينار المصري والعتيق الهاشمي ينقص قيراطاً، فيأخذ به ديناراً دمشقياً قائماً أو باراً كوفياً (¬2) خبيثه (¬3) الذهب فلا يصلح، وهذه كلها هاشمية"، ثم قال آخر المسألة (¬4): "هذا تفسير ما فسر لي مالك". وقد علل لمنعه بقوله (¬5): "وإنما يرضي صاحب هذا القائم أن يعطيه بهذا الناقص لفضل ذهبه وجودته على دنانيره". وقيل: إنه محتمل لاختلاف القول من مالك، وأن هذا رجوع إلى مثل ما قاله ابن القاسم. وقد قال أبو عمران: إنه يحتمل أن ابن القاسم يجيزه إذا اختلفا في السكة والنفاق جميعاً ما لم يكن فضل في عيبه (¬6). ومالك لا يجيزهما مع اختلاف النفاق، ويجيزهما مع اختلاف السكتين إذا اتفق النفاق. ومسألة (¬7) اقتضاء المحمولة من السمراء أقل كيلا من جميع حقه، منعه ابن القاسم وأجازه أشهب، وكذلك الدقيق من القمح؛ قالوا: هذا في القرض، فأما البيع فيتفقان أنه لا يجوز، لأنه بيع الطعام قبل استيفائه ومتفاضلاً، وهو في آخر الكتاب (¬8) بين أنه من قرض أو تعدي (¬9). وكل ¬
ذلك بعد حلول الأجل. وما ألزم ابن القاسم أشهب (¬1) في اقتضاء الشعير من ذلك أقل كيلاً يلزمه، لأنه أدنى مع اختلاف الجنس الواحد كالمحمولة (¬2). وما ألزمه (¬3) من بدل إردب (¬4) بخمس ويبات (¬5) لا يلزم؛ لأنها زيادة في العدد كدينار بدينارين. ومسألة المراطلة، لم يشترط في الكتاب معرفة وزن الدنانير والدراهم ولا عدها (¬6). وقال القابسي (¬7) وغيره: لا بد من معرفة وزن إحداهما، يعني في بلد تجري فيه كيلاً، وإلا كان عندهم من بيع المسكوك جزافاً. وعلى هذا إذا كانت عددا فلا بد من معرفة عدد الدراهم من الجهتين أو الدنانير، بخلاف الوزن؛ لأن معرفة وزن أحدهما (¬8) معرفة وزن الأخرى (¬9) بخلاف العدد، إلا في مثل القائمة وشبهها المعلومة (¬10) اتفاق وزنها وعددها، فمعرفة ما في الكفة الواحدة منها معرفة ما في الأخرى من وزن أو عدد. وقال أبو عمران ومن وافقه: لا يلزم شيء من هذا مع حضور الكفتين في المراطلة لتحقق المماثلة. وكذلك جوز في الكتاب مراطلة المسكوك بالمصوغ دون شرط. وشرط القابسي فيها مماثلة الذهبين فقط. وشرط غيره مع ذلك مماثلة قيمة السكة والصياغة. ¬
وقول عمر بن الخطاب (¬1): "دعوا الربا والرِّيبَة"، أي ما يريب ويخشى أن يكون ربا. ومعنى قوله (¬2) في آية الربا: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفسرها لنا، أي لم ينص على جميع فروعها وإلا فقد بين أصولها وقرر/ [خ 307] (¬3) قواعدها وأكمل الله الدين قبل موته عليه السلام. وقوله (¬4): ومنها "أن تباع الثمار وهي مغْضَفة"، بالغين المعجة الساكنة وفتح الضاد المعجمة بعدها. كذا قيدناه هنا، وقيدناه في غير هذا الكتاب عن أبي الحسين الحافظ اللغوي بكسر الضاد، وهو الصواب. ومعنى ذلك مسترخية متدلية من شجرها. والأغضف المسترخي الأذنين من الكلاب وغيرها، ومن قاله بالظاء (¬5) أخطأ. ورأيت بعض المشايخ حكى أنه هنا روايته. وقال لي أبو الحسين: صوابه عندي بالصاد والعين المهملتين، أي لم تطب. قال القاضي رحمه الله: وما مضت به الرواية الصحيحة أولى. قال شمر (¬6): معناه قاربت الإدراك ولم تدرك. قال القاضي رحمه الله: وذلك عند (¬7) ظهورها وكبر حبها واسترخاء عراجينها بها، فنهى عن بيعها حينئذ حتى تحمر أو تصفر ويبدأ (¬8) طيبها. ¬
وقوله (¬1) في مسألة الذي وجد فضلاً عن (¬2) وزنه - واختلفت الصفة وهو أدنى -: "لا خير فيه؛ لأنه باع صفة أجود مما أخذ وبما أعطى"، في الكلام تلفيف (¬3)، ومعناه أنه باع الصفة التي كانت له، وهي/ [ز 223] أجود، بهذه التي أخذ وبالزيادة التي ازدادها للفضل، فهو بيع الطعام (¬4) متفاضلاً إن كان مما لا يجوز فيه التفاضل، وقبل (¬5) استيفائه. ومسألة (¬6) الأخذ من رجل كان أقرضه ديناراً سدسه دراهم: "لا بأس به، قال: وكذلك يجوز لي أن آخذ بنصفه أو بثلثيه. وكذلك إن أخذ بنصفه أو بثلثه عرضاً جاز أن يأخذ ببقيته دراهم"، فهذا يدل أن مذهب الكتاب في البيع والصرف في الدينار الواحد أنه يجوز أن يأخذ بأكثره دراهم كما نص عليه ابن حبيب، خلاف ما قاله محمد (¬7) أن ذلك إنما يكون الصرف في أقل الدينار. ولأنه إذا جاز في النصف كما نص عليه كان أجوز في غيره، لأنه إن كان الأقل الدراهم غلبنا البيع، وإن كان الأقل العرض غلبنا الصرف. وقول ربيعة (¬8) في الذي قطَّع ديناراً له على رجل دراهم بسعر اليوم يعطيه درهماً درهماً: "لا يصلح، عاد صرفاً وبيعاً في الدين عاجل بآجل". قيل: ما عجل الصرف وما أخر البيع، وهذا ليس ببين. ومعناه عندي أنه صرف عاد بالتأخير بيعاً وخرج عن حكم الصرف الناجز، فيكون معنى قوله ¬
في الدين: أي بالتأخير الذي دخله عاد بيعا، ألا تراه كيف قال (¬1): "فهو بمنزلة الربا في البيع". والدرهم السُّتُّوق (¬2)، بضم السين والتاء وتشديدهما، كذا ضبطته هنا. والصواب فتح السين، وهو مما تغلط فيه العامة (¬3)، وهو الرديء. والدانَق (¬4) والدانِق معاً - بالفتح والكسر - جزء من الدرهم (¬5). وقول أشهب (¬6): "لا بأس بالستوق بالدراهم الجياد وزنا، إن هذا يشبه البدل"، ظاهره إجازة المغشوش مع الجيد. وقد قدم أول كلامه أنه مردود لغش فيه. وإلى هذا أشار ابن محرز (¬7) وجوزه (¬8) في القليل والكثير. وذهب ابن الكاتب أن ذلك إنما يجوز في القليل؛ الدرهمين والثلاث (¬9) لقوله: كالبدل، فلا يجوز من ذلك إلا ما يجوز في البدل. واعترضوا على قوله وردوه؛ لأن البدل المراعى الجواز في قليله إنما هو في المعدود لا في ¬
الكفتين. وذهب أبو عمران (¬1) أن أشهب لا يجيزه مراطلة، وأن معنى قوله: إنه يجوز مراطلة لولا الغش (¬2)، قال: وفي المراطلة بها نظر. قال: ويحتمل أن يكون قول أشهب وفاقا لابن القاسم، ويحتمل أن يكون خلافاً (¬3). وقوله (¬4) في بائع الثوب بنصف دينار على أن يأخذ به دراهم نقداً: "إذا كان الصرف معروفاً فلا بأس به إذا اشترط كم الدراهم (¬5) من الدينار"، كذا عندنا وفي أكثر النسخ. وهو كلام مكرر؛ لأنهما إذا عرفا الصرف عرفا كم يقع لنصف الدينار، أو إذا اشترطا عدداً لم يحتاجا إلى معرفة الصرف. وفي بعض الروايات: أو اشترطا. وهذا لا تكرار فيه ولا إشكال، وقيل: إن "إذا" هنا بمعنى "إذ". وقال القابسي (¬6): معناه أن السكك في البلد مختلفة، وهذا إذاً صرف (¬7) غير معروف، فلا معنى إذن لذكره، وإنما ينتفع هنا بما اشترطاه. وقيل: لعل معناه أن صرف كل سكة معروف، لكنه يحتاج أن يشترط من أي سكة يأخذ. وهذا من معنى الذي قبله. ¬
كتاب السلم الأول
كتاب السَّلَم الأول (¬1) قال القاضي رحمه الله: سمي (¬2) ما قدم فيه رأس المال وأخر المشترى سَلَماً، لتسليمه دون عوضه في الحال. ومنه سمي (¬3) سلفاً أيضاً. والسلف ما تقدم، ومنه سلف الرجل: متقدم آبائه. وحكى الخطابي عن عمر - وفي رواية: عن ابن عمر - (¬4) أنه كان يكره أن يسمى السلف سلماً ويقول: هو الإسلام إلى الله، كأنه ضن (¬5) بالاسم أن يمتهن (¬6) في غير الطاعة (¬7). وقوله في الكتاب (¬8): "لا بأس بتسليم كبار الخيل في صغارها، وكذلك في الإبل والبقر"، كذا/ [ز 224] أجمله في الكتاب ولم ينص على كبير في صغير ولا صغير في كبير. وقال أيضاً: لا يجوز أن يسلم الرأس في رأس دونه. ¬
فظاهره أنه لا يجوز كبير في صغير ولا جيد في رديء حتى يختلف العدد. ونحوه في "العتبية" من رواية عيسى (¬1) وأصبغ (¬2) عن ابن القاسم. وإلى هذا ذهب بعضهم. وذهب بعض الشيوخ إلى أن مذهب الكتاب جواز سلم كبير في صغير وصغيرين، وسلم صغير في كبير وكبيرين. وهو المنصوص في كتاب ابن حبيب (¬3) وأحد القولين في كتاب محمد (¬4). وهو تأويل ابن لبابة (¬5) على "المدونة" وتأويل ابن محرز (¬6) وغيرهما. وقد وقع لابن القاسم في "العتبية" (¬7) جواز سلم العبد الكبير التاجر في العبد الصغير. ورأوا (¬8) أن الصغر والكبر بنفسه صنفان على مذهب الكتاب، لاختلاف الأغراض في ذلك والمنافع، ما عدا بني آدم والغنم؛ لأن المراد من الغنم اللبن واللحم، فلم تفترق في صفة زائدة إلا ما عرف من ذلك بغزر اللبن. وقال ابن القاسم في "تفسير" يحيى: وليس هذا في الضأن، وإنما هو في المعز المعروفة بغزر اللبن، ولأن المراد من بني آدم ¬
الخدمة إلا من فاق بتجارة من الذكور، أو بصناعة منهما أو الطبخ ونحوه/ [خ 269]، أو جمال فائق من الإناث، على ما بينه في غير الكتاب (¬1). ووقع في كتاب محمد (¬2) أيضاً أنه لا يجوز سلم كبير في صغير ولا صغير في كبير ولا كبيرين. ومثله في "العتبية" (¬3) لابن القاسم في الصغير في الكبير؛ لأنه زيادة في سلف، وفي الكبير في الصغير لأنه زيادة على الضمان، وأجاز صغيراً في كبيرين وكبيراً في صغيرين. وجعل (¬4) اختلاف العدد مقصوداً. وضعف فضل وغيره هذا وصحح القول الأول. وذكر أن قوله في العبد التاجر بالصغير يرد قوله في البهائم مع معارضة قوله في منعه واحداً بواحد من ذلك وإجازته واحداً باثنين، وكلاهما زيادة لا تجوز في السلف. قال في "العتبية": والصغار الحولية (¬5) وشبهها التي لا (¬6) تركب، وأما الجذاع (¬7) المركوبة فكالكبار. والذي عند محمد من منع جميع ذلك (¬8) جار على الأصل من منع الزيادة. وقد يحتج لقوله في "العتبية" بالمنع إلا إذا اختلف العدد كقوله (¬9) في الكتاب (¬10) في البقرة القوية على الحرث في حواشي البقر (¬11)، والسيف ¬
القاطع بالسيفين ليسا مثله، والفرس الجواد (¬1) في قُرْح (¬2) من الخيل، فلم ينص فيها على واحد بواحد (¬3). وقال يحيى بن سعيد وابن المسيب (¬4): "إن الناقة الكريمة تباع بالقلائص (¬5) إلى أجل، والعبد الفاره (¬6) يباع بالوصفاء (¬7) إلى أجل، والشاة الكريمة ذات اللبن تباع بالأَعْنُق (¬8) من الشاء. ولم يذكر ابن المسيب في العبد الفراهة ولا ذكر الشاة (¬9). فإنما أجازوا هذا كله وبيع الكبير بصغاره عند كثرة العدد في الجهة الواحدة. وقد يجاب عن هذا أن ذات الصفات المقترنة مع الكبر هنا من الكرم وغيرها (¬10) لو سلمت (¬11) في كبير ليس بتلك الصفة لجاز، فلا تأثير لذكر صغر القلائص والوصفاء هنا. وقد يكون هذا جواباً لمسألة ابن القاسم في العبد الذي (¬12) خرج فضل الخلاف منها. لكن عند بعض الشيوخ متى لم يكن إلا واحداً بواحد - وكان الفضل مجردا من جهة واحدة - لم يجز ¬
السلم، وهي زيادة في السلم حتى يكون فيما ليس فيه ذاك (¬1) الفضل معنى آخر ومنفعة أخرى. وإلى هذا أشار اللخمي (¬2)، فإذا كان الفرس جواداً سابقاً لم يصح عنده سلمه في فرس ليس بجواد ولا سابق حتى يكون هذا الآخر سميناً جميلاً، أو حمالاً أو هملاجاً (¬3) في السير، أو فحلاً للإنزاء (¬4)، فتتعارض المنافع وتصح، وإلا فانفراد ذلك بسبقه زيادة في السلف. ومذهب أبي محمد في الثياب واعتراضه بها بمسألة (¬5) الحيوان التفات إلى ما أشار إليه (¬6). وقد جوز في الكتاب (¬7) العبد التاجر في الذي ليس بتاجر/ [ز 225]، وهذا لأن الآخر يراد للخدمة ولمنفعة غير التجارة مما لا يستخدم ويمتهن فيه العبد التاجر، ولا يطيقه (¬8). وقول يحيى بن سعيد (¬9) في العبد الفاره، على القول بأن الجمال مراعى في الرقيق. وهو نحو ما له في الغلام الأمرد الجسيم الصبيح (¬10) وإجازته له بوصيفين، فجعل الجمال في الذكور والفراهية غرضاً. وقد تكون الفراهة (¬11) هنا بالنجابة والتمييز (¬12) بالتجارة أو الصناعة وظهوره في ذلك (¬13). ¬
والقلائص (¬1): الإناث من حواشي الإبل؛ واحدها قلوص، وليس كما قال بعض الشارحين: إنها التي لم يحمل (¬2) حولاً. والأعنُق (¬3): الإناث من صغار المعز، واحدها عَناق. ورواها عبد الحق العَنَق (¬4) - بفتح العين/ [خ 270] والنون - وصوابه بضمهما، جمع للكثير (¬5). والحمر الأعرابية (¬6): هي حمر البادية (¬7). وتسويته في الكتاب (¬8) بين البغال والحمير وأنهما صنف واحد، وتفريق ابن حبيب (¬9) بينهما وأنهما صنفان قد خرجه بعضهم (¬10) من تفرقتهما عنده في القسم في كتابه (¬11). وذهب فضل (¬12) إلى أنه ليس بخلاف، وإنما تكلم كل واحد على عادة بلده، وأن بينهما بالأندلس اختلاف بيِّناً وأغراض (¬13) مختلفة. وفي مصر الأمر بخلافه واستعمالهم لها (¬14) معاً للامتطاء والحمل. ¬
ومذهب الكتاب تسويتها (¬1) إياها بالحمر، وأن حكم سلم كبارها في صغارها أو صغار الحمر سواء، جار على ما تقدم من سلم الصغار في الكبار، اتفقت الأعداد أو اختلفت على الخلاف المتقدم. وابن القاسم تأول على مالك في "العتبية" (¬2) فرق (¬3) بين تقديم البغال في صغار الحمر (¬4) فمنعه إلا مع اختلاف العدد؛ قال: لأن الحمر تلد البغال، وأجاز تقديم البغال. ووهم ابن لبابة (¬5) ابن القاسم في هذا التأويل وزعم أن منع مالك مرة [من] (¬6) تقديم الحمار في صغير البغال على قوله في منع تقديم الكبير في الصغير، وأن إجازته تقديم البغل في صغير الحمر (¬7) على إجازته ذلك؛ إذ لا فرق عنده في الكتاب بين الحمير والبغال. لا (¬8) على ما علل به ابن القاسم من ولادة الحمر البغال. ومذهب الكتاب أن السير والحمل في الحمر غير معتبر، وأنها صنف وإن اختلفت في سيرها. وحكاه ابن حبيب (¬9) عن ابن القاسم وقاله أبو ¬
عمران (¬1)؛ قال: لأنه جعل حمر مصر كلها صنف (¬2)، وبعضها أسير من بعض وأحمل. وتأول فضل (¬3) على "المدونة" خلافه وأنكر تأويل ابن حبيب على ابن القاسم وقال: كرهه (¬4) وهو يقول في "المدونة" (¬5): إلا أن تختلف كاختلاف الحمار النجيب بالأعرابيين. وبمراعاة السير في الحمر واختلافها فيه قال ابن حبيب (¬6) وأصبغ وعيسى (¬7): وأنكر أبو عمران تأويل فضل. وعُصَيْفر (¬8)، بالعين والصاد المهملتين مصغراً. ونِجَارها (¬9) أصلها، ونجار كل شيء أصله (¬10). والربَذة (¬11)، بفتح الراء والباء وعجم الذال: (موضع) (¬12). وقوله (¬13): "لا بأس أن يسلم البقر القوية على العمل الفارهة في الحرث في حواشي البقر"، كذا في أصل كتابي. وهي رواية القابسي. وفي ¬
كتاب ابن عيسى وكذا في أصل "الأسدية": البقرة، وكذا في جل الروايات (¬1). وقد ذهب ابن حبيب (¬2) إلى أن الحرث إنما يراعى في الذكور لا في الإناث. وما في "الأسدية" يرد عليه، وهو المعروف من مذهب ابن القاسم أن الحرث مراعى في الذكور والإناث. والعبدان الأَشْبانيان (¬3)، بفتح الهمزة، يريد من سبي الأندلس، وكانت الأندلس قديماً تسمى أَشبانية (¬4)، بتخفيف الياء. وقال البلوطي (¬5): هو بكسر الهمزة (¬6). والمعروف الأول، وبه قالوا: سميت مدينة أشبيلية وأصله اسم ملك كان بها في القديم يقال له: أشبان (¬7). ويقال: كان اسمه أصبهان فغيرته العجم (¬8). وذكر مسألة شراء العبد بالعبدين النوبيين (¬9)، تأملها مع كراهة من كره بيعهم، وذكروا أن لهم عهداً (¬10). وقد قيل: لعله فيما باعوه من عبيدهم، أو ¬
يكون لفظاً للتمثيل لا للتحقيق؛ لأنه لم يقصد في السؤال الكلام على جواز بيعهم. ومسألة (¬1) سلم الجذع الكبير في الجذوع الصغار منها، عورضت المسألة بأنه يصنع من الكبير صغار. وصوب فضل (¬2) منع ابن حبيب/ [ز 226] لذلك. وذهب غيره إلى أن معنى/ [خ 271] ذلك أن الكبير لا يصلح أن يجعل على ما يصلح فيه الصغار، أو أنه لا يرجع منه صغار إلا بفساد ولا يقصده الناس. وما في الكتاب بين لا بعد فيه ولا اعتراض يصح عليه؛ وذلك أنه قال: جذع نخل كبير وجذوع (¬3) نخل صغار، فظاهره الجذوع على خلقتها دون أن تدخلها صنعة، ولا يمكن أن يصير من الكبير في غلظه أجذاعاً صغاراً رقاقاً إلا بتغييرها عن خلقتها ونشرها ونجرها، وإن فعل بها ذلك لم تكن جذوعاً، وإنما تسمى جوائز (¬4) إلا على تجوز، فهذا معنى مسألة الكتاب عندي. واختلاف الأغراض في الجذع الكبير والجذوع الصغار بين؛ لأن كل واحد يصرف حيث لا يصرف الآخر. والثوب الشَّطَوي (¬5)، بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة، منسوب ¬
إلى قرية بمصر (¬1). والقَسِّي (¬2)، بفتح القاف وتشديد السين، كذا عند بعضهم. وفي كتابي (¬3) شيخينا: القيسي، بزيادة ياء، وكذا ذكره أبو عبيد (¬4) وقال: المحدثون يقولون: القِسِي (¬5). وقال أهل اللغة (¬6): قس: موضع تنسب إليه الثياب القسية (¬7). وأكثر الرواة في "الموطأ" قالوا فيه: القيسي، ومنهم من قال: القسي (¬8). وفي كتاب البخاري: القسية ثياب يؤتى بها من الشام أو من مصر مضلعة، فيها حرير، فيها أمثال الأترج، وأكثرهم يقول: فيها حرير، قاله في تفسير نهيه عليه السلام عن لبس القسي (¬9). قال الهروي: وقال بعضهم: إنما هو القزي، أبدلت الزاي سيناً، منسوب إلى القز وهو الحرير. والزِيَقة (¬10)، بكسر الزاي وبفتح الياء، كذا ضبطناه. وضبطه بعضهم ¬
بسكون الياء. وكلها ثياب غلاظ (¬1). والفُرْقُبي (¬2)، بضم الفاء أولاً والقاف آخراً، وآخره باء بواحدة، كذا سمعناه. وحكى فيه بعضهم أيضاً أنه قيل فيه: قرقبي، بالقاف أولاً وآخراً. وفي "العين": القرقبية: ثياب كتان بيض، بقافين. وذكر الخطابي الفرقبية، بالفاء أولاً، فذكر (¬3) في تفسيرها مثل ما تقدم نصا. وقال: لعلها نسبت إلى فرقوب، فحذفوا الواو في النسبة. والمحمولة (¬4): البر الذي (¬5) بالحجاز؛ سمي بذلك لأنه يحمل ويجلب إليها من الشام. والسمراء (¬6): بر مصر. والجُبْن (¬7)، بسكون الباء، ويقال بضمها وتخفيف النون. وجاء في الشعر بتشديد النون (أيضاً) (¬8). والرَماء (¬9)، بفتح الراء والمد وبالكسر والقصر: الربا. والضَياع، بفتح الضاد. التلف والهلاك. وقوله في الكتاب (¬10): لأن ذلك ليس بمأمون في صغار القرى وصغار ¬
الحيطان. لا تأثير لذكر الصغر في الحيطان؛ إذ لا فرق بين عدم الأمن في كبارها وصغارها، وقد أسقطه بعض المختصرين. والإبان (¬1)، بكسر الهمزة وتَشديد الباء بواحدة: الوقت. والجداد (¬2)، بكسر الجيم وفتحها: قطع ثمار النخل وقطافها. والزهو (¬3): ابتداء طيب تمر النخل واصفراره واحمراره، يقال منه: أزهى يزهي، وجاء في بعض روايات الحديث (¬4): يزهو. وقالوا: لا يصح. وقال أبو زيد (¬5): زهى، وأزهى. ولم يعرف الأصمعي: أزهى. وهو الزهو، بفتح الزاي. وأهل الحجاز يضمونها (¬6). والبسر (¬7) اخضرار لونه، وهو قبل الزهو وبعد البلح الكبير الأبيض. وهذا مذهب أكثر أهل اللغة. وقول () وأهل (¬8) يجعلون البسر بعد الزهو. وهو الذي يستعمله الفقهاء، ويأتي في الكتاب كثيراً/ [خ 272]. ومنه قوله (¬9): "بعد ما أزهى وصار بسراً ويشترط أخذه رطباً أو بسراً". قال ابن أبي زمنين: ¬
قوله: أو صار (¬1) بسراً، لفظ مستغنى عنه. وبعض المختصرين ذكره (¬2)، وبعضهم أسقطه، كأنه ذهب إلى تناقض قوله: "وصار بسراً" مع قوله: واشترط أخذه بسراً مع قصد (¬3) المسألة في أخذه بعد زيادته وانتقاله. وقد يحتمل عندي أن يرجع الكلام بعضه على بعض ولا يتناقض ويكون تقديره: بعد ما أزهى واشترط أخذه بسراً، أو بعد ما صار بسراً واشترط أخذه رطباً. ويستقيم الكلام ويرجع كل لفظ من اللفظين الآخرين بانفراده على ما يطابقه من أحد/ [ز 227] اللفظين المتقدمين (¬4). وقوله (¬5): "لأن الحيطان إذا أزهت فقد صارت بسراً"، مما (¬6) تقدم من أن البسر عنده بعد الزهو. ومسألة السلف في قرية صغيرة بعينها، ظاهر الكتاب أنه لا يسلم فيها لمن لا ملك له فيها لقوله (¬7): لا يسلم فيها إلا بعد زهو الثمرة. قال بعض الشيوخ: فلو كان يجوز السلم فيها لمن لا ملك له فيها لما شرط طيب الثمرة؛ إذ لا يشترط ذلك (¬8) إلا في المعين، ولما منع من شرط أخذه تمراً؛ إذ يوجد ذلك على صفته الجائزة وعند الأجل. لكن لما شرط هذين الشرطين وسلك بهما مسلك حائط بعينه لم يجز أن يسلم فيها إلا لمن له فيها ملك يخرج قدر المسلم فيه. ويدل على هذا أيضاً قوله في السؤال في القرية الكبيرة التي لا ينقطع منها ما سلم فيه (¬9): "وليس (¬10) له في تلك ¬
القرية أرض ولا زرع ولا طعام"، فخص هذه المسألة بهذه الصفة. وإلى هذا ذهب فضل وابن أبي زمنين (¬1) وابن محرز وغيرهم، وعللوا ذلك وجعلوه كمن باع سلعة غيره على التخليص (¬2). وذهب بعض الشيوخ إلى جواز ذلك بشرط (¬3) إذا كان شأن أهل تلك القرية بيع ثمارهم ووجود ما اشترى منه، وأنه غالباً لا يعدم ذلك القدر فيما يبيعونه منها، فلو كان السلم (¬4) مستغرقاً لثمار القرية، أو لما جرت عادة أهلها ببيعها منه (¬5) لم يجز. وإلى هذا نحا أبو محمد (¬6) بن أبي زيد. قال ابن محرز: ولم يختلفوا أنه لا بد من تقديم رأس المال، بخلاف الحائط المعين. قال أبو محمد: لأنه مضمون في الذمة. وهذا على أصله، وأما على قول من يراه كالحائط بعينه فيجريه - والله أعلم - مجراه في جواز تقديم النقد وتأخيره. وقد نحا إليه أبو عمران ولكنه قال: تقديم النقد فيه على جهة الاحتياط، قال: وإلا فحقيقته أنه كالحائط في جميع أحواله. وذكر عبد الحق (¬7) عن بعض الشيوخ موافقته (¬8) الحائط في وجهين (¬9): أنه لا يسلم فيه إلا بعد الزهو. ولا يشترط أخذه تمراً؛ إذ قد يبيع أهل القرية الصغيرة تمرهم قبل أن يتمر. ويخالفه في وجهين (¬10): يسلم لمن لا ¬
ملك له فيها. ولا يجوز فيه تأخير رأس مال السلم. فانظر هذا مع قول الأول: إنه إذا سلم (¬1) لمن لا مال له فيها (¬2) جاز اشتراط أخذه تمراً، إذ يوجد ذلك على الصفة عند الأجل. وفي هذا نظر، ولو كان كما قال لم يكن بينها وبين المأمونة فرق. وانظر حكمها إذا انقطع ثمرها (¬3) قبل استيفاء ما سلم فيه: فقيل (¬4): تجب المحاسبة ولا يجوز البقاء إلى قابل. وقيل (¬5): يجوز. قالوا: وأما إذا أجيحت فليس إلا البقاء إلى عام قابل، فانظره/ [خ 273]. فأما الحائط بعينه فلا خلاف أنه يحاسبه بما بقي له كما نص عليه في الكتاب وفي "الواضحة"؛ لأن البيع وقع على شيء بعينه فعدم، فلا يلزم البائع إحضار غيره ولا المشتري قبوله، ولا يجوز لهما التأخير إلى قابل؛ لأنه سلم في معين قبل وجوده وطيبه. وعبد الله بن أبي نَجيح (¬6)، بفتح النون، عن عبد الله بن أبي كثير، كذا لإبراهيم بن محمد. وعند ابن وضاح: ابن كثير، وكلاهما بثاء مثلثة. وأنا (¬7) بعض شيوخنا أن ابن وضاح أصلحه. وهو - إن شاء الله - الصواب، وكذا قاله البخاري في "التاريخ" (¬8) و"الصحيح"، وخرج في "الصحيح" عن ابن ¬
أبي نجيح عنه في كتاب السلم (¬1). وهو قرشي مكي. قال ابن أبي زمنين: ابن أبي كثير غلط، وهو ابن كثير القارئ (¬2)، كذا رأيته لكثير من أهل البصر بالحديث. قال القاضي الباجي: ليس هو ابن كثير القارئ. قال القاضي رحمه الله: ابن كثير القارئ مكي أيضاً، لكنه مولى بني (¬3) كنانة، وأصله فارسي (¬4). وقوله (¬5): "في الذي أسلم في حائط بعد ما أرطب، أو زرع بعد ما أفرك واشترط أخذ ذلك تمراً أو حنطة، وأخذ ذلك وفات. قال: ليس (أخذه) (¬6) من الحرام البين الذي أفسخه إذا فات، ولكني أكره أن يعمل به، فإذا عمل به وفات فلا أرد ذلك". اختلف في تأويل الفوات هنا لاحتماله: فمذهب أبي محمد أنه القبض، وعليه اختصره. ويدل عليه قوله في السؤال: وأخذ ذلك وفات. ومثله في كتاب ابن حبيب. وذهب غير أبي محمد إلى أن الفوات هنا بالعقد، ويدل عليه قوله في ¬
الكتاب: / [ز 228] "أكره أن يعمل به، فإذا عمل به وفات فلا أرد ذلك"، وذكر الأخذ إنما جاء في السؤال. وهو المنصوص في كتاب محمد لأشهب (¬1)، ومثله لابن وهب (¬2). زاد في كتاب محمد: وكذلك لو أسلم فيه حين أزهى واشترط قبضه تمراً (¬3). وسوى أبو محمد في الجواب على مذهب الكتاب بين السؤالين وقال: إنما نكره (¬4) ذلك [كله] (¬5) بدءاً، فإذا نزل مضى وفات، يعني بالقبض على أصله. وذهب ابن شبلون إلى التفريق بينهما على مذهب الكتاب وقال في مسألة الزهو: يفسخ بكل حال، بخلاف مسألة إذا أرطب، فهي التي تمضي بالفوات. ومسألة الثمرة (¬6) التي لها إبان. تحصيل ما في الكتاب من الخلاف فيها: قال: "كان مالك مرة يقول: ليتأخر (¬7) الذي له السلم إلى إبانها من السنة المقبلة"، هذا قول (¬8)، ولا تجوز له المحاسبة، وهو قول سحنون (¬9). والعلة لهذا الدينُ بالدين، لأنه وجبت له بقية رأس ماله، فيفسخها في ثمرة لقابل. وقيل: بل هو لعدم الثمرة كالمعسر، ينظر - كما قال الله - لميسرة (¬10)، وهو وجود الثمرة. ¬
"ثم رجع فقال (¬1): لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله"، ومعناه ما تفسرت به المسألة بعد هذا أنه من دعا منهما إلى "التأخر (¬2) فذلك له، إلا أن يجتمعا على المحاسبة"، وأن الواجب (¬3) له الثمرة والصبر إلى وجودها، وإنما أخذ المال [له] (¬4) رخصة لا يلزم إلا برضاهما، فلم يدخله الدين بالدين. ولم يجوزوا إذا حاسبه أن يؤخره، لأن هذا من الدين بالدين، لأن الواجب له فاكهة، فأخذ عنها ما لم يتعجله. وهذا القول الثاني لمالك، فهما متفقان على أن الحكم التأخير مختلفان في أن الأول لا يجيز (¬5) المحاسبة والثاني يجيزها (¬6). هذا هو تأويل جميعهم أنهما قولان إلا ابن حبيب (¬7)، فقد ذهب/ [خ 274] إلى أن الثاني مفسر للأول. وقد نبه فضل على خلافه، وكونهما قولان (¬8) أبين وأصح (¬9). القول الثالث لابن القاسم بإثر قول مالك، وهو قوله (¬10): "وأنا أرى أنه إن شاء أن يؤخره على الذي عليه السلف إلى قابل، فذلك له". وهنا انتهى قوله عند بعضهم، وأن المسلم مخير في التأخير أو المحاسبة دون صاحبه. وهو نص له في كتاب محمد (¬11). وما جاء في الكتاب بعد من ¬
قوله (¬1): "ومن طلب التأخير منهما فذلك له" إلى آخر الكلام، ليس من كلام ابن القاسم، إنما هو من كلام سحنون تفسيراً لأحد قولي مالك المتقدم (¬2). إلى هذا ذهب بعضهم (¬3)، وهو الذي رجح شيخنا أبو الوليد (¬4) وذكر أن في رواية بعض الشيوخ أول الكلام (¬5): "قال سحنون: ومن طلب التأخير"، واستدل بمناقضة هذا لأول الكلام المتقدم لابن القاسم في التخيير للمسلم. والذي ذهب إليه فضل بن سلمة (¬6) وغيره - وعليه اختصر أبو محمد وسائر المختصرين (¬7) - أن الكلام كله لابن القاسم وأنه مذهبه في الكتاب، كأحد قولي مالك، فهذه ثلاثة أقوال في الكتاب. القول الرابع: التفريق بين أن يكون قبض أكثر السلم، فيجوز له أن يؤخره إلى قابل، أو إنما قبض أقله، فلا يجوز له التأخير، وليس إلا المحاسبة، حكاه ابن يونس (¬8) عن مالك (¬9). وهذا لا وجه له، ولو كان بالعكس كان أشبه في النظر والقياس وأسعد بلفظ الكتاب لقوله (¬10): "لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله"، فدل أنه قبض بعض سلعته، وأن التأخير هو الواجب مع القبض لئلا يتهما ببيع وسلف (¬11). ولهذا منع في القول الأول من المحاسبة وأجازها في الثاني، لأن انقطاع الثمرة ترفع (¬12) التهمة. فعلى ¬
هذا يكون إجازة المحاسبة إذا لم يقبض، إذ لا تهمة، ومنْعُها إذا قبض أولى فانظره. القول الخامس: قول أشهب (¬1): إن الواجب المحاسبة (¬2) ولا يجوز التأخير. القول السادس: قول أصبغ (¬3): إن الواجب المحاسبة إلا أن يجتمعا على التأخير. وقوله (¬4): "إن سلم في تمر برني (¬5) ولم يقل جيداً ولا ردياً، هو فاسد حتى يوصف". ثم قال في الباب في الطعام (¬6): "ويصفا / [ز 229] جودتها". ونحوه في أول السلم الثاني وفي آخره (¬7). وفي باب الثياب (¬8): "ما أعرف جيداً، إنما السلم على الصفة". فكان بعض قدماء مشايخنا الأندلسيين (¬9) يذهب إلى الفرق بين الكلامين ويحمل الكلام على ظاهره ¬
ويقول: إن الطعام لا بد من قوله فيه بجيد (¬1)، ولا يلزم ذلك في غيره. وهذا وهم وتقصير، وإنما معنى ذلك أنه لا بد في الطعام وغيره من وصف يحيط به من جودته أو رداءته وجنسه وتقديره وغير ذلك من أوصافه، وأنه لا يكتفى في السلم بالاقتصار على ذكر الجودة أو الفراهة فقط. وهو أبين (¬2)، وعليه بنى أئمتنا مذهبهم، وهو الذي فسروا به قوله في الكتاب وغيره، وكذلك فسره أشهب في مسألة الفدادين. قوله (¬3) في "من سلم في صفقة واحدة في حنطة وشعير وقِطنية وثياب ورقيق ودواب: لا بأس به". قال بعض الشيوخ: هذا يدل على جواز جمع المكيل والموزون مع الجزاف في صفقة. ومثله في الصرف (¬4). وقد اختلف قول مالك فيه في كتاب محمد (¬5). وقوله (¬6) في القصيل (¬7): إن اشترط من ذلك جُرزاً، كذا رويناه، بضم الجيم والراء، وفتح الراء أيضاً، وآخره زاي. ورواه بعضهم جززاً، بكسر الجيم (¬8) وبالزاي/ [خ 275] المعجمة فيهما. قال أبو عبد الله بن عتاب: الأول أصوب، وهي القُبَض (¬9)، ولا يختلف. وأما الجزة فتختلف في الخفة والالتفاف (¬10). ¬
قال القاضي (¬1) رحمه الله: قال بعد في الفدادين (¬2): أيجوز أن يشترط فدادين معروفة طولها وعرضها فيسلف في كذا وكذا فدانا من نوع كذا من البقول أو القصيل؟، قال: لا يصلح أن يشترط فدادين، لأن ذلك يختلف، منه الجيد ومنه الرديء"، ثم قال (¬3): "ولا يحاط بصفته ولا معرفة طوله وصفاقته"، فتعليله بهذا يدل أنها فدادين غير معينة. وإنما وصف أقدارها وصفتها خلاف ما ذهب إليه بعض الشارحين لتعليله بأنها معينة، ويحتج بقوله: معروفة. ويدل على هذا تجويز أشهب السلم في الفدادين إذا وصفها. وقوله (¬4): "ومن لم يجزه، لأن الوسط منه مختلف، والجيد مختلف لزمه في الحبوب"، وأشهب وغيره لا يجيز السلم في معين، وإنما أراد أشهب في قصيل فدادين مقدرة غير معينة موصوفة الصفاقة والنبات (¬5)، خلاف ما تأوله عليه أكثرهم. وذهب بعضهم إلى إلزام ابن القاسم قول أشهب وتجويزه في المعين من مسألة السلم للحنطة في القصيل والقضب وقوله: إن كان يحصده ولا يؤخره فلا بأس، فهذا يدل أنه معين إلا أن يريد أن هذا هو رأس مال السلم، فقلب (¬6) الكلام واللفظ، فتستقيم المسألة على أصله. وقال غيره في مسألة القصيل: إن الجواب على غير السؤال إنما سأل (¬7) عن السلم فأجاب على البيع نقداً ليدله أنه أبعد في السلم. وقد ¬
يحتمل أن معناه أن يأخذ القصيل المسلم إليه (¬1) قبل تحبيبه ولا يجوز أخذه وفيه حب. ومسألة السلم على التحري (¬2)، ذهب ابن أبي زمنين (¬3) وغير واحد (¬4) أن معنى التحري هنا أن يقول: أسلفك في لحم يكون قدره عشرة أرطال، قال: وكذلك الجر (¬5). وقال ابن زرب (¬6): إنما معناه أن يعرض عليه قدراً ما (¬7)؛ يقول: آخذ منك مثل هذا كل يوم، ويشهدا على المثال. وأما على شيء يتحرى فيه نحو رطلين أو ثلاثة فلا يجوز (¬8). وقوله (¬9) في الحيتان: "صفتها كذا, وطولها وناحيتها"، ظاهرة أنه أراد بالناحية القدر، إذ لا معنى لذكر المواضع فيها. وذهب بعض الشيوخ (إلى) (¬10) أنه على ظاهره وأن هذا فيما اختلفت فيه الحيتان في الجهات وكون (¬11) حوت بعضها أفضل من بعض. وعلى هذا فهو صواب. وإبراهيم بن نشيط (¬12)، بفتح النون وكسر الشين المعجمة. ¬
والقَضْب (¬1)، بفتح القاف وسكون الضاد: الفصفصة التي تقضم (¬2) للدواب (¬3)، وهو القت إذا كان يابساً. وقال الأصمعي: / [ز 230] إذا جفت هي (¬4) القضب (¬5). والقُرط (¬6)، بضم القاف، هذا للعشب الذي تأكله الدواب (¬7)، وأراه ليس بعربي. وقول يحيى بن سعيد (¬8) في إجازة أخذ القميص أو القطيفة من الرائطة "وجد الرائطة أو لم يجدها، لأنك لو أسلفت الرائطة نفسها فيما أخذت منه لم يكن بذلك بأس"، فدل أن ذلك قبل الأجل، إذ لو كان الأجل حل لم يحتج إلى هذا التعليل، إذ يجوز حينئذ أخذ ما يجوز أن يسلمه فيما لك وما لا يجوز أن تسلمه، لأنه بحكم البيع يداً بيد. والرائطة مثل الملاءة والملحفة إذا لم يكن لِفْقَيْن. والمعروف / [خ 276] في العربية: ريطة (¬9). والسابري (¬10): ثوب منسوب (¬11). ¬
والطست: بفتح الطاء وكسرها (¬1). والتَّوْر (¬2)، بالفتح، كالقدح من النحاس أو من الحجارة (¬3). وقع في أصل "الأسدية" هنا مسألة الرجل يشتري من رجل نعلاً على أن يعمله له من هذا الجلد بعينه إنه جائز، وطرحها سحنون. قال أبو عمران: وإنما طرحها لأنه لا يجيز بيع نحاس على أن على البائع عمله. وقد أجازه ابن القاسم وأشهب في مسألة الصناعات إذا شرع في العمل. ومسألة ربيعة (¬4) في الذي أسلم في صنف من الطير فلم يجده عنده فأخذ عصافير أنه جائز، وقوله (¬5): "عشرة من الطير بواحد حلال"، يدل أنه كله صنف واحد، إما للاقتناء أو الذبح (¬6). فإن كان كله للاقتناء فهي جائزة، وإن كانت للذبح فيأتي على ما قاله بعضهم على مذهب أشهب (¬7) وأصبغ في جواز التفاضل فيه، وعلى مذهب ابن القاسم فيما حكى عنه سحنون (¬8) ¬
أنه يجوز بالتحري. ولو كان الطير الواحد يقتنى لم يجز على مذهب ابن القاسم (¬1) وجاز على مذهب أشهب. وعليه حمل بعضهم مسألة ربيعة وعلى أنها كلها أحياء. وقول ربيعة (¬2) في الغزل بالكتان: "إنه بمنزلة الحنطة بالدقيق"، قال ابن أبي زمنين (¬3): معناه أن الغزل ليس بصناعة تغير الكتان حتى يجوز سلم أحدهما في الآخر، كما أن الطحين ليس بصناعة يجوز ذلك فيها (ذلك) (¬4) مع القمح. قال: وقوله (¬5): "وهذا (¬6) يبين ما بينهما من الفضل"، يعني أن الحنطة تريع فبان الفضل فيها. وقوله (¬7): "ولذلك كره إلا مثلاً بمثل"، أي ومع ذلك كره الدقيق بالحنطة إلا مثلاً بمثل، لخفة مؤونة (¬8) الطحن، أي فهذا الكتان إذا غزل كانت قيمة رطله أكثر منه قبل غزله، ومع هذا فبيع بعضه ببعض لا يجوز (¬9). ورد أبو عمران "ولذلك" بمعنى: مع ذلك (¬10). وقيل أيضاً: إن قوله: "وهذا يبين ما بينهما" راجع إلى مسألة الحنطة بالسويق أو بالخبز أو الثياب بالغزل التي تقدمت. ¬
والآنُك (¬1)، بفتح الهمزة ومدها وضم النون وتخفيف الكاف: القزدير (¬2). والرصاص (¬3)، يقال بفتح الراء وكسرها. وكذلك الصفر (¬4)، بضم الصاد وكسرها. وقوله (¬5) "ولا يسلم في الفلوس"، معنى ذلك: لا تسلم فيها الدنانير والدراهيم (¬6)، وإلا فقد أجاز قبل هذا سلم الطعام فيها. وقوله (¬7): "الليث وغيره عن سعيد بن عبد الرحمن أنه سأل [سعيد] (¬8) بن المسيب عن الطعام بالطعام نظرة"، كذا عند ابن عيسى وغيره. ورواية ابن عتاب: شعبة، مكان "سعيد" مصلحاً. قال ابن وضاح: وهو معروف. قال ابن أبي زمنين: وهو الصواب، وهو شيخ من أهل المدينة كان يجالس سعيد بن المسيب. قال البخاري (¬9). شعبة بن عبد الرحمن سمع سعيد بن المسيب، مكي روى عنه الليث. وقوله (¬10): "إذا هلكت السلعة - يعني رأس المال - قبل أن يقبضها المسلم إليه انتقض السلم إذا كان لا يعرف ذلك إلا بقوله، وقد قال ابن ¬
القاسم: إذا لم يعرف إلا بقوله فالسلم منتقض". قال أبو محمد بن أبي زيد (¬1): يريد: ويحلف، كذا هو هذا لابن القاسم في "المدونة"، قال ابن وضاح: ولم يقرأه لنا سحنون في العرضة الأولى، وقرأناه (¬2) في الثانية. ووقع في أصل "الأسدية" (¬3): قال ابن القاسم: إذا لم تقم ببينة (¬4)، فالذي عليه السلم بالخيار إن أحب نقض السلم، وإن أحب كان/ [ز 231] السلم بحاله، وغرم صاحبه قيمة الثوب/ [خ 277]. ثم قال: وقد قال أيضاً: إذا لم يعرف هلاكه إلا بقوله السلم منتقض. قال ابن لبابة: وكذا تصح المسألة، وعلى ما في "المدونة" فالقولان سواء. قال: وهو من غلط سحنون. وقوله (¬5): وإن لم يدفعه إليه حتى أحرقه رجل؟ قال: إن كان بعد أن دفعه إلى الذي عليه السلم ثم رده إليه وديعة فالضمان منه (¬6)، فإن كان لم يدفعه حتى هلك فهو من ربه. قال بعض الشيوخ: قوله قبضه ثم رده شديد إلا أن يريد بذلك قوله: خذه. وأنزل هذا منزلة الدفع. وقوله (¬7) في الذي "له على الرجل الدين فيكتب إليه أن يشتري له به سلعة: لا خير فيه إلا أن يوكل وكيلاً"، معناه: على قبض السلعة، ويكون حاضراً معه، لأن حضوره كحضور ربها. وقوله في المسألة الأخرى: وإن كان حاضراً. مذهب الكتاب: في البلد، وهو بين في كتاب الوكالات في الذي يكون له ذهب في الأسواق، فيقول: اشتروا لي سلعة كذا فإني مشغول، وهو قول ابن القاسم، ولم يجزه سحنون إلا بحضور المجلس. ¬
وقوله (¬1): "والحوالة عند مالك بيع من البيوع" يعضد إحدى (¬2) قولي ابن القاسم من رواية يحيى فيمن يسلف دنانير من رجل بشرط أن يحيلها (¬3) بها على آخر أنه لا يجوز. وقوله الآخر يجوز. وقوله (¬4) في اقتضاء الدقيق من القمح: "لا خير فيه من البيع (¬5) ولا بأس به من قرض إذا حل الأجل"، قال بعضهم: دليلها ودليل ما في الصرف أيضاً جواز بيع الدقيق بالقمح كيلاً بكيل لقوله: ويجوز وإن أحذ أقل كيلاً (¬6). وهو نص ما في "الواضحة". وفي "الموطأ" (¬7) و"الواضحة" أيضاً: مثلاً بمثل. وحكى ابن القصار وغيره من البغداديين (¬8): وزناً بوزن، قال ابن القصار: واختلف قوله في ذلك، ومحمله عندي أنه اختلاف في الحال، فيجوز وزناً، ولا يجوز كيلاً. وغيره يحمله أنه اختلاف قول في جوازه كيلاً (¬9). وروى عبد الملك عن مالك أنما يجوز فيما خف، وبين الجيران (¬10). وحكى الباجي (¬11) أن معنى جوازه كيلاً، أي وزناً (¬12). ¬
السلم الثاني
السلم (¬1) الثاني قوله (¬2) فيمن أسلم في حنطة سلماً فاسداً: يجوز أن يأخذ منه غير (¬3) الحنطة إذا قبض ذلك ولم يؤخره. ووقع له بعد هذا (¬4): يجوز أن يأخذ برأس ماله سوى ذلك الصنف الذي أسلم فيه. فاختلف المفسرون في ذلك هل الحكم للفظ الأول أو للآخر؟ فذهب الفضل بن سلمة (¬5) وابن أبي زمنين (¬6) وغيرهما أن الحكم للفظ الأول، وأن معناه أن يأخذ ما شاء ما لم يأخذ الشيء الذي أسلم فيه بعينه. فإن أسلم في سمراء جاز له أخذ محمولة وشعير وغير ذلك. وإنما لا يجوز له أخذ السمراء نفسها إذ كأنهما لم يفسخا سلمهما الفاسد. وهكذا في كتاب محمد (¬7) وابن حبيب. وحجتهم أنه متى خالف الشيء المسلم فيه في صفته واسمه صح فعلهما ولم يتهما على تصحيح سلمهما وإن كان جنساً واحداً ¬
يجوز اقتضاء بعضه من بعض في السلم، إذ لا يجبر المسلم إذا دفع إليه على قبضه إلا برضاه. واختلفوا إذا أخذ سمراء أجود أو أدون من المسلم فيها: فأجاز ذلك اللخمي. ومنعه ابن محرز (¬1). وذهب الإبياني (¬2) في آخرين إلى أنه لا يأخذ سمراء من محمولة/ [خ 278] ولا محمولة من سمراء، ولا شعيراً من بر، لأنها صنف واحد، تعلقا بقوله: سوى الصنف الذي أسلم فيه، ولأنه صنف واحد يضاف (¬3) بعضه إلى بعض، ولما في كتاب أبي الفرج وابن حبيب لعبد الملك أن اختلاف المتبايعين في القمح والشعير والسلت ليس باختلاف في الأنواع، وإن كان هذا بعيداً. وفيها قول ثالث خرجه اللخمي على قول مالك وابن القاسم وأشهب في كتاب محمد (¬4) أنه يجوز أن يأخذ منه مثل ما كان له/ [ز 232] سواء - وقاله (¬5) ابن حبيب (¬6) - إذا فسخه السلطان فله أن يأخذ برأس ماله مثل ما أسلم فيه نقداً. ثم اختلف على هذا هل هو فيما اجتمع على فساده أو اختلف فيه أو فسخ بحكم أو تراضي (¬7)؟ ¬
فذهب أشهب (¬1) أن ذلك كله سواء إذا تفاسخاه وأشهدا عليه أو فسخه السلطان. وعليه حمل بعضهم مذهبه في الكتاب. وضعف هذا محمد (¬2) إلا أن يفسخه السلطان. قال بعض القرويين: فإذا لم يفسخ ما اختلف فيه بإشهاد أو حكم لم يجز أن يأخذ عن الطعام طعاما اتفق أو اختلف، ولا يجوز أن يأخذ إلا ما يجوز أن يأخذ في السلم الصحيح لتهمتهما. ولا يؤخر على هذا بعض رأس المال ويأخذ بعضه ويدع بعضه، خلاف ظاهر ما ذهب إليه في الكتاب. قال بعض شيوخنا الأندلسيين: ولا يختلف في هذا، ولا خلاف عندهم أن هذا كله جائز بعد فسخ السلطان في غير الجنس. واختلف في أخذه الجنس على ما تقدم: وبجوازه في الجميع (¬3) وفي صفة (¬4) ما سلم فيه قال ابن لبابة (¬5)، على ما في كتاب ابن حبيب. ومنعه (¬6) في كل وجه من الجنس والصفة، وهو ظاهر "المدونة" والأصول كما تقدم. والثالث التفريق بين الصنف (¬7) والصفة، فيجوز محمولة من سمراء، وشعيراً من قمح. ولا يجوز محمولة من محمولة ولا سمراء من سمراء. ثم اختلف: هل يأخذ منه دراهم إن كان رأس المال ذهباً وبالعكس: ¬
فعند محمد (¬1) عنه أنه لا يجوز؛ فحمله بعضهم على الأصل في المسألة من أنه لا يجوز أن يأخذ ما لا يسلم فيه رأس المال وقال: إنه لا يختلف في هذا في جميع الوجوه كلها كان الفسخ بحكم أو بغير حكم مما اتفق عليه أو اختلف فيه. وإلى هذا ذهب شيخنا القاضي أبو الوليد (¬2) رحمه الله. وذكر الشيخ أبو محمد عبد الحق (¬3) أن الخلاف في قبض بعض ذلك من بعض في المسألة جار على الخلاف في الأصل. وحكي عن مالك إجازته في كتاب أبي الفرج ومحمد، وخرجه غيره من "العتبية" أيضاً. وإليه ذهب أبو القاسم بن (¬4) الكاتب وغيره. وقوله في مشتري الدار على أن ينفق على بائعها (¬5): "ترد الدار ويغرم البائع للمشتري قيمة ما أنفق"، كذا عندنا. وفي كتاب ابن سهل خارجا: في بعض الروايات: ما (¬6) أنفق. وكذلك اختصره أبو محمد (¬7). وفي الشفعة والصدقة والعارية من "المدونة" اختلاف في هذين اللفظين قد تكلم الشيوخ على الفرق بينهما وجمع معانيهما، وتنزيل كل وجه (¬8) منهما بما لا يحتاج إلى إعادته (¬9). والوَيْبة عشرون مداً بمصر (¬10). ¬
والأَرْدَب (¬1)، بفتح الهمزة: أربع ويبات (¬2). والكُر بضم الكاف ثلاثون إردباً (¬3)، وقال الخطابي: الكر اثني (¬4) عشر وسقاً (¬5). والمُدْي، بسكون الدال، وهو مائة مد/ [خ 279] واثنان وتسعون مداً بمد النبي عليه السلام. وهو ست وبيات بمصر. وقيل: الويبة أربعة أرباع (¬6). وقوله (¬7): "إن أسلمت في طعام ولم أضرب لرأس المال أجلاً فافترقنا قبل القبض لرأس المال: هذا حرام إلا أن يكون على النقد"، قيل: لعله لم يكن عندهم عرف النقد في السلم، وإلا فمقتضى لفظ السلم وعرفه يجب (¬8) ¬
جوازه وإن لم ينصا على النقد، ويحكم فيه بالنقد، ويكون قوله: "إلا أن يكون على النقد"، أي باشتراطهم أو عرفهم. وذهب أبو القاسم بن محرز إلى أنهما عملا على التأخير. قال أبو عمران: وقول مالك بعده (¬1): "لا بأس بذلك، وإن افترقا قبل أن يقبض رأس المال إذا قبضه بعد يوم أو يومين"، أتى ابن القاسم بجواب أسد بن الفرات مع ما سمع من مالك على هيئته فأجاب عما سئل عنه وعما لم يسأل عنه. ومسألة الشراء (¬2) بقصعة وغير (¬3) مكيال الناس ومنعه لذلك وإجازته السلف في الثياب بذراع رجل بعينه، وإجازته بعد هذا شراء ويبة وحفنة/ [ز 233]. عارضها كثير بهذه. وفرق بعضهم بينهما. وأنكر سحنون (¬4) مسألة الويبة. واختلف فيما أجاز (مالك) (¬5) من ذلك في القصعة للأعراب وحيث يعدم الكيل (¬6): ففي كتاب محمد (¬7): إنما ذلك في اليسير. وعن أبي عمران (¬8) أنه يجوز هناك في الكثير لمن احتاج إليه كجوازه في اليسير. وكذلك اختلف فيما أجاز من مسألة الويبة: ¬
فقيل: ذلك حيث لا مكيال كما قال في القصعة وقال محمد (¬1). وقيل (¬2): هو جائز كالذراع. واختلف إذا كثرت الويبات والحفنات؛ فأكثرهم على منعها، ونص سحنون على ذلك (¬3) وجعله أصلاً في منع القليل. قال أبو عمران: وعلى ظاهر كتاب محمد جوازه. وكذلك إذا كانت (¬4) بحيث لا مكيال (¬5). وقوله فيها: إذا أراه الحفنة، يدل على اشتراطه رؤية ذلك. زاد في غير (¬6) "المدونة": فإن من الناس من تتسع حفنته (¬7). وظاهر كتاب محمد يجوز وإن لم ير الذراع (¬8). ومشهور المذهب والكتاب أن السلم الحال لا يجوز. وحكى القاضي أبو محمد قولاً في جوازه (¬9)، وخرجه بعض المتأخرين (¬10) من الكتاب من كتاب المرابحة (¬11). وسننبه عليها في موضعها إن شاء الله. ¬
وقوله (¬1): "وقد يباع التبر المكسور من الذهب والفضة والآنية من الذهب والفضة"، استدل بها بعض القرويين على جواز بيعها، واستدل آخرون على جواز اقتنائها، نحو ما استدل به أيضاً من كتاب الصرف. وغيره يقول: هو لفظ رمي به وجاء على غير تحصيل وقصد، وجوابه عن أصل المسألة لا يعين (¬2) الآنية، ولو سئل عنه (¬3) مجردا لمنعه فلا دليل فيه. وقد استعذر عنه بعضهم بشرائه لعرض (¬4) صحيح من فداء أسرى به (¬5)، أو ليكسره ويضربه دراهم لا ليقتنيه. وقد رفع الإشكال في الصرف بقوله (¬6): وكان يكرهها وإن كان ما فيها تبعاً، ولا أرى أن تشترى. ولا خلاف في تحريم استعمال ما يؤكل ويشرب فيه منها ولا في منع استعمال غيرها من الأواني كالمحابر (¬7) والمرايا والمكاحل/ [خ 280]. واختلف في اقتنائه (¬8) لغير الاستعمال؛ فمنعها أكثر أصحابنا. وأطلق ابن الجلاب (¬9) عليها التحريم. ورخص في ذلك بعضهم. واستدل بعضهم بما هنا وشبهه على ذلك. وقد تكلمنا عليها في كتاب الصرف. ومسألة تأخير رأس المال في السلم بغير شرط. فرق في الكتاب بين الحيوان والعروض والعين: ¬
فقيل: مذهبه في العين أنه يفسخ به السلم على كل حال تأخر إلى الأجل أو دونه، بدليل قوله في ذلك في باب اختلاف المتبايعين وفي الباب الثالث من السلم الثالث من قوله: وإن العروض والطعام يكره ذلك فيها ولا يفسخ، وإن الحيوان لا يكره فيه ذلك ولا يفسخ. وهذا هو مذهب ابن أبي زمنين (¬1) / [ز 234] وجماعة من الشارحين (¬2). وقال أبو محمد اللوبي (¬3): الطعام (¬4) أشد، إذ لا يعرف بعينه، وفرق بين العروض والحيوان، لأنه (¬5) مما يغاب عليها. وهذا على القول إن مصيبة الحيوان من مشتريه، وأما على القول: إن مصيبته من البائع فلا فرق (¬6) بينه وبين العروض. وذهب بعضهم إلى (¬7) أن الطعام لم يكل حتى يدخل في ضمان البائع، ولو كان فيه كيل لساوى الحويان (¬8). ومثله لابن القاسم في كتاب محمد (¬9) إذا حل الأجل قال: ثم رجع ابن القاسم فأجازه، إذ ليس بشرط. فهذا يدل أنه سواء في القولين حل أجله أو لم يحل. وذهب فضل بن سلمة (¬10) وبعض القرويين أنه لا فرق بين العرض والعين (¬11) بغير شرط، حل الأجل أو لا، فهو جائز ماض. وإنما أطلق ¬
الجواز في مسألة الحيوان لأنه سئل عن أمر وقع، وكرهه في الأخرى في الابتداء كما يكرهه (¬1) في الأولى. وإلى هذا نحا أبو عمران (¬2). وأُسْوان (¬3)، بضم الهمزة وسكون السين المهملة: مدينة من أعلى عمل مصر وآخر جُدة (¬4) في الجنوب (¬5). ومسألة: كِلْه لي في غرائرك (¬6)، وقوله: "لا يعجبني. تأوله أبو محمد: لا يعجبني البيع على هذا القبض حتى يكيله بنفسه. وقد قال سحنون: هذا ضعيف، وما في السلم الثالث في مسألة منعه أن يوَكل ابنَ المسلم إليه أو زوجته خير من هذه. وقد ضمَّن ابن القاسم في "عشرة" يحيى بن يحيى المسلمَ إليه وإن قامت له بالكيل بينة في المسألة الأولى. وقوله في اختلاف المتبايعين (¬7) في أول مسألة: "إذا اتفقا في الطعام واتفقا أن السلم في حنطة مضمونة"، ثم ذكر اختلافهما في الكيل. كذا عندي وفي أكثر النسخ، وفي بعضها (¬8): "قال: إذا اختلفا في الكيل واتفقا أن السلم في حنطة (¬9) ". وذكر المسألة، وهما وإن كانا بمعنى لذكره الاختلاف في الكيل فيهما فهذه الرواية أحسن في سياق المسألة. وقوله (¬10) في اختلافهما: "وذلك عند حلول الأجل فالقول قول البائع". فتأمل قوله هنا: "فالقول قول البائع". ¬
وقوله (¬1): "بل اشتريت منك أربعة أرادب بدينار، أن (¬2) رأس مال السلم عين، لأن الانتفاع برأس المال إذا كان لا يعرف بعينه فوات له بيد البائع كفوات السلعة بيد المبتاع. وكذلك لو لم يحل الأجل ولكنه مضى لقبض رأس ماله مدة ينتفع به، بخلاف لو كان سلعة معينة فيراعي فيها/ [خ 281] الفوات من عدمه كالسلعة المشتراة بالنقد. وتأمل قوله في الباب في ذكر ما يشبه وما لا يشبه، إنما هو كله فيما فات. ولا يختلف في مراعاة هذا بعد الفوات. وأما قبل فلا يلتفت إليه عند ابن القاسم لظاهر قوله عليه السلام: "إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان" (¬3). وعبد الملك يراعي ما يشبه وإن كانت قائمة لأن ما يشبه شاهد لمدعيه، وهو مقتضى قول أشهب. وقد أشار بعضهم أن قوله في الكتاب: القول قول مدعي الصحة، مراعاة لما يشبه مع قيام السلعة. قوله في مشتري السلعة (¬4) على النقد فينقلب بها ثم يختلفان في الثمن: إنهما يتحالفان ويتفاسخان/ [ز 235] ما لم تفت. وذكر عن ابن وهب ¬
عنه هنا أن القبض يوجب كون القول للمشتري. وقال في كتاب المكاتب: إذا قبضها وبان بها. وقال أشهب: يتحالفان (¬1) وإن فاتت. ذهب بعض شيوخنا أن روايته في كتاب المكاتب بزيادة: بان بها، قول آخر غير مراعاة مجرد القبض. وانظر إذا اختلفا في الثمن قبل قبض المشتري لها وقد حالت أسواقها بيد البائع ما الحكم؟ وقد قال ابن محرز في مسألة الجارية المختلف في ثمنها: لو أصابها عيب بعد التحالف وهي بيد المشتري لوجب أن يكون ضامناً، إلا أنه ينظر فيما يضمن؛ هل جميعها أو ما أصيب منها كما قال ابن عبدوس؟ وقوله بعد هذا (¬2): إذ (¬3) اختلفا في الجنس فقال أحدهما في قمح، وقال الآخر في شعير أو قطنية، واختلفت الأنواع تحالفا وترادا. وجعل عبد الملك القمح والشعير مما لا يتحالفان في الاختلاف فيه بعد الفوات. وحكى ابن حبيب (¬4) ذلك في السمراء والبيضاء، ورأيا أن الاختلاف في النوع والصفة ليس باختلاف في الجنس. ثم قال في الكتاب (¬5): وأما إذا اختلفا في الكيل بعد الأجل فالقول قول من يشبه (¬6)، "وليس اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع كاختلافهم في الأنواع". قيل: مراده بهذا أن اختلافهم في الكيل إذا جاء كل واحد منهما بما لا يشبه كان التحالف والتفاسخ لتشبيهه إياها بمسألة الجارية بعدها (¬7) وردها إلى القيمة، إذ القيمة ¬
فيها كالتحالف والتفاسخ والرجوع لرأس المال. وقد نبه ابن أبي زمنين وغيره على هذا وقال: تدبره فإنه خفي. وقوله (¬1): "أرأيت ما اشتريت وانقلبت به من جميع السلع فبنت به وزعمت أني دفعت الثمن وأنكرني البائع؟ قال: قال مالك: أما ما يتبايعه الناس على الانتقاد شبه الصرف كالحنطة والزيت" إلى آخر المسألة "فذلك مثل الصرف، القول فيه قول المشتري. وما كان مثل الدور والأرضين والبز والرقيق والعروض فالقول قول البائع وإن قبضه المبتاع، ولا يخرجه من أداء الثمن قبضه وبينوته (¬2) به". فتأمل اشتراط الانقلاب والبينونة في المسألة، وتأمل قوله "مما (¬3) يتبايعه الناس على الانتقاد" ورد الأمر فيه إلى العرف. ولا خلاف فيما يباع على النقد في هذا الفصل إذا بان به، فإن كان لم ينقلب ولم يبن به فروى أشهب (¬4) عن مالك أن القول قول رب الطعام. وقال ابن القاسم (¬5) عنه: القول/ [خ 282] قول المبتاع. قال ابن القاسم: وذلك إذا كانت عادة الناس في ذلك الشيء أخذ ثمنه قبل قبضه أو معه، فظاهر هذا أنه سواء كان بيد البائع أو المبتاع ما لم يبن به. وعلى هذا حمل الاختلاف في المسألة أبو القاسم بن محرز. وحمل ذلك غيره على كونه بيد المبتاع. وأكثر الرواية (¬6) عن أشهب وابن القاسم أنه إذا لم يبن به وقبضه (¬7). قال ابن محرز: فقد نبه ابن القاسم أن المعنى الذي يعتمد عليه العادة؛ فمن ادعاها فالقول قوله. ¬
واختلف هل حكم القليل والكثير من الطعام وشبهه سواء؟ وهو قول يحيى عن ابن القاسم، وذكره ابن أبي زمنين وابن لبابة. قال ابن القاسم: وسواء كثر (¬1) للحكر أو قل للحاجة أو يختلف. وإنما هذا في القليل،/ [ز 236] وهو قول يحيى بن عمر وهو الصحيح. وقوله (¬2): إذا قال الذي له السلم: ضربنا له أجل شهرين، وقال الآخر: لم نضرب أجلا، "القول قول مدعي الصحة". أشار بعضهم إلى أن هذا على مراعاة الأشبه قبل الفوت حتى لو كان العرف في البلد الفساد كان القول قول مدعيه. قال: وعلى أصله في الكتاب يتحالفا ويتفاسخا (¬3). وذهب بعضهم إلى أن معنى ما في الكتاب أن الأجل حل. وهو من نحو قول (¬4) الأول. وتأمل هذه المسألة في الكتاب فليس في الاختلاف فيها ما يول (¬5) إلى الاختلاف في رأس المال ولا في المبيع ولا فيما يعود بما يجر منفعة، كما لو قال أحدهما: لم أر السلعة، أو قال بعنا وقت صلاة الجمعة. وإذا كان هذا لم تكن معارضة لما وقع له في كتاب ابن سحنون (¬6) إذا قال البائع: بعت بخمر، والآخر بدنانير: إنهما يتحالفان ويتفاسخان، وذلك أن هذا يؤول إلى الاختلاف في الثمن. ¬
وإلى التفريق بين البابين نحا الشيخ أبو محمد وغيره من شيوخ القرويين لما ذكرناه. وحمله بعضهم على الخلاف وأن مذهب الكتاب حلف مدعي الصحة أبداً. وقال العتبي (¬1): إنما يكون القول قول مدعي الصحة إذا لم يكن على أصل معاملتهما بينة، فإن كانت على ظاهر صحيح سقطت اليمين. قال فضل: إلا أن يقول مدعي الحرام كنا أشهدنا على الحلال وتعاملنا في السر على الحرام، فإن كان ممن يتهم بمثل ذلك يعني الآخر (¬2) أحلف (¬3) وإلا لم يحلف. وقوله بعد هذا (¬4): "أرأيت إن تناقضا السلم واختلفا في رأس المال؟ قال: القول قول الذي عليه السلم"، ذهب كثير من الشيوخ أن معنى المسألة تناقضا سلماً فاسداً، بدليل عطفها على مسألة: من ادعى فساده، وأن المسألة لا تصح إلا على هذا، والا فلو كان من سلم صحيح كانت إقالة على أقل من رأس المال، أو على رأس مال مختلف فيه، ولا تصح هذه الإقالة، ويبقيا (¬5) على أصل البيع. وقال بعضهم: بل تصح على الإقالة. ولعله في عروض ولم يكن السلم في طعام، والإقالة فيه على أقل من رأس المال جائزة، وهو الذي يدعي الذي عليه السلم. وقيل: لعلها كانت إقالة صحيحة على رأس مالها (¬6) أولاً، ثم نشأ بينهما الخلاف بعد، ¬
فتصح في كل شيء. وعورض هذا كله أن من شرط الإقالة قبض (¬1) رأس المال وإلا فهي باطل، وقبضه مع النزاع متعذر الصورة إلا أن يقول: لعل هذا النزاع بالقرب وحضرة الحاكم فيقع الفصل بينهما، والعمل كله في قرب. ومسألة/ [خ 283] الذي قال المسلم إليه (¬2): "لم أقبض رأس المال منك إلا بعد شهر أو شهرين، أو قال: كنا شرطنا ذلك. وقال الآخر: بل نقدتك عند العقدة. القول قول مدعي الصحة". استدلوا بها أن مذهب الكتاب أن تأخر العين في رأس المال بغير شرط يفسد به السلم. كذا روايتنا: أو قال: كنا شرطنا. وفي بعض النسخ: وقال. وإن صحت هذه الرواية/ [ز 237] لم تكن فيها حجة لتأويل من تقدم وترجع المسألة كلها إلى الشرط. وقد قدمنا الخلاف في تأويل الكتاب في هذا. ومسألة القائل (¬3): "أسلمت هذا الثوب في مائة إردب حنطة، وقال الآخر: بل هذين الثوبين غير الثوب الأول في مائة، وأقاما البينة. قال: تصير (¬4) الثلاثة الأثواب في مائتي إردب حنطة". معناه أن المسلم قام بهما. قال ابن عبدوس: وذلك إذا كانا في مجلسين، وإلا فهو تكاذب. وقال غيره: سواء كانا في مجلس أو مجلسين. وفي كتاب ابن حبيب اختلاف في هذا الأصل. ولا يختلف أنهما يعملان معاً إذا كانا في مجلسين. وأما إذا قال أحدهما: هذا الثوب في مائة والآخر: هذا الثوب والعبد في مائة. فقال: هنا يقضي ببينة من زاد، ويكون العبد والثوب في المائة. قال بعضهم: وسواء هنا كان في مجلس أو مجلسين لاعتراف (¬5) المتداعيين أن ذلك شيئاً ¬
واحداً (¬1). وقد اختلف قوله في الكتاب في هذا الأصل: هل يقضي بهذا أو هو تهاتر (¬2)؟ وقوله (¬3) في مسألة الاختلاف في موضع القبض: "وتصادقا في السلم أنما دفعه إليه في موضع كذا، وليس يدعي واحد منهما أنه شرط القبض في موضع الدفع والسلم. القول قول البائع". قال فضل: مفهومه أنه إن ادعى أحدهما أنه شرط على صاحبه القبض بموضع دفع الدراهم فالقول قوله. قال القاضي: وقع هذا اللفظ في "المدونة" من روايات كثيرة، وليست في كتبنا ولا عند شيوخنا. وقد نقلها ابن أبي زمنين وغيره (¬4) وقال: لم يرو ابن وضاح: ومن ادعى منهما قبض الطعام في موضع دفع الدراهم كان القول قوله (¬5) وبه تتم المسألة. ورواه غيره. قال القاضي: لعل سحنون (¬6) طرحها آخراً لأنه لا يقول بذلك. ومذهبه أن القول قول المسلم إليه وإن ادعى صاحبه القبض بموضع دفع رأس المال (¬7). وقوله (¬8) في مسألة الجارية المختلف في ثمنها: "له نماؤها وعليه نقصانها يوم قبضها، لأنه كان ضامناً لها". ¬
ذهب أبو محمد وغيره أن معنى يوم قبضها يوم ابتاعها، لأن شراءه كان صحيحاً، ومن يومئذ ضمنها. وقال ابن شبلون وابن الكاتب: بل إنما يضمنها كما قال يوم القبض، وجعلا بيع الاختلاف في جنس الثمن كالبيع الفاسد. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: معناه أنها مما يتواضع، فضمانه إياها يوم القبض، وهو يوم خروجها من المواضعة. ولو كانت في عظم دمها فيكون أيضاً يوم القبض، فلذلك لم يقل يوم العقد. قالوا: والقيمة ها هنا بالعين لا بما (¬1) ادعاه المشتري من شرائها بالعرض. وهذا ظاهر الكتاب لقوله (¬2): "كانت قيمة الجارية على المشتري" بعد ذكره مسألة الخلاف في السلم في الحمص والعدس أنهما يتحالفان ويترادَّان. قال: فلما رد مالك الثمن وفسخ البيع بينهما ولم يكن فوات الزمان/ [خ 284] تصديقاً لقول البائع كانت الجارية كذلك ولم يقبل قول واحد منهما، وجعلت القيمة كأنها ذهب. قال سحنون: هذا أصح ويرد قوله في "المختلطة". قال فضل: الذي هنا أصح مما في كتاب (¬3) المصريين، يعني "الأسدية"، لأ (¬4) قال في كتبهم (¬5) في كراء الدور: عليه كراء المثل من النوع الذي ادعاه المكتري. وقد أصلحه في "المدونة". والحِمِّص (¬6)، بكسر الميم وتشديدها (¬7) / [ز 238]. ¬
وشركة عِنان (¬1)، بكسر العين. كذا ضبطناه، وهذا هو المعروف. وحكى بعضهم فيه الفتح (¬2)، ووجدته في بعض كتب اللغة كذلك ولم أروه. ولم يعرفها مالك في غير هذا الموضع. ومعنى ذلك أنه لم يعرف استعمال هذا اللفظ ببلدهم. وقد اختلف في تفسيرها واشتقاقها: ففسرها سحنون أنه الشريك المخصوص ليس المفاوض (¬3) في كل شيء. وقال القاضي أبو محمد بن نصر والقاضي أبو الحسن بن القصار وغيرهما في معانيها وما قيل في اشتقاق اسمها وجوها كثيرة: منها أنها أخذت من عناني الفرسين إذا سارا (¬4) الفارسان بهما معاً، لاستواء هذين في المال المتشارك فيه وربحه. وقيل: بل من عنان الفرس نفسه لاعتدال طرفيه واستوائهما، وأن أحدهما لا يزيد على الآخر. وقيل: بل هو من الظهور، ومعناه شركة ظاهرة، ومنه: عنَّ لي الشيء: إذا ظهر. وهذه الشركة تظهر في شيء دون غيره بخلاف المفاوضة. وفي كتاب "العين": شركة العنان شركة في شيء خاص (¬5)، كأنه عن؛ يقال: اعتن لنا ما عند القوم، أي اعلم خبرهم (¬6). وعنان السماء ما بدا منها. ¬
وقيل: سميت بذلك لأن الفارس يمسك بيديه إحدى (¬1) عناني الفرس ويرسل الأخرى، يتصرف فيها كيف شاء، وكذلك هنا (¬2) يتصرف في بقية ماله كيف شاء. وقيل: بل من منع الفرس بالعنان عن التصرف، كذلك هذا يمنع (¬3) مما شارك (¬4) فيه. قال ابن القصار: وقال بعض أصحابنا: شركة العنان هو أن يشتركا في شيء بعينه على ألا يبيع أحدهما إلا بإذن شريكه، فكأن كل واحد منهما ممسك عنانه من صاحبه أو بعنان صاحبه عن التصرف بغير إذنه. فعلى الاشتقاق من عنان الدابة يكون بالكسر على المشهور، وعلى أنه من الظهور ومن عنان السحاب يكون بالفتح. ومسألة منعه إسلام المأمور (¬5) إلى ابنه الصغير ويتيمه، قال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحها، وقال: ذلك جائز لأن العهدة في أموالهما. وقوله (¬6): "لا ينبغي للمسلم أن يمنع عبده النصراني أن يشرب الخمر ويأكل الخنزير ويأتي الكنيسة أو يبيع الخمر أو يبتاعها"، ظاهره اللزوم له والوجوب وأنه ليس له منعه، لأن ذلك من دينهم، ولأنه حق للعبد بدخول (¬7) سيده في ملكه على ما يلزمه في دينه، كما قال في الزوجة في ¬
"المدونة" (¬1). وقيل: بل معناه الإباحة أي إنه مباح له أن يتركه لذلك، وإن شاء حجر عليه. ونحوه في كتاب محمد في منع الزوجة من ذلك، إذ ليس من دينها شرب الخمر وأكل الخنزير، وإنما هو مباح لها. ولأنها دخلت في زواجه على حكم الإسلام، وهو يقبلها ويضاجعها، / [خ 285] فهو حكم (¬2) بين مسلم ونصراني يحكم فيه بحكم الإسلام، وأما الذي هو من دينها فلا يمنعها منه، كالصوم وأن تأتي الكنيسة فَرْطاً (¬3). وقوله (¬4): وأن يبيع الخمر أو يبتاعها مع قوله قبل: "لا ينبغي له" إذا كان على القول بالوجوب فاختلف فيه؛ فقيل: لعل المراد بعبده هنا مكاتبه، إذ لا حجة عليه في تجارته وبيعه وشرائه والتحجير عليه. وقيل: لعله في مأذون له فلس وعنده خمر، فقد تعلق بهذا حق للغرماء فليس لسيده منعه من بيعها. وقيل: هو في عبد أذن له سيده أن يتجر بمال نفسه. وقيل: بل هو فيما يحتاج إليه من قوته والمعاوضة فيه (¬5). وقيل: بل فيما تركه له السيد من ماله يوسع له/ [ز 239] به عليه فيشتري من ذلك (¬6) ما أحب لنفسه. وانظر في النكاح الثالث والسلم الثالث. وقوله (¬7): إذا وكل الوكيل على السلم غيره قال: "أراه غير جائز"، حمله بعضهم على ظاهره أنه غير ماض وأن للآمر أن يفسخ ذلك بكل حال إذا شاء، وله إجازته والرضى به، وعليه حمل قول سحنون. وهو ظاهر بين ¬
في "الواضحة" عن ابن القاسم عن مالك. ولأصبغ وغيره إذا فعل وكيله مثل فعله في النظر والصحة لزمه، وإن كان بخلاف ذلك لم يلزمه ولا جاز له الرضى به. وقال بعض شيوخنا: إن كان الرجل ممن لا يليه لشرفه مشهوراً بذلك إنما يولي غيره لزم الآمر، وليس يقبل دعواه جهله بحاله لشهرته. وإن كان ممن مثله لا يليه ولم يكن مشهوراً بذلك ولم يعلم الآمر بذلك لزمه، وهو متعد لأن رضاه بالتوكيل إلزامه لنفسه ذلك حتى يعلم به الآمر. ومنهم من حمل قوله في الكتاب "أراه غير جائز" على رضى الآمر بما فعل وكيل موكله الذي له السلم؛ إذ بتعديه صار الثمن دينا عليه للآمر، فلا يفسخه في سلم الوكيل الثاني إلا أن يكون قد حل وقبضه فيجوز لسلامته من الدين بالدين. وقوله (¬1): "إذا وكلت رجلاً يبيع لي طعاماً أو سلعة فباعها بطعام أو عرض"، قيل معنى المسألة نجاع الطعام بالعرض أو العرض بطعام، وأما لو باع الطعام بالطعام لم يصح جوابه بقوله: "وإن شاء الآمر أن يقبض ثمن ما باع به إن كان عرضاً أو طعاماً"، لأنه كان يصير طعاماً بطعام فيه خيار. وحمل بعض القرويين المسألة على وجهها وأنه جائز أن يقبض (¬2) ما اشترى ويجيز فعله ولم يعتبر الخيار. وهذا أيضاً (¬3) مختلف فيه. وقد مضى مثله (¬4) في الصرف في بائع الحنطة الوديعة بتمر مما تقف عليه إن شاء الله. وإلى هذا نحا [يحيى] (¬5) ¬
في كتاب محمد في مسألة الوديعة في الصرف وسنذكرها (¬1). ونحا كثير من الشيوخ القرويين أن مذهب "المدونة" خلاف لما [في] (¬2) كتاب محمد وأن المسألة على وجهها باع طعاما بطعام. ويتأول بعضهم المسألة أنه باعها لربها مضمرا لذلك ولم يعقده مع الآخر. ولأشهب في كتاب محمد فيمن استودع طعاما فاشترى به تمرا قال أشهب: إن اشتراه لرب الوديعة لم يجز لكونه طعاما بطعام فيه خيار، وإن كان لنفسه جاز لرب الوديعة الرضى. قال أبو عمران: ظاهره الخلاف وهذا يدل أن قول أشهب هناك لا يقوله ابن القاسم، وليس بتفسير له على ما ذهب إليه بعضهم، لأن الوكيل هنا إنما اشترى لرب/ [خ 286] الطعام، وإذا حملت المسألة على ما تقدم ذهب الاعتراض وصارت مسألتين. وقد بينا المسألة في كتاب الصرف. وقوله (¬3) في الذي أسلم في بساط الشعر: "وليس للآمر على البائع قليل ولا كثير" قال بعض الأندلسيين: دليل قوله هذا لا سبيل للآمر إلى الدراهم وإن أقر المسلم إليه أنها دراهمه أو قامت بينة بذلك (¬4). قال فضل: إذا علم البائع أنها من دراهم الآمر كيف لا يتبعه! قال ابن أبي زمنين: في لفظ الكتاب نظر، يعني قوله: "وليس للآمر على البائع"، ونحا إلى ما قاله فضل. ويأتي على أصولهم إذا نص عليها المأمور عند عقد البيع أن لربها أخذها. وصوبه ابن محرز قال: ولا ينفسخ السلم ويرجع. ويغرمها المأمور للمسلم إليه/ [ز240] إن كان له مال، وإن لم يكن له مال بيع السلم إن كان ¬
مما يباع، وإن كان مما لا يباع كالطعام نقض لتأخر رأس مال السلم [فيه] (¬1)، ولِحَق الذي له السلعة. ووقع في رواية الدباغ أن العرض يباع مع قيام العرض المتعدى فيه، فإن كان فيه وفاء أخذه الآمر، وإن كان فيه نقصان ضمنه المأمور. وطرحه سحنون في أكثر الروايات، وليس عندنا في "الأم". قال جماعة من الشيوخ: ومعناه منصوص في الأمهات - كتاب محمد وغيره - وإن كان العرض المتعدى فيه قائماً (¬2) فالصواب ألا يباع، لأنه يمكنه أخذه ورد البيع. ومسألة (¬3) الذي أمره أن يشتري له سلعة فاشتراها بعرض أو بشيء سوى العين إن ذلك لا يجوز على الآمر وإن شاء أن يدفع ما اشتراها به وأخذها. ظاهره أنه يعطيه مثل العرض لا قيمته، كأنه قرض أقرضه إياه، قاله فضل؛ قال: وقد رأيته لسحنون كالمكيل والموزون. وفي "اختصار الأسدية" لابن أبي الغمر (¬4): إنه يرجع بقيمة العرض. وهذا إنما يكون إذا كان بقيمة السلعة فأدنى (¬5). وقوله (¬6) في الذي أمره ببيعها بثمن إلى أجل، فباعها بالنقد: إن عليه القيمة سمى له أو لم يسم، إلا أن يكون ما باع به السلعة أكثر من القيمة نقداً فذلك لرب السلعة. ظاهره أنه باعها بالنقد بمثل ما سمى له إلى أجل. ¬
وإليه نحا ابن التبان (¬1). وقيل: معناه أنه كان جهل ثمن سلعته، أو إنما حد له أقل من الثمن وقال له: اجتهد في الزيادة (¬2). وقال أبو محمد: معناه باعها بالنقد بأقل مما سمى له، ولو باعها بما سمى لم تكن له حجة. وقيل: إنما يكون له حجة ونقض فعله إذا كان ما سمي له غير العين، لرغبته في بقائه في الذمة بخلاف العين، وقاله التونسي. وقوله (¬3) في اختلاف الآمر والمأمور في ثمن السلعة: القول قول الآمر إن لم تفت. قال ابن القاسم في "تفسير" يحيى: الفوات هنا ذهاب العين، ولا يفيتها نقص ولا زيادة ولا عتق ولا غيره. ومثله في الوكالات. وقال في "سماع" عيسى: هو اختلاف الأسواق. وقوله (¬4) فيمن أسلم في طعام وأخذ به رهنا فهلك لم يصلح أن يقاصه بقيمته من سلمه. (ثم) (¬5) قال (¬6): "قلت: وكذلك إن حل الأجل لم يصلح أيضاً أن تقاصه بما صار له عليك من قيمة الرهن"، كذا في كتابي وعليه اختصرها أبو محمد وابن أبي زمنين وغيرهما (¬7) وسووا بين حلول الأجل وقبل حلوله. وذكر ابن وضاح أن سحنون طرح المسألة إن كانت بعد حلول الأجل، قال: ولم يقرأه لنا. وقوله (¬8) في الذي أسلم في طعام فرهنه مثله: / [خ 287] إن ذلك ¬
جائز. تأول ابن الكاتب منها (¬1) وتشبيهِها بجواز رهن (¬2) الدنانير إذا ختما عليها أن مذهب الكتاب جواز رهن مثل رأس المال في السلم من الذهب والفضة. وخالفه في ذلك غيره وقال: لا يجوز لأن الدفع لرأس. المال كأنه ما حصل، وإن مسألة الكتاب إنما هي في تشبيه الطعام بالعين في الرهن في أنهما لا يعرفان (¬3) إذا غيب عليهما. وقوله في الكفيل/ [ز 241] يصالح مما ضمن (¬4): "إن كان باع الكفيل إياها بيعاً والذي عليه الدنانير (¬5) حاضر فلا بأس به"، كذا في كتابي، وعلى هذا اختصره ابن أبي زمنين وغير واحد. واختصره أبو محمد وغيره (¬6) بزيادة "مقر" مع حاضر. وكذلك في رواية العسال (¬7). وكذا في كتاب القسمة والصلح. وكان أبو محمد اللوبي يقول: لا حاجة لهذه اللفظة في هذا الموضع، لأنه إنما يحتاج إلى إقراره فيما بيع عليه خوفا من جحوده فتقع الخصومة فيه، والحميل هنا غارم بكل حال أقر أو جحد. وذهب غيره إلى تصويب إثبات إقراره، لأنه قد ينكره فيؤدي إلى الخصومة فيه، فيكون شراء ما فيه خصومة. وقال بعضهم: إنما يحتاج إلى حضور الغريم إذا لم يحل الدين، فأما إذا حل فلا يحتاج، لأن الكفيل مطلوب بما تكفل به. وفي هذا تنازع من (¬8) المتأخرين، ومنهم من منعه إذا غاب بكل حال. وقوله (¬9) في مصالحته عن الغريم بعرض: "يجوز، لأنه كأنه قضاه ¬
دنانير (¬1)، لأن ذلك يرجع إلى قيمة الذي عليه إن كان دنانير". قيل: معناه مثل الذي عليه، قاله ابن لبابة. وفي نسخة: لأنه يرجع إلى جنس الذي (عليه) (¬2). وقوله (¬3) بعد هذا: "وإن كان الذي عليه عرضاً أو حيواناً فلا خير فيه"، يريد: لتخيير الغريم في أداء ما عليه أو العرض الذي دفع عنه، بخلاف إذا دفع ما يرجع إلى القيمة وعليه دنانير، إذ ليس هناك تخيير، إنما يدفع دنانير. قال فضل: إنما له الخيار هنا في نوع واحد في أن يدفع أقل الأمرين. قال القاضي: وليس هذا بخيار هو إنما يدفع أبداً الأقل، إذ عليه دفع ما كان عليه إلا أن يكون ما دفع عنه أقل، فهو تخفيف عنه وإسقاط. وعلى هذا اختصر أبو محمد قوله (¬4): "وإن كان الذي عليه عرضاً أو حيواناً فلا خير فيه" فقال: إن كان الذي عليه عرض (¬5) والذي دفع الكفيل عرض (¬6). وذهب غيره إلى أن المسألة راجعة إلى ما قبلها وأن معنى قوله: "إن كان الذي عليه عرضاً أو حيواناً"، أي إن كان الذي يطلب الكفيل الغريم بالعرض والحيوان لا بالقيمة. ورد المسألة إلى مسألة: إذا كان على الغريم دنانير. وغمر (¬7) بعضهم دفع الكفيل العرض عن الغريم وقال: هو يدفع عرضه ليرجع بما لا يدري أهو مثل ما على الغريم أو أقل من قيمته؟. ¬
وللشيوخ عنه أجوبة معلومة في كتبنا، أَولاها قول من زعم أن هذا مقصده المعروف لا المكايسة، كهبة الثواب (¬1) وغير ذلك، كلها ضعيفة الوجوه. وقوله (¬2): "إذا أسلم في حنطة وأخذ منه كفيلاً إنه لا يجوز أن يصالح الكفيل قبل محل الأجل بشيء إلا بمثل رأس مالك (¬3)، تُوَلِّيه (¬4) تَوَلِّيه إياها أو إقالة برضى الذي عليه السلم. فقوله: برضى، عائد إلى الإقالة لا التولية، إذ لا تحتاج التولية إلى رضى الذي عليه السلم، لكنه يحتاج إلى حضوره. قال أبو عمران: لا بد في التولية من حضور الذي عليه السلم، اتفقوا على ذلك. وقوله/ [خ 288] في الإقالة بعد هذا (¬5): "وهذا يجوز للأجنبي من الناس أن يعطي (¬6) ذهباً على أن أقيل الذي عليه السلم برضاه"، كذا هي في كتابي وفي أكثر النسخ. وعليه/ [ز 242] اختصرها المختصرون. في طرة كتاب شيخنا أبي محمد: وهذا لا يجوز، في بعض الروايات. وكذا وقع في بعض النسخ (¬7). وقوله (¬8) في المقيل إذا استرجع بعض رأس المال بعينه بزاً أو رقيقاً أو حيواناً أو صوفاً، قال فضل: "صوف" حرف سوء، لأنه مما لا يعرف بعينه ومن الموزون. قال غيره: أراد ثوب صوف. ¬
وقوله (¬1): إذا أسلم إليه في أرادب طعام فاستزاده بعد ذلك فزاده إلى محل أجل الطعام أو قبل ذلك أو بعد (¬2) فهو جائز. اعترضها بعضهم بهدية المديان، وأجاب عنها غيره بوجوه معروفة أبينها أن هذا رغبة وسؤال من صاحب الحق. وأما سحنون فعمزها (¬3) إذا كانت قبل الأجل. قال فضل: أظنه لما رآه قبل الأجل كأنه عجل له حقه وزاده. قال القاضي: تفسيره كأن الذي عجل له الآن هو من الحق الذي كان عليه على أن زاده قدر ذلك يوفيه توفية مع بقية السلم، فأسقط عنه الضمان مما قبض. وهذا ليس ببين، إذ لم يعتر (¬4) منفعة ولا سقط عنه بالحقيقة ضمان شيء، إذ بقدر ما سقط عنه ترتب عليه في الزيادة، فانظر ذلك. وقوله (¬5) في باب الإقالة وجوازها بعد تغير رأس مال السلم: "إنما قال لنا مالك في تغير البدن، ولم يقل لنا في تغير الأسواق، ولو كان عنده مثل تغير البدن في مسألتك لقاله". ونص عليه في السلم الثالث (¬6) أن مالكاً أجاز الإقالة في ذلك، فحُمِل أنه لم يسمعه من مالك وبلغه عنه فيجتمع الكلامان على هذا. أو أنه ذكر السماع حين سأله عن مسألة الكتاب الثالث ولم يذكرها هنا (¬7). أو يكون نسبها هناك إليه على قياس مذهبه وأصوله على نحو ماله هنا وتحرى هنا اللفظ (¬8). ¬
وقول سحنون (¬1) في مسألة من أقال مما يوزن أو يكال بعد إتلافه، في جواب ابن القاسم: الإقالة جائزة وعليه مثله إذا علم الآخر بذلك (¬2). "قال سحنون: وكان عنده المثل حاضراً". قيل: هو تفسير لقول ابن القاسم ووفاق. وقيل: خلاف بدليل مسألة الاغتصاب بعد (¬3) والتزام (¬4) الغاصب ما أتلفه من ذلك، وسواء كان عنده حاضراً أم لا. وقوله: وليس للشريك على شريكه حجة، يعني في الدخول عليه فيما اقتضى من رأس ماله كما فسره بعد هذا من قول مالك في الكتاب أيضاً. وقد كثر كلام أئمتنا على هذا واختلفوا في تعليله؛ هل هو من باب الاقتضاء فمنع لعلة تفسد الإقالة، وهو مذهب الفضل بن سلمة وأبي محمد بن أبي زيد على اختلافهم (¬5) في العلة، وعليه تأول فضل إنكار سحنون المسألة. وقيل: ليس من باب الاقتضاء، لأن هذا لم يقبض (¬6) من دينه شيئاً، بل أخذ رأس ماله، وإنما هو من باب المعروف وشبه (¬7) التولية. وهو مذهب القابسي وغيره. وقوله (¬8): "وإنما الحجة فيما بين شريكه وبين البائع"، حكى القاضي أبو الأصبغ عن أبي مروان بن مالك أن القرشي التيمي (¬9) وابن ¬
الأصبغ الأمي (¬1) كانا يقولان: الحجة ها هنا/ [ز 243] هي العهدة. وحكى مثله عن أحدهما عن ابن المكوي، قال أبو الأصبغ: / [خ 289] وأخبرني أبو مروان (¬2) وأبو المطرف بن سلمة (¬3) عن أبي بكر بن زهر (¬4) أن الحجة التي بين الشريك والبائع قوله له: لم يكن مذهبك في البيع من صاحبي، وإنما عقدت مع صاحبي ذلك، لتسهلا (¬5) علي معاملتك (¬6) حتى تنعقد، ثم تحله ¬
كما فعلت. وقال غير هؤلاء: الحجة أن يقول الشريك للبائع: لو لم نقله (¬1) لم يقبض (¬2) شيئاً إلا ودخلت فيه معه إذا (¬3) كان طعامنا عليك بحق واحد، وربما أفلست فلم أجد (¬4) ما آخذ منك، وهذا قد تخلص فلم تحسن فيما فعلت وأسأت. ومعنى هذين الوجهين أن لهما متكلماً وملاماً لا حجة حكم وقضاء. ومذهبه هنا في جواز الشراء على حمالة البائعين بعضهم من بعض وفي البيوع الفاسدة خلافه وأنه لا يجوز، وقد قيل: إن كان الأنصباء متساوية جاز، وهناك تمام المسألة. ومسألة ويبة وحفنة تقدمت. ¬
كتاب السلم الثالث
كتاب السلم الثالث مسألة إقالة المريض (¬1) من سلم الطعام تعلق القابسي (¬2) أن إجازة ابن القاسم لها، لأنها كانت وصية أوصى بها بعد الموت، بدليل قوله (¬3): "وتمت وصيته". وأنكر هذا غيره وقال: بل هي إقالة بتل في المرض، بدليل قوله (¬4): ولو لم تكن فيها محاباة كان جائزا، فلو كانت في وصية لكانت في الثلث، كانت فيها محاباة أم لا. وإنما سماها وصية تجوز (¬5) في العبارة لما كان النظر فيها موقوفا بعد الموت، كأفعال المريض التي فيها معروف فتوقف ويكون حكمها حكم الوصايا. ولو كانت وصية لم ينكر المسألة سحنون (¬6) وغيره. وجعلوها إقالة مترقبة خارجة من باب الإقالة لا تجوز، واحتاجوا فيها من التأويلات ما هو موجود في الشروح مما سنذكر أوجهه (¬7). وقوله (¬8): "فإن أحب الورثة أن يقيلوه ويأخذوا رأس المال فذلك جائز"، استدل به ابن الكاتب أن المريض قبض رأس ماله، وأنه سواء عند ¬
ابن القاسم قبض أو لم يقبض، الإقالة جائزة. وسواء عند سحنون ذلك الإقالة مفسوخة، خلاف ما ذهب إليه القاضي ابن نصر (¬1) أنها إنما تصح على قول ابن القاسم إذا نقد، وتبطل على قول سحنون إذا لم ينقد، ولأنه لا فائدة في التفريق بينهما، إذ أفعال المريض مترقبة فيما انتقد أولاً (¬2). والورثة مخيرون في إمضائها أو ردها. وكذلك عورض قول (¬3) ابن اللباد (¬4) بأن معنى قوله (¬5): أقال ثم مات، لأنه وإن أوجب الحكم تعجيل النظر فأصل المسألة كان على تأخير النظر، كمن أسلم بشرط تأخير النقد ثم عجله، فلا ينفعه. وما نحا إليه أبو محمد في المسألة أولى من أن معناها لعله إنما أجازها ابن القاسم لأنها لم يقصد بها التأخير وإنما اقتضاه الحكم، أو ما نحا إليه أبو عمران أنه كانت للمريض أموال مأمونة على أحد قولي مالك إنه ينفذ فعل المريض فيما بتل إذا كان كذلك. وقوله في الكتاب (¬6): "وإن كان الثلث يحمل جميعه جاز". ذهب أبو محمد عبد الحق (¬7) وغيره أنه أراد المحاباة لا جملة السلم. ونحا (¬8) ابن محرز أنه يجعل في الثلث الجميع. وقوله (¬9): "أسلف في طعام فأخر النقد حتى حل الأجل، أكره ذلك وهو من الدين بالدين". ¬
قيل: / [ز 244] المراد بالنقد هنا العين، وقد كرهه في الثاني في العرض. وتقدم الكلام عليه. وقوله (¬1): / [خ 290] "من خرق أو عور"، كذا الرواية، وفي نسخة: (أو عوار) (¬2)، وكلاهما بمعنى العيب. قال الخليل: العوار خرق في الثوب (¬3)، ويقال: عَوار وعُوار معاً بالفتح والضم (¬4). وقوله (¬5): "من اشترى طعاماً فاكتاله في سفينته فقال له رجل: أشركني ففعل ثم غرقت السفينة، هلاكه منهما"، وقد أنكر سحنون هذا. وحكى فضل في التولية أنها من المولي حتى يكتاله، فكذلك ينبغي أن تكون من المشرك. وعليه حمل إنكار سحنون للمسألة. قال أبو عمران: ولا نعرف هذا إلا من فضل، ومذهب ابن القاسم أنه من المولي، إذ بنفس العقد دخل في ضمانه كمشتري الصبرة جزافاً. قال ابن محرز: وما هنا يدل أن أجرة الكيل على المولي. وقال أبو عمران: أجرة الكيل تقاس على العهدة؛ فحيث تكون على البائع هي عليه، وحيث تكون على المشتري هي عليه، وإذا (¬6) وجدت على المولي والمشرك فهي عليه. وقد اختلف في كتاب محمد في أجرة الكيل؛ هل هي على البائع أو على المشتري؟. وقال ابن شعبان: أجرة الكيل والوزن في المبيع على البائع وفي الثمن على المشتري. وهذا موافق للقول: إنه على البائع، إذ كل واحد منهما بائع لشيئه من صاحبه. وقد سوى في الكتاب بعد هذا في باب التولية بينها وبين الشركة في ¬
وجود النقص وقال: على المولي نقصانه وله زيادته إذا كان من نقصان الكيل وزيادته، وليس ذلك للذي ولى، وإن كان كثيراً وضع عنه بحسابه ولم يكن عليه ضمان ما انتقص، والزيادة للذي ولى. قال (¬1) والشركة مثله. قال فضل: انظر سوى بينهما في النقص الكثير وقد قال قبل في الشركة: لو تلف الطعام قبل قبض المشرك كان منهما. وقوله (¬2): "ويرجع على صاحبه بنصف الثمن الذي نقده في الطعام" دليل على أن المسألة عنده على ما قال من ضمان المشرك نقد أو لم ينقد، وأنها بخلاف المحتبسة بالثمن لما كانت الشركة معروفاً. وإليه ذهب بعضهم. وذهب آخرون إلى أن الهلاك ببينة، ولو كان بدعواه لجرى فيه الأمر على الخلاف في المحتبسة بالثمن. وهذا ضعيف. وقوله (¬3) في الذي أسلم إلى رجل في طعام إلى أجل فقال له بعد ذلك: ولَّني الطعام الذي لك علي: هذا ليس بتولية، وهي إقالة إذا نقده. فأجاز الإقالة بغير لفظها وهو لا يجيزها بلفظ البيع. قال ابن محرز: لأن لفظ التولية لفظ رخصة ولفظ الإقالة مثله، فعبر بأحدهما عن الآخر، بخلاف البيع. وقوله بعد هذا في باب بيع الطعام قبل أن يستوفى: "إذا دفع المسلم إليه مثل رأس المال الذي له ليشتري به طعاماً هو جائز. وجعله إقالة. لا حجة فيه لجواز الإقالة بلفظ البيع، إذ لم يعملا هنا على الإقالة، وإنما قال ذلك لدفع التهمة عنهما، أي إنما يتهم في هذا بحبس رأس المال. فلو فعلا ذلك وقصداه على وجه الإقالة لكانت جائزة، فإن اتهمناهما بذلك فإنهما (¬4) اتهمناهما بما لو فعلاه لكان جائزاً، فلا نمنعهما منه. ¬
والجَزَر (¬1)، بفتح الجيم والزاي: الاسفنارية، ويقال له الجِزر بكسر الجيم أيضاً (¬2). والسِلق (¬3)، بكسر السين (¬4). والْخِرْبِز (¬5)، بكسر الخاء المعجمة وكسر الباء، وبينهما راء/ [خ 291] ساكنة، وآخره زاي: هو/ [ز 245] البطيخ بالفارسية. وقيل: هو منه الهندي المدور المعروف عندنا بالسندي (¬6). والقَرَنْبَاذ (¬7)، بفتح القاف والراء وسكون النون، بعدها (¬8) باء بواحدة (¬9) وآخره ذال معجمة: الكرويا. والتابَل (¬10)، بفتح الباء (¬11). والفُلْفُل (¬12)، بضم الفاء، بين (¬13). ¬
وكذلك الكُسْبُر (¬1)، بضم الكاف والباء (¬2)، ويقال بالزاي أيضاً (¬3). الشُونِيز (¬4)، بفتح الشين: الحبة السوداء (¬5). وجاء في الكتاب (¬6) في غير موضع في بيع الصبرة من الطعام: لا بأس ببيعها قبل قبضها. ومعنى الصبرة: الشيء المجموع غير المكيل. قيل: أصله من الحبس، لأنه حبس عن الكيل، ومنه الصبر حبس النفس عن الجزع، ويحتمل أن يكون من وضع بعضه على بعض. ومنه الصبِير (¬7): سحاب كثيف. وصُبْر الإناء أعلاه. أنكر سحنون قوله: قبل قبضها، وقال: المصبر بعينه مقبوض، وطرح اللفظة حيث وقعت ابن وضاح من كتابه. وقد يتأول أن مراده صحيح، أي إنها لا يحتاج إلى قبضها، فبيعها جائز قبل القبض لو كانت مما يحتاج إليه، وهو بين إن شاء الله. وقوله (¬8) فيمن عليه ثياب قرقبية: لا بأس ببيعها من الذي هى له بثياب قطن مرْوية (¬9) أو هرَوية (¬10)، خرج من هنا أئمتنا جواز تسليم رقيق الكتان في رقيق القطن، وأنهما صنفان خلاف ما ذهب إليه بعضهم. وروي عن ¬
مالك في "المنتخبة" من منعه لأنه رقيق كله. وليس في "المدونة" ما يستدل به على المسألة إلا هذا اللفظ (¬1). وقوله (¬2) في الذي أسلم "إلى رجل دراهم في طعام، فلما حل الأجل قال له الذي عليه الطعام: خذ هذه الدراهم، فاشتر بها طعاما من السوق ثم كله ثم استوف حقك منه، قال: لا يصلح هذا، وسواء دفع إليه دنانير أو دراهم أو عرضاً من العروض، لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى". ثم ذكر بعد في الباب الآخر: إذا قال له (¬3): "خذ هذه الدنانير فابتع بها طعامك (¬4) أو سلعتك: إذا كان مثل الثمن الذي دفع إليه في عينه ووزنه فلا بأس به، وإن كان أكثر (¬5) فهو حرام لأنه غير إقالة. أنا أبو محمد بن عتاب أن يحيى - أراه ابن عمر - ذهب إلى أن المسألتين سواء، وأن أحدهما (¬6) مفسرة للأخرى. وعلى هذا اختصرها المختصرون. وأن غير (¬7) يحيى ذهب إلى أنهما مفترقتان، وأن الأولى ظاهرها أنه لا يجوز وإن اتفق الثمنان، لأنه قال له: اشتر لي. وكذا كرر الكلام فيها في الكتاب وكرر لفظة "لي"، فيتهمه أن يمسك الثمن عنده عن الطعام الذي أمره بشرائه له، فهو بيع الطعام قبل استيفائه على كل حال. والمسألة الأخرى إنما قال له: اشتر لنفسك، لقوله: طعامك، فهو إذ (¬8) دفع إليه مثل الثمن فإنما يتهمه على إمساكه عوضاً من طعامه الذي أمره بشرائه ¬
لنفسه، وهو إن فعل هذا كانت إقالة، وهما لو صرَّحا بها لجازت. ومسألة الصبرة (¬1) تشترى على الكيل فيتعدى عليها أجنبي قال: "للبائع القيمة على المستهلك، وأرى أن يشترى (¬2) بالقيمة طعاما للبائع"، كذا روينا هذا الحرف. وفي بعض النسخ: يشتري بالقيمة طعاما البائع (¬3)، وكذا جاء بعد هذا في اللفظ الآخر عند تكرير المسألة، وهو قوله (¬4): "فلما لم يعرف كيلها وأخذ مكان الطعام القيمة اشترى له طعاماً بتلك القيمة" يعني البائع. وفي بعض النسخ: / [خ 292] اشتُري - على ما لم يسم فاعله - موافقاً لأول المسألة على روايتنا/ [ز 246]. وعلى هذا اللفظ اختصرها أبو محمد. ورأى من ذهب أن البائع يشتري ذلك أنه لا يلزم المتعدي أكثر من القيمة. وذهب بعضهم إلى أن الشراء إنما هو على المتعدي وينقله إلى موضع تعدي عليه (¬5) ثم يكيله البائع على المشتري، قال: والظالم أحق من حمل عليه، وأن البائع لا يلزمه الشراء إذا (¬6) لم يتعد. وقال ابن أبي زمنين (¬7): لم يبين في المسألة من الذي يشتري الطعام، ولفظ الكتاب يدل أنه البائع. قال: ويدل عليه قول أشهب (¬8) في غير الكتاب: إن البيع ينفسخ. وقوله (¬9) في مشتري السلعة بطعام يوفيه إياه بإفريقية، وضرب لذلك أجلاً: ذلك جائز، بين فيه وفي غير موضع ضرب الأجل مع ذكر البلد. ¬
وهو شرط في المضمون عند فضل، كالدنانير المضمونة (¬1)، فاسد إذا لم يضرباه. وكذلك (¬2) قال ابن القاسم في "العتبية": وأرى أن ينقض. يريد: والثمن عين إذا لم يضربا أجلاً. وهو ظاهر اشتراطه في "المدونة" (¬3). وقال في كتاب الآجال في قرض العين ليقضيه بإفريقية (¬4): "لا يعجبني إذا لم يضرب (¬5) أجلاً. "وأجازه أشهب بدءاً (¬6) " في السلف. قال ابن القاسم (¬7): "فإن نزل أجزت السلف وأضرب له قدر المسير إلى إفريقية". وقيل: لا يحتاج في الشراء إلى أجل والبلد فيه كالأجل (¬8). والأول أصوب عند شيوخنا كما لو كان الثمن عيناً مضموناً فلا يختلف في اشتراط ضرب الأجل فيه. ولو كان الثمن معيناً عيناً أو سلعة لم يحتج إلى ضرب الأجل. واستحبه محمد في العين، ولا وجه له هنا. ونص ما في كتاب الغرر بقوله (¬9): "لا خير فيه". وانظر قوله: إفريقية. قال فضل: معناه سمى منها موضعاً وإلا لم يجز كمسألة مصر (¬10). ¬
وقوله (¬1): "إن كانت لي عليه مائة محمولة، فلما حل الأجل أخذت منه خمسين سمراء ثم حططت عنه خمسين من غير شرط: أرجو ألا يكون به بأس"، كذا في سائر النسخ. قال ابن محرز: وفي كتاب ابن اللباد: فأخذت منه خمسين محمولة. وكلاهما يأتي على قول ابن القاسم الذي يقول: إنما يجوز إذا لم يأخذهما من (¬2) جميع حقه، بل أخذ خمسين وحط خمسين. والنظر إنما هو على الرواية المتقدمة، وهي أشهر وأكثر في النسخ. ولا اعتبار في هذه الرواية عند أشهب وسحنون. ألا ترى سحنون كيف قال: إنما المراعاة في أخذه السمراء من المحمولة، وأما المحمولة من المحمولة أو السمراء من السمراء، فلا يراعى عنده كيف أخذها، لأنه أخذ بعض حقه وترك بعضه. وإذا اختلف النوع والقدر (¬3) قويت التهمة فاحتجنا لهذه المراعاة. وقد قال أشهب في كتاب الصرف في خمسين من (¬4) مائة محمولة من جميع حقه: ذلك جائز. وهذا كله من قرض وبعد حلول الأجل (¬5). ومسألة (¬6) من اشترى تمراً في رؤوس النخل بطعام لم يجزه إلا بشرط الجد قبل الافتراق، ولم يشترط ذلك في بيعه بغير الطعام إلى أجل. هذا مذهب ابن القاسم، وفرق بين الطعام وغيره لشدة أمر الربا في الطعام، ولم يجعل تعينها (¬7) هنا قبضاً. وغيره لا يشترط الجد، إذ بحضورها حصلت في ضمانه. وقوله (¬8) في الذي "يأتي البياع بالحنطة فيشتري منه خلاًّ أو زيتاً ¬
فيكتال الحنطة، ويدخل ليخرج/ [خ 293] له من حانوته/ [ز 247] أو (من) (¬1) زِقًّ (¬2) "، كذا روايتنا. وعند بعضهم: أو رَفًّ، بفتح الراء والفاء، وهو شبه الخزانة تكون في البيت، وكالخشبة المعترضة فيه يرفع عليها الشيء. وإجازة مالك (¬3) بيع اللحم بالخيل والدواب، ومنع (¬4) ابن القاسم بيعه بالضبع والهر والثعلب (¬5). واعتل بكراهة مالك للحومها وأنها عنده ليست كالحرام البين وللاختلاف في أكلها. ولم يقل هذا في الخيل وكراهةُ مالك للحومها على نحو ذلك، واختلافُ الصحابة (¬6) والعلماء فيها معلوم؛ فذهب بعضهم إلى أن مذهب ابن القاسم في ذلك خلاف مذهب مالك، وأن الذي يأتي على مذهب مالك في المسألة الأولى الجواز في الجميع. وعلى مراعاة ابن القاسم الخلاف الجواز (¬7) في الجميع. والبِرْسم (¬8) - بكسر الباء والسين - حب القرط وزريعته (¬9). والحالوم (¬10) - بالحاء المهملة - شيء يصنعونه من اللبن كالجبن (¬11). وقوله (¬12) في بيع الشاة اللبون باللبن: لا يصلح بنسيئة، مهموز ¬
ممدود، أي بتأخير، ومنه {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (¬1). ذهب غير واحد إلى أن ذلك سواء تقدم اللبن أو تأخر. وعليه اختصر المسألة أكثرهم (¬2)، وهو ظاهر الكتاب لقوله (¬3): "لا بأس بذلك إذا كان يداً بيد، فإذا دخله الأجل لم يصلح" (¬4)، ولقوله (¬5): "فالجبن (¬6) بالشاة اللبون إلى أجل لا يصلح، وكذلك الحالوم والزُّبد". وهو الذي لابن القاسم عن مالك في "سماعه" (¬7): لا خير فيه أيهما عجل وأخر (¬8). وتأول بعضهم (¬9) أن المنع من ذلك إذا تأخر اللبن أو السمن (¬10) أو الجبن. فأما إذا تقدم وتأخرت الشاة فهو جائز، وتأول أن ذلك معنى الكتاب، وأن قوله: إلى أجل راجع إلى الجبن واللبن لا إلى الشاة. وهو قول سحنون (¬11). قال: "وهو الذي عرفناه من قوله. وقاله غير مرة إن اللبن بالشاة اللبون إلى أجل لا بأس به، وأما الشاة اللبون باللبن إلى أجل فذلك الذي لم يختلف قوله علينا فيه قط أنه لا يجوز". ويستدل عليه بقوله في الكتاب بأثر المسألة (¬12): "ولا يصلح في قول مالك أن يشتري شاة لبوناً بشيء مما يخرج منها". وأشهب (¬13) يعكس هذا ويقول: إن قدم الشاة جاز، وإن قدم اللبن لم يجز. ¬
والقَدِيد (¬1)، بفتح القاف وكسر الدال وتخفيفها (¬2). والممقور (¬3): المالح (¬4). والنيِّئ (¬5)، مهموز، ضد النضيج، وأما بغير همز فهو الشحم (¬6). والنَمَكْشوذ (¬7) - بفتح النون والميم وسكون الكاف وبالشين المعجمة وآخره ذال معجمة - لحم مملح مشرح مخفف (¬8) مخلوع العظام، وهو فارسي. ويقال بالسين المهملة. ويقال: بل تملح كذلك الشاة كما هي صحيحة. والصِّير (¬9)، بكسر الصاد: حيتان صغار مملوحة (¬10). والطِحال (¬11)، بكسر الطاء وبالحاء المخففة. واختلف الشيوخ في مذهب الكتاب فيما لا يجوز التفاضل فيه من المطعومات: فتأول أبو جعفر بن رزق القرطبي (¬12) أن مذهبه أن التفاضل إنما يتعلق ¬
بالمقتات المدخر الذي هو أصل العيش غالباً، (وهي علة الربا في الطعام عند البغداديين (¬1) من أئمتنا، فيختص على هذا بالحبوب المقتاتة المدخرة للعيش غالباً) (¬2)، ومثلها التمر والزبيب وشبهه. وكذلك ما في معناها مما يصلحها كالملح. وهذا مما (¬3) لا يختلف فيه في المذهب، ولا يمتنع التفاضل على هذا في الجوز واللوز وشبهه مما يدخر/ [ز 248] ويقتات، لكن ليس هو أصل العيش غالباً. وذهب كثير من مشايخنا أنه لا يلزم (¬4) فيه التعليل بكون العيش منه غالباً، (وإنما المراد ادخاره غالباً وكونه قوتاً، فألزم امتناع التفاضل في كل ما يدخر من الفواكه غالباً) (¬5) كالجوز واللوز ونحوها (¬6). وعليه تأول/ [خ 294] شيخنا أبو الوليد (¬7) مذهب "المدونة". وهو نص ما لمالك في "الموطأ"، وقاله ابن حبيب (¬8). وقد قال في "المدونة": "وكل شيء من الطعام يدخر ويؤكل ويشرب فلا يصلح منه (¬9) اثنان بواحد من صنفه. وكل طعام لا يدخر وهو يؤكل ويشرب فلا بأس بواحد منه باثنين يدا بيد". وعلى اختلاف التعليل (¬10) اختلف المذهب (¬11) في التفاضل في البيض ¬
والتين، لأنهما مدخران وليسا بأصل معاش غالباً. وأما الادخار فلا بد منه (¬1) من شرط العادة فيه ولا يلتفت إلى ادخاره نادراً، فيجوز التفاضل في الخوخ والرمان والكمثرى وشبهه. وهذا نص "المدونة" ومشهور المذهب. وروى ابن نافع (¬2) عن مالك كراهة التفاضل في الخوخ والرمان وشبهه، قال: لأنه يدخر وييبس. فهذا قول لا يشترط غالب الادخار أيضاً. وأما ما لا ييبس ولا يدخر جملة كالقثاء وشبهه فلا خلاف في جواز التفاضل فيه. ومسألة الشعير (¬3) والقمح بالشعير والقمح وقوله: "إنما (¬4) خشي مالك من ذلك الذريعة لما يكون بين القمحين من الجودة أو لفضل الشعيرين" (¬5)، فقد مر كلام فضل فيها ومعارضة سحنون بها مسألة الذهوب (¬6) في المراطلة في كتاب الصرف. ومسألة الشاة (¬7) المذبوحة بالشاة المذبوحة وقوله: لا بأس ببيعهما مثلاً بمثل على التحري وإن كانتا غير مسلوختين. وقع في بعض الروايات في الكتاب (¬8): قال سحنون (¬9): هذا فيما لا (¬10) يقدر على تحريه. وكان في كتاب ابن عتاب مخرجاً إليه محوقاً عليه. وهو قول أصبغ (¬11). ¬
قال فضل (¬1): لو صح التحري فيهما ما جاز على أصولهم، إذ مع كل واحد (¬2) جلدها إلا أن يستثني صاحب كل شاة جلد شاته فيجوز. قال بعض الشيوخ (¬3): وفي المواضع التي يجوز فيها استثناء الجلود. وفي باب الفلوس بالفلوس؛ تأول بعض الأندلسيين جواز بيع بعضها ببعض جزافاً وإرطالها بالنحاس إذا تبين الفضل، وجوازَ الجزاف فيها لقوله آخر المسألة: "وكل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كاله (¬4) أو راطله أو عاده فلا يجوز الجزاف فيه منهما ولا من أحدهما، لأنه من المزابنة إلا أن يكون الذي يعطي أحدهما متفاوتاً". وهذا خطأ، والصواب والذي (¬5) فهم (¬6) من المسألة المحققون، لأنه قد بين قبل في الباب الآخر: لا يجوز الفلوس بالنحاس إلا أن يتباعد (¬7) ما بينهما إذا كانت عدداً. وقوله في أول مسألة هذا الباب: أو عاده، نحو (¬8) من مسألة الفلوس. وقوله (¬9): "لأن الفلوس لا تباع إلا عدداً"، وقوله: "ولو اشترى رطل فلوس بدراهم (¬10) لم يجز". كل ذلك بين (¬11) خلاف ما ذهب ¬
إليه هذا الذاهب (¬1) / [ز 249]. ¬
كتاب بيوع الآجال
كتاب بيوع الآجال (¬1) بيع الأجل في عرف الفقهاء: كل ما أجل الثمن فيه (¬2). ولو كان المثمون (¬3) مؤجلاً والثمن نقداً كالسلم لم يطلقوا عليه هذا الاسم، وإن كان حكمه حكم (¬4) الأول في القضايا الفقهية (¬5). والأصل في بيوع الآجال إذا دخلت (¬6) فيها (¬7) الإقالة، أو اشترى (¬8) البائع بعض ما اشترى منه المبتاع، أو ما هو من صنفه: أن ينظر إلى البيعة (¬9) الأولى، فإذا كانت إلى أجل فهي من بيوع الآجال، فينظر (¬10) فيها ¬
إلى ذريعة فعلهما (¬1)، ومآل أمرهما (¬2)، وما يجوز من ذلك لو قصداه ابتداء فيمضي، وما (¬3) لا يجوز فيرد، كانوا ممن يتهم بالعينة (¬4) أم (¬5) لا، إلا ما بعدت فيه التهمة من ذلك، وعدمت الذريعة، وكذلك فيمن لا تليق (¬6) به التهمة، لخبره (¬7)، وشهرة علمه. وإن كانت البيعة الأولى نقداً، فلا تبالي ما أفضت إليه الثانية، إلا ما بين أهل العينة (¬8)، فيراعى فيها ما يراعى في بيعة الأجل (¬9). ¬
ونحو هذا التأصيل والعقد لمحمد (¬1) بن المواز (¬2)، وفضل بن سلمة (¬3)، وغيرهما من أئمتنا (¬4). وقد تقدم تفسير أهل العينة في كتاب الصرف (¬5). عقد آخر قاله ابن حبيب (¬6)، وغيره من شيوخنا، وبعضهم يزيد في التفسير أنه ينظر إلى المبتدئ أولاً منهما بدفع (¬7) ذهبه (¬8)، من بائع، أو مبتاع، فمن رجع إليه أكثر لم يجز، وإن (¬9) رجع [إليه] (¬10) أقل جاز، إلا ¬
أن تدخل (¬1) مع ذلك علة أخرى، من بيع، وسلف (¬2)، أو زيادة في سلف، أو تعجيل (¬3) بوضيعة، أو حط ضمان، أو ما لا يجوز في الصرف والطعام من أبواب الربا فتفسده. عقد ثالث: لا تخلو البيعتان أن تكونا معاً إلى أجل، أو معاً نقداً، أو الأولى هي المؤجلة وحدها، أو الثانية وحدها. فإن كانتا (¬4) إلى أجلين، أو الأولى المؤجلة، فيراعى (¬5) فيهما (¬6) ما يراعى في بيوع الآجال. وإن كانتا (¬7) معاً نقداً حملتا (¬8) على الجواز، إلا مع أهل العينة، وإن كانت الأولى نقداً، فكذلك عند ابن القاسم، وأشهب (¬9)، وهي بحكم بيع الأجل عند مالك في كتاب محمد (¬10). عقد رابع: عقده ربيعة (¬11) .............. ¬
وأبو الزناد (¬1) في الكتاب. وهو قولهما: "إذا بعت شيئاً إلى أجل، فلا تبتعه (¬2) من صاحبه الذي بعته (¬3) منه، ولا من أحد يبيعه (¬4) له، إلى دون ذلك الأجل، إلا بالثمن الذي بعته به منه، أو بأكثر، ولا ينبغي أن يبتاعه (¬5) منه إلى فوق ذلك الأجل إلا بالثمن الذي بعته به [منه] (¬6)، أو أقل منه. وإذا ابتاعه إلى الأجل (¬7) نفسه، جاز بالثمن، وأكثر، وأقل. فإن ابتاعه الذي باعه إلى أجل بنقد (¬8) وبالذي له في الأجل (¬9) فهو (¬10) حلال. وإن كان باعه بنقصان فلا يتعجل النقصان، ولا يؤخره (¬11) إلى دون الأجل، إلا أن يكون ذلك كله إلى الأجل نفسه" (¬12). قال ابن أبي زمنين (¬13): تدبر (¬14) قوله: وإن ابتعته بنقصان فلا ينبغي أن تؤخر (¬15) النقصان إلى الأجل الذي بعته (¬16) إليه. ¬
(وتدبر قوله: "ولا تبعه إلى فوق ذلك الأجل إلا بالثمن، أو أقل منه" (¬1) ففيه نظر. قال القاضي: يعني أن ظاهره الخلاف، وليس كذلك، بل هو على الأصل المقدر. وليس قوله: لا يؤخر النقصان إلا إلى الأجل الذي بعت إليه بالمانع من تأخيره (¬2) بعده، وقد بينه في اللفظ الآخر، وإنما أراد أنه لا يؤخره إلى أجل دون الأجل الذي باع إليه) (¬3)، فافهمه. وهذا الأصل راجع إلى العقد المتقدم، فانظره. فإن كل (¬4) ما لا يجوز منه يرجع إلى (أن) (¬5) المخرج لأكثر مما أخرج أولاً هو الممنوع وما يجوز بخلافه. وقول عائشة [رضي الله عنها] (¬6): "بئس ما شريت وبئس ما اشتريت" (¬7). ¬
قيل: هو بمعنى واحد على التأكيد، والتكرار. يقال: شرى، واشترى، بمعنى واحد (¬1). وقيل: هما بمعنيين. وأن شريت بمعنى بعت، أي صار الأمر فيما (¬2) بعت، واشتريت، إلى الربا. وقد يحتج / [1]؛ [به] (¬3) من يرى فسخ البيعتين. وقد روي بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت. على الشك من الراوي. وقيل فيه: غير هذا مما ذكر في الشروح. وضعف بعض الشيوخ هذا الخبر (¬4) لما فيه من قولها: "أبطل جهاده" (¬5). وظاهره إبطال الذنوب للأعمال (¬6) والطاعات (¬7)، وهو خلاف نص كتاب الله (تعالى) (¬8)، وحديث نبيه (عليه السلام) (¬9)، ومذهب جماعة أهل السنة. ووجه تأويل قولها عندي على هذا من صوغ (¬10) كلام العرب، ومجاز لفظها: أنها سمت (¬11) معاوضة (¬12) هذا الذنب من مثله والاقتداء [به] (¬13) ¬
فيه، واستئمان (¬1) من يقلده (¬2) ممن يأتي بعده بفعله، وجعله حجة بين الله وبينه (¬3)، وأن مجموع هذا يرجح (¬4) في الميزان جهاده مع النبي عليه السلام الذي هو عنده أوثق أعماله، وأرجحها في ميزانه، إذ كان زيد (¬5) (¬6) (قد) (¬7) غزا مع النبي عليه السلام سبع عشرة غزوة، وهي عدد (¬8) غزوات النبي (¬9) عليه السلام، فكانت من أفضل ذخائر زيد، وأعظم حسناته [عنده] (¬10)، وإن كان لا يظن بزيد قصده ما (¬11) لا يجوز من ذلك، وإن كان لم يرد في الحديث إخبار زيد عن نفسه بتلك البيعتين، وإنما شيء ذكرته عنه أم ولده، وهي أم محبة (¬12) بضم الميم وكسر الحاء وباء بواحدة. واستدل بعض شيوخنا بحديث عائشة على منع الربا بين السيد وعبده، على ظاهر قولها لأم (¬13) ولد زيد. ¬
وقد يحتمل أنه بتل عتقها، فلا يحتج به في ذلك، وتكون فيه حجة من (¬1) فعل زيد إن كان لم يبت عتقها على جواز الربا بين السيد وعبده، وإن كان بتله على ترك اعتبار الذرائع، على ما رآه المخالف لنا (¬2)، وأنه (¬3) لا يحل الظن بمسلم ذلك، ولا أن زيداً قصد هذه الحيلة لاستجازة الحرام، من بيع ستمائة بثمانمائة، والتحلل من ذلك بإظهار البيعتين (¬4)، بل إن كل (¬5) عقد منهما مقصود، والثاني مستأنف غير مبني عليه أولاً، ولا (¬6) يلتفت إلى الذريعة فيه، على رأي من [لم] (¬7) يلتفت إليها إذا لم يقصد. ثم إذا وقعت (مثل) (¬8) هذه البياعات الفاسدة في الآجال، فاشترى نقداً بأقل مما باع به إلى أجل، هل تنفسخ (¬9) البيعتان على ظاهر قول عائشة، وهو قول عبد الملك بن الماجشون (¬10)، قائمة كانت السلعة، أو فائتة، أم تنفسخ (¬11) الآخرة وحدها، وهو قول ابن القاسم: ما كانت السلعة قائمة (¬12)، فإن فاتت فسخ (¬13) البيعتان جميعاً، وهو تأويل ابن عبدوس (¬14)، ¬
على قول ابن القاسم، وفيما (¬1) حكاه بعض الشيوخ عنه. وقال (¬2) سحنون: وهو عند آخرين قول ابن القاسم عند ابن عبدوس، حكاه فضل، وابن أبي زمنين (¬3)، وذكر مثله عن ابن كنانة (¬4) إنما تفسخ (¬5) البيعتان إذا كانت القيمة أقل من الثمن الأول، ولم يكن للبائع إلا ما دفع إليه، فكأنها (¬6) إقالة، فإن كانت القيمة مثل الثمن فأكثر فسخت الآخرة، وقضينا بالقيمة، وقاصه (¬7). فإذا حل الأجل أخذ الثمن، إذ لا تهمة هنا (¬8). وفي سماع سحنون في العتبية (¬9) قول ثالث: أنه [إنما] (¬10) تفسخ (¬11) الثانية مثل ما تقدم، ويقضي بالقيمة، فإذا حل الأجل أخذ الثمن لا غير، إن كان أقل من القيمة، وإن كان أكثر قضى عليه بالقيمة، ولم يكن له على البائع غيرها إذا حل (¬12) الأجل، لئلا يأخذ دنانير في أقل منها. ¬
وفيها قول رابع لمحمد بن مسلمة (¬1) بفسخ (¬2) البيع الآخر إذا كان قائماً، فإن فات مضى. وسحنون يرى الفوات تغير الأسواق فأعلى، وغيره (¬3) لا يرى ذلك إلا بالعيب المفسد. وقوله: "بيع الحريرة إلى أجل" (¬4) - بالحاء المهملة - أي ثوب الحرير. "وحيان (¬5) بن عمير (¬6) العبسي" (¬7) - بفتح الحاء و (ياء) (¬8) باثنتين تحتها - ونسبه العبسي بالعين المهملة بعدها باء ساكنة بواحدة وسين مهملة (¬9) كذا أصلحته من أصل ابن عتاب (¬10)، ................................... ¬
وفي أكثر (¬1) النسخ القيسي (¬2)، بالقاف وياء باثنتين تحتها. ومسألة "من باع ثوباً بمائة (إلى أجل) (¬3) ثم ابتاعه بمائة إلى الأجل (¬4) أو أبعد منه إنه جائز" (¬5). قال أبو محمد (¬6): وإن لم يشترط المقاصة. قال أبو عمران (¬7): ولا يضرهما تقاصًّا، أو أخرج كل واحد [منهما] (¬8) ما عليه (¬9)، ويدل (¬10) عليه جوازها (¬11) بمثل الثمن نقداً. والمقاصة هنا لا تمكن. وكذلك مسألة: "الذي يبيع (¬12) العبد بثلاثين درهما فيشتريه بثلاثين ديناراً إنه جائز" (¬13). والمقاصة هنا غير ممكنة، لاختلاف الثمنين، لكن إن ¬
اشتراه بأكثر من الثمنين (¬1)، وجعل ذلك كله إلى الأجل، أو جعل (¬2) ما قابل (الثمن) (¬3) منه إلى الأجل، وباقيه (¬4) إلى أبعد، فالحكم في هذا كله يوجب المقاصة (¬5)، وإن لم يذكراها، وإن أهملا الأمر إلى أبعد من الأجل ولم يذكرا المقاصة، ولا فيما قابل الثمن لم يجز، وإن تقاصا لفساد العقد. بخلاف مشتريه بأقل من الثمن. ومسألة مشتري العبد من عبدين باعهما بأقل من الثمن أنه إن لم يشترط المقاصة أو تأجيل (¬6) الأقل من الثمن الأول فهو (¬7) فاسد (¬8). لأنه متى لم يشترط ذلك أخذ قليلاً في كثير ولو شرطاً (¬9) في هذا كله إخراج الذهبين لم يجز. كما قال في مسألة: "أبيعك عبدي (¬10) بعشرة [على أن] (¬11) تبيعني عبدك بعشرة فيشترطا (¬12) إخراج الذهبين أو أضمراه (¬13) " (¬14). ومسألة: "الذي باع مائة إردب محمولة (¬15) بمائة إلى سنة ثم اشترى من المبتاع مائتي إردب مثلها بمائة نقداً بعد يوم أو يومين (أو شهر) (¬16) أو ¬
شهرين أنه لا يجوز" (¬1). ثم قال: "ولا أحب أن يبتاع طعاماً، من صنف طعامه الذي ابتاعه، أقل من كيله، ولا مثل كيله، بأقل من الثمن" (¬2). "ولا بأس أن يبتاعه بمثل الثمن (¬3) أو أكثر إذا كان مثل كيل طعامه وكان الثمن نقداً" (¬4). عقد (¬5) هذا الباب ما (¬6) أشار إليه أنه متى اشترى منه مثل كيل حنطته وصفتها بمثل الثمن جاز [ذلك] (¬7)، كان نقداً أو إلى أجل، كالأول، أو بخلافه، وكذلك إن كان الأجل نفسه، كان الثمن أقل أو أكثر (¬8). وتبقى منه وجهان: أن يشتريها (¬9) بأقل من الثمن الأول نقداً، أو يكون المشتري آخراً أكثر كيلاً، فهذان الوجهان لا يجوزان (¬10) (في) (¬11) جميع مسائلها. ومعنى قوله: "صنف [2] /؛ طعامه" (¬12) أي صفته، إن محمولة، فمحمولة، إذ لا يجوز في السمراء مع الشعير. وقيل: أراد جنسه فلا يجوز فيه إلا [في] (¬13) جنس آخر غيره. ¬
وقوله: "فلا بأس أن يشتري منه بمثل الثمن الذي باعه به أو بأكثر (¬1) مثل طعامه" (¬2). قال ابن محرز (¬3): ظاهره أنه يمنع أن يشتري به أقل من كيله، وهذا مثل قوله في [كتاب] (¬4) (السلم) (¬5) الثالث: "في الذي باع مائة سمراء بمائة إلى أجل فلما (حل) (¬6) أخذ منه بالمائة خمسين سمراء" (¬7) .. قال: "أخاف أن تكون الخمسين ثمناً للمائة" (¬8). وأكثرهم يحملون المسألة على جواز شراء الأقل بمثل الثمن، أو أكثر منه، ويفرقون بين المسألتين، إذ في مسألة السلم شبهة الإقالة، ولا تجوز إلا على وجهها. وقال بعض شيوخنا: اختلف قول مالك إذا ابتاع منه بمثل الثمن أقل من الطعام. فانظره. وقوله: "على أن زاده مائة سنة نقده إياها" (¬9). كذا ضبطناه بضم السين أي عادة وسيرة (¬10). ومسألة (¬11) "الذي باع إردبين من حنطة إلى أجل فأقاله من إردب على أن عجل له ثمن (¬12) [الآخر] (¬13) " (¬14). وتعليله بأنه تعجيل ¬
على وضع حق كأنه قال للمبتاع: "عجل [لي] (¬1) نصف حقي على أن أشتري منك نصف هذا الطعام بنصف هذا الثمن" (¬2). قال: "ويدخله أيضاً عرض وذهب بذهب إلى أجل، ألا ترى (أن) (¬3) البائع (¬4) وجبت له مائة دينار من ثمن طعامه إلى أجل، فيأخذ خمسين إردباً، وترك الخمسين الأخرى، فكأنه باع الخمسين التي لم يقله منها، وخمسين ديناراً حطها بخمسين ديناراً يتعجلها (¬5)، وبالخمسين (¬6) الإِرْدَبِّ (¬7) (¬8) التي ارتجعها، فيدخله سلعة وذهب نقداً بذهب إلى أجل" (¬9). قال القاضي: في هذا اللفظ تعقيد وتلفيف، ولذلك اعترضه (¬10) سحنون، واستبعده، وقال: ليست هذه العلة، والعلة أنه باعه [الخمسين] (¬11) المرتجعة والخمسين الدينار (¬12) بالمائة التي عليه. وهذا الذي قاله سحنون، هو بنفسه ما قاله ابن القاسم (¬13) مفسراً أول (¬14) الكلام ¬
وآخره، لكنه (¬1) (أولاً) (¬2) جعل له عوض الإردبين (¬3) مائة إردب قيمتها مائة دينار. ومعنى قول ابن القاسم: باعه يعني: البائع الخمسين التي لم يقله منها (¬4)، يعني من المائة الدينار التي على المشتري، وهي (¬5) مكان ما عجله له، وخمسين ديناراً [حطها] (¬6) أي ما يقابل الخمسين التي أقال بزعمه منها تمام المائة بخمسين التي تعجل، وخمسين الإردب التي ارتجع، فهذا تقويم (¬7) كلام ابن القاسم، وهو بمعنى ما قاله سحنون (¬8). وقوله: "لم لا يكون كأنه رجل باع مائة دينار له عليه بخمسين إردباً، وبخمسين ديناراً أرجأها" (¬9). كذا في المدونة. وفي المختلطة: عجلها (¬10). وقول (¬11) ربيعة [رضي الله عنه] (¬12) في تعليل الثانية من مسألة الحمارين. لأنه أخر عنه (¬13) ديناراً (¬14) بالنقد (¬15). معناه من النقد (¬16) والباء ¬
تأتي بمعنى من، وبمعنى عن، وبمعنى في (¬1) والحروف يبدل بعضها من بعض. قال الله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (¬2) أي: منها. وقال: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)} (¬3) أي: في. وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} (¬4) أي: عن الغمام. وقوله: "أضحى (¬5) لك قبحه" (¬6). [بفتح الحاء] (¬7) أي أبانه وأظهره. يقال: ضحى (¬8) الشيء يضحو (¬9) إذا بان (¬10). وأضحاه (¬11) غيره: أي أبانه (¬12). وقوله في الذي باع سلعة بمائة دينار من رجل فقال المبتاع للبائع بعها لي (¬13) بنقد فباعها بأكثر مما باعها به المشتري هذا جائز، لأنه لو اشتراها (¬14) هو بنفسه (¬15) ......................................... ¬
بعشرة دنانير جاز شراؤه (¬1). وإنما (¬2) قال هنا: عشرة وهي أقل من المائة لأنه رجع إلى المسألة التي قبل المائة، وهي مسألة "إذا باع بعشرة إلى أجل فوكل من يشتريها له بخمسة" (¬3). فعلى هذا (¬4) يستقيم الكلام، ويفهم الجواب في المسألتين. وقوله: في [مسألة] (¬5) المشتري عبداً (¬6) من رجل بعشرة دنانير على أن يبيعه عبده بعشرة إذا لم يتقاصَّا وأخرجا الدنانير، فلا يحل له إذا كان بذلك وجب (¬7) البيع بينهما (¬8). هذا مثل قوله: إذا شرطا (¬9) أن يخرج (¬10) الدنانير كل واحد منهما لم يحل (¬11). ومفهومه: أنه إذا عري من هذا الشرط، وأخرجا الدنانير، لم يضر ذلك، المسألة، لأنهما (¬12) لم يعقدا قولهما (¬13) على فساد، ولا أفضى فعلهما إليه. ¬
وقوله: "إنما ينظر مالك إلى الفعل، ولا ينظر إلى اللفظ" (¬1). ثم قال: "فإذا وقع اللفظ فاسداً لم يصلح هذا البيع، لأن اللفظ وقعت به العقدة فاسدة" (¬2). "وكذلك إن كان اللفظ صحيحاً، ووقع القبض فاسداً، فسد البيع" (¬3) قال: "وإنما ينظر في البيوع إلى الفعل، ولا ينظر إلى القول، فإن قبح القول وحسن الفعل فلا بأس به، كان قبح الفعل وحسن القول لم يصلح" (¬4). قالوا: ظاهر هذا الكلام التناقض (¬5)، لقوله (¬6): لا ينظر إلى اللفظ. وقوله: "فإن قبح القول وحسن الفعل فلا بأس به" (¬7) مع (¬8) قوله: "فإذا وقع اللفظ من البائع والمشتري فاسداً، لم يصلح هذا البيع" (¬9). ومعنى هذا: إذا كان اللفظ فاسداً يتوصلان (¬10) به إلى فعل فاسد إذا أراده، كالشرط المتقدم في مسألة العبدين، فمثل هذا اللفظ [هو] (¬11) الذي يفسد البيع وإن حسن فيه الفعل، كتركهما شرط النقد في العبدين. ومعنى (¬12) قوله: "وإن قبح القول وحسن الفعل فلا بأس به" (¬13). هو فيما (¬14) لا يصلان به إلى فعل فاسد، مما يوجب القضاء ترك الالتفات إليه، ¬
ولا يؤثر ذكره فساداً (¬1)، كتسمية الذهب في ثمن العبدين، دون شرط إحضارهما، وكالذي باع سلعته بدنانير (¬2) على أن يأخذ بها دراهم إلى أجل، ووقع في بعض روايات الكتاب: فإذا (¬3) وقع الفعل من (¬4) البائع والمشتري فاسداً مكان (¬5) وقع القول (¬6). وقوله: في الذي أخذ (في) (¬7) دينه عند حلوله سلعة ببعضه على أن أؤخره ببقية (¬8) الثمن (¬9)، هذا بيع وسلف لا يصلح (¬10)، "وإن ترك الثمن حالاً كما هو، فلا بأس به (¬11) " (¬12). "وقول ربيعة دليل على هذا" (¬13) يعني (¬14) قوله في مسألة الحمارين الأولى، فانظره (¬15). ¬
وقوله: بعد ذلك/ [3]؛ في الذي أخذ من ثمن عبده الذي باعه بأرطال كتان عبدين من صنفه لا يجوز. " (ولا يجوز لك) (¬1) أن تأخذ من ثمن عبدك إلا ما كان يجوز لك أن تسلم عبدك فيه" (¬2). ثم قال: "وما قال ربيعة أسفل ذلك، دليل على هذا الأصل من جهة أخرى" (¬3) ظاهره: أنه أراد قول ربيعة الذي جاء به (¬4) بعد هذا في العروض: "لا بأس بواحد باثنين نقداً إلى آخر كلامه" (¬5) وهو أولى ما يتأول (¬6) عليه، لقوله: "أسفل هذا" (¬7). وقوله: " [ويخشى] (¬8) دخلته" (¬9)، كذا رويناه [هنا] (¬10) بالضم. وقال صاحب العين: الدخلة بالكسر: الباطن. يقال: فلان عفيف الدخلة (¬11). وقال ابن الأعرابي: أعرف دخلة أمرك. ودخلة بالفتح والكسر، والدخل أيضاً، [والدخل] (¬12) بالتخفيف، والتثقيل (¬13) العيب، وفي حسب فلان وعقله دخل (¬14). وقوله: "في الذي يشتري من الرجل (¬15) بدين عليه زرعه أو ثمرته ¬
إن كانت الثمرة قد استجذت وليس لاستجذاذها تأخير [وقد تستجذ الثمرة (وليس لاستجذاذها (¬1) تأخير) (¬2)] (¬3). وقد ييبس (¬4)، الحب (¬5) وليس لحصاده تأخير (¬6) " (¬7). كذا في كتاب ابن عتاب، وكتب خارجا عن ابن وضاح (¬8): إن سحنون زاد (ليس) في الحرفين الآخرين (¬9)، ولم يكن ذلك في كتاب ابن المرابط (¬10)، ولا في كثير من الأصول، وزيادتها (¬11) بيان للمسألة (¬12)، وسقوطها (¬13) لا يفسد المعنى، إنما أخبره (¬14) (أن) (¬15) هذه صفتها (¬16). ثم رجع إلى المسألة بعد فقال: "فإذا (¬17) استجذ ذلك واستحصد ¬
وليس لشيء منه تأخير فلا بأس [به] (¬1) " (¬2). "ودار نخلة" (¬3): موضع (¬4). وقوله: "ولا يجوز [لك] (¬5) أن تأخذ من ثمن عبدك (¬6) إلا ما كان يجوز لك أن تسلم عبدك فيه" (¬7). قال فضل: ظاهر هذا حجة (¬8) لقول (¬9) ابن عبد الحكم (¬10)، في أنه لا يأخذ عبداً أدنى، وقد أجازه ابن القاسم في الأدنى، لأنه لا تهمة فيه. قال: وهذا (¬11) عقد فيما يجوز اقتضاؤه من دينك. وقال بعض شيوخ القرويين: النكتة التي يدور عليها هذا الباب أنه إذا ¬
كان عليه دين فقضاه بعد الأجل غيره نظر هل الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه أم لا؟ وهل ما قضاه مما يصح (¬1) أن يسلم رأس المال فيه (¬2) أم لا؟. وهل هو مما يصح أن يباع به الدين أم لا؟. فإذا سلم من المطالبة بهذه الأوجه الثلاثة صح القضاء. ومتى لم يصح (¬3) في أحدهما بطل القضاء. وإن كان قبل الأجل زدت وجهاً رابعاً، وهو أن يكون المقتضى مما يجوز أن يسلم في الدين. ويحتاج هنا إلى وجه خامس، [حيث] (¬4) يتصور فيما اقتضى سلم رأس المال، ويجوز أن يقدر سلمه في الدين مراعاة أن يكون ما مضى من الأجل في مسألة تقدير سلم رأس المال، أو ما بقي منه في مسألة تقدير سلم المقتضى في الدين مقدار أجل (¬5) السلم، إذ من شرطه عندنا الأجل، وبتنزيل المسائل يتبين لك صحة [هذا] (¬6) العقد، وبيان وجوهه، فتدبره، ونزله. وعقد آخر لبعضهم، وهو قولهم (¬7): باعتبار ما يقرض (¬8) بعضه في بعض، فما جاز (من ذلك جاز) (¬9) اقتضاؤه منه، وإلا لم يصح. ¬
مسألة البيع والسلف: وقوله: "إلا أن يرضى من اشترط (¬1) السلف أن يترك ما اشترط" (¬2). ثم قال: "قلت: لم كان (¬3) هذا الذي (¬4) اشترط السلف إذا ترك السلف ورضي به ثبت (¬5) البيع. قال: كذلك (¬6) قال مالك" (¬7). كذا روايتنا. وكذا في أكثر الأمهات، وكذا في الموطأ (¬8). ووقع في بعض النسخ يرد ما اشترط ورد السلف. قال بعضهم: هذا لفظ (¬9) وقع فيه الغلط في بعض الكتب. قال يحيى بن عمر: وسحنون أصلحها يترك (¬10) وإنما كان (¬11) يرد (¬12). قال فضل: وكذا (¬13) قرأناها على يحيى، إذا رد (¬14). [قال] (¬15): وسحنون (¬16) أصلحها في رواية يحيى في الموضعين (¬17). وردها ¬
يترك (¬1) [وترك] (¬2)، إذ مذهبه أنه لا يجوز الإسقاط، والرضى بترك السلف بعد القبض، إذ بالقبض تم الربا بينهما، وقاله ابن حبيب (¬3)، ورواه علي (¬4) وابن عبد الحكم عن مالك. وذهب أكثر شيوخ (¬5) القرويين إلى أن قول سحنون وفاق (¬6) للكتاب، وبعضهم يجعله خلافاً. ويستدل بما في الأصل من قوله: يرد، وكذا (¬7) حكى أصبغ (¬8) في أصوله أنه يرد السلف كان قبضه، ومحمد بن عبد الحكم (¬9) يرى رد البيع وإن أسقط السلف مشترطه. وقول عمر [رضي الله عنه] (¬10) "فأين الحمال" (¬11). بكسر الحاء ¬
وتخفيف الميم. يريد مؤنة الحمل وأجرته. وبه فسره مالك في الموطأ (¬1). وعلل في الباب الآخر هنا بقوله: لأن الطعام له حمل، وقد وقع في بعض روايات الموطأ: (وأين) (¬2) الحمال بفتح الحاء وتشديد الميم. وفي أكثرها الحمل. قال مالك: يعني حملانه، وفسره بعضهم بالضمان، وأنه (¬3) معنى الحمال، والحمل هنا. وقد جاء في الكتاب (مفسراً) (¬4) من قول عمر نفسه (¬5) في آخر الباب بهذا المعنى أيضاً، في حديث آخر، وقال فيه: "فأين الضمان" (¬6). وكلا التفسيرين صحيح المعنى، ومما يتهم أن يقصد وينتفع به المسلف. وظاهر الكتاب في مسألة البيع والسلف إذا كان من المبتاع أن له (¬7) الأكثر كان زاد على عدد الثمن والتسليف (¬8)، خلاف ما ذهب إليه أصبغ (¬9). لأنه قال: "إن (¬10) اشتريت بمائة عبداً وقيمته مائتا دينار على أن أسلفني (¬11) خمسين قال: البيع فاسد (¬12)، ويبلغ (¬13) به قيمته إذا فات" (¬14). فقد صرح ¬
في الكتاب: أن قيمته أكثر (¬1)، وكذا في سماع يحيى (¬2) قيمته بالغاً (¬3) ما بلغت لا يلتفت إلى الثمن، وقد ذهب بعضهم (¬4) إلى أنه وفاق، فانظره (¬5). و"أَيْلَة" (¬6). - بفتح الهمزة - مدينة بالشام (¬7). "وابن السباق" (¬8). بفتح السين (¬9). "والسفتجات" (¬10) - بفتح السين وسكون الفاء وفتح التاء بعدها (¬11) جيم - جمع سفتجة. وهي البطائق تكتب فيها (¬12) الإحالات بالديون (¬13)، وذلك الرجل (¬14) يجتمع له المال في بلد فيسلفه لبعض أهله ويكتب له ¬
القابض (¬1) إلى وكيله، أو شريكه ببلد المسلف ليدفع له عوضه هناك مما [له] (¬2) قبله وبيده يريد أن بذلك حرز الأموال وخوف آفة الطرق (¬3) واللصوص على المال إن (¬4) ذهب به، وخرج (به) (¬5) من البلد. وقد أجاز ذلك محمد بن عبد الحكم للضرورة (إلى ذلك (¬6)) (¬7) / [4] "والدينار الجرجيري" (¬8) - بكسر الجيم وآخره (¬9) راء وكذلك وسطه - سكة إفريقية أيام الروم بها، وكانت ملساء غير مطبوعة، وجرجير اسم كان يتسمى (¬10) به ملوك إفريقية (¬11) من الروم) (¬12). وقول "القاسم (¬13) (¬14) وسالم (¬15) في الرجل يسلف الرجل (¬16) عشرة ¬
دنانير فأراد أن يأخذ منه (¬1) زيتاً أو طعاماً أو ورقاً بضرب الناس" (¬2). كذا عندي بالضاد المعجمة والباء ومعناه بما يتعامل به الناس، وضربهم في التجارة. والمضاربة: المتاجرة. وفي بعض النسخ: (بصرف الناس (¬3))، بصاد مهملة وآخره فاء. "والمكتل" (¬4) بكسر الميم الزنبيل (¬5) والقفة (¬6). وقوله: "في الذي أخذ دنانير أو دراهم نقداً من حنطة حالة وافترقا قبل القبض. قال: لا يصلح إلا أن ينتقد أو يقول (¬7) له: اذهب بنا إلى السوق فأنقدك، (أو اذهب بنا إلى البيت فآتيك بها" (¬8)) (¬9) كذا في روايتنا. وظاهره أنه لا يصلح إلا باشتراط ترك مفارقته قبل القبض. وفي (¬10) بعض الروايات فيما حكاه أبو عمران: "اذهب بنا إلى البيت فآتيك بها" (¬11)، فظاهره ذهابه وحده وجواز مفارقته له بالأجساد، ولكن ليرجع (¬12) ليوفيه وأنه (¬13) لم يفارقه على المتاركة التي لم يجزها في الكتاب. ¬
ويدل (على) (¬1) صحة هذا قوله: "فأما إذا افترقتما وذهبتما حتى يصير يطلبك بذلك فلا خير فيه" (¬2). ومثله قوله: "في الذي أخذ عن دينه سلعة حاضرة، ثم قام (¬3): فدخل بيته قبل أن يقبضها، البيع جائز، ويقبض سلعته إذا خرج" (¬4). وقال في البيوع الفاسدة في مثلها: "إذا افترقا قبل القبض لا خير فيه" (¬5) قال سحنون في مسألة هذا الكتاب: هي خير من الأخرى. وقاله يحيى (بن عمر (¬6)) (¬7). وذهبا (¬8) إلى أنه اختلاف (¬9) من قوله. وذهب فضل وابن أبي زمنين (والأندلسيون) (¬10) إلى الفرق بين المسألتين، وأن الأولى حضرت المجلس، كما نص عليه في الكتاب (¬11) فصارت في ضمان المشتري بحضورها، والأخرى لم تحضر ولم تدخل في الضمان، وبقيت في ذمة البائع، فصارت ذمة بذمة، وتأول القرويون المسألة على غير هذا، وخطأوا هذا التأويل. ¬
قالوا: لأن ما يسقط الضمان هنا لا ينزل منزلة القبض، كما أنه لا يجوز له أن يأخذ في دينه عقارا [غائبا] (¬1) وإن دخل في ضمانه بالعقد. قالوا: وإنما الفرق بينهما قرب أمد هذه المسألة إنما هو دخول (¬2) البيت، ودخول البيت والخروج منه قريب. ومسألة (¬3) البيوع الفاسدة بعد أمد الفراق فيها (¬4). وقال أبو إسحاق (¬5): إنما لا يجوز أن يأخذ فيها (¬6) عقارا غائبا إذا أخذه على صفة أو على تذريع إذ لا يكون (¬7) في ضمانه إلا بعد القبض، أو وجودها على الصفة، فأما إذا كان على رؤيته ومعرفته ولم يشترها على التذريع فهو قبض ناجز كالنقد. وقد برئ البائع منها وهي من المشتري (¬8). ونحوه لأشهب عن مالك في العتبية (¬9). وقول "أبيّ لعمر (رضي الله عنهما) (¬10)، قد علم أهل المدينة أني (من) (¬11) أطيبهم ثمرة" (¬12). يحتمل أن يكون من الطيب والجودة، فيقول ¬
لذلك خصصتك بالهدية منها، ويحتمل أن يكون من الحل، ويريد بذلك أنه لا عذر له في رده. وقوله: "خبز الملة" (¬1) - بفتح الميم وتشديد اللام - هو نوع مما يطبخ به الخبز وهو أن يحمى بالنار موضع من الرمل أو التراب ثم توضع فيه (¬2) الخبزة، ويرد بعضه عليها حتى تنضج، سمي بذلك لحرارته (¬3). وقوله "في قبض خبز الفرن من خبز التنور في القرض لا بأس به إذا تحريا الصواب" (¬4) أكثرهم على أن معنى ذلك تحري ما فيه من كيل دقيق ذلك دون [وزن] (¬5) الخبز، وهو قول ابن المواز. وذهب اللخمي (¬6) إلى رد هذا، وأن مراعاة الكيل فيما صار خبزاً ساقطة، وإنما تجب (¬7) مراعاة الوزن في الخبز وهو دقيق، وحكى ابن اللباد (¬8) عن سحنون في هذه المسألة كل ما أصله الوزن فلا بأس بالتحري فيه، فيحتمل أنه أشار هنا إلى تحري الوزن، إذ الخبز (¬9) مما يوزن، أو إلى ¬
إنكار التحري في المسألة كلها، إذ أصل الحبوب الكيل، لا الوزن. وظاهر مسألة الكتاب جواز قرض رطل في رطل، وعلى ما تقدم لمحمد لا يصح، إذ إنما يرجع فيه إلى مماثلة الكيل في الدقيق، فانظره. ومسألة "الذي يقرض الدراهم على أن يقبضها بإفريقية ولم يضرب لذلك أجلا قال: لا يعجبني ذلك" (¬1). "قلت: فإن نزل، قال: أجزت السلف، وأضرب له بقدر (¬2) المسير (¬3) إلى إفريقية" (¬4) ثبت عندي (في) (¬5) هذا الفصل من قوله: إن (¬6) نزل في كتاب ابن عتاب، وسقط في كتاب ابن المرابط، للأبياني، والدباغ (¬7)، ولم يذكره المختصرون من المدونة، وهو ثابت في غيرها صحيح. ¬
كتاب البيوع الفاسدة
كتاب البيوع الفاسدة (¬1) الفساد في البيع يكون لعلل كثيرة، ولمسائله وصوره ألقاب (وأسماء) (¬2) معروفة، ويجمعها ستة أنواع: خمسة مما يفسده (¬3) في نفسه، والسادس مما (¬4) يفسد لما يلحقه من غيره. فالأول: ما كان قماراً، وخطراً، ويشتمل على: بيع الغرر، والأجنة، والملاقيح (¬5)، والمضامين (¬6) ............................. ¬
وحبل حبلة (¬1)، وبيع الحصاة (¬2) والمنابذة، [والملامسة (¬3)] (¬4) والمزابنة (¬5)، والمخابرة (¬6)، والبعير الشارد، والعبد الآبق، وما فيه خصومة، ¬
والطير في الهواء، والحوت في الماء، وبيع ما ليس عندك، و [بيع] (¬1) الرطب باليابس، وبيع المريض المدنف، والحامل المقرب، وبيعتين في بيعة (¬2)، وبيع العربان، والثنيا، والبيع على (¬3) قيمة السلعة، أو بما اشترى فلان، أو بما رضيه من الثمن، وبيع الثوب في جرابه، وتراب الصواغين (¬4)، وغوصة الغائص، وبثمن (¬5) مجهول (¬6)، وبيع الثمار قبل أن تزهي (¬7)، والزرع قبل يبسه، وإلى أجل غير محدود، وبيع المعينات (¬8) تقبض إلى أجل بعيد، وأشباه هذا كله مما يكون الغرر بالجهالة بالمبيع، إما في نفسه، أو صفته، أو مقداره، أو عوضه، أو وقت قبضه، أو مآل حاله (¬9). والثاني: الربا بالتفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل، وذلك في الطعام المقتات المدخر للعيش غالبا، أو الفضة أو الذهب (¬10) نقدا كان [ذلك] (¬11) أو إلى أجل، والتفاضل مع الأجل في الجنس الواحد في جميع الأشياء. والثالث: الربا في النسيئة (¬12) والتأخير، كالعين كله/ [5]؛ وأجناس ¬
المطعومات كلها، كانت من جنس واحد، أو مختلفة. والرابع: ما لا يصح بيعه قبل استيفائه، وذلك يختص (¬1) بالطعام، فهذه أربعة أصول في البيوع الفاسدة لعقودها وأنفسها، وتقريرها (متقدم) (¬2) لعبد الملك بن الماجشون إلا ما بسطناه وبيناه منها. ويلحق (¬3) بها نوع خامس لا بد منه، وهو ما منع بيعه: إما لحرمته، أو لخبثه وعدم منفعته. فلحرمته (¬4)، كالحر، وأم الولد، والمدبر، والمعتق إلى أجل، والمصحف (¬5) والمسلم من الكافر على أحد القولين. ولخبثه وعدم منفعته شرعاً، كالنجاسات، والميتات، والخمر، والدم، والأصنام، (والصور) (¬6)، والخنزير، والكلب، والقرد، وآلات الباطل، (والسم (¬7)) (¬8). أو عادة: كالديدان، والجعلان (¬9). وما خرج عن هذه الوجوه فهو جائز، إلا أن تقترن به قرائن فساد خارجة عن نفسه، وعقده (¬10)، وهو (¬11) النوع السادس، وهي أربع علل: ¬
علة بوقت لا يجوز (¬1) فيه البيع، كوقت الأذان والصلاة يوم الجمعة. وعلة في المتعاقدين، كالسفه، والصغر، والجنون، والرق، والسكر (¬2)، إلا أن العقد (هنا) (¬3) موقوف (¬4) لإجازة (نظر) (¬5) من له النظر، وليس بفاسد (¬6) شرعاً. وعلة شرط قارن (¬7) البيع، كالسلف وغيره من الشروط المؤثرة في العقد، أو النكاح، والقراض، ونحوهما (¬8). وعلة تعلق حق لغير البائع بالمبيع، كبيع التفرقة، وبيع مال الغير بغير أمره، وبيع الحاضر للبادي، والبيع على بيع أخيه، وتلقي السلع، وكالمرهون، وقد يصح دخول هذا في باب الغرر، إذ علته منع قبض المعين ناجزاً، والغرر في ذلك وفي (الرهن) (¬9) هل يفك فيصح [البيع] (¬10)، أو يعجز عن فكه فيبطل. عقد آخر: أن ينظر (إلى) (¬11) أركان المعاوضات، وهي ثلاثة: عقد، ¬
ومتعاقدان، ومعقود به، أو عليه، وهما بمعنى (¬1)، إذ كل واحد منهما ثمن للآخر، وعوض عنه (¬2)، وكلاهما معقود به، وعليه. فإذا سلم العقد من وقوعه وقت النهي، وهو ما تقدم، أو من شرط لا يجوز معه مما ذكر، أو قرينة تفسده كما بين، وسلم المتعاقدان من علة الحجر، والتعدي على بيع ما لا يملكانه (¬3)، وكانا جائزي الأمر (¬4)، وسلم المعقود به وعليه من الجهالة بحقيقته (¬5)، وأوصافه (¬6)، أو مآله (¬7)، أو وقت قبضه. ومن كونه مما (¬8) لا يصلح بيعه، لحرمته، أو لخبثه، أو كونه (¬9) (مما) (¬10) لا ينتفع به، عادة، أو شرعاً، [على ما فسرناه، أو من تعذر تسلم (¬11)، المشتري له حساً، كالشارد، والطائر في الهواء، أو شرعاً] (¬12) كالمرهون، أو شرطاً كالمعين يشترط قبضه إلى أجل بعيد يتغير فيه صح البيع وسلم من العلل. عقد آخر: الفساد في البيع يرجع إلى ثلاثة أشياء: ربا، وغرر، وأكل مال بالباطل، هذه جملة يفسرها العقد الأول المذكور. عقد آخر: على معنى كلام ابن عبدوس: وهو أن البياعات الفاسدة على وجهين: ما لا يغلب على فسخه، وما يغلب على فسخه. ¬
فما لا يغلب على فسخه ما وقع بشرط، فإذا رضي مشترطه إسقاطه صح البيع. وما يغلب على فسخه نوعان: ما فساده لعقده، كبيع وقت الصلاة للجمعة (¬1)، وبيع التفرقة، والمدبر، فهذا إذا فات مضى بالثمن. وما فساده في ثمنه، فهذا إذا فات يمضي بالقيمة. عقد آخر: كل عقد جمع من الجهتين (¬2) ما لا يجوز فيه التفاضل، ومعهما أو مع أحدهما ما يخالفه في القيمة من جنسه، أو من غير (¬3) جنسه، فلا يجوز، كمدبر (وثوب) (¬4) بمدبر، أو مد شعير وعبد، أو درهم وثوب بدرهم وعبد، أو بدرهم وثوب. أصل في الشروط مع البيع وهي على أربعة أقسام: قسم منها يقتضيه (¬5) العقد، ولو لم يذكر، فلا يضر ذكره، كشرطه أن يقبض المشتري سلعته مكانه، أو يدفع الثمن مكانه في الحاضر المقبوض، أو على أنه لا يبقى حق للبائع في المبيع (¬6). الثاني: (اشتراط) (¬7) ما هو من مصالح (¬8) البيع، أو أبيح (¬9) فيه، كشرطه (¬10) الأجل فيما يجوز فيه، أو الرهن، أو الحميل (¬11)، أو الإشهاد، ¬
أو إلزام (¬1) ضمان الغائب، فهذا أيضاً جائز لازم إذا اشترط. الثالث: خارج عن هذين القسمين، كاشتراط تحجير بعض منافع الملك والتصرف فيه، مثل أن لا يبيع ولا يهب ولا يسافر بالعبد، أو اتخاذ (¬2) الأمة أم ولد، أو تعتق إلى أجل، وبيع الثنيا (¬3)، أو شرط عقد آخر يخالف (¬4) مقصد البيع، وجمعه معه كالقراض مع البيع، أو النكاح، أو السلف، أو الشركة، فهذه كلها شروط تبطل البيع. واختلف إذا أسقط مشترط الشرط شرطه، هل يصح (¬5) البيع أم يفسخ على كل حال (¬6)؟ الرابع: من الشروط: ما يخف (¬7) فيكره ابتداء، فإذا وقع سقط وصح البيع، كقوله: إن لم تأتني (¬8) بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيني وبينك، (على مشهور المذهب) (¬9)، وشرط البراءة من الجائحة. عقد آخر: لابن خويز منداد (¬10) في الشروط هي على ثلاثة أقسام: ¬
قسم: أباحه (¬1) الكتاب، فيثبت (¬2) الشرط والعقد (¬3). (وقسم: منعه لحقه (¬4)، فيبطل العقد والشرط) (¬5). وقسم: منعه لحق الغير، فهو موقوف على إجازة صاحب الحق. وقوله: في بائع (¬6) السلعة وقد اشتراها شراء فاسداً، فردت عليه بعيب، أو اشتراها (¬7) من مشتريها (منه) (¬8)، ولم تتغير في بدن ولا سوق، وليس بيعها فوتاً إذا رجعت على أسواقها (¬9). قال في كتاب الهبات: "إذا وهب (¬10) هبة للثواب فباعها الموهوب ثم اشتراها لزمته القيمة حين باع" (¬11). عارض بعض الأندلسيين قول ابن القاسم هنا، بما هناك، وأن ما في الهبات مثل ما لأشهب في البيوع الفاسدة (¬12). وقال القرويون: المسألتان مفترقتان، وذلك أن مسألة الهبة بيعها له ¬
اختيار (¬1) لها، فلزمته القيمة، والبيع الفاسد يغلبان على فسخه (¬2)، فهما منهيان أن يفعلا فيه ما يكون حيلة لإجازته، وفي هذا التفريق نظر. وقال فضل: اعتبر (¬3) ابن القاسم أصله في كتاب الشفعة فيمن اشترى شِقصا بيعاً فاسداً فباعه أنه لا يأخذه بالصفقة الأولى، لأنها فاسدة (¬4)، فإن نقضنا الثاني انتقض الأول، وأشهب أيضاً جرى على أصله هناك أنه يأخذ بأيتهما (¬5) شاء، الأولى بقيمة الشقص لفواته بالبيع، والثانية بالثمن، قال فضل: وهو أشبه بأصولهم. وقوله: "ثم اشتريتها أو ردت علي (¬6) بعيب ولم تتغير بزيادة سوق ولا نقصان، ثم قال آخر الكلام: لك أن ترد" (¬7) ظاهره (¬8) [6] / أنها لو ردت عليه بعيب وقد تغير سوقها أنها تفوت، (ولا رد له) (¬9)، ولكن؛ ليس هذا مراده، بل له أن يرد بالعيب الذي (¬10) ردت عليه به (¬11)، ولا تفيته حوالة (الأسواق) (¬12) كما تقرر من مذهبه في ¬
غير موضع من الكتاب، وإنما (¬1) معنى المسألة أنه قصد إلى الكلام فيما يفيت البيع الفاسد، ولم يتعرض للرد بالعيب هنا، وأيضاً فقد يكون هذا العيب قد دخل عليه المشتري، وكان العقد الأول (¬2) (بيعاً) (¬3) فاسداً، ثم دلس به في البيع الآخر، أو نسيه فلم يبق له حق في الرد به على البائع. واختلفوا في (¬4) تأويل المدونة في البيع الذي يفيت البيع الفاسد، هل من شرطه (¬5) أن يكون بعد القبض، وإليه ذهب بعضهم، واحتج بقوله في [كتاب] (¬6) العيوب في المسألة: "وعليه قيمتها يوم قبضها" (¬7). وجاز البيع إذا كان الأول قبضها، ومثله لمالك في كتاب محمد (¬8) (¬9). وقال آخرون: بيعها فوت على كل حال، قبض أم لا. وفي كتاب محمد لمالك مثله أيضاً (¬10). ويتأول هؤلاء قوله إن كان قبضها لإلزامه (¬11) القيمة يوم (¬12) القبض، وكأنه يقول: وإن لم يقبضها كانت (¬13) عليه القيمة يوم البيع، بدليل قوله (فيها) (¬14): ولو تصدق بها قبل قبضها كانت عليه قيمتها يوم تصدق بها. ¬
وهذا قول محمد في البيع (¬1)، قال: قيمتها يوم باعها (¬2)، وهذا الأصل مختلف (¬3) فيه (¬4)، ومثله اختلافهم في العتق قبل القبض، ولا يختلفون أنه لو علم بالفساد ثم باعها قصدا لتفويتها أن بيعه غير ماض، وقد نبهنا عليه من كلامه في بيع السيف المحلى في كتاب الصرف. وقوله: "فبم فرق مالك بين البيع الفاسد إذا حالت سوقه إلى قوله: وبين الذي اشترى بيعاً صحيحاً فأصاب به عيباً، إلى قوله: جاز له أن يرد ولا شيء على البائع في ذلك" (¬5). كذا عندنا، وفي سائر الأصول. وقال أبو بكر المعيطي (¬6): صوابه المبتاع (¬7). ومسألة "الذي اشترى ثمرة قبل أن يبدو صلاحها فجذها (¬8) قبل (بدو) (¬9) صلاحها، قال: البيع جائز إذا لم يكن في البيع شرط أنه يتركها حتى يبدو صلاحها" (¬10). ظاهره الجواز، إذا أطلق حتى يشترط البقاء، وعلى هذا حمل المسألة غير واحد من حذاق شيوخنا، واختصرها كثير منهم، وهو ظاهر لفظ (¬11) الكتاب هنا، وإليه مال الأبهري (¬12) وغيره. والذي حكاه (¬13) ¬
البغداديون أن مذهبنا إذا أطلق ولم يشترط جذًّا ولا تبقية فهي على الرد (¬1) حتى يشترط الجذ، خلافاً لأبي حنيفة. فمن المشايخ من حمل أن مسألة (¬2) الكتاب هذه معناها (¬3) اشتراط (¬4) الجذ. وحكي هذا التأويل عن أبي محمد (¬5)، وعليه اختصرها (¬6) هو وغيره. واستدلوا (¬7) بقوله: "فجذها (¬8) " (¬9) قالوا: ولولا ذلك لكان (¬10) فاسداً، واحتجوا أيضاً بما وقع له في كتاب العرايا (¬11). وقال بعض حذاق شيوخنا: نفس العقد إذا عري من الشرط يقتضي تسليم المبيع عقيب العقد، وإذا كان كذلك (¬12) فالعقد يقتضي الجذ، وإن لم يشترط، إلا أن تكون عادتهم التبقية فيفسد البيع بالعادة [كالشرط لها حتى يشترط الجداد إطلاق العقد يقتضيه بالعقد (¬13)]. (¬14) وكان الفضل بن سلمة أشار [إلى] (¬15) (أن) (¬16) مسألة الكتاب تحتمل أن العرف الجذ، فلذلك جاز إذا أطلق العقد. ¬
و"النشوز" (¬1) - بالزاي - النمو، والزيادة، وأصله الارتفاع، ومنه نشوز المرأة على زوجها، لارتفاعها عليه. و"الخلفة" (¬2) - بكسر الخاء - ما يخلف من الزرع بعد جذه (¬3)، وكل شيء خلف شيئاً فهو خلفة له، ومنه: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} (¬4) أي يخلف أحدهما الآخر. وقوله: "إن اشتريت سلعة بعينها بحكمي أو بحكم فلان" (¬5). كذا في كتاب ابن عتاب بعينها. وفي كتاب ابن المرابط بقيمتها أو بحكمي (¬6). قال فضل: رواية يحيى بعينها بحكمي وروى غيره "بقيمتها أو بحكمي (¬7) " (¬8)، والمسألة على الروايتين صحيحة الجواب لمجهلة الثمن (¬9)، كانت معينة، أو غير معينة. (وقوله) (¬10): "في شراء الآبق إذا ادعى معرفته وموضعه فلا بأس إذا تواضعا الثمن" (¬11). هذا يدل على توقيف الثمن فيها، إذا طلبه البائع، ¬
وكذلك في المواضعة، وكذا في كتاب الغرر ليحيى بن سعيد (¬1) في شراء الغائب (¬2) ومثله (¬3) بعد هذا في باب البيع على الحميل (¬4) إذا كان الثمن سلعة (¬5)، وكذا في كتاب ابن حبيب، ومحمد (¬6) في الغائب، وقاله سحنون، وهو أحد قولي مالك، وهو جل المذهب (¬7) واختيار عبد الحق وأبي عمران والصديني (¬8) وجماعتهم، ولم يفرقوا بين الغائب والمواضعة. وفي المستخرجة: ليس عليه إيقافه، وإليه ذهب بعض مشايخ (¬9) الفاسيين، وقاسها على الرهن. "وفصح النصارى" (¬10). - بكسر الفاء وإهمال الصاد والحاء - فطرهم من صومهم (¬11). والحَصاد والحِصاد والجَذاذ، والجِذاذ (¬12). بالفتح والكسر فيهما. ¬
"وجرون بئر زرنوق" (¬1). - بضم الجيم والراء - جمع جرين، وهو الأندر. كذا جاءت الرواية فيه بزيادة واو، وصوابه (¬2) جرن، بغير واو. وبئر زرنوق - بفتح الزاي - فسرها في الكتاب أنها بئر عليها زرع وحصاد (¬3). يخرج من مسألة: "البيع إلى الحصاد" (¬4). جواز البيع على أن يقضيه في شهر كذا. وقد اختلف فيه بالجواز، والأجل نصف الشهر، كما قال في مسألة الحصاد: معظمه (¬5). والعادة أنه (¬6) في وسط أوقاته. وقيل: لا يجوز لأنه لم يوقت وقتا منه. وأمر (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8) عبد الله بن عمرو بن العاص أن يبتاع ظهراً إلى خروج المصدق ليجهز به جيشاً (¬9). قال أبو عمران: إنما كان هذا لأنها أحد (¬10) الوجوه التي تفرق فيها الصدقات، ولا يقال في هذا: إنها قدمت قبل وقتها، لأنها لم تؤخذ (¬11) إلا في حينها. ¬
قال القاضي: أبين [من] (¬1) هذا أن يقال: [إن] (¬2) مشتريها والمجهز (¬3) بها صارت ديناً عليه، فإذا جاء المصدق كان للإمام أن يدفع إلى هذا ما عليه من الدين، لأنه من الغارمين. قال أبو عمران: ولا بأس أن يؤخذ (¬4) البعير بالبعيرين على وجه الحاجة لتجهيز (¬5) الجيش كما ذكر (¬6)، أو لشدة (¬7) الحاجة، والفقر، وهو محمول على اختلاف المنافع. قال القاضي: لعل هذه (¬8) الأبعرة المشتراة مختلفة المنافع مما يجوز تسليم بعضها في بعض، وفيما ذكره الشيخ من حاجة الفقر نظر (¬9)، ولا يساعد عليه، ولو جاز هذا لجاز تسليم القليل في الكثير. وقلَّ (¬10) ما [7] يفعله إلا ذو الحاجة؛ والضرورة، ولبطل (¬11) باب: سلف جر نفعاً من أصله. ومسألة: "اعصر زيتونك (هذا) (¬12) فقد أخذت منك زيته كل رطل ¬
بدرهم" (¬1). وقوله: "إن كان الزيت يختلف إذا خرج من عصره فلا خير فيه، إلا أن يشترط إن خرج جيداً أخذته بكذا وكذا، أو يشترط (¬2) أنه بالخيار، ولا ينقد" (¬3). قال بعض الأندلسيين: ينبغي أن يكون هذا بشرط (¬4) أنهما بالخيار معاً، وإلا لم يجز إذا كان يختلف، وذهب اللخمي أنه لا يلزم، وهو ظاهر ما اختصر عليه المختصرون، وأن هذا من الباب الذي حكاه سحنون في كتاب الغرر: "عن (جل) (¬5) أصحاب مالك في البيع على أنه بالخيار إذا رأى" (¬6). وهي المسألة (¬7) بعينها، وعلى ما ذكره البغداديون أنه غير جائز، وسنذكرها. ومسألة بيعتين في بيعة، لا خلاف في منع مسألة الكتاب في بيع سلعة بالنقد بدينار، أو إلى أجل بدينارين، على إيجاب البيع على أحد الثمنين، وكذلك في كتاب ابن حبيب في بيعها بدينار نقداً أو بدراهم إلى أجل، فأما لو كان الكل نقداً، فقال (له) (¬8): خذه بدينار أو بدينارين، أيهما شئت، على إيجاب البيع، فهو جائز (¬9). قال أبو عمران: والثمن الدينار لا شك فيه، والآخر كالهبة، بدليل (أنه) (¬10) لو استحق (أحد) (¬11) ..................................... ¬
الدينارين إذا كانا (¬1) معينين [لما] (¬2) انتقض البيع، ولا كان (¬3) على المشتري خلفه، وكذلك لو كان بدينار نقداً، أو مؤخراً لجاز، وكان النقد تفضلاً من المشتري، وتعجيلاً (¬4) لأن البائع قد رضي بأقل الثمنين، وبالتأخير، فما زاده المشتري أو عجل (¬5) له ففضل منه، لم يلزمه، ولو كان بدينار نقداً، أو شاة نقداً، فمالك لا يجيزه (¬6)، إذ لا يدري ما وقع عليه البيع من أحد (¬7) الثمنين، وعبد العزيز (¬8)، وأشهب (¬9)، يجيزانه (¬10)، ولو كان أحدهما (مؤخراً) (¬11) لم يختلف أنه لا يجوز، كالوجه الأول، لأنه من الدين بالدين، وفي الطعام بيعه قبل استيفائه، وفي العين التأخير والتفاضل، مع المخاطرة، والغرر، ومجهلة حقيقة الثمن في جميع ذلك. وسيأتي بقية الكلام على ما تعلق بها، وتمام بابها في كتاب الخيار إن شاء الله (تعالى) (¬12). ومسألة: بيع الزبل والرجيع (¬13)، قول (¬14) أشهب في الكتاب (¬15): "المشتري أعذر من البائع" (¬16). إنما هو في الزبل (¬17) لأنه بينه بعد، قال: ¬
"وأما (بيع) (¬1) الرجيع فلا خير فيه" (¬2) ووقع له في كتاب محمد، المشتري أعذر في الرجيع (¬3) أيضاً. وكلام ابن القاسم في إجازة بيع الزبل، وأن قياس قول مالك أنه لا يجوز، لأنه كره بيع الرجيع لأنه نجس، فكذلك الزبل أيضاً، ومساق قول ابن القاسم حين سوى بينهما في النجاسة، ثم أباح بيع الزبل، يدل على جواز (بيع العذرة، إلا أن يقال: فرق بينهما للاختلاف في نجاسته. وقوله: "خُثَاء البقر" (¬4) صوابه خِثْي للواحد وأخثاء للجمع (¬5). وقوله: "في عظام الميتة لو طبخ بها جير أو طوب لم يكن به بأس" (¬6) ظاهره جواز) (¬7) الانتفاع بها خلاف ما في كتاب محمد من أنه لا يحمل الميتة إلى كلابه. وقيل: لعل هذا تكلم فيما طبخ بها، لا في جواز ابتداء الفعل. وقيل: بل لعله وجدها مجتمعة فأطلق فيها النار، ولم ينقلها، فكانت كجواز (¬8) سوق الكلاب إليها، وهذا بعيد في صورة طبخ الحجارة والجير (¬9) والطوب إلا بترتيب وعمل ومعاناة لما تطبخ به، مع أن الفرق بين إطلاق النار فيها لمنفعته (¬10)، وتناوله ذلك (¬11) بنفسه (¬12)، أو بأمره، وبين (¬13) سوق ¬
كلابه (¬1) إلى موضع الميتة حتى رأوها وتناولوها بين. وظاهر المسألة استعمال هذا الطوب والجير في كل شيء، وطهارته، إذ لم يخصه في شيء، ولأنه وإن باشر النجاسة أو داخلها (¬2) من رطوبتها شيء فقد أذهب النار عينها، وأثرها، وحكمها، كالدباغ في جلد الميتة، وكذلك ما طبخ به من فخار، بخلاف ما ينعكس فيه من الطعام دخانه، وبخاره، أو يلاقيه من رطب الشواء، والخبز، وكان (¬3) أبو جعفر الأبهري (¬4) حكى عن مالك في الفخار يطبخ بالنجاسة أنه (¬5) لا يجوز استعماله، وإن غسل، وهو قول القابسي (¬6) وغيره. وقال أبو القاسم بن شبلون (¬7): لا تستعمل (¬8) إلا بعد غسلها، وتغلية الماء فيها حتى يذهب ما فيها، كما قيل في غسل قدور المجوس التي تطبخ فيها الميتة. قال القاضي: وهو (¬9) الصواب عندي، بل هي أخف من قدور المجوس، لأن الدهنية التي داخلت قدور المجوس باقية فيها، فيحتاج إلى ¬
إخراجها من خلال (¬1) أجزائها، ومعاناتها بتغلية الماء فيها المرة بعد المرة، حتى تخرج تلك الدهنية، وهي تطهر في الماء إذا غلي (¬2) فيها طافية عليه، وأما ما طبخ من الفخار بما (¬3) جاورها (¬4) من الدهنية ورطوبة النجاسة أو داخلها قد أكلتها النار، ولا تبقي (¬5) لها عيناً (¬6)، ولا أثراً، حتى إنه لا يظهر منها شيء على الماء لو صب فيها أو أغلي، لكن غسله حسن (¬7) للملاقاة، والمماسة، وتطييب النفس، ومخافة أن تكون النار لم تبالغ طبخه، وأبقت بقية منه خلاله، وقد اختار بعض شيوخنا طهارة النجاسة إذا صارت جمراً (¬8) لذهاب الرطوبة التي فيها كذهابها بالدباغ من الجلد (¬9). ورأى ابن وهب تغلية عظام الميتة بالماء، وإنه دباغها، وهذا كله فيما (¬10) أصله (نجس) (¬11) وعينه نجس، فكيف بهذا الذي قدر (¬12) انتقال رطوبة النجاسة إليه فإذا أذهبتها (¬13) النار وأفنتها فكأنها لم تكن. وجاز استعمال هذه الأواني وإن (¬14) لم تغسل، وإنما يصح عندي القول بطهارة العظم بتغلية الماء على القول بطهارة العظام، أو مراعاة للاختلاف (¬15) فيها، ¬
ثم يبقى تطهيرها مما جاورها (¬1) أو داخلها من رطوبة النجاسة ودهنها، وذلك يذهبه (¬2) تغليتها (¬3). وأما أبو عمران فقال في القلال، والآجر إن كانت طبخت وهي يابسة فهي على الكراهية، وإن طبخت رطبة فهي نجسة، فكأنه إنما التفت لمجرد الملاقاة، والمماسة، وأنها إن كانت رطبة تنجست بذلك كما يتنجس (¬4) ما شوي (¬5) على النار، لكن (¬6) هذه الأواني يقدر على تطهيرها بتغليتها بالماء واستخراج ما [8] فيها وداخلها بذلك، ولا يتهيأ ذلك في الخبز (¬7) والشواء، لكن تفريقه؛ على هذا بين (¬8) يبسها ورطبها بعيد، ولو ألقى عليها هذا كله وهي (¬9) جمر قد احترقت وفنيت (¬10) رطوبتها كان أخف لأمننا (¬11) أن تخرج (¬12) منه بعد رطوبة (¬13)، والخلاف بعد في نجاسته (بمماسته) (¬14) وفي نجاسة ذلك الجمر والرماد المتصير منه قياساً على دباغ الجلد فيما حكاه بعض شيوخنا، ولم يختلفوا في أن ما ينعكس من دخانها في الطعام والماء قبل أن تصير جمراً أنه ينجسه، لأن في دخانها رطوبة ودهنية منها. ¬
وخفف أبو عمران ما يقطر من عرق الحمام، وإن أوقد (¬1) تحته النجاسات، وكأنه رأى أن رطوبة النجاسة لا تصعد (¬2) في ذلك العرق للحائل بينها وبينه (¬3) من أرض الحمام، وخروج أدخنته عنه خارجاً، وإنما (¬4) ذلك العرَق من بخار الرطوبات والمياه المستعملة فيه، وهذا على أنها طاهرة، ولو كانت نجسة لكان البخار المتصعد منها وعرقها نجساً (¬5)، كدخان النجاسة وبخارها، فإنها - لا شك - بعض أجزائها، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل عرق (¬6) الحمامات التي تستعمل (¬7) في غسلها مياه الحياض النجسة، ولا يتحفظ داخلها من البول والنجاسات فيها، وكذلك حمل أبو عمران كراهة ما في الكتاب (¬8) من طبخ الطعام في القدور بها (¬9) أنه خفيف، ومعناه فيما لا ينعكس دخانها فيه، مما هو من القدور مغطى. وقول "سحنون: وقد كان أجاز أن يجمع الرجلان سلعتيهما فيبيعانهما (¬10) جميعاً، وقال أشهب: ذلك جائز" (¬11). ظاهره أن هذا القول الآخر لابن القاسم، وأنه عطفه على قوله الأول، لأنه قد قال في القول الأول: "ولا أحفظ عن مالك فيها (شيئاً) (¬12) الساعة، ولا يعجبني البيع" (¬13) ¬
وقد تكرر (¬1) اختلاف قول ابن القاسم، وأشهب، في غير موضع من الكتاب (وغيره) (¬2)، فأجازه ابن القاسم في التجارة لأرض الحرب، وكرهه في الجعل، (ونبه) (¬3) على اختلاف قوله (فيه) (¬4)، وأجازه هناك أشهب. وفي كتاب الشفعة إجازته، فجعله (¬5) بعضهم من قول مالك، وبعضهم من قول ابن القاسم، وفي كتاب الشفعة: يقسم الثمن على القيم (¬6). وقيل: بل هو كالبيع الفاسد، يبلغ بكل سلعة قيمتها. قال ابن لبابة: وأحسبهم يجيزون، لو سمي (¬7) لكل واحد ثمن سلعته لجاز على ما في كتاب النكاح، إذا سُمِّي لكل واحدة مهرها جاز، وكذلك لو كانتا شركة بينهما بالسواء (جاز) (¬8)، ولا يجوز إن اختلفت (¬9) شركتهما فيهما، وفي كتاب الشفعة جوازه. وقوله: "إن بعته بيعاً (¬10) أو أقرضته (¬11) قرضاً على أن يعطيني (¬12) فلاناً بعينه حميلاً" (¬13) فيه جواز أخذ (¬14) الحميل في القرض، وجواز ¬
الخيار في القرض، وجواز خيار (غير) (¬1) المتعاقدين (¬2) في البيع، ومثله في القرض. وقوله: "إن لم يرض فلان فلا بيع بينهما ولا قرض إلا أن يشاء البائع" (¬3) فيه دليل على البيع على خيار بعد خيار، لأن الخيار أولاً للحميل، ثم صار بعده للبائع (¬4). وقوله: "وإن (¬5) شاء أبطل البيع وأخذ سلعته" (¬6). فيه دليل على جواز قبضها قبل رضى الحميل وهذا فيما يعرف بعينه. وقوله: "بعته على أن يرهنني (¬7) عبداً له غائباً جاز" (¬8). ولم يشترط فيه من قرب الغيبة ما اشترط في الحميل. قال بعضهم: يجوز في الرهن وإن كان بعيد الغيبة. ألا ترى تشبيهه لها بالبيع، وأشهب يسوي (¬9) بينهما، ولا يجيزه إلا في قريب الغيبة. وفي النوادر (¬10): إن كانت غيبة الرهن بعيدة لم يجز البيع، إلا أن يكون الرهن أرضاً، أو داراً، أو يقبض السلعة المشتراة لأن النقد فيها يجوز. وقال حمديس (¬11): قياس الرهن على الحميل أولى، وقد طرح ¬
سحنون اسمه على المسألة لينبه على الفرق بين الرهن وبين السلعة الغائبة. وقوله: "ويكون حقه عليه إلى أجله إن كان له (¬1) أجل أو حالاً إن لم يكن سميَّا أجلاً" (¬2) نبه بعضهم من هذا على أن من باع سلعة بعينها ولم يذكر حالاً ولا مؤجلاً أنه على الحلول. وقوله: في الحديث: "فليبعنا طعاماً إلى أن يأتينا شيء" (¬3)، (كذا) (¬4) في كتاب ابن وضاح. قيل: إن هذا البيع كان [إلى رجب] (¬5) وكذا جاء في رواية ابن أبي زمنين في بعض تواليفه، وهذا الحديث في البخاري، وفيه: إلى أجل (¬6) فحذف ذكر الأجل من حديث المدونة فجاء فيه إشكال. وقوله: "اشتريت ثياباً فرقمتها" (¬7) أي رشمت عليها رشوم (¬8) الأثمان وليس مراده رقم الطرز (¬9) والأعلام. ومسألة "إن لم تأتني بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيني وبينك" (¬10). ¬
أجازه في الكتاب إذا وقع مع كراهته له، وأبطل الشرط (¬1). قال في الرواحل: ويلزم البائع دفعها، والمشتري (¬2) أخذها، أتى بالثمن أم لا، ويجبر على النقد (¬3). ظاهره الآن بغير تأخير، وفي هذا الكتاب: ويغرم الثمن (الذي) (¬4) اشتراه [به (¬5)] (¬6) من غير تفصيل، وحمل أكثرهم (¬7) الكلامين في الكتابين على نقد الثمن عند الأجل، لا على تعجيله. وقيل: يوقف المشتري فإن نقد مضى (¬8)، وإن أبى رد. وقيل: البيع مفسوخ. قال ابن لبابة: لمالك (في ذلك) (¬9) ثلاثة أقوال (¬10)، ذكرها (¬11) ابن القاسم عنه. قال مرة: البيع مفسوخ. ومرة تام. ومرة يبطل الشرط ويتم البيع. وفي الدمياطية (¬12): فرق بين قوله (¬13): إن جئتني بالثمن، وبين قوله: إن لم تجئني. فإن قال: أبيعك على إن جئتني بالثمن (وإلا) (¬14) ¬
فلا بيع (¬1) بيني وبينك، فالثمن حال، كأنه رآه بيعاً ثابتاً، وإنما يريد فسخه بتأخير النقد، فيفسخ الشرط ويعجل (¬2) النقد. وإذا قال: إن لم تأتني بالثمن إلى الأجل (¬3) فكأنه (¬4) لم ينعقد بينهما بيع إلا أن يأتيه (¬5) بالثمن، فلم يجبر على النقد إلا إلى الأجل (¬6). قال (¬7) اللخمي في إن جئتني: هو شرط فاسد، وفي إن لم تجئني هو كبيع الخيار، يجوز (¬8) فيه من الأجل ما يجوز في الخيار، ومصيبته قبل القبض وبعده من البائع، وعلى مثل هذا حمل ابن لبابة المسألة. وقال: هو بيع خيار يجوز فيه من الأجل ما يجوز في (¬9) الخيار، ويضرب لما (¬10) لم يسم (¬11) فيه أجلاً ما يضرب في الخيار. فإن لم يأت بالنقد إلى الأمد (¬12) (وإلا) (¬13) فهو رد لخياره. وقال مثله أبو الأسود القطان (¬14) القروي (¬15). ¬
وقال ابن وهب (¬1) عن مالك: إن كان لينقده (¬2) إلى آخر اليوم (¬3) ونحوه فضمانها من المشتري، وإن كان إلى عشرة أيام ونحوها فمن البائع. [9] وفي الكتاب: إن هلكت (في الأمد) (¬4) بيد البائع فهي من البائع (¬5) ومرة أطلق ذلك ولم يقل في الأمد. قال الشيخ ابن لبابة (¬6): سبيلها قبل القبض في الهلاك سبيل البيع الفاسد من البائع، وبعد القبض من المبتاع على سبيل البيع الصحيح. وقوله: في الكتاب: "إلى يوم أو يومين أو عشرة أيام" (¬7) كذا عندي، وكذا في أصول شيوخي. [وهي] (¬8) رواية يحيى بن عمر، ذكرها عنه ابن لبابة، وسقطت لفظة عشرة أيام من رواية غير يحيى، وعند (¬9) بعضهم أو أيام يسيرة مكانها. وفي كتاب محمد: إن لم يأت بالثمن إلى شهر فلا بيع بينهما. قال: أما الدور والرباع فلا بأس به، وأما الحيوان فأكرهه، لأنه يحول، وشرطه ¬
بذلك في العروض باطل، والبيع نافذ (¬1). وسوى ابن القاسم العروض وغيرها، وأبطل الشرط، وكرهه مالك في الجميع (¬2). قال ابن لبابة (¬3): وجدت لابن القاسم إذا كان إلى شهر أن سبيله سبيل البيع الفاسد، وكان أبو محمد اللوبي يتأول (¬4) مسألة الكتاب أن معناها أن البائع لم يمكن المشتري من القبض إلا بعد قبض الثمن. وقوله: "إن بعت عبداً ابناً لي في مرضي ولم أحابه" (¬5) ظاهره أن المحاباة سواء كانت في ثمنه أو عينه، وأن يريد (¬6) تخصيصه به من بين ورثته للرغبة (¬7) فيه، وإن باعه بأكثر من قيمته، كما قال ابن القاسم (¬8) في سماع أبي زيد (¬9)، إن كان من المرغوب في ملكه لم يجز، وقال سحنون في مثله: هذا من المحاباة. ¬
كتاب الغرر
كتاب الغرر (¬1) قال الهروي (¬2): وسمي (¬3) بذلك من الغرور (¬4)، وهو ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه (¬5)، ومنه قيل: للدنيا (¬6) متاع الغرور. قال القاضي (¬7) وقد يكون من الغرارة، وهي الخديعة. ومنه: الغر للرجل الخداع، والغر أيضاً المخدوع. ومنه: المؤمن غر كريم (¬8). والخطر - بفتح الخاء - بمعنى الغرر. وأصله من المخاطرة، وهي المقامرة. والخطر (والمخاطرة) (¬9) اسم لما يجعل لمن غلب، فسمي بيع ¬
الغرر خطراً (¬1) ومخاطرة لذلك (¬2)، تشبيها به، إذ لا يدري حقيقة ما اشترى أو باع (¬3)، ولا صفته ولا مقداره، كالمقامر. قال الأزهري (¬4) (في) (¬5) بيع الغرر: (ما كان على غير عهدة، ولا ثقة، وتدخل فيه البيوع التي لا يحاط بمعرفتها (¬6). ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر (¬7)) (¬8) وهو على (¬9) ما تقدم، وفسرناه في البيوع الفاسدة يكون في [عين (¬10) العقد، كبيع العربان. وفي عين (¬11) المبيع: كالطير في الهواء، وما في الصندوق، وتراب الصواغين، والغائب البعيد (الغيبة من الحيوان) (¬12) والأجنة. أو للجهل بصفته: كالغائب بغير صفة، أو الثوب المطوي. أو بمآل صفته: وحاله، كالثمرة التي لم يبد صلاحها، والمعين (¬13) ¬
يقبض إلى أجل، والمهارة (¬1) خلف أمهاتها (¬2). أو الجهل (¬3) بمقداره، وعدده: كالجزاف، مما (¬4) يعد. أو بما باع فلان، أو منتهى سوطي من الأرض (¬5). أو بأجله: كالبيع إلى موت فلان، وقد تقدم تفصيل هذا قبل. وقد فسر في الكتاب الملامسة، والمنابذة، وقال: "الملامسة: أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، أو يبتاعه (ليلاً) (¬6) ولا يعلم ما فيه" (¬7). "والمنابذة: أن ينبذ كل واحد إلى الآخر ثوبه على غير تأمل، ويقول كل واحد: ذا بذا" (¬8). وقيل المنابذة: أن يتبايعا بالليل فيعطيه هذا ما عنده، وهذا ما عنده دون روية. "والساج المدرج" (¬9) ......................................... ¬
هو الطيلسان المطوي (¬1). "والجراب" (¬2) - بكسر الجيم - وعاء يكون من جلد. "والثوب القبطي" (¬3) - بضم القاف وسكون الباء - ثياب تتخذ بمصر، وقال بعضهم: هي منسوبة إلى القبط، ولو كان هذا كانت (¬4) بكسر القاف، وواحدها قبطية، والجمع قباطي (¬5). والزطي (¬6): ثياب منسوبة إلى جبل من السند (¬7) يقال له: الزط. وقوله: "هذا من بيع القمار والتغيب" (¬8) - بالغين المعجمة - من الشيء الغائب، ومنه الحديث: نهى عن بيع الغائب (¬9) أي ما غاب عنك (¬10). "ووجاهه" (¬11) بكسر الواو وفتحها، ويروى تجاهه بضم التاء، (وهما) (¬12) بمعنى واحد، من المواجهة، والمقابلة. ¬
"ابن وهب، وأنس بن عياض (¬1)، وابن نافع (¬2) عن عبد العزيز بن أبي سلمة (¬3) " (¬4). كذا وقع في أول الكتاب عندنا. وسقط ابن نافع من كتاب الدباغ، وصح لابن وضاح وغيره. وقوله: "ولا أرى أن يشتريها إلا على المواصفة (¬5) " (¬6). أي: على الصفة (¬7). "والرباع" (¬8) - بفتح الراء - من الإبل الذي ألقى رباعيته وذلك في العام ¬
السابع، وأما الربع - بضم الراء [وفتح الباء] (¬1) فالحوار (¬2) الذي يولد في الربيع. وقوله: "قال بعض كبار أصحاب مالك وجلهم: لا ينعقد بيع إلا (على) (¬3) أحد أمرين: إما على صفة توصف، أو على رؤية عرفها" (¬4) ظاهر هذا الذي قال يجمع البيع (المعين) (¬5) والمضمون. وكان الشيخ أبو محمد (¬6) أراد هذا في اختصاره بقوله: وقال غيره: البيوع على وجهين: مضمون في ذمة، أو معين. [والمعين] (¬7) إما حاضر مرئي، أو غائب يوصف. وعليه حمل القاضي ابن سهل (¬8) مراد أبي محمد. ثم قال في الكتاب: "أو (¬9) شرط في عقد البيع أنه بالخيار إذا رأى (¬10) السلع بأعيانها. قال: فكل بيع انعقد على سلع بأعيانها بغير ما وصفنا فالبيع منتقض" (¬11) فظاهر هذا الكلام الآخر أنه إنما تكلم في المعين، وأن الأول (¬12) قسم واحد. ¬
وأحد الأمرين الذي ذكر، وهو ما انعقد عليه (¬1) جميعاً بصفة، أو رؤية. والثاني: ما كان على خيار النظر مما انعقد على هذه الصفة (¬2). وقيل: قد يحتمل أن الأمرين هما الأولان: النظر، والرؤية. وأنهما الذي ينعقد. ثم جاء بعد بنوع غير الأمرين من الوجه (¬3) الذي يجوز عليه البيع، وإن لم يكن منعقداً. وقوله: "فكل (¬4) بيع ينعقد على سلع بأعيانها على غير ما وصفنا منتقض" (¬5). يحتمل (¬6) أنه راجع إلى الجميع، وأن هذا الآخر وإن لم يكن منعقداً منهما جميعاً فهو منعقد على البائع، وإلى نحو هذا أشار ابن أبي زمنين في اختصاره المسألة، وحذف لفظة أمرين (¬7). ويحتمل أن يرجع الكلام على الأمرين المتقدمين أولاً. و [قد] (¬8) اختلف في جواز هذا الوجه الآخر. ففي الكتاب: ما تراه، وقد أنكره البغداديون (¬9). وقالوا: لا يجوز، وإن ما وقع عندهم في الكتاب فعلى غير الأصل (¬10)، واعلم أن ظاهر ¬
الكتاب أن نقد الثمن في الغائب بغير شرط جائز في كل شيء، وما [10] كان الثمن، لأن علة الغرر إذا لم تكن بشرط (¬1) ساقطة منه، وبقي حكمه؛ أنه كمسلف متطوع فيما يجوز تسليفه، أو مرفق ومسكن. وذهب بعض شيوخنا أنه لا يجوز (التطوع) (¬2) بالثمن إلا فيما (¬3) يجوز تسليفه: كالعين، والمكيل، والموزون. لأن الغائب إذا وجد قد هلك أو على غير الصفة وانحلت العقدة رد مثله، فلم (¬4) يكن على أحد منهما ضرر، بخلاف السلع، والرباع (التي) (¬5) قد تتغير، فيردها (¬6) ناقصة فيضر ذلك بالبائع (¬7)، أو تهلك فيغرم المشتري قيمتها، فكأن البائع يدفعها على أنه إن سلمت الصفقة كان من البائع، وإن انحلت رد قيمته، وإلى هذا ذهب ابن محرز. قال: ولو دفع العروض على أن البيع إن انحل رد مثلها جاز. ولو كان الثمن سكنى دار لم يجز نقدها [بشرط ولا طوع، ويدخل عليه في هذا الفصل من الاعتراض ما دخل على ابن عبد الحكم في قرض الجواري] (¬8) بشرط (¬9) رد سواهن. وقال اللخمي: يجوز التطوع بالثمن هنا في العين، والمكيل، والموزون، والعروض، والحيوان، وكل ما يجوز قرضه. ولا يجوز في العقار والجواري والجزاف، ومنافع دار، لأن التعجيل قرض، ولا يصح (¬10) ذلك فيما ذكرناه، ولو عجل الثمن ليرجع بالقيمة إن ¬
انحل البيع (¬1) لم يجز، لأنه بيع بثمن مجهول. وكذلك لو لم يشترطه (¬2) حمل (¬3) على ذلك، ورجع بالقيمة كالبيع (¬4) الفاسد، وهذا نحو ما تقدم، وإن اختلفت ألفاظهم. وأما [النقد] (¬5) في بيع الخيار بغير شرط فأجازوه إلا في السلم على (¬6) الخيار، وبيع ما فيه المواضعة على الخيار، والكراء المضمون على الخيار لأنه يصير إذا اختير من باب فسخ الدين في الدين (¬7)، إذا صار ما يقبضه بالطوع (¬8) ديناً عليه. وقوله: في بيع الغائب أنه من البائع حتى يقبضه المبتاع، "والنماء والنقص كذلك (¬9) " (¬10). قوله (¬11): "وما كان فيه من نماء، أو نقص فسبيل ما فسرت لك في قوله الأول والآخر" (¬12). ذهب (¬13) سحنون في معنى (¬14) النماء الذي يكون للبائع على أحد ¬
قوليه أنه ما وهب للعبد من مال، أو أخذ له في جناية (¬1) عليه، وأما (¬2) نماء (¬3) البدن فلا، هو للمشتري على كل حال، وقد نص على هذا أشهب في ديوانه، وإليه ذهب بعض المشايخ. قال: والنماء (¬4) في البدن للمبتاع، كما يكون في العهدة، والمواضعة. وقال غيره: بل كل نماء فهو للبائع، وينتقض البيع من أجله (¬5) على ظاهر الكتاب. وذكر في الكتاب: "جواز النقد في العقار" (¬6)، وسكت عن حكمه إذا سكت عنه. واختلف على ما يحمل؟ فقيل: يجبر (¬7) البائع على النقد (¬8) كما لو شرطه، وكحكم (¬9) سائر المبيعات (¬10) على النقد، إذ ضمان الرباع من مشتريها على مشهور قوله، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن (¬11). ¬
وذهب آخرون إلى أنه لا يجبر، وإنما يجوز ابتداء بشرط، وبغير شرط، ولا يجب الحكم (به) (¬1) بالجبر، لبقاء حق التسليم. وإليه ذهب ابن القصار (¬2)، وأبو عمران، وابن محرز. ونبه ابن القصار على الخلاف في ذلك. وقال: هذا (¬3) الصحيح من مذهب مالك وما ذكر من "مبايعة عبد الرحمن وعثمان (¬4) رضي الله عنهما في الفرس" (¬5) كثر التأويل في ذلك بما هو مسطور في الأمهات. وأصح ما فيها أن يقال: إنهما كانا متراوضين (¬6)، وهو نص في خبرهما [رضي الله عنهما] (¬7) في الواضحة (¬8)، فأغنى عن الشغل بغيره من التأويلات، وهو مذهب القابسي (¬9) وغيره، وإنما ¬
أوقع فيه الإشكال قوله في الكتاب: "ثم إن عبد الرحمن قال لعثمان: هل لك أن أزيدك" (¬1). فظاهره أنه بعد تمام العقد، وليس فيه بيان، إذ لم ينص عليه، وإنما قال عثمان: [رضي الله عنه] (¬2) نعم، بعد هذا، وتكون ثم هنا لترتيب مراوضتهم، وإن هذا القول بعد تراكنهم. وقوله: "كانا من أجد (¬3) أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬4)، أي أسعدهما (¬5) في التجارة. والجد: السعد والبخت. وقوله: "فماتت، فقدم رسول (¬6) عبد الرحمن" (¬7). فيه دليل أن على المشتري الخروج خلف المشترى الغائب (¬8)، وليس ذلك على البائع. ووقعت (¬9) في الكتاب ألفاظ مشكلة مختلفة (¬10) في هذا الباب. منها: قوله: "وإذا اشترى سلعة غائبة فأتى بها أو خرج إليها" (¬11). "وقول ابن شهاب: فقبض الوليدة وذهب ليأتي بالغلام." (¬12) وقوله "في الجارية التي بها [ورم] (¬13) فبعث الرجل إلى الجارية فأتاه ¬
بها ولم تكن حاضرة. فقال المشتري: ليست على حال ما كنت رأيتها" (¬1). فقال فضل: في هذا دليل على أن على البائع أن يأتي به، وأنه جائز أن يشترط ذلك المبتاع على البائع، خلاف ما روى أصبغ في سماعه عن ابن القاسم، أن ذلك لا يجوز اشتراطه، وإنما يخرج المشتري لأخذها، وصوب هذا أبو عمران، وأنكره غيره، وتأول بعضهم قوله في الكتاب: أن البائع تطوع، وقال: إن شرط على البائع الإتيان به وهو ضامن له حتى يقبضه (¬2) فهو بيع فاسد، وإن كان على أن ضمانه من المشتري في مجيئه فهو بيع جائز مع إجارة. وقول ربيعة: "لا بأس أن يشترى غائب مضمون بالصفة" (¬3) كذا عند ابن عتاب، ومعنى هذا الضمان (أن) (¬4) المصيبة ممن اشترطت عليه الصفقة. وقيل: معناه (¬5) ضمان العهدة، ليس على أنه إن تلف أتي (¬6) بمثله، هذا لا يجوز، ولا يصح ضمان غائب على (غير) (¬7) ما تقدم. و (نص) (¬8) كلام ربيعة في كتاب (¬9) ابن عيسى: لا بأس بأن يشتري غائباً (¬10) بالصفة. لم يذكر مضموناً. "والبرنامج" (¬11) أصله الزمام بفتح الباء، وكسر الميم، كلمة ¬
فارسية. والمراد بها الصفة المكتتبة لما في العدل (¬1). وقوله: في يمين الذي دفع الدراهم: "إنه لم يعطه إلا جياداً في علمه" (¬2) تمام يمينه. في الوكالات: "وما يعلم أنها من دراهمه" (¬3)، لأنه قد يلغى (¬4) أو لا يكون (¬5) يعلم أنها من دراهمه، ولكنه لم يعطه إياها إلا وهو يظن أنها أجياد (¬6)، أو ظن أنه أعطاه من غير تلك الدراهم، فإذا زاد (¬7) في اليمين وما يعلم أنها من دراهمه صحت يمينه، ولو اكتفى بهذا في يمينه لأجزأه عندي. وقوله: في الذي وجد أحد (¬8) وخمسين ثوباً في عدل برنامج. واختلاف الرواية فيه (¬9)، "أنه يعطي جزءاً من اثنين وخمسين جزءاً من الثياب" (¬10) كذا في [أصل] (¬11) المدونة، وكذا (هو) (¬12) عندنا في [11] الأصلين، من رواية ابن باز (¬13)، وكذا هو في رواية؛ يحيى بن عمر، ¬
وأحمد بن داود، وكذلك (¬1) وقعت في سماع عيسى (¬2)، وأصبغ عن ابن القاسم. قال: يقسم الثمن على اثنين وخمسين (¬3)، فيرد (¬4) منه جزءاً. قال: وكذلك قال (لي) (¬5) مالك، يزيد (¬6) أبداً ثوباً في الزيادة والنقصان (¬7). قال عيسى وأصبغ: بل يقسم الثمن على أحد وخمسين، ولا يزاد، كما قال ابن القاسم. وقد صحت (¬8) المسألة في المدونة على هذا، وكتبت أحد وخمسين على الصواب. وكذلك كان في كتاب أحمد بن خالد (¬9)، قالوا كلهم: وغير (¬10) هذا خطأ (و) (¬11) وهم ممن رواه عن ابن القاسم، أو مالك. وقد روى مطرف وعبد الملك المسألة عن مالك، وفيها (¬12) ¬
جزء (¬1) من أحد وخمسين، ووهمه (أجلى) (¬2) من أن يفسر، حتى إن أبا بكر بن اللباد أراد أن يتحيل (¬3) لهذا (¬4) الوهم ويخرجه بإلحاق اللفافة في العدد ليتم (¬5) العدة، وهذا ما (¬6) لا يستقيم، لأن اللفافة أبداً ليست من جنس الثياب، فتحسب في عددها، وإنما [هي] (¬7) منطرحة (¬8) وملغاة في بيع البرنامج، كحبال شده، وقطنه، وكما لو كانت الثياب مختلفة لم يلتفت (¬9) لعددها، وإنما ينظر إلى قيمة (¬10) كل ثوب منها. وقوله بعد ذلك: "يرد ثوباً كأنه عيب وجده (¬11) في ثوب إلى آخر المسألة" (¬12). وقال غيره: إنما يرد من أحد وخمسين جزءاً، سقط من أكثر الروايات، ولم يكن عند ابن عتاب، وصح في كتاب ابن المرابط، لابن وضاح، وسقط لغيره، [و] (¬13) اختلف في هذا هل هو وفاق، أم خلاف،؟ فذهب أكثرهم إلى أن ذلك قولان. واحتجوا بقول ابن القاسم: "فلم أره فيما (¬14) قال لي أخيراً (¬15): أنه ¬
يجعله معه شريكاً" (¬1). "وقوله الأول أعجب إلي" (¬2). والقولان أحدهما: أنه شريك في الأحد والخمسين ثوباً، البائع (¬3) بجزء، والمبتاع بخمسين. والثاني: أنه (¬4) يرد ثوباً، ثم اختلفوا في صفة الشركة والرد. فقيل: يكون شريكاً (معه) (¬5) بجزء من أحد وخمسين، فإذا بيعت الثياب أخذ جزءاً من الثمن (¬6)، وإلى هذا ذهب ابن لبابة. وقيل: بل تباع الثياب الآن ويقتسمان الثمن على أحد وخمسين، وهذا ظاهر قول عيسى وأصبغ، خلاف ما تأول عليها بعضهم مما هو خطأ من التأويل، وهو معنى قولهما يقسم الثمن على أحد وخمسين [أي الثمن الذي يباع به الثياب. وقيل: يقرع على الثياب على أحد وخمسين] (¬7)، فما خرج للبائع في جزئه من ثوب، أو ثوبين أخذه، وإن خرج جزؤه على أقل من ثوب، أو أكثر من ثوب جعل في آخر، وشاركه في ذلك المبتاع. وإلى هذا ذهب أبو عمران. وقيل: إن وقع في بعض ثوب كان لمن وقع له الأقل أن يلزمه صاحب الأكثر، من بائع، أو مشتر. ويأخذ منه ثمن بقيته. وإلى هذا ذهب ابن محرز كأنه مستحق عليه أكثر ما اشترى. ¬
ثم اختلفوا في تفسير القول الآخر في رد ثوب منها، فذهب بعضهم إلى أنه على صورة الحال الأول (¬1) من القرعة المتقدمة، وعلى هذا يجب ألا يكون خلافاً. وقال ابن لبابة: يأخذ ما خرج منها إلى يده فيرده بغير (¬2) اختيار إذا كانت الثياب على الصفة. وتأوله أبو عمران أن المشتري يرد أي ثوب منها شاء، كأن البائع باعه أحداً وخمسين على أن يختار منها خمسين فله أن يرد أدناها، ألا تراه قال: كأنه عيب وجده. وقيل: بل يقول ما في يدي على الصفة التي اشتريت ليس فيه زائد يطلبني به البائع. وقيل: بل يرد ثوباً موافقاً للصفة التي اشترى، لا أقل، ولا أكثر. وذهب آخرون إلى أن القولين بمعنى واحد، وأن قوله: يرد ثوباً (¬3) أي على ما تخرجه القرعة في الجزء من أحد وخمسين جزءاً، كما قال: يعطى جزءاً من أحد وخمسين جزءاً. وذلك أنه يقرع على الثياب بذلك العدد، فإن خرج ذلك الجزء على ثوب أو أكثر منه أخذه. وتأولوا "وقوله الأول أعجب إلي" أي أفسر وأبين، وحكي نحوه عن أبي عمران، وهذا كله (مع) (¬4) أنها جنس واحد. ولو كانت الثياب مستوية بصفة واحدة لرد واحد، وهذا (¬5) أولى، كما أنه لو كانت مختلفة لأخذ صفة برنامجه من الصفات من كل نوع، فحيث وجد الزائد من خلاف الصفة رده. وإن كان على صفة بعضها كان العمل فيه على (¬6) ما هو من صفته، ¬
كما إذا كانت صفة واحدة على القول بالرد، أو على (¬1) القول بالشركة بعد معرفة (قيمة) (¬2) نوعه من سائر الثياب. وقوله: في الذي وجدها تنقص وهي مختلفة، خز، وفسطاطي، ومروي (¬3)، ونقص الخز ثوباً (¬4) "أنه يحسب قيمة الثياب كلها، وينظر كم قيمة الخز منها، فإن كان الربع، أو الثلث، من الثمن. وعدة الخز عشرة، وضع عنه عشر ربع الثمن، أو عشر ثلث الثمن" (¬5) كذا في الأصل عندي (¬6)، وكذا في كثير من النسخ، وكذا في أصل ابن المرابط، وابن عتاب. وفي كتاب ابن عتاب أيضاً، أو عشر ثمن الخز (¬7)، وهما بمعنى، وهو صحيح بين، وهذا مع استواء ثياب الخز، وإلا قومناها أيضاً على اختلافها وعلمنا ما يجب لكل ثوب منها وما لهذا الناقص منها فأسقطنا (¬8) (ما يقع له) (¬9) من الثمن عن المشتري. وكان في كتاب ابن عيسى: وضع عنه (عشر) (¬10) ربع ثمن الخز، أو عشر ثلث الثمن. وظاهره الوهم. إما أن يكون كان كتب على ربع الثمن [على] (¬11) طريق البيان ثمن الخز، فألحقه الناقل، إذ ظن أنه ملحق، أو يكون ضبطه عشر ربع بالنقدين (¬12). ¬
وقوله (ثمن الخز بعد على تفسير الربع المذكور، والبدل (منه) (¬1) وإلا فهو وهم كما ذكرناه (¬2). وقوله: في مشتري الغائب (¬3) يقيل (¬4) بائعه لا يجوز بمثل الثمن ولا بأزيد (¬5) منه ولا أقل. "قال مالك: وهو دين بدين (¬6)، (لأن الدين) (¬7) ثبت على المبتاع إن كانت سليمة، فإذا أقاله منها فإنما (¬8) أقاله به (¬9)، فكأنه باعها منه، وهي غائبة بدين عليه، لا يقبضه مكانه" (¬10). وأجاز ذلك في الجارية (في) (¬11) المواضعة، إن لم ينقد الربح المشتري (¬12)، وقد كان نقد الثمن متطوعاً، فليؤخذ من البائع، ويوقف منه مقدار الربح حتى يعلم صحة البيع الأول، ووجوب الربح، وان كان الثمن في كل ذلك موقوفاً (¬13) استرجع، ورد للمشتري، وأوقف (¬14) الربح ممن كان. وقد فرق بعضهم بين الإقالة في شراء الغائب، وبين مسألة المواضعة أن الجارية في المواضعة كالحاضرة [12] تعذر قبضها لمعنى (¬15)، وتلك؛ غائبة. ¬
وقال البغداديون: جوابه في المسألتين بخلاف (¬1)، هو اختلاف من قوله يجري في كل واحدة (¬2) منهما القولان، وقاله (¬3) فضل بن سلمة (¬4). وقال سحنون، قوله هذا على قوله الأول، أن الضمان من المشتري، وعند محمد أن ذلك على القولين جميعاً (¬5). وأنكر ابن لبابة قول سحنون، وقال: وهم في هذا التفسير على ابن القاسم، لأن اختيار ابن القاسم في المسألة أن الضمان من البائع، (و) (¬6) لأن العلة فيهما (¬7) انعقاد البيع، ووجوب الثمن على المبتاع، ما لم يحدث في المبيع حدثاً (¬8) يسقط عينه (¬9)، كالاستحقاق، وشبهه، فيكون على هذا مذهب المدونة مطابقاً لما في كتاب محمد، و (يصحح) (¬10) هذا (ما) (¬11) وقع لابن القاسم في تفسير يحيى مبيناً كما في كتاب محمد، ونحا ابن العطار (¬12) إلى ما أشار إليه سحنون في المسألة، وأنكره ابن الفخار (¬13). وأشهب يجيز هذا كله على أصله في أخذ الغائب في الدين. ¬
وقوله: "إذا أجرت دارا إلى شهرين بثوب موصوف في بيته" (¬1). بين في جواز بيع الحاضر (¬2) في البيت على الصفة. ومنعه في كتاب محمد، لأنه قادر على النظر إليه (¬3). وقوله: "في مسألة الجارية بها ورم تشترى وهي غائبة فقال المشتري حين رآها قد ازداد (¬4) ورمها" (¬5). إن المشتري مدع، "وقول أشهب، لا يؤخذ المشتري بغير ما أقر به، والبائع مدع" (¬6). [و] (¬7) اختلفوا هل قول أشهب (¬8) في هذه المسألة بعينها، وعليه حمله أكثر المختصرين، والشارحين، وهو ظاهر الكتاب. وقيل: يحتمل أن قول أشهب في المسألة قبلها في المشتراة على الصفة، ويحتج على هذا أنه لم يذكر قول أشهب عند ذكره هذه المسألة أول الكتاب إلا في هذه (¬9)، ولم يذكره في مسألة صاحبة الورم، ثم لما كرر المسألة آخر الكتاب وذكر (¬10) قول أشهب بأثر (كل) (¬11) المسألتين (¬12)، (قال) (¬13): والفرق بينهما أن تلك غائبة ضمانها من بائعها، وهذه حاضرة، ¬
(وهذا ضعيف) (¬1)، وكيف (¬2) وقد نص في الكتاب: "ولم تكن حاضرة حين اشتراها" (¬3). وقال في موضع آخر: "إنها أقامت بعد رؤية المشتري لها أياماً ثم لقيه (¬4) فباعها منه (¬5) (¬6). وقوله: ("فأتى بها" (¬7)) (¬8) ليدفعها إليه يدل أنها [كانت] (¬9) غائبة كالمسألة الأخرى. وقوله "في مشتري العمود عليه غرفة لينقضها (¬10) " (¬11) هذا من الأمر الذي لا يختلف فيه، معناه عند (¬12) شيوخنا أن قلعه مأمون، ولو كان يخشى (إن قلع) (¬13) كسره لم يجز، لأنه غرر. وكذلك قالوا: إنما هذا (¬14) إذا كان (يمكن) (¬15) تدعيم البناء وتعليقه (¬16)، ولو كان هذا البناء الذي عليه لا يمكن نزع العمود إلا بهدمه لكان من الفساد في الأرض، الذي لا يجوز. ¬
وفي كتاب القاضي إسماعيل (¬1) عن مالك: أن له ذلك ولو كان عليه قصور لهدمها إن لم يستطيعوا إخراجه إلا بهدمها، ولعل هذا فيما تعطل (¬2) وخرب منها، أو هو محتاج إلى التجديد، أو يقال: إن ثمن هذا العمود ونفعه (¬3) أكثر من غلة ما بني عليه، أو قيمته، أو أنه يرد بناؤه ببعض (¬4) ثمنه، وإلا فلو علم بمن (¬5) يفعله لغير هذا لضرب (¬6) على يديه، وحجر عليه. وقوله: "وأنقض (¬7) العمود إن أحببت" (¬8). ظاهره: أن نقضه على المشتري (¬9). وقال بعد هذا في مسألة بائع نصل السيف المحلى وجفنه (¬10): "وينقض صاحب الحلية (¬11) حليته" (¬12) فجاء من ¬
هذا أن النقض على البائع، فحمل (¬1) بعضهم أن هذه [المسألة] (¬2) تفسير (¬3) للأولى (¬4)، وأن معنى الأولى أن يزيل البائع ما عليه بالتدعيم، أو الهدم إذ عليه تخليصه للمشتري، ويتولى (¬5) المشتري بعد هذا (¬6) قلعه ورفعه. وقد قيل في هذا الباب كله قولان: هل ذلك على البائع؟ أو على المشتري؟، كبيع الصوف على ظهور الغنم، والعلو (¬7) فوق السفل، والثمرة (¬8) على (¬9) رؤوس النخل، على (¬10) من جذاذ ذلك وقلعه (¬11). قالوا: وكذلك لو اشترى البناء الذي على العمود، أو الحلية التي على النصل، فإنه يختلف في ذلك كله لبقاء حق التسليم، وكون نقض العلو على المشتري أبين لتخليصها مما تحتها، وكون نقض الحلية والسفل والعمود على البائع أبين لارتباطها بما بقي له في ذلك. وقوله: "وينقض صاحب الحلية حليته إذا أراد صاحب السيف (¬12) ذلك (وأراد صاحب الحلية ذلك؟ " (¬13)) (¬14) كذا في كتابي. ¬
ظاهره أنه إنما ينقض (¬1) باتفاقهما، وليس المراد ذلك، بل المعنى أن من دعا منهما إلى تخليص ملكه فذلك له. ووقع هذا اللفظ في كتاب ابن المرابط: أو أراد. وهذه (¬2) الرواية أبين. وقوله: "في الذي جاء ليرد (¬3) الجارية بعيب على بائعها، فقال رجل: أنا آخذها منكما بخمسين على أن يكون على كل واحد منكما من الوضيعة خمسة وعشرون (¬4) ديناراً، فرضيا بذلك" (¬5). قال بعضهم: قوله: منكما، فيه نظر. وصوابه منك، لأنه إنما يأخذها من المبتاع، وعليه عهدته. قال القاضي: وعندي أن ما في الأم صواب، كأنه قال لهما (¬6): أشتريها من المبتاع بشرطية ما تحط أنت، فكان شراؤه وأخذه لها منهما جميعاً لارتباط الأمر والعقد برضاهما جميعاً، وإن كانت العهدة على المشتري، ألا تراه كيف قال: " (فرضيا) (¬7) بذلك" (¬8). كذا في رواية القاضي أبي عبد الله. وفي أصل كتابي: "ورضي بذلك". ¬
كتاب المرابحة
كتاب المرابحة (¬1) البيوع باعتبار صورها في العقد أربعة: [بيع] (¬2) مساومة (¬3) , وبيع مزايدة (¬4)، وبيع مرابحة (¬5)، وبيع استرسال. [واستيمانة (¬6)] (¬7). وأحسنها بيع المساومة (¬8) وهو جائز بلا خلاف، وأسلم من سائرها، وتدخله الدلسة من وجهين: (أحدهما) (¬9) أن تكون عند المشتري قديمة فيدخلها في السوق ليري ¬
أنها طرية مجلوبة، وهو المسمى بالتبريج. فهذا قد منعه شيوخنا، وأطلق ابن محرز أنه دلسة، وقال الدادي (¬1): من فعل ذلك (فقد) (¬2) أربى (¬3). ومنه مسألة كراهية أن يباع في التركة ما ليس منها. وروى عيسى عن ابن القاسم في الرقيق يجلب من طرابلس فيخلط به مصري رأساً، ولا يبين، أن للمبتاع (الرد) (¬4). وقال (¬5) مالك مثله فيمن خلط سلعة [13] بتركة، فمبتاعها مخير إذا علم (¬6)، وكذلك إذا أظهر للمشتري أنها طرية، وإن لم؛ يدخلها السوق. والثاني: كتم عيب فيها مما لو علمه المشتري لم يشترها به، أو بذلك الثمن. ثم بيع المزايدة، وهو عرض السلعة في السوق فيمن يزيد، وهو جائز عند كافة العلماء، وكرهه بعضهم، ورآه (¬7) من بيع السوم على سوم أخيه، وهذا عند كافتهم إنما يكره (¬8) بعد (¬9) التراكن، والاتفاق (¬10). ويدخل بيع المزايدة الوجهان المتقدمان. وثالث: وهو النجش، وهو أن يجعل بائعها من يزيد فيها، أو يفعل ¬
ذلك أحد من قبل نفسه ليقتدى به، ويزيد عليه من يرغب فيها، وليس مذهبه هو الشراء. فهذا إذا وقع وجب به الرد في قيام السلعة، والرجوع إلى القيمة بعد الفوات (¬1)، إن لم يرض المشتري بشرائه (¬2) إن كان الناجش من سبب البائع، وإن كان من غير سبب البائع وعلمه مضى البيع، وتحمل الناجش إثمه (¬3). وحكى القزويني (¬4) (¬5) عن مالك أن بيع النجش مفسوخ (¬6). وحكم بيع المزايدة أنها لمن وقعت عليه بالزيادة، فإن أعطى فيها رجلان عطاء واحدا تشاركا فيها (¬7)، على مذهب ابن القاسم في العتبية (¬8). وقيل: هي للأول منهما، ولا يأخذها الآخر إلا بزيادة (¬9)، وهو قول عيسى، فإن أعطيا فيها معاً اشتركا (¬10) في ذلك، وهذا فيما بيع على الأيتام، وفي الدين، وبيع السلطان (¬11) والوكلاء، وكل ما باعه غير مالكه. وأما ما باعه الرجل لنفسه فإن أراد أعطاها للأول، أو لغيرهما، أو بأقل من الثمن، أو بما أعطي فيها (¬12)، فلا حرج عليه ما لم يركن إلى أحدهما ويواطئه، ¬
وأما إن لم يختر ذلك وطلب الحكم بالواجب في سلعته جرى فيها الحكم على ما تقدم. وأما بيع (¬1) المرابحة (فهو) (¬2) أضيقها، ويتقى فيه الوجهان الأولان، ووجهان آخران. وهما: الكذب، وهو التزيد في الثمن. والثاني الغش، وكتمان كل ما لو علمه المشتري لم يشترها بالمرابحة، أو زهد (¬3) فيها، أو إظهار كل ما يغتر به المشتري أنه ثمنها، من رقم عليها، أو توظيف ثمن، وشبهه. وأما بيع الاسترسال، والاستئمانة (¬4)، فهو للجاهل بقيمة السلعة، وسعر السوق، يأتي (إلى) (¬5) الرجل فيقول له: أعطني بهذا الدينار (كذا) (¬6) أو بهذا الدرهم [كذا] (¬7)، ويتقى فيه الغبن، والخلابة، وكتمان العيب، ويرد إذا خلبه وأعطاه بأكثر من سعر الناس إن كانت لم تفت، فإن فاتت رد إلى سوم (¬8) الناس، وما يسوى عند العامة، قاله ابن حبيب، وقصره على المشتري دون البائع (¬9)، وغيره يجريه (¬10) فيهما معاً. وقوله: "في البز لا يحمل عليه أجر السماسرة (¬11) " (¬12). ¬
قال بعضهم: هذا يدل [على] (¬1) أن أجر السمسار على المشتري، وهذا لا دليل فيه، إنما هو على عرف الناس في البلاد، أو على صورة الحال من مستعملهم، فإن كان البائع هو الذي يدفع سلعته له ليبيعها فلا إشكال أنه أجيره، وأن أجرته عليه (¬2)، وإن كان المشتري هو الذي كلفه بطلب السلع (¬3) من التجار، ويتكلف له شراءها فهو أجير له (¬4)، وقد جاءت مسائل الجعل والإجارة مرة من استجار البائع من يبيع (¬5) له، ومرة استجار المشتري من يشتري له، وأرى ما في الكتاب هذا معناه، أو لعله أراد بالسماسرة هنا الذين يتولون (¬6) الشراء لمن لا يبصر من التجار، أو ممن يبصر ويصون نفسه عن تولي ذلك، ولهم على ذلك أجرة، وهم كثيرون في البلاد (¬7)، منتصبون لذلك، وإلى نحو هذا أشار بعضهم لما وقع هنا. وقال: مسألة الجعل تفسرها، وهو قوله: "سألت مالكاً عن البزاز يدفع (إليه) (¬8) الرجل المال يشتري له بزًّا ويجعل له لكل مائة يشتري بها ثلاثة دنانير، قال: لا بأس به" (¬9)، وقد يكون (¬10) عادة بعض البلاد ذلك، أن الأجرة أبداً في كل شيء، أو في بعض المبيعات على المشتري مشترطة عليه (¬11)، وإذا كان على هذا فيجب أن تكون معلومة، لأنها من جملة ¬
الثمن، وإلا فسد البيع، ويجب إذا كانت على ما وصفنا من الوجه الجائز أن تكون محسوبة مضروب (¬1) عليها الربح، لأنها بعض الثمن، وقد ذكر بعض شيوخنا [أنه] (¬2) (إذا) (¬3) كان لا يستغنى عن أجر (¬4) السمسار، فالقياس أن يحسب أجره، ويدفع عليه ربحه، لأنه من جملة الثمن، إذ لم يصل إليه إلا بدفعه، وقاله أبو القاسم بن محرز (¬5). وقال (¬6) غيره: يحسب، ولا يضرب عليها ربح، وقاله ابن رشد (¬7). قال القاضي رحمه الله: فكيف إذا كان هذا الأجر مشترطاً عليه من قبل البائع فلا إشكال فيه، وإنما أسقطه في الكتاب مع أجر الطي، والشد، لأن أكثر الناس يتولون (¬8) ذلك بأنفسهم. قالوا: ولو علم أنه يحتاج فيه إلى النفقة لحسب (¬9) كما يحسب الحمل، وكذلك قالوا في الخياطة، والصبغ، والقصارة (¬10) لو تولى ذلك بنفسه، أو حمل على دوابه لم يحمل أجر ذلك على السلعة إلا أن يبين لأنه (¬11) من باب التوظيف، والرقم، وقاله سحنون (¬12)، ولم يبين في الكتاب إذا (¬13) ذكر هذه الأمور التي يجوز حسابها والربح عليها، من صبغ، ¬
وخياطة، وشبهها، فهل (¬1) يلزم بيانه أم يجمله في الثمن، فلم ير سحنون إجماله، وقال: لا بد من تفصيله، وإن كان محسوباً، فيقول: اشتريتها بتسع، وصبغتها بتمام العشرة. وإن لم يفعل لم يجز عند سحنون في العتبية (¬2)، وترد إن كانت قائمة، إلا أن يرضى المشتري أخذها بذلك، فإن فاتت مضت بذلك ولم ترد إلى القيمة، وقال محمد، وابن حبيب، لا يلزمه البيان (¬3)، وله (¬4) أن يبيع بجملة ذلك، ولا يفصل، واختاره أبو إسحاق (¬5)، قال: كمن اشترى سلعتين بثمنين، فباعهما بذلك مرابحة، وأجمل الثمنين (¬6)، وظاهر ما في الموطأ (¬7) ما أشار إليه سحنون، قال بعض شيوخنا (¬8): ويجب على قياس قول ابن القاسم أن يحكم في المسألة بحكم الغش (¬9) بعد الفوات (¬10). وقوْلُه (¬11): "فأما كراء الحمولة (¬12) فإنه يحسب في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح، إلا أن يعلم البائع من يساومه بذلك كله، فإن أربحوه بعد العلم بذلك فلا بأس به" (¬13). فظاهره: أن الكلام إذا أطلق ضرب الربح على ما له ربح، وأسقط ¬
الربح عما لا ربح له، وهذا غرر [14] / وجهل بالمبيع (¬1)، وحقيقة (¬2) الثمن؛ إذ لا تخلو مسائل المرابحة من وجوه خمسة: الوجه الأول (¬3): أن يبين جميع ما لزمها مما يحسب، وما (¬4) لا يحسب مفصلاً، أو مجملاً، ويشترط ضرب الربح على الجميع، فهذا صحيح لازم للمشتري فيما يحسب، وما لا يحسب، وفض الربح على جميعه بشرطه، وإن جميع ما سمَّاه لذلك، وجعل له الربح فيه ثمن المبيع، لأن على هذا وقع الشراء، وهو معنى قوله المتقدم في الكتاب، "إلا أن يعلم البائع من يساومه بذلك، فاربحوه بعد العلم بذلك، فلا بأس به" (¬5). الوجه الثاني: أن يفسر ذلك أيضاً، ويفسر ما يحسب ويربح عليه، وما لا يربح عليه، وما لا يحسب جملة، ثم يضرب الربح على ما يجب ضربه عليه خاصة، فهذا صحيح بين جائز [أيضاً] (¬6) (على ما عقداه) (¬7). الوجه الثالث: أن يبهم ذلك كله، ويجمعه جملة فيقول: قامت عليَّ بكذا، أو ثمنها كذا، وباع مرابحة للعشرة درهم، فهذا بين الفساد على أصولهم، لأنه لا يدري ما يحسب له في الثمن، وما لا يحسب، وما يضرب له (¬8) الربح مما لا يضرب، فهو جهل بالثمن منهما جميعاً، وإن علم ذلك (¬9) البائع، فالمشتري جاهل (به) (¬10)، وهذه صورة البيوع ¬
الفاسدة (¬1)، وهذا (¬2) عندي ظاهر المدونة من قوله: "فإن باع ولم يبين شيئاً مما ذكرت أنه لا يحسب له (فيه) (¬3) ربح، ثم قوله: إن لم يفت المتاع فالبيع مفسوخ إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما" (¬4) وكذلك في الموطأ (¬5). ومعنى قوله، "إلا أن يتراضيا": فجعل تراضيهما استئناف بيع، ولم (¬6) يقل هنا ما قال في سائر مسائل المرابحة الفاسدة بالكذب، والغش، ولزوم ذلك إذا رضي المشتري في جميعها أو باحتطاط البائع ما زاده في مسألة الكذب إلا ما اختلف فيه من المشتري من ذلك بالدين. ووقع في كتاب ابن حبيب إجازة مثل هذا (¬7) وصحته إذا عقده (¬8) على المرابحة للعشرة (¬9) أحد عشر وسكت (¬10) عن نص ما لزمها (وتفسيره. قال فضل) (¬11): وتفسيره أنه جعل هذه الأشياء في أصل الثمن وضرب عليها الربح. الوجه الرابع: أن يبهم فيها النفقة بعد تسميتها فيقول: قامت علي بمائة بشدها، وطيها، وحملها، وصبغها. أو يفسرها فيقول: منها عشرة في مؤنتها (¬12) ولا يفسر المؤنة. فهذه أيضاً فاسدة لأنها عادت لمجهلة ¬
الثمن (¬1) حتى الآن ويفسخ. قاله أبو إسحاق وغيره. ووقع في كتاب محمد (¬2) جواز (مثل) (¬3) هذا إذا وقع على الإبهام في هاتين الصورتين كما نصصنا في المسألتين. قال: ويعمل فيه على التحقيق وطرح ما يحسب، وما لا يحسب (¬4)، وفيه تعد (¬5)، وظلم على البائع في تخسيره رأس ماله فيما لا يحسب وصار أسوأ حالاً من الكاذب (¬6) الذي (¬7) زاد في ثمن (¬8) (سلعته) (¬9) ما لم يكن، وقد جعلوا له القيمة ما لم تكن أكثر من الثمن (¬10) الصحيح. ووجه بعضهم قول محمد بأن ما يلزم في مؤن السلعة غير خاف قدره، وإن خفي منه شيء فيسير، والغرر اليسير مخفف في البيع. وهذا توجيه بعيد. وليس كل أحد يعرف هذا. ولو صح مثل هذا لصحت الأشرية على القيم، إذ ذاك (¬11) لا يخفى على التجار، وأهل المعرفة، وهو مما أجمع على فساده، وأوجه ما يوجه به عندي (¬12) جوازه أن البائع إذا باع على هذا على ربح كذا، أو اشترى عليه المشتري أن ذلك من البائع، على أن الثمن الذي ذكره والربح له معلوم عنده، والمشتري كلذلك جهلاً منهما ¬
بما (¬1) يجب في ذلك، كما لو لم يقل: لي فيها نفقة، وأطلق الثمن جملة، على ما في كتاب ابن حبيب، ثم تبين الأمر لهما بعد ذلك، فحملا فيه على السنة، إذا (¬2) لم يعقدا على فساده (¬3)، وإنما الحكم أوجب ما يصير إليه كما لو استحق بعض المشترى أو ظهر به عيب. وإن قيل: إن البائع كان يعلم ذلك فالمشتري يجهله، وهذا (¬4) أصل مختلف فيه، إذا كان الفساد من أحد المتعاقدين، هل يفسد العقد أم لا (¬5)؟ وقد تقدم (¬6) في الكتاب من حيث يخرج القولان من كتاب الصرف وغيره. الوجه الخامس: أن يفسر المؤنة، فيقول: هي علي بمائة: رأس مالها كذا، ولزمها (¬7) في الحمل كذا، وفي الصبغ والقصارة كذا، وفي الشد والطي كذا، وباعها على المرابحة للعشرة أحد عشر، أو للجملة أحد عشر، ولم يفصلا، ولا شرطا ما يوضع عليه الربح مما لا يوضع، وما يحسب (¬8) مما لا يحسب، فمذهبهم جواز هذا، وفض الربح على ما يجب، وإسقاط ما لا يحسب في الثمن، وفي هذا نظر، لأن البائع وإن علم ذلك وبينه على المشتري فقد يجهلان الحكم، وما يجب حسابه، وما لا يجب. وما يجب له الربح، وما لا يجب (¬9)، فتبقى (¬10) المجهلة بالثمن، حتى يفصل (¬11) بينهما بالحكم من يعلم (¬12)، وإلى نحو ما أشرنا ¬
إليه أشار إليه أبو إسحاق فيما ظهر لي [من كلامه] (¬1) في المسألة (¬2)، ولعل قولهم فيها بالجواز أنهما لم يعملا على الغرر، والمجهلة، ولا عقدا عليه، وظنَّا (¬3) أن هذا حكم المرابحة، فلم يقصدا الفساد، فكان هذا كغش البائع، أو كذبه، لأنه إن كان عالماً فهو ذلك، وإن كان جاهلاً فهو خطأ، فالعمد (¬4) والخطأ في أموال الناس سواء (¬5)، وظاهر المدونة والذي في الموطأ (¬6) وكتاب ابن حبيب أن ما تكلموا فيه خلاف مسألة كتاب [محمد] (¬7) والله أعلم. ثم اختلف في تأويل قوله في الكتاب في مسألة إذا باع ولم يبين ما لا يحسب له فيه ربح، وفات المتاع التي تقدمت، "أن الكراء يحسب في الثمن، ولا يحسب عليه ربح، فإن (¬8) لم يفت فالبيع بينهما مفسوخ، إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما" (¬9). هل المسألة من باب الغش، لأن هذا لم يكذب فيما ذكر من ثمنه، ولكنه أبهم فيسقط عنه ما يجب إسقاطه، ورأس المال ما بقي، فاتت أو لم تفت (¬10)، ولا ينظر إلى [15] القيمة، كما؛ لم يذكرها في الكتاب، وهو تأويل أبي عمران على الكتاب. وعلى مسألة محمد، وابن حبيب (¬11)، وإليه نحا التونسي والباجي (¬12) وابن محرز ¬
واللخمي (¬1)، وأنكره ابن لبابة. وقيل: بل هي من باب (¬2) الكذب لزيادته في الثمن ما لا يحسب فيه، وحمله [الربح] (¬3) ما لا يجب حمله عليه، فيقال للبائع: تسقط ما يجب إسقاطه من نفقة، وربح، فإن فعل لزم المشتري بما بقي وربحه، وإن أبى فسخ، إلا أن يحب المشتري التماسك، فإن فاتت فهي كالكذب إن لم يضع البائع ما ذكرناه لزمت المبتاع بالقيمة ما لم تكن أكثر من جميع الثمن كله بغير طرح شيء فلا يزاد، أو تكون (¬4) أقل من الثمن الصحيح بعد طرح كل ما يجب طرحه فلا ينقص، وهو قول سحنون في كتاب ابنه (¬5). وقول ابن عبدوس (¬6)، وبه فسر بعضهم مذهب الكتاب. قالوا: وإنما لم يذكر القيمة لأن ذلك عنده أقل مما يبقى بعد الطرح، وإلى هذا مال أبو عمران، وعبد الحق (¬7)، وابن لبابة. ومسائل المرابحة مترددة (¬8) بين علتين: الغش والكذب. ¬
فأما الغش، فكتم كل ما لو علمه المبتاع لربما كان يكرهه، كطول بقائها عنده، أو تغيرها في سوق، أو بدن، أو اشتراها له نصراني، أو كتم عيبا (¬1) بها، أو إظهار ما باطنه خلافه، مثل أن يرقم عليها رقوماً، وإن لم يبع عليها، وكذلك كل ما يغتر به المشتري (¬2)، من تطريتها، أو إدخالها (¬3) مع الجلب، أو [في] (¬4) بيع الميراث، أو يبيعها (¬5) مرابحة وهي ميراث، أو هبة، أو نتاج، أو عمل يده (¬6)، فحكم هذا إذا اطلع عليه المشتري (¬7) قبل فواته ولم يرد التماسك أن يرده (¬8)، وليس للبائع إلزامه ذلك بإزالة الغش، أو ما كرهه المبتاع (¬9)، أو حط بعض الثمن، وفي الفوات يلزمه الأقل من قيمتها، أو الثمن، وليس للبائع على المبتاع حجة إذا جاوزت (¬10) القيمة الثمن (¬11)، إذ قد رضي ببيعها منه بذلك مع غشه، وإنما الحجة للمبتاع في (طلب) (¬12) نقصها من الثمن لما غشه به، وليس ثم ثمن صحيح بغير غش يرجع إليه إلا القيمة في الفوات (¬13). هذه جمل مسائل الغش المجرد، وحكمها، إلا في غش كتم العيب (¬14)، فحكمه في وجوهه حكم القيام بالعيب في غير المرابحة. ¬
الوجه الثاني: الكذب وهو: الزيادة في الثمن أو كتم (¬1) ما حط عنه منه، أو تجوز في نقده عنه، ويفترق (¬2) من مسألة الغش في قيام السلعة أن المشتري إذا لم يتماسك هنا كان للبائع أن يلزمه إياها بالثمن الصحيح، وما ينوبه من الربح، لأنه إذا فعل ذلك معه لم يبق (¬3) للمشتري حجة، إذ قد رضي على وضع الربح على هذا الثمن الكذب، فإذا أسقط عنه الزائد وربحه لم تكن له مقالة، على أن بعض (¬4) المتأخرين قال: تبقى للمبتاع حجة في أنه لا تلزمه (¬5) معاملة من يربي، ويكذب في مبايعته، ولعل ذمته مستغرقة من مثل هذه المعاملة، ولعل هذا مراد عبد الملك في قوله: (إنه) (¬6) لا يلزم المشتري ما أسقط (عنه) (¬7) البائع من ذلك، والله أعلم. ويفترق الكذب من الغش في الفوات، أن في الكذب القيمة ما لم تكن أكثر من ثمن الكذب وربحه بحجة المبتاع المتقدمة، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه لحجة البائع المتقدمة (¬8). وقد قال [مالك] (¬9) في كتاب محمد (¬10) في مسألة الكذب: يطرح ما زاد [و] (¬11) ربحه. ثم رجع فقال: القيمة أعدل. وجاءت (¬12) مسائل (¬13) اختلفت (¬14) فيها أجوبة أئمتنا بحسب اختلافهم ¬
من أي أصل هي؟، [أو] (¬1) من باب الغش، أو (من) (¬2) باب الكذب، كبيعه (¬3) بالنقد مرابحة، وكان اشتراؤه (¬4) بالدين، أو كان قد أخذ بالثمن، أو بيعه على غير ما نقد، أو على ثمن (¬5) قد تجوز عليه فيه، أو توظيفه (¬6) على إحدى (¬7) السلع رقوما من ثمن جملتها فباع (¬8) عليها، وقد اشتراها جملة، فجعل بعضهم كل هذا (¬9) من باب الكذب، إذ المعهود الزيادة في بيع الأجل، وفي الجملة، ويجعل قيمة المؤجل ومنابه من الربح كالثمن الصحيح (¬10). وقال آخرون: ليس بكذب صراح، وإنما هو غش، وخديعة. واختلف في تأويل قوله في الكتاب في هذه المسألة، "إذا باعها مرابحة ولم يبين أنه اشتراها إلى أجل، قال: البيع مردود، وإن فاتت رأيت له قيمة السلعة يوم قبضها المبتاع نقداً, ولا يضرب له على القيمة ربح. قلت: فإن كانت القيمة أكثر فليس له إلا ذلك يعجل له، فلا يؤخر، وإنما قال مالك: له قيمة السلعة، وهكذا يكون. قلت: فإن قال المشتري: أنا أقبل السلعة إلى الأجل، ولا أرد، قال: لا خير فيه، ولا أحب ذلك" (¬11). فذهب بعضهم أنه بيع فاسد، يفسخ في القيام، ويرد إلى القيمة في الفوات، وليس للمبتاع الرضى به في القيام، ولأنه تأخير من البائع ليتمسك ¬
بعقده، ولا بعد الفوات، لأنه فسخ القيمة في الدين المؤجل، فإن كانا من جنسين كان ديناً بدين، وصرف مستأخر في العينين، وزيادة في السلف إن كانت القيمة أقل (¬1)، وكأنه عندهم وقع على ثمن مجهول، إذ لا يدري كم الثمن والربح إلى الآن (¬2)، وهذه علة إن اطردت (¬3) لزمت (¬4) في جميع بيوع المرابحة الفاسدة، وإن كانا من جنس واحد، وهما سواء، أو المؤخر أقل لم يكن بالرضى به بأس، لكن ليس هذا مقصده في الكتاب. وإلى أن المسألة بيع (¬5) فاسد ذهب القابسي، وإليه أشار يحيى بن عمر، وقال عليه الأكثر من القيمة أو الثمن. وتأول قوله: "وإن كانت القيمة أكثر فليس له إلا ذلك" (¬6) [أي] (¬7) القيمة أو الأكثر، (والكلام) (¬8) لا يعطيه. قال: وقوله في السؤال: أو "الأكثر (¬9) " (¬10) خطأ، إنما هو أقل، وكذلك قال ابن المواز (¬11). وتأول هؤلاء (أن) (¬12) قوله "في قول المشتري: أنا أقبل ولا أرد (أنه) (¬13) لا خير فيه" (¬14)، أنه مع القيام، واستدلوا عليه بقوله: "ولا ¬
أرد" (¬1)، ولو (¬2) كانت فائتة لم يجد ما يرد. وحملوا "لا خير فيه ولا أحبه" (¬3) على التغليظ والتحريم. وقال في كتاب محمد: ليس له ذلك. وذهب آخرون إلى نحو هذا التأويل، والموافقة عليه، إلا أنهم [16] جعلوا على المشتري الأقل من القيمة أو الثمن، كما جاء؛ في كتاب محمد. وتأولوا قوله في الكتاب: "ليس له (¬4) إلا ذلك (¬5) " (¬6) أي الثمن. قالوا وقد جاء به مذكراً، ولو أراد القيمة لقال: إلا تلك، أو هي، لتأنيث القيمة، وهذا استدلال ضعيف، فقد يحتمل قوله ذلك، أن يرجع إلى ما ذكر (¬7) في الجواب من القيمة، وإن كان المفهوم من سياق الكلام، وظاهره أنه أراد الثمن، وسياق الكلام أيضاً يبعد (¬8) أن يراد (¬9) به القيمة، أو الأكثر، وعلى هذا التأويل من القيمة ساقوا ما في كتاب محمد، وعليه اختصرها ابن أبي زيد، وبه قال ابن شبلون واللوبي ومعظم الشيوخ. وتأول آخرون المسألة أنها صحيحة غير فاسدة، وأن قوله: قبل الفوات أنها مردودة [أي] (¬10) إن شاء المشتري، وأن له الرضى، وكذلك في كتاب ابن حبيب. قال ابن أبي زمنين: وهو (¬11) مذهب ابن القاسم وابن عبدوس. وأن هذا الرضى كشراء مستأنف، لا يلتفت فيه إلى علة سلف جر ¬
نفعاً (¬1)، لأن هذا قد ملك (¬2) الرد، وإلى هذا مال (¬3) أبو القاسم [بن الكاتب] (¬4) وابن لبابة، وأبو عمران، وابن أبي زمنين، وقد جعلها سحنون كمسألة الكذب، ويقوم المؤخر بالنقد، ويجعل ذلك كالثمن الصحيح في المرابحة، ويراعي ألا تكون القيمة أقل من قيمة المؤخر، يريد مع ما ينوبها (¬5) من الربح على أصله (¬6). ورد بعضهم قوله في الكتاب إذا قال المشتري: "لا أرد، لا خير فيه, ولا أحب ذلك" (¬7) إلى مسألة الفوات للعلة (¬8) التي ذكرنا (¬9). قال ابن أبي زمنين في لفظ الكتاب هذا: وهو قول فيه نظر (¬10)، ولو قال: ليس له ذلك (¬11) إلا أن يشاء صاحبه كان أصوب، وهذا ما لم تفت، وعليه حمل ابن لبابة اللفظة (¬12) واعترضها، قال بعضهم: وقوله "لا خير فيه" (¬13) فيه نظر. [ولو قال: ليس له ذلك إلا أن يشاء صاحبه كان أصوب] (¬14). وقوله في الكتاب "في اغتلال المشتري السلعة أنه لا يلزمه بيانه في ¬
المرابحة، إلا أن يكون طال أمرها (¬1) عنده" (¬2) بين على أصولهم، خلاف ما حكى ابن المنذر (¬3) عن مالك أنه لا يبيع (¬4) إذا اغتل [حتى يبين] (¬5) وهو وهم عليه، غير معروف من مذهبه، وأصوله. وقوله: "في الذي رقم متاعا اشتراه أو ورثه فباعه مرابحة على (ما) (¬6) رقم لا يجوز، لأنه من وجه الخديعة، والغش" (¬7) وظاهر تعليله بهذا يدل أنه عنده من باب الغش، والخديعة، وأنه إنما باع على الثمن الصحيح، لا على الرقم، وعليه حمل المسألة بعضهم، وأن معنى قوله: على ما رقم، أي باعها وعليها هذه الرقوم ليغر بها من يراها، ويظن أن صاحبها اشتراها بتلك الرقوم التي كتب عليها (¬8)، نسي ذلك، فذكر من الثمن [ما هو] (¬9) أقل، وأن المسألتين في شراء الجملة [والميراث] (¬10) سواء، حكمهما (¬11) حكم مسائل الغش. وقيل: بل معنى ذلك أنه باعها على (أن) (¬12) رقومها أثمانها (¬13)، ¬
وهذا عند بعضهم (¬1) كذب بكل حال في المسألتين، وظف الثمن، أو افتعله يجري فيها حكم الكذب. ومسألة الرقم على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يرقم فيها رقوما أكثر من أثمانها، ويبيعها على الثمن الصحيح ليغر (¬2) بها من يظن به الغفلة، والنسيان لثمنها ممن لا يدعي (¬3)، فيراها فرصة يغتنمها بزعمه، فهذه مسألة غش كما تقدم. الثانية: أن يبيعها على رقم، وزاد من (¬4) الكذب، أو تكون ميراثاً، أو هبة، مما (¬5) لا ثمن لها معلوم (¬6)، فهذه مسألة كذب (¬7) بنفسها. الثالثة: أن يشتري جملة ويرقم عليها توظيف (¬8) الثمن ويبيع (¬9) على ذلك (مرابحة) (¬10). فهذه مسألة كذب عند سحنون، لأنه زاد في ثمن الجملة، إذ ليس شراؤها كشراء المفرد، فزاد في التوظيف على ما كان يجب للمفرد بالحقيقة، وهي مسألة غش عند آخرين، إذ يختلف تقويم الناس وتحقيق (الناس) (¬11) ذلك بينهم، وليس كل أحد يوثق بتقويمه، وعند ابن عبدوس مسألة غش، وكذب، [معاً] (¬12) للعلتين المجتمعتين فيها. ¬
وقوله: " [أرأيت] (¬1) إن اشتريت جارية فذهب ضرسها. لا تبع (¬2) مرابحة حتى تبين" (¬3) كذا عندي مصلح، وعليه اختصر ابن أبي زمنين. وفي بعض الروايات: قد ذهب ضرسها، وعليه اختصر أبو محمد، وفائدة اختلاف الرواية أن الذي اشتراها على السلامة، ثم اطلع على العيب (فرضيه، فبين العيب حين باع، ولم يبين أنه حدث عنده، أو لم يشتر عليها، أنهما مسألتا كذب لما يقع على العيب من الثمن، والذي اشترى على عيب (¬4)) (¬5)، أو حدث (¬6) عنده فلم يبينه، فهما مسألتا (¬7) تدليس بعيب. قاله ابن عبدوس (¬8)، ومثله لابن سحنون (¬9). وقال (¬10) فضل: في الذي حدث (¬11) عنده ولم يبين: هي مسألة غش. قال القاضي: أما الذي حدث (¬12) عنده ولم يبين (¬13). فجمع التدليس والكذب على ما تقدم، أو الكذب والغش على القول الآخر. و [قد] (¬14) قال بعضهم: انظر جعل نقص الضرس [الواحد هنا] (¬15) ¬
عيبا (¬1)، وليس عندهم بعيب (¬2) في البيوع، على ما وقع في كتاب ابن حبيب، ومحمد، إلا في الرائعة، وقد فرق بعضهم بين المقدم في ذلك (والمؤخر) (¬3) من الفم، فجعل الواحد من ذلك عيباً دون غيره، وقد أشار بعضهم إلى أن هذا حكم المرابحة أن يبين جميع ما فيها من قليل العيوب، وكثيرها، ويسير ما يحدث فيها من التغير وكثيره، فعلى هذا تخرج عنده مسألة الكتاب (¬4)، ولا تكون خلافاً لما تقدم، وذلك أن المرابحة يبين فيها الضرس (¬5) الواحد، وإن حدث (¬6) عنده، وإن لم يلزم بيانه في بيع المساومة، كما لا يلزم فيها بيان الثيوبة، والبكارة، ولو افتضها، ثم باع مرابحة لبين (¬7). وقوله: في مسألة "الجارية التي ولدت عنده لا يبيعها مرابحة ويحبس أولادها إلا أن يبين" (¬8) اعترضها فضل، وقال: هذا من بيع التفرقة، وللناس (¬9) في تعليل جوازها تأويلات عدة: أحدها: قولهم: لعله (¬10) أعتق الولد. الثاني: لعله بلغ حد التفرقة، وبين السيد بطول المدة. الثالث: لعله مات. ¬
الرابع: لعله على تأويل ابن القاسم عن (¬1) مالك في العتبية، وتخريجه في سماعه من المسألة أنه رجع إلى إجازة بيع التفرقة، وقد وهموه في هذا التأويل. الخامس: أن يكون ذلك برضى الأم على أحد القولين. [17] السادس: (أنه) (¬2) [إنما] (¬3) تكلم هنا على أحكام المرابحة، ولم يتعرض (¬4) إلى الكلام؛ على التفرقة، فلم يتحرز منها (¬5)، وكثير ما يرد له هذا في مسائله. ومسألة إجازة ابن القاسم المرابحة على العروض، خرج منها بعض الشيوخ (من الكتاب) (¬6) جواز السلم الحال (¬7)، وهو استخراج بعيد، وإن كان قد حكي هذا القول عن مالك. وقال أشهب: هو سلف إلى غير أجل، ولم يجزه إلا أن تكون العروض عنده حاضرة. وقال ابن حبيب: ليس هذا من السلف إلى غير أجل. واختلف الأشياخ في تأويل إجازتها (¬8) على هذا. فقيل: إنما جاز عند ابن القاسم لأنهما لم يقصدا به (¬9) السلم، والعرض (¬10) إنما هو ثمن، والمبيع غيره، وهذا يضعف، لأن الثمن ¬
والمثمون على أصولنا في مراعاة هذا سواء، واحتجاجهم في ذلك بمسألة الشفعة بما بيع بالعروض قد (¬1) يفترق، إذ (¬2) لا يقدر الشفيع في مسألة الشفعة إلا على ذلك، وإلا بطل حقه، وهنا قادر (¬3) على شرائها، وبيعها مساومة، وغير ذلك مما يخرجان به عن السلم لغير أجل. وقال القابسي: معنى قول ابن القاسم ما قال أشهب قبل، وهما متفقان، لكن ابن القاسم إنما تكلم [في الكتاب] (¬4) على مجرد جواز بيع المرابحة [في المسألة] (¬5)، (ثم لو سئل كيف يجوز ذلك) (¬6)، قال ما قاله أشهب (أنه) (¬7) إذا كان العرض عنده، وكثير ما يأتي له مثل هذا [القول] (¬8) فيجمل (¬9) الجواب، فإذا سئل فصله. ومسألة نقد غير ما به عقد فباع مرابحة نص في المدونة أنه لا يبيع (¬10) على (ما) (¬11) عقد، كيف كان، من نقد، أو عرض، أو طعام، حتى يبين (¬12)، [وظاهرها كذلك مما نقد كيف كان حتى يبين] (¬13) وكذلك في كتاب ابن حبيب إذا باع مرابحة ولم يبين. واختلف ما عقد عليه، وما نقد، ونص (¬14) في كتاب محمد أنه يجوز ¬
له (¬1) أن يبيع على ما نقد (¬2)، وإن لم يبين، في الدنانير، والدراهم، والمكيل، والموزون، وسائر العروض، والطعام. وعلى هذا تأول (¬3) فضل مذهب المدونة، وكتاب ابن حبيب. وقال: رأيتهم يذهبون في الجواب في هذه المسألة على أن يبيعه (¬4) على ما عقد، لا على ما نقد، (ولو باع على ما نقد) (¬5) جاز، وإن لم يبين. قال: وكذا (¬6) رواية ابن وهب عن مالك في موطئه، وابن القاسم، وأشهب عنه في السماع، وعلي وابن أشرس (¬7) عنه أيضاً. قال القاضي: وإنما (¬8) هذا (¬9) عندي والله أعلم إذا كان الذي نقد أقل مما عقد به، وأنكر محمد بن مسلمة نقده عن الطعام غيره، ورأى ذلك من بيعه قبل قبضه، وقد اعتذر عنها شيوخنا، وتأولوها بما هو منصوص في أصولنا الشارحة. وقوله في الكتاب: "إن اشتريت سلعة بمائة دينار، ونقدت عنها ألف درهم فبعتها مرابحة، ولم أبين. [ثم] (¬10) قال: إن كانت قائمة ردت، إلا أن يرضى المشتري بما قال البائع، فإن فاتت ضرب المشتري الربح على ما نقد ¬
البائع في ثمن السلعة، إلا أن يكون الذي باعه (¬1) به هو خير للمشتري. قلت: ولم يكن يرى الربح على ما وجبت عليه الصفقة؟ قال: لا. ولكن على ما نقد فيها" (¬2). فمذهبه في المسألة أنه باع مرابحة على ما عقد [لا] (¬3) على ما نقد. ثم تكلم على مسألة: إذا عقد بدنانير ونقد طعاماً، وباع على الدنانير. وجاء بمثل الجواب، وضرب الربح على الطعام على قدر (¬4) ذلك، إن كان باع (¬5) على أن للعشرة أحد عشر، ضرب له على قدر ذلك لمائة إردب عشرة أرادب، إلا أن تكون هذه الأرادب أكثر من الدنانير وربحها فلا يكون للبائع أكثر منه، يعني من الدنانير وربحها (¬6). وكذلك قالوا. ظاهر كلامه، لو باع على ما انتقد، حمله أكثرهم على ظاهره، وأن المبتاع مخير فيما هو خير له مما اشترى عليه، أو من الوجه الآخر الذي كتمه، وفيه نظر، قد انتقده ابن لبابة وغيره، وإن جوابه فيها على هذا على غير أصله (¬7) في (مسألة الكذب أو) (¬8) مسألة الغش، وأن الوجه هنا ألا يجبر (¬9) البائع على أن يأخذ غير ما رضي به، كما لم يجبره (¬10) على ذلك إذا كان قد كذب فيما قال: أنه ابتاع به في مسألة الكذب، وهنا كان أولى بالجبر، إذ لا سبب له فيما زاده (¬11) مما كذب به، وهذا له سبب، لأنه باع ¬
بما اشترى وعقد (¬1)، لكنه لم يبين أنه نقد خلافه، فهو (¬2) أعذر من الكاذب، فلا يكون أسوأ حالاً منه. قال القاضي أبو الوليد بن رشد - رحمه الله -: لم يحكم ابن القاسم في هذه المسألة بحكم الكذب، ولا بحكم الغش (¬3). والصواب (¬4) على أصله في مسألة الكذب، أن يقال هنا: ينظر إلى ما نقده من الدراهم، فإن كانت بصرف الدنانير، أو أكثر، وإلى قيمة الطعام، فإن كانت قيمته مثل ذلك فلا كلام للمشتري، لأن الذي ابتاع به خير له، وإن كان الذي أخذها به المشتري من الدراهم أو قيمة الطعام أفضل من الدنانير، وأبى البائع أن يضرب له الربح على ذلك رد إلى قيمة سلعته (¬5)، إلا أن (¬6) تكون أكثر مما أخذها (¬7) به المشتري، فلا يلزمه ذلك، إذ قد رضي البائع بما أخذ، أو تكون أقل من قيمة ما نقد فيها والربح (¬8) عليها (¬9)، فلا ينقص [منه] (¬10)، ولم نظلمه (¬11) ها هنا، إذ (¬12) رددناه إلى القيمة ما لم تكن أكثر مما باع، أو أكثر من قيمة ما به ابتاع، وهذا على أصله في مسألة الكذب (¬13). ¬
وأما على ما في الكتاب ففيها إشكال على أصولهم. وإلى ما ذكرناه (¬1) أشار ابن لبابة، وتأول قوله: "وإن فاتت السلعة ضرب الربح على ما نقد" (¬2)، أي يضرب ليعرف به قدر ما نقد، وربحه، فلا ينقص منه إن كانت قيمة السلعة أقل منه على ما تقدم. وعلى هذا التأويل ترجع المسألة إلى ما قلناه، ولكن ظاهر لفظ الكتاب على خلاف هذا، وهو ظاهر كلام فضل بن سلمة، وعليه اختصر المختصرون. قالوا: وكذلك الحكم لو باع على ما نقد (¬3)، ولم يبين (¬4) بما عقد، إلا (أن) (¬5) ابن لبابة رأى في هذه أن تمضي إذا فاتت بما باعها به مرابحة، وقد تقدم أنه تأويل فضل على المدونة، وكتاب ابن حبيب (¬6)، وليس في المدونة (فيه) (¬7) خلاف، ولعل جوابه في المدونة على أحد [18] قوليه في كتاب محمد في مسألة الكذب (¬8) يطرح وربحه، ثم رجع فقال:؛ القيمة أعدل (¬9). وقوله: "في الذي (باع) (¬10) بمائة مرابحة ثم ثبت أنها عليه بمائة وعشرين. وقوله في قيامها: خير المشتري بين ضرب الربح [له] (¬11) على رأس ماله ¬
عشرين ومائة أو ردها، وإن (¬1) فاتت خير المشتري أيضاً، فإن شاء أعطى البائع قيمتها إلا أن تكون أقل مما اشتراها به، وربح ذلك، أو أكثر من رأس مالها، وضرب الربح عليه، فلا يكون عليه غير عشرين ومائة، وضرب الربح عليها" (¬2). قال ابن أبي زمنين: لا معنى لقوله خير المشتري، إذ لم يعطنا (¬3) في الجواب إلا وجهاً واحداً، وهو غرم القيمة. قال القاضي رحمه الله: تخييره (¬4) هنا بين على الوجه الذي حده (¬5) في قيامها، وهو أن يضرب له الربح على رأس ماله، فإن أبى رجعنا إلى القيمة، أوَلا (¬6) تراه كيف قال: خير (¬7) أيضاً، فاستغنى عن ذكر ذلك ثانية في الفوات إذ قد ذكره في القيام. وقوله: "إن ورثت (نصف) (¬8) سلعة، ثم اشتريت نصفها (¬9) لا تبع (¬10) مرابحة حتى تبين (¬11) " (¬12) يحتج به القابسي في تفريقه بين تقدم الميراث، أو الشراء، لأنه جعل في الكتاب الشراء بعد الميراث، وغيره، يسوي بينهما، ولا يجيزه (¬13) لغير هذه العلة، بل لوقوع (¬14) البيع على ما ابتاع، وورث، ¬
فيكون كاذباً في ثمن وبيع (¬1) الميراث. ودليله، قوله في الكتاب: "فإذا بين فإنما يقع البيع على ما ابتاع" (¬2) ولو قال أبيعك النصف الذي اشتريت ولم يبين قبل ولا بعد فههنا لقول أبي الحسن وجه. وقوله في آخر باب السلعة بين الرجلين يبيعانها مرابحة: "وقد اختلف فيها قول الشعبي (¬3) " (¬4)، لم يكن عند ابن عتاب، وثبت في كتاب (¬5) ابن المرابط، ولم يعرفه ابن وضاح، وصح في كتاب يحيى بن عمر، وأحمد بن أبي سليمان (¬6)، وأحمد بن خالد. قال إسحاق (¬7): ولم يقرأه أحمد. وهو لسحنون وصح في رواية أبي عمران، وقال: هو (¬8) صحيح من الرواية، وأجمل اختلاف قوله ولم يبينه في الكتاب. قال: واختلافه فيها إنما هو في بيعها مرابحة، فأحد القولين للشعبي، ¬
مثل ما في الكتاب: "فض الثمن على رؤوس الأموال" (¬1)، وقوله الآخر: "أو (¬2) الثمن بينهما نصفين كما لو باعاها (¬3) مساومة" (¬4). وقوله في مسألة "الذي اشترى سلعة بمائة فباعها مرابحة فحط عنه عشرين، قال: نزلت بالمدينة، فقال مالك: إن حط عنه بائع السلعة مرابحة عن مشتريها ما حطوا عنه كان المشتري بالخيار" (¬5). قيل: معناه أن النازلة نزلت بالمدينة، فأجاب فيها مالك بما ذكر، لا أن مسألة حط عشرين ومائة بعينها هي (¬6) النازلة بالمدينة، لأنه كثير مما لا يمكن حطه في البيع ولا يلزم حطه لمشتري (¬7) السلعة (¬8) مرابحة، ولا لمشترك (¬9)، ولا لمولى (¬10). قالوا: وإنما الحطيطة التي توضع ما يعلم أنه يوضع لاستصلاح البيع، ولا حد فيها، والعشر من العشرة قليل، ومن الألف كثير، وذلك بحكم الاجتهاد، والعوائد، والمفهوم من قرينة الحال. وقوله: "جعله شبه البيع الفاسد" (¬11) لم (¬12) يحكم له بحكم البيع الفاسد، ولا هو عنده بيع فاسد، لأنه إن رضي به المبتاع جاز، لكنه فيه ¬
فساد للكذب، أو الغش، [لا عقده] (¬1) وإنما تعلق به حق المشتري، فهو بالخيار، إن شاء أسقطه، أو قام (¬2) به، وكذلك جعله ابن عبدوس كبيع الشروط (¬3)، وليس مراده أيضاً أن فيه شرطاً، لكنه (¬4) أراد أن حكمه حكمها في إسقاط من تعلق ليرد بالشرط حق، فيلزم (¬5) البيع، فكذلك هذا، ألا تراه في مسألة "الجارية التي باعها (¬6) [مرابحة] (¬7) ولم يبين بأنه زوجها، كيف قال: فإذا (¬8) كان في البيع فساد لم يكن فوتها عند المشتري بالذي يمنعه من الرد بالعيب" (¬9)، فقد سمى أيضاً الغش بالعيب فساداً، فهذا مراده، ولو كان حكمه (عنده) (¬10) حكم (¬11) البيع الفاسد لألزم فيه القيمة، ما بلغت، كسائر البيوع الفاسدة. وقوله في مسألة الجارية المذكورة: وإن كانت (¬12) فاتت بعتق، أو تدبير، أو كتابة، خير البائع، فإن أحب حط عن المشتري ما يقع على العيب من الثمن، وما ينوبه من الربح، وإلا أعطى قيمة سلعته معيبة، [إلا أن تكون قيمة سلعته معيبة] (¬13) أقل مما يصير عليها من الثمن وربحه، فلا يكون للمشتري أن ينقصه من ذلك (¬14)، لأن البائع يطلب ¬
الفضل [قبله] (¬1)، وقد ألغينا عن المشتري قيمة العيب، (وضرب الربح عليه، أو تكون القيمة أكثر مما ينوب الثمن وربحه بعد إلغاء قيمة العيب) (¬2)، وما يصير (¬3) من الربح عليه، فلا يكون للبائع على المشتري غير ذلك، لأنه قد كان رضي بها (¬4). كذا في كتاب شيوخنا (¬5)، وروايتي، وأكثر النسخ (¬6) في مساق هذا الجواب (¬7). وقوله: "فلا يكون (¬8) للبائع أن ينقصه من ذلك" (¬9) .. كذا عند شيوخي، وروايتي، وهي رواية أحمد بن أبي سليمان، ويحيى بن عمر، وفي بعضها "فلا يكون للبائع" (¬10)، وكذا عند ابن خالد، قال بعضهم: وهو أصح من المشتري. قال القاضي رحمه الله: وهما عندي يرجعان إلى معنى واحد، لكن لفظ (¬11) المشتري أليق، وأحسن في نظم كلام المسألة وبيانها، وما جاء به بعد، (وقد) (¬12) جاء في بعض الروايات مكان ما تقدم بعد قوله: "أو تكون القيمة أكثر من الثمن، فلا يكون للبائع على المشتري غير ذلك، لأنه قد ¬
كان رضي بذلك" (¬1)، وهذه الزيادة (¬2) كلها في الروايتين من تخيير البائع. وقوله: "وإلا أعطى قيمة سلعته إلى آخر الكلام" (¬3) فيه التباس وترديد، وحذف أكثرهم هذه الزيادة من ذكر التخيير، وقد كثر فيها تأويل الشارحين، فمن قائل (¬4): إن جوابه فيها ليس على (جواب) (¬5) مسألة العيب، (بل) (¬6) على مسألة الكذب، وأكثر ما فيها من اللبس، قوله في الرواية الأولى: "وأكثر مما ينوب الثمن وربحه بعد إلغاء قيمة العيب" (¬7). وقوله: "لأنه قد كان رضي بذلك" (¬8)، قال ابن لبابة: يريد/ [19] بحط العيب وربحه، وإلا فبماذا رضي، ولو رضي بذلك لم يعط قيمة السلعة، واختصرها بعضهم على المفهوم من أصل مذهبه. فقال ابن عبدوس: (فإن فاتت بعتق، أو نحوه، فعلى البائع رد قيمة العيب من الثمن، بما يقع لذلك من رأس المال، وربحه. قال ابن عبدوس:) (¬9) وهذا معنى ما كرر فيه الكلام في الكتاب، وليس كمسألة الكذب، وعلى كلامه هذا اقتصر (¬10) أبو محمد في اختصاره، وجاء بها ابن أبي زمنين على مثل هذا اللفظ، والاختصار. ¬
قال: ووقع في الأم فيه لفظ مشكل، اختصرته على ما يؤدي من المعنى. وقال ابن لبابة: وقع في آخر المسألة في جل الروايات لفظ، هو جواب غير (¬1) ما ابتدأ به، ولعله قول آخر، وهو محذوف في بعض الروايات، وإنما خلطا (على) (¬2) الوهم، وظن أنهما واحد. وقال بعض شيوخنا: الكلام في الرواية الواحدة على ظاهره، أن المبتاع يرجع بقيمة العيب، وما ينوبه من الربح، على حكم التدليس بالعيب، بانفراده، وعلى الرواية الأخرى، جعل الحكم فيها حكم الكذب بانفراده، وهو الأظهر من مراده في الكتاب، وقصده، إذ لو قصد مقصد حكم العيب مجرداً (¬3) لقال يرجع بقيمته وما ينوبه (¬4) من الربح، ولم يحتج إلى هذا التطويل في ذكر القيمة، واعتبارها بما إذا حصل لم يرجع إلى معنى فيه فائدة، ولأن الرجوع بالعيب وما ينوبه أفضل للمشتري، فمن حقه أن يطلب به على مذهبه. وتأول القاضي أبو الوليد بن رشد (¬5) [رحمه الله] (¬6) معنى مسألة الكتاب، أنه دلس بالعيب وزاد في الثمن فاجتمع (¬7) في المسألة الكذب والتدليس بالعيب، فيكون للمشتري في فواتها المطالبة بالوجهين، جميعاً، فيرجع على البائع بقيمة العيب، وما ينوبه من الربح، وبحطيطة (¬8) الكذب أيضاً، وما ينوبه (¬9) من الربح، فإن أبى كانت على المبتاع القيمة ما لم تكن ¬
أكثر من الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيب وما ينوبه (¬1) من الربح، فلا يزاد [على] (¬2) البائع، أو أقل من الثمن الصحيح بعد إلغاء قيمة العيب ونوبه من الربح، فلا ينقص (¬3)، وهذا على الرواية الأولى، ونحو من هذا كلام ابن عبدوس (¬4)، في مسألة الكذب والعيب (¬5). وقد جاءت مسألة الكتاب في كتاب (ابن) (¬6) سحنون على نحو ما في الكتاب على الرواية الثانية، ومثله في الواضحة على تأويل فضل. والذي في أصل الواضحة ما لم يكن (¬7) أكثر من الثمن (¬8)، ولم يقل: أو أقل، (فجعلها مسألة غش. وتأول بعض القرويين إنما طالبه بالكذب لا بالعيب، وعلى هذا يكون ترك الجواب عن ما ابتدأ الجواب عنه من حكم العيب) (¬9). ورجع إلى حكم الكذب. وقد ذهب بعض شيوخ القرويين إلى تقويم (¬10) مسألة الكتاب، أنها (¬11) جمعت العيب والكذب، ونظر في تقويمها بالحكم، وهذا غلط، إذ ليس فيه كذب إلا من سبب كتم العيب، وأنه [لما] (¬12) لم يذكر أنه ¬
حدث عنده (¬1)، فكأنه زاد في ثمنها ما كان يجب أن يحط للعيب، فالعيب بنفسه هو الكذب، والكذب هو العيب، فلا يجمع على البائع القضاء بالحكمين، وهما واحد، لكن المشتري مخير أن يقوم بما شاء من الحكمين، فإن قام بالعيب لم تفت السلعة إلا بما تفوت (¬2) به العيوب (¬3)، وكان [حكمها] (¬4) حكم العيب مجرداً ولم يلتفت إلى الكذب كما نص عليه في كتاب ابن حبيب، [وغيره] (¬5) وإن (¬6) قام بالكذب لم يلتفت إلى العيب، وأفاتها حوالة الأسواق فما (¬7) زاد. ¬
كتاب بيع الخيار
كتاب بيع الخيار (¬1) كذا ترجمة الكتاب في أكثر الروايات، وأما (¬2) في كتاب ابن عتاب، فنص ترجمته. كتاب: البيعين بالخيار (¬3). والخيار مستثنى مرخص فيه من بيع الغرر (¬4)، والمخاطرة، لانعقاد البيع على أحدهما، وبقائه (¬5) على حكم الآخر وما يراه، فلا يدري صاحبه هل يتم بيعه أم لا؟ ولا سيما إذا لم يضربا للخيار مدة، فضرب ذلك الحاكم بحسب ما تحتاج إليه السلع (¬6)، ويصلح فيها الخيار على اختلافها (¬7)، وهو مجهول، لكن لما دخل عليه صار لعرفه كأنه مشروط كله، ورخصة (¬8) خارجة عن الأصل للضرورة، للحاجة للبحث عن (¬9) المشترى، والتقصي (¬10) ¬
(عن) (¬1) معرفته، واستشارة من يأخذ رأيه فيه، وليس له عندنا حد، ولا قدر (¬2)، لا بد منه، إلا بحكم (السلعة) (¬3) التي يحتاج إليها (¬4)، [الخيار] (¬5) من تقصي بحث عنها (¬6)، وسؤال، واستشارة، واختبار (¬7)، ولكل سلعة في الاختبار (¬8) حالة، بخلاف غيرها، عليه جرى تقدير (¬9) إمامنا (¬10)، ومشايخنا بعده، رحمهم الله. في أمد (¬11) الخيار. [وأما الاختيار] (¬12) لعزم (¬13) الرأي والمشورة، فيستوي أمد الخيار في ذلك، لقرب ذلك وتساوي (¬14) حكم السلع فيه. وقوله: "في أمد الخيار، [في] (¬15) الثوب اليوم واليومين وما أشبهه (¬16)، وفي الدابة (أن) (¬17) تركب اليوم وما أشبهه" (¬18). كذا في رواية ¬
شيوخي، وكذا في رواية (¬1) ابن وضاح. وفي بعض النسخ: في الدابة (¬2) اليوم واليومين (¬3)، وكتب (¬4) عليها (¬5) (من كتاب) (¬6) ابن عتاب ليس عند ابن وضاح. وفي آخر الكتاب: جواز شراء الثوب والدابة بخيار ثلاثة أيام، ومثله في كتاب ابن حبيب (¬7)، وغيره، وهو يقطع اختلاف التأويل لذكر اليوم أول الكتاب، في الدابة (¬8)، فقد قيل: إنما ذكر اليوم لأمد الركوب، لا لأمد الخيار (¬9). وقيل: بل قوله: "وما أشبهه" (¬10) يدل على تساوي الدابة وغيرها، وأنه ليس أمد خيارها يوما (¬11) فقط، وأن ما يشبه اليوم مثله. وذكر أبو بكر بن عبد الرحمن أنها لا تركب أيام الخيار إلا بشرط (¬12) , لقوله: "فإن اشترط أن يسير عليها" (¬13). [20] وقول أشهب: "لا يرى بأساً أن يشترط استخدام؛ العبد، ¬
وركوب (¬1) الدابة" (¬2)، وذهب أبو عمران (إلى) (¬3) أنه وإن لم يشترط ركوبها فله من ذلك ما يجوز اشتراطه (¬4)، إذا كان العرف عند الناس الاختبار (¬5) بالركوب، (وهو الصحيح) (¬6). ويدل عليه قوله أولاً في الجارية: "ينظر إلى خبزها، وهيئتها، والدابة تركب اليوم، وما أشبهه" (¬7). فهذا بغير شرط، وهو (¬8) إذا كان عرفهم هذا، وكان اختبارها (¬9) في دوام المشي (¬10)، وسرعته، وهي مما يراد (¬11) لذلك، ولتحقق (¬12) حالها لئلا تكون مما (¬13) يعثر (¬14) مع طول المشي، أو تضعف، وما أرى ابن عبد الرحمن يخالف هذا الوجه. "وقول ابن القاسم البريد، وقول أشهب البريدان" (¬15). حمله بعضهم على البريد في الذهاب، والرجوع، وكذلك البريدان فيها. وقال أبو عمران: المراد بريد (¬16) [متصل] (¬17) في الذهاب، أو بريدان ¬
دون الرجوع، وقد يحمل على موافقة (¬1) القولين، بريد في الذهاب على قول ابن القاسم، وبريدان: أحدهما في الذهاب، والآخر في الرجوع، على قول أشهب، وإليه يرجع قول ابن القاسم على هذا، إذ لا بد من رجوعه، ورد الدابة غالباً، وعلى ما قاله أشهب يصح اشتراط سيرها يومين، إذ ليس كل دابة تمشي أربعة برد، من يومها في المضي (¬2) والرجوع، وإنما تقطع ذلك الدابة القوية بالجهد، فما كان من شرط الركوب مثل هذه (¬3) الجهة للاختبار (¬4) جاز، فليس ما يختبر ركوبه لمعرفة سيره منها كالذي يختبر لقوته، وصبره على دوام المشي، أو تحت الثقل، وما زاد من شرط الركوب على الاختبار (¬5) لمثل تلك الدابة يفسد البيع، كاشتراط ذلك في الثوب، لأنه غرر، فصار (¬6) كبيع العربان، ومن أكل المال بالباطل. وقوله "في الجارية: ينظر إلى خبزها" (¬7). بفتح الخاء المعجمة وبالزاي، كما قال: "وعملها" (¬8). وضبطه (¬9) بعضهم بضم الخاء وبالراء المهملة (¬10) من الاختبار. وقوله: "في العبد وبلده" (¬11). - بفتح الباء واللام - من البلادة. وقوله: "والنقد في ذلك فيما بعد من الأجل وما قرب لا يحل ¬
بشرط (¬1)، وإن كانت داراً فلا بأس بالنقد (فيها) (¬2) [بينهما] (¬3) إذا كان بيع الخيار على غير النقد" (¬4). وكذا (¬5) هي الرواية (في) (¬6) أكثر (¬7) النسخ، وفيه تلفيف، وإشكال. وصواب الكلام أن قوله: "لا يحل (¬8) وإن كانت داراً" (¬9)، هنا (¬10) تمت المسألة (¬11). ثم تكلم على النقد بغير شرط، فاستأنف الكلام، فقال: "لا بأس بالنقد إذا كان بيع الخيار على غير النقد (¬12)، إلى آخر كلامه (¬13) " (¬14). لكن (¬15) الفاء ههنا أدخلت إشكالاً في الكلام، وأوهمت أنه راجع إلى ما قبله، فيختل به الكلام، وتفسد [به] (¬16) المسألة، والفاء ها هنا [إنما هي] (¬17) ¬
بمعنى الواو، وابتداء (¬1) الكلام، وكذا وجدته في بعض النسخ بالواو (¬2) وكذا أصلحه القاضي أبو عبد الله بن المرابط في كتابه، (وانزاح الإشكال) (¬3). وقيل: يحتمل أن يكون الكلام على وجهه، وتكلم على أعلى الوجوه، وأن المأمون هنا وغير المأمون سواء. وقوله: "فيما لا يعرف بعينه لا يغيب المشتري على شيء من ذلك في بيع الخيار لأنه يصير مرة بيعاً، ومرة سلفاً" (¬4). قال المؤلف - رضي الله عنه -: هذا حكم المشتري في مغيبه عليه بالشرط. وقال أبو عمران: وإن طاع (¬5) له البائع بذلك فهو جائز (¬6)، كدفع (¬7) المشتري [الثمن] (¬8) المكيل (¬9)، أو الموزون، بغير شرط، فهو جائز. وهل يشترط البائع بقاءه [عنده] (¬10) (أو يبقى عنده) (¬11) إذا نازعه المشتري في ذلك؟ ¬
في كتاب محمد: لا يجوز بقاء ما لا يعرف بعينه عند البائع، وليحز عنهما جميعاً، وقال غيره من شيوخنا: بل يجوز أن يبقى عنده لأنه شيئه (¬1)، والتهمة عنه (¬2) مرتفعة (¬3). قال: ولعل معنى ما في كتاب محمد إنما هو إذا شاحه المشتري في ذلك، كالثمن في الخيار، والمواضعة، إنما يوقفان عند المشاحة. وقوله فيما بعد من [أمد] (¬4) الخيار: "لا خير فيه لأنه غرر [و] (¬5) لا يدري إلى ما يصير إليه (¬6)، ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه" (¬7). [فيه] (¬8) دليل على أن ضمان هذه السلعة المبيعة بالخيار لأجل بعيد من بائعها، وإن كان إتلافها بيد المشتري، ألا ترى كيف قال: "ولا يدري كيف ترجع إليه" (¬9). وإنما ترجع من قبل المشتري، وأبين من هذا قوله [بعد] (¬10) في تعليل المسألة: "فزاده زيادة لضمانه السلعة إلى ذلك الأجل (¬11) إن سلمت أخذ السلعة بأقل من [الثمن] (¬12) الذي يشتري به (¬13) إلى ذلك الأجل بغير ضمان، أو بأكثر لما اشترط (عليه) (¬14) من ضمانها إليه، وهو في ذلك ينتفع ¬
بها إلى ذلك الأجل" (¬1). فقد بين [لك] (¬2) أن ضمانها من البائع، وإن كانت في يد المشتري ينتفع بها، كما قال. وهذا التعليل لأشهب في أكثر النسخ، وكذلك هو عندي، وسقط اسم أشهب في بعض الروايات (¬3). ومسألة مشترط أمر امرأته بيد أمها، وأن أمها إن ماتت ولم توص فكأني رأيته رأى ذلك لابنتها (¬4)، أو قال (¬5) (ذلك لها) (¬6). قال ابن القاسم: ("فإن أوصت إلى رجل ولم يذكر ما كان لها من ذلك لم يكن للموصي ولا لابنتها شيء" (¬7). واختلف هل قول ابن القاسم) (¬8) وفاق لما فهمه عن مالك، وأنهما وجهان، وهو قول أكثرهم، ومنهم من قال هو خلاف بينهما في الوجهين. ومسألة "الأبرص وأنه بلغه عن مالك أنه لا يفرق (¬9) بينه وبين امرأته" (¬10). ظاهره: أنه فيما طرأ بعد الدخول. وفي (¬11) كتاب النكاح (¬12) ترد (¬13) ¬
منه (¬1). وقال أشهب (عن مالك) (¬2)، في كتاب محمد لا يفرق بينهما وإن غرها (¬3). وقال عيسى عن ابن القاسم: ترد (¬4) إذا كان ضرراً لا تصبر (¬5) عليه، وإن كان خفيفاً لم ترد (¬6). ومسألة "البيع والشراء على خيار فلان، أو رضاه (¬7)، أو استشارته" (¬8). تفريقه في الجواب في ذلك، وجعل للمبتاع إذا اشترط (¬9) الاستشارة مخالفة المستشار، ولم يجعل له ذلك (إذا) (¬10) اشترى (¬11) على خيار فلان، أو رضاه. وقال (¬12) في اشتراط البائع رضا فلان: جائز إن رضي فلان، أو رضي البائع / [21] (¬13) واختلف (¬14) في تنزيل هذه الأقوال ابن لبابة (¬15)، وكثير من الشيوخ (¬16). وحكي عن أبي محمد أن معناه: أن للبائع المخالفة لمن شرط ¬
رضاه، أو خياره، وليس ذلك للمشتري، بخلاف المشورة (¬1). واستدلوا بقوله: "إن رضي البائع أو رضي فلان (¬2) فدل أن البيع يمضي بمجرد رضى البائع، أو بمجرد رضى فلان، وبقوله في المشتري: "ليس له أن يمضي، أو يرد (¬3) إلا برضى (¬4) فلان" (¬5). فإن (¬6) البائع هنا بخلاف المشتري، لقوة يد البائع، وتقدم ملكه، وتقرره، بخلاف المشتري الذي لم يثبت له بعد ملك. وتأول آخرون المسألة على تسوية البائع والمبتاع، وأنه (¬7) ليس (لكل) (¬8) واحد منهما خلاف فلان، وإن في رضى فلان حق (ثبت لغير مشترطه) (¬9)، وإن ذلك لمن جعل بيده، وليس لمشترطه مخالفته، وهو نص في الكتاب، في المشتري (¬10) كما تقدم. ولم يبين (¬11) أمر البائع في أول الباب، لكنه (¬12) يفهم (¬13) من قوله: "إن رضي فلان البيع فالبيع جائز" (¬14). فدليله أنه إن لم يرض ورده فهو مردود. ولا كلام للبائع المشترط ¬
رضاه (¬1)، ويكون عنده معنى قوله: أو رضي البائع (¬2) أي ورضي. وآخرون (¬3) يسوون بينهما (¬4) أيضاً، لكن (¬5) لم يجعلوا (¬6) من له الرضى كالوكيل لهما، وإن اشترط (¬7) رضاه الرضى دونه، إلا أنهم (¬8) يقولون: إن سبق من [جعل] (¬9) له الرضى بالرضى، أو الرد، مضى فعله، ولم يرد، كالوكيل مع موكله اشترطا ذلك معاً، أو أحدهما، ونحوه في كتاب محمد (¬10)، [وفيه نظر (¬11)] (¬12)، وهو (¬13) اختيار أبي القاسم بن محرز، وأشار إليه أبو إسحاق في البائع، ويلزمه ذلك في المبتاع (¬14). واستدلوا بقوله في الكتاب: "فإن رضي البائع أو رضي المبتاع البيع فهو جائز" (¬15). [وفيه نظر] (¬16). وقال آخرون ذلك حق لهما جميعاً، حق للبائع (¬17) إن أراد إمضاء ¬
البيع، وأراد فلان (¬1) الرد، وحق للمبتاع إن أراد فلان إمضاء البيع، وأراد البائع الرد. ومثله إذا كان مشترط ذلك لفلان المبتاع، وأراد الأخذ (¬2) فله ذلك، وإن رد فلان، وكذلك إن أراد فلان الإجازة، وأراد المبتاع الرد، كان للبائع إلزامه البيع. ففي اشتراط المبتاع على هذا يلزم البائع رضى المبتاع، ويلزم المبتاع رضي فلان، وفي اشتراط البائع يلزم المبتاع رضى البائع، ويلزم البائع رضي فلان. وآخرون يتأولون (أن) (¬3) كلامه في المسألة في الموضعين اختلاف من قوله لا (¬4) أنهما اختلاف مسألتين. فعلى ظاهر قوله في البائع أولاً له مخالفته يلزم مثله في المبتاع. (وعلى قوله في المبتاع) (¬5) آخراً لا يخالفه التفريق بين اشتراط البائع والمبتاع، وهذان القولان هما اللذان حكى عبد الوهاب (¬6). ومنهم من تأول أن جوابه في المسألة أولاً أن البائع اشترط ذلك لنفسه خاصة، وجوابه آخراً في المشتري أن الشرط لهما جميعاً، ونحوه عن أبي محمد بن أبي زيد وغيره من القرويين، وهو (¬7) الأصل عند الحذاق الذي يجب بناء المسألة عليه، ولا يجب عند نقادهم أن يختلف فيه، وهو (أنه) (¬8) ¬
متى جعلا (¬1) الاشتراط برضى (¬2) فلان لهما معاً (¬3)، لم يكن لأحدهما رجوع (¬4) (عن ذلك) (¬5)، وهو كالوكيل لهما، وليس (¬6) لأحدهما عزله دون صاحبه. وإن كان الشرط (لهما) (¬7) من أحدهما، فلمن شرط ذلك منهما ترك شرطه ومخالفة فلان دون الآخر، وإن ذلك لمشترطه (¬8) كالمشورة في حقه، أو كوكيله الذي [له] (¬9) عزله، وهو نص ما في كتاب ابن حبيب (¬10)، وهو اختيار ابن لبابة (¬11). ولم يختلف قولهم في المشورة (¬12) أن لمشترطها تركها وفعل ما شاء من رد، أو إمضاء، إلا ما تأوله أبو إسحاق على [ما في] (¬13) كتاب محمد (¬14) من أنها (¬15) كالخيار (¬16)، ................................. ¬
وتأولها (¬1) أبو محمد على رواية ابن نافع في كتاب ابن مزين (¬2)، في قوله: ليس له أن يسقط شورى فلان، ولصاحبه أن يناكره، وفي التأويلين نظر، وتتبع لمن تأمل (¬3) كلامهما (¬4)، والله أعلم. ولم يتردد قوله في الكتاب "أن اشتراط الرضى لفلان جائز" (¬5). وهو صحيح مذهبه، وعلقت من كتاب ابن عتاب بخطه، روى سحنون أن ابن القاسم كان يقول: لا يجوز، وهو من المخاطرة، ثم رجع إلى هذا، وقد روى مثله أصبغ عن ابن القاسم، كأنه رأى الخيار لأحد المتبايعين رخصة مستثناة من الغرر، والمخاطرة، فلا تتعدى (¬6) إلى غيرها، وهو قول أحمد بن حنبل، وبعض أصحاب الشافعي (¬7). ومسألة "مشتري الطعام بالخيار إذا نظر إليه (¬8) فوجده مخالفاً" (¬9). ¬
تكلم في الكتاب إذا كان الخلاف كثيراً، ولم يتكلم إذا كان يسيراً (¬1)، ووقع (في بعض) (¬2) نسخ المدونة. وقال غيره: "إلا أن يكون الذي خرج مخالفاً أقله، وأتفهه، أي أيسره، فلا قول (¬3) للمشتري، بل هو لازم للمشتري، وإن (كان) (¬4) أراد الرد إلا أن يقيله البائع" (¬5). وثبت هذا في كتاب (ابن عيسى (¬6)، وسقط في أكثر الروايات، ونبه عنده (¬7) على سقوطها من بعض الروايات، وكان في كتاب) (¬8) ابن عتاب محوقاً عليه، وكذلك في كتاب ابن المرابط، وهي (¬9) موافقة لما في العتبية، أن الطعام يلزم المبتاع بحصته من الثمن، وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ وعبد الملك ومطرف (¬10) مثله، وهو قول سحنون، ويلزم البائع والمبتاع بحصته من الثمن. قال فضل: مذهب سحنون هنا أن ذلك يلزم المبتاع على ما أحب البائع، أو كره (¬11). قال: وبه قال (¬12) عبد الملك، وأصبغ، وهو خلاف رواية ابن القاسم، ¬
قال ابن أبي زمنين: لم يعطنا في الخلاف اليسير (¬1) جوابا بيِّنًا، وفيه (¬2) (تنازع) (¬3)، وذكر (قول) (¬4) سحنون هذا، وابن حبيب، وهذا كله خلاف ما تأوله (¬5) أبو محمد على (¬6) سحنون (أن ذلك إنما يلزم المبتاع برضى البائع. وفي الواضحة عن ابن القاسم أنه يقال للمشتري: إن شئت فخذه كله، وإن شئت فدع، كان الفاسد) (¬7) [منه] (¬8) قليلاً (¬9)، أو كثيراً، لأن البائع يقول [له] (¬10): لم أبعه إلا ليحمل الصحيح الفاسد. [22] قال ابن القاسم: وهو تفسير قول مالك، وحكى الداودي؛ أيضاً هذا القول، والصواب أنه اختلاف قول، كما يظهر من الروايات. "وتعريب الدابة" (¬11) " - بعين مهملة - كي أسافلها (¬12)، وفصدها هناك (¬13). "وتهليبها" (¬14): جز شعر ذنبها (¬15). "وتوديجها" (¬16). فصدها في ودجيها (¬17). ¬
ويستفاد من جعله هذا (¬1) رضى في الخيار موافقة ما في كتاب ابن حبيب (¬2)، [من حلق رأس الغلام وحجامته أن ذلك رضى وجاء في بعض الروايات في قول أشهب في الجارية] (¬3) "لا تكون الإجارة، ولا الرهن، ولا السوم بها، ولا التزويج، ولا الجنايات، ولا إسلام العبد للصناعات، ولا تزويجه العبد رضى" (¬4). وسقطت لفظة التزويج في الجارية من أكثر الروايات، وهو الصحيح. فإنهم لم يختلفوا في تزويج الجارية، وإنما اختلفوا في تزويج العبد. وقوله: "في آخر رواية علي عن مالك لا ينبغي له أن يبيع حتى يختار" (¬5). هنا اتفقت الروايات، وزاد في بعضها "فإن باع فإن بيعه ليس باختيار، ورب السلعة بالخيار إن شاء جوز البيع، وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع" (¬6). ثبتت هذه الزيادة في أصول شيوخنا، وسقطت من كتاب الأبياني (¬7)، والدباغ، وزاد في بعض الروايات بعد هذا "قال ابن القاسم: إذا باع قبل أن يختار بربح فالربح للبائع. وإن زعم أنه اختار قبل البيع كان القول قوله مع يمينه" (¬8). ¬
"ومسألة الجارية تلد في أيام الخيار" (¬1). اعترضت من باب بيع المريض، واعتذر عنها (¬2) فضل، وابن أبي زمنين، وغيرهما، بأن بائعها لم يعلم المشتري بحملها، ولا عرفه (¬3)، وهذا معترض، لأن معرفة أحد المتبايعين بما يفسد البيع مفسد له على أحد القولين في هذا الأصل (¬4). وقال ابن محرز: لا يمنع بيعها حتى تكون في حد المريض الذي يحجر عليه أفعاله لشدة مرضه، وبلوغه حد السياق. قال المؤلف - رحمه الله -: وقد يمكن أن يكون بيعها [في] (¬5) آخر سادس شهورها إذ لا يحكم لها بحكم المريض في أفعالها إلا فيما بعد السادس، و (قد) (¬6) تكون (¬7) وضعت (¬8) في السابع لتمام السادس، وفي مدة أمد الخيار، [و] (¬9) لا سيما على رواية ابن وهب في إجازته في العبد خيار شهر، وقد يمكن أن البائع والمبتاع (¬10) لم يعلما بحملها جميعاً حين العقد، فوقع العقد على صحة، وإنما يقع فيه الفساد بعلمهما معاً باتفاق، أو بعلم أحدهما على الاختلاف (¬11)، ودخولهما على الغرر. "وقول أشهب في المسألة: فإن اختار المشتري البيع وقبض الأم (¬12) فاجتمعا على أن المشتري (¬13) يضم الولد، ........................... ¬
أو يأخذ (¬1) البائع الأم فيجمعان (¬2) بينهما" (¬3). ظاهره في حوز (¬4) لا في ملك، وعليه اختصرها (¬5) أبو محمد. وقيل: بل في ملك، وهو أصلنا في البيع. وقيل: فرق بينهما أن هذين لم يفرقا في البيع، ولا عملاً عليه. وقول أشهب إذا لم يجمعا بينهما على ما ذكره، "وإلا نقض (¬6) البيع في الأم، وردت إلى البائع" (¬7). يستفاد منه أن أشهب اختلف قوله في جمع السلعتين لمالكين، إذ معروف مذهبه جوازه (¬8)، و [كان] (¬9) على هذا إن لم يجمعاهما أجبرا على بيعهما، على أصله في جواز ذلك، وإنما ينتقض (البيع) (¬10) على المشهور من قول (¬11) ابن القاسم، وأصله، وروايته، ومنعه جمع السلعتين، على أنه قد اختلف عنه أيضاً، وروي عنه إجازة ذلك، فقول أشهب هنا مثل قوله بالمنع والنقض. وقوله: "في تقويم الجارية المبيعة بالخيار وقد حدث (¬12) بها في أيام الخيار عور وقد دلس البائع معه بعيب، وحدث عند المشتري عيب، وأراد التمسك (¬13)، ¬
فيقال (¬1): ما قيمة هذه الجارية (¬2) وهي عوراء يوم وقعت الصفقة بغير عيب التدليس، ثم قيمتها بعيب التدليس يومئذ أيضاً، ويطرح من الثمن حصة عيب التدليس" (¬3). فقال ابن مناس وغيره: معنى ذلك يوم العقد، على ظاهر الكتاب (¬4). وعند جمهورهم: إنما تقوم يوم خروجها من الخيار، والمواضعة، وحصولها في ضمان المشتري (¬5)، وهو الأصل في هذا الباب، ألا تراه كيف قال في كتاب العيوب: وإنما تقوم السلعة يوم يقع البيع فيها، لأن مصيبتها منه. فظاهره (¬6) اعتبار الضمان، فإذا اتجه عليه الضمان فحينئذ يكون التقويم. وقد قال في هذا الكتاب في المسألة نفسها: "فإن (¬7) أراد الرد نظر إلى العيب الذي حدث عنده، كم ينقص منها يوم قبضها، فيرده (¬8) معها" (¬9). وقد أنكر [قوله: يوم قبضها] (¬10) أبو القاسم بن شلبون. [وأبو الفضل ¬
التميمي] (¬1) وغيرهما (¬2) من شيوخ القرويين. وقالوا: إنما تقوم بالعيب الحادث عند المبتاع، يوم عقد البيع، لأنه إنما رضي إمضاءه (¬3) بالعقد الأول. وقال ابن محرز، وغيره: إنما الصواب أن تقوم القيمة هنا يوم خرجت من الخيار، والاستبراء، وصارت في ضمانه. وقال (¬4) ابن أبي زمنين: معنى قوله (¬5): يوم قبضها (¬6) أي يوم تمت الصفقة، لأن التقويم للعيوب إذا كان البيع صحيحاً إنما يكون يوم تمام الصفقة، والقيمة في (البيع) (¬7) الفاسد يوم القبض. واختلافهم في هذا اللفظ الآخر على اختلافهم في الأول، فمن أنكر ظاهر الأول صوب اللفظ الآخر، ومن صوب [اللفظ] (¬8) الأول أنكر الآخر. والأصل في (هذا) (¬9) الباب ما حكينا عن ابن أبي زمنين. وقد أشار ابن محرز إلى (أن اختلافهم فيه على أصل) (¬10) اختلافهم في التضمين في الخيار، هل هو من البائع حتى يقبضه (¬11) المشتري (¬12)؟ فتقوم على هذا يوم القبض. ¬
ومن قال: ضمانها من المشتري قال: تقوم يوم البيع، وهو قول ابن كنانة (¬1)، إذا كان الخيار للمشتري، وسيأتي شيء من هذا في كتاب العيوب (إن شاء الله تعالى.) (¬2) وقال غيره: هذا (¬3) على الخلاف، هل العقد بيع (على الحقيقة، ينقل الملك ويلزم الضمان بنفسه، أو [23] حقيقته التقابض (¬4)، وإنما الكلام عقد يوجب البيع) (¬5) وعلى هذا،؛ هل التسليم والتوفية حق على البائع بما يتم بيعه أم لا (¬6)؟ وقوله: "ولا ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار" (¬7). [وهذا] (¬8) قد (¬9) نظر إليه في حسابه المتقدم ذكره في التقويم، ومعنى ذلك: لا ينظر إليه في حطه عن المشتري لرضاه به. وقوله في مسألة "اشتراء الثوبين، (أو العبدين) (¬10) على أن يأخذ أيهما شاء، وهو بالخيار ثلاثة (¬11) أيام" (¬12). هذه (¬13) مسألة خيار، واختيار، ¬
فأجاب ابن القاسم عن الاختيار في الثوبين فقط، وعدل عن السؤال. "ثم أجاب أشهب عن العبدين" (¬1). فدل (¬2) أنه رجع إلى مسألة الأولى إذ ليس في "جواب ابن القاسم" (¬3). ذكر العبدين، والجواب في الخيار المجرد، أو الخيار والاختيار سواء عند ابن القاسم، وقد سوى بينهما في كتاب محمد، بخلاف الاختيار المجرد عنده (¬4)، وهو (¬5) عنده في الثاني أبين. وعند ابن حبيب (¬6) في الاختيار أنه ضامن لهما جميعاً، وحكاه عن جماعة من أصحاب مالك (رضي الله عنهم) (¬7). وسواء على قوله في المدونة، تلف الثوب ببينة (¬8)، أو بدعواه، (و) (¬9) تشبيهه مسألة الثوبين في الاختيار بمسألة الثلاثة (¬10) دنانير، وأنهما في الثلاثة دنانير شريكان. وقول (¬11) "سحنون: معناه أن تلف الدينارين لم يعلم [إلا] (¬12) بقوله" (¬13). اعترض غير واحد قوله هذا. وقال: لا معنى له، إذ لا فرق بين دعواه في ذلك، وثبوته بالبينة، لأخذه أحدهما على الإيجاب لنفسه، فهو منه على كل حال، وإذا لم يتعين فهو شريك في الضمان، كمسألة ¬
الثوبين (¬1)، إذا أخذ أحدهما على الإلزام والاختيار فيهما (¬2) فالهالك منهما. ولهذا طرح أبو محمد كلام سحنون ولم يذكره. قال (¬3) أبو عمران: هو خلاف قول ابن القاسم، واختصره غيره، وإن كان لا يعلم تلف الدينارين إلا بقوله، وروى هذا الكلام ابن محرز، وإن كان لا يعلم تلفهما إلا بقوله، ولم يصح (¬4) عنده (¬5) رده (¬6) على مسألة الدنانير [بوجه] (¬7) فوجب حمله عنده على المسألة المتقدمة في الاختيار في الثياب (¬8). واستدل (على صحة تأويله) (¬9) بقوله بإثر هذا: "قلت: أيكون لي أن آخذ (¬10) الباقي قال: نعم" (¬11). قال المؤلف: وهذا يستقيم (¬12) لو لم يذكر (¬13) في الروايات كلها النص على الدينارين كما ذكرناه. وقال غيره: وهذا إنما هو إذا أخذها على أن له أخذها، إما سلفاً، أو قضاء من حق، إلا أنه غير معروف فيها، فوجب (¬14) أن يكون شريكاً فيها. ¬
وأما لو أخذها ليريها أو ليزنها (¬1) فإن كان فيها وازناً أخذه، وإلا ردها لكانت عنده على الأمانة، ولم يضمن منها شيئاً، ولو قبضها لتكون رهنا عنده حتى يقبض حقه منها أو من غيرها كان ضامناً لجميعها كما تضمن الرهان، إلا أن يثبت هلاكها. قال (¬2) ابن حبيب (¬3): وإنما يكون الدينار الواحد من حامل الدنانير إذا (¬4) لم يشك أنه قد كان (¬5) فيها دينار وازن، فأما إذا جهل ذلك وقال: ضاعت قبل أن أزنها (¬6) فإنه يرجع عليه بدينار بعد أن يحلف له ما وزنها، إلا أن تكثر الدنانير، ويعلم أن مثلها لا يخلو من وازن. وقوله: في حديث: البيعان بالخيار (¬7) [الحديث] (¬8) "ليس لهذا عندنا حد (معروف) (¬9)، ولا أمر معمول به" (¬10). حمله أكثرهم (¬11) على أنه تكلم على ما جاء في الحديث، واحتجوا به على رده (¬12) الحديث الصحيح بعمل أهل المدينة، وإن لم يكن طريقه النقل، وهذا تأويل أكثر أصحابنا المغاربة، وبعض البغداديين (عن (¬13) مالك في المسألة، ومذهبهم في الحجة بإجماع (¬14) أهل المدينة، وبهذا شنع عليه المخالف. ¬
وأما القاضي أبو الحسن بن القصار (¬1) وحذاق البغداديين) (¬2) من أصحابنا ومتقدمو (¬3) مشايخهم فتأولوا أن قوله هذا راجع إلى قوله آخر الحديث: إلا بيع الخيار (¬4)، وأنه ليس لبيع الخيار حد محدود، وإنما هو بحسب ما تختبر فيه السلعة، ومقتضى ما جعل له الخيار من اختبار، أو مشورة، خلافاً لقول الشافعي، والحنفي (¬5)، أنه ثلاثة أيام في كل شيء، وقد جاء ذلك في بعض روايات الحديث. وحقيقة مذهب هؤلاء في الحجة بعمل أهل المدينة أنه مما طريقه النقل المتواتر عن العمل بمحضر النبي عليه السلام (¬6)، وفي زمانه، كالآذان، والصاع، والمد، والأحباس، وترك زكاة الخضروات، وشبه هذا. قالوا وإنما ترك مالك الأخذ بهذا الحديث لأنه تأوله على الافتراق (¬7) بالأقوال، لا بالأبدان، وأن (معنى) (¬8) المتبايعين [هنا] (¬9) بمعنى المتساومين (¬10). وقول أشهب وابن وهب: "وقد كان ابن مسعود يحدث أن ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬1): أيما بيعين تبايعا (¬2) فالقول ما قال البائع أو يترادَّان" (¬3). إذا اختلف المتبايعان (¬4). كذا في أصول شيوخنا، وهي رواية يحيى، وسقط ابن وهب عند العسال (¬5) (¬6)، من كتاب ابن المرابط، وثبت في روايته عند أبي عمران. قال أبو عمران: ليس الكلام لأشهب ولا هو من كتابه، وإنما أدخله (¬7) سحنون مختصراً من الموطأ دون إسناده، وسقط مالك بإثر كلامه على الحديث الأول (¬8). وقوله: " (فهذا) (¬9) مما يقارف الربا" (¬10). [كذا] (¬11) هو بالفاء، أي (مما) (¬12) يشابهه، ويمازجه، وهو بمعنى (¬13) قاربه (¬14)، بالباء يقال: قارف فلان الأمر، إذا لاصقه، وقارفته بكذا أضفته إليه، ورميته (¬15) به والقراف الجماع، لمخالطتهما معاً. ¬
قال الهروي: كل شيء قاربته فقد قارفته. والربا مفتوح، ممدود، الربا وأصله الزيادة، وقد يكسر ويقصر. [24] ومحمد (¬1) بن يزيد بن ركانة (¬2) " (¬3) بضم الراء (¬4) وبالنون وتخفيف الكاف. "وحبان بن منقذ" (¬5). بفتح الحاء، وباء بواحدة، وأبوه منقذ بضم الميم، وسكون النون، وكسر القاف، وآخره دال معجمة. ووقع في كتاب ابن عتاب، حبان - بضم الحاء - وهو وهم، لم يقله أحد، وهو والد واسع بن حبان الذي في الموطأ (¬6)، وغيره، وجد محمد بن يحيى بن حبان. وقوله: "ما صفة البيعتين اللتين (¬7) تجيزهما (الصفقة) (¬8) (¬9) بالزاي أي تجمعهما، كذا (¬10) فسره ابن وضاح. وقد يحتمل أن ذلك من الجواز، وأنه سأله عما يجوز (¬11) من عقد الصفقة، وما يبطله عقدها الفاسد، فأجابه بذلك (¬12). ¬
"ومسألة اشتراط النقد في أيام الخيار (¬1) " (¬2). اختلف الشيوخ، هل يصح البيع مع إسقاطه، كسائر الشروط أم لا يصح؟، ويبقى البيع فاسداً (¬3)، وهذا ظاهر الكتاب على ما تأوله البرادعي (¬4) (¬5)، وغيره. [في الكتاب] (¬6). وفي كتاب (ابن) (¬7) سحنون، أنه كالبيع والسلف، (وقد اختلف) (¬8) هل قول ابن سحنون وفاق، أو خلاف (¬9) (¬10)؟ وقد اختلف في البيع والسلف، هل يمنع إسقاط الشرط (¬11) فيه بالقبض والمغيب عليه على ما قاله سحنون، وابن حبيب (¬12)، وتأوله المشايخ، على قوله في كتاب البيوع الفاسدة، وإنه إنما يجوز إسقاط ذلك ما لم يقبض، أو (¬13) يجوز إسقاطه وإن قبض، فكذلك ها هنا إن قبض الثمن، أو لم يقبض يجري على هذا. ¬
"ومسألة اشتراط الخيار في السلم يوماً أو يومين، أو شهراً أو شهرين، قال: إن اشترط يوماً أو يومين، ونحو ذلك فلا بأس بذلك [ما لم ينقد] (¬1)، ولا يجوز أبعد من ذلك" (¬2). قال ابن محرز: ظاهر قوله: أنه تكلم (¬3) إذا كان رأس مال السلم عيناً، ولم يذكر لو كان عبداً، أو دابة، أو داراً، واستصوب أن يعتبر الجنس الذي هو رأس مال (¬4) [السلم عيناً أو دابة] (¬5) الذي اشترط (¬6) الخيار فيه، فيضرب له من الأجل أجل مثله. قال القاضي: ظاهر الكتاب يدل على اختلاف (¬7) اختياره، وتعليله بأنه لهما إجازة ذلك، " (لأنه) (¬8) يجيز (¬9) أن يؤخر رأس مال السلم يوماً أو يومين أو ثلاثة" (¬10). وقوله: "فلما اشترط (¬11) الخيار إلى الموضع الذي يجوز [له] (¬12) تأخير نقده إليه جاز" (¬13). وهذا بين، ولأنا إذا ضربنا مثل ذلك الأجل في السلم فحش، وكثر فيه الغرر، ولم يدر المسلم الدار متى يختارها صاحب الطعام هل الساعة فيكون ينتظر قبض طعامه إلى الشهر (¬14)، [أو هل يختاره ¬
إلى شهر] (¬1) أو هل يحتاج إلى شهر آخر (¬2) فيستأنف انتظار سلمه إلى شهرين، وقد تتضع الأسواق أثناء ذلك، وترتفع. ومسألة إجازته (¬3) "كل شاة بدرهم، أو هذه (¬4) الثياب كل ثوب بدرهم، وصبرة القمح (¬5) كل قفيز بدرهم" (¬6). قال سحنون: أكثرهم على جوازه، ومنهم من لا يجيزه، قال أبو عمران: أظن التونسيين هم الذين يكرهونه، حكاها عنهم حماد بن يحيى السجلماسي (¬7). وجاء بالكلام على الصبرة، والثياب، والشياه (¬8)، ثم قال: ومعنى المسألة في الكتاب في الغنم، والثياب، إنما ذلك إذا عرفا عددها، وإلا لم يجز، بخلاف الطعام، لأنه يباع جزافاً، ونقلها أبو محمد. قال سحنون من أصحابنا: من يغمز البز، والرقيق، كل رأس، وكل ثوب بدرهم، قالوا وفرق بينهما وبين الطعام، أن هذه لا يجوز بيعها جزافاً، وصبرة (¬9)، ولا يخرجها تسمية ما لكل واحد عن (¬10) الجزاف، (إذا لم يعرف عددها، ويجوز بيع الطعام مصبراً، وغيره من المكيل، والموزون، فجاز بيعه على هذا الوجه الآخر، إذا لم يخرجه عن الجزاف) (¬11) أيضاً، ¬
وابن القاسم رأى (¬1) أن تسمية (¬2) ما لكل رأس [ليس] (¬3) من الجزاف، إذا صار الثمن معلوماً، بحسب (¬4) عددها فخف غرره. وقوله في مسألة "مشترط النقد إذا أصابها في أيام الخيار عيب، وأصابها عنده عيب، واطلع على عيب مفسد دلس به البائع، فأراد حبسها وضع عنه قدر العيب [الذي دلس به يوم قبضها، لأنه قبضها على بيع فاسد، فصارت قيمتها لها ثمنا" (¬5). قال بعضهم: هذا كله يدل أنها ليست كالبيع) (¬6) والسلف، في فوات السلعة، كما قال ابن سحنون (¬7)، إذ (¬8) لم يشترط في القيمة مراعاة الثمن ولا غيره. وقوله بعد هذا: "فإن لم يحدث عنده عيب مفسد يريد" [وإن فاتت] (¬9) بحوالة سوق "كان بالخيار إن شاء ردها بعيب التدليس، وإن شاء حبسها (¬10)، وغرم قيمتها يوم قبضها" (¬11). ظاهره على ما هي عليه بالعيبين: الحادث والقديم. وهو قول سحنون، وابن عبدوس، لأنه إنما لزمه ضمانها لما فاتت. وقال بعضهم: معناه [أنه] (¬12) قد كان حكم على المبتاع بالقيمة لفساد ¬
البيع قبل وجود العيب القديم، ولو لم يحكم بينهما بقيمة العيب لقيل له: إن شئت أحبسها، وأغرم قيمتها معيبة يوم قبضها، وإن شئت ردها وما نقص من قيمتها يوم قبضها (¬1). وقوله "فيمن اشترى ثياباً و [لم] (¬2) يشترط منها شيئاً بعينه (¬3) فهو شريك في جملة الثياب بقدر ما استثنى" (¬4). وقد تقدم أنه إذا اشترط منها رقما بعينه، جواز ذلك بدليل (¬5) المسألة أنه شريك وإن (¬6) كانت الثياب أصنافاً بقدر العدد الذي اشترط، وإن لم يسمه ولا عينه، وكذلك في كتاب ابن حبيب (¬7). وقوله: "والطعام كله إذا اشترى منه شيئاً على أن يختار منه قال: لا يجوز عند مالك إذا كانت صبراً (¬8) مختلفة" (¬9). [تأمل قوله مختلفة] (¬10) فظاهره جواز ذلك إذا كانت جنساً واحداً، وصفة واحدة، وقاله بعض القرويين. وقد قال بعد في الكتاب: [25] "وكل ما يباع إذا كان صنفاً واحداً؛ على أن يختار فلا بأس به غير [الطعام فان كان الطعام فلا خير فيه أن يشتري على أن يختار في شجر أو صبر لأنه يدخله بيع الطعام] (¬11) بالطعام متفاضلاً" (¬12). ¬
وفي كتاب ابن حبيب وأبي الفرج: لا يجوز في الطعام أن يختار مكيله (¬1) من صبرتين (¬2) وإن كانتا جنساً واحداً، وصفة واحدة، قال ابن حبيب (¬3): ويدخله بيع الطعام قبل استيفائه، وضعفوا هذا التعليل (¬4). قال فضل: علته أنه طعام بطعام غير متناجز، إذ (قد) (¬5) يختار أحدهما ثم يتركه ويأخذ الآخر، فجاء (¬6) تبادل الطعامين غير متناجز (¬7)، وكذا علله في المدونة، (وفسره) (¬8)، وقد وقع له أيضاً فيه "أنه بيع قبل استيفائه" (¬9). وقال ابن الكاتب (¬10) انظر هل يمنع إذا تأخرت عن وقت العقد لعلة عدم التناجز. وقال أبو عمران: يجوز هذا بأن يقال: إنما تعاقدا على أن خيارهما ينقطع عنده (¬11) عقيب العقد، ولا يتأخر، وكأنه توقف [لي] (¬12) في هذا، وتركها على الاحتمال. وقوله في التخيير في الطعامين المختلفين، ومنعه ذلك، "وتفسير ذلك أنه ملكه (¬13) ببيعتين في بيعة، لا يصلح له فسخ إحداهما في الأخرى قبل أن يستوفي" (¬14). ¬
قال القاضي: اعلم أن هذا أصل مسألة بيعتين في بيعة (¬1)، ويدخلها (¬2) أنواع من الفساد، وتكثر عللها بحسب ما يزيد (¬3) فيها بعد، من أجل، أو يختلف (¬4) الثمن أو المثمون، كالعينين (¬5)، وقد ذكرنا منه في كتاب البيوع الفاسدة، ونزيد هنا بياناً مما لم نذكره هناك، فنقول: متى انعقد بيع في شيء بثمنين، أو في شيئين بثمن، واختلف في القلة والكثرة، فإن سلما من التهمة ولم يكن المختار فيهما طعاماً (¬6) جاز ذاك، مثل أن يبيع منه سلعة بدينار، أو بدينارين (¬7) نقداً، أو ديناراً ودينارين إلى شهر، وقد تقدم هذا، إذ الزائد إنما هو كالهبة من المبتاع للبائع، لأنه قد ملكه السلعة بالأقل، ثم خيره في إن شاء أن يعطي أكثر أم لا، وكذلك إن (¬8) كان الخيار للبائع، فقد ألزم المشتري السلعة نفسه بالأكثر، ثم البائع متفضل عليه، إن شاء بحطه (¬9) ذلك، وكذلك إن اشترى منه بهذين الدينارين هذا الثوب، أو الثوبين، ليختارهما، أو أحدهما على ما تقدم، وسواء كان للثمنين أجل، [أم لا] (¬10) أو في أحدهما، إذا بعدت التهمة، مثل أن يكون المؤجل أو الذي هو أبعد أجلاً أقل الثمنين المذكورين، إذ لا غرض (¬11) في ذلك يتهمان فيه كما تقدم، وإن كانا صنفين مختلفين مما يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر لم يجز عند مالك، ¬
وجاز على قول [عبد العزيز (¬1)] (¬2)، وأشهب، وعبد الملك، وكذلك إن كانا صنفاً واحداً، لكن اختلفت صفته، وتباينت تباينا، يجوز سلم (¬3) أحدهما في صاحبه (¬4) لقوة الغرر في هذا كله، وجهلهما بما وقع عليه البيع، أو به، وكذلك لو باعه هذا الثوب أو هذين الثوبين وإن كانا (¬5) من جنس واحد لأنه مما يدخل فيه الغرر، إذ (¬6) كل واحد منهما قد يريد غير ما يريد الآخر، بخلاف إذا قال اختر هذين الثوبين أو أحدهما كما تقدم. وإن كانا صنفاً واحداً، إلا أنهما متفاضلان في الجودة، على إيجاب أحدهما جاز على مذهب المدونة، وكتاب محمد، ولم يجز عند ابن حبيب (¬7). فإن (¬8) كانا صنفاً واحداً، أو صفة (¬9) واحدة، جاز عند جميع أصحابنا، لأن الثمن معلوم. ودخول الاختيار في أحد الثوبين لا تأثير له في الثمن، وإنما يعود ذلك إلى تعيين (¬10) المبيع، وذلك لا يمنع صحة العقد، كما لو اشترى قفيز طعام، من جملة أقفزة (¬11)، وإن اختلفت الأثمان والسلع معاً (¬12) لم يجز، وإن كانا من صنف واحد، قاله ابن القاسم عن مالك في ¬
الجاريتين إحداهما بخمسمائة والأخرى بمائة (¬1)، قال: للغرر (¬2) والخطر في ذلك، ويجوز عند ابن حبيب، وحكاه عن عبد العزيز، وهي إحدى روايتي أشهب عن مالك، وقال (¬3) إنما البيعتان أن يكون الثمنان في سلعة واحدة، وأما في سلعتين على إيجاب إحداهما (¬4) فلا، وكرهه مالك، وبه أخذ عبد الملك، وكذلك لأشهب (¬5)، وعبد الملك في اختلاف السلع مع اتفاق الثمن، ومثله لابن مسلمة، وعلله ابن مسلمة بأنه من ناحية العربان كأنه حطه ديناراً على كل حال من ثمن إحدى (¬6) السلعتين على أن يأخذ إحداهما. وقوله في مسألة الخيار "فإن (¬7) لم تأت (¬8) بالسلعة آخر أيام الخيار فالبيع (لك) (¬9) لازم لا خير فيه. ونهي عنه" (¬10). وتشبيهه (¬11) بمسألة إن لم تأتني (¬12) بالثمن فرق بعضهم بينهما، لأن تلك منعقدة، ومسألة الخيار غير منعقدة. وقد ذكرنا قول ابن وهب قبل، وكلام ابن لبابة والقطان وغيرهما هناك في آخر البيوع الفاسدة (¬13)، ومنهم من وافق (¬14) بينهما، وهو ظاهر الكتاب، وبحسب هذا الخلاف في ذلك إذا وقع، ففي سماع ابن القاسم في ¬
مسألة الخيار إذا وقع يمضي، كما قال في مسألة الأجل في البيوع الفاسدة، وفي كتاب محمد في مسألة الخيار، يفسخ وإن فات (¬1). قال القابسي: ومحملها على اختلاف قول مالك في مسألة إن لم تأت (¬2) بالثمن. ¬
كتاب التجارة إلى أرض الحرب
كتاب التجارة إلى أرض الحرب (¬1) تشديده (¬2) في الكتاب (في ذلك (¬3)) (¬4) يوافق قول سحنون، من جرحة التاجر فيها (¬5)، (وعلى ذلك حمل الشيوخ مذهبه، إذ لا يمترى أنها كبيرة من الكبائر. ويحمل قوله في غير هذا الكتاب في قبول شهادتهم فيمن فعل ذلك ثم تاب منه) (¬6) أو حملته (¬7) الريح بغير اختياره (¬8)، كما قال غير واحد، خلافاً لمن ذهب أنه جائز على الإطلاق. وقد اختلف الشيوخ في تأويل (¬9) الكتاب على ذلك. والصواب قول من جعل قول سحنون تفسيراً، إذ [26] إجماع المسلمين منعقد على من أسلم في بلاد الحرب يجب عليه الخروج عنها، وكما يجب عليه؛ الخروج لإسلامه كذلك يحرم عليه الدخول لإسلامه (¬10). ¬
وتعليله في الكتاب: بجري (¬1) أحكام الكفار (¬2) عليه" (¬3) يبين هذا، وقد اتفقوا أنه إذا كان يعلم أن أحكام الكفر (¬4) تجري عليه بها إنها جرحة فيه، وإنما اختلفوا إذا لم يعلم (¬5) ذلك (¬6) لما فيه من الذلة والصغار، وقد أوجب ابن القاسم على فاعله العقوبة الشديدة (¬7). وقال في الكتاب: (في) (¬8) النهي عما يباع من أهل الحرب مما هو قوة، من نحاس، أو غيره، وذلك أنهم يستعملونه (¬9) في آلات دوابهم (¬10) من اللجم، والسروج، ويصنعون منه الطبول، والبوقات (¬11)، مما يرهبون به (¬12). وذكره بيع (¬13) الصقالبة من أهل الذمة، واختلاف قول مالك، وابن القاسم في ذلك (¬14). "والصقالبة" (¬15): أمة وراء الروم، من ناحية الشمال، كانوا في ¬
الزمن الأول كالمجوس (¬1) غير أهل الكتاب، وكالمشركين ممن (¬2) يجبر على الإسلام (¬3)، ولا يقر على دينه، بخلاف المجوس الذين صحت مجوسيتهم، وأمرنا أن نسن بهم سنة أهل الكتاب (¬4)، ولا نجبرهم على الإسلام. وكذا (¬5) قال أصبغ (¬6) في مجوس العراق، والشافعي يرى أنهم أهل كتاب (¬7)، فكان كل من دان من الكفار بغير دين أهل الكتابين من الصقالبة (¬8)، والبربر، والسودان، والترك، وأشباههم، يسمون مجوساً. والفقهاء يطلقون ذلك عليهم لشبههم (¬9) بهم، ولم يفرق مالك بين الصغار والكبار، وفرق في العتبية، (فجعله) (¬10) يفسخ في الصغار، قال: لأنهم يجبرون على الإسلام، [دون الكبار (¬11)، وروى ابن نافع عنه في الكتاب في المجوس إذا ملكوا أجبروا (¬12) على الإسلام] (¬13) ولم يفرق. ¬
وقوله في أهل الكتاب: "أيمنع النصارى من شرائهم؟ (¬1) قال: أما الصغار فنعم، وأما الكبار فلا" (¬2). معناه: الصغار الذين لا آباء معهم، فيكونون على دينهم، وهؤلاء إذا لم يكن معهم آباء فهم (¬3) على دين من اشتراهم. فإذا اشتراهم مسلم لم ينبغ له أن يبيعهم من كافر، كائن ما كان (¬4). وعلى هذا تأول المسألة بعض مشايخنا (¬5)، وبعضهم تأولها على بيع اليهود من النصارى، للعداوة التي بينهم، كما قال ابن وهب، وسحنون، ومنعهم ذلك. وهذا بعيد من مذهب الكتاب لتفريقه بين الصغار والكبار. "وقبرس" (¬6) - بضم القاف والراء بينهما باء بواحدة ساكنة - جزيرة الروم (¬7)، مقابل إسكندرية. "والكراع" (¬8) الخيل خاصة، وقيل: الدواب كلها. "والخرثي" (¬9) - بضم الخاء وآخره ثاء مثلثة - المتاع المختلط. "وأرض العنوة" (¬10) - بفتح العين - التي غلب عليها قهراً. وحيي بن عبد الله (¬11) - بضم الحاء وكسرها وبعدها ياءان [اثنتان] (¬12) باثنتين من أسفلهما - ونسبه الحبلي. ¬
وكذلك أبو عبد الرحمن الحبلي (¬1) الذي روى عنه في الكتاب النهي عن التفريق (¬2). والمحدثون (¬3) يضمون الحاء والباء فيهما، وكذلك رويناهما في الكتاب، وأهل العربية يفتحون الباء (¬4)، ويسكنونها أيضاً، ولا يجيزون الضم، وهما منسوبان لبني الحبل، قبيل من المعافر، وكذلك في الأنصار أيضاً. وقوله: "ولا توله والدة عن (¬5) ولدها" (¬6) - بفتح الواو وتشديد اللام - أي لا يفرق بينها وبينه، من الوله، وهو الحزن، أي لا تحزن بتفريقه عنها (¬7). (والإثغار (¬8) تقدم تفسيره (¬9)) (¬10). ¬
"وحديث أبي أسيد (¬1) الأنصاري" (¬2) بضم الهمزة وفتح السين، وفي سنده جعفر بن محمد عن أبيه أن أبا أسيد، كذا عند شيوخنا لرواة سحنون، وعند ابن وضاح. قال: ابن أبي ذئب (¬3) عن جعفر بن محمد (¬4) عن أبيه عن جده. ولم يذكر (عن) (¬5) أنس عن جده. "وبنو عبس" (¬6) هنا في الحديث بباء واحدة. "والأمرخ" (¬7) - بفتح الهمزة وآخره خاء معجمة - فسره في الكتاب جبل الفسطاط (¬8). ¬
"والرميم" (¬1): هو العظم البالي، وهو أيضاً ما يبس من الورق وتحطم. وعمر بن عبد الله (¬2) (وهو) (¬3) مولى غفرة - بضم الغين المعجمة - كذا في أصول شيوخنا، وكذا ذكره الحفاظ، وهو الصواب (¬4)، وفي رواية الدباغ عمر بن عبيد الله وهو وهم. وغفرة هذه بنت رباح أخت بلال (¬5) بن رباح (¬6). [رضي الله عنه] (¬7)، وقوله "في حديث علي (رضي الله عنه) (¬8) ابتاع أعنزاً بوصيفة (¬9). وفي رواية: فباع أعنزاً بوصيفة" (¬10). قال أحمد بن خالد: الصواب: فباع وصيفة بأعنز. وكذا (¬11) عن أصحاب سحنون. وأعنز حي من العرب، يقال بهم عنزة، أصابهم سبأ، وابن وضاح هو الذي أصلحه في المدونة من موطأ ابن وهب، فرده فباع أعنزاً بوصيفة، ¬
ولفظ الحديث يدل أن علياً دافع (¬1) الوصيفة على كل حال، لقوله: "ارجع (¬2) فاستردها (¬3) بما عز أو هان" (¬4). "وضميرة" (¬5) بضم الضاد المعجمة (¬6). وقوله في مسألة التفرقة: "يجمعان بينهما أو يبيعانهما جميعاً" (¬7). وقوله "ويفض الثمن على قدر قيمتهما (¬8) " (¬9) إنما (¬10) فارق هذا مشهور مذهبه في منع جمع السلعتين للضرورة الداعية إلى ذلك، بخلاف الاختيار، وأيضاً فإنا نقدر على دفع المجهلة من ثمنهما (¬11)، بأن يعرفا (¬12) قبل البيع قيمة كل سلعة منهما (¬13)، وما هذه من هذه، فإذا باعاهما (¬14) على ثمن معلوم فقد عرفا ما يقع لكل واحدة منهما عند عقدهما (¬15) البيع، ومعرفتهما بالثمن، أو يكونا سمياً (¬16) لكل واحدة (¬17) منهما ثمناً كما لو سمياً للسلعتين ¬
في البيع لكل واحدة ثمناً، ثم جمعاهما (¬1) في عقدة جاز، وقد أجازوه (¬2) وأجاز مثله في كتاب النكاح. وقوله "في النصرانية تحت المسلم لها رقيق أسلموا ولها أولاد صغار فتصدقت برقيقها على ولدها هؤلاء، أو باعتهم من زوجها، أراه جائزاً" (¬3) اختصره أبو محمد: فوهبتهم، وحمل المسألة أن الهبة والصدقة سواء، لأنه نقل ملك (¬4). [وكذلك] (¬5) قال غيره. [27] وذهب آخرون إلى أن الهبة لا تخرجهم عن حكم ملكها، إذ لها الاعتصار، واحتج؛ بمسألة مالك (¬6) الأختين، وأنه لم يجعل هبته إحداهما (¬7) (لبنته) (¬8) تحريماً لها، وتحليلاً للأخرى، لأجل الاعتصار. واحتج، وقال: إن هكذا يجب على مذهبه في الكتاب في مسألة النصرانية، وإنما أجاز ذلك في الكتاب، لأنه قال: "تصدقت" (¬9) والصدقة بخلاف الهبة، إذ ليس فيها اعتصار (¬10)، وعلى لفظ الصدقة اختصرها ابن أبي زمنين. وقوله "في الذي يشتري من ذمي درهما بدرهمين إلى أجل ثم أسلما قبل القبض" (¬11) أو بعد القبض كذا عندي. وفي نسخ قبل القبض لرأس المال، أو بعد القبض [لرأس المال] (¬12)، وفي بعضها قبل القبض) (¬13)، ولم ¬
يزد (¬1). والمسألة صحيحة. "والمصراة" (¬2): هي المحفلة، وهي التي تركت مدة لم تحلب في وقت حلبها، حتى اجتمع اللبن في ضرعها، ليغتر بذلك مشتريها (¬3)، ويحسب أنها كذلك في سائر الأوقات، وهو من الجمع (¬4)، ومنه الصري (¬5): الماء المجتمع، ومنه قيل في قوله تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} (¬6). قيل: في نساء مجتمعات. وقيل: في صيحة، (وضجة) (¬7)، وكأنه من اجتماع الأصوات أيضاً، كما يقال: صريت (¬8) الماء في الحوض، واللبن في الضرع، وصريته: يخفف ويشدد، إذا جمعته، وليس من الصر الذي هو الربط، وقد يأتي بمعنى الجمع أيضاً، كما زعم بعضهم، ولو كان منه لقيل لها: مصرورة، وكذا [روينا هذا الحرف بعد صدر من الباب في الكتاب قال: إذا اشتراها وهي مصرورة. وقد] (¬9) أصلحناه من كتاب ابن عتاب، وفي كتاب ابن المرابط: وهي مصراة (¬10). وقوله عليه السلام: "لا تصروا الإبل (¬11) " (¬12) ضبطه (¬13) بضم التاء، ¬
[وفتح الصاد] (¬1) وفتح اللام، من الإبل، (هذا هو الصواب) (¬2). وكذا ضبطناه عن الشيوخ، ولا يصح على ما تقدم غيره، وكان الشيخ أبو محمد بن عتاب حكى (¬3) لنا عن أبيه أنه كان يقول للطلبة: إذا أشكل عليكم ضبط هذا الحرف فأقرؤوا قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (¬4) ونعم ما قال رحمه الله، لمن يشكل عليه هذا الحرف من المبتدئين (¬5)، وكثير من الشارحين، ومن (¬6) لا يتقن الضبط من الفقهاء، والمحدثين، فإن صرى مثل زكى، ومفعوله بعده منصوب، فكثير (منهم) (¬7) من يقرؤه: لا تصروا الإبل، بفتح التاء وضم الصاد، وهذا لا يصح (¬8) من صرى، إنما هو من صر، ومنهم من يضبطه بضم اللام في الإبل، وظنه مفعولاً (¬9)، لم يسم فاعله. وبقوله (¬10) تصر بغير واو على فعل (ما) (¬11) لم يسم فاعله، وكله لا يصح إلا على من قاله بمعنى صر، أي ربط. وأما بالمعنى الأول الذي عليه سميت مصراة فلا يصح. وقد جاء في الكتاب "في حديث عقبة بن عامر (¬12)، أو يصر، ¬
منحة (¬1) " (¬2) كذا جاء بفتح الياء (¬3) وضم الصاد وفتح الراء، وهذا (¬4) من صر، لا من صرى. ومثله "في الحديث الآخر، النهي عن حل صرار الناقة (¬5) " (¬6) لكنهم لم يسموها إلا مصراة، من صرى، إلا بقول (¬7) مالك (¬8) بن نويرة (¬9) مصررة أخلافها (¬10). قال الخطابي (¬11): وقد يحتمل أن تكون المصراة بمعنى المصرورة، أبدل إحدى الراءين ياء، (كما قال) (¬12): تقضى البازي، وأصله تقضض (¬13). ¬
وقوله في هذه المسألة: "أو لأحد في هذا الحديث رأي" (¬1) هو على أكثر مذهبه، ومشهوره، من تقديم أخبار الآحاد، وإن خالفت الأصول الأقيسة على الأصول المخالفة لها، وهو (مذهب أكثر الفقهاء، خلافاً لما حكاه بعض البغداديين عنه. وذهبوا إليه من تقديم الأقيسة في مثل هذا عليها، وهو) (¬2) مذهب أبي حنيفة، وأصحابه، وإنما ابتدعوا هذا المذهب من اختلاف (¬3) قوله في هذه الأخبار. فقد قال في كتاب ابن عبد الحكم: يترك (¬4) القول بهذا الحديث، وأنه يرده الغلة بالضمان، وهو قول أشهب (¬5)، وكما روي له في تضعيف حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب (¬6)، وقد تقدم الكلام فيه، وفي تأويل قوله هناك، وكذلك في حديث المسح على الخفين (¬7). ولكن مشهور مذهبه ومعروفه ما ذكرناه من اتباع الأثر وتقديمه على القياس. وتسويته في الحديث بين الغنم والإبل، وتسوية مالك بين الشاة، والبقرة، والناقة، ورد صاع مع ردهما، مما استدل به أحمد بن خالد، وغيره، على أنها إذا كانت شياهاً كثيرة، أو نوقاً كثيرة، كلها مصراة، فإنما يرد معها كلها صاعاً واحداً، وهو قول عيسى بن دينار، وعامة أهل العلم، وذهب ابن الكاتب (¬8) إلى أنه يرد ¬
مع كل واحدة صاعاً (¬1)، وفي (حاشية) (¬2) كتاب ابن عتاب عن ابن وضاح: إنما يرد الصاع في القليل، فإذا كثرت لم يرد شيئاً. وقوله: "إذا قال البائع: أنا (¬3) أقبلها بهذا اللبن الذي جلبت (¬4) معها قال: لا يعجبني، وأخاف (¬5) أن يكون بيع الطعام قبل أن يستوفى" (¬6) فأوجب (¬7) للبائع صاعاً (¬8) من تمر بفسخه في صاع من لبن، وقد روي عن سحنون أنه جائز، وهي (¬9) إقالة. قال بعض المتأخرين: إنما تصح الإقالة إذا كان حلبها بحضرة الشراء، وحيث لا يتولد فيها لبن. قال القاضي: وإذا كان هذا فمن أين يعلم أنها مصراة إلا أن تقوم بينة على التصرية حينئذ، أو على عين اللبن إن بقي إلى حد اختبارها في الثانية، أو [في] (¬10) الثالثة، والله (تعالى) (¬11) أعلم. وقوله "في حديث ابن وهب: فهو بالخيار فيها ثلاثة أيام" (¬12) دليل على ظاهر المدونة، وما في رواية عيسى أن الحلبة الثانية (¬13) لا تقطع الرد ¬
وتمنعه، لكن رأوا (¬1) عليه اليمين أنه (¬2) ما رضيها بعد الحلبة الثانية التي ظهر له (فيها) (¬3) النقص، والدلسة، خلاف (¬4) ظاهر كتاب محمد، أن الحلبة الثالثة (¬5) رضى، وهو لمحمد (¬6). ولمالك، فيه ليس برضى، ولم يأخذ مالك في الحديث من ذكر ثلاثة أيام إذ لم تكن في روايته (¬7) هذه الزيادة. وجعلها المخالفون أصلاً في ضرب أجل الخيار، ومالك لا يرى لذلك أجلاً محدوداً، إلا بقدر ما تختبر فيه السلع، واختبارها يختلف باختلاف أجناسها (¬8)، وقد تكون الثلاثة أيام (¬9)، في (¬10) هذا الحديث المراد بها [28] ثلاث حلبات، وهو نهاية (¬11) ما تختبر فيه المصراة، لأن الأولى هي الدلسة، وفي الثانية تظهر، وفي الثالثة (يحققها) (¬12)، إذ قد يظن في الثانية أن اختلافها لاختلاف مرعاها، (أو مراحها) (¬13)، أو ما يعتريها (¬14) من إمساكها مدة التسويق، وبقاء اللبن الأول فيه فيعتل (¬15) الضرع في الحلبة ¬
الثانية (¬1). وقوله "إذا حلبها البائع وعرف حلابها ثم كتمه رأيت المشتري بالخيار. وكان بمنزلة من باع طعاماً جزافاً وعرف كيله فكتمه فلا يجوز بيعه إلا أن يرضى المشتري، [أن] (¬2) يحبس" (¬3). هذه المسألة دليل على الباب كله في إذا عرف أحد المتبايعين كيل الصبرة، أو وزن ما يوزن دون الآخر. وقوله: "ثلاث نجيات" (¬4). كذا [في] (¬5) أكثر الروايات (¬6). فيه، تقديم (¬7) النون على الجيم، وبعدها (¬8) ياء باثنتين تحتها، وكذا عند شيوخنا، وضبطوه نجيات بفتح النون والجيم، وبعضهم بكسر الجيم وشد (¬9) الياء بعدها، ورواه بعضهم جنيات بتقديم الجيم. قال ابن أبي زمنين: هما بمعنى نجا، وجنى، كأنه من المقلوب. قال القاضي: أهل اللغة يجعلون التجنية في الالتقاط. يقال: استجنيت النخلة، أي التقطتها فأنا أجنيها، (وأنجيها) (¬10)، [وأستنجيها] (¬11). ¬
"والمسك" (¬1) - بفتح الميم - الجلد. "وسلبها" (¬2) - بفتح اللام - أي جلدها (¬3)، لأنه يسلب عنها. "وشروى جلدها" (¬4) - بفتح الشين (المعجمة) (¬5) وسكون الراء - أي مثله. "والسواقط" (¬6): الأكارع. "وعبد الرحمن بن المجبر" (¬7) بالجيم مفتوحة وباء بواحدة مفتوحة مشددة" (¬8). "وعمارة بن غزية (¬9) " (¬10) بضم العين المهملة (أولاً) (¬11)، وتخفيف الميم، وفتح الغين المعجمة في الثاني وكسر الزاي. وقوله "إذا استثنى جلدها أو رأسها" (¬12) وتفريقه "بين المسافر ¬
والحاضر" (¬1) فيهما بين في تسوية حكم الجلد، وحكم الرأس، إذ لا قيمة لهما في السفر، وحمل المسافر لهما، أو عملهما مما يشق (¬2) عليه، واللحم يأكله لحينه، ويحمله (¬3) ويتزوده (¬4)، والجلود والرؤوس في الحضر لهما قيمة، وصناع وتجار وطالبون. وكذلك في القرى والبوادي، وإلى التسوية بينهما ذهب بعض المشايخ، وهو الظاهر الذي يبعد التأويل عليه (¬5) في الكتاب (¬6). وذهب بعضهم إلى التفرقة وأن (¬7) جوابه إنما هو في الجلد (¬8)، وأما الرأس والأكارع فحكم قليل اللحم المشترط، وهو بعيد من لفظ الكتاب، لا في السؤال، ولا في الجواب، ولا في التعليل (¬9)، وظاهر رواية ابن وهب في الكتاب جواز ذلك كله، في الجلد، والرأس، وغيره، في الحضر والسفر (¬10)، وكذا حكى فضل عنه وعن عيسى. وقوله "في استثناء الأرطال في رواية ابن وهب لرجوع مالك لا بأس به في الأرطال (¬11) اليسيرة ما يبلغ الثلث، أو دون ذلك" (¬12) كذا هي بضم ¬
التاء الأولى في روايتنا، وفي كثير من النسخ، وهو ظاهر مراده لقوله: "أو دون ذلك" (¬1)، وقاله أشهب، وعند ابن وضاح الثلاث مكان الثلث (¬2)، وأما في رواية ابن القاسم فلم يبلغ به الثلث. وقوله: "شروى جلده (¬3)، أو قيمته" (¬4) لا يختلف في أن المشتري أولاً مخير (¬5) في أن يذبح فيعطي الجلد، أو يمسك فيعطي شرواه، أو قيمته، وأنه لا خيار للبائع هنا، [ثم] (¬6) إذا أمسك المبتاع، فهل (¬7) الخيار باق للمبتاع بين المثل أو القيمة (¬8)، إذ هو الذي جعل له الخيار، أو الخيار هنا للبائع في أحدهما (¬9)، إذ (هو) (¬10) صاحب الحق فهو المقدم، اختلف في ذلك شيوخ القرويين، وقيل: بل النظر في ذلك للحاكم بما يراه، وهو أضعف الأقوال. ومسألة (¬11) "استثناء الفخذ (¬12)، والكبد، والبطون" (¬13) جعلها بعضهم مسألة مفردة بالمنع، لمجهلة الثمن (¬14). وقال بعضهم: بل هي على أحد قوليه في رواية ابن وهب ¬
بمنع (¬1) استثناء القليل من اللحم، أو الكثير (¬2). ومسألة "جواز كراء البقرة واشتراط حلابها" (¬3) اعترضها سحنون ومن بعده، وأنها مخالفة عندهم لمنعه اشتراء لبن الشاة جزافاً. وأشار فضل وابن أبي زمنين إلى أنه خلاف من قوله، وعليه حملها أبو بكر بن عبد الرحمن، وبعض شيوخ القرويين، ووفاق لرواية أشهب عنه. وفرق آخرون بين المسألتين (¬4)، وقالوا (¬5): هو في الشاة مقصود بالشراء، وهنا تبع للكراء، وإنما شرط هنا معرفة حلابها، والمعرفة لا تشترط (¬6) في الأتباع، ليتحقق (¬7) أهو تبع فيجوز (¬8) اشتراطه أم لا، فلا يجوز. وقيل: بل جاز للضرورة لكونها في يد المكتري، ويشق (¬9) على ربها الاختلاف لحلابها، فجاز ذلك فيها كما جاز (¬10) بيع العرية بخرصها للضرورة. ولو كانت عند ربها والمكتري هو الذي يحملها كل يوم لحرثه لم يجز على هذا، لأنها مقصودة بالشراء حينئذ. وقيل: بل الفرق بينهما أن لبن الشاة هو المشتري، لا غير، وفيه الغرر بنفسه، وهنا المقصود الكراء، وهو (¬11) مضاف إليه، فالغرر فيه ¬
وحده، فخف الغرر، والغرر الخفيف محتمل في البيوع، كما جاز شراء لبن الغنم الكثيرة، ولا تؤمن فيها جائحة الموت وغيره، لكن هي آمن [في] (¬1) القليلة، لأن (¬2) الكثيرة إن مات منها بعض أو جف (¬3) لبنه بقي بعض، وقد يقل لبن واحدة ويزيد لبن أخرى، والقلة المعتادة والزيادة المعتادة للمشتري ومنه، بخلاف (¬4) غير المعتادة (¬5)، له القيام بالنقص الكثير، وللبائع القيام في الزيادة الكثيرة. وقد اختلفوا في مسألة البقرة [المذكورة] (¬6) إذا انقطع (¬7) لبنها هل يرجع بحصته من الثمن أم لا؟ وكل هذا بناء (¬8) على الاختلاف (¬9) في الأتباع، هل هي مقصودة مراعاة أم لا؟ (¬10) ¬
كتاب الوكالات
كتاب الوكالات (¬1) الوكالة تكون بمعنى الحفظ، ومنه قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (¬2) (وبمعنى الكفاية والضمان، قال الله تعالى: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} (¬3)، قيل: حافظاً، وقيل كفيلاً) (¬4). واستعمل هذا اللفظ في عرف الفقه في النيابة، لأن المستناب ضامن أمر من قام عنه، وناب مكانه، وحافظ له، ومتكفل به، وكاف له إياه. [29] وأصل ذلك (¬5) فيمن ضعف عن ذلك، ولذلك قالوا: رجل (وَكَل) (¬6) للعي العاجز الذي يكل أموره لغيره، ويضعف عن القيام [بها] (¬7)، وقد يكون للثقة بالنائب، والاستنابة له. حمل (¬8) عامة شيوخنا (¬9) مذهبه في الكتاب "على إجازته (¬10) ........ ¬
فعل (¬1) المأمور [به] (¬2) إذا (¬3) لم يعلم بموت الآمر، بخلاف إذا علم" (¬4). وإنها قولة له معلومة (¬5)، مشهورة. وقال مطرف (¬6): تمضي أفعاله حتى يعزله الورثة (¬7)، وإن علم. وحكى القاضي أبو محمد: أن تصرف الوكيل بعد الموت مردود، وقال أصبغ تفسخ وكالته بموت موكله، وله في سماعه تفصيل (¬8) وحكى (¬9) ابن المنذر أنه إجماع من العلماء (¬10) يرده وإن لم يعلم. وحكى اللخمي أنه ظاهر المذهب، خلاف ظاهر الكتاب، وتأول قوله ¬
في الكتاب (¬1) على أن البائع أو المشتري من الوكيل غائباً ولو كانا حاضرين وبين لهما (¬2) الرجل أنه وكيل إذا ثبت (¬3) ذلك كان للورثة رد ذلك. قال: وعلى هذا يحمل قول مالك، وابن القاسم، في المدونة. وأشار أبو عمران إلى أن ما في كتاب الشركة (¬4) من أن اقتضاءه بعد العزل لا يبرئه وإن لم يعلم، خلاف لمذهبه هنا، وعلى أحد قوليه المتقدمين (¬5)، وأجرى مسألة العزل (والموت) (¬6) مجرى واحداً، وكذلك اعترضها سحنون، وروى ابن القاسم خلافه في البيع بعد العزل، وأنه إذا لم يعلم مضى، وقاله أشهب، وتأول بعضهم أنه (¬7) يفرق بين الموت والعزل (¬8)، وإلى التسوية (¬9) ذهب التونسي (¬10)، وابن محرز، وتأولوا مسألة الشركة أن العزل هناك مشهور، فلم يصدقه على أنه لم يعلم (به) (¬11). قال القاضي: والخلاف في هذا مبني على الخلاف في مسألة من أصول الفقه، وهي: الخطاب إذا ورد متى يستقر الحكم به، هل بنفس وروده، أو بالبلاغ (¬12) (¬13)، ومنه جواز صلاة أهل قباء، وتحويلهم وجوههم إلى القبلة لما بلغهم أنها حولت، وقد أوقعوا ما مضى من صلاتهم ¬
بعد نسخ القبلة، وتحويلها إلى أن بلغهم، وعلى هذا الأصل الخلاف بين العلماء، وفي المذهب مسائل لا تعد (¬1)، وعلى هذا الخلاف ينظر في ضمان الدافع له، والقابض منه (¬2)، وفي ضمانه هو، فإذا قلنا (¬3) بالعزل ترد أفعاله، كانوا كلهم ضماناً، وإذا قلنا يمضي كان قبضه إبراء، ولم يكن هو ضامناً، وهكذا مع (¬4) القول بعدم العلم (¬5). ومسألة المأمور ترد عليه دراهم الآمر، هي في الكتاب على ثلاثة وجوه (¬6): [الوجه الأول] (¬7): إذا عرفها المأمور لزمت الآمر، ولا يمين إلا أن يدعي الآمر أنه أبدلها فيتصور فيها ما يتصور في المودع، وحكي عن أشهب أنه (¬8) يبدلها بعد يمين البائع أنها هي، لأنها [قد] (¬9) خرجت من يده (¬10) ببينة (¬11)، وغابت عنه. واختلف هل هو سواء قبض المأمور المشتري أو لم يقبضه، وهو مصدق فيما قاله، أو إنما يكون مصدقاً ما لم يقبض، فإذا قبض فقد انقضت الوكالة، ولم يصدق إلا أن يكون [وكيلاً] (¬12) مفوضاً إليه. الوجه الثاني: لا يعرفها المأمور ولا يقبلها، فقال في الكتاب: "يحلف ¬
المأمور أنه ما أعطاه إلا جياداً في علمه، ولزمت البائع، وللبائع أن يستحلف الآمر" (¬1) كذا في المدونة، واختصرها أبو محمد وغيره، ثم للبائع أن يحلف الآمر، فعلى تأويل أبي محمد يكون المأمور متقدماً (¬2)، وهو الذي عند محمد لأنه الذي ولي المعاملة، والذي يحقق البائع عليه الدعوى، ولأنه الذي عليه عهدة المعاملة. وقيل: بل الآمر مقدم، والواو هنا لا تعطيه (¬3) رتبة، لأن الآمر هو المالك للسلعة، والمقدم في الطلب، ولأن (¬4) الوكيل بالدفع تمت وكالته، وانقضت، فإذا حلف الآمر برئ، ورجع إلى تحليف الوكيل، ومن نكل (¬5) منهما حلف البائع، وأخذ منه حقه، فإن كان الآمر الناكل وحلف البائع وغرم (له الآمر) (¬6) لم يحلف المأمور إلا أن يتهمه ببذلها، فيحلفه، وإن نكل البائع هنا لم يكن (¬7) له أيضاً على المأمور يمين، لأن نكوله عن يمين البائع (نكول) (¬8) عن يمين المأمور، إذ هما سواء، وإن ابتدأ بالمأمور فنكل حلف البائع، وأبدلها، لأن رجوع المأمور على الآمر هنا، فإن نكل لم يكن له أيضاً شيء (¬9) ولأنه بالحقيقة كالمضمون مع الكفيل. وقيل: [بل] (¬10) يبدأ البائع بتحليف من شاء منهما، إذ كل من نكل منهما كان له أن يحلف ويغرمه (¬11). ¬
الوجه الثالث: ألا يعرفها المأمور ويقبلها، فهذا [قد] (¬1) قطع طلبه عن البائع فيبدلها له، ولا يلزم الآمر قبولها [له] (¬2) ولا شيء (¬3) عليه (¬4). وقال في الكتاب: "ويحلف الآمر أنه ما يعلمها من دراهمه، وما أعطاه إلا جياداً في علمه، ولزمت المأمور لقبوله إياها" (¬5). واختلف في إيجاب اليمين على الآمر هنا، ولم يتحقق عليه الدعوى. فقيل: هو على أحد القولين في هذه المسألة، وأيمان التهم والاستظهارات. وقيل: بل وجد المأمور عديماً فلذلك حلف البائع هنا الطالب، لأنه لا منفعة له بقبوله، فيبقى على أصل طلبه. قال: هذا ولو كان المأمور موسراً، لم يكن للبائع على الآمر سبيل. وللمأمور إذا غرم أن يحلف الآمر، وإلى هذا نحا أبو عمران. وقوله "في الوكيل إذا لم يشهده على البيع فيجحده المشتري الثمن أنه ضامن لأنه أتلف الثمن" (¬6). قال بعضهم: فيه دليل على أنه إنما يضمن الثمن، وإليه نحا ابن شبلون (¬7)، وغيره، لأنه هو الذي فرط في تحصيله (¬8)، ونحا أبو محمد [وغيره] (¬9) إلى أنه إنما يضمن قيمة السلعة، لأنه هي التي أتلف عليه. قال: [30] ومعنى ذكره (¬10) الثمن هنا في الكتاب القيمة، لأنه قد يعبر ¬
عنها (بها) (¬1)، وهو قول سحنون. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما قاله لأن من استهلك سلعة (بعد قيامها) (¬2) على ثمن فإنه يضمن ذلك الثمن الذي أعطى (¬3) فيها (¬4)، وهو ثمنها. وكذلك اختلفوا إذا أسلم الوكيل دنانير الموكل فجحد المسلم إليه أي شيء يضمن؟ فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وغيره: يضمن الدنانير، وقال غيره: يضمن الطعام. قال (¬5) أبو محمد: وهذا كله فيما جرت العادة بالإشهاد فيه، وما لم تجر العادة بالإشهاد فيه ليسارته فلا ضمان عليه، لأنه إنما وكله على ما جرت به العادة، لا على تكليف غير هذا (¬6). و [قد] (¬7) قال الشيخ أبو محمد: الوكلاء إذا لم يشهدوا ضامنون، إلا السمسار الطواف في الأسواق، إذا قال: بعت الثوب من فلان، وأنكر (¬8) فلان الشراء ولم يقم (¬9) بينة (¬10) على البيع (¬11)، فالسمسار لا يضمن، وهو مصدق في قوله: قد بعت، لأن عرف الناس ألا يشهد (¬12) السمسار في ¬
حين البيع، وذكر لي عن الأبياني أنه قال: هو ضامن حين لم يشهد (¬1). وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: لا ضمان عليهم للعرف أنهم لا يشهدون، وأكثر ما عليهم اليمين، إن وقعت تهمة، وتفريقه في الوكيل إذا اشترى من يعتق على الآمر بين علمه أو غير علمه (¬2). وقوله: "إن علم فلا يجوز عليك، (وإن لم يعلم جاز عليك) (¬3) " (¬4) وفي رواية جاز وعتق عليك، فيه دليل أنه لا يجبر أحد على إخراج هؤلاء من قرابته من الرق وشرائهم للعتق، إذ لو كان ذلك (لاستوى) (¬5) علم وكيله وجهله. وفي المدونة عن مالك من رواية محمد بن يحيى وهو (¬6) عيب يردها منه، يعني المشتراة له، وإن شاء حبسها ولا تعتق عليه (¬7)، ولا حرية لها لأنه لم يتعمد شراءها، وأنكرها ابن القاسم، والخلاف من أصحاب مالك المصريين معلوم في الوكيل إذا علم بذلك فاشتراها، هل تعتق عليه؟ وهو قول ابن القاسم في المقارض، في كتاب القراض، وبعض روايات كتاب الرهون، و [هو] (¬8) قول البرقي في الوكيل: ويغرم ثمنها للآمر. ولا تعتق عليه، وتباع له في ثمنها، وهو قول مالك في رواية [ابن] (¬9) أبي أويس (¬10)، ¬
وهو قول يحيى بن عمر (¬1)، وعبيد (¬2) بن معاوية (¬3)، وعلى بعض روايات كتاب الرهون في المأذون أنها تعتق على العبد، وأنكرها سحنون وغيره، وقيل: إن كان فيها فضل إذا بيعت عتق مقداره على ما ينوبه في هذا [في] (¬4) المقارض يشتري من (¬5) يعتق على رب القراض (¬6)، فانظره (¬7) في أصولنا. [قالوا] (¬8) وهذا إذا لم يبين للبائع أنه يشتريها (¬9) لفلان، فإن بين فلم يجزه (¬10) الآمر نقض البيع. ويخرج فيها قول آخر أن البيع ينتقض إذا كان عالماً على ما في سماع ابن القاسم، ونحوه في (العتق الثاني) (¬11). [وأما] (¬12) إذا لم يعلم بما في الكتاب انهم يعتقون على رب المال. وفي سماع ابن القاسم لا يعتقون على واحد منهما، وعلى ما وقع في كتاب الرهون، ويعتقون (¬13) على العبد، يعتق هنا على الوكيل، وقد فرق بعض الشيوخ وجه العلم فقال: هذا إذا لم يعلم أنه أباه جملة، فأما لو علم (¬14) به وجهل وجه الحكم فيه، فكعلمه بهما سواء. ¬
"وشرواها" (¬1) - بفتح الشين وسكون الراء - مثلها. ويأتوه (¬2) بينهم أي يعطونها، ويوتيه (¬3) بعضهم بعضاً. وقوله "في الذي يبيع السلعة بما لا تباع به يضمن، وقال (¬4) غيره إنما يضمن إذا فاتت، وهو بالخيار في قيامها في الإجازة، أو الرد" (¬5) ليس بخلاف، وانظر لو (¬6) كان المأمور لم يعلم المشتري بأنها لغيره، واحتاج إلى إثبات (¬7) ذلك، والخصام فيه هل هو فوت؟ والأشبه أنه فوت، وكذلك لو أثبت ولزمه (¬8) اليمين، وإنما (¬9) الذي لا إشكال فيه إذا أعلم المأمور [المشتري] (¬10) بتعديه، وأجمل في جوابه بقوله: "بما لا تباع" (¬11)، وقد سأله عن بيعها بالعروض، والطعام، لكنه قد فصله في غير هذا الموضع، ففي السلم: [أنه] (¬12) إذا باع بغير العين (¬13) ضمن (¬14). وفي الرهون (¬15) إذا باع بعرض ضمن، وقول (¬16) غيره بعد هذا: "وإنما البيع بالأثمان، وهي الدنانير، والدراهم" (¬17). ¬
قال بعضهم: يدل منه أنه لو (¬1) باع بالدنانير ما يباع بالدراهم، أو بالدراهم ما يباع بالدنانير، أنه جائز، وأنه غير ضامن، وهو لأشهب، قال هو جائز، وقال (¬2) أصبغ: يعني لا ضمان عليه (¬3)، قال: وهذا إن كانت الدراهم مثل صرف الدنانير (¬4) التي تباع (¬5) بمثلها، وذلك استحسان، لأنها عين (¬6). وانظر مسألة السلم، ومنعه، وقول غيره في اختلاف الآمر والمأمور، "مثل (¬7) أن يدعي المأمور أنه أمره أن يبيعها بدنانير إلى أجل، أو بخمسة وهو ثمان مائة، أو بطعام وعرض، وليس مثلها يباع به" (¬8) فالمأمور في كل هذا مدع، والقول قول الآمر. كتب سحنون عليها ابن القاسم يقول: (القول) (¬9) قوله، وأنكر هذا أبو عمران، وقال: الذي لابن القاسم خلافه في العتبية، أن القول قول المأمور، ولا يعرف لابن القاسم غيره، وهو الصحيح (¬10). قال القاضي: وكذا في كتاب محمد لابن القاسم، القول قول المأمور بمنزلة اختلافهما في العدد، ولكن هذا يدل أن كلامه في المسألة في فوات السلعة، وعلى هذا حملها اللخمي، وفي (¬11) كتاب ابن حبيب، لمطرف، ¬
وابن الماجشون، وأصبغ، وابن القاسم (¬1)، أن القول قول الآمر، قائمة كانت، أو فائتة، ورأى (أن) (¬2) بيع الأجل مما يستنكر. قال اللخمي: وإنما يختلف في الفوات، وأما الاختلاف في عدد العين، وفي العين والعرض (¬3)، وفي [31] نوع العرض، فقد تقدم لمالك، وابن القاسم، أول؛ الباب ما يدل عليه، بقوله: "إذا باعها بما لا تباع به فهو ضامن" (¬4). وقوله في الباب قبل هذا في الاختلاف في العدد "إذا فاتت حلف المأمور إذا كان ما باع به غير مستنكر" (¬5) وما (¬6) لا يعرف من الثمن، فهذا كله أصل المسألة الذي (¬7) لا يختلفان فيه في الكتاب. وقد قال في ادعاء الآمر بيعها بالعرض (¬8)، والمأمور بالعين، أن القول قول المأمور إذا فاتت، وقال (¬9) مطرف مثله (¬10) إذا اختلفا فيما يشبه من العدد، قال: ولو ادعى المأمور أنه أمره ببيعها بالعرض، وقال الآمر بالعين، فهو مصدق إن (¬11) لم تفت، فإن فاتت فهو مخير في أخذ قيمة السلعة، أو أخذ (¬12) ما باعها [به (¬13)] (¬14) قال: وكذلك لو باعها (¬15) بالعين، وقال ¬
الآمر أمرتك بالعرض، أو باعها بعرض، وقال الآمر أمرتك بعرض يخالفه. في حضورها، وفوتها (¬1). فجعل في هذه الوجوه كلها المأمور ضامناً. والقول قول الآمر، كذا نص عليه في كتاب ابن حبيب (¬2)، ووصل بها اختلافهما (¬3) في النقد والدين، المسألة المتقدمة. وقال بإثر ذلك: وقاله ابن الماجشون، وأصبغ، وابن القاسم، وكذا نقلها أبو محمد في نوادره (¬4). ومن حقق من الشارحين، خلاف ما نقلها أبو بكر بن يونس (¬5) من تسويتهما في الاختلاف فيما يشبه من كثرة الثمن، وقلته، (وأن) (¬6) القول قول الآمر في فواتها، واعترض بعض الشيوخ من مسألة مطرف، إذا قال الآمر أمرتك بعرض، وقال المأمور بعين، أو بعرض غيره (¬7)، أنه يجب أن يكون في الوجهين (¬8) [القول] (¬9) قول المأمور في الفوات إذا لم يدع منهما ما يستنكر (من بيعه بالعين أو بعرض آخر، إذ قد اعترف الآمر أنه أمره ببيعها بعرض فلم يأت في بيعه بما يستنكر) (¬10) على أصله في الكتاب وغيره، وصار مدعياً ما يشبه، فلم يكن ضامناً. وذهب غيره من الشيوخ إلى أن مسألة العرض يدخل فيها القولان، في ¬
المأمور باشتراء قمح، فاشترى تمراً، فجعله مالك في الكتاب: القول (¬1) قول المأمور، واتفق في ذلك ابن القاسم وغيره، في الباب المتقدم وآخر الكتاب (¬2) في هذا الباب (¬3)، (وقاله ابن حبيب) (¬4)، وقال: إليه رجع مالك بعد أن كان يقول: (القول) قول الآمر، ولأن الثمن مستهلك، ولأنه أيضاً أمين، (إذا) (¬5) ادعى ما يشبه، إذ لا ينكر شراء ما اشترى بالعين، وروى ابن نافع عن مالك مثله، وقاله عبد الملك ومطرف وابن القاسم في كتاب محمد، ورواه أشهب عنه، في (¬6) كتاب أبي الفرج (¬7): أن القول هنا قول الآمر، والصواب في هذا أن المأمور هنا مدع ما يشبه، إذ ليس لما يؤخذ عوضاً عن العين عرف، ولما تباع به تلك السلعة من العروض عرف، ولأنه لا يتهم الإنسان أن يشتري غير ما أمر به بغير معنى إذا أشبه. قوله: إلا أن يكون العرض الذي اشترى بالعين أو بالعرض مما (¬8) لا يتعامل [به] (¬9) الناس بينهم في مثل تلك (¬10) السلعة، أو بما ليس (¬11) من تجارة الآمر، ولا من سلعته (¬12)، ولا يشبه أن يشترى لمثله، (إن لم ¬
[تكن] (¬1) للتجارة) (¬2) أو يكون باعها في دين عليه، من جنس العرض الذي قال إنه أمره ببيعها به (¬3)، فتقوى (¬4) هنا (¬5) جنبة الآمر، والله أعلم. وقوله في مسألة الرهن والحميل إذا أخذه الوكيل، "ذلك جائز لأنهما ثقة الآمر فلم يصنع إلا خيراً" (¬6). ثم ضمن بعد ذلك الرهن للمأمور إذا رده الآمر ولم (¬7) يعلم به (¬8) فمعنى جوازه أولاً جواز عقد البيع، وفعل المأمور، وأنه بيع ماض، لا خيار فيه للآمر، ولا ضمان عليه، وإنما له الرضا بالرهن [أورده] (¬9)، وبقي الكلام في الرهن بين المأمور والراهن. "ومسألة (¬10) اللؤلؤ" (¬11). قال بعضهم: تدل على أن الأمين يحلف وإن لم يكن متهماً. قال القاضي: وهذا (¬12) عندي ليس (¬13) بالبين، لأن هذا إنما حلف لتغريمه الآمر ثمن (اللؤلؤ) (¬14) الذي زعم أنه اشتراه، وإثبات ائتمانه شيئاً في ذمة الآمر، فهي أقوى من الائتمان (¬15) المجرد، فإنما يحلف (¬16) ليحق ¬
دعواه، ألا تراه كيف لم يجعله في الكتاب يحلف على أنها تلفت، كما جعله (¬1) يحلف لقد اشتراه ونقد، وأصله في الكتاب أنه لا يحلف في هذا إلا أن يكون متهماً، وقد نص عليه آخر المسألة (¬2)، لكنه أصل مختلف فيه، هل هو مصدق أم لا؟ وعليه يأتي الخلاف في مسألة المستأجر على تبليغ الكتاب، ومدعي البناء في الدار عن أمر الآمر، وقد جعلوا مسألة (قول) (¬3) المسلم: كله في غرائرك (¬4) من هذا. وأنه قول آخر خلاف ما هنا، وقد فرق بعضهم بين المسألتين بفروق معروفة، وجعلوها أصولاً مختلفة. وزيادته في اليمين في الكتاب "لقد نقد" (¬5) لفظة مستغنى عنها في هذا الموضع، لكنه لما حلف على ما يجب عليه وصل به تمام دعواه. قالوا: [لأنه] (¬6) لو أقر أنه لم ينقد، وقامت البينة على شرائه اللؤلؤ لغرم له الآمر الثمن، ودفعه إلى رب السلعة، فاليمين إنما هي على الشراء خاصة، ودفع الثمن (¬7) على كل حال على الآمر للبائع، إن كان (¬8) الوكيل: لم ينقد، أو كان نقد (¬9) فله بخلاف [مسألة] (¬10) القيام بالعيب على الغائب، هذا يحتاج إلى اليمين [على النقد] (¬11)، وهذه المسألة إنما أمره أن يبتاع (¬12) له من عنده. ¬
وقوله في هذه المسألة "له أن يرجع بثمنه حتى يقاصه بثمنه، إلا أن تكون (¬1) له بينة على هلاكه" (¬2) يدل على المقاصة فيما بين الرجلين، لكل واحد منهما دين على صاحبه، من جنس واحد، وقد مر من هذا في الصرف وفي المكاتب. وقوله في واجد العيب في نصف حمل الطعام. واختلف في مقداره مع البائع إن لم يشبه ما قال. [32] "فالقول قول البائع، ولا يرد من الثمن إلا نصفه (¬3)، ولا غرم على المشتري في نصف الحمل الباقي (¬4) إذا حلف" (¬5). اختلف الشيوخ في تأويل هذه الألفاظ بحسب اختلافهم في تغريم المشتري بقية الحمل، إذا لم يأت بما يشبه، وحلف البائع، وأنه لا يلزم المبتاع ما لم يقر به، وإليه (¬6) ذهب أكثرهم. وحمل الألفاظ المتقدمة على وجهها. وذهب آخرون إلى أنه في هذا الوجه يرد الحمل كاملاً، ويتأول قوله: "ولا غرم على المشتري في نصف الحمل الباقي (¬7) " (¬8) وإنما (يعود) (¬9) عنده قوله: إذا أتى بما يشبه على أول المسألة. ثم اختلفوا أيضاً على هذا في الثمن، هل القول فيه قول المشتري أيضاً، انتقد أم لا؟ أو (¬10) لا يكون [القول] (¬11) قوله إلا إذا لم ينقد، ¬
ويكون القول حينئذ قول البائع، كما قال في مسألة العبدين (¬1)، ومنهم من سوى بين انتقاده وغير انتقاده. واحتج بقوله: "ولا يرد (¬2) من الثمن إلا نصفه" (¬3). وتأوله الأولون أن الحاكم يحكم عليه بذلك، وفرقوا بين هذه المسألة بفروق معلومة في كتاب البيوع، وغرضنا هنا التنبيه على ما يستفاد من ذلك، من ألفاظ الكتاب (¬4). قال أبو عمران: وظاهر الكتاب أنه لا فرق بين المكيل والجزاف، هنا (¬5) خلاف ما قال محمد، أنه لو كان مكيلاً لرد المبتاع كيله، إن نكل (أو جاء بما لا يشبه (¬6)) (¬7)، وإنما هذا في الجزاف. وقال ابن الماجشون: يلزمه تمام الحمل في المكيل والموزون. وقوله في اختلاف المتبايعين في الأجل "إلا أن يكون لأهل تلك السلعة أمر [معروف] (¬8) يتبايعونه عليها قد عرفوه فالقول (قول) (¬9) مدعيه" (¬10) ظاهره الالتفات إلى ما يشبه قبل فوات السلعة، ولكنهم قالوا: إنما معنى المسألة (أن السلعة) (¬11) قائمة (¬12) (¬13). ¬
وقوله (¬1) "في القائل لمن له عليه (مال) (¬2) اشتر (لي) (¬3) به سلعة إن كان الآمر حاضراً حيث يشتري له جاز" (¬4). ظاهره حضور موضع الشراء، وهو قول سحنون. وقال غيره: حاضر البلد، وعليه يدل قوله بعد: "أني مشغول فاشتروا (لي) (¬5) " (¬6). ¬
كتاب العيوب
كتاب العيوب (¬1) قوله في العبد (¬2) "لك رده إلا أن يكون العيب الذي أصابه عندك (عيباً) (¬3) مفسداً مثل القطع، والشلل، والعور، والعمى، وشبهه" (¬4)، ثم قال: "فإن كان العيب (¬5) الذي أصابه عندك عيباً، مثل هذه العيوب كنت مخيراً في أن ترد وتغرم بقدر ما أصاب العبد عندك من العيب (¬6)، وإن شئت حبست (¬7) وأخذت من البائع ما بين الصحة والداء" (¬8). حمله جميعهم على أن تخييره في تلك العيوب المتقدمة، وعليها بسطوا كلامهم، ولم يختلف تأويلهم عليها إلا ما فسره (¬9) بعض متأخري ¬
شيوخنا، (واختاره) (¬1) مما لا يقتضي النظر سواه، من أنه يجب إذا بطل بالعيب الغرض من المبيع، والمنفعة المطلوبة منه، أنه كالفوات لجميعه، ليس فيه إلا قيمته (¬2)، كالعمى، والشلل في اليدين، أو قطعهما، حتى قال بعضهم: ذلك في قطع اليد الواحدة، أو شللها، واستدل أبو عمران بقوله هنا (¬3) "عيب مفسد" (¬4). قال: وذكر العمى، والعور (¬5). قال: فالعمى (¬6) لا شك أنه يذهب أكثر منافعه، وينقص أكثر قيمته، وقد يعتضد هذا بقوله بعد هذا في الكبير يهرم (¬7): أنه فوت (¬8)، لا خيار (¬9) فيه إلا الرجوع بالعيب، خلاف ما له في كتاب محمد (¬10)، وإن كان بعض شيوخنا (¬11) فرق به بينهما بأن هذا صار بهرمه (جنساً آخر (¬12)، كما قال في الصغير يكبر فصار بكبره) (¬13) جنساً آخر غير جنسه الأول، حتى يجوز سلم أحدهما في الآخر لو كانا اثنين، وهذا يلزم فيما انبطلت منفعته أيضاً، من الدواب، والرقيق، والحيوان، وزوال المراد منه، وصار من حواشي جنسه، ¬
فانظره (¬1) وما (¬2) تأوله من تقدم مثل قول محمد بن مسلمة (¬3) (¬4)، إذا عمي، أو أقعد، أو هرم، أو كانت الدابة سمينة فعجفت، أو انقطع ذنبها حتى تصير في غير حدها الذي تراد (¬5) له، لم يكن له الرد، وأخذ قيمة العيب (¬6). قال القاضي: فأما ذكره (¬7) العمى في الكتاب مع ما ذكر فلا شك أنه لم يقصده، إذ هو فوت محض، وقطع لمنفعة العبد، إلا ما لا بال له في بعضهم، وإنما ذكره (في) (¬8) أول الباب، في تسمية (¬9) العيوب المفسدة، ثم لم يذكره في سائر ما ذكره من العيوب الحادثة التي يخير فيها، فتأمله (¬10) تجده [صحيحاً] (¬11) كما ذكرت لك، وكثير من الإبانة (¬12) لهذا (¬13)، فإنما تكلم أولاً فيما يعيبه (¬14) مما يجب فيه التخيير، ومما لا يجب، (ثم) (¬15) ¬
فصل (¬1) الكلام فيما يجب فيه التخيير، فلم يعد ذكره، وكذا لم يقع ذكره في كتاب ابن حبيب فيها (¬2). وأما القاضي أبو الفرج ففرق (¬3) في هذا بين ما كان من سبب المشتري، فهذا (¬4) الذي يرد عنده (معه) (¬5) ما نقص، وبين ما كان من الله (تعالى) (¬6) فهذا لا يرد معه شيئاً (¬7)، وهذا (¬8) خلاف أصل المذهب. قال القاضي أبو الحسن بن القصار: ذلك سواء، لا يرده (إلا وما نقص) (¬9)، وهذا هو المعروف، والذي عليه بناء المذهب. وقوله في المسألة "إلا أن يقول البائع أنا أقبله بالعيب وأرد الثمن كله فله ذلك" (¬10). كذا روى عيسى عن ابن القاسم (¬11) [وهو قول أشهب، وروى يحيى في العشرة عن ابن القاسم] (¬12) أنه لا خيار للبائع، والخيار للمبتاع (¬13)، وقاله ابن نافع، وقال: هو قول مالك. و (الذي) (¬14) قاله عيسى بن دينار (¬15) من رأيه. ¬
قال القاضي الباجي: وهو الأظهر من قول المدنيين (¬1)، ورجح شيوخنا هذا القول إذا كانت فيه زيادة مع العيب في قيمة، أو فراهة لحجة المبتاع، وأما إن لم يكن فيه عندهم (¬2). غير النقص فرجحوا القول الأول. إذ لا حجة للمبتاع، وإلى هذا نحا اللخمي، وذهب ابن لبابة إلى أن تخيير البائع (¬3) إنما يصح على قول من رآه في غير المدلس، (لا في المدلس) (¬4)، وهو حسن جيد في الفقه. [33] وقد نص؛ ابن حبيب في المسألة كلها في تخيير البائع والمبتاع، سواء كان مدلساً، أو غير مدلس (¬5)، وتخييره في الكتاب في المسألة بين التماسك [في العيب والرجوع بقيمة العيب هي مخالفة للسلع المستحق جلها من يد المشتري. قال: ليس له التماسك] (¬6) بما بقي لمجهلة الثمن على مذهبه هنا، وغيره يخالفه، لأن هذا المستحق [عليه] (¬7) عنده وجب له الرد، وفض الثمن على السلع الفائتة، والباقية مما يجهل، ويقع فيه الغرر كثيراً، وإنما هذا في مسألة العيب (¬8)، مثل مكتري الدار ينهدم منها شيء (¬9)، فقد قال (مالك) (¬10) له التمسك (¬11) بعقده (¬12) مما (¬13) يصيبه من الكراء، وغيره يخالفه. ¬
ومثل "مسألة الشاتين توجد إحداهما غير ذكية" (¬1) فله التمسك بالذكية، لأن هذه (¬2) عقود صحيحة، والتقدير في الباقي منها غير متعذر، ولا بعيد، لأن بعض المبيع فات عنده، بخلاف الأولى المستحق بعضها، وقد قال بعضهم: إنما يصح تخييره بعد معرفته بقيمة العيب من الثمن، وترتفع (¬3) على هذا المعارضة في المسألة. وقد قيل: بل هو على أحد قوليه في جمع السلعتين. وقيل: بل هو على القول الآخر، وذكر ابن لبابة أنه على الاختلاف من رواية ابن القاسم عن مالك. وقد اختلف قول مالك في هذا في كتاب الاستحقاق، وأجازه في كتاب النكاح الثاني، و [في] (¬4) كتاب القسمة، وكتاب الشفعة. ومسألة (¬5) "من اشترى عبدين في صفقة واحدة، فهلك أحدهما، وأصاب بالآخر عيباً (¬6)، قال: له رده، ويأخذ من الثمن بحساب ما كان يصير لهذا العبد" (¬7). قالوا: مذهبه فيها سواء، كان الحاضر المعيب أعلى العبدين (¬8) أو أدونهما، ولذلك لم يفصل الجواب، لأن الثمن هنا عين، وكذلك اختصرها أكثر المختصرين، وقال: بمائة دينار، وكذلك نص عليها في كتاب محمد مبينة (¬9). وإنما يراعي ذلك مع قيامها، أو مع فوات الأدنى إذا كان الثمن ¬
عرضاً، كما قال في مسألة "العبد بالثوبين" (¬1) بعد هذا، قالوا: وكذلك إذا كان الثمن عرضاً وقد فات، لأنه يرجع كالعين. قال ابن لبابة: وكذلك إذا كان الثمن مكيلاً، أو موزوناً، أو معدوداً، تخرجه القسمة، لأن ما يوافق العيب منه معلوم الجزء. وما قاله ابن لبابة مما يخرجه الجزء كذا هو منصوص في كتاب محمد، وقال: يحبس مبتاعها قدر حصته الفائتة، ويرد ما بقي (¬2)، وذلك أنه متى كان الثمن عينا فلا فائدة في اعتبار الفائت (¬3) هنا، لأنه لو رد عنه إذا كان أدنى ما يقع له من الثمن مع رده الحاضر المعيب، ورد البائع عليه الثمن، لم يكن معنى في إخراج ذهب، ورد ذهب، ثم المقاصة أيضاً لا فائدة فيها، وإنما يرد هذا المعيب (¬4)، ويرد عليه البائع حصته من الثمن، كان أعلى أو أدنى. وقد قيل: بل إذا رد هذا المعيب وهو الأعلى، رد قيمة الهالك الأدنى ما (¬5) بلغت، ورجع المبتاع بجميع الثمن، لأن صفقتهما برد (¬6) العيب في الأكثر قد انحلت، وفات عند المشتري، فلزمه قيمته. وقد استبعد هذا بعضهم، ولا وجه لاستبعاد (¬7) (من استبعده) (¬8)، ومثله في كتاب محمد، قال: ما بلغ (¬9). قال اللخمي: ما لم تكن القيمة أكثر فيمضي بالثمن، وإنما قيد الأقل منهما. قال القاضي: وفي قوله نظر، وظاهر كتاب محمد في قوله: ما ¬
بلغ (¬1)، بخلافه (¬2)، وكما راعوا حجة المشتري أنه لا تلزمه المغابنة إذا كان الثمن أكثر، كذلك يجب أن تراعى حجة البائع إذا كان الثمن أقل، ويقول: قد انحل عقدي، وأنت ضامن لعبدي، فلي عليك قيمته. وكذلك يأتي الكلام في مسألة الثوبين بالعبد، أو الثوب، إذا هلك الأعلى، ووجد العيب بالأدنى، فقال (¬3) في كتاب محمد: قيمته بما يقع له من قيمة التالف، ولو هلك الأدنى ووجد العيب بالأعلى رده (¬4) وقيمة الهالك الأدنى، ما بلغت، وكذلك لو هلك الثوب المنفرد، أو العبد، وأصاب بأحد الثوبين عيباً، رد العبد (¬5) [فقط ورجع بقيمته حتى قيمة المنفرد. وقد قيل: بل يرد الأعلى القائم وقيمة الأدنى الفائت ويأخذ قيمة عبده أو ثوبه وهذا رأي الأندلسيين. وقوله في مسألة "مشتري العبد] (¬6) بثوبين فهلك أحدهما، وأصاب بالثاني (¬7) عيباً، وإن كان العبد فات بنماء، أو نقصان، أو اختلاف أسواق، رد قيمته يوم قبضه، وإن كان الثوب الذي وجد به العيب ليس بوجه ما اشترى، وهو أدنى الثوبين، نظر (¬8) إلى الثوب الباقي، كم هو من التالف، أثلث، أم ربع، فيغرمه (¬9) قابض العبد لصاحب الثوب بما (¬10) يصيبه من قيمة العبد" (¬11)، كذا ثبتت المسألة بهذا النص في كتاب القاضي ¬
التميمي (¬1). وسقط من كتاب ابن عتاب، ومن كتاب ابن المرابط، وكثير من النسخ، منها من قوله: ورد قيمته يوم قبضه (إلى قوله:) (¬2) نظر إلى الثوب (¬3)، والصواب إثباتها عندهم، وقد نبه ابن أبي زمنين على ذلك، واختصرها على الصواب، والكلام محتمل (¬4) بإسقاطها. وقال (¬5) ابن لبابة: وقعت المسألة في المدونة خطأ، وقد أصلحت، وأرى كأن سقط منها شيء، وقد رأيتها مصلحة في بعض الكتب من غير رواية ابن وضاح على ما تقدم، وبذلك (¬6) تصح المسألة. قال القاضي: وانظر قوله في الثوبين إذا كان العبد هو المعيب واشتراطه في الباقي منهما إن لم يفت بنماء ولا نقصان، ولا اختلاف أسواق (¬7) (¬8). وكذلك قال في العبد إذا كان العيب في الثوبين، فجعل اختلاف الأسواق في عوض المعيب مفيتاً له، بخلاف (¬9) المعيب لأن هذا العوض إذا كان قائماً (¬10) إنما يرده الحكم، فأشبه البيع الفاسد، فيفيته ما يفيته (¬11). وهو قوله في كتاب محمد، ووقع في الواضحة في كتاب القسمة خلاف هذا، فانظره. ¬
وظاهر قوله في الكتاب في فوات (أحد) (¬1) الثوبين إذا كان بالآخر عيب، أنه لا تفسده حوالة سوق، ولأنه مع المعيب كالشيء الواحد، وكبعضه، ويدل عليه تفريقه في الجواب، بينه وبين إذا كان عوضاً [34] للمعيب، وتخصيصه حوالة السوق في العروض (¬2) دون المعيب (¬3)، وهو؛ المنصوص لابن القاسم في العتبية، وكذلك في كتاب محمد (¬4). قال في كتاب محمد: وكأنه وجب العيب بهما. وقال أيضاً: وكأنه وجد العيب فيهما، ولا يفيته تغير البدن، ولا العيب المفسد على الأصل فيما يفيت الرد بالعيب. وظاهر ما له في كتاب ابن حبيب، أنه يفيته (¬5) حوالة السوق، ولا خلاف أن حوالة السوق (¬6) لا يفيت (¬7) الرد بالعيب، لكن وقع في المبسوطة (¬8) لابن كنانة، في مشتري الشاة الحامل فتضع (¬9) عنده فأكل ولدها ولبنها، ثم ظهر (¬10) على عيب ردها، وما نقص من ثمنها يوم ابتاعها، وإن أحب أمسكها (¬11)، وأخذ قيمة العيب، فانظر هذا، فكأنه جعل الولد غلة، وراعى نقص الثمن لأجل الولد، وانظر قوله في الثوبين إذا كانا عوض العبد (¬12) المعيب، أن حوالة الأسواق فيهما، أو في (¬13) أحدهما فوت له. ¬
قال بعض مشائخ الأندلسيين: [قوله] (¬1) في أدناهما إذا تلف يرد الأعلى، بخلاف (¬2) هذا ولا شك أن ذهاب أقلهما فيهما أشد، وأكثر من اختلاف أسواقهما. وقوله (¬3) في التقويم للمعيبة يوم وقعت الصفقة بخلاف البيع الفاسد الذي راعى فيه يوم القبض. قال: "لأن في الفساد (¬4) لا يضمن إلا بعد القبض، لأن له ألا يقبض، وفي الصحيح القبض له لازم فمصيبتها منه" (¬5). فظاهره أنه إنما يعتبر الضمان فحيث يضمن ويلزمه ذلك فحينئذ يتجه تقويمها، فعلى هذا إن سلعة الخيار والمواضعة إنما تقوم يوم تصير في ضمان المشتري بخروجها من أمد الخيار، وبقبول من له الخيار، أو خروج الأخرى من المواضعة. وقد نبه في الكتاب في آخر المسألة على هذا بقوله: "إذا كانت الجارية مما لا يتواضع مثلها، وبيعت على القبض" (¬6) وهذا متصل بكلام ابن القاسم في كتاب ابن عتاب [وغيره] (¬7)، وهو لسحنون في كتاب ابن عيسى (¬8)، وضرب على اسم سحنون في كتاب ابن المرابط، وقد نبهنا على شيء من هذا الأصل في كتاب الخيار. والخلاف في المحبوسة في الثمن (¬9) [وغيرها] (¬10) على هذين ¬
الأصلين (¬1)، وكذلك الخلاف في ابتداء العهدة في الغائب الذي فيه عهدة، هل [هو] (¬2) من يوم البيع، وهو قول أشهب، أو من يوم القبض وهو قول [محمد] (¬3) بن عبد الحكم. قال محمد: وإنما يختلف في السلعة المحبوسة (بالثمن) (¬4) من ضمانها إذا كان البائع لم ينقد، فأما إذا نقد فهي من المشتري، وكذلك إذا لم تحبس بالثمن، ودعاه البائع إلى قبضها فهي من المشتري. وقوله (¬5) بعد ذكره هذه المسألة، وذكر قبلها مسألة البيع الفاسد، ثم قال: وقال غيره: (لا أرى عتق المشتري فيها جائزاً، لأنه لم يقبضها، والبيع لم يتم) (¬6)، كذا في بعض النسخ، ولم يكن هذا في كتاب ابن عتاب، وهو صحيح في كتاب ابن عيسى بعد (¬7) الكلام في عتق البائع المعيب، أنه لا يجوز، أعتق المشتري أو لم يعتق. وكتب عليها صحت لأحمد، وليست عند يحيى، وإبراهيم، وهي عائدة على مسألة البيع الفاسد، وهو قول سحنون، وتعليله بما علل، وأنه لا تعلق للمشتري بالعتق إذا كان العبد بيد البائع، والبيع فاسد لأنه على ملك البائع بعد، ولم يقبضه المشتري، فيحوزه، ويضمنه. وقال (¬8) أشهب: لا يجوز عتق البائع إذا كان (العبد) (¬9) في يد (¬10) ¬
المشتري (¬1)، ولا يعتق عليه، وإن رجعت إليه، لأنه أعتق ما في ضمان غيره. قال: فإن كانت في يد غيرهما فمن سبق مضى عتقه، فرأى أن الإفاتة بالعتق لمن هو في يده، وحوزه لأنه أملك به، لا لمن خرج من حوزه، وابن القاسم رأى أن عتق البائع فيها حيث كانت صحيح، لأنها على ملكه بعد، ولم تفت بيد غيره، فيضمنها فتخرج من ملكه (¬2)، وإن عتق (¬3) المشتري [أيضاً لها] (¬4)، حيث كانت كالقبض لها لشبهة عقده (¬5) وحرمة الحرية. وقوله بعد هذا في مشتري السلعة الغائبة بجارية بشرط النقد "لو باعها نفذ البيع وكان عليه قيمتها يوم قبضها، وجاز البيع لمن باعها إذا كان الأول قبضها" (¬6). ظاهر (¬7) هذا أنه إنما يجوز [البيع] (¬8) إذا كان قبضها، ولو كان بيعه لها قبل (¬9) القبض لم يجز بيعها، وإلى هذا ذهب فضل، وابن الكاتب وغيرهما من المشايخ، وأنه تأويل ما في الكتاب. قال فضل: وأما لو كانت موقوفة لم تقبض حتى ينظر أمر الغائب (¬10) لم يتم للمشتري فيها بيع. واحتج ابن الكاتب بأنه باع ما ضمانه من غيره. وذهب ابن محرز في ¬
آخرين إلى جواز (¬1) البيع، (وإفاتة البيع) (¬2) الفاسد بالبيع (¬3) الصحيح، وتأولوا أن قوله في الكتاب: "إذا قبضها" (¬4) عائد إلى التقويم، أي إنما تقوم يوم قبضها، إذا كان قبضها، وإن لم يقبضها فيوم عقد البيع. واحتج هؤلاء بقوله في الكتاب: "أن الصدقة تفيتها، كالعتق، والتدبير" (¬5) و (قد) (¬6) قال فضل: إن الصدقة كالبيع، على مذهبه، وتأويله (أولاً) (¬7)، وقد احتجت (¬8) كل فرقة منهما باختلاف قوله في كتاب محمد، فيمن باع ثمرة قبل بدو صلاحها، ثم باعها بعد بدو صلاحها، فقال مرة: عليه مكيلتها، وهذا على القول أنه غير مفيت، وقال مرة: عليه قيمتها. وهذا على القول أنه مفيت. وقد يقال: إن (اختلاف قوله هنا) (¬9) لاختلاف (¬10) الحال، فإذا عرف الكيل لزمه مثله، وإذا جهل فالقيمة على أصله المعلوم، ولا يكون البيع على الوجهين فوتا. [35] قال ابن محرز (وغيره) (¬11): ولم يختلفوا إذا لم يقبض المبيع، ولا أمكنه (¬12) منه البائع، أنه في ضمان؛ بائعه. ¬
واختلفوا إذا أمكنه منه ولم يقبضه، وانتقد ثمنه، فعند ابن القاسم لا يضمنه أبداً، إلا بالقبض. وقال أشهب: ضمانه من مشتريه، وإن لم يقبضه، إذا أمكنه من قبضه، أو كان قد نقد ثمنه. قالوا (¬1): وكذلك (¬2) اختلفوا إذا كانت في يد أمين البائع، فأقرها المشتري، وكذلك (¬3) لو كانت بيد المشتري قبل البيع، ثم اشتراها فتلفت. قالوا: إلا لو أحدث فيها المشتري حدثاً، فيضمن قيمتها يوم أحدث ذلك (¬4)، بخلاف ما يحدث فيها من غير سببه. وقد حكي عن أبي محمد في المسألة لو وهب البائع تلك السلعة لرجل بعد قبض المشتري لها فلم يقبضها الموهوب حتى حالت في يد المبتاع، أنه ليس للموهوب فيها ولا في قيمتها شيء، ثم رجع عنه، وقال بعض فقهاء صقلية: هي للموهوب له، لأنها (¬5) خرجت بالهبة من ملك المشتري، فلا ترجع إليه بالفوات. وقد اختلف في كتاب ابن حبيب، في بيع الموهوب (له) (¬6) لما يقبضه، هل هو حوز، وإن كان بيد واهبه، أم لا؟ وقد قال في الباب الثالث بعد هذا: إذا باع (نصف) (¬7) السلعة المشتراة بيعاً فاسداً إنه فوت، ووقع في بعض نسخ المدونة آخر هذا الباب، بعد ذكر هذه المسألة، والآثار بعدها، "علي ابن زياد عن مالك فيمن ابتاع جارية على ألا يبيع ولا يهب، فباعها المشتري، أنه ينقض البيع وترد إلى صاحبها، إلا أن يرضى أن ¬
يسلمها إليه، ولا شرط فيها، فإن كانت فاتت ولم توجد أعطى البائع فضل ما وضع له من الشرط. وقد قيل: إن فاتت ببيع أو تدبير أو كتابة أو اتخاذ أم ولد أن عليه قيمتها، ويترادَّان الثمن" (¬1). وهو ثابت في الأصول القديمة الصحيحة، وثابت في كتاب أبي عبد الله بن الشيخ وجماعة من الرواة، ولم يكن في كتاب ابن عيسى، وأثبتها في كتاب ابن المرابط الدباغ. قال: وكانا موقوفين في كتاب يحيى، وكانت مخرجة في كتاب ابن عياش (¬2). قال فضل: ولم يقرأها لنا يحيى، وقرأها لنا عبد الجبار (¬3). ورواية علي ثابتة في كتابه، وفي موطأ ابن وهب، والقول الآخر لأشهب في كتابه. وقوله "في السلعة المعيبة هي من المشتري حتى يردها بقضاء من سلطان أو يبرئه منها البائع" (¬4). ظاهره: أن قضاء السلطان بردها يخرجها من ضمان المبتاع، ويصيرها في ضمان البائع، وكذلك لمالك في كتاب محمد (¬5)، وله فيه أيضاً: لا يخرجها من ضمانه [وإن قضى به السلطان حتى يقبضها البائع. وقيل: إذا شهد المبتاع أنه غير راض بالعيب فقد برئ من ضمانها إلا أن يطول الأمر ¬
حتى يرى له راض وهو قول أصبغ (¬1). وقيل: يخرجها من ضمانه] (¬2) إثباته العيب عند السلطان. وقوله "فيما إذا ولدت عند المشتري (إن كانت الولادة [قد] (¬3) نقصتها، وقد مات الولد [له] (¬4). أن يردها وما نقصتها (¬5) الولادة" (¬6). قال فضل: أراه جعل الجواري مثل عجف الدواب، وانظر (المسألة في) (¬7) المبسوط، وبيان هذا النقص (¬8) ما هو. فإنه قال: وقوله "إذا ماتت أو قتلت وبقي الولد ثم علم بالعيب تقوم هي نفسها" (¬9). يريد بغير ولد، وهكذا اختصرها الجميع. قال فضل: وهو قول أشهب أيضاً، وحكى محمد بن عبد الحكم عن ابن القاسم، أنها تقوم بولدها. قال: ورواه عنه أصحابنا، وقول غيره وهو أشهب (¬10)، "إلا أن يكون ما وصل إليه من قيمة الأم إذا قتلت مثل الثمن الذي يرجع به على) (¬11) البائع، فلا حجة له" (¬12). إلى آخر الكلام. قيل هو وفاق [لابن القاسم] (¬13)، ولا يخالفه في الفصلين. وقيل: بل يخالفه (¬14) في الفصلين، وليس للبائع هنا كلام، ولا خيار. ¬
وقتلها، وموتها، يوجب له قيمة العيب، ويقطع الخيار. وقد وقع هذا في الباب الآخر، "يرد قيمة العيب، ولا يكون للمشتري أن يرد الولد (¬1) وقيمة الأم إلا أن يقول البائع أنا آخذ الأولاد (¬2) وأرد الثمن" (¬3)، كذا عند ابن عتاب، وظاهره أنه من قول ابن القاسم (¬4). (و) (¬5) عند يحيى في كتاب ابن المرابط: قال أشهب: إلا أن للبائع، وفي أصل ابن عيسى، قال سحنون: إلا أن للبائع، وقد تكرر اسم سحنون بعد أثناء المسألة. قال فضل: على المسألة هذا قول أشهب. وأما ابن القاسم فلا يرى للبائع أخذ الولد (¬6)، [ورد الثمن] (¬7) وهذا يبطل، وفي بعض حواشي النسخ، قال سحنون، هذا قول أشهب [، وقال غيره: قوله هنا مثل قول ابن القاسم في الباب الأول. ومسألة " (إذا) (¬8) اشترى جارية على أنها بربرية، فأصابها خراسانية، له الرد" (¬9)، وكذلك (¬10) في غير الكتاب، في اشتراطها خراسانية، فأصابها بربرية (¬11)، بخلاف إذا اشترط "غير" (¬12) هذين الصنفين، فوجدها من أحد ¬
هذين الصنفين، [فلا رد له لأن هذين الصنفين] (¬1) أفضل الأصناف، فقد وجد أفضل مما اشترط، وإذا اشترط) (¬2) أحد هذين الصنفين فخرج غيره كان له (¬3) شرطه، وإن كان الشرط والخلاف فيهما معا، كان له شرطه أيضاً، لإشكال ما بينهما، واختلاف الأغراض فيهما، وتقاربهما في الجودة. وقوله "في الذي اشترى جارية وأراد أن يتخذها أم ولد" (¬4) ليس المراد أنه شرط هذا الشرط، ولو شرطه فسد العقد، لكن معناه (نواه) (¬5)، "فوجدها من العرب، فأراد ردها، وقال إن ولدت مني وعتقت يوماً [ما] (¬6) جر العرب ولاءها، (ولا يكون ولاؤها) (¬7) لولدي، قال: لا أرى هذا عيباً، ولا أرى [له] (¬8) ردها" (¬9). اختلف في تأويل قوله هذا، هل هو تقرير وتصحيح لقول المشتري، أن العرب يجرون ولاءها، وهو [36] تكذيب له، وأن الولاء على كل حال للمعتق في العرب، والعجم.؛ وظاهره: أن مالكاً يرى ما قاله هذا صحيح (¬10) (من) (¬11) أن ولاءها للعرب، وهو (¬12) تأويل سحنون، ويحيى بن عمر، وغيرهما، إذ (¬13) لم ينكر قوله، وإنما قال له بعد تسليم علته لا أرى هذا عيباً، ولو أن مالكاً لم ير أن علته صحيحة، وأن ولاءها لمعتقها لا ¬
للعرب، لما قال: "لا أردها، ولا أرى هذا عيباً" (¬1)، وإنما كان يقول: لا أرى لك (¬2). ردها، ولا حجة لما (¬3) اعتللت [به] (¬4)، إذ ولاؤها لأولاده (¬5)، وعصبته، وحكى سحنون أن أصحاب مالك مجمعون أن الولاء إنما هو فيمن أعتق من العجم، فأما رقيق العرب فلا ولاء فيهم لمعتقهم، إلا أشهب (¬6) فقال: ولاؤها (¬7) لعصبة معتقها، ولا يرثها قومها، لأنه إنما ينظر (¬8) في أمر متوقع (¬9) عقباه لغيره، ويتخيل (¬10) زوال منفعته لسواه، ولما قد يكون أو لا يكون، إذ قد تموت الجارية الآن، فلا يبقى لها ولاء يرغب فيه، أو يموت ولدها وينقطع نسبه (¬11)، أو لا يولد (¬12) له ولد. وقيل: بل إنه اشتري على الإطلاق دون شرط، بل تخيل أنها من العرب وطنه، فلم يكن له (قيام) (¬13)، إذ (¬14) وجد خلاف ما نواه، واعتقده، كما لو لم يشترط جنساً فوجدها على جنس خلاف ما [كان] (¬15) اعتقد أنها منه، فلا كلام له، قاله في الواضحة، والعتبية (¬16). ¬
وتأول ابن حبيب قول مالك هذا على مذهب أشهب، وقال (¬1) ولاؤها ثابت لمعتقها، ونحوه تأويل المغامي (¬2) (¬3) وقال: معنى قوله: جر العرب (ولاءها) (¬4): أي [أن] (¬5) نسبها يستفيض (¬6)، ويقال: فلانة بنت فلان حتى ينسى ولاؤها. قال: وإنما ينتقل ولاء ولد الحرة إلى موالي أبيهم، وأما من مسه الرق فإن ولاءه لا ينتقل، والقول الأول أظهر بمراد مالك، وعلى اختلافهم في هذا الأصل وقع اختلافهم في تأويل قول مالك المتقدم. واختلف الشيوخ من القرويين وغيرهم في ترجيح أحد القولين على الآخر، وقال ابن أبي زمنين: قد قال في كتاب الجهاد في العرب إذا سبوا أنهم بمنزلة الأعاجم (¬7) (¬8) مجملاً، بلا تخصيص (¬9). و (قد) (¬10) قال يحيى بن عمر: في قرشي تزوج أمة رجل من العجم ¬
فأولدها وأعتق الرجل ولدها، قال: يرجعون إلى أنساب قريش، كأنهم (¬1) لم يمسهم رق قط، وكذلك جميع العرب، لأن أنسابها معروفة تتوارث، واحتج بهذه المسألة، وقد ادعى بعضهم الإجماع على أن ولاء العربي (¬2) المعتق لمعتقه، دون نسبه، وقد ذكرنا الخلاف فيه، وهذا كله في حكم التعصيب، ولا خلاف أن النسب الداني مقدم على الولاء بكل حال، في العرب والعجم. وما ذكر عن "الفقهاء السبعة (¬3) من (¬4) قولهم فيمن دلس [فيه] (¬5) بعيب فظهر وقد فات بموت أو عتق أو بحمل من المشتري، فإنه يوضع عنه ما بين قيمته بذلك العيب، وبين قيمته سالماً (¬6)، فإن مات العبد من العاهة التي دلس بها فهو من البائع" (¬7)، ظاهر قول الفقهاء السبعة عند شيوخنا أنه يرجع بالثمن كله إذا مات، ونحوه في العتبية، وحكي مثله (¬8) عن ابن دحون، وذكر اللخمي أنه مختلف (¬9) في هذا، هل يرجع عليه بجميع الثمن، أو بقيمة العيب. ¬
وأما قولهم: إذا أولدها ثم ماتت فصحيح أنه يرجع بجميع الثمن لأن المشتري لم يخرجها عن ملكه. قال القاضي رحمه الله: فحملوا قولهم: فإن فاتت (¬1) بعيب التدليس بعد فواتها عند المشتري بما ذكره لذكره أولاً الموت فدل أن الفوات بعد بغير (¬2) الموت، ويحتمل عندي (¬3) أنه تكلم أولاً على الموت بغير سبب عيب التدليس، ثم ذكر أخيرا الموت بسبب عيب التدليس، وهي قائمة دون التعرض لما فاتت به. وقوله: "إن حم يوماً أو أصابه رمد" (¬4). يبين لك أن قول أشهب وابن عبد الحكم وسحنون في الحمى أنها عيب غير معفو عنه، ليس بخلاف، وإن مذهب الكتاب إنما هو في الذي حم يوماً ثم أقلع عنه، لا فيمن دامت به، فإن ذلك مرض يغير المبيع ويحط كثيراً من ثمنه، ويزيده بياناً قوله: وكل (¬5) عيب ليس بمخوف. وكذلك لو كان (أول) (¬6) ما أصابه لوجب التوقف (¬7) حتى يرى ما لها من إقلاع أو هلاك. وقوله بعد في الذي (حم) (¬8) في العهدة إذا ذهب العيب يفسر أن له (¬9) الرد إذا لم يذهب. وحكى ابن سهل عن ابن لبابة أنه لا يرده في جميع هذا (¬10)، إلا بما ¬
ينقصه (¬1) وانظر (¬2) مسألة (أم) (¬3) الولد وابنها، ومراعاة ابن القاسم لهما في جبر النقص، فهو يعضد (هنا) (¬4) هذا النظر، وتأمل قوله في تقويم السلعة إذا ظهر فيها عيب، وحدث (¬5) عنده عيب. وقوله أولاً إذا أراد التمسك (¬6) أنه ينظر إلى قيمتها سالمة وقيمتها معيبة، وينظر مقدار النقص بينهما، فيرد (¬7) مقداره من الثمن، فهذان تقويمان، ولا خلاف في هذا. ثم قال: فإن أراد الرد نظر إلى قيمتها يوم اشتراها، وبها العيب الذي اشتراها به، ثم ينظر (¬8) إلى ما أصابها عند (¬9) المشتري، كم كان قيمتها يوم قبضها لو كان بها (¬10)، ثم قال آخر الكلام: فيرد ربع الثمن، بعد طرحنا ما يصيب العيب الذي دلسه البائع من الثمن (¬11)، فهذا يبين (¬12) أنها تقوم ثلاث مرات في هذا الوجه. وهو الذي نص عليه في كتاب محمد. وقاله فضل، وغير واحد، وهو الصواب، خلاف ما ذهب إليه أبو سعيد ابن أخي (¬13) هشام (¬14) ¬
من أنه لا يحتاج فيها إلا إلى قيمتين، قيمتها (¬1) أولاً بالعيب القديم، وأخرى [37] بالعيب الحادث عند المشتري، وفيه ظلم على المشتري، على ما فسره الشيوخ في كتبهم، فلا نعيد (¬2) الكلام فيه، وإنما؛ أشرنا إلى (أن) (¬3) ما في الكتاب يخالفه (¬4)، ويشهد لقول الجمهور، حتى إنه (¬5) في النقص (¬6)، مثل ما في غير الكتاب. وأما قول أحمد ابن المعذل (¬7) في (هذه) (¬8) المسألة، من أنه لا يلتفت إلى القيم (¬9)، وإنما يلتفت إلى قيمة العيب الحادث عنده، وما نقص بالغاً ما بلغ فبعيد جدًّا (¬10)، خارج عن أصولهم. وقد اختلف شيوخنا المتأخرون أيضاً في فرع من هذا الأصل، وهو فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اطلع على عيب (¬11)، وقد حدث عنده عيب فأراد ردها، ولم يحل أجل الثمن، فذهب عبد الرحيم بن أحمد المعروف بابن العجوز (¬12) من فقهاء بلدنا، أنه يرد قيمة ما حدث عنده ¬
نقداً، وخالفه في ذلك بعض فقهاء سجلماسة (¬1) (الطارئ عليها) (¬2)، وقال: بل يبقى عليه إلى أجل الثمن، كأنه (¬3) تمسك ببعض السلعة ثم ذكر (¬4) عبد الرحيم أنه وجد المسألة بعد مسطورة بمثل هذا. قال القاضي: وهذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر. وقوله "قيمتها يوم قبضها" (¬5) معناه هنا يوم باعها، لأن البيع هنا صحيح، وقومناها (¬6) يوم البيع، وإن كان العيب [إنما] (¬7) حدث بعده بيد المشتري، لأن المشتري هو الذي يغرم قيمته، ويرد السلعة لبائعها، فهو كأنه حبس (¬8) بعض ما اشتراه، وهو العيب الذي حدث عنده، من فقء عين، أو غيره، فإنما ينظر إلى قيمته يوم ضمنه (¬9)، وهو يوم ابتاعه (¬10) وقد بين هذا في الكتاب، وقال: "كمثل رجل ابتاع عبدين في صفقة فهلك أحدهما وأصاب عيباً بالآخر (¬11) " (¬12). وقوله: فإن كان الثلث أو النصف أو الربع (رده) (¬13) ورجع فأخذ جميع الثمن. يبين أن النصف هنا على أصله، ليس بكثير يفيت البقية. وقوله إن كانت مما (¬14) يتواضع مثلها أنها من البائع حتى تخرج من ¬
الحيضة (¬1) أي من حكم الحيضة، والاستبراء، (لا) (¬2) من دم الحيضة، لأنها بأول ما ترى الدم، أو تحقق (¬3) الحيضة ترجع في ضمان المشتري، ويحل له الاستمتاع منها (¬4)، لأنها تنتظر تمام الحيضة، والطهر، هذا ما لا خلاف فيه. وتمامه في كتاب الاستبراء (¬5). "والإباق" (¬6) - بكسر الهمزة - الاسم. وقوله "وتنصب (¬7) " (¬8) فسره في الكتاب بالطبخ، والعمل، وأصله من التعب (¬9) وقوله: "تستحق" (¬10) أي تتصف بالمعرفة، وتستوجب ذلك، ومنه الحقة من الإبل، التي استوجبت أن يحمل عليها، وينزا عليها الفحل. "وقول ربيعة: كل شرط احتجر (¬11) به على رجل" (¬12). كذا، لابن عتاب، وابن المرابط، بالراء. أي منع به من شيء. وفي كتابي، عن ابن عيسى (أيضاً) (¬13): احتجن، بالنون. (أي) (¬14) احتبس دونه، ومنع منه، وكلاهما متقارب المعنى (¬15). ¬
"والرَّسْحَاء" (¬1) - بالسين والحاء المهملتين - التي لا ألية لها (¬2)، (وهي الزَّلَّاء (¬3) أيضاً) (¬4). "والزَّعْرَاء" (¬5): التي لا شعر لها هناك (¬6)، وكذلك التي لا شعر لحاجبيها (¬7)، أو غيرهما (¬8) من جسدها (¬9)، وقد فسره في الكتاب، واختلف في تعليله بما هو معلوم (¬10). "والصهباء الشعر" (¬11): التي شعرها للحمرة. وقوله: إن (¬12) كانت من العيوب التي لا تخفى (¬13). كذا رواية ابن عيسى، وفي كتاب ابن عتاب، تغبى، ومعناه: تجهل ومنه الرجل الغبي. وقوله: "لغية" (¬14) - بكسر اللام وفتح الغين (¬15) - أي لزنا، وغير رشدة (¬16). ¬
"والجارية الرائعة" (¬1) الجيدة التي تراد للتسري، لا للخدمة. وكذلك عليه الجواري، بسكون اللام. وقيل بكسرها، وتشديدها، والأول أشهر. "والوخش" (¬2) - بسكون الخاء - خسيسه (¬3)، وأصله الحقير من كل شيء (أيضاً) (¬4)، "والحبل" (¬5) بفتح الباء، الجنين، ما لم يخرج. وقوله في التفرقة بين العروض، والمكيل (¬6) والموزون، فإذا تلفت (¬7) العروض عند بائع العبد فإنه يرجع بقيمتها (¬8)، كذا عند ابن عتاب، وابن المرابط. وعندنا، عند (¬9) ابن عيسى عن الذي اشترى العبد، وفي هذه الرواية إشكال في الظاهر، وهي صحيحة، وذلك لأن تلفها من بائع العبد بكل حال، والقيمة فيها لازمة. وقوله "فيمن ابتاع سلعة حاضرة بسلعة في بيته موصوفة، جائز" (¬10) وفي كتاب محمد خلافه، إذ لا ضرورة في ذلك بخلاف الغائبة. وقوله "في الذي يشتري السلعة (¬11) بيعاً فاسداً، فيبيع نصفها هو فوت (¬12) " (¬13) قال ابن عبد الرحمن: معناه في غير المكيل، والموزون. ¬
قال القاضي: وذلك لضرر الشركة في غيرهما، مما لا ينقسم، ولأن (¬1) النصف في مثل هذا قليل. وقوله "في الذي يقوم بالعيب والبائع غائب إن كانت غيبته بعيدة تلوم السلطان للبائع إن طمع بقدومه، وإلا باعه، فقضى الرجل حقه" (¬2). قال بعضهم: هذا يدل أن الغائب البعيد الغيبة يقضي عليه دون تأجيل، إذا لم يطمع بقدومه، ومثله في غير ما (في) (¬3) كتاب (من) (¬4) المدونة. وقد قال بعد هذا آخر الباب: "وإن كان بعيداً باعه عليه السلطان، إذا خاف على العبد (¬5) الضيعة، أو النقصان، أو الموت" (¬6). قال فضل: كأنه ذهب أنه يتلوم له، إذا لم يخف عليه ضيعة. قال القاضي: فكأنها على هذا خلاف الأولى. وليس عندي بخلاف تلوم له فيما يرى فيه التلوم وجه، ولم يخش منه ضرر، فإذا (¬7) لم يطمع من الغائب بوصول لفرط (¬8) بعده، أو انقطاع الطرق (¬9) حينئذٍ، فلا وجه للتلوم، كما قال أولاً. وكذلك إن طمع، وخيف على العبد الهلاك أو الضياع (¬10) إن أوقفنا بيعه مدة الاستبراء، لأمر سيده، كما قال آخراً، فهما راجعان إلى شيء واحد. ¬
وقد قيل إن قوله: إذا خيف (¬1) على العبد [الضيعة والنقصان (¬2) راجع إلى بيعه لأنه لا يتعين على الحاكم بيعه وإنصاف الغائب من العبد] (¬3)، نفسه إذا كان له مال غيره، فإنما يبيع العبد في إنصافه إذا كان أولى ما يبيع عليه، لما يخاف عليه من الموت، والنقصان (¬4)، بخلاف العقار، والمتاع الذي هو آمن من الحيوان [38] الغائب، من هذا الوجه، وإنما يبيع الحاكم على الغائب؛ أحق ما يبيع عليه مما هو أنظر له، إلا أن يكون في بيع ذلك طول، وضرر على الغرماء، فينظر لهم في غيره بحسب ذلك طول (¬5). وقد قيل أيضاً: إنما ذكر بيعه العبد في الكتاب لأنه لم يكن للغائب مال غيره بدليل قوله: "فإن كان فيه نقصان اتبع المشتري البائع بما بقي" (¬6) ولو كان له مال لأنصفه الحاكم منه. وقوله في البيع الفاسد: "إذا ثبت ولم يتغير رأيت أن يعمل به كما وصفت لك في العيب" (¬7) كذا عند ابن عيسى، وفي كتاب ابن عتاب: رأيت أن يقبل قوله كما وصفت لك، ومعنى هذا عندي أن يستمع (¬8) إلى (¬9) شكواه، ويقبل قوله في رغبته في التحلل (¬10) من الفساد، ويعمل فيه من البيع، والإنصاف، كما وصف قبل. وقوله: "إذا فات جعله القاضي على المشتري بقيمته يوم قبضه ¬
(ويترادَّان) (¬1) فيما بينهما إن كان لأحدهما فضل على صاحبه، إذا لقي بائعه يوماً ما" (¬2) فمفهومه أنه لا تؤخذ من المشتري الزيادة، ولا توقف، وأنه لم يكن للغائب مال يوفى المشتري منه ما نقصه، إن كان ثم نقص، قالوا: لأن ذلك خير للغائب أن يتركه في ذمته، من أن يخرجه منها، ويوقفه في أمانة، وكان المشتري لبقائها في ذمته أهلاً، وهو من النظر للغائب. وقد قال في كتاب طلاق السنة: إن السلطان ينظر لكل غائب (¬3)، وهذا تعارض لجوابه (¬4) إذا كانت السلعة قائمة في الفساد فباعها، وبمسألة العيب أن توقف الفضلة، ولم يترك ذلك عند المشتري. وقد يقال: لعله (¬5) لم يثق هناك المشتري، ووثقه هنا. وقيل: بل لعل هذه الفضلة (¬6) كديون الغائب التي لا يقبضها السلطان، بخلاف المفقود، والغائب هنا قد رضي بمعاملته، فيبقى ديناً في ذمته، ولا فرق بين الوجهين، إذا رأى السلطان ترك الزيادة عند القائم (¬7) إذا قوم عليه، أو عند (¬8) المشتري إذا باع، إذا كان أهلاً لذلك، وما باعه السلطان لم يكن من سبب البائع، ولا رضاه، فالسلطان (¬9) ينظر فيه كمال طرأ له، وهذا يعارض بأن البائع لم يرض [قط] (¬10) بأن يترك في ذمته شيئاً، وإنما دفع إليه عوضاً عما أخذ، فإذا انفسخت المعاملة صار (كهذا) (¬11) الذي باع منه السلطان، ولم يعامله هو قط. ¬
وقد اختلف شيوخنا هل يقضي القاضي على الغائب من مال بيد من اعترف أنه للغائب، أم لا؟ حتى يثبت أنه ملكه، إذ قد يكون وديعة عند الغائب، أو غير ذلك، (انظر في كتاب ابن سهل ذلك) (¬1)، ولا يعترض على هذا، بما ذكره (¬2) من جعل الودائع في الذمم، وأنه من باب سلف جر نفعاً، لأن ذمة هذا مغمورة قبل بما لزمها (¬3) من الزائد (¬4) على الثمن. "وقول ربيعة في المشترط أن يتخذ جارية أم ولد، إن وطئها كان في ذلك رأي الحاكم" (¬5) معناه: إن نقصها الوطء فترد إلى القيمة، ما لم تكن أقل من الثمن، فلا ينقص منه. وقوله: "في الذي باع جارية ثم اشتراها من الذي باعها (منه واطلع على عيب دلسه به (¬6) البائع أن يرجع عليه بما نقص، إن كان باعها بالأقل (¬7) " (¬8) قال في الباب الأول: فاطلع على عيب. وقال في الباب الثالث: ثم اطلع على عيب، فهذا ينبيك أن معرفته بالعيب إنما كان بعد شرائه الثاني من المشتري منه، ولذلك خيره أشهب في الرجوع [عليه] (¬9) إن شاء، وهذا لا يخالفه ابن القاسم، ولو كان عالماً بالعيب، وهو عند المشتري منه، ثم اشتراه منه لم يكن له بوجه رجوع عليه لشرائه (¬10) منه، وهو عالم به، وإنما يرجع هنا على البائع الأول، ولا يضره شراؤه بعد علمه بالعيب على قول ¬
ابن القاسم، وأشهب جميعاً، عند أكثر المشايخ، ومحققيهم، لأنه كان في يد غيره ممنوعاً من القيام به عند ابن القاسم، ومن استيفاء جميع حقه عند أشهب، فهو يقول: إنما اشتريته لأرده، وهو أيضاً بين من قوله في الكتاب: "إذا اشترى عبداً فباعه ثم ادعى عيباً لم يكن له أن يخاصم بائعه" (¬1)، لكن إن رجع إليه يوماً (¬2) بشراء أو غيره، كان له أن يرده على بائعه فهذا قد أعلمك أنه قد علم بالعيب قبل رجوعه إليه بالشراء، وجعل له رده على البائع الأول، وهذا كله يرد تأويل بعض الشيوخ، أنه متى علم ثم اشتراه لم يكن له رده على الآخر، ولا على (الأول) (¬3) لرضاه بالعيب (¬4) بشرائه (¬5) (له) (¬6) بعد علمه، ويرد قول بعضهم أنه إنما يمنع على قول أشهب (¬7) إذا كان قد خاصمه، وأخذ الأقل لأنه حكم [قد] (¬8) نفذ، وكل هذا لا حجة لقائله فيه، لأنه كان ممنوعاً (من القيام) (¬9) بذلك البيع، ما دام في ملك غيره، فإذا توصل بشرائه ليصل (¬10) إلى حقه فيه، فليس برضى، ويبقى بعد هذا تخيير أشهب في المسألة، له في رده على بائعه الآخر، فكان جوابه في أصل المسألة لا على سؤال ابتداء، وسحنون هنا أول الباب في قوله الذي يدل أنه علم بالعيب قبل شرائه من مشتريه، وإنما يصلح التخيير إذا لم يعلم بالعيب إلا بعد شرائه الثاني على ما قدمناه، قالوا: ولو أن المشتري الثاني خير في رده العبد (¬11)، أو إمساكه، فاختار ¬
إمساكه، ثم اشتراه المشتري الأول [منه لم يكن له أن يرده على البائع الأول، ولا يختلف ابن القاسم وأشهب أنه لو باعه المشتري الأول] (¬1)، وهو (¬2) عالم بالعيب إلا أنه ظن أن العيب حدث عنده، أو باعه وكيل له، وهو يظن أنه عالم، به أنه يرجع على بائعه الأول بالأقل مما نقص العيب، أو بقيمة الثمن (¬3). وقوله: "لأن المكاتب حين عجز فقد صار محجوراً" (¬4). ثم قال آخر الباب في مسألة الرد بالعيب على المكاتب، بعد عجزه: "وإن فضل فضل (¬5) كان للعبد الذي عجز، وإن كان نقصاناً اتبع به في ذمته" (¬6) قال بعض شيوخنا: جعل عجزه حجراناً، ولم يجعله انتزاعاً لماله. [39] وقد قال بعض أصحابنا في العبد المأذون: ليس؛ لسيده الحجر عليه إلا بالإشهاد. وها هنا جعل عجزه مجرداً حجراً دون إشهاد، ولا سلطان. وقال آخرون: حكم المكاتب إذا عجز في هذا (¬7)، حكمه (¬8) قبل كتابته، فإن كان محجوراً رجع (¬9) إلى الحجر، وإن كان مأذوناً رجع (¬10) إلى الأذن، وقد جعل ابن القاسم في المكاتب عجزه انتزاعاً، في مسألة جعله للسيد اقتضاء مكاتبته (¬11) إذا عجز فجعله انتزاعاً، وهو قول أشهب، وكله خلاف ما هنا. ¬
وقوله "في المشتري للدار وبها صدع إذا كان صدعها يخاف منه على الدار فهو عيب ترد منه وإن كان صدعاً لا يخاف منه على الدار فلا أرى أن ترد، لأنه قد يكون في الحائط الصدع، فيمكث في الحائط ذلك الصدع زمانا، فلا أرى هذا عيباً" (¬1). وتمام هذه المسألة "في كتاب القسمة: إذا وجد أحدهما في نصيبه عيباً يسيراً، يرجع (¬2) بقيمة العيب، إذا كان خفيفاً" (¬3). ومثله في مسألة العيوب، في كتاب محمد. وروى زياد (¬4) عن مالك في كتاب الاستيعاب لأقوال (¬5) مالك ما يدل أن الدور وغيرها سواء، ولا ترد (¬6) من شيء من ذلك، [إلا في الكثير] (¬7) ونحوه في المختصر الكبير (¬8)، وإليه كان يذهب من [متأخري] (¬9) مشايخنا أبو جعفر بن رزق (¬10) القرطبي (¬11) في كل شيء، وعليه كان يتأول جميع مسائل الكتاب (¬12) وغيره في هذا الباب خلاف ظاهرها، وتأويل الجمهور فيها، وقد يحتج بقوله في الكتاب: "في الكي ¬
الخفيف الذي لا ينقص من ثمنه وإن كان عند النخاسين عيباً، فلا يرد به إذا لم يكن عيباً فاحشاً" (¬1) فيكون قوله: "لا ينقص"، أي ما له بال (¬2)، وإلا فكل ما هو عيب لا بد له من نقص، وإن قل. وقال المخزومي: ما نقص من القيمة الثلث فصاعداً، أو أقل من الثلث، بيسير (¬3) فهو من العيوب المفسدة، يرد به (¬4)، وإن كان أقل من الثلث بكثير لم يرد به (¬5). وحكى الباجي عن بعض الأندلسيين: أن الرباع وغيرها سواء، ترد من قليل عيوبها، وكثيرها (¬6). وتأمل قوله "في الصدع، إن كان يخشى على الدار منه الهدم" (¬7)، فقد قال اللخمي: إن هذا الصدع لو كان في حائط لم يرد منه، إذ لو استحق لم ترد به (¬8). قال القاضي: وهذا موافق لظاهر الكتاب، إذ لم ينص أن الصدع في حائط، وإنما قال في الدار، خلاف ما ذهب إليه عبد الحق (¬9)، وابن سهل، وغيرهما. وتأولوا أنه إن خشي هدم الحائط من الصدع الذي فيه وجب الرد. وقد قيل: إنما يرد لخوف تهدم الحائط، إذا كان (¬10) ينقص الدار كثيراً. ¬
قال القاضي: وهذا (¬1) أيضاً (صحيح) (¬2) المعنى، أرأيت لو كان الحائط الذي يلي المحجة ولا يمكن سكنى الدار حتى يبنى، أو الذي يتعلق به بناء الدار، فيلزم تدعيم ما عليه، ويتعلق به، ويلزم فيه نفقة كثيرة، لوجب به الرد دون إشكال، لأنه يتكلف (¬3) من بنيانه، والنفقة فيه، ما يشق، وقد يفرق في هذا الباب بين هذا، وبين الاستحقاق، لأنه إذا استحق الحائط، وما لا قدر له من (¬4) الدار، لم يضره، وإن انهدم (¬5) مثل هذا، اضطر إلى بنائه، والنفقة فيه، وذلك ضرر، وتركه بلا بناء أضر، لكشف الدار منه، ومن حجة المبتاع أن يقول: مثل هذا لا أتكلفه، ولا أصبر عليه (¬6)، وعلى مشقته. وقد نحى أبو عبد الله بن عتاب إلى ما قلناه. ولم يختلفوا أن ما شمل الدار من العيب، ويقطع منفعة من منافعها، كتهور بئرها، أو غور مائها، أو فساد مطمر (¬7) رحاضها (¬8)، أو استحقاقها، أو تعفن قواعد بئرها، أو وجود مائها زعاقاً (¬9) في البلاد التي مياه آبارها حلوة، أو وهاء أسس (¬10) حيطانها، وشبه هذا، أنه يجب به الرد. وأصل الباب، أن كل ما فيه ضرر على المبتاع، أو ما يحط من الثمن كثيراً. واختلف في مقدار الكثير. فقال أبو محمد بن أبي زيد فيما حكى عنه الباجي: ما نقص معظم الثمن (¬11). ¬
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: الثلث كثير. وقال ابن عتاب: الربع كثير (¬1)، وهذا نحو ما تقدم للمخزومي. (وقال بعضهم: لا حد فيه، إلا وجود الضرر. وقال أبو عمر بن القطان (¬2): مثقالان في قيمة العيب قليل، وعشرة كثير، يجب بمثله الرد) (¬3). وقال أبو الوليد ابن رشد عشرة من مائة كثيرة (¬4). وقوله "فيمن اشترى جارية ممن تحيض فارتفع حيضها (¬5) في الاستبراء شهرين أو ثلاثة (¬6). قال مالك: ذلك عيب يردها (¬7) به إن أحب" (¬8). ظاهره: أن الشهرين أمد كثير يوجب الرد، وهو قول مالك في كتاب محمد (¬9)، وقول سحنون، خلافاً لما لأشهب (¬10) في كتاب محمد، أنها لا ترد من الشهرين (¬11)، وإنما ترد فيما زاد على الثلاثة، وتبيين ضرره، ونحوه لابن القاسم، أنها ترد في الأربعة الأشهر (والخمسة (¬12)) (¬13). ¬
وعن مالك، والمغيرة (¬1)، وابن دينار (¬2)، وعبد الملك، وسحنون، وفضل، ترد في خمسة وأربعين يوماً. قال مالك: وللبائع أيضاً أن يرد البيع، ويفسخ لأجل نفقته، وقال (ابن) (¬3) حبيب: لا خيار للمشتري قبل ثلاثة أشهر، وله الخيار في الثلاثة، وحكاه من رواية أشهب، ومطرف (¬4) عن مالك. و [قد] (¬5) قال في الكتاب بعد هذا في الشهرين، "لم يحد مالك في ذلك حدًّا" (¬6) إلا الطول، وما يرى أنه ضرر، ويحمل قوله أولاً في السؤال "هو عيب ترد (¬7) به" (¬8) يعني ارتفاع الدم (¬9)، لا تحديد ذلك بالشهرين، ¬
والثلاثة (¬1)، وإنما جاء ذلك في سؤال السائل (¬2)، فلما سئل عن التحديد وقف، وكذلك (¬3) اختصر أبو محمد وغيره ذكر الشهرين أولاً (¬4)، واقتصروا على قوله بترك التحديد أخيراً، وأما ابن أبي زمنين فجاء بلفظ الكتاب. وقيل: بل الجمع بينهما أنه لم يحدد أخيراً بالشهرين، لأنه قال: "مضى لها شهران من يوم اشتراها" (¬5) وقد تكون قريبة العهد بالطهر، وينتظر دمها إلى شهر، فإذا تأخر عنها شهرين فلم يطل، وفي المسألة. [40] الأولى (¬6) معناه [أن] (¬7) ارتفاعه شهرين بعد أمد استبرائها، ومجيء أيام حيضتها المعلومة، وقد قال في الكتاب: "إذا قال البائع إن لم تحض هذا الشهر يوشك أن تحيض في الداخل، أيؤمر المشتري بحبسها؟ قال: ينظر في ذلك السلطان، فإن رأى ضررا فسخ البيع (¬8) " (¬9)، فهذا يشير إلى (ما قالوه) (¬10)، أن مذهبه مراعاة الضرر، دون تحديد بشهر، ولا شهرين، ولا ثلاثة، وهذا نحو الذي حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم، أن ارتفاع الحيض يرد به المشتري، ولا يلزمه انتظار ثلاثة أشهر، وفيه التفات إلى ما وقع لمالك، وكبراء أصحابه المدنيين الذي قدمناه قبل، والله أعلم. وقوله: "لأنها في ضمان البائع حتى تخرج من الاستبراء" (¬11). ¬
ذهب (¬1) ابن سهل أن ظاهره: أن عيب ارتفاع الحيض إنما هو في العلي (¬2)، وجواز الوطء، وعليه تكلم في المدونة، وأنه خلاف ما قاله (¬3) في غيرها، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم: أن العلي والوخش في ذلك سواء قال مشايخنا لأن ذلك علة، وخروج الحيض يصحح الجسم، وقال بعضهم: إنما تكلم في الكتاب على الغائب مما فيه المواضعة (¬4). وقوله: "فإن ادعى المشتري الذي قطع الثوب أن البائع حين باعه علم بالعيب وأنكره البائع (¬5)، قال: على البائع اليمين" (¬6) كذا (¬7) في المدونة. وفي أصل الأسدية، فإن قال البائع: استحلفوه أنه لم يعلم بالعيب، قال: عليه اليمين، وهذا خلاف ما نصه في الباب أنه لا يحلفه بمجرد الدعوى بالرضى. وقوله "في العبد إذا أصابه مخنثاً هو عيب، وفي المرأة المذكرة (¬8) إن كانت توصف بذلك واشتهرت به رأيته عيباً" (¬9). حمل أبو محمد المسألة أن معناها في الأخلاق، والكلام، والشمائل. إما خلقة، أو تخلقاً، دون فعل الفاحشة. وجعل هذا عيباً بيناً. أما الرجال (¬10) فتضعف قواهم، وكثير من منافعهم المطلوبة منهم، وأما النساء ¬
فيكره ذلك فيهن، إذا اشتهرت به، لأنه قد يظن به السوء، وإن لم يكن، ولأنها ملعونة، كما جاء في الحديث، من المتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال (¬1) فإذا لم تشتهر بذلك، وإنما كانت فيها خلقة، وأمراً طبيعياً، فليس بعيب (فيها) (¬2)، لأنها جمعت خصال النساء، وزيادة الذكورية (¬3). قال القاضي: إلى هذا نحا أبو عمران وغيره، إلا زدت وبينت من إشاراتهم، وعندي أن هذا إنما يكون في الوخش، وجوار المهنة، وأما جوار الوطء والاستمتاع، والرشد، وسائر العلي، فذلك عيب مزهد فيهن، مكروه منهن، وإن لم يشتهرن به، إذ المراد منهن التأنيث بالجملة، ويزاد في أثمانهن بقدر مبالغتهن في التأنيث، وإشارات المجون، ويكره ضده. وذهب بعض الصقليين (¬4) أن معنى ما في الكتاب إذا كان الرجل يؤتى بالفاحشة، وتفعل المرأة بالنساء ما يفعلهن (¬5) شرارهن (¬6). وبهذا فسر المسألة ابن حبيب (¬7). قال: وأما توضيع الكلام للعبد، وتذكيره (¬8) للمرأة، فليس بعيب، ولا يردان بذلك، وجعل هؤلاء قوله وفاقاً لما في الكتاب، وجعلها أبو محمد خلافاً (¬9). قال هؤلاء: ومعنى "اشتهرت بذلك" (¬10) إذا لم يثبت عليها، ولكن ¬
فشا عنها، فذلك يقوم مقام الثبات، ويرد على هؤلاء اشتراطه الاشتهار في المرأة، دون الرجل، ويجب أن يكونا على هذا سواء، وقد رأيت لبعض (¬1) المختصرين، قال: فاشتهرا (¬2) بذلك، واتفقوا أن ليس معنى الاشتهار هنا التكرار بالفعل، فالمرة الواحدة إذا ثبتت من ذلك عيب، وكبيرة. وقوله "في الصهباء الشعر، أنه لم يسمع فيها شيئاً" (¬3). ثم تكلم على من جعد شعرها، أو سود. ثم (قال) (¬4): "علا الشيب" (¬5) فجاء من مفهوم كلامه أن هذه الصهباء لو سود شعرها لكان له القيام، لأن هذا غش، وتدليس (¬6). قال محمد، وابن حبيب: وذلك في الرائعة، وليس هو في غيرها عيب (¬7). ثم قال في الكتاب: "ولم أسمع مالكاً يقول في الرائعة (شيئاً) (¬8)، وليس هو في الرائعة عيباً (¬9) " (¬10) "قال ابن القاسم: ولا أرى أن يردها إلا أن تكون رائعة" (¬11) أو يكون ذلك [عيباً] (¬12) يضع من ثمنها، حمل أكثرهم أنه لم يجب في الصهباء وأن هذا الكلام كله في ذات الشيب، ولم يذكره المختصرون في مسألة الصهباء، وكان بعض الشيوخ فيما أخبرنا به الفقيه أبو ¬
محمد عبد الرحمن بن محمد يحمل قول ابن القاسم هنا: "ولا أرى أن يردها إلا أن تكون رائعة" (¬1) على مسألة الصهباء. قال: وكذلك وقع في الأسدية. وقد ذهب المشايخ إلى أنه إن كان ممن تعرف (¬2) الصهوبة (فيهن) (¬3)، كالبيضاء، لم ترد، وإن كانت ممن لا تعرف (¬4)، كالسمر، والسود، فترد. وانظر قوله "في الذي باع سلعة بمائة دينار فأخذ بها سلعة أخرى فوجد بالثانية عيباً، وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى، فقال أهل العراق: فيها قولاً، فسألت مالكاً عنها، فقال الذي أخبرتك" (¬5) يدل أن مالكاً جاوبه في السلعة الأولى، إذا وجد بها عيباً، مثل جوابه في الثانية، والذي قاله أهل العراق، واختلافهم إنما هو في السلعة الأولى، إذا وجد بها عيباً أنها ترد، ويرجع صاحبها بثوبه، وتسقط الدنانير، ومالك سوى بينهما، ويجعله يرجع بالدنانير، كما لو وجد العيب بالثانية. وقد قيل: إن إشارته باختلاف الناس في السلعة الأولى، إنما يعني به فيمن اقتضى من ثمن طعام طعاماً، المسألة التي ذكر أثناء كلامه على المسألتين في الكتاب. وانظر قول أشهب "في الصوف على ظهور الغنم المشتراة به يوجد بها عيب، النابت وغيره سواء، كل ذلك تبع ولغو، مع ما بيعت (¬6) به من الضأن" (¬7)، كذا رويناه، وهو بين، وفي بعض الروايات من الضمان بزيادة ميم، أي وهو من باب الغلة بالضمان، وانظر قوله، "وكذلك ثمر النخل ¬
المأبورة، لأنه غلة" (¬1)، فأشهب، إنما يخالف إذا كانت الثمرة مأبورة، ولا يخالف إذا كانت طيبة، هو ولا غيره، وإنما ترد [41] ما كانت قائمة، ومكيلتها (¬2) إن عرفت، كسلعتين وجد بأرفعهما عيباً،؛ فإن جهلت المكيلة فاختلف هل تمضي بما ينوبها من الثمن، أو يرد قيمة الثمرة ويرجع بجميع الثمن على ما تقدم في هذا الأصل. وابن القاسم يقول في المأبورة: أنها مشتراة لها حظها من الثمن، فيردها وإن وجدها أو مكيلتها (¬3) إن عرفت، أو القيمة إن جهلت، وأمضاها في الشفعة إن جهلت (¬4) بما ينوبها من الثمن، ومحمد ذلك سحنون اختلافاً من قوله. و [فرق] (¬5) ابن عبدوس بين المسألتين، والنخل عند أشهب بخلاف صوف الغنم، لو اشترى (¬6) الغنم وعليها صوف كان غلة، وإن كان قد كمل لأنه تبع لدخوله في الصفقة لشراء الغنم دون اشتراط، كالنخل قبل الإبار (¬7). وابن القاسم يسوي بين ثمر النخل والصوف، (ولأشهب في المبسوط مثله) (¬8)، وقول مالك في العبد يأبق عند المشتري قرب ما اشتراه فيريد إحلاف البائع، أنه لم يكن عنده آبقاً، وأنه لم يرد عليه (¬9) يميناً. قال فضل: روى أشهب عن مالك أن أصله ما كان من الأفعال، فلا يمين فيها على البائع إلا أن يقيم المشتري البينة على أنه كان عند البائع فيرده، وما كان من الخلق فها هنا إذا أشكل أمره أن يكون حدث عند المشتري، أحلف البائع. ¬
وكذلك الرهصة (¬1) في الدابة، والبطن، "والبول في العبد (¬2) " (¬3)، إذ قد يمكن أن يكون ذلك لشيء قديم في الجوف، وقد ذكر ابن القاسم عن مالك في العتبية خلافه وذكر ابن حبيب أن اليمين عليه في الوجهين. قال القاضي: وقال أصبغ مثله، قال ابن لبابة: هذا (¬4) [هو] مذهب ابن القاسم، والذي (¬5) في المدونة، فإنما أدخله سحنون لأشهب، وأما ابن القاسم فلم يذهب إليه أصلاً، ولا فرق بين عيوب البدن، والأخلاق. وقال ابن محرز: ولو حقق الدعوى المشتري على البائع أنه (أبق) (¬6)، أو سرق عنده، فظاهر الكتاب ألا يمين عليه حتى يظهر العيب. وذكر ابن المواز عن أشهب مثله، وذكر عن ابن القاسم أنه يحلف (¬7). وقوله "في الذي اشترى أمة في عدة من طلاق فلم يردها حتى انقضت عدتها لم يكن له ردها، لأن العيب قد ذهب" (¬8). استدل بعضهم منه [على] (¬9) أن ذات الزوج إذا لم يعلم به حتى مات، أو طلق، أنه ليس له رد بعيب النكاح، لأنه قد ذهب. قالوا: وهو مذهب الكتاب، خلاف ما في سماع أشهب، من (¬10) موت الزوجة، وما رواه هو وابن القاسم (عن مالك) (¬11)، في كتاب محمد [في العبد والأمة تنحل العصمة بينهما وبين أزواجها له الرد وحكى ابن ¬
حبيب عن مالك في كتاب محمد] (¬1) في الموت فيهما ليس له رد إلا في الرائعة، فتزويجها عيب ترد به، وإن مات زوجها. وحكى البرادعي الخلاف في زوال عيب التزويج، فالافتراق فيهما جميعاً (¬2). وتأول فضل بن سلمة انقضاء العدة من موت إذ لو كان من طلاق لكان (¬3) العيب باقياً (¬4)، لما يخشى عليهما. وتأول (¬5) غيره [المسألة] (¬6) أنه علم بالعيب من الزواج، والفراق، وإنما كتم عنه بقاء العدة عليها، ومنعه من الاستمتاع بها تلك المدة. قال: وكذلك لو كان شراؤه بعد مضي حيضة، لأنه دخل على أنها توقف للمواضعة حيضة، وأنه لو لم يعلم بتقديم (¬7) الزوج لكان (¬8) له القيام، وهذا مذهب اللخمي، وتأويله للمسألة (¬9). وقول ابن كنانة في الحمل في الوخش ليس بعيب (¬10). كان (¬11) أبو بكر بن عبد الرحمن يذهب أن معنى ذلك في الجلب، فأما من كان حمله عندنا فعيب على كل حال، لأنه لا يخلو أن يكون من زوج، أو من زنى، وهما عيب. ¬
قال القاضي: قد يكون بين بالزنا، ولم يعرف الحمل، أو عرفه ولم يبين به، وكذلك بين في الزواج، وقد وقع منه الفراق على ما تقدم، فيزول الاعتراض، وتبقى المسألة محتملة في الجميع (الحاضر) (¬1). وفرق بعض الشيوخ في المسألة بين أهل البوادي، ومن يرغب في النسل، والولادة، وبين أهل الحضر (¬2)، ومن يستقذر ذلك، (فنزول المسألة) (¬3) والخلاف فيها على هذا. وقوله "في الثوب يشتريه وقد دلس له فيه بعيب فيحدث فيه صبغاً ينقصه أو قطعاً (ثم يعلم بالعيب) (¬4) فهو بالخيار، إن شاء حبسه، ورجع بقيمة العيب، وإن شاء رده، ولا شيء عليه" (¬5). ذهب كثير من المتأولين أن جوابه هنا [إنما] (¬6) وقع على الصبغ خاصة، وأما القطع (¬7) فإنما له أن يرد، ولا شيء عليه، (أو يمسك ولا قيام له بالعيب، لأنه قد ملك الرد بغير غرم شيء، فكأنه لم يحدث عنده شيء، وعلى هذا حمل محمد وغيره قوله، وهو المنصوص في كتاب محمد، وأصول أصبغ. وقال ابن مناس (¬8) وغيره: لعل المسألة عنده في قطع يحتاج إلى علم مما ادعى عليه ثمناً، كقطع الديباج) (¬9)، وشبهه، مما يحتاج إلى تدبير ¬
وتخليص صنائعه، وصوره، فهذا [سبيله] (¬1) سبيل الصبغ. قال غيره: وهذا على أحد القولين، في أن له القيام فيما غرم بتعليم الصناعة (¬2). "والرانج" (¬3) - بفتح النون وبالجيم والراء - الجوز الهندي الكبير (¬4). وهم يسمونه النارجبيل أيضاً. "والقثاء" (¬5) ممدود: الفقوس، بكسر القاف وضمها معاً (¬6). وقوله لحماً على بارية - بكسر الراء وتخفيف الياء - هي الحصير. وفسره بعضهم بأنه الوضم الذي يباع عليه اللحم (¬7). وإنما هي الحصير يقطع عليها اللحم (¬8)، ويباع، أي إنما أبيع منك لحماً لا تقوم علي فيه بشيء من عيوب الحيوان. "والسند، والزنج" (¬9) بكسر السين والزاي، ويقال زنج بفتحها أيضاً. أمتان من السودان (¬10)، بجهة المشرق. "وابن سمعان" (¬11) - بفتح السين وسكون الميم (¬12) - كذا يقوله جمهورهم. فعلان من السمع. ¬
وحكى لنا القاضي الشهيد (¬1) - رحمه الله (¬2) -: أن شيخه أبا بكر المعروف بابن الخاضبة (¬3) أنه كان يقوله بكسر السين، كاسم السبع (¬4). ومعنى "العهدة" (¬5): الضمان، مأخوذة بن العهد، وهو الميثاق. قال الله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} (¬6)، وجاء بمعنى: الضمان وبه فسروا {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (¬7) أي بما ضمنتم من طاعتي، وضمنت لكم من ثوابي. [42] وجاءت في عرف الفقهاء، لتعلق ضمان المبيع بالبائع (¬8)، وتعلق المطالبة له بسببه، وذلك في كل؛ المبيعات، واختص الرقيق منها بعهدة الثلاث، استقصاء لما خفي من حال الرقيق، (واستكشافهم) (¬9) بالخبرة (¬10) والسؤال في هذه الأيام عما بطن من أحوالهم، أو دلس به البائع وكتم من عيوبهم (¬11)، فكأن هذه المدة أبقى المبيع فيها على ملك البائع، وضمانه حتى يتخلص (¬12) لمشتريه. ¬
وقول ربيعة: "من تبرأ من عهدة (¬1) فجمعها منها ما كان ومنها (¬2) ما لم يكن، فإنه يرد على البائع كل ما تبرأ منه من شيء قد علمه" (¬3)، كذا عند شيوخنا، وهو بين، وفي بعض النسخ مكان [يرد] (¬4) على البائع، ويروى على المشتري، وفي رواية عن (¬5) المشتري، ومعانيها كلها صحيحة، فعلى البائع ترد السلعة، وعلى المشتري (قيمة) (¬6) العيب إذا فاتت، وكذلك يرد عنه [الغائب] (¬7)، إما قيمته في الفوات أو السلعة في القيام. وقوله "في الذي باع سلعة ثم قال إن بها عيوبا أنها إن كانت [غير] (¬8). ظاهرة لم يقبل، [قوله] (¬9) وإن اطلع المشتري بعد ذلك على عيوب كانت عند البائع بأمر ثابت (¬10)، كان له إن شاء الرد" (¬11)، فتأمل قوله: "بأمر يثبت" (¬12). فيستدل منه على ما وقع في كتاب محمد (¬13)، أنه لو قام يطلب بالعيب بمجرد قول البائع، قيل: لم يكن له ذلك، إلا أن يثبت ببينة، أو يظهر العيب، أو يثتبت البائع على إقراره، ورأيت نحوه لأشهب، وفي سماع عيسى: له أن يردها عليه بقوله الأول، إن قام بعد سنة، أو أكثر (¬14)، وذكر في كتاب محمد، أن للمشتري أن يأخذ من البائع ¬
إذا أقر له بذلك حميلاً، إذا أنكر البائع ما كان أقر به، ووجدت في كتاب ابن سهل معلقاً، تؤخذ منه قيمة العيب، وتوضع (¬1) على يد عدل، خشية أن يفلس ثم يظهر العيب، (فإن مات العبد) (¬2) قبل ظهوره أخذ (¬3) المبتاع تلك القيمة. مسألة "بيع البراءة" (¬4) ومعناها: البيع على أن لا يرجع على البائع بعيب قديم، في المبيع بما لا يعلم به البائع، ويخشى أن يكون به، وحاصله (¬5) التبري من التبيعة فيه، والتبري من المطالبة به. وهذا الأصل مما اختلف فيه قول مالك على أقوال: هل من البياعات ما هو بيع براءة، وإن لم يشترط (¬6) فيه أم لا؟ وهل يصح بيع البراءة (¬7)، وينتفع به (¬8) في كل شيء، أو [في] (¬9) بعض الأشياء، أو لا ينتفع به (¬10) (جملة) (¬11)؟ ولأصحابه في ذلك عشرة أقوال: منها له تسعة (¬12) أقوال، منها في الكتاب ستة أقوال: أولها: قوله (¬13) القديم في كتاب محمد، من رواية ابن القاسم، وأشهب، أنها جائزة في الرقيق (¬14)، إذ اشترط التبري من كل عيب، قل أو ¬
كثر، مما لا يعلمه البائع. وبيع السلطان في التفليس (¬1)، والمغنم وغيره بيع براءة، وإن لم يشترط، وكذلك [بيع] (¬2) الميراث إذا علم المبتاع أنه بيع ميراث. قال: وذلك كله في الرقيق خاصة، زاد في كتاب ابن حبيب أو يذكر متولي بيع الميراث أنه بيع ميراث (¬3)، وكل هذا أيضاً بين في الكتاب، (ظاهر منه، قال فيه ابن القاسم: "وأنا أرى البراءة في الرقيق على قول مالك الأول وإن بيع المفلس والميراث بيع براءة، وإن لم يبين (¬4)) (¬5)، وكذلك بيع السلطان الغنائم (¬6) وغيرها" (¬7). وقوله فيه "إذا أخبر أنه بيع ميراث فقد برئ" (¬8)، ولا يبرأ إن لم يخبر بذلك ولم يذكر البراءة فتأمله فهو كما تقدم، موضح من غير الكتاب. القول الثاني: قوله القديم في المدونة، "أن البراءة إنما كانت (¬9) لأهل الديون، يفلسون فيبيع عليهم السلطان" (¬10)، وليس ذلك عنده على هذا القول، إلا في (الرقيق، ولا يكون عنده لأهل الميراث، ولا لغيرهم، لا باشتراط ولا بحكم، وهو ظاهر قوله هذا في المدونة. وحمله اللخمي قولاً مفرداً (¬11)، وهو نص ما) (¬12) في كتاب محمد، لقوله: وقال أيضاً: لا تنفع ¬
في الرقيق إلا في بيع السلطان في الدين، فأما في بيع الميراث [وغيرها] (¬1) فلا، وهذا قول، ويدل أنه بعد قول له آخر (¬2) تقدمه، لقوله: وقال أيضاً (¬3). القول الثالث: قوله في الموطأ: إنما ينتفع بها في الرقيق (¬4)، والحيوان. وفي النوادر: أنه أمر بمحو (¬5) الحيوان منها (¬6). وفي كتاب محمد: أنه ذكر له ذلك، فقال: إنما أعني بالحيوان الرقيق (¬7). فعلى هذا لا يكون خلافاً، لكن في كتاب محمد، له أنه يجوز (¬8) في الرقيق (والحيوان فقط) (¬9)، على ظاهر الموطأ، ومثله في كتاب ابن حبيب (¬10). القول الرابع: رواية ابن القاسم عنه، في كتاب محمد، أنها لا تنفع في الثياب والحيوان إلا في الشيء التافه غير المضر، وأما ما هو مضر فترد به (¬11). ونحوه في العتبية، وعليه حمل قول المغيرة، إذا جاوز العيب الثلث ¬
فلا تنفع فيه البراءة حينئذ (¬1)، وهو مثل قوله في المدونة "أن البراءة لا تنفع لأهل ميراث، (ولا غيرهم) (¬2) إلا أن يكون عيباً خفيفاً فعسى" (¬3). وقوله (قبل) (¬4) هذا في الكتاب: "ثم رجع (¬5) " (¬6)، يدل أنه كان في قوله الأول الذي ذكره، يجيزه في الكثير، كما نصه في غيرها وقد يحتمل أن يكون ما في الكتاب خلافاً لهذا، إذ أصله في الكتاب الذي لم يختلف (¬7) قوله فيه: منع البراءة في غير الرقيق، وأن يرجع قوله هذا أو قولاه في الرقيق خاصة. القول الخامس: قوله في كتاب ابن حبيب: أنها تلزم في الرقيق والحيوان والعروض، وكل شيء (¬8)، قال: (وهو) (¬9) قوله الأول. قال ثم رجع فقال: لا تكون إلا في الرقيق (¬10). فهذا يدل أنه أول أقواله، كذا (¬11) نقل أبو محمد المسألة في النوادر (¬12) من قول مالك في العروض، ولم ينقل فضل فيها العروض من قول مالك، إلا [في] (¬13) الحيوان، على ما في الموطإ، وعليه أحال، قال: وبه أخذ ابن وهب من ¬
أصحابه، وغيره، وإنما (¬1) نقل جواز البراءة في العروض عن جماعة من السلف، فانظرها (¬2) في أصل الواضحة (¬3). القول السادس: أنه إنما يجوز [فيها] (¬4) فيما طالت إقامته عند الرجل، واختبره، وأما ما لم يطل ولم يختبر فلا. قاله في الواضحة، والموازية (¬5)، وهو مثل قوله في المدونة في الجالب الذي يأتيه الرقيق، قال (¬6): "فما أرى البراءة تنفعه" (¬7) [43] وظاهر سائر الروايات جوازها (¬8) لأهل الميراث (¬9)، والوصي،؛ والسلطان، خلاف هذا، ولجواز البراءة مما لا يعلمه حال البيع (¬10)، قاله (¬11) عبد الملك وأصبغ (¬12)، [قال عبد الملك] (¬13): وقد يبيعون ما ورثوا (¬14)، ومنهم الغائب، والقاضي. زاد عبد الملك في ذلك في عقد بيع البراءة، بيع الصفة، في العبد الغائب، وما وهب من الرقيق للثواب (¬15). القول السابع: قوله في المدونة الذي رجع إليه "أن البراءة لا تنفع في ¬
الرقيق. يريد ولا في غيره، لا أهل الميراث (¬1)، ولا لوصي، ولا غيره" (¬2) ظاهره لا (في) (¬3) بيع السلطان، ولا غيره، وعلى هذا تأولها اللخمي، ويدل عليها قوله في المسألة أول باب عهدة المفلس "فيمن اشترى عبداً من مال رجل فلَّسه السلطان فأصاب به عيباً، قال: يرده على الغرماء" (¬4). ويدل عليه أيضاً قوله في الباب الأول، "وكان قوله القديم في الرقيق، في بيع الميراث (¬5)، والسلطان في الفلس، إلى آخر المسألة" (¬6) وأنه لا يلزم البائع بشيء مما أصابهم، فقوله القديم يدل أنه اختلف (قوله) (¬7) في ذلك، وقال في موضع آخر: "ما وقفت مالكاً (¬8) علي [هذا] (¬9) إلا ما أخبرتك من قوله القديم" (¬10) وقد خالف في هذا التأويل جماعة، وتأولوا مسألة المفلس، أنه كان عالماً بالعيب، وعلم بعلمه، وذكر [أبو محمد] (¬11) ابن أبي زيد، وابن الكاتب، وغيرهما، أنه لا يختلف قوله في بيع السلطان، (أنه) (¬12) بيع براءة (¬13). واستدلوا بقوله في الكتاب بعد ذكره اختلاف قول مالك في البراءة، ¬
وفي الميراث، وثبت قوله: (أن بيع السلطان بيع براءة) (¬1) وحكى القاضي أبو محمد (¬2) رواية عن مالك، أن البراءة لا ينفع اشتراطها في شيء، ولا يبرأ البائع (إلا مما يبرئه المبتاع) (¬3). وعللها بعض أصحابنا أن البيع على البراءة غرر، فهذا يبين اختلاف قول مالك في المسألة كلها، القول الثامن: إن البراءة لا تصح بشرط، وإنما تكون لمن يوجبها عليه الحكم من بيع السلطان، وأهل الميراث، وهو مثل قوله في المدونة، "ولم تكن البراءة عند مالك إذا كان يجيزها إلا في الرقيق وحدهم، في المواريث (¬4)، وما يبيع (¬5) السلطان للغرماء" (¬6) وتفسير مجمل (¬7) قوله في الموطأ: أن بيع البراءة لا يكون إلا للسلطان، وفي الميراث (¬8)، والتفليس، فهذه رواية قد (¬9) لخصها الباجي (¬10)، وأشار إلى ما ذكرناه، ولعل ما ذكره عبد الوهاب راجع إلى هذا. القول التاسع: قوله في الكتاب أول الباب: إن البراءة لا تكون إلا في الرقيق، ولا تنفع إلا في غيرها، كانوا أهل ميراث، أو غيرهم، فظاهره ألا تكون إلا بشرط، لقوله تنفع، ومثل هذا إنما يستعمل فيما قصد، فأما ما يوجبه الحكم فلا يقال فيه ينفع، إنما يقال فيه: يكون، أو يصح، ¬
(فتأمله) (¬1)، فهو ضد القول المتقدم. القول العاشر: قال (¬2) ابن حبيب: من رأيه (¬3) إنا نأخذ بقول مالك الأخير فيما بيع طوعاً فلا يكون إلا في الرقيق، وأما (¬4) ما باعه السلطان في فلس، أو موت، أو على أصاغر، أو مغنم، فنأخذ (فيه) (¬5) بقوله الأول، أنه بيع براءة في كل شيء، من الرقيق، والحيوان، والعروض، وإن لم يشترط، قال: وقاله مطرف وابن الماجشون، وأصبغ، وغيرهم (¬6). قال القاضي - رحمه الله -: هذا تحصيل الأقوال فيها، على ما تقرر في الروايات في الكتاب وغيره، إذ لفظه في الكتاب متكرر [متردد مختلف العبارة في مواضع شتى من أبواب العهدة والبراءة فرتبنا مشكله على ما تفسر في غيرها] (¬7)، إلا ما اختلف فيه التأويل في موضعين: أحدهما: هل اختلف قوله في بيع السلطان، هل هو [بيع] (¬8) براءة أم لم يختلف قوله فيه أنه بيع براءة؟ الثاني: في اليسير وقد قال ابن الكاتب: (إنه) (¬9) لم يختلف قوله في اليسير. وغيره جعله مختلفاً كما ذكرناه قبل، وهو ظاهر بعض روايات عموم المنع في الكتاب، كما تقدم، والخلاف يظهر فيه منه، لأن عمَّم مرة منع الجواز، واستثنى مرة اليسير، قالوا ولم يختلفوا أن البراءة من عهدة الثلاث والسنة نافع لازم. ¬
وقوله ما باعه الورثة. وقوله "لو أن رجلاً باع ميراثاً ولم يقل أبيع بالبراءة فباع وأخبر أنه ميراث، فقد برئ، وإن لم يقل قد برئت" (¬1) قال الباجي (¬2): ما باعه الورثة المشتركون إذا (دعا) (¬3) بعضهم إلى البيع أو جميعهم فليس من بيع البراءة في شيء، وهم كجماعة اشتركوا في رقيق، وكذلك بيع الوصي على اليتيم لحاجة الإنفاق، وهو كبيع الأب على ابنه، وإنما يكون بيع براءة على ما قال، وإن لم يبين ما بيع من التركة للديون، وتنفيذ الوصايا، وقال غيره خلافه، وأن معنى مسألة الكتاب أنه ما باعه الورثة ليقسموا ثمنه، فأما ما اقتسموه بينهم من رقيق الميت أو حبسه الوصي للأيتام (ثم) (¬4) بيع ففيه العهدة. وقوله في الكتاب: "فيما يستأجر الناس من النخاسين إلى قوله: والذين يبيعون (في الحوانيت) (¬5) [المتاع] (¬6) للناس يجعل لهم الجعل فيبيعون، والذي يبيع فيمن يزيد من غير ميراث (يستأجر على الصياح، فيوجد شيء من ذلك، أو به العيب (¬7) لا ضمان عليهم" (¬8). كذا في روايتنا. وأكثر الأمهات. وفي بعض النسخ زيادة) (¬9)، قبل قوله "والذي يبيع فيمن يزيد" (¬10) ما هذا نصه: والذي يبيع في السوق الثياب للناس مثل الصاحَّة، وهؤلاء النساء ¬
الذين يبيعون على الدور ما دفع إليهن (¬1)، من الثياب، والحلي، والجوهر، مثل نساء مصر التي تدفع إليهن (¬2) الأموال، فيبعن (¬3) على الدور في الأسواق، فيستحق عليهم ما باعوه (¬4)، على من ترى أن يرجعوا بالأثمان التي دفعوا، فقال على أرباب المتاع، فقلت لمالك فإن ادعوا تلف ما دفع إليهم، وقد قلت لي أنهم ضامنون لما دفع إليهم، أي القيمة تلزمهم، أقيمة المتاع يوم قبضوه، أم قيمته (¬5) يوم تلف، قال: [بل] (¬6) قيمته يوم قبض المتاع، قلت والذي يبيع فيمن يزيد، ورجع إلى مسألة الكتاب (¬7)، والجواب المتقدم، كذا كانت مخرجة في كتاب ابن عيسى، وكتب عليها في رواية، وهو تخليط في الجواب، واضطراب من القول، وما لا يعرف من مذهبه، ومذهب أصحابه من تضمين هؤلاء إلا ما وقع لأصبغ في الثمانية، أن العهدة في/ [44] رد العيب، والدرك على متولي البيع، إلا أن يشترط عند البيع اشتراطاً بيناً أنه لا عهدة، ولا تباعة عليه، ولكن على ربها، وتعاملا على ذلك، فحينئذ تسقط عنه العهدة، فكأنهم عند أصبغ وفي هذه الزيادة كالصناع لما نصبوا أنفسهم لذلك، لمصلحة الكافة [في ذلك] (¬8)، وللوجه (¬9) الذي ضمن له الصناع. والمعروف من قول مالك وأصحابه في السماسرة والمأمورين والوكلاء، أنهم لا يضمنون، لأنهم أمناء، وليسوا بصناع، سواء كانوا بحوانيت أم لا، كذا جاء في أمهاتنا، وأجوبة شيوخنا. ¬
فقال في المدونة، في كتاب الجعل، في باب "جعل السمسار، في الرجل يدفع للبزاز المال يشتري له بزًّا، ويجعل له في [كل] (¬1) مائة يشتري بها (¬2) ثلاثة دنانير لا بأس بذلك قال: وإن ضاع المال فلا شيء عليه" (¬3). وفي كتاب الرواحل: "وكل شيء دفعته إلى أحد من الناس، وأعطيته على ذلك أجراً، فهو فيه مؤتمن، إلا الصناع الذين يعملون في الأسواق" (¬4) وقال في العتبية: فيمن استؤجر على شراء متاع، فزعم أن الثمن ضاع، يحلف. قال بعضهم ويدل أنه لا ضمان عليهم، إسقاط مالك، وابن القاسم، الضمان عن (¬5) المؤاجر بالتجر في المال في كتاب الجعل، والإجارة، وعن الذي اشترى السلعة على أن يتجر بالمال لأنه قال: "إن شرط إن ضاع المال أخلفه [له] (¬6) " (¬7)، فهذا يدل على أنه لا يضمنه، قال الداودي: لا ضمان (¬8) عليهم، إلا أن يخرجوا به من السوق، وإن كانوا متهمين، وقاله أبو محمد بن أبي زيد. وقال: يحلف (¬9) إن اتهم. وقال القابسي: في الرجل يبعثه الرجل يطلب له ثياباً فيضيع منها ثوب (¬10) إن ضمانه على الآمر، إذا اعترف بإرساله، أو ثبت (¬11) عليه، ويحلف السمسار ما فرط، ولا خان، ¬
ورأيت له أيضاً في جواب آخر، في مثله إذا كان معروفاً بالسمسرة فهو أمين لهما، فإن ادعى تلفه قبل أن يوصله (¬1) إلى الآمر صدق، وكذلك إن قال: وصلته، ولم يختره فأخذه (¬2) فذهب في رده، وإن قال: تلف عند الآمر فالآمر ضامن، إن أقر له، وإلا فالسمسار ضامن. وفال أبو محمد أيضاً في الرجل يدفع إلى الصراف الدنانير أو الحلي ليصرفها له أو الرقيق أو الدواب للنخاس بأجر أو بغير أجر فيقولون ذهب أو سقط منا، أو بعنا وسقط الثمن، أو بعنا من هذا الرجل، وهو يجحد، (فقال: القول قول الوكلاء على ما ذكرت مع أيمانهم، إلا في قولهم بعنا من هذا الرجل، وهو يجحد) (¬3)، فهم ضامنون، إلا أن يقيموا البينة بالبيع، وقبض السلعة، إلا أن يكون هؤلاء (الوكلاء) (¬4) من السماسرة الطوافين، الذين عادتهم ألا يشهدوا على ذلك، فالقول قولهم مع أيمانهم، ولا ضمان عليهم. وقال أبو عمر بن القباب في دعوى السمسار: رد الثوب إلى صاحبه، وقد طلبه منه ليعرضه، ورب الثوب ينكر، أنه لا ضمان على السمسار، ولا شيء عليه في دعوى ضياعه، ولا فيما حدث فيه يده من عيب، ويحلف إن اتهم، إلا [أن] (¬5) يأخذه (¬6) ببينة، فلا يبرأ إلا بها (¬7)، قال: وكذلك الذي يعقد (¬8) على بيع الثياب للناس في السوق. وقوله "في بيع السلطان على المفلس عبداً أعتقه ثم ظهر به عيب قديم ¬
(إذا علم) (¬1) أن البائع قد علمه (¬2)، رده المبتاع على الغرماء" (¬3) فتأمل هذا، فهو يدل أنه لا يقبل فيه قول البائع هنا، ولا يرد بقوله على الغرماء، وكذاك حكى محمد عن أشهب، (قال: وإن شاء رده المبتاع على المفلس. وقوله بعد هذا في آخر المسألة: "لأن البيع لم يتم حين وجد به عيباً رده" (¬4) يبين أن ابن القاسم لا يخالف أشهب) (¬5) في أن الرد [بالعيب] (¬6) نقض بيع، كما نص عليه أشهب في كتاب (¬7) (الاستبراء) (¬8)، [وخلافهما هناك وهنا يأتي في كتاب الاستبراء] (¬9) وتأمل قوله: فإذا (¬10) انقضت أيام العهدة الثلاث. ظاهره ما نصه ابن القاسم في غير الكتاب، أن الثلاثة (¬11) محسوبة بنفسها غير يوم العقد، وأن بقية يوم العقد ملغى، وإن كان أكثر [النهار] (¬12)، وهذا أصله في العقيقة، وإقامة المسافر، (والعدد) (¬13)، خلاف قول غيره من اعتبار ذلك من حين وقت العقد من أول يوم إلى مثله من الرابع تتمة ثلاثة أيام، وهو قول، وخلاف من اعتبار من اعتبر مضي أكثر النهار فيلغى، أو اعتبار بقية جله فيحسب يوماً كاملاً بنفسه، وهو قول (¬14). ¬
وقوله "إذا كان يجن رأس كل شهر هلال قال: يرده" (¬1). اعترض بعضهم على هذا، وقال: كيف تصح المسألة، ورضاه (به) (¬2) في مدة هذه الأهلة يمنع القيام بالعيب، فقد يحتمل أنه اعتراه هذا في الإيقاف بعد أن أقام لأول (¬3) ما رآه، فأوقفه للخصومة، أو أمسكه وهو مخاصم فيه أثناء ذلك، أو شك فيه لأول ما ظهر به، أهو جنون أم لا؟ فاستبان بتكراره في رؤوس الأهلة أنه جنون. ¬
كتاب الاستبراء
كتاب الاستبراء (¬1) أصل اشتقاقه من التبري، وهو الانفصال، والتخلص، ثم استعمل في الاستقصاء، والبحث، والكشف عن الأمر الغامض، لينفصل فيه عن يقين منه وحقيقة (¬2)، أو عن يأس، واستعملها الفقهاء في هذه المعاني في كل شيء. وخصَّصوا المجرد (¬3) منه، وتسميته كتابه بالكشف عن حال الأرحام، عند انتقال الأملاك، حتى يعلم تخليصها (¬4) من الحمل، أو شغلها به، بالعلامات التي جعلها (الله تعالى) (¬5) لذلك، مراعاة لحفظ الأنساب، واحتياطاً لاختلاط الزرع، وتمييز النسل، وهو لوجهين: أحدهما: لتمييز ماء البائع، من ماء المشتري، وذلك في كل موطوءة للبائع، إذا لم يستبرءها، أو ما هو في حكمها، أو في العلي التي يحط الحمل من ثمنها كثيراً (¬6)، وإن لم توطأ، أو استبرأها لنفسه البائع قبل بيعها، وهومستحب له، فاستبراء هؤلاء بالمواضعة (¬7). ¬
ومعنى هذه (الكلمة) (¬1) بالإيقاف (¬2) مدة الاستبراء، وهو وضع هذه الجارية على يد ثقة، حتى يظهر براءة رحمها من شغل الحمل، وتحل للمشتري، وهذا الاستبراء واجب، وحكم هذه في هذه المدة حكم ما لم يخرج من ملك البائع، ونفقتها عليه، ومصيبتها منه، لأنه لما كان استبراؤها وإيقافها بسببه من أجل مائه، / [45] أو من أجل خلوص سلعته العلية من الحمل، كان (¬3) تمام بيعها، إنما كان يوم براءتها من ذلك، ولم يتم العقد المتقدم إلا الآن، ومن حينئذ يضمنها المشتري. والاستبراء الثاني: في غير هذه ممن لا يتواضع فيمن لم يعترف (¬4) البائع بوطئها من وخش الرقيق، أو ممن لا ينقصه (¬5) الحمل من علية، كالمتزوجة المطلقة، والزانية، فهؤلاء لا استبراء فيهن، إلا أن (¬6) يريد مشتريها وطأها منهن، فواجب (¬7) عليه استبراؤها احتياطاً لما في نفسه مما لعله أحدثته، ولا مواضعة في هذه، وضمانها من مشتريها، من يوم الصفقة، إلا أن تكون ثم عهدة الثلاث، فمن يوم تمامها، ولما كانت التي هي في عظم دمها ظاهرة البراءة، من حمل من السيد وغيره (¬8)، كان ذلك على مشهور المذهب براءة لها، ولم يحتج إلى مواضعة، ولا تجديد استبراء، خلافاً لما حكاه ابن شعبان، وفضل، عن أشهب: أن المبيعة في عظم دمها لا بد لها من الاستبراء، والمواضعة، وهي عندنا، وعند جماعة من العلماء، موضوعة لبراءة الرحم، كما ذكرنا، وللتعبد (¬9) المحض، ولذلك يلزمه ¬
المشتري لمن تحقق براءة رحمها، إلا أن تكون في أمانته. وذهب بعض العلماء إلى أنها لبراءة الرحم (خاصة، فمتى حقق براءة الرحم) (¬1) لم يلزم استبراؤها، وإلى هذا نحى بعض أئمتنا، وعلى هذين القولين الاختلاف في استبراء العذراء. وقوله: "أرأيت إن اشتريت جارية فمنعني (¬2) صاحبها أن أقبضها حتى أدفع إليه الثمن (¬3) " (¬4)، إن حيضها عند البائع لا يبرئها من المواضعة، وقد قال في المسألة (إن) (¬5) على البائع المواضعة فدل أن المسألة مما لا يجوز اشتراط النقد فيها، فكيف يمنعه حتى يقبض ما لا يلزمه، فهذا لفظ لم يقصد، والله أعلم. وقد قيل: لعله أراد حتى توقف له على يد غيره، فإذا (¬6) كان هذا فهو وفاق لظاهر ما في البيوع الفاسدة، من إيقافه، ومثله في الواضحة، والمجموعة، والموازية، وذلك أن الثمن في مقابلة المثمون. فلما (وقف المثمون) (¬7) وقف الثمن. وقال في العتبية، والمبسوط، لا يحكم بوضع الثمن وإيقافه، ولا يجب إخراجه حتى تحل له الأمة بخروجها من الاستبراء (¬8). وقد قيل: إنه ظاهر [المدونة] (¬9) ما هنا، لأنه لم يذكر إلزامه إيقافه، ¬
وما في آخر الكتاب يدل عليه، لقوله واشتراط إيقافه، ولو أوجبه (¬1) الحكم لم يحتج إلى شرط، ووجهه أنه لا يتوجه له مطالبة المشتري بالثمن، إلا بعد تسليم السلعة له. قال ابن محرز: وعلى الاختلاف في هذا يجري الخلاف في إيقاف الثمن في السلعة الغائبة. قال القاضي: وقد مضى الكلام (¬2) عليها في كتاب الغرر، والاختلاف عندهم في هذا الباب [مبني] (¬3) على الخلاف فيمن يبدأ بالتسليم، (هل البائع لسلعته، وهو صاحب المثمون، أو المشتري) (¬4)، وهو صاحب الثمن، أو لا يبدأ أحدهما على صاحبه، ويتعاطيان معاً، والله أعلم. وقوله في المستحقة بحرية من مبتاع، وقد وطئها، لا صداق عليه (¬5)، عارضها بعضهم بمسائل وقعت له بخلافها، فعارضها سحنون بمسألة الأختين في كتاب النكاح. وقال: قد قال فيها إذا دخلت كل واحدة منهما على غير زوجها فعليه لها الصداق، وبهذا قال في المستحقة بحرية المغيرة، وعبد الملك، أن لها على سيدها الواطئ [لها] (¬6) صداق مثلها. وقوله: "يسأل (¬7) النساء، فإن قلن إن الدم يكون يوماً، أو بعض يوم، حيضاً، كان استبراء، وإلا فلا أراه استبراء" (¬8). قال محمد: وهذا إذا ثبت أن ذلك عادتها، [وإلا لم يجزها هذا الدم وإن قال النساء إنه يكون استبراء ومعناه أنها لا تصدق هي ولا بائعها أن ¬
تلك عادتها] (¬1) حتى يكون ذلك معلوما. قال سحنون: وهذا مثل قوله في رواية ابن وهب، في المطلقة إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، أنها لا تحل للأزواج، ولا تبرأ من زوجها حتى يعلم أنها حيضة صحيحة، وهي رواية أشهب أيضاً، وهي خير من قول ابن القاسم. قال القاضي: وهذا مذهب ابن المواز، وابن حبيب، أنها لا تدخل في ضمان المشتري حتى تستمر في الحيض (¬2)، وظاهر مذهب ابن القاسم في هذا الكتاب. وفي كتاب إرخاء الستور أن بأول قطرة (¬3) من الدم تنقضي مواضعتها، وتتم عدتها، وقد قال: هنا (¬4) في غير موضع من أول ما تدخل في الدم، فمصيبتها من المشتري، "وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها" (¬5). وقد اختلفوا هل هذا كله من قولهم وفاق، أو هو خلاف، والصحيح أنه خلاف، وأن قول ابن القاسم أولى وأصح، وقد بيناه في كتاب إرخاء الستور (¬6). وقوله: "إن انقلبت بالجارية ثم أقالني، يعني بائعها، قال إن لم يكن في مثل ما غاب (¬7) عليها المشتري أن تحيض فلا مواضعة، لأنها إن هلكت في مثل هذا كانت من البائع، ولا يطؤها (¬8) البائع حتى يستبرئ، إلا أن يكون دفعها إليه على الاستبراء، فلا يكون على البائع استبراء، إذا ¬
ارتجعها" (¬1)، قال بعضهم: هذا يدل على خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب. قال القاضي: بهذا فسر فضل ما في كتاب ابن حبيب، على نحو ما في المدونة، لكن في كتاب محمد: إن كانت بيد أمين بعد أن خرجت من الاستبراء وحلت (¬2) بأيام، فأربحه فيها البائع، فله أخذها، ووطئها مكانه، وكذلك لو ولاها (¬3) لأجنبي. قال أبو محمد: وهذا خلاف (ما في) (¬4) المدونة. وقوله: "إن استقاله في آخر دمها فعليه أن يستبرئ لنفسه (¬5) وله المواضعة على المقيل" (¬6). قالوا هذه المسألة إنما تصح إذا كان البائع قد نقد، وأوقف الثمن، وإلا فلا تصح الإقالة، إذ بخروج الجارية من المواضعة، ورؤيتها أول الدم، وجب للبائع الثمن على المشتري، فأخذ به جارية تتواضع، و [هو] (¬7) لا يجوز عند ابن القاسم، وروايته على ما تقدم في البيوع. وقوله "في المغصوبة أحب إلى سيدها ألا يمسها حتى يستبرئ" (¬8). أحب هنا على الوجوب، وهو بين أول الكتاب، قال وعليه أن يستبرئها، قالوا: وعلى الغاصب نفقتها، ومنه ضمانها حتى تخرج (¬9)، قالوا ويلزم هذا فيمن زنا بأمة رجل، طائعة، أو مكرهة، لأن طوعها لا يبطل حق سيدها. وقول ابن القاسم في الرد بالعيب إذا كانت خرجت من الحيض (¬10) عليه ¬
الاستبراء، وضمانها من [46] المشتري، قال في كتاب ابن حبيب: إلا أنها إن ماتت في هذه المواضعة رجع المشتري بقيمة العيب، "وقال أشهب:؛ لا تكون عليه مواضعة، لأن الرد بالعيب نقض بيع، وليس هو بيعاً فاسداً (¬1) " (¬2). قال: ولكنها تتواضع ليعلم أبها حمل أم لا؟ فإن ماتت فهي من البائع (¬3). قال مشايخنا: لا يختلف [قول] (¬4) ابن القاسم وأشهب أن الرد بالعيب نقض بيع، ولكن من حجة ابن القاسم أن يقول البائع للمشتري: أخذتها سليمة الرحم، فردها كذلك، فإنك حزتها، ولا أدري ما أحدثت عندك، وقد ذكر بعضهم اضطراب ابن القاسم في هذا الأصل، وأشار اللخمي أنه اختلاف من قوله، وقول ابن القاسم في رد السمسار [الجعل في] (¬5) المردود بعيب (¬6)، يدل أنه عنده نقض بيع، وكذلك قال في كتاب الصرف، إذا وجد الدراهم زيوفاً (¬7). وقد أشار بعضهم إلى أنهما يختلفان، هل الرد بالعيب نقض بيع، أو ابتداء [بيع (¬8)] (¬9)؟ من هذه المسألة [وغيرها] (¬10)، وهو بعيد في التخريج، والاستقراء، وغير صحيح في النظر، وكيف يقال: إنه ابتداء بيع وهو مما يكون غلبة، وحكماً، وهل يوجد بيع ينعقد بالإجبار؟ (وأما الرد فيصح بالإجبار) (¬11)، إلا أن يقال: (إن) (¬12) هذا إنما ¬
(يعترض) (¬1) ويتصور من مسائل الرد بالعيب، فيما تراضوا عليه، فهو ما لم يفصله أحد منهم، ويبعد حتى الآن من رده، إنما رده على الوجه الذي يقتضيه الحكم، ويوجبه إن اضطر إليه، وأما الإقالة فنعم تلك التي يصح فيها تخريج القولين، وتأويل العلتين، إذ هي بتراض من المتبايعين (¬2). وقوله في الكتاب: "والضمان لازم على البائع لا يسقط بقول الجارية إلا بالبينة العادلة التي تجوز في مثله" (¬3)، يعني من النساء، وظاهره أنها شهادة لا يجوز فيها أقل من اثنين، على أصله في شهادة النساء. وقوله بعد هذا: "أو تبرئة (¬4) المشتري مما له أوقفت" (¬5) يريد يسقط عنه حكم العهدة، والطلب بعيب الحمل، وغيره بعد تمام العقد، كما قال (ابن القاسم في كتاب ابن عبدوس: وهذا جائز، لأنه حق أسقطه، وعيب رضي بالتزامه، والعهدة وقعت صحيحة، وكذا (¬6) ما قال) (¬7) في الباب الأخير في الكتاب، إذا اشتراها وهي من علية الرقيق، فأراد أن يزوجها، (أن له ذلك) (¬8) إذا باعها منه على أنه لم يطأ، وله أن يقبلها بعيب الحمل إن ظهر، ويزوجها، ويطأها زوجها، دون استبراء، وله الرضى بحمل إن ظهر فيها، وليس للبائع حجة، إلا أن يدعي الحمل، (ويستلحقه) (¬9)، ولم يجز ذلك سحنون، ورأى أن المشتري إنما أسقط حقه في المواضعة ليعجل المنافع، ويلزم على ما قاله ابن القاسم، إذا رضي المبتاع بذلك نقد الثمن ¬
الآن، إذ لم تبق علة لتوقيفه، ولا يجوز على قول سحنون، وتعليله بتعجيل المنفعة، والصواب ما قاله ابن القاسم. وقوله "في مشتري الجارية من علي الرقيق فيشترط قبضها وحوزها كما يقبض الوخش قال: المواضعة بينهما، (ولا يفسخ شرطهما البيع) (¬1)، إذا لم يكن باعها على البراءة من الحمل، ويسلك بها سبيل من لم يشترط استبراء في المواضعة" (¬2)، كذا عندنا في المدونة، وكذا روايتنا، وكذا وقع في الأسدية. قال بعضهم: هذا لفظ فيه تجوز، وإنما صوابه: ويسلك بها سبيل من لم يشترط رفع الاستبراء. وقد اختصر هذا اللفظ المختصرون، أو أكثرهم، وحذفوه (¬3)، وهو عندي صحيح، لا فرق بينه وبين ما أصلحه هذا فيه، وذلك أنه إنما أراد أن اشتراطه وغير اشتراطه سواء، لا يفسد العقد، ويبطل الشرط، فهو كمن لم يشترط شيئاً، وأهمل العقد، ولم يذكر استبراء، فإن الحكم يوجبه، ومثله في الواضحة، وسواء كان ذلك عمداً، أو جهلاً بالسنة منهما. وفي كتاب محمد أن هذا الشرط من قصد إسقاط الاستبراء يفسد العقد، وقاله الأبهري. وعلى هذا مقتضى ما في المبسوط أن ضمانها من المشتري أبداً. وقوله هنا: "إذا لم يكن باعها على البراءة (¬4) من الحمل" (¬5). يبين اختلاف جوابه في المسألتين، وأنه إذا شرط البراءة من الحمل عنده في العلي يفسد العقد، وتكون مصيبتها من المشتري أبداً، وجاوب في هذه في كتاب محمد، الشرط باطل، والعقد جائز، (وقال ابن عبد الحكم: العقد ¬
جائز، والشرط جائز) (¬1)، على ما رجع إليه من البراءة من الجنون، والجذام، والبرص (¬2)، وليس هذا بأشد من الحمل، وكذلك لو تبرأ من الحمل، وهو معروف بالوطء، فجعله هنا فاسداً، وهو بيِّن. وذهب ابن حبيب في هذه إلى صحة البيع، وإبطال الشرط والمسألة عندهم جارية على مسألة البيع، والشرط، ووقع في الكتاب، في "باب استبراء الأمة، تتزوج بغير إذن سيدها: قول (¬3) بعض الناس، هو نكاح" (¬4). ثبت في كثير من النسخ، وفي (¬5) كتاب ابن المرابط وسقط. وقوله في مشتري زوجته قبل أن يطأها أو بعد وطئه لا استبراء عليه (¬6) وقال ابن كنانة: في غير المدخول بها يستبرئها، قال ابن القاسم: لا يكون اليوم حلالاً، وغداً حراماً، لم يزدها استبراؤها إلا خيراً. وقوله فإن دخل بها، ثم استبرأها، ثم باعها، قبل وطئها، فإن المشتري يستبرئها بحيضتين، لأنها عدة، على اختلاف من مالك في هذا الأصل، وله (¬7) تجزئها حيضة، قالوا في هاتين الحيضتين: لأن (¬8) الأولى للمواضعة، والثانية للعدة. وكتبت عن ابن عتاب: أن المواضعة في الحيضتين معاً، وهو ظاهر كلام ابن أبي زمنين، ونص ما في كتاب ابن ¬
عبدوس، وذلك لأنه (¬1) إن ظهر بها حمل فيهما صارت أم ولد للبائع، بخلاف (بيع) (¬2) ذات الزوج التي لا مواضعة فيها، ولا رد بعيب، من الحمل. وقوله: "يستبرئها المشتري بحيضتين" (¬3) لفظ مشكل ليس على أصله [الذي] (¬4) بينه (¬5) بعد هذا بقوله: "ولو اشتراها، وقد حاضت بعد طلاقه، حيضة، ثم باعها - يعني: ولم يمسها - فاستبراؤها هنا حيضة، ثم تحل له" (¬6) وذلك لأنها استبراء، وبها تمت العدة، فهذا تفسير (¬7) الأولى (¬8)، وإن معنى المسألة أنها لم تحض عند (¬9) زوجها، بعد استبرائها (¬10) إلى أن باعها، وقد وقع خلاف هذا في المبسوطة (¬11) لابن [47] القاسم، فقال: يستأنف حيضتين من يوم باع، لا من يوم طلق، وهذا يشير إلى ظاهر ما تقدم، ليس أصلهم، وقد وهم الرواية شيخنا: أبو الوليد ابن رشد، وقال: الصواب من يوم طلق، وهو معنى ما في المدونة. وقوله: "في الأمة المتزوجة بغير إذن سيدها ففرق بينهما على السيد الاستبراء ولا عدة (¬12) عليها، (واستبراؤها حيضتان، لأنه نكاح يلحق فيه الولد. وسبيله سبيل النكاح" (¬13)، إلى آخر كلامه. ¬
فقوله هنا: ولا عدة عليها) (¬1) لفظ مشكل، مستغنى عنه، وقد قال فيها: في طلاق السنة، أنها عدة كعدة النكاح، وهو معنى قوله: حيضتين، إلى (¬2) ما ذكر بعد هذا، وقيل: معناه: لا يلزمها ما يلزم المعتدة من المبيت في بيتها، وترك السفر، فتأمل هذا كله. وقوله "في الذي وطئ جارية (¬3) ابنه عليه الاستبراء بعد التقويم إذا لم يكن الأب عزلها عن نفسه" (¬4). تأولها ابن الكاتب، وغيره، أنه إن لم يكن عزلها بعد وطئه إياها، ولو عزلها صارت إذا قومت عليه كالمودعة، فعلى هذا يكون قول غيره يستبرئ، ولا ينبغي أن يصب ماءه على الماء الذي لزمته به القيمة، لأنه ماء فاسد وفاقاً، غير خلاف. وأما القابسي فقال: معناه (¬5) عزلها عند نفسه، قبل الوطء حتى يتيقن براءة رحمها، فإنه بأول مباشرتها ومخالطتها لزمته القيمة، وصب ماءه على ملكه في جارية مستبرأة عنده كالمودوعة، وقول غيره على هذا خلاف. قال بعضهم: يشبه أن يكون قول غيره على مذهب سحنون، في أنه لا يلزم إلا الأب القيمة في وطء جارية ابنه إلا برضاه، وأن ابنه بالخيار عليه كالشريك. قال القاضي رحمه الله: والذي عندي، أن ما ذهب إليه ابن الكاتب أصوب، وأنه مراد ابن القاسم بدليل قوله آخر المسألة، "لأنه وطء فاسد، وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ" (¬6)، فهو إنما علل بفساد الوطء، كما علل به غيره، ولو كان (على) (¬7) ما ذهب إليه ¬
القابسي لعلل بأنه (¬1) لا يدري براءة رحمها، ولم يعلل بفساد الوطء الذي يقول القابسي: إنه غير فاسد بإلزامه القيمة بالمباشرة، فتأمله، فهو بين (¬2). وقوله: "من اشترى جارية وهي في عدة من وفاة أو طلاق فلا يجردها لينظر إليها عند البيع ولا يتلذذ بشيء منها، حتى تنقضي عدتها" (¬3)، يستدل منها (¬4) على جواز النظر للجواري، عند التقليب، وتجريدهن لذلك، إذ لو كان ذلك ممنوعاً في جميعهن لما خص به هنا المعتدات، ويؤكده ما في كتاب الخيار، خلاف ما وقع منصوصاً من منع ذلك، في كتاب ابن حبيب، وغيره. وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الخيار، واختلاف التأويل في تلك المسألة. وقوله في المبضعة الوجهة (¬5): "لا يطأها من اشتريت له حتى يستبرئها" (¬6) فرق بينها وبين المودعة، أن هذه [إن] (¬7) خرجت من يد مشتريها المؤتمن عليها لغيره، ألا تراه كيف قال: "فبعث بها فحاضت في الطريق، فأشبهت المودعة، إذا كانت تخرج، ولو كان مشتريها (هو) (¬8) الذي أتى بها إليه لكانت كمسألة المودعة" (¬9). وقال أشهب: تجزئها حيضتها ¬
في الطريق، (أو عند الوكيل) (¬1)، ولا يستبرأ (¬2) لسوء الظن، إذ يدخل (¬3) ذلك في الحرائر والمماليك، يريد تجويز فعل السوء فيهن، وهو أصل أشهب في توقع (¬4) كل حمل مظنون من فساد، أنه لا يلزم، وما قاله في الزوجات والجواري، (فإنه) (¬5) لا يلزم، فإنه لو قدرنا (¬6) ذلك فيمن يخرج (¬7) منهن لم يتفق وطئهن جملة، واحتاج إلى حالة تيقن في البراءة من حملهن، ولا يصل إلى ذلك إلا بحيض، ثم لا يحل له الوطء فيه (¬8) حتى يطهرن، وفي آخره الحمل أيضاً ممكن، مجوز منهن (¬9)، فلا يتأتى له ذلك، وإن طهرن، إلا أن يكن (¬10) عنده في حرز، وثقاف، حتى يتيقن براءة أرحامهن، ولا يجوز عليهن السوء، وهذا حرج، وخلاف الإجماع، وقد استحسن بعض الشيوخ الاستبراء فيمن يتهمه منهن، ووجوبه فيمن اشتهر بالفساد منهن. وقوله "عن مالك في التي لا تحيض من صغر ومثلها يوطأ تستبرأ بثلاثة أشهر" (¬11). زاد في كتاب ابن حبيب عنه، وإن أمن عليها الحمل، (مفتضة كانت، أو عذراء) (¬12)، ومثله لابن وهب فيمن توطأ منهن، ومثلها لا تحمل، ففيها المواضعة، قال ابن القاسم: من يحتمل الوطء منهن فإنه يخاف عليها الحمل، قالوا: وهو قول مالك، وأكثر أصحابه، قال ابن ¬
حبيب في قول مالك: وهذا تشديد من القول. قد سمعت مطرفاً وعبد المالك، وذكر ذلك عن جماعة من السلف، أن ذلك إنما هو في التي قاربت الحيض، وكان يخشى عليها الحمل، فأما التي لم تقارب، وليس مثلها يحمل فلا استبراء فيها (¬1)، لأن الاستبراء إنما هو خيفة الحمل، وفي كتاب القاضي أبي الأصبغ: روى علي بن زياد، عن مالك، لا استبراء (¬2) على الصغيرة التي يؤمن عليها الحمل، وإن كان مثلها يوطأ، وللخلاف (¬3) في هذا نص عند ابن حبيب، وغيره، كما تراه، وعليه حمله بعض مشايخنا، وهو بين. والأولى ترك المواضعة والاستبراء فيمن (¬4) هذا سبيله في بنت السبع، ونحوها، وحمل اللخمي وغيره الخلاف في بنت تسع، وعشر، ومن يتوقع منها الحمل، وإن كان نادراً، ولعله فيه جاء قول مالك، وابن القاسم، وابن وهب: والأولى لا يخاف منها ذلك البتة، كما أنه لا خلاف في المراهقة. وقوله "في رواية ابن وهب، في آخر باب استبراء الصغيرة: أن (¬5) استبراء [الصغيرة] (¬6) التي لم تبلغ المحيض، واللائي يئسن (¬7) من المحيض في البيع ثلاثة أشهر. على ذلك أمر الناس عندنا. وهو مع ذلك من أعجب ما سمعت (¬8) " (¬9) أي فيه إشعار (إلى) (¬10) الخلاف الذي ذكره ابن حبيب، من قول من قال شهران، وشهر ونصف، وشهر فقط (¬11). ¬
وقوله: وكل ما أصابها في الاستبراء من عيب أو داء أو نقصان فللمشتري الرد به. قال بعضهم: يخرج منه أن العبد والأمة إذا صرحا في العهدة أنهما حران أنهما يردان بذلك، وإن لم يثبت، وفيه تنازع. وقوله "لا يكون عليه للوطء غرم إلا أن يكون نقصها وطؤه" (¬1) تأمل معناه. وقوله: "فإن كانت بكرا فافتضها المشتري في الاستبراء فجاءت بولد (¬2) لأقل من ستة أشهر، والبائع منكر للوطء" (¬3)، إلى آخر المسألة. [48] وقوله: "إلا أن [يكون] (¬4) البائع أقر أن الولد ولده إلى قوله: ويكون ولده" (¬5)، يخرج منها أن الوطء بين الفخذين يلحق منه الولد، لأنا نتحقق أن حمل هذه قبل بيعها، وقد بيعت بكراً، وهو المنصوص (¬6). قال محمد: كل وطء في موضع إن زل (¬7) عنه وصل إلى الفرج لحق به الولد. وقد عارض بعض شيوخنا هذا الأصل بإجماعهم على حد المرأة [التي] (¬8) تأتي بولد ولا يعرف لها زوج، إذ قد يكون من حجتها أن تقول: والله ما وطئت قط في فرجي، ولكن الماء زل (¬9)، وقد قال عليه السلام: ادرؤوا الحدود بالشبهات (¬10). لكن الجواب عن هذا، أنه لما كان غالب ¬
الحمل من الوطء في الفرج، حمل على غالبه، ولم يلتفت إلى هذه الدعوى النادرة، كما لو اعترفت أنه (¬1) من وطئ في الفرج، وادعت الغصب، فهذه أيضاً لا تصدق، إذ الغالب المعهود فيه الرضى، وقد يفرق بينهما أن هذه لما لم تعرف (¬2) بالغصب (¬3)، ولم تذكره قط، لم تصدق، وقد يجاب عن هذا بأن تقول أردت الستر على نفسي، فلما أراد الله تعالى كشف سري (¬4) بالحمل أثبته، وقد رأى بعض المشايخ أن لها في هذا حجة، وعذراً يجب درء الحد عنها به، كما قال غيرنا وهو قول الشافعي (¬5). وقوله: "كنت أطأ ولا أنزل فيها قال مالك الولد يلزمه ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل عنها" (¬6) حمله بعضهم على أن الجواب على غير السؤال وأنه أجاب على مسألة العزل، وهو محتمل بأن [كان] (¬7) أراد [بقوله] (¬8) لا أنزل فيها بتة، لا بين فخذيها ولا غيره، (وعزل عزلاً بيناً) (¬9)، فكما قال: ¬
فإن عدم الإنزال فيها وعليه حمله (¬1). والعزل البين عنها الذي يتحقق أنه لم يخرج منه هنا شيء، ولا أنزل بين الفخذين، فيخاف (¬2) سيلان الماء إلى الفرج، وقبول الرحم له، وإنما ابتدأ دفقه (وحقنه) (¬3) وخروج أول مائه بعد عزله عن الفرج، والفخذين، وأراقه في أعكانها، وغير ذلك من جسدها، فيما (¬4) يتحقق أنه لا يصل إلى الفرج منه شيء، فهذا لا يلحق به عندهم (¬5) ولد (¬6). قال (¬7) بعض شيوخنا: ويحلف، وإن كان (إنما) (¬8) قال (له) (¬9) لم أنزل فيها، أي في الفرج، وإنما أنزلت خارجاً عنه، بين الفخذين، وقربه، فهذا هو العزل الذي أجابه عنه، وعليه حمله غير واحد من الشيوخ. وكذلك مسألة الذي قال كنت أفخذها، ولا أنزل فيها، أي بين فخذيها، ولذلك لم يلحق به الولد، لأنا لو قدرنا (¬10) هنا انفلاتاً بين الفخذين فهو يسير، ولا يصل ليسارته إلى الفرج، [ويمحق دونه بخلاف لو أنزل ماءه كله أو أكثر منه فهذا يخشى منه أن يسري إلى الفرج] (¬11). وقد ذهب بعضهم إلى خلاف هذا، وبأن الإنزال بين الفخذين لا ¬
يلحق به ولد، لأنه يفسد بمباشرته (¬1) الهوى. قالوا: ولو كان الإنزال بين شفرتي (¬2) الفرج لم يختلف في إلحاق (¬3) الولد منه، وكذلك اختلفوا في إلحاقه (¬4) من الوطء في الدبر. وقوله: "الوكاء ينفلت" (¬5) - بكسر الواو ممدود - استعارة وتشبيه بخروج الماء في الفرج، قبل العزل. والوكاء: هو الخيط الذي يشد به فم القربة. "وعركت الجارية (¬6) " (¬7) - بفتح العين والراء - معناه حاضت (¬8). والجارية العذراء: ممدود هي البكر، التي لم تفتض. وأصله من الضيق. ومنه تعذر علي الأمر: أي ضاق سبيل الوصول إليه. والعقر - بضم العين - الصداق (¬9). "ورواية ابن وهب، وابن نافع، عن مالك، في آخر باب وطء الجارية أيام الاستبراء، فيمن ابتاع أمة حاملاً من غيره، فلا يحل له وطئها، ولا يباشرها ولا يقبِّلها إلى آخر المسألة" (¬10)، هي صحيحة لابن وضاح، وبعض القرويين، وسقطت لغيرهم من الرواة، زاد في رواية الدباغ، (قال) (¬11): "وإن بيعت بالبراءة حاملاً أو غير حامل فلا يقبِّل، ولا يباشر، لا قبل أن يتبين حملها، ولا بعده (¬12)، حتى ¬
تضع" (¬1). قال يحيى هذه الزيادة لابن وهب. وقوله فيها: "إن كان حملها ذلك عنده أو عند غيره من زوج أو زنا" (¬2) ولا خلاف - كما قال - في الواطئ (¬3) ممن كان. وقوله: "ولا يباشرها (¬4) " (¬5) إلى آخر الكلام. (و) (¬6) مذهبه هنا (أنه) (¬7) على العموم كيف كانت، وفي كتاب (ابن) (¬8) سحنون عن أبيه لا بأس بذلك، كالحائض، ولابن حبيب في المسبية (¬9) إن كان من زنا فله الاستمتاع بما عدا الوطء، وكذا يأتي إذا حدث الحمل عنده، أو رضي بعيبه، قال فضل: ومالك وأصحابه على خلاف ذلك. ولا خلاف في المعتدة من طلاق، أنه لا يحل له منها الاستمتاع حتى تخرج من عدتها، كما أنه لا خلاف فيما فيه المواضعة، والاستبراء، أنه لا يستمتع منهن بشيء حتى تخرج من ذلك. ¬
كتاب الصلح
كتاب الصلح (¬1) الصلح: معاوضة عن دعوى. وهو على ثلاثة ضروب: صلح على إقرار. وصلح على إنكار. وصلح على سكوت من المطلوب. وهو عندنا جائز في الوجوه الثلاثة. ومنع الشافعي الصلح على الإنكار (¬2). وحكاه ابن الجهم (¬3) عن بعض أصحابنا. ورأى المخالف أنه من أكل المال بالباطل. فالصلح على الإقرار معاوضة صحيحة، يدخل فيه جميع ما يدخل في جميع البياعات، من صحة، وعلة، وفساد، لأن بإقراره ارتفع أمر الخصام، ¬
ووجب لصاحبه أخذه إن كان قائماً، أو قيمته إن كان فائتاً، فيما يلزم ضمانه، أو مثله إن كان ذا مثل، ثم لا يخلو مع قيامه أن يكون غائباً، أو حاضراً، فيجري فيه [جميع] (¬1) ما يجري في البيوع (¬2). وما انعقد فيه من فساد لم يمض منه إلا ما يمضي من مكروه البيوع، إذ هو (بيع) (¬3) حقيقة، ومعاوضة صريحة. فكذلك (¬4) ما وقع به (¬5) الصلح، من دعوى على إقرار، وإنكار مختلط (¬6)، كالمقر ببعض (¬7) حق، وهو منكر لبعضه، وأما على الإنكار المحض، فها هنا يختلف أصل قول (¬8) مالك، وابن القاسم. فمالك يعتبر فيه ثلاثة أشياء: ما يجوز على دعوى المدعي (¬9)، ومع إنكار المنكر، وعلى ظاهر [الحكم] (¬10) فيما اصطلحا عليه. فإذا صحت المعاوضة على الوجوه الثلاثة صح الصلح (¬11). على هذا يأتي مذهبه في الكتاب، ويفهم [49] / من قوله: واشتراطه في المسألة التي تأتي بعد هذا بقوله: "إن كان مقرًّا" (¬12). ¬
ومذهب ابن القاسم إنما يعتبر الصلح في حق كل واحد منهما على انفراده، فإذا صح الصلح على ذلك، ولم يكن فيه فساد أمضاه، ولم يلتفت (¬1) إلى ما يوجبه الحكم (¬2)، وحكم السكوت حكم الإقرار (¬3) على قولهما معاً (¬4)، فما وقع من صلح حرام [على الإقرار والسكوت فسخ على كل حال، كالبيوع. وكذلك ما وقع من صلح حرام] (¬5) في صلح الإقرار، والمختلط بالإنكار، فيصالحه على ما لو انفرد به الإقرار لم يجز، كمن ادعى على رجل طعاماً من بيع، ودراهم، فاعترف له بالطعام، وأنكره الدراهم، فصالحه من دعواه على طعام أكثر من طعامه، أو طعام مؤجل، أو غيره، أو اعترف له بالدراهم، وصالحه على دنانير مؤجلة، أو دراهم أكثر من دراهمه، فكل واحد منهما مصالح بحرام، إذ الصلح فيما جعل (¬6) فيه إقرارهما، قاله بعض شيوخنا، وهو مما لا يختلف فيه، لأن الحرام [وقع] (¬7) في حقهما جميعاً. [قال] (¬8) وإنما يختلف إذا [كان] (¬9) توقع الفساد في حق أحدهما، ¬
وذلك في مسألة الصلح على الإنكار المحض (¬1)، مثل أن يدعي عليه عشرة دنانير، فينكره فيصالحه منها على مائة درهم إلى أجل، فإن هذا في حق المدعي لا يجوز، والمدعى عليه يقول: لم يكن له علي شيء، وإنما افتديت بما دفعت عن اليمين الواجبة علي، فمالك وأصحابه يفسخون هذا، وأصبغ يمضيه (¬2). واختلف في المكروه، وهو أن يقع على وجه ظاهره (¬3) الفساد، ولا يتحقق ذلك من جهة واحد منهما، فقال مطرف: يمضي. وقال عبد المالك: يفسخ بالقرب (¬4) ويمضي بالبعد. ومثاله مسألة الكتاب "في مدعي مائة درهم على رجل وهو ينكرها (¬5)، فصالحه منها على خمسين إلى شهر" (¬6) أو على تأخير جميعها، لأن كل واحد يقول: لا حرام فيما فعلت. المدعي يقول: أخرت أو حططت (¬7)، وأخرت حقي بغير عوض. والمدعى عليه يقول: افتديت من يمين (¬8) وجبت بشيء أخذته (¬9) دون عوض، وظاهره أن المدعي سلف لنفع اجتره (¬10)، وهو خوف قلب اليمين عليه، أو مخافة أن يحلف [له] (¬11) الآخر، فيذهب ماله (¬12). ¬
وكذلك لو ادعى كل واحد منهما على صاحبه حقاً، فأخذ كل واحد منهما صاحبه به، فكل واحد يقول: أنا محق (¬1). وظاهره: أن كل واحد منهما مسلف لصاحبه (¬2)، ليسلفه. فمالك راعى الأصول الثلاثة التي قدمنا في مسألة الكتاب. وشرط فيها إذا كان مقراً، لأنه إذا أقر ثم أخره فهو محسن، فاعل معروف، ولم تبق تهمة في حقهما، ودليل قوله أنه إن كان منكراً لا يجوز، وإلا فما فائدة قوله: إن كان مقراً شرطه ذلك. وهو نص ما له (¬3) في العتبية، وغيرها. وقال ابن القاسم: أنه لم يسمع منه في الإنكار، وأجازها في الإنكار (¬4) على أصله المتقدم في مراعاة الصحة في حق كل واحد منهما على انفراده. فالمنكر يقول: ألزمت نفسي لدفع الخصام ما لا يلزمني، ودفعت عني مظلمة بيمين الدعوى بما أعطيت. والمدعي يقول: أخرت (¬5) لئلا يجحدني فيظلمني، أو يرد علي اليمين فيوجب علي ما يشق علي مما لا يلزمني، فإنما أخرت (¬6) لدفع مظلمة، وذلك جائز لي، فلم أسلف لأستجر نفعاً. وقوله "في أول الباب فيمن اشترى عبداً بمائة دينار فأصاب به عيباً وهو لم يفت فصالح البائع على مائة درهم إلى أجل، قال: لا يجوز، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد" (¬7). ¬
ثم قال: " (فلما) (¬1) فسخا (¬2) قيمة العيب من الذهب في دراهم إلى أجل كان ذلك الذهب (¬3) بالورق إلى أجل" (¬4). هذا [كلام] (¬5) فيه تجوز، ولفظ له (¬6) تأويل، لأنه ذكر قيمة العيب، وقيمة العيب [لم تملك] (¬7) بعد (مع) (¬8) قيام العبد (¬9). وظاهر الكلام وجوبها، وقد اعترضها سحنون. وقال: أي قيمة وجبت في العيب والعبد قائم، وإنما معنى المسألة لمن يريد توجيه صحتها أن البائع قد كان انتقد الثمن، فلما وجد المشتري العيب كان له الرد، وأخذ دنانيره (¬10)، فلما اصطلحا بما ذكر، فكأنه أخذ العبد ببعض الدنانير، وفسخ ما قابل العيب في دراهم إلى أجل فهو معنى قوله: قيمة العيب، أي ما كان يقع له من الثمن، أو القيمة لو قوم. وقوله في مسألة "فوات العبد فصالحه في قيمته بدنانير أو دراهم أو عروضاً (¬11) نقداً فلا بأس به بعد معرفتهما بقيمة العيب" (¬12). وهذا أصل فيه تنازع في المستخرجة وغيرها. وفي كتاب محمد لمالك: أنه يجوز، وإن لم يعرفا قيمة العيب (¬13). ¬
قال بعضهم: وانظر قوله في الكتاب بعد هذا في المسألة: "وإن صالحه بدنانير إلى أجل. فانظر فإن كان مثل قيمة العيب، أو أدنى فلا بأس (به) (¬1) وإن كانت أكثر فلا خير فيه" (¬2). وإن كان (¬3) الصلح قبل النظر فهو خلاف (¬4) قوله: "بعد معرفتهما" (¬5)، وإن كان بعد النظر فهو وفاق. قال القاضي: ولم يقل هذا شيئاً، وإنما (¬6) نظر الحاكم والمفتي بعد نظرهما، و (بعد) (¬7) معرفتهما بقيمة العيب، وزيادتهما ما زاد، أو نقصهما، أو تأجيلهما. قالوا: ولو صالحه هنا (بعدد) (¬8) دنانير قيمة العيب من غير سكة الثمن لجاز، لأنه من باب المبادلة، والاقتضاء ما لم (¬9) يدخلها على (¬10) الاقتضاء. وقول أشهب (¬11) في المصالح من قيمة عيب قبل تفرقهما على دراهم، والثمن دنانير، قال: ذلك جائز، وإن كان أكثر من صرف الدنانير (¬12). هذا على ما وقع له مفسراً في غير المدونة، من إجازة (¬13) الصرف والبيع. نبه أبو محمد بن دحون (¬14) على أنه مذهبه في الكتاب من هذه ¬
المسألة، وأشار ابن حبيب إلى ذلك بقوله: واستخفه بعضهم. وغيره من الشيوخ قال: إنما استخفه في هذه المسألة، لأنه صلح على الرد بالعيب، ودفع الخصام على أصله أيضاً في هذا الباب من الصلح، أنه شراء المرجع، وأن العقد الأول على حاله، وإنما أعطى البائع ما أعطى للمشتري، ليتمسك ببيعه، ولا يخاصم. وابن القاسم راعى أنه لما ملك الرد بالعيب، كأنهما ابتدءا البيع بعبد ودراهم، بدنانير، أجراها مجرى البيع، والصرف، في القلة والكثرة. قال بعض الشيوخ: وهذا ما لم يقل: رددت، فإن قال: رددت، فصلحهما (يعد) (¬1) ابتداء بيع يجوز [50] فيه؛ ما يجوز في البيع، ويمتنع ما يمتنع، يريد على قوليهما جميعاً، وقد تقدم الاختلاف فيما يجب به الرد في العيب، في كتاب العيوب. "ومسألة الطوق" (¬2) عارض بها بعضهم مسألة الخلخالين، في كتاب الصرف، لأنه اشترط هناك حضور الخلخالين، ولم يشترط مثله هنا. وقد قال سحنون في مسألة الخلخالين (¬3): لا يجوز إلا أن يكونا في مجلس الصرف لم يفترقا، كالصرف في الدينار، يجد به عيباً، فلا يجوز الصلح فيه (¬4). وقد فرق أبو محمد بين المسألتين، لأن الدينار (¬5) لا يتعين، فصار إذا صالحه (¬6)، كأنه باعه منهم بما ترتب في ذمته حين عقد ¬
الصرف، من دينار سالم، والطوق معين، وفرق بعضهم بينهما أيضاً، بأن الخلخالين في غير ضمان مشتريهما لمستحقهما، فكان أجاز بيعه بغير حضوره، صرفاً مؤخراً، كتصريف الدنانير المودعة ممن هي في بيته، والطوق في ضمان مشتريه (¬1)، فكان تقدير (¬2) تجديد عقد صرفهما الآن [فيه] (¬3) كصرف الدنانير المغصوبة، أو الدين ممن هي عليه، وإلى هذا نحا ابن الكاتب (¬4). وقوله في المسألة "إذا صالحه منها على دراهم دفعها إليه إنه جائز إن كانت من جنس الدراهم التي دفعها إليه" (¬5). اختلف الشيوخ إذا تأخرت من غير شرط، فمنهم من أجاز ذلك، (كما أجاز) (¬6) في الكتاب تأخير ما صالح به من دنانير، في "مسألة العبد، من غير شرط" (¬7) أول الكتاب، وأكثرهم لم يجيزوا ذلك، كما لو كان بشرط، لأنه عندهم صرف مستأخر، والاستئخار في الصرف بشرط، وبغير شرط، لا يجوز. ومسألة العبد إنما اتقى فيها البيع والسلف، فإذا لم يكن في العقد مشترطاً سلماً من ذلك، ولو كان في مسألة "العبد الصلح مكان العشرة دنانير دراهم، لم يجز تأخيرها بشرط، ولا بغير شرط" (¬8). وعلى أصل ¬
أشهب في الباب (¬1) أنه سواء، وأن البيع الأول باق (¬2) على إجازة (¬3) صلحه فيهما (¬4) بدراهم من غير سكة (¬5) (الثمن) (¬6)، يجوز التأخير بشرط، وبغير شرط، صالحه بدنانير، أو دراهم. قال أبو عمران: ولو فات الطوق جاز أن يصالحه على دراهم مؤخرة بقيمة (¬7) العيب، أو أقل، كمسألة العبد إذا فات. وقوله "إذا صالح الورثة زوجة الميت على دنانير من الميراث وقد ترك دنانير ودراهم وعروضاً ولم يترك ديناً، لا بأس بذلك، إذا كانت الدراهم قليلة، وقبض ذلك يداً بيد" (¬8) يريد أن الذهب الذي أعطوها أكثر من حظها من الذهب الذي (¬9) في التركة، مثل أن يكون (¬10) عدة الذهب ثمانين (¬11)، فصالحوها على عشرين، فها هنا (¬12) اشترط قلة (¬13) الدراهم، لئلا يدخلها بيع وصرف، ولو كان الذي أعطوها عشرة من هذه الثمانين لم تبال، أكثرت الدراهم، أو قلَّت، كان في التركة دين أم لا. لأن هذه أخذت حقها من هذه الدنانير، وتركت ما سواه، ووهبته، وليس هذا بصلح، وإنما احتسبت (¬14) وأخذت بعض حقها، ¬
كما نص عليه أول الباب (¬1)، وآخره، وسواء كانت العشرون في المسألة الأولى جملة ما ترك الميت من الدنانير، أو بعضها. على هذا تأول شيوخنا: أبو محمد، وغيره، مسألة الكتاب. وفي كتاب محمد: إنما ذلك إذا لم يبق في التركة من الذهب سوى الذي صولحت عليه، إذا كان أكثر من حقها من الذهب. وقد تكلم شيوخنا على تعليل القولين بما لا فائدة في تكراره، لكن القطع بأن مذهب الكتاب ما أشاروا (¬2) إليه من خلاف محمد ليس بظاهر. وقوله "في مسألة الشريكين يعملان في حانوت وفيه شركة متاع لهما ودنانير ودراهم وفلوس فأعطى أحدهما دنانير، وافترقا (¬3) لا خير فيه" (¬4). (قيل) (¬5): معناه أن الدراهم أكثر من صرف دينار، ولو كان أقل جاز. قال محمد: وليس فيها دنانير، سوى ذلك، وتأولها أبو محمد على أنه أخذ من الدنانير أكثر من حظه، وفيها من الدراهم أكثر من صرف دينار، كمسألة الزوجة سواء. وقيل: معناها أن الدنانير من مال المعطي لا من مال الشركة، فسواء (¬6) حينئذ، كانت الدراهم قليلة، أو كثيرة لا يجوز. وقوله في باب مصالحة الورثة عن مال الميت "لو هلك رجل بينه وبين رجل خلطة فادعى (¬7) عليه ولد الهالك" (¬8) هذا أصله في الكتاب، في ¬
مراعاة الخلطة، وقد ذكرها في كتاب الشهادات (¬1)، والخلاف في اشتراطها الآن معلوم، قالوا: فلا يتوجه للوارث طلب هذا بما لأبيه عنده، إلا أن يحقق دعواه، فأما لو قال: وجدته (¬2) بخط أبي، أو أعلمني (¬3) به، لم يلتفت إلى دعواه، إلا أن يثبت. فانظر ما قالوه. وقوله: "توي ما على الغريم" (¬4) أي هلك. بكسر الواو وفتح الياء، وقد قيل (¬5): بفتح الواو، والأول أفصح (¬6). وقوله في مسألة "الرجلين، لهما ذكر حق بكتاب واحد، أو بغير كتاب، من بيع باعاه بعين، أو ما يكال، أو يوزن، غير الطعام، والإدام، أو من شيء (¬7) أقرضاه من الدنانير، والدراهم، والطعام، إلى آخر المسألة" (¬8). قيل: إنما استثنى الطعام هنا من بيع، لأن إذنه له في الخروج لاقتضاء نصيبه مقاسمة، والمقاسمة فيه كبيعه قبل استيفائه. قاله ابن أبي زمنين، وغيره. وفي قسمة الأسدية لمالك خلاف هذا، وهو أصل متنازع فيه، هل القسمة بيع أو تمييز حق (¬9)، وحمله أبو عمران وغيره على أنه (¬10) راجع إلى مآل (¬11) المسألة من بيع أحدهما نصيبه من غريمه أو مصالحته (¬12) إياه عنه، ¬
كما ذكر ذلك آخر الكتاب، وكرره بلفظه، فقال: "من غير الطعام، والإدام، فصالح (¬1) من ذلك على دنانير" (¬2) فهذا يبين أنه مراده، وأن ذلك بيع الطعام قبل استيفائه (¬3). وقول ابن القاسم [هنا] (¬4) في صفة رجوع الشريكين جميعاً على الغريم (¬5) بما بقي للذي لم يخرج، وبما أخذ من يد الخارج، وأنهما يتبعانه (¬6) معاً، هذا قول غيره (في الكتاب) (¬7) في كتاب المديان، ولابن القاسم هناك قول غير هذا، أن الذي لم يخرج يرجع على المديان بما له قبله أو لا فيرد منه على الخارج ما أخذ له (¬8). والقول الآخر هنا في صفة دخول [51] / القاعد على الخارج فيم اقتضاه (¬9) (ذلك) (¬10). وكلام سحنون وتفريقه (¬11) بين الصلح قبل الحط ثابت في كتاب المديان لغير ابن القاسم (¬12)، وثابت هنا في رواية يحيى، وسقط عند إبراهيم بن محمد، وفي كثير من الروايات هنا، ولم يكن في كتاب الدباغ، وضرب عليه. قال الأبياني: قرأه لنا يحيى، وكان مخطوطاً عليه في كتابه. ¬
قال ابن وضاح: قرأه لنا سحنون في بضع العرضات، وطرحه في أخرى (¬1). وكذلك قوله أيضاً بعد ذلك، وبعد قوله: "والدين حكمه حكم العرض" (¬2). ثم زاد، وهي الخمسة والعشرون ديناراً، وليس على من تعدى على عين بغصب، أو وديعة عنده، اشترى يها شيئاً، أن يؤخذ منه ما اشترى به (¬3)، وإنما عليه مثل العين الذي تعدى (¬4) عليها. ثبت هذا الكلام عند إبراهيم بن باز، وسقط من رواية ابن وضاح (¬5). وقال: طرحه سحنون ولم يكن في رواية يحيى بن عمر، ولا ابن أبي سليمان. وقول سحنون، بعد قول غير ابن القاسم، قال سحنون: "فخذ هذا على قول ابن القاسم، فإنه أشبه بأصولنا" (¬6) وأحسن، وبه نأخذ، "فخذ هذا على هذا إن شاء الله" (¬7). ثبت عند الدباغ، والأبياني، وابن وضاح. وقوله بعد ذلك "ثم يرجعان على الغريم فيكون ما عليه بينهما" (¬8). ثبت لابن القاسم وحده، وسقط لسائر الرواة، وهو (¬9) على أصله في الكتاب صحيح، ومثله لغير ابن القاسم في كتاب المديان في العرض "إذا اقتضاه من حقه، قال فلشريكه نصفه، ثم يكون بقيمة الدين بينهما" (¬10). ¬
قال ابن القاسم هناك: إنما يرد عليه قيمة ما أخذ منه، من نصف عرضه. قال (بعض) (¬1) الشيوخ: معنى قول ابن القاسم، أن العرض قيمته أقل من نصيب المصالح، ولو كان أكثر لم يرد على المصالح صاحبه إلا نصف ما أخذ من الغريم، ويكون هنا موافقاً لقول غيره. واختلف تأويل الشيوخ على هذا، فيما يكال، أو يوزن. فقيل: يرد عليه مثل ما أخذ. وقيل: قيمته. وقد خرج بعض الشيوخ الخلاف (¬2) في أنه ليس على الخارج فيما قبض شيء، ولا يدخل عليه، وهو (¬3) أصل متنازع فيه. وقال ابن شبلون: ولا يختلف لو كان الصلح قبل محل الأجل، أنهما يرجعان إلى الغريم بما بقي لهما، لأن المُصالح يقول: حططت من دَيني لما قبضت، واستعجلت. وقال أبو عمران: ذلك سواء صالح قبل أو بعد، الخلاف يتصور. وقوله "في الذي أقر بقتل خطأ وصالح أولياء المقتول على مال دفعه إليهم قبل أن يقسموا وتجب على العاقلة الدية، وهو يظن أن ذلك يلزمه (أرى ذلك جائزاً) (¬4) " (¬5)، فمذهبه (¬6) هنا أن الدية في الإقرار على العاقلة بقسامة (¬7)، وأنه شاهد ما لم يتهم بغنى (¬8) ولد المقتول، على ما فسر في ¬
كتاب الديات (¬1) وغيره. وقوله آخر (¬2) المسألة: "وقد اختلف الناس فيه عن مالك" (¬3) (لم يثبت عن مالك) (¬4) عند ابن عتاب، وهو ثابت في كتاب ابن المرابط، لابن القاسم، ويحيى، وأحمد بن داود، ولغيرهم بإسقاطه، لكنه صحيح مفسر بعد في روايتهم بقولهم، "وقاله مالك أيضاً، وقال مالك أيضاً: لا يكون عليه شيء إلا بالقسامة" (¬5)، ثبتت هذه الزيادة كلها من قوله: وقاله مالك أيضاً. لابن وضاح، وابن باز (¬6)، وليست عند يحيى، ولا أحمد، وزاد في بعض الروايات. وقال بعضهم: على العاقلة. وقال ابن القاسم، وأشهب، عن مالك: وهو على العاقلة بالقسامة (¬7). ثبت هذا (¬8) عند وهب بن ميسرة وهو في كتاب ابن المرابط، عند الدباغ، والأبياني. قال القاضي: فعلى إثبات هذه الروايات، واختلافها، يأتي في المسألة في الكتاب ثلاثة أقوال، كلها لمالك. أولها: أن الدية في ماله وحده، بغير قسامة، وهو قول المغيرة، وابن الماجشون (¬9). ¬
(القول الثاني) (¬1): أنها على العاقلة كما تقدم، بقسامة (¬2)، مات منها، أو كانت له حياة، وهو قول ابن القاسم، وأشهب، وروايتهما عن مالك. وظاهر ما هنا: أنه لا شيء على الجاني منها. وهو تأويل بعض أصحابنا عن مالك في أصل المسألة، في العاقلة، وأن قول مالك في غير المدونة، وهو كواحد منهم، على الاستحسان، وما وقع له هنا، وفي كتاب الديات، ببينة، إذ في مسألة الإقرار كان أولى أن يدخل معهم. والقول الثالث: ظاهر قول مالك هنا، لا يكون عليه شيء إلا بالقسامة، فقيل: معناه جميعها، وهو تأويل بعض شيوخنا (¬3)، وهو قول ابن لبابة، وتأويله على الكتاب، وحمل (¬4) الكلام على وجهه، لأن من حق ورثته أن يقولوا هو، وإن أقر بضربه خطأ، وجرحه له، فلعله مات من شيء آخر، فأقسموا (¬5) كما لو أقر بجرحه وقتله عمداً، فلم يمت قطعاً، لم يقتلوه حتى يقسموا، فكذلك الأمر في ديته. وقيل: معناه أي أنه كواحد من العاقلة، فإن أقسموا لزمه (¬6) ما لزمهم، كواحد منهم، وهو نص قول مالك في كتاب محمد، والمجموعة، وهو تأويل أكثر الشيوخ، فيأتي [على] (¬7) هذا في المسألة قول رابع (¬8). وفيها قول خامس، ذهب إليه ابن دينار، وحكاه ابن سحنون أيضاً عن آخرين من أصحابنا، لم يسمهم. ¬
وحكى (¬1) ابن الجلاب رواية عن المذهب، أنه لا يلزمه إلا ما كان يلزمه مع العاقلة لو أقسموا، (ولا يكون على العاقلة شيء) (¬2)، وظاهره أنه لا يقسم (¬3) لقوله (¬4): وهو مقر أنها دية على العاقلة، يخصه منها على القول بأدائه معهم حصته (¬5)، فيؤديها. وفيها قول سادس، حكاه (¬6) القاضي عبد الوهاب، عن مالك، أنه لا يلزمه بإقراره من قتل الخطأ شيء، (لا) (¬7) على العاقلة، ولا على نفسه. وحكى ابن ميسرة عن ابن وهب وابن القاسم أن العاقلة لا تحمل إقراره، ولم يذكر إلزامه هو شيء (¬8)، فانظره. هل هو مثل هذا. قال بعض شيوخنا: وإنما يتصور الخلاف (¬9) عندي، إذا كانت له حياة، فإذا لم تكن، فالدية على المقر في ماله بغير قسامة. قال محمد: ويشهد على قوله، ويطلق، وإنما أشهدنا على قوله لئلا يموت قبل القسامة، فينقل الشاهدان شهادته،/ [52] وله الرجوع عن قوله ذلك، وإبطاله. قال أبو عمران: وليس في المدونة بيان إذا صالحه هو (¬10)، هل له الرجوع أو لا رجوع له، والصلح لازم له (¬11)، وذهب ابن محرز (¬12) أنه إنما ¬
يلزمه ما دفع، لا ما لم يدفع (¬1). وانظر تفريقهم في هذه المسألة بين المصالح على دم الخطأ الثابت ببينة، فجعله هناك يرجع به بعد الدفع (¬2) إن كان جاهلاً، يظن أن ذلك يلزمه، إذ ليس هنالك خلاف أنه على العاقلة. وفي المسألة الأخرى من الخلاف في إلزامه ذلك في ماله، وإلزامه (¬3) [صلحه] (¬4) ما تقدم، فإما أن يلزمه ذلك بالعقد، على ما ذهب إليه أبو عمران، لإيجابه (¬5) على نفسه ما يلزمه عند بعض العلماء، على (¬6) أحد القولين، أو بالدفع، والقبض، على قول غيره، فجعل للقبض فيه أثر قوي، كالحكم، إذ دفعه (¬7) بطوعه، وأن للقبض على وجه التأويل تأثير فيما اختلف فيه، كالدخول في الأنكحة المختلف فيها، وقبض بعض البيوعات المكروهة (¬8) عندنا، المختلف فيها. وانظر في قوله إذا كان جاهلاً يظن (¬9) ذلك في المسألتين (جميعاً) (¬10)، لو كان فقيهاً عالماً (بما له) (¬11) وعليه في ذلك، لمضى الصلحان في المسألتين جميعاً، قبض ذلك منه أم لا، لأنه ألزم نفسه ما لا يلزمه، وتحمل عن عاقلته ما تحمله، لكن معنى النظر فيما دفع من ذلك إن كان مما يجوز به بيع ما على العاقلة أو لا. ¬
وقوله "في الذي صالح جارحه في مرضه على أقل من أرش الجراحة (¬1) أو أقل من الدية فمات أن ذلك جائز" (¬2). تأولها غير واحد على مسألة الصلح من الجراحة فقط، لا بما تؤول إليه من النفس وتأولها ابن العطار (أنها) (¬3) على النفس (¬4)، والجرح معاً (¬5)، وعليه يدل قوله على أقل من أرش الجراحة، أو أقل من الدية، وفي العتبية (¬6) لابن القاسم: لا يجوز أن يصالحه بشيء عن الجراح، والموت إن كان لكن يصالحه بشيء معلوم، ولا يدفع إليه [شيئاً] (¬7)، فإن عاش أخذ ما صالح عليه، وإن مات كانت فيه القسامة، والدية في الخطأ، والقتل (¬8) في العمد (¬9). وقال أيضاً في سماع عيسى: إن صالحه على أكثر من الجراح (¬10) لم يجز، وكأنه صالحه على ما ترامى إليه، وهو خطأ (¬11). ثم رجع فقال: لا يجوز الصلح إلا بعد البرء، لأني أخاف أن يأتي على النفس، وعلى هذين القولين نص أصحابنا، الخلاف في الصلح على الجرح، وما ترامى إليه، وهي هذه المسألة بعينها (¬12). ومسألة "المقتول عمداً وله وليان، فعفا أحدهما على مال أخذه" (¬13) ¬
ذكر فيها قول ابن القاسم، وقول غيره، وهو علي بن زياد، وقول أشهب ولابن القاسم في الجنايات كقول غيره هنا، ولغيره هناك أيضاً، وقال آخره في كتاب ابن عتاب، وقاله ابن القاسم [أيضاً] (¬1)، وهو خلاف، وقال سحنون في قوله، وقيل: للولي أن يدخل (أيضاً) (¬2) على صاحبه، معناه: إن أحب. وأما قول أشهب هنا، فتفسير عندهم لقول ابن القاسم وهو خلاف ما ذكره سحنون أنه وفاق لرواية علي. (وقوله: قول علي) (¬3) وأشهب خير من قول ابن القاسم. وقوله في المسألة: "ولا سيبل إلى القتل" (¬4). عارضوها بمسألة العبد، أول الجنايات، وأنه لم يجبر فيها من لم يعف على (¬5) الدخول على أخيه، وأنه إن لم يدفع إليه سيد العبد نصف الدية، ولا شاركه العافي في العبدين أن الصلح ينتقض، ويكون لهم القتل في أحد قوليه. وقال بعض الشيوخ: يمكن أن يكون ما في الجنايات خلافاً (¬6)، وأنه أحد القولين هنا، ويحتمل أن يفرق بينهما أن تلك الجناية هناك متعلقة برقبة العبد، ولسيده أن يفتكّه، وفي مسألة الصلح هي متعلقة بالذمة، لا بغيرها. فال القاضي: وهذا الفرق غير بين، لأن الجناية كما تعلقت برقبة العبد، إلا أن يشاء سيده (¬7) أن يفديه (¬8)، برضى ولي الدم، كذلك (¬9) تعلقت ¬
بنفس الحر، إلا أن يفدي نفسه بالدية برضى ولي الدم، ولا فرق، وما هو كله إلا خلاف. وقوله في آخر المسألة، قلت لأشهب: "فإن كان للمقتول زوجة إلى آخر المسألة" (¬1) كذا كتبناها لأشهب، عن ابن عتاب في المدونة، (وهي) (¬2) في بعض النسخ) (¬3)، قلت لابن القاسم، وأوقف أشهب في كتاب ابن المرابط، وقال ليس للأبياني، والدباغ، وكتب مكانه ابن القاسم (¬4). ثم قال: "قال ابن وهب، وأشهب: قال ذلك سليمان بن يسار" (¬5). وكذا هو في كثير من الروايات، سقط ذكر ابن وهب، وأشهب، عند إبراهيم بن محمد، وثبت لغيره، وزاد في رواية ابن وضاح آخر الباب قال ابن وهب، وقال ذلك عمر بن عبد العزيز (¬6)، وأبو الزناد ومالك بن أنس. وقوله "فنزا" (¬7) جرحه بعد ذلك أي يزيد، وترامى إلى الهلاك، وأصله من زيادة [جريان الدم (¬8). ¬
وقوله في الذي عليه جناية عمد فأراد أن يصالح منها بمال ويدفع القصاص عن] (¬1) نفسه، وعليه دين محيط بماله، أن للغرماء رده، حملها (¬2) بعضهم على ظاهرها (¬3)، وإن هذا (وإن كان من) (¬4) مصالحه فلم يعاملوه على هذا، ولا دخلوا عليه، ولهم رده، بخلاف (¬5) ما دخلوا عليه، من النكاح، والتسري المعتاد. وذهب أبو عمران، وأبو بكر بن عبد الرحمن، أن ردهم إنما هو ما لم يدفع، إذ لهم أن يفلسوه، ويحجروا عليه، فأما إذا دفع قبل قيامهم مضى ذلك، ولم يكن لهم رده، لأنهم إنما عاملوه على مصالحه (¬6)، وتصريف ماله في منافعه، وجعل هذا مثل رهنه، وقضائه غرمائه قبل قيامهم، ويدل على هذا قوله في التفليس، أن لأهل الجنايات العمد أن يضربوا مع الغرماء بما صالحوا به. وقوله (في مسألة (¬7) "استحقاق العبد (¬8) المصالح به من [دم] (¬9) العمد (¬10) والنكاح والطلاق يرجع بقيمته لا بقيمة الدم، وقيمة الطلاق" (¬11) كذا في كثير من النسخ، وسقط (لا) من كتاب ابن وضاح. وقال: كذا قرأناه على سحنون، وليست عند يحيى، ولا أحمد بن أبي سليمان، وبثبات (لا) تصح المسألة. وبسقوطها يحتمل الكلام، ويفسد ¬
معنى المسألة في الظاهر، إلا أن يتكلف لها (¬1) تأويل، وأن معنى (¬2) "بقيمتهما" (¬3). قيمة الدم، والطلاق، أي أن ذلك للمصالح به، هو قيمة الدم، والطلاق، مما ليس (¬4) له قيمة (معلومة) (¬5)، إلا ما تراوضا عليه. ألا ترى كيف وصل هذا بقوله: [53] / إنما (¬6) المال فيهما (¬7) ما صولح (¬8) عليه به فيهما (¬9). وقوله "في النخل الموصي بغلتها أنه يجوز أن يصالح الورثة ويخرجوه (¬10) من الوصية لأن مرجعها إليهم كالسكنى" (¬11). قال أبو عمران: معناها (¬12) أن النخل لا ثمرة فيها. ومسألة العرايا فيها ثمر لم يطب (¬13)، وذكر "اختلاف قول ابن القاسم، وأشهب، في الصلح على عشرة أرطال من لحم شاته هذه" (¬14). وقال آخر المسألة، قال سحنون، قول ابن القاسم [أحسن ولم يعجبه قول أشهب ثبت عند ابن وضاح ولم يثبت لغيره (¬15). ¬
ومسألة المصالح من دم عمد] (¬1) على ثمرة لم يبد صلاحها (¬2). وقوله: أنه لا يجوز ويرجع إلى الدية (¬3). قال: ولا يرد إلى القصاص. قال القابسي: هذا على أحد قوليه بإجبار القاتل على الدية، وخلاف قوله الآخر، "ومسألة الموضحتين" (¬4) الاختلاف فيهما (¬5) معلوم. واختلف في تأويل قول ابن القاسم، وقسمة الشقص عليهما، هل ذلك مع تساوي الجنايتين، أو اختلافهما (¬6)، فقيل ذلك سواء، نصفه للخطإ، ونصفه للعمد، كائنا ما كان الجرح، أو الجناية، اتفقا، أو اختلفا، ويذكر هذا عن محمد بن عبد الحكم، وأنه مذهب ابن القاسم عنده. وقيل: بل يعتبر حال الجرحين، وتكون (¬7) قسمة الشقص على قدرهما، وإنما يكون نصفين إذا استويا، كموضحتين، أو قطع يدين، وأما إذا اختلفا، كقطع (¬8) يد وقتل نفس، فإنه يقسم الشقص بينهما على قدر دياتهما في الخطإ، ثلث، وثلثين، وهكذا في غير هذا، وعليه تأول المسألة أكثر شيوخ القرويين (¬9). وقوله "من المصالحة من عيب العبد: فإن كان العبد قد فات بعتق أو تدبير أو موت لم يصلح (¬10) أن يصالحه بدراهم نقداً، لأنه كأنه تسلف منه ¬
ذلك ليعطيها إياه إذا حل أجل ما عليه" (¬1). فانظر قوله: بعتق (¬2)، وما ذكر بعده (¬3)، أن الفوات عنده [في المسألة] (¬4) إنما هو ذهاب عينه (¬5)، فدليله إن فات بعيب (¬6) يكون المشتري مخيراً في الرد، والإمساك فيه، كانت مسائله كمسائل الذي لم يفت، لأنا نقدر (¬7) أنه اختار الرد، فما يدخل فيه إذا لم يحدث [فيه] (¬8) عيب في الذرائع يدخله كأنه مبتدي لشرائه، وهو تفسير ما في [أول] (¬9) الكتاب من الفوات. والله أعلم. وقوله "في مسألة من اشترى من رجل عبدا بدراهم إلى أجل فأصاب به عيبا" (¬10) وذكر المسألة، ثم قال: "ولا بأس أن يشتري الرجل العبد بذهب إلى أجل، ثم يستقيل قبل أن يحل الأجل، على أن يرد العبد، ويرد معه عرضا نقداً، وإنما تقع الكراهة إذا رد معه ذهباً، أو فضة، نقداً، قبل أن يحل الأجل، فإن حل الأجل فلا بأس أن يرد معه دنانير، أو دراهم، نقدا. ولا خير فيه إذا أخره" (¬11). هذه المسألة تتنزل على مسألتي حماري ربيعة. وقوله هناك دنانير أو دراهم (¬12) وأصل المسألة بدراهم مما يشكل، لأن الدنانير هنا تقع على كثير من الذهب، فهو صرف وبيع، وإن كان رأس المال ذهبا بذهب وعبد بذهب. ¬
فقيل: معنى ذلك، إن كان البيع بذهب فيكون الصلح بذهب، على أن يسقط عنه من الثمن ذلك، ويقاصه [به] (¬1)، وإن كان دراهم فيكون أقل من صرف دينار. وقيل: بل الكلام على التفصيل، إن كان ذهباً، فيرد (¬2) ذهباً، وإن كان دراهم، فيرد دراهم. وقد يحتمل أن يكون المراد بذكر الدنانير هنا الذهب، ولم يقصد كثرتها، فإن كان المردود في المسألة ذهباً أقل من دينار جاز، وإن كان رأس المال فضة، وإن رد دراهم فعلى المقاصة، وإن كانت كثيرة، وإن كان رأس المال ذهباً، فإن رد ذهباً فعلى المقاصة، وإن كانت كثيرة، وإن رد دراهم فعلى أنها دون صرف دينار (¬3). "والمشش" (¬4) في الدابة عيب في قوائمها. ومعنى "نبهرجة" (¬5): أي زيوف. كذا ضبطنا هذا الحرف في "الأم" لجميعهم، بفتح النون قبل الباء، وصوابه بهرجة. بإسقاط النون جملة. "وأبو المليح" (¬6) بفتح الميم (¬7). ¬
"والرقة" (¬1) - بتخفيف القاف وكسر الراء - الفضة المسكوكة. قال بعضهم: ولا يقال في غير المسكوك إلا الورق، وحكى بعضهم أنهما بمعنى واحد، ينطلق على المسكوك وغيره. وقوله في مسألة المصالح عن غيره، فإنما قضى حين صالح عن الذي عليه الحق، فالحق عليه، هكذا رواية بعضهم، معناه أنه ضامن لما صالح (به) (¬2)، كما نص عليه قبل في الباب، وعند ابن وضاح، وابن القاسم الذي عليه الحق فالحق عليه، وكذا (¬3) في رواية الجمهور من القرويين، وعند ابن باز فالحق عليه. وقوله في مسألة "المصالح عن مائة دينار، ومائة درهم بمائة دينار ودرهم، لم أجاز هذا مالك؟ وهو لا يجيز مائة دينار، ومائة درهم بمائة دينار ومائة درهم" (¬4)، كذا في كتاب ابن عتاب، وهي رواية ابن باز في كتاب ابن المرابط، وابن سهل، وعند ابن المرابط لابن وضاح، وأحمد، ويحيى، وأنت لا تجيز مائة دينار، و (مائة) (¬5) درهم. قال ابن خالد: وهذه الرواية أصح وأوفق لجوابه في المسألة. وقوله في آخر الباب "في الذي له مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحه من ذلك على مائة درهم، وعشرة دراهم مؤجلة، أنه لا يجوز" (¬6). وتفريقه بينها وبين المسألة الأولى، ([بقوله] (¬7) لأن المسألة الأولى) (¬8) إنما أخذ أحد حقيه، (وذلك مائة دينار وأخذ من مائة درهم درهماً، وترك تسعة وتسعين، ¬
هذه رواية ابن وضاح، وفي رواية ابن باز إنما أخذ أحد حقيه) (¬1)، وأخذ ما ذكرت من العشرة دراهم (¬2)، وترك الدنانير قال أبو محمد (الأصيلي (¬3)) (¬4)، ورواية ابن وضاح أصح، وفي بعض الروايات عن ابن باز، وأخذ بما بقي ما ذكرت لك من الدراهم، وهو بمعنى رواية ابن وضاح. ¬
كتاب العرايا
كتاب العرايا (¬1) العرية - بتشديد (¬2) الياء - في اللغة وعُرف الفقه (¬3) عندنا، وعند من وافقنا من الفقهاء، هي: أن يمنح الرجل [إلى الآخر] (¬4) ثمرة نخلة، أو نخلات من نخله (¬5) العام أو العامين، يأكلها هو وعياله، ولا فرق بين اسمها عرية، أو هبة، أو عطية، أو منحة، في هذا وجوازه (¬6) ابتداء، بل هو من فعل المعروف المرغب فيه، إلا أن في [54] حكم الرخصة في جواز شراء ربها منه؛ بخرصها تمراً (¬7) إلى الجذاذ (¬8)، اختلف أئمتنا في ذلك. فابن القاسم: لا يجري الرخصة فيها، ولا يجيز (¬9) فيها ذلك إلا أن تمنح باسم العرية، وعرفها المستعمل فيها قبل. وأما بغير ذلك من ألفاظ المعروف، والتمليك فلا يحكم لها بحكم ¬
العرية، ولا يقضى فيها برخصتها عنده، وهو قول غيره من أصحاب مالك (¬1)، على ما سننبه (¬2) [عليه] (¬3)، بخلاف (¬4) ما يظهر من الكتاب، ولم يراع ابن حبيب اختصاص لفظ العرية من غيرها في ذلك، ويجري الرخصة في كل هذه الألفاظ (¬5). واختلف في اشتقاق (لفظ) (¬6) العرية (من ما هو) (¬7)؟ فقيل (هو) (¬8) من قولهم: عريته، أعروه، إذا طلبت إليه، فعيلة بمعنى مفعولة، أي عطية، ومنه قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (¬9) وقد يكون (¬10) أيضاً (على هذا) (¬11) بمعنى مأتية (¬12)، ومحلول (¬13) بها، لأن الذي يعراها يختلف إليها، ويحل بأهله بها، لاختراف ثمرها (¬14)، يقال: عروت الرجل إذا لممت (¬15) به، وعراني (¬16) الأمر حل بي. وقيل: سميت بذلك لأنها أعريت من (¬17) السوم عند البيع، فعلى هذا ¬
كله تكون العرية اسماً (¬1) للثمرة، أو تكون بمعنى أن هذه النخلة عريت من (¬2) الثمرة بهذه الهبة، فتكون هنا اسماً (¬3) للنخلة (¬4). وقيل: بل هي (¬5) النخلة، تكون للرجل في نخل الرجل، فيدخل صاحبها لها فيؤذي صاحب النخل الكثير، فرخص (¬6) [له] (¬7) في شراء ثمرتها منه ليدفع أذاه عنه، وهذا يأتي على مذهب عبد الملك، وأما على مذهب مالك، وابن القاسم، فلا يجوز (¬8) أن يشتريها [منه] (¬9) إلا على طريق (¬10) المعروف معه، وكفايته (¬11) سقيها، لا لدفع الضرر مجرداً (¬12). ومعنى تسميتها على هذا الوجه عندي (¬13)، عرية، [الإفراد] (¬14) لانفرادها من نخله، يقال: أعريت هذه النخلة، إذا أفردتها بالبيع، أو بالهبة. وقيل: هو شراء من لا يحل له ثمر النخلة، من صاحب النخل (¬15)، يأكلها هو وعياله رطباً، بخرصها تمراً، مما بيده من التمر (¬16) نقداً، وهذا مذهب الشافعي، ومن وافقه، و [من] (¬17) رأى أن الرخصة في العرايا إنما ¬
هي في الرفق (¬1) لمشتريها، وحاجته إلى ذلك (¬2)، وهذا يأتي على التفسير المتقدم، من أنها من الإفراد (¬3) للنخلة، أو يكون اسماً للعقد. وقيل: العرية الثمرة إذا أرطبت، سميت بذلك لأن الناس يعترونها، أي يأتونها لالتقاط ثمرها (¬4)، وهذا مما تقدم قبل من معانيها. وقيل: سميت بذلك لتخلي مالكها عنها من بين ماله، لأنها عريت من جملة النخل، فتكون (¬5) على هذا فعيلة بمعنى مفعولة (¬6)، قال الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)} (¬7) أي بالموضع (¬8) الواسع الخالي من الأرض (¬9). وقيل: سميت بذلك لأنها عريت من جملة تحريم المزابنة، وخلت من ذلك، ويرد هذا تسميتها بذلك قبل الشرع المحلل والمحرم. وقوله "بخرصها" (¬10) هو [هنا] (¬11) بكسر الخاء، أي بالكيل، والقدر الذي يخرص (¬12) به، وبفتح (¬13) الخاء اسم (للفعل) (¬14)، كالذبح، (والذبح) (¬15). ¬
وقوله: "العذق والعذقان (¬1) " (¬2) هي النخلة، بفتح العين المهملة، وبكسرها: العرجون. "وداود بن الحصين" (¬3) بضم الحاء وفتح الصاد المهملة (¬4). "وواطئة الرجل" (¬5) يعني ما يطأ برجله، مما يسقط، هو أو غيره، أو ما يأكله من ثمرتها (¬6)، أو يطأ أرضها مما يجده (¬7) ساقطاً من صاحب العرية أو غيره (¬8). وقوله: "يزع (¬9) من أنكر (¬10) ذلك" (¬11) أي يكفه (¬12) ويمنعه. "وابن لَهِيعة" (¬13) بفتح اللام وكسر الهاء. ووجدت أبا عبد الله الأجدابي (¬14) ضبطه في المدونة بسكون الهاء، وهو خطأ. والعرية: رخصة مستثناة من أربعة [أصول] (¬15) ممنوعة، محرمة. ¬
أولها: المزابنة. وهي (¬1) شراء الثمر بالثمر. الثاني: (بيع الطعام بالطعام إلى أجل). الثالث (¬2): بيع الطعام بالطعام [من جنسه] (¬3) متفاضلاً. الرابع: الرجوع في الهبة. وشراؤها بخرصها يجوز بعشرة شروط: أولها (¬4): أن يكون مشتريها هو معريها. الثاني: أن تكون قد طابت. الثالث: ألا يكون [إلا] (¬5) بتمر. الرابع: ألا يكون إلا بخرصها. الخامس: ألا تباع إلا بنوعها. السادس: ألا يكون (¬6) إلا إلى الجذاذ. فهذه الستة متفق عليها عندنا. السابع: ألا يكون (¬7) إلا باسم العرية، وبابها. الثامن: أن تكون خمسة أوسق فأدنى (¬8). التاسع: أن يكون (¬9) المشتري جملة ما أعري (¬10) (منها) (¬11). ¬
العاشر: أن تكون العرية مما ييبس ويُدَّخر. وهذه الأربعة مختلف فيها خلافاً مشهوراً (¬1). وقوله "في حديث (¬2) عبد ربه ابن سعيد (¬3) في العرية: الرجل يعري الرجل النخلة، أو النخلتين، يأكلها فيبيعها بالتمر (¬4) " (¬5). قال أبو عمران: معناه يشتري ثمرها منه مشتري الأصل. وقوله: "في رواية ابن وهب: فيمن أعرى أناساً شتى، فأخذ من هذا خرص خمسة أوسق، ومن هذا خرص وسقين، فيكون في ذلك أكثر من خمسة أوسق، إذا اجتمعوا فلا بأس به، ولا أحبه لصاحب العرية (¬6)، ولا بأس أن يعري [الرجل] (¬7) حائطه كله" (¬8)، فانظر (¬9) قوله: فلا أحبه (¬10)، هل لما كانت العرية لجميعهم (منه) (¬11)، كأنها لرجل ¬
واحد، فكره شراءها (¬1)، وإنما رخص لصاحب العرية في شراء خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق (¬2)، وإن كان البائعون باع كل واحد منهم (¬3) خمسة أوسق، أو دونها، فالمشتري (¬4) قد اشترى أكثر من ذلك، وهو المرخص [له] (¬5) في دون هذا العدد، أو يرجع قوله في ذلك إلى الرجل الواحد، أن يفعله، (فانظره) (¬6)، وانظر (¬7) قوله بعد هذا في المسألة، "فإن (¬8) كان ذلك كله إذا اجتمع يكون أكثر من خمسة أوسق فذلك جائز، لا بأس (¬9) به" (¬10). وقد قال في كتاب محمد، في هذه المسألة: وقد (¬11) وقف عنه مالك، ثم أجازه (¬12). هل قوله: ولا أحبه لصاحب العرية (¬13)، من نوع وقوفه في كتاب محمد، أو فما معناه؟ وقال أبو (¬14) محمد الهروي (¬15): (انظر) (¬16)، إنما وقف مالك، لأنه لما كان الشراء منهم ¬
في مرة (¬1)، كان كشراء أكثر من خمسة أوسق، من عرية واحدة. وقال (¬2) أبو إسحاق، وغيره: وإجازته أشبه [55] / لما فيه من دفع الضرر، والرفق جميعاً، وإنما يمنع الغير إذا تجرد الرفق (¬3)، حتى لو اشترى من بعضهم لبقي (¬4) الضرر. وقال غيره: يصح شراؤه من بعضهم، على الوجهين أيضاً، من الرفق (¬5)، ودفع الضرر (¬6)، إذ (¬7) يتأذى من هذا الواحد دون أصحابه، وكذا (¬8) لعبد الملك منصوصاً (¬9) في كتاب ابن حبيب (¬10). وقوله في الكتاب، "في الرجل له الحوائط في البلد، أو البلدان، أعرى من كل واحد خمسة أوسق، فأدنى [إنه يجوز أن يشتري من كل حائط خمسة (أوسق) (¬11) فأدنى] (¬12) " (¬13). (قد) (¬14) تتوزع في [معنى] (¬15) هذه المسألة، فقال يحيى بن عمر: معناه أنه أعرى ذلك رجالاً شتى، لا واحداً. بدليل المسألة التي بعدها، من قوله: "وكذلك لو أعرى ناساً شتى، من حائط واحد" (¬16)، المسألة. ¬
قال: ولو كان هذا الإعراء في الحوائط لرجل واحد لم يجز أن يشتري [منه] (¬1) من جميع ذلك إلا خمسة أوسق فدون. وإلى هذا نحا أبو محمد بن أبي زيد، وغيره، وتأول القابسي المسألة في الرجل الواحد، وأن اختلاف العرايا في واحد كاختلافها (¬2) في جماعة. وذهب أبو القاسم ابن الكاتب إلى أن هذه العرايا إن كانت في لفظ واحد (كاختلافها في واحد) (¬3)، فحكمها حكم العرية الواحدة، وإن كانت في ألفاظ مختلفة، فلكل عرية حكمها. وقوله: "وإذا (¬4) أعراه (¬5) أكثر من خمسة أوسق لم يجز أن يشتري منه إلا خمسة أوسق، ولا بأس (بها) (¬6) بالدنانير والدراهم، وإن كانت أكثر من خمسة أوسق (¬7)، قلت لمالك: فإلى الجذاذ بالتمر (¬8) فأبى أن (¬9) يجيبني (عنه) (¬10)، وبلغني عنه أنه (¬11) أجازه، وهو عندي سواء" (¬12)، قيل: معناه راجع إلى أول المسألة، من شراء خمسة أوسق فدون، ووقوفه هنا التفات لقول (¬13) عبد الملك لبقاء الضرر (¬14). ¬
وقوله "فيمن أعرى نخلات [له] (¬1) فمات ربها قبل أن يطلع في النخل شيء، وقبل أن يحوز المعرى النخل، إن العرية غير جائزة، وللورثة إبطالها، وكذلك إن مات قبل أن يطيب (¬2) النخل، أو يقبض صاحب المنحة قبل أن يكون اللبن، وقبل أن يقبض اللبن (¬3)، والسكنى والخدمة، مات (¬4) [ربها] (¬5) قبل أن يقبض المسكن، أو العبد، وقبل أن يأتي إبان ذلك، إن كان ضرب له أجلاً، أو قال (¬6): إذا خرجت الثمار (¬7)، أو جاء اللبن فاقبض ذلك، وأشهد (له) (¬8) فمات قبل قبضها، قال: هذا لا حق فيه (¬9) لمن أعرى، أو منح، أو أسكن، أو أخدم، إلى آخر المسألة" (¬10). انظر قوله قبل أن يطلع في النخل شيء (¬11)، وقبل أن يحوز النخل، فهو محتمل أن يريد جمع (¬12) الشرطين معاً، على ما ذهب [إليه] (¬13) ابن حبيب (¬14): أن الحوز فيها لا يصح، إلا بحوز الرقاب، وطلوع الثمر فيها، ولا يصح بمجرد أحدهما، وقد يحتمل مراعاة كل شرط (¬15) على الانفراد، وأنه حوز وحده، على ما ¬
ذهب إليه أشهب في الإبار (¬1)، أو تسليم (¬2) الأصول (¬3). وعلى هذا اختلف في تأويلها، فذهب بعض المشايخ إلى أن مسألة الكتاب وفاق لما (¬4) ذهب إليه ابن حبيب، والى هذا ذهب (¬5) فضل، وإليه ذهب جماعة من [مشايخ] (¬6) الأندلسيين (¬7). ثم اختلفوا في وجه [وفاقه] (¬8)، فقال ابن القطان: العرية، والهبة، والصدقة، سواء. لا يتم حوزها، إلا بحوز الأصول. وخروج الثمرة. وهو عنده مذهب المدونة، وابن حبيب (¬9). وقال: (أبو) (¬10) جعفر بن رزق (¬11) إنما (¬12) يوافقه في العرية، لا في الهبة، والصدقة (¬13). ومذهب الكتاب التفريق بين العرية وبين الصدقة والهبة (¬14). ¬
قال فضل: بخلاف (¬1) إذا تصدق عليه بما في بطن أمته. وقيل (¬2): هو خلاف، وإليه ذهب أبو عمران، والهروي، وابن مالك (¬3)، كأنهم ذهبوا إلى (أن) (¬4) حوز الأصول (¬5) في ذلك [كله] (¬6) يكفي، على ظاهر ما وقع في كتاب الهبة، والصدقة، من قوله: إذا حوزه الأصل (¬7)، والأمة (¬8)، وانظر قول أشهب (¬9): إن المعري إن مات (¬10) بعد الإبار (¬11) فذلك حوز (¬12). لأن المعري (¬13) يدخل، ويخرج، ولا يمنع، وكمن وهب أرضاً بالصحراء فحوزها تسليمها إليه، فإن مات قبل الإبار (¬14) فلا شيء له (¬15)، إلا أن يحوز الأصل (¬16). وتأمل قوله: يدخل ويخرج، هل كان هذا قد وجد (¬17) منه، أو هو سيأتي (¬18) منه، وإن لم يقع، ولا وجد (منه) (¬19)، وهذا في موت المعري. ¬
وأما (¬1) موت من أعريها فمتى تصح (¬2) له، تورث (¬3) عنه، فعن (¬4) ابن القاسم في العتبية لا تجب (¬5) لورثته إلا بموته (¬6) بعد طيبها، وإن كان قد قبضها (¬7). وخرج على مذهب أشهب، أن الثمرة تجب لورثة المحبس عليه بالإبار (¬8)، (أن تجب أيضاً لورثة (¬9) المعري بالإبار) (¬10). [وقوله] (¬11) " (وقد كان) (¬12) كبار من أدركت من أصحابنا (¬13) يحملون ذلك، ويرون [أن] (¬14) العرايا مثل الهبة" (¬15). كذا في أكثر النسخ، وكذا روايتنا، (وكذا) (¬16) في أصول شيوخنا. ومعنى ذلك: أي يحملونه (¬17) محمل الهبة في أن زكاة ذلك وسقيه (¬18) على المعري، كالموهوب، وبهذا فسره سحنون (¬19). ¬
وقال ابن نافع وغيره: يحملون ذلك محملاً واحداً، كذا في كتاب ابن وضاح (¬1). وكان (¬2) في أصل (كتاب) (¬3) ابن عتاب، يجهلونه (¬4) , بالهاء. وكتب عليها (¬5) بخط يده (¬6)، يحملون، ولم يغير ما (¬7) في الأصل. وقال بعض شيوخنا: إنما اختلافهم في السقي، والزكاة، وأما في بيعها بخرصها فيتفقون أن ذلك مما يختص بالعرية، دون الهبة، وإنما سوى ذلك ابن حبيب في الجميع، (فقال) (¬8) ابن حبيب: فرق ابن القاسم بين ما سُمي (¬9) هبة، و [بين] (¬10) ما سُمي عرية، وكان يقول: زكاة العرية، وسقيها، على المعري. وزكاة الهبة، وسقيها، على الموهوب (¬11) [له] (¬12) ولم يكن يجيز شراء الهبة بخرصها، كما يجيزه في العرية. قال: وهذا لا يعتدل، لأن هبة الثمرة (¬13) هي العرية، وليس اختلاف اللفظ فيها (¬14) بالذي يفرق بينهما (¬15). ¬
قال المؤلف: (الذي) (¬1) يفهم (¬2) من كلام ابن حبيب، وتخصيصه هذا بابن القاسم (¬3)، وذكره (¬4) منعه (¬5) السقي، والزكاة، أن تأويله على غيره، مخالفة ابن (¬6) القاسم، وموافقة قوله هو، ولم يختلفوا أن الإعراء إذا كان (¬7) بعد الطيب فالزكاة (¬8) على المعري، كما لو وهب حينئذ، وعلى هذا هو معنى قول ابن القاسم [56] /؛ كان عرف العرية إنما كان لتدفع بعد الطيب، فكأنه إنما (¬9) أعطاها له حينئذ، فانظره (¬10). وانظر قوله في الكتاب: "والسقي والزكاة على رب المال. وكذلك لو قسمها في المساكين، فأنت تعلم لو تصدق رجل بثمرة حائطه على المساكين، أن الزكاة من الثمرة، وكان سقيها على صاحبها، ولم تؤخذ (¬11) من المساكين، ويستأجر عليهم منها" (¬12). وكذا في أصل ابن المرابط، وكتب عليه [من رواية] (¬13) الدباغ وحده، وسقط (¬14) لغيره، من قوله: فأنت تعلم إلى قوله: أن الزكاة من الثمرة، وصح ما بعده، وحوق عليه (¬15) في كتاب ابن عتاب، وقال كذا كان محوقا ¬
عليه في كتاب (¬1) ابن وضاح. وقوله "في عشرة رجال اشتركوا في حائط فأعروا (¬2) رجلاً خمسين وسقاً فأراد كل واحد منهم أن يأخذ خمسة أوسق، أنه جائز" (¬3). تفسير (المسألة) (¬4): ما قاله فضل في هذا الأصل، أن كل واحد أعرى جميع سهمه، وأما (¬5) لو كانوا أعروا عرية مشتركة، لم يجز لواحد منهم إلا أن يشتري حصته [فقط] (¬6)، على (¬7) قول ابن القاسم، ولا يجوز على (¬8) قول ابن الماجشون (¬9)، وأما أكثر من حصته من هذا الاشتراك فلا يجوز على قول جميعهم. وقوله: "إن اشترى عريته في تمر (¬10) حائط آخر لا أحب له هذا الشرط" (¬11)، ووقع في الأسدية فإن فعل جاز. قال سحنون: معناه أن الحائط مأمون. ¬
كتاب المساقاة
كتاب المساقاة (¬1) هذه (¬2) اللفظة مشتقة من سقي الثمرة، إذ هو معظم عملها، وأصل منفعتها، والمساقاة سنة على حيالها، مستثناة من المخابرة، وكراء الأرض بما يخرج منها، (أو بالجزء) (¬3)، ومن بيع الثمرة (¬4) والإجارة بها قبل طيبها، وقبل وجودها، و [هو] (¬5) من الإجارة بالمجهول (¬6)، والغرر (¬7). والأصل في ذلك معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (¬8) أهل خيبر (¬9). ولداعية الضرورة لذلك (¬10). وهو أصل منفرد بأحكام تختص (¬11) به. ¬
وتنعقد باللفظ، كسائر الإجارات، والمعاوضات، كما قال في الكتاب. (و) (¬1) هو بيع من البيوع، إذا عقداه بالقول بينهما، ولا ينعقد إلا بلفظ المساقاة، خصوصاً على مذهب ابن القاسم (¬2)، فلو قال: استأجرتك على عمل حائطي، أو سقيه بنصف ثمرته، أو ربعها، لم يجز (¬3)، حتى يسمياها مساقاة، وسنبين (¬4) ذلك من الكتاب بعد [هذا] (¬5)، إن شاء الله (تعالى) (¬6). وشروط (¬7) صحتها، وجوازها، ثمانية شروط. أولها: أنها لا تصح إلا في أصل ثمر (¬8)، أو ما في معناه، من ذوات الأوراق، والأزهار (¬9) المنتفع بها، كالورد والياسمين (¬10). الثاني: أن يكون قبل طيب الثمرة، وجواز بيعها. الثالث: أن يكون (¬11) لمدة (¬12) معلومة، ما لم تطل (¬13) جداً. الرابع: أن يكون (¬14) بلفظ المساقاة كما تقدم. الخامس: أن يكون بجزء مشاع (مقدر) (¬15). ¬
السادس: أن يكون العمل كله على العامل. السابع: ألا يشترط أحدهما من الثمرة ولا من غيرها شيئاً [معيناً] (¬1) خالصاً (¬2) لنفسه. الثامن: ألا يشترط على العامل عملاً خارجاً عن منفعة الثمرة، أو يبقى بعد جذاذها مما له بال، وقدر. واختلف في غير الأصول الثابتة، كالمقاثي، وقصب السكر. فمذهب مالك: إنما (¬3) يجوز فيها المساقاة، عند العجز عند (¬4) صاحبها، للضرورة. وابن نافع يراها كالأصول الثابتة، تجوز فيها المساقاة ابتداء، وكذلك الزرع عندهما (¬5). واختلف تأويل شيوخنا المتأخرين على مذهب المدونة، فيما عدا المقاثي، والزرع من ذوات الأصول غير الثابتة [المثمرة] (¬6)، كالقطن، والورد، والياسمين، هل محملها (¬7) محمل الزرع [و] (¬8) المقاثي، على مذهب مالك (¬9) في الكتاب، لا يساقي إلا بعد العجز، أو يجوز على الجملة (¬10). فكان أبو عمر بن القطان، يذهب أن مذهب المدونة جواز ذلك على ¬
كل حال (¬1)، وهو ظاهر قول (¬2) اللخمي، ويحتج هؤلاء بقوله في المدونة: "لا بأس [بمساقاة] (¬3) الورد، والياسمين (¬4)، والقطن" (¬5) مطلقاً. وعطفه على قوله: "تجوز (¬6) المساقاة في كل ذي أصل، من الشجر" (¬7). وهذا قول محمد بن المواز، في الورد والياسمين (¬8)، وقال غيره من الشيوخ: لا دليل في لفظ الكتاب على قول أبي عمر، لاحتمال أن يكون معنى قوله ذلك، إذا عجز، وإذ (¬9) لا فرق بين القطن، والزرع، والمقاثي، وقصب السكر، وكان شيخنا القاضي أبو الوليد (بن رشد) (¬10) يفرق بين هذه الأشياء من جهة النظر، ويقول: لا ينبغي أن يختلف في (جواز) (¬11) مساقاة الورد، والياسمين مطلقاً (¬12). ولو قيل (¬13): إن المساقاة في المقاثي والقطن وما في معناها جائزة (¬14) مطلقاً. بخلاف الزرع، وقصب السكر، وما في معناهما، مما يجنى من أصوله، لكان له وجه، إلا أنهم لم يقولوه (¬15). وقوله: "في حديث (¬16) عمر بن عبد العزيز ...................... ¬
أن تباع (¬1) كل أرض ذات أصل بشطر ما يخرج منها وأن يباع (¬2) البياض بالذهب والورق" (¬3) معنى ما تباع [هنا] (¬4) (تكرى و) (¬5) تساقى وكذا فسره سحنون. وقوله: "إذا كان في الحائط دواب أو غلمان يعملون في الحائط ويشترطهم فلا بأس بذلك" (¬6)، أوقف في كتاب ابن عتاب: "ويشترطهم"، وكتب عليه ليس هذا الحرف من المدونة (¬7). وصح في الأسدية. قال المؤلف: هو لفظ مستغنى عنه، ولذلك (¬8) طرحه سحنون. والله أعلم. إذ ذلك للعامل وإن لم يشترطهم، كما بينه بعد ذلك في الباب، إلا أنه يستفاد من إثباتها في الأسدية قول ثان (¬9) له، مثل ما في كتاب ابن مزين ليحيى، وابن نافع، أنهم (¬10) لا يدخلون إلا باشتراط (¬11)، ولعمري إن هذا في الكتاب غير بين، وقد سأله عن هذا (¬12) فلم يعط فيه جواباً بيِّناً، وأجابه على منع اشتراط رب الأرض (¬13) إخراجهم لفساد المساقاة بذلك. وقد اعترض (¬14) المسألة حمديس، والذي يقتضيه كلامه أن الذي فهم ¬
منها (¬1) صحة لفظة (¬2) الاشتراط، وإثباتها على ما في الأسدية، لأنه قال: ينبغي على أصله ألا تفسد (¬3) المساقاة؛ [57] / باشتراط رب النخل (¬4) إخراجهم، لأنه لو سكت عن الاشتراط لم يدخلوا، وإنما يصح جوابه أن يكون السقي إذا وجب في الحائط، وقع على ما فيه من جميع آلاته، وإن لم يشترط (¬5)، كالبياض اليسير في النخل تقع المساقاة عليه، وإن لم يذكراه (¬6). وقوله "بناضح من عنده" (¬7) أي بدابة يسقي عليها، وأكثر ما يستعمل في الإبل (¬8). "والتلقيح" (¬9) التذكير، وهو الإبار (¬10) أيضاً، بكسر الهمزة. "وسرو الشرب" (¬11) بفتح السين المهملة، وسكون الراء في الكلمة الأولى، وفتح الشين المعجمة، وفتح الراء، في (الكلمة) (¬12) الثانية، فسره في الكتاب) (¬13). ¬
وبيانه [أن] (¬1) الشربة الحفرة حول النخل، يجتمع فيها الماء، لسقيها، ولتشرب (¬2) عروق النخلة منها، والجمع (¬3) شرب وشربات (¬4). وسروها: كنسها، وتنقيتها مما يقع (¬5) فيها، ويسوق (¬6) الماء إليها، من التراب (¬7)، وغيره. وتوسعتها، ليكثر فيها الماء، لا (¬8) ما قاله بعضهم، من أنه نزع ما يجعل فيها من الجريد، والليف، ليحبس فيها رطوبة الماء، إذ لا منفعة في هذا، وإنما تكنس ليزال (¬9) عنها ما يضيقها من الكناسات، والتراب، ليكثر حملها للماء، وتحبسه على الأصول، ويستنقع فيها. "وخم العين" (¬10) بفتح الخاء، كنسها (¬11)، مما لعله يسقط فيها، أو ينهار من التراب وغيره، لتنفتح (¬12) منابعها، ويغزر ماؤها، ويتهيأ استقاؤها (¬13). "وسد (¬14) الحظار (¬15) " (¬16) وشده يروى بالوجهين، بالمعجمة، ¬
وبغير (¬1) المعجمة، وبالمهملة. رواية ابن وضاح. [والحظار] (¬2) كالحائط أو الزرب حول الثمار لئلا تدخله المواشي (¬3) ومن يستضر به (¬4). قال ابن مزين (¬5): والشين المعجمة أصوب في هذا الموضع. وقال [يحيى] (¬6) ابن يحيى: ما حظر بزرب، فبالشين (¬7) المعجمة. وما كان بجدار، فبالمهملة. والضفيرة (¬8): عيدان تنسج، وتضفر، وتطين، فيجتمع فيها الماء، كالصهريج. وإلى (¬9) [معنى] (¬10) هذا أشار (¬11) ابن حبيب (¬12). وقال غيره: هي مثل المسناة (¬13) (¬14) الطويلة في الأرض يجعل ليجري (¬15) الماء فيها، (وتبنى) (¬16) بخشب، وحجارة، ................. ¬
ويضفر (¬1) بعضها ببعض (¬2)، وهو (¬3) أشبه بمعنى الحديث، يمنع من انسياق (¬4) الماء على وجه الأرض، حتى يصل إلى الحائط. "والسارق المبرح" (¬5): المشهور بذلك، من قولهم برح الخفاء أي ظهر. وقوله "في النخل منه ما أطعم و (منه) (¬6) ما لم يطعم لا يجوز أخذه مساقاة" (¬7) معناه: طاب وآخر لم يطب، "قال: لأن منفعة ذلك لربِّ الحائط" (¬8). هذه المنفعة التي أشار إليها سقوط [حكم] (¬9) الجوائح [عنه] (¬10) في المساقاة، بخلاف الإجارة التي لا يخسر فيها العامل عمله (¬11) ويوفى إجارته (¬12)، وإن أجيحت ثمرته في المساقاة لم يكن له أجر (¬13). وسحنون يقول: هذا (¬14) جائز، وهي إجارة، وإنما أخطئا (في) (¬15) اللفظ، والمعنى صحيح. فيكون أجيراً بما سمى من الجزء، لأنه قد حل بيعها، وبيع نصفها، فكذلك الإجارة بها. ¬
قال المؤلف: فلم يراع سحنون لفظة (¬1) المساقاة، وعلى مذهب ابن القاسم يراعيه، فلا يجيز المساقاة بلفظ الإجارة، كما لم يجز هنا الإجارة بلفظ المساقاة، وهو لو استعمله هنا بلفظ الإجارة فيما طاب (¬2) لأجأزه. وقول "عبد العزيز (¬3) في المساقاة بالذهب، والورق، مثل بيع الثمر قبل بدو (¬4) صلاحه" (¬5). قال بعضهم: هو كلام مشكل، ومعناه عندي، أنها إذا وقعت بالذهب، والورق، فكأن العامل باع نصيبه من الثمر (¬6) قبل أن يظهر ويحل بيعه. وقوله: "لا يصلح الربح في المساقاة إلا في الثمر خاصة يأخذها بالنصف، ويساقيه بالثلثين، فيربح السدس، أو يربح عليه (¬7)، على نحو هذا" (¬8). هو (¬9) خلاف مذهب مالك، ومالك لا يجيز هذا. قال بعض شيوخنا: لأنه إن كان زاده السدس من الحائط، فقد باع ذلك على ربه بغير إذنه، وباع ما لم يبعه منه، وإن اشترط ذلك في ذمته، كان بيع (¬10) الثمرة على جزأين: جزء من الحائط، وجزء في الذمة، وذلك فاسد. وقال غيره: معنى ما وقع من إجازة ذلك، أن المساقي الثاني لم يعلم ¬
أن الأولى أخذه على النصف، وأما لو علم ذلك (¬1) لم يجز، للعلة التي ذكرنا، وكان للعامل الثاني أجرة مثله. وقول عبد العزيز بعد هذا: "لا ينبغي أن يساقي غيره، من النخل، إلا ما أشرك في ثمره (¬2) بحساب (¬3) ما عليه ساقى" (¬4). قال (¬5) أبو عبد الله بن عتاب: يريد بجزء من الثمرة (¬6) كما دفع (¬7) إليه بجزء، ولم يرد أن يكون معيناً، (كما دفع إليه) (¬8)، (بل) (¬9) بأقل (¬10) [منه] (¬11) أو أكثر، لا بكراء مسمى، ولا بعدد نخل معينة، لقوله في صدر المسألة: "يأخذها بالنصف، ويساقيها بالثلثين، فيربح السدس، أو يربح عليه" (¬12). فلو أراد بقوله بحساب ما عليه ساقى، بذلك الجزء، ومثل ما ساقى (¬13) به، لتناقض (¬14) قوله. وهو كله خلاف لما روي عن مالك. (وقوله) (¬15) "إلا أن يكون شيئاً يسيراً، لا يأخذ به كل واحد منهما من صاحبه شيئاً ليسارته" (¬16). يريد إذا اشترط شيئاً خفيفاً، ................. ¬
كسد (¬1) الحظار (¬2) الخفيف (¬3). وقوله: "فأما شيء له اسم وعدد (¬4) فإن ذلك لا يصلح" (¬5) معناه أن يدفعه (¬6) بكيل مسمى، فهذا الاسم الذي أراد، أو عدد أي ثمرات معينة، قال: وقد جاء هذا مفسراً لعبد العزيز في (غير) (¬7) المدونة (¬8). [وقوله وتفسير ما كره من ذلك كأنه استأجره على أن يسقي هذا بثمرة (¬9) هذا. معناه: كأنه ما استثنى من النخل المعين بنفسه بمنزلة حائطين، وقال (¬10) (له) (¬11): اسق هذا بثلث ما يخرج من هذا] (¬12) وقوله في باب المساقاة التي لا تجوز (¬13): "إذا اشترط على رب النخل أن يعمل معه أرى أن يرد إلى مساقاة مثله لأن مالكاً قد أجاز فيما بلغني الدابة يشترطها) إلى آخر المسألة" (¬14). هكذا في كتاب ابن المرابط، وابن عتاب، وأكثر الأصول. وقال في كتاب ابن عتاب: هذه رواية ابن وضاح، وعند غيره أنه ¬
جائز، وكذا قال سحنون. واحتجاج ابن القاسم بما أجازه مالك يدل أن جوابه الجواز فيها، وفي اختصار الأسدية يرد إلى مساقاة مثله. واعلم أن الخلاف الجاري في القراض الفاسد كله جاز في المساقاة الفاسدة، والذي يأتي لابن القاسم في الكتاب، فيما (¬1) يرد فيه إلى مساقاة مثله، (هما منصوصتان) (¬2). هذه المسألة والتي بعدها إذا ساقاه في حائطين (¬3) سنين، وفي الأول ثمر قد طاب فله في (¬4) الأول أجر مثله، وما أنفق، وفي الثاني (¬5) مساقاة مثله، وتكررت هذه في القراض. وفي العتبية أيضاً مسألتان، وهي البيع والمساقاة في [58] / صفقة، والمساقاة سنتين، إحداهما على الثلث، والأخرى على النصف (¬6)، كل هذا [فيه] (¬7) مساقاة المثل، وكذلك (¬8) في سماع عيسى (¬9) مسألة خامسة، وهي (مسألة) (¬10) مساقاة حائط على أن يكفيه مئونة آخر (¬11)، وكذلك يلزم (¬12) في مساقاة حائطين على اختلاف الأجزاء، وكذلك إذا شرط على العامل دابة، أو غلاماً (ليس) (¬13) في الحائط، وهو صغير، تكفيه الدابة، ¬
(وكذلك) (¬1) إن اشترط (¬2) عليه أن يحمله رب المال (¬3) إلى منزله، في كل هذا يرد إلى مساقاة مثله (¬4)، وما يرد (¬5) إلى مساقاة مثله يفسخ ما لم يعمل، فإن فات بابتداء العمل بما له بال لم تفسخ بقية المدة (¬6) والعمل، وكل ما يرد فيه إلى أجرة المثل فيفسخ متى عثر عليه، عمل أو لم يعمل، وله من الأجر بحساب عمله. وقوله "إن كان زرعاً قد عجزت عنه ونخلاً (¬7) فدفعتها مساقاة الزرع على النصف والحائط على النصف والزرع في ناحية [والحائط في ناحية] (¬8) وتشبيهه (¬9) إياها بالحائطين المختلفين في صفقة على النصف، لا بأس به، فكذلك الحائط والزرع" (¬10). هذه (¬11) أصل في هذا الباب، ولا يشترط فيها التبع، إذ مساقاة كل واحد هنا منفرداً (¬12) جائزة، وهي خير من قوله بعد، في باب مساقاة (¬13) النخل فيها البياض (¬14). في هذه المسألة، إذا كان تبعاً للزرع. قال يحيى: قوله، "إذا كان تبعاً للزرع" (¬15). لا معنى له، لجواز ¬
مساقاة الحائط والزرع صفقة واحدة، بسقاء واحد. وبعضهم فرق بينهما، بأن (¬1) المسألة الأولى في جهتين، والأخيرة هي مختلطة، لأنه قال: وشجر متفرق (¬2) في الزرع، وليس بينهما فرق، ولا وجه للتفريق. وقول "غيره في المساقي: يفلس فيبيع الغرماء الحائط، لا يجوز البيع، ويكون موقوفاً، إلا أن يرضى العامل بترك المساقاة" (¬3). ثبت عند شيوخنا، وسقط للدباغ. قال أبو محمد: طرحه سحنون. وقال: يجوز بيعه للضرورة. قال سحنون: قول الغير هو النظر، وقول ابن القاسم أحب إلي، إذا وقعت الضرورة كان أخف، ولو كان ابتداء لم يجز. قال غيره: ومعنى قول الغير يكون موقوفاً: أي حتى يؤبر ثم يباع. ¬
كتاب الجوائح
كتاب الجوائح (¬1) معنى الجائحة: المصيبة المستأصلة. يقال: اجتاحهم العدو، واستولى عليهم، واجتاحتهم الشدائد: أصابتهم عامة. ولا جائحة فيما اشتري (¬2) من الثمر مع أصوله (¬3) بالإجماع (¬4). واختلف العلماء فيما اشتري من الثمار (¬5) مفرداً، ومذهبنا مراعاة الكثرة فيه من القلة، وتحديد الكثرة بالثلث. ثم اختلف أئمتنا، هل الثلث راجع إلى عين الثمرة، وإن كانت قيمتها أقل من ثلث الثمن، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته، (أو إلى ثلث قيمتها، وإن كان المجاح أقل من ثلث الجميع، وهو مذهب أشهب (¬6)، بما هو معلوم، مفسر في أمهات كتبنا، فلا نطول به. وقوله) (¬7) في الكتاب، "في مسألة جائحة المقثأة، تحسب بطونها بقدر ¬
نفاقها في الأسواق، في كل بطن، ثم يقوم كل ما أطعمت، في كل زمان، (يحمل) (¬1) على قدر نفاقه، ثم يقسم الثمن على ذلك" (¬2) واختلف (¬3) في تأويل هذا الكلام، متى هذا (¬4) التقويم، فتأوله ابن أبي زمنين، وغيره، أن التقويم يوم وقع البيع، بقدر قيمة كل بطن، في زمانه، على ما عرف من عادته، وليس يوم نزول (¬5) الجائحة، وهو قول سحنون، فيما حكاه بعض شيوخنا، وذهب آخرون (إلى) (¬6) أنه إنما يُنظَر في ذلك يوم النازلة بالمجاح، ويستأني بما بقي من البطون، حتى يجني جميعها، وتقوم على حقيقة، ويقين، لا على ظن وتخمين، واختاره عبد الحق (¬7). وكلام الشيخ أبي محمد في المسألة يحتمل (عندي) (¬8) الوجهين، ويحتج (هؤلاء) (¬9) بما وقع في الكتاب من قوله: "ربما كانت الفقوسة، أو البطيخة (¬10)، بعشرة أفلس، أو بالدرهم، ونصف درهم، وفي آخر الزمان، بالفلس، والفلسين" (¬11). وبقوله في تقويم البطون في الباب الآخر: "وانقطعت الثمرة فلم يكن فيها إلا ثلاث بطون وقد عرف ناحية البطن الآخر" (¬12). ¬
ويحتج أهل القول الأول (¬1) بما قاله في الكتاب، مما ظاهره خلاف هذا بقوله أول المسألة: "ويقوم ما بقي من النبات مما لم يأت بعد في كثرة نباته (ونفاقه) (¬2) مما يعرف (¬3) ناحية نباته" (¬4). وقاله (¬5) أيضاً في الباب الآخر "نظراً إلى ما كان قيمة هذا البطن المجاح في غلائه ورخصه (¬6)، ثم ينظر إلى ما يأتي من نباتها في المستقبل إلى آخر المسألة" (¬7). وقوله في تفسيرها (¬8) "نظر إلى ما يأتي بعد فيقام بطناً بعد بطن، على ما فسرت من رغبة (¬9) الناس فيه، ورخصه وغلائه" (¬10)، وإلى هذا ذهب ابن زرب (¬11)، وغيره من الشيوخ، (وهذا) (¬12) هو الذي يأتي على أصل ابن القاسم، فيمن اشترى سلعاً (¬13) كثيرة، فاستحق بعضها، أنها تقوم يوم وقعت الصفقة، لا يوم النازلة. واحتجاج أولئك باختلاف ثمن الفقوسة، لا حجة فيه على تقويمها ¬
حين وجودها، لكنه يعرف بالنفاق مقدار قيمة أول بطن وآخره (¬1) يوم [وقعت] (¬2) الصفقة لو بيع مفرداً ليقبض في وقته. وكذلك قوله، "وانقطعت الثمرة" (¬3) (أي) (¬4) أن عادتها ثلاثة بطون. وقوله (في التين) (¬5) في الكتاب مضطرب (¬6)، مرة جعله فيما لا يحبس أوله على آخره من الثمار، فقال: مثل التفاح [والرمان (¬7)] (¬8). وقال مرة: يسأل أهل المعرفة (¬9)، أهو مما ييبس ويدخر، وهذا (¬10) أصل هذه المسألة، أنه مختلف في البلاد، فيحكم له بحكم حاله فيها، وعده فيما يدخر أولى (¬11). وقوله في تقويم [الجائحة] (¬12) "إن كان ثلث هذه الثمرة التي أصابتها الجائحة، [في] (¬13) حظها في القيمة تسعة أعشار الثمن" (¬14)، كذا عندي في الأصل، وهي رواية ابن وضاح، وفي خارج (¬15) كتابه (¬16): القيمة، مكان ¬
الثمن، وهي رواية إبراهيم بن محمد، وأبي الحسن الدباغ. قال (¬1) أحمد بن خالد: وهو أصح. قال القاضي رحمه الله: وقد (¬2) يصحان (¬3) جميعاً، أي من الثمن بعد قبضه (¬4) على القيمة، وكذلك قوله آخر المسألة: "وضع عن المشتري عشر الثمن" (¬5). كذا في الأصول. ووقع لابن وضاح في كتاب ابن عتاب، الثمر، بالراء (¬6). ومعناه: ما يصيب ذلك من الثمن. فهما صحيحان والأول أبين. وقوله "في الحديث، عن عمر بن عبد العزيز، أنه قضى باليمين على المبتاع ألا يكتم شيئاً وعليه ما أكل عماله (¬7) " (¬8). [59] قال فضل: فيه دليل أن القول قول المبتاع، مع يمينه، فيما أذهبت الجائحة، إذا اختلف مع البائع، وأصبغ؛ يقول في ذلك: القول قول البائع، وعلى المبتاع البينة. ووقع في بعض روايات العتبية. قال القاضي رحمه الله: وليس في الحديث المذكور [دليل] (¬9) على ما قاله فضل، وتأويل غيره فيه أظهر، أن القول قول المشتري، إنما أراد به فيما أكل، هو وعماله (¬10). وهذا صحيح. لا خلاف (فيه) (¬11). ¬
قال بعضهم: وما قضى به عمر (¬1) لأم (¬2) الحكم بأن ما استثنته من حائطها المجاح لها، ولم يحكم بشمول الجائحة فيه، إنما يأتي على رواية ابن وهب عن مالك في ذلك، وعند ابن القاسم أنه ينتقص من الشيء (¬3) بقدر ما يصيبها من الجائحة. قال القاضي: والخلاف في هذا مبني على الخلاف في (¬4) المستثنى من المبيع (¬5) هل هو مشترى من المشتري أو باق على [أصل] (¬6) ملك البائع (¬7) فإذا قلنا إنه مشترى عمته جائحة الحائط، وأخذت بحظها منه. "وحديث علي في الجائحة (¬8) " (¬9). "وحديث جابر (¬10) " (¬11) بعده ثابت في بعض النسخ، في رواية ابن هلال (¬12)، والدباغ، وسقط لابن وضاح، وابن باز. قال بعضهم: وليس من المدونة. ¬
وفي "حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا باع المرء الثمرة فأصابتها جائحة فذهبت (¬1) بثلث الثمرة" (¬2) " (¬3). كذا رويناه (¬4) في المدونة، وكذا وقع في أصول شيوخنا، ووقع في موطأ ابن وهب، ومنه نقله سحنون: بتلك الثمرة. وقوله "وما بيع من القمح والشعير (¬5) والفول، والعدس، والقطنية، والسمسم، وحب الفجل (¬6)، فليس فيه جائحة، لأنه إنما يباع بعد ما يبس، فهو بمنزلة ما لو باعه في (¬7) الأندر، لا جائحة، فيه" (¬8) بيان في جواز بيعه قائماً في فدادينه (¬9)، وهذا ما (¬10) لا خلاف فيه. وقوله "بمنزلة ما لو باعه في الأندر" (¬11) يحتمل (¬12) أن يريد بعد درسه، وذريه، صبرة. و [هذا] (¬13) ما (¬14) لا خلاف فيه أيضاً. ويحتمل أن يريد بعد حصاده، وقبل درسه، وهو قتت وحزم، وهو موضع الخلاف، فعلى هذا يخرج من هنا جوازه، ولو كان في الأندر مدروساً، غير مصفى لم يجز، إذ لا يعرف قدره لاختلاطه بالتبن. وكذلك يجب في حزم الفول، والجلبان، وشبهها (¬15)، مما لا يتبين ¬
حبه في أطراف حزمه، أن يمنع [بيعه] (¬1) بلا خلاف (¬2)، إذ لا يتوصل (¬3) إلى حزره، لكون حبه يطول قصبه مستتراً، بخلاف الشعير، والقمح، وشبهه مما يبدو جملة سنبله، وحبه، في أطرافه. وقوله إن اشترى الفول، أو القطنية التي تؤكل خضراء، بعد ما طابت للأكل، قبل أن تيبس (¬4)، واشترط أن يترك ذلك حتى ييبس، لا يصلح، وهو مكروه. قال فضل: هو حجة لمن قال: إن الثمرة الرطبة إذا اشتريت جزافاً في رؤوس النخل بشرط التأخير لليبس أنه (¬5) لا يجوز. والمعروف (¬6) عن مالك جوازه، وإنما يكره إذا كانت على الكيل، وكذا في الواضحة. وقال في الباب الثاني: "إن اشتريت ثمرة نخل قد حل بيعها (¬7)، فتركت حتى طابت، وأمكنت، ثم أصابته جائحة، أنها لا توضع، لأن الجذاذ قد أمكنه" (¬8)، قال: فهذا (¬9) دليل على خلاف الأول، وإن شراءه بعد طيبها على أن يتركها حتى تيبس في رؤوس النخل جائز. "والشقم" (¬10) - بفتح الشين المعجمة وفتح القاف - نوع من التمر (¬11). ¬
وكذلك "عدق ابن زيد" (¬1) (بكسر) (¬2) العين. والبرني (¬3)، بضم الباء (¬4). "والعجوة" (¬5) بفتح العين، كلها أصناف. ¬
كتاب الجعل والإجارة
كتاب الجعل (¬1) والإجارة (¬2) قال أهل اللغة: يقال: أجرت فلاناً، وآجرته بالمد [والقصر وكذلك آجره الله وأجره وهما بمعنى وأصلهما الثواب وأنكر بعضهم في الإجارة المد] (¬3)، وهو صحيح، حكاهما غير واحد (¬4). والإجارة بيع منافع معلومة، بعوض معلوم (¬5)، وهي معاوضة صحيحة، يجري فيها (جميع) (¬6) ما يجري في البيوع، من الحلال والحرام (¬7). ¬
وأما الجعل فرخصة، وأصل منفرد لا يقاس عليه (¬1)، وهو أن يجعل الرجل للرجل أجراً معلوماً، ولا ينقده إياه على عمل يعمله له معلوم، أو مجهول (¬2)، مما فيه منفعة للجاعل (¬3)، على خلاف (في) (¬4) هذا الأصل، على أنه إن عمله كان له الجعل، وإن لم يتم فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه (¬5). وقد أنكر هذا العقد جماعة من العلماء (¬6) , ورأوه من الغرر, والخطر. والأصل في ذلك (¬7) قوله تعالى (¬8): {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} (¬9) (¬10) مع العمل من كافة المسلمين [به] (¬11). وقوله "فيمن باع سلعة (بثمن) (¬12) على أن يتجر له بثمنها سنة إن كان شرط (¬13) خلف المال إن تلف جاز" (¬14). فيه دليل على أن السمسار، ¬
والأجير، غير ضامن لما بيده، مما يشتري به أو يبيع (¬1) وانظرها (¬2) في آخر (¬3) كتاب العيوب (¬4). وقوله في مسألة "الغنم إن اشترط الخلف" (¬5) ضرب على ذكر الاشتراط، في كتاب ابن وضاح، عند (¬6) ابن عتاب، حيث وقع في الباب، وقال: لم يقرأه سحنون، وقال (¬7): لا بأس (¬8) به في الغنم، والدنانير، وإن لم يشترط خلفها، والحكم يوجبه (¬9) (وإن لم يشترط) (¬10)، وهو قول ابن الماجشون وأصبغ (¬11). وقوله في مسألة (¬12) "أبيعك نصف ثوب على أن تبيع لي نصفه، ذلك جائز، إذا ضرب أجلاً" (¬13). ثم قال: "ولو قال أبيعك نصف هذا الثوب، أو نصف هذا الحمار، على أن تبيع لي النصف الآخر، بموضع (كذا) (¬14)، أو [قال: أبيعك] (¬15) نصف هذا الطعام، وهو بالفسطاط (¬16)، على أن تخرج به ¬
كله إلى بلد آخر، فتبيعه، قال: قال مالك: لا يجوز" (¬1). ثم قال: "ولو (¬2) قال [له: أبيعك] (¬3) نصف هذه الأشياء التي سألتك (¬4) عنها، على أن تبيع (لي) (¬5) نصفها (¬6) في الموضع، حيث بعته (¬7) السلعة، قال: لا بأس به" (¬8). ضرب [في كتاب ابن وضاح] (¬9) على ذكر الطعام من المسألة الأولى من قوله: "أو قال أبيعك نصف هذا الطعام" (¬10) إلى قوله: (قال مالك: لعلة البيع والسلف) (¬11). قال يحيى بن عمر: وخطه سحنون. قال: وإنما تصح (¬12) المسألة بطرحه. وقال فضل: وهذا فيما لا يكال، ولا يوزن، فأما ما يكال، ويوزن، فلا يجوز، لأنه (إن) (¬13) باعه دون الأجل رجع عليه في بعض ما باع، فصارت (¬14) بيعاً وسلفاً. وحكى مثله عن سحنون، (وأجازه) (¬15)، وأجاز ذلك في كتاب محمد (¬16)، ¬
ومنعه محمد فيما ينقسم، وما لا ينقسم (¬1)، قال (¬2) لأن المبتاع فيما لا ينقسم لا يقدر على أن يحدث فيما اشترى حدثاً، ولو كان مما (¬3) ينقسم، مما يعرف بعينه، ويأخذ نصيبه متى شاء، جاز إذا ضرب الأجل (¬4)، وهو قول بعض الرواة عن مالك في المدونة. قال ابن لبابة (¬5): كان على وجه الجعل، أو الإجارة (¬6). [60] قال في الكتاب: وكذلك إذا كان على أن يبيع في البلد، إذا ضرب الأجل، قال ابن لبابة: هو؛ عندي (¬7) جائز في جميع الأشياء، إلا في الطعام (¬8). وقوله (¬9) في ذلك: "فإذا ضرب الأجل فهو أحرم (¬10) [له] (¬11) " (¬12). لأنه تحجير، ومقتضاه سلعة معينة، لا ينتفع بقبضها (إلا) (¬13) إلى أجل، فكأنه من بيع المعين إلى أجل يقبض إليه، وكأنه تحجير للنصف الذي اشتراه منه، ولأنه لا يدري ما باع به نصف ثوبه، أبما سمَّى له، أم بشيء ¬
آخر؟، لأنه إن لم يبع رجع عليه (¬1) في نصف المبيع، بما يقع للإجارة، وكذلك إن باعه في بعض (¬2) الأجل (¬3). وفي الموطأ في بيع نصف ثوب على أن يبيع له النصف الآخر، هذا جائز (¬4). قال ابن لبابة: أحسبه يريد: ضرب أجلاً أم لا. في بلده (¬5) أو في غير بلده (¬6). وله من الأجل إن لم يضرب قدر ما يباع إليه. وقال ابن حبيب: إن كان (¬7) ذلك فيما (¬8) لا ينقسم جاز، إن (¬9) ضرب أجلاً. ولا خير فيه فيما (¬10) ينقسم، وإن ضرب الأجل، لأنه كأنه (¬11) اشترى منه ثمن نصف ذلك (¬12). وقول سحنون بعد "ما خلا الطعام، والشراب، فإنه لا يجوز. وأما غير الطعام والشراب، فإذا ضرب أجلاً فلا بأس به" (¬13). سقط لفظ سحنون فيها من روايتنا، وثبت في الأمهات (¬14). ¬
قوله: "ما خلا الطعام والشراب فإنه لا يجوز، وأما غير الطعام" (¬1). وسقط (¬2) عند ابن وضاح (¬3)، وأحمد بن داود، وثبت للدباغ، والإبياني، وإبراهيم بن هلال. وفي حاشية كتاب ابن عتاب، هذا المعلم (¬4) عليه أدخله سحنون، وكانت روايته عن ابن القاسم عن مالك، أنه لا بأس به في الطعام وغيره. وقال (¬5) فضل: أصلحت في المدونة، وأصلها (¬6) لابن وهب، وعبد العزيز بن أبي سلمة، أنها إنما تجوز فيما لا يكال (¬7)، ولا يوزن. قال القاضي: وكذا في مدونة ابن عتاب، وابن المرابط آخر المسألة، "ابن وهب. وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة" (¬8). قال بعضهم: ونحوه لمحمد، ولو كان حين ضرب الأجل شرط عليه إن باع هذا النصف (قبل) (¬9) تمام الأجل جاءه بطعام آخر (ليبيعه) (¬10) إلى الأجل جاز في كل شيء، إذا استعمله في مثل ذلك. وقوله: "في إجازة الجعل في الثوب، والثوبين، والشيء اليسير" (¬11)، قال (¬12) بعضهم: هذا إذا سمَّى لكل ثوب جعله، وإلا لم يجز. كما ¬
فسروه (¬1) في مسألة الآبقين (¬2)، ويدخلها من الخلاف ما وقع (¬3) هناك. فانظرها. وقوله: إنما يجوز الجعل (¬4) في الشيء القليل (¬5). حكى القاضي أبو محمد أن من شرط (¬6) الجعل أن يكون في القليل (¬7)، وخالفه غيره. وقال: الجعل جائز في كل شيء (¬8)، كثيراً كان أو قليلاً، مما لا يصح للجاعل فيه منفعة، إلا بتمامه، وهذا هو الأصل (¬9)، وقد قدمناه، وإنما قال مالك: هذا في البيع دون غيره، كما سنبينه إن شاء الله. وقوله: "لا يصلح (¬10) الجعل على بيع الثياب الكثيرة" (¬11). معناه: [على] (¬12) أنه لا يأخذ شيئاً إلا ببيع جميعها، وأما (على) (¬13) أن يأخذ على قدر (¬14) ما باع، فهو جائز، ومعناه عندهم: أنه سمى لكل ¬
ثوب شيئاً معلوماً، أو كانت متساوية (¬1) القيم. أو قال له: على أن فض (¬2) الأجرة على العدد، ولو كان على القيم لم يجز (¬3) بوجه. وقد قال بعد هذا: "لأن السلع الكثيرة تشغل بائعها، على أن يشتري، أو يبيع، أو يعمل في غيرها (¬4)، فلا يصلح (¬5) إلا بالإجارة (¬6) المعلومة" (¬7). قال ابن لبابة، وغيره: مذهبهم (¬8) في الجعل على البيع، أنه ما كان يعرض للبيع فيباع، كالرقيق، والثياب، والدواب، فلا يجوز الجعل في ذلك، إلا في الشيء الواحد، أو الاثنين، التي (¬9) لا تشغل صاحبها، كما نص عليه في الكتاب، وهو مفسر في هذه المسألة. وإن كان المبيع مما يصاح عليه، ولا ينقل كما ينقل المتاع، كالدور وشبهها، فالجعل فيه (¬10) جائز، وإن كثر، وهذا مفسر في جعل المستخرجة (¬11)، وكذلك الجعل في عمل الأيدي جائز، وإن كثر. ثم إن نزل احتيج إلى تسمية ما يكون لكل واحد من تلك الأشياء من الجعل، ولا يعامله بشيء على الجميع إلا أن يقول: جعلك على العدد، لا على القيمة، وكذلك الجعل على الإباق. قال القاضي: إلا أن تكون الأشياء متساوية كلها. ¬
قال ابن لبابة: وقد اختلف في مسألة "الآبقين الذي (¬1) جعل لمن أتى بهما (عشرة) (¬2) " (¬3). إذا لم يجعل لكل واحد منهما شيئاً بعينه، فقال هنا جعله فاسد، وقال: فإن (¬4) جاء بواحد فله فيه على قدر عنائه، وعمله، وظاهر قوله هذا، أن له أجر مثله، كما قال في المسألة قبلها: إذا جاعله (¬5) على نصفه، وعلى هذا اختصرها أكثرهم. وقيل: إنما يجب في مثل هذا جعل المثل، كما جعلوا في القراض الفاسد قراض المثل. وقال ابن نافع: له نصف المجعول فيهما. وقال عيسى عن ابن القاسم (¬6) له من الجعل بقدر قيمته من قيمة الآخر. وقاله أصبغ، وأشهب (¬7). قال (¬8) ابن القاسم: فإن استويا فله خمسة (¬9)، وأكره هذا الجعل، وعن أشهب، وعيسى، وأصبغ (¬10) إجازة مثل هذا. قال القاضي: وهو ظاهر قول ابن نافع في الكتاب، وفي تفسير يحيى، لابن القاسم، إذا جعل الجعل فيهم على العدد، فجاء بأرفعهم، أو أدناهم جاز هذا. ¬
وقد قيل: إن الجعل في مثل هذا إنما يجوز على الأعداد، فعلى هذا يجوز ابتداء، وعليه يأتي قول ابن نافع، فانظره (¬1)، فهي أربعة وجوه: إن سمى ما لكل واحد إن جاء به (وحده) (¬2) جاز، باتفاق. وإن شرط أنه لا شيء فيه إلا بالمجيء بهما جميعاً، لم يجز باتفاق. وإن أبهم اختلف في جوازه. وكذلك إن قال: إن جاء بأحدهما فله على حساب قيمتهما يوم أبق، ولو كان على قيمتهما (¬3) يوم الوجود لم يجز [بوجه] (¬4)، لجهالتهما بذلك. قالوا: والشراء خلاف البيع، يجوز الجعل فيه، وان كثر، لأن الشغل بالعين خلاف الشغل بالعرض، كما تقدم. والشغل بالشراء بالعين كالشغل ببيع الثوب، والثوبين (¬5)، في الخفة. ولأن الجاعل ينتفع بحفظ المجعول له، للثياب تلك المدة، ونظره فيها وإشادته (¬6) في السوق بها (¬7)، [إلى] (¬8) أن يردها إليه. قالوا: ولو لم يدفعها إليه، وإنما كان يعطي له منها ثوباً، ثوباً، أو ما باع منها لجاز وإن كثرت، واستوى هنا البيع والشراء، وكانت كالدور يصاح عليها، أو على الرقيق التي تشاد، وينادى عليها، وهي بأيدي مالكيها، فالجعل في هذا جائز، وإن كثر، إذا كان لكل واحد من ذلك جعل معلوم، على ما تقدم. ¬
وكذلك قالوا لو شرط في هذا (¬1) الكثير أن يمسكها المجعول له، ويحفظها حتى تكمل، لم يجز فيها الجعل، واستوى حكمها وحكم البيع. [61] وقوله: "إن باع حنطة في سنبلها؛ على أن يدرسها ويذريها (¬2) كل قفيز بكذا. ذلك جائز" (¬3). انظر فلم يذكر الحصاد. فظاهره: أنه محصود، فهو دليل على جواز بيع الزرع المحصود حزماً، وفيه تنازع. وقوله: "إنما (¬4) سأله عن الرجل يبيع القمح على أن على البائع طحنه (¬5) [مراراً] (¬6) فرأيته يخففه" (¬7) فهو يشعر بما صرح به من الخلاف في التجارة (إلى أرض الحرب) (¬8)، أنه كان يستثقله، ثم خففه (¬9). قال بعضهم: أجاز ابن القاسم البيع والإجارة في صفقة مرة، ومرة منعها (¬10)، ومنها هذه المسألة. وقوله في مسألة الخياطة (¬11). وقول عبد الرحمن أحسن (¬12) كذا لابن باز، وعند ابن وضاح: حسن. وقوله "اعمل على دابتي فما عملت من شيء (فهو) (¬13) بيننا (¬14) " (¬15). ¬
أن الكسب للعامل، وله أجر دابته، بخلاف قوله: "اكتر دابتي، أو الحمام، أو السفينة، هذا لربها" (¬1). وفي رواية الدباغ: اعمل لي على دابتي بزيادة لي. وجاء بالجواب المتقدم. وفي كتاب ابن الجلاب: [اشتراطه] (¬2) لي بخلاف إذا لم يقلها، والغلة (¬3) هنا لرب الدابة. والصواب الأول. ولا فرق. قال: (لي) أو لم يقلها (¬4). إذ هو المقصود. والأجرة في ذلك مجهولة. وانظر قوله في الكتاب، "والسفن في ذلك مثل الدواب (¬5) " (¬6). وقوله: "والسفن إذا دفعها لقوم يعملون فيها كان ما كسبوا لهم وعليهم كراؤها" (¬7). وتفريقه في السفينة، والحمام بين. "وآجرهما (¬8) ولك نصف ما يخرج، أو اعمل فيهما، ولك نصف ما تكسب (¬9) أن (¬10) له في عمله فيهما كسبه (¬11)، وعليه الإجارة، وفي إجارته الكسب لصاحبهما (¬12)، وللعامل أجر مثله" (¬13). يدل على قول ابن حبيب، وتفصيله، وقول ¬
محمد (¬1) وتفسيره (¬2)، وأن جميعه وفاق لما في المدونة. وتفسير له. وأصل هذا أنه إذا قال [له] (¬3): وآجرهما (¬4) فهو أجير، والعمل لربها، وإذا قال [له] (¬5): اعمل عليها، فما كان مما ينتقل به ويتولى هو النظر فيه، وتصريفه والقيام عليه، كالعبيد، والدواب، والسفن، فالأجرة له (¬6)، وعليه كراء تلك الأشياء لربها، بقدر عملها، وحبسها. وما كان مما لا يذهب به، ولا عمل فيه لمتوليه، كالرباع (¬7)، فهو أجير، والكسب لربها، ويستوي في هذا: اعمل، أو آجر. "وإبراهيم بن نشيط" (¬8) بفتح النون وكسر (¬9) الشين (¬10). "وسعد القرظي" (¬11) - بفتح الراء وعجم الظاء - (ويقال بكسر الظاء) (¬12) على الإضافة، وبضمها معاً على اللقب، لأنه كان يتجر به، وهو الصمغ، وكان مؤذناً (¬13) للنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬14). ¬
"ويذبح (¬1) ويسلخ" (¬2) بفتح الباء واللام (فيهما في المستقبل، وبضمهما معاً (¬3)) (¬4)، وبفتحهما معاً. "والجص" (¬5) - بالفتح والكسر (¬6) - الجبس. والجرب - بضم الجيم والراء - جمع جراب. وهي الأوعية (¬7). "والآجر" (¬8) ممدود الهمزة، [و] (¬9) مشدد الراء. "ويحذقهم القرآن" (¬10): أي يحفظهم إياه (¬11). ويحسن تعليمه لهم. "وابن مصبح" (¬12) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الباء بواحدة. قال ابن وضاح: كان (¬13) يصبح المسجد، أي يوقد مصابيحه. وكان رجلاً صالحاً. وقوله: "شعراً، أو نوحاً" (¬14). كذا هو ومعناه نوح المتصوفة، ¬
وأناشيدهم على طريق النوح، والبكاء المسمى بالتغني، ورواه بعضهم نحواً وهو غلط، وخطأ. "والمعازف" (¬1) عيدان الغنى (¬2). وقوله في الإجارة على أشياء كثيرة، لرجال شتى، في صفقة، لا تجوز (¬3). ثم ذكر قول أشهب، بجوازه. ووقع آخر الباب في بعض النسخ، قال سحنون: وعبد الرحمن يجيزه أيضاً. وهو عندنا جائز. ولم يكن في روايتنا هذا (¬4). ولكن القولان له منصوصان في البيوع الفاسدة. ومثله في الجواز في التجارة إلى أرض الحرب. وفي الشفعة. ومنعها أيضاً في كتاب الرواحل. وفي جعل العتبية القولان جميعاً له. وقوله في مسألة اختلاف صاحب الرحاء ومكتريها في مدة انقطاع الماء (¬5)، ولم ينظر في النقد من غير النقد. فانظره مع مسألة كراء الرواحل، ومراعاة (¬6) ذلك، والباب واحد. وقوله "هل كان مالك يكره الدفاف في الأعراس أم يجيزه وهل كان يجيز الإجارة فيه قال: كان يكره الدفاف، والمعازف كلها في العرس، وذلك أني سألته عنه فضعفه" (¬7). ظاهره: أنه راجع إلى الإجارة التي ترجم عليها، وهو أشبه، فبين أنه ليس من عمل الصالحين. والإجارة في مثل هذا ظاهرة الكراهة، وعلى الإجارة اختصرها أكثر ¬
المختصرين، وإن كان ضرب الدف مباحاً في العرس، فالإجارة ليس مثله، فليس كل مباح تجوز الإجارة عليه. قال بعضهم: يريد بقوله: "فضعفه" (¬1) تضعيف قول من يجيزه، وإن كان التضعيف يعود على ضرب الدفاف المباح ضربها في العرس، فهو غير المعروف (¬2) من قوله وقول العلماء (¬3). وقد قال: أكره الملاهي كلها في الأعراس، والولائم (¬4) وغيرها. وأنكر الصوت في هذا كله، إلا ما جاء في الحديث، ووقع له في سماع ابن وهب، في اللهو في العرس، إذا كان كثيراً مشتهراً (¬5)، أنا أكرهه، فإن (¬6) كان خفيفاً، فلا بأس به. وقد قالوا: إن مثل الدف المباح يجوز استئجاره، وأما المعازف فلا يجوز ضربها، ولا استئجارها. وهي من أنواع البرابط (¬7) والعيدان. وقوله "في الرجل يبني مسجداً ليكريه ممن يصلي فيه" (¬8)، وكراهيته له، في رواية ابن القاسم، "وكذلك [الذي] (¬9) أجر (¬10) بيته من قوم (¬11) ليصلوا فيه. (قال) (¬12): لا يعجبني ذلك" (¬13)، وهو كمن ¬
أكرى (¬1) المسجد (¬2). "وقول غيره (¬3) في البيت: لا بأس باستئجاره ممن يصلي فيه رمضان" (¬4)، وإجارته أكثر الدار على أن تتخذ مسجداً، بين هذه المسائل فرق. أما الأول الذي بنى (¬5) مسجداً فأكراه، فلو أباحه للمسلمين لكان حبساً، لا حكم له ولا لأحد فيه. وإن كان لم يبحه، إنما (¬6) فعل ذلك ليكريه، فهذا ليس من مكارم الأخلاق. وهذا معنى قوله - والله أعلم - في كراء (¬7) المسجد: "لا يصلح (¬8) " (¬9)، وفي البيت [لا يعجبني] (¬10)، وأنه يجوز لو فعله، كما أجاز إجارة المصحف، لكنه ليس من مكارم الأخلاق. وأفعال أهل الدين. وهذا معنى منع محمد عندي، لإجارة (¬11) [62] المصحف، والفرق (على) (¬12) ¬
هذا بين بيعه وإجارته بين (¬1) ألا تراه كيف كره إذا جعل متجراً والإجارة متجر مقصود بخلاف إذا دعت حاجة إلى ثمنه (¬2). وقوله بعد (¬3) وهو "كمن أكرى المسجد" (¬4) بخلاف "الذي أكرى أرضه أو داره ليتخذ (¬5) مسجداً" (¬6) لأن هذا أكرى ما يجوز له كراؤه ليفعل فيه مكتريه ما شاء. قال بعضهم: وكذلك عندي، لو سلم البيت لمكتريه (¬7) لكان كالدار، وإنما يكره (¬8) كراؤه منهم أوقات الصلاة (¬9) فقط، ثم يرجع (¬10) إليه (¬11) في غيرها، وهذا صحيح بين، لأنه أكراه (¬12) منهم في الجملة لينتفعوا (¬13) به مدة كرائه للصلاة، وغيرها، وفيما (¬14) شاءُوه مما هو من جنس الصلاة. وإذا كان الكراء في المسألة الأخرى في أوقات الصلوات فقط، كان كراء للصلاة وحدها فقبيح، ولم يصلح، ولم يعجبه، إذ ليس من مكارم الأخلاق. فعلى هذا يحتمل أن يكون قول الغير وفاقاً (¬15)، ويكون كلامه ¬
على وجه، وكلام ابن القاسم على وجه آخر، كما شبهه (¬1) بإجارة المسجد، أو يكون الغير تكلم على الجواز، إذا وقع (وفعل) (¬2)، و [قول] (¬3) ابن القاسم على كراهية فعله ابتداء، وهو ظاهر قول غيره، (لقوله) (¬4): ممن يصلي فيه [رمضان. والله أعلم] (¬5). وكان حمديس أشار إلى أن قوله في الدار خلاف قوله في البيت، وأنه لا فرق بينهما، فعلى قوله يدخل من الخلاف في مسألة الدار ما يدخل في مسألة البيت. وسقط قول غيره (¬6) في رواية يحيى. وقول غيره في أهل العنوة. "وليس عليهم خراج في قراهم التي أقروا فيها. وإنما الخراج على الأرض" (¬7). انظره (¬8) مع مسألة الجزية في الجهاد، وما نص عليه هنا، وما اختلف (¬9) فيه من تأويل ذلك (¬10). "وعياض بن عبد الله السلامي (¬11) " (¬12). بفتح السين وتخفيف اللام كذا عندنا (¬13)، وهي رواية الإبياني، وغيره. وعند الدباغ: ابن عبد الله. ¬
وفي حديثه (¬1): "إن لي إبلاً تعمل في السوق ريعها صدقة (¬2) " (¬3) كذا رواية الدباغ، وغيره عند ابن وضاح (¬4)، وعند (¬5) ابن عتاب. [وعنده] (¬6) لابن وضاح: ريعها (صدقة) (¬7) وكذا عند ابن المرابط، لغير الدباغ، يريد غلتها. و"عياش بن عباس" (¬8) الأول بياء باثنين تحتها، وشين معجمة. والثاني بباء بواحدة (تحتها) (¬9)، وسين مهملة (¬10). "عن عميرة" (¬11) بفتح العين، وكسر الميم. "ومحمد بن مخلد" (¬12) بضم الميم، وفتح الخاء، وتشديد اللام (¬13). كذا روايتنا. وكذا عند ابن وضاح. ¬
وعند ابن القزاز: (ابن مخلد) (¬1)، بفتح الميم، وسكون الخاء، وتخفيف اللام. ويشبه أنه الصواب. وقد ذكره البخاري في تاريخه (¬2). ولم يذكره (¬3) (أصحاب) (¬4) المؤتلف في باب مخلد. "وضمضم" (¬5): بالضاد المعجمة (¬6) المفتوحة فيهما. ومعنى "نبذها" (¬7) [أي] (¬8) طرحها. "وعرض بحر البرلس" (¬9)، بضم العين. ومعناه: ناحيته، وجانبه. "والبرلس" (¬10): بضم الباء بواحدة، وضم الراء واللام، وتشديدها، وسين مهملة، كذا ضبطناه، ورويناه، وذكره منذر (¬11) بسكون الراء، وتخفيف اللام، وهو بين الإسكندرية، ودمياط (¬12). "وطروقة الجمل (¬13) " (¬14): إنزاؤه. بفتح الطاء (¬15)، وأصل الطروقة: ¬
الناقة التي تطرق. والطرق: النزو. والإطراق: الإنزاء. "وحتى تعق (¬1) الرمكة (¬2) " (¬3)، بضم التاء، وكسر العين، أي تحمل. والأكوام: جمع كوم، وهو الضراب، والنزو. ويقال: كامه، يكومها، إذا فعل ذلك بها (¬4). "وضريبة الجمل (¬5) " (¬6) بكسر الراء، كذا عند ابن عتاب، وابن المرابط. وفي بعض النسخ: ضربة. وهو من معنى ما تقدم، من الكوم، والطرق، وكذا ضرابة أيضاً، كله عبارة عن فعل الفحل بأنثاه (¬7)، وكنى به عنه (¬8). "ويطرقه (¬9) الغنم" (¬10)، بضم الياء، أي يحمله عليها، من هذا الباب. "واللقاح" (¬11) بفتح اللام، الحمل (¬12). ويقال: اللقح أيضاً، فأما اللقاح (¬13) بكسر اللام، فيجمع (¬14) لقحة (¬15)، ولقوح [معا] (¬16)، وهي (¬17) ¬
ذوات الألبان، واللواقح: جمع لاقح، وهي (¬1) الحوامل (من النوق) (¬2). "وطروقة جمل (تحمل) (¬3) " (¬4) بفتح الطاء، أي ضرابه (¬5). يقال: طرق الفحل الأنثى، إذا فعل [بها] (¬6) ذلك (¬7). وتشبيهه "إجارة المسلم نفسه في رعي الخنازير، بشراء الخمر من النصراني" (¬8) مختلف، والذي في باب "إجارته من نصراني في حمل (¬9) الخمر" (¬10) قبل هذا. وتشبيهه لها ببيع المسلم الخمر أشبه. وقال هنا في مشتري الخمر من النصراني: "يؤخذ الثمن، فيتصدق به على المساكين" (¬11)، ولم يفصل. (و) (¬12) في كتاب التجارة لأرض الحرب. إنما (¬13) يتصدق به إذا كان النصراني لم يقبضه، فإذا قبضه لم ينتزع منه (¬14). وقال سحنون: ينتزع (¬15) منه. وانظر قول ابن القاسم في مسألة إجارة الخنازير. وأرى أن تؤخذ ¬
الإجارة من هذا النصراني فيتصدق بها على المساكين (¬1). وهذا هو أحد قولي مالك (¬2). في كتاب (¬3) محمد، في أخذها من النصراني. والقول الآخر: أنها لا تؤخذ منه (إذا قبضها) (¬4)، ثم قال بعد (ذلك) (¬5): " (ويتصدق (¬6) بالإجارة) (¬7)، ولا تترك للنصراني" (¬8)، مثل قول مالك (في الخمر) (¬9)، فقد أشار بعضهم إلى أن هذا يدل أنه يؤخذ (¬10) أيضاً في مسألة الخمر (ثمن الخمر) (¬11)، وأن قبضه، كقول سحنون، وخلاف ما في كتاب التجارة لأرض الحرب (¬12). قال القاضي رحمه الله: ويحتمل عندي أن يرجع إلى مسألة بيع المسلم الخمر من النصراني، وأن الثمن يؤخذ من النصراني، على أحد قوليه، فيكون نص أحد القولين هنا (¬13) في الخمر، ولا يصح في الإجارة تركها للنصراني بوجه، لأن تركها له في مسألة الخمر على أحد قوليه، وقد أغرمناه الخمر التي (¬14) اشترى، فكسرناها على المسلم، وتركنا للنصراني ¬
عوضه الذي يجوز له في دينه (¬1)، وها هنا إن لم نأخذ (¬2) شيئاً عن (¬3) ثمن الرعي (¬4) انتفع بخدمة المسلم باطلاً، فحق أن نأخذ منه تلك الأجرة (¬5)، ثم يتصدق (¬6) بها، إذ لا تحل للمسلم، وانظر (¬7) في كتاب التجارة (¬8) (لأرض الحرب (¬9)) (¬10)، وكتاب العيوب. وقوله "في الآبار [التي] (¬11) تحفر للماشية أن أهلها أولى بمائها وللناس ما فضل إلا من مر بها (¬12) لشفتهم. أي لشربهم (¬13) أنفسهم بشفاههم (¬14) ودوابهم" (¬15). [63] وقوله: "فإن أولئك لا يمنعون (كما لا يمنعون) (¬16) [من] (¬17) / شربهم منها (¬18) " (¬19) كذا في كتاب ابن عتاب. (وخرج) (¬20). ¬
وعند يحيى: فإن أولئك لا يمنعون من شرائها منه، وكذا (¬1) في كتاب ابن المرابط. وقوله في مسألة "الصبي يؤاجر نفسه بغير إذن وليه، والعبد المحجور (عليه) (¬2)، له الأجر الذي سمى (¬3) له إلا أن تكون إجارة مثله أكثر" (¬4) فله ذلك (¬5)، وهو "مثل قول مالك في الدابة، فإذا تعدى عليها (¬6) أو غصبها" (¬7). انظر، فقد بين أن مذهبه هنا في الغصب والتعدي سواء، عليه الكراء. وهو (نحو) (¬8) ما له في كتاب الاستحقاق، وخلاف ما في كتاب الغصب (¬9)، والآبق، وتمامها (¬10) هناك. وذكر في الكتاب (في) (¬11) رواية ابن القاسم، ومذهبه، في مستأجر الغلام عملاً يعطب فيه (¬12) أنه ضامن لقيمة العبد يوم استعمله، أو الكراء (¬13)، والكراء إن اختاره سيده دون قيمته (¬14)، وكذلك قال عن مالك في الباب الثاني، "إذا استأجره، يعني من سيده للخياطة، كل شهر بكذا، فاستعمله في غير ذلك فعطب: إن كان عملاً يعطب في مثله ضمن" (¬15). ¬
وذكر (ابن وهب) (¬1) عن مالك: "ليس على مستأجر العبد ضمان، وإن قال ساداتهم: لم نأمرهم (¬2) إلا في استعمالهم في الأمر (غير المخوف) (¬3)، فيضمن إذا كان بغير أمر سيده، إن أصيب" (¬4). وكذلك إن خرج به (¬5) لسفر، فظاهر هذا الخلاف. وإن في رواية ابن وهب: لا يضمنهم، وإن كان العمل مما يعطب في مثله، إلا أن يكون غرراً (¬6). وعلى هذا حمل المسألة سحنون، فيما حكى عنه ابن عبدوس، وفضل، وأنه (¬7) قال: برواية ابن وهب (عن مالك) (¬8) وقال: ما قاله ابن وهب عن مالك، وربيعة أحسن، إلا أن يكون السيد قد حجر على العبد أن يؤاجر نفسه، وأبان ذلك وأشهره، واتبعه غيره في ذلك. وقال بعضهم (¬9): هو وفاق، وإليه نحا ابن لبابة. وهو ظاهر قول ابن أبي زمنين. و [أبي محمد] (¬10) بن أبي زيد [رضي الله عنه] (¬11). وإن مراد مالك في الروايتين، ومراد ابن القاسم، أنه ليس على مستأجر العبد ضمان إن عطب في ذلك العمل، وأدركه أجله، أذن له (سيده) (¬12) في مؤاجرة ¬
نفسه أم (¬1) لا. كان هلاكه من سبب العمل أم لا (¬2). ولمولاه أجرة المثل، أو المسمى، إلا أن يكون العمل يعطب منه غالباً كالإغرار، أو يبعثه في سفر فيضمن، أذن له سيده (¬3) في مؤاجرة نفسه أم (¬4) لا، لأنه لم يأذن [له] (¬5) إلا فيما يجوز (¬6). وهذا نص قوله في رواية ابن وهب: فعليه فيه الضمان إن أصيب. وإن كان العبد قد أرسل في الإجارة (¬7). ومثله لربيعة. فجعلوا قوله في رواية ابن وهب تفسيراً لرواية ابن القاسم. وقد قال في كتاب المأذون، فيمن أذن لعبده في شيء، فاستعمل في غيره: أنه يلزمه ذلك. وما يدري الناس فيما أذن له فيه (¬8). وقد وقع لابن القاسم عن مالك نصاً في العتبية (¬9) مفسراً، مثل رواية ابن وهب في العبد الخياط، والنجار، يستأجر (¬10) في غير عمله، ينقل لبناً، أو غير ذلك، فيهلك فيه، فلا ضمان عليه، إلا أن يدخله في عمل مخوف، وفيه خطر، أو يتعمد به سفراً، فيضمن. فقد بين ذلك في هذه الروايات (¬11). وفسر ما أبهم في رواية ابن القاسم، وابن وهب في هذا الكتاب، وإن هذا (¬12) الهلاك لا يضمن منه، وان كان من سبب العمل نفسه. ¬
ويأتي على هذا [في] (¬1) معنى قوله في تضمينه في رواية ابن القاسم، إذا استعملهما عملاً يعطبان فيه أنه من المخوف والغرر (¬2)، والخطر، وهذا هو بالحقيقة العمل الذي يقال: إنه يعطب منه. ومثله في كتاب الرهون، "في المرتهن يعير (¬3) العبد الرهن فمات عند المستعير، لا ضمان عليهما، إلا أن يعطب في عمل استعمله (المستعير) (¬4) " (¬5). وذكر مثله في المودع. وقال: إلا أن يكون استعمله أحدهما عملاً، أو بعثه مبعثاً يعطب في مثله (¬6). وبها استشهد على الأول، فقد (¬7) فسر صورة العطب به، (و) (¬8) بما ذكر. والمتأولون (¬9) أولاً يجعلون هذا اختلافاً من رواية ابن القاسم، ولا يخلو الهلاك (¬10) على (¬11) هذا أن يكون يأمر (من الله) (¬12) فيما لا يعطب منه جملة، كالحراسة، والتعليم، ونفش (¬13) الصوف. أوقد يعطب بسببه نادراً، كنقل اللبن، والحجارة، والخشب (¬14). أو ¬
هو (¬1) غرر يعطب منه غالباً، كالنزول في البئر الحمأة، وهدم الجدارات، والعمل على الزرانيق (¬2)، فأتته منيته في هذه الأعمال بغير سببها، أو هلك من سببها، كضربة الإبرة له في استعماله في الخياطة، وسقوط اللبن، والخشب عند نقلها، وانهدام (¬3) الحائط عليه عند هدمه، وسقوطه هومن الزرنوق. فأما الوجه الأول الذي لم يمت بسبب العمل فقالوا فيه: إنه غير ضامن، وهو الصحيح، إذا لم ينقله عن بلده، وموضعه، وهومذهب ابن القاسم (¬4). ومفهوم قوله: يعطبان فيه (¬5)، ويهلك في ذلك، فقد بين (¬6) أنه إنما راعى هلاكه إذا كان ذلك من سببه. وقيل: هو ضامن وإن كان عملاً لا يعطب في مثله، لوضع يده عليه بغير إذن سيده، فأشبه الغاصب. وهو قول سحنون (¬7). في بعض روايات المدونة (¬8) في الباب بعد هذا، في الذي حول العبد في غير ما استأجره له، فهلك، فقد ضمن، وسار متعدياً. وقد اختلف الصقليون على مذهب ربيعة، في المستعان به (¬9) في الخياطة، إذا مات حتف أنفه، فضمنه بعضهم، وبعضهم لم يضمنه، وأما إذا كان الموت بسبب (¬10) العمل الذي يتوقع الهلاك منه نادراً كما وصفناه، فقد ¬
ذكرنا تأويل من تأول الاتفاق أنه لا ضمان عليه، وأنه لا يضمن الرقاب إلا بنقلها، وهو (¬1) الصحيح. وظاهر قول مالك وابن القاسم، ومن يتأول الخلاف ويجعله (¬2) ضامناً على رواية ابن القاسم. وأما ما كان هلاكه من سبب الأغرار المخوفة، وما يهلك منه غالباً، فهو ضامن عند جميعهم، إذا هلك من سببها. وأما إن هلك من غيرها، فعلى الخلاف المتقدم. هل يضمن بنفس العداء أم لا؟ وأما السفر به فلا يختلفون في ضمانه عند جميعهم، هلك أو لم يهلك، لحبسه (¬3) عن أسواقه ونقله عن بلده، ولكن لسيده الخيار على ما تقدم، في تضمينه قيمته، أو إجارته، ويجب أن تكون له الأجرة على كل حال إلى يوم ضمنه بسفره به على أصولنا الصحيحة، إلا أن يكون سفره به إلى الموضع القريب. وفي مدة لم [64] يحبسه فيها عن أسواقه، ورده سالماً، فلا؛ يضمن. وذكر رواية ابن وهب عن ربيعة أنه يضمن العبد فيما استعين عليه من (¬4) أمر في مثله الإجارة. وأما إذا (¬5) استعمل فيما (¬6) لا ينبغي فيه الإجارة "كمناولة النعل، والقدح، فلا شيء عليه" (¬7)، واختلف (¬8) أيضاً في هذا، هل هو وفاق، أو ¬
خلاف؟ فمنهم من تأوله على الخلاف، وأن ابن القاسم يفرق بين الإجارة والاستعانة. فلا يضمن في الإجارة، إلا فيما يعطب فيه. ويضمن في الاستعانة، مما فيه الإجارة، وإن لم يعطب فيه. لأن العبد لم يؤذن له في هبة منافعه (¬1). وهو الذي في كتاب محمد نصاً، أنه يضمن قيمة العبد في استعماله بغير أجر إذا هلك، ولو كان بأجر لم يضمن، وأن مذهب ربيعة أنهما واحد، وأنه يوجب الضمان فيما كان في مثله الإجارة (¬2)، وإن كان لا يعطب في مثله. قال بعضهم: وهو وجه النظر، وذهب آخرون إلى أنه وفاق في الاستعانة. وإن لمالك [رحمه الله] (¬3) في الموطأ (¬4) مثل قول ربيعة (¬5). وقال آخرون: لا ضمان فيهما، إلا مما يعطب في مثله، وعليه تأول التونسي مذهب المدونة، وهذا على ما تقدم من الخلاف في ضمان المستأجر، وذكر في آخر باب (¬6) (استئجار الأجير، فيؤاجره غيره، أو يستعمله (¬7) في غير ما استأجره فيه، إذا استأجره للخياطة (¬8) فاستعمله في غيرها، أنه يضمن (¬9) إذا (¬10) كان عملاً يعطب (¬11) في مثله (¬12). ¬
قال سحنون: إذا حوله بغير إذن أهله في غير ما استأجره له (فقد) (¬1) ضمن وصار متعدياً (¬2). ثبت عندي قول سحنون، وصح في كتاب ابن عتاب. وسقط من (¬3) كتاب ابن المرابط، وابن سهل، وكثير من الأصول. "وقول غيره هنا: ولا يجوز استئجار العبد السنين الكثيرة" (¬4). كذا في أصول شيوخنا (¬5). واختصر أبو محمد هنا (¬6) قول غيره لعشر سنين، ووقع في كتاب الغرر (¬7) في كراء العبد عشر سنين (¬8)، وفي بعض الروايات: عشرون (¬9) سنة. من كتاب ابن سهل. ومسألة "الإجارة تنفسخ (¬10) في غيرها، فقال (¬11): إذا (¬12) كثرت [الإجارة] (¬13) حتى تصير كالشهر (¬14) وما أشبهه (¬15). ثم قال: لم يصلح" (¬16). كذا عندي. وهي رواية ابن وضاح. والدباغ. وعند الإبياني: حتى تصير الأشهر (¬17). ¬
"والزرانيق" (¬1): الخطاطير. وهي خشب يرفع بها الماء من البئر (¬2). بفتح الزاي (¬3)، وبعدها راء، وبعد الألف نون وآخره قاف. وقوله (¬4) "إذا باع عبده بعد أن آجره فالإجارة (¬5) أولى" (¬6)، وللمشتري رده في كثيرها، ولا يجوز له الرضى به، لأنه من شراء المعين ليقبض (¬7) إلى أجل (¬8)، وإن كان كاليوم واليومين جاز البيع إذا (¬9) كان لرب الدابة استثناء مثل هذا في بيعه. قال عبد الحق: وهذا إذا رضي البائع، وإلا فله القيام بهذا العيب (¬10). وان كان إنما علم بهذا (¬11) بعد انقضاء الإجارة، وكانت قريبة (¬12) كاليوم واليومين جاز (¬13). ويختلف هل له متكلم في أجرة هذين اليومين على ما سيأتي، وإن كانت بعيدة؟ فقيل (¬14): للمبتاع رد ذلك، إلا أن يرضى بقبولها، والإجارة للبائع، ولا يجوز أن يتراضيا (¬15) على أن يمضيا البيع، وتكون الإجارة للمبتاع. ¬
وقيل: هو كعيب ذهب، يلزم المبتاع، وله الإجارة على ما أحب البائع، أو كره. وقيل: [بل] (¬1) الأجر (¬2) للمبتاع، ولا علة (¬3) ها هنا (¬4)، لأن الحكم (¬5) أوجب هذا. وقيل: يرجع المبتاع (¬6) من الثمن بما بين قيمة العبد على القبض ناجزاً، أو إلى آخر الإجارة. واختلف في تأويل قوله في الكتاب، "إذا كانت إجارته (¬7) قريبة اليوم واليومين، وما أشبهه، رأيت البيع جائزاً. وإن كان أجلاً بعيداً، رأيت أن يفسخ البيع. ولا يكون له أن يأخذه (¬8) بعد الإجارة" (¬9)، فظاهر مساق (¬10) أبي محمد، وابن أبي زمنين، وأكثرهم، على أن كلامه في ذلك ابتداء، قبل انقضاء أمد الإجارة، لا بعد انقضائها. ولهذا أورد بعضهم الكلام فيها بعد انقضاء الأجل كله للمتأخرين. وظاهر الكلام عندي، و [هو] (¬11). مفهوم مساق أبي إسحاق، أنه إنما (¬12) تكلم على مسألة انقضاء الإجارة، لأنه جاء بذلك بعد قوله في السؤال: "أرأيت إن انقضت الإجارة أيكون للمشتري أن يأخذ العبد، يريد بالثمن" (¬13)، فأجابه بما تقدم. ¬
ورعاية الغنم، ورعيتها (أيضاً) (¬1)، بمعنى. "وقول أبي الزناد: ليس على أحد ضمان، في سائمة دفعت إليه يرعاها إلا بيمينه" (¬2). كذا في كتاب ابن عتاب. وابن المرابط. وأكثر الأصول. وعليه اختصر المختصرون. وفي حاشية [كتاب] (¬3) ابن عتاب: إلا ببينة. "والسائمة" (¬4) هي الغنم الراعية. سامت إذا رعت. "والظئر" (¬5) [المرضع] (¬6) بكسر الظاء (¬7)، مهموز، وقد يسهل. وجمعه "ظؤرة" (¬8)، بالضم وسكون الهمزة. ووقع في المدونة عند شيوخنا في الجمع الظؤورة، بضم الهمزة (¬9)، وواو بعدها (¬10). والصواب الأول، [ظؤرة] (¬11)، مثل غرفة، ويجمع (¬12) أيضاً ظؤار، بالضم. وأصله من الظئار، بالكسر، وهوعطف الناقة على (غير) (¬13) ولدها (¬14). "وتحميم الصبيان" (¬15): غسلهم بالحميم. وهو الماء الحار (¬16). ¬
"وينهكني" (¬1)، بفتح الياء، والهاء، أي يبالغ في رضاعي (¬2)، ويجهدني (¬3). يقال: نهكته الحمى، (تنهكه) (¬4)، إذا أثرت فيه، بكسر الهاء في الماضي، وفتحها في المستقبل، ونهكت (الرجل) (¬5). أجهدته، كذلك (¬6) أيضاً. "والمجارف (¬7) " (¬8): واحدها مجرف (¬9)، وهي [هنا] (¬10) المساحي. "وفقر النخل" (¬11) بيارها بضم الباء، واحدها فقير، وهو المذكور هنا، ألا تراه كيف قال: إلى أن يبلغ الماء، ويكون أيضاً الحفير يجتمع فيه الماء حول أصلها، وهو المذكور في المساقاة. وهي (¬12) كالشربات. "ولت السويق" (¬13) بالتاء باثنتين: بله بالسمن، ونحوه. (وهي) (¬14) "على (¬15) قدر عنائه" (¬16) أي تعبه. وقوله في مسألة "إن استأجرت رجلاً يبني لي حائطاً فبنى (لي) (¬17) ¬
نصفه وانهدم فله (¬1) بحساب ما بنى، وليس عليه بناؤه ثانية، كان الآجر [والطين] (¬2) من عندك أومن عنده" (¬3). ثم قال: "وقال غيره: لا يكون هذا إلا في عمل (¬4) رجل بعينه ولا يكون مضموناً" (¬5) كذا وقعت عندنا. (قال سحنون) (¬6): "فإذا كان مضموناً، كان عليه تمام العمل" (¬7)، كذا وقعت (في) (¬8) روايتنا، من كتاب ابن عتاب، وابن المرابط، إلا أن اسم سحنون لم يكن في كتاب ابن المرابط، وكتب عليه: صح لابن باز. وسقط للدباغ. والإبياني. وعلى هذا اللفظ نقلها ابن لبابة. وعلى هذا المعنى اختصرها أبو محمد. فقال: هذا في عمل رجل بعينه، وعليه في المضمون تمام العمل (¬9). [65] ووقع؛ في بعض الأمهات، "وقال غيره: لا يكون هذا في عمل رجل بعينه، ولا يكون مضموناً" (¬10)، وعليه في المضمون تمام العمل، وجاء الكلام في المضمون كله لابن القاسم، وفي كتاب ابن عتاب أمر سحنون بطرح قول الغير. قال ابن وضاح: وكنا [قد] (¬11) قرأناه عليه مرة، فأمرنا (¬12) بطرحه. ¬
وقال: لست أعرفه (¬1). وفي (¬2) كتاب ابن سهل: ثبت قول غيره لابن باز. وقال ابن هلال: لم يعرفه سحنون. وفي كتاب ابن المرابط نحو هذا، من قول ابن وضاح. قال (¬3): وكان موقوفاً في كتاب ابن وضاح، وفيه [قال ابن وضاح] (¬4) قال سحنون: مسألة الغير أصح مسائلنا، وهو أصل جيد. وذهب بعض المتأخرين [إلى] (¬5) أن قول الغير (وفاق) (¬6)، إلا على ما اختصره أبو محمد عنه، فهو خلاف. قال القاضي: والذي عندي أن كلام الغير هنا إنما هو قوله في أصل المسألة أول الكتاب (¬7)، في الإجارة، على أن على الباني الآجر، والجص، فأجازها مالك، وابن القاسم. "وقال فيها غيره: إذا كان (هذا) (¬8) على وجه القبالة (¬9)، يعني الضمان. ولم يشترط عمل رجل بعينه (¬10)، فلا بأس به، إذا قدم نقده" (¬11). فحمل الغير المسألة أنها كالسلم، يلزم فيه شروطه، وإن لم يذكر منها ضرب الأجل، لأنه هنا المقبوض منها، والمعجل في جنب ما بقي تبعاً ¬
وقليلاً. وأمد (¬1) الفراغ منها معلوم، وما يدخل فيها من جص وآجر معلوم لا يخفى (¬2) على الناس، فاستغنى (¬3) عن ذكره، وابن القاسم لم يراع هذا، ورآه إجارة وبيعاً، كانت من عمل رجل بعينه، أو بغير عينه، وشبهه ببيع السلعة للحاجة إلى ذلك، ولأن أمد فراغها معلوم، وما يدخلها معلوم، وأنه يشرع في العمل، وأنه أمد تعارفه الناس. قال ابن أبي زمنين: هي مسألة لا يحملها القياس، وإنما هي استحسان، واتباع، وقال (سحنون) (¬4): لا تحملها (¬5) الأصول. ومنعها عبد المالك في الثمانية، فكذلك معنى قول الغير هنا عندي: أن أصل المسألة لا تجوز، هذه الإجارة في عمل رجل بعينه إن لم يكن مضموناً، وإنما تجوز الإجارة في المضمون، وهذا (¬6) أبين (¬7) على رواية بعض الأمهات، ويكون خلافاً، وأما على ما عندنا، وعلى اختصار (¬8) أبي محمد فليس بخلاف، وعلى الخلاف حملها سحنون. وقال: اردد مسألة الحائط إلى مسألة الغير، وهي أصح مسائلنا. وقد وقع فيها في الأسدية زيادة حسنة، وهي: فإن تشاحَّا فعليه أن يبني ما بقي من العمل (¬9) فيما (¬10) يشبه، وله أجره (كله) (¬11)، إلا أن يكون سقوط ذلك من سوء البناء، فعليه أن يعيده (¬12) ثانية حتى يبني الحائط كله. ¬
قلت: فإن لم يكن (من) (¬1) سوء البناء فعليه أن يبني له ما بقي من ذلك العمل فيما يشبه، وله أجره (كله) (¬2) إذا (¬3) تشاحا، وطلبا ذلك؟ قال: نعم. (و) (¬4) انظر مسألة (القبر) (¬5) ومسألة البئر (ففيها) (¬6) في الكتاب إشكال فيما حفر منها، أعني البئر في غير ملك الإنسان في الإجارة. فقد قال: "إذا حفر نصفها فانهدمت، له من الأجر بقدر ما عمل (¬7)، سواء حفرها في ملك ربها، أو (في) (¬8) غير ملكه، إذا انهدمت، إذا كانت إجارة" (¬9). فتأول (¬10) ابن لبابة أن معناها أن له الإجارة (¬11) إن (¬12) كان (قد) (¬13) فرغ منها، وكذلك (¬14) إن انهدمت، وقد فرغ (¬15) من نصفها فله نصف الأجرة، ولم يرد تسوية الجواب فيما (¬16) يملك، وفيما لا يملك، (وأن الجعل بخلافه، فيما يملك، وفيما لا يملك) (¬17)، وفرق بينهما فيما نزل من العمل قبل التمام، فجعل هذه قولة له في الإجارة، فيما يملك، وفيما لا يملك. ثم ¬
أدخل مسألة الجعل. فلما اختلط الكلام فيه مع الإجارة دخله الإشكال. ثم رجع إلى مسألة الإجارة، فجاء بقول آخر، أنه (¬1) إنما يكون له بحسب (¬2) ما عمل (¬3) فيما يملك (¬4)، دون ما لا يملك، حيث ذكر "مسألة القبر" (¬5)، وهو (¬6) الإجارة فيما لا يملك من الأرض، فبين (¬7) أن هذا حكم الإجارة فيها. قال ابن لبابة (¬8): فهذان (¬9) قولان، إذا كانت الإجارة (¬10) فيما لا يملك من الأرض، ولم يختلف قوله فيها في المجاعلة، "أنه لا شيء (¬11) له إلا بتمامها وتسليمها إلى ربها" (¬12)، وقد قال في الكتاب: "وإسلامها فراغه منها" (¬13). قال ابن أبي زمنين: مسألة القبر (خلاف) (¬14) قوله في مسألة البئر. وذكر [قول] (¬15) سحنون أنها جيدة ترد إليها (¬16) مسألة الحائط، والبئر، ينهدمان. والجعل والإجارة في هذا أمرهما واحد، إلا في خروج الجاعل ¬
متى شاء، ولزوم ذلك المستأجر وما يملك (¬1) من الأرض وما لا يملك سواء في هذا. وأحسن ما جاء في هذا الأصل: أن المعاملة إذا وقعت في هذا فيما لا يملك من الأرضين (¬2) فلا يجوز فيه إلا الجعل، وإذا وقعت فيما يملك فلا يجوز فيه إلا الإجارة. وقوله "في اليتيم يستأجره وليه سنين [فيحتلم] (¬3) لا تلزمه الإجارة بعد احتلامه" (¬4). ظاهره أن الاحتلام بنفسه يطلقه، وقد قال يحيى بن عمر: وذلك بعد رشده، وهكذا (¬5) جاء بعد في المسألة الثانية، في قوله: "إذا عجل به الاحتلام وأنس منه (¬6) الرشد" (¬7). وقوله في مسالة "السفيه (¬8) الذي باع الملحفة فتداولتها (¬9) الأملاك يترادون (¬10) الربح" (¬11) كذا وقع عندي، وفي كثير من الروايات (¬12)، وروي يترادون (¬13) (الأثمان. قال ابن أبي زمنين: هذه أصح. وكذا قال سحنون: يترادون) (¬14) الربح والأثمان (¬15). ¬
وقوله "في مسألة اليتيم يستأجره وصيه (¬1) ثلاث سنين فاحتلم بعد سنة إلى قوله لا تلزمه الإجارة بعد احتلامه إلا أن يكون الشيء الخفيف الأيام أو الشهر وشيهه ولا يؤاجر الوصي اليتامى بعد احتلامهم. وذكر في الأب أنه لا يجوز له أن يؤاجره إذا احتلم" (¬2). ظاهره: أن بنفس الاحتلام يخرج من الإيصاء، ولا يختلف أن هذا لا يكون في الوصي، وعندنا أنه لا يخرجه (¬3) من حجرانه [إلا] (¬4). البلوغ. واختلف في الأب على ما تقدم [ذكره] (¬5). في النكاح، وذكره هنا مع الوصي. وقوله "لا يكون أحسن حالاً من الأب" (¬6) يدل (على) (¬7) أن المسألة ليست على ظاهرها فيهما، وأن المراد على ما قالوه أنه رشد عند احتلامه، فأما إن لم يرشد فلا يخرج من الحجر (¬8). وتجوز مؤاجرة الأب والوصي عليهم، وهو المشهور في الأب، والمتفق عليه في الوصي. وقوله في "مسألة السمسار يدفع إليه المال ليشتري (¬9) [له به بزًّا] (¬10) على أن له في كل مائة يشتري بها [66] ثلاثة دنانير" (¬11). يبين أول مسألة (في) (¬12) ¬
المرابحة في جعل السمسار (¬1). ومعنى كونه على المشتري، وقد؛ بيناه هناك. وقوله: "وإن (¬2) ضاع المال فلا شيء عليه" (¬3) دليل على أن السماسرة أمناء فيما دفع إليهم للبيع أو الشراء، وقد تقدم الكلام فيها آخر العيوب. وقوله في "مسألة بع لي هذا الثوب اليوم ولك درهم لا خير فيه إلا أن يشترط أنه متى شاء أن يترك ترك (¬4) " (¬5)، ثم ذكر المسألة إلى آخرها. وقال (¬6): "ولا يؤقت في الجعل يوماً ولا يومين، إلا أن يكون متى شاء ترك" (¬7)، وقد قال في مثل هذا: إنه جائز، وهو جل قوله الذي يعتمد عليه، (في ذلك) (¬8). واختلف (¬9) في تأويل هذا الكلام، وحيث هو (¬10) الخلاف وما هو القول الذي يعتمد عليه في ذلك. فظاهر كلام أبي محمد، أن الخلاف في ضرب أجل يوم أو يومين في الأجل (في الجعل) (¬11)، وأن جوازه (¬12) جل قوله، كذلك (¬13) اختصره عند ذكر الخلاف فيه، وقد وهمه بعضهم في هذا التأويل، وقال: إن الأجل في الجعل دون اشتراط الترك متى شاء لا يجوز باتفاق. وذهب ابن لبابة ¬
(إلى) (¬1) أن اختلاف قوله، هل هي إجارة جائزة مع اشتراط الترك، أو إجارة فاسدة؟ واستدل لتأويله بقوله إثر المسألة: "وكلما يجوز فيه الجعل تجوز فيه الإجارة، إذا ضرب لذلك أجلاً" (¬2). وقد استبعد غيره تأويله أيضاً (¬3) لأنه إن كانت إجارة فلا وجه لفسادها، وتأول أبو عمر بن القطان أن مراده بالإجارة المسألة المذكورة التي اشترط (فيها) (¬4) أنه متى شاء ترك، وأن قوله هذا قد قاله أيضاً أنه (¬5) جائز، وهو جُل قوله، فكرر (¬6)، على هذا عنده الجواب، وليس بخلاف، وإنما أعلم أنه (¬7) جل قوله وأكثره الذي يعتمد عليه، وتأويله (¬8) بعيد من ظاهر الكتاب، لكن في قوله: جل قوله ما يشعر أن له قولاً بخلافه (¬9)، وذلك منصوص له (¬10) في العتبية (¬11)، من رواية عيسى أنه لا يجوز، وتأولها أبو الوليد بن رشد أن اختلاف قول ابن القاسم في المسألة، هل هو جعل فيجوز، إذا اشترط أنه متى شاء ترك، ولا يجوز إن لم يشترط؟ أو هي إجارة يحكم لها (¬12) بحكمها إذا باع في بعض اليوم، أو انقضى (¬13) اليوم ¬
ولم يبع (¬1)، إن لم يشترط (¬2) متى شاء ترك وإن هذا هو الذي كان يعتمد عليه، أي أنها إجارة جائزة، كما قال أول الكتاب في الذي يبيع من الرجل (¬3) نصف ثوبه على أن يبيع له النصف الآخر، إن ذلك جائز، إذا ضرب أجلاً، [لأنه إذا ضرب أجلاً] (¬4) كانت (¬5) إجارة، فهذا نحو (¬6) القول (¬7) الذي أشار إليه هنا سحنون (¬8). قال: وهذا على الاختلاف في اللفظ المحتمل للجواز، والفساد، في باب الإجارة، على ما يحمل (¬9)، هل على الجواز حتى يتبين فساده؟ وهو مذهب سحنون، وابن حبيب. أو على الفساد حتى يتبين الجواز؟ وهو مذهب ابن القاسم. كالإجارة (¬10) على رعاية غنم بأعيانها، ولم يشترط الخلف. ولا اشترط (¬11) تركه، وأشباهها من المسائل، حتى (لو اشترط وبين) (¬12). فقال (¬13): (أجاعلك) (¬14) [على أن] (¬15) تبيع لي هذا الثوب اليوم ولك درهم، لم يجز (¬16)، باتفاق ................................... ¬
ولو (قال) (¬1) استأجرك على أن تبيعه لي اليوم بدرهم جاز، باتفاق. فإذا لم يقع بيان في اللفظين فهي مسألة الكتاب (¬2). وعليها حمل مسألة لقط (¬3) الزيتون اليوم، وغيرها، مما يشبهها. وقد قال فيها (¬4): لا تجوز، (إن (¬5) قال اِلتقطْ فما التقطت (¬6) اليوم فلك نصفه (¬7)، إذ لا يجوز (له) (¬8) بيع ما يلتقط اليوم، وما لا يجوز بيعه لا يجوز الاستئجار به، إلا أن يقول (¬9): ولك أن تترك (¬10) متى شئت، ولك نصف ما لقطت (¬11). قال ابن لبابة: وهذا هو النظر. (وقد كان بعض أهل النظر) (¬12) يقول: لعله (¬13) لم يرد باستثنائه مسألة اللقط (¬14)، [قال] (¬15) ألا ترى (¬16) (أن) (¬17) حجته أنه (لا) (¬18) يجوز بيع ذلك، فكذلك فيما (¬19) يلقط، وإن اشترط ¬
الترك، وكأنه (إنما) (¬1) رد الاستثناء إلى مسألة الثياب المتقدمة، مع موافقة المنع مع اشتراط الترك في رواية عيسى فيها المتقدمة، وهذا تعسف (¬2). والظاهر جوازه مع الشرط، وعليه حملها ابن لبابة، وغيره، لكن الخلاف [فيها] (¬3) متصور على [ما تقدم في] (¬4) مسألة الكتاب. وقوله: "إن جئتني بعبدي الآبق وهو في موضع كذا فلك كذا فهو (¬5) جائز" (¬6) اعترضها سحنون. وذلك لأن (¬7) تسمية المواضع (¬8) في الجعل كضرب الأجل، ولا يجوز في تسمية الموضع (¬9) إلا الإجارة (¬10). وقد نحا لهذا فضل بن سلمة (¬11) وهو صحيح. وكأنه في الكتاب إنما جعل ذكر الموضع (¬12) كاللغو، وأن (¬13) يطلبه حيث كان، ألا تراه (¬14) كيف سوى (¬15) بين ذكره (¬16) الموضع (¬17) أو تركه، ولأنه لو وجده في غير الموضع أو أدنى منه كان له جعله. ¬
وقوله: "في الذي قال: احصد زرعي ولك نصفه" (¬1)، هو أجير بنصف هذا الزرع، لأنه لو باع نصفه كان جائزا. وقوله بعد هذا: " (فهو) (¬2) حين يحصده وجب له نصفه (¬3) " (¬4)، استدل بعضهم من هذا على أن بيع الزرع محصوداً (¬5) جائز، (لأنه يحزر حزمه وقبضه، وهي رواية ابن نافع، وأشهب (¬6) عن مالك، وروى ابن القاسم عنه أنه لا يجوز. ظاهر (¬7) قوله هنا: "فهو حين حصده) (¬8) وجب له نصفه" (¬9)، أنه إنما وجب له (نصفه) (¬10) بعد حصاده (¬11)، والذي يأتي على أصولهم أنه إنما وجب له بالعقد. ألا تراهم كيف جعلوا ما هلك قبل حصاده وبعد حصاده من الأجير. وأما استدلالهم بجوازه من هنا فبعيد، لأنه إنما باع منافعه في حصاده بنصفه (¬12)، فإنما يحصد له نصفه، ويحصد (له) (¬13) النصف الآخر لنفسه، ولهذا كان ضمانه منه، وأيضاً فإنه إنما استأجره به وهو قائم يراه، ويحزره (¬14)، ولا خلاف في جواز بيعه قائماً، والاستئجار به وتأمل قوله في ¬
الباب، "قلت: فما الفرق بين الذي باعه وهو قائم على أن على ربه حصاده" (¬1)، فاشتراط لفظه قائم يدل أنه شرط عنده في صحة بيعه، وإلا فما فائدة ذكره (¬2)؟ وقوله: "وكل من (¬3) اشترى كيلاً يراه في سنبله فلا بأس به إلى [آخر] (¬4) قوله لأن الذي في سنبله قد عاينه" (¬5). قال بعض الأندلسيين: هذا يدل أن بيع الجزاف لا يجوز على الصفة (¬6)، وطرح سحنون قوله في سنبله (¬7) أول المسألة، ورده فرآه، ولم يكن في كتاب ابن عتاب. ¬
كتاب تضمين الصناع
كتاب تضمين الصناع (¬1) الصناع والأجراء الذين يضمنون هم المشتركون (¬2) بين الناس في صناعتهم، الذين نصبوا أنفسهم [67] للناس، وجلسوا (¬3) لذلك في أماكنهم، بخلاف؛ الأجير الخاص للرجل، أو للجماعة دون غيرهم، والصانع الخاص الذي [لم] (¬4) ينصب نفسه لذلك (¬5) فلا ضمان على هؤلاء، عملوا هؤلاء عند من استأجرهم أو عند أنفسهم، وسواء في الجميع من الصنفين، عملوا بأجر أم لا؟ الأول: يضمنون في الوجهين. والآخر: لا يضمنون في الوجهين (¬6). وقوله "في مسألة الغزل له أجره كله" (¬7). ¬
قال بعضهم: هذا يدل أنه نسج (¬1) الغزل كله، وأدخله في الثوب، وإلا فما يصح الجواب. وقال بعضهم: إن كان قال له: (اعمل هذا الغزل وأدخل جميعه فحينئذ يكون جوابه في المسألة أن له الأجر كله، وإن كان بقي من الغزل شيء، أو قال له:) (¬2) اعمل [لي] (¬3) ثوباً من هذا الغزل بقدر كذا، وإن عجز غزلي (¬4) وفيتكه، فصنع له أقل مما سمى (¬5) له، أو خلافه، فأدخل الغزل كله (¬6) كان له من الأجر بحساب ما عمل. ومسألة "القصار يخطئ فيدفع الثوب لغير ربه بعد ما قصره، فيخيطه (¬7) آخذه فإن أراد (¬8) [ربه] (¬9) أخذه أنه ليس له ذلك حتى يدفع إلى آخذه أجر خياطته" (¬10). تمت المسألة هنا في المدونة، في رواية يحيى بن عمر، والأندلسيين، وأكثر النسخ. وزاد في رواية سليمان بن سالم (¬11) (وكذلك في رواية عبد الجبار، "فإن أبى قيل للذي خاطه: إن شئت فأعطه قيمة ثوبه، وإلا فاسلم إليه الثوب مخيطاً. وزاد في رواية سليمان بن سالم أيضاً) (¬12) فإن (¬13) دفعه كان صاحب ¬
الثوب بالخيار، إن شاء أخذ الثوب، وإن شاء ضمن القصار قيمته، وليس خطؤه بالذي يضع (¬1) عنه قيمته إذا أسلمه للذي (¬2) قطعه. وقال (¬3) سحنون: إن أبى أن يعطيه أجر الخياطة لم يكن له إلا أن يضمن القصار قيمة ثوبه، فإن ضمنه قيل للقصار: أعط الخياط أجر خياطته، فإن أبى قيل لمن خاط الثوب: أعطه قيمة ثوبه غير مخيط، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه (غير مخيط) (¬4)، وهذا بخياطته" (¬5) وكذلك (جاء) (¬6) في آخر الباب في مسألة "إذا نقص القطع والخياطة الثوب، فقال (¬7) ربه أنا آخذه وما نقصه (¬8) القطع، والخياطة (¬9) أن ذلك لا يكون له إلا بدفع أجر الخياطة للذي قطعه وخاطه" (¬10) وتمت المسألة. وفي بعض النسخ: وقد قيل: إن الخياطة إذا نقصت (¬11) فله أجر الثوب بغير غرم إن أحب وإلا ضمن (¬12) القصار قيمة ثوبه، ثم يكون (¬13) العمل بين القصار وبين الذي خاط الثوب. وذكر في الباب بعده "في الذي يشتري ثوباً فيخطئ بائعه فيعطيه غيره، فيقطعه ويخيطه ليس لربه أخذه إلا أن يدفع إليه قيمة الخياطة" (¬14)؛ لأن (¬15) هذا الذي قطعه لم يأخذه متعدياً. ¬
وقع في المختلطة فيها زيادة: "فإن (¬1) أبى قيل لمشتري الثوب (ادفع قيمة) (¬2) الثوب صحيحاً، وإن أحببت فادفعه مخيطاً، ولا شيء لك. قال: وإنما بلغني هذا عن مالك ولم أسمعه" (¬3) كذا نقلته من (حاشية) (¬4) كتاب (¬5) شيخنا أبي محمد، ونحوه في رواية سليمان (¬6) بن سالم، وزاد ولا يكونان (¬7) شريكين (¬8). وفي كتاب ابن سهل، في المسألة [كلام] (¬9) بمعنى ما ذكرناه، وفيه تقديم وتأخير. وفي بعض الروايات بعده (قال سحنون: إذا أبيا ما دعوتهما إليه من إعطاء الخياطة وإعطاء قيمته كانا شريكين) (¬10)، وثبت هذا أيضاً في رواية سليمان بن سالم، ويحيى بن عمر، واعلم أن مذهبه في الكتاب في مسألة قرض الفأر (¬11) عند (القصار، أو عند) (¬12) الصانع، أنه محمول على التضييع، والضمان، حتى يثبت غيره. وفي كتاب ابن حبيب أنه محمول على غير التضييع حتى يثبت العداء والتضييع (¬13). ومسألة "الاختلاف في الأجل زاد فيها في بعض الروايات، وكذلك إذا ¬
قال: بعتك حالاً، وقال الآخر: إلى شهر. إلى آخر المسألة، إلى ابتداء رواية ابن وهب" (¬1) (هذه المسألة) (¬2) ليست في رواية ابن وضاح. وقال: طرحها سحنون، وأثبتها ابن باز، ويحيى بن عمر، وأحمد بن داود، وصحت في كتبهما. وقوله في آخرها: "وقد بلغني عن مالك أنه قال اختلاف الأجل (¬3) إذا فاتت السلعة بمنزلة اختلافهم في الثمن" (¬4) ليس (¬5) عند يحيى، وصحت لأحمد، وابن باز، وانظر قوله في "مسألة من أنفق على صغير ضائع، وأبوه غائب بأمر السلطان، أو بغير أمره، على وجه السلف، [قال: إن كان على وجه السلف] (¬6) وحلف على ذلك، وكانت النفقة ببينة، فإن كان الأب معسراً لم يلزمه، إلى آخر المسألة" (¬7). قال أحمد بن خالد [قوله] (¬8): إذا كان (¬9) منه على وجه السلف، وحلف على ذلك، [قال أحمد بن خالد: هذا] (¬10) يدل أنه إذا أنفق على اللقيط ثم جاء أبوه أنه لا شيء عليه (¬11). "وإن كان طرحه متعمداً" (¬12) خلاف ما تقدم له أول الباب، "لأنه إنما أنفق عليه على وجه الحسبة" (¬13). ¬
وقد روى أشهب في اللقيط أنه لا شيء على الأب بحال، كيفما أنفق عليه (¬1). وقال في مسألة الصبي الذي غاب أبوه إنما يتبع أباه إذا أنفق (عليه) (¬2) وهو يرى أنه ملي، ثم وجده كذلك، وأما إن أنفق وهو لا يرى أن له مالاً (¬3) لم يرجع عليه بشيء، وإن كان يوم الإنفاق ملياً، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المسألة (¬4) لقوله أولاً: وأبوه غائب موسر (¬5). ¬
كتاب الرواحل والدواب
كتاب الرواحل والدواب (¬1) الراحلة: هي الناقة المعتدة للركوب، (و) (¬2) المذللة له، وتستعمل (¬3) في ذكور الإبل، وإناثها (¬4). وأصلها من الرحل الموضوع عليها، وهي الرحلة (¬5) أيضاً بكسر الراء، وهو مركب شبيه الشد للنعال (¬6)، ويسمى السرج أيضاً (رحلاً) (¬7)، تشبيهاً به. وقوله: "إن استأجرت أجيراً بثوب بعينه. المسألة إلى قوله: وإن لم يكن كراء الناس عندهم على النقد لم يصلح هذا (الكراء) (¬8) إلا أن يكون (الثوب) (¬9) نقداً" (¬10). معناه باشتراط في [أصل] (¬11) العقد، وكذلك (¬12) قوله ¬
بعد هذا في الذي أكرى إلى مكة (¬1) بدراهم بأعيانها، والكراء عندهم على (غير) (¬2) النقد: لا خير في ذلك، إلا أن يعجلها (¬3)، أي يشترط ذلك، ويبينه (¬4). قوله بعد هذا: إلا أن يكون الكراء، وقع بالنقد فلا بأس (¬5) (به) (¬6) وهذا على أصل (قول) (¬7) ابن القاسم، أن هذا الباب في السكوت عنه على الفساد، حتى يقع التصريح (عنه) (¬8) بالحلال، وعند (¬9) ابن حبيب (¬10) في هذه المسألة والباب كله (إنما هو) (¬11) على الصحة حتى يقع التصريح بالفساد (¬12). وقوله في مسألة "إن لم تأت (¬13) بالثمن إلى (وقت) (¬14) كذا فلا بيع بيني وبينك. البيع لازم، والشرط باطل، ويجبر على النقد" (¬15) قال ابن لبابة، وغيره: معناه إلى الأجل المشترط يأخذها له، ولا يعجل عنه. [68] وقوله؛ آخر المسألة: "وقد يحب المكتري أن ينتفع بها اليوم ¬
واليومين تؤخر سلعته في يده (¬1) ليركب أو يحضر حمولته فتكون (¬2) (وثيقة) (¬3) " (¬4) ضرب في الأصول، من قوله ليركب إلى آخر الكلام. وثبت في بعضها، ولم يكن في كتاب ابن عتاب، وخرجه. وقال [فضل] (¬5):، كذا هو محوق في كتاب سعدون (¬6). وذكر أن سحنون أصلحه، وخط عليه، وذلك والله أعلم لاختلال نظم الكلام فتأمله. وقوله (¬7): "في اشتراط نفقة المستأجر فلو اشترط الكسوة فلا بأس (به) (¬8) " (¬9). معناه كسوة مثله أو كسوة كذا، أو فهم من قوله: الكسوة كسوة معهودة، وإلا فلو اشترط كسوة في إجارته (¬10) أجملها, ولم يعرفاها بصفة، ولا عرف، ولا تعيين، لم يجز. وقوله: "فيمن تكارى دابة ولم يسم ما يحمل عليها الكراء فاسد، إلا أن يكونوا قوماً (¬11) عرفوا (¬12) ما يحملون، فإذا عرفوا الحمولة بينهم لزمهم [على] (¬13) ما عرفوا. وقال غيره: إن كان (¬14) سمى طعاماً، أو بزًّا، جاز. ¬
وإن قال: احمل عليها ما شئت لم يجز" (¬1). قال القاضي: اختلف التأويل في هذا، (هل هو وفاق؟ أو خلاف؟) (¬2) فحمله بعض القرويين على الخلاف، وأن معنى قوله عرفوا ما يحملون، أي قدره (¬3)، وحملها الأندلسيون (¬4) على الوفاق، أي عرفوا جنسه، ونوع ما يحملون من التجارة، فلا يضرهم جهل مقداره، وإليه ذهب فضل، وهو ظاهر الكتاب، أنه متى كان للجنس عرف لم تبال (¬5) عن التقدير، وحملت الدابة حمل مثلها. وقد قاله في الباب قبل هذا في مكتري الدواب من رجل ليحمل عليها مائة إردب ولم يسم ما تحمل كل دابة. قال: ذلك (¬6) جائز. ويحمل على كل دابة (¬7) بقدر (¬8) ما تقوى، إذا كانت لرجل واحد، وكذلك (¬9) يدل قوله في [مسألة] (¬10) زوامل الحاج (¬11). وقوله: "إن تكاريت دابة من رجل على أن يبلغني موضع كذا إلى أجل كذا وإلا فلا كراء له. قال: لا خير فيه، لأنه شرط لا يدري ما يكون فيه من الكراء، لأن (¬12) هذا غرر لا يدري أيتم (له) (¬13) أم لا، فلا يكون له من الكراء شيء" (¬14). ¬
قال القاضي: أشار بعضهم أن وجه فساده (¬1) أنها (¬2) مدتين (¬3) في مدة، وشرطين في بيع، وعارضوها بما "في باب فسخ الكراء بعده من إجازته استئجار الثور (¬4) ليطحن (¬5) كل يوم إردبين بدرهم" (¬6)، وفي الباب الآخر في النقد في الكراء، وظاهر المسألتين جوازهما (¬7) ابتداء. وقد اعترض (¬8) مسألة الثور يحيى بن عمر، وأنكرها. وقال: هذا من مدتين في مدة. وقال: إنما استسهل (¬9) هذا مالك لقلته، فالقولان قائمان في هذه المسألة من المدونة من (¬10) هاتين المسألتين، والخلاف فيهما معلوم في العتبية عن مالك وأصحابه. والمشهور والأكثر أنه لا يجوز. وهذا (¬11) كله فيما يمكن غالباً أن يتمه ويعمله في الأجل. وقد وقع له في الخياط (¬12) إن علم أنه إن اجتهد (¬13) في ذلك فرغ منه، يعني في يومه جاز، ولو كان هذا الذي استأجره عليه مما (¬14) لا يعلم، هل يتم في الأجل أم لا؟ لم يجز، قولاً واحداً، لأنه غرر. وكذلك اختلف إذا (¬15) ضرب الأجل بعد تمام العقد، فقال له: إن ¬
أكملت (¬1) هذا الثوب اليوم زدتك كذا فاستخفه مالك مرة، وقاله غيره، وقال ابن القاسم: لا خير فيه. وقوله: "إذا اكترى دابة ليحمل عليها حمل مثلها مما شاء لا خير فيه" (¬2). لأن من الحمولة ما هو أضر بالدواب إلى آخر المسألة. ثم قال: "وكذلك الحوانيت والدور" (¬3). ثم قال: "لأن رب الدابة والحوانيت باعوا من منافع ذلك ما لا يدرون (¬4) لاختلاف ذلك، ولأنه خارج عن أكرية الناس" (¬5). وقال في كتاب أكرية الدور: "إذا اكترى حانوتاً ولم يسم ما يعمل فيه جاز" (¬6). قال بعض شيوخنا الأندلسيين: هذا أصل مختلف فيه، أجازه هنا، ولم يجزه في الأخرى. قال القاضي: والصواب أنه وفاق. وأن ترجع (¬7) إجازته لما تقدم من عرف الناس فيما (¬8) يعمل فيه، وفي ذلك (¬9) السوق، كما قال في مسألة الدابة، قبل: "الكراء فاسد، إلا أن يكون (قوم) (¬10) عرفوا (¬11) ما يحملون" (¬12). ¬
وقوله في هذه المسألة "وكل ما اختلف (فيه) (¬1) حتى تباعد ذلك تباعداً بيناً فلا خير فيه. لأن من ذلك ما هو أضر بالجدار، ومنه (¬2) ما لا يضر" (¬3) مثل (¬4) أن يكون الحانوت في سوق معلوم بما يباع فيه، فما عمل [فيه] (¬5) من ذلك وما يقرب (¬6) منه جاز (¬7)، وان لم يسم ما يعمل فيه، ولو أراد (أن يعمل) (¬8) صناعة الحدادين، والصباغين، في حانوت من حوانيت سوق (البز، أو) (¬9) العطر لمنع، إذ ليس [هذا] (¬10) هو عرف كرائه، ولما فيه من المضرة الظاهرة الزائدة على ما يكرى له في العادة (¬11)، ولأن قوله في الكتاب: واشترط أن يعمل فيه ما شاء، يوجب شرطه له أن يعمل فيه ما تباعد، وهذا يدخله الغرر، فلذلك لم يجزه هنا، وليس في مسألة أكرية (¬12) الدور هذا الشرط (¬13). ولوبية بضم اللام، وكسر الباء بواحدة، وبعدها ياء باثنين تحتها، (موضع (¬14). وكذلك مراقيه (¬15)، وهي بفتح الميم والراء والياء باثنين تحتها) (¬16) وتخفيفها. ¬
"وشمر بن نمير" (¬1): بكسر الشين المعجمة (¬2) "والزاملة (¬3) " (¬4): ما يحمل في (¬5)، (مثل الأخراج وشبهها) (¬6) ويشد على الدواب ونحو منها الراحلة (¬7). وأيلة: بفتح الهمزة وسكون الياء باثنين تحتها، مدينة بالشام. وكذا "فلسطين" (¬8) بكسر الفاء. "والعريش" (¬9): بفتح العين، موضع (¬10). "والتهاتر (¬11) " (¬12) معناه التكاذب. "وبحدثان" (¬13) ذلك، بكسر الحاء، أي بقرب (¬14) حدوثه. ولا يقال بفتح الحاء والدال. ¬
"وفي رأسه اعتزام (¬1) " (¬2) بالزاي، أي قوة (¬3) (وحدة) (¬4). "وجمح به الفرس" (¬5): أي زاد على ما أراد من جريه بغير (¬6) اختياره، وركب رأسه. "ومد النواتية (¬7) " (¬8). "وخرقهم" (¬9) بتشديد الياء، وضم الخاء، والقاف، أي من (عنفهم و) (¬10) إسرافهم فيما فعلوه (¬11) بالسفينة (¬12). والخرق (¬13)، ضد القصد، يقال: منه خرق يخرق. [69] وأعنتها: أهلكها. والزوايا: الزقاق الكبار. والفادح (¬14) من الرجال والأحمال: العظام الثقال، التي تهلك الدواب. "والشام أجناد" (¬15) بالنون والجيم جمع جند (¬16)، سُمي (¬17) بذلك كل ¬
(حيز) (¬1) وإقليم منها، (لكون) (¬2) من في كل حيز جنداً (¬3)، وعسكراً (متميزاً) (¬4) في الديوان أول الإسلام. ورواه الأجدابي أحياد، بالياء باثنين تحتها، والحاء المهملة، وهو خطأ لا معنى له. وكونها بالجيم أشهر من أن يبين (¬5) في المعنى، والاستعمال على ألسن السلف والخلف. وقوله في اعتلال الدابة إذا قال ربها: "أنا أريد بيعها إذا (¬6) صارت لا تحمل" (¬7)، وقال المكتري: أنا أقيم عليها حتى تبرأ (¬8). ثم قال: "إذا كان مرضاً لا يرجى برؤه إلا بعد زمان، وتطاول (¬9) [أمرها] (¬10) مما يكون في إقامته عليه ضرر على صاحبها فلا يصلح الضرر" (¬11). قال بعضهم: فيه حجة على جواز بيع المريض، وقد يحتمل أن هذا المرض ليس مما يخشى منه الموت، ولكن مما يمنع السير مدة، كرهصة (¬12) وشبكة (¬13) ونحوها، مما لا يخاف منه الموت على الدابة (¬14)، أو تكون هذه الدابة بعيراً مما بياع لينحر (¬15) ويؤكل، ومرضه مما لا يتقى لذلك. ¬
وقوله في الحاج: "ليسوا كغيرهم، لم يزل الحاج تكون له (¬1) الزيادة من السفر والأطعمة، لا ينظر في ذلك، ولا يعرف المكاري (¬2) ما حمل، فلا ضمان عليهم" (¬3) وذلك إذا كان المكري حمله ورآه (¬4). وقوله أولاً لا يعلم ما حمل (¬5)، أي جنسه، ومقداره، وتحقيق وزنه، ولكنه رأى تلك الزيادات (¬6) وكثرتها ولم ينكرها. وقوله (في) (¬7) مكتري الدابة ليوم فحبسها (¬8) أكثر "إن كان كراء ما حبسها على حساب كراء اليوم الذي اكتراها (¬9) له أقل، كان لرب الدابة على حساب الكراء الأول" (¬10)، كذا روايتنا ورواية الكافة، وكان عند (¬11) يحيى بن عمر: أكثر، فأصلحه (¬12) أقل. وقوله في "الدهن (¬13) قيمته بالعريش" (¬14) معناه لم يعرف وزنه، أو كيله (¬15)، إن كان بيعه بأحدهما. وقوله في الأكرية في غير الطعام "إذا حبسوه إلا أن يغيبوا (¬16) بذلك ¬
ويحوزوه (¬1) عن أصحابه، فيكون بمنزلة الرهن، فهم ضامنون" (¬2)، معناه إذا ضاع بعد البلاغ ولم يضع في الطريق إذ (¬3) لا يجب عليهم في الطريق ضمان، لأنهم هناك فيه مؤتمنون، وإن كانوا أخذوا لذلك أجراً. وقول غيره في (هذه) (¬4) المسألة (¬5) ليس المعين كالمضمون (¬6)، اختلف في معناه، وفي ماذا (¬7) يختلف، وفي أي وجه يتحالفان؟ (¬8) فقال ابن أبي زمنين: معناه أنهما يتحالفان، ويتفاسخان في بقية المسافة، إذا كان في راحلة بعينها، ككراء الدور. وقال عبد الحق: يريد أنهم يتحالفان ويتفاسخان في المضمون، بخلاف المعين، وعند ابن القاسم لا يتفاسخان فيهما، ويبلغان المسافة التي اتفق عليها، وسنة المضمون إذا قبض كالمعين (¬9). قالوا: ولو كانت المضمونة (¬10) قد هلكت لاتفق جواب ابن القاسم وغيره أنهما يتفاسخان إذا لم يحز (¬11) المكتري شيئاً في يديه فيصدق من أجله فهو مدع. ¬
وظاهر ما ذهب إليه حمديس في اختصاره للمسألة (¬1)، إنما هو في التفليس الذي تكلم (¬2) فيه من فصول المسألة، فقال: "ومن تكارى إلى مكة، فحمله الحمال (¬3) على بعير من إبله، فليس له نزعه من تحته إلا بإذنه" (¬4)، سواء كان في راحلة بعينها، أو في مضمون (¬5)، فإن فلس الجمال فكل واحد من هؤلاء أحق بما (¬6) (تحته) (¬7) من الغرماء، ومن (¬8) أصحابه حتى يستوفي حقه، وإن (¬9) كان مضموناً، لأنه لما أعطاه البعير فركبه (¬10) فكأن كراءه وقع عليه. "وقال غيره: ليس المضمون مثل الراحلة بعينها" (¬11)، فظاهر كلامه أن الخلاف إنما هو في هذا الفصل، (و) (¬12) إلى هذا كان يذهب القاضي بن سهل في تأويل [كلام] (¬13) حمديس (¬14)، وهو مذهب ابن المواز. وأنكر كلام ابن القاسم. وقال: إنما يحب أن يكون أحق بها إذا كانت معينة، قبضوها، أو لم يقبضوها (¬15). وتأمل قوله: وكل واحد من هؤلاء أحق بما تحته من الغرماء، ومن ¬
أصحابه، حتى يستوفي حقه (¬1). فمعناه في المضمون. وأنه إنما هو أحق به (¬2) ما دام تحته. وحينئذ ليس للمكري (¬3) أن يبدلها له، وإن كان الجمال يديرها عليهم، في الحمل، والركوب، فكل واحد أولى بما تحته، وفي يديه (¬4)، وتحت حمله، كما قال في كتاب محمد. وهذا يدلك أنه أولى (به) (¬5) ما دام في يديه في المضمون. قال بعض الشيوخ: ولو كان تسليم ذلك ليستوفي ركوبه منه لا يبدل له ذلك، إلا أن تموت الدابة، أو يأتي ما يمنع ركوبها، كان أحق به في الموت، والفلس، والقول قوله في الاختلاف (¬6). وإلى هذا أشار اللخمي. وأما المعين [فهو أحق به] (¬7) قبض أو لم يقبض، ركب أو لم يركب، كمشتري السلعة يفلس صاحبها قبل القبض، كذا قال (¬8) في كتاب محمد: ومعنى مسألة العتبية إذا أراد الجمال أن يدير بينهم الإبل لم يكن ذلك إلا عن رضى منهم، لعله (¬9) (بعد) (¬10) ركوبه، وإن ذلك من حقه حتى ينزل، أو يكون فيما دفعه على التسليم، واستيفاء الحق كما تقدم. ولو نزل عنها ثم سرحت في المرعى، فلابن القاسم في العتبية: [المكتري] (¬11) الذي نزل عنها أحق بها. ¬
وقوله في هذه المسألة: "القول قول المكتري (¬1) إذا أتى بما يشبه" (¬2) خرج منه بعضهم، مراعاة (¬3) الأشبه، في تداعي المتبايعين في القيام، ورد غيره هذا بأن المسألة (فيها) (¬4) [هنا] (¬5) فوات (¬6)، وهو المسير من السفر ما فيه ضرر، ففيه (فوات، وإنما مراعاة الأشبه بعد الفوات، وأما قبل فلا يراعيه ابن القاسم، وراعاه ابن الماجشون، وابن وهب، وابن حبيب (¬7). ويخرج) (¬8) من كتاب (كراء) (¬9) الدور والأرضين من قول غيره، إذا اختلفا بعد النقد فالقول قول المكتري (¬10) مع يمينه، إذا كان يشبه ما قال الآخر (¬11)، وقد يقال في هذا أيضاً أنه فائت (¬12) لمغيبه على [70] النقد. (والله أعلم) (¬13). ¬
كتاب كراء الدور والأرضين (¬1) قوله: "أكريت بياضاً وفيه سواد" (¬2). [السواد] (¬3): (هو) (¬4) ما فيه ثمار لظهوره أسود على بعد، بخلاف ما لا ثمرة فيه، فيظهر فارغاً، فعبر عنه (¬5) بالبياض للون الأرض (¬6)، وقد سُميت الخضرة بالسواد (¬7)، والسواد بالخضرة، وسواد العراق من هذا. وكذلك يقال للشخص سواد (¬8). وردف (¬9) الشيء بكسر الراء تابعه. وردف: تبع (¬10). ¬
"والمرمة" (¬1) بفتح الميم: البناء، والصلاح (¬2). وشرفات الدار بضمهما. وقوله: "من الغرر أن تباع (¬3) كل [أرض] (¬4) ذات أصل بشطر ما يخرج منها" (¬5). معنى [يباع هنا] (¬6) يكرى ويساقى (¬7). وقوله: "إذا اكترى داراً وفيها نخل يسيرة إنما يجوز أن تكون التمرة تبعاً للدار، وتلغى" (¬8). ووقع في بعض الروايات لابن وضاح: أو تلغى. وكذا في كتاب ابن المرابط. والصحيح: الرواية الأولى. إلا أن يتأول: أن تلغى (¬9) من الكراء وتترك لرب الدار، فتصح على هذا. وقوله بعد في المسألة: "وقد (¬10) زاد رب الدار في الكراء لأجل ما اشترط" (¬11) كذا لابن وضاح. ولابن باز، "فقد (¬12) زادت الدار" (¬13). ¬
مسألة (¬1) كناسة (¬2) المراحيض: وقع (¬3) في الكتاب فيها إشكال. منها: قوله أولاً: "إذا اشترط ذلك على رب الدار لا بأس" (¬4). ثم قال بعد (هذا) (¬5): "مرمة الدار، وكنس الكنيف، وإصلاح ما وهى (¬6) من الجدران (¬7) والبيوت على رب الدار" (¬8). قالوا: وإذا كان عليه فلم يحتاج [إلى] (¬9) الشرط؟ فقيل: هو خلاف من قوله: وذلك فيما حدث بعد الكراء، والسكنى. فمرة رأى ذلك على رب الدار، كما نص عليه غيره في الباب الثاني، لأن عليه إخلاء ما أكرى حتى يتوصل المكتري إلى الانتفاع (¬10) به. ورآه (¬11) مرة على المكتري، حتى يشترطه (¬12) على رب الدار، لأنه هو الذي أحدثه في الدار. ومثله في رواية أبي زيد (¬13). قال: إلا الفنادق، فإنها على ربها (¬14). وقيل: ليس بخلاف، ولعله في اشتراطه على رب الدار فيما حدث، ¬
بدليل قوله بعد: وغسل الحمامات (¬1)، وإالزامه (¬2) رب الدار فيما كان فيها قبل الكراء، قالوا: والأشبه أن ما حدث عند المكتري فعليه، إلا أن يكون عرف (¬3)، كما جاء في عُرف الفنادق (¬4). وقوله: "في إصلاح ما وهى على رب الدار" (¬5) أي يلزمه، ولكن لا يجبر عليه، وهذا مثل قوله في التطيين في باب فسخ الكراء، إذا أهطل البيت (¬6). قال: إن طينه رب الدار لزم الكراء، وإن أبى كان لك أن تخرج (¬7). وقيل: لعله فيما خف، كما قال سحنون. فيكون (¬8) موافقاً لقول غيره في مسألة الطر أنه (مما) (¬9) يلزم رب الدار، ويجبر عليه. وقد وقع في بعض النسخ في قول غيره التطيين، مكان الطر (¬10). وظاهر قول غيره أنه يجبر عليه، وعلى هذا نقلوه، وجاء مفسراً في كتاب يحيى بن إسحاق عن أشهب: [أنه] (¬11) يلزم (¬12) رب الدار إذا أكراها (¬13) الطر، وكنس المراحيض، وسد الكوى، إذا أحدثت (في ¬
الأقبية (¬1)) (¬2)، وإصلاح السقوف، والعساكر، ومرمة الميازيب، ومصب المياه، وإقامة العلو (من السفل) (¬3)، وإصلاح ظهور البيوت، وبطونها، وتنقية مسروب (¬4) الماء، وكل ما يحتاج المكتري (¬5) (إليه) (¬6). وقطع الهطل عنه، حق من حقوق المتكاري، ليس له ضرر، ولا أذية (¬7). وقال (¬8) أصبغ: لا يلزمه شيء من ذلك بالجبر. فإن شاء أصلح، وإن شاء فسخ (¬9) الكراء. وقال سحنون: يجبر على إصلاح الدار، وتطرير البيوت. ولسحنون أيضاً في غير المبسوطة (¬10) ما كان فيه ضرر قليل (¬11) لزمه إصلاحه، دون الكثير. فيأتي على التأويل الآخر أن ابن القاسم يوافق على ذلك غيره، فيما خف من الإصلاح، والطر، ولكن (على) (¬12) ما فسره أشهب، ليس هو تخفيف (¬13)، إنما [يأتي أن] (¬14) عليه إصلاح كل ما يستضر به المتكارى (¬15)، وإنما يفسخ عنده الكراء، ولا يلزم صاحبه عمله على هذا الهدم، وما لا يمكن السكنى معه جملة. ¬
مسألة "كراء (الدور) (¬1) مشاهرة" (¬2)، ومسانهة: لا خلاف إذا نص على تعيين الشهر، أو السنة، أو جاء بما يقوم مقام التعيين، أنه لازم لهما (¬3). وذلك في خمس (¬4) صور: إذا قال هذه السنة. أو هذا الشهر. أو سنة كذا. أو سمى العدد، فيما زاد على الواحد، فقال: سنتين، أو ثلاثاً، أو ذكر الأجل، فقال: أكريك (¬5) إلى شهر كذا، أو إلى سنة كذا. أو نقده في شهر (¬6)، أو سنة، أو أكثر، أن ذلك [كله] (¬7) لازم لهما المدة (¬8) التي ذكراها، لا خيار لواحد منهما، إذا لم يقارن عقدهما ما يفسده، أو يحله (¬9). واختلف في ثلاث صور: إذا قال: أكري منك سنة بدرهم، أو شهراً بدرهم. فحمل أكثرهم ظاهر الكتاب [أنه] (¬10) مثل قوله [في] (¬11) هذه السنة (¬12) تلزمهما (¬13) السنة، [أو الشهر] (¬14) وهو بين من قوله: "إن استأجرت داراً سنة، أو سنتين، ذلك جائز. وله أن يسكن، ويسكن (¬15) من (¬16) ............................... ¬
شاء" (¬1). قال القاضي: ولو كان لربه الخيار وإخراجه لم يتركه يسكن من شاء. ومن ذلك قوله: "استأجرت داراً سنة بعد ما مضى عشرة أيام من هذا الشهر. قال: تحسب (¬2) هذه الأيام، ثم أحد (¬3) عشر شهراً، ثم تكمل مع (¬4) الأيام التي بقيت من الشهر ثلاثين يوماً" (¬5). وفي كتاب المدبر: إذا قال لعبده: اخدمني سنة وأنت حر، أو هذه السنة لسنة سماها، فمرض حتى مضت (¬6) السنة فإنه حر (¬7). قال: وإنما سألت مالكاً عن سنة غير مؤقتة، ثم ذكر مسألة الذي أكرى داره أو دابته (¬8)، أو غلامه، فقال: أكريها منك (¬9) سنة، كانت السنة من أول يوم وقع الكراء، وكذلك إذا قال: هذه السنة بعينها، وهكذا له في العتبية، وفي تفسير يحيى، وكتاب ابن حبيب (¬10). وذهب أبو صالح (¬11) إلى أن قوله: أكري منك سنة، لا يقتضي (¬12) ¬
التعيين، وله الخروج، ولربه إخراجه متى شاء، مثل قوله كل سنة، وإن ما وقع في الكتاب من هذا إنما معناه سنة معينة، وخالفه ابن لبابة وغيره في تأويل لفظ الكتاب على ما تقدم. [71] الصورة الثانية: أن يقول: أكريك "كل سنة بدرهم، أو كل شهر بدرهم" (¬1). فمذهب؛ المدونة، والعتبية، أنه غير لازم. وفي كتاب ابن حبيب (¬2): يلزم أول شهر، أو أول سنة (¬3). الصورة الثالثة: قوله أكريك السنة بدرهم، ففي العتبية (هو) (¬4) مثل قوله كل سنة، قالوا (¬5): وهذا هو (¬6) مذهب الكتاب. وفي كتاب ابن حبيب (¬7): يلزم أول سنة على أصله في كل سنة. وقوله في انهدام بعض الدار "إن كان ما لا يضر بسكنى المتكاري لزمه أن يسكن، ولم ينقص شيئاً، ولا (¬8) يخرج، فلا (¬9) يوضع عنه لذلك شيء" (¬10)، زاد في بعض الروايات: "إلا أن يكون كان له في ذلك سكنى، ومرفق، فيوضع عنه من الكراء بقدره" (¬11). ثبتت هذه الزيادة (¬12) عندي (¬13)، لابن وضاح من الأندلسيين، من رواية سحنون في كتاب ابن عتاب، ¬
وسقطت له في كتاب ابن المرابط، وثبتت لسليمان بن سالم (¬1) من رواية القرويين، وسقطت لغيرهما، وهي صحيحة المعنى. وقع في بعض روايات المدونة بعد مسألة المكتري: إذا ظهرت منه دعارة، وفسق (¬2). "قلت والنصارى إذا اتخذوا في دورهم ما لا ينبغي، من شربهم الخمر، واتخاذهم الخنازير، أيمنعهم (¬3) السلطان، ولم تنتقض (¬4) الإجارة؟ قال نعم" (¬5). وصحت في كتاب ابن عتاب، وابن المرابط، وقال في كتاب ابن المرابط: ليست في رواية ابن وضاح، وأحمد بن أبي سليمان، وثبتت لابن باز. وقوله "في باب الدعوى في الكراء: إذا قال رب الدار: أكريتك بكذا (¬6) لشيء (¬7) لا يشبه أن يكون كراؤها، أيفسخ (¬8) الكراء (أم لا) (¬9)؟ أم يرد إلى كراء المثل (¬10)؟ (وهذا) (¬11) بعد ما (¬12) قد سكن" (¬13). (هكذا) (¬14) ¬
لابن باز، وهو الصواب. ولم يكن في كتاب ابن عتاب، وغيره. وعند ابن وضاح في كتاب ابن سهل: وهذا نقد (¬1) ما قد سكن. وفي أصل ابن المرابط وهو مقر بما (¬2) قد سكن (¬3). وقوله "في الباب: إذا قال: أكريت منك سنة بدينار، قال الآخر: بعشرة دراهم. وقالا جميعاً ما لا يشبه، تحالفا، وتفاسخا" (¬4). كذا في أصل المدونة. وقد تعقبوها بأن الاختلاف في الدنانير والدراهم عندهم كالاختلاف في الجنسين (¬5)، فيه التحالف، أشبه، أو لم يشبه. فأسقط أكثرهم منه لفظة دراهم. وكذا (¬6) اختصرها ابن أبي زيد (¬7). وقال أحمد بن خالد: [أنا] (¬8) أسقطت منها دراهم. وقد وقعت في بعض النسخ عشرة دنانير، مكان دراهم، وأراها إصلاحاً أيضاً، والله أعلم. ووقع في بعض روايات المدونة في باب مكتري الدار متى يجب عليه الكراء، بعد قوله: "إن كان (لأهل) (¬9) تلك البلدة كراء الدور عندهم على النقد، أجبر هذا المتكاري على النقد" (¬10). قال غيره: الدار مأمونة، يجوز النقد فيها، ليس قول الغير في أكثر الروايات. ¬
قال بعض الشيوخ: معناه أنه يجبر على النقد، وإن لم تكن لهم سنة، وفي هذا عندي نظر. وقوله "في باب تفليس مكتري الدار: إن أحب المكري (¬1) أن يسلم ما بقي من السكنى ويحاص الغرماء بجميع دينه فعل، وإن أحب أن يأخذ ما بقي منها بما يصيبه من الكراء، ويضرب بما بقي مع الغرماء" (¬2). قال ابن خالد: هذه المسألة مصلحة، وليست كذا في الأسدية. قال سحنون: يصلح كلام ابن القاسم (بكلام ابن القاسم) (¬3). ووقع أول الباب بعد قوله: "ورب الدار أولى من الغرماء" (¬4). قال سحنون: وقال عبد الرحمن وغيره: "إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إلى رب المنزل ما يصيب ما بقي من الشهور (¬5) على قدر قيمة ذلك، ويكون ما بقي من السكنى للغرماء يكرونه في دينهم" (¬6). كذا في جل النسخ، وكذا في أصل ابن عتاب، (إلا قوله) (¬7): "ويكون ما بقي إلى آخره" (¬8). وهي رواية ابن وضاح. وفي بعضها: إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه جميع الكراء. وقد ذكره أبو محمد في مختصره، فقال: وقيل: جميع (الكراء) (¬9)، وأنكره. وفي (¬10) رواية الدباغ: "يكون رب الدار أولى من الغرماء في قول ¬
مالك بما بقي من السكنى (¬1) بنصف (¬2) الكراء، إلا أن يشاء الغرماء" (¬3). وليس عنده: وقال (¬4) عبد الرحمن وغيره (¬5) وفي (¬6) آخر الباب: وكذلك روى ابن وهب وغيره عن مالك، كذا في كتاب ابن عتاب وغيره، وللدباغ عبد الرحمن مكان ابن وهب. وقوله "في متكاري الأرض لها بئر قل ماؤها وهو يخاف ألا يكفي زرعه، لا أحب لأحد أن يتكارى أرضاً لها ماء ليس فيه (¬7) ما يكفي زرعه، وإنما كرهه من وجه الغرر، إلى آخر المسألة، إلى قوله: كأنهما تخاطرا" (¬8). فمفهومه منع النقد وفساده، وهو الذي (له) (¬9) في كتاب محمد، ويدل عليه قوله: "إن صاحب (¬10) الكراء الصحيح على الماء الكثير" (¬11)، يدل أن هذا عنده ليس بصحيح. وكذلك قوله: "أنهما تخاطرا" (¬12). ثم قال بعد هذا: "ولم يتهم اللذان (¬13) تناقدا (¬14) على الماء الكثير المأمون في تعجيل النقد بمثل ما اتهما عليه في تعجيل النقد في الماء الذي ليس بمأمون لما انتفع من تعجيل (¬15) ¬
نقده (¬1) " (¬2). ثم قال: "فصار مرة سلفاً، إن لم يتم، ومرة تبعاً، إن تم. فصارا مخاطرين (¬3) " (¬4). فظاهر هذا [أنه] (¬5) إنما كره النقد، لا العقد. وعلى هذا حمل كلامه بعضهم. والأول أولى. وكأنه إنما أتى بالكلام الآخر عندي (¬6) في زيادة التعليل للفساد، وأنه في النقد تدخله (¬7) علة أخرى، وكثير ما يجري له هذا. كما علل أيضاً بعلة ثالثة، وهو أنه في الكراء الصحيح إذا تهورت (¬8) البئر أو انهدمت (¬9) العين كان له أن يصلحها من كراء سنته، وليس له أن يصلحها في هذا الفاسد لو طلبه، لأنه على هذا العيب دخل. فهذا كله تعليل للفساد (¬10). فانظره. وقوله "في الأرض المزروعة إذا لم يثبت زرعها، مثل النخل إذا لم تؤبر، فإذا انبتت (¬11) فهي كالنخل المأبورة" (¬12). قال أحمد بن خالد: هذا أمر (¬13) أصلحه سحنون. لأن في الأسدية أن الإبار في الزرع بذره، وتفريقه. وحكاه (¬14) القاضي أبو محمد بن نصر (¬15). ¬
وقيل: إباره أن يأخذ الحب كسائر الثمار. وهو مذهبه، ومذهب ابن القاسم (على) (¬1) ما تقدم في المدونة. [72] وقوله "في السنة؛ إذا انقضت وفي الأرض زرع أخضر فقال رب الأرض للمكتري: أقلعه" (¬2)، إلى آخر المسألة. وقوله "قال مالك: لا يقلع (¬3)، ولكن (¬4) له كراء [مثل] (¬5) أرضه. ثم قال: وله كراء مثلها على حساب ما أكراها (¬6) منه" (¬7). قال بعضهم: هذا تناقض. كيف يصح كراء المثل مع حساب ما أكرى، وقد طرح (¬8) سحنون من رواية يحيى قوله: على حساب ما أكرى (¬9)، واختصرها أبو محمد، وغيره، لا على حساب ما أكرى. وكذا (¬10) وقعت المسألة في المستخرجة (¬11)، في سماع (¬12) (أبي) (¬13) زيد [في] (¬14) ¬
زيادة مدة كراء الدار (¬1) (أن) (¬2) له كراء المثل، وليس (له) (¬3) بحساب الكراء (¬4) الأول. وفي الرواحل من المدونة "في التعدي في المسافة له كراء مثلها" (¬5). لا على حساب ما أكرى عليه، فهذا كله يصحح (¬6) ما اختصر عليه أبو محمد. وأما ابن أبي زمنين فاختصرها على الوجه الآخر. وقال: له كراء أرضه، على حساب ما أكراها منه، وهذان القولان في المسألة ونظائرها معروفان. وفي العتبية من سماع عيسى (¬7) في الزيادة على الوجيبة في كراء الدار (¬8): (أيأخذ منه) (¬9) بحساب ما تكارى السنة (¬10) الماضية، أم قيمة الزيادة ما بلغت؟ قال: قد قيل القولان. وذهب ابن لبابة إلى أن (¬11) قوله في الكتاب إشارة لجميع القولين معاً، بعد قوله القيمة، لكنه خلط الجوابين. قال: ويحتمل أن يكون السامع ظنهما (¬12) قولاً واحداً، ولم يحصل، فوضعهما بهذا اللفظ. ¬
قال (¬1): وما في العتبية يدل أن جواب الكتاب (¬2) جمع فيه [بين] (¬3) الجوابين، والقولين جميعاً، ولم يفصل بينهما، (فالتبس الجواب) (¬4). وذهب بعضهم إلى تصحيح اللفظ على ما وقع في الكتاب، وتخريجه على أنه (¬5) ينظر إلى قيمة الزيادة من قيمة كراء السنة، فيعطيه على حسابه، مما اكترى به، لأنهما دخلا على الانتفاع بالأرض. وقد علمنا أن بعض البطون يتقدم ويتأخر لما يطرأ من العاهات، فكأنهما دخلا على ذلك. وقع في [آخر] (¬6) باب الرجل يكري أرضه سنين فتنقضي، وفيها غرس، فيصالحه رب الأرض على بقائه فيها سنين أخرى على نصف الشجر لا يجوز (¬7). "قال غيره: لا خير فيه، لأنه (¬8) فسخ دين في دين" (¬9). ثبت قول غيره: (لا خير فيه) (¬10). في روايتنا، لابن (¬11) عتاب. وهو مطروح للدباغ، وابن باز، وفي آخر الباب بعده في اكتراء الأرض سنين ليغرس (فيها) (¬12) شجراً، والثمر (¬13) للغارس تلك المدة، فإذا انقضت فالشجر لرب الأرض لا ¬
يجوز (¬1). ثم قال آخر المسألة: "وقال غيره: لا يجوز. ويدخله بيع الثمر قبل بدو صلاحه (¬2)، ويدخله أيضاً كراء الأرض بالثمر" (¬3)، لم (¬4) يكن قول الغير في كتاب ابن عتاب، ولا في رواية ابن المرابط، وذكره ابن أبي زمنين، قال: ولم يروه (¬5) ابن وضاح، قال ابن أبي زمنين: ولا أعلم لقوله كراء الأرض بالثمر معنى. إلا أن يكون تمت المدة (¬6) وفي الشجر طلع. والله أعلم. "وأبو خزيمة عبد الله بن طريف" (¬7)، بضم الخاء المعجمة (¬8) "ورافع بن خديج" (¬9) بفتحها (¬10). "والصير" (¬11): نوع من الحيتان (¬12)، مملح (¬13). ¬
والمحاقل (¬1): المزارع. "الماذيانات (¬2) " (¬3) بفتح الذال المعجمة (مخففة) (¬4)، ويقال بكسرها، وبعدها ياء باثنثين تحتها، وبعدها الألف، وبعد الألف نون، وآخره تاء باثنين فوقها. قيل: هي (¬5) مسايل (¬6) المياه. وقيل: السواقي. وقيل: ما ينبت (¬7) على الأنهار الكبار. وليست بعربية، ولكنها سوادية (¬8). "وأقبال (¬9) الجداويل" (¬10): بفتح الهمزة، أوائلها. وقال سحنون: الماذيانات: ما ينبت (¬11) على حافتي (¬12) مسيل الماء (¬13). وقيل: ما ينبت حول ذلك من الخصب. ¬
والجداويل: السواقي (¬1). وقوله: "كنا نؤاجرها على الربع، والأوسق" (¬2). وعند ابن وضاح: على الربيع، وهو النهر، أي على ما ينبت عليها، على ما تقدم في الماذيانات. وتكريب الأرض، آخره [باء] (¬3) بواحدة [تحتها] (¬4)، تطييبها، وإثارتها للحرث، والزراعة. وهو الكراب، بكسر الكاف، المصدر (¬5). ورواه الأجدابي (¬6): في الكراب (¬7) بالفتح. (و) (¬8) في حديث عمر: كتب ألا تكرى أرض مصر حتى يجري عليها الماء (¬9)، ويروى المطر، وهو (¬10) في نسخ المدونة، وكذا وقع في كتاب ابن حبيب (¬11)، والمبسوط، وفي أصل موطأ ابن وهب: أرض مطر، وهو أصح، لأنه عن ابن وهب أدخلوه. وقوله عن (¬12) الشاة يشتريها الرجل بهذه السلعة أو بهذه الأخرى يختار ¬
أيهما شاء، لا يجوز إن كان على الإلزام لأحدهما، معناه أن السلعتين من جنسين، ولو كانتا (¬1) من جنس واحد جاز، لأنه اشترى إحداهما بهذه الشاة على أن يختار ولو اختلفت قيمتهما، قاله في كتاب الخيار. قال (¬2) ابن لبابة: لا يجوز عندي، إذا اختلفت (القيم وإن كانتا من جنس واحد. وقوله (¬3) فيما اشترى الوصي [من] (¬4) مال اليتيم يعاد في السوق (¬5) يدل أن النظر فيه يوم الحكم وإن اختلفت) (¬6) الأسواق. وقوله في هذا الكتاب: "إذا فلس الجمال (¬7) فالبزاز أولى بالإبل، حتى يستوفي ركوبه، إلا أن يضمن الغرماء [له] (¬8) حملانه، ويكتروا (¬9) له من أملياء (¬10) " (¬11). وقال (¬12) غيره: لا يجوز أن يضمنوا الحملان (¬13). قال بعض الشيوخ: الخلاف في المعين، وأما المضمون فلا يختلفون في جواز ضمانهم (له) (¬14). وقال آخرون (¬15): إنما الخلاف في المضمون للاختلاف هل هو أحق ¬
به أم لا؟ وأما المعين فلا يختلف أنه أحق به، و (لا) (¬1) أنه [ليس] (¬2) لهم ضمانه، ولا يلزمه. قال: واختلف إذا تراضوا بذلك، هل يجوز أم لا؟ وهذا ظاهر كلام سحنون، لقوله معنى المسألة إذا كان الكراء مضموناً (¬3)، ومر (¬4) من هذا آخر الرواحل. ¬
كتاب الشركة
كتاب الشركة (¬1) الشركة عقد يلزم بالعقد (¬2) كسائر العقود (¬3)، والمعاوضات، وهو رخصة في بابه الذي يختص (¬4) به، هذا مذهب ابن القاسم في الكتاب. ومذهب غيره أنه لا يلزم إلا بالخلط (¬5). والشركة ثلاثة ضروب (¬6) شركة أموال، وشركة أبدان، وشركة ذمم (¬7)، وكل ضرب منها على ثلاثة أقسام: فشركة الأموال (¬8) [شركة (¬9) مفاوضة، وهي (¬10) الاختلاط في كل شيء ¬
من أموال (¬1) التجارة، وهي الجائزة عندنا باتفاق، ومنعها الشافعي (¬2). [73] وسميت مفاوضة لتفويض كل واحد؛ منهما الأمر إلى صاحبه. قال الله (تعالى) (¬3): {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} (¬4). وقيل (¬5): (سميت بذلك) (¬6) لاستوائهما، من قولهم تفاوضنا [في] (¬7) الحديث. وقيل: المفاوضة المشاورة، كأنهما يتشاوران (¬8) في جميع أمورهما (¬9)، إذ لا يختص أحدهما بشيء دون الآخر (¬10). الثانية شركة عنان (¬11) وهي الشركة في شيء مخصوص للتجارة. قال في (تفسير ابن مزين (¬12): على السواء. واتفق على جوازها. ولم يعرف مالك ¬
مرة اسمها، أو تخصيصها بالجواز، أو استعمال (¬1) هذا اللفظ ببلدهم (¬2)، وقد تقدم) (¬3) تفسيره في كتاب السلم الثاني. ويقال: عنان بالكسر (¬4)، وهو الأكثر، لمن جعل اشتقاقه من عنان الدابة. وعنان بالفتح لمن جعله من عن لي الأمر (¬5)، أو من عنان السحاب لظهوره. الثالثة: شركة المضاربة وهي القراض، من الضرب بالمال في الأرض، وهو السفر [به] (¬6). قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬7). وأما شركة الأبدان (¬8) فهي (¬9) أيضاً ثلاثة (¬10) ضروب: شركة بغير آلات (¬11) ولا رأس مال، أو بآلة لا قدر لها كالتعليم، والحمل على الرؤوس، والخياطة، والبناء. فمن شرط جواز هذه ثلاث (¬12) صفات: - التقارب في القدرة (¬13) والمعرفة بذلك العمل. - وأن يكون عملاً واحداً. ¬
- و (أن) (¬1) يكونا فيه مجتمعين، غير مفترقين، متعاونين فيه. و [قد] (¬2) تأول شيوخنا ما وقع في العتبية من جواز الافتراق في ذلك أنهما يتعاونان في الموضعين، وأن نفاق صنعتهما في الموضعين سواء. وعلى هذا يكون (¬3) وفاقاً للمدونة، إذ ليس المقصود الجلوس في موضع واحد، إلا لتقارب أسواقه، ومنافعه، وإذا تباعد ربما كانت المنفعة لأحدهما دون الآخر، فدخله الغرر، وأكل المال (¬4) بالباطل. الثاني: أن تكون صناعتهما تحتاج إلى الآلات (¬5) كالكمد، والنسج، والصيد بالجوارح، والحمل على الدواب، وهذا (¬6) يحتاج إلى شرطين زائدين على الثلاثة المتقدمة. (شرط) (¬7) رابع: وهو الاشتراك في الآلة بالملك، أو بالإجارة من غيرهما، وهل يجوز أن يؤاجر أحدهما نصف آلة صاحبه، بنصف (¬8) آلته (هو) (¬9)، وهما متساويان (¬10)؟ ظاهر الكتاب الجواز. ولابن القاسم وغيره المنع، إلا بالتساوي في الملك، أو الكراء، (و) (¬11) من غيرهما، فمن لم يذكرا كراء واستويا فظاهر المدونة المنع، فمن وقع مضى، وأجازه سحنون (¬12)، واختلف في تأويل ¬
قوله في الكتاب في ذلك. وشرط خامس: وهو أن يكون عملهما، وقسمتهما على قدر رؤوس أموالهما في هذا العمل. وأما شركة الذمم فهي ثلاثة (¬1) ضروب أيضاً: شركة في [شراء (¬2) شيء بعينه: فهذا جائز، اعتدلا، أو اختلفا. ويتبع كل واحد (منهما) (¬3) من [ثمن] (¬4) تلك السلعة بقدر نصيبه. الثانية: (اشتراكهما في معين على أن يتعجل كل واحد منهما بصاحبه، فإن كانا معتدلين فيها جازت الشركة، والبيع. وإن كانا (¬5) مختلفين لم يجز ذلك. الثالثة:) (¬6) شركة (¬7) على غير معين، فهذا لا يجوز (¬8)، وهو من باب تحمل عني، وأتحمل عنك، وأسلفني، وأسلفك (¬9). فإن وقع هذا، فقد وقع في باب شركة المفاوضة، أن ما اشترى كل واحد فهو بينه وبين صاحبه، لأن صاحبه قد أمره (¬10) أن يشتري عليه، وكذا كان في هذا الباب في الأسدية بعد قوله: لا تعجبني (¬11) هذه الشركة. قال: فإن نزلت رأيت أن يكون ما اشترى كل واحد منهما يلزم صاحبه نصفه (¬12)، ¬
لأنه قد اشتراه (¬1) بإذن (¬2) صاحبه. (قال حمديس) (¬3): كأنه حمله محمل (¬4) الوكالة. ولأصبغ نحوه (¬5). قال فضل: طرح سحنون قول ابن القاسم هنا، وقال لكل واحد منهما ما اشتراه. وقوله (¬6) "في الصانعين (¬7) على أن على صاحب الثلث ثلث الصباغ" (¬8) كذا لهم، ولابن وضاح (الضياع) (¬9)، بالضاد المعجمة، والياء باثنين، يريد الضمان. والرواية الأولى تصحيف، وهذه أصح. [لأنه] (¬10) قال في السؤال: قصاران لا صباغان. "والمدقة" (¬11) بضم الميم والدال. والمدقة بكسر الميم وفتح الدال، وهي الإرزبة (¬12)، بكسر الهمزة التي تكمد بها الثياب. وقوله في "مسألة الثلاثة (نفر) (¬13)، لأحدهم (¬14) البيت، وللآخر الدابة، وللآخر الرحى، اشتركوا بالسواء، وذكرهم (¬15) في السؤال أنهم ¬
جهلوا أن ذلك غير جائز، فعملنا (¬1) وأصبنا مالاً، فقسم (¬2) بيننا أثلاثاً، إذا كان كراء الدابة، والرحى، معتدلاً" (¬3). فظاهر هذا أن مذهب الكتاب (¬4) [هنا] (¬5) ما قدمناه أنه لا يجوز، حتى يكتري (¬6) كل واحد منهما نصيبه بنصيب صاحبه (¬7)، إذا كان مستوياً. وسحنون يجيز ذلك إذا استويا. قال أحمد بن خالد: هذا قول سحنون. وهو في المختلطة خطأ، فأصلحها في هذا الموضع، وتأول سحنون ما في الكتاب أنه إنما يمنع منه إذا كان كراء الآلة وهذه (¬8) الأشياء مختلفاً (¬9)، وقد يحتج لهذا بقوله آخر المسألة: "فقد أكرى كل واحد منهما متاعه بمتاع صاحبه، وكانت الشركة صحيحة" (¬10). قال أبو محمد [بن أبي زيد] (¬11): يريد (¬12) قد آلت إلى الصحة، لا أنها (¬13) (تجوز ابتداء (¬14)، دون معرفة أكريته) (¬15)، كشراء كل واحد ¬
[منهما] (¬1) (ذلك) (¬2) (من صاحبه) (¬3)، هكذا نزل (¬4) كلامه. قال غيره: ويؤيد قوله بعد في (باب) (¬5) شركة الحمالين (¬6)، حتى تكون الأداة بينهما، فما ضاع منهما أو تلف منهما جميعاً، وما سلم منهما. قالوا: وقوله هناك "إذا كانت قيمتهما مختلفة" (¬7). سحنون أدخل هذه اللفظة على مذهبه. وقد ذكر فضل أن سحنون طرح اسمه عليها من قوله: "فما ضاع إلى قوله: جميعاً" (¬8). كأنه نحا إلى الرواية الأخرى. وقد بينه ابن القاسم آخر المسألة. "ولو استأجر الذي لا أداة له نصف أداة صاحبه جاز" (¬9). ويعتضد (¬10) سحنون ومن ذهب مذهبه بمسألة المزارعة (¬11). ومذهب مالك وابن القاسم في إجازة التساوي فيما يخرج هذا من البقر، والأداة، و [ما] (¬12) يخرج (هذا) (¬13) الآخر [74] من الأرض، والممسك (¬14)، أو ما يخرج كل واحد منهما من آلته (¬15)، وكذا جاءت عندنا هذه الرواية هنا. ¬
"وروى غيره وهو ابن القاسم" (¬1)، كذا في كتاب ابن عتاب، وابن المرابط. وفي بعض النسخ، وهو ابن غانم. وجاء ذكر ابن غانم (¬2) في الرواية التي قبلها في كتاب أحمد بن خالد، وكذا في أصل ابن المرابط، وابن سهل، "وقد روى ابن غانم (¬3) " (¬4). وعند (¬5) ابن عتاب مكانه: وقد روى في شركة الحرث عن مالك: اختلاف فيما يخرجان من البقر والأداة (¬6). وذكر بعض الرواة عن مالك (أن ذلك) (¬7) لا يجوز، حتى يكون (¬8) البقر والأداة بينهما، فتكون مصيبته (¬9) منهما جميعاً (¬10). وهذا مثل ما لابن القاسم في المسألة قبلها، وعلى ما عند ابن عتاب اختصرها ابن أبي زيد، وهي رواية ابن أبي عقبة من القرويين. ومعنى "الممسك (¬11) " (¬12) هنا الحراث (¬13) (¬14). ¬
"والأداة" (¬1) بفتح الهمزة الآلة، وما يحتاج إليه في ذلك العمل، وبه يقوم. ومحتش (¬2) بفتح التاء، وتشديد الشين، مجتمع (¬3) الحشيش مما تنبت الأرض. ومسألة (¬4) "الاشتراك في الصيد بالبزاة والكلاب قال: لا أرى ذلك إلا أن يكون الكلاب والبزاة (¬5) بينهما، أو يكون البازيان (¬6) والكلبان يتعاونان، وطلبهما واحد، وأخذهما (¬7) واحد، لا يفترقان" (¬8) كذا في أكثر النسخ. وفي روايتي عن شيوخي، وفي أصولهم في هذا الحرف: أو يكون (¬9) البازيان (¬10). وفي كتاب ابن سهل: وقع في بعض الروايات ويكون البازيان. فعلى هذا يفرق (¬11) الصائدان (¬12)، اشتراكهما فيهما كالصانعين، ونحوه في كتاب محمد (¬13)، وكأنه رآهما كآلتين، أو هي (¬14) تبع لفعل الصائدين، وأنه (¬15) لا يجوز حتى يشتركا فيهما، وفي العمل بهما معاً. ¬
وأما على رواية: أو فاستدل منه الأشياخ على أن الاشتراك إذا حصل بينهما لم يلزم اجتماعهما، وجاز الافتراق (¬1)، كما (¬2) قال في كتاب ابن حبيب في المشتركين في الدابتين (¬3) يشتركان على العمل عليها (¬4)، أنه (¬5) يجوز لهما العمل (¬6) مفترقين (¬7)، وكذلك قال بعض المتأخرين في الصائدين بالبزاة، والكلاب المشتركة، وجعلوا (ها هنا) (¬8) الكلاب، والجوارح، كرؤوس الأموال، ولأن الجوارح هي معظم عمل الصيد، فإذا اشتركا فيها لم يقع غرر (¬9)، وعمل أحدهما بها (¬10) كعمل أحدهما في بيعه في سفره، وشرائه بالمال، ويستدل فيه أيضاً أن التساوي في الآلة يجوز معه الاشتراك (¬11)، وإن لم يشتركا (¬12) فيها على ما تقدم (¬13). وذكر في الكتاب في اختلاف المالين "إذا أخرج أحدهما مائة، والآخر مائتين على تسوية ما وراء ذلك إلى آخر المسألة، إلى قوله ولو كانت سلفاً لكان له ربح الخمسين التي أعطاه، حتى (¬14) يساويه في رأس المال، ولكان (¬15) ضامناً للخمسين، ........................................ ¬
[قال] (¬1) وأراه (¬2) إنما أسلفه الخمسين على أن أعانه بالعمل (¬3) فأراه مفسوخاً، ولا ضمان عليه، وضمانها من صاحب المائتين، وربحها له، ووضيعتها عليه، ولصاحب المائتين أجرته (¬4) فيما أعانه" (¬5). قال بعض شيوخنا (¬6) القرويين: هذا هو مذهبه في الكتاب، لأن الآخر لم يتمكن منها تمكيناً صحيحاً، لشرط (¬7) ربها [عليه] (¬8) أن يتجر بها في جملة المال، ولا يبين بها، ولأن (¬9) يد صاحب المائتين مطلقة في التصرف في جميع المال. ألا تراه كيف قال: إنما أسلفه الخمسين على إن أعانه بالعمل (¬10). وفيها قول آخر: أن ضمانها من الشريك، وربحها له (¬11)، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. قال: وقد واقعا (¬12) ما حرم الله (تعالى) (¬13). قال فضل: مذهب ابن القاسم في المدونة أن السلف لا يكون إلا مضموناً، وأرى الربح والوضيعة على قدر المال، وهو كمن أخرج مائة، وآخر مائتين على أن الربح بينهما نصفان (¬14)، وإلى هذا ذهب سحنون. ¬
وقوله: "في الشركة في المعادن إذا مات (أحدهما) (¬1) بعد ما أدرك النيل المعادن لا تملك (¬2) فإذا (¬3) مات صاحبها أقطعها (¬4) السلطان (¬5) لغيره" (¬6). قال سحنون: إن لم يكن هذا سنة فلا ينبغي. وقال (¬7) غيره: لعله يريد في الكتاب أنه لم يدرك نيلاً، إذ لم يجب على مسألته (¬8)، وإنما أجاب عن حكم المعدن في الجملة، وأشهب يقول: ورثة الميت أحق به، (وإن لم يدرك نيلاً) (¬9). وغيره يقول: إن قدر ورثته على العمل فهم أحق به، وآخر يقول: النيل الذي أدرك لورثته. ذكر ذلك ابن عبدوس. مسألة المزارعة ووجوهها ثلاثة: وجه لا خلاف فيه في الجواز عندنا، وهو اشتراكهم (¬10) في الأرض، والآلة، والعمل، والزريعة (¬11) ووجه لا يختلف [فيه] (¬12) عندنا في فساده، وهو اختصاص أحدهم بكون (¬13) البذر من عنده (¬14)، دون الآخر، ومن عند الآخر الأرض التي لها قيمة، استويا (¬15) في غير ذلك أو لا، اختلفوا (¬16) فيما سواه أو ¬
تساووا (¬1)، لأنه كراء الأرض بما يخرج منها، إلا ما ذهب إليه الداودي في كراء الأرض بما يخرج منها، والأصيلي، ويحيى بن يحيى في جواز كرائها بالجزء (¬2) على مذهب الليث في الوجهين، وكلاهما خارج عن مذهب مالك، وأصحابه. وما عدا هذين الوجهين مختلف فيه عندنا (¬3)، فنزل مسائله كيف شئت، بعد إذا سلمت من هذا الاعتلال تجد نصوص خلاف أصحابنا فيها في الأصول مشهوراً (¬4) معلوماً (¬5). وقوله: "في مسألة ثلاث (¬6) نفر اشتركوا في زرع" (¬7)، وقد قال ابن غانم عن مالك: يكون الزرع لصاحبي (¬8) الزريعة (¬9). كذا لابن وضاح (¬10)، وابن هلال، وأكثر الرواة. وعند ابن باز: وقال ابن وهب، وابن غانم، عن مالك. وعند (ابن) (¬11) أبي عقبة، و (قد) (¬12) قال غيره: يكون الزرع (لصاحب الأرض) (¬13). وقوله في باب الشركة بالعروض (¬14): "إذا وقع على الفساد إن كان لم ¬
يعملا، وأدركت السلعتان ردتا" (¬1). كذا روايتنا. (و) (¬2) في بعض النسخ: لم يفوتا (¬3) ببيع ردتا. وفي بعضها لم تتغير، ولم تفت (ردتا) (¬4). وأصلنا في هذا [75] ما قاله شيوخنا: أنه يفيتها حوالة الأسواق، كالبيع (الفاسد) (¬5)، وكذلك نصوا؛ عليه. والشركة من أنواع المعاوضة، على أصل ابن القاسم. وتنعقد عنده بالقول، وهي هنا كالبيع الفاسد. وقوله: "فيما استعاره أحد المتفاوضين من شيء ليحمل عليه شيئاً من تجارتهما فتلف، أو لغير تجارتهما، أن الضمان على الذي استعاره وحده" (¬6). ثم ذكر الدابة والسفينة، ثم ذكر "قول (¬7) غيره: عارية [في] (¬8) الدواب لا تضمن، إلا بالتعدي" (¬9). فظاهره أنه خلاف ومن أصل [قول] (¬10) ابن القاسم أن عواري الدواب لا تضمن. لأنها مما لا يغاب عليه. وذهب حمديس أن معنى المسألة أولاً (¬11) في كلام ابن القاسم فيما يغاب عليه، وأما الدواب فلا يضمنها إلا بالتعدي. وقال [أبو محمد] (¬12) ابن ¬
أبي زيد [رحمه الله] (¬1): (يريد) (¬2) [بعد] (¬3) أن تبين (¬4) كذبه في الحيوان، وذهب [إلى] (¬5) أن قول الغير تفسير. وقال ابن لبابة: لبس سحنون هذا الباب وأدخل قول غيره من أثناء قول ابن القاسم، ويحتمل إرادته معنيين: أحدهما: أنه ألزم المستعير الضمان، لاستعارته بغير إذن صاحبه، يريد فصار كالمتعدي بذلك، كما قال في المسألة آخر الكتاب (¬6)، في الأجنبي الذي حمل الغلام الذي كان سيده استعار (¬7) الدابة لحمله أنه ضامن، وهو لم يفعل في الدابة إلا ما أباحه (¬8) صاحبها له، بخلاف شريك (¬9) المستعير لها لذلك (¬10). وقول سحنون فيها: "لأنه (¬11) حمل على دابة رجل بغير أمره (¬12)، وبغير وكالة من المستعير" (¬13). قال ابن لبابة: وقد أدخل لفظاً يوجب ألا تكون هذه إرادته، وهو قوله في السؤال، أو لغير (¬14) تجارتهما كأنه يقول (¬15): استعارها لنفسه، فلم يفرق ¬
في الضمان بين المعنيين، وقد يمكن أن يكون سكت (¬1) هنا عن الجواب، وجاوب عن الأول. والمعنى الثاني: أن أسد بن الفرات إنما قدم بالأسدية من عند أهل العراق، ورأيهم تضمين عارية الحيوان، فسأل ابن القاسم على (¬2) رأي من يرى ذلك، وحكم به على المستعير، هل يلزم شريكه منه شيء (¬3) أم لا (¬4)؟. وقد قيل: إن قاضي مصر (حينئذ) (¬5) كان يرى رأي أهل العراق. وقول غيره في هبة أحد الشريكين لا يجوز، أن يعطي شيئاً من المال، لا من حصته، ولا من غير ذلك (¬6)، (إلى آخر المسألة) (¬7). ثابتة (¬8) عند ابن وضاح، وابن هلال، (و) (¬9) عند ابن عتاب، وفي كثير من الروايات، وسقطت في بعضها، وثبتت في كتاب ابن المرابط لابن باز، وسقطت عنده لابن هلال، ولابن أبي عقبة (¬10). قال ابن باز: أمر سحنون بطرحها (¬11) في العرضة الأخيرة. وقوله في باب الشريكين بالمال (¬12)، يضع أحدهما من كلام غيره (¬13)، ¬
ألا ترى أن صاحب المائة التي اشترى بها يقول لم أرض أن يكون له معي نصيب في مالي (¬1)، فإذا كان ولم ينعقد لي في ماله شركة فلا شيء له في مالي (¬2). كذا في أصول شيوخنا مصلحاً. وهي رواية (¬3) ابن وضاح. قال سحنون: هذا [هو] (¬4) الصواب. وعند بعض الرواة: فإذا لم يكن ولم ينعقد. وهو خطأ. (وتأمل) (¬5) (قوله) (¬6) في "باب المتفاوضين، يبضع أحدهما أو يقارض. قول غيره إن الرجل إذا قال للرجل (¬7) نصف ما أربح في هذه السلعة فطلع فيها ربح فله أن يقوم عليه، فيأخذه (¬8) ما لم يمت، أو يفلس، أو يوهب (¬9) " (¬10)، كتبت (¬11) عن بعض شيوخي، أنه يقوم من هذا أنه من (¬12) التزم نفقة فلان مدة (¬13) أن ذلك يلزمه (¬14) ما لم يمرض أو يفلس. وقوله: "في باب المتفاوضين يبيعان السلعة من تجارتهما إلى أجل ثم يفترقان فيقضي أحدهما المشتري" (¬15). "وقال (¬16) غيره: إن كان الوكيل قد ¬
علم بأنه قد فسخ أمره فاقتضى بعد ذلك، والذي قضاه يعلم، أو لا يعلم، فإنه ضامن (¬1) " (¬2). كذا في كتاب ابن عتاب. وعنده خارجاً، رد سحنون الوكيل غارماً (¬3)، وعند غيره: الغريم غارم. وكذا في كتاب ابن سهل. وانظر هذه مع مسألة الوكالات. وقوله فيما صنعه (¬4) أحد الشريكين من المعروف "لا يجوز [له] (¬5) أن يصنعه في مال شريكه" (¬6). زاد في (¬7) بعض الروايات وهو يجوز عليه من ذلك قدر حصته، وضرب عليه في كتاب ابن وضاح. وقال: طرحه سحنون. وصح لابن أبي عقبة، وبعض الروايات. وقوله: "لو أن شريكين في دار أو متاع أو غيره أقر أحدهما لأجنبي بنصف ذلك، قال: يحلف المقر له، مع إقراره، ويستحق حقه" (¬8). قال أحمد بن خالد: هذا في غير المتفاوضين. وإنما هو في شيء بعينه. قال القاضي رحمه الله: ومذهب ابن القاسم أن إقرار (¬9) المفاوض لازم، إلا لمن يتهم عليه. قال محمد بن سحنون: وكذلك إن اشتركا (¬10) في نوع شركة عنان، فإقرار أحدهما لازم لهما، يريد والله أعلم فيما يتعلق بشركتهما، ومعاملتهما في ذلك النوع، فأما في شيء بعينه فالمقر كالشاهد (¬11). ¬
كتاب القراض
كتاب القراض (¬1) وله اسمان: القراض، والمضاربة. فالقراض: مأخوذ من القرض. قال صاحب العين (¬2): أقرضت الرجل إذا أعطيته ليعطيك (¬3) (¬4)، فهي عطية ليجازى عليها [صاحبها] (¬5). (قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬6) الآية. والقراض: عطية ليجازى عليها) (¬7) بجزء من ربحها (¬8). والقرض في السلف من هذا. فكأن القراض سلف ينتفع (¬9) آخذه، لكن (¬10) لا ضمان عليه فيه. وعليه رده، ومكافأة (¬11) ما (¬12) صنعه معه ربه بما يدخله عليه فيه من ¬
ربح. ولهذا سمي (¬1) مقارضة، إذ المنفعة فيه والرغبة من الاثنين التي منهما (تتم) (¬2) المفاعلة. ولا يكون ذلك في السلف، إذ النفع فيه للمتسلف (¬3) وحده. وقد (قيل) (¬4): سمي السلف قرضاً، لأن الله تعالى يجازي عليه بثوابه (¬5). وهذا معترض، لأن هذا الاسم كان معروفاً في الجاهلية (¬6). وهم لا يطلبون من الله جزاء، ولا يعترف أكثرهم بمعاد. وأما تسميته مضاربة (¬7)، فمن الضرب (¬8) في الأرض للتجارة (به) (¬9)، والسفر لذلك (¬10). قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ [76] / يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬11). وكان أصل القراض في الجاهلية دفع المال ليسافر به. فتكون المضاربة هنا إما لأنها بمعنى السفر الذي جاء فيه فاعل من الواحد، فقالوا (فيه) (¬12): سافر، أو لأجل أن عقده من اثنين. ولا خلاف في جواز القراض بين المسلمين، وأنه رخصة مستثناة من الإجارة المجهولة (¬13)، ومن السلف بمنفعة (¬14)، وهو بمعنى قول بعض ¬
شيوخنا، أنه سنة (¬1)، أي إباحته، والرخصة فيه جائزة بالسنة، لا بمعنى السنة التي يحض على إتيانها (¬2). ولهذا قال ابن عبد الحكم: لا أقول: هو (¬3) سنة. ولا خلاف أنه جائز بالدنانير، والدراهم. غير جائز بالعروض ما كانت (¬4). واختلفوا في الشروط التي بها يصح، فعندنا أن شروطه عشرة شروط (¬5): - نقد (¬6) رأس المال (للعامل) (¬7). - وكونه معلوماً. - وكونه غير مضمون على العامل. - وكونه مما يتبايع به أهل بلدهما من العين: مسكوكاً [كان] (¬8) أو غير مسكوك. - ومعرفة الجزء الذي تقارضا عليه من ربحه. - وكونه مشاعاً، لا مقدراً بعدد، ولا تقدير. - وأن لا يختص أحدهما بشيء معين سواه، إلا ما يضطر إليه العامل من نفقة، ومؤنة في السفر. ¬
- واختصاص العامل بالعمل. - و (أن) (¬1) لا يضيق عمله (¬2) بتحجير، أو تخصيص يضر بالعمل. - وأن لا يضرب له أجلاً (¬3). ومذهب الكتاب في القراض الفاسد كله أنه يرجع (¬4) فيه إلى أجرة مثله، إلا في تسع مسائل (¬5): - القراض بالعروض. - وإلى أجل. - وعلى الضمان. - والقراض المبهم. - والقراض بدين يقبضه المقارض من أجنبي. - والقراض على شرك في المال. - والقراض على أنه لا يشتري إلا بالدين، فاشترى بالنقد. -[والقراض على أن لا يشتري إلا سلعة كذا مما لا يكثر وجوده فاشترى غير ما أمر به] (¬6). - والقراض على أن يشتري عبد فلان، ثم يبيعه ويتجر بثمنه. ¬
ومما جعل فيه قراض المثل في الكتاب، مسألة عاشرة ليست من القراض الفاسد، وهو: إذا اختلف المتقارضان، وأتيا بما لا يشبه، وحلفا (¬1)، هذا مذهبه في الكتاب (¬2). وقد عبر بعضهم عن مذهب الكتاب، ومذهب ابن القاسم فيه، وروايته عن مالك، وهو الذي حكاه ابن حبيب عنه، أنه يرد (¬3) إلى قراض مثله (¬4)، في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه، داخلة في المال، ليست بخارجة عنه، ولا خالصة لمشترطها (¬5). وقد أشار ابن القاسم إلى هذا المعنى في الكتاب. قالوا: ويرد إلى أجر مثله، بكل حال، على رب المال في كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه (¬6)، خالصة وخارجة من المال، وفي كل غرر، وحرام تعاملا عليه، خرجا به عن سنة القراض (¬7)، وهو قول مطرف، وابن عبد الحكم، وابن ¬
نافع، وأصبغ، وجماعة من أئمتنا، واختيار ابن حبيب (¬1)، إلا أنه يرى الإجارة إنما هي في ربح إن كان في المال، وإن لم يكن فيه ربح لم يكن له شيء، وغيره ممن تقدم يرى أنها منفعة متعلقة بذمة رب المال (¬2)، وهو المشهور. ونص ما في الكتاب، ومذهب عبد المالك، وأشهب (¬3). وروي عن مالك (أن) (¬4) جميع القراض الفاسد يرد إلى قراض مثله (¬5)، من غير تفصيل (¬6). فهذه في الجملة (¬7) ثلاثة أقوال. وخرَّج عبد الوهاب قولاً رابعاً على ما ذهب إليه [محمد] (¬8) ابن المواز: أنه يرد إلى قراض مثله ما لم يكن أكثر من الجزء الذي سمى (¬9). إن كان رب المال هو مشترط (¬10) الشرط فإنما يكون له الأقل من قراض المثل، أو الأجرة (¬11)، أو من جزئه المشترط من الربح (¬12). ¬
وفيها قول خامس ذهب (¬1) إليه ابن نافع في بعض هذه الصور: أنهما يمضيان على قراضهما. ويسقط الشرط. قاله في القراض إلى أجل، أنه يسقط الأجل، (وهذا) (¬2) يأتي على الاختلاف في بيع وشرط. والقول بسقوط الشرط، وصحة البيع (¬3) (¬4). على أنهم استبعدوا قول ابن نافع هذا. وفيها قول سادس لابن نافع أيضاً، في شرح ابن مزين. أن لمشترط الزيادة إسقاطها، ويبقيان على قراضهما، فإن أبيا (¬5) أبطلناها، ورد إلى أجرة مثله، والمال وربحه ووضيعته لربه. القول السابع: قول عبد العزيز في الكتاب أنه يرد في كل شيء إلى أجرة مثله (¬6). وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة (¬7). وقوله: "في الذي يعطيه دراهم (¬8) ليصرفها (دنانير) (¬9) ويعمل بها قراضاً لا يعجبني، لأن في هذا منفعة لرب المال" (¬10). قال فضل: هذا إذا كان الصرف في البلد (¬11) له بال. وقد ذكر أشهب عن مالك: أنه يرد إلى قراض مثله (¬12)، ويعطى أجرة صرفه، فإن لم يكن له بال مضى. وهذا إذا كان التعامل في البلد بالدنانير، (وليصرف رأس ¬
المال (¬1) دنانير. وهو دليل مسألة الكتاب. لقوله: "وهي مثل [المسألة] (¬2) التي فوقها" (¬3). ولو كانت معاملتهم بالدراهم، وكان في بيعها بالدنانير) (¬4) ليشتري بها في بلد آخر مما يتعامل فيه بالدنانير جاز. لأن هذا كله نوع من التجارة (¬5) وضرب من النظر، ويرد دراهم. وعلى هذا قالوا: لو أعطاه دنانير ليصرفها دراهم، ويشتري بها، ويكون رأس المال الدنانير - لأن الشراء بالدراهم من جنس (¬6) النظر - جاز. وقد وقع في بعض نسخ المدونة (¬7) هذا آخر الباب. وأشهب يجيزه في تصريف الدنانير. وكان صحيحاً في كتاب شيخنا القاضي أبي عبد الله. قالوا: ولو كان على أن يكون رأس المال الدراهم لم يجز عند ابن القاسم. وأجازه أشهب. ومعناه (¬8) عندهم: إذا كانت (¬9) أجرة البيع بها الشيء اليسير. وقوله "في الذي يعطي المال على أن الربح كله للعامل ولا ضمان عليه لا بأس به" (¬10). قال سحنون: ويكون ضامناً (¬11) كالسلف. قال فضل: إنما هذا (¬12) إذا لم يشترط ألا ضمان عليه. ¬
وقال محمد: إذا قال خذه (قراضاً) (¬1)، ولك ربحه. فهذا لا ضمان عليه. وإن قال: خذه واعمل به، ولك ربحه، ولم يذكر قراضاً، فهو ضامن. وقوله "فيمن دفع إلى رجلين (مالاً) (¬2) قراضاً على أن لأحدهما سدس الربح، وللآخر الثلث لا يجوز [77] لأن العاملين بالمال لو اشتركا على مثل هذا لم يجز (¬3). وإنما يجوز من هذا؛ إذا عملا على مثل (¬4) ما يجوز في الشركة بينهما" (¬5). قال بعضهم: ظاهر هذا أنه لو كان عملهما على قدر أجزائهما من الربح جاز. ونحوه (¬6) لحمديس. وفي سماع أصبغ لا خير فيه. فإن عملا مضى (¬7). قال فضل: القياس أن يرد (¬8) إلى قراض مثلهما، لأنها زيادة داخلة في المال على أصله. وقال بعض مشايخنا المتأخرين: الصواب جوازه. واعتراض سحنون على ابن القاسم بأن رب المال كأنه زاد أحدهما السدس صحيح. وله مكارمة أحدهما دون الآخر. وقوله: "في الذين يأخذون [المال] (¬9) قراضاً فيشهدون الموسم، (أترى (¬10) لهم نفقة في مال القراض، فقال مالك: لا يخرج حاجاً، وتكون ¬
نفقته في القراض. وأبى ذلك" (¬1). كذا لابن وضاح. وسقطت (لا) عند ابن باز وغيره) (¬2). والمعنى صحيح على الروايتين. لأن ما بعده يبينه، أنه لا يجوز له ذلك، ويمنعه. وقول غيره في مسألة العامل: "إذا صبغ (البز) (¬3) بمال من عنده" (¬4) ثابت في الأصول. وقال الشيخ أبو محمد: هو مطروح في الأم. وعلم (¬5) في كتاب ابن المرابط على فصل منه. وهو قوله: "إلا أن يكون فيها فضل، فيكون له من القيمة قدر رأس المال، وربحه" (¬6). وقال: ليس المعلم عليه ليحيى، ولا أحمد. وقوله في مسألة الذي يخرج لحاجة نفسه: "أو ليس [قد] (¬7) قلت لي في الذي يخرج وينفق من عنده أنه يحسب نفقة مثله، إلى قوله: إنما (¬8) قال ذلك مالك إذا أراد أن يخرج في حاجة نفسه إلى آخر الكلام" (¬9). ثم ذكر قول سحنون: إذا خرج في حاجة (¬10) نفسه، وأعطي مالاً قراضاً، فلا ينبغي (له) (¬11) أن ينفق [من] (¬12) المال الذي أعطي (¬13) قراضاً، لأنه لم يكن ¬
خروجه بسبب ذلك المال. وإنما كان خروجه لحاجة نفسه. كذا عندنا في الأصل، "يحسب نفقة مثله" (¬1)، وفي بعض الروايات: لا يحسب، ولم يكن عند ابن عتاب قول سحنون آخر الباب (¬2)، ولا عند ابن المرابط، وثبت في رواية ابن لبابة. (قال ابن لبابة) (¬3): اختلف الرواة في حروف من هذه المسألة عن سحنون. وموضع الغلط رواية من روى: لا يحسب. والدليل على صحة إسقاطها. أنه إنما سأله عن رجل لم يخرج إلا بمال القراض، غير أنه أنفق من مال نفسه، وأوجب له الرجوع في مال القراض، فقال السائل: أو ما [قد] (¬4) قلت (¬5) [لي] (¬6) فيمن خرج وأنفق من مال نفسه، فإنما احتج عليه بخلاف جوابه فيما سأله عنه. "فقال ابن القاسم: [إنما قال ذلك مالك] (¬7). لأنه خرج في حاجة نفسه" (¬8)، وفي القراض: ومسألتك إنما خرج من سبب القراض، فالفرق بين المسألتين بين (¬9). ¬
قال ابن لبابة: فأنبأك بأن (¬1) الجوابين في المسألتين (¬2) مختلفان. فإذا (¬3) كان جوابه في المسألة التي لم يشخصه إلا في القراض أن النفقة في القراض، كان الجواب الثاني ضده. وضده قوله: لا ينبغي أن ينفق من المال الذي يعطى قراضاً، لأنه لم يكن أول خروجه بسبب ذلك المال، ويكون (¬4) كمسألة الغازي، والحاج، وإليه ذهب من أثبت: لا (¬5)، وبكون (¬6) النفقة تجب (¬7) على الحالتين اللتين (¬8) خرج فيهما، وهما حاجته والقراض بدليل قوله: "فيفض ذلك على المال القراض ونفقة مثله" (¬9). وقول سحنون موافق لما في مختصر ابن عبد الحكم. قال ابن لبابة: إنما أدخله سحنون مخالفة لما قبله. و [قد] (¬10) قال في الباب الآخر بعده إذا خرج بمال نفسه، وغيره: "أن النفقة على قدر المالين" (¬11). وللقائل (¬12) أن يقول: تفترق المسألتان لأن هذا خرج بهما معاً ابتداء. والأول ابتداء (¬13) خروجه لحاجة نفسه، فهو أشبه بالحاج. وقال حمديس في هذه المسألة: ينبغي أن تكون (¬14) أصلاً لمسألة من ¬
أراد الحج، والغزو، وأخذ قراضاً أن يفض (¬1) النفقة عليه، وعلى المال الذي أخذه. ولو كان لم يرد ذلك إلا للتجارة في القراض، فنفقته وكراؤه من (¬2) القراض. ولا يضره حجه ولا غزوه إذا لم يشغله (¬3) عن القراض. كما لو استأجر نفسه في حج، أو غزو، فخرج (¬4) مع مستأجره وحج عن نفسه، وشهد القتال، أن ذلك جائز، إذا لم يشغله عن الإجارة، وله سهمه. قال (¬5) فضل: ينبغي أن ينظر إلى قدر نفقته في سيره في حاجة نفسه، وإلى مال القراض، فتكون النفقة على المالين بقدر كل واحد منهما. ومثله في سماع ابن القاسم. وقوله: "في الذي يقارض عبده أو أجيره أنه جائز وقول غيره في الأجير: ليس هو مثل العبد" (¬6). ثبت قول الغير في الأصول، وهو ثابت لابن وضاح عند ابن المرابط. ولم يكن في كتاب ابن عتاب. وكتب عليه: "قال سحنون: ليس هو مثل العبد" (¬7) كره أن يقارض الرجل أجيره. قال فضل: يريد أنه (¬8) لا يجوز. لأن الخدمة غير التجارة. ومن استأجر أجيراً لعمل غير معين فأراد رده إلى غيره لم يجز. لأنه دين بدين (¬9). وقال ابن أبي زمنين: ما أرى غيره فرق بين الأجير والعبد، إلا أن الأجير إذا أشغله بالقراض (¬10) خفف عنه بعض ما استأجره، فيكون ذلك ¬
التخفيف زيادة يشترطها العامل على رب المال. وقال غيرهما: معنى قول ابن القاسم: أن الأجير على خدمته، لم ينحرف عنها. ويتجر في خلال ذلك، إذا أمكنت (¬1) سلعة ابتاعها. وقال يحيى بن عمر: إن كان استأجره [ليتجر له فيجوز أن يعطيه مالاً قراضاً وإن كان لخدمة فلا يجوز دفعه القراض له، وإن كان استأجره] (¬2) ليدفع له القراض لم يجز. وقال غيره: معنى المسألة لابن القاسم أنه أجير ملك جميع خدمته، فصار كالعبد. ويكون ما استأجره فيه يشبه عمل القراض. وهو [نحو] (¬3) قول يحيى. وقوله: "في المقارض يشتري سلعة ثم دفع إليه رب المال قراضاً ليعمل به على حدة بالثلث، أو النصف، لا أرى به بأساً، قلت: وكذلك لو باع السلعة ولم يأمره أن يخلطه بالأول، فنض (¬4) في يده الأول، وفيه خسارة، أو ربح، فقال: إن كان باعها بمثل رأس المال فلا بأس أن يدفع إليه مالاً على مثل القراض الأول، لا زيادة [فيه] (¬5) ولا نقصان (¬6). وإن كان بربح، أو خسارة فلا خير فيه بوجه" (¬7)، شرط خلطه أو لم يخلطه. ¬
اختصرتها على المعنى. وذكر قول غيره (¬1). وقد اختلف في معنى قوله في المسألة الأولى التي جوزها بشرط، إذا كان مثل القراض الأول إذا لم يكن فيها ربح، فذهب ابن لبابة [إلى] (¬2) أن معنى ذلك على غير الخلط، ولو كان على (معنى) (¬3) الخلط لجاز، وإن اختلفت الأجزاء (¬4). ويعضد هذا ما له في كتاب محمد: لا بأس (أن) (¬5) يأخذ (¬6) مائتين على أن يعمل بكل مائة على حدة، إذا كانت (¬7) على جزء واحد، فإن اختلفت الأجزاء لم يجز، إلا على الخلط. وإلى هذا [78] / نحا فضل في معنى قوله. وقيل: الأظهر على لفظ الكتاب خلاف هذا. أو أنه لا يجوز (¬8) إلا على الخلط. وإن اتفقت الأجزاء. بدليل قوله في المسألة بعدها: "وإن اشترط عليه ألا يخلطه" (¬9). فدل أن كلامه في الأولى (¬10) على الخلط، وهو قول ابن حبيب. ورواية أبي زيد. وتأويل أبي محمد (¬11). وقال فضل: إلا أن يريد أن الأول لم يحضر في وقت دفع الثاني. حتى يعرف (¬12) صحة الأمر فيه، كما عرف (¬13)، إذا كان ذلك في ¬
وقت واحد (فعسى به) (¬1). ولم يختلفوا في جواز المسألة في دفع المالين على الخلط في الابتداء، اختلف الجزء، أو اتفق، ولم يختلفوا على اختلاف الأجزاء، وترك الخلط أنه لا يجوز، وتلخيص هذه الجملة أنه ما لم يشغل المال فليزده رب المال (¬2) ما شاء (على ما شاء) (¬3)، إذا كان على الخلط، كما لو قارضه (¬4) بمالين، ولا يجوز على غير الخلط بحال. فإذا شغله بشيء (¬5) لم يجز أن يزيده على الخلط بحال. وجاز على كل حال، على أن لا يخلط. فإذا باع السلع ونض (المال) (¬6) مثل رأس المال جاز أن يزيده على مثل القراض (الأول على الخلط) (¬7). ويختلف في ترك الخلط، وإن كان فيه ربح، (أو وضيعة لم تجز الزيادة بحال، لا على الخلط، ولا على غيره، إلا أن يتقابضا، ويتفاصلا، ثم يستأنفا القراض. وخالفه غيره إذا كان فيه ربح) (¬8)، على ما نصه في الكتاب. وقوله في آخر باب المقارض يشترط عليه ألا يسافر بالمال: "إذا أراد رب المال أن يبيع العامل (¬9) السلعة مكانه، ليس ذلك له إلى قوله: (لئلا) (¬10) يذهب عمل العامل (باطلاً" (¬11). زاد) (¬12) في بعض الروايات: ¬
"ابن وهب، وقال (¬1) الليث مثله. إلا أن يكون طعاماً يخاف عليه السوس، أو شبهه (¬2)، فيتلف رأس المال، فإنه يؤمر حينئذ بالبيع" (¬3). ولم يكن هذا في كتاب ابن وضاح. وكتب في كتاب ابن عتاب عليها: أدخلها إبراهيم بن محمد من موطأ ابن وهب. وليس مما دون سحنون، وصحت لابن باز عند ابن المرابط. ولم يكن في كتاب الأبياني، ولا في رواية الدباغ. وفي كتاب ابن المرابط يخاف عليه اللصوص، مكان السوس في كتاب ابن عتاب. وما في كتاب ابن عتاب أصح معنى. وقوله في الذي [قال لرجل] (¬4) اجلس في هذا الحانوت وأعطيك مالاً تتجر به، فما ربحت فلك نصفه (¬5)، فهذا لا خير فيه. كذا في أصل ابن عتاب وخارج كتابه: فهذا أجير (¬6)، لابن وضاح وكذا في أصل ابن سهل، وهو على أصل ابن القاسم صحيح الجواب، وكذا قال في المسألة قبلها التي يبين هذه بها. وقوله "في باب المقارض بألف يبتاع عبدين صفقة واحدة بألفين قال: يكون شريكاً" (¬7)، قالوا معناه: أنه زاد الألف، واشترى بها لنفسه. ولو كان للقراض كان رب المال مخيراً عليه، على ما تقدم في الكتاب. وإلى هذا ذهب ابن لبابة (¬8)، وغيره. وذهب فضل أنه إنما اشتراها على القراض. ¬
ومعنى قوله: كان شريكاً (¬1): إذا أبى رب المال أن يدفع إليه الألف، على ما تقدم في الأم. ثم قال فيمن دفع مائة قراضاً، "فاشترى العامل بمائتين مائة نقداً، ومائة إلى سنة (¬2)، [أرى] (¬3) أن تقوم المائة الآجلة بالنقد" (¬4). كذا في كتاب ابن عتاب. ونحوه في كتاب ابن سهل. وكثير من الأصول. قال ابن وضاح: وكذا أصلحها سحنون. قال: وكانت في الكتاب "أن تقوم السلعة بالنقد" (¬5). وهو خطأ. وكذا في العتبية (¬6)، وكتاب عبد الرحيم (¬7). وكذا (¬8) ألفيت في بعض الأصول من المدونة. وهي رواية القابسي عن الدباغ. والأبياني. وخطؤوا هذه الرواية. وقاله ابن المواز. والوجهان مرويان عن مالك. قال فضل: قرأ لنا عبد الجبار: تقوم المائة بالنقد، فإن كانت قيمتها خمسين (¬9). وقرأ لنا غيره: "فإن كانت قيمتها خمسين ومائة" (¬10). قال سحنون: السلعة (¬11)، في كتاب ابن القاسم، وأنا أصلحت المائة. وتقويم السلعة بحال. ¬
قال يحيى: وقرأ علينا: السلعة. وقال: هي خطأ. قال فضل: وهذا على مذهب ابن القاسم. وأما على ما أصلح سحنون فلا معنى لذكر مائة (¬1). وإصلاح (¬2) سحنون هو على رواية أشهب عن مالك. قال القاضي: لا يصح ذكر لفظة مائة بعد خمسين، مع قوله: تقوم (¬3) المائة، كما (¬4) قال فضل. وإنما يتوجه على قوله: تقوم السلعة، وسقطت لفظة مائة من كتاب ابن عتاب، وابن سهل، وأكثر الأصول. وثبتت عند ابن المرابط. وفي بعض النسخ وقد تقدم أن تقويم المائة هو الصواب. قال محمد بن المواز: روي لنا عن ابن القاسم في كتاب عبد الرحيم (¬5) "أن تقوم السلعة بالنقد" (¬6)، فما زادت قيمتها على المائة التي دفع إليه رب المال كان بتلك الزيادة شريكاً. قال ابن لبابة: السلعة ثابتة في الأسدية. وكذا في بعض روايات المدونة. تقوم السلعة بالنقد، فتعرف زيادة قيمتها (¬7) على مال القراض، فيشترك به صاحب المال. وهذا (¬8) نحو ما حكاه محمد عن كتاب عبد الرحيم. قال ابن لبابة: قال سحنون: تعرف قيمة الدين بالنقد، فيشترك رب المال بتلك القيمة. وفي بعض الروايات أسقط القول الأول، وجعل قول سحنون مكانه. ¬
ومحمد بن عبد الرحمن الأسدي (¬1) عن عروة بفتح السين، أسد قريش. وهو أبو الأسود، المعروف بيتيم عروة، شيخ مالك (¬2). "ومقدم مولى أم الحكم" (¬3) بفتح القاف والدال (¬4). ومسألة "الذي يبتاع السلعة (¬5) فيقصر ماله عنها، فيأتي الرجل فيأخذ منه مالاً قراضاً إلى قوله فلا أحب هذا" (¬6). زاد في بعض الروايات، ولو علم أن ذلك صحيح لم يكن لغلاء وقع فيه. وما أشبه ذلك. لم يكن به بأس، ولم يكن في أصول شيوخنا من المدونة. وهي صحيحة في أصل سماع ابن القاسم. وفي الأسدية. قال فضل: وطرحها سحنون. وقال: لا يعجبني العمل به، وإن صح. وقاله ابن القاسم أيضاً. [79] قال ابن المواز: لا يحل، لأن ثمن السلعة صار ديناً في ذمة العامل. فإن (¬7) وقع فالربح له،؛ والوضيعة عليه. "ومسألة المقارض يشتري من رب المال سلعة لا يعجبني، وإن ¬
صحت من هذين فلا تصح (¬1) من غيرهما، إلى آخر المسألة" (¬2). وقع (¬3) في أصل الأسدية: وإن صح لم أر به بأساً. ومثله في كتاب عبد الرحيم (¬4)، واختلف قول مالك فيه في كتاب محمد (¬5). وقوله "في المقارض يطأ جارية من (مال) (¬6) القراض فحملت منه إن كان له مال أخذ منه قيمتها" (¬7). كذا عندنا. وكذا في المبسوط. وقيل (¬8) معناه: أن العامل اشتراها للقراض، ثم تعدى (¬9)، ولذلك لزمته القيمة. وقيل: ذلك سواء. وقد كان من قول ابن القاسم: أنه وإن اشتراها وقد تسلف ثمنها من مال القراض أنه يتبع بقيمتها، وإن كان عديماً. وقيل: ذلك سواء. ويتبع بقيمتها بالوجهين، إن كان موسراً. فإن كان عديماً بيعت ويتبع بقيمة الولد، إن لم يكن في ثمنها فضل عن قيمتها. قالوا وهذا أصل قول مالك. وقول ابن القاسم ضعيف عندهم (¬10). وقوله: "في العبد إذا أعتقه إن كان العامل موسراً أعتق عليه وغرم لرب المال رأس ماله وربحه" (¬11) قيل: معناه اشتراه لنفسه، ولو كان للقراض كانت عليه قيمته. ¬
قال بعض (الشيوخ) (¬1): ويلزم إذا اشتراه لنفسه فأعتقه أن يكون عليه الأكثر من الثمن، أو القيمة يوم أعتقه. وكذلك (¬2) يأتي الجواب في مسألة الجارية المتقدمة. والكلام فيها في هذه الوجوه سواء (¬3). وقول غيره آخر الباب: "كل من جاز له أن يبيع شيئاً أطلقت يده عليه إلى آخر المسألة" (¬4)، صحيح لابن باز عند ابن عتاب. وقال ابن وضاح: أمر سحنون بطرحه. وسقط من كتاب ابن المرابط. وقوله: "في باب عبد القراض يقتله عبد رجل: أرأيت إن لم يكن في العبد يعني القاتل فضل عن رأس المال؟ فقال سيده: أنا أقتل، وأبى العامل ذلك. وجوابه: أرى (¬5) لرب المال أن يقتص، وإنما ذلك في القتل" (¬6). ثبتت هذه المسألة عند ابن وضاح، في كتاب ابن عتاب، وابن المرابط، وكثير من النسخ. قال ابن وضاح: وقرأتها (¬7) على سحنون، فلم يقرأها ابن باز. وقال هي من المختلطة. ولم تثبت في رواية يحيى، ولا في كتاب الأبياني. واعترضها فضل بن سلمة. وقال كيف يكون للسيد القصاص إذا لم يكن في العبد فضل؟، والعامل يقول: أرجو أن يحول سوقه بزيادة. قال القاضي: وتأمل قوله: وهذا في القتل (¬8) يدل أن الجراح بخلافه. قالوا: لأنه في القتل مفاضلة. وليس كذلك الجراح. لبقاء العبد في يد (¬9) العامل يعمل به، فيكون باقتصاصه نقص رأس المال، ويجبره [العامل] (¬10) بالربح. ¬
وقوله في "باب الدعوى إذا قال رب المال أبضعته معك، وقال العامل: بل هو قراض. القول قول رب المال، ويحلف. إلى قوله فإن نكل كان القول قول العامل مع يمينه" (¬1)، إن كان ممن يستعمل [مثله] (¬2) في القراض. وقال بعض الشيوخ: وهذه زيادة مستغنى عنها، لأن من نكل كان القول قول خصمه، ادعى ما لا يشبه أم لا. لأنه قد صدقه. ¬
كتاب الأقضية
كتاب الأقضية (¬1) قال أبو منصور الأزهري (¬2): قضى في اللغة على وجوه، مرجعها إلى انقطاع الشيء، وتمامه. والقضاء (¬3): الفصل في الحكم. ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (¬4) (أي: فصل الحكم بينهم) (¬5). يقال: قضى الحاكم، إذا فصل في الحكم. وقضى دينه (¬6)، أي: قطع ما لغريمه عليه بالأداء. وكل ما أحكم عمله، فقد قضى. يقال: قضيت هذه الدار، أي: أحكمت عملها. وقوله تعالى: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} (¬7) أي: أحكمه. ¬
وشروط القضاء التي لا يتم للقاضي قضاؤه إلا بها، ولا ينعقد، ولا يستديم عقده إلا معها عشرة: الإسلام، والعقل، والذكورية، والحرية، والبلوغ، والعدالة، والعلم، وسلامة حاسة السمع، والبصر، من العمى والصمم، وسلامة حاسة البيان، - وهو اللسان - من البكم، وكونه واحداً لا أكثر (¬1). وشرط (¬2) العلم هنا، إذا وجد لازم كما قلناه، فلا يحل تقديم من ليس بعالم، ولا ينعقد له تقديم مع وجود العالم المستحق للقضاء. لكن رخص فيمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد في العلم (¬3)، إذا لم يوجد (¬4) من بلغها (¬5). ومع كل حال، فلا بد أن يكون له علم، ونباهة، وفهم، فيما (¬6) يتولاه. وإلا لم يصح له أمر (¬7). وأما اشتراط السمع والبصر، فقد حكى فيه الإجماع من العلماء مالك، وغيره. وهو المعروف عنه. إلا ما حكاه الماوردي (¬8) عن مالك، أنه يجوز قضاء الأعمى (¬9). وهو غير معروف. ولا يصح عن مالك. وإذ لا يتأتى قضاء، ولا ضبط، ولا ميز محق من مبطل، ولا تعيين طالب من ¬
مطلوب (¬1)، ولا شاهد من مشهود عليه من الأعمى (¬2). وكذلك اشتراط السمع والكلام، لم يختلف فيه العلماء ابتداء. ونص عليه شيوخنا. إذ يتعذر عليهما الفهم، والإفهام غالباً. وليس كل شاهد يكتب اسمه. وفي التعويل على كتابة غيره فيما يقوله الشهود والخصوم حرج. واعتماد في جل قضائه على غيره (¬3). ثم اختلف العلماء إذا طرأت هاتان الآفتان بعد العقد، هل يبطل بهما (¬4) العقد، ويعزله عن القضاء أم لا؟ لتوصله في أغراض القضاء بالقراءة، والكتابة. وأما اجتماع هاتين الآفتين فبعيد تأتي القضاء معهما. وقل ما يوجد أبكم إلا أصم (¬5). وأما كونه واحداً (¬6)، فلا يصح تقديم الاثنين (¬7) على أن يقضيا [معاً] (¬8) في قضية واحدة، لاختلاف الأغراض، وتعذر الاتفاق، وبطلان الأحكام لذلك (¬9). ثم بعض هذه الشروط إذا عدمت فيمن قلد القضاء لجهل، أو غرض فاسد، ثم نفذ منه حكم، فإنه لا يصح، ويرد. (وهي) (¬10): الشروط الخمسة الأولى: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورية، والحرية. ¬
والخمسة الأخرى، ينفذ من أحكام من عدمت فيه ما وافق الحق، إلا الجاهل الذي يحكم برأيه. وأما الفاسق ففيه خلاف بين أصحابنا، هل يرد ما حكم فيه، وإن وافق الحق؟ وهو الصحيح. أم يمضي، إذا/ [80] وافق الحق ووجه الحكم؟. وشروط الكمال (¬1) عشرة أيضاً: خمسة أوصاف ينتفي عنها، وخمسة لا ينفك عنها (¬2): أن يكون غير محدود، وغير مطعون عليه (في نسبه) (¬3) بولادة اللعان والزنا، وغير فقير، وغير أمي، وغير مستضعف. وأن يكون فطناً، نزيهاً، مهيباً، حليماً، مستشيراً لأهل العلم والرأي (¬4) [في القضاء] (¬5). وقوله في الكتاب: "وجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان بحجتهما وفهم القاضي عنهما، فأراد أن يحكم بينهما، أن يقول (¬6) (لهما) (¬7): أبقيت لكما حجة؟ " (¬8). قال أبو القاسم بن محرز: جعل فهمه هنا مقام ما يسمعه (¬9) منهما. قال القاضي: ليس مراده هذا. وإنما فهم عنهما ما سمعه، وحققه تحقيقاً يرفع عنه الريب والاحتمال (¬10) من مقاصدهما. لا أنه فهم من معرض كلامهما، ولحن خطابهما، فليس هذا مما تقام به الأحكام. وقد قال ¬
أشهب (¬1)، وسحنون (¬2)، وغيرهما: لا يقضي القاضي (حتى لا يشك) (¬3) أن قد فهم. فأما أن يظن أن قد فهم، وهو يخاف ألا يكون [قد] (¬4) فهم، لما يجد من الكسل (¬5)، والحيرة، فلا ينبغي له أن يقضي بينهما (¬6) (¬7). فهذا هو الفهم الذي أراد في الكتاب. لا غيره. وقوله: "أبقيت لكما حجة؟ " (¬8). قيل (¬9): إنما صوابه أن يقوله (¬10): للمحكوم عليه، وعلى هذا اختصر المسألة أبو محمد، ومن اتبعه. أن يقول للمطلوب: أبقيت لك حجة؟ فهو الذي يعذر إليه. وأما المحكوم له، فإنه الذي يطلب الحكم، ولا إعذار له. وقيل: يحتمل صواب ما قال، لأن المطلوب إذا ذكر حجته سئل الطالب عن جوابها، كأنه قال: بقي لكما كلام أسمعه منكما، وأنظر فيه، أو حجة تتدافعانها. قال القاضي: وأوجه ما في هذا عندي أنهما اثنان. طالب، ومطلوب، ومرة يتوجه (¬11) الحكم على المطلوب، ومرة على الطالب، بتعجيزه للمطلوب، ودفعه عنه. فقوله: أبقيت لكما حجة؟، لمَّا كان له أن يقول ذلك لكل واحد منهما على الانفراد، إذا توجه عليه الحكم، اختصر الكلام، ولفه في لفظ ¬
واحد، كأنه قال: يقول لكل واحد منهما (¬1)، ممن يتوجه عليه عنده الحكم، أو تعجيزه (¬2)، ودفعه عن صاحبه من طالب أو مطلوب: أبقيت لك حجة (¬3)؟ وقد يكون أيضاً على وجهه. فقد تبقى للطالب، وإن كان المحكوم له حجة تدفع (¬4) عنه يميناً وجبت عليه لاستيفاء الحكم له وشبه هذا. وقوله: "مثل أن يأتي بشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين فوجَّه القاضي عليه الحكم، ثم قدر على شاهد آخر بعد ذلك، أنه يقضي لهذا (¬5) الآخر" (¬6). قيل: ظاهر الكتاب أنه يقضي له القاضي الأول، وغيره. وفي كتاب محمد: إنما هذا للقاضي نفسه. ولا يسمع منه غيره، ولسحنون خلاف هذا كله، لا يسمع منه هو، ولا غيره. قال بعضهم: فقوله: "فوجَّه الحكم عليه" (¬7). استدل منه أن مذهبه تعجيز المدعي. والقضاء (به) (¬8) عليه (¬9). وهي مسألة خلاف. قال القاضي: لا دليل فيه. ولعل مراده: فوجه الحكم على المطلوب باليمين على إنكاره الدعوى. وفي قوله هذا أن تركه الحكم بشهادة الشاهد لا يضره إذا أصاب شاهداً آخر، ولا يختلف في هذا كما اختلف إذا أبى من الحلف مع ¬
شاهده، ورد اليمين على المدعي، ثم قام (¬1) له شاهد آخر، لأن هذا قد تركه، والأول لم يتركه. وقوله في مسألة "إذا مر فسمع رجلاً يقذف رجلاً (¬2) أو يطلق امرأته ولم يشهداه إنه يشهد (¬3) (¬4). ثم قال: "وأما قوله الأول (¬5) وفي الشهادات (¬6) وأما (في) (¬7) قول مالك الأول (¬8) فإني (¬9) سمعت مالكاً، وسئل عن الرجل يمر بالرجلين وهما يتكلمان [في الشيء] (¬10) ولم يشهداه فدعاه أحدهما إلى الشهادة، أيشهد؟ قال: لا (¬11). زاد في الشهادات (¬12): قال ابن القاسم: إلا أن يكون قد استوعب كلامهما، لأنه إن لم يستوعب لم يجز له أن يشهد، لأن الذي سمع لعله قد كان قبله كلام يبطله" (¬13). أو بعده (¬14). ¬
ظاهره (¬1) الخلاف. وعليه حمله بعضهم. وهو دليل قول أشهب في كتاب محمد. وظاهر ما هنا (¬2). لأنه قال: لا يشهد، إلا أن يكون قذفاً، فليشهد، إن سمعه معه غيره. قال أشهب: هذه رواية فيها وهم. وليشهد (¬3) بما سمع من إقرار، أو غصب، أو حد، وإن لم يعلم من هي له أعلمه (¬4). والأكثرون أن كلام ابن القاسم تفسير، وليس مراده عندهم بقوله الأول قولاً ثانياً [له] (¬5). و (لا) (¬6) اختلافاً من قوله. وإنما هو لتقديم الكلام في المسألة. وسماعه منه القول في إحداهما قبل الأخرى، إذ هي ثلاث مسائل: إحداها (¬7): إذا سمع شاهداً، أو شهوداً، يذكرون أنهم سمعوا فلاناً يقول لفلان: على فلان كذا. أو سمعنا فلاناً يقذف فلاناً، أو يطلق زوجته، فلا يشهد السامع لهؤلاء الشهود على هذا القول حتى يشهداه (¬8) على شهادتهم، لا يختلفون في هذا، وكذا (¬9) في المدونة، والعتبية، وكتاب محمد، وغيرها (¬10). سواء استوعبوا كلامهم، أم لا (¬11). إذ لو ضموا إلى الشهادة على شهادتهم لعلهم لم يشهدوا بها لعلة، أو لأن كثيرا من الناس من يستعمل في كلامه المعاريض، والمزحان (¬12). زاد في (¬13) كتاب محمد (¬14): ¬
ولو (¬1) سمعهما يشهدان غيرهما [على شهادتهما] (¬2) لم يشهد حتى يشهداه. واختلف إذا سمعهما يشهدان بها عند الحاكم، هل يشهد على شهادتهما بذلك أم لا؟ قال بعض شيوخنا: وفي هذا الأصل اختلاف. ولا فرق بين أدائها عند الحاكم (¬3)، أو إشهادهما غيرهما عليهما (¬4)، إذ قد ارتفع الاحتمال، وكلا الموضعين موضع تحقيق (وجد) (¬5). والمسألة الثانية: إذا سمعه يقذف رجلاً أو يطلق امرأته، فهذا يشهد أيضاً، إلا ما زاد في هذا الكتاب في الحدود إذا كان معه غيره. وذلك لأنه في القذف إذا كان وحده ولم تتم الشهادة على القاذف خشي أن يكون هذا قاذفاً معرضاً، / [81] جاء بذلك مجيء الشاهد على غيره. والمسألة الثالثة: إذا سمع رجلين يتراجعان كلاماً، ويتقارران في شيء بينهما، فهذا يشهد إذا استوفى كلامهما من أوله إلى آخره، واستوعب قصتهما، كما قال ابن القاسم (¬6). ولا يشهد إذا لم يكن كذلك، كما قال مالك. وهذا (¬7) كله يعود أيضاً على المسألة التي قبلها، وأنه لا يشهد حتى يستوعب الكلام (¬8) في كل شيء، لأنه إذا لم يستوعب قوله في الطلاق، والقذف، وما قبله (¬9)، وما بعده، كيف يشهد؟ ولعل هذا القائل إنما كان حاكياً عن غيره. ¬
وفي هذا الفصل (¬1) يتصور الخلاف على ما في كتاب محمد. وتأويل بعضهم على ظاهر المدونة. وإليه نحا اللخمي وغيره في المسألتين. والوجه الآخر أظهر وأبين [وأصح] (¬2) إن شاء الله. وقوله: "إذا ادعيت على رجل قصاصاً أو أنه (¬3) ضربني بالسوط أو شبه (¬4) ذلك استحلفه قال: لا تستحلفه إلا أن تأتي بشاهد عدل فيستحلف لك" (¬5)، وأوجب هنا وفي كتاب الديات، [في] (¬6) القصاص في قطع اليد بشاهد واحد ويمين. وقال في الشهادات: إنما يحلف مع الشاهد الواحد في الجراح، فيما لا قود فيه، وإن كانت (¬7) عمدا. كالجائفة، والمأمومة (¬8). وقال هناك غيره (¬9): يحلف ويقتص من كل جرح. كقول ابن القاسم هنا. فالخلاف في كل هذا بين، ظاهر من قوله، وعليه اختصر كثير من المختصرين، ومن قول ابن القاسم أيضاً أدخله ابن لبابة، وغيره. وهو غير مفصول من كلام ابن القاسم في أكثر النسخ، والأصول. لكن وقع في كتاب الشهادات أول المسألة في كتاب ابن عتاب قال سحنون: وظاهر قول ابن القاسم في مسألة السوط (¬10) أنه إنما يحلف له المطلوب، ولا يحلف [له] (¬11) الطالب، وليس هو ¬
مذهبه، إلا أن يكون له ما ها هنا رجوع من قوله إلى قول غيره. وابن لبابة وغيره تأولوه على أن الطالب إنما سأله عن استحلافه له إذا لم يرد هو أن يحلف على ذلك. كما قال في مسألة قطع اليد بعد هذا: فإذا نكل استحلف القاطع (¬1)، وهذا بعيد من لفظه، ويشبه أن يكون على القول الآخر، مثل رواية أشهب في الشتم (¬2): لا يحلف مع الشاهد فيه المدعي، وعسى أن يحلف فيه المدعى عليه. وذلك أنهم جعلوا ما فيه القصاص من الجراح إذا قام بها شاهد كالقتل بالقسامة مع الشاهد، إلا أن القتل بقسامة، والجراح لا قسامة فيها، فكانت اليمين مع الشاهد مقامها. ولمالك (¬3) في المبسوط إنما هذا في جراح الخطأ، لأنه مال (¬4) وفيما صغر من الجراح، مما ليس فيه عقل مسمى. وقال عبد الملك: هذا فيما خف من الجراح، كالموضحة، وقطع الإصبع، فأما ما خيف منه التلف فلا (¬5). وقوله: "ما سمعته يذكر أنهما يلتعنان في دبر الصلاة" (¬6)، وفي كتاب اللعان: أنه سمعه يقول ذلك (¬7)، يحتمل أنه لم يذكر ذلك هنا، وذكره عند جوابه في كتاب اللعان. وقوله: "إنما سمعته يقول في المسجد وعند الإمام" (¬8) معناه بحضرة الإمام في المسجد. وإن كان قد قال عبد الملك في المسجد، أو عند الإمام. ¬
وظاهره أحد الموضعين. وإليه أشار بعض المشايخ، وذكر أن هذا اختلاف. وقوله: "في اليهودي والنصراني والمجوسي لا يحلفون إلا بالله" (¬1) حمله (¬2) بعضهم على ظاهره. وأنه لا يلزمه تمام الشهادة، إذ لا يعتقدونها، فلا يكلفون ما لا يدينون به. وإنما يلزمون ما يحلفون به. ويعتقدونه من إثبات الألوهية فقط (¬3). وهو مذهب ابن شبلون. وفرق غيره بين اليهود فألزمهم (¬4) ذلك لقولهم بالتوحيد، وبين غيرهم. وقال بعضهم: إنما قال: "إنما يحلفون بالله فقط" (¬5) نفياً لما سأله عنه من قوله: "أيزيدون الذي أنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، صلوات الله عليهما" (¬6). فقال: أرى أن يحلفوا (¬7) بالله فقط. أي: لا يزيدون ما سألت عنه، وإنما يحلفون بالله، كما يحلف المسلمون. يريد ويتمون (¬8) الشهادة إلى آخره. وعليه اختصر أبو محمد، وهو بين في كتاب محمد. قال: يمين الحر، والعبد، والنصراني، في الحقوق سواء. ومثله في كتاب ابن حبيب (¬9). وذهب بعضهم إلى أن جميعهم يلزم اليمين بهذا. اعتقدوه أو لا (¬10)، رضيه أو كرهه، ويجبرون على ذلك. ولا يعد لهم قولهم ذلك إسلاماً (¬11). ¬
وإنما هو حكم يجريه (¬1) عليهم أهل الإسلام. كما يلزمون فيما تحاكموا فيه مع المسلمين حكم الإسلام. وإلى هذا ذهب المتقدمون من أصحابنا (¬2). وقوله: "أرأيت النساء العواتق أيحلفون (¬3) في المساجد؟ " (¬4) معناه الأبكار، ولا يمين على من لم ينطلق منهن من الحجر، ولا على غيرهن من السفهاء، إلا فيما يكون لهم فيه (¬5) شاهد واحد، وفي دعواهم الوطء، وكذلك في كل حق يوجب (¬6) أيمانهم بها حقاً لهم في مال، أو بدن، أو إسقاط حق عليهم. وكذلك يجب يمين السفيه على تكذيب الشاهد عليه بالطلاق (¬7). وكذلك لو ادعي عليه حق فيما يتعلق ببدنه، العقاب فيه فيما (¬8) يتهم به (¬9)، أو يجب عليه فيه حبس، أو أدب، إن لم يحلف على تكذيب قوله، أو أقر بصحة دعواه. وقد اختلف شيوخنا (¬10) في وجوب (¬11) يمين القضاء عليهم، فمعظم الأندلسيين يسقطونها [عنهم] (¬12)، إذ لو نكلوا عنها لم يستحق الطالب بنكولهم حقاً، وذهب الأصيلي في آخرين إلى إيجابها. ¬
واحتجوا أنه مذهب مالك، بظاهر قوله هنا في يمين العواتق. والحجة به ضعيفة. إذ يحمل على الوجه (¬1) الذي يجب به اليمين عليهن مما تقدم. وذهب أبو العباس بن ذكوان (¬2) وأبو عبد الله بن عتاب بعده إلى (أن) (¬3) تقديم الحكم/ [82] له (¬4) عند وجوبه وإرجاء اليمين عليهم إلى رشدهم. وحكاه (¬5) ابن الهندي عن بعضهم في كتابه. فإن حلفوا حينئذٍ وإلا صرفوا عند هؤلاء ما حكم لهم (¬6) به قبل. ثم اختلفوا إذا رشد المحجور فقام بحقه، وقد مات وصيه، هل يحلف الآن، وذلك مثل الجارية البكر، أو المحجورة يموت زوجها، أو يموت أبوها، أو وصيها، ثم ترشد. فذهب بعضهم إلى أنه لا يمين عليها، إذ لم تجب عليها قبل. وتأخذ حقها الآن بغير يمين. وهو مقتضى فتوى الشيوخ في أحكام ابن زياد (¬7)، عند بعض المتأخرين. وإليه ذهب ابن بسام القاضي (¬8). قال: إلا أن يدعي عليها علمها بقبض الوصي، أو الأب ذلك فتحلف. ¬
وقال آخرون: إنها إذا رشدت صارت كغيرها. وإليه ذهب ابن عتاب، وابن سهل، والقاضي ابن بدر (¬1)، وغيرهم. وهو عندي الصحيح. لأنه قد تمكن قبضها له، وإسقاطها إياه، أو علمها بقبض أبيها، أو وصيها له. وقيل: (¬2) سواء ادعى عليها بذلك أم لا. إلا أن يكون الزوج حاضراً، ولا يدعى عليها شيئاً من ذلك، فلا يمين هنا بوجه. ويقضي القاضي لها به. وقد كان بعضهم لا يرى للقاضي أن يحكم في شيء من مثل هذا حتى يحلف المحكوم (عليه) (¬3) يمين القضاء، حاضراً كان مطلوبه أو غائباً، على ظاهر ما جاء في المدونة، ونص ما في المستخرجة. والصحيح أنه لا يلزم ذلك في الحاضر إلا بدعواه فيحلف على ما ادعاه (¬4) خصمه عليه لا غير. وكذلك نص عليه في كتاب ابن شعبان، إلا ما ليس عليه يد لأحد، مخافة أن يكون (¬5) لغائب فيه حجة أقوى مما قام به الحاضر. [وفي الحاضر] (¬6) إنما يحكم على الحاضر. ثم اختلفوا إذا ادعى السفيه دعوى وجبت فيها (¬7) اليمين، فردت (¬8) على السفيه. فقيل (¬9): يحلف. وقيل: لا. لأن نكوله (¬10) لا يوجب شيئاً. والصواب أن يحلف، ويستحق حقه. فإن نكل فهو على حقه، متى شاء أن يحلف ¬
حلف، واستحق كما لو كان له شاهد واحد، ولم يحلف الآن معه لكان على حقه. وقوله في النساء: "وإن كانت ممن لا تخرج" (¬1) (¬2) نهاراً وفي بعض النسخ لم يذكر نهاراً (¬3). فهل يحتمل أنها لا تخرج جملة، وهي التي لا تتصرف، ولا تخرج، من نساء الملوك، فيبعث إليها الإمام من يحلفها (¬4)، ولا يترك خصمها لامتهانها. كذا ذكر القاضي (أبو محمد) (¬5) عبد الوهاب (¬6). وهذا فيما يطلب به، ونحوه لابن كنانة في المدنية. قال: يحلف النساء التي لا يخرجن في بيوتهن، فيما ادعي عليهن، ويشهد عليهن في بيوتهن، ولا يخرجن. وأما إن أردن أن يستحققن حقهن، فيخرجن إلى موضع اليمين (¬7). وقد حلف سحنون أمثال هؤلاء في أقرب المساجد إليهن. وأما شيوخ الأندلسيين فرأوا أنه لا بد من خروج هؤلاء. فإن امتنعت (¬8) حكم عليها حكم الملد. قال القاضي: وليس هذا بصواب. لأنه إذا (¬9) كان هذا واجباً عندهم من خروجهن فليجبر مانعها على إخراجها، فإن لم يقدر عليه (¬10) فهي مكرهة عن (¬11) الخروج، فكيف [يحكم] (¬12) عليها بحكم الملد. وكيف تؤخذ بذنب مانعها. ¬
وقوله: "وأما ما سألت عنه من المكاتب والمدبر وأمهات الأولاد فسنتهم سنة الأحرار إلا أني أرى أمهات الأولاد كالحرائر منهن من يخرج (¬1) ومنهن من لا يخرج (¬2) (¬3). حمل بعضهم الكلام أولا على الذكران، دون الإناث. ولهذا استثنى أمهات الأولاد. [وعليه اختصر أبو محمد وذهب آخرون أن الكلام على الذكران والإناث وأنهم ما عدا أمهات الأولاد] (¬4) [كالرجال في الخروج لليمين ولهذا استثنى أمهات الأولاد] (¬5)؛ لأن لهن حرمة (نساء) (¬6) ساداتهن. وأبنائهن. كحرمة الحرائر، ومن عداهن من المكاتبات، والمدبرات، والسراري. فكالذكران من الرجال. وإليه ذهب ابن محرز. ووقع في كلام ابن القاسم في هذه المسألة في كتاب الشهادات: "وأما ما سالت عنه من المدبرة والمكاتبة (¬7) وأمهات الأولاد فسنتهن سنة الأحرار" (¬8). وهو محتمل. وقوله في النساء: "أما كل شيء له بال فيخرجن فيه إلى المسجد" (¬9) ذهب بعض مشايخنا أنهن بخلاف الرجال. وأن الذي له بال في حقهن إنما هو المال الكثير (¬10). وأما ربع دينار ونحوه فلا يحلفن فيه في المسجد الجامع. وكذا ¬
قال محمد (¬1). في (¬2) كتاب ابن حبيب (¬3): إنهن كالرجال، يحلفن في الجامع في ربع دينار فصاعداً. وبه فسر أبو محمد ما له بال من المال (¬4). وقوله: إنه يجزئ في استحلاف القاضي لهن رجل واحد، (¬5) يدل على أحد قوليه في هذا الأصل، فيمن يوجهه القاضي للإحلاف، والحيازات، والأعذار، والنظر في العيوب، والترجمان، والقائف، أنه يجزئ في ذلك واحد. وقوله: "في الذي استحلف خصمه وهو يعلم ببينته الغائبة (¬6) تاركاً لها: لا حق له" (¬7)، هذا الترك عند أكثرهم، الذي أراد تركه القيام بها (مع علمه، والاحتجاج بها. ويدل عليه قوله مثل هذا في الحاضرة. وقال آخرون: لا يكون تركاً إلا بتصريحه بترك القيام بها) (¬8). قال فضل: ولو حلفه (¬9) ولم يذكرها وعلم بعلمه بها فقدمت فإن كانت (¬10) حين حلفه غائبة غيبة بعيدة بحيث ما لو رفع ذلك إلى الحاكم (¬11) لقضى له باليمين و (إن) (¬12) لم ينتظرها قضي له الآن بالبينة. ونحوه لابن حبيب، وهذا (¬13) يدل على صحة التأويل الثاني. ¬
وقوله آخر المسألة: قال سحنون: (والقول قول صاحب الدين أنه لم يعلم ببينته) (¬1) صح هذا في كتاب ابن سهل، لأحمد بن خالد، وابن أيمن (¬2) عن ابن وضاح. ولم يكن عند غيرهما. ولا في كتاب ابن عتاب. وهو صحيح على الأصل. "والصديق الملاطف" (¬3) هو المختص/ [83] بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه. ومعنى الملاطفة (¬4): الإحسان، والبر، والتكرمة. وهو أحد معنى تسميته لطيفاً. ولو كانت هذه الملاطفة من أحدهما للآخر (كانت) (¬5) مسألة (¬6) الأخوين اللذين ينال أحدهما بر الآخر، وصلته. واللوث في شهادة القتل ما لم يبلغ مبلغ القطع فيه، مما تكون فيه القسامة، كالشاهد الواحد، والشهادة على قول المقتول، أو دليل يدل على قتله. واختلف المذهب عندنا، والروايات عن مالك، هل يشترط في هذا الشاهد الواحد العدالة أم لا؟ وإنما سمي لوثاً من القوة. واللوث: القوة. كأنه قوى بها دعوى المقتول، أو القائم بدمه. "وشرو" (¬7) الشيء بفتح الشين، وسكون الراء، مثله. ونظيره. ¬
"والبطون" (¬1) المذكورة في مسألة الاستثناء هي الأحشاء. وقوله: "في الموسم يقام بشهادة رجلين" (¬2)، يعني إقامة الحج، والوقوف بعرفة. "والموسم" (¬3): السمة. وهي العلامة. إما لأن لأهل الحج علامات الإحرام. أو لأن الموسم علامة باستهلال الهلال. والقيان: المغنيات. (والأمة: القينة) (¬4). وأصل القينة الأمة. وصاحب قيان: هو الذي يكن عنده. يكريهن ممن يغنين له (¬5). وقد يحتمل أنه الذي يستعملهن للغناء. ويسمعهن (دائماً) (¬6). كن له، أو لغيره. "وابن خلدة" (¬7) بفتح الخاء، واللام. كذا ضبطناه هنا عن شيوخنا. وقيده أبو نصر الحافظ بسكون اللام. واسمه عمر بن حفص (¬8). ومسألة الشهادة في الوصية وتفسيرها في كتاب الشهادات وكذلك ¬
مسألة ورثة المتحملين (¬1) وأهل الحصن (¬2) في كتاب المواريث (¬3). وقوله: "أرأيت لو أن داراً في يدي ورثتها عن أبي فأقام ابن عمي (¬4) البينة أنها دار جدي، وطلب مورثه قال: هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك" (¬5). ذهب بعض الشيوخ أن مذهبه في الكتاب من هذا اللفظ. أن الحيازة من الأقارب كالأجنبيين (¬6) (سواء) (¬7). والخلاف فيها معلوم (¬8). وقوله: "في الذي وجد خطه في الكتاب ولم يذكر، لا يشهد [بها] (¬9) (¬10). أي: على غير بيان حتى يبين (¬11) أنه لا يذكرها. وإنما يعرف (¬12) أن هذا خطه (¬13)، (أو خط يشبه خطه) (¬14)، كما قال: "ولكن ¬
يؤديها كما قد علم" (¬1). ولا أيضاً يجب عليه (¬2) أن يؤديها كما علم إلا أن يكون على بصيرة ويقين من نفسه أنه لم يضعها مسامحة، [وأنه لم يضع خط شهادته مسامحة] (¬3) ولا كتب اسمه إلا على صحة، وإن كان يعلم من نفسه أنه قد مر به زمان قبل عدالته يسامح فيه الشهادة، وألقى اسمه على غير صحة، إما لقلة ورع، ودين، أو [تسامح به في الشهادة وإلغاء اسمه على غير صحة، إما قلة ورع ودين، أو] (¬4) جهالة، فإن هذا مما لا يحتاج إليه. ثم راجع بصيرته، فلا يحل لهذا أن يؤدي شيئاً وجده بخطه إلا ما ذكر من شهادته، أو حقق من تاريخها أنه بعد توبته، وتحقيق شهادته. وكذلك كل من شهد على خط نفسه عند من يجيزه، أو على خط غيره في شهادة لا يصح (من ذلك) (¬5) إلا ما ثبت أن كاتبها كان عدلاً في حين إيقاع تلك الشهادة. ورسم ذلك الخط وتاريخه إن كانت مؤرخة، وإلا لم تقبل، لأن إبقاءها حينئذٍ كأدائها، ولا يغني تعديله بعد ذلك، إذ لم يؤدها، ولا أديت عنه بعد تعديله، وذلك كله كالشهادة على شهادة الشهود التي لا يصلح (¬6) أن يشهد على شهادتهم، إلا إذا كانوا حين إشهادهم عليها عدولاً (¬7)، وإلا لم تصح (¬8). وكلامه في هذه المسألة المتقدمة يدل أنه لا يجيز العمل بالشهادة (¬9) على خط الشاهد، إذ منعه من ذلك [بالشهادة على خط نفسه أشد في ¬
الباب] (¬1)، وسيأتي بعد هذا (¬2) ما يدل على خلافه، والخلاف في مذهبنا ومذهب أهل المدينة وغيرهم فيها معلوم. وقوله: "يستقيل من شهادته" (¬3)، أي: يطلب الإقالة من أدائها، ويخبر أنه رجع عنها. و"ولاة المياه" (¬4) [ولاة] (¬5) البوادي الذين يسكنون (¬6) على المياه. خلاف أهل الأمصار. وقوله: "في القاضي إذا عزل، أو مات، وقد أثبت شهادات في ديوانه أن من ولي بعده لا يجيز [شيئاً] (¬7) منها إلا أن تقوم (¬8) عليه البينة" (¬9). قال بعض شيوخنا: أنظر هذا، فإن كان يريد تقديم البينة على خطوطهم ففيه [جواز] (¬10) الشهادة على خط الشهود، وأعمالها، وليس هو مشهور مذهبه، وأصله في الكتاب على ما تقدم، وإن كان يريد شهدوا على إيقاع الشهود لهذه الشهادة عند القاضي، فيقوم من هذا الموضع جواز الشهادة على مثل هذا، والخلاف فيه معلوم أيضاً، في غير المدونة كما قدمناه قبل. وقد يكون قيام البينة بإشهاد القاضي المتوفى إياهم بقبولها. وقوله: "فإذا نكل (¬11) أحلف المشهود له الطالب، وثبت له الشاهدان، ¬
ونظر فيهما القاضي المحدث بحال ما كان المعزول ينظر" (¬1). أفادت هذه المسألة بناء القاضي على حكم من قبله، وأنه لا يلزمه الاستئناف، وابتداء النظر. وكذلك إن انتقل إلى خطة حكم من خطة حكم، وقد نظر في صدر من الخصومة في الخطة الأولى بين يديه. وبهذا أفتى ابن عتاب وغيره من القرطبيين. ورأى غيرهم استئناف النظر، ولا وجه له (¬2). وفي كتاب ابن سحنون لأبيه في القاضي يعزل من مصر ويلي غيره دليل أنه يبني على ما ثبت عنده في ولايته تلك. وهي حجة للأول (¬3). وقوله في الكتاب: "إذا تبين للقاضي أن الحق في غير ما قضى به رجع فيه، وإنما لا يرجع فيما قضت به القضاة مما اختلف فيه" (¬4). حمل أكثرهم مذهبه في الكتاب (على) (¬5) أن الرجوع له، كيف كان حاله، من وهم، أو انتقال رأي، وهو قول مطرف، وعبد الملك. ويكون قوله بعد هذا: وإنما لا يرجع فيما قضى به غيره، وعلى هذا اللفظ ذكر المسألة في كتاب عبد الرحيم. وعليه اختصر أبو محمد، / [84] وغيره. خلاف ما ذهب إليه سحنون. وحكى (القاضي) (¬6) [أيضاً] (¬7) عن عبد الملك في تفريقهما وأنه إنما يرجع فيما حكم به وهما، وغلطا (¬8)، لا فيما انتقل (¬9) فيه اجتهاده (¬10)، ¬
وهذا أقرب، وأظهر [للصواب] (¬1). إذ لو ساغ (¬2) ما تأولوه أولاً، وقال (به) (¬3) من قال لما استقر لحاكم حكم، ولما كان أحد على وثيقة من الحكم له بشيء، ولأنه [إنما] (¬4) حكم أولاً باجتهاد (¬5)، وغلبة ظن، فلا يرجع (¬6) عنها لمثلها (¬7)، بخلاف ما لو حكم تخميناً، وحدساً، فهذا ينقضه هو ومن بعده، لا يختلف (¬8) في هذا إذا ثبت ذلك عليه من حكمه، وبخلاف (¬9) ما خالف اجتهاده فيه الكتاب، والسنة، أو حكم بشذوذ مما اختلف الناس فيه، فهذا ينقضه هو ومن بعده. وكذلك عندي إذا كان الحاكم يلتزم مذهباً، ويحكم بتقليده، لا باجتهاده فحكم بحكم يرى أنه مذهبه وغلط فيه، فله [هو] (¬10) نقضه دون غيره. وقال آخرون: قد يحتمل أن معنى قوله: أنه إنما رجع فيما كان جوراً بيّناً، بدليل قوله: وإنما لا يرجع فيما قضت به القضاة، مما اختلف فيه، ويبقى هذا اللفظ على وجهه، وابن عبد الحكم يرى أنه لا يرجع في شيء من حكمه، مما اختلف فيه (¬11)، إلا [في] (¬12) الجور البين، الذي ينقضه من جاء بعده (¬13). ¬
وقوله: "في السلطان الأعلى الذي ليس فوقه سلطان، إذا رأى حدًّا رفعه إلى القاضي" (¬1). وقال مثله في كبير مصر يرفع إلى القاضي. وقال في القاضي يرفع إلى من فوقه. وكذلك قال في السلطان. وقال بعضهم: إن مذهبه في الكتاب أن أحداً لا يرفع إلى من دونه، وتحت يده، إلا السلطان (¬2) الأعظم، للضرورة إلى ذلك. وسحنون يقول فيه: هذا حد لا يقام أبداً، وأراه هدراً، واعتمد هذا القائل على ظواهر ألفاظ الكتاب، وجعل (¬3) قوله في والي مصر: أن القاضي من تقديم أمير المؤمنين. وقال بعضهم: يجوز أن يرفع إلى من دونه، كما يفعل أمير المؤمنين. وقد يستدل بقوله في والي مصر يرفع إلى القاضي (¬4)، وقد ذكر في المسألة الأخرى في والي الإسكندرية إذا استقضى قاضياً، أو قضى به والي الإسكندرية، أنه يجوز (¬5). فقد بين أن تقديمه القضاة (¬6) من قبل الولاة كانت عادتهم، وعليه تكلم. وكذلك كانت سيرة بني أمية، تفويض تقديم القضاة إلى الولاة، إلى أن ولي بنو العباس، فصار تقديم القضاة في قواعد الأمصار من قبلهم. وقوله: "ويستحسن" (¬7) (¬8) أي: يستقصى (¬9). ¬
كتاب الشهادات
كتاب الشهادات (¬1) الشهادة: معناها البيان. وبه سمي الشاهد، لأنه يبين (¬2) الحكم، والحق من الباطل. وهو أحد معاني تسميته [تعالى] (¬3) شهيداً. وإليه أشار بعضهم في معنى قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ (وَالْمَلَائِكَةُ) (¬4)} (¬5)، أي بين (¬6). وقيل: هو في الآية، وفي الاسم العزيز بمعنى العلم، وقد يصح هذا في اسم الشاهد، لعلمه بالقضية التي شهد (¬7) بها. وشروط (¬8) الشهادة العامة الجائزة في كل شيء ثمانية: البلوغ، والعقل، والذكورية، والإسلام، والعدالة (¬9)، وضبط الشهادة ¬
حين الأداء، وحين السماع، وارتفاع الظنة من عداوة خاصة للمشهود عليه، أو ولاية خاصة للمشهود له (¬1). وقد تنخرم (¬2) بعض هذه الشروط في بعض النوازل. وشروط العدالة أربعة: صدق اللهجة، واجتناب الكبائر، وتوقي (¬3) المثابرة على الصغائر، والتزام مروءة (¬4) مثل الشاهد. و (اختلف في) (¬5) اشتراطه في شهادة الأخ أول الكتاب (¬6) التبريز (¬7)، ولم يشترطه أثناءه (¬8). وكذلك اختلف قوله في اشتراطه في غير هذا الكتاب. فحمله بعضهم على أنه خلاف، وأنهما قولان له، مرة اشترط التبريز (في عدالتهم) (¬9) في شهادتهم (له) (¬10) في المال والتعديل. ومرة لم يشترطه. كما قال في رواية ابن وهب: ولا بأس بحاله (¬11). فهذا نص أنه لم يشترط (¬12) التبريز. وجاء في كتاب الشفعة في بعض الروايات: أيجوز لي أن يشهد لي في وكالتي [أبي] (¬13) أو ابني زيادة أو أخي، أنه لا يجوز له، إن كان هو ¬
الوكيل (¬1). قال أبو عمران: معناه [أنه] (¬2) غير مبرز، وحمل كلامه أولاً غير واحد على اشتراط التبريز على كل حال، وهو الأظهر. لكنه مرة بينه، ومرة أهمله، وترك ذكره اكتفاء بما بينه قبل. وعلى اشتراطه اختصره الأكثرون. وحملوا التعديل على تعديل أخيه في الشهادة، كما قال ابن القاسم في سماع عيسى، ورواية زياد، وابن نافع (عن مالك) (¬3)، خلاف ما ذهب إليه أشهب، من أنه لا يجوز تعديله له (¬4)، لأن شرف أخيه شرف له. ومثله لعبد الملك في المبسوط (¬5). وقال بعضهم: المراد بالتعديل هنا، تعديل من شهد لأخيه، فيكون من باب المال. ويكون غير خلاف لأشهب (¬6). وقد قيل (¬7): لا تقبل شهادة الأخ لأخيه جملة (¬8). كالابن مع أبيه، وهو في آثار المدونة (¬9) فيها ولشريح (¬10) في المسألة قولان. ¬
وقيل: تجوز (¬1) في اليسير دون الكثير (¬2). وقد (¬3) اختلف في شهادته له في الحدود، والقصاص، وغير المال بما هو مسطور (¬4). وقول شريح في الكتاب: "لا تجوز شهادة العبد لسيده" (¬5)، قالوا فيه دليل على أنه تجوز عنده لغير سيده. وقوله في آثار الكتاب: "تجوز شهادة المسلمين على الكفار" (¬6). هذا مما لا يختلف فيه. وعداوة الدين غير معتبرة. لأنها عامة، غير خاصة. وإنما تعتبر العداوة الخاصة. واختلف إذا طرأت (¬7) بين المسلمين والكفار (¬8) عداوة حديثة في بعض الأمور، فاعتبرها بعضهم، ولم يجز الشهادة. وهو الصحيح. لأنه أمر خاص. وبعضهم لم يعتبرها، ولا قدحت (¬9) عنده، إذ (¬10) العداوة الأولى [85] في الدين [أشد] (¬11)، وهي ثابتة غير مؤثرة، فما زاد عليها غير معتبر عنده. وقوله "مبرِّزاً" (¬12): كذا [هو] (¬13) بكسر الراء المشددة. أي ظاهر ¬
العدالة، سابقاً غيره، متقدماً فيها. وأصله من تبريز الخيل في السبق، وتقدم سابقها، وهو المبرز لظهوره وبروزه (¬1) أمامها. "وأشهل بن حاتم" (¬2)، بشين معجمة (¬3). "والقانع" (¬4) هنا: السائل. قال الله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (¬5) قيل: هو السائل. وقيل: (هو) (¬6) الذي يقنع بالقليل من السؤال. والمعتر الذي يتعرض للسؤال. "وحفص بن غياث" (¬7) بغين معجمة مكسورة (¬8) (وياء مخففة) (¬9)، وآخره ثاء مثلثة (¬10). "وحلام العبسي" (¬11)، بفتح الحاء المهملة، وتشديد اللام. والعبس هنا ¬
بباء بواحدة (¬1). "والحكم" (¬2) بن عتيبة، بضم العين، بعدها تاء باثنتين فوقها مفتوحة مصغر، من عتبة (¬3) "وعقيل عن بن شهاب" (¬4)، بضم العين (¬5). "وعيسى بن (أبي) (¬6) عزة" (¬7)، بفتح العين، والزاي (¬8). ونزي في جرحه، بضم النون، وكسر الزاي، وتخفيفها، ومعناه: سال دمه، ولم يقدر على قطعه. ¬
وقوله في باب شهادة ذوي القرابة (¬1): قال مالك في الأخ: وفسره في حالاته، يعني ما بينه في الحالات التي تجوز فيها شهادته ولا تجوز. ثم قال: وقال في الشهادات: وما لا يجوز (¬2) إلى آخر ما ذكره في الباب (¬3). كذا عند إبراهيم بن باز، وعند ابن وضاح. (وقال غيره في الشهادات) (¬4): وساق الكلام. والغير هنا، هو عبد الملك، وكذلك (¬5) قوله في باب شهادة الشاهد على (¬6) الشهادة: "قال غيره: ألا ترى أنه لو كان حتى (¬7) تثبت له الشهادة". كذا لابن وضاح، وسقط لفظ غيره لغيره. وقوله في شهادة النساء: "وقال أشهب: مثل قول ابن القاسم في شهادتهن على الشهادة" (¬8). يريد أنه في هذا وافقه فقط. وخالفه في شهادتهن على الوكالات. وبينه قول سحنون بعد في شهادة الوصيين. والوارثين لوصي آخر. "وقد أخبرتك قبل أن شهادة النساء على غير المال ليست جائزة" (¬9) إلى آخر كلامه. وقال في كتاب محمد: لا تجوز شهادتهن في الوكالة على المال (¬10). ¬
وأجاز نقلهن مع رجل في ذلك إذا زكى الذي نقلن عنه غيرهن (¬1). وقاله عبد الملك. واستدل بعض الشيوخ من جواز نقلهن الشهادة عن غيرهن بجواز نقل الرجل عن من لا يعدله. إذ تعديل النساء لا يجوز باتفاق. وهذا لا حجة (فيه) (¬2)، إذ منع تعديلهن إنما هو للسنة، وإذ قد يكون الرجل معروف العدالة، وإذ ليس كل من يشهد (¬3) على شهادة غيره تعرت عدالته (¬4). وقد قيل: إنه إذا لم يعدل الشاهد من شهد على شهادته فهي ريبة في شهادته، والصواب جوازها لما ذكرناه (¬5). وقوله في شهادة النساء في الوصية: إن كان فيها (عتق، أو) (¬6) إبضاع نساء لم تجز (¬7). ظاهره لم تجز (¬8) في الجميع. وعليها حملها (¬9) شيوخنا. واختصروها. وهو مثل قول أشهب في رواية البرقي (¬10)، في الشاهد الواحد، في وصية فيها عتق، ووصايا. وهذا خلاف أصله في الشهادة، إذا ردت للسنة، لا للتهمة (¬11)، أنها تجوز فيما لا ترد فيه، كمسألة شهادتهن مع رجل على السرقة، أنه يضمن المال، ولا يقطع، وكذلك قال في الذي ¬
يشهد على وصية رجل، وفيها عتق ووصايا لقوم، أنها تجوز للقوم، ولا تجوز في العتق، وأصله (¬1) جوازها عنده في الإيصاء، والوصية بالمال، وما (¬2) ها هنا خلاف [له] (¬3)، وعلى هذا (¬4) حمله بعض شيوخنا (¬5). ومعنى أبضاع النساء: كناية عن الفروج. والبضع بالضم (¬6): الفرج. يريد الإيصاء على إنكاحهن. وقوله في الوارث المقر بدين على الميت: "إن كان سفيهاً لم تجز شهادته، ولم يرجع عليه في حظه" (¬7). قالوا: ظاهره اشتراط الرشد في العدالة، وهو قول أشهب، وأن شهادة السفيه [لا تجوز] (¬8)، وإن كان عدلاً في نفسه، وأجازها مالك، وفي (¬9) كتاب التفليس، في باب الشهادة على الميت بين (¬10) قبول (¬11) شهادته (¬12)، وإن كان سفيهاً. وقوله في الوصي إذا شهد للميت بدين على الناس: "إذا كان الورثة ¬
كباراً عدولاً، جازت شهادته، إذا كان لا يجر بشهادته شيئاً يأخذه" (¬1). قال بعض شيوخنا: ظاهره أن من شرط الرشد العدالة. ومعناه عندي الرضى في أحواله، لا عدالة الشهادة. وقد اختلف في هذا. فمذهب (¬2) المدنيين: ابن كنانة، وابن الماجشون، ومطرف، أن الرشد في الدين، والمال معاً. وإن كان حسن النظر في ماله، وهو يشرب الخمر فليس برشيد (¬3). ولا يخرجه (¬4) ذلك من الحجر. وقاله ابن حبيب. وذهب ابن القاسم (إلى) (¬5) أن الرشد في المال خاصة، فإذا ظهر منه حسن النظر فيه استحق الإطلاق (¬6) من الحجر، وإن كان خبيثاً فاسقاً، إذا كان لا يبذره في ذلك، ولا يحجر على مثل هذا. أو إن كان له مال أخذه. وقال أصبغ مثله. وقال أصبغ أيضاً: إذا كان حسن النظر لماله، وفيه بعض الاستتار مستوياً، خرج من الولاية. وإن كان ظاهر الفسق والفساد لم تقطع عنه الولاية. واستحسنه ابن مزين (¬7). وقال بعضهم: اشتراطه في الكتاب أن يكونوا عدولاً، إنما أراد الوجه الذي لا يختلف فيه أنه لا يحجر عليهم. فتنتفي التهمة عن الوصي في شهادته. وإذا لم يكونوا عدولاً فمسألة مختلف فيها. (من العلماء) (¬8) من يرى أن يحجر (¬9) عليهم، وإن كانوا ناظرين في أموالهم، فتكون التهمة قائمة للأوصياء، لكون الورثة معرضين للإيصاء. ¬
وفي باب شهادة الصبيان بإثر قول ابن نافع، "قال سحنون: قال ابن نافع: وهذا هو الصواب. وهو الذي يعتمد عليه" (¬1). ثبت هذا في كتاب ابن عتاب، وسقط في نسخ. وقوله: "وبلغني (¬2) عن مالك أنه قال في الرجل إذا شهد لرجل في ذكر حق له فيه شيء (¬3): لم تجز شهادته له ولا لغيره وهذا مخالف للوصية" (¬4)، فإنما رد (¬5) شهادته إذا كانت (¬6) في ذكر حق على ما قاله بعض الشيوخ، ولو كانت في حقين لجازت للأجنبي. وكذلك [86] / (¬7) لو أدى (¬8) الشهادة لفظاً، إذ لا يقدح ذكر ما له عليه، وإدخاله ذلك في شهادته فيما يشهد به لغيره إذا (¬9) لم يكن حقاً واحداً. ولا يختلف في رد شهادته لنفسه إذا شهد بها بشيء له، ولغيره، كان (¬10) الذي يشهد به لنفسه حقيراً، أو خطيراً، إلا ما في كتاب محمد أنه يجوز (¬11) له، ولغيره إذا كان الذي له فيها يسيراً، كالوصية. وقيل: تجوز شهادته (¬12) لغيره فقط تخريجاً (¬13). ويحتمل أن معنى ما في كتاب محمد. ومعنى قول ابن القاسم في ¬
المدونة في الوصية، أنه إن كان للشاهد فيها يسيراً، أنه إن كان وحده حلف المشهود له، وأخذ ما شهد له به، وأخذ الشاهد ما شهد به لنفسه، لأنه كحق واحد، وهو فيه بحكم التبع لغيره، وقد حلف الآخر على تصحيح شهادته وإن كان معه غيره أخذ الآخر حقه بغير يمين، لاجتماع شاهدين له، وأخذ هو حقه بغير يمين أيضاً، لكونه تبعا لحق صاحبه. ولم (¬1) يختلف شيوخنا أن هذا معنى قول ابن القاسم، وهي بينة في رواية مطرف، في كتاب ابن حبيب. وأما قول يحيى بن سعيد (¬2): فاختلف (¬3) في تأويله، سحنون وغيره تأول أن معناه أنه إن كان وحده جازت لغيره مع يمينه، ولم تجز له هو. وإن كان معه غيره جازت لغيره بغير (¬4) يمين، وله هو بغير يمين بحكم التبع، كحق ثبت بشاهدين. وتأول غيره أنه (إذا) (¬5) كان معه غيره لم يأخذ هو حقه إلا بيمينه (¬6) مع شهادة صاحبه، ونحوه لمالك في المبسوط، وقاله عبد الملك. ورواية ابن وهب في الكتاب مثل الرواية التي بلغت ابن القاسم عن مالك، أنه متى شهد في الوصية وله فيها حق كيف كان لم يجز له ولا ¬
لغيره (¬1). وهي إحدى روايتي ابن نافع الأولى، لأنه (¬2) قال: لا أرى أن تجوز (¬3) في قليل ولا كثير (¬4). ونحوه لسحنون في نوازله. وما ها هنا أبين (¬5)، إذا لم يبين في رواية ابن وهب. وأما في الكتاب القليل من الكثير (¬6)، فيأتي في المدونة قولان لمالك، وفيها قولان آخران على اختلاف التأويل، على قول يحيى بن سعيد. وأما إن كان ما شهد به لنفسه في الوصية [كثيراً] (¬7) فشهادته مردودة في الجميع للتهمة، على المشهور. وقيل: تجوز لغيره، دون نفسه. وهو ظاهر ما حكاه ابن الجلاب، في أحد الأقوال. وظاهر ما في المبسوط. ويتخرج على قول أصبغ أيضاً (¬8)، وقول يحيى في الأثر الآخر: "في قوم في سفر مات أحدهم فأوصى للقوم بوصية من مال له، وليس لهم من يشهد على ما أوصى إلا بعضهم لبعض. قال: لا تجوز شهادة (¬9) بعضهم لبعض، إلا أن يشهد معهم من ليس له في الوصية حق" (¬10). فهذه مسألة أخرى لم يفصل فيها يحيى. كما فصل في الأولى. كأنه (¬11) رآها من باب اِشهد لي، وأشهد لك. فقويت التهمة. ويدل على هذا ¬
قول مالك إثر هذا آخر الباب: "ولو جازت شهادته (¬1) لجاء رجلان قد شهدا الوصية (¬2) فيشهدان (¬3) أنه قد أوصى لهما، فيثبت حق كل واحد منهما مع يمينه" (¬4). ويمنع جواز شهادة هؤلاء في هذه المسألة. قال ابن عبد الحكم، وغيره: كان لهما (¬5) فيها يسيراً، أو كثيراً. ولمالك في كتاب محمد، والمستخرجة إن كان الذى لهما في ذلك يسيراً جازت شهادتهما لهما، ولغيرهما. وهو قول سحنون. وقال أصبغ: إن شهدوا في كتاب بطل الجميع (¬6). وإن كان لفظاً حلف كل واحد مع شهادة الآخر. وأصل عبد الملك ومطرف أنه لا تجوز شهادة الشهداء، بعضهم لبعض في مجلس واحد (¬7)، وانظر فليس في قول يحيى بن سعيد أنهم شهدوا مع ذلك لغيرهم. وقوله في هذا الباب "في رجل شهد على ميت أنه أوصى لقوم بوصايا، وأوصى للشاهد منها بوصية، وأوصى إليه، وهو يشهد على جميع ذلك، قال إذا كان الذي لنفسه تافهاً لا يتهم على مثله رأيت شهادته جائزة" (¬8). قال بعض الأندلسيين: هذه يردها قوله "في باب شهادة القرابة، في شهادة الأب أنه أوصى إلى ابنه أنه لا يجوز" (¬9). ولم يفصل بين قليل ولا كثير. وقال: هذا خلاف. إذ لا فرق بين الشهادة لنفسه، أو لمن لا ¬
تجوز (¬1) له ممن يتهم فيه. قال القاضي رحمه الله: والذي عندي أنه ليس بخلاف. لأنه لم يجب هناك على الوصية معينة لما سأله عنها. وإنما قال في جوابه: قال مالك: "لا تجوز شهادة الأب لابنه، ولا الابن لأبيه" (¬2). فأجاب على أصل المسألة، ولم يجب على سؤاله معيناً، وأيضاً، فإن (¬3) الشهادة هناك لمن لا يتهم فيه بمجرده، ولا يختلف فيمن شهد بوصية مجردة لنفسه، أو لمن لا تجوز له شهادته أنها لا تجوز. وهنا إنما هي لنفسه، ولغيره. ولا فرق بين الوصية له أو إليه، إذا كان الذي يخصه من ذلك يسيراً. فقد تكون الوصية في تنفيذ يسير المال الذي لو أوصى بمثله له في جملة وصية لم يتهم فيه على ما تقدم. أو يكون على تنفيذ عتق رقبة، أو شبه ذلك، مما لا يتهم فيه في شهادته لنفسه بمثله، أو يكون في حالة من لا يشرف بإسناد الوصية إليه. ونحو هذا لابن القاسم في المستخرجة. قال: إنما جازت شهادتهما. وفيها أنه أوصى إليهما إذا كانا ممن [لو] (¬4) لم يوص (¬5) إليهما لوجب على القاضي صرف ذلك إليهما. وفي الباب "قال ابن وهب: وسألت عنها مالكاً فقال: لا تجوز شهادته لنفسه، ولا تجوز شهادة الموصى له (¬6) ولا لغيره" (¬7)، زاد في كتاب ابن عيسى بعد قوله لنفسه، ولا شهادة الرجل له. وكان في كتاب ابن عتاب ثابتاً لابن باز. وزاد بعده "وقال (¬8) مالك: لا تجوز شهادة الموصى (¬9) إليه، ¬
ولصاحبه" (¬1). وثبتت هذه الزيادة في كتاب ابن سهل. وفي (¬2) آخر باب شهادة السماع في الولاء: قال ابن القاسم: قال لي مالك في السماع في الولاء [إنه] (¬3) جائز. ثبت (¬4) في كتاب ابن عتاب. وفي أول الباب؛ [87] / بعده (¬5) قال (¬6) أشهب: وذلك إذا قدر على كشف الشهود (¬7). فأما إن لم يقدر على كشفهم من قبل موت الشهود قضى بالمال وغيره (¬8). كان هذا (هكذا) (¬9) ملحقاً، مخرجاً في كتاب ابن عتاب. وليس في أكثر النسخ في هذا الكتاب، وهو صحيح (¬10) بغير خلاف في كتاب الولاء. وقوله في الشهادة في السماع: "ولو كانت الشهادة على قوم عدول أشهدوهم لم يكن سماعاً، وكانت شهادة" (¬11) فتأمل قوله: أشهدوهم. فإنما تكون شهادة على شهادة إذا أشهدوهم على شهادتهم. وأما إن (¬12) لم يشهدوهم وإنما (¬13) سمعوهم يذكرون ذلك فهي (¬14) شهادة السماع الذي يشترط فيها الاستفاضة عن العدول وغيرهم ممن سمعوه (¬15). وقد قال ¬
محمد: و [قد] (¬1) قيل: إنهم لا ينتفعون بشهادتهم. يعني بالسماع. حتى يعرفوا أن الذين سمعوا منهم [كانوا] (¬2) عدولاً. قال بعض شيوخنا: لا يختلف إذا كان ينتزع بها أنها لا تجوز، إلا على السماع من العدول. وإن كانت لتقر في يد حائزها، فهذه يختلف في اشتراط العدالة فيهم. قال القاضي رحمه الله: وفي هذا نظر. لأنه إذا قلنا على المشهود لا ينتزع (¬3) بشهادة السماع من يد حائزه (¬4)، فسواء (¬5) شهدوا (أنها) (¬6) على السماع من عدول، أو غيرهم، إلا أن يكون العدول أشهدوهم على شهادتهم، فتكون شهادة نقل، وعلم، لا شهادة سماع. وقوله "في مدعي الكفالة على رجل (¬7)، ولا خلطة بينهما" (¬8). قيل معناه: لا خلطة (¬9) بين المدعي، والكفيل. ولا تراعى خلطة الكفيل مع المكفول. وقيل: [بل] (¬10) المراعاة خلطة الكفيل مع المكفول لا غير. وهو أظهر. لأنه إنما يتكفل الرجل بمن يشفق عليه، ويصله، ويبره، وقد يتكفل بخصمه، وعدوه، مراعاة له. وقوله في أولاد الأعمام: "يشهدان (¬11) على عتق لابن عمهما (¬12)، ¬
المسألة" (¬1) إنما تراعى في ذلك التهمة حين الشهادة (¬2) لو (¬3) مات ابن عمهما (¬4) حينئذ كانا هما وارثاه (¬5)، فأما ما يتناسخ (¬6) وينجر إلى وراثة بعد أخرى. فقالوا: لا يراعى، وكذلك في المجموعة، وإن قرب إذا لم يتهما بجر ولاء، وإن كان يرجع إليهما (¬7) يوماً ما. وقوله "في شهادة امرأتين للمرأة بالطلاق: إن كانتا (¬8) ممن تجوز شهادتهما عليه (في الطلاق) (¬9) رأيت أن يحلف يريد بذلك إلا أن تكون أمهاتها (¬10) أو بناتها أو أخواتها، أو جداتها (¬11)، أو من هو منهما (¬12) بظنة" (¬13). فانظر قوله (في) (¬14) شهادتهما عليه. فظاهره من تجوز شهادتهما في الطلاق من القرابة، وأن ذلك بخلاف غيره من الحقوق المالية التي تجوز فيها شهادة القرابة. ألا تراه كيف استثنى هنا من تجوز شهادته الأخوات (¬15). وفي كتاب العتق (¬16): العمات، والخالات. وشهادة هؤلاء ¬
جائزة في الحقوق لهن. وهذا كله يدل أنه لم يرد بقوله: ممن تجوز شهادتهن العدالة فقط، على ما قاله بعض الشيوخ، إذ لا بد من ذلك عنده، وهذا لما يتهمن به النساء من التعصب والحمية في هذا الباب. والخلاف في هذا الأصل مشهور في شهادة الأخ لأخيه، في الحدود، والقصاص. وقد يستفاد من ذكره هنا الأخوات، أحد القولين من المدونة في ذلك. وقد ذكره حمديس عن أشهب أن عليه اليمين في شهادة الأمهات، والبنات، والقرابات عليه بالطلاق. فعلى هذا إنما توجب (¬1) عنده الشهادة لطخاً يقتضي اليمين كاللوث (¬2)، فلا يشترط التهمة. وقوله: "إن ادعيت قبل رجل ديناً أو استهلاك متاع (¬3)، أو غصباً (¬4) " (¬5) .. ثم قال: "إن كان يعرف بينهما خلطة، نظر السلطان في ذلك، فإما أحلفه، وإما أخذ عليه كفيلاً، حتى يأتي ببينة. وأما في الدين، فإن كانت بينهما خلطة، وإلا لم يعرض له (¬6) السلطان" (¬7) قال بعضهم: جعل له ها هنا أخذ الكفيل، ولم يجعل له ذلك في كتاب الكفالة. ولغيره هناك كماله هو هنا. وأيضاً فإنه جعل الكفالة في الغصب والتعدي. وليس موضعها. وقال آخرون: ظاهره أخذ الكفيل بمجرد الدعوى، لقوله بعد هذا: "وأما الدين فإن كان بينهما خلطة، وإلا لم يعرض له" (¬8)، فدل أن الوجه الأول بخلافه. ¬
قال القاضي: و [قد] (¬1) يحتمل أن معنى الكفيل هنا هو الموكل به. ومثله يسمى كفيلاً، ووكيلاً، كما قال بعد هذا: رأيت (¬2) أن يوقف له (¬3). ومعنى التوقيف هنا أن يوكل به من يحرسه، ويلازمه، كما بينه غيره. (فقوله يوكل) (¬4) [به] (¬5) حتى يأتي ببينة، وعلى معنى التوقيف الذي فسرناه حمل أبو عمران هذا اللفظ، وحمله غيره. وقوله (¬6): يوكل به (¬7) على الوكالة، والحمالة، وأظنه تأويل أبي محمد اللوبي. وأما قول من قال: ألزمه الكفيل بمجرد الدعوى، فغير بين. لأنه قال: "إن كان يعرف (¬8) بينهما خلطة في دين، أو تهمة، فيما ادعى قبله (¬9) نظر السلطان في ذلك، فإما أحلفه، أو أخذ له كفيلاً" (¬10). فقد شرط هنا الخلطة، والشبهة. وفي رواية: فإن كان متهما بمخالطة في دين، أو تهمة، وهو مثل قوله بعد. "وأما في الدين فإن كانت (¬11) بينهما خلطة وإلا لم يعرض له السلطان" (¬12). فإنما أشار أولاً إلى الشبهة الموجبة للنظر في مسألة التعدي، وخلطهما (¬13) بالخلطة في الدين. ثم فصل المسألة. وجوابه فيهما (¬14) سواء. ¬
ومسألة (¬1) "الأمة تدعي أنها ولدت من سيدها، فأقامت شاهداً واحداً على إقرار السيد بالوطء، وامرأتين. قال أرى أن يحلف السيد كما يحلف في العتاق" (¬2). سقطت (¬3) هذه المسألة في بعض الروايات. ولم يذكرها أبو محمد بن أبي زيد. وأنكرها بعض الشيوخ. وقال بعضهم: لا يحلف في هذا. وثبتت في كتاب ابن عتاب لابن وضاح هنا. وثبتت لابن باز في كتاب العتق. ولابن أبي دليم (¬4) (¬5) في كتاب أمهات الأولاد. وأوقفها هناك سحنون. وفي بعض النسخ "أو امرأتين" (¬6). وبعدها "فإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وامرأة؛ [88] / على الولادة أنه يحلف" (¬7). هذه رواية ابن وضاح. وكذا (¬8) في كتاب ابن سهل. وفي بعض الروايات هنا: شاهداً واحداً على الوطء (¬9). وكذا في كتاب ابن عتاب، في كتاب أمهات الأولاد، شاهداً [واحداً] (¬10) على الوطء وامرأة على الولادة، أنه يحلف. ¬
وفي كتاب غيره شاهدين على الوطء. وفي هذا في شاهد واحد بالوطء. وامرأة واحدة على الولادة قولان على اختلاف الرواية. واختصرها (¬1) حمديس: إن أقامت شاهداً (واحداً) (¬2)، أو شاهدين على الوطء، أو امرأة (¬3) على الولادة. وقال بعض القرويين: لا يمين عليه، وتعليله في المسألة، وإيجابه (¬4) اليمين عليه (¬5) بقوله: "لأنها لو أقامت امرأتين ثبتت الشهادة على الولادة" (¬6) يضعف رواية شاهد واحد على الوطء، إذ ظاهره إثبات أنها أم ولد. وحمل ابن كنانة كلامه هنا في أمهات الأولاد على اختلاف من قوله: أحدهما أنه لا يحلف حتى يثبت أصل اعترافه بالوطء، والآخر أنه يحلف فيه مع الشاهد الواحد. وقوله: "لا شيء لها إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء. ثم امرأتين على الولادة. فتصير أم ولد. ويثبت نسب ولدها، إن كان معها ولد، إلا أن يدعى استبراء بعد الوطء، فذلك له" (¬7). ومثله في كتاب أمهات الأولاد. ظاهره (¬8) أنه (¬9) لا يصح لها ذلك إلا بوجود الولد. فقد أشار بعضهم إلى أن هذا من ابن القاسم كالموافقة لمذهب سحنون، وربيعة في أن شهادة النساء في الولادة والاستهلال (¬10) إنما ¬
يكون (¬1) مع وجود جسد الصبي. وتردد (¬2) في هذا. وقال بعضهم: نفس الشهادة لها بالإقرار بالوطء، [وبالولادة] (¬3) [يغني عن حضور الولد، وحضور الولد مع الشهادة بالإقرار بالوطء] (¬4) يغني عن الشهادة على الولادة. فلا معنى لجمع الوجهين، واشتراطهما. وإنما ذكر [الولد] (¬5) (وحضوره) (¬6) هنا لذكر النسب (¬7)، لا لحرية أمه، وإثبات النسب إنما يحتاج لموجود، لا لمعدوم. فهذا معنى ذكره لوجود الولد، وحضوره. وإن ذلك شرط في صحة (جواز) (¬8) الشهادة لها، أنها أم ولد. وأن المسألة التي حلفه فيها مع الشاهدين على الوطء، والمرأة الواحدة على الولادة معناها لم يكن معها ولد. وقال آخرون: المسألة على ظاهرها. وليست كمسألة المقر بالوطء تأتي جاريته بولد، فتقول هو منك، فهي مصدقة، لأن هذا (¬9) ائتمنها باعترافه بوطئها، والمنكر للوطء الذي [قامت] (¬10) عليه البينة بإقراره به قبل بخلافها (¬11) لأنه لم يأتمنها، فلا تصدق بإظهار الولد حتى يشهد على ولادتها، ولذلك أحلفها (¬12) مع الشاهد والمرأة. ¬
وقيل: بل أجاب أولاً على مجرد الدعوى في التي (ليس) (¬1) معها ولد ولا سبب ثم أخبر بالأسباب التي تكون بها أم ولد. وقوله "إلا أن يدعي استبراء" (¬2). يستفاد منه أحد القولين فيمن أقام بينة على براءته مما أنكره قبل، أو بحجة تبرئه (¬3) مما يقبل فيه قوله بعد إنكاره الوطء، كدعواه رد الوديعة بعد إنكارها، ومناكرته الزوجة (¬4) في التمليك بعد إنكاره. والقولان يخرجان من المدونة من هذا الموضع، وغيره (¬5). وقاله (¬6) بعض شيوخ الأندلسيين. وقال غيره من القرويين: ليس هذا كما تقدم. ولا يقبل ادعاء الاستبراء بعد الإنكار. ومعنى المسألة أنه لم ينكر الوطء جملة وإنما أنكر وطئاً يكون منه هذا الولد. وهذا ضعيف، لأنه متى أنكر الوطء جملة (¬7) جاءت المسألة المتقدمة. ولو فصله في أول إنكاره، مثل أن يقول: وطئت ثم استبرأت. ولم أطأها (بعد) (¬8). فقامت البينة على اعترافه بعد أنه وطئها (¬9)، فليست (¬10) المسألة، لأن هذا يقول: هذا الوطء الذي استبرأت منه، ولو قالت البينة ¬
اعترف أنه وطئها [بعد السنة] (¬1). فهي المسألة أيضاً بعينها (¬2)، إن ادعى فيها (¬3) استبراء، يعرفه (¬4) ضعيف الوجه، والفقه. ومسألة (¬5) الغلة (¬6) والإيقاف للرباع، وقوله: "فأما (¬7) الرباع فلا توقف مثل ما يزول (¬8)، ولكن (توقف) (¬9) وقفاً يمنع من الإحداث فيها" (¬10). في بعض الروايات أمر سحنون بطرحها. قاله ابن أبي زمنين. ووقع في بعض الروايات زيادة: "قال غيره: إذا كلف (¬11) المدعى عليه ما يدفع (¬12) به ما أثبت المدعى عليه وقفت عليه الأشياء (¬13) حتى يقضى بها، أو لا يقضى بها" (¬14). وكان مخرجاً في كتاب ابن عتاب. وفي نسخ [كثيرة] (¬15): وقال (¬16) غيره: إذا اتجه أمر الطالب (¬17) وقفت وقفاً يمنع [من] (¬18) الإحداث فيها. ¬
ومعنى هذا الوقف: أن يقال للذي هو عنده، وفي يده: لا تحدث (¬1) فيها حدثاً من تفويت، أو تغيير، ولا تخرج من يده. قال ابن أبي زمنين: معنى اتجه أمره هنا: جاء بشاهد، أو شبه (¬2) بينة، وأمر ظاهر. وقال (¬3) بعض الشيوخ: وكلامه هذا معطوف على ما تقدم، إذا جاء بشاهد واحد. فأما (¬4) لو أثبت الطالب حقه بشاهدين في الأصول فالحكم أن تخرج الأصول من يد المطلوب (¬5) وتوقف (¬6) بالعقل. قال القاضي رحمه الله: وهذا ظاهر قول الغير، الذي ذكرناه أولاً، وقد حمل بعضهم كلامه على ظاهره، وأنها وإن ثبتت بشاهدين لا توقف (¬7) بالعقل. "وإنما توقف وقفا يمنع من الإحداث" (¬8)، وعلى ذلك يأتي قوله في الكتاب: "أن الغلة لمن هي بيده (¬9) حتى يقضى بها للطالب" (¬10). ومعنى قول الغير في الرواية الأخرى، نحو ما ذكرناه من توجه حقه بشاهد (واحد) (¬11) أو شبهه (¬12) فتوقف على الإحداث. ¬
وقد اختلف فقهاء الأندلسيين في وقفها بالعقل، بشاهد واحد. فذهب ابن لبابة وغيره: أن ذلك لا يكون إلا بشاهدين. وتأولوه على ابن القاسم، وذهب عبد الله بن يحيى وأبو صالح في آخرين أنها تجب عقلتها (¬1) بالعقل (¬2) بالشاهد الواحد، وذكر أيضاً مثله عن ابن لبابة، وروي عن سحنون، وتأولوه على قول ابن القاسم في العتبية. وقوله: [في توقيف] (¬3) ما يسرع (¬4) إليه الفساد (¬5) [إذا] (¬6) قال المدعي: عندي شاهد واحد ولا أحلف (¬7) معه أنه يؤجله (¬8) ما لم يخف عليه الفساد، وإلا خلي بين المدعى عليه وبين متاعه (¬9). [89] معنى قوله: لا أحلف (¬10) (معه) (¬11). أي البتة. ولو أراد لا أحلف (¬12) معه الآن، لأني أرجو شاهداً آخر، فإن وجدته (¬13) وإلا حلفت مع شاهدي ببيع (¬14) حينئذ، ووقف ثمنه إن خشي عليه الفساد. وليس هذا بأضعف من شاهدين بطلب تعديلهما، فقد جعله يبيعه هنا، (ونحن) (¬15) ¬
[هنا] (¬1) على شك من تعديلهما، إذا [كان] (¬2) لم يعدلهما بطل الحق، وشاهد واحد في الأول (¬3) ثابت (¬4) بكل حال، والحلف معه ممكن إن لم يجد آخر، ويثبت الحق (¬5). وقوله: "إذا ادعيت أن هذا الرجل عبدي، فأردت أن أستحلفه" المسألة (¬6). قالوا: هذا يدل أنه ليس في يد مالك، وأنه يدعي الحرية، إذ لو كان في يد ملك لم يكن له استحلافه إذا وجب، ولا يكون [له] (¬7) معه كلام، وإنما [كان] (¬8) يكون الكلام مع مالكه. وقال سحنون، قال (¬9) غيره: إذا كان معروفاً بالحرية لم يجب (¬10)، ذلك فيه ثابت لابن وضاح، ساقط لابن باز. وفي بعض النسخ: هذا إن لم يكن معروفاً بالحرية. وعلى هذا اللفظ اختصرها أبو محمد. وقال (¬11): إذا جهل أمره ولم يعرف بحرية. وفي بعض النسخ: "هذا إذا كان معروفاً بالرق" (¬12). ¬
وقوله في مسألة: "الرجلين يدعيان السلعة وهي بيد أحدهما ويقيمان البينة، هي للذي في يديه (¬1) إذا تكافأت [البينة] (¬2) في العدالة" (¬3). "قال ابن القاسم: وعليه اليمين" (¬4). ثبت قول ابن القاسم هذا عند ابن وضاح. وسقط لغيره. وفي كتاب محمد: لا يمين عليه (¬5). وقول غيره آخر المسألة: "ليس هذا بتجريح، إلى آخر قوله" (¬6) زاد في رواية ابن وضاح. ولو كان (¬7) تجريحاً لما جازت (¬8) لهما شهادة (¬9) فيما يستقبلان (¬10). وقوله "في الذين يتنازعون عفواً من الأرض فيقيمان البينة أنه ينظر في ذلك إلى الثقة في البينة والعدالة الظاهرة، ويحلف (¬11) صاحبها معها" (¬12). قالوا: هذا يدل أن مستحق الأرض والعقار يحلف يمين القضاء كمستحق غيرهما (¬13) من الأموال (¬14). وقد اختلف شيوخنا في ذلك، ومعظم الأندلسيين لا يرون عليه ¬
يميناً (¬1). وسحنون، والقرويون، يرون ذلك عليه. قال سحنون: واليمين التي أقول بها (¬2): ليس من قول مالك. وليس كل القضاة يأخذ به. وقد نبه بعضهم على أن ما ذكره (¬3) مالك في مسألة الكتاب يرد ما حكاه سحنون عنه. وحجة من فرق أن اليمين إنما هي مخافة أن يكون للغائب فيها حق، فلا يقضي القاضي حتى يستبرئ له. قال القاضي رحمه الله: وقد يقال: إن إلزامه اليمين هنا في الكتاب إنما ذلك لأنها في يد غير (¬4) مالك، فاستبرئ (¬5) باليمين لحق بيت مال المسلمين، إن لم تكن لواحد منهما، ولو كان لها مالك لم يلزم يمين (¬6) إلا أن يدعي من هي في يده (¬7) دعوى توجبها (¬8). وقد تقدم الكلام على هذا الأصل قبل. وقوله في مسألة "إن أقمت البينة على دار أنها دار جدي ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثاً لأبي وأن أبي مات وتركها ميراثاً لورثته ولم يحددوا (¬9) المواريث بحال ما وصفت لك. قال: سألنا مالكاً عنها فقال (¬10): ينظر السلطان في ذلك، فإن (¬11) كان المدعي حاضراً إلى آخر ¬
المسألة" (¬1). كذا رواية ابن وضاح. والذي عند يحيى بن عمر ولم يحدوا المواريث. قال: إذا حدوا (¬2) المواريث بحال ما وصفت لك، نظر في ذلك السلطان. وعند إبراهيم بن محمد: "وأن أبي مات وتركها ميراثاً لورثته" (¬3). قال: إذا حدوا (¬4) المواريث، وهذا (¬5) نحو رواية (يحيى) (¬6) بن عمر. قال أحمد بن خالد: هي أصح، لأنهم (لما) (¬7) لم يحدوا المواريث لم تتم شهادتهم (¬8)، ولم تقطع (¬9) شيئاً. وعلى الرواية الأخرى ذكرها ابن أبي زمنين، وفسرها. وقال: فإن سأل، ونظر ولم يأت أحد يستحق ميراث الميت، وطال (¬10) ذلك فينبغي (¬11) على أصولهم أن يعطي المشهود له المال كله، ويضمنه (¬12) لمستحق (¬13) يستحقه يوماً ما بعد يمينه، أنه المحيط (¬14) بميراثه، وقد تقدمت المسألة أول الباب (¬15). بمعنى رواية ابن وضاح، وما قاله ابن أبي زمنين، قال: فإذا لم يشهد الشهود أن ¬
له وارثاً غيره فأرى أن تبطل الشهادة في ذلك، ويسأل، وينظر (¬1). وقوله في المسألة: "وإن أقام البينة أنها (¬2) دار أبيه أو دار جده وثبتت المواريث سئل (¬3) الذي في يديه الدار. ثم قال: وإن (¬4) لم يثبت لم يسأل الذي في يده (¬5) الدار عن شيء" (¬6). كذا في كتاب ابن عتاب. وابن سهل، وفي بعض النسخ: وإن لم تثبت المواريث لم يسأل الطالب. ومن هذه المسألة يستخرج مذهبه في المدونة في توقيف الطالب. قال (بعض) (¬7) شيوخنا الأندلسيين: إن مذهب مالك من رواية ابن القاسم في كتاب الشهادات وغيره وهو مذهب ابن القاسم، أن الطالب لا يوقف المطلوب على شيء، حتى يثبت الطالب دعواه، وكذلك يوقفه، وروى ابن عبد الحكم، وابن كنانة عن مالك. ومثله في سماع (¬8) أشهب، أن له إيقافه دون أن يثبت. وبه أفتى الفقهاء، والشيوخ بقرطبة، وبه جرى القضاء عندهم، وهي إحدى (¬9) المسائل الخمسة التي خالفوا فيها مذهب ابن القاسم (¬10). ¬
وروايته على أصلهم من القضاء بقوله (¬1) وذكروها على [الخلاف، وقد رتب بعض شيوخنا هذه المسألة، وفسرها فقال: إنه إنما لا يوقف حتى يثبت إذا وقفه] (¬2) من أين تصيرت (¬3) له. وأما على توقيفه هل يعلم له فيها حق أم لا؟ فيوقفه على ذلك دون شيء، فيه جاءت رواية ابن كنانة، وعلى هذا الترتيب نزل المسألة ابن أبي زمنين. وتأمل ظاهر قوله في الكتاب: "وإن لم يثبت لم يسأل الذي الدار في يديه عن شيء" (¬4)، فإن كان يريد لم يثبت الموت، والوراثة (¬5) فلا يختلف في هذا، وإن كان على الجميع فهو خلاف ما ذهب إليه ابن أبي زمنين، وحجة لغيره. وقوله في هذه المسألة: "فإن كان المدعي حاضراً بالبلد الذي الدار فيه (¬6) وقد حيزت دونه السنين (¬7) فلا حق له فيها وإن كان إنما قدم من بلد آخر فأقام البينة على أنها (¬8) دار أبيه أو جده وثبتت المواريث سئل الطالب" (¬9) ذهب بعض الشيوخ إلى أن الحاضر المذكور لا يلزم من هي الدار في يديه كشفه، ومن أين صارت له، واحتج بقول مالك [هنا] (¬10) وبقوله في المسألة التي قبلها: "لا أرى له فيها حقاً" (¬11). ¬
[90] وبقول عيسى بن دينار [أن] (¬1) الذي ذلك بيده أحق إذا؛ ادعاه (¬2) لنفسه، بأمر لا يريد أن يظهره (¬3). وقال ابن القاسم في سماع عيسى: الحيازة تبطل من ترك شيئه يحاز عليه [وهو حاضر] (¬4). وبما ذكرناه أفتى ابن أبي زمنين، وخالفه غيره. وأفتى بتوقيفه للحاضر، كما يوقف للغائب إذا أثبت القائم ملكه، ويكشفه من أين تصيرت إليه، لعله يقر بما ينتفع به، وحجة الآخرين لعله لا يقدر على إثبات (ما ادعى) (¬5) من سبب التصيير إليه لطول المدة، فيبطل حقه. وتميم بن طرفة (¬6) بفتح الطاء والراء (¬7). والتغلبي في نسبه بتاء باثنين وغين معجمة (¬8). وقوله (¬9): "إذا شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين لا يعطى إلا حظه" (¬10). معناه: مع ورثة آخرين سموهم. ¬
وقوله في آخر المسألة: "وترك السلطان ما سوى ذلك في يد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يده" (¬1) كذا لإبراهيم بن محمد وسقط: (لا) عند ابن وضاح. قال بعضهم: والأول أصوب (¬2). قال القاضي رضي الله عنه: كلاهما صحيح، فبإثبات (¬3) (لا)، يرجع الكلام إلى السلطان. وبسقوطها يرجع إلى المستحق الذي يأتي فيأخذه. وقوله (¬4) في المسألة الأخرى: "في الذين شهدوا (¬5) أنه وارثه ولم يقولوا لا نعلم له وارثاً غيره، ينظر السلطان في ذلك" (¬6). قيل: معناه يسألهم. فإن قالوا معنى قولهم (¬7) مخافة أن يكون له وارث (¬8) بحيث لا نعلم (¬9)، لم يضرهم ذلك (¬10)، [وأمضى شهادتهم] (¬11). وقوله (¬12): "في المدعى عليه في دار وأنشب الخصومة. إلى قوله: لم أسمع من مالك فيه شيئاً. ثم قال: إلا أن له أن يبيع ويصنع فيها ما شاء إلى آخر المسألة. قال غيره: ليس له أن يبيع، لأن البيع خطر، وغرر" (¬13). ¬
طرح سحنون قول ابن القاسم: "أن له أن يبيع إلى آخر كلامه" (¬1). قال ابن وضاح: ولم يقرأه سحنون، ولم يقرأه أحمد بن خالد، وطرح أيضاً عند ابن باز. وقال فضل: أخبرنا يحيى عن سحنون أن ابن القاسم يقول: كقول غيره. قال (¬2) سحنون: ومعنى الغرر هنا: أن المشتري لا يدري متى يقبضها، ومتى تنقطع الخصومة فيها (¬3). قال القاضي: ولأنه (¬4) لا يدري هل ثبتت (¬5) لبائعها، أو يقضي عليه فيها، وقال بعض شيوخنا: إنما يجيزه ابن القاسم إذا لم تكن الخصومة قائمة بينهما، وإنما هي على مجرد الدعوى، ومجرد الدعوى غير مانعة لأصحاب الأملاك من التصرف في أملاكهم. وليس بغرر في البيع. ولو كانت شبهة قوية للخصومة (¬6)، أو الخصومة قائمة لكان البيع غرراً. وقوله (¬7) "في الشهود إذا شهدوا أنه ما باع [ولا تصدق] (¬8) ولا (¬9) وهب على البت. قال هذه (¬10) شهادة غموس، وأراهم شهدوا بباطل" (¬11). وقال أيضاً: شهادة زور (¬12). قال: "وأرى أن يحلف الإمام الذي ¬
شهدوا له بالله الذي لا إله إلا هو ما باع ولا وهب إلى آخر كلامه" (¬1). قال بعضهم: انظر (¬2) أطلق عليها (¬3) أنها باطل، وغموس (¬4). ثم جعله يحلف معها فلم يبطلها. فتأول بعضهم أنها عند مالك مع قوله هذا ماضية يحكم بها مع يمين المشهود عليه، كما يحكم بشهادة مع (¬5) العلم، وإليه نحا ابن لبابة. قال ابن أبي زمنين: وهو (¬6) تأويل بعيد. وذهب بعضهم إلى أن في المسألة تقديماً، وتأخيراً (¬7)، وأن قوله أرى أن يحلفه الإمام إنما يرجع إلى المسألة الأولى في الشهادة الصحيحة التامة، "أنه لا يعلمه (¬8) باع، ولا وهب" (¬9)، وإلى هذا نحا ابن أبي زمنين. وقال بعضهم: ينبغي للقاضي ألا يرد شهادتهم حتى يسألهم، أيشهدون على البت، أو على العلم، فإن أبتوها سقطت. وإن ماتوا قبل كشفهم حكم بها. وقال بعضهم: إنما زور بها (¬10) شهادة أهل العلم بما يلزم في ذلك. وأما الجهال فيعذرون (بذلك) (¬11). ولا يكونون شهداء زور. ونحوه لأبي محمد، وأبي عمران، ولا يختلف أن هؤلاء لا يلزمهم ما يلزم شهود الزور من العقاب. ¬
وقوله (¬1): "ولو وكلت وكيلاً يقبض مالي على فلان فجحده فقدمه فحلف لم يكن لي أن أستحلفه ثانية" (¬2) انظر هذا، بمعناه أنه وكله على خصامه، أو فوض إليه الوكالة. وأما لو كان موكلاً على القبض مجرداً لم يكن له ذلك، وكان لرب المال [بعد] (¬3) خصامه، وتحليفه. واختلف في تأويل مذهبه في الكتاب في أعمال الشهادة على الحيازة، وعلى النسج، وعلى النتاج، وشبهه (¬4). وإيجابها الملك، هل معناه أن مجرد الشهادة بها يوجب الملك، أو حتى يزيدوا أنها ملكه، أو يحوزها (¬5) حيازة الملك (¬6). فذهب بعضهم إلى أنه لا بد من هذا، وأنه مراده، ومن لم يقل ذلك لم تتم الشهادة ولا عارضت شهادة (¬7) من (¬8) شهد بالملك، وعليه (¬9) تأولها أبو القاسم بن محرز، وهو مذهب سحنون. (وقال) (¬10) بعضهم: ابن القاسم مخالف لسحنون. ولا يقول بهذا. وأن الشهادة له بالولادة عنده، أو نسجه للثوب مغنية عن ذكر الملك، وقائمة مقامه. وقد جعل في الكتاب قوله: "حيزت" (¬11) مثل ملكه. وقوله: "فليتبوأ مقعده من النار" (¬12) معناه فليتخذ، ................ ¬
[أي] (¬1) على معنى المثل، أي أنه قد استحق ذلك وجعل له. وقوله: "لا قطع في ثمر ولا كثر (¬2) " (¬3)، الكثر: بفتح الكاف، والثاء المثلثة جُمّار النخل (¬4). أي لا يقطع سارق ذلك. "والمذبح" (¬5): مثل المحراب يكون في الكنائس. فيه يرفعون أناجيلهم، ويقربون قربانهم، ولهذا كره الطبري، وبعض السلف من التابعين الصلاة في المحاريب (¬6). وعملها في المساجد، لشبهها بها. وكانوا يصلون خارجاً عنها. ولأنها إنما أحدثت بعد زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -. والخليفتين بعده. وقوله: "ولكنه يزع" (¬7) بفتح الزاي والعين المهملة، أي يكف. ويمنع (¬8). و"أبو (¬9) حَصين" (¬10): بفتح الحاء، غير مصغر (¬11). ¬
"والظنين" (¬1) بالظاء (¬2) المعجمة، المتهم (¬3). وكذلك (¬4) " (المغموص عليه) (¬5) " (¬6) أيضاً، بصاد (¬7) مهملة، بمعناه، وهو المطعون فيه بجرحة (¬8). وانظر (¬9) كلام ربيعة فيمن ترد شهادته (¬10). وقوله "ومخالفة أمر العدول (¬11) في سيرته وإن لم يوقف على عمل يظهر فيه فساده" (¬12). [91] فهذا يدل على اشتراط المروءة في العدالة على ما تقدم.؛ ومراعاة (¬13) السمت (¬14) في الشاهد. وإن عدم ذلك سقطت (¬15) شهادته. ¬
ومعنى "سخموا (¬1) وجهه" (¬2)، أي سودوه (¬3)، والسخام بضم السين: دخان القدر (¬4) الملتصق (¬5) بها. ¬
كتاب المديان والحجر والتفليس
كتاب المديان والحجر (¬1) والتفليس (¬2) [معنى] (¬3) الحجر: المنع، قال الله تعالى: {حِجْرًا مَحْجُورًا} (¬4) أي حراما، لا يباح. ومنه حجرة الدار. لأنها حجرت، أي منعت. وسمي العقل حجرا، لأنه يمنع صاحبه. ومعنى التفليس: العُدم، وأصله من الفلوس، أي أنه صاحب فلوس بعد أن كان صاحب ذهب، وفضة (¬5). ثم استعمل في كل من عدم المال. وكذا يقال: أفلس الرجل بفتح اللام، فهو مفلس. وأصل تسمية المديان [والدين] (¬6) من الذلة (¬7)، يقال (¬8): دان (¬9) له، إذا أطاعه، ومنه الحديث: ¬
الكيس [من] (¬1) دان نفسه (¬2). أي أذلها. والدين مذلة على من هو عليه، وقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) منه، قال أهل اللغة: الدين ما له أجل، والقرض ما لا أجل له (¬4)، ثم استعمل في الجميع. "والإلداد واللدد" (¬5): شدة الخصومة (¬6). قال الله تعالى: {قَوْمًا لُدًّا} (¬7) وهو مأخوذ من لديدي الوادي. وهما جانباه، كأنه يرجع من هذا الجانب إلى هذا الجانب، كما يرجع من حجة إلى حجة. وقيل: من لديدي (¬8) الفم، وهما جانباه لإعمالهما في الكلام، وفي الخصومة. ¬
وقد يكون اللدد من التلدد. وهو التحير (¬1). لأنه بحجته يحير (¬2) خصمه (¬3) ويبهته. وقوله في الكتاب: "إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم من اختباره، ومعرفة حاله، أو يأخذ عليه حميلاً" (¬4). كذا رويناه. وحكى أبو عمران أنه روى وكيلاً. والصواب [رواية] (¬5) من روى [أو] (¬6) حميلاً، ولا فائدة في جمعهما. ولم يبين ما الحميل هنا، بالوجه، أو بالمال؟ والصواب أن يكون هنا بالوجه (¬7). نص عليه أبو عمران، وأبو إسحاق (¬8)، وغيرهما من شيوخنا القرويين، والأندلسيين. ولا يقتضي النظر سواه. لأن هذا لم يثبت أنه ملي، ولا أنه غيب مالاً فيعاقب عليه بالسجن، والأدب. ولا قويت عليه التهمة بذلك فيستبرأ أمره بسجنه، والتضييق عليه، لعله يخرج منه، فيخرج ما عنده، وإنما كان سجن هذا توقيفاً له، لتكشف حقيقة حاله، وليستخبر باطنه، فإذا أعطى حميلاً بالوجه إلى مدة الاختبار التي حبسها (¬9) مثلها كذلك توصلنا من الكشف لما نريده (¬10) فإن ظهر له وجه الشدة (¬11) عليه أمكننا منه الحميل. وإن (¬12) لم يحضره غرم المال لأجل اليمين الواجبة عليه إذا ¬
أحضره. وإن أحضره عند الأجل، ولم يظهر له مال حلفناه، وسرحناه. وإن لم يأت بحميل إلا إلى دون الاختبار (¬1) أخذ منه، فإذا أحضره (¬2) للأجل الذي ضمنه إليه ولم ينكشف من أمره شيء [سجن] (¬3) إلا أن يأتي بحميل آخر إلى مقتضى الأجل. وهذا الحميل يقضي (¬4) على صاحب الدين أن يأخذه إذا بدا له الغريم. وأما الآخر المتهم بإخفاء (¬5) المال، فلا يؤخذ منه حميل بالوجه. كذا نص عليه سحنون. قال: ويؤخذ منه بالمال. وعن ابن القاسم يؤخذ منه الحميل، وإن (¬6) طلب أخذ الحميل ليخرج في طلب منافعه ويرجع إلى السجن، إن عجز أخذه (¬7) منه. وحمل بعضهم المسألة على الخلاف بين ابن القاسم، وسحنون (¬8). وقال غيره: إن سحنون إنما لا يأخذه منه لأنه عنده مالك (¬9) ظاهر الملا. وقال بعض من لقينا من شيوخنا: (إنه) (¬10) لا يؤخذ من هذا. وأما المعلوم بالملا الملد الظالم فهذا لا يؤخذ منه حميل، إلا أن يعطي حميلاً يغرم المال للآمر الذي نض (¬11) مثله فيه إحضار المال بقدر يسره من ¬
الناض، أو العرض (¬1) على المكلف في هذا هل يؤجل له أو (¬2) لا [يؤجل؟] (¬3). والصواب أنه إن كان يعرف بالناض وأخفاه فلا يؤجل هذا ساعة (¬4). وإن لم يعرف بالناض، فهذا يؤجل بمقدار ما يبيع عروضه، على اختلاف آجالها، على ظاهر الروايات. وعند كثير من الشيوخ. وقال آخرون: لا تؤجل. ويباع عليه لحينه. واختلف هل يحلف هذا على إخفاء الناض إذا لم يكن معروفاً به؟ فقيل: يحلف. وهو مذهب ابن دحون. وقيل: لا يحلف. وهو مذهب أبي علي الحداد (¬5). وقيل: إن كان من التجار حلف. وهو قول ابن زرب. ولا يحلف إن لم يكن تاجراً. والخلاف في هذا مبني على الخلاف في يمين التهمة (¬6). واختلف (¬7) هل يؤخذ من هذا حميل بالمال؟ أو يسجن (¬8) حتى يبيع. وإن كان صاحب العروض (¬9) غير ملد وسأل تأخيره إلى بيع عروضه، وسأل أن ¬
يعطي حميلاً إلى أن يبيعها (¬1). فقد اختلف في هذا أيضاً. فذهب كثير منهم إلى أنه لا يلزمه حميل بالمال. وفي رواية أبي زيد عن ابن القاسم نحوه، فيمن عرف له (مال) (¬2) غائب ليس عليه حميل، إلا أن يخشى أن يموت أو يغيب عنهم. قال أبو عبد الله بن عتاب: وهي رواية ضعيفة. وذهب معظم الشيوخ في المسألة إلى أنه يعطي حميلاً بالمال إلى أن يبيع، أو يسجن. ومثله (¬3) لسحنون، في كتاب ابنه (¬4). وقوله في مسألة الوصي يقضي بعض الغرماء: "قلت: فإن كان في المال فضل ليس فيه وفاء بحقوق هؤلاء إلى آخر المسألة" (¬5). ثم التي جاءت بعدها في الحضور، والغيب (¬6). قال (¬7) ابن وضاح: أمر سحنون بطرحها. [وقال] (¬8) والتي تحتها (¬9) تدل عليها (¬10). وهي (¬11) أصل ترد إليه كلما وجدت من نوعه. وقوله: "توى ما" على الميت (¬12). أي هلك [وتلف] (¬13). كذا (¬14) ¬
تقوله العرب بكسر الواو (¬1). والرواة يروونه (¬2) بفتحها، وقد حكاه أيضاً بعض اللغويين (¬3). و"التوليج" (¬4)، والتأليج، بمعنى المحاباة. وأصله من الدخول. قال الله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} (¬5)، (أي) (¬6) يدخل أحدهما في الآخر، فكأن هذا يدخل في ملك الآخر ما ليس منه، ولا هو من حقه، وقد يكون أيضاً من المخادعة. [92] والاستتار والإولاج. ما يستتر به؛ من الشعاب، والكهوف، وشبهها. وهذا إنما يتحيل بنقل الملك، باستتار ومخادعة، وباطنه خلاف ظاهره. ومسألة "إقرار الرجل بالدين لزوجته (¬7) " (¬8). وقوله بعد هذا: "أرأيت الورثة أهم بهذه المنزلة على ما وصفت من أمر المرأة يكون (¬9) بعضهم إليه الانقطاع (¬10)، والمودة إلى آخر المسألة. ثم قال: لم أسمع من مالك فيها شيئاً. وأرى ألا يجوز ذلك" (¬11). كذا في رواية إبراهيم بن محمد عن سحنون. وفي رواية يحيى بن ¬
عمر. والذي عند ابن وضاح، وآخرين: "أرى أن يجوز" (¬1) بإسقاط "لا". وظاهر الكلام الأول (¬2) المتصل به من قوله: "وإنما [رأى ذلك مالك] في المرأة" (¬3)، إلى قوله: وأما الولد والإخوة فلا (¬4). تصحح (¬5) رواية الأولين. وعليها اختصر أكثر المختصرين. وعليها حملوا مذهبه في الكتاب. وقوله آخر المسألة في إقراره للعصبة مع الميت لا يتهم في هذا (¬6). وقوله: "وأصل ما سمعت من مالك أنه إنما يرد من ذلك (¬7) التهمة. فإذا لم تقع تهمة لم يتهم. (وجاز) (¬8). فهذا يجزيك من ذلك كله" (¬9)، يصحح الرواية الأخرى، وعليها في آخر المسألة تأولها بعضهم أيضاً. واختار ذلك وصوبه. وقال فضل: رواية يحيى في المدونة عن سحنون في الإقرار لبعض الورثة أن الزوجة خلاف غيرها من الورثة (¬10)، إلا أن يكون بعيداً، كالعصبة مع البنات، فلا يتهم. وحكى عنه غير يحيى أن الزوجة وغيرها سواء، (إذا كان بينهما تفاقم جاز) (¬11). وقد روى هذا أيضاً أصبغ عن ابن القاسم في الولدين: أحدهما عاق، ¬
والآخر بار. يجوز إقراره للعاق (¬1). وقد اختلف في ذلك في كتاب محمد بالروايتين جميعاً. وقوله في الكتاب: "البضع ما بين الثلاث (¬2) إلى التسع (¬3) " (¬4). هو بكسر الباء. قال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} (¬5) وحكى بعض أهل اللغة فيه فتح الباء. وأصله القطعة من الشيء. ومنه البضعة بالفتح، أي القطعة من اللحم (¬6). وما في الكتاب (¬7) من تفسيرها هو قول أكثرهم. وقيل: البضع، ما بين واحد إلى تسع (¬8). وقيل: ما لم يبلغ العقد، ولا نصفه، وهو قول أبي عبيدة، فهو على هذا من واحد إلى أربعة. وقيل: هو من ثلاث إلى عشرة (¬9). قال ابن دريد (¬10): فإذا جاوز العشرة فليس ببضع (¬11). ¬
وقال الأخفش (¬1) نحوه. وقال مطرف هو ما بين الثلاث إلى التسع (¬2). وقوله: "إن كانوا اقتعدوا على موعد (¬3) " (¬4). أي توثقوا منه. كما قال آخر الكلام: "فانصرفوا على موعد منه لزم" (¬5). قال سحنون: هو إحالة (¬6). و"عنته (¬7) " (¬8) أي مشقته (¬9). كما قال بعد: "ضرره (¬10)، وتعبه (¬11) " (¬12). وتوقف مالك في تضمين الأوصياء، إذا نكلوا عن الأيمان في المال الكثير، لئلا يشق ذلك عليهم حين (¬13) ضمنهم، فلا يجد (¬14) من يقبل الوصية، وهم أمناء، وقد تشق (¬15) عليهم الأيمان أيضاً، ولئلا (أيضاً) (¬16) تبطل (¬17) أموال الأيتام (¬18) إذا لم يضمنوا، إذا ألزم (¬19) الأوصياء إبراء ¬
أنفسهم بأيمانهم. فإذا نكلوا عنها فليس ذلك بالذي يتلف مال غيرهم، وهذه علة في الكتاب. قال القاضي إسماعيل (¬1): إنما ضمنه في الكتاب لاستخفاف الناس دفعه دون بينة، فأشبه قول الغرماء، هنا يحلف لذلك الوصي، فإن نكل ضمنه، وإذا (¬2) كان المال كثيراً فمن شأن الناس التوثق بالبينة عند دفعه. فادعاء الغرماء دفعه للأوصياء دون بينة ما لا يشبه، فتوقف مالك لهذا قال: وأحسبه يذهب إلى أن الدين على الغريم، [كما كان، وله أن يخاصم الوصي، فإن ضمن الوصي شيئاً من ذلك لنكوله، (فإنما) (¬3) يضمنه للغريم] (¬4). وانظر قوله في باب "اليتيم يحتلم ولم يؤنس منه الرشد: لا يجوز له [في ماله] (¬5) بيع، ولا شراء، ولا هبة، ولا صدقة، ولا عتق، حتى يؤنس منه الرشد. فما وهب، أو تصدق، أو أعتق قبل أن يؤنس منه الرشد، ثم أنس منه الرشد فدفع إليه ماله فلا يلزمه ذلك العتق، ولا تلك الصدقة، ولا تلك الهبة، بقضاء. ولكنه إن فعل ذلك من عند نفسه، فأجاز ما صنع جاز. والصدقة والهبة لغير الثواب كالعتق. واستحب له أن يمضيه" (¬6). كذا جاء في المدونة. وظاهره راجع إلى العتق، وما أشبهه به من الصدقة، والهبة بغير (¬7) ثواب. وعلى الجميع اختصرها (¬8) المختصرون. فإنه يستحب له أن يمضي ما فعله. وفيه نظر. والصحيح سواه. ولا يستحب له أن يمضي إلا ما كان فيه ¬
قربة، وأما (¬1) بينه وبين العباد مما لم يعد (¬2) به قربة (¬3). فأي استحباب له في هذا (¬4). وكذا جاء منصوصاً في سماع أشهب، على ما تأولناه. وقوله "في الصبي يؤذن له في التجارة، لا يرى ذلك جائزاً. ولا أرى له الإذن (¬5) في ذلك إذناً" (¬6)، وتعليله بقوله: "مولى عليه" (¬7) يقوي أمر البالغ السفيه، أن هذا [كان] (¬8) حكمه عنده كما نص عليه في الباب الآخر بعده، وأنه لا يدفع إليه ماله للاختبار. واحتجاجه بذلك على مسألة الصبي، ثم قوله: "والصبي أضعف شأناً عندي منه" (¬9). ولذلك لم يجعل دينه في ذلك المال، ولا غيره، خلاف قول غيره. والذي له في كتاب الوصايا (¬10): إذا أذن (¬11) للصبي أن يتجر جاز. ولم يذكر أنه دفع إليه مالاً. ولكن (¬12) أطلق الجواز على فعله. فدل أنه خلاف قوله هنا. ومثل قول غيره وإلى هذا ذهب الشيخ أبو محمد. والقاضي أبو محمد، وغيرهما، أنه يجوز له دفع المال ليتيمه، ليختبره (¬13). وللصبي (¬14) إذا كان يعقل التجارة. وهو ظاهر ما في كتاب ¬
ابن حبيب (¬1). وذهب أبو عمران أنه إنما يجوز في الصبي، إذا كان الوصي أو ثقته (¬2) يطلع عليه في [تصرفه] (¬3) ذلك. وإلا فهو (¬4) ضامن. وقوله في المسألة "احتلم ولم ير منه وليه إلا خيراً" (¬5). استدل بها بعضهم على أن نفس الرشد لمحجر [93] لا يخرجه من الحجر، إلا الإطلاق. وعلى ما ذهب إليه الجمهور. وليس هذا ببين (¬6) من قوله في الكتاب؛ لأنه لم يقل: وعلم رشده. وإنما (¬7) قال: لم يعلم إلا خيراً. أي لم ير سفهاً. ويدل عليه قوله بعد، "فدفع إليه ذهباً ليختبره (¬8) بها، أو يعرف حاله" (¬9). وهذا يدل أنه لم يحقق رشده، ولم يذهب إلى خلاف في هذه المسألة إلا بعض المتأخرين. وهو عبد الرحمن (بن) (¬10) سلمة الطليطلي (¬11). فقال: لا يكون الوصي أقوى من الأب، وإذا مضى بعد (¬12) البلوغ سنة ولم يظهر له سفه مضت أفعاله. ¬
وقوله في حديث ابن عباس: لولا أن أرده عن نتن (¬1) يقع فيه (¬2). كذا عند ابن وضاح. أي [عن] (¬3) فعل قبيح، وأمر مستكره. ويروى عن شر، وهي رواية غيره ويروى (عن) (¬4) شيء، وهي رواية الدباغ. وهما بمعنى. وقوله: "ولا (¬5) نعمة عين" (¬6). (يقال) (¬7) بفتح النون، وضمها. وفيها لغات كثيرة. ووجوه مشهورة. وقوله: "في تحجير صاحب (الشرط) (¬8) الذي سمعناه (¬9) من مالك (¬10)، أن القاضي هو الذي يجوز حجره، والقاضي أحب إلي" (¬11). أحب ها هنا على الوجوب. وقد قال شيوخنا: إن الحجر مما يختص (¬12) به القضاة، دون سائر الحكام. وقوله: "في رواية ابن وهب بعد هذا، في الرجل يريد أن يحجر على ولده الكبير، لا يحجر عليه إلا عند السلطان. فيوقفه للناس، ويشهد عليه، ¬
فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود" (¬1). دليل (¬2): أن أفعال السفهاء قبل الرد على الجواز. وهي رواية المدنيين عن مالك. وقول (¬3) أكثرهم وكبرائهم. خلاف قول ابن القاسم وغيره مما هو معلوم من خلاف في المسألة. ويخرج من هذه المسألة أيضاً أن للأب أن يحجر على ولده عند السلطان. وجعل له التحجير عليه، دون إثبات (¬4) ما يجب ذلك، وحكم السلطان به، وهذا فيمن لم يثبت رشده قبل ذلك. وكان مجهول الحال. وقام أبوه بقرب بلوغه، ولم تطل (¬5) مدته. وقد اختلف في هذا. قال ابن العطار: تقديم الأب على هذا أولى من غيره. وأنه لا يخرج من ولاية أبيه إلا بعد مضي عام بعد بلوغه. وقاله غيره: إذا كان بحرارة (¬6) بلوغه. وذهب غيرهم إلى أنه لا يسفهه أبوه بعد البلوغ إلا بما يثبت عند الحاكم. وقد اختلف الشيوخ في هذا قديما. وهو أصل الخلاف. هل نفس البلوغ يخرجه من الحجر؟ أو إصلاح الحال؟ وقد مضى من هذا في أول النكاح. ورواية ابن وهب في الرجل يغيب وله مال حاضر، فيريد غرماؤه بيع ¬
ماله، إلى آخرها. وتفريقه بين الحي والميت. وقول سحنون: الحي والميت سواء (¬1). المسألة كلها محوق عليها في كتاب ابن وضاح. ساقطة من كثير (من) (¬2) النسخ. وحوق عليها في كتاب ابن عتاب بعد أن أخرجها (¬3). وقال: كذا في كتاب ابن وضاح. وهي صحيحة. وثبتت في كتاب ابن المرابط. وكتب عليها سحنون مسألة سوء، ولم يكن عنده قول سحنون الذي ذكرناه آخرها. وقد ذكرها غير واحد من المختصرين للمدونة منها. ونقلها بعضهم من غير المدونة. ثم ذكر رواية ابن القاسم وغيره في التسوية بين الحي والميت في الاستثناء. كذا لابن وضاح. وسقط اسم ابن القاسم منها لسائر الرواة. وقال "ابن وهب [عن مالك (¬4) في الذي يغيب في بعض المخارج (¬5)، فذكر مثل رواية ابن القاسم وغيره. كذا في كتاب ابن عتاب. وابن سهل. الكلام فيها لابن وهب عن مالك. وفي بعض النسخ: قال ابن القاسم عن مالك. و"معاذ بن جبل وهو أحد بني سلِمة" (¬6) بكسر اللام. ¬
و"أبو سعيد الخدري" (¬1) بسكون الدال المهملة (¬2). و"عمر بن عبد الرحمن (¬3) بن دلاف" (¬4)، بفتح الدال، وتخفيف اللام. كذا ضبطناه في المدونة. (وضبطناه) (¬5) عن بعض شيوخنا في غيرها بفتح الدال (¬6)، وكسرها معاً، وذكر في المدونة في نسختي نسبة "المازني" (¬7) بالزاي قبلها ألف. وفي غيرها المزني، منسوب إلى مزينة. وكذا في كتاب ابن المرابط. وهو الصواب. وكذا هو في الموطأ (¬8). وقد ذكره البخاري في تاريخه (¬9). و"الأسيفع" (¬10) مصغر (¬11) بالفاء (¬12). ¬
وقوله: "دان معرضاً" (¬1) بغير ألف. كذا في "الأم". وأصول شيوخنا (¬2). ويقال: دان، وادَّان (¬3). أي أخذ الدين. ومعنى معرضاً بكسر الراء وسكون العين، قيل: متهاوناً بما أخذ. وقيل: معرضاً عن الأداء والقضاء. وقيل: معرضاً (¬4) لكل من داينه. ومعرضاً (¬5) هنا بمعنى معترضاً (¬6) [عند هذا] (¬7). وقيل: معرضاً عن النصيحة في أن لا (¬8) يستدين (¬9). ومعنى "رين (¬10) به" (¬11)، بكسر الراء، أي أحيط به (¬12). أي تكنفه (¬13) الدين. و"الحرب" (¬14) بفتح الراء، الفقر. أي أخذ الدين فقر (¬15)، وسلب (¬16). ¬
ومعنى قوله في الأثر: أصيب رجل في ثمار ابتاعها: أي أصابته فيها جائحة (¬1). وقوله "في المفلس إذا اتجر في المال الذي رده (¬2) إليه بعض الغرماء، فربح فيه، أن الربح كالفوائد، يشرع فيه الغرماء" (¬3). يريد الذين لم يردوا بما بقي لكل واحد منهم في خاصة نفسه، كما بينه في غير (هذا) (¬4) الموضع. ثم قال: "لأن ما داينه به الآخرون بعد الأولين، فالآخرون أولى، إلا أن يفضل من دينهم فضلة، فيكون الأولون والآخرون يتحاصون بقدر ديونهم" (¬5). معنى هذا راجع إلى أول المسألة، الذين ردوا إليه، إذ لا تستقيم ¬
المسألة إلا عليه. لأن الذين تاجروه هم أحق بما في يده (¬1). ومحال أن يكون فيه ربح، ويبقى لهم (هم) (¬2) بقية، لأنهم إذا استوفوا دينهم مما في يديه لم تبق بقية، فكيف يدخلون بالبقية في الربح، ألا تراه كيف قال بإثر ما تقدم: "بما (¬3) أقر هؤلاء في يديه، بمنزلة ما لو داينه غيرهم بعد التفليس، وما بقي في يديه بعد الذي أقروا في يديه بمنزلة ما فضل في يديه (¬4) بعد مداينته هؤلاء الذين داينوه بعد التفليس. ثم قال: وما كان من فضل عن الحق الذي تركوه في يديه، فذلك الفضل الذي يشرع فيه الغرماء بما بقى لهم يوم فلسوه، وهؤلاء جميعاً" (¬5). فإنما خلط المسألة بالذين داينوه [94] آخراً، وشبهها بها في أنهم أولى بما في يديه، ويحتمل أن يرجع؛ على الجميع. ويكون معنى ذلك أنه خسر في بعض ما عاملهم به، وربح (¬6) في بعضه فهو أولى بما بقي في يده (¬7) من أموالهم. ثم يتحاص (¬8) الجميع بما (¬9) بقي لهم. وقوله (¬10) في أول مسألة من الكتاب: "لم أسمع مالكاً يقول في الواجد: أنه إذا قام أنه (¬11) يفلس" (¬12). ثم قال في الباب الثالث: "إذا طلب واحد من الغرماء أن يسجنه ¬
[سجنه] (¬1) إلى آخر المسألة" (¬2). وذكر أنه قول مالك، يحتمل أنه تجرى الألفاظ في السؤالين. وأنه سمع منه على لفظ السؤال الثاني، دون لفظ الأول. إذ كان رحمه الله شديد التحري. ألا تراه كيف قال في السؤال الثاني: "إلا قولي، أو يربح فيما أقر في يديه (¬3)، فهو رأي" (¬4). وقد يكون قال ذلك، أي لم أسمع منه اللفظ الذي ذكره (¬5). (ثم) (¬6) قال في الثانية: وهو قول مالك. أي على أصله. وسياق مذهبه. إلا أنه (¬7) سمعه منه قولا. كما قال أولاً. ومعنى "قول ربيعة عمل أداره (¬8) " (¬9) يحتمل أن يريد به (¬10) التجارة. من قوله تعالى: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً [حَاضِرَةً] (¬11) تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} (¬12) وقد يكون من العمل. وترداده فيه، ونظره له، وأصله من الدوران. كأنه يديره عليه مرة بعد أخرى (¬13). وقوله (¬14) إن جنى رجل على رجل جناية لا تحملها العاقلة، فرهنه ¬
بتلك الجناية رهنا، وعليه دين يحيط بماله (¬1)؟، أن الرهن جائز (¬2). واحتج بأنه لو جنى الغريم ما لا تحمله العاقلة، ثم قام عليه الغرماء، أن المجنى عليه يضرب بديته مع الغرماء. اختلف في تأويله. فقيل: الجناية هنا خطأ. أو كانت (¬3) مالاً كالمسألة الأخرى. وحجته أنه لا يصح أن يحوز رهنه بها على الغرماء إلا في الخطإ. كما له أن يحاصص بها، لأنها مال. وأما العمد فليست بمال. وإنما فدى (¬4) بها نفسه من أمر جناه. واحتجوا بما في كتاب الصلح في المسألة من قوله: فأراد أن يصالح، أن للغرماء أن يردوا ذلك، لأنه من أموالهم (¬5). وكذلك يأتي عند هؤلاء. (وما كان) (¬6) من الجرح لا قصاص فيها، كالمأمومة (¬7). والمنقلة (¬8) على أحد قوليه. وإلى هذا نحا أبو محمد. وأما غيره فتأولها على العمد، والخطأ. واحتج بأنه لم يفصل بينهما. وأنه إنما يمنع مما ليس ياخذ عنه عوضا، كالهبة، والعتق. وأما ما يأخذ (¬9) ¬
عوضه وإن كانت لمنافعه فجائز. كالنكاح، والخلع. ودفعه القصاص عنه أولى بالجواز من دفعه في الخلع، والنكاح. وتأول معنى مسألة الصلح (أنه) (¬1) [إذا] (¬2) أراد ولم يفعل (¬3). ولو فعل مضى كما قال هنا. وقوله: "ومن كان من غرماء الميت حاضراً عالماً بتفليسه فلم يقم فلا رجوع له على الغرماء. وقيل: يوقف لهم حقوقهم، كالغيب (¬4). إلا أن يتبين منه ترك لدينه في ذمة الغريم" (¬5). قالوا: معنى ذلك على ذلك القول أنهم حضور (¬6) بالبلد، ولم يحضروا مشاهدة القسمة، ولو شاهدوها لم يكن لهم رجوع. لقوله: "إلا أن يتبين منه ترك لدينه" (¬7). قالوا: وفي قوله: عالماً بتفليسه، وتخصيصه المسألة بالمجلس دليل الفرق بين الفلس، والموت (¬8). وأنهم في الموت يقومون (¬9) [لو] (¬10) رأوا (¬11) ماله يباع، كما قال سحنون في العتبية (¬12). وتفريقه بين الموت والفلس، لأن ¬
المفلس (¬1) ذمته (¬2) باقية، وذمة الميت منقطعة. وقوله: أرأيت الرجل يرهن رهنين بسلعتين (¬3) مختلفتين، أحدهما بالسلف الآخر [والأخرى] (¬4) بالأول والآخر (¬5) فوقع ذلك بحال ما وصفت لك فاسدا (¬6) جهلوه (¬7). كذا وقعت المسألة في كتاب ابن وضاح على أصل ما وقع في المدونة. وفيه تلفيف وعدم تحصيل وتبيين. وكذا رواية يحيى في كتاب الأصيلي، وأصل ابن المرابط. ولأحمد بن داود وغيره، قلت: أرأيت لو أن رجلاً أتى إلى رجل له عليه دين، فقال له: أنا أقرضك أيضاً على أن ترهنني رهنا بحقي الأول والثاني. قال: لا خير فيه. قلت: أرأيت إن وقع هذا بحال ما وصفت (لك) (¬8) فاسداً جهلوه (¬9) وكذا (¬10) كان في أصل (كتاب) (¬11) ابن عتاب، وحوق عليه، وبها تصح المسألة. وعليها (¬12) اختصر (¬13) المختصرون. وبه بينوها. قالوا: وهذا ما لم يحل الأجل (¬14)، ولو حل لكان جائزا. وكذا نص ¬
عليه في كتاب محمد، وهو بين، لأنه كابتداء سلف (¬1). ولا فرق حينئذ بين السلف الأول والثاني إلا أن يكون عديماً، لأن أخذ رهنه (¬2) بذلك مع السلف الثاني في حال العدم، أو قبل حلول الأجل زيادة نفع في السلف. وقوله: "إن كان لي عبد وله علي دين وعلى عبدي دين لأجنبي، [وعلي دين لأجنبي] (¬3)، ففلسوني فإن العبد يضرب مع الغرماء بدينه. قال: ويكون غرماء العبد أولى بما ضرب به العبد وما بقي في يديه من مال. ثم قال: وتكون رقبة العبد لغرماء السيد" (¬4). يحتج به من ذهب من الشيوخ إلى أنه لا يدخل العبد فيما يحاصص في ثمن رقبته. وإنما يختص بذلك غرماء سيده (¬5). (وإليه ذهب ابن شبلون. وهو ظاهر من قوله: وتكون رقبة العبد لغرماء السيد) (¬6). وحمل أبو محمد وغيره المسألة على أنه يضرب بدينه في رقبته كسائر الغرماء. واحتج بما وقع من مثل هذا في كتاب محمد. وهو ظاهر كلام ابن أبي زمنين. لأنه ذكر المسألة مجملة. ولم يذكر قوله: "وتكون رقبة العبد لغرماء السيد". جعله غيرهم خلافاً للمدونة. وقوله: "في الصناع، وما أشبههم، هم أحق بما في أيديهم" (¬7). دليله أنه (¬8) لو دفعوا ذلك إلى أربابه لم يكونوا أحق به. كما قال في كتاب ابن حبيب. وفي العتبية. وقال أيضاً: هم أحق، وإن سلموه. ¬
وقوله في تعليل مسألة الجمال من أجل أنه: "إنما بلغ إلى الموضع على إبله" (¬1). استفاد منه أحمد بن خالد وغيره أن السفينة حكمها حكم (¬2) الجمل. كما روى أبو زيد عن ابن القاسم (¬3). وإن ربها أحق [بها] (¬4) في الموت (¬5)، والفلس. وإن الزرع والنخل إنما نميا (¬6) وبلغا بسقي المساقي. فيجب أن يكون مثل ذلك في الموت. والفلس. كما قال أصبغ [قال] (¬7): وهما كالمرتهنين. وقوله في أخذ مال معتقه إلى أجل، "ولم ير السنة قريباً" (¬8). وقال مطرف: السنة قريب (¬9). وفي مختصر ابن عبد الحكم: القرب الشهر، ونحوه. وقال (أصبغ:) (¬10) الشهر. وقع في بعض نسخ المدونة آخر الكتاب بعد مسألة من ارتد وهرب إلى دار [95] الحرب (¬11). قلت: ما قول مالك في المرتد، والمرتدة،؛ [إذا باعا واشتريا بعد الردة، لا يجوز، قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، إلا أنه قال: يضرب أعناقهما] (¬12) إن لم يتوبا، ومالهما فيء للمسلمين. ولا يرثهما (¬13) ورثتهما المسلمون ولا النصارى (¬14)، ¬
فإن (¬1) لم يتب وقتل، وقد باع، لم يجز بيعه، ولا شراؤه. ورد كله. فإن أسلم جاز (¬2) ما صنع. ويوقف الإمام مال المرتد. ويطعمه منه. وإن باع واشترى بعد ما حجر السلطان عليه، فرهقه (¬3) دين، يلحقه في ماله هذا، ولا فيما يفيده (¬4) من صدقة (¬5)، أو غيرها، إن قتل على ردته. وإن أسلم كان ذلك في ماله. وما ربح من تجارته في حال ردته فهو أيضاً فيء كماله. قلت: فإن ارتد ولم يعلم بردته، فاتجر سنين، وداين الناس، قال: ذلك جائز عليه. لأن هذا قد طال أمره، ولم يعلم به. وإنما يكون ما وصفت لك إذا ارتد، فعلم (¬6) به، فرفع إلى السلطان، وحبس للقتل، ولم تكن هذه المسألة في كتب شيوخنا. ولا نقلها أحد من المختصرين من المدونة (¬7). ووقعت مخرجة في كتاب القاضي أبي الأصبغ بن سهل. وقال: بآخرها (¬8): هنا [تم الكتاب عند محمد بن محمد بن أبي دليم (¬9)] (¬10). ¬
كتاب المأذون
كتاب المأذون قوله: "إذا أذن لعبده (¬1) في نوع من التجارة لزمه ما داين به في غير ذلك. ويتجر فيما شاء. لأنه أقعده (¬2) للناس فما يدري الناس. لأي أنواع التجارة أقعده" (¬3). قال بعضهم: هذا يدل على إلزامه ما اتجر به من الدين (¬4) وإن نهاه عنه. إذ لا يدري الناس عم (¬5) نهاه. كما لا يدرون ما (¬6) قصره (¬7) عليه. وهو أحد قوليه في سماع أصبغ (¬8). وفيه دليل أيضاً على أنه لو أشهر ما أقعده [له] (¬9)، وعلم به لم يلزمه شيء من غير ما أذن (له) (¬10) فيه، لتعليله (¬11) بجهل الناس بذلك، كما لا يلزم إذا حجر عليه، وأشهد على ذلك. ¬
وقيل: يحتمل الخلاف في مسألة الدين إذا لم يشهده، ولو أشهده لم يلزم، قولاً واحداً. وفيه أيضاً دليل (¬1) على إسقاط الخلطة بين أهل الصناعات. لقوله: "لأنه أقعده للناس" (¬2). وذكر في بعض نسخ المدونة في آخر (أول) (¬3) باب. قلت: "أرأيت إن قال لعبده (¬4): أد الغلة إلي، أيكون هذا مأذوناً له في التجارة في قول مالك؟ قال: لا يكون مأذوناً له بهذا (¬5) " (¬6). وضرب على هذه المسألة في كتاب ابن وضاح. وهي صحيحة المعنى. مثل المسألة (التي) (¬7) قبلها. وقوله في المأذون إذا أخذ بالثمن (¬8) فأجاب: فإذا وضع للاستيلاف [أنه جائز (¬9)، ثم قال: "فالعبد المأذون الذي سألت عنه إذا صنع (مثل) (¬10) ما يصنع التجار، فإن ذلك جائز" (¬11) ظاهره جواز التأخير للاستيلاف] (¬12) ولم يراع منفعة السلف، [إذ المنفعة] (¬13) ها هنا ليست بمستجلبة (¬14) من المؤخر، وإنما هو معروف في حقه. وذهب سحنون إلى أنه لا يجوز (¬15) لأنه سلف جر نفعاً. وهو أظهر ¬
لحصول المنفعة بذلك لرب المال. والتصرف فيه المؤخر وهو المأذون. ولا تبالي ممن كانت على أصولنا. وقوله "في المأذون يستهلك الوديعة أنها في ذمته" (¬1). قال في كتاب محمد: وفي ماله. قال بعضهم: هو دليل المدونة بعد هذا، من قوله: إنما يكون في ذمة العبد في مال إن طرأ له، وهو دليل كتاب الوديعة. وقال أشهب: بل في ذمته خاصة. وإن كان وعدا لم يتبع بشيء. وقال (¬2) غيره: إن استهلكها بتعدي فهي في (¬3) رقبته. وقوله: "وأما أم ولده فتباع في دينه" (¬4). معنى ذلك، بعد الوضع. وأما وهي حامل فلا. لأن الولد للسيد. ولا يصح بيعها دون جنينها. وقيل: معناه إذا أذن السيد في بيعها، علم بالحمل أم لا. وقوله "فيما وهبه المكاتب، والمدبر (¬5): وأم الولد، والعبد، أو تصدقوا به، فاستهلكه (¬6) من وهب له، ورد ذلك السيد، تكون (¬7) قيمة ذلك لهؤلاء ديناً على المتصدق عليه، إلا أن يكون ذلك من السيد انتزاعاً. فذلك له. فإن (¬8) مات السيد، أو أفلس (¬9) قبل أن ينتزعه، وقد كان رد ذلك، وأقره لهم، فذلك لهم" (¬10). [وقوله: "وأفلس" (¬11) ثابت عندي، وفي الأصول، وكتب عليه في ¬
حاشية كتاب ابن سهل: خط عليه ابن وضاح.] (¬1). وقوله في المأذون: "إذا حابى سيده: لا يحاص (¬2) بشيء" (¬3)، وقد قيل: هذا. والذي يأتي على الأصل أن يحاص بقيمة سلعته التي باع منه، لا بما زاد للمحاباة. وقوله: "إنما يكون في مال وهب له، أو تصدق به عليه، أو أوصى (¬4) له به، فقبله العبد" (¬5)، ظاهر (¬6) في أن السيد لا يمنعه من قبوله، وظاهر في أن الغرماء لا يجبرونه على قبوله، كما [قال] (¬7) في غير الكتاب، في المفلس. وتأمل هذا مع قوله: "إذا (¬8) وهب للعبد مال فالغرماء أولى" (¬9). ظاهره ما تأول أبو محمد، أي هبة كانت، أو صدقة، خلاف ما ذهب إليه أبو الحسن القابسي. أن هذا يختص بما وهب له. ليقضي به دينه [دون غيره] (¬10)، مما (¬11) وهب له مطلقاً. وقول ربيعة: "ويصير في مال العبد، وفي عمله" (¬12). يحتمل أنه خلاف. وأنه جعل الدين في كسبه (¬13) [ويحتمل أن يريد بعمله] (¬14) كسبه من ¬
التجارة. كما قال مالك قبل هذا. "أو كسبه من التجارة" (¬1). فيكون وفاقاً، ويحتمل أن يرجع على قوله. قبل (¬2): هذا، "وما تحمل (¬3) به سيده عنه، فهو على سيده" (¬4). فيكون أيضاً وفاقاً. وقوله في الدنانير: "إن شهد الشهود أنهم لم يفارقوه، وأنها بعينها" (¬5). شرط بعضهم فيها هذا الشرط (¬6)، وأنهم (¬7) متى فارقوه لم يكن الغريم أحق بها وإن عينوها. وقيل: لا يلزم إلا بعينها فقط. وقوله: يقول الله تعالى (¬8): "وأكلهم الربا وقد نهوا عنه" (¬9). كذا وقع في (بعض) (¬10) النسخ. وهو مما غيرته الرواة من القرآن غفلة. مروا عليه والتلاوة {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (¬11) وقد وقع مثله في الموطإ وغيره. ¬
كتاب الحمالة
كتاب الحمالة (¬1) اعلم أن الحمالة (¬2) والكفالة والزعامة والقبالة والضمانة والضمان بمعنى. يقال: هو حميل بكذا. [أو كفيل] (¬3) أو زعيم، أو قبيل (¬4)، (وأدين) (¬5) وضامن (¬6). ومثله عزيز. وصبير (¬7) (¬8). وكوين. سبعة ألفاظ مترادفة (¬9) على معنى واحد. ومعنى ذلك كله واشتقاقه من الحفظ، والحياطة. فالكفالة: أصلها من الكفل (¬10) وهو الكساء الذي يجري (¬11) حول سنام البعير ليحفظ الراكب (¬12) هناك. ¬
وكأن [الكفيل و] (¬1) الكافل حائط، وحافظ؛ [96] / لما ولي من الأمور. ولما التزمه من مال. والضامن أيضاً مأخوذ من الضمن. وهو الحرز (¬2)، وكل شيء أحرزته [في شيء] (¬3) فقد ضمنته (¬4) إياه. والقبالة (¬5) أصلها من القوة. ومنه: ما لي بهذا قبل، أي طاقة (¬6) [وقوة] (¬7). ومنه: قبيل الحبل. وهو فتله [الأول] (¬8). فكان القبيل (¬9) قوة، وحيطة في استيفاء الحق. قال الله تعالى: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} (¬10). والزعامة: أصلها السيادة. فكأن هذا لما تكفل به ساده بذلك، وحكم عليه، وحاطه (¬11) بذلك، ما تقبل منه. قال الله تعالى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (¬12) وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الزعيم غارم" (¬13). ¬
والحمالة: [من] (¬1) الحمل. وأصلها من حمل الدية. وهي من الحمالة. وفي الحديث: "الحميل غارم" (¬2). والإدانة (بمعنى) (¬3) الإيجاب. قال (الله) (¬4) تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬5)] (¬6)، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} (¬7) أصلها من الأذان. وهو الإعلام. والضامن أوجب على نفسه من أداء المال ما لزمه، وأعلن بذلك على نفسه. وأما الصبير (¬8): فمأخوذ من الصبر. وهو الثبات. وأصله الحبس. ومنه المصبورة (وهي) (¬9) المحبوسة للرمي وفي حديث الحسن البصري (¬10): من أسلف (¬11) فلا يأخذن (¬12) صبيراً ولا رهناً (¬13)، فكأنه أثبت على نفسه حقًّا وحبس نفسه لأدائه (¬14). وأما الكوين: فمعناه مثل هذا كله، من قولهم: كنيت (¬15) لك ¬
بكذا، وكذلك (¬1) قالوا: أنا عزيزك أي كفيلك. الحمالة على ثمانية وجوه (¬2): حمالة مبهمة، مطلقة. وهو أن يقول: أنا لك حميل، أو زعيم، ونحوه. وحمالة بمال (¬3) مطلق (¬4). وحمالة بمال على أنه (¬5) لا رجوع على المحتمل عنه (¬6). وهو المحتمل (¬7) (عليه) (¬8). وحمالة [بوجه، أو] (¬9) بنفس مطلقة. وحمالة بنفس مقيدة. أي ليست من المال في شيء. وحمالة بطلب. وحمالة مترقبة بما يثبت (¬10) على فلان. أو بما يوجبه الحكم عليه. وحمالة بالجنايات. وكل هذه الوجوه جائزة على الجملة، لازمة. فأما المبهمة المطلقة، فاختلف شيوخنا إذا عريت من لفظ، أو ¬
دليل (¬1)، أو قرينة (¬2). هل تحمل على المال؟ أو النفس (¬3)؟ وأما حمالة المال المطلق فلازمة. وفيها الرجوع بالمال على المحتمل عنه بكل حال. إلا في مسألة. وهي: حمالة الصداق في عقد النكاح. ففيها خلاف، هل فيها رجوع؟ كسائر الحمالات. وهي إحدى روايتي عيسى (عن) (¬4) ابن القاسم. والثانية: أنها حمل لا رجوع فيها (¬5). وهو مذهبه في المدونة، والعتبية، وكذلك (¬6) في الواضحة (¬7). وأما الحمالة بالمال على أن لا يرجع فهو الحمل. واختلف فيه: هل يحتاح إلى حوز (¬8) فيبطل بموت الحامل، أو هو كالحمالة لا تحتاج (¬9) إلى حوز (¬10). والقولان في الواضحة (¬11). وأما حمالة النفس أو الوجه المطلقة، فالمشهور سقوطها بإحضار الوجه، كيف كان. ولزوم الغرم إذا لم يحضره (¬12)، ومحمد بن عبد الحكم لا يلزمه من المال شيء في الوجهين. ¬
ولمالك في كتاب ابن الجهم أنها كحمالة المال سواء، تلزمه (¬1) في كل وجه. وأما حمالة الوجه المقيدة فلا يلزم بها (¬2) من أداء المال شيء، إلا أن يقدر على إحضاره، فلا يمكن منه، أو ينذره فيهرب. وإن اتهم على تغييبه حبس فيه حتى يحضره. وأما حمالة الطلب فتصح في كل شيء. وتصح فيما يتعلق بالأبدان. وحقوق الآدميين. والقصاص إذا رضي بذلك صاحب الحق. وتركه بحامل يحضره له متى شاء. ولا شيء على الحامل إن لم يحضره، مما لزمه إلا أن يعلم أنه نفره، وأمكنه حين طلب (¬3) بإحضاره، فتركه حتى أعجزه، فهذا يسجن حتى يحضره، ويعاقب بقدر غروره. وما أدخل (¬4) فيه نفسه. وأما الحمالة المترقبة فلازمة فيما (¬5) يثبت بالبينة. وهل يلزم (¬6) بما يقر به المطلوب بعد إنكاره؟ مختلف فيه. والقولان (¬7) قائمان من المدونة. وسيأتي بعد ما في الكتاب من ذلك (¬8). وأما الحمالة في الجنايات، وما يتعلق بها من الحدود والقصاص، وعقوبات الأبدان، فلا يصح على الجملة (¬9). وذهب بعض أهل العلم إلى جوازها. وجعلوا حكمها حكم الحمالة ¬
بالوجه المقيدة (¬1) ولا شيء عليه إن لم يأت به، إلا عثمان البتي (¬2) (¬3) فإنه يلزم الحميل بالنفس (¬4)، في القتل والجراح إن (¬5) لم يأت بدية (¬6) القتل (¬7)، وأرش الجراحات (¬8). ولأصبغ في كتاب ابن حبيب في الفاسق المتعسف على الناس بالقتل وأخذ المال: يؤخذ فيعطي (¬9) حملاء (¬10) يتحملون عنه (¬11) بكل ما اجترم من قتل وأخذ مال. [إن] (¬12) ذلك يلزمهم ويؤخذون بكل ما يؤخذ به، إلا أنهم لا يقتلون. قال فضل بن سلمة: انظر قوله، فإن كان أراد أنهم (¬13) يؤخذون (بما) (¬14) اجترم (¬15) من المال إلا القتل، والجراح (¬16)، أو أنهم يؤخذون بالدية في القتل. ¬
قال القاضي: فعلى هذا التأويل يوافق مذهب البتي (¬1). قال القاضي: والحمالة أيضاً تنقسم في تقسيم آخر على قسمين: من جهة المتحمل به: وهو المعلوم، والمجهول. وذلك على ثلاثة أقسام. من جهة المتحمل عليه (¬2)، وهو الميت، والحاضر، والغائب، وكلها جائزة عندنا. خلافاً لمن خالف في بعض هذه الأقسام من العلماء (¬3). وقوله في الكتاب في حميل الوجه: إن لم يأت به إلى الأجل أنه يتلوم له، فإن أتى به وإلا غرم (¬4). فإن غرم ثم جاء به لم يسترجع المال (¬5). قال غيره: فإن لم يحكم عليه حتى أتي به فقد برئ. فإن لم يأت به فحكم (¬6) عليه بالمال مضى الحكم. ولزمه المال (¬7). ونحوه لابن القاسم وغيره (¬8). اختلف الشيوخ في معنى الحكم الذي ذكر هنا. فذهب بعضهم إلى أنه الإشهاد بالحكم. فإذا أشهد الحاكم مضى ذلك عليه. وإن لم يدفع المال عديما كان الغريم أو مليًّا. وهو قول عبد الملك (¬9). ¬
[97] وقال بعضهم: المراد بالحكم (¬1) هنا القضاء عليه بالمال. ودفعه لربه.؛ وأنه (ما) (¬2) لم يغرم المال فإنه متى (¬3) أتى بالمضمون (¬4) سقط عنه. ومثله في سماع يحيى. ونحوه عن سحنون (¬5). قالوا: ولو أراد بالحكم الإشهاد به لما قال: (فإن غرم ثم جاء به لم يسترجع المال) (¬6) قال ابن لبابة: وظاهر كلامهم أنه لا يلزمه (¬7) الغرم إذا جاء به بعد الحكم ما لم يغرم المال. والنظر يقتضي أن يلزمه بعد الحكم وإن لم يغرم. وأما رواية أبي زيد عن ابن القاسم (¬8) فإنه متى مضى الأجل غرم. ولا ينفعه أن يأتي [به] (¬9) بعد الأجل. ومثله عن (¬10) محمد. وهو خلاف للمدونة (¬11). وكذلك في سماع أصبغ. إلا أنه قال: إلا أن يأتي [به] (¬12) بعد الأجل قبل الطلب والنظر في الحكم فيبرأ (¬13). وقوله في الكتاب: "فيمن (¬14) ادعى قبل رجل حقاً، وهو منكر. فقال ¬
رجل للطالب: أنا كفيل لك بوجهه إلى غد. المسألة إلى قوله: ولا يكون له أن يأخذ من الكفيل شيئاً، إلا أن يقيم البينة على حقه" (¬1). ظاهر هذا اللفظ أن إقرار المنكر بعد لا يلزم الكفيل شيئاً (¬2) إلا بإثبات (¬3) البينة وهو نص ما في كتاب محمد. ومثله في سماع عيسى في العتبية (¬4). وعلى هذا حمل مذهب الكتاب بعضهم. واستدل أيضا بقوله بعد هذا في الكتاب في مسألة "بائع فلاناً فما بايعته به من شيء. فأنا ضامن له (¬5) " (¬6). وقيل: بل إقراره كقيام البينة. وهو دليل الكتاب أيضاً، من قوله: "فلم يجئ به من الغد" (¬7). فذلك (¬8) شرط ثبوت (¬9) حقه ببينة. وبقوله في المسألة الأخرى: "لأن الذي عليه الحق جحده" (¬10). فدليله أنه لو أقر لزمه. ومثله [أيضاً] (¬11) في سماع عيسى (¬12). وقوله: "ما ذأب لك على (¬13) فلان" (¬14). بالذال المعجمة. وسكون الألف. معناه: ما ثبت، وصح. ¬
ومذهبه (¬1) في الكتاب في شرط صاحب المال على الكفيل أنه إن شاء أخذه بحقه ويترك الغريم الجواز. وقد كرر ذلك في مسائل الكفلاء، من قوله في مسألة الثلاثة. وقول غيره في مسألة الستة: "أيهم (¬2) [شاء] (¬3) أخذه (¬4) بحقه" (¬5) أن له ذلك (¬6). وهو قول أصبغ. وقال أشهب، وابن كنانة، وابن الماجشون: الشرط باطل. وقال ابن القاسم: مثله أيضاً، إلا في القبيح المطالبة، أو ذي السلطان (¬7). ومسألة (¬8) الستة كفلاء (¬9). ذكر فيها من التفسير والشرح في كتب أئمتنا (¬10) ما لا مزيد (¬11) (¬12) [عليه] (¬13). ولكن (¬14) ننبه (¬15) على نكتة يغفل عنها كثير من الناس. فربما وضعوا الخلاف في بعض وجوهها في غير ¬
موضعه. والخلاف [فيها] (¬1) في موضعين لا تخلو (¬2) كفالتهم بعضهم ببعض (¬3) أن يكون (¬4) الحق (¬5) عليهم. وهي مسألة الستة (التي) (¬6) في الكتاب. أو يكون الحق على غيرهم. وهي مسألة الثلاثة فيها (¬7). ومسألة الأربعة في العتبية (¬8)، فأما إذا كان (المال) (¬9) عليهم ثم ضمن بعضهم بعضاً، على ما وقع في قول الغير في الكتاب (¬10)، فودى أحدهم المال وهو ستة مائة، على كل واحد مائة في الأصل ديناً، ثم لقي الثاني، فلا خلاف أنه يطالبه (¬11) بما يقع عليه هو من المال، وهو مائة. ولا يأخذ منه المائة التي ضمنها عنه في خاصته، ولكن يقتسمان ما بقي حتى يستويا فيه. وأما إن كان الحق على غيرهم وهم كفلاء فقط، بعضهم ببعض (¬12)، فها هنا اختلف إذا أخذ الحق من بعضهم (¬13) ثم لقي الآخر، هل يقاسمه بالسواء في الغرم حتى يعتدلا؟ إذ الحق على غيرهم. أو إنما يقاسمه بعد إسقاط ما يخصه من الحق، كالمسألة الأولى. ¬
وإلى التسوية ذهب ابن لبابة، والتونسي (¬1)، وغيرهما. قالوا: لأنهم سواء في الحمالة. وليس يخص أحدهم ما لا يخص غيره. وإلى المحاسبة ذهب كثير من الشيوخ (¬2) الأندلسيين. ونحوه في كتاب محمد. وفي سماع أبي زيد في المستخرجة (¬3): وجعلوا ما ينوب كل واحد منهم من المال وهو مائة بالحمالة، كما لو ثبت عليه من أصل دين (¬4)، كمسألة الستة في المدونة (¬5). وكذلك اختلفوا في فصل من آخر المسألة. وهي: إذا لقي الثاني من الستة الثالث في مسألة الكتاب، فإنه قال: "يأخذه بخمسين قضاها عنه في خاصته من الدين الذي عليه، ويرجع عليه بخمسة و (سبعين) (¬6) نصف ما أدى بالحمالة وهي مائة وخمسون، فجميع ذلك مائة وخمسة وعشرون" (¬7). وعلى (¬8) هذا النحو (¬9) حسب الفقهاء كلهم المسألة. وصوروا التراجع بينهم إلى تمام المسألة. وذهب أبو القاسم (الطبري) (¬10) الفارض (¬11) إلى أن العمل على هذا غلط في الحساب. وأن صورة التراجع من الثاني مع الثالث يجب أن يكون على غير هذا العمل. بل يجب إذا التقى الثالث مع أحد الأولين وطلبه ¬
بالاعتدال معه أن يقول له الثالث: نحن الثلاثة (¬1) كأنا اجتمعنا معاً باجتماع بعضنا ببعض. ولو اجتمعنا معاً لكان المال علينا أثلاثاً. مائتان (¬2) على كل واحد. فعلي مائتان غرمتها (¬3) أنت وصاحبك [عني] (¬4). فخذ واحدة أنت. وهي التي تقع لك. وسأدفع إلى صاحبك المائة التي دفع عني إذا لقيته (¬5). فيستوي (¬6) في الغرم كل واحد مائتين. كما لو اجتمعنا في دفعة واحدة. وهكذا إذا لقي الثالث الرابع. وهكذا (¬7) في بقية سائر المسألة. فانظرها في معاملات الطبري (¬8). وقوله: "إذا أخر الكفيل هو تأخير للغريم (¬9)، إلا (أن) (¬10) يحلف ما كان ذلك إلا للكفيل. فإن حلف، طلب صاحب الحق. وإن (¬11) أبى أن يحلف لزمه التأخير" (¬12). قال بعضهم: لم يجعل هنا على الغريم يميناً (¬13). فهذه بينة في الكتاب، أن (¬14) يمين التهمة (¬15) .................... ¬
لا تنقلب (¬1) (¬2). وقوله في الكفيل يدفع (خلاف) (¬3) ما على الغريم. قال: "الذي عليه الأصل، بالخيار إن أحب أن يدفع قيمة ما دفع الكفيل، إن كان عرضا، وإن كان طعاما فمكيلته" (¬4). سقط عند ابن عتاب ذكر الطعام هنا. وثبت في كثير من النسخ. وفي رواية يحيى (قال يحيى) (¬5) [قوله] (¬6): أو طعاماً (¬7) لا يعجبني. وقد نبه على اختلاف؛ [98] / قول مالك في هذا بإثر قوله (¬8) بعد (¬9). وقوله:- "إذا كان الطعام من تسليف (¬10) لم يكن للكفيل أن يصالحه بأجود منه، ولا أدنى، حل الأجل أو لم يحل (¬11) " (¬12). وإن كان مثل كيله. ومثله في السلم الثالث (¬13). ويدل كلامه هناك أنه في القرض (¬14) مثله، إلا أن يحل الأجل. ويحضر الغريم فيقضي عنه بأمره أجود، أو أدنى. ¬
وقال في الكفالة في القرض بعد حلول الأجل: يجوز بأجود (¬1) وأدنى (¬2). ولم يشترط حضور الغريم. وكل هذا مشعر باختلاف قوله على القولين الذين له هنا (¬3) في الكتاب في المسألة المتقدمة (¬4). وقوله: وإن أعطاه (¬5) كفيلاً بعين السلعة وخلاصها، الكفالة باطلة (¬6). لا تلزم (¬7). "وقال غيره: لا يخرج (¬8) من الكفالة لما رضي أن يلزم نفسه. وهو الذي أدخل المشتري في دفع ماله (¬9) للثقة منه (¬10). وعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق، أو الثمن" (¬11) ثم قال: فإن (¬12) اشترط المشتري على البائع الخلاص وأخذ منه به كفيلاً أن ذلك لا يحل (¬13). وقال آخر الباب في اشتراط ذلك على البائع: أنه فاسد ينقض به البيع (¬14). ¬
حمل بعضهم أن الكلام الأول لم تكن الكفالة مشترطة في العقد، فسقطت، وصح العقد. وهي في الأخرى مشترطة في العقد، ففسد (¬1) الجميع. وإنما (¬2) كانت بين الكفيل والمشتري (¬3) دون البائع على أنه بعيد من قوله: فإن أعطاه كفيلاً فإنما يعطيه للبائع (¬4). وقد أشار بعضهم إلى أنه إنما تعرض أولاً للزوم الكفالة، وإسقاطها، وتكلم أخيراً (¬5) على جواز البيع، أو فساده. فمذهبه في الكتاب فساده. وإن اشترط خلاص السلعة على البائع بكفيل. كما نص عليه أول الكتاب، أو بعده، كما نص عليه آخره. وقيل (¬6): يختلف في جوازه، وإسقاط (¬7) الشرط، أو يصح إن أسقط الشرط، ويفسد (بالتمسك به. "وقال (¬8) غيره: يرجع بالأقل، لأنه أدخل المشتري في دفع ماله. فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق، أو الثمن) (¬9) " (¬10) يبين أنه إنما تكلم إذا استحقت. قالوا: ولو لم تستحق. وقد فاتت (¬11) رد البيع. ولزمت (¬12) المشتري ¬
القيمة (¬1). ولو وجد عديماً لم يكن على الكفيل شيء [في قولنا جميعاً] (¬2). لأنه إنما ضمن تخليصها من الاستحقاق. وهذه قد خلصت له، ولم تستحق. وقوله في الكتاب: "ولولا أن الناس اشترطوا (¬3) هذه الشروط في البيع الأول، على أنهم لا يريدون بذلك الخلاص إنما كتبوه (¬4)، على وجه التوثقة (¬5)، والتشديد، لنقضت به البيع" (¬6). كذا في كتاب ابن عتاب. وابن المرابط. وكثير من النسخ. وعليه اختصر أبو محمد، وغيره. أي أنهم لم يعقدوا بيعهم على القيام، والمطالبة بهذا. وإنما يكتبه (¬7) الموثقون تشديداً، وتوثقة (¬8). فلذلك لم ينقض به البيع. ولو كان على المطالبة بذلك، أو عقد علمه البيع، لنقضه (¬9) به، على أصله في المسألة المتقدمة هنا (¬10)، التي هي متأخرة في الأم بعد هذا. وهو معنى قوله: (والبيع الأول) (¬11)، أي حين العقد، لا حين كتب (¬12) الوثيقة، وعقدها، في ثاني حال. ووقع في نسخ كثيرة: ولو أن الناس اشترطوا (¬13)، بإسقاط لا، وجاء بالمسألة على معنى (¬14) المسألة الأخرى. وإن ما يكتب ويعقد سواء. وعلى ¬
إسقاط (لا) اختصرها ابن أبي زمنين. وفي بعض النسخ: ولو ما أن الناس. وهي بمعنى رواية ابن أبي زمنين. وما صلة للكلام، زائدة. ورجح بعضهم هذه الرواية. وصححها. قال: لأن الشرط (¬1) أفسد العقد. ولا يراعى فعلهما (¬2)، والأول أبين. لأنه قال: إنهم لا يريدون بذلك الخلاص (¬3). إنما هي عادة يكتبها الموثقون. لم يكن من المتبايعين ذلك (¬4) في عقدهما. أو كانت العادة [عندهم] (¬5) وإن قصدوا كتبها (¬6) ألا (¬7) يطالب بها (¬8) (الخلاص) (¬9). فهذا صحيح (¬10) الفعل، وقبح اللفظ فلا اعتبار به. واختلف لو كان هذا الضمان بالثمن لا بخلاص السلعة وكان البيع فاسداً بما قارنه من علل الفساد هل تسقط الكفالة بكل حال وهو مذهب ابن القاسم وأشهب عند محمد وكذا لابن القاسم في العتبية (¬11). وقيل (¬12) ثبتت (¬13) الكفالة بثبات البيع الفاسد إذا فات وعلى الكفيل الأقل من قيمة السلعة أو الثمن وهو قول عبد الملك في المبسوط. وقيل: يلزم بعلم الكفيل وحضوره فساد العقد وهو لابن القاسم في ¬
العتبية أيضاً (¬1). وقوله في التهمة في الإقرار (¬2) في المرض للصديق الملاطف مع الدين لأنه لا تجوز (¬3) وصيته (¬4) ولا يتهم إذا أقر له في (¬5) غير دين، وكان (¬6) يورث بولد أو كلالة (¬7). سقط من كثير من الروايات: أو كلالة. ولم يكن في كتاب ابن عتاب. وكتبه خارجاً. وقال: كذا في أخرى. وكتب على ما في الأم كذا لإبراهيم. لأنه (¬8) تجوز وصيته. وكذا رواية يحيى بن عمر. وكذا عند الدباغ. والأبياني. في غير كتاب ابن عتاب. يعني مع الورثة ما كانوا. إذا لم يكن عليه دين. وعند ابن وضاح لأنه لا تجوز (¬9) وصيته. وهو الذي في أصل ابن المرابط، يعني إذا كان عليه دين. وكلا الروايتين ترجع إلى معنى واحد. فقوله (¬10): لأنه لا تجوز وصيته. يرجع إلى ما قبله. من قوله: لو ¬
أوصى مع الدين لم تجز (¬1). فكذلك إذا أقر في مرضه بكفالة (¬2). ثم استأنف الكلام بقوله: (ولا يتهم إذا أقر له من غير دين، يريد بدين وكان يورث بولد (¬3) ولا يثبت هنا (¬4)، (زيادة ولا كلالة) (¬5) على مذهبه. وأما على رواية [غير] (¬6) ابن وضاح [لأنه] (¬7) تجوز (¬8) وصيته. ولا يتهم إذا أقر له من غير دين. فكلام صحيح. ثم يكون (¬9) قوله بعد ذلك، "وكان يورث بولد"، عائد على الإقرار. وعلى زيادة "أو كلالة"، يرجع الكلام إلى الوصية، أو الإقرار بما فعل في المرض. فبهذا البيان تصح الروايات كلها. وقوله: "فيمن أقر في مرضه أنه تكفل في الصحة عن رجل وارث، أو غير وارث. قال: إقراره لوارث (¬10) بالدين في مرضه لا يجوز" (¬11). وقال (¬12) "في الرجل يقر في مرضه. فيقول: كنت؛ [99] / تصدقت على فلان بداري (¬13) في صحتي (¬14) أو بدابتي أو حبست كذا. أو أعتقت عبدي في صحتي، لا يكون هذا في ثلث (¬15)، ولا غيره، وإقراره هذا باطل ¬
كله" (¬1). كذا جاء هذا الكلام في الكتاب. واختلف الناس في تأويله. فأكثر المختصرين (¬2): أبو محمد، (وغيره) (¬3)، ومن (¬4) بعده حملوا أن إقراره بالكفالة كإقراره بالعتق، والصدقة، وغير ذلك. لقوله (¬5): "وإقراره هذا باطل كله" (¬6). وردوا هذا الكلام على جميع ما تقدم. واختصر ذلك ابن أبي زمنين، مفصلاً على لفظ الكتاب. وذهب بعضهم أن (¬7) الكفالة بخلاف ما ذكر، لأنها دين من الديون، يلزم إقراره منها في المرض، كما يلزم إقراره منها في الصحة، وإليه نحا ابن لبابة. وأبو عمران. قالوا: إنما أبطل (¬8) ما كان منها لوارث، ومن لا يصح إقراره له في المرض، وأما لغيره فيصح، وهنالك (تمت) (¬9) مسألة الإقرار بالكفالة، مفردة. ثم جاء بمسألة الصدقة، والحبس، والعتق، وفصل (¬10) بعضهم إقراره بالكفالة، وقال: إن أقر في مرضه أنه تكفل في صحته (¬11) في أصل عقد بيع، أو قرض فهو دين يلزم. وليس بمعروف. لأنه أخرج به الملك من يد مالكه، وإن أقر بكفالة بعد العقد فهو معروف. كالصدقة، والحبس. وهذا لا يخالفه الآخر، لأنه لا يكون ديناً إلا بكونه في العقد، كما ذكروا. وأما ¬
العتق، فكما قال في الكتاب: لا يلزم في ثلث، ولا غيره، فأنفذوها. كالصدقة، والحبس، وغير ذلك. لأنه اعترف بفعل في الصحة. وهو مرض لا تجوز (¬1) فيه أفعاله إلا في الثلث. فما فعله (¬2) في مرضه أو أوصى به إلا أن يقول (¬3): في هذه الأشياء فأنفذوها. فإنها تخرج من الثلث. وذكر محمد أنه روى عن مالك أن العتق في هذه المسألة ينفذ من الثلث. إذ لو ثبت نفذ (¬4) من رأس المال، بخلاف الصدقة، والحبس، إذ لو ثبت لم ينفذ، لعدم الحوز. قال محمد: وهذا غلط ويبطل ذلك كله. وقوله: "ما تحمل به العبد من دين (بإذن) (¬5) سيده فأفلس سيده أو مات بيع العبد، إن طلب صاحب الحق دينه قبل السيد وإن رضي أن يترك السيد، ويتبع العبد كان ذلك في ذمة العبد" (¬6). "وقال غيره: ليس ذلك له، وإنما على العبد ما عجز عنه مال سيده (¬7). فيكون في ذمته" (¬8). قيل: قول ابن القاسم هنا على قول مالك [الأول] (¬9): أن للطالب اتباع الكفيل مع يسر الغريم، وليس هذا اختيار ابن القاسم (¬10). قيل: هذا يخالف أصله هنا. ¬
وقيل: إنما هذا في هذه المسألة، لأن العبد مع سيده بخلاف غيره. وذمته وذمة سيده كشيء واحد. وقيل: بل المسألة على أصله، ولعل السيد فلس أو مات، وخاف المحاصة. وقوله في الذي أجبر عبده على الكفالة: "ذلك غير لازم للعبد، إذا قال: لا أرضى لأني إن (¬1) أعتقت لزمتني هذه الكفالة" (¬2). ثم وصل ذلك بقوله: "قال مالك في الذي يعتق عبده على أن عليه مائة دينار: إن ذلك لازم للعبد، وإن كره العبد" (¬3). كذا عندي في أصلي. وفي كتاب ابن سهل، وابن المرابط، وعليه مائة دينار. ومثل هذا في كتاب المكاتب (¬4). وفي العتق الثاني (¬5) خلافه. فقيل: لعل سحنون أدخل هذه المسألة بعد ذكره مسألة إجبار العبد على الكفالة. وقوله: لا يلزم (تنبيهاً (¬6) على الخلاف (¬7)) (¬8)، وأن مذهب ابن القاسم في المسألة خلاف قول مالك، وأنه (¬9) يأتي على قول مالك إلزام الإجبار. وهو قول (¬10) عبد الملك. وقال مثله ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه. ¬
وقيل: لعله أشار إلى التفريق بين العتق والحمالة، لحرمة العتق. ولأن ما أدخل فيه العبد من إلزام المائة انتفع بعوضها، من تعجيل العتق، ولا منفعة له (¬1) في إلزام الكفالة. ومعنى "التعنيس" (¬2): كبر المرأة في بيت أبويها (¬3). ويقال أيضاً: للتي بقيت مدة لم (¬4) تتزوج. ويقال ذلك في الرجل أيضاً إذا بقي بعد إدراكه لا يتزوج زماناً. وهي في عرت الفقهاء في البكر إذا كبرت (¬5)، ولم تتزوج. لكنهم (¬6) أجروا حكمها في أفعالها قبل التزويج، وبعده سواء. يقال: عنست المرأة، وعنست بفتح العين، وضمها، وتشديد (¬7) النون، وفتحها مع الفتح. وكسرها مع الضم. ويقال أيضاً: عنست بفتحهما (¬8) وتخفيف النون. فهي عانس. ومعنسة. ويقال: أعنست أيضاً (¬9). وأصل الكلمة من القوة، والتمام. ورأيت لبعض أهل اللغة أنها لا تسمى بذلك لأقل من ثلاثين سنة. واختلف الفقهاء في ذلك، في ذات الأب. وفي اليتيمة. من أقل من ثلاثين إلى الستين [سنة] (¬10) وبعدها، من انقطاع الحيض، بما هو معلوم في كتب أئمتنا. ¬
ومعنى "خس (¬1) من ثمنه" (¬2). بالسين أي أقل (¬3) من الشيء الخسيس، الذي لا قدر له. ومسألة الجارية البكر التي عنست، ذكر فيها قول ابن القاسم أولاً، أن أفعالها على الجواز، وإن كره الوالد، وأنها مخالفة للبكر التي لم تعنس (¬4). ثم ذكر قول مالك أنها لا تجوز (¬5). ثم ذكر رواية عبد الرحيم. كذا ثبتت هذه الأقوال على نصوصها في الأم. وكثير من النسخ. وعليه اختصر البرادعي (¬6). وسقط قول ابن القاسم أولاً، في نسخ (¬7)، ولم يكن في أصل ابن المرابط. ولا في أصل ابن عتاب. وخرجه خارجاً. وكتب عليه: طرحه ابن وضاح. [وحوق عليه في كتاب (¬8) ابن سهل وطرحها (¬9) ابن وضاح] (¬10) وابن باز. وعلى طرحها اختصر (¬11) أبو محمد وابن أبي زمنين. وقوله في المسألة الثانية عند الجميع "قلت: أرأيت الجارية البكر التي (قد) (¬12) بلغت، وعنست" (¬13)، كذا في كتاب ابن المرابط. وعند غيره في بيت أهلها. زاد في كتاب ابن المرابط ورضي حالها. وسقط [لغيره] (¬14) من ¬
كتاب ابن وضاح قوله (¬1) في آخر المسألة. ولكن وجدته في كتاب عبد الرحيم. وفي كتاب ابن المرابط على قوله: أليس قد قال مالك مرة: إذا عنست جاز أمرها. قال: لم أسمعه أنا قط منه (¬2). ولكن وجدته في كتاب عبد الرحيم. صح ليحيى بن عمر وحده. [100] وقوله في ذات الزوج: "إن كانت سفيهة، ضعيفة في؛ عقلها، لم يجز لها" (¬3). وقوله "لأن الرجل إنما يتزوج المرأة لمالها، ويرفع في صداقها لمالها" (¬4) حجة فيما ذهب إليه بعض المتأخرين من أن الزوج إنما له متكلم فيما كان لها من مال حين نكاحها (¬5) أو يرجى لها من ميراث ظاهر، وشبهه [لا] (¬6) من فائدة طرأت عليها من وجه لم تحتسب (¬7)، لأن ذلك لم يتزوجها عليه قط، بخلاف الأول. "والمرأة الأيم" (¬8): هي التي لا زوج لها. وهو في أصل اللغة يقع على الثيب، والبكر. ثم صار (¬9) في العرف على من فارقت زوجها بطلاق، أو موت. ¬
كتاب الحوالة
كتاب الحوالة (¬1) أخذت من التحول من شيء إلى شيء، لأن الطالب تحول (¬2) من طلبه لغريمه (¬3) على غريم غريمه. وقوله عليه السلام: "مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع (¬4) " (¬5). صوابه في الحرفين بسكون التاء. وبعض المحدثين والرواة يقولونه (¬6) بتشديدها. يقال: تبعت فلاناً بحقي (¬7) فأنا أتبعه. ساكنة التاء، ولا يقال: اتبعته (¬8) بفتحها وتشديدها، إلا من المشي خلفه، واتباع أثره في أمر. وفي قوله: مطل الغني ظلم. حجة أنه لا تجوز الإحالة إلا من دين ¬
حل. لأن المطل (و) (¬1) الظلم إنما يصح فيما حل. لا فيما لم يحل. وفيه (¬2) حجة أنه لا يكون ظالماً إلا إذا كان غنياً. وأن تسميته ظالماً توجب (¬3) إسقاط شهادته على ما ذهب إليه سحنون وغيره من أصحابنا (¬4). وقال غيره: لا ترد شهادته إلا أن يكون (¬5) المطل له عادة. والحوالة محمولة على الندب عند أكثر شيوخنا (¬6). وحملها بعضهم على الإباحة لما أشبهت الدين بالدين. ورخص عليه السلام في الحوالة (¬7)، وأباحها (¬8). وهي عند أكثر مشايخنا (¬9) عقد مبايعة مستثناة بالرخصة من الدين بالدين، ومن بيع العين بالعين، غير يد بيد. فخصها الشرع من هذين الأصلين، كما خص الشركة، والتولية، والإقالة، من بيع الطعام قبل قبضه، وخص العرية (¬10) من بيع المزابنة، وبيع الطعام بالطعام نسيئة، ومتفاضلاً، لما كان سبيل (¬11) هذه التخصيصات سبيل المعروف (¬12) [والرفق] (¬13)، وقد ¬
أشار الباجي إلى أنها ليس حكمها حكم البيع، ولا هي من هذا الباب، بل هي عنده من باب النقد (¬1). وشروط الإحالة التي تجوز (¬2) بها، ولا تصح دونها، أربعة (¬3): أولها: حلول الدين المحال (به) (¬4)، فلا تصح إذا لم يحل، وصار الدين بالدين حقيقة. (الثانية) (¬5): أن (¬6) يكون الدين المحال عليه نوعاً (¬7) من المحال به، [وصفته] (¬8) وقدره. فلا تصح (¬9) متى اختلفا في صفة، وقدر (¬10) ويدخله في ذلك الدين بالدين، والنسيئة (في الصرف) (¬11) وبيع العين بالعين. وفي (¬12) بيع الطعام التفاضل (¬13) في الجنس، والربا فيما لا يجوز، وبيع الطعام قبل قبضه، وغير ذلك (¬14) بحسب اختلافه، وتصوير مسائله. الثالث: رضا المحال، والمحيل [بذلك] (¬15) فلا يصح، ولا يلزم (بعدم) (¬16) رضى (¬17) أحدهما. ¬
الرابع: ألا يكون الدينان (¬1) طعاماً من سلم، أو أحدهما، ولم يحلا معاً، على خلاف في هذا الأصل عندنا. فأصل ابن القاسم ما تقدم. وغيره يجيز ذلك بحلول المحال به. ¬
كتاب الرهون
كتاب الرهون (¬1) [أصل] (¬2) معنى الرهن اللزوم (¬3). وكل شيء ملزوم، فهو رهن. يقال: هذا رهن لك. أي محبوس دائم (¬4) لك. وكل شيء ثبت ودام فهو (¬5) رهن. يقال: رهنتك، فأنا راهن. وأنت مرتهن، بكسر الهاء. (ولا يقال على الشيء المرهون.) (¬6) ولا يقال (¬7): أرهنت (¬8). وأما المرتهن، بفتحها، فالشيء (¬9) المرهون. وسمي (¬10) رهنا بالمصدر. وقد يطلق المرتهن بفتح الهاء أيضاً على أخذ الرهن، لأنه وضع عنده الرهن. ويطلق على الراهن، لأنه سئل الرهن. ¬
وحديث: لا يغلق (¬1) الرهن (¬2). وقول ابن شهاب بعده، وقول ربيعة في هلاك الرهن، ثابت عند (ابن) (¬3) عيسى للدباغ. وكان في كتاب ابن عتاب مخرجاً. وسقط في نسخ. ومعنى لا يغلق: لا يمنع (من) (¬4) فكه. أي يكون بما فيه، وإن زاد، إذا لم يوفه صاحبه حقه (¬5) إلى أجله، وهو شيء كانت الجاهلية تفعله. والغلق: الهلاك. يقال: غلق الرهن، بكسر اللام، يغلق. وقيل: معناه لا يكون له مخلص، ومخرج من الغلق. وهو ضيق الصدر (¬6). وقوله في ضمان الرهن: يضمن ما زعم أنه ضاع مما يغاب عليه، ولا يضمن ما لا يغاب (¬7) عليه (¬8). اختلف قدماء شيوخنا، ومتأخروهم (¬9) في اليمين هنا. فأما ما يغاب عليه ويضمنه، ففي العتبية: أنه يحلف (¬10). وقد قال ابن مزين: يحلف لقد ¬
ضاع بلا دلسة دلسها فيه. وما يعلم (¬1) له موضعا منذ ضاع، ووجه (¬2) يمينه مع ضمانه تهمته (¬3) على الرغبة في عينه، وعليه حمل ظاهر المدونة بعض الشيوخ (¬4). وبه أخذ (¬5) إسحاق بن إبراهيم (¬6). وذهب العتبي (¬7) أنه لا يمين عليه. وقال (¬8): كيف يحلف ويضمن، ونحوه لمالك في هذا الأصل. قال العتبي: إلا أن يقول الراهن: أخبرني مخبر صدق على كذبه، وأنه رأى الرهن عنده قائماً، ويحلف على ذلك، فحينئذ يحلف، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، الأكبر (¬9). وأما ما لا يغاب عليه فاختلف فيه المتأخرون: فقيل: يحلف على كل حال. بخلاف المودع المختلف فيه. وقيل: (هو) (¬10) كالمودع، يختلف فيه على الأقوال الثلاثة المعلومة (¬11). ¬
وقيل: يحلف المرتهن هنا، إن كان غير متهم ما فرطت، ولا ضيعت، ويريد المتهم ولقد ضاع (¬1). ومسألة "رهن الكفيل إذا ضاع عند المرتهن، وذكر بعدها مسألة إذا تكفل، ورهن بغير أمر الذي عليه الحق" (¬2)، سقطتا لابن القاسم، وثبتتا (¬3) لغيره. ومسألة "إذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه، إلا أن يجيزه المرتهن. ويعجل له حقه، ولم يكن للراهن أن يأبى ذلك" (¬4)، "فإن باعه بإذن المرتهن فقال (¬5): لم آذن له ليأخذ الثمن، فإن أتى الراهن [101] برهن ثقة يشبه [الرهن] (¬6) الذي باع ووقف (¬7) له؛ رهنا (¬8) وأخذ (¬9) ¬
الراهن الثمن، فإن لم يقدر على رهن مثل [رهنه] (¬1) الأول تكون قيمته مثل قيمة الرهن الأول، ووقف له الثمن" (¬2) ثم قال: وإنما ذلك إذا باع الراهن والرهن في يد المرتهن لم يخرج من يده. وأما إن أمكنه منه فقد نقض رهنه (¬3). لم يبين في مسألة الكتاب أولاً إذا باعه بغير أمره، هل قبل القبض أم لا؟ ومعناه بعد القبض. وقد فسر ذلك آخر المسألة (¬4) بقوله: "وإنما ذلك إذا باع الرهن وهو في يد المرتهن لم يخرج من يده" (¬5) فجاء ذلك على وجوه المسألة كلها. وكذا في كتاب محمد، إلا ما ذكر من الخلاف فيها عن مالك، وأصحابه، أن البيع يمضي، ويعجل له حقه، ولا خيار للمرتهن في ذلك، إلا أن يبيعه بأقل من الدين، أو بخلافه، لم (¬6) يتكلم في الكتاب [هنا] (¬7) إذا باعه قبل القبض، وقد تكلم عليه آخر الكتاب (¬8) في مسألة ميمون (¬9) أن البيع ¬
ماض (¬1)، وليس له أخذه برهن غيره. قال: لأن تركك إياه حتى باعه وقد أمكنك منه (¬2) كتسليمك لذلك، وبيعك (¬3) الأول غير منتقض (¬4)، وكذلك في بعض روايات محمد. قال: ولا يعجل له حقه، ولا يوضع (¬5) له رهن (¬6) عند مالك، وابن القاسم (¬7). وفي رواية أخرى: ويوضع (¬8). وعلى هذه الرواية نقل أبو محمد المسألة من كتاب محمد في نوادره (¬9)، ومختصره. قال (¬10): ويوضع (¬11) له رهن (¬12) إلى أجله (¬13)، وعليها نقلها أيضاً من كتاب محمد ابن أبي زمنين، وغيره. ونقلها اللخمي عنه، ولا يوضع على الرواية الأخرى (¬14). أو كما (¬15) في المدونة. وكذا ذكر أبو محمد في نوادره (¬16)، في موضع آخر، عن أشهب، في كتاب محمد. وتأمل قوله: "لأن تركك إياه حتى باعه وقد أمكنك أخذه كتسليمك ¬
لذلك" (¬1). يدل أنه لو لم يتراخ في القبض فبادر الراهن لبيعه (¬2) لم يبطل الرهن. ومضى البيع. وكان ثمنه رهناً. وكذا تأويل أبي محمد. وقال غيره: بل لا يجوز هنا بيعه، ويرد، ويبقى رهنا. [فإن فات به مشتريه كان الثمن رهناً (¬3)] (¬4)، وإلى هذا أشار بعض شيوخنا (¬5) وهو على قولهم هذا في مسألة جواز الهبة إذا مات الواهب قبل التراخي في حوزها. وأشار بعض شيوخنا إلى أن هذا فيما [من الرهن] (¬6) كان شرطاً في أصل العقد، فباعه الراهن بعد (¬7) التراخي. وأما ما كان بيعه مبادرة لإخراجه من الرهن فينتقض فيه البيع. فإن فات بيد (¬8) مشتريه بقي الثمن رهنا. فأما ما تطوع به من الرهن بعد العقد فحكمه في بيعه قبل قبضه حكم بيع الهبة قبل قبضها. وفي كتاب محمد سواء قرب أو بعد، ينفذ البيع (¬9). ولعبد الملك في المجموعة: كان بتفريط (¬10)، أو غيره، فالبيع نافذ (¬11). وهذا كله على الخلاف في مسألة الهبة المبيعة. وقال بعض المشايخ: إنما يبطل الرهن إذا سلم المشتري السلعة قبل ¬
بيع الرهن (¬1)، فأما لو كانت سلعته عنده (¬2) (قائمة) (¬3) فها هنا (¬4) لا يلزمه (¬5) تسليمها (¬6) حتى يدفع إليه رهنا، كان قد فرط في قبض الرهن أو لا. فتأويل أبي محمد على روايته، أن مسألة المدونة أنه لا يوضع رهنا، غير مخالف لكتاب محمد. وأن مسألة المدونة فيها تراخي. ومسألة غير المدونة ليس فيها تراخي (¬7). وانظر قوله: إن أتى الراهن برهن ثقة يشبه (¬8) رهنه (¬9). وقوله بعد "تكون قيمته مثل قيمة الرهن الأول" (¬10)، يبين لك أنه إنما يريد مثل الرهن الأول، فإن كان زائداً على (¬11) الدين لأنه قد رضي الآخر بذلك، إذ عليه (¬12) عقد [عقده] (¬13)، إذ لهذه (¬14) الزيادة فائدة، فقد تنخفض الأسواق في الأجل، فلا يفي بحقه. وقيل: قد يكون معناه أن يكون (الأول) (¬15) حيواناً، أو ما (¬16) لا ¬
يغاب عليه، ولا ضمان على المرتهن فيه، فيأتيه بخلافه، فلا يلزمه. ومسألة مشترط إسقاط ضمان (¬1) ما يغاب (¬2) عليه، قال في آخرها: قال ابن القاسم: وكذلك من استعار ما يغاب (¬3) عليه على أنه لا ضمان عليه، فالشرط باطل، وهو ضامن (¬4)، [وكذلك الصانع يشترط أنه لا ضمان عليه، فالشرط باطل، وهو ضامن (¬5)] (¬6) صحت هذه المسألة [لابن وضاح وحده، وسقطت لغيره هنا، وقوله: ألا ترى لو أن رجلاً ارتهن داراً، أن غلتها لا تكون رهناً معها، أو ارتهن غلاماً، أن خراجه لا يكون رهنا معه، ولو اشتراها كانت غلتها له، فهذا لا يشبه البيوع (¬7). صحت هذه المسألة أيضاً] (¬8) في الأصول (¬9)، وسقطت لابن هلال، والدباغ. ومسألة شهادة الرهن للدين (¬10) إذا اختلف الراهن والمرتهن فيه، "القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن" (¬11) في قيام الرهن بعد أن يحلف، وكذلك في إتلافه، القول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة صفة الرهن بعد تواصفهما له، ويصدق المرتهن في الصفة إن اختلفا فيها (¬12). ومعناه أنه ادعى ضياعه هذا معنى ما في الكتاب، وتفسير ما أبهم منها، لكنه يختلف ¬
في قيامه على مذهب ابن القاسم، فينظر (¬1) إلى قيمته (¬2) يوم الحكم، وفي ضياعه ينظر إلى قيمته (¬3) يوم القبض. وقال غيره: إنما ينظر في الحالين، قيمته يوم القبض، ثبت قول غيره في بعض روايات المدونة، وتمام (¬4) المسألة في أصولنا من كتاب محمد، والعتبي، وأنه إن ثبت هلاكه ببينة، أو كان مما لا يضمن من الرهون (¬5) فهلك، فلا يلتفت إلى شيء من قيمة الرهن، ولا يكون شاهداً للمرتهن، ولا يلزم الراهن [إلا] (¬6) ما أقر به، إذ ليس ثم رهن قائم يشهد له. وقوله [في الكتاب] (¬7) في المسألة، "وأدى قيمة رهنه، وأخذ رهنه إن أحب، وإلا فلا سبيل له إلى رهنه" (¬8) في (¬9) كتاب ابن عبدوس، إن دفع الراهن ما قال المرتهن، وإلا بيع له الرهن، ودفع إليه من ثمنه ما ذكر. قال القاضي رحمه الله: ظهر لي أن مذهبه من هذه المسألة ظاهر ما في كتاب محمد (¬10)، وما في سماع يحيى، أنه إنما يكون الرهن شاهداً لنفسه، لا على الذمة (¬11)، وإن حقه إنما يكون في عين (¬12) الرهن، لا في (¬13) سواه، حتى لو تلف ببينة، أو هلك. وكان مما لا يغاب (¬14) عليه، ¬
أو (استحق، لم يطلب الراهن بغير ما أقرَّ به، بعد أن يحلف، خلاف ما يظهر من قول القاضي [102] /؛ عبد الوهاب (¬1)، وأصبغ (¬2). وتأويل بعضهم على الكتاب،) (¬3) أن الرهن شاهد على الذمة، يلزم به صاحب الرهن في قيامه وتلفه كما يلزم ما أقر به. ولو (¬4) كان الرهن على قوله هنا شاهداً على الذمة لم يجبر (¬5) ربه في فكه، أو تركه (¬6). بل كان يلزمه شاء (¬7)، أو أبى. كما (¬8) يلزمه في الدين (¬9) الذي يتفقان عليه، ولكنه إنما تعلق حقه بعينه، فإذا فداه بما ادعاه المرتهن لم تبق له حجة، وإن أبى لم يلزم صاحبه فداؤه (¬10)، إذ (¬11) لم يلزم شيئاً في الذمة، وإنما تعين (¬12) حقه بعين الرهن، إلى أن يرجع (¬13) أحدهما إلى قول الآخر. ويتفقا (¬14) على شيء، وعلى هذا اختلف هل يلزم الراهن اليمين، ويسقط عنه تكلف بيعه إذا كلفه ذلك المرتهن وقال: أنا لا أتكلف بيعه؟. فقيل: يحلف الراهن أنه ما رهنه إلا فيما أقر به، ويسلم الرهن. وقيل: لا يمين عليه، إذ لا يلزمه تكلف بيعه، ولا على المرتهن في ذلك كبير مشقة، لأن الاستحقاق والموت من الطوارئ. وقد رجح بعض ¬
شيوخنا هذا القول. والأصح عندي أنه لا بد من يمين الراهن، ليسقط الطلب (¬1) عن ذمته على القول بتعلقه بالذمة، أو للخلاف (¬2) في ذلك، ولم يختلف في أيمانهما معا (¬3)، إذا كانت قيمة الرهن دون ما ادعاه المرتهن، وفوق ما أقر به الراهن. وكذلك اختلف في صفة اليمين في هذه المسألة. فقال في المدونة: "لا يصدق المرتهن (¬4) - يريد في الزيادة - وعلى الراهن اليمين. فإذا حلف برئ مما زاد على قيمة الرهن" (¬5). ولم (¬6) يتكلم هنا على يمين المرتهن. ولا إشكال في يمينه قبل الراهن، ليصحح (¬7) دعواه ويمينه في مبلغ قيمة الرهن. فاكتفى بجوابه في المسألة قبلها، إذا ادعى قيمة الرهن (¬8). وفسر المسألة وبينها مالك. فقال في الموطأ: يحلف المرتهن على ما ادعى من دينه. ويقال للراهن: إما أن تعطيه ذلك، وتأخذ رهنك، أو تحلف (¬9) على ما قلت أنك رهنته به، ويبطل عنك ما زاد (¬10) المرتهن، فإن لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن (¬11)) (¬12). وقال (¬13) محمد: المرتهن مخير بين أن يحلف على دعواه أو ¬
(على) (¬1) قيمة الرهن وذهب بعض القرويين إلى أنه إنما يلزم [الحلف] (¬2) المرتهن على قيمة الرهن التي شهدت له على غيرها (¬3) كما لو ادعى عشرين فشهد له شاهد بخمسة (¬4) عشر فإنه (¬5) يحلف مع شاهده، وما قاله مالك وأصحابه يخالفه (¬6)، ولا يشبه الرهن الشاهد (¬7)، لأن الرهن متعلق بجميع الدين، والشاهد لا تعلق له بشيء منه إلا بما يشهد به. وقوله في المدونة: إذا "أدى (¬8) قيمة رهنه (إن أحب) (¬9) " (¬10) ظاهره مثل قول ابن نافع وخلاف (¬11) ما روى يحيى عن ابن القاسم أنه لا يأخذ رهنه إلا أن يدفع عشرين (¬12) ولا للمرتهن أن يلزمه الرهن بخمسة عشر ولا يجبر على أخذه إلا أن يرضى المرتهن بعشرة (¬13) وهذا أصل لأشهب وهو (¬14) أبين في أنه إنما هو رهن بنفسه فقط وشاهد على نفسه لا على ذمة الغريم (¬15). ¬
ومسألة "نفقة الرهن (¬1) " (¬2) وقع (فيها) (¬3) في الكتاب [منها] (¬4) اختلاف في التأويل من الشارحين، لأنه قال: "إن نفقة المرتهن سلف" (¬5)، ولا تكون (¬6) في الرهن، إلا أن يقول: "أنفق على أن نفقتك في الرهن، فإن قال له ذلك، رأيتها في الرهن" (¬7)، ثم قال بعد ذلك: "إلا أن يكون له غرماء، فلا أراه أحق بفضلها لأجل نفقته" (¬8)، إلا أن يكون اشترط أن نفقة (¬9) الرهن بها رهن (¬10) أيضاً، فبعضهم حمل الكلام على وجه، وأنه لا يكون رهنا في النفقة حتى ينص له على ذلك، ولا ينفعه أن يقول له: على أن النفقة في الرهن، إذ معنى هذا يأخذها من الرهن، لا أن (¬11) الرهن بها رهن، بخلاف إذا نص عليه، وهو ظاهر كلامه في الكتاب، وإليه ذهب ابن شبلون. وقيل: لا فرق بين اللفظين (¬12)، وإنما في الكلام تقديم، وتأخير، وتكرار (¬13)، وإن صواب الكلام تقديم قوله: إلا أن يكون له غرماء، إلى آخر الكلام، إلى قوله: "إلا أن يكون اشترط أن النفقة التي أنفق الرهن بها ¬
رهن" (¬1)، وثم يأتي هنا اللفظ المقدم (¬2) أولاً، [وهو] (¬3) إلا أن يقول له: "أنفق على أن نفقتك في الرهن" (¬4)، أو يكون الكلام أولاً، ثم عند قوله: ويحسبها بنفقته، وبما رهنه (¬5) فيه (¬6)، ثم كرر معنى المسألة بلفظ آخر. فقال: إلا أن يكون غرماء، إلى آخر المسألة. ويدل على هذا وأنهما بمعنى، أن في بعض روايات المدونة آخر المسألة، إلا أن يكون اشترط أن النفقة التي أنفقها في الرهن أيضاً (¬7)، وهذا نص اللفظ الأول بعينه، وعلى أنهما بمعنى، اختصر المسألة بعضهم، وعلى التفريق اختصرها أبو محمد، وغيره. ومسألة الصيام (¬8) ثبتت هنا في أكثر النسخ. ومن هنا اختصرها المختصرون. وسقطت هنا من كتاب ابن عتاب. وألحقها في كتاب الصيام على ما نبهنا عليه هناك. وقوله "في الوصي، يرهن لنفسه عروضا لليتيم، ليس ذلك له" (¬9). كذا لابن وضاح، والعسال، وأكثر الرواة. وكذا في أصل ابن عتاب، بغير اختلاف. ¬
ولإبراهيم (¬1) بن قاسم (¬2) في كتاب ابن سهل، و (لغير) (¬3) العسال في رواية القرويين، فذلك له (¬4). وقال أبو عمران: وعلى الرواية الأولى يستقيم نسق (¬5) كلامه (¬6): "إلا أن يكون سلف (¬7) لليتيم من غيره" (¬8) وأما الرواية الثانية فيكون هذا استئناف كلام لسحنون مخالفاً (¬9) لما تقدم لابن القاسم، ومصلحاً للمسألة، وعلى الرواية الثانية أضرب عن كلام ابن القاسم، وأصلح المسألة (على رأيه) (¬10). ومسألة "مهر الأمة" (¬11) (سقطت) (¬12) [من] (¬13) هنا في كتاب ابن عتاب، وبقيت (¬14) في سائر الروايات، والأصول. ومن هنا نقلها المختصرون، والشارحون. وقوله: "ليس له أن يأخذ مهر أمته، ويدعها بغير جهاز" (¬15) عارض [بها] (¬16) بعضهم مسألة النكاح، وجعلهما قولين. وبعضهم جمع بينهما، بأن ¬
تلك فيمن (¬1) لم تبوأ (¬2) معه بيتاً، وهذه فيمن تبوأت (¬3) معه (بيتاً) (¬4). وعندي أنها وإن لم [103] /؛ تبوأ (¬5)، فمن حقه أن يستعمل جهازها (¬6) فيما تتطيب (¬7) به وتتزين، وتتنظف عند اجتماعه معها، فهو من حقه في جهازها، فإن أثبتنا لها جهازاً مع التبوئ فلنثبته مع (¬8) عدمه، لما ذكرناه. ويجمع بين القولين بغير هذا التعليل، أو يجعلهما خلافاً من قوله. ومسألة "إذا اشترى الرجل من مال ابنه الصغير" (¬9) هي (¬10) عند ابن عتاب موقوفة. وقال طرحها ابن القاسم، وثبتت لابن وضاح، وابن باز. ومسألة المؤاجرة في عمل الكنيسة، أو كراء الدابة لها، أو داره، لذلك (¬11) سقطت عند ابن عتاب (¬12). و"مسألة الخلخالين" (¬13). وقوله: فإن ضمن قيمتهما (¬14) من الذهب، أتكون القيمة رهنا، أم يقبض هذا الذهب، إلى قوله: تكون هذه القيمة رهناً، ويطبع عليها (¬15)، وتوضع على يد عدل، إلى آخر المسألة (¬16). هي ¬
ثابتة في الأصول، مطروحة [عند ابن وضاح وحده] (¬1). وقوله: "ويطبع عليها، وتوضع على يدي (¬2) عدل" (¬3). كذا أيضاً في أكثر النسخ بالعطف، وواو الجمع. وعليها (¬4) احتصرها أبو محمد، وغيره. وهي روايتنا. وفي كتاب ابن سهل: أو توضع على يدي (¬5) عدل، على التقسيم، واستحسن هذه الرواية بعض شيوخنا الأندلسيين ممن أدركناه، لأنها إذا وضعت على يدي (¬6) عدل استغني عن الطبع عليها، وعلى هذا جاءت مسائله فيما وضع على يدي (¬7) عدل، أنه لا يحتاج إلى طبع، لأن علة السلف مأمونة، لأنها إنما يخشى مع صاحب الرهن، والمرتهن. وعلى هذه الرواية يجوز وضعها على يدي صاحبها مطبوعة، إذ يؤمن (¬8) علة (¬9) السلف في ذلك أيضاً، ولأنه إن (¬10) أتلفها ضمنها، وليست مما يراد (¬11) لعينه، فيخشى أن يتلفها (¬12)، أو يحبسها لرغبة له فيها، ويؤدي قيمتها، لكنا (¬13) نطبع (¬14) عليها لئلا يتعجل حقه قبل الأجل. قال سحنون تأديباً له، لئلا ¬
يفعل الناس ذلك بما أرهنوه (¬1)، فيتعجلوا حقوقهم (¬2). وعلى الرواية الأخرى، ألا توضع (¬3) على يديه، لأنه قد تعدى أولاً، فلا يعرضها (¬4) ثانياً للتعدي، والعدم (¬5). وقد يتلفها فلا يوجد (¬6) عنده شيء (¬7) إلا الدين. وقد تكون أكثر منه، فيخسر (¬8) الزيادة. وقيل: [يحتمل أن] (¬9) يدفع (¬10) القيمة لرب السوارين. لو جاء برهن ثقة. [وقوله] (¬11) فإن (¬12) كسرهما ثم استهلكهما (¬13). قال عليه قيمتهما (¬14) مصوغين. قلت: أليس قد قلت: إذا كسرهما رجل ولم (¬15) يتلفهما، فإنما عليه ما نقصت الصياغة. قال: هذا أحب إلي، وإليه أرجع [وأرى] (¬16) أن يضمن قيمتهما من الذهب مصوغين، استهلكهما، أو كسرهما، فهما (¬17) ¬
سواء. ويكونان له (¬1). كذا ثبت في كثير من النسح. وسقط هذا من كتاب ابن عتاب. وصحت في كتاب ابن سهل. وابن المرابط. وكتب عليها: سقطت عند ابن باز، والقابسي. وقال ابن وضاح: طرحها سحنون. وثبت هذا القول في كتاب الغصب. قال: عليه قيمة الصياغة (¬2). وقال أبو عمران: قوله: ما نقصت الصياغة (¬3)، وقيمة الصياغة سواء، [إنما] (¬4) يعني بذلك ما بين قيمتها (¬5) صحيحة، ومكسورة. وروى أشهب عن مالك: عليه أن يصوغهما. وقوله بعد ذلك: "قلت: أرأيت إن ارتهنت سوارين من ذهب بدراهم، فأتلفهما وقيمتهما مثل الدين سواء، وقد استهلكتهما (¬6) قبل محل الأجل، أتكون (¬7) القيمة رهناً، أم يجعلهما (¬8) قصاصاً. قال: [أرى] (¬9) القيمة رهنا إلى الأجل" (¬10). كذا عند ابن عتاب. وفي كتاب ابن سهل: فهشمت السوارين، أو كسرتهما، أو أتلفتهما (¬11)، وكتب: كذا في الأسدية. وأصلحت، فأتلفتهما (¬12). وفي (¬13) كتاب ابن المرابط: فهشمتهما، أو أتلفتهما. وقوله في الذي يرهن رهناً على أنه إن لم يأت (¬14) بحقه إلى أجل كذا ¬
وكذا فالرهن لك بما أخذ منك. قال: هذا الرهن فاسد، وينقض هذا الرهن [ولا يقر] (¬1) من بيع كان أو قرض (¬2). ظاهر المسألة أن الرهن بعد عقد البيع في ثمن حال، فأخذه (¬3) به لأجل الرهن، فاستوى هنا فيه القرض، والبيع، لأنه في هذه المسألة في البيع إذا كان بعد العقد كان تأخيره على هذا الرهن كالسلف عليه، وصار بيعاً فاسداً، باع منه هذا الرهن، بهذا الدين إلى ذلك الأجل بشرط إن لم يوفه دينه، فإن وفاه فلا بيع بينهما، فصار من بيع الغرر، والبيع والسلف، مرة بيعاً، ومرة سلفاً، فيرد، ويفسخ هذا الشرط، ولا ينتظر به الأجل. ويأخذ (¬4) صاحب السلف سلفه، أو البائع (¬5) ثمن سلعته، لأن البيع الأول صح، إنما دخل الفساد في الرهن في ثمنه، ويكون هنا أحق برهنه، حتى يوفيه الذي عليه الحق حقه، لأنه بمعنى الرهن أخذه. وفي كتاب ابن حبيب (¬6): إذا وقع الرهن فاسداً بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهناً فلا يكون أولى به، لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن (شيئاً) (¬7) ويظهر أن هذا خلاف المدونة. لأنه قال في الكتاب: "من قرض، أو بيع" (¬8). وقد يكون معنى ما في الكتاب عندي على ما قدمناه، أنه [إنما] (¬9) أخره (¬10) من ثمن البيع. كما قال محمد (¬11)، فيمن أخر بدين لم ¬
يحل إلى أبعد من أجله، على إعطاء حميل، أو رهن (¬1)، أنه تسقط الحمالة، ويرد الرهن إلى ربه، إن أدرك قبل أن يدخل في الأجل الثاني، لأنه إذا دخل في الأجل الثاني [فيصير] (¬2) كسلف لا يحل فيه رهن مقبوض، فالرهن له (¬3) ثابت (¬4). ومعنى مسألة ابن حبيب، أن الثمن كان مؤجلاً (¬5)، فها هنا إذا فسخنا الرهن لزمه بحقه، ولم يكن أحق به، إذ لم يخرج من يده شيئاً (¬6) لأجل الرهن، ولم يفسخ الأجل، لأنه من بيع، ولو كان هذا الشرط في عقد البيع لكان البيع فاسداً، وفسخناه ما لم يفت، وأبطلنا (¬7) الأجل في قيمة المبيع إذا فات وكانت القيمة حالة، كما صار السلف الذي رهنه (به) (¬8) على (¬9) هذا الشرط حالاً، كما قال في الكتاب، "فسخ قبل السنة، ولم ينتظر به السنة" (¬10) إلا أن يحل الأجل، وقد فات الرهن بما يفوت به مثله على ما تقدم في الكتاب، وغيره. فيصير (¬11) [104] / حكمه في الوجوه كلها حكم البيع الفاسد، إذا فات فيمضي (¬12) بقيمته ويقاصه بها من السلف الذي عليه، أو ثمن البيع الأول، إن كان صحيحاً، واشتراط (¬13) الرهن بعده، أو من قيمته إن كان فاسداً، وهو معنى قوله في الكتاب آخر المسألة: "فإنها ترد ¬
إلى الراهن، ويأخذ دينه. وهذا البيع (¬1) فاسد" (¬2) [أي بيع الرهن بالدين الذي عليه للشرط (¬3) إن لم يوف به مضى بفوته في الكتاب بما يفوت به البيع الفاسد] (¬4) وعلى أصله يلزمه قيمته يوم حل الأجل، كان مما يغاب عليه أم لا. لأنه حينئذ دخل في ضمانه، وصح مقبوضاً له بالبيع الفاسد على أصله في البيع الفاسد، أنه يراعى قيمته يوم القبض، وذكر ابن عبد الحكم عن مالك في مسألتنا يوم يفوت، وحكى ذلك محمد (¬5)، ولم يسم قائله، وفرق ابن عبد الحكم في المبسوط في مسألتنا، بين فوت ما لا يغاب عليه بفعل حائزه (¬6)، من (¬7) [بناء] (¬8) ربع، أو هدم، أو عتق، في رقيق، وشبهه. وبين ما كان من السماء. فقال: ما كان من فعل حائزه (¬9) فهو الذي يضمنه، ويكون (¬10) عليه قيمته يوم فوته، وما (¬11) لم يكن من فعله لم يضمنه، لأن يده كانت عليه بالارتهان. وعقد آخره (¬12)، فالثمن فاسد يفسخ، ويبقى تحت يد حائزه رهنا، كما كان (¬13)، حتى يقبض حقه، بخلاف ما كان بيعاً فاسداً، ولم يكن رهنا. أنظر قوله "في الثوبين المرهونين، إذا ضاع أحدهما، فاختلفا في قيمته، القول قول المرتهن في قيمة الرهن، إذا هلك بعد الصفة مع ¬
يمينه" (¬1). كذا عندنا. وفي نسح بعد الصفقة (¬2)، والصفة (¬3) أبين. ومعنى قوله في القيمة بعد أن يصفه، ويقومه غيره، لا أنه يحلف على قيمته، بل إنما يحلف على صفته. ثم قال: "ويذهب (¬4) من الرهن بمقدار (¬5) قيمة الثوب الذاهب" (¬6). كذا عندنا. ومعناه: أي يسقط عنه من الدين بمقدار ما تلف من الرهن. قال بعضهم: أبين من هذا [أن] (¬7) لو قال: ويسقط من الدين، وهو ما بيناه. وفي قوله هنا: القول قول المرتهن في قيمة الرهن، ولم يفصل، دليل (أن) (¬8) مذهبه أن الدين ليس بشاهد للرهن، وأن القول قول المرتهن، وإن لم يذكر من صفة الرهن ما يشبه الدين، ومن قوله (¬9) في كتاب محمد، وفي العتبية لأصبغ خلافه، وأنه لا يصدق فيما لا يشبه، وأن الراهن إن ادعى صفة تسوى (¬10) مقدار الدين، فالقول قوله بجعل الدين شاهداً للرهن. واختلف فيه قول أشهب ففي (¬11) كتاب محمد، مثل هذا. وله في العتبية: القول قول المرتهن، وإن لم يذكر إلا ما يساوي (¬12) درهماً، مثل قول ابن القاسم، وقاله ابن عبد الحكم، وابن حبيب. ولم يختلفوا أن الرهن شاهد للدين، وأن القول قول من ادعى قيمته، ¬
إلا (¬1) ما وقع في العتبية، أن القول قول المرتهن أبداً، فإن (¬2) كانت قيمة الرهن ما أقر به الراهن، وهذا على أنه رهن بنفسه، وشاهد عليها بذاته، لا على ذمة الراهن، وقد بينا هذا الأصل قَبْلُ. ومسألة (من أعتق أمة الرهن، أو دبرها (¬3)، وتفريقه بينهما) (¬4) وقال ابن وهب: قال (¬5) مالك: وكذلك التدبير، مثل العتق (¬6). ثبت قول ابن وهب (¬7) عن ابن القاسم (¬8)، والدباغ (¬9). وسقط لغيرهما. وثبت قوله بعد: وأما الكتابة إلى آخر كلامه (¬10) فيها لابن المرابط: وهي لابن القاسم (¬11) وحده عند ابن عتاب. وقوله: "إلا أن تكون (¬12) قيمة الكتابة مثل الدين، فيجوز بيع الكتابة في الدين" (¬13). ثبت لابن عتاب، وسقط لابن المرابط. ومسألة "من أعتق عبده، ولا مال له [غيره] (¬14)، وعلى السيد دين، ¬
فأراد الغرماء بيع العبد، فقال: خذوا دينكم مني، أو قالها أجنبي" (¬1). "ومسألة العبد يجني فيعتقه سيده" (¬2). سقطتا من كتاب ابن عتاب. ومسألة من استعار عارية ليرهنها. وقوله: واتبع (المعير) (¬3) المستعير بقيمتها (¬4). كذا عند شيوخنا. وكذلك رواية يحيى بن عمر. وعليه (¬5) اختصر أبو محمد. وفي بعض الروايات بثمنها. وفي أخرى بما أدى (¬6) قال يحيى: وهذا أصوب (¬7). وهو بمعنى رواية بثمنها (¬8). وهو قول أشهب (¬9). وفي الراهن يقر أن العبد "الرهن (¬10) لغيره (¬11) " (¬12). ثبت عندنا لابن وضاح فيها قول غيره، إلا أن يكون الرهن مالاً (¬13) آخر إلى قوله: و [إن] (¬14) أراد الذي أقر له أن يأخذ عبده ويفتكه بالدين، ويرجع بذلك على ¬
الراهن يطلبه به، فذلك له. زاد في رواية ابن هلال، قال سحنون: إن شاء ضمنه قيمته يوم رهنه، وسقط (¬1) قول غيره، وقول سحنون، في أكثر الروايات (¬2). وذكر ابن أبي زمنين قول غيره بلفظ آخر. والمعنى متقارب. وقال: لم يكن عند ابن وضاح، وذكره (¬3) بعض الرواة عن سحنون. ومسألة "إذا أعتق المعير العبد الرهن (¬4)، يقال له إن كان موسراً: أدِّ الدين، وخذ عبدك" (¬5). زاد في رواية ابن وضاح: "إلا أن تكون قيمة العبد أقل من الدين، فلا يكون عليه (¬6) إلا قيمته، لأن قيمته كأنها (¬7) هو" (¬8). وسقط للدباغ، وهو صحيح. ومسألة "العبد المأذون يشتري (¬9) من يعتق على سيده وهو (¬10) يعلم أو لا يعلم، (والبائع يعلم أو لا يعلم) (¬11)، فذلك سواء. وينفذ البيع، ويعتقون على العبد. إلى آخر المسألة" (¬12). طرحها سحنون. وقال: هي خطأ. وصحت عند سعيد بن حسان (¬13)، ................................. ¬
(وزونان (¬1)) (¬2) وهي خلاف ما في كتاب العتق، والوكالات (¬3)، والقراض (¬4)، في التفريق (¬5) بين علمه، وغير علمه، وأنه إن علم المشتري لم يجز على الآمر، ورب المال وإن (¬6) لم يعلم أعتق عليهما. وقال أشهب في المأذون لا يعلم: يعتق (¬7) إذا لم يعلم، وفي بعض روايات المدونة نحو قول البرقي (¬8)، في مسألة الوكيل يشتري أبا رب المال وهو عالم، وفي بعضها (¬9) هنا عند قوله: "قال أرى إن باعه البائع وهو يعلم، أو لا يعلم، فذلك سواء" (¬10). فلم يصرح بعدم علم العبد، فإن كان إنما رد المسألة على العبد، فهو وفاق لما في كتاب العتق، والوكالات، والقراض، وقد تقدمت في الوكالات. وفي بعض روايات المدونة، في آخر المسألة، قال سحنون (¬11): وقد كان يقول غير هذا أنه إن كان العبد علم بذلك واشتراه على ذلك، وهو ¬
يعلم، فإن ذلك لا يجوز، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أعطاه سيده مالاً يشتري به (له) (¬1) [عبداً] (¬2)، فاشترى أبا مولاه، أو ابنه، وهو يعلم، فإن ذلك لا يجوز على سيد العبد (¬3)، ويرد البيع. قال سحنون: [105] وهذا أحب إلي (¬4)، ثبتت هذه الزيادة في كتاب؛ أبي عبد الله ابن الشيخ لابن وضاح. وقال: قرأتها من الأصل. قال القاضي رحمه الله: وهذا بين، أن ما تقدم خلاف من قوله بين. ومسألة "إن أعرت سلعة رجلاً (¬5) ليرهنها فرهنها في غير ما أمره به (¬6) إلى آخرها" (¬7). وقول غيره فيها ثبتت (¬8) هنا عندي، وكانت ساقطة هنا، من كتاب ابن عتاب، ثابتة عنده آخر المسألة، من الكتاب، مع قول غيره. وسقطت للدباغ. وثبتت في كتاب ابن سهل. وسقط عنده قول غيره. وثبتتا (¬9) جميعاً في كتاب ابن المرابط. وقال: لم يقرأه ابن وضاح، يعني قول غيره (¬10)، ولم يذكر ابن أبي زمنين قول غيره، ونبه على سقوط قول ابن القاسم في بعض الروايات. وقوله في الرجلين يرهنان داراً من رجل فيقضي أحدهما أيكون له أن يأخذ حصته [من الرهن] (¬11). قال ذلك له (¬12). خرج منها بعض الشيوخ ¬
جواز حوز الجزء المشاع مع الراهن المالك لنفسه. ومذهب الكتاب، ومشهور المذهب أن حوزه لا يكون إلا بأن يحوز المرتهن جميعه، أو يجعلاه على يد غيرهما. وقيل: يجوز إذا حل في الجزء المشاع محل صاحبه (¬1) , وكانت يده عليه كيده (¬2). وقيل: إنما يصح ذلك فيما لا ينتقل به من الرباع. [فأما ما ينتقل به] (¬3) فلا يصح وضع أيديهما عليه. وعندي أنه لا حجة للقائل من هذه المسألة، ولا تخريج لهذا القول (¬4) منها، لأنه لم يقل (¬5) إن بقاءه بعد بيده لا يبطل الرهن، وإنما تكلم على خروجه بذلك من الرهن، (لعله) (¬6) ليبيعه فينتفع بثمنه، ولعل صاحبه حينئذ يقول له: انظر في تجويز (¬7) ذلك لي، أو نضع (¬8) الجميع على يد (¬9) غيرنا، إذ (¬10) خرج من رهنك، وأخشى بقاءه في يدك يبطل (¬11) رهني (¬12). ¬
ومسألة اقتضاء أحد الشريكين في الحق حقه من غريمه، تكلم عليها في كتاب الكفالة، والرهون (¬1). وتحقيق المسألة أن الدينين [له] (¬2) إذا (¬3) كانا (¬4) من شركة من ثمن مبيع بينهما، أو من سلف واحد اشتركا فيه قبل وهما جنس واحد. فهذا متى اقتضى أحدهما دون الآخر دخل معه فيه، إذا كتباه (¬5) بكتاب واحد. وهو قوله في الكتاب. "وإنما الذي لا يكون لأحدهما أن يقتضي دون صاحبه، أن يكتبا (¬6) بينهما كتاباً جميعاً بشيء واحد يكون ذلك الشيء بينهما". ثم قال: "مثل أن تكون دنانير كلها، أو قمح كلها، إلى آخر كلامه" (¬7). فأما إذا كتباه في كتابين (¬8) فكأنهما قد اقتسماه على الغريم، ورضيا بالتفاضل (¬9) فيه، فأما إن كانا (من) (¬10) نوعين، أو حقين مختلفين، كبيع (¬11) (وسلف) (¬12)، أو دنانير (¬13)، [وطعام] (¬14) فلكل (¬15) واحد منهما أن يقتضي (¬16) دون صاحبه، كانا بكتابين، أو بكتاب واحد (¬17)، (إذ لا شركة بينهما في ذلك، كما نص عليه في الكتاب. ولو كانا من جنس واحد، ونوع ¬
واحد من الحقوق (¬1)، ولا شركة بينهما في ذلك (¬2)، كدنانير من سلفين مختلفين منفردين، فإن كانا بكتابين) (¬3) لم يدخل أحدهما على الآخر، وكذلك لو كانا بكتاب واحد. قال (¬4) (أبو العباس) (¬5) الأبياني. وغيره: حتى يكون أصل ما باعاه (¬6) به أو أقرضاه قبل بينهما. وهو ظاهر قوله في الكتاب، وإنما الذي لا يكون (¬7) لأحدهما الكلام الذي قدمناه. قالوا: وكذلك لو قصدا بجمعه في الكتاب الاشتراك لم يصح، ولم يمض، واختصار ذلك كله (أنه) (¬8) إنما يكون لأحدهما الدخول (¬9) فيما اقتضاه (¬10) صاحبه فيما كتباه في كتاب واحد، من مال أصله شركة بينهما، لا غير ذلك. وهو بين من (¬11) الكتاب. وأما الرهن: فإنما يدخل أحدهما على صاحبه فيما اقتضاه (¬12) إذا كان بينهما من نوع واحد، كما قال في الكتاب: دنانير [كلها] (¬13)، أو قمح (¬14)، [ذلك] (¬15) كله وإن لم يكتبا بذلك كتاباً (¬16). ¬
ومسألة الحبس، وقوله: إذا حبس الرجل داراً على ولده الصغار، أو الكبار (¬1)، وسكن منها (¬2) المنزل (¬3)، وهي ذات منازل (¬4)، فحاز الكبار سائر الدار، أو كانوا أصاغر، ثم قال أخيراً (¬5): إذا سكن من حبسه أقله جاز ذلك كله (¬6). وإن كان سكن أكثره أو كله لم يجز منه قليل ولا كثير (¬7). ظاهره تسوية الصغار، والكبار، في حوز الأب الجل. وسقط قوله: "فحاز الكبار سائر الدار" (¬8) من كتاب الدباغ. ولم يكن عند ابن عتاب. قال ابن وضاح: سقوطه حسن (¬9). وثبت عند يحيى. قال فضل: ما أرى إثباته إلا غلطاً، لأن [من] (¬10) قول ابن القاسم أن الكبار إذا حازوا ما تصدق عليهم وإن كان يسيراً جاز، إلا أن يكون ما ها هنا إنما رجع بقوله: إذا حاز الجل بطل الكل على الصغار خاصة. قال القاضي: قد قال في كتاب محمد هو وأشهب أن اليسير يبطل [إذا سكن الجل الأب كان هو الحائز للصغار أو حوزه لغيره، فخرج بعضهم من هذا الجميع يبطل] (¬11) على رواية يحيى في الكتاب، ونحوه في صدقة العتبية. وقال ابن أبي زمنين: لفظة ابنه الكبير، ساقطة في بعض الروايات. ¬
يعني في أول المسألة. [قال] (¬1): وهو صحيح على مذهب ابن القاسم، وروايته. وبين أصحاب مالك تنازع في هذا الأصل. قال القاضي: والخلاف فيه مبني (¬2) على الخلاف في مراعاة الأتباع (¬3). وقوله: "في الصغار (¬4) إذا سكن القليل منها، وجلها يكريه، جاز" (¬5). ظاهره أنه إنما يصح إذا كان يكريه لهم، أو يشغله بمتاع لهم، أو يسكنهم إياه، ويشغل هو اليسير منها، فأما (¬6) لو سكن أقلها وبقي جلها (¬7) خالياً لبطل الجميع لأن الكل في ملكه وتحت منفعته، وإلى هذا ذهب بعض الصقليين (¬8)، وهو صحيح في النظر. ظاهر من لفظ الكتاب. ¬
كتاب الغصب
كتاب الغصب (¬1) الغصب في لسان العرب ينطلق (¬2) على أخذ كل ملك بغير رضى مالكه (¬3) من شخص، أو مال، أو منافع، وكذلك التعدي، كان سراً، أو جهراً، أو اختلاساً، أو سرقة، أو خيانة، أو قهراً، غير أنه استعمل في عرف الفقهاء (¬4) في أخذ أعيان الممتلكات بغير رضى أربابها. وغير ما يجب (¬5) على وجه القهر، والغلبة من ذي سلطان، وقوة، واستعمل التعدي عرفاً، في التعدي (¬6) على بعضها (¬7) أو منافعها (¬8)، سواء كان للمتعدي [106] في ذلك؛ يد بإذن أربابها أو لم يكن، كالقراض، والودائع، ¬
والإجارة، والصناع، [والبضائع] (¬1) والعواري. وفرق الفقهاء بين الغصب، والتعدي في وجوه، منها: أن الغاصب ضامن للسلعة يوم الغصب (¬2)، لأنه يوم وضع يده عليها بالتعدي، والمتعدي (من) (¬3) يوم التعدي، لأن يده كان قبل عليها بإذن ربها، ولأن (¬4) الغاصب إذا جاء بها سالمة لم يضمنها، والمتعدي يضمنها وإن جاء بها سالمة، لكن قد جعل غير ابن القاسم الغاصب كالمتعدي، إذا أمسكها عن أسواقها، أو حتى نقصت قيمتها، ولأن افتراقهما في الفساد اليسير، فالغاصب يضمن فيه، والمتعدي لا يضمن، إلا في الكثير، ولأن على المتعدي كراء ما تعدى عليه، وأجرته بكل حال عند مالك. وقال في الغاصب: لا كراء عليه، وفي كثير من هذه الأصول اختلاف بين أصحابنا معلوم (¬5). وقوله "في الغاصب (¬6) للجارية: إذا أصابها (عيب) (¬7) غير مفسد (¬8) قال لي مالك: ليس له إلا جاريته، إلا أن تنقص (¬9) في بدنها، ولم يقل لي: نقصان قليل، ولا كثير (¬10) وذلك عندي سواء، إن نقصت قليلاً، أو كثيراً، إن أحب أن يأخذها معيبة على حالها، وإن أحب ضمنه قيمتها يوم ¬
غصبها" (¬1). ظاهر قول مالك هنا خلاف قول ابن القاسم (¬2)، لقوله: "وذلك عندي سواء" (¬3)، لإشعاره بخلاف ما تقدم. وأن (¬4) الغصب والتعدي على ظاهر قوله هذا (¬5) سواء، لا تلزمه (¬6) القيمة، إلا في الكثير دون اليسير، نحو ما يظهر أيضاً من قوله في باب اغتصاب الجواري، إذا أصابها عند البائع (¬7) عيب مفسد كان لربها (¬8) أن يضمنه جميع قيمتها، وكما يظهر من كتاب محمد (¬9)، وما نص عليه أبو القاسم بن الجلاب، في اختلاف قوله في العيب اليسير، أنه لا يضمن به الغاصب (¬10)، ورجحه بعض المتأخرين من شيوخنا. وقوله في الغاصب: "إلا أن يكون استعمل الدابة فأعجفها، أو أدبرها (¬11) أو أنقضها (¬12) فله أخذ القيمة" (¬13). كذا روايتنا هنا. وكذا في كثير من الأصول، وفي بعضها: فأعجفها (¬14)، وأدبرها (¬15) وأنقضها. ومعنى "أنقضها" (¬16): أثقل حملها (¬17) حتى أنقضها (¬18). ¬
ومعنى أنقضها (¬1): أذهب قواها، ولحمها. من نقضت الحبل (¬2) إذا حللت فتله (¬3). وقد يكون أنقضها: أي فعل ذلك (بها) (¬4) حتى (يسمع) (¬5) نقيض عظامها. وهو صوتها (¬6). وقد ذكر هذان التفسيران في قوله تعالى: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)} (¬7). وقوله في المسألة: "فله أن يأخذ دابته يوم غصبها" (¬8). ثم قال: "إنما له أن يأخذها إذا وجدها على حالها، أو يأخذ قيمتها يوم غصبها، إذا كان دخلها نقص (¬9) ولا شيء له من عملها" (¬10) ولم يذكر أن يأخذ معها ما نقصها فعله (¬11) احتج بهذا، ومثله، بعض المشايخ من الأندلسيين بأن هذا قول له آخر في المدونة في النقص، وإن كان من فعله أنه لا يأخذ له شيئاً، كما الذي يكون من عند الله، ومثله عنده [قوله] (¬12) في السارق يهزل الدابة من ركوب (¬13)، وفي كتاب القذف، وغير موضع في الكتاب، ألفاظ تشبه هذا، وغير موضع في العتبية، وهو قول أشهب (¬14). [أنه] (¬15) إنما له أخذ القيمة، أو أخذها ناقصة، وهو قول سحنون، ومحمد (¬16). ولم يرو في هذا ¬
القول له أن يأخذ ما نقص، لأنه ملك أخذ القيمة، فكأنه فسخها في بعض عبد، وقيمة بعضه، ولم يراع هذا ابن القاسم في مشهور قوله، ورأى أنه لم يملك بعد القيمة (¬1) حتى يختارها، فمن حجته أن يقول: أنا لا أطالبك بالغصب، وأطالبك بالتعدي، واختلافهم في هذا على اختلافهم من أصل هذا الباب، وهو: من ملك أن يملك. أهو كمن ملك حقيقة، أم لا (¬2)؟ وقد ركب (بعض) (¬3) مشايخنا على هذا الأصل مسائل لا تبعد (¬4) من اختلافهم عليه، وذهب بعض شيوخ القرويين (¬5) إلى أن ما وقع في الكتاب مما تقدم، ليس بخلاف من قول ابن القاسم، وإنما هو فرق بين الهزال، والعجف، وبين نقص البدن، لأن نقص البدن لا يرجع في ثاني حال، والهزال والسمن له لا يبقى على حال، وقد ترجع الدابة لحالها (¬6) ثانياً (¬7). وقيل: الفرق بينهما [أيضاً] (¬8) أن عجف الدابة وما ينال من سبب الركوب، هو من سبب مباشرة الراكب، فأشبه ما كان من السماء، مما لا شيء على الغاصب فيه، بخلاف ما قصده من قطع يد، وعضو، وهذا فرق ليس بالبين، لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء. وما كان من سببه ولم يقصده، فأقل أحواله أن يكون حكمه حكم الخطأ، ولا يختلف في خطإ الغاصب، كما اختلف في خطإ المشتري، ورواية علي بن زياد، وأشهب (¬9)، في العبد المغصوب إذا تغير عن حاله أن ربه بالخيار، إن أحب ¬
أن يأخذ قيمة العبد، أو الدابة، ولا شيء له من غلتهما، وإن شاء أخذهما ناقصين، وأخذ غلتهما، وهو أحسن من رواية ابن القاسم، وقول ابن نافع مثل قول ابن القاسم، وقعت هذه الرواية في كتابي. ولم تكن في أكثر النسخ (¬1). وهي صحيحة في غير المدونة (¬2). وقوله في المتعدي يقطع يد عبدي، أو أمتي، أو فقأ أعينهما، أو قطع أيديهما، أو أرجلهما جميعاً، أو يداً أو رجلاً (¬3) ما عليه؟ قال في قول مالك: يضمن قيمة العبد كلها، إذا كانت جنايته على العبد (¬4) قد أفسدته بمنزلة ما أفسد من العروض (¬5). ثم قال: ونحن نقول إذا كان فساداً (¬6) لا منفعة في العبد حتى يضمنه من تعدى عليه، عتق عليه، كمن مثل بعبده (¬7). ثم قال: في قطع يد الدابة، أو رجلها، أو فقأ عينها، أو قطع ذنبها (¬8) إن كان عيباً أفسد الدابة حتى لا يكون فيها كبير (¬9) منفعة، أخذها الجاني، وغرم قيمة جميعها (¬10) والغنم، والبقر، (والإبل) (¬11) مثل الثوب (¬12). فلم يفسر في جوابه هنا. ورد الأمر إلى فساده، إلا أنه يفهم من قوله: إذا كان فسادا لا منفعة فيه، حتى يضمنه من تعدى عليه (عتق عليه) (¬13) أنه يضمنه ¬
فيما يعتق عليه (¬1) وإن لم تبطل [به] (¬2) منفعة [107] /؛ لكنه (¬3) قد بين مذهبه في الفساد بقوله: "حتى لا يكون فيه كبير منفعة" (¬4)، فلم يجعله فساداً (¬5) يقطع منه المنفعة بالجملة، وبينه أيضاً في كتاب الديات، بتفريقه بين العينين، واليدين، في التضمين. وبين العين الواحدة، واليد الواحدة (¬6). فقال: لا يضمن في ذلك، فعلى هذا (يأتي) (¬7) كلامهم كله تفسيراً (¬8) لما قال، من مراعاتهم قطع يد العبد الصانع، أنه يضمن، وإن بقيت فيه منافع، بخلاف التاجر. وقطع ذنب دابة (الامتطاء) (¬9) أو أذنها (¬10)، على ما في كتاب ابن حبيب (¬11). وابن القصار. أو فقأ عين الفرس الفاره (¬12) على ما لعبد الملك في الثمانية، وإن بقيت فيه منافع الحمل، والركوب لغير ذوي الهيئات، لكنه أفسد على صاحبها غرضه فيها، أو إفساد ضرع الشاة التي تراد للبن, وإن بقي فيها منفعة اللحم، والنتاج، والصوف، إذا كثر المراد منها للبن (¬13) بخلاف البقرة، والناقة، على ما قالوه وكان ببلادهم، وشبه هذا، فكله يستفاد منه ما ذكرناه، ويحتمل ما وقع من اختلاف قول عبد الملك في كتاب ابن حبيب (¬14)، في المقطوعة الأذن، والمفقوءة العين، ¬
(أن) (¬1) في فره دواب الامتطاء الخلاف، فإنه (¬2) مرة قال: إن قطع الأذن لا يوجب التضمين. وإنما يرجع بما نقص. وهو قول مطرف، وأصبغ (¬3). ومرة قال: أنه يوجب التضمين. كقطع الذنب. وهذا [القول] (¬4) أولى. إذ لا فرق بين الأذن، والذنب، في اجتناب أهل المروءة، والهيئات، ركوب من به ذلك. وكذلك قولهم: الثلاثة إن فقأ العين في هذا النوع لا يوجب التضمين. وقال عبد الملك أيضاً في الثمانية: في فقء عين الفرس الفاره (¬5) يضمن قيمته. وكذلك تفريقهم في تضمينه بإفساده ضرع الشاة الغزيرة اللبن (¬6) وبين (¬7) البقرة، والناقة، ومرة سوى البقرة والشاة في ذلك (¬8). وعلى الخلاف حمل المسألة اللخمي في التعدي اليسير، إذا أفسد الغرض [المقصود] (¬9) وقد يحتمل أن اختلاف قولهم هذا ليس بخلاف في هذا الأصل. وإنما هو اختلاف في صورة هذه النوازل. هل هي مفيتة للغرض المقصود منها؟ حتى كان غيره ليس بكبير منفعة لما لم يكن مقصوداً. أم هل ما بقي فيه من المنافع كثير (¬10) وهذا يسير في جانب ما بقي؟ وقد يحتمل أن خلاف قوله في الأذن الواحدة، والعين الواحدة، لاختلاف الضرر في العداء عليهما، فلم يضمنه إذا كان قطع الأذن يسيراً، ¬
وهو معنى قوله عندي. لأنه قال: لا يركب ذو (¬1) الهيئة (¬2) مقطوع الذنب، ويركب أجدع (¬3). والجدع قطع اليسير من الأذن، وهي الخضرمة (¬4) أيضاً (¬5)، ويكون معنى القول الآخر في تضمينه إذا كان اصطلم (¬6) جميع الأذن (¬7) ولا فرق بين (في) (¬8) القبح، وتجنب ذوي (¬9) الهيئات بين (¬10) ركوب أقطع الأذن، أو أقطع الذنب. وهذا لا يسمى جدعاً، وإنما يسمى أعضباً (¬11) واصطلاماً (¬12). وكذلك ضمنه في ققء العين (¬13)، إذا كانت حجراً قبيحة المنظر (¬14) مما لا يركبها بتلك الصفة من ذكر، ولا يضمنها (¬15) إذا بقيت قائمة الشخص، وإن أفسد نظرها، لأن هذه لا يجتنب ركوبها ذو الهيئة، لأن تشويهها ليس بظاهر (¬16). ¬
وقوله: "فيمن أقام شاهداً على أرض أنها له، وشاهداً (¬1) (آخر) (¬2) أنها حيزه (¬3) " (¬4) بتشديد الياء. كذا روايتنا في هذا الحرف. وكذا ضبطه ابن سحنون. وجاء في رواية (الأجدابي) (¬5) حيزه (¬6) بسكون الياء. وهما صحيحان، كما قيل: هيّن، وهيْن. قال سحنون في المجموعة: ومعناه الملك، أي ملكه، وحقه. قالوا: ولو أراد بقوله: حيزه (¬7) غير الملك، وإنما أراد به الحوز لم تكن شهادة بالملك. قال سحنون: ولا يقضى [له] (¬8) بها حتى يشهدوا (¬9) بالملك، وأنه كان يحوزها بحقه (¬10) يريد ولا يتم له الملك والحكم به إلا باليمين مع شهادة شاهد الملك، لكن شهد (¬11) له هنا باليد، فإن جاء من يشهد له بالملك كان أحق منه (¬12). وقوله في شاهد بالملك، وآخر بالغصب: "لا أراها شهادة واحدة، فإن كان قد دخل الجارية نقص حلف مع شاهد الغصب، وأخذ قيمتها، إن شاء (¬13) " (¬14) لم يجعلها شهادة واحدة في الفوات، إذ لم يتفقا على ¬
الغصب، فيضمنه ولا على الملك في القيام، (فيأخذها) (¬1) بيمين بعد (¬2) القضاء أنه لم يفت (¬3) وأنها ملكه، إذ لم يشهد شاهد الغصب بالملك التام، وإذ لو شهد شاهدان بالملك لما حكم له بها، حتى يحلف يمين القضاء أنها ما خرجت من ملكه، ولو تمت الشهادة على الغصب ردت إليه ولم يحلف، ولأن الشهادة بالغصب ليست بشهادة على الملك، إذ قد يقول: لا أدري أنها (¬4) ملكه، ولعلها عنده وديعة، أو عارية، أو رهن، أو بإجارة، وإنما رأيت أخذها من يده. وقد ذكر أبو عمران عن أصبغ: أن ابن القاسم رجع عما في كتاب الغصب. وقال: أراها شهادة واحدة (¬5)، إذا لم تفت الأمة (¬6). قال القاضي: وهذا كله عندي غير اختلاف، وإنما لم يرها في كتاب الغصب شهادة واحدة لما قلناه، وجعلها في الرواية الأولى شهادة واحدة، ولم يقل تامة (¬7) لأنها توجب في قيامها تقدم يد القائم عليها دون الحكم له بملكها، حتى يحلف مع شاهد الملك ويمين القضاء، وحتى لو جاء آخر بشاهدين على الملك، أو بشاهد (¬8) عليه، وأراد (¬9) أن يحلف (معه) (¬10) كان أحق بها (¬11) إلا أن يحلف هذا مع شاهد الملك. [108] واختلف: هل يمينه مع شاهد الملك معارض لشاهدين بملك ¬
غيره؛ أو (¬1) يرجح عليه (¬2) الشاهدان، وعلى هذه الرواية الأخيرة في المسألة اختصر أبو محمد المسألة. [وقال] (¬3): فقد (¬4) اجتمعا (¬5) على إيجاب الملك، ولم يجتمعا على إيجاب الغصب، واتبعه أكثر المختصرين. وقد قال بعد هذا: إذا شهدوا أنه (¬6) غصبها [منه] (¬7) فقد شهدوا أنها له (¬8). وإن (¬9) قالوا: لا ندري، أهي (¬10) للمغصوب (¬11) أم (¬12) لا؟ ثم قال: أما كنت ترده (¬13) عليه (¬14) , وهذا إنما يريد ردها إليه بتقدم (¬15) يده عليها، على ما قدمناه. ومسألة الذي يدفع ثوباً للغسال ثبتت (¬16) عند ابن وضاح. وسقطت عند إبراهيم (¬17) و [عند] (¬18) ابن المرابط. وضرب عليها في كتاب يحيى بن عمر. وابن أبي سليمان (¬19). ¬
وقوله: "إن (¬1) ادعى الغاصب هلاك الجارية، وحلف على صفتها، وغرم القيمة، ثم ظهرت بعد ذلك، مخالفة للصفة، أن للمغصوب منه الجارية" (¬2)، أن يزاد إلى ما أخذ تمام قيمة الجارية (¬3) (يعني جاريته له) (¬4) لأنه إنما جحده بعض القيمة. كذا أصلحها سحنون. وكذا في كتاب أبي إبراهيم. وكذا خرجها في كتاب ابن المرابط. وكان في أصله: فيكون للمغصوب منه الجارية، أن يأخذ من الغاصب تمام القيمة، لأنه إنما جحده (¬5) بعض القيمة، وهما بمعنى. وفي بعض الروايات: "فيكون للمغصوب منه الجارية، أن يرد (¬6) ما أخذ، ويأخذ جاريته، وإن شاء تركها، وحبس ما أخذ من القيمة. قيل (¬7): هذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي" (¬8). وكذلك (¬9) في كتاب ابن عتاب. وعلم (¬10) عليه. قال ابن وضاح: قال سحنون: لست أعرفه. يقول هذا وتركه، ولم يعرضه سحنون. قال يحيى بن عمر: روى (¬11) أصبغ، وأبو زيد عن ابن القاسم (¬12) أن لربها أن يرد ما أخذ ويأخذ جاريته. ¬
وقوله في مستحق الجارية وقد ولدت من المشتري، أو أعتقها. قال: "أما في العتق فله أن يأخذها، ويردها رقيقاً، وأما إذا ولدت من المشتري، فقد اختلف قول مالك فيها (¬1) وأحب [قوليه] (¬2) إلي (¬3) أن يأخذها (¬4) و [يأخذ] (¬5) قيمة ولدها (¬6) " (¬7) وهذا [هو] (¬8) قول مالك الأول. وله في المسألة ثلاثة أقوال معلومة، نص (¬9) في المدونة على اثنين منها، هذا أحدها (¬10) والثاني: يأخذ قيمتها، وقيمة الولد (¬11). والثالث: عنه في كتاب ابن حبيب (¬12)، وغيره، الذي رجع [إليه] (¬13) حين نزلت (¬14) به، في استحقاق أم (ولده محمد) (¬15) وأفتى بها، وحكم في مسألته (¬16) بقوله: إذ "ليس (¬17) له إلا قيمتها (¬18) " (¬19) ................... ¬
(فقط) (¬1) وهو (¬2) قول عبد الملك، وابن دينار، وابن أبي حازم (¬3)، والمغيرة، وابن كنانة. وقد ذكروا (¬4) في غير كتاب ابن حبيب أنه كان قول مالك (¬5). قال ابن لبابة، وأبو عمران، وقد أشار إلى هذا في كتاب الغصب من المدونة، وفي كتاب الاستحقاق، وذكر ابن لبابة لفظه (¬6) الذي قدمناه. قال القاضي رحمه الله: وليس فيه بيان، ولا يتفهم (¬7) منه هذا القول، ولا التفرقة بين العتق والولادة، إذ ليس فيه إلا الإشارة إلى اختلاف قوله، وظاهر ما نص عليه مما سمعه منه، وإنما حدث رأي مالك المتقدم (¬8) إذ هذا القول الثالث ليس مما سمعه منه، وإنما حدث رأي مالك (فيه) (¬9) على ما في كتاب ابن حبيب، آخر أمره بعد فراق ابن القاسم ورجوعه إلى مصر، والله أعلم. لكن ما في كتاب الاستحقاق (¬10) يحتمل أكثر مما في كتاب الغصب بعض (¬11) التأويل. فانظر (¬12) لفظه في الموضعين، وسنذكرها في الاستحقاق (إن شاء الله) (¬13). ¬
وقوله في آخر باب من اغتصب شجراً فأثمرت، أيكون لي ما أنفقت. قال: لا شيء لك فيما أنفقت على النخل، ولا فيما رعيت الغنم، ولكن يكون لك ذلك فيما عليك من قيمة الغلة، إلا أن يكون ما أنفق أكثر مما اغتل، إلى آخر المسألة (¬1). كذا في نسخ. وكذا في كتاب ابن المرابط. أوقفه (¬2) من قوله: ولكن إلى (¬3) ما اغتل. وقال صح ليحيى. وسقط للدباغ. وفي كتابي (¬4): أيكون ما أنفقت [في ذلك] (¬5) (لي) (¬6). قال: يكون ذلك لك (¬7) فيما عليك من قيمة الغلة (¬8)، إلى آخر المسألة. وكلاهما بمعنى واحد. قال ابن خالد: أصلح سحنون المسألة. وفي كتاب ابن عتاب خارجاً سحنون، وقد قيل: لا شيء لك فيما أنفقت (¬9) على النخل، ولا فيما رعيت الغنم (¬10)، وحوق عليه. وقال (¬11): كذا هو موقوف عند ابن وضاح. وليس عند إسحاق. الزيادة ثابتة في كتاب أبي عبد الله بن الشيخ. وقد اختلف قول ابن القاسم فيما أنفق على النخل (¬12) والغنم. وقوله في باب مستعير الدابة إذا تعدى عليها مثل الأميال، والبريد (¬13) ¬
وأتى (¬1) بها على حالها، فلا يلزمه (¬2) قيمتها، إلا أن تعطب فيه، وليس له إلا كراء ما تعدى، إذا أتى بها على حالها، فإن أصابها في ذلك البريد عيب ضمنها (¬3)، زاد في بعض الروايات إذا كان عيباً مفسداً، أو إن كان (عيباً) (¬4) يسيراً، فأرى ذلك كمن تعدى على بهيمة رجل فضربها، أنه إن كان عيباً يسيراً، فما نقص من ثمنها. وإن كان مفسداً لزمه قيمتها. إلى آخر المسألة (¬5). وإلى قوله: "وإنما يضمن ما حدث فيها (من عيب) (¬6) " (¬7). صحت هذه الزيادة في كثير من الأصول. وسقطت في أخرى (¬8). وحوق عليها في بعضها (¬9). وكانت (¬10) في كتاب ابن عتاب. وابن المرابط موقوفة. وكتب عليها: [طرحها] (¬11) سحنون، وكتب عليها في كتاب ابن المرابط، قال الأصيلي: قرأها لنا أبو الحسن، يعني الدباغ. وقال (¬12): قرأتها (¬13) على أحمد، وكان بعضها محوقاً عليه عند أحمد. وقال (¬14) يحيى، وابن وضاح: طرحها سحنون. وقال ابن هلال: قال سحنون: والصواب أنه (¬15) إذا أصابها ¬
عيب في التعدي فهو كالغصب، ورب الدابة مخير بخلاف التعدي. وانظر قوله في المكاري (¬1): "إذا حبسها عن أجلها كان عليه كراء (ما) (¬2) حبسها فيه، وإن كان لم يركبها، وهي على حالها، على حدودها" (¬3) ظاهره أن عليه كراءها بالغاً ما بلغ، لو استعملت فيما يستعمل (¬4) فيه مثلها، كما قال غيره في الأكرية. وقيل: بل على أنها لم تركب على ما قال هناك (¬5) هو. [109] وقوله: "فجعله مِلاطاً لبنياني" (¬6) بكسر الميم، أي طيناً، وهذه المسألة ثابتة في أكثر؛ الأصول. وكتب عليها (في كتاب) (¬7) ابن المرابط: صحت ليحيى وأحمد. و"الودي" (¬8) بكسر الدال، وتشديد الياء، صغار النخل، التي تنقل للغرس. ومسألة "من وهب طعاماً لرجل (¬9) أو إداماً، فاستحق (¬10) ذلك [منه] (¬11) (مستحق) (¬12) وقد أكله الموهوب [له] (¬13) لكان (¬14) للمستحق ¬
طلب (¬1) الواهب، ولا شيء على الموهوب، إلا أن يكون الواهب عديماً، أو لا (¬2) يقدر عليه، فيطلب الموهوب (¬3) " (¬4)، معنى ذلك عندهم: أن الواهب غاصب، ولو كان غير غاصب (¬5) لم يتبع إلا الموهوب، وكذلك في المجموعة (¬6)، ولأشهب يتبع أيهما شاء (¬7)، وستأتي (¬8) في الاستحقاق. مسألة (¬9) المحاباة والخلاف هل هي كهذه (¬10) أم لا؟ ومسألة "من اغتصب فضة فصاغها (¬11) دراهم، أو حلياً (¬12) " (¬13) , سقطت عند (ابن) (¬14) أبي سليمان، وثبتت (¬15) لغيره. وقوله في تقويم الخمر: "يقومها أهل دينهم" (¬16) كذا روايتنا. وكذا عند ابن عتاب. وهي رواية ابن باز. وحوق عليها في كتاب ابن المرابط. وقال ضرب عليه [عند] (¬17) يحيى. وكذا في أصل الأسدية. ¬
وفي نسح (¬1): يقومها من يعرف القيمة من المسلمين (¬2). وكذا في كتاب ابن سهل. وهي (¬3) رواية الدباغ، في حاشية ابن المرابط، وعليه اختصر أكثر المختصرين (¬4). (قال فضل) (¬5): وهي روايتنا (¬6) عن (¬7) عبد الرحيم. وقد اختلف (فيه) (¬8) قول ابن القاسم، قال أحمد بن خالد: كذا أصلحت، وكانت (¬9) في الأسدية (خطأ) (¬10). والقولان معروفان. وفيها (¬11) أقوال (أخر) (¬12) معلومة (¬13) كلها ترجع إلى معنى واحد، إلا ما ها هنا. وقوله في الغاصب ليس له في حفرة حفرها في بئر في الأرض، ولا تراب ردم به حفرة في الأرض، أو مطامير حفرها (¬14) طرح سحنون (قوله) (¬15) ولا تراب ردم به حفرة في الأرض، وهو ثابت في أصول شيوخنا. وثبت ليحيى، وابن وضاح، وسقط لأبي الحسن الدباغ، قبل (¬16) ¬
ذلك. لأن التراب ينتفع به (¬1). قال القاضي رحمه الله: وقد يحتمل أن التراب من تراب الأرض، فلا حق له فيه، فتصح المسألة، لكن إن كان لرب الحفرة (¬2) بها منفعة فله إلزام الغاصب إخراج التراب (منها) (¬3) وتفريغها، كان له أو لرب الأرض، وله إلزامه إن كان لرب الأرض، ونقله (له) (¬4) من موضع منها رده إلى موضعه، كما له أن يلزمه ردم ما حفر فيه من آبار (¬5)، وحفر إن لم تكن (¬6) له بها منفعة. ومسألة الحكم بين أهل الذمة في الربا، وقوله: "والترك أحب إلي" (¬7). اختلف في تأويل كلامه. فقيل: الترك (¬8) أحب إلي من الحكم بينهم (في كل شيء. وقيل بل هو إنما يرجع إلى الحكم بينهم في الربا خاصة. ومعنى قوله: "إذا تظالموا بينهم في الربا لم أحكم بينهم" (¬9)) (¬10). قيل إذا طلبوا أن يحكم بينهم فيه بغير حكم (¬11) المسلمين، وأما على حكم المسلمين فلا يكرهه (¬12). ¬
وقيل: بل كره الحكم بينهم فيه جملة، لأن حكم الإسلام في حقهم غير متوجه، إذ ليسوا بمسلمين. كما قال في مسألة الحكم في الطلاق بينهم، وغيرها. والخلاف في تأويل ذلك. وقوله في غاصب الثوب يصبغه، ربه بالخيار في تضمينه، أو دفع قيمة صبغه (¬1)، ونحوه في اللقطة. وقال في كتاب السرقة (¬2) خلافه. ولا يكون بالخيار. وله قيمته. وقال هنا في غاصب السويق يلته، والحنطة يطحنها (¬3)، عليه مثلها (¬4). [وقال في غاصب الخشبة يصنعها مصراعين عليه قيمتها (¬5)، وفي الفضة يصوغها عليه مثلها (¬6)] (¬7) قال ابن لبابة: يجب على قوله في مسألة الثوب يصبغه هنا. وفي اللقطة، أن صاحب الخشبة بالخيار، وتعليل ابن القاسم في مسألة الحنطة، والفضة، بأني لو أجزت له أخذ ذلك، ودفع ثمن العمل، كان من التفاضل في الطعام، والفضة، ولا يلزم (¬8). لأن الطعام طعامه، والفضة فضته، وأشهب يقول في مثل هذا (¬9): يأخذ شيئه، ولا غرم عليه في العمل، من طحن (¬10) وصبغ. ¬
قال القاضي: يدل على هذا أنه أصل (مختلف) (¬1) فيه، في الكتاب. والصحيح تخيير رب المال، إذ لا يمنع أخذ ثمن ماله (¬2) ولأنه لا يشاء متعد (¬3) أن يصل إلى غرضه، فيما لم يتمكن (¬4) من شرائه، لتعديه فيه، وتغييره. وغرم قيمته، وأخذه بغير اختيار ربه، على (¬5) هذا القول الآخر إلا شاء (¬6)، وهذا أصل أبي حنيفة (¬7)، ومما أنكر عليه. وفي آخر مسألة الكتاب في مستحق نصف أرض قد (¬8) عمرها المشتري وبناها. وقوله: ويكون للمشتري النصف (¬9) الذي اشتراه، إلى آخر المسألة (¬10). ثبتت في كتاب ابن عتاب (¬11). وقال: لم تكن عند أبي إبراهيم. وتمت المسألة عنده قبل هذا الكلام. وفي أكثر النسخ، وهي ثابتة للدباغ. ساقطة ليحيى. وفيها في بعض النسخ زيادة. قال ابن وضاح: أوقفها (¬12) سحنون. ¬
كتاب الاستحقاق
كتاب الاستحقاق (¬1) قوله في الوارث إذا حابى في الكراء، ثم قدم له أخ (¬2) آخر، "أنه يرجع بتمام الكراء على أخيه، إن كان له مال، فإن (¬3) لم يكن له مال رجع (¬4) على المكتري، وقال غيره (¬5): يرجع على المكتري، ولا يرجع على أخيه. وهذا إذا علم بأن له أخاً، فإن لم يعلم فإنما (¬6) يرجع على المكتري" (¬7). ووقع لابن القاسم في كتاب السرقة مثل قول غيره هنا، واختلف هل قول غيره خلاف لقوله، أو وفاق. فذهب أبو محمد (¬8) إلى الوفاق. وأن جواب ابن القاسم أن أخاه (¬9) علم، كما قال غيره، واستدل بقوله بعد هذا ¬
في المكتري يهدم الدار، فيهب له المكري (¬1) قيمة الهدم (¬2)، فتستحق (¬3) إنما يطلب المستحق الجاني. وكذلك [في] (¬4) العبد يسرق، فيفوت، فيهب المسروق منه قيمته للسارق (¬5) ثم يستحق، أنه يطلب السارق، ولا يطلب الواهب (¬6)، لأنه (إنما) (¬7) فعل ما يجوز له، ولم ينتفع، ولا باع. وقال غيره (¬8): هو خلاف، سواء علم، أو لم يعلم، عند ابن القاسم (¬9) لأنه متعد بهبته شيئاً (¬10) في يده من مال المستحق. وفي مسألة هبة الهادم، والسارق لم (¬11) يهبه شيئاً حصل في يده، ولا تعدى عليه، وهبته له بالحقيقة كهبة الأجنبي لما ليس في يده، ولا يلزمه منه شيء (¬12). ومذهب (¬13) ابن القاسم في الغاصب يهب (¬14) طعاماً، أو إداماً (¬15)، [أو ثياباً] (¬16) فيأكله [110] /؛ الموهوب، أنه إنما يرجع على الواهب إذا ¬
كان ملياً، فإن كان عديماً ولم يقدر عليه رجع على الموهوب. ثم لا رجوع له على الواهب (¬1). وقال أشهب يتبع أيهما شاء (¬2). كما قال في المشتري. وجاءت هذه (¬3) المسألة في الكتاب. ولم يفسر أن الواهب غاصب، وهو معنى المسألة. وعليه (¬4) اختصرها الناس. وحملوها. ولو كان الواهب غير غاصب لم يتبع إلا الموهوب المنتفع (¬5). كما (¬6) قال في المجموعة (¬7). ومنهم من حمل هذا أنه خلاف لقوله (¬8) في مسألة المحاباة (¬9). على من جعل ذلك خلافاً لقول غيره. والأشبه وفاق ذلك كله، على ما تأوله أبو محمد (¬10)، وتستقيم المسائل كلها على أصل واحد. وقوله: "إن كان رجل ورث تلك الأرض، فأتى رجل واستحق الأرض، أو أدرك (¬11) معه فيه شريكاً، فإنه يتبع الذي أكراها بالكراء، لأنه لم يكن ضامناً" (¬12). معنى قوله: أنه استحقها بميراث، من الوجه الذي كانت بيد الآخر، إما أن يثبت أنه (¬13) أقعد منه، وأنه (¬14) حجبه عنها، أو أدرك معه فيها ¬
شركاء، أي أثبت التوارث (¬1) وما بعده يدل عليه (قوله) (¬2) في الباب. وقوله: "إن كان الذي أكرى الأرض لا يعرف أنه اشتراها، فأكراها وزرعها فاستحقها رجل في إبان الحرث، أنه بمنزلة ما لو اشتراها، حتى يعلم أنه غصبها" (¬3). قيل: معناه أن مكتريها ممن كانت بيده، من وجه يجهل زارع (¬4) بشبهة (¬5) لا يقلع (¬6) زرعه (¬7) حتى يعلم أن مكريها (¬8) غاصب (¬9)، وأما (¬10) المكري فمحمول (¬11) على التعدي فيما يدعي، وينتزع منه (¬12) ما أكراها به حتى تثبت (¬13) له (¬14) شبهة ملك، من شراء، أو غيره (¬15)، وقد قيل: إن مجرد الدعوى بالملك والاختلاف شبهة ملك. وقوله أول الباب، في مستحق الأرض من المكتري: "ليس له أن يقلع هذا الزرع، إذا كان الذي أكراه الأرض لم يكن غصبها (¬16) والمكتري لا يعلم بالغصب، لأنه زرعها بأمر كان يجوز له، ولم يكن متعدياً" (¬17). ¬
قيل: هذا كلام فيه لبس، وقد ضرب في كتاب ابن عتاب على قوله: "والمكتري (¬1) لا يعلم بالغصب" (¬2). وقال: لا معنى له. وهو ثابت عند ابن سهل، وفي (¬3) نسخ. ووافقه في كتاب ابن المرابط. و [قال] (¬4) الأبياني: ولا يحتاج إلى إثباته في فقه هذه المسألة. وإنما المحتاج إليه جهالة المكتري، أو علمه (¬5). لأن المكتري إذا كان عالما بالغصب، فله في نفسه حكم الغاصب (¬6). ولكن (¬7) (قد) (¬8) تستقيم هذه الزيادة بمعنى أن مكري الأرض ليس بغاصب يعلم المكتري بغصبه. إذ لو كان غاصباً، ولا علم عند المكتري، لم يكن المكتري (¬9) متعدياً. لقوله (¬10): والمكتري لا يعلم بالغصب (¬11) يريد: ولو علم كان (¬12) المكري غاصباً. وقوله: "إن اكتريت (¬13) أرضاً بعبد، أو ثوب، فاستحق، إن كان استحقاقه قبل أن يزرع الأرض، أو يحرثها، أو يكون عمل فيها عملاً، انفسخ الكراء. وإن كان بعد ما أحدث فيها عملاً، أو زرعها، فعليه مثل كراء (¬14) تلك ¬
الأرض" (¬1). وهو بين أن (¬2) نفس الحراثة وإن لم يزرع فوت. وللمكري (¬3) كراء المثل، (كما لو زرعت) (¬4)، ولا يختلف أن ذلك كله فوت بين المكري (¬5) والمكتري. وإن أجاز مستحق الثوب الكراء وسلم الثوب كان أحق بتلك الأرض، ما لم تقلب (¬6) وتحرث (¬7) لأنها ثمن ثوبه. وكذلك لو كانت زرعت، (جاز) (¬8). وكان له كراء المثل الذي استوجبه ربها قبل المكتري. واختلف إذا حرث المكتري ولم يزرع، هل هو فوت بين المستحق والمكتري، كما لو زرع، أو ليس بفوت، وله الإجارة، وأخذ الأرض بعد أن يدفع قيمة الحرث؟. وقوله في الباب في الطعام: "لو أصابه أمر من الله (تعالى) (¬9): نار (¬10)، أو سارق، أو سيل، نقض البيع" (¬11). معناه: أن السارق لم يوجد. ولو وجد لغرم القيمة. إن لم تعرف المكيلة. كما قال سحنون. وهي في السلم الثالث. في تعدي الأجنبي ببينة (¬12). وقوله في مكتري الدار يهدمها، ثم تستحق،: "يرجع على المكتري بقيمة الهدم" (¬13). ¬
قيل: بما بينها بقعة، وما بينها من القيمة بذلك البناء، فيغرمه. وقيل: قيمة ما أفسد من البناء. وعند ابن حبيب: يضمن له ما أنفق من البناء (¬1). وقيل: يأخذ النقض [من] (¬2) مستحقه. ثم يغرم له ما أفسد من الهدم. وقوله "في مكتري الأرض تستحق (¬3) فيحيز المستحق الكراء، أنه (¬4) يمضي ولم يكن للمتكاري أن يترك الكراء، ويقول (¬5): إنما كانت عهدتي على الأول، فلا أرضى أن تكون عهدتي عليك أيها المستحق" (¬6). وقوله بعد ذلك: "ولا ضرر (¬7) عليك في عهدتك" (¬8). هذا كله [كلام] (¬9) غير محصل. وقد تكلم عليه سحنون. وقال: ليس بصواب. ولو رضي بذلك لما كانت عهدته عليه. لأن العهدة لا تتناقل (¬10) كما لو باعه الغاصب فاستحق من يده (¬11)، فالعهدة على الغاصب، لا تنتقل عنه. قاله مالك. ومعنى المسألة في الكتاب (هنا) (¬12) في تجويزه الكراء بعد (¬13) سكناه ستة أشهر، أن الشهور معتدلة، لا يختلف كراؤها في السنة، ولو كانت ¬
تختلف لم يجز، حتى يعلم المستحق ما يجب لما مضى، وما بقي (¬1). وقوله: "في مستحق البيت من الدار" (¬2)، تقدم منها في النكاح، ولكن قوله هنا يكون (¬3) داراً (فيها) (¬4) من البيوت بيوت كثيرة، ومساكن رجال، فلا يضرها ذلك. يبين معنى (¬5) المسألة. وأنه (¬6) أشار إلى مثل الفنادق. ودور الخراج التي لا ينفرد الرجل بسكناها وحده. ويوافق ما فسرها به سحنون، من (أن) (¬7) الدار الكبيرة (¬8) ذات المساكن إذا استحق منها شيء، وكان (¬9) الذي اشتراها لا يمكن أن يسكن معه أحد فيها، لكثرة عياله، فله ردها كلها، وإن كانت مثل الفنادق فليس له ذلك، إذا كان المستحق منها يسيراً، ونحوه في سماع عيسى (¬10) عن ابن القاسم لمالك في مراعاة الضرر، وإن كان المستحق العشر (¬11). وقوله في المسألة: "فإن كان الذي استحق (منها) (¬12) [نصفها أو] (¬13) جلها أو أقل من النصف، مما يكون ضرراً بالمشتري، خير (¬14) المشتري، فإن أراد (¬15) أن يردها، وإن أراد أن يتماسك (¬16) ....................... ¬
بما (¬1) لم [111] يستحق (¬2) منها على قدره من الثمن" (¬3). ظاهره أن؛ الاستحقاق على غير الإجزاء، لأنه إنما تكلم أول المسألة على ذلك، فإن [كان] (¬4) كلامه على الإجزاء فعلى أصله المعلوم، لأنه إن أجاز بثمن (¬5) معلوم، وهو ما يقع على الجزء. وإن كان على ظاهره، وكلامه على البيت، والنخلات المعينات (¬6)، فهو خلاف [ما عرف من مذهبه، لأنه يجيزها بما يقع عليها من الثمن، وهو مجهول لا يجوز ابتداء] (¬7) حتى يعرف ذلك هو موافق لما قاله (¬8) بعد في مسألة العبد في كتاب الشفعة (¬9)، والقسمة (¬10)، وثاني كتاب النكاح، وهو قول ابن حبيب أن ذلك جائز، خلاف ما في كتاب العيوب، وماله هنا بعد في مسألة السلع الكثيرة إذا استحق عيونها (¬11)، أو وجد بها عيباً (¬12) فرضي البائع والمبتاع أن يسلما ما ليس فيه عيب، بما يصيبه من الثمن لم يحل ذلك لواحد منهما. وكان ذلك مكروهاً. لأن الصفقة قد وجب ردها. فكأنه باعها بثمن لا يدري ما يبلغ أثمانهم (¬13) في الجملة (¬14). وقد أشار بعضهم أن مذهبه في كتاب الاستحقاق [التفريق] (¬15) بين ¬
السلع والرباع، وقول ابن القاسم إن كان (¬1) أقل من النصف مما هو ضرر، قد (¬2) جعل الثلث في كتاب القسم من الكثير الذي يجب به الرد، وهو دليل قوله هنا آخر المسألة: وإن (¬3) كان استحق الثلث فله ذلك (¬4). وقول ابن القاسم: "وأرى الدار (¬5) إذا تكاراها (¬6) رجل فاستحق منها شيء مثل قول مالك في البيوع. وقال غيره: لا يشبه الكراء (¬7) البيوع في مثل هذا، إذا كان (الذي) (¬8) استحق النصف، أو الجل لم يكن للمكتري أن يتماسك بما بقي، (لأن ما بقي) (¬9) مجهول" (¬10) يشعر أن كلام مالك وابن القاسم في ما تقدم أنه فيما استحق من الكثير على الجزء، وإن كان في المعين لم يفرق غيره بين ذلك، واتفقا، ولكن علة الجهالة (¬11) في ذلك (كله) (¬12) واحدة. واعلم أن ابن القاسم لا يخالف غيره على مشهور قوله، إذا نزلت المسألة في الكراء، أنه إن كان قبل السكنى والاستحقاق على الجزء (¬13) [أن] (¬14) للمشتري إجازة البيع فيما بقي، اختلفت شهور السنة، أو اتفقت. وكذلك إن كانت شهور السنة متفقة، فجائز على قوليهما (¬15) أيضاً، سكن أو ¬
لم يسكن. فإن كان (قد) (¬1) سكن والشهور مختلفة، وعلم ما يقع لما مضى، وما بقي من الكراء، جاز أيضاً على قوليهما (¬2) لانتفاء (¬3) علة الجهالة، والغرر من هذه الوجوه، فإن لم يعلم ذلك وجهلاه (¬4) لم يجز ابتداء على قوليهما. واختلف إذا وقع هل يمضي أم لا؟ على ما تقدم من اختلاف قول ابن القاسم وغيره. وقوله "فيمن ورث داراً، أو غلماناً (¬5) إن علم أن الواهب [لها] (¬6) لأبيه غاصب (¬7) لهذه الأشياء من المستحقين (¬8) فجميع الغلة، والكراء، للمستحق" (¬9). (هذا) (¬10) خلاف ما له في كتاب الغصب، أنه لا غرم على الغاصب لغلة الحيوان، من عبد، أو دابة (¬11) ومثل ما تقدم له في الباب هنا أيضاً، من قوله: "ألا ترى لو أن الغاصب نفسه اغتل هذا العبد كان لزاماً له أن يرد الغلة (¬12)." (¬13) وفي كتاب الجعل مثله في الدابة. وقوله: "فيمن ابتاع قمحاً، أو ثياباً، أو ماشية , فأكل القمح، ولبس الثياب (¬14) فأبلاها، وذبح الماشية فأكلها، ثم استحقت، أنه يغرم ثمن ذلك ¬
كله" (¬1). كذا في الأمهات. ومعناه ثمن ما جهلت مكيلته، مما يكال، أو عبر بالثمن عن القيمة لما كانت الأشياء التي ذكر غير القمح ترجع إلى (¬2) القيمة، وإلا فما عرف كيله فعليه مثله. وقوله "في العبد ينزل بلداً (¬3) من البلدان يدعي الحرية، فاستحقه سيده، أنه يأخذ جميع ماله (¬4) الذي وهبه (¬5)، وإن كان أكله الموهوب [له] (¬6)، أو باعه، فأكل ثمنه، غرمه (¬7). إلا أن يكون تلف بيد الموهوب [له] (¬8)، من غير فعله، قد علم ذلك فلا شيء عليه" (¬9). قال القاضي رحمه الله: قوله: "قد (¬10) علم ذلك" (¬11). يظهر أن معناه يثبت. وهذا لا يلزم، لأنه ليس بضامن، والقول قوله مع يمينه. لقد تلف. وكذلك قال سحنون. "علم ذلك" (¬12) حرف سوء، ولعل معنى علم ذلك: أي لم يظهر كذبه، أو كان مما لا يخفى هلاكه (¬13) أو سمع وإن لم يثبت. كما قال في الحيوان: ذلك لا يخفى. وقوله: "إنما (¬14) جعلت الغلة للمشتري، بالثمن الذي أدى في ذلك، ¬
فطابت (¬1) له الغلة بما أدى فيها، والموهوب [له] (¬2) لا تطيب له الغلة، لأنه لم يؤد في ذلك ثمناً (¬3) إذا (¬4) لم يكن للغاصب [مال] (¬5) (¬6). قال بعض الشيوخ: انظر هل في هذا دليل على طيب الربح للغاصب إذا صرف المال على ربه. كما قال ابن الماجشون في أحكام ابن حبيب. وقول أشهب في المجموعة. (و) (¬7) الصدقة بالفضل أحب إلي من غير إيجاب. ومسألة الجارية تستحق وقد أولدها مشتريها (¬8). فقطع (¬9) رجل يد الولد خطأ، وقيمته أكثر من ألف دينار (¬10) فأخذ الأب (¬11) دية ولده. قال: يغرم الوالد قيمة الولد، لقطع اليد يوم يحكم (¬12) فيه. ويقال: ما قيمته (¬13) صحيحاً، وقيمته أقطع (اليد) (¬14) يوم جنى عليه، فينظر كم بينهما، فإن كان بين ذلك قدر ما أخذ الأب من دية اليد (¬15) غرمها، فإن (¬16) كان (أقل) (¬17) ¬
غرم ذلك، وكان الفضل للأب، وإن كان أكثر لم يكن على الأب إلا ما أخذ (¬1)، واختصار هذا أن على الأب [قيمته] (¬2) مقطوع اليد يوم الحكم، أو الأقل (¬3) مما أخذ من دية يده (¬4)، أو مما نقصه القطع من قيمته يوم الجناية، وبيانه أنه يقوم ثلاث تقويمات: قيمته يوم (¬5) القطع وقيمته يوم القيام من يوم القطع في الجناية سليماً. وقيمته حينئذ أقطع. فيضاف ما بين القيمتين إلى (¬6) قيمة اليوم أقطع، (وقيمته يوم الجناية) (¬7) فيأخذها السيد، إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد التي (¬8) أخذ الأب، فلا يزاد عليها، ولو كان القطع يوم الاستحقاق [أو لم تختلف (¬9) القيمة (¬10) من يوم القطع إلى يوم الاستحقاق] (¬11) والحكم لقيل له: ادفع الأقل من قيمته سليماً الآن قبل قطعه، ومن قيمته مقطوعاً مع ما أخذت من ديته، ولا يحتاج هنا (¬12) [إلا] (¬13) إلى قيمتين سليماً، ومقطوعاً، فإن كانت قيمته سليماً أقل لم يلزمه سواها. وكان ما فضل من الدية للأب، أو للابن، على ما نذكره بعد، وان كانت القيمة أكثر من [112] ذلك كله لم يلزمه؛ إلا قيمته مقطوعاً وديته. وقوله: "وكان الفضل للأب" (¬14). طرح أبو محمد هذا من اختصاره. ¬
وأثبته غيره (¬1) وهو ثابت في الأصول. قال ابن عبدوس: نحى سحنون إلى أن ما فضل للأب (¬2). وقاله محمد. وتأول بعضهم معنى قوله: وكان الفضل للأب أي (¬3) النظر فيه لولده، لأنه صغير تحت (¬4) نظره، لا أنه ملك للأب، إذ هو أرش الجناية (¬5) (على) (¬6) الولد، فبأي (¬7) شيء يأخذها الأب، واستدل (¬8) [على] (¬9) هذا بقوله أول المسألة، إذا قطعت يد الولد يأخذ الأب نصف دية ولده. فدل أنه إنما قبض دية ولده لصغره. وإلا فلم يقبضها له. ولسحنون أيضاً قول آخر: أن الدية كلها للابن. وعلى الأب غرم ديتها (¬10) من ماله، ما لم تجاوز (¬11) ما أخذ فيها، ثم توقف في المسألة. وهو [أيضاً] (¬12) قول فيه اضطراب، لأنه إن قال: أن القيمة في جميعه (كانت) (¬13) لازمة للأب، فيبقى أرش اليد للولد، فلم قال: لا يلزمه ما زاد على ما أخذ في اليد؟ وقال ابن وضاح: أنكر سحنون أن يكون على الوالد من قيمة ولده شيء. وقال (¬14): إنما تكون الدية للابن (¬15) وإنما على الأب قيمته أقطع، وقاله أشهب. فهذا قول ثالث لسحنون. ¬
وقوله في الكتاب: [لو قتل] (¬1) فإنما عليه الأقل من الدية التي أخذ، أو القيمة (¬2)، واتفاقهم عليه يرد هذا كله، فإن قيل فإن الدية ها هنا للأب بكل حال يموت الولد، قبل (¬3) ذلك بالوراثة عن الولد، كما لو مات بعد قطع يده، لصارت دية (الولد) (¬4) على كل قول للأب بالوراثة، فلا فرق ومسألة أم الولد المستحقة. وذكر هنا اختلاف قول (¬5) مالك فيها. قال ابن لبابة، وغيره: دليل الكتاب هنا ومفهومه الأقوال الثلاثة المروية عن مالك: أخذها وقيمة ولدها. وأخذ قيمتهما معاً. وهذان بينان في الكتاب. وأخذ قيمتها فقط. الذي أفتى به مالك (¬6) أخيراً (¬7) وذكره ابن حبيب، ومحمد. وهو قول أكثر المدنيين [من أصحاب مالك] (¬8): ابن كنانة، وابن نافع، والمخزومي، وابن دينار (¬9). وهو محتمل (¬10) في الكتاب. لا سيما (¬11) في بعض الروايات. وذلك أنه قال: "يأخذها وقيمة الولد من والدهم، وهو الذي أخذ به ابن القاسم. قال: وعليه جماعة الناس" (¬12). ثم قال: "وقد كان مالك مرة يقوله، ثم رجع عن ذلك. فقال: يأخذ قيمة الجارية، لأن في ذلك ضرراً على المشتري" (¬13). ¬
وفي قوله الآخر (أنه) (¬1) إن أخذ قيمتها فإنه يأخذ قيمة ولدها معها أيضاً (¬2)، فهذان قولان عندهم غير الأول. وإن قوله: يأخذ قيمة الجارية (¬3)، معناه فقط ثم رجع إلى القول الآخر. وأكثرهم حمل الكلام آخراً قولاً واحداً. وأن قوله: يأخذ قيمة الجارية هو القول الآخر عند ابن القاسم الذي (¬4) فسره، (وتممه) (¬5) بعد بقوله: ثم قال في قوله الآخر، يريد هذا الذي ذكر أنه يأخذ معها قيمة ولدها، (فإنما فرق بينه وبين الأول في أخذ عينها، أو قيمتها، أو تصحيح (¬6) هذا الظاهر أن في بعض الروايات، وفي قوله هذا الأخير أنه يأخذ قيمة ولدها،) (¬7) وبهذا اللفظ اختصرها ابن أبي زمنين. (وابن لبابة) (¬8) [لبيانه] (¬9). وتأمل اختصار أبي محمد للمسألة. فكأنه التفت إلى إشكاله. واحتماله هنا. فقال: ثم رجع فقال: يأخذ قيمتها. قال في كتاب القسم: وقيمة ولدها (¬10). كذا اختصرها. فتأمل كمالها (¬11) في كتاب القسم، لتجعله (¬12) شارحاً لهذا الاحتمال، لمجيء الولد هنا بعد اللفظ المتكرر. والله (¬13) أعلم. وقد جاء بعد هذا في قوله: "إن اشتريت عبدا فأعتقته (¬14) أو أمة في ¬
سوق المسلمين فاتخذتها (¬1) أم ولد" (¬2)، ثم قال آخر المسألة: "وأما الجارية إذا حملت فعلى سيدها الذي حملت منه قيمتها للذي استحقها" (¬3). قال أبو عمران: يستخرج منه مثل ما ذكر ابن حبيب. لأنه لم يذكر للولد قيمة. وقد يحتمل أنه لا ولد لها. وفيها إشكال. ووقع في بعض النسخ بعد القول الأول. ثم قال: "وقد كان مالك مرة يقوله، ثم رجع عنه، فقال: يأخذ قيمة الجارية، لأن في ذلك ضرراً على المشتري، لأنها إذا ولدت كان ذلك عاراً على سيدها الذي ولدت منه، وعلى ولدها" (¬4). وهذا الذي استحقها. إذا أعطى قيمتها فقد أعطى حقه، فإن أبى فهذا من الضرر. ويمنع من ذلك. وتمت المسألة في هذه الرواية. ولم يذكر ما بعدها مما فيه قيمة الولد، وسقط ذلك مع مسألة الرجوع بقيمة الولد على البائع، إلى (¬5) مسألة الغاصب. وهذا الكلام الذي زاد في هذه الرواية صحيح في كتاب القسم. فانظره (¬6) هناك. وكذا ثبتت في كتاب أبي عبد الله بن الشيخ. وروايته عن وهب، عن ابن وضاح، وهو مما يقوي تأويل ابن لبابة المتقدم. قال ابن أبي زمنين: وفي بعض الروايات إلا أن يكون في ذلك ضرر على سيدها فترد إليه. وروايتنا عن شيوخنا. والذي في أصولهم ما تقدم، ولا ضرر (¬7) على المشتري. قال ابن أبي زمنين: وهو أصح. وأقرب إلى ما ذهب إليه مالك في هذا الأصل. ¬
قال القاضي رحمه الله: وليس في هذه الرواية بعد عن أصل مالك مثل، ألا أن يكون على الأب في ذلك كبير عار لموت الولد، أو لكونه من غير ذوي الأقدار، ويكون مستحقها له بها تعلق، وتكلف (¬1) فيغلب هنا ضرره، إذ هو المالك (¬2) على ضرر من ليس بمالك (¬3) وقد اعتمد على هذا بعض شيوخنا (¬4). قال أبو عمران: أو يكون المستحق منه عديماً بالقيمة، فإن (¬5) حكمنا بها لربها ولم يأخذ منه شيئاً أضررنا به، وأيضاً فيكون سيدها في هذه الرواية هو الأب [لا] (¬6) المستحق. كما فسره في رواية ابن الشيخ. والله أعلم. [وقوله:] (¬7) في (¬8) حديث يحيى بن سعيد: "لو أخذ السارق كان (¬9) أهلاً للعقوبة، والغرامة الموجعة (¬10) " (¬11). سقط لفظ الغرامة عند ابن عتاب. وكثير من النسخ. وثبتت في كتاب ابن المرابط وغيره. و [على] (¬12) هذا الخلاف في المعاقبة في الأموال. ويحتمل أن مراده بالغرامة أخذ القيمة منه. والله أعلم. وقوله (¬13): ولا في الرقيق قطع (¬14). خلاف فإنه قد قال في كتاب ¬
السرقة من المدونة والموطأ (¬1) إن [113] كان أعجمياً قطع من سرقه إذا (¬2) أخرجه من حرزه. معناه؛ لا يفقه ما يراد به. ومسألة الذي له على رجل ألف، فحط عنه [خمس] (¬3) مائة على أن أخذ منه عبده ميموناً بخمس مائة، فاستحق العبد، أنه (¬4) يرجع عليه بالألف (¬5). قال أبو عمران فيه دليل على أن الغبن الكثير جائز. وإن زاد على الثلث. خلاف ما ذهب إليه البغداديون. ووفاق لما في كتاب ابن حبيب. يستدل على ذلك بمسألة الوكيل إذا باع ما وكل على بيعه بما لا يتغابن الناس في مثله (¬6) وفات (¬7) أنه ماض، ويضمن الوكيل. قال أبو عمران: فهذا (¬8) كله دليل على جواز الغبن. قال القاضي رحمه الله: ليس في هذا ما يدل أنه كثر من الثلث. ومسألة الألف أيضاً ليس فيها بيان في الغبن. ولعل [في] (¬9) قيمة العبد الألف، أو ما يقرب (¬10) منه. وقوله في السلع الكثيرة يوجد في عيونها العيوب، أو تستحق فيرضى المبتاع والبائع أن يسلما ما ليس فيه عيب بما يصيبه من الثمن، من جملة ¬
الثمن، لم يحل (¬1) ذلك. إلى قوله: فكأنه باعهم بثمن لا يدري ما تبلغ (¬2) أثمانهم من (¬3) الجملة (¬4). تقدم الكلام فيها. وتأمل (¬5) لو علم ما ينوبها من الثمن، فأراد التزام ما بقي بذلك، أن ذلك لا يجوز إلا برضى البائع، [إذ هو بيع مبتدأ، ألا تراه قال: وكأنه باعهم، وقال في أول المسألة: ولو رضي البائع] (¬6) والمبتاع (¬7). فدل أن ذلك إنما يجوز بعد معرفة الثمن الذي تراضيا (¬8) عليه، ورضاهما معاً بذلك. وقوله "في الذي يبتاع عبداً ثم يطلع على عيب فيصالحه على عبد آخر. ثم يوجد بأحدهما عيب، سبيلهما سبيل ما اتبع (¬9) في صفقة واحدة" (¬10). ينظر إلى الأكثر في الصفقة. قيل: إنما ينظر إلى قيمتهما جميعاً يوم الصلح، لأنه يوم تمام القبض فيهما. ولا يفرق النظر فيهما. قاله أبو عمران. وقيل: بل ينظر إلى الأول يوم بيعه. وللثاني يوم الصلح. وإليه ذهب غيره. وتقدم الكلام في مسألة الخلخالين في الصرف. ومسألة (سلم) (¬11) الثوبين في فرس يستحق (¬12) أحدهما (¬13)، إن كان ¬
الثوبان وجه الصفقة انتقض السلم. كذا روايتنا في كثير من النسخ. وفي بعضها إن كان الثوبان متكافئين (¬1) أو (¬2) وجه الصفقة انتقض السلم (¬3). حوق على قوله: متكافئين في كتاب ابن عتاب. وعلى إسقاطه اختصر المسألة أكثر المختصرين. ولم يكن في كتاب ابن المرابط. وعلى الرواية الأخرى يكون خلافاً ما له (¬4) في كتاب العيوب. وأنه لا ينتقض. وقوله: "وإن (¬5) كان تافهاً ليس من أجله اشترى كان عليه قيمة ما استحق. وثبت السلم" (¬6). اختلف في تأويل ذلك. فحمله كثير من المختصرين، والشارحين، على قيمة ذلك المستحق من الثوبين. وحمله آخرون على أن معناه حصة ذلك من قيمة الفرس إلى أجله. وهو مذهب محمد بن المواز. وفي سماع عيسى نحوه. قال: يرجع بقيمة الدابة ولا يكون (معه) (¬7) شريكاً فيها. وحمله حمديس أنه ينتقص من السلم بقدر (¬8) ما استحق. فيكون بذلك في الفرس [ربه] (¬9) شريكاً. وإليه ذهب سحنون. وقال بعضهم: هذا على قول أشهب. لا على قول ابن القاسم الذي يراعي ضرر (¬10) الشركة. ¬
ثم اختلف في صفة التقويم. فقال محمد: إلى أجله. قال (¬1) التونسي: كذا يقوم، حل الأجل أو لم يحل. وقيل: إذا حل قوم حالاً. وقال اللخمي: المعروف من قول [مالك و] (¬2) ابن القاسم، ومالك أنه يرجع بقيمة ما أسلم (¬3) فيه. في قيمة (¬4) [أما] (¬5) يبذله (¬6) من الفرس [يوم يأخذه] (¬7) فإن تأخر الحكم بالقيمة بعد الاستحقاق حتى (¬8) حل الأجل أخذ الفرس، ودفع قيمة ما رجع فيه من الفرس يوم يأخذه، وإن كان قبل حلول الأجل كان المسلم [إليه] (¬9) بالخيار، بين أخذه (¬10) قيمة ذلك، على أن يقبضه إلى بقية أجله، وإن أحب أمهل حتى يحل الأجل، ويقع التقابض، فيدفع القيمة حالة، وإن كان الاستحقاق بعد الأجل، وقبض الفرس، كانت عليه القيمة حالة يوم القبض. ومسألة من شهد عليه بأنه (¬11) مات فبيع ماله، وتزوجت امرأته (¬12)، ثم جاء الرجل (¬13). وتفريقه بين أن يكونوا (¬14) قصدوا الزور، أو شبه (¬15) عليهم (¬16) تأول إسماعيل القاضي أن تفريقه هذا إذا لم يشهدوا عند الحاكم، ¬
وأما متى شهدوا عنده فسواء شهدوا بزور أو شبه عليهم، يعني أنه لا يرد إليه ماله إلا بالثمن. وقد فسر ابن القاسم في المدونة قول مالك بخلاف هذا. وإن تفريقه سواء شهدوا [به] (¬1) عند القاضي أو لا. ونص عليه. ولم يختلف عنده حكم زوجته في الوجهين في الكتاب، أنها ترد عليه. قال في كتاب محمد: حكم بموته حاكم أو (¬2) لا؟ [تزوجت أو لا] (¬3). وقال إسماعيل القاضي إذا كان بحكم (¬4) لم ترد عليه كالمفقود. ¬
كتاب الشفعة
كتاب الشفعة (¬1) هذه اللفظة بسكون الفاء. ولأصل تسميتها بذلك وجوه. فقيل: [هو] (¬2) من الشفع. وهو ضد الوتر. لأنه يضم هذا المشفوع فيه إلى ماله، فتصير الحصة حصتين، والمال مالين. وقيل: هو من الزيادة، لأنه يجمع مال هذا إلى ماله، ويضيفه (إليه) (¬3). ويزيده له (¬4). والشفعة: الزيادة. قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} (¬5). قيل: يزيد (¬6) عملاً [صالحاً] (¬7) إلى عمله. وهو قريب من المعنى الأول. وقيل: هو من الشفاعة، لأنه يشفع بنصيبه إلى نصيب صاحبه. وقيل: بل كانوا في الجاهلية إذا باع شريك الرجل حصته، أو أصله، ¬
أتى المجاور شافعاً إلى المشتري ليوليه أباه ليصله بملكه، ويخلص له، فيسأله حتى يشفعه فيه (¬1). وقوله في الكتاب: "كل قوم ورثوا رجلاً، وبعض الورثة أقعد ببعضهم (¬2) من قبل أن بعضهم أقرب (¬3) بأمه، وهم (¬4) أهل سهم (¬5) واحد، أولاد علات، أو إخوة مختلفون، فباع أحدهم، فالشفعة لجميعهم، لأنهم أهل سهم واحد" (¬6). كذا روايتنا. وكذا في أكثر النسخ. وفي كتاب ابن المرابط: وإخوة (¬7) بالعطف. وفيها كلها إشكال. وقد اعترض سحنون هذا اللفظ. وقال: هو خطأ لا يستقيم. لأن السهم لا يجمع الإخوة (¬8) المختلفين. قال القاضي رحمه الله: لما أراد (¬9) [من] (¬10) ذلك وجه صحيح حسن يستقيم الكلام عليه. ويجري على الأصل. ويرفع (¬11) الاعتراض إذا تأمل، ويوافق الإخوة فيه أولاد العلات (¬12)، كما ذكر، لأن الأولاد إذا [114] كانوا لعلَّات، - ومعنى ذلك لأمهات شتى،؛ وهو بفتح العين - فليس ما باع أحدهم يكون شفيعه له أولى بشفعته (¬13) من سائر إخوته (¬14). وإن كان أقرب ¬
بأم (¬1)، لأنهم كلهم أهل سهم واحد (¬2)، كما قال في الكتاب. ولفظ سهم هنا فيه تجوز، إذ ليس الأولاد الذكور إذا (¬3) كان معهم إناث من أهل السهام، وإنما معناه (¬4) أن توارثهم على حد واحد، لا (¬5) يحجب بعضهم بعضاً، ولا منع بهم، كأهل سهم واحد. فكذلك (¬6) الإخوة إذا كانوا كلهم لأب من الميت. فورثوه وهم مختلفون لأمهات شتى، وليس منهم شقيق للميت، فما باع أحدهم فبقيتهم فيه شفعاء، وليس شقيق البائع أحق من غيره، كالأولاد سواء. وهذا الذي أراد لا شك فيه. ألا تراه كيف قال: "وبعض الورثة أقعد ببعضهم من بعض، من قبل أن بعضهم أقعد بأمه" (¬7)، يريد بعضهم من بعض، [لا من الميت] (¬8) وإنما يراعى القعدد (¬9) من الميت، لا من بعض أهل التشافع (¬10) من بعض، ولا من البائع، ولو كان مراده أقعد بأمه من الميت لم تصح المسألة. لأنه كمنْ (¬11) يكون شفيعاً للميت، يحجب غيره. فلا ميراث للآخر. وتسقط المسألة. فلا معنى لها (¬12)، إلا ما ذكرناه. وتصح وتتبين، ولم يزل الشيوخ (¬13) ينقلون فيه الاعتراض، وينبهون (¬14) عليه في كتبهم. ولم أر من أجاب عنه، ولا من أظهر وجهه، ¬
وكشف إشكاله، وما ذكرناه بين (¬1). وقد يكون معنى قوله في البنين: أهل سهم واحد إذا كانوا إناثاً، وضرب لهن بالثلثين، وهن لعلات، فلا فرق بينهن، ولو كن (¬2) لأم واحدة (¬3)، إذ قرب بعضهن من بعض وقعددهن بذلك لا تأثير له في الشفعة، وإنما المراعى قعددهن، وقربهن من الميت، وهن في ذلك سواء، كما بيناه. ومعنى الشقص (¬4) بكسر الشين: النصيب. وقوله: " (الشفعة) (¬5) على قدر (¬6) الأنصباء، (ليس) (¬7) على عدد الرجال" (¬8). هذا هو المعروف من المذهب (¬9). والمخالف (¬10) يقول: على عدد الرؤوس (¬11). ¬
وقد خرجه اللخمي على قول عبد الملك، في تقويم العبد (¬1) المعتق بعضه على معتقه، أنه على العدد لا على الأنصباء، وكأنه رجحه، وخرجه آخرون من المدونة، من كتاب الأقضية، من جعله (¬2) أجرة القسام (¬3) على عدد الرؤوس. [والخلاف في ذلك معلوم، والفرق بين البابين (¬4) بين. وحكى ابن الجهم (¬5) عن بعض أصحاب مالك أن الشفعة على عدد الرؤوس] (¬6). قال (¬7) اللخمي: وهذا فيما ينقسم، وأما ما لا ينقسم إذا حكم فيه بالشفعة فعلى الرؤوس. لأن المقصود فيه رفع الضرر عند البيع، وذلك يستوي فيه القليل النصيب (¬8) والكثير. ومسألة اقتسام الساحة، والتشافع فيها (¬9) منها هنا وفي كتاب القسمة. وقوله هنا: "إن لم يقتسموا (¬10) الساحة، وقد قسموا البيوت فلا شفعة ¬
لهم" (¬1)، وإن (¬2) كانت الساحة واسعة، فأرادوا قسمتها ليأخذ كل إنسان حصته، ويحوزها (¬3) إلى بيته، قال: إذا كان كذلك (¬4) ولم يكن ضرراً، رأيت أن يقسم (¬5)، معناه إذا ادعى (¬6) أحدهم، وأما إذا تراضوا (¬7) جميعهم على القسمة قسمت، كانت بضرر، أو بغير ضرر (¬8). وقد اعترض المسألة سحنون، (وحمل) (¬9) كلامه على المسألة المتقدمة قبلها في قسمة البيوت (¬10). وقال: لا تصح قسمة الساحة بالسهم، لأن حصة هذا قد تقع على باب هذا. وأي ضرر أكثر منه، إلا أن تكون قسمتهم على التراضي. وقال بعض شيوخنا: المسألتان مفترقتان. والمسألة (¬11) الأولى ذكر فيها قسمة البيوت. والثانية لم يقسموها، لكن أرادوا قسمتها مع الساحة، فأجاز ذلك إذا لم يكن ضرراً، وإليه ذهب أبو عمران في معنى المسألة. انظر (¬12) قوله في كتاب القسمة: إذا (¬13) كان اقتسما (¬14) البيوت والساحة قسماً واحداً تراضيا ¬
بذلك (¬1). فهذا يدل أنه لا يجوز قسمتها بالقرعة مع البيوت. وقيل: معنى الساحة التي منع مالك من قسمتها، إنما يريد أفنية الدور التي من بيوت (¬2) القرى، حيث يترك الإبل، ويرتفق جميع أهل القرية (¬3)، فأما ساحة داخل الدار فتقسم كالبيوت. وكذا (¬4) قال ابن حبيب. وهذا وفق قول أشهب (¬5) ليس لأحدهم بيع حصته من العرصة خاصة، إلا ببيع حصته من البيوت، وإن كانت واسعة، إلا أن يجتمع ملاؤهم (¬6) على بيعها، فيجوز لأنها بقيت (¬7) مرفقاً لهم. ولابن حبيب عن مطرف: لا تقسم جملة (¬8). وتأول قول مالك في منع ذلك بعد التحجير. كان أهلها أوقفوها كالحبس. وقيل: إذا احتملت البيوت والساحة القسمة قسمت قسماً واحداً، ويجعل (¬9) لكل نصيب من البيوت ما يقابله من الساحة معدلاً بالقيمة. ويسهم عليها، وإن لم تحتملها (¬10) الساحة، قسمت البيوت، وتركت الساحة مرتفقة كالفناء، إلا أن يتفقوا (¬11) على قسمتها (¬12)، فإن لم تحتمل البيوت، واحتملتها الساحة، فذهب ابن حبيب إلى جواز قسمتها. قال (¬13) ويضم (¬14) ¬
البنيان إلى الساحة ويقسم. وإن لم تقع (¬1) السهام كلها في البنيان (¬2). والذي يأتي على مذهب ابن القاسم أنها لا تقسم إلا بالتراضي، لأن بعضهم يخرج سهمه في البيوت، وبعضهم في الساحة، فصار كالصنفين، لا يجوز الاستهام عليها (¬3). قال شيخنا القاضي أبو الوليد: وقول ابن حبيب خلاف لهذا. وهو بعيد كجمع الصنفين في القسم (¬4). وإنما تقوم (¬5) إذا انقسمت الساحة مع البيوت في كل نصيب، إلا أن يكون على أحد التأويلين على ابن القاسم في جمع ذلك بالسهم على (¬6) التراضي من مسألة الزيتونة، والشجرة، وعلى مذهب أشهب في جمع الصنفين في القسم (¬7). وقيل إنما قال: لا تقسم (¬8) إلا أن يكون لكل واحد ما ينتفع به، على قوله في الدار الصغيرة، والحمام أنه لا يقسم (¬9). وقال (¬10) عثمان بن مالك الفاسي (¬11): معناه إن كانت للبيوت حجر، ¬
لم تقسم الساحة إلا باجتماع [115] منهم، وإن لم يكن لها حجر، وكانت واسعة، فمن دعا منهم إلى القسم وجبت؛ له القسمة، وإن كانت ضيقة باجتماعهم (فباجتماعهم)، وهذا نحو قول ابن حبيب. وروي عن مالك (¬1). وقوله في الشفعة في النقض: "ما الشفعة إلا في الدور، والأرضين، وإن هذا الشيء ما سمعت فيه شيئاً، وما أرى إذا نزل إلا ولهم الشفعة، ونزلت بالمدينة، فرأيت (¬2) مالكاً استحسن لهم الشفعة" (¬3). يشعر مجموع هذا الكلام إلى اختلاف قوله في الشفعة (فيها) (¬4)، واختلاف قوله في ذلك معلوم، وكذلك اختلاف قوله في بيع نقضها، واختلاف قول (أصحابه) (¬5) في بيع جميعها، من غير رب العرصة، ولا يختلف في وجوب الشفعة فيه، إذا بيع مبنيا مع الأصل، وإنما الخلاف إذا باع أحد الشريكين حصته (¬6) من النقض دون الأصل، كان الأصل لهما، أو لغيرهما، كان قائما في البنيان، أو نقض (¬7)، وهما مشتركان في الأصل وفيه. وقد وقع خلاف ما تقدم نصا في المدونة في غير رواية يحيى. ونقلها أبو محمد فيمن اشترى نقض دار على القلع، ثم اشترى الأرض، فأقره، فاستحق رجل نصف جميع الدار، أنه يأخذ نصف الأرض بالشفعة بنصف ثمنها، ويغرم نصف قيمة البناء من الأرض قائماً. وكذلك لو اشترى الأرض دون النقض، ثم اشترى النقض. وطرحها سحنون. وقال ابن المواز: رجع ابن القاسم إلى مثل قوله في النخل، أنه يأخذ نصف جميع ذلك، ووقعت هذه المسألة آخر الكتاب في بعض الروايات، ¬
ولم تكن (¬1) عند ابن وضاح، ولا في كتاب دراس بن إسماعيل (¬2). وحوق عليها في كتاب ابن عتاب. وتمت المسألة في بعض النسخ عند قوله: أيشفع الشفيع في النقض، والعرصة (¬3) جميعاً. قال نعم (¬4)، يشفع فيهما (¬5). وكذا تمت عند ابن أبي زمنين. وزاد في بعضها: العرصة بما اشتراها [المشتري] (¬6)، والنقض بالقيمة (¬7). وهنا انتهت في كتاب أحمد بن أبي سليمان وروايته، (وزاد في رواية غيره تعليلاً للمسألة وحجة. قال فضل: ذكرها ابن عبدوس) (¬8). وقوله في مسألة الشريكين في الأنقاض، إذا باع أحدهم إن أراد رب العرصة أخذ النقض، ويدفع إلى رب النقض قيمة نقضه، له ذلك، إلا أن تكون قيمة النقض أكثر مما باع به (¬9). قال ابن وضاح: كذا أصلحها سحنون. وكان (¬10) في الأصل: إلا أن يكون ثمن النقض. وقال يحيى: كان في الأم، إلا أن يكون قيمة النقض أقل، ¬
فأصلحه (¬1) سحنون أكثر (¬2). وكلا الإصلاحين يرجع إلى معنى واحد صحيح. ولم يختلف أن رب العرصة مقدم في الأخذ على الشفيع، ليس للشفعة، لكن لدفع الضرر. ثم اختلف بما يأخذ، ففي (¬3) المدونة بالأقل من الثمن، أو القيمة، على ما بينا. وعلى ما أصلحه سحنون (¬4). وظاهره أنه يأخذ بذلك من البائع. وقيل: بالثمن فقط. وقيل: يأخذه منه مقلوعاً بالقيمة فقط. وهذا على ماله في باب اشتراء النقض والشريك غائب. قال: يعطيه قيمة بنيانه، ولا يأخذه بالثمن الذي اشترى به. وقيل: يأخذه من المبتاع. وقيل: من البائع بالأقل من قيمته مقلوعاً، أو الثمن. وينفسخ البيع فيه بينه وبين المبتاع، فيرجع على البائع بما دفع له، وكل هذه الأقوال متأولة على المدونة للشيوخ. وقول مالك لم ير السنة مما تنقطع به الشفعة، فإذا (¬5) جاوز (¬6) السنة بما (¬7) يرى أنه (¬8) ............................................... ¬
تارك (¬1)، سقطت شفعته (¬2)، وله عنه في المبسوط أنها تنقطع بالسنة. وهي رواية أشهب عن مالك أيضاً. فيحتمل أن رواية ابن القاسم في المبسوط موافقة لرواية أشهب. أن بتمام آخر يوم من السنة تنقطع (¬3)، إذ السنة حد في غير شيء من الأحكام، كما قال عمر، أو يكون قوله في المبسوط موافقاً (¬4) لما في المدونة، ومراده أن السنة وما قاربها بمنزلتها. كما قال في الرضاع، والزكاة وغير ذلك. وكما قال ابن ميسر (¬5): ما قرب السنة فله حكمها (¬6). قال في الوثائق: وذلك الشهر، والشهران. وحكى المزني (¬7) والثلاثة (¬8). وقال أصبغ: السنتان (¬9)، والثلاث (¬10). وفي كتاب ابن حبيب لمالك في أكثر من خمس [سنين] (¬11)، لا أراه طولاً. وقال عبد الملك في المبسوطة (¬12): عشر سنين (¬13). وحكى عنه ابن المعذل أربعين (¬14) سنة (¬15). فكأنه على هذا رآه في قوليه من باب الحيازة التي حدها عشراً، أو أربعون (¬16)، بين الإشراك. وروي عن مالك أنها لا ¬
تنقطع حتى يوقف، أو يصرح بتركها (¬1). وقال ابن وهب: متى علم وترك فلا شفعة له (¬2). وقوله: "في [تكافؤ] (¬3). البينتين (¬4) في اختلاف المشتري والشفيع في الثمن القول قول المشتري، لأن الدار في يديه" (¬5). نبه [بعض] (¬6) متأخري الأندلسيين عليه أنه يفهم منه أن الدار لو (¬7) كانت بيد الشفيع بخلاف ذلك، وقد فاتت، أو لم تفت. وانظره (¬8) في كتاب الرواحل. (في الراحلة) (¬9) يكتريها، في اختلافهم في مسألة أيلة (¬10)، وجعله (¬11) القول قول المكتري (¬12) لقبضه الراحلة، ولأن تسليم الشقص للشفيع كتسليم السلعة للمشتري، والخلاف هل القول قوله (¬13) بنفس تسليمها، أو حتى يبين بها، أو حتى توقف (¬14). ومسألة "من اشترى من ثلاثة نخلاً، وداراً، وأرضاً (¬15)، والشفيع واحد. قال: إنما يأخذ الجميع. أو يترك" (¬16). وقال (¬17) أشهب: هذا إذا ¬
كانوا (¬1) متفاوضين. يعني المشتريين. وإلا فيأخذ ما شاء، ويترك ما شاء، لأنه مضرة على المشتري فيما يؤخذ من الآخر. حمل (¬2) الباجي (¬3) قول أشهب على التفسير، [قال] (¬4): وإلا فلا وجه لثبوت الشفعة. وحمله غيره على الخلاف. وقوله في القضاء: بالشفعة (¬5) في مغيب المشتري، "لأن القضاء على الغائب جائز، ويكون على [116] حجته، إذا قدم (¬6) " (¬7) بيان (¬8) وتصريح في القضاء على الغائب، وفي إرجاء الحجة؛ له، ومثله في النكاح، والأقضية، والشركة. والقضاء في الشفعة عليه كالقسمة عليه، بخلاف ما يستحق من يده من الأصول. وقد اعترض سحنون المسألة. وقال: إذا كان على حجته فلم يقض عليه، وينبغي أن يتلوم له، الشيء بعد الشيء، ولا يكثر في الأجل، ثم يحكم عليه، ويقطع، ولا تكون له حجة بعد ذلك. وقوله: "إذا هدم المشتري الشقص (¬9) لم يأخذه (¬10) الشفيع إلا بجميع الثمن" (¬11). وقال بعض الشيوخ: إنما يصح إذا لم يعلم المشتري أن معه شفيعاً، ولا لأحد فيها شركاً (¬12) غير بائعه، فمتى علم ثم هدم فهو ¬
ضامن، وحكمه حكم المتعدي (¬1) الغاصب. وقال ابن لبابة: في هذه المسألة وهم وإنما يصح (¬2) أنه ابتاع جميع الدار، فهدمها، ثم استحق مستحق بعضها، (أو اشترى بعضها) (¬3)، وهدمها مع شريكه، فأتى (¬4) شريك آخر لم يعلم به، أو مستحق لما بيد شريكه، فحينئذ يجري (¬5) فيه الجواب المتقدم، وأما غير هذه الوجوه فمحال، لأن الجزء الذي هدم ليس له وحده، وهو فيه متعد غاصب، فعليه ما على [أهل] (¬6) العدا (¬7)، يخير المستحق إن شاء ضمنه قيمة نصيبه، وإن شاء أخذ نصيبه، وأغرمه (¬8) (قيمة) (¬9) ما نقصه الهدم، وشفع في الباقي على ما فسره (¬10) في المسألة. وقال ابن زرب (¬11) فيمن بنى في حصة لها شفيع فقام شفيعه فأخذ قيمة بنائه منقوضاً: لا شيء (في) (¬12) ماله. وقال غيره: هو كالمتعدي (¬13). وقوله في مسألة اختلاف البائع والمشتري [والشفيع] (¬14):، إن كانت الدار في يد البائع (¬15)، أو في يد المشتري، لم تفت بطول الزمان، أو ¬
بهدم، أو تغير المساكن، إلى آخر ما ذكره. فالقول (قول البائع (¬1)، يريد: ويتحالفان، ويتفاسخان (¬2). وإن تغيرت بما ذكرت لك وهي في يد المشتري، فالقول) (¬3) قوله (¬4). قال بعضهم (¬5): قوله "بطول الزمان" (¬6) يدل أن حوالة الأسواق في البيع الفاسد (¬7) فوت في اختلاف المتبايعين (¬8). كما [قال] (¬9) في كتاب محمد (¬10). وما وقع في بعض رواية الأندلسيين [في] (¬11) أنه فوت في ذلك. وإلى هذا نحا أبو عمران (¬12). وكذلك (¬13) استدلوا منها أيضاً على أن ذلك فوت في البيع الفاسد، كما قال أصبغ، خلاف ما قاله (¬14) بعد في المدونة وغيرها. وقد يقال: إن المراد بطول الزمان الذي تتغير في مثله الدار، وتنهدم من ذاتها، لضعف بنائها [ووهائها] (¬15). وما ذكره (¬16) بعده (¬17) من فعل بني ¬
آدم، وقد بين بعد أن تغيير (¬1) البناء من غير هدم ليس بفوت (¬2). وكذلك قوله: "وإن تغيرت الدار بما ذكرت، وهي في يد المشتري، فالقول قوله" (¬3). فانظر تخصيصه تغيرها بيد المشتري. قالوا فلو تغيرت بيد البائع تحالفا وتفاسخا (¬4). قال أبو محمد: إن (¬5) تغيرت بهدم، أو بناء بيد البائع، نظر إلى قيمة الدار مبنية، وقيمتها مهدومة، فما نقصها فمن المشتري، ويتحالفان، ويتفاسخان. ويغرم المشتري للبائع مقدار (¬6) ما نقصها الهدم من الثمن الذي أقر به. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لزمه ما حلف عليه صاحبه. وقوله في الهبة للثواب (¬7): أجازه (¬8) الناس، وفي القياس [ينبغي] (¬9) ألا يكون جائزاً (¬10) إشارة إلى قول المخالف: أن الهبة للثواب لا تجوز (¬11). لأنها من المبايعة بالغرر. وقد قال ابن وضاح: طرح سحنون قوله: وفي القياس ينبغي ألا يكون جائزاً (¬12). وثبت في كتاب ابن عتاب. وخرجه في كتاب ابن المرابط. ¬
وقد (¬1): ثبت للأبياني وحده. ومسألة تسليم الشفعة قبل معرفة [الثمن] (¬2). وقوله هو جائز (¬3). ظاهر الكتاب (¬4) على الإطلاق. واختلف في تأويله، فقيل جائز ماض بكل حال، لقوله: [له] (¬5) أن يترك إن أحب، إذا عرف بالثمن، يدل أنه إن أحب (¬6) تماسك. وقيل: معناه أن ذلك [العقد] (¬7) لا يلزمه لفساده، إذا لم يعرف بما يأخذ (به) (¬8) , فإن اختار الأخذ والتماسك بعد معرفة الثمن فهو ابتداء [بيع] (¬9) آخر (¬10)، وهو الذي في كتاب محمد (¬11). وكذلك اختلف قوله: إذا أخذ بالشفعة والثمن عرض (¬12) مما (¬13) لا مثل له، كالعبد، والثوب، قبل (¬14) معرفة قيمته، فقال (¬15) مرة: هو (¬16) فاسد. وقال مرة: هو جائز. وكذلك خرجوا عليها إذا كانت الشفعة مما (¬17) ¬
يحكم فيه بقيمة الشقص قبل (¬1) معرفته. وقيل في هذا كله: إذا تقاربت القيم جاز. وإذا تباينت لم يجز. ولم يجز في الكتاب أن يأخذ (¬2) بالشفعة لغيره، ولا لبيعها ليربح فيها. وقال في المديان: يأخذ بالشفعة وهو هنا (¬3) مبتاع لغرمائه، فهي مخالفة لها، ولهذا منع [ذلك] (¬4) أشهب (¬5). ومسألة "من اشترى داراً فهدمها فباع نقضها ثم قدم رجل فاستحق نصف الدار" (¬6). في لفظ الجواب فيها تلفيف (¬7)، وتطويل، وإشكال، أبانه واختصره آخر الكلام (في قوله) (¬8): "قلت: فالمشتري إذا باع مما نقض شيئاً، أخذ المستحق نصف ذلك باستحقاقه نصف الدار، ونصفه بالشفعة. قال: نعم. إذا كان ما باع من النقض حاضراً، فإن فات النقض فليس له أن يرجع عليه بما يصيبه (¬9) من الثمن، وإنما له أن يأخذ البقعة بما يقع عليها من الثمن" (¬10). قال سحنون: الحاضر والغائب في النقض سواء. وقع كلامه في بعض النسخ (¬11)، وليس في روايتي (¬12)، ولا في أكثرها. ¬
قال أبو عمران: هو لفظ مشكل أيضاً. والأولى (¬1) أن يحمل [على الوفاق] (¬2) على ما فسر. [وقال] (¬3) ابن القاسم في كتاب ابن عبدوس. إذا كان النقض حاضراً لم يفت، فللشفيع أن يأخذ ثمن النقض الذي باعه المشتري مع القاعة، ويعطيه الثمن، ونحوه لأشهب، قال: يحاص الشفيع المشتري بثمن ما باع من النقض، وأنكر ذلك (¬4) سحنون (¬5). وقوله في المسألة بعدها: إذا اشترى داراً، فرهنها (¬6) لرجل فهدمها، أو وهب نصفها (¬7) لرجل فهدمه. كذا للأبياني، وغيره. وفي كتاب أحمد بن خالد: أو وهب نقضها. وقوله: "فيمن اشترى نصيبين من دارين، من رجلين مختلفين، وشفيعهما (¬8) واحد، أن الشفيع إنما [117] يشفع في الكل، أو يترك" (¬9) / قالوا هذا على أحد قوليه [في] (¬10) جمع السلعتين، وقد يحتمل عندي أن يكون سمى لكل واحد من الشقصين شيئاً (¬11). (وقد) (¬12) حكى ابن لبابة أن المذهب في المسألة إذا كانت هكذا في جمع السلعتين. وسمى لكل واحدة (¬13) ثمنا جاز البيع بغير خلاف، كما قال في كتاب النكاح (¬14): إذا ¬
(كان) (¬1) سمى لكل امرأة (¬2) مهراً جاز جمعهما في عقدة. ومسألة "من اشترى بيعاً فاسداً فباعه بيعاً صحيحاً، قال: هذا فوت في البيع الفاسد" (¬3). زاد في رواية ابن وضاح: وله أن يأخذ بالبيع الصحيح، وليس له أن يأخذ بالبيع الفاسد (¬4). قال ابن وضاح: وهو (¬5) رأيه. وليس [هو] (¬6) من الأصل. ولم يكن في كتاب الأبياني. وتأمل قوله: إن كان [قد] (¬7) بنى فيها بنياناً كالقصور (¬8) والبيوت فهذا فوت أيضاً (¬9) هذا يفسر (¬10) ما أجمله في غير هذا الموضع وكان البناء اليسير والإصلاح الخفيف حكمه حكم تغيير البناء من غير هدم والله أعلم. وقوله في الإقالة: "الإقالة باطلة (¬11). إلا أن يسلم الشفيع الشفعة" (¬12). قال عيسى بن دينار: معناه لا يقطع الشفعة حتى يعد البائع فيها، كأنه لم يبع، فإذا (¬13) ثبتت الإقالة فيأخذ الشفيع إن شاء من المشتري بعهدة البيع، وإن شاء من البائع بعهدة الإقالة، (على الإقالة) (¬14) كأنه هنا اتهمهما ¬
على حل البيع لإبطال الشفعة. ولا يختلف إذا كانت الإقالة بعد تسليم الشفعة، أو بثمن الزيادة، أو نقصه، أن فيها (¬1) الشفعة. وفي "باب الكفالة في بيع الدور: إذا بنى المشتري لا شيء على الكفيل من قيمة ما بنى (¬2). ويقال للمستحق: ادفع إلى هذا المشتري قيمة ما بنى. وخذ (¬3) دارك (¬4) " (¬5). كذا [في] (¬6) رواية أحمد بن أبي سليمان. ولغيره: أو خذ (¬7) قيمة دارك (¬8). وكلاهما صحيحان. ومعنى قيمة دارك (¬9) أي ثمنها الذي باعها به البائع من المشتري، كما بينها بعد هذا في غير موضع. ثم قال: "فإن دفع إليه قيمة ما بنى، وأخذ داره رجع المشتري على البائع بالثمن، أو على الحميل (¬10)، والمشتري مخير (¬11)، وهو قول مالك" (¬12) في هذه المسألة. لكن في كثير من النسخ. وكذا عند أحمد بن خالد. وهو خلاف اختيار ابن القاسم، قيل (¬13): من قولي مالك في هذه المسألة، لكن في كثير من النسخ، وهي رواية ابن عتاب، والأبياني: ¬
والمشتري [في] (¬1) ذلك مخير، "إن كان البائع غائباً، أو معدماً" (¬2) وبثبوت (¬3) هذه الزيادة لا يكون اختلافاً من قول ابن القاسم. ومسألة "من اشترى شقصاً من دار بحنطة، فاستحقت الحنطة، وقد أخذها الشفيع بالشفعة قبل استحقاقه الطعام، لم (¬4) يرد [البيع] (¬5)، ويغرم له مثل طعامه، وإن كان قبل أخذه فلا شفعة له" (¬6). كذا ثبتت عندي الرواية في كتاب ابن عتاب. وكذا عند ابن وضاح. وعند بعضهم، وعند ابن أبي زمنين، والأبياني. وكذا لابن باز، عند ابن المرابط. قال ابن أبي زمنين: وعند ابن وضاح (¬7): وغرم له قيمة الشقص. وكذا لابن وضاح عند ابن المرابط. ولابن باز عند غيره. قال ابن وضاح: كذا أصلحها سحنون، "لا يرد (¬8) ويغرم قيمة الشقص الذي اشترى" (¬9)، وقال في الرواية الأخرى هي غلط. (قال) (¬10): وكذا قرأنا (¬11) عليه بعض (¬12) زيادة، وطرح (¬13) "لم (¬14) يرد، وغرم له مثل طعامه" (¬15). ¬
قال يحيى: قال سحنون: لا أعرف هذا الأصل. وهي مخطوطة من كتاب الأبياني. وقال (¬1) القابسي: إنما يرجع قوله: ويغرم [له] (¬2) مثل طعامه على الشفيع، لا على المشتري، وبه تصح المسألة. وإذا كان كذا لم يحتج (¬3) إلى إصلاح. وقوله: إن أقر البائع بالبيع، وجحد (¬4) المشتري، تحالفا، وتفاسخا (¬5). قال أبو محمد: إنما يحلف أحدهما. قال القاضي رحمه الله: مثل هذا يصح فيه [أيضاً] (¬6) التحالف، إذ على كل واحد منهما يمين في خاصته، في وجه ما، ولكل واحد منهما تحليف (¬7) صاحبه، أما المشتري بحجره، والبائع (¬8) إن نكل المشتري. [مسألة القلد] (¬9) وقوله في العين: تقسم بالقلد (¬10) بكسر القاف، وسكون اللام. قال غير واحد: هي القدر التي (¬11) يقسم بها الماء. وهو أكثر المراد هنا. وقد جاء في بعض النسخ بمثله (¬12). ¬
وثبت في كتاب ابن المرابط. وسيأتي تفسيره في كتاب القسمة. وقال ابن دريد: هو الحظ من الماء. يقال: سقينا (¬1) أرضنا قلدنا. أي حظنا (¬2). وقال ابن قتيبة (¬3): هو (¬4) سقي الزرع وقت حاجته [إليه] (¬5) , تقول (¬6) أقمت قلدي (¬7)، إذا سقيت (¬8) زرعك يوم حاجته إلى السقي (¬9). ومسألة "من اشترى أرضاً من رجل يزرعها قبل أن يبدو صلاحه (¬10) بمائة دينار، فأتى رجل واستحق (نصف) (¬11) الأرض، وأراد الأخذ بالشفعة، إلى قوله: وليس له في نصف الزرع شفعة" (¬12). كمل الجواب هنا في أصل ابن عتاب وكثير من النسخ. وفي بعضها زيادة ثبتت لابن باز في كتاب ابن المرابط. وابن سهل. ¬
قال أحمد بن خالد (¬1): قرأناها (¬2) عليه. قال الأصيلي. ولم يقرأها إسحاق (¬3). وهو قوله: ويرد الزرع كله إلى بائعه. ونظر كم قيمة الزرع من قيمة الأرض، فإن كان قيمة الزرع (¬4) ربع الثمن، والأرض ثلاثة أرباع الثمن، كان للمستحق أن يأخذ نصف الأرض بالشفعة بربع الثمن، ونصف الربع، لأن الزرع إذا بيعت الأرض، لا يكون تبعاً لها، إلا أن يشترط، (فهو شيء) (¬5) غير الأرض. وكذلك قسمة القيمة بين الأرض والزرع، ألا ترى لو أن رجلاً باع أرضاً بزرعها، وزرعها لم يبد صلاحه، فاستحقت (¬6) كلها من غير شفعة، رد الزرع كله إلى البائع، ورد الثمن كله إلى المشتري (¬7) ومثل هذا في كتاب محمد (¬8). قال: يرجع الزرع كله للبائع (¬9). وقد أنكر سحنون في بعض التعاليق قوله هذا. قال ابن وضاح: وطرحه من كتابه (¬10). قال غير واحد: رجوع الزرع كله للبائع غلط. والصواب أن [118] يتمسك المشتري بنصف الزرع المقابل لنصف الشفعة، لأنه لم ينتقض؛ فيه (¬11) البيع، إذ الأخذ بالشفعة كبيع مبتدأ، وعليه حملوا مذهب المدونة. ويدل على أن هذا تأويل الكتاب قوله في النخل: يشترى (¬12) وفيها تمر لم يبد صلاحها (¬13)، يستحق مستحق ¬
بعضها، ويأخذ بالشفعة النصف الآخر ذلك له، فإن لم تيبس (¬1) أخذها، وإن يبست قبض الثمن (¬2)، فها هنا صحيح بيعها، ولم يردها للبائع. وأما سحنون، فيرى هذا كله بيعاً منتقضاً (¬3)، لأنه رآها باستحقاق الأرض (¬4)، وفسخ (¬5) البيع في المستحق منها، وبقي الزرع (¬6) كصفقة جمعت حلالاً وحراماً، وكرجل باع أرضاً من رجل، وزرعها الذي لم يبد صلاحه من آخر، (في) (¬7) صفقة، فإنها تفسد كلها. وتأمل قوله في الكتاب: وزرع لم يبد صلاحه (¬8)، [والمذهب أن الزرع لا يباع حتى ييبس، فصواب الكلام أن يقال: وزرع لم ييبس ولم يبيض (¬9) فأما أن يكون قوله: لم يبد صلاحه] (¬10)، تجوزاً (¬11) في اللفظ. والمراد به هذا إذ يكون (¬12) إشارة إلى قول من رأى من أصحابنا، أنه إذا بيع بعد أن بدا صلاحه وأفرك أنه (¬13) يفوت بالعقد. وقوله في كراء الأرض المستحقة، وتفريقه بين فوات زرعها، وإمكانه. ثم جاء بقول غيره في بعض النسخ، وليس في روايتنا. وهو تفسير لقول ابن القاسم ومعناه (¬14). ¬
وقوله: لأن الذي استحق قد كان وجب له الكراء، فله الكراء (¬1) ما لم تفت [الزراعة] (¬2) كذا في كتابي (¬3). وكثير من النسخ. وفي بعضها وجب له الزرع. قال أحمد بن خالد: أنا أصلحته. كذا استدل شيوخنا من هذه المسألة وأشباهها. أن من اشترى شقصا فاكتراه لمدة طويلة فأقام شفيعه أنه يأخذ شفعته، ويبقى (¬4) الكراء للمكتري (¬5) إلى مدته، والشفيع بالخيار بالرضا بذلك، أو يترك الشفعة كعيب (¬6) حدث، وبه أفتى أبو بكر بن مغيث (¬7). والشارقي (¬8) (¬9) وابن ارفع رأسه (¬10) وغيره من فقهاء طليطلة. وأفتى ابن عتاب، وابن مالك، وابن القطان، وفقهاء قرطبة، أن يفسخ (¬11) الكراء ويشفع (¬12)، واستدلوا بمسألة كتاب الاستحقاق، وأن للمستحق فسخ الكراء، ¬
لأنه أكرى بوجه شبهة، وقال (¬1) ابن عتاب أيضاً: إن أكرى وهو يعلم أن له شفيعا انفسخ الكراء، إلا في المدة اليسيرة، كالشهر، وأما في الطويلة فلا، إلا أن يكون المكتري (¬2) زرع، فحتى يحصد، وإن كان غير عالم بالشفيع فلا يفسخ، إلا في المدة الطويلة، وأما السنة ونحوها فلا، وكأنه التفت هنا إلى مسألة كتاب الجعل، في كراء الوصي أرض يتيمه لمدة، فتعجل (¬3) احتلامه (¬4). فانظرها (¬5). وقوله (¬6) "فيمن اشترى نخلاً فيها طلع لم يؤبر، فاستحق رجل نصفها، وقد عمل فيها المشتري، وسقى [وأبرت النخل، أخذ المستحق النصف بالاستحقاق والثاني بالشفعة، وغرم للمشتري عمله فيما سقى] (¬7) وعمل في جميع ذلك، فإن لم يأخذ (¬8) بالشفعة فله (¬9) نصف الحائط، ونصف الثمرة، وعليه نصف ما عمل (¬10) المشتري، فإن أبى أن يغرم ذلك لم يكن له أن يأخذ نصف ما استحق، ورجع على البائع بنصف الثمن" (¬11). كذا في الروايات. والأصول. قال ابن أبي زمنين: قوله: "ما استحق" مستحيل، والصواب سقوطه. قال القاضي رحمه الله: إنما يستحيل إذا حمل النصف على ما ¬
استحق، وإذا (¬1) حمل على الجميع استقام. وقوله: "قال مالك في الشريكين في الزرع يبيع أحدهما نصيبه بعد ما يبس، وحل بيعه، لا شفعة فيه إذا حل بيعه" (¬2). قال بعض شيوخنا (¬3): يخرج من هذا (¬4) قول آخر في الشفعة في الزرع، إذا بيع قبل يبسه، كما قال في الثمار، لقوله: "لا شفعة له في الزرع إذا حل بيعه" (¬5)، وأما أن يكون إذا بيع مع الأرض، أو بعد بدو صلاحه. على قول من قال من أصحابنا أنه يفوت ببيعه (¬6)، ويكون هذا قوله في العتبية، في سماع أشهب، يشفع في الأرض، وفي كل ما تنبت الأرض. قال القاضي رحمه الله: فالذي عندي أنه لا دليل فيه من هنا، وإنما ذكر (¬7) اليبس وحل البيع، إذ لا تصح شفعة عندي في بيع فاسد (¬8)، فكأنه قال: لا شفعة فيه على حال من الحالات. وقد يعتضد (¬9) من يريد التخريج (¬10) المتقدم بقوله: "والزرع، والثمرة، سواء" (¬11). وليس (¬12) المراد بهذا هنا تسويتهما في الشفعة، وإنما المراد أن لهما حصة من الثمن، إذا تقاسما الأصل. ¬
وقوله: "إذا اشترى النخل وفي رؤوسها تمر [قد] (¬1) أزهى، فالشفيع يأخذها (¬2) بالشفعة، إذا أدرك الثمرة" (¬3). قال بعضهم: فرق بينهما إذا اشتراها مع الأصل. فقال: يأخذها ما لم تجذ، وإذا اشتراها (بغير أصل) (¬4)، قال: الشفعة فيها [ما لم تيبس] (¬5)، وعلى هذا تأول مذهبه في الكتاب. وقال آخرون هو اختلاف من قوله في الوجهين، فمرة يقول في الوجهين: حتى تيبس، ومرة (¬6) يقول: حتى تجذ (¬7). وظاهر اختصار ابن أبي زمنين، وابن أبي زيد وغيرهم، التسوية بين هذه الوجوه. وأن الشفعة فيها ما لم تيبس، لكن ابن أبي زمنين قال: وفي بعض الروايات: فإن كان بعد يبس الثمرة، وجذاذها. فنبه على الخلاف في الرواية بما ذكر، لا غير (¬8). وقوله: " (نخلاً) (¬9)، ودياً" (¬10) بكسر الدال المهملة، وهي الصغار التي تنقل، وتغرس. "والبواسق" (¬11): الطوال (¬12). ¬
(وقوله: "لأن الثمرة حبل" (¬1) بسكون الباء، أي ولادة، هو اسم الشيء المحمول به، وبفتحها اسم الفعل، ومصدره) (¬2). وقوله: "لا شفعة في الرحى" (¬3) يعني المبنية (¬4)، ولا في موضعها من الأرض، إذ (¬5) هو في حكم التبع لها. قال أبو إسحاق: وسوى (¬6) هنا العليا (¬7)، والسفلى. هذا إذا بيعت مفردة، على هذا التأويل، وأما الحجر الملقى غير المبني (¬8) فلا إشكال أنه لا شفعة فيها، ولا خلاف، وأما التي بيعت مع بيتها، وأرضها، فقال أيضاً: "لا شفعة في الرحى، ويشفع في البيت، والأرض" (¬9). وقيل: معنى ذلك في العليا (¬10)، وأما السفلى فداخلة في البنيان (¬11). وفي جملة الأرض المشفوع فيها. [119] وظاهر قوله خلاف هذا، وأنه (¬12) لا فرق بين العليا (¬13)، والسفلى (¬14) عند من يشفع، وعند من لا يشفع، ألا ترى أن أشهب الذي يرى فيها (¬15) الشفعة قال: هي كباب الدار، ويشبه ما تعلق منها بالأرض ¬
كتعلق الباب بالبناء. قال هي كرقيق الحائط. يحكم له بالاتصال (¬1)، وإن كانوا منفصلين. وغيره من شيوخنا علل (¬2) منع الشفعة بأنها ليست متصلة، كاتصال (¬3) البنيان، فإنما (¬4) هي كالموضوعة بالأرض، ومثله مروي عن مالك، (وهذا) (¬5) كله يستوي فيه العليا، والسفلى (¬6). وأشهب (¬7) يجعل الشفعة في الجميع كباب الدار، وآلة الحائط، سواء بيعت مفردة، أو مع الأرض (¬8). ومثله لابن القاسم في كتاب يحيى بن إسحاق. وقال أشهب، وعبد الملك: إلا أن ينصبوها في غير أرضهم، فلا شفعة فيها (¬9). وقال (¬10) أشهب: وهي التي تجعل وسط الماء، على (¬11) غير أرض، وأما ما ردم حتى اتصل بالأرض (¬12) فله حكم الأرض، وفيه الشفعة (¬13). وروى ابن وهب عن مالك في الرحى الشفعة، إذا بيعت من أصلها، وفي كل ما كان منها مبنياً، فإن بيعت الحجارة (¬14) (وحدها فلا شفعة ¬
فيها (¬1)، ولمالك أيضاً أنه يشفع في البيت، وموضع الرحى، دون الحجارة،) (¬2) وهي كحجر (¬3) ملقى، ولم (¬4) يجعل لها بعضهم حكم البنيان. وإنما جعلها كالموضوعة بالأرض. وأشار القاضي الباجي أنه يخرج على تعليل أشهب أن الخلاف إنما هو في حجر الرحى، لا في موضعها (¬5)، خلاف ما أشار إليه التونسي (¬6). وقد اختلف الشيوخ في الدار إذا بيعت وفيها مطاحين. فاتفقوا (¬7) أنها إن كانت غير مبنية فهي للبائع، وإن كانت مبنية، فالسفلى (¬8) للمشتري. واختلف في العليا، وهذا يرد قول (¬9) من جعلها كعرض ملقى. قال بعض الشيوخ: الخلاف (¬10) فيها مبني على الخلاف في الشفعة فيما لا ينقسم إلا بإفساده (¬11) كالحمام، والأنذر. قال: وعلى هذا (¬12) يأتي (على) (¬13) اختلاف قول ابن القاسم، وكلامه في ذلك، وعلى هذا اختلف فيها، وإن بيعت بأرضها، ومناصبها، وآلتها، لأنها لا تنقسم. كما روي عنه ¬
في العتبية (¬1)، لا شفعة في مناصب الأرحى، وهذا خلاف المدونة، لقوله: الشفعة في بيتها، وأرضها (¬2). وكذلك قالوا: أنه يختلف فيها إذا بيع حجرها، وهو مبني، وهي رواية (¬3) عيسى عن ابن القاسم، وعليه جعلوا الخلاف في الشفعة في رقيق الحائط، إذا بيع مفرداً من الحائط، ولم يجعل بعضهم في هذا خلافاً (¬4). قال (¬5): إنما الخلاف إذا بيع معه. وأما إذا بيعت الرحى، والرقيق، مفرداً عن الأرض، فلا شفعة فيه باتفاق (¬6). وقد قال ابن شبلون: وفي معنى (¬7) قوله في كتاب القسم في الجدار أنه بيع مع شيء من الأرض (¬8)، وأما إن بيع وحده فلا. فانظر قوله مع شيء من الأرض، وإن كان يعني الأرض التي قام عليها الجدار فقط. فيشبه (¬9) أن يكون خلافاً لما قاله أبو إسحاق في أنه لا شفعة في الرحى. ولا في موضع حجرها من الأرض. وإن (¬10) كان أراد أرضاً تتصل (¬11) بالحائط فهو وفاق. لكن (¬12) أنكر قوله هناك في قسمته وليس له (¬13) كبير عرصة (¬14) (فدل أنها أرض غير الأرض التي قام عليها) (¬15). ¬
وقوله: "إذا اشترى شرب (¬1) يوم أو يومين، فغار الماء، فعلم أن الذي غار هو ثلث الشرب الذي اشترى، أو أقل، أو أكثر، فإنه يوضع عن المشتري ما قل منه، أو كثر. وإن كان أدنى من الثلث. إذا كان ما غار من الماء يضره في سقيه. وجاء من نقصانه ضرر بين، فإنه يوضع عنه، ولا ينظر إلى الثلث. قال ابن القاسم: وأرى إن كان ما كثر (¬2) من الماء حتى قطع (¬3) ذلك سقيه، وضع عنه، لأن مالكاً قال لي: ما أصيب من الثمار من قبل الماء، وإن كان أقل من الثلث، رأيت أن يوضع، إلى آخر ما ذكر في (¬4) المسألة" (¬5). كذا روايتنا (¬6). وفي (¬7) كثير من النسخ. وهي (¬8) رواية ابن وضاح. وعليه اختصر (¬9) ابن أبي زمنين. قال: وهي مصلحة في رواية ابن وضاح. وفي غير رواية ابن وضاح. وهي رواية أبي العباس الأبياني. والقرويين: إن علم أن الذي غار من الماء هو ثلث الشرب الذي اشترى وضع عنه، كما يوضع في جوائح الثمار (¬10) وعليه (اختصر) (¬11) أكثر المختصرين (¬12). وجعلوا قول ابن القاسم بعده خلافه. قال شيوخنا الأندلسيون: وما تأول عن مالك في ذلك خلاف أصله، ¬
ولذلك (¬1) أصلحها (¬2) سحنون. وقال (¬3) أبو عمران: قول مالك خلاف لابن القاسم (¬4) ومالك يراعي الثلث، وفي بعض الروايات تخليط، وأدخل بعضهم كلام ابن القاسم في كلام (مالك) (¬5) واستدل (¬6) بابتدائه بذكر الثلث، قال: وأكثر الروايات يصحح ما قلناه. ومسألة "من اشترى نخلاً ليقلعها، ثم اشترى بعدها الأرض فأقرها (¬7) فيها، فاستحق نصف الأرض، والنخل" (¬8) إلى آخر المسألة. وقوله: "فإن أخذ بالشفعة في نصف الأرض والنخل، أخذ بما يقع عليه من الثمن الأول الذي اشتراه به المشتري" (¬9) هذا نصه في المختلطة. وأوقفها سحنون. وأمر بطرحها. وقرأها رواية. واختلف في تأويل قوله: "ما يقع عليها من الثمن [الأول] (¬10) الذي اشتراه (¬11) به المشتري" (¬12) فحمله بعضهم على أنه يأخذها بنصف ثمن الأرض، ونصف ثمن النخل. وكذا في كتاب محمد (¬13). وإليه ذهب ابن أبي زمنين، (وغيره. قال ابن أبي زمنين) (¬14)، ............................ ¬
(وغيره) (¬1) بثمنهما (¬2) معاً. ولا يحملان على القيمة. وكذا (¬3) اختصرها أبو محمد. ومن (¬4) بعده من القرويين. بثمنهما، لا بالقيمة في واحد منهما. وفي كتاب محمد لابن القاسم فيها قولان (¬5): أحدهما هذا. وقال أشهب: الشفعة في الأرض دون البناء، والنخل (¬6). وقال سحنون: يخير المستحق (¬7) أولاً، فإن أجاز بيع نصيبه وأدى الثمن لم يكن للمشتري كلام، فإن لم يجز وأخذ [المستحق] (¬8) ما استحق رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وينظر إلى (¬9) النخل، فإن [120] تفاضل جنسها، وقدرها، انفسخ (البيع) (¬10) في نصف البائع، لأنه لما باع على؛ القلع صار ثمناً مجهولاً (¬11) لا يعرف ماذا يقع له في القسم لأن الأرض تقسم مع النخل فيقع في نصيبه كثير من النخل مع قليل من الأرض، أو قليل من النخل، مع كثير من الأرض، للكرم والزيادة (¬12)، (فأما) (¬13) إن (¬14) كانت الأرض والنخل لا تختلف، حتى تنقسم على الاعتدال، فالبيع جائز، في نصيب البائع (¬15). ¬
ويبدأ المشتري في قول أشهب (¬1)، في رد ما بيده، أو حبسه، فإن حبسه فللشفيع الشفعة في الأرض، والنخل، بنصف الثمن (¬2). قال ابن القاسم (¬3): يبدأ الشفيع (¬4) ونحو هذا الأصل في مراعاة اختلاف الأرض والنخل، (واختلافهما) (¬5) واتفاقهما في الجواز، والفساد، لمحمد بن المواز (¬6). قال القاضي: وهذه الصورة قل ما يتفق أن تكون [أرضاً] (¬7) معتدلة في ذاتها، أو نبات (¬8) ثمرها، واعتدالها في صفتها، وقدرها، ومواضعها حتى إذا قسمت (¬9) الأرض، بالسواء (¬10) مجردة بنصفين، خرج في كل نصف من الثمار ما خرج للآخر (¬11) عدداً، وصفة، وجنساً (¬12). وقوله: "إذا اشتريت داراً فهدمتها ثم بنيتها فاستحق نصفها رجل. قال: لا شيء على المشتري فيما هدم، مما (¬13) أراد أن يبنيه، وأراد أن يتوسع به" (¬14). تأمل (¬15) قوله هذا. وقوله مثله آخر الكتاب. فدليله (¬16) أنه إنما يهدر ¬
عنه ما هدمه لمنفعة (¬1) ووجه، لا ما هدمه عبثاً (¬2)، ولغير منفعة، فيجب أن يكون في ذلك ضامناً، لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء. وهذا لم يعمل شيئاً لمنفعة (¬3). والأول فعله لمنفعة (¬4). ووضع يده عليه بشبهة. (فعذر) (¬5). وقوله في هبة الشفعة للثواب (¬6) يأخذ بقيمة العوض (¬7). قال بعض الشيوخ: ليس على أصله، إلا أن يكون عرضاً معيناً. والذي يجب في غير المعين أن يستشفع بقيمة العرض (¬8) وقاله أبو عمران. وقوله في هبة الثواب "إنما يهبون للثواب رجاء أن يأخذوا أكثر ما أعطوا، وإنما رجعوا إلى القيمة حين تشاحُّوا، بعد (¬9) تغيير السلعة" (¬10). فتأمل قوله. ثم قوله بعده: "ألا ترى أن الهبة لو كانت على حالها لم تتغير ردت، إلا (¬11) أن يقبضها (¬12) الواهب لغير شيء، ولو كانت عند الناس، إنما يطلبون فيها كفاف (¬13) الثمن لما وهب أحد للثواب. ولحملها على وجه ¬
السوق، فانتقد الثمن، ولكنهم (¬1) رجوا الفضل عند أهل الفضل" (¬2) فهذا كله خلاف ما تقدم له صدر الباب. ومذهبه في الكتاب في الهبات من أن الموهوب إذا أثاب قيمة (¬3) الهبة أجبر الواهب على القبول، ولم يكن له رد الهبة، وما ها هنا وفاق لرواية مطرف، في كتاب ابن حبيب، ونص (¬4) مثل كلام مطرف بلفظه. وقوله: "لا يجوز ما وهب الأب، ولا ما حابى، ولا ما تصدق من مال ابنه، ولا ما أعتقه (¬5) إلا أن يكون (الأب) (¬6) موسراً، فيجوز ذلك على الأب. وضمن قيمته في ماله. ولا يجوز في الهبة وإن كان موسراً" (¬7). كذا في نسخ، وروايات، وفي كتاب إسحاق (¬8) وابن المرابط: إلا أن يكون الأب موسراً، في العتق، وبه تصح المسألة. وتفسر (¬9) على أصله، وعلى العتق يرجع الكلام خاصة. وقوله "في الأب يهب شقصاً من دار ابنه على عوض أنه يجوز، ولم يشترط شيئاً" (¬10). وقال في كتاب الهبات: "إذا وهب مال ابنه على عوض وهو صغير، إنه جائز، وهو بيع من البيوع، وبيع الأب على ابنه جائز" (¬11). ¬
وقال في مسألة الشفعة هنا في الوصي: "لا ينبغي إلا أن يكون لذلك وجه" (¬1) وفسره بما فيه غبطة للمحجور (عليه) (¬2) قال (¬3) بعضهم: يظهر من هذا أن فعل الأب محمول على النظر، حتى يظهر خلافه. وفعل الوصي (محمول) (¬4) على غير النظر حتى يظهر النظر، وهذا إنما هو في الرباع خاصة. كما (¬5) قال أبو عمران، وغيره. وأما غير الرباع فهو (¬6) محمول (¬7) على النظر حتى يتبين خلافه. قال أبو عمران: وهو (¬8) معنى ما في كتاب محمد. وما في المدونة يفسره. وقال أصحاب الوثائق (¬9): ابن العطار (¬10) وغيره، نحو ما تقدم من التفريق بين الأب، والوصي. لكنهم لم يفرقوا بين الرباع، وغيرها. قالوا فإن لم يوجد من يشهد لهم بالنظر جاز بيعهم. وحملت أفعالهم على [النظر و] (¬11) التمام. حتى يثبت خلافه. كذا قال ابن العطار. وفى الكلام تناقض. فانظره. فأي (¬12) فرق (إذًا) (¬13) بينه وبين الأب. وقوله "فيمن وهب شقصاً على عوض، [أنه] (¬14) إذا سمى العوض (¬15) ¬
فللشفيع الشفعة" (¬1). وفي كتاب الهبات: "لا يأخذ الشفعة حتى يثاب. سمى أو لم يسم" (¬2). قيل هو خلاف. وقيل: ليس بخلاف. وسنذكره مبيناً في كتاب الهبات (¬3) وكذلك [ما] (¬4) جاء هناك (¬5) في الآثار من الخلاف متى (¬6) يلزم الموهوب بالقيمة؟. فانظره هناك. وقوله: "في الصلح من دم خطأ بشقص: إن كان من أهل الإبل أخذ الشفيع الدار بقيمة الإبل" (¬7). قال بعضهم: معناه يقوم (¬8) الآن على أن يقبض (¬9) إلى آجالها في الدية (¬10). ويقبض (¬11) (القيمة) (¬12) الآن نقدا. وهو تأويل سحنون في كتاب ابن عبدوس. وقاله عبد الملك. وكذا مذهبه فيمن اشترى بثمن مؤجل أنه يباع بعرض (¬13). وقيل: قيمتها عنده كما قال في الكتاب على أجلها. ومتى (¬14) حلت سنة قومت ثلث الإبل نقداً حينئذ، وقبضت. واعترض هذا سحنون وغيره. وقال: هذا من بيع الدين بالدين. وحكي عن سحنون أيضاً ويحيى بن عمر ¬
أنه (إنما) (¬1) يأخذ بمثل الإبل على آجالها (¬2) لا بقيمتها، لأنها أسنان معلومة، موصوفة. قالوا: ولا يصح أن تقوم الآن الإبل على أن تؤخذ القيمة على آجالها. وقول (¬3) عبد الملك وسحنون إذا كانت الدية عيناً قومت (¬4) العرض (¬5) نقداً على أن تقبض (¬6) على آجالها (¬7). قال سحنون: ثم يقوم (¬8) العرض بعين، وبه يشفع. وقال عبد الملك: بل يشفع بالعرض الذي قوم به (¬9). [121] وأشهب يقول كقول ابن القاسم: أنه لا قيمة في العين، وإنما يشفع بمثل الدين، أو يترك، / وعلى قولهم هذا يجب إذا كان الشفيع عديماً أن يأتي بحميل ثقة، كما قال فيمن اشترى بالدين يشفع فيه، فإن لم يأت بحميل ثقة (¬10) فعلى قوله في كتاب محمد: لا شفعة له. وعلى ما قال ابن نافع: له الشفعة ما لم ينقض أجلها (¬11). وقوله: "في الصلح على القذف، لا أراه جائزاً، لأن (¬12) الحدود التي هي لله إذا بلغت السلطان لا عفو فيها، ولا يصلح فيها الصلح على مال قبل أن ينتهي إلى السلطان" (¬13). ¬
قال سحنون: مسألة القذف فيها مغمز (¬1) ويجب جواز الصلح فيها (¬2) قال فضل: ينبغي (¬3) أن يجوز عفوه في القذف، وتكون فيه الشفعة. قال القاضي رحمه الله: يعني قبل انتهائه إلى السلطان أو بعد انتهائه، على أحد الأقوال في جواز العفو بعد بلوغ السلطان. قال بعضهم: هذا في الحكم، والقضاء، ولا فرق بين صلحه على حق في عرضه، أو بدنه، (وإن) (¬4) كان مذموماً في مكارم الأخلاق أن (¬5) يأخذ لعرضه ثمناً. وإلى [نحو] (¬6) هذا أشار حمديس. (وقال أشهب) (¬7): الحدود التي لا يجوز (¬8) فيها الصلح مالاً لا يجوز (¬9) فيها العفو، كالسرقة، والزنا، وما جاز فيه العفو، جاز فيه الصلح. تأمل (¬10) قوله في المحارب: إن أخذوه قبل أن يتوب، فليس عفوهم عفواً (¬11)، ولا يجوز أن يصالحوه من الدم على مال، معناه: (أنه) (¬12) إن تاب قبل القدرة عليه فتجوز (¬13) مصالحته على (¬14) جميع ذلك، لأن الحق ¬
فيه صار (¬1) للناس، بخلاف إذا لم يتب حتى قدر عليه، لأن حد الحرابة ثابت فيه لله (تعالى) (¬2). "والغياض" (¬3) الشجر الملتف (¬4). "والآجام" (¬5): مثله، وكذلك القصب الملتف، وشبهه. وقوله: "في البير إذا قسمت فلا شفعة (¬6) فيها" (¬7). وفي العتبية (¬8): فيها الشفعة. قال سحنون: ليس بخلاف. ومعنى ما في العتبية هي آبار كثيرة تقسم. وما في المدونة بئر واحدة لا تنقسم (¬9). وقال ابن لبابة: معنى ما في المدونة لا فناء لها. وما في العتبية لها فناء، وأرض مشتركة، يجعل فيها القلد، ويقسم فيها ماؤها. ذهب (¬10) اللخمي وغير واحد (إلى) (¬11) أنه اختلاف من قوله: إما (¬12) على أصله في اختلافه في الشفعة فيما لا ينقسم عند بعضهم، (أو) (¬13) على الخلاف في الشفعة فيما هو متعلق بالأصول عند آخرين، كالنخل، ¬
والنقض (¬1)، وكذلك هذا الاختلاف عند بعضهم في الكثير منها، والواحدة سواء، إذا لم يكن معها أرض. وقوله: "إذا سلم الأب والوصي شفعة الصغير جاز ذلك عليه" (¬2). قال أبو عمران (الفاسي) (¬3): ولو كان له أخذها نظراً إذ لا يجبر على الشراء له. وقال: "إن سلم له القاضي شفعته إذا لم يكن له ناظر فذلك جائز" (¬4). قال: هو بخلاف الوصي، والأب، لا يجوز (له) (¬5) من تركه (¬6) إلا ما كان نظراً، لأن الحاكم إنما هو تارك للحكم فيما رفع إليه من ذلك. وقوله في الشفعة في هبة الشقص للثواب، إذا سموا الثواب. انظر خلاف هذا اللفظ في كتاب الهبات. والخلاف في تأويله. وقوله في المضارب يشتري شقصاً من دار بمال المضاربة (¬7)، وهو شفيعها، له أن يأخذ بالشفعة [قال أشهب في المجموعة: وعمدته في الشفعة] (¬8) على البائع، لا على رب المال، إذا لم يرض رب المال بشرائه لها (¬9) تكون (¬10) عهدته عليه، و (كذلك) (¬11) لو كان الشفيع هو رب المال فيستشفع لكانت عهدته على البائع أيضاً، وعلقت من (¬12) (كتاب) (¬13) ابن ¬
عتاب عن بعض الشيوخ أن سحنوناً يقول: إذا أخذ العامل بالشفعة في المسألة المذكورة فعهدته على رب المال في مال القراض. وقوله: "في شهادة أبي، وابني، وزوجتي، وابنتي، وجدتي، على وكالتي، لا تجوز شهادتهم بما وكله غيره. وتجوز (¬1) بما وكل هو غيره عليه" (¬2)، وقع في بعض روايات المدونة زيادة [أو] (¬3) أخي. وقيل (¬4): معناها غير مبرز على القول باشتراط التبريز في شهادة الأخ لأخيه [على] (¬5) ما تقدم في (كتاب) (¬6) الشهادات. وهي ساقطة من جل النسخ (¬7). وأراها ثابتة في رواية أبي عمران (¬8). ولم تكن (¬9) في أصول شيوخنا. ومعنى المسألة فيمن لا تجوز شهادته من القرابة. وإنما أجاز ذلك هنا إذا كانت شهادته عليه، لا له (¬10) مثل أن ينكر التوكيل، أو يكون القائم به غيره لمنفعته، لا لحقه هو، فأما متى (¬11) كان القائم به وهو الطالب إثبات حقه، أو حق غيره بذلك، فهي شهادة لا تجوز. وقوله: "في تزكية النساء لا تجوز" (¬12)، ثم قال ابن القاسم: وأرى ¬
تجريحهن لا يجوز، كما لا يجوز تزكيتهن. ثبت في نسخ (¬1). وكان في أصل ابن عتاب. وأصل ابن المرابط موقوفاً، محوقاً عليه. وقوله: "لو أن رجلاً خاصم رجلاً حتى نظر (¬2) القاضي في أمرهما، وتحاجا عنده ثم حلف ألا يخاصمه، وأراد أن يوكل؟ ليس له ذلك، إلا لعذر" (¬3) تأمل هذا. وأنه فيما وقع (¬4) فيه الخصام، ونظر بينهما القاضي فهو يبين (¬5) ما ذهب إليه الشيوخ من أن ذلك إذا تكررت المجالس، (والحجج) (¬6)، ثلاث مجالس، فأكثر، لم يكن له (بعد) (¬7) توكيل غيره، لأنه من التشغيب [إلا لعذر بين، وهو قول أصبغ، وأما مجلس أو اثنان فله أن يوكل، وللتهمة (¬8) (والحجج) (¬9) أن يكون إنما يعدل بعد هذه المجالس] (¬10) لعجزه، وليأتي (¬11) من يستأنف له حججاً أخرى (¬12). ومثله (قوله) (¬13) في كتاب الديات (¬14): لكل واحد منهما أن يوكل ما لم يرد أذاه (¬15)، وليس بخلاف إن شاء الله. ومعنى "أسرع عليه" (¬16) أي استطال. ¬
ومعنى "عنته (¬1) " (¬2) أي أدخل (¬3) المشقة، والتعب عليه، والأذى (¬4) بالخصام، وأصله المشقة. وقوله في مشتري دين رجل (¬5) إذا علم أن ذلك لعداوة بينه وبين الذي عليه الدين (¬6) وأنه إنما أراد بذلك عنته (¬7)، لم يمكن من ذلك. ظاهره أنه يفسخ بيعه، ولا يترك، وهو كقول غيره في كتاب المدبر، في الذمي يشتري مسلماً (¬8)، أنه يفسخ شراؤه (¬9)، وهي رواية ابن القاسم [122]. ومثله (¬10) في العتبية، و (له) (¬11) في [كتاب] (¬12) التجارة إلى أرض (¬13) الحرب أنه "يباع عليه" (¬14) فاستخرجوا له من ها هنا (¬15) مثل قوله الآخر المتقدم، وقول غيره، وأكثر الرواة. وقوله: "فيمن ادعى دعوى في دار، فصالحه (¬16) منها، ولم يسم دعواه هذا الصلح، إذا كان يعرف ما يدعي من الدار، فلا بد أن يسميه، ثم ¬
يتصالحان (¬1). (ثم) (¬2) قال: "إلا أن يكونا لا يعرفان ذلك، فيجوز الصلح" (¬3). كذا ثبت في روايتنا عن ابن عتاب. وفي أكثر النسخ. وسقطت (لا) من بعض النسخ. ومن روايتنا عن ابن عيسى عن ابن المرابط. ولم يكن في أصله. قال ابن أبي زمنين: من أسقطها رد الكلام إلى أول المسألة. ومن أثبتها معناه تحلل (¬4) بعضها من بعض. وقال فضل: إثباتها صحيح. لأنه إذا لم يعرفا جاز على وجه التحلل (¬5). ومثله مسألة الصلح على دراهم، لا يعرفان عددها، أنه يجوز صلحهما على دنانير، ودراهم، وغيرهما، نقداً. ومثله (في) (¬6) بيع الصبرة، لا يعرفان كيلها (¬7). ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر (¬8) في موضع إن جهلا جميعاً صفة الأرض جاز. ولو علمها أحدهما دون الآخر لم يجز. إذ يدخل في هذه المخاطرة. وهناك ارتفعت لاستواء حالهما. وللضرورة إلى ذلك. ولا ضرورة إذا علم ذلك أحدهما. [دون] (¬9) أن يعلم الآخر ¬
فيستوي (¬1) علمهما. وقوله (¬2) في مسألة النخل، والأرض، ومسألة الدارين (¬3)، إن استحق من ذلك الكثير، كان له أن يرد، أو يتماسك (¬4) هذا على أحد قوليه. خلاف ما له في الاستحقاق، والعيوب. أنه ليس له الرضى بذلك، لأنه شراء بثمن مجهول (¬5). وكذا (¬6) قال سحنون في هذه ليس له ذلك. لأنه لا يدري بما يقع من الثمن. وفي (كتاب) (¬7) النكاح الثاني، وكتاب ابن حبيب، جواز ذلك. كما هنا. ونحوه في القسمة، في تخييره في الرضى بما بقي مما استحق من الدار، بما يصيبه من الثمن، لم يبين هل هو على الجزء أم لا؟ وسنذكره هناك (إن شاء الله) (¬8). قال ابن أبي زمنين في قوله: أو يتماسك بما بقي في يده ويأخذ من الثمن بقدر ما استحق (¬9): لفظ فيه نظر، وهو مطروح في بعض الروايات، لأنه خلاف أصله، إذا كان ما استحق معينا، وكذلك قوله في آخر المسألة (¬10)، إذا كانت النخل على حدة، والأرض على حدة، واشتراها صفقة واحدة، فاستحق من النخل أكثرها، كان له أن يرد جميع النخل، إذا لم يكن ما استحق وجه ما اشترى، هذا أيضاً خلاف أصله، لمانما يلزمه ¬
[أيضاً] (¬1) أن يرد ما استحق فقط، إذا لم يكن ما استحق وجه جميع ما اشترى. ومسألة "المصالح من دعوى في سدس دار على الإنكار بشقص من دار أخرى دفعه المدعي، وقبض السدس، لا شفعة في السدس، ويشفع في الشقص" (¬2) يقوم من ها هنا (¬3) أن الشفعة في المناقلة على إحدى الروايات (¬4) [عنه] (¬5) في منع (¬6) ذلك جملة، على أي وجه كان التعاوض (¬7). رواية ابن القاسم عن مالك في العتبية، وكتاب ابن حبيب، كان المتناقلان (¬8) شريكين (¬9) في الأصلين (¬10) أو في أحدهما، أو لا. إذ لو لم يكن عنده هنا بينهما شفعة لكان من حجة دافع السدس أن يقول: أنا لم أبع (¬11) أصلاً إلا بأصل (¬12)، ولم أبعه بثمن غير الأصول، فلا شفعة علي فيما أخذت فيه. وقد قيل في هذا الباب كله: لا شفعة (فيه) (¬13) كان ما ناقل له به (¬14) [ليس] (¬15) فيه شرك مع المشتري، أو غيره، وهي رواية ابن القاسم عن أصحابه عن مالك وربيعة وغيرهما من المدنيين إذا قصد المناقلة، والسكنى، ¬
دون البيع. وذكر مطرف، وعبد الملك [عن مالك] (¬1) أن المناقلة التي لا شفعة فيها أن يبيع حصته (¬2) من شريكه بأصل آخر له (فيه) (¬3) معه شرك أيضاً ليوسع من حظه بما صار له من حظ شريكه، فلا تكون المناقلة على هذا إلا بشرط شركتهما في الأصلين المتناقل بهما. وهذا بين الوجه في إسقاط الشفعة. ظاهر في الفقه. وقال مطرف: بإسقاط الشفعة إذا كانت شركة (¬4)، وإن كانت من جهة واحدة. وفي المبيع الواحد فتسقط (¬5) في الجهة التي أخذ من شريكه ليوسع به في منزله دون ما دفع، مما لم يكن (¬6) للآخر [فيه] (¬7) شرك، وهذا قريب في الظهور، والفقه، من الأول، لكن (¬8) له أيضاً وجه صحيح إذا لم يقصد المبايعة. ومسألة "من اشترى بعبد مغصوب أو دراهم مغصوبة" (¬9). وقوله في مسألة الدراهم، وفي فوات العبد الشفعة، فيه دليل على جواز شراء ما اشترى بالثمن الحرام، على ما قاله محمد بن سحنون (¬10)، وابن عبدوس، وغيرهما. ¬
وإن كان ابن عبدوس قد فرق بين علم البائع بذلك، أم [لا] (¬1) لأنه إذا علم كأنه رضي بدفع (¬2) سلعته بغير ثمن، أو بثمن معيب، بخلاف إذا لم يعلم. قال غيره: وإنما نحا ابن عبدوس في [ذلك] (¬3) منحى الورع، وقد كره (¬4) سحنون وغيره شراء ذلك على الجملة. وقوله: "في الموهوب الشقص يدعي عليه الشراء في السر، وكتمه، أو كانت بثواب، والحيلة باسم الهبة، إن كان رجل صدق (¬5) لا يتهم على مثل هذا، فلا يمين عليه، وإن اتهم حلف" (¬6) فيه حجة [في] (¬7) مراعاة الشبه (¬8) في المدعى عليه، [وأن من ادعي عليه] (¬9) بدعوى لا تشبه (¬10) ولا جرت عادته به أنه (¬11) لا يمين عليه فيه. قال بعض شيوخنا في معنى المسألة: أنه لم يحقق (¬12) عليه الدعوى، وإنما اتهمه بذلك، فصارت يمين تهمة، لا تلزم إلا من يليق به ذلك، وهذا صحيح. ألا تراه (¬13) كيف قال: "أخاف أن يكون قد باعه في السر" (¬14) ولو ¬
حقق عليه الدعوى للزمه اليمين على كل حال. إلا الرجل الصالح المبرز، الذي لا يليق [123] به؛ هذا جملة، على رأي بعضهم. ومسألة "من حلف لإحدى زوجتيه بطلاقها إن آثر (¬1) الأخرى عليها" (¬2). ومسألة الشفعة في الحبس (¬3) (ثبتت) (¬4) عند أحمد بن خالد في كثير من النسخ. وعليها (اختصر) (¬5) المختصرون (¬6) وسقطت (¬7) من بعضها. ولم يثبتها (¬8) في كتابه ابن عتاب. ولا غيره من شيوخنا. ¬
كتاب القسمة
كتاب القسمة (¬1) وهي تمييز حق على الصحيح من مذهبنا. وأقوال أئمتنا. وإن كان أطلق عليها مالك (¬2) أنها بيع (¬3)، واضطرب [فيها] (¬4) رأي ابن القاسم، وسحنون، على ما في مسائلنا بين (¬5) الأصلين (¬6). ولا خلاف في لزومها إذا وقعت على الوجه الصحيح (¬7). وهي على أربعة أضرب: قسمة حكم وإجبار، وهي قسمة السهم، والقرعة (¬8). فلا تجوز (¬9) إلا بالتعديل والتقويم (¬10)، والتسوية، وفي الجنس الواحد، وفي (¬11) غير ¬
المكيل، والموزون، ولا تجوز (¬1) بتعديل السهام، بزيادة دراهم، أو دنانير، أو غير ذلك، من [غير] (¬2) جنس (¬3) المقسوم، من أحد (¬4) الجهتين، والمتقاسمين. وقسمة مراضاة (¬5) وتقويم فيما اختلفت (¬6) أجناسه (¬7)، أو اتفقت، وهي جائزة بغير قرعة، ولم يجزها ابن القاسم، وغيره، بالقرعة. إذ القرعة تنافي التراضي. فلا تجوز عند ابن القاسم [بالقرعة] (¬8)، مع اختلاف أجناسها. وأجاز أشهب (¬9) القرعة فيها. وقد تأول على (¬10) ابن القاسم إجازتها من مسألة الشجرة والزيتونة (¬11)، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله (تعالى) (¬12). وقسمة مراضاة على غير تعديل. وحكم هذه حكم البيوع في كل وجه، ولا يرجع فيها بغبن، على القول بأنه (¬13) لا يرجع به في البيوع، ويرجع بالغبن في الوجهين (¬14) الأولين، ويعفى عن اليسير في ذلك، في قسمة التراضي. ¬
واختلف في اليسير [في قسمة] (¬1) القرعة، كالدينار والدينارين من العدد الكثير. فذهب أبو محمد بن أبي زيد وبعضهم (إلى) (¬2) أنه معفو عنه، وأبى ذلك آخرون. وقالوا تنتقض القسمة، لأنه (¬3) خطأ في الحكم، يجب فسخه، ولا يفرق فيه بين القليل والكثير. وهو عندهم ظاهر المدونة. وهو قول أشهب، وابن حبيب، ومثله في المبسوط. وقيل: قسم القاسم كحكم القاضي (¬4) (¬5)، لا يرد منه إلا الخطأ البين. وقسمة مهايأة (¬6): وهي قسمة المنافع بالمراضاة أيضاً (¬7)، لا بالإجبار والقرعة (¬8)، ويقال: بالنون. لأن كل واحد (هنأ) (¬9) صاحبه ما أراده. ويقال: (مهايأة) (¬10)، [بالياء] (¬11) باثنتين (تحتها) (¬12). لأن كل واحد هيأ للآخر ما طلب منه، وهذا الضرب منها على ضربين: مقاسمة الزمان. ومقاسمة الأعيان (¬13). وهي جائزة على الجملة، لكنها تختلف فروعها في مهايأة الغلة، أو الخدمة، أو السكنى (¬14)، وفي العبد الواحد، أو أكثر، وفي ¬
الدار (¬1) الواحدة أو أكثر، أو العبد والدار (¬2)، والأرض وغير ذلك على ما تفسر (¬3) في أصولنا. وكتب شيوخنا (¬4). وقوله في [مسألة] (¬5) قسمة العلو والسفل: ذهب بعضهم أن ذلك إنما يجوز بالمراضاة، لا بالقرعة، على ما جاء مفسراً لعبد الملك. وما في كتاب ابن شعبان. والعلة أنه كقسم شيئين. إذ لا ساحة للعلو، وإنما هو مرتفق للسفل، والأكثر يجيزونه على الوجهين، بالسهم، والمراضاة. وترجح في ذلك أبو عمران (¬6). وقوله: "لو أن داراً بيني وبين رجل قاسمته الدار، فأخذ طائفة، وأخذت طائفة [على أن الطريق] (¬7) لي، إلا أن له في الطريق الممر، ذلك جائز" (¬8). تأولها سحنون أنها على المراضاة، لا بالقرعة، إذ يجب قبل القسمة إخراج الطريق، وتأولها أبو عمر ابن المكوي (¬9) (¬10) أنها جائزة على الوجهين، وذلك أنه (¬11) قد لا يحتاج إلى (إخراج) (¬12) طريق في قسمة كل ¬
دار، لإحاطة الطريق (¬1) ببعضها، فحيث يخرج نصيبه يخرج بابه لما يليه من المحجة، وقد يضطر إلى خروجهم من النصيبين معاً، على باب الدار نفسها، ولا ينقسم الباب، فتقوم رقبته في أحد النصيبين على أن الممر فيه للآخر. ومعنى "الأقرحة" (¬2): الفدادين. واحدها قراح، بالفتح. مثل (¬3) زمان. وأزمنة. وذكر في الكتاب واحدها "قريح (¬4) (¬5) ولا يبعد صوابه إن كان سمع، مثل قفيز، وأقفزة. وبعير وأبعرة. قال الخليل (¬6) القراح من الأرض كل قطعة على حيالها (¬7)، من منابت النخل (¬8) وغير ذلك (¬9) قال ابن دريد: القراح من الأرض، ما خلص طينه (¬10) من السبخ، وغيره. وأصله الخالص (¬11) من كل شيء. وقوله: "لا يقسم (¬12) الزرع فدادين، ولا مذارعة. ولا قَتًّا" (¬13) (بفتح ¬
القاف) (¬1)، يعني حزماً، وقبضاً، وأصله الجمع. وكلما (¬2) جمعته قليلاً، قليلاً، فقد قتتته (¬3). و"الفرسك" (¬4)، بكسر الفاء، والسين المهملة، نوع من الخوخ، أملس (¬5). "والْخَرص والْخِرص" (¬6) بالفتح (¬7)، اسم الفعل (¬8). (والمصدر) (¬9) وبالكسر اسم الشيء المخروص. والرانان (¬10)، خفان طويلان. يبلغان الفخذين (¬11). والساعدان (¬12): ما يغشى به الذراعان في الحرب (¬13)، وغيرها (¬14). وربيع الماء، هي الساقية. وجمعها أربعاء (¬15). ¬
وقوله في الحكم على الغائب في الدور، والأرضين، بينه في داخل الكتاب، إنما ذلك إذا ادعي عليه (¬1) في أصولها (¬2)، ويستأنى (¬3) به (¬4). وأما القسم فيقسم عليه، وقد فرق في أول الكتاب هنا بين القريب الغيبة، وبعيدها (¬5). وكذلك (¬6) جعل يحكم عليه في الشفعة (¬7). وفي كتاب الشفعة: بيع رباعه في الدين، وفي الكفالة، وفي نفقة الزوجة. وعبد الملك يحكم على الغائب في كل شيء، ولا يستأنى به. وقد مضى في كتاب الشفعة من هذا. فانظر ما أثبتناه هناك، مما (¬8) لا يحتاج إلى تكراره. وقد ذكر أيضاً في مسألة الدار إذا ادعى عليه أنه وارث معه أنه لا يحكم عليه (¬9) (فيها) (¬10). وهذا موافق لما في داخل الكتاب، أنه لا يحكم عليه في دعوى الأصول. ثم قال إلا أن تطول الغيبة جداً، [124] وتبعد (¬11). وقوله يكتب القاضي إليه فيوقف، إما أن يستخلف، وإما أن يقدم فيخاصم (¬12). قال فضل: هذا من قوله يدل أن الخصومة حيث يكون المدعى فيه، وهو قول عبد الملك، وقال مطرف: القضاء حيث المدعى عليه. قال: وبه الحكم في المدنية (¬13)، وبه حكم ابن بشير بالأندلس. وقاله أصبغ، ¬
وسحنون. واستدل بعضهم عليه من قوله في الكتاب، في آخر كلامه، في هذه المسألة. "وإن كانت بعيدة، فعلم أن الذين طلبوا لا يقدرون على [الذهاب إلى] (¬1) ذلك الغائب، ولا يوصل إليه، رأيت أن يقضى لهم" (¬2)، ولا حجة في هذا، لأنه إنما قال هذا في العذر للذهاب بإعذار القاضي، والكتاب له، ليأتي أو يوكل (¬3) فانظره. وتأمل قوله هنا: فادعى (¬4) أنه وارث (¬5)، فجعل الدعوى بالوراثة (¬6) وغيرها (سواء) (¬7). وهو مذهبه في الكتاب. وأشهب يفرق في ذلك، ويقول: إن كانت (¬8) بميراث، وطال مقامها بيد الغائب، فلا يقضى عليه فيها حتى يقدم. و"البز" (¬9) بفتح الباء، في إطلاقه في الكتاب، إنما هو [في] (¬10) كل ما يلبس من الثياب، كان صوفاً، [أو بزاً] (¬11)، أو كتاناً، أو قطناً، أو حريراً، مخيطاً، أو غير (¬12) مخيط. وقال (¬13) صاحب العين (¬14) البز: ضرب من الثياب (المخيطة) (¬15). وقال ابن دريد: البز: (إنما هو) (¬16) متاع البيت خاصة من ¬
الثياب (¬1). و"الملفقة" (¬2): الثياب (¬3) المخيطة. والقمح المعلوث (¬4) بالثاء المثلثة، ويقال: بالغين المعجمة، وبالمهملة (¬5) معا، الذي فيه تبن، وزبل، لم تحسن (¬6) تصفيته من ذلك. و"حشف التمر" (¬7)، بفتح الشين رديه، وهو ما يبس من التمر، قبل طيبه، وزهوه. وقوله: "لأن حشف التمر من التمر" (¬8) قالوا معنى ذلك، ما فيه حلاوة. وأما ما لا حلاوة فيه جملة، فحكمه حكم التبن، والغلث (¬9). "والأجنحة" (¬10) الرفوف والغرف الخارجة عن (¬11) الأفنية. وقوله في البقل: "لا يعجبني قسمته بالخرص" (¬12)، [ثم ذكر قياسه ذلك على قول مالك في منع قسمة الثمار بالخرص] (¬13) غير النخل، والعنب، ثم قوله: "والبقل أبعد من الثمار" (¬14). فاختلف في تأويل المسألة. فحملها سحنون على المنع جملة، وأنكر ذلك عليه ابن عبدوس (¬15). وقال ¬
إنما منعها (¬1) ابن القاسم إذا كانت على التأخير. وأما على الجذ فيجوز. وهو قول أشهب (¬2). وهذا دليل الكتاب بعد عندهم من قوله بعد هذا في مسألة الزرع، أنه يجوز بيعه بالخرص على الجذاذ، وذلك (¬3) في البلح الصغير (¬4). وقوله فيه: "هو (¬5) بقل من البقول" (¬6). وقوله: "إنما هو بمنزلة البقل، والعلف" (¬7) في القسمة. وكذلك قوله: في فداني كرّاث [بفدان كرّاث] (¬8)، أو سريس، أو سلق (¬9). قال: لا خير في ذلك (¬10)، إلا على الجذ (¬11). ثم قال: وكذلك البقل عندي (¬12) كله بين أن المنع إن لم يكن على الجذاذ. وأشار بعض الشيوخ إلى أن الخلاف يدخل في خرصه (¬13) لقياسه (¬14) إياه على الثمار الذي اختلف قوله فيها. ومسألة "قسمة اللبن في ضروع الماشية" (¬15)، ومنعه (¬16) له للمخاطرة. ¬
ثم ذكر مسألة تفضيل أحدهما (¬1) الآخر بشيء بين، إلى آخر المسألة (¬2). وإجازته لها سقطت من رواية أحمد بن خالد. ولم يقرأها. وثبتت في أصل ابن عتاب. وصحت عند ابن المرابط، لابن باز، والدباغ. وقال (¬3) أشهب: هي أحرى ألا تجوز. وقاله سحنون (¬4). وقوله: "في ثلاثة (¬5) ورثوا قرية لها ماء، أو مجرى (¬6) ماء (¬7) تقسم (¬8) الأرض على قدر مواريثهم، ولهم من شربهم من الماء على قدر مواريثهم، وكل إشراك في قلد، فباع أحدهم نصيبه في ذلك، فشركاؤه دنية أحق به في الشفعة من [سائر] (¬9) شركائه في الماء" (¬10). "والدنية أهل وراثة (¬11) " (¬12) يقال (¬13): دنية بكسر الدال، وسكون النون، ويقال: دنيا (¬14)، ودنيا، بالكسر، والضم، مقصور. ومعناه: القريب، وتقدمت لفظة القلد، وتفسيرها في كتاب الشفعة. وظاهر قوله في الشركة هنا [أنها] (¬15) في القلد، وإن اقتسموا الأرض، ¬
ومذهبه هنا، وفي كتاب الشفعة، أن من باع أرضه، أو قاسمها، وبقي بئرها، فلا شفعة له في البئر إذا باع شريكه نصيبه منها. وفي العتبية له الشفعة (¬1)، وقد نبهنا على الخلاف في تأويل ذلك، وهل هو خلاف على ما ذهب إليه أكثرهم (¬2) أم لا؟ لأنها لا تنقسم. كما قال في الموطأ: لا شفعة في بئر لا بياض لها. وإنما الشفعة فيما ينقسم، وتقع فيه الحدود (¬3) من الأرض (¬4) فأما ما لا ينقسم، فلا شفعة فيه. أو هو (¬5) غير خلاف، وأن معنى التي لا شفعة فيها: البئر المفردة. والتي فيها الشفعة البئار (¬6) الكثيرة (¬7) التي تحتمل (¬8) القسمة (¬9) على مذهب سحنون. أو [أن] (¬10) التي فيها الشفعة ما تعلقت (¬11) بها أرض (من حقها) (¬12)، مما له حريم من الآبار وفناء. والتي لا شفعة فيها (¬13) التي لا فناء لها، ولا حريم، ولا حصة من أرض، على ما ذهب إليه ابن لبابة. واحتج على ذلك بالألفاظ التي وقعت لمالك، وابن القاسم، وظواهر في المدونة، والعتبية، وغيرهما (¬14). ومسألة القلد (¬15) عنده (¬16) من ذلك. لأنه قال: لا بد للعين، أو ¬
البئر (¬1) التي يقسم (¬2) ماؤها بالقلد، [من ساقية يجري فيها الماء ويصب، (ويقسم) (¬3) وموضع القلد، ويجلس (¬4) (الأمناء والقسام عليه) (¬5)، واستدل بقوله في كتاب] (¬6) حريم البئر (¬7) إن اشتريت (¬8) شرب (¬9) يوم، أو يومين بغير أرض، من قناة (¬10). أو من بئر (¬11)، أو من عين (¬12)، أو نهر، أنه جائز، ولا شفعة فيه، لأنه ليس معه أرض (¬13)، وبقوله في العتبية: الشفعة في الماء الذي يقسم بالأقلاد. وإن لم يكونوا شركاء في الأرض التي تسقى بتلك العيون (¬14). وتأول سحنون مسألة القلد ها هنا، أن الماء [المشترك] (¬15) لقوم لهم شركة في الأرض. قال: ولولا ذلك لم تكن لهم شفعة، لأنها بئر واحدة، واستدل بما قبل الكلام وبعده من قوله: إن قسمت (¬16) الأرض، ولم يُقسم الماء، فباع رجل حظه من الماء كانت (¬17) فيه الشفعة. وكذلك لو باع حظه ¬
من (الأرض دون) (¬1) البئر. ويكون (¬2) قوله على هذا "وكل قوم كانوا أشراكاً (¬3) في قلد من الأقلاد فهم أحق بالشفعة" (¬4) [كلاماً] (¬5) مبتدأ (¬6) [غير] (¬7) عائد (¬8) على ما قبله (¬9) من مسألة الثلاثة الذين (¬10) [125] اقتسموا الأرض أول المسألة (¬11). وقال سحنون: وتكون (¬12) الأرض بين طوائف، لكل طائفة حصة مشتركة بينهم، والماء بين الجميع كلهم يريده، فتكون (¬13) الشفعة بين الذين اشتركوا في الأرض فهم أهل قلد واحد (¬14). والآخرون أهل قلد آخر. ولا شركة (¬15) لهم معهم. هم شركاء في أرض أخرى. قال القاضي رحمه الله: قد يحمل كلامه في الكتاب على هذا، أو يكون الاشراك قد اقتسموا، ثم مات بعض من له شرك في قلد، فباع بعض ورثته نصيبه من الماء، فأهل موروثه أحق، لأنهم (بعد) (¬16) شركاء في ¬
أرضهم (¬1)، وقلدهم. وقد يظهر مثل هذا (من) (¬2) مسألة حريم البئر في قوله: "لو أن قوماً اقتسموا أرضاً (¬3) وبينهم (¬4) ماء يسقون به، ولهم شركاء (¬5) في ذلك الماء، فباع من أولئك رجل حصته من الماء، أيضرب (¬6) مع شركائه بحصته (¬7) من الأرض. قال (¬8): لا" (¬9)، فقد دل أنهم أشراك في الماء، مفترقون في شركة الأرض أيضاً. وإن لم يكن جميعهم شريكاً في الأرض، ولكن بعضهم شريك (¬10) لبعض في أرض، وبعضهم شريك (¬11) لبعض في أرض أخرى (¬12). فتأمله. وقوله: "إذا (¬13) قسمت النخل وتركت البئر فلا شفعة فيها" (¬14). قال ابن القاسم: فالعيون (¬15) بتلك المنزلة (¬16). اختلف في تأويلها على ما تقدم. فقال سحنون: يريد عيناً واحدة منها، كبئر واحدة. فإذا (¬17) كانت كثيرة بينهم على الإشراك دون أرض، ففيها الشفعة. لأنها (¬18) مما ينقسم (¬19). ¬
وقال ابن لبابة: [بل] (¬1) هو على ظاهره. ولا فرق عنده على ما تأوله عليه بين عين واحدة وعيون كثيرة، إذا لم يكن لها أرض، ولا فناء، ولا حريم فلا (¬2) شفعة في شيء منها، وإن كان لها أرض وإن قلت شفع فيها مع الأرض. وصفة قسمة (¬3) الماء بالقلد مما اختلف فيها، وتكلم فيها المتقدمون، والمتأخرون، وتعقب بعضهم على بعض، ولم يسلم (¬4) بعد من التعقب والاعتراض. فقال ابن حبيب عن عبد الملك، وغيره من علماء المدينة، وأصبغ من المصريين: هو أن يؤخذ قدر من فخار، أو غيره، فيثقب في أسفلها بمثقب، يمسكه الأمينان عندهما، ثم يغلقانها مع انصداع الفجر، وقد جعلت تحته قصرية، وأعدَّا (¬5) جراراً (¬6) بمياه، فإذا انصدع الفجر صبَّا (¬7) الماء في القدر، فسال من الثقب (¬8)، وكلما هم الماء أن ينضب، صبَّا (¬9) حتى يكون (¬10) مسيل (¬11) الماء من الثقب معتدلاً، النهار كله، والليل كله، إلى انصداع الفجر، فينحيانها (¬12)، ويقتسمان ما اجتمع من الماء على أقلهم سهماً، كيلاً، أو وزناً. ثم يجعلان لكل وارث قدراً يحمل (¬13) سهمه من ¬
الماء، ويثقبان كل قدر بالمثقب الأول، فإذا أراد أحدهم السقي علق قدره (¬1) بمائه (¬2) وصرف (¬3) (الماء) (¬4) كله إلى أرضه، فيسقى (¬5) ما سال الماء من القدر (¬6) ثم كذلك بقيتهم. ثم إن تشاحوا في التبدئة استهموا فيه (¬7). وانتقدها عليه من جاء بعده، فقال بعض شيوخ الصقليين: قوله، ثم يجعلان لكل وارث قدراً يحمل سهمه، فإنما يصح ذلك إذا تساوت أنصباؤهم، وأما إن اختلفت (¬8) كان صاحب الكثير مغبوناً، لأن القدر كلما كبرت (¬9) ثقل فيها الماء، وقوي (¬10) جريه من الثقب، حتى يكون (¬11) مثلي ما يجري من الصغيرة (¬12) أو أكثر، لأن أحدهم قد تكون (¬13) له عشرة أسهم، وللآخر سهم، فإذا (¬14) أخذ حقه في قدر صغير خف جري الماء، فأخذ أكثر من حقه. (قال) (¬15): والذي أرى، أن يقسم الماء بقدر أقلهم سهماً، ¬
فيأخذ صاحب السهم سهمه، في قدر واحد، ويأخذ الآخر سهمه (¬1) في عشرة قدور، فيكون جري الماء على حد واحد (¬2) قال: وهذا أبين (¬3). قال القاضي رحمه الله: اعترض اعتراضاً صحيحاً، وقد أغفل ما هو أشد منه، وذلك قوله [أولاً] (¬4) وكلما هم الماء أن ينضب (صبا) (¬5)، فهذا فيه من الاعتراض نحو ما ذكره، لأن صب القدر من (¬6) الثقب وهي ملأى (¬7) بخلاف صبها بعد نقصها، ولو قال: فكلما (¬8) نقص من الماء شيء دركه كان أخلص، حتى يكون جري الماء من الثقب على حد واحد. وقد تفطن لهذا أبو عبد الله (محمد) (¬9) بن العطار، فقال: (قد) (¬10) ينقص الماء من القدر، ولعله مراد ابن حبيب. وإن (¬11) كان النضوب (¬12) إنما هو في لسان العرب غور الماء، وذهابه، لا نقصه. وكذلك (¬13) أيضاً يبقى (¬14) على ابن حبيب، وعلى هذا الآخر في قسمة الماء، على ما ذكروه من قدور مفترقة (¬15)، صغار كلها، على قول هذا، أو صغار وكبار بقدر الأنصباء، على القول الأول، أن الليل والنهار ينقصان قبل تمام جري ماء، هذه القدور ¬
[ولا بد] (¬1) من ذلك، فإن قدراً كبيراً (¬2) يجري منها الماء ليلة ويوماً، لا يمكن أن يجري ذلك (¬3) الماء من قدور (¬4) صغار [أو صغار] (¬5) وكبار (¬6) في تلك المدة، لضعف جري الماء، وبطء اندفاعه من الصغار، بخلاف قوة اندفاعه من الكبار لِرُزْمِ (¬7) الماء، فلو (¬8) قسم الماء على ما قالاه، لتمت الليلة واليوم، وبقيت من الأنصباء فضلة، ومن الأشراك من لم يسق، وقد تكلم أيضاً أبو عبد الله بن العطار (¬9) فيها، وأخذ طريقاً آخر لم (¬10) يسلم فيه هو من هذا الاعتراض (أيضاً) (¬11). فقال: إنه إذا أرادوا السقي، بعد قسمة الماء، (وابتدأ أحدهم) (¬12) بالقرعة، أو التراضي، أخذ ما جاز (¬13) للمبتدئ بالسقي [من] (¬14) مكيلة الماء، ويلقى (¬15) ذلك في القلد، فيسقى (¬16) إلى أن يذهب منه الماء، فإذا ذهب ألقيت (¬17) فيه مكيلة الضي تليه، ثم هكذا يفعل لكل (¬18) واحد منهم، إلى أن ينقضي اليوم والليلة، ¬
وهما (¬1) الدهر كله. واعتراض الصقلي (¬2) على ابن حبيب، لازم (¬3) لابن العطار (¬4) لقوة اندفاع الماء الكثير، وضعف القليل، وأنه (¬5) (قد) (¬6) يمكن أن يمتد جري هذا القليل لضعفه حتى يأخذ من النهار مثل ما أخذ من له مثلاً سهمه، أو أكثر، لقوة دفع (¬7) الكثير (برزمه) (¬8)، وكذلك يبقى (¬9) عليه ما صورناه من الاعتراض بانقضاء اليوم والليلة، [قبل فراغ الماء، وهذا مما لا شك فيه، ولولا قولهم يفعل (¬10) ذلك لكل واحد منهم إلى أن ينقضي اليوم والليلة] (¬11) وهما الدهر كله، لقلت (¬12) لعلهم لم يقصدوا في القسمة بهذا قسمة كل يوم، وليلة (¬13)، وإنما أرادوا (¬14) قسمة الماء، فتتم (¬15) الدول المذكورة في يوم وليلتين، أو دون ذلك، أو أكثر، [126] لكنه ليس مرادهم. ويبقى فيه (أيضاً) (¬16) [على هذا] (¬17) اعتراض آخر؛ سنذكره في مراعاة سقي الليل، ¬
من سقي النهار، لكن كلام ابن حبيب [وابن يونس] (¬1) معناه عندي (¬2) [على] (¬3) هذا وأنهما لم يقصدا في القسمة كل يوم وليلة، وإنما راعوها في الاختبار (¬4)، ثم بعد ذلك عند (¬5) القسمة يبدأ الأول، أي وقت شاء. حتى يتم سقيه، ويأخذ الذي يليه (¬6). هكذا، حتى تتم دولهم، متى تمت من الزمان. ثم يرجعون (¬7) إلى الأول، كان ذلك في يوم وليلة، أو أكثر من ذلك. ويستريح من الاعتراض بهذا الفصل الآخر. وباعتبار سقي الليل والنهار، إذ باختلاف الدول تأتي دولة [هذا] (¬8) مرة نهاراً، ومرة ليلاً (¬9). وكذلك الآخر. فيعتدلون (¬10) وذهب ابن لبابة إلى نحو ما ذهب إليه ابن العطار في قسمته من (¬11) قدر واحدة. لكنه سلك مسلكاً آخر. فقال: إنه [يؤخذ] (¬12) قدر مستوية، (ويثقب) (¬13) في جانب القدر ثقب (¬14) بقدر الأنصباء، لكل (¬15) قسط من الماء ثقب (¬16) في جانب القدر، بعد ¬
أن يوضع قسط الماء فيها، ويغلق الثقب الذي في أسفله، ويكون (¬1) ثقب القسط الثاني من مبلغ ماء القسط الأول في جانب القدر، ثم يثقب للثالث ثقباً (¬2) عند آخر القسط الثاني، وهكذا يثقب ثقباً عند انقضاء كل قسط، فمن خرج سهمه ألقى ماؤه في القلد، فإن خرجت القرعة لمن له ثلاثة أقساط فتح أولاً (¬3) الثقب الأول فإذا انقضى القسط الذي فوقه فتح الثاني، ثم كذلك الثالث، فإذا تم انقضى سهمه. وكذلك من (¬4) له قسط، أو قسطان. وهذا أيضاً، وإن سلم من اعتراض الصقلي، فلا يسلم من هذا الاعتراض الثاني، لأن خروج قسط ماء من ثقب تحته في جانب القلد، ليس في القوة كخروجه أولاً من أسفل القلد، وهو مملوء بمائه قسطاً (¬5) مثلاً، أو غيره، أو أكثر. وقد أشار ابن أبي زمنين إلى نحو هذا. وقال: يثقب لصاحب الثلث (¬6) في القدر ثقبة في مقدار ثلثها، ولصاحب النصف في مقدار نصفها (¬7)، على مقدار سهامهم، وقال: هكذا رأيته لبعض العلماء. وهذا يدخل عليه ما دخل على ابن لبابة من الاعتراض. والذي يظهر لي مما يقطع هذه الاعتراضات كلها (¬8)، وهو أخصر في العمل، وأقل في التعب (¬9)، وتكثير الأواني (¬10) بأن [تكون] (¬11) صفة هذه القسمة على ما سنذكره (¬12)، ............... ¬
وذلك [أنا] (¬1) إذا نصبنا القدر (¬2) مع الفجر، وهي ملأى، ولم نغفل (¬3) عن تدريك الماء فيها أبداً، ولا يتركها تنقص حتى يكون جري الماء (فيها) (¬4) من الثقب طول اليوم والليلة (¬5) معتدلاً، وإن شئنا جمعنا الماء الخارج من أسفل القدر (¬6) في آنية، ثم قسمناه على ما ذكروه، أو حبسنا تحت الثقب آنية قد عرفنا كيلها، أو وزنها، فكلما امتلأت أزلناها، ونصبنا أخرى مثلها، وأرقنا الأولى، أو دركنا بها نقص القدر، ثم هكذا نداول (¬7) بين الآنيتين (¬8)، حتى ينقضي اليوم والليلة. وقد عرفنا عدد ما ملأنا من (¬9) الأواني، ويستغنى بذلك عن إعداد الماء في الجرار كما قالوا بتدريك الماء في القدر (¬10)، وعن (¬11) إعداد القصاري لجمع الماء. فإذا عرفنا عدد الجميع من الأواني، وما فيها، قسمنا ذلك على الأنصباء، وعرفنا ما يقع لكل سهم بتلك الآنيتين، واحتفظنا بتلك الآنيتين، فإذا احتاجوا إلى السقي علقنا القدر (¬12) مملوءاً ماء، كما فعلنا (¬13) أولاً، كما قالوا، ونصبنا تحته (¬14) تلك الآنية (¬15) مع الفجر، وبدأنا بالأول على ما تقدم، وفتحنا الثقب، وكلما نضب من ¬
الماء شيء دركناه على ما ذكرنا (¬1) أولاً، حتى يعتدل جريه عند السقي، كما كان يعتدل عند الاختبار، والقياس، فإذا امتلأت هذه الآنية فمن كانت قدر نصيبه أمر بتحويل الماء، وجعلت الأخرى لغيره، وأريقت هذه، أو درك بها ما نضب من ماء القلد، ومن كان له اثنان فحتى تمتلئ اثنتان (¬2)، وكذلك من له ثلاثة، وداولنا بعدهما بين الاثنين أبداً على ما ذكرناه، ولا يحتاج لغيرها (¬3)، والقدر في كل ذلك تتعاهد (¬4)، ويأتي الصب منها (¬5) في حين القسمة، والسقي على حد ما كان منها حين القياس، والاختبار، بلا خلاف، فلا مرية أن (¬6) اليوم والليلة، لا تتم إلا بتمام امتلاء العدد من هاتين الآنيتين الذي كان (¬7) أولاً، لاعتدال خروج الماء من الثقب الواحد، في اليوم والليلة، أولاً وآخراً، ولا (¬8) يبقى على هذا اعتراض، جملة، إلا في وجه واحد، لا بد من تصوره على كل حال، وقد أشار إليه ابن لبابة، وهو بين من اختلاف السقي بالليل (¬9) والنهار، فإن من الناس من يرغب (في) (¬10) سقي الليل لكثرة الماء فيه، وسرعة جريه (فيه) (¬11)، والراحة من معاناة الشمس، والحر، في تصرف الساق، وأنه أحسن لما سقي، ومنهم من يرغب (في) (¬12) سقي النهار، لكونه أقل مؤونة، ومشقة من معاناة الظلام، والسهر، و [ما] (¬13) اختلف هكذا فلا يصح جمعه في قرعة، لأن من خرج ¬
[له] (¬1) سهمه بالليل قد لا يحبه، ولا يوافقه ذلك، وكذلك من خرج له بالنهار، لما ذكرناه، وإذا اختلفت الأغراض لم يصح (¬2) جمعه في (¬3) قرعة، فإن (¬4) قلنا بتفريق القلد بالليل، والنهار، وأن يجعل (¬5) قسمة الليل على حدة، يقسمه (¬6) بالسقي (¬7) جميعهم، وقسمة النهار على حدة، كذلك سلم من هذا الاعتراض، إذا كان مدة السقي قريبة من مدة القياس، والاختبار [بالليل والنهار] (¬8) لاختلاف الليالي (¬9) والأيام، بالطول والقصر، إلا أن يقال (¬10): إن الضرورة داعية إلى هذا، وهو غاية المقدور، كما تقسم الدار الواحدة، وبعضها جيد البناء، وبعضها واه. والأرض الواحدة بعضها (¬11) كريم، وبعضها دني مع اختلاف الأغراض في ذلك. [127] قال ابن لبابة: لو قسم ماء كل ليلة/ وماء كل يوم، وعرف ما لكل ليلة، وكل يوم، على شهور العجم، كان أحب إلي، وأجود [لاختلاف]) (¬12) الليالي والأيام. قال القاضي رحمه الله: ولكن مثل هذا يشق، ويحتاجون أن يعلموا ذلك السنة كلها للقياس، ثم بعد ذلك يجرون ما يأتي من أيام السنين المقبلة، ولياليها على ما تقرر عندهم في السنة قبل، وأما إن قلنا على ما ¬
يظهر من كلام ابن حبيب (¬1)، وبعضهم إنه إنما يعتبر (¬2) قدر اليوم والليلة عند الاختبار، لا عند القسمة، بدليل أنه لم يقل عند القسمة أن يعلق القلد (¬3) مع (¬4) انصداع الفجر، كما قاله عند الاختبار، خلاف ما قاله ابن العطار، وظهر من كلام ابن لبابة، وغيرهما. فيرتفع (¬5) الاعتراض عن تفريق الأواني كما قال ابن يونس، وعن مراعاة حال الليل مع النهار، وعن طول بعض الأيام والليالي، وقصرها، لما ذكرناه من اعتدال أحوالهم بانتقالهم، باختلاف الدول، وأن (¬6) الذي يسقى اليوم صباحاً بابتداء (¬7) خروج الماء من الأواني المفرقة (¬8)، وبطئه وتمام (¬9) اليوم والليلة قبل تمام الدول، وبما (¬10) جاءته (¬11) دولته في الدور الرابع أو الخامس ليلاً، ويصير الذي سقى ليلاً نهاراً فيعتدل أمرهم، باختلاف أحوالهم، ويصح الاعتبار (¬12) والله أعلم. فتأمل هذا كله. وقف عليه. فإنك لا تجده مجموعاً، ولا مشروحاً موضوعاً (¬13) في غير هذا التعليق. وقد قال أصبغ: إنما كان ابن القاسم يقول: يقسم الماء بالقلد، ولا يفسره. قال أبو عبد الله بن العطار في جواب له في هذه المسألة: وينظر في ¬
القسمة إلى من قربت أرضه من القلد، وإلى الذي تبعد (¬1) أرضه. فإن كانا (¬2) في ابتداء شركتهما في الأرض معلوم من ميراث أو ابتياع، أو غيره، ثم تقاسموا بعد فقسمتهم في السقي على قدر أنصبائهم، البعيد والقريب (¬3) سواء، وليس للذي بعدت أرضه عن القلد [أن يقول] (¬4): لا تحسبوا (¬5) علي الماء حتى يدخل أرضي، لأن أرضه حين القسمة قد قومت لبعدها من القلد، بدون ما قومت به القريبة منه، التي صارت [لغيره] (¬6)، ولو لم يحسب (¬7) عليه الماء إلا من وقت دخوله أرضه، لاستوت في التقويم البعيدة والقريبة [منه (¬8)] (¬9) وان لم يعلم في الأراضي (¬10) التي لهؤلاء قسمة، واشتراك قبل، ولا كيف كان أصل ملكهم لهذه الأراضي، إلا أنهم شركاء في الماء، والقلد، فلا يحسب على البعيد الأرض السقي حتى يبلغ أرضه (¬11). وفي ثمانية أبي زيد عن عبد الملك في القوم يرثون الأرض، وعليها ماء مأمون كثير (¬12) فيقسمون الأرض، والشرب، وبعضهم أقرب إلى العين، ثم يقل الماء، فيقوم لمن قرب، ولا يروى لمن (¬13) بعد، فأرادوا رد القسم. قال: أما قسم الأرض، فقد مضى. ويُرد قَسم الماء، فيزاد من بعد على من ¬
قرب، بقدر ما يستوي (في) (¬1) القرب والبعد (¬2) في السقي، فيكون للبعيد (¬3) منه أكثر مما للقريب (¬4) على مثل ما لو قسمت بالماء قسماً واحداً. قال القاضي: [رحمه الله: وهذا غير مخالف لما قاله ابن العطار، لأن قسمتهم الأولى ليس فيها مراعاة قرب الماء من بعده، لأمنه وكثرته كما لو كانت أرض مطر. قال المؤلف رحمه الله] (¬5): وإذا كان هكذا (¬6) لم تصح قسمة ماء القلد (¬7) بينهم، ولا قياسه ولا جمع (¬8) ما يخرج من القلد، حتى يطلق أول (¬9) الماء إلى أرضه، وماء الثقب من القلد يجري حينئذ في الأرض مراقاً غير مجموع، ولا محسوب، فإذا بلغ أرضه (¬10) أشعر (¬11) الأمناء حينئذ، ببلوغه (¬12) بصوت، أو ضرب بشيء يبلغهم لحينه، فيبدأون حينئذ بجمع (¬13) الماء في الآنية، وحسابه على ما تقدم. وقول مالك: "وإنما البلح الصغير علف، قال ابن القاسم: هو بقل من البقل" (¬14). نحا اللخمي إلى تخريج الخلاف بين مالك، وابن القاسم، من هذه الألفاظ. وأن مالكاً يحكم له بحكم العلف، فيجيز فيه على قوله ¬
القسمة، وإن لم تختلف حاجتهما. وتأخير أحدهما الأيام، ويجذ الآخر، وعلى أنه طعام لا يجوز إلا أن يجذا جميعاً، أو على اختلاف حاجتهما كسائر الثمار. قال: ويجب أن يلتفت إلى عادة أهل البلد فيه، من استعماله علفاً. أو للأكل (¬1) والذي ألزم من الخلاف فيه، لا يلزم، ولا أراده مالك، ولا ابن القاسم، ألا ترى أن ابن القاسم آخر الكلام جمع بين اللفظين، وفسر مقصده. وقال: "وإنما هو بمنزلة العلف، والبقل" (¬2) في القسمة. وقوله: "إذا اقتسما الثمرة بعد ما أزهت، لاختلاف حاجتهما، فتركاه حتى أثمر؟ لا تنتقض" (¬3) القسمة. موافق لما في كتاب التجارة إلى أرض (¬4) الحرب، وكتاب البيوع الفاسدة (¬5)، من جواز اشتراط التبقية، حتى يصير تمرا، وخلاف ما في كتاب الجوائح. ومسألة ما يجمع في القسم من الحيوان، والعروض (¬6) اختلف على (¬7) ابن القاسم في تأويل كلامه، واختلف لفظه في الكتاب. فقيل: هو اختلاف من قوله، مرة قال: يقسم كل صنف من الجنس على حدته، إذا كان فيه ما يحتمل القسم. وإلا جمع كله في القسم، كانت ثياباً، أو عبيداً، أو حيواناً. وكل (¬8) جنس منها مختلف. كما قال مرة في الثياب والبز. فيكون تفريقه على هذا استحساناً (¬9). ¬
ومذهبه [الآخر] (¬1) أنه يجمع الجنس كله في القسم، وإن كان في كل صنف ما يحتمل القسم على ظاهر قوله مرة في الثياب (¬2): تجمع (¬3) كلها. وعلى قوله [في] (¬4) العبيد: صغارهم، وكبارهم، والهرم، والجاربة الفارهة، ذكرانهم، وإناثهم" (¬5). قالوا: فعلى هذا تجمع (¬6) الخيل، والبراذين، والحُمُر، والبغال. ومذهبه الثالث: أن ذلك لا يجمع منه شيء إلى غيره. وإن لم يحتمل القسم. وليقسم (¬7) كل صنف من الجنس (بحياله) (¬8)، ثياباً كانت، أو دواباً (¬9)، أو عبيداً، على ظاهر قوله: "تقسم (¬10) الخيل على حدة، والبغال والبراذين على حدة" (¬11) على اختلاف رواية المدونة في ذلك، على ما سنذكره. وعلى ما في كتاب محمد: يجمع كل صنف من السبي (¬12) في الغنائم، ويقسم على حدة، وكل لفظ من ألفاظه في هذه المسائل في الكتاب محتمل لهذه الوجوه. والله أعلم. [128] وأما أشهب (¬13) فراعى في الجمع (¬14) ما لا يجوز؛ تسليمه، ¬
بعضه في بعض، من الجنس الواحد (¬1)، وابن حبيب راعى ما تقارب، وتشابه في الأصل، والصفة، كالكتان مع القطن، والصوف مع المروزي والحرير مع الخز (¬2). وقوله في الجذع (¬3): لا يقسم (¬4) يعني وإن احتمل القسم، وانتفع (به) (¬5) اختلف (¬6) في تأويله. فقيل: ذلك على اختلاف القول في قسمة الحمّام. وما لا ينقسم إلا بتغييره (¬7) عن هيئته. وإن احتمل القسم، وانتفع به. وقيل: بل لأنه يحال عن حاله، (وأما (¬8) القسم فيما لا يحال عن حاله، وإنما يقسم بالعدد، والمقدار، وأما ما يحال عن حاله) (¬9) بالنقص، والتغيير (¬10)، والتفريق. فلا يكون ذلك إلا في الرباع، والأرضين. وهذا قول أشهب (¬11) قال: ولو كان القطع يصلح الثوب، والخشبة، لم يقسم (¬12). قال حمديس: إلا أن تكون الخشبة نخرة لا تصلح إلا للحطب، فتقسم. وهذا (¬13) لا يختلف فيه. ¬
وقوله: "إن (¬1) ورثنا نخلاً، فيها بلح، أو طلع، فأردنا قسمتها. قال: أما الطلع فلا يقسم على حال، إلا أن يجذّاه ويقسما (¬2) الرقاب بينهما، ويتركا (¬3) البلح حتى يطيب" (¬4) وضرب على الطلع في كتاب ابن وضاح، ويحيى بن عمر، [وكان] (¬5) في أصل ابن وضاح وروايته. وضرب عليه (¬6) ابن خالد، وصح في رواية أحمد بن داود. قال سحنون: إذا طرحت الطلع صحت المسألة. وفي بعض النسخ: "أما البلح، والطلع (¬7) فلا يقسم على حال" (¬8). قال القاضي رحمه الله: كان سحنون قد ذهب إلى ما في لفظ المسألة من الإشكال، وإلا فلا اعتراض فيها على أصله، لأنه إنما شرط ترك البلح. وتخصيصه بذلك يدل [على] (¬9) أنه لم يشترط ترك الطلع الذي (¬10) بسببه (¬11) اعترض سحنون على أصله في الكتاب، أنها إذا كانت ذات طلع لم تؤبر، لم تقسم (¬12) جملة حتى تؤبر، للعلة التي ذكرها في الكتاب، وإنما تم (¬13) الكلام على الطلع في قوله: "إلا أن يجذاه" (¬14) والمسألة على هذا صحيحة سالمة من الاعتراض، خلاف ما تأوله بعضهم على الكتاب أنه يقسم بترك ¬
البلح، والطلع، وقد نقل أبو محمد ذلك (¬1) عن ابن القاسم (في نوادره) (¬2) (¬3). وفي مسألة التي اقتسما بلحاً [ليجذاه] (¬4) لاختلاف حاجتهما إليه، للبيع، والأكل (¬5) معناه ليجذه (¬6) أحدهما شيئاً فشيئاً (¬7) بحسب (حاجة) (¬8) عياله، وبيعه (¬9) الآخر دفعة، أو دفعتين لرغبة سوقه. قال بعضهم: وكذلك لو كانت حاجتهم [إليه] (¬10) جميعاً للأكل، وعيالهما (¬11) يختلف (¬12) بالقلة والكثرة (¬13) لجاز قسمه (¬14) بالخرص كما قال. وبهذا البيان يندفع اعتراض سحنون على (¬15) المسألة، بقوله: إذا جذاه قسماه كيلاً، أو كلما جذا (¬16) منه، ولم يحتج إلى خرصه، وذهب فضل إلى أن ما وقع في كتاب ابن حبيب خلاف (ما في) (¬17) المدونة. وظاهره يدل على ما ذهب إليه سحنون (¬18)، لأنه منع من ذلك، إذا استوت حاجتهما إلى جمعه رطباً، ¬
لأكله كذلك، أو بيعه. قال: ولا يجوز اقتسامه حينئذ، إلا كيلاً بعد جمعه. قال فضل: وهذا أشبه (¬1) مما له (¬2) في المختلطة. قال القاضي رحمه الله: لا خلاف بينهما على ما بينته (¬3) قبل، لأن أولئك لم تستو حاجتهما، لأن الذي يحتاج القليل (¬4) كل يوم لعياله لا ينتفع بجمع الكثير، والذي يحتاج الكثير لبيعه (¬5) لحضور (¬6) سوقه ووقت الرغبة فيه لا ينتفع بالقليل، بل كل واحد منهما يضره (¬7) خلاف مراده. ومسألة قسمة الساحة (¬8) تقدم الكلام عليها في كتاب الشفعة. وقوله: "لا يقسم الوصي على الصغار (¬9) بينهم (¬10)، ولا يقسم إلا السلطان، إن رأى ذلك خيراً لهم" (¬11)، وفي الواضحة: تجوز مقاسمة (¬12) الوصي بينهم، كالأب، ولا مدخل للقاضي في ذلك على الوصي (¬13). قال فضل: هذا أشبه من قول ابن القاسم. واحتج بمقاسمة اللقيط (¬14)، والحاضن (¬15). ومثله ليحيى (¬16) بن عمر. ¬
وقال أشهب: إذا لم يدخل الوصي عليهم (¬1) مرفقاً فلا أحب أن يقسم، فإن (¬2) فعل مضى. وإن لم يكن بأمر سلطان. ومثله في كتاب محمد. قال: إذا كانوا صغاراً جاز أن يقسم بينهم الرباع وغيرها (¬3). وذكر في الكتاب مقاسمة الوصي للصغار (¬4) مع الكبار، أنه يمضي على وجه الاجتهاد، وأحب إلي أن يرفعه إلى القاضي، حتى يبعث من يقسم بينهم. وقال في آخر الكتاب: يجوز أن يقاسم (¬5) على [الصغير] (¬6) الدور والعقار أبوه، أو وصي أبيه، وكذلك العُروض، وجميع الأشياء (¬7). فقوله: على الصغير (¬8). ظاهره أنه مع أجنبي (¬9)، لا أنه (¬10) بين محجوريه، لذكره أول المسألة: كبيراً (¬11). وذهب ابن شبلون إلى أن مذهبه في الكتاب مفصل على ثلاثة أوجه (¬12): فإن كانوا صغاراً كلهم لم يقسم بينهم، إلا بأمر السلطان. فإن كان معهم كبار (¬13) استحب له استئذان السلطان في مقاسمتهم مع الكبار. فإن لم يفعل مضى. ¬
فإن كانت مقاسمة الصغار مع أجنبي جازت له المقاسمة دون استئذان. وقوله: "إذا (اقتسموا) (¬1) دوراً (¬2) وأرضين (¬3) ورقيقاً وحيواناً (¬4) فأتى موصى له (¬5) بالثلث أو أتى (¬6) رجل فقال: إنه (¬7) وارث معهم (¬8)، قال: إن كانت دراهم، وعروضاً، فإنما لهذا الموصى له أو [لهذا] (¬9) الوارث أن يتبع كل واحد بما صار في يديه من حقه" (¬10). واختلف (¬11) في معنى هذا، فقال (¬12) أصبغ: معناه أن العروض هنا (¬13) مستوية القيم، يريد إذا كان يخرج نصيب هذا الطارئ في عين (منها) (¬14) لاستوائهما (¬15) واستواء أنصبائهم في الميراث، أو تقاربهم (¬16) وإنما يصح كلامه على هذا، مثل أن يكونا (¬17) ابنين، أو أخوين، وترك الميت ستة أثواب، أو أعبداً (¬18) مستوية القيم، فقسماها (¬19) ثلاثة، ثلاثة، ¬
فهذا الطارئ من موصى له، أو وارث (¬1)، يأخذ ثلث ما (¬2) بيد كل واحد منهما، وذلك ثوب، إذ هو حقه من ميراثه، أو وصيه، فحصل (¬3) له ثوبان كما حصل (¬4) لكل واحد منهما، [129] وضعف بعضهم قول أصبغ.؛ وقال: (بل) (¬5) أراد هنا بالعروض (¬6) المكيل، والموزون الذي له مثل. قال القاضي رحمه الله: لا وجه لتضعيف قول أصبغ. وهو صحيح، بين [على] (¬7) ما فسرناه. وقوله: "وأما الدور والأرضون والجنات، فإن كانوا اقتسموا كل دار على حدة، ولم يجمعوها في القسم، فأعطى كل إنسان حقه في موضع واحد، فأرى أن تنقض القسمة (¬8) حتى يجمع له حقه في كل دار، وأرض، وجنان. كما يجمع (¬9) لهم. وكذلك لو اقتسموا الدور، فلم يقطع لكل إنسان نصيبه في كل دار، ولكن جمع له (¬10)، فإنهم يقتسمون الثانية (¬11) فيجمعون (¬12) نصيبه كما جمع لهم" (¬13)، فمذهب ابن القاسم أنه إنما يتبع كل وارث بما صار إليه من حقه، إن كانت وصية بجزء، وإن كانت بعين، فهو كالغريم يطرأ عليهم. وقال (¬14) أشهب: يكون شريكاً لكل واحد منهم ¬
بقدر حقه، إلا أن تكون هذه الأشياء لو قسمت على اجتماعها جمع له حقه (فيها) (¬1) في شيء واحد، أو اثنين، فيقاسمهم (¬2) وهو (¬3) غير مخالف لقول ابن القاسم على تأويل أصبغ المتقدم، إذا تأمل. وانظر قوله في المسألة الأخرى: "إذا لحق دين أو وصية، والوصية دراهم أو كيل (¬4) من طعام" (¬5). وقوله: إذا أبى (¬6) أحد الورثة فسخ (¬7) القسمة، وأدى (¬8) الدين (¬9)، أن ظاهره انتقاض القسمة ابتداء، لا (¬10) بالتزامه ما ذكر. وقوله في المسألة الأخرى: "إذا ترك دوراً، أو عروضاً، ولم يترك دراهم، ولا دنانير، وجاء موصى له بألف درهم؟، أن القسمة تنتقض إن لم يدفعوا إليه وصيته" (¬11). وفرقُ [ما] (¬12) بين هذه الأجوبة، (أن هذا الموصى له) (¬13) بمعين (¬14)، أو عدد، كطرو المديان على الورثة، أو على موصى (له) (¬15) لأن هذه الوصية بمعين (¬16)، وشيء مخصوص (¬17) بعدد، أو كيل، ¬
بخلاف الجزء، فهما مختلفان. وإن الموصى له بالثلث، وجزء معلوم كطرو (¬1) وارث على وارث أو غريم على غريم. وقال (¬2) ابن حبيب: الموصى له بجزء معين (¬3) بمنزلة لحوق (¬4) الدين (¬5). ومثله في كتاب محمد (¬6). ومذهب ابن القاسم في مسألة لحوق دين (¬7)، أو وصية بمعين (¬8) على تركة (¬9)، وقد اقتسم (¬10) الورثة جميعها، إذا قال واحد منهم (¬11) لا أنقض القسمة، وأنا أؤدي (¬12) جميع الدين، أو الوصية (¬13)، ولا أبيعكم (¬14) لاغتباطه بحظه (¬15)، أن ذلك له، ولا تنتقض القسمة. وكذلك (¬16) قال: إذا تطوع جميعهم بإخراج (¬17) المال من عندهم (¬18)، فهذا كله يدل أن ابن القاسم يرى أن تنتقض (¬19) ........................................ ¬
القسمة عنده (¬1)، وهو قوله في أكثر مسائله (¬2) أن نقضها وإمضاءها حق للورثة، أو لمن له في نقضها حق. ومرة قال: إنها (¬3) تنتقض بين من بقي حظه في يده (¬4) أو شيء منه، أو استهلكه، (أو شيء منه) (¬5) دون من هلك بيده بأمر من الله (¬6) فلا يرجع (¬7) عليه بشيء من الدين، والوصية. ولا يرجع هو على سائر الورثة فيما بقي من التركة (¬8) بعد تأدية الدين (¬9)، كما وقع في غير رواية يحيى في المدونة. ونقله أبو محمد في مختصره. وروى أشهب عن مالك أن القسمة منتقضة، لحق الله (¬10) بكل حال. وعند ابن حبيب أن القسمة تنتقض (¬11) بين (¬12) جميعهم (¬13)، لحقوقهم (¬14) إلا أن لمن شاء أن يفك نصيبه بما ينوبه من الدين، إلا أن يكون ما بيد بقية الورثة أو أحدهم تلف (بأمر) (¬15) من الله (تعالى) (¬16)، فليس له إلا أن يشركهم في ضمانه. وقال أشهب، وسحنون: لا تنتقض القسمة جملة (¬17)، ويُفَضّ ذلك على ما بأيديهم (¬18)، على خلاف بينهما في صفة الفض، فسحنون يقول: ذلك على ¬
قيمة ما يوجد بأيديهم يوم الحكم (¬1)، لا على قدر مواريثهم، فيجمع كل ذلك، فما وجب على كل واحد أخذ (¬2) من يده بمقداره، فبيع (¬3) للدين. وأشهب يقول (¬4): يفض على الأجزاء التي (¬5) اقتسموا عليها، زادت (¬6) قيمتها، أو نقصت، ما كانت قائمة لم تتلف. ولو كان الطارئ غريماً (¬7) على غرماء، أو وارثاً (¬8) على وارث، أو موصى له على موص، فهم سواء. فإن كانت التركة عيناً، أو مكيلاً، أو موزوناً، لم يختلفوا أن الطارئ إنما يتبع كل واحد بما ينوبه عنده خاصة، ولا تنتقض القسمة (¬9). وإن كان ذلك عروضاً مختلفة، (أو حيواناً مختلفاً، أو ما لا يخرج للطارئ في سهمه مع كل واحد ما كان يجب له في القسم (¬10) في الجملة، انتقض (¬11) القسم (¬12)، قولاً واحداً) (¬13). وإن كان من العروض المتشابهة (¬14)، التي يخرج له في حقه (قبل) (¬15) كل واحد منهما مفرداً (¬16)، وغير مشترك، فاختلف، هل تنتقض (¬17) (القسمة) (¬18) أم لا؟ على اختلاف ¬_______ (¬1) النوادر: 11/ 248. (¬2) كذا في ع وز، وفي ح: أخذه. (¬3) كذا في ز، وفي ق: فيبيع. (¬4) كذا في ع وز، وفي ح: وقول أشهب. (¬5) كذا في ع وز، وفي ح: الذين. (¬6) كذا في ع وز، وفي ح: زاد. (¬7) كذا في ع وز، وفي ق: عديماً، وفي ح: غريم. (¬8) كذا في ع وز، وفي ح: وارث. (¬9) انظر النوادر: 11/ 252 - 253. المقدمات: 3/ 104. (¬10) كذا في ع وز، وفي ق: القسمة. (¬11) في ز: أينقض. (¬12) المقدمات: 3/ 104 - 105. (¬13) سقط من ح. (¬14) كذا في ع وز، وفي ح: المختلفة المتشابهة. (¬15) كذا في ع وز، وفي ق: مثل، وهو ساقط من ح. (¬16) كذا في ع وز، وفي ح: مفرد. (¬17) كذا في ع وح، وفي ز: ينتقض. (¬18) سقط من ع وز وح.
(قول) (¬1) أصبغ، وغيره، في المسألة المتقدمة. ومسألة " [الفص و] (¬2) اللؤلؤة، والخشبة، والجذع، والنخلة، والمصراعين، والخفين، والثوب والبرانيس (¬3) " (¬4) وما ذكر هناك مختلف في قسمه، والتراضي به، فما (¬5) فيه فساد [تام] (¬6) دون منفعة ظاهرة، وما ضرره أغلب من منفعته، إن كانت فيه إذا قسم لم يتركوا جملة للقسمة كقسمة (¬7) اللؤلؤة، والنخلة النابتة (¬8) المثمرة التي لا كبير لخشبها، والدابة (التي) (¬9) لا تراد للأكل غالباً، ولا ضرورة إلى أكلها حينئذ، لأن قسمة مثل هذا من الفساد، وإضاعة المال (¬10). وأما ما فيه منفعة بعد قطعه ظاهرة، وإن بخست (¬11) من ثمنه صحيحاً مما لا يجب قسمه، وليس فيه فساد كبير (¬12) كقسم (¬13) الثوب، والجذع، والنخلة الساقطة، أو غير المثمرة، فيجوز (¬14) بالتراضي على كل حال. ويختلف (¬15) فيما ينقص (¬16) القسم من ثمنه كثيراً، كالياقوتة الكبيرة، والجمل النجيب، يقسم لحماً. وقوله في الكتاب: "تقسم البغال على حدة، والحمير على حدة، ¬
والخيل والبراذين صنف على حدة" (¬1). كذا روايتي. وكذا في أصول شيوخي (¬2). وفي أكثر النسخ (¬3). وعليه اختصر أكثر المختصرين. [130] ووقع في بعض الروايات: الخيل على حدة، والبراذين على حدة، وعلى هذا اختصرها بعضهم، واختصرها آخرون: البغال والحمير صنف يجمعان في القسمة (¬4). وقد اعترض بعضهم على الرواية الأولى، والثانية، من جعله البغال، والحمير (¬5)، صنفين. وقد جعلهما (¬6) في السلم (صنفاً) (¬7) واحداً. وخرج بعضهم من قوله هنا (¬8) مثل ما لابن حبيب (¬9)، أنهما صنفان. ومسألة ملتقط اللقيط، وقوله: "أنه (¬10) يقاسم له" (¬11). وفي كتاب ¬
الشفعة: "يجوز (له) (¬1) ما تصدق به غيره عليه" (¬2). واختلف فيما تصدق به هو عليه. ففي العتبية جوازه. وقال هنا في العم (¬3): أنه لا يقاسم على ابن أخيه، وكذلك قال في الأم، إلا أن تكون وصية (¬4). فذهب سحنون إلى أنه خلاف. وقال في هذه: هذا (¬5) الأصل ومسألة اللقيط لا شيء (¬6). وروى ابن غانم (عن مالك) (¬7) في الأخ أنه يبيع (¬8) على إخوته الأيتام (¬9). وقال أشهب: إذا ولي الأخ، أو العم، مثل ما ولي الملتقط لقيطه فيبيع (¬10) له، ويبتاع، فعلى هذا لا يكون (¬11) [بين] (¬12) (هذه) (¬13) المسائل (¬14) اختلاف (¬15)، والجواب فيها واحد، إذا (¬16) كانا بصفة واحدة من (وجود) (¬17) الحضانة وعدمها (¬18). مسألة (¬19) وجود العيب، والاستحقاق ببعض الأنصباء، جاءت له في ¬
هذا الباب (¬1) ألفاظ مشكلة، وأجوبة (¬2) مختلفة، ومقالات مطلقة، اضطرب بسببها تأويل الشيوخ، ومذاهبهم (¬3)، في تحقيق مذهبه في ذلك، فمنهم من ردها (كلها) (¬4) على (¬5) المعلوم من مذهبه، وتأولها على معروف قوله. ومنهم من جعلها أقاويل (¬6) له مختلفة، ومذاهب مفترقة (¬7). (ومنهم من جعل ما اختلف فيها (¬8) لاختلاف الأسولة) (¬9)، ومنهم من جعل ما خالف (¬10) مشهور قوله منها أغلاطاً، وأوهاماً. حتى حكي أن محمد بن أحمد العتبي (قال) (¬11): في كتاب القسمة أوراق (¬12) خطأ. وعلم (¬13) عليها في كتابه. ومنهم من قال: إن بعض الأجوبة على غير قول ابن القاسم، من كلام عبد الملك. قال (¬14) (بعضهم) (¬15): وهذا أضعف التأويلات. لأن (في) (¬16) كتاب القسمة خلط (¬17)، لم يدونه سحنون. ولا عمل فيه شيئاً (¬18). فهو على أصل أسولة (¬19) أسد بن الفرات. وإنما إصلاح سحنون، وتتميمه، ¬
(وزيادته) (¬1)، فيما دون منها. فال القاضي رحمه الله: قد وجدنا سحنون رحمه الله، أصلح شيئاً من مسائل المختلطة، مما (¬2) رأى فيه الغلط في (¬3) الأسدية، قد ذكرنا منها أشياء في مواضعها، من كتاب الشفعة، وغيرها، ومنهم من قال: مذهبه في الاستحقاق، والعيب في القسمة، بخلاف مذهبه في البيع، لا ينقض (¬4) به في القسم، وينقض (¬5) [به] (¬6) في البيع. فمن ذلك أولاً: مسألة العبدين (¬7) إذا اقتسماهما، وأخذ (¬8) كل واحد منهما واحداً، فاستحق (¬9) نصف أحد العبدين. قال: يرجع صاحبه على الآخر بربع العبد الذي في يديه، أو بقيمته إن كان فائتاً، لأنه ثمن لما استحق من العبد الذي في يديك من نصيب صاحبك لأنه كان لكل واحد منكما، من كل عبد نصفه، قبل القسمة، فلما استحق النصف قسم هذا الاستحقاق على النصف الذي كان لك، وعلى النصف الذي اشتريت من صاحبك (¬10)، فيكون نصف النصف الذي استحق من نصيبك، ونصف النصف من نصيب صاحبك فيها وهو الربع، وهو الذي يرجع به على صاحبه، [على ما بينه في الكتاب، فلم تفسخ هذه القسمة، والمستحق منها نصف ما تعاوضا به] (¬11) وهو كثير على أصله (¬12). قال بعض الشيوخ إنما قال ذلك، ومذهبه في استحقاق النصف بعد ¬
هذا فَسْخ القسمة به، والبيع، أنه لما كان المردود هنا الربع رآه (¬1) من جملة صفقة القسمة قليلاً، وبنى جوابه على هذا، وبالحقيقة، إنما الربع هنا نصف (¬2) من المعاوضة، على ما تقدم، إذ إنما عاوض نصفاً بنصف (¬3)، واستحق (¬4) من نصف المعاوضة نصفه، وهو الربع. واستدلوا على تأويلهم هذا بقوله بعد هذا باحتجاجه (¬5) في المسألة: فلما قاسم صاحبه فأخذ كل واحد منهما إلى نصف (¬6) [عبده] (¬7) نصف عبد صاحبه، فاستحق من نصف (¬8) [صاحبه] (¬9) ربعه، لم يكن له أن يرد نصف صاحبه كله، ولكن (¬10) يرجع (به) (¬11) بذلك الربع الذي استحق منه في العبد الذي صار لصاحبه، إن كان لم يفت. كذا الرواية (¬12) في جميع النسخ. قالوا: فقوله: من نصف صاحبه ربعه (¬13)، وهم. وصوابه: من نصف صاحبه نصفه (¬14) وهكذا ذكرها العتبي. والشيخ ابن لبابة. وغيرهما. وهكذا تصح (¬15). ¬
قالوا: فإيهام (¬1) قوله ربعه (¬2) يخيل (¬3) كون الربع من الجملة قليلاً، فلم يفسخ القسمة، كما لا يَفْسَخُها في البيع (¬4) إذا استحق [نصف] (¬5) أحد الثوبين المتكافئين، وحقيقة الأمر هنا إنما استحق نصف المشتري الذي هو نصف العبد المعاوض به، فلما اشتبه (¬6) [بهذا] (¬7) دخله (¬8) الوهم. وقال ابن لبابة الأصغر وغيره: لا خَلَلَ في هذا ولا وهم. وقوله: ربعه، عائد على جميع العبد، لا على نصفه، وإنما يرجع بقدر نصف المستحق منه. والنصف عنده في حيز القليل. ألا ترى (¬9) كيف قال: اشترى أحدهما لصاحبه بذلك النصف حين اشترى، لم يشتر الربع الذي استحق للربع الآخر الذي لم يستحق. وقال في الكتاب في المسألة الأخرى قبلها، في الرجل يبتاع العبد فيبيع نصفه، ويستحق (¬10) ربعه: يخير المبتاع [الثاني] (¬11) [بين] (¬12) أن يرد إن شاء ويرجع المشتري الأول على بائعه بما استحق عليه مما اشترى. وهو ثمن العبد لأن الربع المستحق منهما جميعاً، ويرجع المشتري الأول على بائعه (¬13) أيضاً، ويكون مخيراً، فجعلهما هنا (يؤجلان) (¬14) وكل واحد منهما إنما استحق الأول مما في ¬
يديه، لأن المشتري الثاني إنما استحق منه الثمن، والأول كذلك، إن لم يرجع عليه، أو الربع إن رد (¬1) عليه فهو خلاف قوله (¬2) أولاً، هنا. على أصله في استحقاق العبيد أنه مخير إن شاء رد من اليسير للضرر فيهم (¬3). وكذلك [131] /؛ قوله في المسألة التي بعدها: إذا اشترى نصف عبد فوجد به عيباً فرضيه (¬4)، وقد فرق في هذا الكتاب بين استحقاق القليل من العبد المشترى، أن له الرد بضرر الشركة فيهما، وبين مسألة القسمة. وذكر أنه إن رد في القسمة فإنما (¬5) يرجع إلى الشركة، فأشار بعضهم إلى أنه اختلاف من قوله أيضاً لما ذكر في الكتاب في مسألة العبدين، الأولى إذ لم يجعل له الرد. وقال آخرون: بل فرق في الجوابين، لأنه في مسألة العبدين، إنما الشركة بين المتقاسمين في كل وجه، وفي مسألة مشتري النصف معهم شريك ثالث، وهو البائع الأول، فزاد به ضرر الشركة، وقسمة خدمة العبدين ثلاث (¬6) وهذا غير بين، لأنه [قد] (¬7) جعل الرد للمشتري الأول على بائعه، و [هو] (¬8) قد كان شريكاً مع الثاني قبل أن يدخل معهم الأول المستحق. وقيل: بل ذلك لتزايد الضرر، لأنه استحق منه نصف صفقته، وهو كثير، كطعام استحق نصفه، بخلاف العبدين، وهذا (¬9) غلط أيضاً. لأن مشتري النصف، واستحق النصف إنما عليه من الربع (¬10) نصفه، ¬
فإنما (¬1) استحق منه ربع صفقته، كمسألة العبدين. وأما مسألة الدار، أو الدارين، أو الدور، يستحق من ذلك بعضها، فلم يختلف قوله، أنه (¬2) متى استحق من ذلك اليسير الذي لا ضرر فيه، أنه يرجع بما يصيبه من الثمن (¬3) [منه] (¬4) على صاحبه، (من) (¬5) دنانير، أو دراهم، لا فيما بيده، إلا على ما ذكره فضل، أنه يرجع شريكاً في اليسير، ولم يختلف قوله أنه (¬6) لا تنتقض القسمة، ولم يفرق ابن القاسم في ذلك، بين قسمة السهام (¬7) وغيرها. واختلف لفظه في صفة الرجوع، فمرة قال: يرجع بقيمة نصف ما استحق من يده (¬8) على صاحبه (¬9)، ومرة قال: يأخذ من صاحبه قيمة نصف (¬10)، مثل [ذلك (¬11)] (¬12) الجزء مما بيده، وهذا أعدل، وأصل مذهبه. وأما أشهب: فيراه في العيب (¬13) يرجع باليسير فيما بيده شريكاً. وأما ابن الماجشون: فذكر فيه (¬14) أن قسمة السهام تنتقض باستحقاق اليسير، ¬
ونحوه لمحمد، حيث قال: إنها (¬1) تنتقض (¬2) إذا استحق من يد أحدهما شيء ولم يفرق (¬3)، وأما إن استحق الجل، والأكثر، فإنه يرد بقيته. ولم يختلف قوله في هذا، لكنه قال مرة: المشتري [بالخيار] (¬4) إن شاء رد ما بقي في يده (¬5)، (¬6) وإن شاء حبسه بما يصيبه (¬7) من الثمن. فقيل: هو (على) (¬8) خلاف أصله في كتاب الاستحقاق. وفي (كتاب) (¬9) العيوب اختلاف أيضاً في الرضى (¬10) بما ثمنه مجهول. ومثل ما له [هنا] (¬11) في كتاب الشفعة. إلا أن يكون الجل المستحق على الأجزاء شائعاً، فيجوز رضاه [به] (¬12) بغير (¬13) خلاف. فإن حمل على هذا كان وفاقا، لكن الخلاف فيه معلوم. وقد ذكرناه في الشفعة. أو يتأول أن رضاه بعد معرفته بقيمته، وأما إن استحق من الدار الواحدة، أو الدارين، أو الدور الكثيرة (¬14) (أو) (¬15) ما فيه ضرر، وليس بالجل، ففيه اضطربت أجوبته. فقال: "في دار اقتسماها فأخذ أحدهما ربعها من مقدمها، والآخر ثلاثة أرباعها من مؤخرها، واستحق (¬16) من صاحب ¬
الربع نصف ما في يديه (¬1) [أنه] (¬2) يرجع على الذي أخذ ثلاثة أرباع الدار بقيمة ربع ما في يديه" (¬3). كذا في أصول شيوخنا. وروايتنا. وتم الجواب فيها. وعليه اختصر أكثرهم. وفي بعض النسخ، وهي رواية [ابن] (¬4) الشيخ عن وهب (¬5) بن مسرة (¬6) (¬7)، يرجع بربع ما في يديه، إلا أن يكون فات، فيكون عليه قيمة ربع ما في يديه، ثم ذكر في الكتاب أنه إذا كان الاستحقاق نصف ما بيد صاحب الثلاثة الأرباع، فعلى هذا يحمل (¬8). قال: وهو مثل قول مالك في البيوع. قيل: يريد مسألة العبدين المتكافئين، ومثلها مما لا ينقض (¬9) به البيع باستحقاق النصف، فهذا من قوله بيان أنه لا يرد من استحقاق النصف ولا يفسخ به القَسْم، وأنه في حيز اليسير، وأنه إنما يأخذ عوض ما استحق من يده (¬10) دنانير، أو دراهم، على الرواية الواحدة. ولا يكون معه فيها شريكاً، أو يكون معه فيها (¬11) شريكاً على الرواية (الأخرى) (¬12) كما تقدم في مسألة العبدين. ثم قال بإثر المسألة: ¬
"ولا تنتقض القسمة بينهما، إذا كان ما استحق تافهاً يسيراً" (¬1). زاد في موضع آخر: "لا ضرر فيه" (¬2) وإن كان جل ما بيده (¬3). فالقسمة تنتقض، ويقاسم (¬4) ثانية. ومضى في الكلام على المسألة، إلى قوله حين سأله عن الكثير الذي تنتقض (¬5) القسمة باستحقاقه، فقال: قال مالك: "إنه يرد البيع من استحقاق النصف" (¬6). وقال ابن القاسم: "إنه يرد باستحقاق الثلث. وأراه كثيراً" (¬7). فحمله بعضهم على رجوعه إلى ما تقدم من (أن) (¬8) النصف حد اليسير. وقيل: بل يحمل على ما تقدم (في مسألة) (¬9) الربع، والثلاثة الأرباع (¬10) التي جعل النصف فيها لا ترد (¬11) به. ثم مضى (¬12) في تعليل المسألة، وأحمل كلامه فيها. وجاء بعد بكلام آخر استأنفه بقوله: فإذا استحق من الدار التافه (¬13) الذي لا يضر إلى آخر المسألة (¬14). وهو على مذهبه الآخر في أن النصف، والثلث، في حيز الكثير. لأنه عطفه على ¬
المسألة الأولى، وشبهها به، فكان يكون تناقضاً في جواب واحد على هذا كله، كما قاله بعضهم. وقيل: [إنه] (¬1) إنما جعل النصف والثلث هنا كثيراً في مسألة البيع. وتكلم في (¬2) الاستحقاق على اليسير، والجل. وسكت عماً (¬3) بين ذلك. ثم قال بعد هذا بيسير: وانظر أبداً لما (¬4) استحق، فإن كان كثيراً، كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك فيها في يد (¬5) صاحبه، يكون به شريكاً، فيما في يديه، إذا لم يفت. وإن كان تافهاً رجع بنصف قيمته، دنانير، أو دراهم. ولا يكون (به) (¬6) شريكاً (¬7). وهذا [132] مثل (¬8) إحدى الروايتين (المتقدمتين) (¬9) في النصف. لكنه هنا قد قال: إن كان كثيراً ولم يفصل، فقد تأولوه بأن (¬10) كان الجل. قال (¬11) أحمد بن خالد: وهذا يدل أنه يرجع بربعه عيناً، كما قال سحنون. ثم قال: إذا بنى، واستحق نصف نصيبه، أو نصف نصيب الذي لم يبن، فذلك فوت. ويقتسمان القيمة إذا كان الذي استحق كثيراً، وإن (¬12) كان قليلاً ربعاً رجع بقيمة ثمن نصيب صاحبه، ولا يرجع بذلك في الدار، كانت قائمة، أو فائتة. كذا [في] (¬13) روايتي عن ابن عتاب، وغيره. وكذا في ¬
أصولهم، وهي رواية ابن وضاح، وابن باز، وفي رواية ابن لبابة: ولكن يرجع [عليه] (¬1) بقيمة نصف ما استحق من يده، ولا يرجع بذلك في الدار. فظاهره على رواية الجماعة، أن النصف هنا [أيضاً] (¬2) كثير، تنتقض (¬3) به القسمة، وكذلك نص في استحقاق خفسين إرْدباً من مائة، أنها كثير يوجب (¬4) الرد في البيع. ثم قال: "والعبيد والدور بمنزلة واحدة. إذا استحق جل ما بيده رُدَّ الجميع. وإن استحق الأقل لم يرد إلا ما استحق وحده بما يقع عليه من الثمن، فالقسمة إذا استحق من يد أحدهما جل نصيبه رجع بقدر (نصف) (¬5) نصيبه ذلك (¬6). فيشارك (¬7) به (¬8) صاحبه، وإن كان الذي استحق تافهاً يسيراً رجع بنصف قيمة ذلك" (¬9). قال: وهذا قول مالك، وتفسيره فبدأ (¬10) بمسألة البيع، ألا تراه ذكر الثمن (¬11)، وعطف عليها ذكر القسْمة، وخالف بينهما في الجواب، ولم يجعله في هذا القول (¬12)، يفسخ القسمة في الجل، وانما جعله يرجع شريكاً بخلاف البيع، وهو (¬13) قول ثالث له. ويشبه قوله في المسألة المتقدمة (¬14)، في قسمة الدار على ربع، وثلاثة أرباع. وفي مسألة العبدين. وقد يفرق بهذا ¬
من يفرق بين البيع، والقسمة. وغيره يجعل البيع في كل هذا، والقسمة سواء. وقد قال أيضاً في مشتري الدارين: إن كان الذي استحق جل الدار، وله فيها (¬1) القدر كان المشتري [بالخيار] (¬2) إن أحب أن يرد فذلك له (¬3). وذكر مسألة الشياه (¬4) إذا وقع لأحدهما خمسة بالقيمة (¬5)، فاستحقت شاة منها (¬6)، فإن كانت قدر نصف ما بيده رجع على أخيه بربع ما في يديه (¬7)، إن لم يتغير (¬8)، وإن تغير رجع بربع قيمة ذلك. فهذا أيضاً على قوله بالشركة في استحقاق النصف، وترك الفسخ. هذه رواية أبي محمد. وعليه اختصر. وكذا في نسخ، وهي رواية وهب بن ميسرة، [وأما الذي في روايتنا وأصولنا وأصول شيوخنا، فإن كانت خمس ما في يديه رجع على أخيه بنصف قيمة خمس (¬9) ما (بقي) (¬10)] (¬11) في يديه (¬12). وكذا في كتاب ابن عتاب وابن المرابط، وعليه اختصر ابن أبي زمنين. ورجحها. ونبه على اختلاف الرواية فيها. وهي رواية يحيى بن عمر. وعلى أصل المذهب المشهور. وقال في مسألة العشرين من الدور: "إن كانت التي استحقت جل ما في يديه، أو أكثر (¬13) هذه الدور [ثمناً] (¬14)، ......................... ¬
فسخت (هذه) (¬1) القسمة (¬2). وإن لم تكن كذلك ردها وحدها، ورجع (¬3) على شريكه بحصتها من نصيبه" (¬4). ثم ذكر الدار الواحدة، والعبد في احتجاجه في التفريق بينهما، وبين الدور الكثيرة. فقال: لأن الدار الواحدة بمنزلة العبد الواحد يشترى فيستحق (¬5) نصفه، فله أن يرد جميعه، فإذا (¬6) كانت دوراً (¬7) كثيرة، فإنما تحمل (¬8) محمل البيع والشراء، إذا استحق بعضه دون بعض (¬9). فظاهره أن استحقاق (¬10) النصف فيها لا ينقض (¬11) به القسم. لقوله هذا. ولقوله أولاً: الجل، أو أكثر الدور، وأنه يرد باستحقاق نصف الدار الواحدة. قال بعضهم: جعل الدار هنا كالعبد، وجاء في بعض الروايات بإثرها: إلا أن يكون ما استحق من هذه الدار لا مضرة فيه على ما بقي، فيكون (¬12) مثل (¬13) الدور، وليست هذه الزيادة في روايتنا عن ابن عتاب. ولم تكن في كتابه. وثبتت في كتاب ابن المرابط، للدباغ. وفي كتاب ابن سهل، لابن لبابة. وسقطت من رواية ابن وضاح، وابن باز. فإن (¬14) رددنا هذا الاستثناء على مسألة النصف روعي فيه في الدار الواحدة الضرر. والأشبه أنها راجعة ¬
إلى أصل المسألة كلها، في مراعاة ضرر الدار الواحدة، على ما تقدم في كتاب الشفعة مبيناً. وجاء بعد هذا أيضاً، وفرق بعضهم بين الدار، والدارين، في هذا في مراعاة الضرر في النصف، والرد به، وبين الدور الكثيرة (¬1)، فلم يراعوا في الدور الكثيرة [في] (¬2) فسخ الكراء إلا الجل. وقالوا (¬3): إنه مذهب الكتاب. وإليه ذهب ابن لبابة في منتخبه. وذهب بعضهم إلى التسوية بين الدار، والدور، في اختلاف قوله. وهو ظاهر ما عند ابن أبي زمنين. وقال أبو عمران في الكتاب [قولان] (¬4) في استحقاق اليسير. فمرة قال: لا وهو الأكثر. أنه يُرْجَع بقيمة ما يقابله مما بيد صاحبه. ومرة رآه شريكاً (¬5) بذلك. قال: ويؤخذ من مسألة العبدين، ومسألة الغنم، على رواية يحيى بن عمر. قال القاضي رحمه الله: فانظر هذا كله، وأنعم (¬6) النظر فيه، فقد جمعنا مختلف ألفاظه، والروايات عنه في الكتاب، فقد جعل (¬7) في مسألة الغنم على هذه الرواية شريكاً (¬8) في القيام، أو الرجوع بمقدار ذلك، مما في يده قيمة، وعلى ما لابن لبابة، وروايته في آخر مسألة الذي (بنى) (¬9) في نصيبه فاستحق في المسألة المتقدمة، إنه (¬10) إنما يرجع في اليسير بنصف قيمة ما استحق من يده (¬11)، وليس (هذا) (¬12) هو الجاري على أصله وهو ¬
خلاف ما في رواية ابن وضاح، وغيره في المسألة قبل هذه (¬1). وفي مسألة العبدين أنه يرجع بقيمة ربع ما بيد صاحبه، وفي مسألة الدار التي أخذ أحدهم ربعها والثاني ثلاثة أرباعها. وقوله: فإن (¬2) كان المستحق عشراً أخذ من يد (¬3) صاحبه قيمة عشر ما بيد (¬4) صاحبه (¬5). وأصل قوله في ذلك أنه إنما يرجع بقيمة نصف مثل ذلك الجزء المستحق منه مما بيد صاحبه (¬6) لا بنصف قيمة الجزء من نصيبه، أنه [قد] (¬7) تكون (¬8) مقاسمتهما على مراضاة، ومغابنة (¬9). [133] وقال في مسألة العيب (¬10) يوجد؛ فيما قسم إن كان الذي وجد به العيب أقل [من] (¬11) (ذلك، فأن (¬12)) (¬13) كان السبع، أو الثمن، رجع إلى قيمة ما بيد أصحابه (¬14)، وأخذ منهم (¬15) قيمة نصف سبع ذلك، أو نصف ثمنه ذهباً، أو ورقاً، ولم يرجع في شيء مما بأيديهم (¬16). وهذا نحوما تقدم. ¬
قال القاضي رحمه الله: فبحسب (¬1) اختلاف هذه الألفاظ، والأجوبة في هذه المسائل ما اختلف فيه (¬2) المتأولون (¬3)، وحار فيه المتأملون، وكثر فيها كلام المدققين، وتعارضت فيها مذاهب المحققين، فذهب مشايخ القرويين (¬4) [إلى] (¬5) أن ذلك كله تفريق بين البيع، (والقسمة. فمذهبه المعلوم في البيع أن الثلث فزائدا (¬6) كثير، يرد منه، وأن القسمة على ثلاث درجات، تستوي (¬7) فيها مع البيع، في) (¬8) اليسير الذي لا يرد منه، وذلك الربع فما دونه، وفي الجل الذي يرد منه البيع، ويفسخ القسم، ويفترقان (¬9) في النصف، والثلث، ونحوهما. فلا يفسخ عندهم في استحقاق النصف، أو الثلث (¬10)، ويكون بذلك شريكاً فيما بيد صاحبه. لكن (¬11) ينتقض قول هذا (بقوله) (¬12) في مسألة الدار التي أخذ أحدهم ربعها على رواية الأكثر، (أنه) (¬13) إذا استحق نصف ما بيده أنه يرجع بقيمة ربع ما بيد صاحبه، وقد استحق من يده النصف مما أخذ، ولم يجعله شريكاً ولا أوجب له به الرد، وعلى الرواية الأخرى: يكون شريكاً بربع ما بيده، يستقيم (¬14) كلام هؤلاء، ولعلها روايتهم، لكن يبقى عليهم (¬15) اعتراض بقوله بالمشاركة في ¬
استحقاق (¬1) الجل على ما جاء له (¬2) في بعض كلامه مما نبهنا عليه قبل، إلا أن يتأول أن النصف عنده بمعنى الجل. وقال ابن لبابة: إنما اختلفت ألفاظه في ذلك لاختلاف أقواله، فله في المسألة ثلاثة أقوال: خلطت في المختلطة، ولم (¬3) تفصل (¬4) فأشكل الأمر فيها، وظن أنها قول واحد، فمرة (قال) (¬5) ينتقض (¬6) (القسم) (¬7) من النصف، والجل. ومما (¬8) هو كثير يزيد على الثلث، ونحوه. وهو على أصله في مسائله المعلومة التي (¬9) شبهها بالبيع (¬10)، وعلى ما قاله في احتجاجه به (¬11). (ومرة قال: لشريكه بنصف الجزء المستحق مما في يديه، وإن كان أقل) (¬12) أن يكون المستحق قليلاً على ما تقدم، وذلك قوله المتقدم، "فإذا استحق من أحدهما (¬13) جل نصيبه رجع بقدر نصف نصيبه ذلك، فشارك (¬14) به" (¬15). وقوله أيضاً، "وانظر أبداً إلى ما استحق" (¬16) إلى آخر كلامه [الذي نقلناه ¬
قبله، ونصه بقوله: "يكون شريكاً فيما بيد صاحبه (¬1) " (¬2) على (¬3) مسألة العبدين وإحدى الروايتين في] (¬4) الذي أخذ من الدار ربعها على ما قصصناه من ذلك كله. وقوله: ينتقض من الجل، ولا ينتقض من النصف، ولا مما هو كثير، يريد مما هو كثير، يريد مما (هو) (¬5) دونه، ويرجع بما (¬6) يجب (¬7) ثمناً (¬8). وهذا على قوله في رواية الجماعة، في الذي أخذ ربع دار فاستحق نصفها، أنه (¬9) يرجع بقيمة ربع ما في يد صاحبه، وكذلك تأول ابن لبابة مذهبه في مسألة "العشرين داراً تستحق (¬10) منها دار (¬11) " (¬12)، فقال (¬13): إن كان جل ما بيده، أو أكثر (¬14) الدور ردت القسمة كلها. وإن كانت ليست كذلك ردها (¬15)، ورجع (¬16) على شريكه بحصتها ثمناً (¬17). وتفريقه بينهما، وبين الدار المفردة في ردها من النصف. ¬
قال القاضي أبو الفضل (¬1) والذي عندي أن [هذا] (¬2) كان يحتمل مذهبه لو لم يكن بعد هذا ما يفسره من قوله في تفسير ذلك، "فإن كانت عشراً، أو ثمناً، أو تسعاً" (¬3)، فقد (¬4) بين أنه إنما يرجع عليه بالقيمة في اليسير، وإن (¬5) كان الظاهر أولاً يحتمل ما قاله، وزعم أنه لم يختلف قوله في الدور الكثيرة أنه لا ينتقض (¬6) إلا من الجل، وإنما يرجع فيما دونه بما يصيبه من الثمن (¬7) [كان] (¬8) قائماً، أو فائتاً. وقال آخرون: مذهبه في الكتاب أن القسمة لا تنتقض إلا أن يستحق الجل من النصيب (¬9)، أو ما فيه الضرر. وإلى هذا نحا ابن أبي زيد، وابن أبي زمنين، وغيرهما. بخلاف مذهبه في البيع. ومذهب ابن أبي سلمة في القسمة على اختلاف الرواية في العتبية. هل هو عبد الملك؟ أو أبوه عبد العزيز أن قسمة القرعة تنتقض في القليل، والكثير، والقيام، والفوات. كما قدمناه. وتأولوا ما خالف هذا الأصل أن القسم خلاف البيوع في استحقاق نصف الدار، أو نصف العبد، (إذ) (¬10) إلى ضرر الشركة (يرجعان) (¬11)، إن فسخنا (¬12) بينهما. وأن "مسألة الغنم" (¬13) إنما أرجعه في غنم صاحبه على ¬
روايته هو (¬1)، لأن غنم صاحبه تحتمل (¬2) القسم بلا ضرر (¬3)، فصارت (¬4) كالمكيل، والموزون. وقال فضل بن سلمة: اختلف قول ابن القاسم في ذلك على ثلاثة أقوال: فمرة قال: إن كان المستحق يسيراً رجع بنصف ذلك الجزء، فيما بيد شريكه ذهباً. وإن كان كثيراً رجع بقدره شريكاً. وهذا مثل أحد الأقوال التي ذكرها ابن لبابة. قال فضل: ومرة قال: إن كان كثيراً انتقضت القسمة كلها، وفي اليسير كما تقدم. قال القاضي رحمه الله: وهذا مشهور مذهبه. ومرة قال: تنتقض (¬5) في الكثير، ويرجع في اليسير شريكاً، وهذا لم يفصله. كذا لابن (¬6) لبابة، ولا تجده مجموعاً في الكتاب في جوابه في مسألة من تلك المسائل إلا على اختلاف قوله (¬7) في استحقاق اليسير مفرداً من ذكر الكثير كما قدمناه مما (¬8) قاله أبو عمران، (وغيره) (¬9)، ونصصناه (¬10) من المسائل التي ذكرنا. وبينا اختلاف الروايات (¬11) فيها قبل، فيأتي على هذا لابن القاسم في الاستحقاق أربعة أقوال. ¬
وقوله في مسألة الاستحقاق: "ردت القسمة إلا أن يفوت ما بيد صاحبه (ببيع، أو هبة، أو حبس، أو صدقة، أو هدم" (¬1). وذكر البناء في موضع آخر. فهذا كله فوت. وعليه لصاحبه) (¬2) [نصف] (¬3) قيمته يوم قبضه (¬4)، وكذلك في البيع (¬5)، فجعل البيع هنا (¬6)، والهدم، وكل ما ذكره (¬7) فوتاً (¬8) في الاستحقاق، والعيب (في القسمة) (¬9). وجعله ضامناً (¬10) كالبيوع، سواء كان الفوت من السماء، أو من سببه (¬11). وكذلك قال [134] في مسألة العبدين إن كان العبد؛ قد فات (¬12) في يد (¬13) صاحبك، كان لك عليه [ربع] (¬14) قيمته يوم قبضه (¬15). وكذلك قال في مسألة الخادمين، من شراء، أو ميراث. فتستحق (¬16) إحداهما (¬17) يرجع على صاحبه في الجارية إلا أن تفوت، فعليه (نصف) (¬18) قيمتها يوم قبضها (¬19)، فهذا كله يدل على أنه ¬
ضامن لما ورثه، وأمر سحنون بطرح لفظة (¬1): أو بيع. وقال: إذا باعوا فعليهم (¬2) الثمن. وبه قال قبل هذا، إذا أصاب عيباً، وفات ما أخذ أصحابه ببيع ردوا (¬3) الثمن. وذكر في مسألة الموصى له بالثلث يستحق ما في يديه (¬4) أنه يأخذ ثلث ما بأيدي (¬5) الورثة، إلا أن (¬6) يفوت ببيع، أو بنيان فيرجع بالقيمة (¬7)، ولم ير الهدم (¬8) فيها فوتاً. وقال: يقال له: خذ ثلثها مهدومة، وثلث نقضها، ولا شيء عليهم في نقض الهدم (¬9)، ففرق هنا بين البناء، والهدم (¬10). [قال سحنون] (¬11): هذا اختلاف من قوله: ومذهب سحنون أن القسمة لا يضمن فيها ما كان بأمر من الله، ولا من سببه من بيع (¬12)، أو هبة، أو عتق (¬13). وإنما يطلب ثمن (¬14) المبيع، وعين العبد، فيشارك (¬15) بما يصيبه فيه إن كان موهوباً (¬16)، وبقيمة ما يجب له من الشقص، يقوم على معتقه إن كان معتقاً. وأشهب يضمنه بكل ما يكون من سببه، ولا يضمنه بما كان من السماء (¬17)، ........................... ¬
(وهو) (¬1) [نحو] (¬2) قول ابن الماجشون. وهذا في طرو (¬3) الاستحقاق. وقال ابن أبي زمنين: جعل ابن القاسم مرة البيع، والهدم، فوتاً في المقسوم. ومرة لم يجعله فوتاً. والأشبه بأصولهم كونه فوتاً. وسحنون لا يرى الهدم، ولا البناء، ولا البيع، فوتاً (¬4). وقوله في أم الولد المستحقة يأخذها، ويأخذ قيمة ولدها، [ثم قال: ليس له أخذها، لكن يأخذ قيمتها وقيمة ولدها] (¬5)، إلا أن يكون في ذلك ضرر (¬6) (¬7). كذا في بعض الروايات، وهي رواية أبي عمران، ورواية الدباغ، وفي رواية ابن وضاح، وابن باز، لأن عليه في ذلك ضرراً (¬8). فهذا بين يريد المستحق منه على ما بينه (¬9) من العار الذي يلحق ولدها، ويلحقها (¬10)، وأما الرواية الأولى فقيل: يرجع على المستحق، وهو أقرب مذكور، وأظهر في الكلام [يريد] (¬11) من صبابته (¬12) بها، وميل إليها، فيكون له أخذها، ويكون أحق بماله، ويراعى ضرره، ويغلب على ضرر عار المستحق منه. وقيل: قد يكون المستحق منه عديما، فإلزامه (¬13) القيمة، ولا يأخذها ¬
مستحقها من أعظم الضرر [به] (¬1)، وكأنه لم يستحق (¬2) شيئاً، ولا وصل باستحقاقه إلى منفعة، ويدل على صحة هذا الوجه أن في الأسدية، وكتاب محمد: إلا أن يكون في إسلامها ضرر. وقيل: بل يعود على المستحق منه، ويرجع الكلام إلى قوله في أول المسألة يأخذها وقيمة ولدها (¬3). فيريد بقوله: إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر (¬4)، أي على الذي هي في يديه من إسلامها لمستحقها ضرر، إما من العار الذي قال، أو من ضمانه لها (¬5) أيضاً، وإليه نحا أشهب، وقد تقدم هذا في الاستحقاق، وجاء مثله في بعض الروايات. وقوله: "إذا (¬6) أذن رب العرصة لرجل أن يبني في عرصته ولم يؤقت، فأراد (¬7) (أن يخرجه) (¬8)، ليس له ذلك إلا أن يدفع إليه ما أنفق" (¬9). كذا في روايتنا عن ابن عتاب، وفي كتاب ابن المرابط قيمة ما أنفق لابن وضاح، وليس للدباغ، ولا لابن باز، وقد ذكر الروايتين أبو محمد بن أبي زيد. (وقد) (¬10) وقع له في كتاب العارية: "قيمة ما أنفق" (¬11). واختلف في ذلك، فقيل: هما قولان. وقيل: بل هما حالان (¬12). فمثل ما أنفق، وقيمته إن (¬13) أخرج ¬
النقض (¬1)، وما بنى به من عند نفسه، وتولى العمل، وإن كان اشترى، أو استأجر (¬2)، فما أنفق. وقيل: [هو] (¬3) مخير (¬4) (في) (¬5) أيهما شاء. وقيل: ما أنفق إن كان بالقرب، واتفاق الأثمان، والأسعار، وقيمته إن طال واختلفت. وانظر قوله: "أذنت له ليبني (¬6) " (¬7) فيها، وأعلمه (¬8) أنه يخرجه إذا شاء، وإن أذن له في البنيان، إذا دفع [إليه] (¬9) ما أنفق (¬10) على مذهبه في الكتاب. ومعنى مسألة الشفعة في الحائط تقدمت في كتاب الشفعة. وقوله في الطريق والحائط: ليس لهما كبير عرصة، فإنهما (¬11) يقسمان (¬12) على ضرر (¬13). كذا (¬14) رواية ابن وضاح، وابن لبابة. وهو الذي في أصلي (¬15) [عن] (¬16) ابن عتاب. وعند ابن باز يقسمان (¬17) على غير ¬
ضرر (¬1). وهو الذي في كتاب ابن المرابط. قال أحمد بن خالد: الرواية الاولى أصح. فال القاضي رحمه الله: رواية ابن باز هي نص قول ابن القاسم في الحائط إن كان لا يدخل في ذلك ضرر. رأيت أن يقسم (¬2) وانظر قوله: ليس لهما (¬3) كبير عرصة. يدلك (¬4) أن أصل ما فيه القسمة هذا. وعلى هذا يأتي (¬5) الاختلاف المتقدم، في (¬6) قسمة العيون، والآبار. وانظر كلام ابن شبلون الذي ذكرناه (¬7) في كتاب الشفعة في تأويل قوله: [الشفعة] (¬8) في الجدار، أن معناه أنه بيع مع شيء من الأرض. وقوله: لا تقسم (¬9) الآبار، ولم أسمع أحدا يقول: إن العيون، والآبار، تقسم، ولا أرى [أن] (¬10) تقسم إلا على الشِّرْب (¬11)، فظاهر المذهب أنه إنما تكلم على الجنس وقسم الواحد، وأن الجماعة منها إذا أمكن قسمتها واعتدلت في القسم قسمت (¬12)، وهو قول سحنون. وتأويله على الكتاب. وقاله (ابن نافع، و) (¬13) ابن حبيب (¬14). وأن الكبيرة (¬15) تقسم ¬
إذا احتملت القسم (¬1). قال ابن حبيب: واعتدلت بخلاف الواحد، وعليه حمل سحنون اختلاف لفظه (¬2) في الشفعة في البئر (¬3) على ما بيناه في الشفعة. وحمل ابن لبابة قوله في المدونة، في منع القسمة (¬4) على العموم في الواحد، والجميع. واستدل بمخالفته للجواب (¬5) في المواجل (¬6). وقوله: أما على قول مالك فيقسم (¬7)، وأما أنا فلا أرى ذلك للضرر، إلا أن يكون لكل واحد منهما ماجل على حدة، فلا بأس به. ثم قال في العيون، والآبار: لا أرى أن تقسم إلا على الشِّرب (¬8). ولم يقل فيها ما قال في المواجل. ولم يفرق بين قليلها، وكثيرها (¬9). قال القاضي رحمه الله: ولا حجة بينة في هذا، لأنه إنما تكلم على ماجل واحد. وهو يمكن إذا كان كثيراً، وقسم أن تصير منه مواجل، ولا يمكن أن تصير العين عيوناً، ولا البئر بياراً (¬10)، فظاهر (¬11) كلامه أنه (¬12) [135] أراد العِين، أو البئر (¬13) الواحدة، وأنه لا؛ يمنع قسمة الكبير (¬14)، كما قال سحنون، ومن معه. وقد قيل: إنما رأى ذلك مالك في ¬
المواجل لأن لها عرصة، ولا كبير عرصة للآبار، والعيون، من الأرض. كما قال في الحائط، والطريق. أو لما (¬1) جاء في الأثر (¬2) أنه لا شفعة في بئر، على من حمله أيضاً على العموم (¬3)، وإن كانت كثيرة، وذلك أن الشفعة فيما ينقسم، فلما لم تجعل فيه شفعة (¬4) دل أنه مما لا بنقسم، وقد أشار إلى هذا بعضهم. لكن هذا غير مُسَلم، ولا (¬5) يطرد. فالمكيل، والموزون، ينقسم باتفاق. ولا شفعة (فيه) (¬6). وقد يكون منعه قسمتها لما ذكره أنه لم يسمع أحداً يقول (¬7): إنها تقسم، فاتبع في ذلك العمل، ومعاضدتة (¬8) ظاهر الأثر. (والله أعلم) (¬9). ومسألة النخلة والزيتونة. وقوله: "إذا اعتدلتا في القسم (¬10)، فتراضيا، قسمتهما بينهما، وإن كرها لم يجبرا (¬11) " (¬12). (حملها) (¬13) بعضهم على قسمة القرعة. لقوله: [إذا] (¬14) اعتدلتا. ومع ذلك فلا يكون (¬15) إلا بتراضيهما على السهم عليهما. قالوا: وهذا نزوع من ابن القاسم إلى مذهب أشهب في جمع (¬16) المصنفين بالسهم على التراضي. وابن القاسم لا ¬
يجيزه (¬1). وقد يكون هذا مثل قوله في جمع الثمار المختلفة. وقد أنكر سحنون المسألتين معاً. وقيل: المراد هنا أنها قسمة مراضاة (¬2). والأول أظهر. لقوله: إذا اعتدلتا. وإن كان لا يعتدلان (¬3) يقاوماهما (¬4)، (أو يبيعانهما) (¬5). ولو كان على التراضي لم يحتج لذلك. وقيل: إنما أجاز ذلك للضرورة فيما قل، كما أجاز (¬6) في الأرض الواحدة، بعضها جيد، وبعضها رديء، بخلاف الأراضي (¬7) المفترقة، كما لو كثرت ثمار الزيتون، والنخل، لم يقسم (¬8) كل إلا على انفراده. وكما قال في الدار البالية مع الجديدة وشبهها (¬9) (بالدار) (¬10)، بعضها رث، وبعضها جديد. وقوله: إذا لم يكن بد من أن يقسم ولا بد من هذا (¬11). وقوله: إذا دعا أحد الأشراك إلى البيع، وقال صاحبه: لا أبيع (¬12)، أجبر الآبي (¬13). فإذا (¬14) قامت على ثمن قيل للذي لا يريد البيع: خذ إن ¬
شئت، أو بع مع صاحبك (¬1). فتأمل أن التخيير إنما هو (¬2) للآبي المجبر على البيع، ويحسب هذا إن أراد الذي طلب (البيع) (¬3) ضمها إلى نفسه [يجب] (¬4) ألا يُمَكن من ذلك إذا (¬5) استبان أنه إنما يريد أن يخرجه من ملكه، وأنه لا حاجة له في البيع، وقد ذهب إلى هذا أحمد بن نصر الداودي. وقال: من دعى إلى البيع فليس له الأخذ بعد ذلك، ولا يجبر القاضي بقية الأشراك على إجمال البيع مع من دعا إليه. (قال) (¬6): وليس يقول أحد ممن يقول ببيع (¬7) ما لا ينقسم أن الأخذ في البيع لمن دعا إليه، وإنما (¬8) الأخذ لمن دعي إلى البيع (¬9)، ليس (¬10) لمن دعا إليه. وقال: قد توصل (¬11) الناس بهذا إلى إخراج الناس من أملاكهم بغير رضاهم. وأحدثوا في ذلك، واحتالوا به. والله يقول: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬12) وإنما تقسم (¬13) بين أهلها، فيعطي كل واحد ما يصير له (¬14) مما قل منه، أو أكثر نصيباً مفروضاً (¬15). قال: وهو قول مالك [بن أنس] (¬16). وأكثر مخالفينا يقول: ¬
مثله. وأنه ليس له أن يدعو شركاءه إلى البيع، وإنما له بيع حصته ممن شاء، وهو الذي قاله الداودي من منع الإجبار على البيع جملة. وأنه قول مالك. يريد على أصله في قسمة كل شيء، وإن (¬1) انقسم على ما (لا) (¬2) ينتفع به جميعهم، أو على ما لا ينتفع به أحدهم، وأقلهم نصيباً، أو على ما لا ينتفع به إلا أحدهم على اختلاف أصحاب مالك في ذلك (¬3). وبقول مالك في قسمته على كل حال قال ابن كنانة (¬4)، وابن القاسم مرة، ثم قال ابن القاسم: وكبراء أصحاب مالك أنه لا يقسم إلا ما ينتفعون به (¬5). ثم اختلفوا في مراعاة الانتفاع بما هو مسطور في الأمهات. وكان شيخنا القاضي أبو الوليد [بن رشد] (¬6) يذهب إلى مثل هذا في رباع الغلات، وما لا يحتاج إلى السكنى (¬7)، والانفراد، وإن من أراد (¬8) في [مثل] (¬9) هذا بيع نصيبه، أو مقاواته لم يجبر شريكه، بخلاف ما يراد للسكنى، والانفراد بالمنافع (¬10) والتصرف فيه، لأن رباع الغلة (إنما) (¬11) المراد منها الغلة. وقل (ما يُحِط) (¬12) ثمن بعضها إذا بيع عن بيع جملتها، بل ربما كان الراغب في شراء بعضها أكثر من الراغب في شراء جميعها، بخلاف دور السكنى، وما يريد أحد الأشراك الاختصاص (به) (¬13) لمنفعة ما. ¬
وذهب اللخمي إلى أن الاختلاف في القسم في هذا كله فيما ورث، أو اشتري للقنية، فأما ما اشتري (¬1) للتجارة فلا يقسم، فكذلك يجب ألا يجبر من أبى البيع على البيع، لأن على الاشتراك (¬2) دخلا فيه (حتى) (¬3) يباع جملة، وكذلك (¬4) يجب أن يكون هذا كله أيضاً (¬5) فيما ورث (¬6)، أو اشتراه الأشراك جملة وفي (¬7) صفقة، فأما لو اشترى (¬8) كل واحد منهم جزءاً مفرداً، وبعضهم (¬9) بعد بعض لم يجبر أحد منهم على (إجمال) (¬10) البيع مع صاحبه، إذا دعا إليه، لأنه كما اشترى مفرداً، كذلك يبيع مفرداً، ولا حجة له هنا في بخس الثمن في بيع نصيبه مفرداً، لأن (¬11) كذلك اشترى، فلا يطلب الربح فيما اشترى بإخراج شريكه من ماله. وقد اختلف في مراعاة نقض الثمن في (¬12) منع القسمة، فكذلك (¬13) يجب أن يراعى، ولا يراعى في بيع النصيب المشتري في الجملة، أو الموروث (¬14)، وإلى أنه لا يراعى نقص (¬15) الثمن ذهب ابن لبابة، وابن عتاب، وراعاه. آخرون، فأما متى لم يجد من يشتريه منه ¬
جملة على القول بأنه لا يقسم ما فيه مضرة (¬1)، فمن دعا إلى البيع أجبر الآخرون على مشهور المذهب على البيع معه، وعلى مذهب الداودي لا يجبرون. وقوله مبني على القول الآخر في وجوب (¬2) القسمة (¬3) كما قدمناه بكل حال، وقد ذهب إلى نحو ما [136] ذهب إليه الداودي ابن لبابة، وأكثر فقهاء؛ قرطبة في أحكام (¬4) ابن زياد من أنه لا يباع بدعوى من طلب البيع على الآخرين ما احتمل القسم متى (¬5) توجهت فيه منفعة، ولا يراعى ضرر القسمة في ذلك، فإذا بيع بدعوى أحدهم إلى ذلك لم يكن له شراؤه على ظاهر مسائلهم، إذا كان عليه (¬6) البيع لما قدمناه، وإن كان إنما مذهبه حين امتنعت المقاسمة فيه الانفراد (¬7) بالسكنى (¬8)، أو بنائه لو هابه، ودعا إلى المقاواة، أو البيع لذلك، فلمن (¬9) أراد منهم ضمه بمقاواة (¬10)، أو بالشراء، فذلك له، لما امتنع (¬11) جميعهم (¬12) من الانتفاع به على الوجوه (¬13) التي (¬14) أرادوه، وكذلك لو كان ميراثاً ولم (¬15) يحتمل القسم، فباعوه ليقسموا ثمنه، أو باعه عليهم السلطان، وإن كان بعضهم يكره البيع لكون نصيبه أكثر فإنه ¬
يجعل (¬1) له ما (¬2) ينتفع به لو قسم، أو لأنه يتركه للغلة (¬3)، فيقتسمون كراءه، ولم ير السلطان قسمته (¬4) لضيقه عن انتفاع جميعهم بأنصبائهم، لو قسم، أو تغيره (¬5) عن حاله مما يدخل عليهم في ذلك ضرر، فباعه عليهم لكان (¬6) لمن شاء منهم، من طالب بيع (¬7)، أو غيره، منهم شراءه، وضمه لنفسه (¬8)، أو مقاواة من كره البيع من أشراكه، وقاله ابن القاسم. وبه أفتى الشيوخ، وعمل القضاة. وما قاله شيخنا في رباع الغلة له وجه من النظر. وما قاله اللخمي فيما اشتري للتجارة أيضاً صحيح. وقوله في الكتاب فيمن اتخذ رحى في داره تضر (¬9) بجدران (¬10) الجيران، أنه يُمنع من ذلك (¬11)، فتأمل قوله: تضر (¬12) بجدران (¬13) الجيران. فإنما منعه لهذه العلة، لا لأجل دويها، وجعجعتها. فمفهوم الكتاب هذا، وهو (¬14) تفسير قوله: هل ما اتخذ الرجل من فرن (¬15)، أو حمام، أو أرحية، فما أضر بجاره (¬16) منع من ذلك (¬17)، وهو قول أكثر الشيوخ ¬
بقرطبة، وغيرها، وبه أفتى أبو عثمان بن عبد ربه، وإليه مال ابن عتاب لأنه (¬1) لا يراعى ضرر (¬2) الصوت وبه أفتى أبو عبد الله بن غالب (¬3) من شيوخ بلدنا وأفتى غيرهم من القرطبيين بأن ضرر الصوت والدوي (¬4) يراعى. وبه أفتى إبراهيم بن يربوع من شيوخ بلدنا (¬5) [أيضاً] (¬6)، في مسألة ابن فتح (¬7) وهي مشهورة ولابن (¬8) غالب فيها جواب بشعر معلوم إذ (¬9) كان سئل فيها أيضاً (¬10) بشعر، واحتج هؤلاء بظاهر لفظه كلما (¬11) أضر (¬12) بجاره واحتج الأول بقول مالك في الحداد أنه لا يمنع من عمل [ضرب] (¬13) الحديد في داره وإن تأذى (¬14) بذلك جاره (¬15). وقال: لا أقدر أن أنام معه وإنما ¬
المراعى عند هؤلاء ضرر (¬1) آخر غير هذا من هدِّ (¬2) الجدارات بتحريكها وقوة زلزالها (¬3) وما يوهي أسسها (¬4) من دويها وشبه ذلك. وقوله في القوم (¬5) يستأجرون القاسم يقسم بينهم، أو لقسمة المغانم (¬6): لا أرى بذلك بأساً (¬7). وكراهية (¬8) أرزاق القسام (¬9) [وقسام الغنائم (¬10)] (¬11) وإجازته أرزاق العمال (¬12)، تحقيق هذا كله [آنذلك] (¬13) على ثلاثة وجوه (¬14): فما كان من ذلك رزقاً من بيت المال فلا بأس به. وما كان بفرض (¬15) من أموال اليتامى، والناس، قسموا أو لم يقسموا يجعل له على الناس جُعْل، فهذا حرام ممنوع، وبه علل المنع مرة في الكتاب. فإذا (¬16) استأجرهم الناس مرة لحاجتهم فجائز لكنه (¬17) كرهه في كتاب ¬
ابن حبيب (¬1) ورأى أن الأفضل أن يفعلوا ذلك بغير أجر وهو ظاهر الكتاب لقوله وقد (¬2) كان خارجة ومجاهد يقسمان ولا يأخذان لذلك أجراً (¬3) لأن كل ما كان من باب العلم يجب ألا يؤخذ عليه أجر (¬4) فقد (¬5) يكون كراهيته لأجر قسّام الغنائم وقسّام القضاة (¬6) من هذا، ألا تراه كيف قال أيضاً: لا أرى (¬7) أن يأخذوا على القسم أجراً (¬8) وإن كان هذا جائزاً (¬9)، والأولى ألا يكون، وأما [إجازته] (¬10) الإجارة على كتب (¬11) الوثيقة فعلى هذا، (أي) (¬12) إذا فعله فهو جائز غير حرام كما قال ابن حبيب: ليس بمحرم عليه، إلا (أن) (¬13) النزاهة (¬14) عن أخذه خير (¬15). وقوله في أجر كتب الوثيقة على جميعهم، بينه (¬16) في كتاب الأقضية، فقال: على رؤوسهم، وقال أصبغ: على قدر أنصبائهم، وسأله في الكتاب عن الذي يوضع (¬17) على يده (¬18) المال (عليه) (¬19) شيء من ذلك. قال: ¬
نعم. قيل: يريد عند قبضهم لما بيده لأنها براءة له، وعليه يدل ظاهر لفظه في الكتاب، وفي الواضحة (¬1) (لابن حبيب) (¬2) مثل ما في المدونة، لأن في ذلك براءته منه كواحد منهم، وفي سماع عيسى: ليس عليه شيء، وقال سحنون: الجعل [على] (¬3) الذي في يده المال، وهو يتوثق لنفسه، ولا شيء على الآخرين لأنهم لو أعطوه أخذوه. ومعنى المسألة أنها إن كان فيها عمل الفريضة وحساب الأجزاء (¬4) والقبض (¬5) والدفع، فيجب أن يكون عليه وعليهم - كما (¬6) قال في الكتاب بغير خلاف - لأن المنفعة لجميعهم، ولولا عمل حسابهم لم تطل الوثيقة، ولا يكثر (¬7) كتابها (¬8)، ولا حقق ما يقبض (¬9) كل واحد منهم، ولا تفاضل في ذلك بعضهم من بعض. وأما (¬10) إن كان بمجرد (¬11) القبض لم يحتج لسواه، لكون القابض واحداً. وليس في قسمة المال كبير عمل، فإنما هي توثقة (¬12) للدافع وبراءة له، فها هنا موضع الخلاف، فعلى مذهب الكتاب والواضحة فيه منفعة للقابضين بالإشهاد أن هذا المال مالهم، ووديعة عنده (¬13)، لا يتوجه له فيه بعد دعوى عليهم، ¬
ولا لأحد من سببه (¬1) أنه دفعه (¬2) إليهم قرضاً أو قراضاً، أو وديعة، أو من دين، كان لهم عليه، وفيه منفعة له هو بالإبراء (منه) (¬3)، فكان (¬4) على جميعهم وعلى مذهب سحنون: لا يلتفت إلا إلى منفعته (¬5) لإبرائه (¬6)، وهو أصل [137] ما بنيت (¬7) عليه الوثيقة، فجعلها (¬8) [عليه] (¬9) ابن القاسم في سماع عيسى رآه متطوعا؛ بقبض المال والنظر فيه (¬10) بغير (¬11) منفعة، إلا لمعونة (¬12) المسلم للمسلم، ومن (¬13) حقه كما [لو] (¬14) استودعه (دينه) (¬15) وحفظه أن يخلص عند خروجه من أمانته عن التبعات (¬16) ويبرأ منه (¬17) كما (¬18) ألزم (¬19) ذمته وأمانته بغير (¬20) نفع. مسألة (¬21) دار الميت إذا كان الورثة يسكنونها وتشاحوا فيها، جاء فيها ¬
في الكتاب لفظ مشكل، ظاهره أولاً أنها ليست كغيرها، وأنها (¬1) تُفْرد بالقسم (¬2) بينهم، لقوله (¬3): ودوره التي ترك كلها سواء في مواضعها وتشاح الناس فيها ثم قال تقسم بينهم هذه الدار يجعل لكل واحد منهم نصيب (¬4). (وقيل:) (¬5) وعلى (¬6) هذا تأول المسألة فضل وغيره، ولكن جاء بعد هذا كلام دل ظاهره على خلافه وأنها كغيرها من الدور بقوله: إنها تقسم بينهم هذه (الدار) (¬7) إذا كانت الدور التي ترك في غير هذا الموضع التي الدار فيها ثم يقسم ما بقي من الدور (¬8). وعلى (¬9) هذا الظاهر اختصرها كثير من المختصرين وعليه تأولها ابن أبي زمنين وأنها تقسم مع ما قرُب (¬10) منها من الدور وقال كذا فسرها بعض مشايخنا (¬11). وإليه نحا أبو عمران وفي كتاب ابن حبيب في دار الرجل الشريف لها حرمة (¬12) بسكناه فتشاح (¬13) الورثة فيها إنها تقسم بينهم وحدها لو حملت (¬14) القسم، وإن ترك دوراً بقربها. قال فضل: قد احتج بهذا ابن القاسم في المختلطة وخُلِّط فيها بعد ذلك بحرف إذا كانت كغيرها (¬15) في غير ذلك الموضع. قال: وإنما جاءت ¬
عندي عن غير عمد (¬1) لما جاء في أول السؤال (¬2). قال القاضي: وعلى هذا روى المسألة العتبي (¬3) فقال في آخر المسألة: وكانت الدور التي ترك الميت في هذا الموضع التي الدار فيها فأتى (¬4) الكلام (¬5) مستقلاً صحيحاً على ما في كتاب ابن حبيب، وعلى التأويل الأول، وزال الإشكال بإسقاط لفظ (¬6) غير، وتأولها اللخمي أنها إن كانت في محلة واحدة جمعت في القسم مع غيرها، وإن افترقت محلتها من محلات غيرها فالقول قول من دعا إلى إفرادها إن احتملت القسم، وأن لا تُبايعوها، فكأنه حمل قوله أولاً في مواضعها وتشاح الناس فيها يريد مع اختلاف المحلات، ورد أول الكلام على آخره, وانظر قوله: "الذي كانوا يسكنونها" (¬7) فقد خصص بعض الشيوخ المسألة بهذا ممن كان من الولد، ومن كان يسكن الدار دون العصبة. قال: وهذا في غير الشريف و [من] (¬8) لا تشرف (¬9) الدار بسكناه، وأما الرجل الشريف فسواء بنوه وعصبته (¬10) ممن سكنها أو لم يسكنها، لها حرمة في نفسها توجب إفرادها بالقسم. مسألة (¬11) صفة القسمة اختلف في تأويل قول مالك في أربعة فصول. أولها: ألا يجمع (¬12) نصيب اثنين في القسم وإن أرادا، وفي اللفظ ¬
الآخر (¬1) أول الكتاب: لا يجمع بين رجلين في القسم (¬2)، وقول ابن القاسم في مسألة العصبة إذا أرادوا أن يجمعوا نصيبهم وتسويغ مالك ذلك لهم وذلك عندي في أهل الميراث كلهم (¬3) غير هؤلاء سواء كانت العصبة جماعة أو واحداً. قالوا: وتأويل ابن القاسم هذا على مالك خلاف قول مالك وغير مراده ولم يرد مالك أنه لا تجمع (¬4) الأنصباء في واحد في جميع الأقسام بالقرعة، وإنما هذا فيما هم فيه (شركاء) (¬5) [سواء] (¬6) تستوي (¬7) السهام، فإذا اختلفت أنصباؤهم فكان لقوم (سهم الثلث، ولآخرين سهم) (¬8) السدس، ولآخرين سهم النصف، فإنه يجمع كل سهم في القرعة عليه وإن كرهوا (ذلك، (كلهم) (¬9)) (¬10) كذا (¬11) فسره عن مالك في العتبية في سماع ابن نافع، وأشهب. وفي كتاب ابن حبيب عن عبد الملك ومطرف وأصبغ [مثله] (¬12). وقالوا هو (¬13) قول مالك وجميع أصحابنا. فإذا خرج نصيبهم قسم لهم على (عدد) (¬14) رؤوسهم إن أحبوا ذلك ودعوا إليه. وقوله في المدونة في الولد كقوله في العصبة، حيث قال ويُضرب لهم في الناحية الثانية (¬15) فما خرج للمرأة أخذته وضم ما بقي بعضه إلى بعض ¬
فيقسم (¬1) بين الورثة (¬2) فهذا يدل أنه إنما ضرب لهم سهم (¬3) واحد لحاجته (¬4) بعد [إلى] (¬5) القسمة عليهم كما قال في العصبة فهذا أحد الوجوه التي اختلف فيها (¬6) تأويل ابن القاسم وغيره على قول مالك فابن القاسم (¬7) تأول أنه لا يجمع جملة بسهم اثنين اتفقا أو اختلفا رضيا أو كرها جمعهم (¬8) سهم أو فرقهم، إلا (¬9) العصبة إذا رضوا بذلك. وغيره يرى جمع (¬10) [أهل] (¬11) كل سهم في سهم واحد، ويضرب لهم [به] (¬12) شاؤوا ذلك (¬13) أو كرهوه (¬14). ثم هم بعد في الخيار بين أن يبقوا شركاء في سهم، أو يستأنفوا (¬15) القسمة (فيما) (¬16) بينهم. الفصل الثاني في تفسير صورة القسمة. وقوله في الكتاب (¬17): إذا تشاحوا ضرب القاسم بأي الطرفين (¬18) يبدأ فعلى أي الطرفين خرج السهم ¬
ضرب عليه أولاً فمن خرج (¬1) سهمه (¬2) عليه أخذه وضم إليه بقية حقه فإن تشاحوا أيضاً ضرب على أي الطرفين يبدأ به فكذلك أبداً حتى إذا لم يبق إلا اثنان (¬3) ضرب على أي الطرفين شاء ولم يلتفت إلى تشاححهما لأن الضرب على أي الطرفين لأحدهما ضرب للآخر (¬4) كذا (في) (¬5) روايتنا في الكتاب (¬6) إلا ما اختصرنا من لفظها وفي رواية ابن وضاح على ما ذكره ابن أبي زمنين أنه إذا ضرب على أي الطرفين يبدأ بالقسم فمن خرج سهمه في ذلك الطرف أعطيه وأكمل له (¬7) لا تبالي من كان زوجة أو أما أو ابنة ثم يقسم على ما بقي على أقل من بقي سهما (¬8). ويستأنف القسمة والقرعة على أي الطرفين يبدأ هكذا (¬9). قال ابن أبي زمنين: وأنكر سحنون هذا، وكان [يرى] (¬10) القسم على أقل الأنصباء حتى تنفذ السهام. وكذلك روي عن ابن القاسم وغيره في غير المدونة. الفصل الثالث: قوله: [لم] (¬11) يسهم للزوجة على (¬12) أحد الطرفين (¬13). ¬
قال ابن لبابة مذهبه في الزوجة وغيرها أنه يبدأ بالضرب لصاحب النصيب القليل على صاحب النصيب الكثير، ويجعل في طرف، وكذلك ذكر فضل عن عبد الملك بن الماجشون (¬1)، وذكر عن المغيرة [138] خلافه، وأنه يسهم؛ للزوجة حيث خرج سهمها (¬2)، ومثله قال ابن حبيب (¬3)، وحكى ابن عبد الحكم (¬4) القولين جميعاً، ورجح أن يكون لها حيث خرج سهمها. قال أبو محمد: إنما هذا إذا كانا نصيبين (¬5) يريد أن مالكاً إنما قال ذلك للضرورة. والقسمة تقتضي أن تكون في طرف ولا بد ومثلها بما شابهها (¬6) مما (¬7) تكون بين اثنين أو لسهمين (¬8). ووافق ابن عبد الحكم على (¬9) هذا التأويل (¬10) في معنى التشاحح على أحد الطرفين في صورة القسمة ابن حبيب وغيره (¬11). لكن ابن حبيب خالفه في صورة إبقاء السهام، فقال: إنما يأخذ سهمين فيلقيهما على الطرفين (¬12)، من هنا واحد، ومن هنا واحد، ثم أعاد لمن بقي وتشاحا هكذا حتى يتم القسم. قال فضل: [هذا] (¬13) يرجع إلى ما قال ابن القاسم، لكنه أخصر وأقل ¬
عناء، وقد طرح سحنون كلام ابن القاسم في المسألة كلها، وتفسيره (¬1) لخلافه (¬2) عنده أصل مالك. وذلك من قول مالك، ثم من قوله: ثم يضرب أيضاً بالسهام لمن بقي منهم إلى قوله: وهذا (¬3) تفسير مني عن مالك (¬4). قال ابن وضاح أمر سحنون بطرحها، وقال التي فوقها خير منها، وضرب عليها (¬5) في كتاب ابن وضاح، وابن باز، والدباغ. قال ابن أبي زمنين: اختلف أصحاب مالك في صفة القسمة (¬6) واختصرتها على رواية ابن وضاح. وكان سحنون ينكر هذه الرواية ويرى أن يقسم على أقلهم سهماً حتى تنفذ السهام. وروي عن ابن القاسم وغيره، وهذا أصل قول مالك. الفصل الرابع: في معنى التشاح المذكور من حيث يبدأ القاسم (¬7)؟ فظاهر كلامهم وقول (¬8) ابن القاسم وغيره ما تقدم من الضرب على أي طرف (¬9) يبدأ به. وأما ابن لبابة فخالف في تأويل معنى قوله: فإن تشاحوا على أي الطرفين يضرب أولاً. وقال: وإنما معناه (¬10) أن يقول بعضهم: تقسم (¬11) الأجزاء من قبلة إلى جوف، وقال آخرون: بل من شرق إلى غرب لأغراض لهم في ذلك، فيبدأ (¬12) الذي يضرب بأي جهة ¬
يقسم (¬1) ليقع عليها الضرب. قال القاضي رحمه الله: إذ قد تختلف أغراضهم في ذلك، لكون ما في جهة الغرب (¬2) أقرب لأرض (¬3) أحدهم فيضم نصيبه إلى أرضه، أو أقرب (¬4) لمنزله أو لمجاورة من يريد مجاورته، أو لمنفعة هناك (¬5) يرجوها بخروج نصيبه (¬6) لتلك الجهة، وكون مخرجه ومدخله (¬7) منها، فإذا جعلت رؤوس السهام من تلك الجهة خرج له طرف سهمه بكل وجه، وإن جعل بخلاف ذلك عرضاً لحيطة (¬8) السهام (¬9) من تلك الجهة، فيفوته غرضه. قال ابن لبابة: ولا وجه لتشاح الورثة إلا هذا، وأما على ما قال ابن القاسم فلا وجه [له] (¬10)، لأن الضرب لأحدهم ضرب لجميعهم، كما قال: إذا بقي سهمان. قال القاضي رحمه الله: يريد إن أخرج (¬11) السهم للضرب ولا يدري لمن هو فحكم ضربه للواحد حكمه (¬12) للجميع لأنه لغير معين، فلا وجه للتشاحح فيه. قال ابن لبابة: ولا يمكن التشاح على الضرب بأي الطرفين يبدأ إلا (¬13) في اختلاف الأنصباء إذا طلب القليل النصيب أن يبدأ بأحد الطرفين. ¬
قال القاضي: وهذا على ما تقدم من قول (¬1) من قال: يضرب لأقلهم نصيباً في أحد الطرفين، فسهمه هنا معلوم، فمن (¬2) حقه وحق غيره ألا يخص بطرف باختيار (¬3) أحدهم أو اختيار القاسم الآخر بسهم (¬4) أو (¬5) يبدأ له به بقرعة أخرى فإذا خرج سهمه على أحد الطرفين أخذه، فأما إذا لم يكن (¬6) هذا الوجه أو اعتدلت سهامهم فلا وجه للضرب على الطرف الذي يبدأ به إلا [على] (¬7) ما ذهب إليه ابن لبابة. ¬
كتاب الحبس والصدقة والهبة
كتاب الحبس (¬1) والصدقة (¬2) والهبة (¬3) معنى لفظة الحبس والصدقة والوقف واحد، لكن أحكامها مختلفة في وجوه، ومتفقة (¬4) في وجوه. فأما الحبس فتختلف (¬5) أحكامه في بعض الوجوه، وتتفق (¬6) في وجوه، إذ لا يخلو أن تبهم (¬7) هذه الألفاظ أو تفسر. فتجعل (¬8) لشخص معين محصور، أو وجه معين محصور، أو وجه معين غير محصور، أو لغير معين (¬9) محصور، أو لغير معين (¬10) غير محصور (¬11). ¬
ولكل [وجه] (¬1) من هذا (¬2) حكم، يتفق في بعضها، ويختلف في الباقي (¬3). فأما لفظة الحبس المبهم كقوله: داري حبس، فلا خلاف أنها وقف مؤبد، لا يرجع (¬4) ملكاً، ويصرف (¬5) عند مالك في الفقراء، والمساكين (¬6)، وإن كان في الموضع عرف للوجوه التي توضع فيها الأحباس، وتجعل لها، حملت عليه. وعند ربيعة يسكنها قرابة المحبس (¬7). فأما إن عين شخصاً فقال: حبس على فلان، أو على أولاد فلان، وسماهم، وعينهم، فاختلف فيه قول مالك: هل يكون مؤبداً لا يرجع ملكاً؟ فإن مات فلان رجعت حبساً لأقرب الناس بالمحبس (¬8) على سنة مراجع الأحباس؟ فإن لم تكن له قرابة رجعت إلى الفقراء (¬9) والمساكين (¬10)؟ والقول الآخر: أنها ترجع بعد موت المحبس عليه ملكاً للمحبس (¬11)، أو ورثته إن مات كالعمرى. وأما إن جعله في وجه معين محصور ففيها قولان: فحكى (¬12) ابن ¬
الجلاب فيمن قال: داري حبس في وجه كذا روايتين عن (¬1) مالك (¬2). إحداهما: أنه [لا] (¬3) يتأبد حبسه، فإذا (¬4) انقرض (الوجه) (¬5) الذي جعله فيه رجع له ملكاً (¬6) في حياته، ولورثته بعد مماته (¬7). والقول الآخر: أنه يبقى (¬8) حبساً على أقرب الناس للمحبس (¬9) [عليه] (¬10) وأما إن جعله على وجه معين غير محصور كقوله: حبس في السبيل، أو في وقيد مسجد كذا، أو إصلاح قنطرة كذا، فحكمه حكم الحبس المبهم المتقدم ذكره، ويوقف (¬11) على التأبيد، فإن تعذر ذلك الوجه بخلاء البلد، أو فساد (¬12) موضع القنطرة حتى يعلم أنه (¬13) لا يمكن أن تبنى (¬14) وقف إن طمع بعوده إلى حاله، أو صرف في مثله. [139] وأما إن جعله في وجه محصور غير معين يتوقع انقراضه، كقوله: على بني زيد، وعلى عمرو؛ وولده أو عقبه، أو فرسي (¬15) حبس على من يغزو في هذه الطائفة، أو يطلب العلم بمدينة كذا، فحكم هذا ¬
أيضاً حكم الحبس المبهم المطلق المؤبد، يمضي أبداً ويرجع بعد انقطاع الوجه الذي وجه له لمرجع (¬1) الأحباس على ما تقدم. وهذا مذهبه في المدونة وغيرها. واختلف (فيه) (¬2) قدماء أصحابه (¬3)، ونقل (¬4) اللخمي عن ابن الجلاب (¬5) أنها تعود ملكاً (¬6)، وأراه تأول ما نقلناه عنه على ذلك. وقيل: هي (¬7) على من وجد كما لو عين، وهو الذي له في المجموعة (¬8). واختلف إن قال: بني زيد، هل هو مثل ولد زيد فيمن وجد؟ وفيمن لم يوجد؟ فيكون [بعد] (¬9) حبساً مؤبداً [كما تقدم]؟ (¬10). وأما إن جعله على غير معين وغير محصور كقوله: على بني تميم، أو على المساكين، أو (على) (¬11) المجاهدين، أو في إصلاح المساجد (¬12) أو لطلبة العلم، فهذا حبس مؤبد كالمبهم المطلق (¬13). ¬
وأما إن حبس (¬1) على معدوم بعده (¬2) موجود (¬3) غير محصور كقوله: على أولادي وبعدهم للمساكين (¬4) فلم (¬5) يترك ولداً أو أيس من الولد فعند ابن القاسم يرجع ملكاً، و (عند) (¬6) عبد الملك ينفذ حبساً للمساكين (¬7). وأما إن جعل مكان قوله: هو حبس، هو وقف (¬8)، فالذي حكاه شيوخنا البغداديون (¬9) أنه ينفذ حبساً كان على معين، أو مجهول، أو محصور، أو غير محصور. وأنه لا يختلف فيه. وحكى غيرهم من شيوخنا أنه لا فرق بين قوله: (حبس (¬10) وبين قوله:) (¬11) وقف (¬12) وأنه يدخله (¬13) من الاختلاف في بعض الوجوه ما يدخل الحبس. وأما إن قال مكان هو حبس أو وقف: هو صدقة، فإن عينها لشخص معين فهي ملك له، وكذلك إن جعلها لمجهولين غير محصورين، كالمساكين فهي ملك لهم، تقسم عليهم إن كانت مما ينقسم (¬14)، أو بيعت، ¬
وقسمت، أو أنفقت فيما يحتاج إليه ذلك الوجه المجهول، وتعين (¬1) المجهولين (¬2) هنا باجتهاد الناظر في موضع الحكم، ووقته، فلا يلزم عمومه (¬3)، أو لا يقدر (¬4) عليه أو لا (¬5) هو مقصد المحبس، وإنما أراد الحبس. وأما إن قال في الصدقة: على مجهولين محصورين مما يتوقع انقطاعه كقوله: على ولد فلان، أو فلان، وولده كما تقدم، فاختلف فيه، فقال مالك (وجاء له) (¬6) في الكتاب (¬7): هي (¬8) حبس. مؤبد وترجع (¬9) بعد انقراضهم مرجع الأحباس (¬10) سواء قال: ما عاشوا أو (¬11) لا. وفي رواية أشهب (عنه) (¬12) ترجع (¬13) لآخر المحبس عليهم ملكاً (¬14). وقيل: بل حكمها حكم العمرى (¬15) (¬16). وحكى ابن الجلاب إذا جعلها صدقة في وجه كذا أنها مما اختلف فيه قول مالك، فمرة جعلها كالعمرى، ومرة جعلها [تنفذ] (¬17) حبساً. قال: إلا ¬
أن يريد أنه تصدق بعين ملكه (¬1) لا بمنفعته. فيكون (¬2) [ملكاً] (¬3) لمن تصدق بها عليه (¬4). قال القاضي رحمه الله: وهذا عندي يرجع إلى معنى اختلافه (¬5) في هذا الوجه قبله المجهول المحصور والله تعالى أعلم. وهذا كله إذا أفرد (¬6) هذه الألفاظ، وأما متى قيدها بصفة، أو أجل، أو شرط، فيختلف حكمها، فإن قال: حبس، أو وقف، أو صدقة، شهراً، أو سنة، أو حياتي، وشبه هذا، على معين، أو مجهول، أو معدوم فلا خلاف أنها في الجميع هبة منفعة، وعمرى إلى أجل، ترجع (¬7) عند (¬8) تمامه لربها (¬9) أو لورثته. فأما إن قال في المعين: حياته، أو ما عاش، فتختلف الأحكام في هذه الألفاظ الثلاثة. فأما في الصدقة: فلا يختلف أنها عمرى. وأما في الحبس: فقيل: أنه سواء قال ذلك أو لم يقله، على الخلاف في تأويل ما في المدونة. قال بعض شيوخنا: إنه (¬10) سواء على ظاهر المدونة. (قال) (¬11): ¬
وهو (¬1) تأويل سحنون. وقال محمد متى قال حياته وشبهه فلا يختلف أنها كالعمرى (¬2)، ونحوه لمطرف. قال مطرف: وكذلك لو قال: على فلان بعينه (¬3). وأما في المجهول المحصور إذا قيده بحياتهم (¬4) أو ما عاشوا فمذهبه في الكتاب أنه حبس (¬5) مؤبد كما لو لم يقله (¬6)، وكذلك يشبه أن يكون على قوله الآخر إذا لم يقيد أنها تكون ملكاً (¬7)، وأما على القول أنها إذا لم يقيد كالعمرى فأحرى أن يؤكد العمرى بهذه الألفاظ. وقال مطرف: متى قال [ما] (¬8) عاشوا فهي عمرى (¬9)، وأما إن قيدها (¬10) بالصفة كقوله: حبس صدقة، أو صدقة حبس على فلان، ففي الكتاب لمالك: إنه حبس مؤبد، وعنه أيضاً في مختصر ابن عبد الحكم أنها ترجع ملكاً كالعمرى، وكما لو (¬11) أفرد الحبس وكذلك لو قال: حبْس على فلان لا تباع، ولا توهب، ولا تورث (¬12)، فهي حبس (¬13) على مذهبه في الكتاب. وله في العتبية: ترجع ملكاً كالعمرى. وقال مطرف: لو قال مع هذا على فلان بعينه، ولفظ بعينه فهي (¬14) ¬
عمرى (¬1)، وإلا فهي حبس. واختلف (¬2) في هذا في الصدقة أيضاً، فروى أشهب عن مالك أنها تبتل (¬3) ولا يضر الشرط، وقال أشهب، وسحنون: هي حبس محرم. وقال مالك أيضاً، وابن القاسم: هي صدقة [باطل] (¬4) إما بتلها (¬5)، أو رجعت إليه إلا في صغير، أو سفيه، فيشترط له ذلك إلى رشده (¬6). وهو أيضاً مذهبه (في المدونة) (¬7) في الهبة على هذا الشرط، وهي كالصدقة في هذا الاختلاف. وأما لو قال في جميع هذا: لا تباع، ولا تورث، ولا توهب، ولا تملك (¬8)، لكان حبساً محرماً من غير (¬9) خلاف، لارتفاع الاحتمال، نص عليه البغداديون (¬10). "ومواحيز (¬11) الإسلام (¬12) " (¬13): رباطاته. [140] "ودهلك" (¬14) بفتح الدال قيل: (هو) (¬15) اسم ملك. ¬
قال أبو عمران: هو [اسم] (¬1) ملك من ملوك السودان، وبه سمي البلد، وهي جزيرة بساحل البحر من ناحية اليمن (¬2). قال القاضي رحمه الله: دهلك أقدم من هذا الزمان الذي تكلم فيه مالك، وهي مدينة قديمة. قالوا وتلك الناحية أقصى تهامة اليمن (¬3). وخبث الفرس (¬4) كذا (¬5) روايتنا بالباء بواحدة وآخره ثاء مثلثة، ومعناه فسد وبطل، ورواه بعضهم خنب (¬6) بالنون المكسورة وآخره جاء بواحدة، ومعناه هلك (¬7). وليس المراد بهذا كله هلاكه، ولا فساده بالكلية، إذ لو كان هذا لم يقل: يباع، ويشتري بثمنه فرساً (¬8) مكانه (¬9)، وإنما معناه (أنه) (¬10) أبطل ما يراد [منه] (¬11) من استعماله في الجهاد، والوجه الذي حبس له (¬12). ومعنى "كلب" (¬13) بكسر اللام، أصابه داء الكلب، وهو السعار (¬14)، وأصله في الكلاب. ¬
واختلف في تفريقه في الكتاب في جوابه بين الثياب والخيل. فقيل: ليس بخلاف، وإنما هو جواب بحسب السؤال، فقال ذلك في الخيل لأنها بقيت فيها (¬1) منفعة الحمل وغير ذلك. وقيل: بل المقصود من (¬2) الخيل المنفعة بها في الغزو, لا للغزاة. فجعلت (¬3) أثمانها في مثلها. والثياب المنفعة بها (¬4) للغزاة، [فإذا بُلِيت] (¬5) ولم ينتفعوا بها بنفسها أعطيت أثمان (¬6) ما بيع من خلفها لهم ينتفعون به عوضها (¬7). وقوله "وقد رأى (¬8) غيره أن ما جعل في السبيل (¬9) من العبيد والثياب لا يباع،" (¬10) إلى آخر قوله. كذا في كتاب ابن عتاب، والذي في كتاب ابن المرابط وابن سهل وكثير من النسخ: وقد روى غيره (¬11) وعلى ذلك اختصرها غير واحد (¬12)، واختصرها ابن أبي زمنين وقد روي عن مالك. ومرمة الدار (¬13) إصلاح ما وهى (¬14) من بنيانها (¬15). ¬
ومعنى المردودة (¬1) من بناته (¬2) أي المطلقة. وقوله "و (قد) (¬3) روي عن (¬4) ربيعة خلاف لهذا في الرباع والحيوان إذا رأى (¬5) الإمام ذلك" (¬6) يعني (¬7) ما روى عنه ابن وهب في موطئه، [أنه] (¬8) أرخص في بيع ربع وتمر تعطل، ويعاوض به في ربع (آخر) (¬9) نحوه (¬10) يكون حبساً. "وقول ربيعة وغيره: إذا تصدق الرجل على جماعة لا يعرف عددهم ولم يسمهم فهي بمنزلة الحبس" (¬11) هو وفاق لقول مالك في الكتاب خلاف (¬12) لما في كتاب محمد (¬13) أنها (¬14) ترجع لآخرهم (¬15) ملكاً (¬16). وكذلك قول (¬17) "بعض من مضى [من أهل العلم] (¬18) إذا تصدق على الرجل وعقبه من بعده فهو الحبس الذي لا يباع ولا يوهب" (¬19)، إلى آخر ¬
المسألة. هو وفاق أيضاً، والعقب في كل هذا غير معين. وعليه يحمل "قول يحيى بن سعيد: من حبس داراً أو تصدق بها" (¬1)، مثل أن يقول: على ولدي ولم يسمهم، يريد بذلك كل من يولد له. قال: وكذلك على ولدي و [على] (¬2) من يحدث لي بعدهم. وتفريقه بين هذا وبين المعين، هو كله وفاق، وأن تحبيسه (¬3) على ولده، ومراده كل من يولد له، كقوله: على ولدي، وولد ولدي. وكقوله: على [كل] (¬4) من يولد لي. "وقول ربيعة أيضاً، والصدقة الموقوفة التي تباع (¬5) إن شاء صاحبها، إذا تصدق بها الرجل على الرجلين، أو الثلاثة (¬6)، وسماهم بأعيانهم. ومعناه: ما عاشوا، ولم يذكر عقباً، فهذه الموقوفة التي يبيعها صاحبها إن شاء إذا رجعت [إليه] (¬7) " (¬8)، هذه كلها موافقات لقول مالك، وهذه هي العمرى (¬9). وقول ربيعة (¬10) أيضاً: كل ما جعل حبساً صدقة، أو حبساً، ولم يسم صدقة، موافق لأحد قولي مالك المتقدمين. وقول ابن بكير (¬11) موافق للقول الآخر. ¬
وقول (¬1) يحيى بن سعيد: يبدأ بالولد فإن فضل فلولد الولد (¬2) موافق لقول مالك في الكتاب. "وقول ربيعة: ولد الولد بمنزلة الولد، والذي يحدث (¬3) بمنزلة من كان يوم تصدق إلا أن يأخذ قوم بفضل (¬4) أسنان (¬5)، وكثرة عيال (¬6)، إلى (¬7) قوله: وليس (¬8) بينهم أثرة (¬9) إلا بتفضيل (¬10) حق يرى" (¬11). وقوله في الأثر الآخر: "وأما ما ذكرت من ولد الولد مع الولد فإنما يقع ذلك على الاجتهاد، يكون المال (¬12) قليلاً مستوفى فيكون الأعمام أحق به من ولد أخيهم (¬13) " (¬14). ¬
قيل: هذا كله وفاق، وإن معنى قوله الأول راجع إلى الآخر، وإن معنى قوله أولاً: أن ولد الولد بمنزلة الولد (¬1). يريد إذا صار الحبس لهم يوماً ما، كانوا في ذلك بمنزلة آبائهم في الحبس (¬2)، وإن كان طبقة منهم عند تصير (¬3) الحبس إليها بحكم الطبقة التي قبلها. وإلى هذا ذهب المغامي، وأبو عمران. كما قال: "والذي يحدث بمنزلة من كان يوم تصدق" (¬4). ومعنى قوله: فضل (¬5) أسنان (¬6) لي، وقول ربيعة أيضاً: من حبّس على ولده وولد غيره (¬7) فإنهم يسكنونها على قدر ما يرتفقون، فإذا انقرضوا فهو لولاة المحبس (¬8) دون غيرهم (¬9) وفاق أيضاً، يعني يرجع (¬10) لأقرب الناس به، والولد هنا غير (¬11) معين، ألا تراه كيف قال: كانوا ولد ولد أو غيرهم (¬12). و"عُصارة" (¬13) العيش: رفاهيته (¬14) وطيبه وأصله اللين (¬15). "والخصاصة" (¬16): الحاجة، وعدم الشيء وضيق العيش. ¬
وقول مالك آخر الباب "ومن بلغ منهم حتى تزوج (¬1) وتكون حاجته ومؤنته مثل البنين فهم فيه (شرعاً) (¬2) سواء إذا كان موضعاً" (¬3) وسعة (¬4) كذا الرواية، وهو مما يشكل معناه ويحيل (عن) (¬5) ظاهره ومعناه عندي، مثل البنين الأعيان (¬6). قال ابن أبي زمنين: لو قال مثل الآباء كان أبين. ووقع في رواية الدباغ إذا كانوا ضعفاً مكان اللفظ الآخر. "وعبد الرحمن بن [عبد] (¬7) القاري" (¬8) بياء مشدودة منسوب إلى القارة (¬9). وقول عمر [رضي الله عنه:] (¬10) "ما بال رجال ينحلون أولادهم نِحَلاً يمسكونها (¬11) " (¬12). بكسر النون وفتح الحاء جمع نحلة، وهي العطية (¬13)، والنحل بالضم وسكون الحاء أيضاً، وجمعه نِحَلاً بتحريك الحاء. "وقول أبي بكر [رضي الله عنه] (¬14) في حديث عائشة (¬15): ¬
"جاد (¬1) عشرين وسقاً" (¬2) بتشديد الدال أي ما يجد منه هذا العدد. والوسق بالكسر: الاسم (¬3) وبالفتح: المصدر. وقوله: "فيمن أعطى رجلاً داراً على أن ينفق على الرجل حياته أن ما استغلها فذلك له، ويرد الدار [141] على؛ صاحبها، والغلة له بالضمان، وما أنفق على الرجل غرمه الرجل [له] (¬4)، وأخذ داره" (¬5). ظاهره أن الغلة للمعطي لا لرب الدار، كما قال في كتاب السلم في الذي (¬6) باع منه داره على أن ينفق على المشتري حياته (¬7)، وأنه لا فرق بينهما، وإن سمى هذه عطية فهو بيع فاسد. وقوله هنا: "وما أنفق على الرجل غرمه" (¬8)، وفي كتاب السلم: بقيمة ما أنفق (¬9) يحتمل الوفاق وأن يكون هنا ما أنفق [عليه] (¬10) دراهم دفعها له في النفقة، أو مكيلاً، أو موزوناً معلوماً. وفي كتاب السلم: ما لم يحقق ذلك كله يرجع إلى قيمة (¬11) نفقته وتقديرها، أو دفع (¬12) إليه طعاماً مصنوعاً، وأشياء (¬13) مما ¬
يرجع (¬1) إلى القيمة (¬2). وفي آخر باب (¬3) تحبيس ثمرة الحائط. قال بعض الرواة: "وإن مات ميت والثمرة قد أُبِّرت فحقه فيها ثابت، قاله غير واحد من الرواة" (¬4). وقاله أشهب (¬5). كذا في نسخ، وثبت عند ابن عتاب وابن المرابط إلا قوله: قال بعض الرواة. وقال يحيى بن عمر: طرح سحنون: قال بعض الرواة (مرة) (¬6)، وقرأه أخرى (¬7). ولم يكن في كتاب ابن وضاح، من أخذ ابن القاسم برجوع مالك إلى آخر الباب. وسقط عنده (¬8) لفظ (¬9) المخزومي (¬10) قبل (¬11). وسقط وقاله (¬12) أشهب آخر الباب عند ابن المرابط لغير أحمد. وقوله: "في الذي تصدق على رجل غير سفيه بدراهم وجعلها (¬13) على يد (¬14) غيره وهو حاضر أنه جائز إذا لم يشترط على المدفوعة (¬15) إليه ألا يدفعها إلا بأمره" (¬16). ¬
وقال في باب حيازة الغاصب: "إذا كان الموهوب [له] (¬1) حاضراً (أو) (¬2) غير سفيه، وأمر (¬3) الواهب رجلاً يقبض (¬4) ذلك [له] (¬5) ويحوز (¬6) له لم يجز" (¬7). ورواية ابن وهب عن مالك، والليث بعد ذلك في المسألة، لا يجوز (¬8) في باب حوز الهبة للطفل، والكبير (¬9). معناه: إذا أمر الحائز ألا يدفعها إليه، وعليه يدل سياق كلامه قبل، وبعد. وذهب بعض الشيوخ إلى أنه اختلاف من قوله، وإليه نحا اللخمي. وذهب بعض الأندلسيين إلى أن المسألتين مفترقتان. وأن الأولى: إنما صح فيها حوز الأجنبي لأنه كان أولى (بما) (¬10) في يد الواهب، فخروجها من يده إلى غيره حوز. والثانية: إنما كانت في يد غير الواهب، وهو الغاصب، فلم ير قبض غير الموهوب له منه قبضاً، (لأنها لم تخرج من حوز، ويستدل عليه بقوله في الكتاب بإثر الجواب: "والغاصب ليس بحائز" (¬11). فهذا يدل (¬12) على مسألته (¬13)، وإن كان) (¬14) ظاهره أنه إنما أراد أن ¬
هذا الذي دفع إليه ليس بحائز، وكذلك (¬1) ما وهب بيد غاصب إذ ليس بحائز. وذهب أبو عمران إلى أنهما مفترقان [أيضاً] (¬2) وأن الفرق بينهما (بياض) (¬3). قالوا: ولا خلاف على قوله في المسألة الأولى إذا شرط (¬4) ألا يدفعها إليه إلا بأمره أنها لا تمضي، كما (¬5) [لا] (¬6) خلاف إذا قال له: خذها له، أو ادفعها له. وقال الموهوب: أمسكها عندك أنها تمضي. واختلف إذا لم يقل: ادفعها (¬7) ولا أمسكْها وسكت على رأي بعضهم. وعلى قول غيره: تمضي (¬8) بكل حال إلا أن يشترط إمساكها، [ولو شرط إمساكها] (¬9) له حتى يموت الواهب، فلا يختلف أنها وصية ماضية من الثلث، وقاله محمد. وقوله " [في الرجل] (¬10) يدفع إلى الرجل الدنانير يفرقها في سبيل الله، فيموت الآمر، أن ما فرق بينها ماض، وما لم يفرق فإن كان أشهد بذلك حين دفعها إليه فهو ماض من رأس المال، وإن كان لم يشهد فما بقي موروث" (¬11). معناه: أن الورثة مقرون بذلك، ولو نازعوه (¬12) ¬
لضمن ما فرق وما بقي، إن كان لم يشهد بعد أن يحلف منهم من يدعي عليه بذلك من (¬1) يظن به ذلك. ومسألة "ما يشتريه (¬2) الناس من الهدايا في الحج (¬3) لأهليهم (¬4) من (¬5) الكسوة، ثم يموت قبل أن يصل، إن كان أشهد على ذلك مضى لمن أشهد له به" (¬6). الأهل هنا الزوجات والبنون (¬7) وغيرهم، كباراً كانوا أو صغاراً، بينة في كتاب محمد، وهو يرد [ما وقع] (¬8) في رواية يحيى عن ابن القاسم إنما أجاز (¬9) ذلك لصغار ولده ومن (¬10) في حجره، إذ لو لم يجز إلا لهؤلاء لم يختص ذلك بالحج، والسفر، دون الإقامة (¬11). ولا معنى لما قال بعض الصقليين: إنما معنى ذلك إذا وهب العين ثم اشترى به فجعل الشراء يقوم مقام الحوز، لأن مسألة الذي وجه صدقته وهبته قد جعلها حوزاً. والعلة في ذلك [كله] (¬12) عدم التفريط (¬13) في الحوز. قال في الكتاب: وكذلك الذي يبعث بالهدية، أو الصلة وهو غائب ¬
فيموت الباعث قبل أن تصل (إلى المبعوث) (¬1) إليه تمضي (¬2) إن كان أشهد (¬3) على ذلك (¬4)، إنما جعل هذا حوزا وإن لم تصل (¬5) إلى المبعوث إليه، أو الموهوب (¬6) له، لأن هذا أقصى ما يقدر عليه، ولأن الموهوب غير مفرط في القبض، فهذا على مراعاة أن التفريط هو المعتبر (¬7) في إبطال الحوز على أحد القولين. ومن هذه المسألة يخرج، وبها عللها الشيوخ. وسيأتي بيانها (¬8) [بعد] (¬9) (إن شاء الله تعالى) (¬10). وقوله "وإن لم يشهد الباعث فأيهما مات قبل أن تصل (¬11) فهي ترجع إلى الباعث أو إلى ورثته (¬12) " (¬13). ومثله لأشهب عند محمد (¬14)، قالوا: هذا (¬15) على غير أصله المعلوم ومذهبه المحقق في أنه لا يعتبر موت الموهوب [له] (¬16)، وورثته يقومون مقامه في طلب الهبة، كما قال بعد هذا في الكتاب (¬17)، وفي غيره. وفي كتاب ابن حبيب [في مسألة] (¬18) من مات ¬
منهما رجعت لورثته. وهذا هو الجاري على الأصل المتقدم. قال القاضي: ولعل (¬1) معنى ما في الكتاب هنا (¬2) أن يقول الباعث: [أنا] (¬3) إنما تصدقت بها صلة للمبعوثة (¬4) إليه بعينه إن وجد حيًّا (¬5)، فيكون مصدقاً، إذ لا يلزمه [إلا] (¬6) ما أقر به من معروفه، إذ (¬7) [لو] (¬8) لم يشهد على أصله فيلزمه بظاهر فعله، وقوله؛ [[142] / كما قال ابن شهاب إثر المسألة: إذا قال المتصدق "وإنما أردت (¬9) بها صلته (¬10) " (¬11) إن كان أشهد على صدقته فتوفي المعطى قبل بلوغها له (¬12) ثبتت (¬13)، وليس للمتصدق فيها رجوع (¬14). وقد قيل: إن الفرق بين المسألتين أن الغائب هنا لم يسمع منه قبول، فيخرج من هذا أن عدم القبول يفسد الهبة، وإن كان الواهب حياً. وقوله في المتصدق بالحائط (¬15) وفيه تمر مأبور يقول. إنما تصدقت بالحائط دون الثمر (¬16)، القول (¬17) ................................ ¬
قوله دون يمين (¬1). ومثله في [كتاب محمد (¬2) وفي] (¬3) الواضحة في مسألة السقي: يحلف. ذهب القاضي أبو (¬4) الأصبغ بن سهل (¬5) [إلى] (¬6) أنه خلاف (¬7). قال القاضي رحمه الله: وقد يقال: ليس بخلاف، لأنه (¬8) إنما قال في الكتاب (¬9): لا يمين عليه لأنه معروف لا يلزم موليه إلا ما أقر به، ولم يدع الموهوب بياناً، إنما طلبه بحكم ما يلتزم من هبته، فلا يكون له في الثمرة شيء، كالبيع. ويكون التزام اليمين إذا ادعى عليه أنه بين، وهذا عندي الصواب، وهو الجاري على أصولهم، وقد ذكروا (¬10) الخلاف في اليمين في دعوى الهبة ببيان وتحقيق، فكيف هذا (¬11) الذي لم يدع [عليه] (¬12) شيئاً. وقد أشار بعضهم إلى أن الخلاف فيها من الخلاف فيمن أقر بنصيب لرجل في دار له، وأن (¬13) القول قوله فيما يعينه من ذلك ويحلف. فال القاضي رحمه الله: وهذا عندي غير تخريج بين، ولا صحيح (¬14). ¬
والمسألتان مفترقتان هذا مقر بحق عليه، والأول متطوع بغير حق عليه، وقد يكون الخلاف فيها إن سلمناه من الخلاف في اليمين في التهم وما (¬1) لم تتحقق (¬2) فيه الدعاوى (¬3) وهذا عندي أضعف. وقوله: "في صدقة البكر يجوز صنيعها في ثلثها إذا دخل بها وعرف من صلاحها (¬4) " (¬5). وقول ربيعة: "هي بالخيار إذا برزت فإن أقامت على الرضى بما أعطت بعد أن تتزوج جاز" (¬6). يستدل به من يرى أن بدخولها يجوز فعلها لكن [انظر] (¬7) قوله: "وعرف من صلاحها (¬8) " (¬9). فهو شرط آخر مع الدخول. ومعنى برزت (¬10): أي ظهرت وخرجت من حجيبة (¬11) الأبكار، وشهدت مشاهد النساء. ومسألة "هبة الذمي للذمي وقوله: لا يحكم بينهم" (¬12). قال بعض شيوخنا معناه أنهم لم يترافعوا إلينا، ولو ترافعوا لحكمنا بينهم بحكم الإسلام. ¬
وقيل: معناه وإن ترافعوا لم يحكم بينهم، لأن هباتهم ليست (¬1) من التظالم، وهو ظاهر لفظه هنا. لقوله: "ليست بمنزلة أخذ ماله" (¬2)، وتشبيهها (¬3) بالعتق. وقد اختلف في الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا في العتق والطلاق والزنا والنكاح. "وقول (¬4) غيره في هبة الذمي (إن كان) (¬5) من أهل العنوة لم يجبر على إتلاف ماله" (¬6). ثابتة في كتاب ابن عتاب وابن المرابط، (وغيره (¬7)) (¬8) وقال أشهب مكان غيره وصحت في كتاب ابن سهل لابن باز وحده. وقال الأصيلي: ليست في رواية القرويين، وصحت لأحمد بن خالد وحده ولم يقرأه إسحاق (¬9). و"حميد بن أبي الصعبة" (¬10) بفتح الصاد وجاء بواحدة (¬11). وفي رواية (ابن) (¬12) أبي عقبة (¬13) عن جبلة (¬14) بن أبي الصعيد بالدال ¬
وهو وهم والأول المعروف. كذا قاله البخاري (¬1) وغيره. وأرض قفار: بكسر القاف خالية من الإنس. وقوله: "إذا وهبت لرجل ما (¬2) تلد جاريتي عشرين سنة، أو ثمرة نخلة عشرين سنة، أنه جائز إذا حاز الموهوب النخل، وكذلك الجارية" (¬3). هذا بيان أن حوز الرقاب لما لم يوجد بعد من الغلل المتصدق بها حوز للصدقة، إذ لا يقدر على أكثر من هذا. وإلى هذا ذهب أبو عمران، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب (¬4). وقيل: إن الحوز لها لا يصح إلا إذا كان (¬5) في الأصول الثمر (¬6) أو الحبل (¬7) أو ما تصدق به (¬8) من غلة. ولا يصح إذا لم يوجد، وهو قول عبد الملك في كتاب ابن حبيب (¬9). وقال أشهب في الحبل (¬10): لا يصح الحوز فيه إلا بعد الولادة (¬11) كما لا يصح رهنه. وقوله: "في المتصدق بنصف دار بينه وبين رجل، أو وهب له نصف داره غير مقسومة، الهبة جائزة، وقبضها أن يحل فيها محل الواهب، ويحوز، ويمنع (¬12) مع شركائه" (¬13). ¬
ظاهره أنه لم يبق للواهب فيها (¬1) شيء، وأن الموهوب حاز ما وهب له مع إشراك الواهب، وبهذا يتبين (¬2) أن قوله نصف داره أنه لم يكن للواهب النصف الآخر، وذهب بعض الشيوخ [أن ظاهره] (¬3) أن جميعها له، لكن جوابه في الحوز لم يأت عليها إذ لا يصح حوز [هذه] (¬4) إلا بالمقاسمة. [يريد] (¬5) أو يخرجاها من أيديهما لحائز آخر، أو يسلم جميعها للموهوب. وفرق في كتاب محمد (¬6) بين العبد والدار، فأجاز بقاء (¬7) أيديهما في العبد، ويقسمان خدمته أو غلته بالأيام، ولم يجز ذلك في الرباع. وفي كتاب محمد أيضاً: التسوية بين العبد والدار، وأن (¬8) كون (¬9) أيديهما عليهما (¬10) حوز (¬11) لهما. وفي كتاب ابن سحنون: الصدقة مع بقاء أيديهما عليها (¬12) باطل. وقال ابن مزين (¬13): إذا عمرها المتصدق والمتصدق عليه كما يعمر الشريك مع شريكه، ويمنع كما يمنع، ويقضي كما يقضي حتى صار في جميع ذلك مثله بالصدقة تامة وقد حازها. قال: وهو قول ابن القاسم ¬
وعيسى، ولم ير (¬1) ذلك أصبغ بغير مقاسمة، وقد قال مالك في مسألة صدقة الأب: وحبسه على صغير وكبير فلم يخرج (¬2) من يده حتى مات أنها باطل للكبير (¬3). واختلف قوله في الصغير. قيل: الاختلاف (¬4) في جواز الصدقة فيها [على الصغير] (¬5) مبني على الخلاف في حوز (¬6) المتصدق عليه مع المصدق ما بينهما فيه شرك، فعلى القول أنه يصح (¬7) لهما يصح (¬8) للصغير، ويصح حوز الكبير لنصيبه مع الأب، لأن الكبير إذا قام لم يكن له أن يحوز نصيبه مع الأب على [143] هذا،؛ وعلى قوله: لا يصح حتى يحوز المتصدق (عليه) (¬9) أو الأجنبي (¬10)، الجميع. يأتي قوله هنا لا يصح لهما (¬11) لأن (¬12) مقتضاه أن الكبير وضع يده فيه مع الأب فلم (¬13) تصح لهما (¬14)، وأن للكبير أن يخرجه من يد الأب. وقوله هنا لأن الحبس لا يقسم (¬15) بيان من الكتاب في هذه المسألة أنه لا يقسم (¬16)، وقد سوى في كتاب محمد بين الحبس والصدقة في ¬
[جواز] (¬1) (حوز) (¬2) نصيب الصغير إذا أبرز له ذلك الأب، ومنع نفسه من منافعه (¬3). وقوله: "في المتصدق على ولد له كبار أشهد على ذلك، وأنه دفع إليهم وقبضوا ولا يعلم الشهود ذلك إلا بقولهم، ولم تكن لهم بينة أنهم قد حازوا في صحة منه فهي موروثة" (¬4). ظاهره (¬5) بيد من كانت حين التخاصم فهذا الحكم فيها وهو قول عبد الملك وابن حبيب (¬6). وقال مطرف وأصبغ: إن (¬7) كانت في يد المتصدق عليه وقت الاختلاف فذلك يكفيه مع ثبوت أصل الصدقة، والبينة على من يريد إخراجها من يده (¬8). وقوله: "فيمن وهب داراً حاضرة أو غائبة فلم يقبضها الموهوب فلا حق له وإن كان لم يفرط في قبضها لأن هذه حيازة" (¬9). هذا بين في أنه لا يراعى في عدم الحوز التفريط من غيره (¬10). خلاف ما تقدم في هذا الأصل في الهبة للغائب، وهدية الحاج لأهله أن عدم التفريط لا يبطلها إذا مات ولم تبلغ لربها، وكذلك (من) (¬11) مسألة الذي ¬
أبى أن يدفع [إليه] (¬1) الهبة فخاصمه فلم يحكم له بها حتى مات. وقوله: "إذا أوقفها السلطان حتى ينظر في حجتهم، فمات الواهب فهي للموهوب إذا ثبتت الهبة" (¬2). وكذلك قوله في كتاب الهبات: "إذا لم يقم (¬3) حتى مرض الواهب لا شيء له فيها" (¬4). وهو يحمل على أنه فرط، وفي كتاب ابن حبيب: أنه لا ينفعه الإيقاف إلا أن يحكم [له] (¬5) (به) (¬6) في حياته، وإن لم يمكنه القبض فلا يضره موته (¬7)، قال فضل: هذا خلاف ما في المختلطة. قال القاضي رحمه الله: انظر قوله: ولم يمكنه القبض، فهو يقوي ما تأولناه أنه غير مفرط، وهو قول عبد الملك أن الصدقة ما لم يفرط في (¬8) قبضها جائزة، كان القبض قبل الموت أو بعده، علم بها الموهوب أو لم يعلم [وهي] (¬9) محمولة على التفريط حتى يثبت أنه لم يفرط، وقاله ابن كنانة (¬10). وقال أصبغ ومطرف: إذا (¬11) لم يقبضها وأعجله الموت أو أمهله فالصدقة باطل (¬12). قال (¬13) عبد الملك بن حبيب: وأخبرني أصبغ (عن ابن القاسم) (¬14) ¬
عن مالك بالقولين جميعاً (¬1). وقول "ابن شهاب فيمن أعمر رجلاً بيتاً ثم قال هو لفلان بعدك، فإنه ينفذ ما قاله (¬2) إذا كان هبة للآخر" (¬3)، بفتح الخاء وكسرها وهما بمعنى واحد. وقوله في عبده المستأجر يهبه ربه لا تصح الهبة إلا بهبة الإجارة معه (¬4). (قالوا معناه أنها لم تقبض بقبض الإجارة على نحو منها أو من ربها حوز للصدقة ولمنافعه) (¬5) وأما لو (كان السيد) (¬6) قبضها ثم وهبها لكانت هبة دنانير، ولم تصح هبة العبد (¬7). وأشهب يجيز أصل المسألة. وقوله: "في باب حوز الأجنبي للكبير والطفل في رواية ابن وهب عن الليث ومالك كراهة الهبة على ألا يبيع ولا يهب" (¬8)، إلى آخر كلامه. ثم قال: وقد قاله كثير من أصحاب مالك (¬9). ثبتت هذه اللفظة الأخيرة لابن وضاح في كتاب ابن عتاب، وسقطت لغيره. وأعلم (¬10) عليها في كتاب ابن المرابط، وأوقفها. [ثم] (¬11) قال: وقال غيره (¬12) "ألا ترى أن السفيه والصغير (¬13) لهما وقت يقبضان إليه" (¬14). إلى آخر المسألة. كذا في كتاب ¬
ابن سهل، وابن عتاب، وهي رواية الدباغ، والأبياني، ووقع في بعض النسخ مكان غيره. قال (¬1) سحنون (¬2). ومعنى "طمثت" (¬3) حاضت. هي بفتح الميم في الماضي، وكسرها في المستقبل. وانظر منعه هنا حيازة الأم والأخ، وما في الشفعة واللقطة وإجازته حوز الملتقط لمن التقطه. وما في كتاب ابن حبيب (¬4) عن مطرف وعبد الملك وابن نافع وأصبغ أن حوز كل من [كان] (¬5) في حجره صغير يليه بحسبة، أو صلة رحم صحيح، يحوزون عليه ما تصدق به عليه، هو أو غيره (¬6)، كالأب والوصي، إلا ابن القاسم (¬7) فلم ير ذلك للأخ، ولا للأجنبي، إلا أن يكون وصيًّا. وابن وهب يرى الأجداد كالآباء، وكذلك الأمهات، والجدات (¬8). فقيل: كلام ابن القاسم هنا في القرابة خلاف قوله في الملتقط، وأنه اختلاف من قوله. وقوله: "فيمن تصدق بصدقة على غيره لا يكون (¬9) هو الحائز إلا أن يكون والداً أو وصياً أو من يجوز أمره عليه" (¬10) [يعني] (¬11) كوكيل القاضي. وقيل: يستفاد منه أن السيد (يحوز ما) (¬12) تصدق (¬13) به على عبده وأم ولده. ¬
ومعنى الاعتصار (¬1) للهبة في اللغة: الحبس، والمنع (¬2). وقيل: الارتجاع. قاله ابن الأعرابي. وهما (¬3) في اعتصار الهبة (صحيحان) (¬4). لأنه ارتجاع وحبس لما أعطاه ومنع (¬5) له. واعلم أن الاعتصار مختص بالهبة وحدها، وما في معناها (¬6) من العطية، والنحل، والمنحة، وشبهها، دون الصدقة والحبس، فلا اعتصار فيهما (¬7). (وكذلك الهبة والعطية والنحل وشبهها. إذا قال في ذلك لله أو لصلة رحم، أو لثواب الله، فلا اعتصار فيه (¬8)،) (¬9) كما أن الصدقة إذا شرط فيها الاعتصار فله شرطه. ودرء الحد مهموز، أي ترك، وأسقط، وأصل الدرء الدفع. وقوله: وأما العمرى بمنزلة الصدقة والحبس بمنزلة الصدقة (¬10) ثبت هذا الكلام لابن وضاح، وسقط (لغيره) (¬11)، وخط عليه في كتاب يحيى بن عمر، وهو صحيح. وقد فسره بعد هذا إذا كان على أن مرجعهما إليه، لأنهما حينئذ هبة منافع وليس بحبس بتل. [144] واختلف في تأويل؛ الكتاب هنا هل يقتضي كلامه جواز ¬
اعتصار العمرى أم لا؟ واختلف المختصرون على ذلك. قال ابن أبي زمنين: لم يعطنا فيها جواباً بيناً والذي يدل عليه لفظ الكتاب أنها لا تعتصر، وقد رأيت بعض المختصرين اختصرها على أنها تعتصر يريد بلفظ الكتاب قوله: والعمرى بمنزلة الصدقة (¬1)، والحبس بمنزلة الصدقة، والنحل بمنزلة الهبة (¬2)، ففرق بينها وبين الهبة، لكن تفسيره بعد بقوله (¬3): "يحبس الدار، أو يعمرها لابنه شهرا، أو شهرين. ليس (¬4) هذا على وجه الصدقة" (¬5). ففسر ما أجمل. وظاهره أن فيه الاعتصار. خلاف ما ظهر منه لابن أبي زمنين. وعلى جواز اعتصار العمرى اختصرها (¬6) أبو محمد. وقال في كتاب محمد: إن كانت العمرى بمعنى الصدقة لم تعتصر. وقد خرج بعض شيوخنا من العتبية (¬7) لمالك من إجازته للأب أن يأكل مما تصدق على ابنه الصغير جواز الاعتصار في الصدقة. والعمرى (¬8) مقصور، بضم العين، (وسكون الميم) (¬9). وهي مأخوذة من عمر الإنسان (¬10)؛ لأنه يسوغه (¬11) هذه العطية، والمنفعة بها مدة عمر أحدهما. ¬
والفيء: مهموز. وقوله: "الصدقة عزمة بتة (¬1) " (¬2) أي قربة (¬3) ماضية. لا رجوع فيها. بخلاف الهبة. وقول عمر [رضي الله عنه] (¬4): "الصدقة لا يرتد فيها صاحبها" (¬5). أي لا يرجع (¬6). ولا يردها. وقول عمر [رضي الله عنه] (¬7) "للوالد (أن) (¬8) يعتصر، ما دام يرى ماله" (¬9)، أي ما لم يتغير، وهو مثل قول سليمان بعده، "ما رأى عطيته بعينها، وما لم يستهلكها" (¬10). وقول مالك قبل (¬11): مثله في التغير (¬12). وظاهره بالزيادة، والنقص. وهو قول أصبغ. وقال مطرف، وعبد الملك (¬13)، لا تفيتها (¬14) الزيادة والنقص (¬15). ولم يختلف في تغير (¬16) السوق أنه لا يفيت الاعتصار (¬17). ¬
وقوله في الكتاب في غير موضع: إذا وهب واشترط الثواب، ومذهبه جواز ذلك. قال: شرط (¬1) الثواب، أو قال: للثواب، أو ريء (¬2) أنه أراد الثواب، وكذلك إذا تصدق للثواب، وعبد الملك يبطله، بشرط الثواب إذا نص على ذلك بلفظه (¬3)، هذا، أو قال: على أن يثيبني، والمسألة على أربعة أوجه: أولها: أن يهب ويسكت. وهو ممن يعلم منه طلب الثواب، إما بعادة (¬4)، أو بظاهر حال الهبة، فلا خلاف عندنا في جواز هذه (¬5). الثاني: أن يصرح، فيقول: أهبك للثواب، أو لتثيبني، فحملها اللخمي أنها كالأول، لا يختلف في جوازها. وظاهر قول عبد الملك، لا تجوز (¬6) لمنعه (¬7) ذلك بالشرط كما تقدم (¬8). وقوله: ولكن [إن] (¬9) وهب وسكت عن ذكر الثواب، ثم قام يطلبه، فهو الذي جاء فيه قول عمر (¬10): "من وهب هبة يرى أنها (¬11) للثواب" (¬12)، وإلى هذا نحا الباجي (¬13). ¬
الثالث: أن يشترط الثواب بقوله بشرط الثواب، أو على أن يثيبني (¬1)، فمذهب الكتاب جوازه كما تقدم، وكذلك [له] (¬2) في العتبية. ومذهب عبد الملك (¬3) منعه، كما ذكرناه. قال وهو كبائع السلعة (¬4) بقيمتها (¬5). الرابع: أن يقول: أهبك على أن تثيبني عوضاً (¬6) كذا بعينه، عبدك هذا، أو ثوبك هذا، ويسميه (¬7)، أو قفيز قمح، أو عبداً (¬8) نقداً، أو إلى أجل، فحكم هذا حكم البيوع في جميع حالاته، يجوز منه ما يجوز في البيوع. ويمنع منه ما يمنع فيها. ويمنع الجائز (¬9) منها بقبول الموهوب ذلك، ولعبد الملك في "الواضحة" أن هبات الثواب تنعقد بالقبض، وله في الثمانية أنها تنعقد (¬10) بالقول مع القبول، وفيها القيمة في الوجهين، لازمة ولا خيار (¬11) فيها للموهوب (¬12). وقوله: "في هبة الدنانير، والدراهم، لا ثواب فيها. فإن اشترط الثواب ففيها (¬13) الثواب، إذا شرط عرضاً، أو طعاماً (¬14) " (¬15) معناه إذا شرط (¬16) ¬
فيها الثواب، أثيب. عرضاً، أو طعاماً. وكذا (¬1) اختصرها المختصرون. أي أنه لا يجوز (¬2) أن يثاب عن (¬3) العين عيناً، وإن خالفه. ويدل عليه قوله بعد هذا في الحلي، لا يعوضه عنه، إلا عروضاً. وفي كتاب محمد، إجازة العوض عن الذهب فضة، وعن الفضة ذهباً (¬4) "وقول ربيعة: الرجل يقدم من السفر مستعرضاً" (¬5)، أي يأتي بالهدايا، واسمها (¬6) العراضة (¬7)، بضم العين، ويكون (¬8) معناه يهدي لمن أمكنه، وتعرض له، أو يكون معناه متمكناً بما يهدي فيما جلبه، وغير متكلف، كما قال (¬9) في حديث أسيفع: جهينة قد دان (¬10) معرضاً (¬11)، في تفسير هذه الكلمة من هذه المعاني. وقول ربيعة: "هدية الثواب (¬12) عندنا كالبيع، يأخذها صاحبها إذا قام (¬13) عليها" (¬14)، يعني أنها لا تحتاج إلى حوز، كما قال في الكتاب بعد هذا. ويحتمل (¬15) أن يريد أن له أن يقوم في فواتها بعد الموت، كما قال ¬
بعد ذلك: "له الثواب، عاش (¬1) الذي وهب (له) (¬2)، أو مات" (¬3). وكما (¬4) قال بعد: ولا تنتقض (¬5) بالموت. وهي كالبيع. قال في العتبية: ما لم يطل، حتى يرى أنه تركه، يريد أنه لم يطلب الثواب إلا بعد الزمان. وكذلك قوله: "أو الرجل (¬6) تدخل عليه الفائدة فيعرض صاحبها (¬7) للثواب (¬8) " (¬9). كذا رواية ابن وضاح. بالراء (¬10) عند ابن عتاب. وهو مما تقدم. ومعناه يهدي. ومنه الحديث: إن ركبا عرضوا (¬11) رسول (¬12) الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر ثياباً، أي أهدوا لهما (¬13)، ومنه عراضة العمال (¬14)، وهي ما يأتون به من هداياهم. وفي رواية [غير] (¬15) ابن وضاح: فيعوض بالواو. وكذا عند ابن عتاب. وهي رواية ابن وضاح عند ابن المرابط. وهذا (¬16) غير صحيح. يختل به الكلام. وقوله في الحديث الآخر في الزوجين: "ومعونة على ضيعته، ¬
وضيعتها" (¬1) ضيعة (¬2) الرجل، ما يكون منه معاشه (¬3). وقوله: "وإفضائه (¬4) من المعروف إليها" (¬5). أي خلوة معها، ويحتمل أن يريد ما يفردها به (¬6) من [145] معروفه، ويخصها به من إحسانه. قالوا: وليس؛ قوله هذا بخلاف. وقوله آخراً: "فلا ثواب بينهما، فيما أعطى أحدهما صاحبه. ولا عصرة (¬7)." (¬8) كذا رواية يحيى، وابن وضاح. وعند إبراهيم، وأحمد، والدباغ: ولا عوض (¬9). ولم يكن عند ابن عتاب غيره. والموهبة (¬10) بكسر الهاء، وفتح الميم، اسم لفعل الواهب. وقوله في هبة الغني: "إن قال إنما وهبته للثواب، القول قول الواهب" (¬11)، وقع في بعض نسخ المدونة (¬12) في آخر كتاب الهبات: مع يمينه. ومثله في كتاب ابن الجلاب (¬13)، وهو قول عمر [بن الخطاب] (¬14) ¬
(رضي الله عنه) (¬1) في هذا. [وقال] (¬2) وقيل: لا يمين عليه. وهو قول القاضي ابن زرب. قال أبو عمران: أما إذا أشكل فإحلافه صواب. وإن لم يشكل وعلم (¬3) أنه أراد الثواب فلا يحلف. وقول عمر: "إن هلكت أعطاها (¬4) شرواها" (¬5). بفتح الشين، وسكون الراء، مثلها. والمراد هنا، القيمة. لأنها مثل في (¬6) هذا الوجه. وقوله: "يرجع فيها إذا لم يرض منها" (¬7)، معناه يثاب، وقال عبد الملك (¬8): أي لم يعط قيمتها. فأما إذا أعطاه (¬9) قيمتها فقد أرضاه. وهذا وفاق لمذهبه في الكتاب. وقوله " (في) (¬10) الهبة إذا حالت أسواقها، لا أدري ما يقول مالك في حوالة الأسواق، ولا أرى (¬11) له شيئاً إلا هبته، إلا أن تفوت (¬12) بنماء، أو نقصان" (¬13)، وأشهب يرى اختلاف الأسواق فوتاً (¬14) فيها (¬15). ثبت هذا لابن ¬
وضاح. ولغيره: قال نعم. كذا في كتاب ابن سهل. وبعده لجميعهم بعد هذا. "قال ابن وهب: قال مالك: إن شاء أن يمسكها، وإن شاء أن يردها" (¬1). وقول عمر بن عبد العزيز: إلا أن يكون وهب شيئاً متثبتاً (¬2)، فحسن (¬3) عند الموهوب (¬4). كذا في أصل ابن عتاب، وابن المرابط، والدباغ، وهي رواية يحيى بن عمر، وأحمد بن أبي سليمان، ومعناه ما ينبت، ويزيد كالحيوان، والثمار، وفي رواية ابن وضاح: مثيباً (¬5). أي يطلب ثوابه، وعند ابن باز: ميتاً. فحيي (¬6) عند الموهوب، ولفظ (¬7) ميت، وحيي، هنا، مستعار. يريد به الحقير، يزيد (¬8)، ويصلح، ويحسن. أو أرض ميتة عمرت، وحييت (¬9) وشبه هذا. وقوله هنا: "فليقض له بشرواها" (¬10)، وفي الحديث الآخر، في المهر فيه "أن اقضه قيمته يوم وهبه، أو شرو المهر يوم وهبه" (¬11)، ظاهر هذا خلاف، وبينه قول عمر، وعثمان في ولد [الأمة] (¬12) الغارة، أنهما (¬13) قضيا فيها (¬14) بمثل الأولاد، وقد قال مالك: وذلك يرجع إلى القيمة. ¬
وقوله في هذا الحديث "يوم وهبه" (¬1)، وكذلك في الحديث الآخر، وفي حديث عمر بن الخطاب، (رضي الله عنه) (¬2) مثله (¬3). وكذا لمالك في المستخرجة، وكتاب محمد (¬4). ولابن القاسم في كتاب الشفعة من المختلطة قيمته يوم القبض (¬5). وقاله مالك في كتاب محمد أيضاً (¬6). ومسألة الوصية للقاتل تأتي في كتاب الوصايا. وقوله: "إن وهبت لرجل شقصاً من دار على عوض سميناه، أو لم نسمه (¬7)، وله (¬8) شفيع، أنه لا يأخذ بالشفعة حتى يثاب" (¬9)، وله في كتاب الشفعة: "إذا سمى الثواب فله أن يأخذ بالشفعة" (¬10). اختلف، هل هو خلاف، أم لا؟ فقيل: [هو] (¬11) خلاف، وهو قول سحنون، مرة رأى (¬12) أن الهبة عقد يلزم بنفس القبول، كالبيع، ومرة لم ير ذلك، إلا بالمثوبة لخيار (¬13) الموهوب بعد في الرد ما لم يثب (¬14). وقيل: ليس بخلاف، [وهو أظهر] (¬15). ¬
ومعنى مسألة كتاب الشفعة (¬1)، أنه (إذا) (¬2) عين الثواب، وقبل الموهوب فهو بيع، لا خيار لأحدهما (¬3) فيه، وما هنا (¬4) لم يعين ثواباً. ويتأول قوله: "على عوض، سمياه" (¬5)، أي شرطا (¬6) العوض والثواب، وسميا (¬7) لفظ العوض، ولم يعينه، ولا ذكر نوعه. وقوله: "ولم يسمه" (¬8)، أي أرسل الأمر، وسكت. ومقصده العوض، والثواب. وإلى هذا نحا أبو عمران، وقال (¬9): ويحتمل (¬10) الخلاف. وقيل (¬11): معنى مسألة الشفعة (¬12) أن الموهوب رضي بدفع الثواب، وهنا بعد لم يلزمه نفسه. وقوله: "إن (¬13) أقرضته دنانير على أن يحيلني (¬14) على غريم له بمثلها إلى أجل، وإنما أردت أن يضمن لي دنانير، لا خير فيه. كانت المنفعة (¬15) للمسلف، أو للآخر، إلى آخر المسألة" (¬16). زاد في رواية ابن أبي عقبة: "قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: لا بأس بهذا، إذا كانت المنفعة للذي ¬
يقبض (¬1)، الدنانير. وهو سهل" (¬2). وهذا أبين عندي. قال القاضي رحمه الله: ظاهر هذا الخلاف، وقد يحتمل الوفاق، لأن في الكلام الأول مراد المسلف لمنفعته، وليس ذلك (¬3) في الثاني. وقوله: "فيمن قال داري للمساكين، أو لرجل بعينه، ما كان من ذلك على وجه اليمين، للمساكين، ولرجل بعينه، فلا يجبره السلطان على إخراجه. وما كان من ذلك على غير يمين، وإنما بتله لله، فليخرجه السلطان. إذا كان لرجل بعينه" (¬4). كذا في كتاب ابن عتاب. والأبياني. وكثير من الرواة (¬5). وعليه اختصرها (أكثر المختصرين) (¬6). وهو قول أشهب، أنه لا يقضى به إلا إذا كان لرجل بعينه. وفي كتاب ابن سهل: فليخرجه السلطان إذا كان للمساكين، ولرجل (¬7) بعينه. وعلى هذا اختصرها أبو محمد بن أبي زيد. وابن أبي زمنين. وكان في كتاب ابن المرابط موقوفاً. وهو نص ما في كتاب ابن المواز. أنه يقضى بما جعل للمساكين. وذكر ابن أبي زمنين الرواية الأخرى. قال: وهو أصح. وقوله في مرجع الحبس: "يرجع إلى أقرب الناس بالمحبس، حبساً عليه، رجالاً كانوا، أو نساء" (¬8) بينهما. وما وصل به كلامه من قوله: "يرجع إلى أولى الناس بالمحبس بميراثه من ولده، وعصبته (¬9)، وذكرانهم، ¬
وإناثهم، يدخلون في ذلك" (¬1). وتفسير هذا (¬2) أيضاً ما في آخر كتاب الوصايا الثاني. عصبة كانوا أو بناتاً، ولو لم يبق من قرابته إلا امرأة واحدة (¬3)، وهو نحو ما في كتاب محمد (¬4)، إنما يدخل فيه من [146] النساء من لو كان ذكراً كان عصبة. لقوله: "ولده، أو عصبتهم؛ ذكورهم، وإناثهم" (¬5). قال ابن القاسم: مثل العمات، والأم، والجدات، يريد للأب، والأخوات، والبنات، وبنات البنين، وبنات العم، وبنات الإخوة. ولا يدخل فيه بنات الأخوات، ولا بنات البنات، ولا [بنات] (¬6) الإخوة للأم، ولا بنات العمات (¬7). وعند عبد الملك، أنه لا يدخل فيه من النساء، إلا من يرثه، (يريد) (¬8) من عصبته، أو بنيه، كبناته، وبنات بنيه، وكأخواته، دون العمات، وبنات الأعمام، وبنات الإخوة (¬9). واختلف في الأم: ففي العتبية لابن القاسم ليس لبنات المحبس شيء في المرجع، إنما ذلك للعصبة. ووقعت في آخر كتاب الهبات مسائل لم تكن في رواية ابن وضاح. وكمل الكتاب في روايته عند مسألة "تغير الهبة يزيد الموهوب بزيادة أو نقصان" (¬10). ¬
وقوله: "فالقيمة له لازمة" (¬1)، فجاءت في كتاب ابن عتاب بعد هذا مسائل (¬2) كثيرة، وكتب عليها: تكررت في الحبس، والصدقة. وزاد في كتاب ابن المرابط أيضاً مسائل (¬3) كثيرة (¬4). وقال: ليست في رواية أبي العباس الأبياني. منها: "إذ أفلس الموهوب للثواب، وقد تغيرت الهبة، فقال الواهب: أنا أولى بهبتي، أن له ذلك، إلا أن يرضى الغرماء بدفع القيمة له فهم أولى" (¬5). ومسألة من باع من رجل جارية، فولدت عنده، ثم ماتت، ففلس، أو ظهر (¬6) على عيب (¬7). ومن وهب من مال ابنه الصغير (¬8)، وإذا تزوج بمال ابنه الصغير، أن قيمتها على الأب، ولا سبيل للابن إليها، وإن كان كبيراً أخذ ماله حيث وجده (¬9). ومسألة أنه لا يجبر الابن على تزويج والده الغريم (¬10)، ومسألة جواز هبة السيد عبده المأذون لرجل وقد اغترقه الدين. وجواز بيعه إذا بين (¬11). ¬
كتاب العارية
كتاب (¬1) العارية (¬2) هي بتشديد الياء. قوله: في الذي أذن لرجل أن يبني في عرصته، فأراد أن يخرجه، مكانه أو لأيام ليس له [ذلك] (¬3) فيما قرب إلا أن يدفع إليه قيمة ما أنفق (¬4). كذا هنا في كتب شيوخنا. وهى رواية أصبغ عنه. وسقطت لفظة: قيمة (¬5) في بعض الروايات. وزاد في بعض النسخ: حيًّا قائماً (¬6). وكذا في كتاب ابن المرابط. وفي موضع آخر من الكتاب: يعطيه ما أنفق (¬7)، وهي رواية الدمياطي عنه (¬8). ¬
وقد تكلم الناس في تأويل اللفظين، واتفاقهما، واختلافهما بما [لا] (¬1) يحتاج إلى تكراره. وتقدم منه شيء. وفي (¬2) مختصر حمديس: أنه إذا أعطاه ما أنفق يعطيه قدر إجارة مثله في كفايته، ليس على قيامه فقط، لأن رب الأرض قد يجد ما ينفق، ويعجز عن القيام، ولولا ذلك لم يشأ (¬3) من عجز (¬4) عن القيام أن يعير أرضه، فإذا استوى البناء والغرس أخرجه. وقال: هذه نفقتك، وسلم ذلك. وقوله: بعد إذا سكن ما يظن أنه أعاره لمثله، له أن يخرجه، ويعطيه قيمته منقوضاً (¬5). ثبت في أكثر الروايات. وسقط منقوضاً لابن هلال. وحقيقة مذهبه إثباته، خلاف ما حكى ابن حبيب عن شيوخه أن قيمة ذلك كله قائما على كل حال (¬6). وقوله في مسألة عبد الرحيم، في اختلاف المعير والمستعير، في ركوب الدابة، القول قول المستعير، إن كان يشبه قوله مع يمينه (¬7). قال أبو عمران: هذا يدل أن العارية إذا كانت مسجلة مهملة أنها تحمل على عوائد الناس في مثلها. وقال ابن وضاح: أمر سحنون بطرح المسألة كلها. وقوله (¬8) في الذي أكرى دابة (¬9)، أو استعارها، فأكراها، أو أعارها ¬
لغيره فعطبت، لا ضمان عليه (¬1). سوى (¬2) بينهما في طرح الضمان خاصة. وأما في غير ذلك فيفترق. فانظرها (¬3) في الأكرية. وقوله في مستعير العرصة عشر سنين ليبنيها على أن يترك البنيان لربها، إن كان بين البنيان، وضرب أجلاً، جاز. لأنه من وجه الإجارة، وإلا لم يجز، لأنه غرر (¬4). ثم "قال: ويكون النقض لرب النقض، فإن كان سكن كان عليه كراء الأرض (¬5) " (¬6). قالوا: وسواء سكن، أو لم يسكن، عليه الكراء (¬7). ووقع في بعض النسخ: يكون النقض لرب الأرض بقيمته (¬8). وفي بعضها: النقض لرب الأرض قائماً، لا مقلوعاً (¬9). واختصرها أبو محمد: وله أن يعطيه قيمته منقوضاً. وسحنون يقول: قيمته قائما يوم بناه (¬10). وفي العتبية لابن القاسم في المعاملة في الرحى (¬11) الفاسدة، قال: قيمته منقوضاً. من سماع عيسى ويحيى. قال يحيى: قائماً (¬12). والخلاف ¬
فيها (¬1) مبني، هل صار البناء لرب الأرض حين بناه بشرطه، أو هو باق على ملك بانيه لتحجير (¬2) قبضه، إلى الأمد؟. والأحسن أن تكون قيمته قائما كأنه (¬3) بناه (¬4) بوجه شبهة، ليأخذ له عوضاً (¬5). والعمرى: بسكون الميم، مأخوذ من العمر. أي كأنه قال: أسكنتك إياها عمرك، (أو عمرك) (¬6)، وعمر (¬7) عقبك. وكذلك لو قال: عمري. والرقبى (¬8) بضم الراء، وسكون القاف، مقصورة (¬9). فسرها في الكتاب (¬10). ومعنى اسمها، كأن كل واحد منهما يترقب عمر صاحبه، وإنما فسرت لكونها من جهتين، فخرجت عن حكم الوصايا، وعن حكم المعتق (¬11) إلى أجل، ولو كانت من جهة واحدة، مثل أن يقول: إن مت فاخدم (¬12) فلاناً حتى يموت، ثم أنت حر. فهذا كالتعمير (¬13) والعتق بعده، وكالوصية بالخدمة، ثم بالعتق بعد انقضاء أجلها جائز كله. وقاله ابن كنانة. وكذلك يفسد (¬14) لو كان عبداً (¬15) من جهة واحدة، وداراً من جهة أخرى. ¬
قالوا: وظاهر الكتاب أنها وصية بعتق إلى أجل. وقد بين في الكتاب أنها ليست بعتق إلى أجل. وقوله: "أليس هذا فارعاً (¬1) من رأس المال" (¬2) بعين مهملة، أي خارج. وقوله في الشهود: "إذا شهدوا أنه ما باع، ولا وهب على البت، هي غموس. وقد شهدوا بباطل (¬3) " (¬4)، قالوا: معناه (¬5) أنه باطل كذب. إذا (¬6) شهدوا بما لم (¬7) يتحققوه من علم الغيب، لأن حكمهم حكم [147] / شهود الزور في غيرها. ثم اختلفوا (¬8) هل هي عاملة (¬9) لإشكال لفظ الكتاب، لأنه قال بعد ذلك. " [قال مالك] (¬10): ويستحلف هو على البتات، ثم يقضى له بالدابة" (¬11). فذهب بعضهم إلى أن الشهادة عاملة على ظاهر كلامه، وإن رآها باطلاً (¬12)، وهو بعيد. وذهب آخرون إلى أنها ساقطة. وأن في الكلام وذكر استحلافه (¬13) ¬
تقديم وتأخير. وأن الاستحلاف مقدم، متصل بالمسألة الأولى التي الشهادة فيها صحيحة، من قوله: "لا يشهدون على البتات، إنما يسألهم عن علمهم" (¬1). وقوله في الذي بعث رسولاً إلى رجل ليعيره دابته إلى برقة، فقال له الرسول: إلى فلسطين، فعطبت عند المستعير، واعترف الرسول بالكذب، أنه ضامن، دون المستعير. فإن قال الرسول: بذلك أمرني، وقال المستعير: ما أمرتك إلا إلى برقة، فلا يكون شاهداً (¬2). ثم قال إثر (¬3) المسألة: "والمستعير ضامن، إلا أن تكون له بينة على ما زعم أنه أمره به الرسول" (¬4). ثبتت هذه الرواية في كتبنا (¬5)، وأصول شيوخنا، من قوله: والمستعير ضامن إلى آخر الكلام في (كثير من) (¬6) رواية الأندلسيين، والقرويين. وليست في رواية سليمان بن سالم، ولا يزيد بن أيوب. وصحت في رواية يحيى بن عمر. وقال أبو القاسم اللبيدي: وهي مطروحة من رواية جبلة (¬7) [بن] (¬8) حمود (¬9). وأدخلها أبو محمد بن أبي زيد، وغيره من المختصرين. وأسقطها البرادعي. ¬
وقد قال أشهب: لا يضمن (¬1) المستعير. ويحلف أنه ما أمره إلا إلى برقة (¬2). قال بعضهم: و [هو] (¬3) كذلك، يجب أن يقول ابن القاسم. كما قال في مسألة عبد الرحيم، في اختلافهم في المسافة، أن القول قول المستعير. وقال آخرون: بل المسألتان خلاف، وإنما ضمن المستعير في هذه، إذ لا يقطع على كذب المعير، إذ لا حقيقة عنده، مما قاله الرسول. وفي مسألة عبد الرحيم هو مكذب للمعير (¬4). ¬
كتاب الوديعة
كتاب (¬1) الوديعة (¬2) قوله في الكتاب: "بلغني [عن مالك] (¬3) أنه سئل عن رجل (¬4) أنه استودع (¬5) مالاً فدفعه (¬6) لامرأته [تدفعه له] (¬7) فلم ير عليه ضماناً" (¬8). وقال ابن القاسم: إذا استودعه امرأته، وخادمه (¬9)، ليرفعاه (¬10) في بيته لم يضمن (¬11). فإن هذا مما لا بد منه. وقال أيضاً بعد هذا محتجاً له: "فكذلك في زوجته وخادمه اللتين (¬12) ¬
يرفعان له، لا ضمان عليه، إذا دفعها إليهما ليرفعاها له في بيته" (¬1). حمل ذلك بعض الشيوخ على الخلاف. وأنهما قولان. فابن (¬2) القاسم شرط عادتهما معه (¬3) في ذلك. ومالك لم يشترطه (¬4). وأكثرهم حمله (¬5) على الوفاق، والتفسير وهو ظاهر الكتاب، يدل عليه قياس ابن القاسم لها على قول مالك إذا خاف فاستودعها (¬6) غيره لا يضمن (¬7)، فكذلك امرأته. قال أبو عمران: كأنه يقول: إذا احتاج إلى رفع زوجته وخادمه من أجل أنهما اللذان يرفعان (¬8) له، ويطلعان (¬9) على أسراره جاز لضرورته (¬10)، كما جاز للذي أراد سفراً، أو خرب منزله. وأما قوله بعد: "وأما العبد والأجير، فعلى ما أخبرتك" (¬11). ظاهره أنه كالمرأة، والخادم، على ما تقدم من تفصيله، وعادته معهما، على ما اختصره المختصرون. وهو مقتضى (¬12) مراده، ومفهومه من الكتاب. ويدل عليه مسألته، والاحتجاج بعد ذلك بقول مالك المتقدم في الزوجة. ولا فرق بين معنى الخادم والأجير. وقد تأوله بعضهم فيما حكاه القاضي ابن سهل، في [بعض] (¬13) ¬
تعاليقه. بخلاف الزوجة وضعفه، كما (¬1) هو تأويل ضعيف. وكذلك حمل بعضهم قول أشهب في تضمينه، في إيداعها الخادم عبداً كان أو أجيراً (¬2)، وإن كان في عياله على الخلاف، وحمله آخرون على الوفاق، وأن معناه [من] (¬3) ليس من عادته إيداع متاعه، ورفع ماله عنده. قال محمد: إذا جعل ذلك عند غير من بيده ماله، والقيام [به] (¬4)، ضمن. وقوله: "إذا أراد سفراً له إيداعها" (¬5). معناه وربها غائب. وهي بينة في الكتاب بعد هذا. قال: إن لم يكن حاضراً فيردها عليه له أن يستودعها. وقوله: إذا خرج بالوديعة (¬6) ليطلبهم بها فهو ضامن (¬7)، لأنه عرضها للتلف. خرج [بعض] (¬8) الشيوخ الخلاف في هذا الفصل من مسائل وقعت في كتاب ابن حبيب، لأصبغ، في توجيه القاضي مال الأيتام. ولمالك في كتاب محمد في الأوصياء، وفي المبضع لحدث (¬9) له إقامة، وأشباهها، [من] (¬10) جواز السفر بالمال، وتوجيهه لأربابه، ورفع (¬11) الضمان في ذلك. وخرج بعضهم [هذا] (¬12) من المدونة أيضاً، من كتاب الجهاد، من ¬
مسألة المستأمن يموت عندنا، ويترك مالاً (¬1). [وقوله: "فليرد ماله لورثته ببلده، وقال غيره (¬2): يدفع ماله لحكامهم (¬3) " (¬4) لأنه (¬5) مات عندهم] (¬6) وقوله في خلط الحنطة إذا خلطها على وجه الحرز، والرفع، فلا ضمان عليه (¬7) ببينة، إن خلطه (¬8) لما يخلطه إنما (¬9) لا يضمنه إذا كان لهذا وشبهه من النظر. لأن جمعها أحرز لها (¬10) من تفريقها، أو أرفق به من شغل مخزنين بذلك، وكرائهما، وحيطتهما. وهو المراد بالرفع، وأن الخلط إذا كان لغير (¬11) هذا من تعد، أو أخذها لنفسه، إنه فيها ضامن. ولا فرق في هذا بين الطعام والدراهم. وقوله: لأن "دراهم هذا تعرف من دراهم هذا" (¬12) يدل (على) (¬13) أنها مختلفة، وإن خلط الدراهم المختلفة لا يضمن به (¬14)، لأنها تتميز، وكذلك يجب لو خلط دنانير عنده (¬15) وديعة، بدراهم له في كيس (¬16)، لم ¬
يضمن [لأنها تتميز] (¬1). وقوله في خلط الصبي قمح الوديعة بشعير المودع: "أن لهما أن يتركا الصبي، ويشتركان. هذا بقيمة [148] شعيره. وهذا بقيمة حنطته" (¬2). يريد بعد معرفتهما بالكيل.؛ وهذا مذهب أشهب أيضاً. ومنعه سحنون. وقال: لا يجوز رضاهما بذلك. كما لا يجوز لرجلين خلط مثل ذلك على أن يشتركا. واختلف في معنى شركتهما التي (ذكر) (¬3) في الكتاب. فحكي (¬4) عن سحنون أن [مراده أن] (¬5) يشتركا بقيمة ما لكل واحد منهما غير مختلط (¬6). وقيل: [بل] (¬7) بقيمتهما مختلطين (¬8). وقيل: بقيمة (¬9) القمح معيباً، بما خلطه من الشعير. وبقيمة الشعير مجرداً، إذ لا يعيبه خلط القمح، وكذلك (¬10) قال سحنون. وقوله: [بعد ذلك] (¬11) "قلت (¬12): بقيمته (¬13) بالغاً ما بلغت. قال: لا، ولكن (¬14) ينظر إلى كيل حنطته، فيقوم، وكيل شعيره (¬15)، فيقوم، ويكونان ¬
شريكين" (¬1). هذا لفظ فيه تلفيف، وإشكال. وبيانه (¬2): أنه لا يراعي اختلاف قيمته الآن، أو الأخذ (¬3) بأرفع القيم، إذ [قد] (¬4) تختلف الأسعار، وإنما يراعى قيمتهما يوم الخلط، والعد. أو تفسير هذه الشركة بعد هذا على مذهب ابن القاسم، أنه إذا بيع القمح المخلوط اقتسما (¬5) الثمن على قدر قيمة طعام كل واحد منهما (¬6). وقال أشهب: [بل] (¬7) يكونان شريكين على السواء، لا على القيم. يعني بالكيل، لأن كل واحد منهما [كأنه] (¬8) بادل نصف طعامه بنصف طعام صاحبه، والكيل سواء، ولم يجزه على القيم، لأنه عنده كابتداء (¬9) شركة على خلط النوعين، وذلك لا يجوز. وقوله: "في العبيد إذا أخذوا الودائع بإذن سادتهم (¬10)، هو دين في ذمتهم (¬11) " (¬12). يريد وأموالهم كسائر الديون، وكذلك نص عليه في كتاب محمد (¬13). وهو دليل الكتاب من قوله بإثر المسألة: ما (¬14) أفسده (¬15) الصناع ¬
من العبيد أنه في ذممهم (¬1)، وأموالهم (¬2). وقوله في الذي بعث بمال إلى بلد ليدفعه (¬3) لرجل فهلك الرسول بالبلد، ولم توجد البضاعة، ولا اعترف المبعوث إليه بقبضها، يحلف من ورثة الرسول الكبار، ما يعلم لها سبباً، ولا شيء لرب المال في تركة الرسول (¬4)، وخالف في هذا أشهب. وقال: هو ضامن. حمله أكثرهم على الخلاف. وتأول حمديس قوله في الكتاب، أن هذا فيما تطاول. وأن الذي يجيء على أصله في القرب أن يضمن. وكذلك ضمنه في كتاب محمد. وقوله فيمن دفع وديعة عنده لرجل، وقال لربها: بذلك أمرتني، وأنكر ربها، هو ضامن، إلا أن تقوم له بينة بأمره بذلك (¬5)، ولم يقل في الكتاب أنه قامت البينة على دفعها، وكذلك يأتي على أصله. وكذلك (¬6) قال أشهب: هو ضامن، وإن شهدت البينة بأمره (¬7)، حتى تقوم البينة على أنه دفع (¬8). وفي المبسوط (¬9) لابن وهب عن مالك: إن لم يشهد ربه (¬10) عليه بها صدق الرسول أنه أمره بذلك ويحلف. وفي كتاب ابن حبيب لعبد الملك، أن الرسول مصدق بكل حال، كان ¬
ديناً، أو صلة. أنكره (¬1) القابض، أو أقر له. إلا أن يقول [له] (¬2): اقض عني فلاناً (¬3) دينه علي، فيضمن إن لم يشهد (¬4). وقوله: "إذا أمره أن يدفع المال إلى فلان فدفعه، وصدقه المدفوع إليه إنه بريء" (¬5). يريد وإن لم تقم البينة (¬6) على الدفع. وكذا (¬7)، هو (نص) (¬8) في بعض نسخ المدونة (¬9)، مبيناً كما سنذكره بعد. وقد اختلف في تأويلها. فذهب ابن لبابة وغيره، أن معنى المسألة أنه (¬10) صدقه المبعوث إليه فهو مصدق، والرسول بريء، سواء كان القابض لها قبضها من حق، أو وديعة. وهو ظاهر الكتاب، وعليه اختصر (¬11) أكثرهم، وهو أبين (¬12) في كتاب ابن حبيب. وقال حمديس: إنما يجب أن يكون على أصله فيما أقر به المبعوث إليه [من حقوقه] (¬13)، أو على وديعة هي قائمة بيده، وأما التي أقر بقبضها (¬14)، وادعى تلفها، أو جحد القبض، فلا يبرأ الرسول إلا ببينة على الدفع (¬15). ¬
وقاله جماعة من النظار الأندلسيين: ولفظه في الكتاب محتمل أن يكون من حق، أو وديعة (¬1)، لأنه إنما قال: أمره أن يدفع (¬2) المال إلى فلان. وصدقه المدفوع إليه. وفي بعض روايات المدونة: المسألة مكررة بلفظ آخر، أبسط من هذا، وأبين في الحجة. وفيها: فدفعه له بغير بينة، وهي ثابتة، صحيحة في رواية الدباغ. وكذا جاءت في كتاب ابن عتاب (¬3). وقوله: "في الذي بعث بالمال لرجل، فيقول المبعوث [إليه] (¬4): تصدق به علي، ويصدقه الرسول، ويجحد رب المال، قال: يحلف المبعوث إليه مع شهادة الرسول" (¬5). ظاهره جواز شهادته بكل حال، فعلى (¬6) هذا تأولها القاضي إسماعيل، وهو قول عبد الله (¬7) بن عبد الحكم، أن شهادة الرسول جائزة بكل حال، لأنه لم يتعد (¬8) لإقرار بها له (¬9) أنه أمره بالدفع إلى من ذكر، فشهادته جائزة (¬10). وذهب سحنون (إلى) (¬11) أن معنى ذلك أن المال يزيد الرسول بعد لم يدفعه، ولو دفعه كان ضامناً، أو أنهما حاضران (¬12)، والمال حاضر، ولو ¬
أنفقه المبعوث إليه لم تجز شهادة الرسول (¬1)، لأنه يسقط الضمان عن نفسه. وقال أشهب: لا تجوز شهادة الرسول، لأنه يدفع عن نفسه الضمان (¬2). وتأول أبو محمد مذهب أشهب على قريب من مذهب سحنون، أن المتصدق عليه عديم (¬3) وقد أتلف المال، ولا بينة للرسول على الدفع، وأما (¬4) وهو ملي، أو قامت للرسول (¬5) بينة على الدفع فشهادته جائزة (¬6). وجعل بعضهم قول ابن القاسم وأشهب وفاقاً على [نحو] (¬7) ما ذهب إليه سحنون. وتأوله ابن أبي زيد (¬8). وهو مفهوم كتاب (¬9) محمد، وتعليله للقولين (¬10) أن (¬11) كل واحد منهما إنما تكلم على وجه لم يتكلم عليه الآخر. وقول ابن عبد الحكم ينبني (¬12) على (¬13) اختلافهما، لقوله: هو أحب ما سمعت إلي في ذلك (¬14). وقوله في المقر عند موته بودائع: "إن كان ممن لا يتهم فالقول ¬
قوله" (¬1)، يعني يتهم في إقراره له، لا أنه [149] أراد؛ تهمة (¬2) المقر في نفسه. ومسألة المستودع لرجلين عند من تكون منهما؟. أجاب عليها في الكتاب، في مسألة الوصيين، أنها تكون عند أعدلهما. وإن (¬3) لم يكن فيهما عدل وضعه السلطان عند غيرهما (¬4). ثم قال ابن القاسم آخراً: وأراه مثله (¬5). [قيل ذلك] (¬6) سواء. ويكون عند الأعدل. وهو قول أشهب، إلا أنهما إن اقتسماها لم يضمناها (¬7). وهذا (¬8) ظاهر قول ابن القاسم، إلا قوله في الوصيين، "فإن لم يكن فيهما عدل، وضعه السلطان عند غيرهما" (¬9)، فهذا الفضل مختص بالوصيين. وذهب سحنون، والقاضي إسماعيل، أنهما بخلاف الوصيين، وأنها لا تكون عند أحدهما، ولا تنزع منهما (¬10). قال إسماعيل: ولا يقتسمانها (¬11)، وليجعلاها حيث يثقانه (¬12)، وأيديهما فيها (¬13) واحدة. ¬
وقوله في الكتاب في المنفق على دواب الوديعة، إن لم تكن له على النفقة بينة، (ولكن) (¬1) له البينة أنها عنده منذ سنة، ثم قال: له النفقة (¬2) إذا قامت على ذلك بينة (¬3) أنها وديعة (¬4). كذلك الرواية (¬5). ولابن أبي سليمان زيادة، أنها (¬6) عنده وديعة (¬7)، ولا فرق بين الروايتين، متى قامت البينة أنها بيده، وتحت نظره، كما قال في الضوال، والإباق. وقوله في الذي أنفق الوديعة على أهل صاحبها وأقروا له بذلك لا ينتفع بإقرارهم، إلا أن تقوم له بينة على ذلك (¬8)، ويبرأ (¬9) إذا كان ما أنفق يشبه (¬10). زاد في رواية ابن وضاح، وابن باز، ولم يكن صاحب الوديعة يبعث (¬11) إليهم بالنفقة (¬12). وسقطت (¬13) لابن هلال. وبها تتم المسألة، وتصح على أصله. وكذا (¬14) بينها أشهب (¬15). ووقع في بعض نسخ المدونة وقال غيره: إن صدقه أهله، وولده، وأقر رب الوديعة أنه لم يكن بعث إليهم [بشيء] (¬16) فلا شيء على ¬
المستودع. إذا [كان] (¬1) يشبه نفقة مثلهم، وإن (¬2) أنكر [رب] (¬3) الوديعة، وقال: كنت أبعث إليهم النفقة (¬4) ضمن المستودع ما أنفق (¬5). وقوله في الذي زوج الأمة الوديعة وقد ولدت، رفي الولد وفاء لما نقصها التزويج، لا شيء عليه، ويردها ولا يغرم ما نقصها (¬6)، معناه إن أراد أخذها، ولو أراد تضمينه أخذ قيمتها بغير ولد. كذا جاء مفسرا بعد هذا في الكتاب. وقال (¬7) ابن أبي زمنين: إذا أخذ قيمتها فعلى أنها خالية (¬8) من زوج يوم بنى بها الزوج". وفي حاشية كتاب أبي عبد الله بن عتاب، عن بعض الشيوخ: قيمتها يوم تعدى عليها في إنكاحها. وقوله في المدونة بعد هذا: "وإن أحب أخذها وولدها، وإن أحب أن يضمنه إياها إذا نفست، ويأخذ قيمتها" (¬9). واختلف في معنى هذا اللفظ. فقال ابن أبي زمنين: سقطت لفظة: إذا نفست من بعض الروايات. وسقوطها أصح. وتأول بعضهم اللفظ، أن معناه أن التخيير إنما يكون بعد النفاس، ومزايدة الولد لها، إذ حينئذ يكون ولداً، ويجبر نقصها. وقد يحتمل أن يريد بالنفاس الحمل على تجوز في (هذا) (¬10) ¬
اللفظ، لكونه بسببه (¬1). كما أن قوله قبل هذا يوم بنائه بها فيه تجوز. فقد (¬2) يكون الحمل بعد البناء بمدة، وإنما تقوم من الوقت الذي تحقق فيه حملها. وقوله في الذي استسلف من وديعة عنده ثم ردها أنه يبرأ. أرأيت إن أخذها على غير وجه السلف فردها، أيبرأ؟ قال: هو عندي سواء (¬3)، فلم يفرق بين أخذها على وجه السلف ليردها، أو على غيره. ولم يبين ما ذاك (¬4) الغير: أهو تعد؟ أم وجه آخر غير السلف؟. وظاهره أن الجميع سواء. لأنه إنما لزمت ذمته، فقد (¬5) أخرجها عنه (¬6)، وصرفها لأمانته، كما كانت قبل وكالسلف (¬7)، سواء (¬8). وقيل: لعل معناه إن لم يعرف أنه قصد التعدي، ولو عرف قصده (¬9) بأخذها التعدي، وأن يأكلها ولا يردها، لكان ضامنا على كل حال، ولو ردها ببينة، لأنه قد أخرج نفسه من الأمانة بالتعدي. ¬
كتاب اللقطة والضوال والإباق
كتاب اللقطة (¬1) والضوال (¬2) والإباق (¬3) اللقطة بضم اللام، وفتح القاف (¬4): ما التقط. وأصل الالتقاط وجود الشيء على غير طلب، وقصد. "والعفاص" (¬5): الوعاء الذي فيه الشيء الملتقط (¬6). "والوكاء" (¬7)، ممدود: الخيط، أو الشيء (¬8) الذي يشد به، وقد قاله بعضهم بالعكس. وهو وهم. والأول الصواب عند أهل اللغة (¬9). وهي عبارة ¬
عن كل شيء له وعاء [وشيء] (¬1) يشد به. فإن لم يكن فما (¬2) [يقوم] (¬3) ذلك من معرفة صفته الخاصة به. "والركاز" (¬4) دفن الجاهلية. لأنه يركز في الأرض (¬5). وأصل الركاز الثبات (¬6). وقد تقدم في [كتاب] (¬7) الزكاة. وقوله: "والركاز كله فيه في قول مالك الخمس، ما نيل منه بعمل، وما نيل منه بغير عمل" (¬8)، [هو] (¬9) خلاف ما له في كتاب الزكاة، والموطإ [أن] (¬10) ما تكلف فيه (¬11) بكبير (¬12) عمل فليس بركاز (¬13). وقوله في اللقطة: "القليل والكثير في هذا سواء، الدرهم فصاعداً، إلا أن يحب بعد السنة أن يتصدق (¬14) بها" (¬15). اختلف في تأويله. فقيل: (إنه) (¬16) لم يرد هنا، أنه سواء في التعريف بها سنة، وإنما أراد بالتسوية التعريف فقط. ثم يختلف حكمه في أنه لا ¬
يلزم (¬1) التعريف بها سنة، لأنه في حيز اليسير، بدليل قوله عن مالك: "أنه كان يكره له أن يتصدق بها قبل السنة (¬2) (إلا الشيء التافه اليسير" (¬3)، لأنه في حكم اليسير. وقوله: إن السلطان يجبر ملتقطها على دفعها لمعرفها) (¬4) إذا عرف عفاصها، ووكاءها (¬5). ولم يذكر يمينا. فظاهر مذهبه في المدونة أنه لا يمين على المعرف (¬6). وعليه حمل شيوخنا مذهب ابن القاسم (¬7). وقال [150] الأشهب: عليه اليمين (¬8)؛ وإن أبى فلا شيء له (¬9). وثبت قول أشهب (¬10) في كتاب أبي إسحاق ابن إبراهيم. ونقله ابن عتاب في كتابه، وخرج إليه، ونقلته كذلك (¬11) من كتابه. وكذلك وقع في بعض النسخ، وهو لابن القاسم في كتاب السرقة، فيما يؤخذ من أيدي السراق، قال: ويحلف (¬12). وقوله: "إذا التقط لقطة ليعرفها، فبدا له فردها فضاعت" (¬13). ثم ذكر مسألة "ملتقط الكساء وبين يديه رفقة، فصاح بهم، ألكم الكساء، فقالوا: لا. فرده في موضعه، لا شيء عليه. وقد أحسن حين رده (¬14) في ¬
موضعه" (¬1)، لا خلاف أنه إذا أخذها بغير نية التعريف، كما أخذ هذا الكساء [أنه] (¬2) غير ضامن، إذا صرفها بموضعها في الحين (¬3). واختلف إذا أخذها بنية التعريف، ثم بدا له، فردها بالقرب (¬4). واختلف تأويل الشيوخ على كلام ابن القاسم في ذلك، في الكتاب. فقيل: أنه بخلاف الأول، وأنه ضامن، لأنه (¬5) إنما أخذها بنية التعريف، فلزمه حفظها، والأول لم يأخذها بنية ذلك، فالقرب والبعد في ذلك سواء. واحتجاجه بعد في المسألة يدل على ذلك، وكذلك حكى (¬6) القاضي عبد الوهاب في المسألة (¬7). فتأول آخرون أن مذهب ابن القاسم أنه لا يضمن، إذا ردها بالقرب (¬8). (بدليل قوله بعد [ذلك] (¬9): "فأرى أن من) (¬10) أخذها على غير هذا الوجه حتى يبين (¬11) بها على ذلك الموضع، إلى قوله: فإن رده بعد ما ذهب به، ومكث في يده فهو ضامن" (¬12). وقوله: "والذي أراد مالك إنما (¬13) رده مكانه من ساعته" (¬14). وإليه نحا اللخمي. ¬
واختلف إذا رده بعد زمان. فذهب ابن القاسم أنه ضامن على ما تقدم. وذهب أشهب أنه لا يضمن (¬1). والمهامه: القفار. واحدها مهمه (¬2). وكذلك الفيافي. واحدها فيفاء. ممدود (¬3). وحذاء الإبل (¬4)، المراد به (¬5) أخفافها (¬6). استعارة لصبرها على المشي (¬7)، كمن لبس الحذاء. وسقاؤها: المراد به صبرها أياماً على الماء. كمن حمل معه سقاء ماء، فاستغنى به [في سفره] (¬8). استعارة أيضاً. والإباق، بكسر الهمزة اسم الذهاب في استتار. وهو الهروب. والأبق، بالفتح، وسكون الباء أيضاً، وفتحها معا، وهو اسم الفعل. والمصدر. يقال: أبق، يأبق. وأبق، يأبق. وبعضهم يقول فيه: كتاب الأباق (¬9)، بضم الهمزة، وتشديد الباء، جمع آبق. وقوله: إذا اعترف آبق (¬10) بشاهد، حلف معه. "قلت: فهل يرى مالك أن يحلف صاحب الحق مع شاهدين. قال: [لا" (¬11)، قيل: هذا في الأموال كلها، ولم يورد مسألة الآبق. ¬
وقيل: بل هذا راجع إلى الآبق، ويحتمل أن] (¬1) يكون ذلك إذا كان الآبق يدير أنه حر. ولا ينازع فيه. ولو كان فيه تنازع (¬2) لحلف أنه ما باع، ولا وهب، وكذلك في استحقاق الأموال. وقوله فى الجارية الآبقة، إذا باعها السلطان، فجاء صاحبها، فقال: ولدت مني، ومعها ولد (¬3). وفى رواية غير يحيى، وولدها قائم (¬4)، وهما بمعنى. وسقط اللفظان في رواية يحيى. إذا كان ممن لا يتهم على مثلها ردت عليه (¬5). ثم قال: "فإن لم يكن معها ولد، فقال: قد كانت ولدت مني، قال: لا أرى أن ترد" (¬6). كذا رواية أكثر الأندلسيين. وعند ابن عتاب أرى ألا ترد. وهي رواية ابن اللباد. وفي رواية أكثر القرويين: أرى أن ترد إن كان لا يتهم على مثلها (¬7). وكذلك بلغني عن مالك. وهي رواية يحيى. وعلى هذا اختصرها أَبو محمد، وابن أَبى زمنين، وأكثرهم. وكذلك ذكرها ابن حبيب عن ابن القاسم. قال فضل: وكذلك قال عبد الملك. وما أرى ما [في] (¬8) داخل الكتاب (¬9) إلا وهما، إلا أن يكون ابن القاسم حمل إقراره بعد بيعها كإقراره في المرض على أحد القولين في كتاب أمهات الأولاد. وهو مذهب أشهب. ¬
قال القاضي رحمه الله: وذكر سحنون قول (¬1) أشهب (¬2) في الكتاب بعده ليس يقبل قوله، إلى آخر كلامه، يدل أنه حمله على خلافه. وتصحح (¬3) رواية ترك الرد. وفرق بعض الشيوخ بين اعترافه بعد بيعه هو لها. قال: لا يقبل (¬4)، إذا لم يكن معها ولد. وبين هذه المسألة، لأن بيعه (¬5) لها مكذب لدعواه الآن. وفي (¬6) بيع السلطان لم يأت منه تكذيب، فيقبل قوله، إن لم يتهم فيها بصبابة (¬7). وثبت قول أشهب في كتاب ابن عتاب وغيره. وثبت في كتاب ابن المرابط من رواية ابن وضاح، ويحيى بن عمر. وسقطت في كتب (¬8) بعضهم وروايته. وقوله في العبد الرهن يأبق، المرتهن مصدق في إباقه، ولا يبطل من حقه شيء، ويحلف (¬9). كذا في كتب شيوخنا، وفي أصل ابن عتاب [وابن سهل] (¬10)، وهي رواية الدباغ. وعلى هذا اختصرها أَبو محمد، ورواه غيره، ولا يحلف. وعلى هذا اختصرها البرادعي (¬11). وقوله فيمن أعتق الآبق عن ظهاره. ثم وجده على ما يجوز من الظهار، أجزأه ذلك (¬12). ¬
قال فضل: إنما يجوز إذا كان يوم أعتقه صحيحاً. ووجده حين وجده صحيحاً. وكذلك قال ابن حبيب. ولم يبينها ابن القاسم. واختصرها ابن أبي زمنين على نحو لفظ الكتاب مبهمة. واختصرها أَبو محمد: يجوز إن (¬1) جهله أولاً. ¬
كتاب حريم الآبار
كتاب حريم الآبار (¬1) معنى هذه الكلمة، حق البئر الذي يمنع أن يحدث (¬2) أحد فيها ما يضر بها. وأصل الحرام والتحريم والحرمة المنع. والمحارم من النساء الممنوع نكاحهن لمحارمهن. والحرام ما منع إتيانه. فحريم البئر، هو ما يتصل بها من الأرض التي من حقه (¬3) ألا يحدث (¬4) فيها ما يضر بها، لا باطناً، من حفر بئر، يشف ماءها (¬5)، أو يذهبه، أو مطمر (¬6) نجاسة تصل إليه برشحه (¬7)، أو ظاهراً، كالبناء، والحرث، والغرس، والنزول الذي يضر [151] بالمنتفعين، ويضيق عليهم في ورودهم ومسارحهم،؛ ومعاطن إبلهم، ومرابض (¬8) مواشيهم (¬9). وكذلك إن حفرها ليزرع عليها في موات الأرض، فحريمها قدر ما يحتاج إليه حافرها مما يقوم به سقي (¬10) مائها، ويقدر على زرعه وعمله، هذا أصل مالك وجل أصحابه في هذا الباب، ¬
دون تحديد (¬1). قال في الكتاب: "ليس للآبار عند مالك حريم محدود، ولا للعيون، إلا ما (لا) (¬2) يضر بها" (¬3) كذا في أصل ابن عتاب، وغيره من الأصول. وعليه اختصر (¬4) كثير من المختصرين. وفي رواية يحيى: إلا ما يضر بها [كذا رواه سحنون قال يحيى: والصواب إلا ما يضر (¬5)، قال فضل] (¬6): وكذا (¬7) قرأناه على غير يحيى. قال القاضي رحمه الله: وكلاهما صواب، إن شاء الله تعالى. ومعنى إلا ما يضر (بها) (¬8). يعني فهو من حريمها. وعلى قوله: إلا ما لا يضر، يعني فهو غير (¬9) حريمها. فالوجهان على هذا التوجيه صحيحان. وعند جماعة من العلماء ومن أصحابنا تحديد حريمها. وعن ابن نافع في البئر العادية - وهي القديمة - خمسون ذراعاً. وفي البادية وهي التي ابتدئ حفرها. خمسة وعشرون (¬10). وكذا جاء في الحديث وعن أبي مصعب عكس هذا في العادية، والبادية. قالا: وفي بئر الزرع خمس مائة ذراع (¬11). [قال ابن المسيب (¬12): ثلاث مائة ذراع، وروي عنه خمس مائة ¬
ذراع (¬1)] (¬2) وروي في حريم العيون خمسمائة ذراع. وفي حريم الأنهار ألف ذراع (¬3). ومعناه أن هذا كله من جميع نواحيها، لمن اختطها في الموات، يزرع عليها، أو يغرس، ولا يضيق عليه في ذلك أحد، هو أحق بذلك القدر من غيره. والكلأ بفتح الكاف، مقصور، مهموز، العشب. وما تنبته الأرض مما يأكله المواشي. ونقع البئر، بالقاف الساكنة، بعد النون المفتوحة، هو المعروف (¬4). وفي أكثر الروايات. حيث وقع في المصنفات، ورويناه عن بعض شيوخنا في الموطإ (¬5) بالفاء، والقاف معاً، وإن كان للفاء معنى يصح فهو تصحيف لا شك فيه. واختلف في معنى "نقع البئر" (¬6). فقيل: هو ماؤها. وقيل: كل ما استنقع فيها، فهو نقع. وقيل: هو فضل مائها. وقيل: هو في الجار ينهار بئره فلا يمنعه جاره من فضل مائه ¬
لإحياء (¬1) زرعه. وقيل: ذلك في البئر بين الشريكين، يتم أحدهم سقيه، ويبقى من قسمه شيء، فليس له منع شريكه هذه الفضلة، إذ لا منفعة له فيها (¬2). وقيل: هو الموضع الذي يلقي فيه ما يكنس من البئر. وقيل: هو مخرج مسيل مائه، والتأويل الأول، والثاني، والثالث، أصح. يبينه الحديث الآخر. لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ (¬3). وقد ذهب بعض العلماء إلى حمل هذه الأحاديث في منع بيع الماء، ومنعه على العموم (¬4)، ونحوه في العتبية (¬5)، في ظاهر قول يحيى بن يحيى. وقوله في المدونة: فلت: الحديث الذي جاء: لا يمنع فضل الماء (¬6) والكلأ (¬7)، والناس (¬8) فيه شركاء (¬9). كذا في كتاب ابن سهل، وابن المرابط، وكثير من النسخ. وهذا اللفظ غير معروف في الحديث. وفي كتاب ابن عتاب: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ. على نص ما جاء في الحديث. وعلى هذا ذكره في الكتاب بعد ذلك بسطرين، أو ثلاثة. ولكن مجيئه بالحديثين، وسؤاله عنهما، يدل على اختلاف معاني ألفاظهما ¬
عنده (¬1). والله أعلم. وبئر الشفة: هي التي حفرت للشرب لشفاه الناس (¬2)، وتأمل قوله: "فيمن اشترى شرب يوم، أو يومين. هذا الذي قال مالك: لا شفعة فيه. لأنه ليس معه أرض" (¬3). فانظرها، وما كتبناه (¬4) فيها في الشفعة، والقسمة، هذه ليس فيها قِلْدٌ. وقوله: "إنما جاء حديث عمر بن الخطاب في هذا بعينه، أنه كان له مجرى ماء في أرض محمد بن مسلمة، فأراد أن يحوله إلى (¬5) موضع آخر أقرب إلى أرضه من ذلك، فأبى عليه الرجل، فأمره عمر أن يحوله" (¬6). كذا وقع في كتاب ابن عتاب، وابن المرابط، وابن سهل. وفي بعض النسخ: في أرض رجل (¬7)، مكان ابن مسلمة. وهو الصحيح. وليست هذه قضية محمد بن مسلمة. فقضيته في المسألة الأخرى التي قبلها، "في رجل له ماء وراء أرضي وأرض دون أرضي، فأراد أن يجري ماءه إلى أرضه في أرضي. فمنعته. قال مالك: ذلك لك. وليس العمل على حديث عمر في هذا" (¬8). فهذه قضية محمد بن مسلمة، مع الضحاك بن خليفة. وابن مسلمة: هو المحكوم عليه. وأما الأخرى: فإنما هي قضية عبد الرحمن بن عوف (¬9) مع ¬
جده (¬1) عمرو بن يحيى المازني. وعبد الرحمن في هذا، هو المحكوم له. وفد ذكر مالك الحديثين في الموطأ (¬2)، على ما نصصناه (¬3). فدل أن رواية: رجل أصح. ووهم على مالك في المدونة من قال فيه محمد بن مسلمة. وتأمل قوله في الكتاب: "لو أن رجلاً حفر بئراً بعيدة من بئر جاره كان أحياه قبل ذلك، فانقطع ماء البئر الأول، وعلم أن ذلك من حفر هذه البئر الثانية، أنه يردم البئر التي حفر" (¬4). ذهب بعض الشيوخ إلى التحريم من قوله: وكان إحياؤها قبل ذلك، أن هذه التي حفر فيها آخراً لو كانت هي التي أحييت أولاً لم يمنع هذا من حفر بئر فيها، وإن أضرت بالأول، ولأن هذا أحيى أولاً، ومالك ظاهر الأرض، وباطنها. ولهذا اشترط في الكتاب في مسألة: إن أحيى الأرض التي تقدم حفر البئر فيها كان أولى، ولا التفات عنده على هذا إلى تقديم (¬5) حفر البئر [ولا تأخيره، وإنما يلتفت إلى الأرض المحياة أولاً، فهي أحق بكل حال. ¬
قال: وإنما يلتفت إلى تقدم حفر البئر] (¬1)، إذا لم يعرف أيهما أحييت أولاً. فرجح السابق بحفر البئر على مذهب ابن القاسم. وأشهب يخالفه، ويرى له إذا لم يجد بدا أن يحفره في ملكه، إذ يستضر بترك الحفر كما يستضر صاحبه بالحفر. وموات الأرض (¬2): ما لم يعمر منها. وفتق الأنهار بفتح القاف: تفجيرها. وإحياء الارض: عمارتها. وذلك بعشرة أشياء: سبعة متفق عليها، وثلاثة مختلف فيها. فالمتفق عليها (¬3): نفجبر الماء فيها، بحفر بئر، أو فتق (نهر (¬4)، أو شق) (¬5) عين. الثاني: إخراج الماء عن عامرها به منها. الثالث: البناء. الرابع: الغرس. الخامس: الحرث، وتحريك الأرض بالحفر، ونحوه. السادس: قطع شجرها، وغياضها (¬6). السابع: كسر أحجارها، وتسوية خروبها، وتعديل أراضيها. ¬
[152] الثامن: التحجير عليها. وهو ضرب حدود حول ما يريد إحياءه منها؛ ولم يحيه بعد. التاسع: رعي كلإها. العاشر: حفر بئر ماشية فيها. فهذه الثلاثة ليست عند ابن القاسم بإحياء، وعند أشهب إحياء (¬1). قال: وينتظر بالحجر ثلاث سنين. كما جاء عن ابن عمر. وأشهب أيضاً عنده إنما يكون إذا عرف أنه إنما حجرها ليعملها عن قريب، وتعذر ما يمكنه عمله منها. وقول عمر في الذي فتح على جاره في غرفة كوة (¬2) يوضع وراءها سرير، ويقوم عليه رجل، فإن كان ينظر إلى ما في الدار منع من ذلك (¬3)، المراد بالسرير هنا، السرير المعلوم. ومثله الكرسي وشبهه، لا على ما قال بعضهم: [إنه] (¬4) السلم. لأن في وضع السلم أبداً والصعود عليه تكلفاً، لا يفعل أبداً إلا لأمر مهم، وليس يسهل الصعود بكل أحد، ومثله التكشف منه، لا يتعذر إذا نصب من شرفات الدار، وأعاليها. وذلك غير معتبر. وأما السرير، والكرسي، فلا يؤمن أن يقصد الصعود عليه للاطلاع. إذ ليس في وضعه، والصعود عليه، كبير تكلف. وقال ابن أبي زمنين: السرير فرش الغرفة. كذا سمعت بعض مشايخنا يفسره. قال القاضي رحمه الله: وما ذكرناه أولى، لقوله: يوضع وراءها. وهو بين. لأن الغرفة لا تسمى إلا إذا كانت بفرش. قالوا: ومعنى قوله: "وينظر إلى ما في الدار" (¬5). معناه إذا اطلع من ¬
هذه الكوة، واستبان منها من دار الآخر الوجوه، فإن لم يستبن الوجوه لم يكن ذلك الاطلاع ضرراً. وقوله في المرتهن: إذا أذن للراهن في كراء رهنه (¬1) يبطل بنفس الإذن. وإن لم يكن. زاد في بعض الروايات. وقال أشهب (¬2): لا يكون خارجاً من الرهن حتى يكري، وهي في كتاب ابن عتاب محوق عليها. وساقطة من أكثر النسخ. وقول أشهب في غير المدونة صحيح، مشهور. ¬
كتاب الوصايا الأول
كتاب الوصايا الأول ذكر في الحديث الوارد في الوصية: ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة (¬1). وفي رواية غير مالك (¬2): يريد أن يوصي (¬3). وفي رواية الزهري: يبيت ثلاث ليال (¬4). حمل ذلك عامة العلماء على الندب (¬5)، والتحضيض (¬6). وقال أهل الظاهر: هو على الوجوب (¬7)، لقوله: ما حق امرئ مسلم. ومعناه عند الكافة: لا ينبغي (له) (¬8). لا أنه (¬9) حق عليه، وإنما هو حق له. ¬
وفي قوله: يريد أن يوصي، وصرف ذلك إلى إرادته دليل على غير الإيجاب، إلا لمن عليه تبعات (¬1)، من حقوق الله، أو الآدميين (¬2)، فواجب عليه الإشهاد (¬3). وقال بعضهم: إنما تجب عليه الوصية في ذلك فيما له بال، وجرت العادة فيه بالإشهاد، من حقوق الناس (¬4). وأما اليسير من ذلك، وما يجري بين الناس، من المعاملات (¬5)، فلو تكلف (¬6) الإنسان [الوصية] (¬7) به كل يوم، و [كل] (¬8) ليلة مع تجدده، لكلف (¬9) شططاً. وقال [بعضهم] (¬10): الحديث على العموم، في الصحيح والمريض (¬11). وخصه بعضهم بالمريض. ومعنى قوله عند العلماء مكتوبة: [أي] (¬12) مشهود عليها (¬13). وأما إن لم تكن (¬14) بإشهاد، فلا تمضي (¬15). قال القاضي: ومعناه إذا كتبها ليشهد فيها. وأما لو كتبها بخطه، وقال: ¬
إذا مت فلينفذ ما كتبت (بخطي) (¬1)، فلينفذ ذلك، إذا عرف أنه خطه، كما لو أشهد. ولصحة (¬2) الوصية (¬3) ثلاثة (¬4) شروط: العقل، والحرية، وصحة ملك المال الموصى فيه. فالعقل المشترط فيها: هو ما يصح به التمييز بما يوصي به. فلا تصح (¬5) من مجنون، ولا سكران، ولا صبي صغير لا يعقل، (ولا مبرسم (¬6)) (¬7). ولا تصح من عبد، لأنه لا يملك (ماله) (¬8) حقيقة، ولا يتصرف فيه إلا بإذن غيره. ولا له فيه (¬9) معروف، وإن كان مأذوناً، والوصايا من باب المعروف. ولا تصح (¬10) ممن لا يملك التصرف بالمعروف في ماله من الأحرار [من] (¬11) المستغرقي الذمم بحقوق (¬12) غيرهم، إذ المال لغيرهم، ولا وصية لموص في مال غيره، ومن عدا هؤلاء الثلاثة (¬13)، من ذكر، أو أنثى، ¬
بالغ، أو غير بالغ، رشيد أو سفيه، محجور (عليه) (¬1)، أو مطلق، فوصاياه نافذة. وقوله " (في الذي) (¬2) يوصي بعشرة من عبيده يعتقون، وعبيده خمسون، فمات منهم عشرون يعتق (¬3) ثلثهم بالسهم، وإن خرج فيه أقل من عشرة، أو أكثر" (¬4)، هذا (هو) (¬5) أصله، وهو وفاق (¬6) لما في أول (باب) (¬7) السهم في العتق الأول، وموافق لما يأتي في الجزء الثاني، بعد هذا في مسألة الشياه، (وأنه) (¬8) إنما يراعي الجزء، دخل فيه ما دخل، ولا يلتفت إلى العدد، بخلاف ما له في آخر باب السهم، في العتق الأول، من مراعاة العدد ما حمله (¬9) الثلث، وقد بينا ذلك (كله) (¬10) في العتق (¬11)، وقول من جعل ذلك قولاً واحداً، أو وهم أحد الجوابين، أو جعلها قولين، وفسرناه غاية التفسير. فانظره (¬12) هناك. وقد أشار بعضهم إلى أن مسألة الشياه في أول هذا الكتاب مخالفة أيضاً، وهو قوله فيه: "يعطيه العشرة (¬13). قال (¬14): يدخل (¬15) في تلك ¬
العشرة ما دخل" (¬1). كأنه أراد (¬2) أنه (¬3) من القيمة. وظاهره عندي أن معناه يعطيه ما يجب لعشرة بالسهم، يدخل فيه (¬4) من العدد ما دخل على أصله، وعلى ما بيناه (¬5) في العتق. وقوله هنا: "لم يسمهم" (¬6). يدل أن مذهبه في الكتاب لو سماهم، فقال: أعتقوا عشرة من عبيدي، فلاناً، وفلاناً، إنهم بخلاف إذا لم يسمهم. وإنهم يعتقون بالحصص عند ضيق الثلث. كما قال محمد (¬7) وسحنون. وفي كتاب ابن حبيب لمطرف، وعبد الملك: يقرع [بينهم] (¬8)، كما لو لم يسم. و"جرير بن حازم (¬9) " (¬10) بالجيم، في اسمه، وراءين مهملتين، وبالحاء المهملة في اسم أبيه، والزاي (¬11). و"أَبو قلابة (¬12) الجرمي (¬13) " (¬14) ...................................... ¬
بالجيم والراء (¬1). و"سعد بن خولة (¬2) " (¬3)، بسكون الواو، مولى سعد (¬4)، يدعى دهوري (¬5)، بفتح الدال، وسكون الهاء. كذا لابن وضاح. (وعند ابن باز: دهوراً) (¬6). و"علي بن رباح (¬7) " (¬8) بفتح العين، وبعضهم يضمها، ويفتح (¬9) اللام على التصغير (¬10)، واسم أبيه رباح بفتح الراء، وباء بواحدة، هذا هو الصحيح، (المعروف) (¬11) [153] ومعنى "البائس (¬12) " (¬13) في الحديث (¬14): ¬
المحروم، الذي أصابه البؤس (¬1)، والبأساء. يريد لما فاته؛ من فضل الموت، وعظيم الأجر بالأرض التي (¬2) هاجر إليها، وموته بالأرض التي هاجر منها، لاكما (¬3) زعم بعضهم، أنه لم يهاجر، لصحة هجرة سعد، وكونه بدريًّا. وهذا المعنى هو الذي خشي سعد من موته بمكة، لقوله: أخلف بعدي (¬4) أصحابي. فأعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك لا يكون. وقوله في معتق الغلامين، أنه غشي [على] (¬5) الآخر (¬6). كذا رويناه (¬7). أي أسفاً لما فاته من العتق. وكذا هي في أكثر النسخ بغين معجمة، مضمومة من الغشي (¬8) الذي هو الإغماء (¬9)، وفي كتاب أحمد بن خالد: وعشي بعين مهملة مفتوحة، وفسره بأنه (¬10) جاوزه (¬11) السهم، وأخطأه (¬12). وهذا اللفظ (¬13) بعيد عن (¬14) هذا المعنى في اللغة، إلا على تجوز (¬15) بعيد. وقوله: "لا بخس (¬16)، ولا شطط" (¬17). البخس: النقصان. والشطط: ¬
الزيادة. وأصله البعد. أي لا يبعد فيما يقوم به من الزيادة. ومسألة من كتب في وصيته، إذا مت (¬1) من سفري، أو مرضي، وأبهم (¬2) الوصية، وقد جعلها على يد غيره، أو أبقاها في يده (¬3)، جاءت في الكتاب فيها مسائل، يبين بعضها بعضاً، وبعضها فيه إشكال، وبعضها (¬4) اختلف في تأويله، وبيان ذلك (كله) (¬5)، وتحقيقه على (أصل) (¬6) مذهبه [في الكتاب] (¬7)، مما يفسر في غيره، [أنه] (¬8) إذا كان إشهاده في غير كتاب في المبهمة فهي [وصية] (¬9) ماضية أبداً، لا ينقضها (¬10) إلا بتغيرها (¬11) ونسخها، أشهد في مرض، أو صحة. فكان أشهد في غير كتاب في المقيدة بسفره أو مرضه، فإن مات في ذلك نفذت من غير خلاف، وإن مات بعد البرء والقدوم بطلت بغير خلاف. وهذا كله منصوص في الكتاب، غير مشكل، فإن (¬12) كتبها وهي مقيدة، وجعلها بيد (¬13) غيره، فهي نافذة أبداً، بغير خلاف، ما لم يغيرها. كذا نص في الباب الأول. فإن أخذها من يد من جعلها على يديه، بعد قدومه، أو برئه، بطلت، بغير خلاف (¬14). وهذا معنى ما في الكتاب في الباب الثاني. وعليه حمل الشيوخ جوابه ¬
هذا (فيه) (¬1)، في قوله: يوصي في مرضه، أو عند سفره (¬2). أن معناه عند (¬3) الوصية. لقوله: إن مت في سفري، أو مرضي، فإن أشهد في المقيدة ولم يخرجها من يده حتى مات في غير مرضه ذلك، أو في غير سفره ذلك، ففي المجموعة (¬4) [لمالك] (¬5)، وفي العتبية (¬6) لابن القاسم فيها قولان. أحدهما: جوازها (¬7). والثاني: إبطالها حتى يخرجها إلى يد (¬8) غيره، ويبقيها عنده (¬9). والقولان مستخرجان من المدونة. أما (¬10) إبطالها فمن قوله في الباب الثاني: "وليس لمن (¬11) يريد أن يجيز (¬12) وصيته (أن) (¬13) يأخذها، ولا يجعلها على يد نفسه، وإنما تنفذ إذا جعلها على يد غيره" (¬14)، فهذا ظاهر بقوله (¬15) آخر الكلام: إنما تنفذ إذا جعلها بيد غيره (¬16). وبقوله (¬17): "إذا أمسكها عند نفسه حتى مات، قال: وصيته جائزة. قال ابن القاسم: وهذا إذا ¬
كانت وصية مبهمة، لم يذكر فيها من مرضه، ولا من سفره" (¬1). وأما ما يدل على القول الثاني، فقوله بعد هذا في المسألة [بعدها] (¬2): إذا أوصى، فقال: "إن حدث لي حدث من (¬3) مرضي هذا، أو سفري هذا، فلفلان كذا، وكتب ذلك، فبرئ من مرضه، أو قدم من سفره، فأقر وصيته بحالها. (قال: وصيته بحالها (¬4)) (¬5) ما لم ينقضها. فمتى مات فهي جائزة، وإن برئ من مرضه، أو قدم من سفره" (¬6). وهما تخريجان ظاهران، على أن محمداً تأول المسألة، أنه أخرجها بيد غيره على القول الأول (¬7)، ودل على القولين أيضاً بقوله في الكتاب: "وإنما اختلف [الناس] (¬8) في السفر والمرض (¬9) " (¬10). وفيها قول ثالث، عن مالك في المجموعة، رواه عنه أشهب، وابن القاسم (¬11)، وعلي، وابن نافع، أنها تنفذ (¬12) إذا مات من مرض آخر، أو سفر آخر. [قاله أشهب] (¬13). قال: والاستحسان أن تنفذ وإن مات (¬14) في غير مرض، أو سفر (¬15). ¬
وأما إن أشهد على المبهمة المطلقة في كتاب، فأقره عنده حتى مات، أو على يد غيره حتى مات، فهي جائزة، ماضية، بغير خلاف، ما لم يغيرها. كتبها في صحته، أو مرضه (¬1). وهذا نص في الكتاب. وإن قبضها من يد من جعلها على يديه، فذكر بعض شيوخنا أنها تبطل بغير خلاف في المبهمة. أخذها منه في صحته، أو مرضه. وهو تأويل (¬2) ابن شبلون وغيره على مذهب الكتاب. وظاهر تأويل أبي محمد إنما نص (¬3) استرجاع المقيدة، لا المبهمة المطلقة (¬4). وترجح أَبو عمران في ذلك على تأويل مسألة الكتاب بين الوجهين. وقال: هي محتملة أن يريد بقوله الجواز، أو البطلان، وأن يريد بقوله كله في الكتاب إذا ارتجعها بطلت على المقيدة، وإن ردها (¬5) على الجميع فظاهره بطلان الجميع. قال: ولفظ الكتاب محتمل، وفيه إشكال (¬6). ولا فرق بين تقييدها (¬7) بموت، أو سفر، أو مدة من الزمان، أو بلد من البلدان. وقوله: "إذا أقر وصيته بيد غيره، وقد قدم من سفر، وهي وصية (¬8) بحالها، ما لم يقبضها، (ويروى ما لم ينقضها) (¬9) " (¬10) كلاهما صحيح [بين] (¬11)، لأن قبضها من يد غيره نقضها على ما تقدم. ¬
وقول "ابن شهاب في المسألة: إذا قدم من سفره ذلك، أو يقر (¬1) وصيته، ويروى: ويقر. ويروى: ثم يقر وصيته كما هي، لا يذكر (¬2) منها شيئاً، هي (¬3) وصية إذا لم يغيرها" (¬4)، [ما] (¬5) لم يذكر [أنه] (¬6) أخرجها على يد غيره، وأنها بيده، فهي محتملة أن تكون (¬7) على هذا وفاقاً لإحدى الروايتين. قال أَبو عمران: يحتمل الوفاق والخلاف. "وقول ربيعة في المسألة: إنما ولي شيء نفسه (¬8) " (¬9) كذا للأبياني، ولسائر الرواة: إنما (¬10) ولي شيئاً يقسمه لنفسه (¬11). ومسألة إنكاح الوصي، والولي (¬12) الثيب (¬13) مبين في كتاب النكاح. و"حديث أبي الزبير المكي (¬14): أن أبا عمرو بن دينار [أعتق في وصيته غلامين له" (¬15)، الحديث. كذا في كتابي، وفي كتاب ابن سهل ونسخ كثيرة، وجاء في بعض الروايات أن أبا عمرو بن دينار، أو] (¬16)، كذا ¬
[154] في كتاب ابن المرابط، عن الأصيلي. وفي كتاب أبي عبد الله بن الشيخ عن وهب؛ بن مسرة، وفي كتاب دراس (¬1) بن إسماعيل، وهو عندي الصواب إن شاء الله. و"عبد الرحمن بن أبي الموالي (¬2) المدني (¬3) عن عبد الحكيم بن عبد الله (¬4) " (¬5)، كذا ضبطناه عن ابن عتاب مصغراً. وفي بعض نسخ المدونة (¬6): عبد الحكم (¬7) غير مصغر. و"أشهل بن حاتم" (¬8) بشين معجمة. وقول "ابن وهب عن مالك: إذا طبع على وصيته، ودفعها إلى آخر، وأشهدهم أن ما فيه منه، ولا تفضوا (¬9) خاتمه حتى يموت، ذلك جائز" (¬10). ظاهره أن الكتاب عندهم لم يخرج من أيديهم. ¬
ومسألة "ابن القاسم قبله إذا كتب (¬1) وصيته، ودفعها إلى رجال أشهدهم عليها ذلك جائز، إذا عرفوا أنه الكتاب بعينه" (¬2). ظاهره أيضاً أنها بقيت عندهم، فإذا كان هذا، فهو وفاق بين الروايتين. وقد (¬3) يحتمل الخلاف، وأنه إنما يجيزها (¬4) في رواية ابن وهب، إذا طبع عليها، ويكون معنى الأخرى أنه (¬5) دفعها (إليهم) (¬6) للإشهاد (¬7)، وأمسكها عند نفسه، فيجوز في رواية ابن القاسم، إذا عرفوها. ولا يجوز في رواية ابن وهب حتى تكون عندهم مطبوعة، كأنه خشي الزيادة، والتغير فيها. فقال (¬8) أشهب: لا يشهد إذا لم [يكن] (¬9) الكتاب عنده، وشك في طابعها، إلا أن لا يشك في الطابع (¬10). وقال (¬11) عبد الملك: ذلك إذا كانت بطابع الشاهد، وأما بطابع الميت فلا. لأنه قد يزيد فيها، ثم يعيد طبعه، وذهب بعض الشيوخ إلى تصويب هذا كله، وجواز الشهادة به، ولو زاد فيه، لأنه إنما أشهدهم على ما فيها، وعينها، فكأنه (¬12) أشهدهم على كل ما يزيد (¬13) فيها، ويستقر (¬14) عليه ¬
أمرها (¬1). وإليه نحا اللخمي (¬2). وقال غيره: متى كان فيها بياض على الطبع فلا يشهد، إذ لا يصح أن (¬3) يشهد بما لم يشهد عليه، ولم يكتب بعد، وإليه نحا أَبو عمران. وقوله فيمن اشترى من مال يتيمه: "ينظر السلطان، فإن كان فيه فضل، كان (لليتامى) (¬4). وإلا (¬5) ترك" (¬6). ظاهره أنه ينظر (¬7) فيه الآن، وإن لم يكن فيه فضل، فلا بد من النظر فيه يوم البيع بالقيمة، والسداد. وقال (¬8) في المجموعة: يعاد إلى السوق (¬9). وقال (¬10) عبد الملك: ينظر فيه الحاكم يوم يرفع إليه، فإن كان سداداً أمضاه، وعند ابن كنانة: ينظر فيه يوم الشراء (¬11). وقوله "في شهادة [الوصي] (¬12) للورثة (¬13): تجوز إذا كان الورثة كباراً، عدولاً" (¬14)، أولى ما يقال (¬15): إن مراده هنا بالعدالة الاستقامة، والرشد في حاله، والاعتدال في أموره، وأخلاقه. لا عدالة (¬16) التزكية، ¬
والشهادة. كما قال آخر الكلام، إذا كانت حالهم مرضية، وقد يكون مراده (¬1) هنا أنهم غير فساق، على أحد القولين عندنا في اشتراط الصلاح في الرشد (¬2). والخروج من الحجران. ويكون معنى هذا فيمن رشده الوصي من محجوريه، لئلا يتعقب عليه بعد، للخلاف في ذلك (¬3). وقوله: "في الرجل يموت، فيشهد على موته امرأتان، ورجل أنه إن لم تكن له زوجة أو أوصى (¬4) بعتق، ولم يكن إلا مال يقسم، جازت شهادتهن" (¬5). كذا عندنا. وفي كثير من النسخ. وثبت في كتاب ابن المرابط، وابن سهل، وابن الشيخ. وأوقف في كتاب ابن عتاب قوله (¬6): وشهد على موته امرأتان، (ورجل (¬7)) (¬8)، بعد أن خرجها (¬9) بخطه. وثباتها يبين المسألة في صحة شهادة النساء على الموت، ويظهر أن قول ابن القاسم هنا خلاف لمذهب سحنون (¬10)، وربيعة، في شهادة النساء على الولادة (¬11). ........................................................ ¬
وسقوطها (لا يكون خلافاً) (¬1)، ويكون (¬2) معناها أن الموت (ثبت) (¬3) بغيرهم، وإنما شهدوهم في الوراثة. وفي الباب ابن وهب عن مالك (¬4)، وعمر (¬5) بن قيس (¬6) (¬7). كذا الرواية. وعند أحمد بن خالد: وعمر بن محمد (¬8). وقول سحنون، في قول (¬9) يحيى بن سعيد، في ثلاثة أوصياء أوصى أحدهم لغير شريكه في الوصية جاز ذلك له. قال سحنون: لسنا نقول بذلك، إلا أنه يزع (¬10) من يزعم أن الوصي لا يوصي بما أوصى به إليه (¬11). معنى (¬12) يزع (¬13): يكف، ويمنع. يريد أنه يحتج (¬14) به عليه. وبمثل ¬
قول سحنون هذا، قال (¬1) يحيى بن عمر. قال: وإنما (¬2) ذلك للسلطان، إن شاء جعل غيره مكانه، أو أفرد الثاني. ولأشهب مثل قول يحيى بن سعيد في الكتاب. وقوله في الذي يوصي لأم ولده على أن لا (¬3) تنكح أجازه في الكتاب (¬4) وعلى ما في السليمانية لا يجوز (¬5) لأنه بيع وسلف. واختلف فيما باعته بم يرجع عليها؟ هل بقيمته، أو بثمنه؟ (¬6). فإن كان شرط إن تزوجت سقط إيصاؤها (¬7) فهو يسقط بالعقد لا بالدخول (¬8). ومسألة تصديق (¬9) الوصي في دفعه نفقة اليتامى، فإن ادعى ما يشبه من ذلك صدق فيه (¬10). قال مالك، وابن القاسم، وأشهب: بعد يمينه (¬11): ¬
وهذا (¬1) مما لا يختلف فيه، لأن ما يشبه قد يكون، أو لا يكون. وقد يصدق فيه [ويكذب] (¬2). قال أبو عمران: ولو أراد الوصي أن يحسب (¬3) ما لا بد منه، ولا شك فيه بحال، ويسقط طلبه فيما زاد فلا يمين. قال القاضي رحمه الله: لا بد من اليمين، إذ قد يمكن أن يستغني الأيتام عند مقدار تلك النفقة التي لا شك فيها، أياما متفرقة (¬4)، أو متوالية، لمرض، أو سبب (¬5)، أو صلة من أحد، وغير ذلك. وهذا ظاهر قول مالك، وابن القاسم. وفي (¬6) كتاب محمد (¬7) من قوله: ويحلف (¬8) ما لم يأت بأمر يستنكر. ومسألة الذي يوصي بخدمة عبده سنة، فباعه الورثة من رجل يعلم بالوصية، ورضي أخذه بعد السنة. قال: هذا ما لا يحل، إنما اشتراه على أن يدفع إليه لسنة (¬9). قال القاضي رحمه الله: ظاهر المسألة يبين أنه أراد أن يجيز ذلك الآن قبل السنة، فكأنه ابتداء بيع بعد معرفتهما، لأن حكمه الفسخ الآن فرضاؤه (¬10) بذلك ابتداء بيع آخر، وجاءت سلعة معينة تقبض لأجل [155] بعيد، فدخله البيع، والسلف، وسلف؛ جر نفعاً (¬11). ومرة بيع، ومرة ¬
سلف، وهو كله يرجع إلى معنى واحد من سلف جر نفعاً. وأما لو لم يعلم المشتري بذلك حتى انقضت السنة، مثل أن يشتريه ويقول للبائع: أمسكه لي عندك، ثم يسافر فلما جاء بعد السنة علم، ورضي، فقيل: هو فاسد على كل حال، لأنها صفقة وقعت فاسدة، وترجح فيها بعضهم، وذلك بحكم العقد الفاسد، إذا (¬1) وقع من أحد المتعاقدين، ولم يعلم الآخر بفساده، فهو (¬2) أصل مختلف فيه بين (¬3) شيوخنا. وفي مسائلنا: هل يمضي إذا لم يعقدا معاً على فساده؟، أو يرد لوجود الفساد فيه؟، وعلى القول بجوازه، فللمشتري في مسألتنا الخيار بالتمسك، ولا شيء له من كراء السنة، أو يفسخ البيع، وقد مضت (¬4) من هذا الأصل مسائل في الصرف، وغيره. ومسألة "من أوصى بما في بطن أمته، فأعتقها الوارث قبل وضعها. لمن ولاؤها (¬5)؟ فحكي عن ربيعة، ومالك، فيمن تصدق بما في بطن أمته ثم أعتقها قبل أن تضع (¬6)، ولدُها حر معها، وليس للمتصدق عليه شيء" (¬7). فظاهر قوله (¬8): إن الولاء فيها للمعتق، وفي الأولى للوارث المعتق، أيضاً. وتوله: البلد النائي (¬9)، أي البعيد. و"بئر جشم" (¬10) بضم الجيم، وفتح الشين المعجمة (¬11). ¬
و"عال على الثلث" (¬1): أي زاد. وقوله في نفقة العبد المخدم على الذي أخدم (¬2) بضم الهمزة (¬3)، وكسر الدال. كذا ضبطناه في الكتاب. وعليه (¬4) اختصرها أكثرهم. قالوا (¬5): على الذي له (¬6) الخدمة. وكذا جاءت مبينة في كتاب محمد (¬7)، وغيره. وقد ضبطه بعض الرواة على الذي أخدم. بالفتح فيهما، أي على ربه. وحكى ذلك بالوجهين واحتماله بعض الموثقين. والصحيح الأول. وعن مالك في ذلك ثلاث روايات (¬8): هاتان اثنتان (¬9)، والثالثة (¬10): أنها في مال نفسه، ويوقف ماله. لذلك (¬11) حكاها كلها ابن الفخار (¬12). قال (¬13) بعضهم: فإن (¬14) لم يكن له مال (ولا كسب) (¬15) فعلى من له الخدمة (¬16). ¬
وقد اختلف في زكاة الفطر عن (¬1) العبد المخدم، ففي المدونة في الزكاة: ذلك على ربه، وكذلك إذا جعل رقبته لآخر، فعلى صاحب الرقبة (¬2). وقال (¬3) أشهب: في (¬4) كتاب محمد: ذلك (¬5) على من له الخدمة فيهما. وعلى الخلاف في ذلك يتصور الخلاف في نفقة المخدم (¬6). مسألة (¬7) الوصية للقاتل [قال] (¬8) في كتاب الهبات: "إذا أوصى (له) (¬9) بعد أن ضربه خطأ بثلثه (¬10)، أو أوصى له بديته، أو ببعض متاعه، ذلك جائز" (¬11). ثم ذكر بعد ذلك إذا تقدمت (¬12) الوصية القتل (¬13) خطأ، "فحملت (¬14) الوصية ثلث المال غير الدية، أنه جائز. ولا تدخل وصيته في الدية" (¬15). وقال في الكتاب الأول من الوصايا: عن مالك نحوه. وقال ابن القاسم: "إذا كانت له حياة فأوصى له بعد علمه فالوصية له في المال، وفي ¬
الدية" (¬1). ومثله في كتاب محمد (¬2). قال القاضي رحمه الله: لم يختلف في هذا، ولا فيما (¬3) إذا مات بالفور (¬4)، والوصية متقدمة، أنه يأخذ من المال دون الدية (¬5). واختلف إذا لم يعلم، ففي كتاب محمد: سواء علم، أو لم يعلم، يأخذ القاتل خطأ وصيته فيهما (¬6). ظاهره عند أكثرهم الوفاق، لأن الدية ها هنا قد علم [بها] (¬7) أنها من حقه قبل الوصية، فصارت كمال علم به، وكما لو مات له [في مرضه] (¬8) من يرثه، وعلم به، فتدخل وصاياه في ميراثه منه، وإن لم يعرف (¬9) قدره، وظاهر كلام (¬10) آخرين فيه حمله على الخلاف، وبينه لفظه آخر الكتاب أيضاً، مما سنذكره. واختلف الصقليون إذا حيي حياة بينة، وعرف (¬11) ما هو فيه، والوصية متقدمة، فلم يغيرها، ولا جدد أمراً بإنفاذها، فقال (¬12) بعضهم: تنفذ كسائر وصاياه. وهو ظاهر كتاب الديات، أنه متى حيي وعرف ما هو فيه دخلت الوصايا في ديته على العموم. وقال بعضهم: لا تدخل إلا بنص عليها. وهو دليل قوله في هذا ¬
الكتاب أول المسألة، إن أوصيت له بديتي (¬1)، واعتل هذا بأنه لو أخذها وهو ممن يؤدي فيها، وعنه تؤدى صار كأنه لم يؤد شيئاً، كما اعتل محمد في أصل المسألة، وهذه الحجة لهذا القائل غير بينة، إذ لو عين (¬2) له الوصية بها وجددها (¬3) لجاز (¬4) له أخذها، والمحاسبة بها. ولو أوصى (¬5) بإسقاطها عنه كما نص في الكتاب: أنه أوصى له بديته جاز. وكما لو أوصى له بدين عليه، أو بثلث ما له عليه من دين، لجازت له الوصية (¬6) في الدين وغيره. واحتجاج محمد بها يصح، إذا مات (¬7) بفوره، ولأنه (¬8) كمال لم يعلم به (¬9)، وهذا أصل منعه منها، وتعليله (¬10) في الكتاب. وأما لو قتله الموصى له عمداً، فقال في الهبات: تبطل الوصية، ولا شيء له (¬11) [منها] (¬12)، ولم يفصل، علم أو لا. ولا بين في مال، ولا دية. ثم قال: "وإنما قال ذلك إذا كانت الوصية أولاً، فقتله بعد الوصية عمداً (¬13)، (فلا وصية له، لأنه طلب تعجيل ذلك" (¬14). ¬
وقال في هذا الكتاب: لم تجز له (¬1) الوصية في مال، ولا دية، إلا أن يكون قد علم أنه قتله عمداً) (¬2)، فأوصى له بعد علمه، فإن ذلك جائز في ماله، ولا يكون في ديته (¬3)، وإن (¬4) قبلت. قال (¬5) محمد: سواء علم، أو لم يعلم، هي جائزة في المال، دون الدية في العمد، لأن تهمة تعجيل الوصية مرتفعة (¬6). وحمل ابن أبي زيد كلام محمد وفق ما في المدونة، وعليه تأول ما فيها. قال: ووقعت في كتاب محمد مشكلة الجواب في العمد، وما ذكر هو معنى قول ابن القاسم، وذكره (¬7) سحنون عن أشهب، واليه نحا ابن أبي زمنين [أيضاً] (¬8)، وقال: لم يأت ها هنا مبيناً. قال القاضي رحمه الله: تعليله في كتاب الهبات بقوله: لأنه طلب تعجيل الدية (¬9) في العمد يقوي هذا التأويل، لأنه إذا [156] أوصى له (بعد، لم تقع هذه التهمة. وإلى هذا كله ذهب كثير من المشايخ، وذهب آخرون إلى أنه متى لم يعلم أنه قاتلُه فلا وصية له) (¬10) في مال، ولا دية (¬11)، وعليه حمل ما في الكتاب، لقوله: "إلا أن يكون علم أنه قتله عمداً، فأوصى له بعد علمه" (¬12)، وجعلوا ¬
كلام محمد خلافاً، وإليه نحا اللخمي. ثم اختلفوا على هذا، لو تقدمت الوصية، وحيي حياة بينة، حتى علم أنه قاتله، ولم يغير وصيته، ولا جددها [له] (¬1)، ولا أمر (¬2) بإنفاذها. فقيل: تبطل بكل حال، حتى يجددها له بعد الجناية عليه. وقيل: تمضي في المال، حتى ينص على تغيرها، وردها. وقيل: إن كانت بمجرد اللفظ سقطت، حتى يجددها، وإن كانت بكتاب فهو موضع الخلاف. فقيل: تمضي في المال. وقيل: تسقط بكل حال. وقوله آخر (¬3) الباب: "إذا كانت الوصية بعد الضرب عمداً كان، أو خطأ، جاز له كلما أوصى له به في المال، والدية، جميعاً، إذا علم منه ذلك" (¬4). في الخطأ (¬5). كذا عندنا. وهو في بعض النسخ من قول سحنون، في الخطأ (¬6). وثبتت (¬7) في (¬8) بعض الروايات لابن وضاح، ولم يكن (¬9) لفظه في ¬
الخطأ، في رواية الأصيلي عن الدباغ، والأبياني. وهي كلمة فيها إشكال. وبيانه: أن قوله: "جاز له كلما أوصى له به في المال" (¬1)، تمام الكلام. وعائد كله على العمد، والخطإ. ثم استأنف الكلام في مسألة الخطأ خاصة. فقال: "وفي الدية جميعاً، إذا علم بذلك" (¬2) في الخطإ، وخص ذكر الدية بالخطإ (¬3) فقط، وعلى ما قلناه فسرها سحنون، واختصرها ابن أبي زمنين. وقال: رأيت بعض المختصرين اختصرها على خلاف هذا، وهو غلط. قال أَبو عمران: لا يحمل كلامه أنه أراد دخوله في ديته في العمد، وإنما معنى ذلك في الخطأ خاصة. وقوله هنا: إذا علم. يصحح تأويل من ادعى (¬4) العلم على مذهب الكتاب، وأنه خلاف ما في كتاب محمد (¬5) في التسوية بين العلم، وعدمه. وقوله (¬6): إن (¬7) أوصيت إلى رجل فمات بعد موت الموصي، ولم يعلم بالوصية هي لورثة الموصى له، ولهم أن لا يقبلوها، ويردوها (¬8)، بين [من] (¬9) مذهبه في الكتاب أنها لا تحتاج لقبول الموصي قبل موته، ولا علمه، وأن قبولها حق يورث عنه، وذكر الأبهري: أنها إنما تكون للورثة إذا قبلها الموصى له، فمتى لم يقبل سقط حقهم فيها، ورجعت لورثة الموصي. ¬
وقيل: إنها حق ثبت للميت، يورث عنه على كل حال، وليس لورثته رده، ولا يحتاجون لقبول. ومسألة اعتراف المريض [بدين] (¬1) للصديق الملاطف (¬2). وقوله هنا: "لا تجوز إذا كان الورثة عصبة" (¬3)، إلى آخر المسألة. وذكر (¬4) في الكفالة أنها جائزة، مطلقة، إلا أن يكون عليه دين (¬5)، فانظرها في الكفالة. وقوله: "إذا أوصى، وله مال لم يعلم به، لا تدخل (¬6) إلا فيما علم به في مرضه، أو قبل مرضه، وإن كان بعد وصيته، لا من عتق، ولا من غيره، إلا المدبر في الصحة، فيدخل فيما علم، وفيما لم يعلم" (¬7). ظاهره أن المدبر في المرض، والمبتل فيه خلافه، لا يدخلان فيما لم يعلم به، وعليه حمل مذهب الكتاب محققو شيوخنا. وفي كتاب محمد، والعتبية، أن المدبر في الصحة والمرض سواء، يدخلان فيما علم، وفيما لم يعلم (¬8). واختلف في المبتل في المرض، ففي العتبية، والمدنية لابن القاسم، لا يدخل، وكذلك في كتاب محمد. وخرج الشيوخ على ما في كتاب محمد، والعتبية من دخول المدبر في المرض دخول المبتل، لأنه أقوى، لكن هذا التخريج بعيد، لأنه (¬9) نص في كتاب محمد على الفرق بينهما، ¬
فكيف يقاس على كلامه خلاف ما نص عليه (¬1). وقوله في تبدية الوصايا، "إذا ضاق الثلث لا يفسغ التدبير شيء (¬2) " (¬3) قال بعض الشيوح: هذا يدل على أنه يبدأ على صداق المريض في قول مالك، لأنه عنده من الثلث. واختلف قول ابن القاسم في ذلك على ثلاثة أقوال معروفة (¬4): من تقديم كل واحد منهما على الآخر. والثالث (¬5) التحاص. والقولان الأولان في المدونة، فالذي هنا، ظاهره تقديم التدبير، ومثله في الصيام، وما في الأيمان بالطلاق ظاهره تقديم الصداق، لأنه قال: يقدم على العتق، وغيره (¬6)، ولم يستثن شيئاً (¬7). وقوله في مسألة الموصى بعتقه إلى أجل، والآخر بمال، فضاق الثلث، يبدأ العتق إلى أجل (¬8)، إلى آخر المسألة (¬9). وإلى قوله: "فإن كانت قيمة العبد أكثر من الثلث خير الورثة بين أن ينفذوا ما قال الميت، أو يعتقوا ما حمل الثلث من العبد بتلاً، وتسقط (¬10) الوصايا. وهذا قول الرواة (¬11). لا أعلم (¬12) بينهم فيه ............... ¬
اختلافاً (¬1) " (¬2). انتهت المسألة (¬3) عند ابن عتاب. وفي كتاب ابن سهل: زيادة (¬4): إلا أشهب فإنه يأباه (¬5)، ولم يبين قوله. وقال في الثاني: وهذا عليه أكثر الرواة. فنبه على الخلاف في ذلك. وقول أشهب: إنه (¬6) يقال لهم: أنفذوا ما قال الميت في العبد، يعني في عتقه إلى أجله (¬7)، ثم أنتم بالخيار في أن تدفعوا له ما أوصى له (¬8) به، أو إسلام خدمة ما يخرج من الثلث، أو فأعتقوا محمل الثلث من العبد بتلاً (¬9). قال: وكنت أقول: يخدم ثلثه (¬10) (فلاناً) (¬11) سنة (¬12)، ثم هو حر. يعني أنه لم يترك سواه، إذ الخدمة مبدأة في عتقه كله، فكذلك في عتق ثلثه، يعني أو ما حمل منه الثلث، ثم رأيت أن يبدأ العتق (¬13) على الخدمة، لما حالت وصية الميت. وإلى هذا رجع مالك بعد أن قال بالقول الآخر. وقوله: "فيمن دبر عبداً (¬14) في مرضه، وقال في آخر: إن حدث بي حدث الموت فهو حر، فبدأ (¬15) [157] بالمدبر، وهو قول الرواة، لا أعلم ¬
بينهم فيه اختلافاً" (¬1) كذا في أصول شيوخنا. وفي بعض النسخ (¬2): "إلا أشهب، فإنه يأبى" (¬3)، وكذلك في (¬4) رواية الأصيلي، وأبي ميمونة. وهو ثابت، وسقط من رواية غيره، وحوق عليه في كتاب ابن عتاب. وقول أشهب: الذي أَبى (¬5) غيره، هو أنه يرى إنما يكون هذا إذا [بدأ] (¬6) بلفظ التدبير، ولو بدأ بلفط الوصية بالعتق، ثم دبر الآخر، فإنهما يتحاصَّان، وقد رجع مالك إلى أنهما يتحاصَّان (¬7). وعليه (بقي حتى) (¬8) لقي الله. ومسألة الوصية بالحج، واختلاف قوله في الكتاب في تبدئة الوصية بعتق المعين عليه، وعلى الوصايا، أو التسمية بينهما بالحصاص (¬9). قال شيوخنا: إنما ذلك كله في الصرورة، واختلف في صفة التبدئة. فقيل: إذا بدئ (¬10) بالعتق (¬11) أضيف إليه وصية المال، فما صار للعتق، والحج، بدئ منه العتق، فكان بقي (منه) (¬12) شيء فللحج، وإلا سقط الحج، لأنه إنما قال في الكتاب في هذا القول الرقبة مبدأة على [الحج (¬13)، ¬
ولم يقل على] (¬1) الوصايا. وقيل: يبدأ العتق، ويتحاص الحج والمال، إذ (¬2) لم يفرق في قوله: يبدأ الحج على العتق بين الصرورة وغيره (¬3). وقيل: يبدأ الحج، على رواية ابن وهب (¬4)، ويتحاص العتق (¬5) والمال. وهو بين في قول يحيى، وربيعة في الكتاب، أن العتاقة مثل الصدقة (¬6). قالوا: ولم يختلف قول ابن القاسم، ومالك [في الوصية] (¬7) بحجة التطوع، أن العتق يبدأ [عليها] (¬8). ثم اختلف قولهما بعد ذلك، هل يتحاص (¬9) المال والحج (¬10)، وهو مذهبه في العتبية، أو يبدأ المال على الحج، وهو مذهبه في المدونة. وأما أصبغ: فرأى أن الصَّرورة وغيره سواء في المحاصة مع العتق، بغير عينه، والوصايا (¬11)، والاختلاف في مسائل التبدئة كثير، مشهور، ومقصدنا التنبيه على ما هو (من) (¬12) ذلك (¬13) في الكتاب، وما يستخرج ¬
منه (¬1). وقوله في الموصى بعتقه بعينه، والمعين (¬2) ليشترى نسمة للعتق (¬3)، يتحاصان (¬4)، ومثله في المبتل، والمدبر: يتحاصان. وكذلك قول ابن القاسم في كتاب الزكاة في عتق الظهار، وعتق القتل، لا يبدأ أحدهما على صاحبه. ذهب بعض المشايخ إلى أن معنى الحصاص (¬5) في هذه المسائل الإقراع، لا أنه يعتق من كل واحد منهما كما يعتق من الآخر، وهو قول أبي عمران، وذهب غيره من المشايخ [إلى] (¬6) أن الحصاص في هذه المسائل على وجهه، وأنه غير القرعة. وقوله إذا قدم في الوصية أو أخر إنما ينظر إلى الأوكد فيقدم، وإن كان لفظه به آخر الوصايا، إلا أن يقول ابدؤوا (¬7) كذا. فيبدأ (¬8). وقول (¬9) عبد الملك: هذا في كل وصية يجوز له الرجوع عنها. فأما (¬10) ما لا يجوز له الرجوع عنه كالعتق البتل (¬11)، والتدبير البتل (¬12)، وعطية البتل فلا يبدأ، لقوله: بدؤه (¬13) وهو ليس بخلاف (¬14) لابن القاسم، وعليه حمله (¬15) بعض ¬
الشيوخ (¬1)، لأنه إذا كان [ذلك] (¬2) في أوقات مختلفة، ثم نص آخراً (¬3) على تقديم ما لم يبتل، فلا يصح عند واحد منهما، إذ لا رجوع في المبتل، وإن كان إنما جاء بذلك كله في لفظ واحد، (وفي كتاب (¬4) واحد) (¬5)، وقدم وأخر، وفيه تبتيل، وغيره، ثم وصل بكلامه أنه يبدأ من هذا كله، كذا على ما ذكر مما بتله، وعلق الإشهاد على ذلك (كله) (¬6) بهذا الشرط، فهذا ليس بتبتيل منه، وإنما أوقف النظر فيه إلى بعد الموت، وإخراج ما أوصى بتقديمه، وتبدئته. وهذا خلاف البتل، وضد معناه، وإن كان أشهد على كل فصل مما بتله، ومما لم يبلته، ثم بعد تمام ذلك قال: ويقدم كذا مما أوصيت (¬7) به على المبتل، فيعد هذا ندما على ما بتله (¬8) ولا يقبل منه. ¬
كتاب الوصايا الثاني
كتاب الوصايا الثاني (¬1) قوله (¬2) في الذي أوصى لرجل بسكنى داره سنة، أو خدمة عبده ولم يحمل (¬3) ذلك الثلث، إما أسلموا له الدار، أو العبد يخدمه، أو قطعوا (له) (¬4) بثلث الميت بتلاً، بخلاف الوصية بالرقبة، إذا لم يحمل الثلث قطع له ذلك فيها (¬5). قال: وهذا قول الرواة كلهم (¬6)، لا أعلم [بينهم] (¬7) فيه اختلافاً (¬8). كذا في أصول شيوخنا. قال فضل: وكذا قرأها أحمد بن داود. وأصلحه سحنون. وهو قول أكثر الرواة. وهكذا رواية يحيى بن عمر. وقوله: "في الذي أوصى برقبة عبده لرجل وبخدمته لآخر، ولا يحمله الثلث، يقال للورثة أجيزوا ذلك، فإن لم يفعلوا سلموا ثلث الميت (¬9)، ¬
فيجعل في العبد، فيعطاه صاحب الخدمة، يخدمه على مقدار ما حمل منه الثلث [إن حمل نصفاً خدم يوماً له، ويوماً للورثة، فإذا انقضى أجل الخدمة إن كانت إلى سنين، أو لموت المخدم، رجع ما حمل منه الثلث] (¬1) لصاحب الرقبة، لأنه إنما له ما بعد الخدمة، والخدمة مبداة" (¬2). (قال فضل: الذي ينبغي في ذلك، أن ينظر كم قيمة الخدمة، وكم قيمة الرقبة بغير مرجعها، فتكون قيمة الخدمة) (¬3) للموصى له بها شائعاً (¬4) [في المال] (¬5) فكان اغترقت الثلث فلا شيء لصاحب مرجع الرقبة، لتبدية هذا عليه، فإن كان فضل (¬6) فله في العبد بتلاً، وبقيته للورثة. وقد طرح سحنون اسمه عليها، كأنه لم يعجبه قول ابن القاسم. وانظر قوله بعد ذلك، إذا قال: "يخدم عبدي فلاناً، ولم يقل حياته، ولا ضرب أجلاً، وأوصى برقبته لآخر" (¬7)، فلم يجب عنها جواباً بيناً، ورجع إلى الجواب عن إذا جعل له الخدمة، وأجاب غيره عنها بأنها مثل قوله حياة المخدم، وعليه حملوا مذهب ابن القاسم، وأنه وفاق لغيره، وإنما يختلفان إذا قال: خدمة عبدي لفلان، وعليها أجاب في الكتاب بالتحاصص ابن القاسم، ورأى محمل (¬8) وصيته (¬9) بخدمة عبده إلى حياة [158] العبد، فكانت (¬10) وصيتان في العبد؛ لا تبدأ أحدهما على الأخرى، كما إذا قال: وهبت خدمة عبدي لفلان، وبها احتج، والتحاصص هنا في ¬
رقبة العبد، لا في خدمته، ورواه أَبو زيد عن ابن القاسم (¬1). قال بعض شيوخنا: ويضرب صاحب الخدمة بقيمتها على غررها، وصاحب الرقبة بقيمتها (¬2) على أنه لا خدمة فيها، وعلى هذا يرجع عنده قول ابن القاسم. وذهب غيره إلى أنه إنما يحاصص بقيمة مرجع الرقبة، وذكره ابن المواز عن ابن القاسم (¬3). وقال (¬4) أشهب: القصد في ذلك كله حياة المخدم، وكانت الوصية بالرقبة وصية بمرجع، كقوله: "يخدم عبدي فلاناً" (¬5) سواء. وكذلك لو قال: "اشهدوا أني وهبت خدمة عبدي لفلان" (¬6)، لكانت حياة المخدم (¬7). ولو أراد حياة العبد لكانت الرقبة للموهوب، لما لم يكن له مرجع إلى سيده. ولا يختلفان إذا نص على خدمة العبد [حياته] (¬8) لفلان، ورقبته لآخر (¬9)، أنهما يتحاصان في العبد. وقوله في الموصي بالوقيد في المسجد، وبوصايا، يتحاص (¬10) المسجد بقيمة الثلث (¬11)، وقول سحنون، وهو قول أكثر الرواة (¬12) تنبيه ¬
على الخلاف، وهو قول أشهب (¬1) في كتاب ابن شعبان (¬2)، وما أشار إليه في كتاب محمد أنه يضرب بالمال كله (¬3). ثم قال: "وكذلك إذا أوصى بشيء [ليس له] (¬4) غاية" (¬5)، إلى آخر الكلام. وأنه وقع في بعض النسخ. وكذا في كتاب ابن عتاب، وابن المرابط، أول الكلام. وقال (¬6) سحنون: وكذلك إذا أوصى (¬7). ولعبد الملك في المجموعة: إن وقع في الوصايا أصناف من هذا يضرب للمجهولات كلها بالثلث، ولو لم يوص بغيرها قسم الثلث بينها على السواء على عدد المجهولات (¬8). هذا كله قول عبد الملك. وقال غيره: بل يضرب لكل نوع من [المجهول بثلث وحده. وقيل: أيضاً على القول بأنه يضرب للجميع بثلث واحد، أن الثلث أو ما يقع لهذه المجهولات] (¬9) في الحصاص، يقسم بينهم على قيمة (¬10) ما يخرج كل يوم من تلك الوصايا. ¬
ومسألة الموصي بأن تكرى أرضه من فلان سنين سماها، فلم يحملها الثلث، ولم يجز الورثة، فإنهم يعطوا له الثلث بتلاً (¬1). قال أَبو عمران: معناه أنه حابى، ولو لم يحاب في الكراء لزم ذلك الورثة، لأن بيع المريض وشراءه جائز، بغير محاباة، إلا أن يقول: اكتروها، ولم يسم بماذا، فهي وصية كلها، ينظر هل حملها (¬2) الثلث أو لا. ومسألة "الموصى بعتقه، وللمتوفي مال حاضر، ومال غائب، ولا يخرج العبد من الحاضر، فيوقف العبد لاجتماع المال. قال سحنون (¬3): إلا أن يكون في ذلك ضرر على الموصي، والموصى له (¬4)، فيما يستد (¬5) وجه مطلبه، ويعسر جمع المال، ويطول ذلك" (¬6). كذا رواية ابن وضاح، وابن باز، بالسين المهملة، من السداد. ورواه الأصيلي عن الدباغ، والأبياني، يشتد (¬7)، بالمعجمة، من الشدة، بمعنى: بعد وعسر. وهذا نحو (¬8) ما في كتاب محمد (¬9)، أنه إذا طال ذلك كالأشهر، والسنة، أنفذ الثلث، وفسر أشهب المسألة أنه يعتق منه ثلث الحاضر. ثم كلما اقتضى من الغائب من قليل، أو كثير، أعتق من العبد بمقدار ذلك (¬10). ¬
وقال (¬1) أَبو عمران: يشبه أن يكون هذا تفسيراً لقول ابن القاسم. وقوله في هذه المسألة: "والعبد لا يخرج من المال الحاضر" (¬2). قال ابن عتاب (¬3): معناه لا يخرج من ثلث الحاضر، ولم يرد جميعه. وقوله: "ودرج (¬4) " (¬5)، أي ذهب. و"عبد الله بن حيان الليثي" (¬6)، بفتح الحاء، وياء باثنين تحتها. والصرورة (¬7): الذي لم يحج. وقوله هنا في إذن الوصي للصبي بالحج، وإذنه له في التجارة (¬8). و"قول غيره لا يجوز للوصي أن يأذن لليتيم في هذا" (¬9)، ومثل قول غيره (¬10) في كتاب المديان، وما لغيره هناك هو الذي له هنا. وقوله في مسألة: "اشتروا عبد فلان، فأعتقوه عني، في غير واجب، فأبى أهله أن يبيعوه (¬11)، رجعت الوصية ميراثاً [للورثة] (¬12) بعد الاستيناء، والإياس (¬13) من العبد" (¬14). ذكر بعضهم أن قوله هنا خلاف ما له في صدر ¬
الوصايا الأول. ووفاقاً لقول ابن وهب (هناك) (¬1)، وكتبت من حاشية كتاب ابن عتاب: قال سحنون: بعد الإياس من العبد، ليس من لفظ ابن القاسم، فعلى هذا ليس بخلاف من قوله، وإنما أتى به سحنون من كلام غيره. وقوله في آخر الكلام على الحج: "على البلاغ والناس يعرفون كيف يأخذون إن أخذوا على البلاغ، فهو على البلاغ، وإن أخذوا على أنهم ضمنوا الحج، فقد ضمنوا" (¬2). قال جماعة من شيوخنا في الضمان: معناه إن أخذوا على الإجارة (¬3) وقال ابن لبابة: هو وجه في الكتاب ثالث غير البلاغ، والإجارة (¬4) بمعنى الجعل، إن مات قبل تمام الحج فلا شيء له (¬5)، وأن المعاملة في الحج ثلاثة: إجارة، وبلاغ، ومضمون. وذكره ابن الهندي في وثائقه عنه، وأعابه (¬6). ومسألة "الذي يوصي بعبده لرجل، وسدس ماله لآخر، وكان (¬7). العبد نصف ثلث المال، أخذه الموصى له (به) (¬8)، ويأخذ صاحب السدس وصيته، فما بقي يكون شريكاً للورثة بذلك، وهو خمس المال. قال سحنون: وقال علي بن زياد: مثله. ورواه عن مالك، وعليه قول ابن القاسم" (¬9)، إنما نبه بهذا سحنون، وشد (¬10) به ما تقدم، تنبيها للخلاف عن ¬
ابن القاسم في ذلك في العتبية (¬1)، وكتاب محمد (¬2): أن للموصى له بسدس (¬3) [المال] (¬4) سدس ما صار من العبد الموصى (¬5) له به، لأنه لما قال: سدس مالي لفلان، فقد أوجب له سدس العبد الذي أوصى به للآخر. مسألة (¬6) الوصية للصبي بالحج، وظاهر المدونة إذا أَبى الصبي بعد البلوغ أن يحج، أنه سواء كان الموصى صرورة، أو قد حج، ترجع الوصية ميراثاً (¬7)، خلاف ما في كتاب محمد، أنه (قال) (¬8): إنما ذلك إذا كان تطوعاً (¬9)، وأما في الفريضة فيعطي لغيره كالكبير، وإلى هذا ذهب أَبو عمران. وقوله: "في الذي يقدم عليه مال وهو مريض فيخرج زكاته (¬10)، أن ما تبين (¬11) هكذا فهو من رأس المال" (¬12). وقوله آخر الباب: "إذا قدمت على (¬13) أموال عرف الناس أن زكاتها حلت عليه، واقتضى ديوناً حلت (¬14) عليه زكاتها، لا يجبر الورثة على ذلك، (إلا) (¬15) أن يتطوعوا" (¬16). ¬
[159] يريد: ويوصي بذلك لا يخرج من رأس المال، كما قال؛ في كتاب الزكاة (¬1). وذهب بعض الشيوخ إلى أن هذه المسألة خلاف التي قبلها (¬2)، وأن الصواب إخراجها. قال: ومعنى الأولى أنه دفعها الرجل لتكون عنده لينفذها. وكذلك لو كانت بيده ليفرقها، وأشهد البينة أنها زكاته، أو شرع في تفريقها فمات. فهذه تخرج من رأس ماله. قال ابن أبي زمنين: سواء هنا أوصى بتفريقها، أو لم يوص، إذا علم أنه أخرجها ليفرقها. قال إسماعيل القاضي: الفرق بين المسألتين أنه لما لم يأمر بإخراجها، لم يعرف لأي شيء حبسها، ولعله قد أخرجها من حيث لا يشعر به، أو لأن (¬3) عليه دينا (¬4) يسقطها. [وقيل: معناه أنه دفعها لرجل لتكون عنده] (¬5). وذكر في المدونة (¬6) جواز شراء الرجل خدمة العبد الذي أخدمه، وسكنى الدار الذي حبس، يريد: أعمر، وكذلك الثمرة إذا وهبها، ولم ير هذا من الرجوع في الصدقة، قياساً على جواز شراء العرية للضرورة. فكذلك هذا لصاحب المرجع لضرر إمساك الأصل، وحبسه عليه عن بيعه، والتصرف فيه. وعبد الملك رأى الباب واحداً، ومنع شراء المعطي الغلات، كما يمنع رجوعه في الأصل. ¬
وقوله في الكتاب: "وإنما شراؤهم ثمرة النخل [ما] (¬1) لم تثمر، كشرائهم السكنى التي سكن في القرى سواء، فلا أرى به بأساً" (¬2)، فانظر قوله: ما لم يثمر. يصحح ما قالوا (¬3)، إنه إنما يجوز شراء [الثمرة] (¬4) التي أعطى ما لم تثمر، أو [لم] (¬5) تؤبر، وكان إعطاؤه (¬6) الثمرة حياتهما، أو السنين الكثيرة، لأنه (¬7) لا يستطيع على بيع الرقبة إلا بتخليص استثناء ثمرتها (¬8)، وذلك لا يجوز، فاجيز له شراؤها لنفسه (¬9) على هذه الصفة، ليتوصلا إلى بيع الرقبة، ولو كانت فيها ثمرة مأبورة لم يجز، حتى تطيب، وكذلك لو كانت الهبة [للثمرة] (¬10) عاماً واحداً، أو الثمرة مأبورة لم يجز شراء معطيها لها، لأنه يمكنه بيع الرقاب حينئذ، ويستثني ثمرتها للمعطي، بخلاف لو (¬11) لم تؤبر. واختلف في شراء الموهوب للسكنى، والخدمة أو الموصى له (¬12) بذلك رقاب ذلك من أربابها. فمذهب المدونة جوازه، وعلى ذلك تأول المسألة اللخمي، لأن القصد التصرف في الرقبة. وكما جاز لربها (¬13) شراء المرفق ليتوصل إلى ذلك جاز [له] (¬14) بيعها لذلك، وجاز ذلك للمشتري ¬
ليتصرف أيضاً في المرفق مع الأصل لما يريد (¬1) للضرورة إلى ذلك. وقوله في المدونة: "من أخدم رجلاً عبده حياته، أو حبس عليه مسكنه فإنه يجوز له أن يشتريه منه، ولا يجوز ذلك لأجنبي (¬2) " (¬3) يحتمل (¬4) الوجهين. وإن (¬5) كان الأظهر فيه شراء المنافع، لما جاء بعده من الكلام في المستخرجة، من منع شراء المخدم للأصل، ومرجع الرقبة. وقوله في الذي قال لفلان دار من دوري، ثم قال: عشرة، ودوره عشرون، وأجاب (¬6) عنها بالذي قال لفلان مبذر عشرين مديا، وأرضه مبذر مائتين مديا، له عشر ذلك (¬7). ثم قال: والدور عندي بهذه المنزلة (¬8). ثم قال: إن كانت (¬9) (الدور) (¬10) في بلدان شتى أعطى عشر كل ناحية (¬11). كذا في الأصل، واختصرها المختصرون نصف كل ناحية (¬12). قال ابن أبي زمنين: هذا الصواب. يريد لأنه إنما ذكر عشر دور من عشرين أول المسألة. ولفظ الكتاب يصح على أنه لما ذكر مسألة المباذر والوصية فيها بالعشر. ثم قال: "والدور عندي بهذه المنزلة" (¬13)، أي إذا كانت في عدد المباذر فعملها على ذلك الحساب. ¬
وقوله: إذا أوصى بحبس داره، أو ثمرة حائطه، على ولد رجل، أو ولد ولده، فإنه يؤثر أهل الحاجة بالسكنى، والغلة. وأما الوصايا فأراها بينهم بالسوية (¬1). قال سحنون: وهذه أحسن من الذي يوصي لأخواله (¬2)، وأولادهم (¬3)، إلى قوله: ليس وصية الرجل لولد رجل (¬4)، ولأخواله (¬5) بمال يكون لهم ناجزاً، يقتسمونه بينهم بمنزلة وصيته لهم بغلة (¬6) يقسم عليهم محبسة، موقوفة، لأن معنى الحبس إنما هي قسمة إذا حضرت الغلة كل عام (¬7)، إلى آخر كلامه في المسألة (¬8). فتأول سحنون أنه اختلاف من قوله، لقوله أولاً في مسألة الأخوال (¬9): "إنما يكون لمن أدرك القسم منهم" (¬10)، فجعلها بمنزلة المجهولين. وبقوله آخراً: "أراها بينهم بالسوية" (¬11)، فجعلها كمسألة المعينين، والخلاف فيها معلوم، وذهب عبد الملك إلى أنه محمول على المعينين (¬12) إذا كانوا معروفين، يريد حتى يعرف أنه أراد التعقيب، ومن يأتي بعد وهو قول سحنون، بخلاف قوله: لبني تميم (¬13)، وقيس، ومن لا ينحصر (¬14). ¬
واختلف فيها قول أشهب، فقال مرة: مثل هذا، وقال أخرى (¬1): هم على الجهالة، ويقسم على من حضر القسم، دون من مات، ورواه عن مالك. وقال محمد: إلا أن يسميهم، أو يعلم أنه قصد أعيانهم. وذهب غير سحنون إلى أن ما في الكتاب ليس بخلاف، وإنما تكلم على صفة اختلاف القسم، وأنه يسوي في الوصايا، ويجتهد في الحبس، لا أنه خالف (¬2) فيمن يقسم عليه. وما ذهب إليه بعض الشيوخ القرويين من أنه إن كانوا لا يضبطون لكثرتهم، كبني تميم، وقيس، أنه لا يختلف أنه لمن حضر القسم، صحيح كما قال. وقوله: إن كانوا محصلين معروفين، فحق من مات منهم قائم بلا اختلاف، مقسوم (¬3) على السواء، يريد ويقسم على ورثته (¬4)، [وإن كانوا يحصلون] (¬5) بعد مشقة فموضع الاختلاف (¬6) لا يوافق عليه في [160] هذين القسمين. وقد ذكرنا الخلاف؛ قبل في ذلك (¬7) حتى ينص على أسمائهم، ويقصد التعيين وإن كانوا معروفين معدودين، أو ينص على التعقيب. وقال بعض الشيوخ في قوله هنا في قسمة الحبس إذا حضرت الغلة (¬8). ¬
وقوله: إنما ذلك لمن حضر القسمة (¬1). بين أنه إنما يقسم الحبس على غير المعينين، على من حضر القسمة، ومن مات قبل فلا شيء له، وإن كانت الثمرة قد طابت (¬2)، لم (¬3) تورث عنه، ومن ولد قبل القسم دخل فيه، وهو في الواضحة لابن الماجشون. وفي المجموعة لابن كنانة. وقد نبه عليه ابن أبي زمنين. قال: ويحتمل أن يكون معنى حضرت الغلة أي طابت ونظر في قسمتها. وقد اختلف في هذا ابن القاسم، وغيره، فيمن يولد، أو يموت بعد طيب الثمرة في الحبس للعقب، والذي يدل عليه لفظ الكتاب ما تقدم. وقوله "في الموصي في مرضه بأكثر من الثلث، فأجاز ذلك ورثته من غير أن يطلب ذلك لهم، أو طلبه، ثم أجاب عن المسألة، إذا طلب ذلك إليهم فرجعوا" (¬4). ولم يفسر إذا لم يطلب ذلك، وتبرعوا به، فذهب بعض الصقليين أن جوابه في الوجهين يجب أن يكون سواء، لأنهم يقولون: بادرنا بالإجازة لتطييب (¬5) نفسه، وخشينا منه إن لم نبادر (¬6). وذهب بعض القرويين إلى أنه متى كانت إجازتهم قبل استئذانهم (¬7) لم يكن لهم رجوع، كان في عياله، أو لم يكن، وإليه نحا التونسي. وقوله "في الوارث البائن الكبير، ولو جاز لهم ذلك لكانوا قد منعوا (¬8) الميت أن يوصي بثلثه، لأنه كف عن ذلك للذي أجاز" (¬9). واللفظ فيه ¬
إشكال، لأن الثلث ماض بكل حال، وإنما الكلام فيما زاد عليه، علقنا عن بعض شيوخنا في المسألة: لعل معنى هذا الكلام أن جوابه فيمن أراد أن يوصي لوارثه بأكثر من ثلثه، وإلا فلا معنى لهذا الكلام. قال أَبو عمران: معناه أن يكون مثلاً أوصى بشيء في السبيل، أو لفلان، فأجازه. وهو أكثر من الثلث، فيريدون رده، وهو لو علم أنهم يردونه إلى الثلث لصرف ثلثه فيما هو أهم (¬1) في نفسه، ولم يجعله في الوجه الذي أجازوه لكثرته. وقوله لو أن رجلاً أوصى بماله كله، ووارثه واحد [مديان] (¬2)، فأجاز الوصية، وأبى غرماؤه (¬3). ذلك (¬4) لهم في رأيي (¬5)، فرأى التنفيذ كالهبة والعطية. وذهب ابن العطار إلى أنه ليس بمعنى ابتداء العطية (¬6). وإنما هو تنفيذ لفعل الميت. وقوله: إذا قال هذه ودائع عند أبي، أو أقر (¬7) بدين على أبيه، وأكذبه غرماؤه، القول قوله إذا كان إقراره قبل القيام عليه والمقر له حاضر ويحلف (¬8). بين هنا ما لم يبين في كتاب المديان، في أن المقر بدين وقد أحاط الدين بماله أنه يحلف المقر له، فمنهم من جعل المسألتين سواء، ¬
وأنه لا بد من يمينه، كان إقراره على أبيه، أو على نفسه، لأجل التهمة أن يحابيه (¬1) بإقراره. وإليه ذهب بعض شيوخ الأندلسيين، وذهب بعض مشايخ القرويين إلى الفرق بينهما، لأن المقر على نفسه ساوى بين المقر له، وبين غرمائه، فلم تلزمه يمين. والمقر على أبيه جعل غرماء أبيه مقدمين على غرمائه هو، فكان أقوى في وجوب اليمين، وهذه من يمين القضاء التي يلزمها الحاكم للمحكوم له، وإن لم يطلب ذلك خصمه. وانظر مسألة كتاب العيوب، واعلم أن قوله هنا: ويحلف، ليس يعني (¬2) مع شهادته، كما يحلف مع الشاهد، وكما [قال] (¬3) في غير هذه المسألة، لأنه هنا مقر، ليس بشاهد، إذ ليس معه غيره، ولهذا لم يشترط فيه هنا العدالة، كما شرطها في غير هذه المسألة، وقد يخيل (¬4) للناظر أنها بمنزلة الشاهد له على سائر الغرماء، فلذلك قال: يحلف [أي] (¬5) معه، لا سيما لاستشهاده بعد هذه المسألة، [بمنزلة] (¬6) الرجل (¬7) يشهد (¬8) على الشيء في يديه أن فلاناً تصدق به على فلان، فقال: "إن كان المشهود له حاضراً حلف مع شاهده، وكان له، وإن كان غائباً لم يقبل لتهمته (¬9) في إقراره في يديه" (¬10). وليس كذلك، فإنه إنما أدخل المسألة للتفريق بين حكم الحاضر، والغائب. ¬
كتاب (القطع في) السرقة والحرابة
كتاب (القطع في) (¬1) السرقة (¬2) والحرابة (¬3) أخذ الأموال بغير حقها (¬4)، ورضى أربابها [محرم] (¬5) ممنوع، وهو على ضروب عشرة: حرابة، وغيلة، وقهر، وخيانة، وسرقة، واختلاس، وخديعة، وتعد، وغصب، وجحد (¬6). واسم (¬7) الغصب ينطلق على ذلك كله في اللغة، ولكل واحد من هذه الضروب في الشرع حكم على حياله. فالحرابة: كل مال (¬8) أخذ بمكابرة، ومدافعة (¬9). والغيلة: ما أخذ بعد قتل صاحبه بحيلة لهلاكه، ليأخذ ماله من إلقائه ¬
في (¬1) مهواة، أو سقي سم. وحكمه حكم الحرابة. والغصب (¬2) في عرف الشرع: ما أخذه ذو (¬3) القدرة والسلطان بسلطانه، ممن لا قدرة له على دفعه. والقهر نحو منه، إلا أنه يكون من ذي (¬4) القوة في جسمه (¬5) للضعيف، ومن الجماعة [للواحد] (¬6)، وحكمه حكم الغصب، واسمه يطلق عليه لغة وشرعاً. وعلى هذا يحمل [ما جاء] (¬7) في كتاب محمد، إذا كان من (¬8) داخل المصر، وأما خارجه فحكمه حكم الحرابة، وعليه يحمل ما جاء في [161] المدونة، إذا كان بغير سلاح. وقول ابن القاسم: لا قطع على مكابر، إلا أن يؤخذ بحكم الحرابة. والخيانة: ما كان لآخذه عليه قبل أمانة، أو يد، وللمتصرف فيه إذن (¬9). والسرقة (¬10): كل ما أخذ على وجه الاختفاء، والتستر. ¬
والاختلاس: كل ما أخذ بحضرة صاحبه، أو القائم عليه، أو الناس، ظاهراً على غفلة وفر به آخذه بسرعة (¬1). والخديعة: كل مال أخذه بحيلة، اختدع بها صاحبه، كالمتشبه (¬2) بصاحب الحق، أو الوديعة، فيأخذها ممن هي بيده (¬3)، أو المرائي برأي الصلاح (¬4)، أو الفقر، وليس منهم (¬5)، ليأكل بذلك ما لا يحل له ممن أبيح له ذلك، والذي يسقي الناس السيكران حتى ينام أو يخبل عقله، فيأخذ ماله، أو يشبه عليه بشعوذة، ونحو ذلك. وفي المدونة في ساقي السيكران: أنها حرابة (¬6)، وظاهر ما في كتاب محمد أنها إنما تكون حرابة إذا كان ما سقاه يموت منه. والجحد: إنكار ما تقرر (¬7) في ذمة الجاحد (¬8)، وأمانته (¬9)، من مال غيره، وهو من نوع الخيانة. والتعدي: ما أخذ بغير إذن صاحبه، بحضرته، أو مغيبه، وليس على وجه القهر، والاختلاس، وهو نحو من الغصب. لكن بينهما فرق في الصورة، وفي بعض وجوه أحكامهما. ولهذه الوجوه في الشرع حكمان: ضمان ما أخذ لربه، وحدود الله في ذلك. ¬
فحد الحرابة: ما نص الله تعالى عليه من التخيير بين أربعة، (في) (¬1) القتل، أو الصلب، أو القطع من خلاف، أو النفي من الأرض، ولا خلاف في المذهب أن للإمام فيمن [لم] (¬2) يقتل، أو تطل (¬3) [إخافته] (¬4)، ويعظم شره، أن يأخذ فيه بأي ذلك شاء، لكنه استحب للإمام أن ينزل التخيير في عقابه بحسب حاله، فإن كان لأول خروجه ولم يخف طريقاً، ولا قتل، ولا أخذ مالاً، فعقوبته الضرب، والنفي. فإن أخذ مالاً، أو أخاف سبيلاً، فالخيار في الوجوه الأربعة، لكن استحب إن كان من ذوي الرأي والتدبير قتله، وصلبه. وإن كان من ذوي البطش، والجرأة، قطعه. أو قتله. أو صلبه. فإن قتل فلم يختلف التأويل على المذهب أنه يقتل. وهو قول مالك. وأكثر أصحابه. وأنه لا بد من قتله. ولا تخيير للإمام فيه، إلا أبا مصعب، فرأى التخيير فيه سائغاً وإن قتل في سائر الوجوه. واختلف تأويل الشيوخ على مذهب الكتاب إذا طالت إخافته، وعظم شره، ولم يقتل. فأكثرهم يرون أن الإمام فيه مخير بما شاء، لكن [لا] (¬5) يستحبون له النفي، ويجري الاستحباب في تفصيل صفاته، كالذي قبله، إذا أخاف، وأخذ المال، و [لو] (¬6) لم تطل إقامته، وهو ظاهر لفظه في قوله: "لا يخير الإمام إذا قتل، وأخذ المال، وأرى (¬7) أن يقتل إذا أخذ المال، ولم يقتل إذا رأى ذلك الإمام" (¬8)، وعلى هذا اختصرها أكثرهم. وتأول بعض الأندلسيين أن حكم هذا حكم الذي قتل، لا تخيير ¬
للإمام فيه، ولا بد من قتله، واستدلوا بقوله: "فأما من أخاف، ونصب نصباً شديداً فهذا لا تخيير فيه، ويقتله الإمام" (¬1). ولم يكن هذا الكلام في رواية الدباغ. وهو له في كتاب محمد، إذا طال زمانه، واشتدت محاربته، وأخذ المال، قتل، وإن لم يقتل، وتأول الأولون ما في الكتاب أن معناه أن له قتله، لا أن ليس له تخيير في سواه، وهو الصحيح. وحكى القاضي أَبو الحسن الماوردي عن مالك في المسألة خلاف مذهبه، وأن العقوبات فيما حكاه عنه عنده على الترتيب، لا على التخيير، بحسب اختلاف صفاته (¬2)، فيقتله بكل حال، إن كان ذا رأي، وتدبير، ويقطعه من خلاف، إن كان ذا بطش، وقوة. وإن كان بخلاف ذلك عزره، وحبسه. فجعل ما استحسن مالك في إباحة التخيير مستحقاً مرتباً، ولا يقوله مالك، ولا أصحابه. فهذا حد الحرابة، والغيلة، وما في معناهما. وأما حد السرقة: فقطع اليد، كما نص الله تعالى عليه (¬3)، وبينته السنة من شروط ذلك، في النصاب (¬4)، والحرز (¬5)، وترتيب القطع في الأعضاء الأربعة، فلا يصح القطع عندنا إلا بتسعة شروط: البلوغ، والعقل، وألا يكون للسارق في المسروق شبهة ملك، ولا إذن، وألا يكون السارق مضطراً للسرقة لمجاعة لحقته (¬6)، وأن يكون المسروق مما يصح ملكه، وتموله، وأن يُخرجه من حرز مثله، وأن يكون نصاباً يوم السرقة، وأن ¬
يكون من الأموال التي يجب فيها القطع، وأن يأخذه على وجه الاستتار، والاختفاء (¬1). واختلف في وجوب القطع، أو سقوطه في نوادر مسائل خرجت عن بعض هذه الأصول، كالخلاف في سرقة الصبي الحر (¬2)، وهو مما لا يصح تملكه، وكالخلاف في سرقة أهل المغنم منه (¬3)، وفيه لهم شبهة، وكذلك الخلاف في مسائل، هل هي سرقة؟ أو خيانة؟ أو إخراج من حرز؟ أو غير إخراج (¬4)؟ وهي منصوصة في أمهاتنا (¬5). وما عدا هذين الضربين: الحرابة، والسرقة، وما في معناهما من سائر الأقسام، فليس فيه حد محدود، ولكن في ذلك العقوبة بالسوط، وطول السجن، كحكم فاعل ذلك، وجنايته، وأما الحكم الآخر، فضمان ما أخذه هؤلاء، فكلهم ضامنون لما أخذوه في جميع الوجوه لأربابه، إلا في المحارب، ومن في معناه، والسارق ومن في حكمه، إذا أقيم (¬6) عليهما حدهما وهما عديمان، وقد ذهب عين ما أخذوه، فلا ضمان عليهم، ولا يجمع (¬7) عليهما عقوبتان، حد، وغرم (¬8). وكذلك لو طرأ عليهما من يوم السرقة إلى [162] يوم القطع عدم لم يضمنا. وإن كان؛ اليوم موسراً، هذا مشهور المذهب، وأشهب يشترط تمادي العدم إلى يوم الحكم بالغرم، فلو حدث له عسر بعد القطع وقبل الحكم بالغرم لم يلزمه عنده ضمان. وحكى ابن شعبان الضمان على كل حال، قطع أو لم يقطع، في حال اليسر، والعسر. وحكى عبد الوهاب عن بعض مشايخنا أن القياس إسقاط ¬
الضمان مع القطع في كل حال، من عسره، ويسره (¬1). وهو ظاهر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجه النسائي، فأما مع وجود عين ما أخذوه فذلك لأربابه بكل حال، وإن كان في يد غيره ممن اشتراه منه (¬2). وقوله في الكتاب: وإنما تقوم الأشياء [كلها] (¬3) بالدراهم (¬4) مذهبه، وهو مشهور المذهب (¬5)، أن للسرقة نصابين: من الفضة ثلاثة دراهم، ومن الذهب ربع دينار (¬6)، وما عداه مما يقوم، فما قيمته ثلاثة دراهم كان أكثر من ربع دينار، أو أقل، وجب فيه القطع، هذا مذهب بعض (¬7) شيوخ المذهب، وشارحيه، سواء كانت المعاملة في البلد بالدنانير، أو بالدراهم. وهو نص ما في كتاب محمد (¬8). وذهب ابن عبد الحكم أن نصاب السرقة واحد، وهو ربع دينار من الذهب، أو قيمته فيما عداه. وأن التقويم بالذهب على كل حال في كل شيء من الفضة، والعروض. وأن الثلاثة دراهم إذا كانت أقل من ربع دينار لارتفاع الصرف فلا قطع فيها، وهو مذهب الشافعي (¬9). وقال بعض المتأخرين من شيوخ القرويين إنه القياس، لقوله عليه السلام: القطع في ربع دينار، ولا قطع إلا في ربع دينار. وذهب غير واحد من شيوخ البغداديين، والمغاربة، أن التقويم إنما هو بمعاملة البلد، من دنانير، أو دراهم (¬10)، وأن معنى قوله في الكتاب: "يقوم بالدراهم" (¬11)، أنها بها ¬
معاملتهم (¬1)، وإن كانت المعاملة بهما جميعاً فالتقويم بأكثرهما (¬2) معاملة به، كسائر التقويمات [في المقومات] (¬3). واستدل بعضهم بقوله أيضاً في الكتاب في مسألة الدهن (¬4): إن كانت قيمته إذا سلت (¬5) ربع دينار قطع (¬6). ولقوله في الشاة: إن كانت قيمتها يوم خرج بها ربع دينار قطع (¬7)، وقد قوم هنا بالذهب، وحمل ذلك أنه تسليم منه أن القيمة قد تكون بالذهب. وقوله: "هل يحبس السارق حتى يزكى الشاهدان، أم (¬8) يكلفه القاضي؟ قال: لا يكلفه (¬9) عند مالك، ولكن يسجنه، وليس في الحدود كفالة" (¬10)، يريد بالكفيل الضمين، فأما الكفيل من الشرط فملازمته له، أو من الناس في الأمر القريب لئلا يفر، فهذا كالسجن، ومما يفعله الحاكم فيما قرب. وقوله في الشهود إذا أشهدوا فزكوا بعد أن عموا، أو خرسوا (¬11)، أو جنوا، أو ماتوا، أنه تجوز شهادتهم. فقوله: عموا، أو خرسوا، سواء على غير المذهب، وإنما هو من سؤالات المخالف الذي لا يجيز شهادتهم، ونحن نجيز شهادتهم ابتداء. ¬
وقيل: لعله يريد في الزنا، وحيث لا تجوز فيه شهادة الأعمى، فسأل هل يراعى ذلك بعد أداء الشهادة، وهذا يؤيده (¬1) قوله: "أو خرسوا" (¬2). وقوله: "أرأيت النصراني يسرق من نصراني، أو من مسلم (¬3)، فتقوم عليه بينة من المسلمين، قال: قال مالك: يقطع" (¬4). ثبتت هذه المسألة في بعض النسخ، ولم تكن في أصول شيوخنا. وقوله "في الضيف إذا سرق من بعض منازل الدار وليس عليه غلق (¬5): لا قطع عليه، لأنه (¬6) أدخله داره، وائتمنه عليه" (¬7). اختلف فيها، وفي (¬8) تأويل قوله في المدونة هذا، فقيل: معناه أنه لم يخرج به، ولو خرج به من الدار لقطع، وعليه تأول بعض شيوخ (¬9) (عبد الحق) (¬10) مذهب الكتاب، وحكى استحسانه، واستصوابه عن أبي محمد (¬11)، وحكاه [عن] (¬12) مالك نصًّا في كتاب محمد (¬13). وذهب غيره من شيوخ الأندلسيين إلى أن مذهب الكتاب ألا قطع عليه جملة، وإن أخرجه إلى مخارج الدار قال: وهو مذهب محمد، لأنه نص في الكتابين، أنه خائن، وليس بسارق (¬14)، ونص في كتاب محمد: لا ¬
يقطع وإن خرج به من الدار (¬1). ومذهب سحنون القطع، وإن لم يخرج به (¬2)، وكذلك اختلفوا في مسألة الزوجين أيضاً، فقيل: ظاهر المدونة القطع، وإن لم يخرج به من الدار، وهذا تأويل [الأندلسيين، وهو قول سحنون في الزوجة والضيف (¬3). وقيل: لا قطع حتى يخرج به من الدار، وهذا تأويل] (¬4) القرويين. وحكاه عبد الحق [عن مالك] (¬5) في كتاب محمد، كما حكاه (¬6) في الضيف سواء، والذي لمالك في كتاب محمد: لا قطع على الزوجين، وإن خرجا به من الدار (¬7)، كما نقلنا قبل في الضيف، وتأول بعض شيوخنا اللفظ الذي حكاه عبد الحق لمالك في كتاب محمد، أنه لا يقطع حتى يخرج به من الدار، أنه عائد على المسألة التي قبله (¬8) في الأجنبي، لا على الزوجة والضيف، لنصه أنه لا قطع عليهما وإن خرجا (¬9) به في أول الكلام، وإلا فكان قوله متناقضاً، ولا خلاف فيما سرقه أحد الزوجين من صاحبه مما لا يغلقه دونه في منزلهما، ولا يحجره عنه، أنه لا قطع فيه، ولا خلاف في سرقة أحدهما من الآخر مما هو خارج عن مسكنهما، مما لم يؤذن له في التصرف، أن فيه القطع. واختلف على المدونة مما سرقه الأجنبي من بيوت الدار المشتركة غير المأذون فيها لغير أصحابها (¬10). فقيل: معنى المدونة أنه لا يقطع حتى يخرج به من جميع الدار، كما ¬
قال في الثوب المنشور، وفيما سرق (¬1) من قاعتها، وهو تأويل بعض شيوخ عبد الحق، وهو قول سحنون. قال بعض شيوخنا: وهو القياس، لأن الأشراك يتحفظ بعضهم من بعض، بالإغلاق لأحرازهم من (¬2) الأجنبي بباب (¬3) الدار. وقيل: ظاهره (¬4) أنه يقطع إذا أخرجه عن حرزه، ولم (¬5) يبن به، وفيما أخذه من ساحة الدار إذا خرج (¬6) به؛ [163] عنها، وكذا نص في كتاب محمد في الوجهين جميعاً (¬7)، وهو تأويل بعض الأندلسيين. وقيل: القياس أنه (¬8) متى أخرجه من الحرز إلى الساحة، [ألا يقطع فيما أخذ من الساحة] (¬9)، لأنها غير حرز، فلو (¬10) كانت حرزاً لشرط خروجهُ من الدار، وإليه نحا أَبو إسحاق التونسي (¬11)، والقياس ما قاله سحنون، وتأوله القرويون. وقوله: "في الذي أخذ في جوف الليل ومعه متاع، فقال: فلان أرسلني إلى منزله فأخذت له هذا المتاع. قال مالك: ينظر، فإن كان له إليه انقطاع لم يقطع، وإلا قطع، ولم يقبل قوله" (¬12). ¬
قيل: معناه إنه [اعترف أنه] (¬1) سرقه، وأخذه خفية، وكذلك له في كتاب محمد. قال أَبو عمران: وهو تفسير لما في المدونة. وإنما قطع بإقراره. ولو قال دفعه إلي ما قطع. وقال غيره: إنما لم يقطعه وإن أخذه على وجه الاستتار، بالليل (¬2)، لأنه لم تقم بينة (¬3) على ذلك، ولو قامت عليه [بينة] (¬4) لم يصدق، وإن كان له إليه انقطاع، كما قال فى المسألة التي قبلها. ولم يفصل فيها. ومسألة "دعوى السارق المتاع أنه متاعه، وقد قامت عليه البينة بالسرقة، يقطع، ويحلف مدعي المتاع أنه ليس للسارق، فإن نكل حلف السارق، ودفع إليه المتاع، ولم تقطع يده" (¬5). كذا جاءت المسألة في بعض الأصول، وهي ثابتة. وكذا في كتاب ابن المرابط. وكذا اختصرها ابن أبي زمنين، ولم يذكر ابن أبي زيد قوله: ولم تقطع يده. وحوق في كتاب ابن عتاب على قوله: ولم تقطع يده. ولم تكن في أصله. وكانت عنده مخرجة. وقال: أوقفها سحنون، وسقطت في كثير من الأصول. وقرأها ابن لبابة. وأنكرها العتبي. وحكى اللخمي أن في بعض روايات المدونة: وتقطع (¬6) يده، وفي بعضها: [ولم تقطع يده] (¬7)، واختصرها كثير من المختصرين: فلا بد من قطعه، ويحلف له الطالب، ويأخذه، فإن نكل حلف السارق وأخذه (¬8). ¬
واختلف في غير المدونة إذا صدقه صاحب المتاع: هل يقطع؟ وهو قول ابن القاسم، أولاً، وهو قول عيسى. وروي عن ابن القاسم أنه: لا يمين على صاحب المتاع، قال ابن أبي زمنين: وهو أشبه بأصولهم. ومسألة (¬1) السارق من الحمام (¬2)، وقوله: إن سرق منه من لم يدخل الحمام قطع (¬3). ثم قال: فإن سرق هذا المتاع في الحمام رجل ولم يدخل الحمام من مدخل الناس من بابه، مثل أن يتسور، أو ينقب، فأخرجه، فإنه يقطع (¬4)، قد تشكل هذه المسألة على كثير ممن (لم) (¬5) يذاكر، فيظن أنه إنما يقطع من نقب الحمام، ولم يدخل من بابه، وليس [كذلك] (¬6) بل كل من دخل الحمام، وسرق من نقبه (¬7)، أو غيره، ممن لم يدخل مع الناس داخل الحمام، أو اعترف أنه لم يأت ليدخل الحمام، إنما جاء ليسرق قصداً، فإنه يقطع، لأن العلة في سقوط القطع عنهم (¬8) الإذن في لبس ثياب بعضهم بعضاً. والتصرف في التوسع لأنفسهم فيها، وتنحيتها (¬9) عن أماكنها لذلك، وليهيئ (¬10) موضعاً (¬11) منها (¬12) لثيابه، فصار بحكم العرف كالمأذون له في ذلك، فيسقط عنه القطع لذلك، وإذا اعترف أنه [لم] (¬13) يدخل ¬
الحمام ولا جاء لدخوله إلا للسرقة (¬1)، فقد اعترف أنه ممن لا إذن له في ذلك. وقد ذهب بعض الشيوخ أنه إن سرق من الثياب التي في الطيقان (¬2) قطع، كان ممن دخل الحمام أم لا، لأنه لا إذن له في التصرف [فيها] (¬3)، وإنما هي لمن سبق (¬4)، إلا أن تكون لهم عادة في المشاركة، والتوسع في ذلك، أو تكون طيقاناً كباراً تحمل ثياب جماعة، وترفع فيها كما يصنع على الألواح والدكاكين. وقوله في شهادة الأخوين لأخيهما، "قال: إذا كانا مبرزين في العدالة جازت شهادتهما لأخيهما" (¬5). قد (¬6) تقدم الخلاف في تأويل المدونة، ولفظها في المسألة. وفي غيرها. وهل التبريز شرط في ذلك، أو هو (¬7) اختلاف من قوله في كتاب الشهادات، وقد اختصر كثير لفظ التبريز هنا. والأترجة (¬8)، بضم الهمزة، وفيها ثلاث لغات: أترنجة، وأترجة (¬9) بحذف النون، وترنجة. وقول مالك في الكتاب في الأترنجة التي قطع فيها سارقها إنها التي تؤكل (¬10)، ولم تكن ذهباً، ولو كانت ذهبا لم تقوم، وقد ¬
ذكر في الحديث أنها قومت (¬1). وقال غيره: إنها (¬2) كانت من ذهب قدر الحمصة. قيل: يجعل فيها الطيب. و"حريسة الجبل" (¬3): هي ما في المراعي من المواشي. و"المراح" (¬4) بضم الميم: موضع مبيت الماشية (¬5). وقيل: منصرفها للمبيت. وقد تقدم في الزكاة. و"الجرين" (¬6) بفتح الجيم (¬7): كالأندر (¬8) للتمر. والمجن بكسر الميم: الترس. وقوله: نطرون كذا هو في أصول شيوخنا بنون، وطاء مهملة، وقيدناه عن ابن عتاب بفتح النون، ورويناه عن غيره بضمها. وكذا قيده ابن المرابط. وابن وضاح. بقوله: لطرون باللام. قال ابن وهب: هو جنس من الشب (¬9). وقال غيره: هو غاسول يشبه الطفل. ¬
و"الطرار (¬1) " (¬2) هو الذي يطر ثياب الناس (¬3)، أي يقطعها، ويشقها عن أموالهم ليأخذها. وقوله "في الشاهدين في الطلاق: ولم يدخل بها فرجعا عن شهادتهما بعد أن قضى القاضي بها أن عليهما نصف الصداق" (¬4). وكذا عندنا في الأصول. قال بعض الشيوخ: لم يبين لمن هذا النصف، وقد حمله أكثرهم على أنه إنما يغرمه للزوج، وكذا جاء مفسرا في كتاب العاشر من الأقضية (¬5)، غرما النصف الذي قبضت المرأة للزوج، وحمله (¬6) غير واحد على أنه إنما يغرما (¬7) النصف للمرأة، ليكمل لها صداقها الذي وجب لها على (¬8) الزوج، وأبطلاه عليها بالطلاق (¬9) قبل الدخول. وعليه (¬10) اختصر المسألة القرويون (¬11). قالوا: وضمنا (¬12) نصف الصداق للزوجة. قالوا: وهذا الذي يقتضيه النظر والقياس على الأصول، لأن غرمه على الزوج (¬13) لا وجه له، إذ النصف عليه متى حصل الفراق قبل (¬14) الدخول واجب، فلم يغرمانه (¬15) له، وإنما الحق ¬
للمرأة لإبطال النصف ... (¬1). عليها (¬2)، وأشهب وسحنون لا يريان عليهما من المهر شيئاً (¬3). [164] ومسألة السارق إذا صبغ الثوب. وقوله:؛ "إذا (¬4) أراد صاحب الثوب أن يعطي السارق قيمة صبغه، ويأخذ ثوبه فذلك له، وإن أَبى بيع الثوب، وأعطي منه قيمته يوم السرقة لربه" (¬5). كذا في كتاب ابن عتاب، وكثير من الأصول على اختصار لفظها. وعليه اختصر أَبو محمد، وأكثر المختصرين. وفي رواية ابن المرابط، وبعض الروايات (¬6)، قال: أرى (¬7) أن يباع الثوب، وذكر في الجواب مثل الأول، إلا أنه لم يجعل له تخييراً. وعلى هذا اختصر ابن أبي زمنين. ثم قال بعد ذلك: فإن قال رب الثوب أنا آخذ ثوبي، وأدفع إليه القيمة (¬8)، قال: ليس ذلك له (¬9)، ولكن يباع، فيعطى قيمته على ما وصفت لك، ولا يكون بالخيار عليه، كذا في كتاب ابن عتاب، وهو خلاف ما عنده أول المسألة، ووفق ما عند غيره. وهذا الكلام الآخر ثابت في كثير من النسخ، ساقط (¬10) من كثير (¬11)، وأوقفها في كتاب ¬
ابن المرابط. وكان عنده، قال: ذلك عليه. وكذلك الغاصب (أيضاً) (¬1). إذا صبغ الثوب. وكذا (كان) (¬2) في كتاب ابن سهل. ومسألة السارق (¬3) "إذا سرق حنطة فطحنها سويقاً" (¬4). ثابتة صحيحة في أكثر الأمهات. وفي كتاب ابن عيسى، وابن المرابط، وابن سهل. وأوقفها في كتاب ابن عتاب. والحيف (¬5): الظلم. والداعر (¬6): الفاسق الجريء بفسقه. ومعنى تكز (¬7) بالزاي تنقبض (¬8)، ويبطل النفع بها. و"الصوائف" (¬9): الجيوش العظام، الذين يغزون في الصيف. وعينوا السرقة. أي أظهروها، وأروا عين المسروق نفسه. وقوله: "ينبغي للإمام أن يسأل الشهود في السر" (¬10)، موافق لما في كتاب ابن حبيب، أنه لا يجتزئ بتزكية العلانية عن تزكية السر، وخلاف معروف مذهبه بالاجتزاء بأحدهما عن الآخر، ولقوله بعد هذا: "إذا زكوا جازت شهادتهم، ولا أبالي في السر سأل عنهم، أو في العلانية" (¬11). وقوله: "في جواز شهادة التجار إذا دخلوا دار الحرب على ¬
السرقة" (¬1)، حجة لمن يقول: أنها ليست بجرحة، وقد ذكرناها قبل في كتاب الولاء، والتأويل فيها. وقوله: "إذا قال رب المتاع ما سرق مني فأقمت عليه الحد، أيقول للذي أقر له بالسرقة: احمل متاعك، فيجعل المتاع (¬2) متاعه، أأقطعه؟ قال: نعم" (¬3). كذا في كتابي الذي أقر له. وأشك في صحتها من رواية ابن عتاب. ولم تكن لابن المرابط. وليست له في كتابه. ولا في كتاب ابن سهل، ولا أكثر النسخ، والروايات، وإنما فيها القول قول الذي أقر بالسرقة، احمل متاعك. وبإسقاطه (¬4) تصح المسألة، ويزول إشكالها. وبذلك اختصرها المختصرون. ولكن قد يرد له إلى معناها، أي للسارق الذي أقر لهذا، إلا أن يكون معناها المسروق منه، بدليل قوله: "فيجعل المتاع متاعه، ويقطعه (¬5). إلا أن يدعيه رب المتاع، فيكون المتاع له" (¬6)، فيرجع إثباتها وسقوطها بمعنى واحد. وشغب بفتح الشين [المعجمة] (¬7)، وفتح الغين [المعجمة] (¬8)، وآخره باء، قرية من مصر على اثني عشر (¬9) مرحلة (¬10). والربيئة (¬11) بفتح الراء، وكسر الباء بواحدة مهموز، الطليعة التي ¬
تتجسس للمحاربين، وينظر لهم من الأماكن العالية وشبهها. وقوله "في الذي يشهد (¬1) عليه بالإقرار بالسرقة، وهو ينكر، إنه (¬2) يقال إذا أتى بأمر يعذر (¬3) " (¬4) ومثله في كتاب القذف في المعترف بالزنا، إذا قال: (إنما) (¬5) أقررت لوجه كذا. قال: وكذلك إن جحد الإقرار أصلاً، فإنه يقال (¬6). وقال: في آخر الكتاب "في الذي تقدم عليه البينة بإقراره بالحرابة، وهو ينكر، أنه يقال. ولا يقام عليه الحد" (¬7). وثبت (¬8) في كتاب القذف أيضاً في المعترف بالزنا إذا رجع، وإن لم يقل لوجه كذا، لم يحد (¬9). فظاهر هذا، قول له آخر (¬10) قد جاء عنه في (غير) (¬11) الكتاب، أنه يقال: وإن لم يأت بعذر. ¬
كتاب القذف والحدود في الزنا
كتاب القذف والحدود في الزنا (¬1) القذف (¬2) أصله الرمي إلى بعد، فكأنه رماه بما يبعد، ولا يصلح، ومنه قيل للمنجنيق (¬3): القذاف. وقد سمى الله تعالى ذلك رمياً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ (الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ)} (¬4) الآية (¬5). وقال عليه السلام: من رمى مسلماً بغير ما فيه، الحديث (¬6). ويسمى أيضاً فرية، لأنه من الافتراء، والكذب. وقد يكون من فريت الأديم، إذا ¬
قطعته (¬1). ولهذا قيل: إن فلاناً (¬2) يمزق أعراض الناس، كأن ذلك تقطيع (¬3) لها. كما يقطع الأديم. والزنا (¬4) يمد، ويقصر (¬5). فمن مده ذهب [إلى] (¬6) أنه فعل من اثنين، كالمقاتلة، والمضاربة. ومصدره قتالاً، وضراباً. ومن قصره جعله اسم الشيء نفسه. وأصل اشتقاق الكلمة من الضيق [والشيء الضيق] (¬7). وحد القذف يجب بعشرة شروط: ستة في المقذوف (¬8)، وأربعة في القاذف. ففي المقذوف: أن يكون عاقلاً، مسلماً، حراً، بالغاً حد التكليف إن كان ذكراً، أو القدرة على الوطء إن كانت (¬9) أنثى. وأن لم تبلغ حد (¬10) التكليف على خلاف في هذا بريئاً من الفاحشة التي قذف بها، معه آلتها، وما يمكن الزنا به (¬11). وفي القاذف (¬12): أن يكون بالغاً، عاقلاً (¬13) (¬14)، [قد] (¬15) صرح ¬
بالقذف في الفاحشة، أو عرض به تعريضاً بيناً، يمكن لصحة جسمه، لإقامة الحد عليه بالسوط. ويجب حد الزنا بالجلد بثمانية شروط، ويزيد للرجم شرطين، فيكون عشرة. وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام، وعدم الشبهة في الوطء (¬1) بملك، أو نكاح، ومغيب الحشفة في قبل، أو دبر. وكون الفعل من آدميين غير مكرهين، ولا جاهلين بتحريم ذلك. وفي هذه الشروط الثلاثة الأخيرة اختلاف في المذهب، وغيره معلوم، ويزيد في الرجم الإحصان، والحرية (¬2). وقوله في الحديث: "زنيت بمرغوس بدرهمين" (¬3)، بفتح الميم، وسكون الراء، وضم الغين المعجمة، وآخره سين مهملة (¬4)، (فسره) (¬5) في بعض النسح يعني أسود. وفي كتاب ابن عتاب بمرغوس (¬6)، يعني بدرهمين. وقال بعضهم: هو عبد أسود مقعد، كانت الجارية تختلف إليه، فأعطاها درهمين، وفجر (¬7) بها. [165] وقيل: قوله بدرهمين، تفسير لمرغوس، أي بدرهمين، من كتاب بعض شيوخنا، وتعليقه، وهو نحو ما في كتاب ابن عتاب، وهذا الوجه الأخير ضعيف، لأنه جاء في جل (¬8) هذا الخبر حين استفهمها عمر، ¬
وكانت جارية نوبية (¬1) معتقة (¬2) لحاطب ابن أبي بلتعة (¬3)، فقالت: بدرهمين من مرغوس. كذا جاء في رواية أحمد بن خالد في هذا الخبر في غير المدونة لفاف (¬4). وقوله: "إذا أمره الإمام بقطع يده في سرقة، أو خرابة" (¬5)، كذا في رواية ابن عتاب بالخاء المعجمة، وعند غيره بالحاء المهملة (¬6). واختلفت الرواية، والنسخ، فيها. وهما صحيحان. فبالخاء في سرقة الإبل خاصة (¬7)، وبالحاء في الحرابة في كل شيء. وقوله "في الرجم في نقل الشهادة في الزنا: إن كانوا ثلاثة، أو اثنين (¬8) على أربعة، أنهم يحدون. ثم قال: وإن قالوا نحن نقيم البينة، إن القوم أشهدونا. قال: إن أقاموا أربعة سواهم على شهادة أربعة أشهدوهم سقط الحد عن الشهود، وحد المشهود عليه" (¬9)، يعني الثلاثة، أو الاثنين (¬10) الأولين الذين ذكروا أنهم أشهدوهم هؤلاء الأربعة. فهذا (¬11) على مذهب ابن القاسم الذي لا يقول بتلفيق الشهادة. ولا يقبل إلا مجيء الشهود في وقت واحد. ¬
وعلى قول غيره فمتى جاؤوا بتمام أربعة غيرهم درأ الحد عنهم، وتمت الشهادة على الزاني، والذي له في كتاب القذف ظاهره عند بعضهم خلاف ما له هنا من اشتراط أربعة شهود على شهادة من أشهدوهم، وإلا ضرب الحد، فلم يشترط أربعة، وظاهره أنه يكتفي أن يأتوا، بشاهدين على إشهادهم لدرء الحد عنهم، وبيان صدقهم. ثم قال بإثره: وقال "فلان (¬1): أشهدني أنك زان، أو الرجل يقول للرجل: إن فلاناً يقول لك: يا زاني. يقال له: أقم البينة، وإلا ضربت الحد" (¬2). فدرأ عنه الحد بإثبات قول ذلك ما قال، أو إشهاد الآخر له بذلك، وإن لم يثبت بذلك زنا الآخر، كما لو أحضر فلان فصدقه لدرئ عن هذا الحد، فكذلك إذا ثبت قوله بشاهدين. وقوله "في الذي مر برجل فسمعه ينازع آخر فيقر بعضهما لبعض بشيء لا يشهد" (¬3)، وقول ابن القاسم (بعده) (¬4): "لو استقصى سماع ما تقاررا به شهد، وإنما الذي كره مالك ولم يجزه من مر به فسمعه (¬5)، لا يدري ما قبله، ولا (ما) (¬6) بعده" (¬7). كذا في بعض النسخ، والذي في كتب شيوخنا، وروايتنا، وإنما الذي كُره من ذلك (¬8) بضم الكاف، لو كان على ما لم يسم فاعله. كذا قيدنا عن ابن عتاب، ولم يكن في كتابه، ولا (في) (¬9) كتاب غيره من شيوخنا اسم مالك، وقد تقدم في كتاب الأقضية الكلام فيه، واختلاف التأويل، هل يوافق قول مالك قول ابن القاسم؟ أو يخالفه؟ أو فيه قولان لمالك؟ أو واحد؟ ¬
وقوله: "تتعالى من نفاسها" (¬1). كذا رويناه. ووجهه تعلت (¬2) من نفاسها. وكذا جاء في الحديث في الموطإ، وغيره (¬3). ومعناه: انقطع دمه عنها. وقيل: تتعالى عن حال النفاس. وترتفع عنه. فعلى هذا يصح (¬4) تتعالى على ما وقع هنا. ومسألة "إذا سكر، وقذف، أو شرب ولم يسكر، جلد حداً واحداً (¬5) " (¬6). إلى آخر المسألة (¬7). ثبتت في كتاب (ابن وضاح عند ابن عتاب. وهي ثابتة) (¬8) في كتاب ابن المرابط، وابن سهل. إلا أن التعليل في آخرها ساقط للدباغ. قال ابن باز: أمرني سحنون بطرحها. وهي مطروحة في كتابه، وكتاب يحيى. وقوله: "في البرد يؤخر ولا يضرب. والضرب كالقطع، والحر عندي بمنزلة البرد" (¬9)، خلاف قوله في السرقة: إن كان الحر كالبرد فهو مثله، وكلاهما خلاف ما في كتاب محمد أنه بخلاف البرد. وقوله في العفو عن القاذف (¬10)، أنه جائز وإن بلغ الإمام. كذا أطلق ¬
هذا القول. وفي كتاب السرقة، وهو عندهم قول على حياله، بخلاف ما له في كتاب القذف، أنه إنما يجوز إذا بلغ الإمام إذا أراد ستراً (¬1)، وإلا لم يجز (¬2). وقوله الآخر: أنه لا يجوز جملة، وإن لم يبلغ الإمام، وهو ظاهر رواية أشهب في العتبية، ومقتضى قوله في مدونته أنه يقوم بعد العفو عنه، وإن عفوه غير لازم، وقد قيل: إنه متى أراد ستراً فلا يختلف في جوازه. وقوله في الذي يقذف الرجل عند الإمام وهو غائب أنه يقيم عليه الحد إذا كان معه غيره (¬3)، يعني شهودا سواه. واختلف في تأويل قوله، فذهب محمد، وغيره، إلى أن معناه إذا جاء المقذوف وطلب ذلك، وهو ظاهر المدونة. وأصل مذهبنا. وتأويل ابن حبيب (¬4). وحكاه عن غير ابن القاسم، أن الإمام يحده وإن لم يقم به صاحبه، وهذا الاختلاف كله هل تعلق به حق الله تعالى مع حق المقذوف أم لا؟ وعليه اختلاف قول مالك في العفو عنه إذا بلغ الإمام وقبله (¬5). وقوله في الذي يشهد على رجل بشرب الخمر إن أتى بمن يشهد معه أقيم عليه الحد (¬6). وقال في كلام آخر: فإن رمى رجلاً بشرب خمر نكل (¬7). قيل ظاهره اختلاف. وقيل: بل هما مسألتان. أحدهما رماه على غير طريق الشهادة، فهذا ينكل، والآخر جاء مجيء الشهادة فلا شيء عليه. وإن جاء بعده أقيم الحد على المشهود عليه. وهذا أصح وأظهر. ¬
وقوله في مسألة الحامل (¬1) إذا أقرت أن الولد ليس لزوجها، وكان غائباً، وقالت: كان استبرأني، وكف عني، وحضت (حيضاً) (¬2). أشار بعضهم إلى أنه خلاف ما له في أمهات الأولاد، واللعان، بالاكتفاء في مثل هذا بحيضة، وليس كما قال: لأنه هنا ليس من جوابه، وإنما جاء في السؤال عن مسألة وقعت، ولم يشترط ذلك في المسألة. [166] وقوله: يفيضهما (¬3) (¬4) وهو خلط ما بين المخرجين بالوطء؛ العنيف (¬5)، وقطع الحاجز بينهما. ولم يقرأ (¬6) سحنون مسألة الذي (¬7) يأتي المرأة في دبرها (¬8). ومسائل الإيلاء كلها في هذا الكتاب محوق عليها في كتاب ابن عتاب. وقال: مضروب عليها عند ابن وضاح. وكلها (¬9) صحيحة في كتاب الإيلاء. وقوله في القاذف إذا أقام البينة بعد الضرب: أن المقذوت عبد يسقط (¬10) عنه الحد (¬11)، معناه معرة الحد، وجرحته. وبهذا اللفظ اختصرها المختصرون. ¬
ومعنى (¬1) درأت الحد أسقطته. وأزلته (¬2). وأصل الدرء: الدفع. وقوله: "وإنما (¬3) هي طائرة أطارها" (¬4). أي زلة زلها. وكلمة فلتت من فيه، ليس بعادة له، أو فعل فعله لم يكن من أخلاقه، "ويتجافى السلطان" (¬5) عن الفلتة مثل ذلك. ومعنى يتجافى (¬6): يقصى ويبعد عن عقوبته. والتعزير (¬7): بتقديم الزاي ما دون الحد. (وقوله: إن جاء متخبياً (¬8) بخاء معجمة تفسيره ما جاء بعد هذا، مثلها (¬9) أن يغفر له (¬10)، فكذلك قال سحنون، طلب التوبة منتصلاً" (¬11). ومسألة القائل لآخر: "يا مخنث" (¬12). وقول بعض رواة مالك أنه إن كان المقول له مسترخياً ليناً في كلامه إلى آخر المسألة (¬13). وإلى قوله: إن ¬
كان مذكراً أحرش (¬1) (¬2) فلا يحلف، ويحد (¬3). لم يكن في كتاب ابن عتاب، ولا أصول شيوخنا، قول (¬4) بعض الرواة (¬5) وثبتت في بعض النسخ، وهي في كتاب أبي عبد الله بن الشيخ ثابتة، روايته عن وهب (¬6) بن مسرة، وقد حكى (¬7) أَبو محمد في مختصره قول غيره بمعناه، لا بلفظه. وقوله "في الذي قال: يا فاجر بفلانة. قال: أرى أن يحلف أنه لم يرد قذفا. قال سحنون: قال لي: وأرى أن يضرب ثمانين، إلا أن تكون له بينة، إلى آخر المسألة" (¬8). كذا رواية الدباغ. وكذا اختصرها أَبو محمد، والقرويون. وليس في رواية الأندلسيين: وأرى (¬9) أن يحلف أنه لم يرد القذف، ولا هي في رواية (¬10) ابن عتاب. وقوله: "فيمن يقوم بحد المقذوف الميت، أرى لولده، [وولد ولده] (¬11)، وأبيه، وجده لأبيه، وأمه، أن يقوموا بذلك، من قام منهم أخذ بحده. وإن كان ثم من هو أقرب منه، لأن هذا عيب يلزمهم (¬12) " (¬13) كذا في كتابي: وجده لأبيه وأمه. وكذا في كتاب ابن المرابط ملحقاً: لأمه. ويدل على صحته تعليله بما علله به. ¬
وقوله أول السؤال: "وله أب (¬1)، وأجداد" (¬2)، وسقط قوله: وأمه، من كتاب ابن سهل، وأكثر النسخ. وقوله "في الحي المقذوف الغائب يقوم بذلك ولده (¬3)، لا يمكن أحد من ذلك" (¬4). قال بعض الشيوخ: ظاهره أنه لا يعرض له، خلاف ما لعبد الملك في المبسوط، يسجن حتى يقدم (¬5) من له عفو وقيام. وقوله: بضعها، كناية عن الجماع. والبُضع: الفرج، بضم الباء. والمباضعة: المجامعة. مشتقة من التقاء البضعين (¬6). ¬
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات (¬1) أصل اشتقاق الجناية من اجتناء الثمر باليد، فاستعمل في كل ما يكتسب، ثم قصر عرفاً على ما يكتسبه (¬2) من حدث في مال غيره، أو نفسه، أو حاله، مما يسيء (¬3)، ويضر، كان بيد، أو غيرها. كما أن الجريرة أصلها ما يجر (¬4) الإنسان من منفعة لنفسه، من مال، أو غيره. ثم استعمل في كل ما يحدثه على غيره عموماً مما لا يوافقه (¬5) أو يضره (¬6) في نفسه أو ماله أو حاله. واعلم أن العبيد عندنا في القصاص فيما بينهم، ذكورهم وإناثهم، كأحكام الأحرار فيما بينهم، كانوا لمالك واحد، أو لملاك مختلفين. وقد نبه في المدونة (¬7) في كتاب الرجم على خلاف فيه لبعض الناس إذا كانوا ¬
لواحد (¬1) أنه لا قصاص بينهم، وهو (¬2) فيما بينهم وبين الأحرار مرتفع في الجراح، فأما في النفس فيقتل العبد بالحر إذا (¬3) رضي أولياؤه، ولا يقتل الحر بالعبد لعدم التساوي والتكافؤ. وقوله في مسألة أحد الوليين يعفو عن العبد على أن يأخذ جميعه إلى آخر المسألة (¬4). وقد قيل: إنه الولي يدخل على أخيه، إلى آخر المسألة (¬5). ثم قال: وهو قول عبد الرحمن (¬6) أيضاً. كذا رواية ابن وضاح، وغيره. ولغيره: وقد قال عبد الرحمن أيضاً: قال سحنون: وذلك إذا أحب الولي الذي لم يعف الدخول (¬7)، وهو تفسير، وبيان. قال أَبو عمران: يريد يدخل بالإجبار. [قال] (¬8) وقوله الثاني هنا مثل قوله في كتاب الصلح في الولي يصالح بعرض، إن أخاه يدخل معه. وقوله الأول مثل ما لغيره في كتاب الصلح، وقد أشفينا التنبيه عليها في كتاب الصلح. وهل قول أشهب هنا موافق لقول غيره، وهو علي بن زياد، أو هو خلاف؟، واختلاف تأويل الشيوخ في ذلك، وهل يرجع إذا بطل الصلح في مسألة العبد للقتل بكل حال، أو يختلف؟، لقوله في كتاب الصلح في مسألة الحر (¬9): ولا سبيل إلى القتل، ويفرق بين العبد، والحر، فقف عليه هناك. وكذلك قوله في المسألة بعدها في العبدين، وقد قيل ¬
للولي أن يدخل على أخيه فيهما جميعاً إلى آخر قوله. ثم قال: وهو (¬1) (قول) (¬2) جل الرواة (¬3)، علي، وأشهب (¬4)، كذا لابن وضاح، وعند الأبياني بعض الرواة ولم (¬5) يزد، وسقط الكلام كله في نسخ، والكلام فيها على ما تقدم في الأولى سواء. ومسألة "الذي جنى عبده، ثم باعه، جاء في كثير من النسخ فيها آخر (¬6) قول كثير من أصحاب [مالك] (¬7) وهو (قول) (¬8) المخزومي. (وهي) (¬9) إذا لم يفتكه البائع فالجناية في رقبته، والعبد بها مرتهن، وأهل الجناية أولى بفضلها (¬10)، إلى آخر كلامه" (¬11). ثبت في كتاب ابن عتاب منها ما ذكرناه (¬12). وسقط له ما زاد (¬13) من بقية كلامه، وثبت الكلام كله للأبياني، وصح (¬14) للدباغ، وليست في [أكثر] (¬15) رواية الأندلسيين، ولا ذكرها أكثر المختصرين. وقوله في العبد يقتل خطأ، وقد علم سيده فأعتقه (¬16)، إن قال: أنا ¬
أعتقته، وأنا أظن (¬1)، ذلك يخرجه [167] من الدين، وتكون؛ الجناية عليه، حلف على ذلك، ورد العتق، إلا أن يكون للعبد مال يؤخذ في الجناية (¬2)، أو وجد من يعينه فيمضي (¬3) العتق (¬4). وقال في المدبر: إذا جنى، وفي العبد: إذا باعه وقد جنى، أنه يحلف (¬5) أيضاً. وقال في أم الولد: "إذا جنت، فوطئها فحملت، وقد علم أنه (¬6) يلزمه (¬7) دية الجرح، إن كان له مال على ما أحب، أو كره، لأنه منه رضى" (¬8). حمل هذا غير واحد على الخلاف، ونبه عليه، وفي (¬9) كتاب محمد (¬10): في أم الولد يحلف (¬11) كما تقدم في غيرها في المدونة. وقال بعضهم: لم يكن في الأسدية في مسألة البيع بعد أن يحلف، وإنما فيها: ولأولياء الجناية إذا أبى السيد أن يدفع إليهم دية الجناية أن يجيزوا البيع. قال بعض الشيوخ: في هذا لا تخلو المسألة في العتق، والبيع، من وجوه ثلاثة: أولها: أن يكون سيده لم يعلم بالجناية، فله هنا إسلامه في العتق ¬
للمجني رقيقاً، أو يفتديه ويمضي عتقه. وفي البيع: إن أعطى الجناية مضى البيع، وإلا أسلمه، ثم (¬1) لأولياء الجناية إمضاء البيع وأخذ الثمن، أو رده (¬2)، وأخذه. الثاني: أن يعلم بالجناية، ويجهل أنه ليس [له] (¬3) عتقه، ولا بيعه، إلا بعد حملها، فيحلف على هذا ما أراد تحمل ذلك. ثم يكون له من الخيار، ولأولياء الجناية في البيع ما تقدم في الوجه الأول. (الثالث (¬4): أن يعلم بالجناية، وبالحكم في منعه من الوجهين. ففيها قولان: أحدهما: أن المعتق رضي بتحمل الجناية فيمضيا عليه جميعاً، وكذلك البيع. والآخر: أنه ليس برضى، ويحلف ما أراد تحملها. لكن تختلف صفة أيمانهما فيحلف، في الوجه الثاني ولقد جهل (¬5) ذلك، وفي الثالث ما أراد حمل الجناية، وإنما يستحلف في كل هذا إذا كان له مال على أصلهم، كما نص عليه محمد في مسألة المدبر (¬6). وقد يقال: يستحلف بكل حال، إذا قال (¬7) أولياء الجناية: نحن نرضى باتباعه بالجناية، بأن تقبل (¬8)، ويمضي العتق، قال: ومثله إذا وطئ بعد الجناية فحملت، في تنزيل (¬9) الوجوه الثلاثة. وغيره، [وعليه] (¬10) حمل ¬
[محمد] (¬1) لفظه في المدونة في هذه المسائل، لكن يختلف الجواب في أم الولد، وباختلاف حال السيد من الملاء، والعدم. فإن لم يعلم وهو ملي فعليه الأقل من قيمتها، أو أرش الجناية، وإن كان عديماً أخذها أهل الجناية وإن علم، فقال في الكتاب: له أرش الجناية إن كان له مال على ما أحب، أو كره، لأن ذلك منه رضى (¬2) بحمل الجناية. وقال محمد: إذا حلف أنه لم يرض بحملها كان عليه الأقل (¬3)، فعلى هذا التفصيل، والخلاف المتقدم في العلم، وإن لم يكن له مال أخذها أهل الجناية. قالوا: ولو لم تحملها (¬4) فليس وطؤه رضى بالجناية، فهو مخير في افتكاكها، أو إسلامها (¬5)، علم بالجناية أو لم يعلم، إلا أن يقول بذلك أردت حمل الجناية، قاله أَبو عمران. وقوله في المبتل في المرض يجني: إنه موقوف حتى يرى ما يصير إليه السيد، إلى آخر المسألة (¬6). وإن حاله إذا لم يترك سيده مالاً حال (¬7) المدبر يعتق منه ما حمل الثلث (¬8)، إلى آخر المسألة. ثم قال: "فكل قول تجده له، أو لغيره خلاف (¬9) هذا، فأصلحه فهو (¬10) أصل [قولهم] (¬11)، وقد كان عبد الرحمن ربما قال غير هذا القول. ¬
ثم قال: هذا وتبين له، وثبت عليه" (¬1). أشار سحنون من الخلاف إلى ما في الأسدية، وكتاب محمد. أنه يختدمه المجني عليه في أرش الجناية، فإن أداها قبل موت سيده رجع إليه، ووقف إلى موته، وإن لم يتم الأرش حتى مات سيده عتق في ثلثه، فما خرج حرًّا كان عليه مما بقي من أرش الجناية لربه (¬2)، وخير الورثة فيما رق منه. وقد قيل: ينظر إلى قيمة الرقبة، والجناية، فإن اغترقتها الجناية خرجت حرة، إذ هي أحق من الدين، فما معنى توقيف (¬3) عتقه، ولا حق فيه بعد الجناية لغريم، ولا وارث. وقوله "فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده سنين، فقتل العبد قبل انقضاء الأجل، أن القيمة لصاحب الرقبة، وليس للموصى (¬4) بالخدمة شيء" (¬5). ثم قال: "هذا قوله، وأصحابه اختلفوا فيه" (¬6)، فنبه على الخلاف، وهو قول المخزومي، وغيره. أنه يكري من القيمة من يخدمه إلى الأجل. وقوله: "في جناية المدبر: وله مال، يبدأ بماله فيعطاه أهل الجناية، فإن لم يكن فيه وفاء خير السيد في إسلام خدمته، أو فدائها" (¬7). وقال بعد هذا في المدبر يجني، ثم يعتقه سيده: إن سيده (¬8) إذا حلف ردت خدمته، وخير سيده بين (¬9) أن يسلمه، أو يفديه مدبراً، فإن أسلمه وكان له مال أخذ ¬
من المدبر (¬1)، فجعل التخيير أولاً للسيد، وذكر فضل عن سحنون أن السيد يبدأ. قال فضل: وما هنا يدل عليه، ومثله ما في كتاب محمد (¬2)، وجعلوا ما في المدونة، وكتاب محمد، وقول سحنون، وفاقاً. وقيل: إنه مما يختلف فيه، فإن أحد القولين أنه يبدأ أولاً بأخذ مال العبد المدبر، أو (¬3) طلب معونته، فإن لم يكن له مال، ولم يجد من يعينه، فحينئذ يخير السيد. وهو ظاهر أول كتاب الجنايات في الجاني يعتق، ومعنى قول فضل أن مسألة المدبر (يعتق) (¬4)، تفسيره ويجعله وفاقاً كما قال غيره. قال اللخمي: وهذا على الخلاف، هل يرجع إذا فداه السيد رقيقاً، أو حرًّا؟ فعلى القول أنه يفتديه للرق، يبدأ بماله. وعلى القول أنه يفتديه للحرية، يبدأ بتخيير السيد. وقوله في المسألة: "أو يفتديه مدبراً" (¬5)، ظاهره أنه يبطل (¬6) العتق إن افتداه عنده الآن، كشرائه [ابتداء] (¬7)، وقد أبطل عتقه جنايته. وفي المدونة لابن كنانة مثله في العبد بجني ثم يعتقه سيده، أنه يحلف ما أراد حمل جنايته، ورد (¬8) [168] عتقه. ثم (إن) (¬9) فداه بقي له ¬
عبداً، ومثله لمحمد (¬1). قال: لأنه كان لغيره حين أعتقه، يريد بسبب؛ الجناية. وروى عيسى عن ابن القاسم أنه إن فداه خرج حرًّا، ولا ينقض افتكاكه حريته. وقوله في آخر المسألة: "قال غيره: (يصير الثلثان رقيقاً للمجروح) (¬2)، وجد من يعينه (¬3)، أو لم يجد" (¬4)، إلى آخرها. ثبت لابن وضاح، والدباغ، وسقط لابن باز [وأحمد بن داود] (¬5). وهو عند يحيى مطروح. و [قوله] (¬6): "في أم الولد تجني ثم تموت قبل سيدها، أو قبل الحكم عليه بقيمتها؟، لا يكون على السيد شيء" (¬7). قال ابن أبي زمنين: لم يذكر هل كان لها مال أم لا؟ وقد نبه عبد الملك أنه إن كان لها مال وكان عيناً كان للمجروح عقله منه، وما فضل لسيدها، وإن كان مالها أقل لم يكن للمجروح غيره، وإن كان عرضاً خير سيدها في افتكاكه بالأرش، أو إسلامه. وقوله: "فإن مات السيد فلا شيء على أم الولد (¬8)، وقال غيره (¬9) إنما ذلك إذا قاموا على السيد وهو حي، وإلا فلا شيء لهم عليه" (¬10)، لم يأت عند ابن القاسم بيان فيما على السيد هنا. وظاهر قوله وعطف قول غيره عليه، أن مذهبه إلزام السيد الأقل من قيمتها، أو الأرش. وكذا جاء مفسراً ¬
له في سماع أصبغ (عنه) (¬1)، وحكي (عن) (¬2) ابن سحنون عن أبيه لا شيء على ورثة السيد فيها. ولا يكون لهم أن يفتكوها من مال السيد، ويكون ذلك عليها تتبع بالأقل من قيمتها، [أو أرش الجناية] (¬3)، فيأتي فيها ثلاثة أقوال. قال ابن القاسم ذلك على السيد. وسحنون عليها. وظاهر قول غير ابن القاسم لا شيء عليها، ولا على السيد، إلا أن يكونوا قاموا عليه. وقوله: "عضت إصبع مولى فطمرت (¬4) " (¬5) كذا ضبطناه عن ابن عتاب. بفتح الميم، وطاء (¬6) مهملة (¬7). وضبطه ابن المرابط بكسر الميم، وفسره انتفخت (¬8). ورواه بعضهم بالضاد المعجمة (¬9). وعذرة الجارية: بكارتها. "والمنذر بن عبد الله الْحِزامي" (¬10) بكسر الحاء، وزاي (¬11). ¬
و"ابن أبي أنيسة" (¬1)، بضم الهمزة (¬2). و"ابن غَنْم" (¬3)، بفتح الغين المعجمة، بعدها نون ساكنة (¬4). و"عبادة بن نُسَيّ" (¬5)، بضم النون، وفتح السين المهملة، وتشديد الياء (¬6). و"عميرة (¬7) " (¬8)، بفتح العين (¬9)، [وكسر الميم] (¬10). ¬
و"ابن أبي ناجية" (¬1)، بالجيم بعدها ياء باثنتين تحتها، وأوله نون. وقوله: "في حديث ربيعة في مغتصب الجارية (¬2) لما أفسده من كفاتها، وموضعها" (¬3). كذا قيده ابن المرابط، بضم الكاف مقصور، يعني من ينكحها من أمثالها، وزهدهم فيها، وقد يكون بفتح الكاف ممدوداً، اسم ذلك، أي منصبها لأمثالها، وهو بمعنى الأول. (وقوله: "استرهب" (¬4): أي خوف. والرهب: الخوف) (¬5). وقوله في باب جناية العبيد عن عمر بن عبد العزيز، [قال:] (¬6) والمتاع. كذا في أصول شيوخنا لا غير. وأكثر النسخ. وروى بعض الرواة عن سحنون ما أفسد من المتاع في رقبته. وفي بعض النسخ: والمتاع مثله (¬7). "وقول عمر بن عبد العزيز في الجارية التي عضت أصبع المولى فمات، فاعترفت الجارية، وقضى عمر بن عبد العزيز أن يحلف مواليه خمسين يميناً، ترد عليهم الأيمان، لما مات من عضتها. ثم الأمة لهم، وإن أبوا فلا حق لهم" (¬8). تأول ابن لبابة أن مذهب عمر هنا لا قصاص بين الأحرار والعبيد. على مذهب المخالف (¬9). وأنه لم يوجب لهم دمها، وليس فيها بيان لما قال، بل (¬10) يحتمل قوله: "ثم الأمة لهم" (¬11)، أن ¬
يستحقوها (¬1) للقصاص، أو يسترقوها (¬2) إن شاؤوا، إلا أن يفديها سيدها منهم، وإن كانت عضتها ببينة لا باعتراف، وإن كان إنما هو باعترافها على ظاهر قوله في الحديث (¬3)، (واعترفت) (¬4) فهو أبعد على تأويله أن تكون لهم ملكاً، لأنها لا تصدق على إخراجها من ملك سيدها، وإنما يملكون (¬5) باعترافها دمها لا رقبتها. وهذا أبين. وابن سمعان، بفتح السين المهملة، يقوله أكثر الناس. وكذا قيدناه عن شيوخنا. وحكى لنا القاضي الشهيد [أَبو] (¬6) علي [عن] (¬7) أبي بكر بن الخاضبة (¬8) (الحافظ البغدادي أنه كان يقوله بكسر السين (¬9). وقوله "إن كانت ديته تحبس نجومه" (¬10) بالحاء المهملة والباء لإبراهيم بن باز. ورواية (¬11) الأبياني. وعند ابن وضاح يختنس بالخاء المعجمة، والنون، وهما بمعنى متقارب (¬12)، أي يردها ويقبضها. وقوله: "أو معضوب" (¬13) بعين مهملة، وضاد معجمة، هو (¬14) الزمان الذي لا حراك به. ¬
وقوله: "أو تفريق (¬1) فرقة" (¬2) بكسر الراء، أي بفزيع (¬3) فزعة، والفرق: الفزع. وقوله في المكاتب: "إذا جرح جرحا فيه العقل، أنه إن قوي على أداء عقل الجرح مع كتابته أداه، ولا ينجم عليه كما ينجم عن الحر (¬4) " (¬5). وفي الآثار: مضت السنة إذا وجب على المملوك عقل فلا يؤخر، ولا ينجم كما تنجم المعاقل، لكنه عاجل (¬6)) (¬7). قال [بعض شيوخنا] (¬8): معناه إذا كانت الجناية قتل نفس فالدية حالة، وقد قيل في العبد: يقتل خطأ فيفتديه سيده [بالدية] (¬9)، أنها تنجم عليه، ولا تلزمه حالة. قال: وكذلك يلزم في المكاتب إذا عجز عن أدائها حالة. وقال سيده: أنا أفتديه، أنها تنجم على السيد، وإن لم تنجم على المكاتب، لأن في تنجيمها على المكاتب والعبد إضراراً بالسيد، إذ لا يمكن أن يؤدي إليه من الكتابة شيئاً حتى يؤدي الجناية. فكان أوقفناه على أداء الكتابة مدة السنين الثلاثة أضررنا بالسيد، وإن جعلناه يؤدي الكتابة للسيد فيها على نجومها أضررنا بأصحاب الجناية. وقوله "إذا قتل المكاتب قوم (¬10) على هيئته (¬11)، والحال التي كان ¬
عليها في ملائه، وحاله. وكذلك إن وضع عنه ما عليه عند الموت وضع في الثلث الأقل من قيمته، على حاله (¬1)، وهيئته التي هو عليها في حسن أدائه، وقلة ذلك وكثرته. والأقل مما عليه، فأيهما كان أقل وضع في الثلث" (¬2). كذا هو في رواية الدباغ، [169] والأبياني. وسقط؛ عند ابن عتاب. وقوله: "في ملائه، وحاله"، وأوقفه يحيى. وقال: حرف سوء. ثم قال آخر الباب: "يعتق بالأقل من قيمة الكتابة في ثلث الميت، وإنما تقوم الكتابة (¬3) بالنقد" (¬4) إلى آخر المسألة. قال فضل: انظر كيف قال: والأقل (¬5) مما عليه (¬6)، ولم يقل من قيمة (¬7) (ما عليه، كما قال آخراً (¬8)) (¬9). وقد ذكر أشهب في ديوانه روايتين: إحداهما: أنه يقوم عبداً. والأخرى أنه يقوم مكاتباً. وبهذا أخذ (¬10) أشهب. أنه يقوم على حاله، وقوته على الأداء، إن كان ذلك يزيد على قيمته. قال القاضي رحمه الله: قال سحنون: إنما يقوَّم عبداً. وذكره حاله، وهيئته، إنما معناه إذا كانت في يده صناعة يكون بها ماهراً. أو يكون تاجراً ذاهياً (¬11). ¬
قال القاضي: "وقول غيره في آخر الكتاب لا تقوم الكتابة، وإنما ينظر إلى الأقل من قيمة رقبته، أو ما بقي عليه من الكتابة، ليس فيه قيمة الكتابة" (¬1)، إلى آخر كلامه. هو قول مالك في موطإ ابن بكير. وقول أكثر الرواة في كتاب المكاتب. وقوله "في المكاتب: يجني فيصالح المجني عليه بمائة، قال في الكتاب: إن كانت الجناية معروفة" (¬2)، يعني أنها معروفة بقيام البينة عليه، لا بإقراره، لأن إقراره غير مقبول. ¬
كتاب الجراحات والديات
كتاب الجراحات (¬1) والديات (¬2) [أصل] (¬3) هذه الكلمة من الاجتراح، وهو الاكتساب. والعمل بالجوارح. قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (¬4) ومنه: جوارح الصيد، لاكتسابها. ثم لما كان عمل الجوارح في الصيد أكثره في الأجساد، والإدماء، سميت بذلك (¬5) جرحاً. وصار عرفاً فيما هو بتلك الصفة، دون سائر الاكتسابات. وجرحة الشاهد من هذا، كأنه لما مرض في عدالته فكان كمن جرح في جسمه، ولذلك قالوا (فيمن) (¬6) في مثله طعن، فيه كله تشبيهاً بالجرح، ومن الجراح الشجاج (¬7)، لكنها مختصة بالرأس. لأن معناها العلو. يقال: شججت (¬8) البلاد، إذا علوتها، فمعنى شجه، أي جرحه في أعلاه. والجراح في جميع الجسد. والديات جمع دية، وأصلها والله تعالى أعلم من الودي، وهو الهلاك. ¬
ومنه أودى فلان، أي هلك. فلما كانت عن الهلاك سميت بذلك لكونها بسببه (¬1)، وقد تكون أيضاً من التودية، وهو شرط أطباء (¬2) (¬3) الناقة لئلا يرضعها الفصيل، ومنعه من ذلك، فكأن الديات تمنع من يطلب بها من فعل ما يوجب ذلك، كما يمنع ذلك القصاص، والحدود. وقد تكون سميت دية من الإصلاح، لأنها سكنت الطلب كان قولهم: ودَأت الشيء مهموزاً، أي سويته. وودَأت (¬4) الأرض، [أي] (¬5) سويتها. فسهل همزه، وسميت أيضاً أرشاً (¬6). من أجل الخصومة، والطلب به من التوريش (¬7)، وهي الخصومة. وشبه العمد: هو ما أشكل، هل أريد به القتل أم لا؟، فاختلف (¬8) العلماء فيه، هل له حكم منفرد يخصه، من دفع القصاص، وتغليظ (¬9) الدية عليه، وهو قول أكثر الفقهاء، وسموه شبه العمد، ولم ير ذلك مالك في شيء، إلا في الآباء، وأبنائهم. وهو قول أكثر أصحابه. وقال أيضاً هو عمد، أو خطأ. وفي ذلك عند أولئك الدية. إما مثلثة، كما قال مالك في مسألة الأب. وهو قول الشافعي. أو مربعة. وهو مذهب أبي حنيفة (¬10). وصفة شبه العمد عند القائلين به ما عدا الأب مع ابنه: أن يضربه ¬
ضرباً عمداً، على وجه النائرة (¬1)، والغضب، لا ينوي قتله. ولا يقصده، بغير آلة القتل، كالسوط، والعصا، فيموت من ذلك. [فهذا] (¬2) عند مالك في مشهور مذهبه كالعمد (¬3). وهو قول كافة أصحابه، وجماعة من أهل العلم (¬4)، إلا ما فسره مالك في مسألة الأب، والابن. وخصه من ذلك لارتفاع التهمة في قصد القتل للآباء بأبنائهم، إلا أن يفعل به ما لا إشكال فيه، كما فسره به. وحكى البغداديون عن مالك أنه قال: فيما تقدم من شبه العمد، بقول الكافة. وقال به كثير من أهل النظر من أصحابه (¬5)، وغيرهم (¬6). ووجه ثان فيما كان من ذلك على وجه اللعب دون النائرة، كالمتصارعين، والمتراميين، فيموت من ذلك، فقول (¬7) مالك ومشهور مذهبه في الكتاب، وغيره، أن حكم ذلك حكم الخطأ. وروى عبد الملك ومطرف (¬8) (عنه) (¬9) أن حكمه حكم العمد (¬10). وذهب ابن وهب، وابن حبيب، وعامة العلماء، [إلى] (¬11) أن حكم ذلك حكم شبه العمد (¬12). واختلف متأخرو شيوخنا في تأويل قوله في ¬
الكتاب: كالرجلين يصطرعان، أو يتراميان، أو يأخذ برجله على وجه اللعب فيموت (¬1)، وقوله: "إنما في ذلك كله دية (¬2) الخطإ" (¬3). قيل: إنما هذا إذا كانا يتفاعلان ذلك كل واحد منهما مع الآخر. وهو ظاهر لفظه. فأما إذا فعل ذلك أحدهما بالآخر على وجه اللعب، ولم يلاعبه المقتول، ولا راماه (¬4)، فهذا فيه القصاص، كما روى مطرف (¬5) عن مالك، وعلى هذا أنزل (¬6) هؤلاء الروايتين، ولم يجعلوها اختلافاً. وقيل: ذلك سواء، إذا كان على وجه اللعب، لا تبالي كان منهما، أو من أحدهما. وهو ظاهر من قوله في الكتاب أيضاً. "أو يأخذ برجله فيسقط" (¬7)، وهذا الصواب. وهذا التفريق بعيد في النظر، إذا عرف مقصد اللعب. ورواية مطرف وعبد الملك خلافاً، وكذلك اختلف متأخرو شيوخنا الأندلسيين فيما كان على وجه الأدب أو فعل ما يباح له ممن يجوز له ذلك على الوجه (¬8) الذي أبيح (¬9) وحيث أبيح، كالحاكم، [170] وضارب؛ الحد، والمؤدب، والأب، والزوج، والخاتن، والطبيب، فقيل: ذلك كالخطإ (¬10)، ويدخلها الاختلاف في شبه العمد المتقدم، وإلى هذا التخريج ذهب القاضي أَبو الوليد الباجي (¬11). ¬
وقيل: إذا كان إنما فعل من ذلك ما يجوز، (وحيث يحوز) (¬1)، ولا يعد غلطاً، ولا قصداً، فهي كمسألة اللعب (¬2)، ويدخلها الخلاف المتقدم في رواية ابن القاسم. ورواية مطرف، ومذهب ابن وهب، وابن حبيب، هل هو خطأ؟ أو عمد؟ أو شبه عمد (¬3)؟ وإليه ذهب شيخنا القاضي أَبو الوليد محمد بن أحمد (¬4). وقوله في مسألة التغليظ (¬5) على أهل الذهب، والورق (¬6)، ينظر (¬7) إلى قيمة إلإبل في المغلطة (¬8)، وما زادت على دية الخطأ (¬9)، فيزاد [في الرقة] (¬10) بقدر ذلك (¬11). واختلف الشيوخ من القرويين، والصقليين، على هذا التقويم، على أنها حالة، أو على نجومها (¬12). ¬
ومعنى الرقة: الفضة. و"المدلجي" (¬1)، بضم الميم، وكسر اللام، منسوب إلى بني مدلج (¬2). وأسنان الإبل (¬3) التي ذكر تقدمت في الزكاة. ومنها هنا ما لم يذكر هناك: الثنية (¬4). والخلفة، والبازل. فالثني (¬5) من الإبل، الذي ألقى ثنيته. وذلك [إذا دخل] (¬6) في السنة السادسة. فإذا ألقى رباعيته فهو رباع، وذلك في السابعة. ثم هو (¬7) في الثامنة سديس، وفي التاسعة بازل. وفي العاشرة مخلف. ثم كلما زاد فلا اسم له، إلا أنه يقال بازل عام، وبازل عامين. وكذلك في المخلف. وأما الخلفة فالتي في بطنها ولد، كما جاء في الحديث. وسراقة (¬8) بضم السين، وتخفيف الراء (¬9). وابن جعشم: بضم الجيم، وسكون العين، وضم الشين [المعجمة] (¬10). ¬
وقديد: بضم القاف، ودالين مهملتين مصغر (¬1). والعثم، والعثل (¬2)، بالميم، واللام (¬3) معاً (¬4)، [والعين المهملة المفتوحة، والثاء المثلثة مفتوحة، مع اللام، وساكنة مع الميم] (¬5)، وكلاهما بمعنى. وهو الأثر والشين. وأسماء الجراح ذكر منها في الكتاب: الباضعة، والملطأ، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة، وبقي من أسمائها: الحارصة، والدامغة، والمتلاحمة. وترتيبها عند أهل اللغة، وتفسيرها، وأن أولها الحارصة (¬6)، بحاء مهملة، وصاد مهملة، وهي التي حرصت الجلد (¬7)، أي شقته (¬8)، وهي الدامية، لأنها تدمي. وهي الدامعة بعين مهملة، لأن الدم ينبع منها، ويقطر كالدمع. وقيل الدامية أولى (¬9). لأنها تخدش، فتدمى. ولا تشق جلداً. ثم الحارصة لأنها شقت الجلد (¬10). وقيل: هي السمحاق (¬11). كأنها جعلت الجلد كسماحيق السحاب. ثم الدامعة، لأن دمعها يقطر كالدمع. ثم الباضعة، وهي التي أخذت في اللحم بضعته، وهي المتلاحمة. وقيل: المتلاحمة بعد الباضعة، لأنها أخذت في اللحم في غير ¬
موضع. ثم الملطا (¬1)، بكسر الميم، وتقصر (¬2). ويقال: ملطاة بالهاء (¬3)، وهي التي قربت (من) (¬4) العظم، وبينها وبينه قليل من اللحم. وقيل: هي السمحاق. ثم الموضحة (¬5)، وهي التي كشفت (¬6) عن العظم. ثم الهاشمة، وهي التي تهشم (¬7) العظم (¬8). ثم المنقلة، وهي التي كسرت العظم (¬9)، فتحتاج إخراج بعض عظامها (لإصلاحها) (¬10)، وتختص بالرأس (¬11) المأمومة (¬12)، وهي التي أفضت إلى أم الدماغ (¬13). وتختص الجائفة بالجوف (¬14)، وهي التي نفذت إليه (¬15). والعقول المفروضة، وهي الديات المحدودة، من ذلك: الموضحة فما فوقها من شجاج الرأس المختصة به. وإنما تكون (¬16) في الموضحة إذا كانت في الرأس والوجه (¬17) خاصة، ما عدا الأنف، واللحي الأسفل، لأنه غير متصل بعظم الرأس. وفي الجائفة في الجسد خاصة، وما عدا ذلك فإنما ¬
[يكون] (¬1) فيه حكومة. والقصاص في جميع الجراح، حيث كانت، إلا في المنقلة في الرأس، والمأمومة، والجائفة، للغرر، والخطر، في ذلك (¬2). وتوقف مالك في القود في هاشمة (¬3) الرأس [خاصة] (¬4) ولم يعرفها. وقال: لا أرى هاشمة إلا وهي منقلة (¬5). واختلف أصحابه في القصاص منها بما هو معلوم. وقوله في قطع اللسان: "لا يعجل حتى ينظر ما يصير إليه. قلت في الدية أو القود (¬6)؟ قال: في الدية" (¬7) ظاهره تعجيل القود عنه، كسائر الأعضاء، إن كان كما قال: يستطاع القود منه، ولا ينتظر نباته، كما يقاد في سائر الجراح، وإن نبت لحمها وصار إلى أحسن حال. وإنما الانتظار في الدية، إذ قد يفضي قطعه إلى النفس، أو ينبت كما ذكرته (¬8)، فلا تكون فيه دية، أو ينبت بعضه، فيكون فيه بحساب ذلك، وعلقنا عن بعض شيوخنا، أنه يجب على قياس قوله في سن الصبي، وثدي الصغيرة، إذا نبت أنه لا قود فيه، وأن ينتظر نباته (¬9). قال القاضي رحمه الله: والذي عندي ألا يجب هذا، لأن سن الصبي لو لم يكسره هذا الجاني لسقط بنفسه غالباً، للإثغار (¬10). وإذا نبت فكأنه لم ¬
يجن عليه شيئاً، وثدي الصبية لم يقطع لها ثدي، إذ (¬1) لم يكن موجوداً، وإنما قطع [لها] (¬2) حلمته (¬3)، فإذا كبرت، ونبت ثديها، ولم يبطل درها، قطع الحلمة فلا شيء عليه، إلا ما شانها به، من قطع الحلمة، وكثير من النساء لا يكاد يوجد لهن (¬4) حلمة، إذا كبر ثديها، وإن لم ينبت لها شيء علمنا أنه بسبب ما فعله بها، وأنه (¬5) كان زاد على قطع الحلمة فقطع اللحم الذي ينبت منه الثدي، فإذا كان الفاعل رجلاً كانت عليه الدية، إذ لا مثال لما جناه عنده، وإن كانت الفاعلة امرأة ففيها القصاص. واختلف في الاستئناء بالجراح سنة إذا ظهر برؤها قبلها، فتأول بعض الشيوخ أنه لا بد من استثناء السنة مخافة أن ينتقص حتى تمر عليه فصول السنة الأربعة، وإليه ذهب أَبو موسى بن مناس (¬6)، وظاهر كلام [171] غيره خلافه، وأنه متى برئت، عقلت (¬7). وهذا؛ ظاهر ما في الأصول، ولا معنى بعد البرء لمراعاة (¬8) الفصول (¬9). وقد قال في كتاب محمد (¬10) في العين إذا استونى بها: فإن استقر بصرها (¬11) عقل ما ذهب منها، وإن كان قبل السنة. واختلف فيما بعد السنة إذا لم يبرأ الجرح، ففي الكتاب: في العين ينتظر برءها بعد السنة، ولا دية، ولا قود، إلا بعد البرء (¬12). وقال أشهب: ¬
ليس بعد السنة انتظار، يريد في الخطإ، ويعقل الجرح [بحاله] (¬1) عند تمامها (¬2)، ويطالب بما زاد بعد (¬3). وقوله: "في خمسة أسداس الدية أرى اجتهاد الإمام في السدس في الباقي" (¬4) قبل اجتهاده فيه، هل يجعله في أول السنة الثالثة، أو وسطها، أو آخرها؟. وقيل: يأتي على قوله في ثلاثة أرباع الدية، في ثلاث سنين، وربع كل سنة، وهو مثل قوله: نصفها في سنتين (¬5)، فعلى هذا تقسم خمسة أسداس الدية، على ثلاث سنين. ومسألة (¬6) المرأة إذا قطع لها إصبعان عمداً، فاقتصت، أو عفت، ثم قطع من ذلك (¬7) الكف إصبعان خطأ، فإنه يأخذ لها (¬8) عشرين بعيراً (¬9)، إلى آخر المسألة. ثبتت في كتاب ابن عتاب، وصحت في رواية يحيى بن عمر، وأدخلها أَبو محمد من روايته، وصحت لابن وضاح، وكانت موقوفة في كتاب ابن المرابط، وابن سهل. وذكروا أن سحنون كان يقرأها أحياناً، وأحياناً يتركها. وقوله: "فيمن قطع يمين رجل، ولا يمين للقاطع، (فيه العقل، غير ¬
مغلط، مثل عقل دية العمد إذا قبلت في الأسنان" (¬1)، معناه في أسنان الإبل المربعة. وقوله في عقل المأمومة) (¬2) والجائفة، كان مالك مرة يقول (¬3): هي في ماله إن كان له مال، [فإن لم يكن فعلى العاقلة لئلا يبطل دمه، ثم رجع فقال: إنها على العاقلة وإن (¬4) كان له مال] (¬5)، وهو مما تحمله العاقلة (¬6)، وثبت على ذلك، وهو رأيي (¬7). فهذان قولان معلومان (¬8)، وله قول ثالث، أنها في ماله (¬9)، ولا مدخل للعاقلة فيها، وهو ظاهر كتاب الديات (¬10) في قوله: "ثم رجع، فجعلها على العاقلة بضعف" (¬11)، وقال لي "آخر ما كلمت: ما هو بالأمر البين، أنه على العاقلة" (¬12). ومعنى الحكومة فيما لا عقل فيه، أي ما نقصه الجرح، وتفسيره أن يقوم لو كان عبداً صحيحاً، ثم مجروحاً، فما نقص من قيمته كان على الفاعل بحساب ذلك من ديته. وكذا فسره غير واحد من شيوخنا البغداديين، وغيرهم. وهو قول الشافعي. ¬
وفي تفسير ابن مزين أن الحكومة باجتهاد الإمام (¬1)، ومن حضره. وظاهره عند بعضهم غير القول الأول، وإلى الخلاف (¬2) في ذلك أشار أَبو عمران. وقال: هذا الذي كنا نقول قبل أن نرى القول الآخر، وكنا نحمل ذلك على التفسير بعضها لبعض. وقوله: "المرأة توازي الرجل" (¬3). كذا روايتنا في الأصل بالزاي. أي تماثل. ورواه بعضهم توادي، بالدال. وكذا ذكرها ابن أبي زمنين. وقال ابن وضاح عن سحنون توادي بالدال أعرف، ولعله كما قلت. قال القاضي: وهو صحيح. تماثله من الدية مفاعلة، منهما بمعنى رواية الزاي. ويطل دمه، يترك ويهمل. والترقوة (¬4)، بفتح التاء، وضم القاف، غير مهموز، وهو عظم أعلى الصدر المتصل بالعتق (¬5). والزندان (¬6)، بالزاي، والنون، قصبتا الذراعين. وهما عظماهما (¬7). واللحي، العظم الذي في أسفل الوجه الذي تنبت عليه من الرجل اللحية بفتح اللام. والأنملة (¬8) بفتح الهمزة، وبفتح الميم، وتضم، وهو كل عظم من عظام الأصابع، ومفصل منها. ¬
وقوله في الثديين شطرت (¬1) فيبست (¬2). كذا روينا هذا الحرف، وفسرها بعضهم بمعنى يبست، من الشاة الشطور وهي التي يبست إحدى ضرعيها وله وجه. وألية الرجل (¬3) بفتح الهمزة، وسكون اللام: مقعدته. واصطلمت (¬4) الأذنان (¬5): أي قطعتهما من أصولهما (¬6). "فشدخت" (¬7) أي انقبضت وانضمت. وقوله في جنين: الغرة (¬8) عبد (¬9)، أو وليدة. الغرة عند أهل اللغة النسمة كيف كانت، عبداً، أو أمة، وأصله - والله أعلم - من غرة الوجه، كما تسمى أيضاً ناصية، ورأساً، وقد تكون من الحسن، والإنسان أحسن الصورة. والغرة عند العرب أحسن ما يملك. وقال أَبو عمرو: معناها الأبيض، ولذلك سميت غرة، فلا يقبل فيها أسود، وضبطنا عبداً، ووليدة، منون على البدل، لا على الإضافة. وهو الصواب. والذي يقتضيه التفسير، وأكثر الشيوخ يرونه على الإضافة. وقوله: الحمران أحب إلي من السودان (¬10)، أي البيضان. كما قال ¬
عليه السلام: بعثت للأحمر، والأسود (¬1). وهذا يقتضي موافقة مالك لأبي عمرو في أن الغرة تقتضي البياض. وقوله في العاقلة: إذا لم يكن في قومه من يحمل العقل لقلتهم، ضم إليهم أقرب القبائل (¬2)، يريد في النسب لا في الجوار. وقوله: "أرأيت ما جاء (¬3) في الجنين أن فيه الغرة، أرأيت إن جاءهم بعبد، أو أمة، هل يجبرون (¬4) على أخذ ذلك" (¬5)؟ إلى آخر المسألة. ثبتت في كتاب ابن عتاب. وأوقفها في كتاب ابن المرابط. وقال: صحت ليحيى وحده، قال (¬6) في كتاب ابن سهل: ليست لابن وضاح، ولا لأحمد، ولا لابن باز. وقوله: قال ابن القاسم: "ولا يكون العمد في المرأة إلا أن يضرب رجل بطنها خاصة تعمداً (¬7) لذلك (¬8) الذي يكون فيه القصاص بقسامة" (¬9). لم يكن هذا الكلام في كتاب ابن عتاب. وأوقفه في كتاب ابن سهل. وكتب عليه: صح لابن وضاح. وقال يحيى: قال سحنون: ليس من الأمهات. ونبه ابن أبي زمنين على الخلاف عليه. وقال: إنما يخرج في بعض الروايات لأن من قول أصحاب مالك خلافه. ¬
[172] قال القاضي رحمه الله: وكذا في المجموعة لابن القاسم (¬1)، أنه متى تعمد ضرب البطن، أو الظهر، أو موضعاً يرى أن الجنين أصيب به، ففيه القود (¬2) بقسامة (¬3)، إذا استهل. وأما رأسها أو يدها أو رجلها (¬4) عمداً فلا قود فيه، وإنما فيه الدية بقسامة في ماله (¬5). ويحتمل أنه ليس بخلاف، لأن [ما يصل إلى الولد لا فرق بين ظهر فيه أو بطن لكن تخصيصه بالبطن .... (¬6). إلا أن يقال كلما] (¬7) يصل إلى الولد من ضرب ظهر، وجنب، فهو كضرب البطن. وهو مراده والله أعلم. وقوله: ومما يبين لك أن الدية إنما كانت إبلاً، أن رسول الله (¬8) - صلى الله عليه وسلم - قضى في الأنصاري (¬9) الحديث (¬10). كذا في كتاب ابن عتاب. وهي رواية ابن وضاح. (وفي أصل ابن المرابط أن الدية إنما كانت إبلاً عندما قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأنصاري (¬11). وخرج رواية ابن وضاح) (¬12) خارجاً، قال: ومثله (¬13) لابن باز. وفي كتاب ابن سهل. لابن باز الرواية الأخرى خلاف رواية ابن وضاح. ¬
وقوله: "في شاهد شهد على رجل أنه [أقر عنده أنه] (¬1) قتل فلاناً (¬2) خطأ. قال: سمعت مالكاً في الرجل يشهد على الرجل أنه قتل فلانا خطأ، فإن أولياء المقتول يقسمون، ويستحقون، وكذلك لو أقر أنه قتل فلانا خطأ، أن أولياء المقتول يقسمون، ويستحقون الدية قبل العاقلة" (¬3). قال ابن أبي زمنين: إنما يقسمون مع (¬4) شهادة الذي شهد على معاينة القتل. وقال غيره: إن شاءوا أقسموا مع شاهد الإقرار، واستحقوا الدية في ماله، وفي جوابه إشكال على السؤال، لأنه سألهم عن شاهد واحد على الإقرار مع واحد على المعاينة، فأجابه على انفراد شاهد المعاينة، وتمام شهادة الإقرار منفردة. قال ابن أبي زمنين: ولم يعطنا فيها جواباً، وقد رأيت بين المختصرين فيها اختلافاً، فبعضهم قال: لا يجب على العاقلة بذلك شيء إلا بالقسامة. وقال بعضهم: الشهادة جائزة. قال القاضي رحمه الله: وظاهر هذا تلفيقها دون قسامة، وهو خطأ، لأنها في الإقرار بالخطا شهادة على شهادة وواحد في النقل لا يجوز، لأن المقر في الخطإ شاهد على العاقلة (¬5). وهذا على القول أن الدية في إقرار الخطأ على العاقلة بقسامة، وهو أحد أقواله في كتاب الصلح من المدونة. وقال أيضاً هناك: بل في ماله بغير قسامة. وقد بينا ذلك هناك. واختلاف التأويل وما فيه من خلاف زائد، فأغنى عن إعادته، فعلى أنها على غير العاقلة يكون الشاهد على إقراره كشاهد آخر. ويصح تلفيق الشهادة. قال محققو شيوخنا: وإنما يصح كونها في الإقرار على العاقلة على القول بذلك بوجهين: ¬
أحدهما: أن يكون المقر لا يتهم في عداء (¬1) ولد المقتول كما نص عليه (¬2). الثاني: أنه لم يمت (فبقي) (¬3) حتى احتيج إلى القسامة أنه مات مما أقر به على نفسه. فعلى قوله: أنها في ذمة المقر يحلف الأولياء مع الشاهد الواحد على إقراره خمسين يميناً، ويستحقون الدية (¬4). ثم قال: "فإن شهد واحد على إقرار رجل أنه قتل فلاناً عمداً، أو خطأ، أيكون لولاة الدم أن يقسموا؟ قال: لا يثبت ذلك من إقراره إلا بشاهدين، ويقسمون ويستحقون الدية" (¬5). كذا في أصل (¬6) ابن عتاب، عمداً أو خطأ. وسقط قوله: عمدا من كتاب ابن المرابط، وابن سهل، وغيرهما (¬7). ولم يذكرها (¬8) ابن أبي زمنين. ثم قال: "ولو أن رجلاً أشهد على رجل أنه أقر لفلان بكذا ثم جحده حلف له المقر مع الشاهد، واستحق حقه، وهذا عندي مخالف لدم الخطأ. [وهو رأيي" (¬9)، كذا في كتاب ابن عتاب، وأوقف في كتاب غيره قوله: دم الخطأ.] (¬10)، وقالوا (¬11): سحنون (¬12) زاد هذه اللفظة. ¬
قال بعض شيوخنا: فيخرج من الكتاب في المسألة في العمد قولان: أحدهما: على ظاهر الكتاب أنه لا يقاد منه بشهادة الواحد على الإقرار، وهي بينة مع زيادة العمد أول المسألة. وإسقاط لفظة الخطأ من آخرها. وكذا لأشهب في كتاب محمد. ومذهب سحنون فيها في الكتاب على زيادة دم الخطأ أنه يقاد منه في العمد بقسامة، وأنه إنما لا يؤدي بها، ولا يقسم معها في الخطإ على العاقلة. وكذا ذكره بعض الرواة عنه مفسراً. والوجه الصحيح: القسامة معه، لأنه شاهد على إقراره بحق لغيره (¬1). والقولان في القسامة في الخطإ بذلك لابن القاسم في المسألة في العتبية في سماع سحنون. وقال: ورجع إلى أنه لا يقسم مع الشاهد الواحد على (¬2) إقراره، وبعد أن قال: يقسم. والصحيح مذهبه في المدونة هنا أنه لا يقسم معها (¬3)، لأنه شاهد واحد على شهادة شاهد، ومثله لا يوجب حكما، ومعناه أنه مات، ولو كان حيًّا بعد جاحد الحلف (¬4) في إبطال الشهادة على شهادته وإقراره، لأنه مكذب لها، لأنه كالشاهد بها على العاقلة. وقوله: "في أيمان القسامة: لا يقال الرحمن، الرحيم. وذلك أنا رأينا المدنيين يحلفون عند المنبر، فما يزيدون على ما أخبرتك" (¬5). كذا في كتاب ابن عتاب. لا غير. وهي رواية يحيى في كتاب ابن المرابط. ولغير يحيى عنده: فيزيدون، وهو الذي في أصله مصلحاً. ويحتمل أنه الصواب، لأن المغيرة وغيره من فقهاء المدينة كانوا يرون زيادة ذلك إلى أيمان القسامة، وشبهها (¬6). ¬
ومعنى اللوث في الكتاب: الشهادة التي ليست بتامة [كأنها لاثت، أي التبست] (¬1) في الحكم، إذ (¬2) لم تكن قاطعة. واللائث من الشجر: ما التبس بعضه ببعض. وقوله في الذى أكذب نفسه بعد القسامة، واستحقاق الدم، أنه بمنزلة النكول، فلا يقبل متى أكذب نفسه، واحد منهم بعد اليمين إذا كان ممن لو أباها لم يقبل (¬3)، قالوا: وكذلك عند ابن القاسم تسقط الدية [173] عن القاتل بتكذيبه نفسه، بخلاف عفو أحدهم عنه (¬4)، ولو كان؛ قبل القسامة استوى عند ابن القاسم العفو، والنكول (¬5). وكان الجواب عنده كذلك بسقوط الدم، والدية. وكذلك يقول عبد الملك في المسألتين قبل، وبعد، في العفو، والنكول، والتكذيب. وقال أشهب في جميع ذلك: للباقين حظهم من الدية (¬6)، ويقسمون إن لم يكونوا أقسموا. وفرق ابن نافع بين نكوله على طريق (¬7) التورع، فللباقين [هنا] (¬8) القسامة، والقود. أو على طريق العفو، فللباقين القسامة، والدية (¬9). ومسألة "عين الأعور يفقأ مثل عينه من الصحيح، وتخييره بين القصاص، وأخذ الدية (¬10). قال بعضهم: يخرج منها قول (¬11) آخر في التخيير في أخذ الدية في جراح العمد، وهو قول ابن عبد الحكم، والمشهور ¬
من قول مالك، وأصحابه، أنه لا تخيير (¬1) في ذلك إلا القصاص. وما اصطلحا عليه، ويخرج (¬2) من هذه المسألة أيضاً رواية أخرى عن مالك في إجبار القاتل على الدية، خلاف معروف روايته، وقوله مثل قول أشهب، وترجح بعضهم في هذا. وأبو عمران قال (¬3): إنما قال ذلك لعدم التساوي، وعين الأعور أزيد من إحدى عيني الصحيح. فلم يمنعه القصاص (¬4)، إذ هي غير عينه في الصورة، وإذا عدل عن القصاص إلى ديتها لم يكن للأعور أن يأبى من ذلك، لأنه دعا إلى الصواب (¬5). قال القاضي رحمه الله: هذا غير بين. ويلزمه في الإجبار على الدية (¬6) [هذا التصويب] (¬7) وخرج منه بعض شيوخنا أيضاً أن لولي القتيل إذا كان القاتلون كثيراً (¬8) أن يلزم كل واحد منهم دية كاملة عن نفسه بحسب [قدر] (¬9) ديته، أو كل (¬10) من أراد استحياؤه منهم (استحياه) (¬11)، ويقتل (¬12) من شاء. قال: وكذلك في جماعة قطعوا يد رجل أنه يقطع يد من شاء منهم، ويلزم كل من عفا عنه دية نفسه (¬13)، كما ألزمه هنا (¬14) دية عينه. ¬
قال القاضي رحمه الله: وهذا لازم لأبي عمران على تعليله في زيادة المثلة (¬1)، لأن جماعة أنفس (¬2) زيادة على نفس واحدة على كل حال. وقوله فيمن قتل غيلة ليس لوليه العفو عن دمه، وذلك للسلطان (¬3). معناه: اغتاله لأخذ ماله، ولو كان ذلك لثائرة بينهما ففيه القصاص، والعفو فيه جائز. قال ابن أبي زمنين: وهو صحيح، جار (¬4) على الأصول، لأن هذا غير محارب، وإنما يكون له حكم المحارب إذا أخذ المال، أو فعل (¬5) ذلك لأجل المال. وقوله: إذا ادعى (أن) (¬6) ولي الدم عفا عنه، أرى أن يستحلفه، فإن نكل حلف الآخر (¬7)، قالوا (¬8): يخرج منه إلزام (¬9) اليمين في الدعوى المجردة، وفي دعوى المعروف في هبة (¬10) ثمن المبيع، وكراء المسكن، وهبته. ودعوى الإقالة، وشبهه. وهو (¬11) أصل يتنازع فيه، (ولهذا لم ير أشهب في مسألة العفو يميناً. واختلف شيوخنا في التنازع فيه) (¬12). فقيل: هو اختلاف من قوله في الباب كله. ¬
وقيل: بل هو اختلاف حال، فلا يلزمه اليمين بمجرد الدعوى، ويلزمه (¬1) مع وجود الشبهة. وقوله في القتيل يوجد بين الصفين لا قسامة فيه. معناه: أنه لم يدم على أحد، ولا قام شاهد على (من) (¬2) قتله، ولا (على) (¬3) أي الصف قتله، وفي كتاب محمد لكن (¬4) فيه الدية على الفئة التي نازعته، حملوه على التفسير. وفي كتاب ابن الجلاب أن في مثل هذا القسامة مطلقاً (¬5). واختلف قول ابن القاسم إذا دمى، أو شهد شاهد بقاتل معين له، أو على أحد الصفين مجملاً بقتله (¬6)، هل فيه قسامة أم لا؟ وما ثبت ببينة ففيه القصاص، وهذا كله في صفي العصبية، والبغي. والمستويين (¬7) في ذلك، فلو كان أحدهما باغياً (¬8)، والآخر مظلوماً (¬9)، أو متأولاً (¬10)، أو القتيل (¬11) منهم (¬12) طلب الآخرون الذين ليس القتيل منهم بعقله على كل حال بقسامة، أو بغير قسامة، على القولين المتقدمين (¬13). إن لم يثبت قتله (¬14)، ¬
أو قتل الصف له بعدلين، سواء وجد مقتولا، أو شهد له (¬1) بذلك (¬2) لوث، أو دمى. ويقتص في العمد إن ثبت قتلهم له بعدلين، أو بقسامة، إن شهد له شاهد، أو دمى على قاتله. ولو كان من صف الباغين الزاحفين (¬3)، كان هدراً (¬4) بكل حال، لا قصاص فيه، ولا دية. ولو تعين قاتله. وكذلك لو كان القاتلون متأولين (¬5) أو كلا الصفين متأولين، فمن قتل منهم الآخر هدر. وقوله في مسألة "البنت، والأخت، إذا أقسم العصبة، فقالت (¬6) البنت: أنا أعفو. قال: ليس ذلك لها، لأن الدم إنما يستحقه (¬7) العصبة. ها هنا قلت: فإن عفا العصبة وهم الذين استحقوا الدم، وقالت البنت: لا أعفو، فليس ذلك لهم. ولا عفو إلا باجتماع منها. ومنهم، ومنها (¬8)، ومن بعضهم" (¬9). هكذا لفظه في الكتاب في جميع الروايات. قال بعض الشارحين: فمذهبه في الكتاب أن الدم متى وجب بقسامة، أو بغير قسامة، أنه لا عفو إلا باجتماعهما على ذلك. يريد البنات، والعصبة. ومن قام بالدم كان أولى. وقال: إن له في الكتاب (¬10) قولين: ¬
أحدهما: هذا. وهو أصله. والثاني: ما له في أول الكلام (¬1) من قوله: "ليس لها (¬2) ذلك، لأن الدم إنما استحقه العصبة" (¬3) بقسامة. فمفهومه أنه لو كان ببينة (¬4) لكان (¬5) لهما ذلك (¬6) من العفو، دون العصبة. وقيل: إنما هذا إذا كان النساء (¬7) يحزن الميراث، وينفردن به دون العصبة. كمسألة البنت. والأخت. فلا عفو إلا باجتماع من الأقرب من النساء، والعصبة إذا كان بقسامة. فإن كان ببينة فلا كلام للعصبة مع البنات في ذلك في عفو، ولا قتل. وحملوا المسألة والجواب على مسألة البنت، والأخت خاصة. وإلى هذا ذهب عبد الحق، وغيره. وقال بعض الأندلسيين: أما إذا كان الإناث بنات، وأخوات، يحزن الميراث باجتماعهن، وثبت الدم ببينة، فلا حق للعصبة معهن (¬8) في عفو، ولا قيام. وأما إن ثبت بقسامة ففي ذلك قولان: أحدهما: (ما) (¬9) في المدونة: أن ذلك لا يكون إلا باجتماعهما، وأن من قام بالدم كان له. [174] والثاني: ما في العتبية من سماع عيسى (¬10) [عنه] (¬11): أن ¬
العصبة أحق بالقيام، والعفو.؛ [قال] (¬1) وأما إن كانوا بنات، (وإخوة) (¬2). أو أخوات (¬3)، وعصبة. يريد ممن لا يحزن بجملتهن الميراث. ففي (¬4) [ذلك] (¬5) ثلاثة أقوال: مذهبه في المدونة المشهور: لا عفو إلا باجتماع من جميعهم، ومن قام بالدم فله ذلك، كان [له ذلك] (¬6) ببينة، أو بقسامة (¬7). والثاني (¬8): مذهبه (¬9) في سماع عيسى في العتبية (¬10): التفريق بين القسامة، والبينة على ما تقدم أولاً في الوجه الثاني. الثالث: رواية مطرف، وعبد الملك [عن مالك] (¬11)، أنه إن كان ببينة (¬12) فالنساء أولى بالعفو، والدم. وإن كان بقسامة فلا عفو إلا باجتماعهم. ومن قام بالدم فهو أولى. وحكى (¬13) ابن القصار عن مالك أنه لا مدخل للنساء في الدم جملة. والنساء اللائي (¬14) لهن مدخل في الدم على المشهور [عندنا] (¬15)، البنات دنية دون بناتهن. [وبنات الأبناء، وأبناء الأبناء الذكور وإن سفلوا، دون ¬
بناتهن (¬1)] (¬2)، والأخوات للأب كن شقائق أم لا. واختلف في الأم، فرأى (¬3) ابن القاسم لها القيام بالدم، وأباه أشهب. وقوله: وإن كان (لا) (¬4) عصبة له من أهل الأرض (¬5)، يريد إسلاميًّا (¬6) ممن (¬7) أسلم من أهل العنوة، إذ ليس لهم عصبة تعقل عنهم، ولا أهل جزية يعقلون عنه. والمسائل المختلطة من مسائل إقرار (¬8) المديان إلى مسألة الصبي يدفع إليه سلاح (¬9). ثابتة (في كثير من النسخ. وكانت ثابتة) (¬10) في كتاب ابن عتاب. (وكتب عليها) (¬11): لم (¬12) يقرأها سحنون (¬13). وقد قرأها ابن وضاح. وكانت ثابتة في كتاب ابن المرابط. وقرأناها على ابن عتاب. وقوله: "فرمحت" (¬14) أي ركضت برجلها إلى خلف (¬15). "ونفحت" (¬16) برجلها مثلها (¬17). ¬
ويقال: [هو] (¬1) ضربها برجلها الأرض، ودفعها به ما واقعها، ومنه: نفح بكذا، إذا رمى (به) (¬2). "وكدمت" (¬3): عضت (¬4). وقوله: "لأن المقدم لم يعنفها بشيء (¬5) " (¬6)، أي لم يفعله بها، ولا تسبب (¬7) إليها بشيء (¬8) تفعله من أجله. وقوله: "إذا أوقف دابته في طريق المسلمين حيث لا يجوز [له] (¬9) ضمن" (¬10). معناه: جعله لها (¬11) موقفا، وإن كان إنما نزل عنها (¬12)، أو أوقفها، وهو راكب عليها أمام حانوت (¬13) ليشتري منها شيئاً، أو ليحمل (¬14) عليها منه شيئاً، كان له على طريق، أو (¬15) أمام باب داره، أو نزل للصلاة في المسجد، أو وقف بها عند باب (¬16) الأمير طلب الإذن، أو أوقفها حتى يخرج (¬17) من عنده، [فما] (¬18) أصابت حينئذ لم يضمن. كذا بينه في كتاب ¬
كراء الدور [والأرضين] (¬1) بنحو ما ذكرناه. وقال أَبو عمران: معناه أوقفها حيث لا يجوز (له) (¬2) لضيق الطريق، ولو كان في فناء الطريق، أو ما (¬3) بعد من طريق المسلمين فلا ضمان عليه. وقوله حين سأله: "عن (¬4) خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬5)؟ فقال: أَبو بكر، ثم عمر. ثم قال: أو في ذلك شك" (¬6)؟ كذا في أكثر النسخ. وعليها اختصرها (¬7) أكثرهم. ولم يكن في كتاب ابن عتاب، ولا في كتاب ابن المرابط: ثم عمر. وفي حاشية كتاب ابن عتاب لم يكن في كتاب ابن وضاح، ولا في كتاب (¬8) سحنون. وفي بعض النسخ: أَبو بكر، وعمر. قال سحنون: يريد ثم عمر. وهذا مما لا خلاف في تفضيلهما على من عداهما عند أهل السنة [والجماعة] (¬9). ولا في تفضيل أبي بكر على عمر. وإنما جاء اختلاف الرواية في إثبات ذلك في الكتاب، وسماعه منه، وذكرهما معاً، أو بعض (¬10) ذلك. وكذلك [في] (¬11) رواية [من روى:] (¬12) وعمر لا تقتضي التسوية مع أبي بكر، لكن ¬
التسوية في أيهما (¬1) أفضل من غيرهما. ثم هما في التفاضل (¬2) في أنفسهما على ما عليه الإجماع كما قال عليه السلام: "خيركم قرني" (¬3)، فهو كذلك على الجملة. ثم هو متفاضل في نفسه. وأما قوله: "فعلي، وعثمان، قال: ما أدركت أحداً ممن اقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، ويرى الكف عنهما" (¬4). هذا قول مأثور عن مالك هنا، وفي غيره. وعنه أيضاً وهو المشهور عنه: تقديم عثمان. والذي عليه أكثر جماعة السلف، والناس، أنهم (¬5) في الفضيلة على ترتيبهم في الخلافة. واختلف في تأويل قوله هنا. فمنهم من جعله له مذهبا آخر، واختلافاً (¬6) من قوله في المسألة، ومنهم من قال: إن كفه عنهما لأجل اختلاف الناس في التشيع فيهما، والتحارب، والتعصب بينهما حتى سمي الناس بعثماني، وشيعي (¬7). فكان (¬8) يرى هو وغيره ممن يقتدى به الإمساك عن الخوض فيما خاضت فيه العامة لأجل النزاع، والجدال في ذلك، والعصبية مع اعتقادهم ما يجب من تقديم عثمان، وقد يكون هذا لما عيناه خشية (¬9) من الولاة حينئذ العباسية (¬10)، وبعضهم للعلوية (¬11) حينئذ، ¬
وتشيعهم (¬1) لهم لما (¬2) يجمعهم وإياهم من الهاشمية. وقد قيل: أن بسبب (¬3) تفضيل عثمان ضرب مالك الضرب الذي امتحن به، وأنهم أغروا به، وقيل غير هذا. و [قد] (¬4) قيل: لعل [في] (¬5) قوله ممن اقتدي به تغييراً، ووهماً (¬6). والله (تعالى) (¬7) أعلم. وقوله: "في المكاتب يستدين ديوناً ثم يعجز دينه في ذمته، إلا أن يكون له مال، فدينه فيه مما أصاب (¬8) من تجارة، أو هبة، أو غير ذلك، إلا أن يكون من كسب يده فليس للغرماء أن يأخذوه" (¬9). كذا لابن وضاح. وزاد في رواية ابن باز بعد عجزه، وعليه اختصر كثير من المختصرين. وذهب بعض الشيوخ إلى إسقاط هذه اللفظة. وقال: مذهبه أن كسب [يده] (¬10) داخل الكتابة في حال الكتابة فهو للغرماء بمنزلة فوائده، لأن سيده كان ممنوعاً منه، مأذوناً له فيه، وما كان بعد العجز فلا شيء للغرماء فيه. وقال أَبو عمران قبل عجزه أصلحها سحنون. وذلك مذهبه، ومذهب أصبغ. وابن القاسم يقول: خلافه. وأن دينهم يكون (¬11) في ماله، وذمته. وأما ¬
كسبه فلا. وصوبه محمد، لأنه يكاتبه على ما يكسب (¬1) بعمل يده (¬2) مما ليس لغرمائه أخذه منه. وقد تأول الكسب هنا على ما اكتسبه من تجارة، وغيرها. وهو التمول كيف كان، فكله كسب. واستدل بقوله: "من خراجه، وكسب (¬3) " يده (¬4) فقد جعل الخراج غير كسب اليد [175]. ¬
لائحة المصادر والمراجع
لائحة المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم: لصديق بن حسن القنوجي (ت 1307 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 3 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي، دار الكتب العلمية. 4 - الأحكام: للقاضي أبي المطرف عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي (ت 497 هـ)، تحقيق: الدكتور الصادق الحلوي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1992 م. 5 - أزهار الرياض في أخبار عياض: لشهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: مجموعة من الأساتذة، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، سنة 1400 هـ/ 1980 م. 6 - إسعاف المبطأ برجال الموطأ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، طبعة 1389 هـ. 7 - الأشباه والنظائر في الفروع: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الفكر، بيروت. 8 - الإصابة في تمييز الصحابة: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، طبعة 1412 هـ. 9 - أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي: د. محمد رياض، الطبعة الأولى، سنة 1996 م. 10 - إكمال المعلم بفوائد مسلم: للقاضي عياض، تحقيق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1419 هـ/ 1998 م.
11 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال: لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني (ت 765 هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، طبعة 1409 هـ. 12 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع: للقاضي عياض، تحقيق: السيد أحمد صقر، الطبعة الثانية. 13 - الأم: لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1393 هـ. 14 - إيضاح المسالك الى قواعد الإمام مالك: لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت 914 هـ)، تحقيق: أحمد بو طاهر الخطابي، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي، بين المغرب والإمارات، الرباط 1400 هـ/ 1980 م. 15 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، طبعة 1412 هـ. 16 - بحرق اليمني الكبير على لامية الأفعال: للإمام جمال الدين محمد بن مالك، الطبعة الأولى 1329 هـ، مطبعة التقدم الوطنية، تونس. 17 - بداية المجتهد، ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، دار الفكر، بيروت. 18 - البداية والنهاية: أَبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، مكتبة المعارف، بيروت. 19 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة: لأبي الوليد بن رشد القرطبي (ت 520 هـ)، تحقيق: مجموعة من الأساتذة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية 1408 هـ/ 1988 م. 20 - التاريخ الكبير: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر. 21 - تاريخ خليفة بن خياط: خليفة بن خياط الليثي (ت240 هـ)، دار القلم، مؤسسة الرسالة، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية 1397 هـ، تحقيق: أكرم ضياء العمري. 22 - تاريخ مولد العلماء ووفياتهم: لمحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليمان بن زبر الربعي (ت 397 هـ)، تحقيق: عبد الله أحمد سليمان الحمد دار العاصمة الرياض، طبعة 1410 هـ. 23 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبي العلا، دار الكتب العلمية، بيروت.
24 - تخريج الأحاديث النبوية الواردة في مدونة الإمام مالك بن أنس: د. الطاهر محمد الدرديري، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مكة المكرمة، الطبة الأولى 1406 هـ. 25 - تذكرة الحفاظ: لمحمد بن أحمد أبي عبد الله الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1374 هـ. 26 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: للقاضي عياض، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحقيق: مجموعة من الأساتذة. 27 - التعريف بالقاضي عياض: لولده أبي عبد الله محمد، تقديم وتحقيق: د. محمد بن شريفة، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الطبعة الثانية، سنة 1402 هـ / 1982 م. 28 - التفريع: لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري (ت 378 هـ)، دراسة وتحقيق الدكتور حسين بن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ / 1987 م. 29 - تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، دار الفكر، طبعة 1401 هـ. 30 - تقريب التهذيب: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الرشيد، سوريا، طبعة 1406 هـ. 31 - تقييد أبي الحسن الصغير على المدونة: (مخطوط، رقم: ق: 865، الخزانة العامة، الرباط). 32 - التكملة لكتاب الصلة: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي، دار الفكر، بيروت، تحقيق: عبد السلام الهراس. 33 - تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبعة 1384 هـ. 34 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري (ت 463 هـ)، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، طبعة 1387 هـ. 35 - تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الفكر. 36 - التهذيب - مختصر المدونة -: للبرادعي، مخطوط، خاص.
37 - تهذيب التهذيب: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، طبعة 1404 هـ. 38 - تهذيب الكمال: ليوسف بن الزكي عبد الرحمن أبي الحجاج المزي (ت 742 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، طبعة 1400 هـ. 39 - الثقات: لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حامد التميمي (ت 354 هـ)، تحقيق: شرف الدين أحمد، دار الفكر، طبعة 1395 هـ/ 1975 م. 40 - الجامع الصحيح: لأبي عبد الله محمد بن إسماعل البخاري الجعفي (ت 256 هـ)، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، طبعة 1407 هـ/ 1987 م. 41 - الجامع الصحيح سنن الترمذي: أَبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي (ت 279 هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي. 42 - الجامع لأحكام القرآن: لمحمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي (ت 671 هـ)، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، جهة النشر دار الشعب، الطبعة الثانية 1372 هـ. 43 - الجرح والتعديل: لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبي محمد الرازي (ت 327 هـ) , دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة 1371 هـ. 44 - جمهرة اللغة: لابن دريد أَبو بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري (ت 321 هـ)، مكتبة المثنى، بغداد. 45 - حاشية أبي علي الحسن بن رحال المعداني بهامش شرح ميارة على تحفة الحكام: دار الفكر. 46 - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة: زكرياء بن محمد بن زكرياء الأنصاري، دار الفكر المعاصر، بيروت، طبعة 1411 هـ. 47 - خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي: لمحمد بن علي بن الملقن الأنصاري (ت 804 هـ)، مكتبة الرشد الرياض، طبعة 1410 هـ. 48 - دراسات في مصادر الفقه المالكي: لميكلوش موراني، مترجم عن اللغة الألمانية، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى سنة 1409 هـ / 1988 م. 49 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت. 50 - دليل السالك للمصطلحات والأسماء في فقه الإمام مالك: للدكتور حمدي عبد المنعم شلبي، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة.
51 - ديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: برهان الدين إبراهيم بن فرحون، دار الكتب العلمية، بيروت. 52 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: لبرهان الدين إبراهيم بن فرحون، تحقيق وتعليق: الدكتور محمد الأحمدي أبي النور، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة. 53 - الذخيرة: لشهاب الدين أحمد بن إدريس المشهور بالقرافي (ت 684 هـ)، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى سنة 1994 م. 54 - ذيل ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم: لهبة الله بن أحمد بن محمد (ت 524 هـ)، تحقيق: عبد الله بن أحمد بن سلمان، دار العصمة الرياض، طبعة 1409 هـ. 55 - رجال صحيح مسلم: لأبي بكر أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت 428 هـ)، تحقيق: عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1407 هـ. 56 - الرياض النضرة في مناقب العشرة: لأبي جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، دار الغرب الإسلامي، بيروت. 57 - رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم، ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم، وأوصافهم: لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي، حققه: بشير البكوش، وراجعه: محمد العروسي. دار الغرب الإسلامي، سنة: 1403 هـ / 1983 م. 58 - سنن أبي داود: أَبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت. 59 - سنن ابن ماجه: أَبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 60 - سنن البيهقي الكبرى: أَبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي (ت 458 هـ)، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، طبعة 1414 هـ/ 1994 م. 61 - سنن الدارقطني: أَبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي (ت 385 هـ)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1386 هـ/ 1966 م. 62 - سنن الدارمي: أَبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 هـ)، تحقيق: فواز أحمد، خالد السبع العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1407 هـ.
63 - السنن الكبرى: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ)، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، طبعة 1411 هـ/ 1991 م، دار الكتب العلمية، بيروت. 64 - سير أعلام النبلاء: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، طبعة 1413 هـ. 65 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: للشيخ محمد بن محمد مخلوف، دار الفكر. 66 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي (ت 1089 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 67 - شرح الإمام محمد بن أحمد ميارة الفاسي على تحفة الحكام: دار الفكر. 68 - شرح حدود ابن عرفة: للرصاع، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب. 69 - شرح غريب ألفاظ المدونة: للجبي، تحقيق: نجيب محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، لبنان، الطبعة الأولى 1402 هـ / 1982 م. 70 - صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 71 - طبقات الحفاظ: لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1403 هـ. 72 - طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476 هـ)، دار القلم، بيروت. 73 - الطبقات الكبرى: محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 هـ)، دار صادر، بيروت. 74 - الطبقات: لخليفة بن خياط الليثي أبي عمر، دار طيبة، الرياض، تحقيق: أكرم ضياء العمري. 75 - طرر ابن عات: مخطوط الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم د 1700. 76 - العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي، تحقيق: فؤاد سيد. 77 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق العظيم آبادي أبي الطيب، دار الكتب العلمية، طبعة 1415 هـ.
78 - عيون الأنباء في طبقات الأطباء: لأبي العباس أحمد بن القسام بن خليفة، تحقيق: د. نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت. 79 - الغنية: فهرست شيوخ القاضي عياض (ت 544 هـ)، تحقيق: ماهر زهير جرار، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1402 هـ / 1982 م. 80 - الفائق في غريب الحديث: محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ)، دار المعرفة، لبنان. 81 - فتاوى ابن رشد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي (ت 520 هـ/ 1126 م)، تقديم وتحقيق وجمع وتعليق: د. المختار بن الطاهر التليلي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ / 1987 م. 82 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1379 هـ. 83 - الفروق: لأبي العباس الصنهاجي المشهور بالقرافي، دار المعرفة، بيروت - لبنان. 84 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى 1396 هـ. 85 - القاضي عياض الأديب الأدب المغربي في ظل المرابطين: لعبد السلام شقور، نشر دار الفكر المغربي، الطبعة الأولى 1983 م. 86 - القاضي عياض مؤرخاً دراسة منهجية نقدية مقارنة: لعبد الواحد عبد السلام شعيب، مطابع الشويخ تطوان، المغرب، الطبعة الأولى، سنة 2000 م. 87 - القاضي عياض وجهوده في علمي الحديث، رواية ودراية: د. البشير علي حمد الترابي، مطبعة دار ابن حزم، الطبعة الأولى، سنة 1418 هـ/ 1998 م. 88 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 هـ)، دار الفكر. 89 - قواعد الفقه: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري (الجد) المتوفى سنة 759 هـ، دراسة وتحقيق: محمد بن محمد الدردابي، مرقون بدار الحديث الحسنية، الرباط. 90 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: لمحمد بن أحمد أبي عبد الله الذهبي الدمشقي (ت 748 هـ)، دار القبلة للثقافة الإسلامية، طبعة 1413 هـ.
91 - كتاب التعريفات: لعلي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1405 هـ. 92 - كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 هـ - 175 هـ)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، والدكتور إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال. 93 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني، دار الكتب العلمية، بيروت. 94 - كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب: للشيخ إبراهيم بن علي بن فرحون (ت 799 هـ)، دراسة وتحقيق: حمزة أَبو فارس، د. عبد السلام الشريف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990 م. 95 - لسان العرب: لمحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت. 96 - لسان الميزان: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، طبعة 1406 هـ / 1986 م. 97 - مباحث في المذهب المالكي بالمغرب: للمرحوم الدكتور عمر الجيدي، الطبعة الأولى 1993 م. 98 - مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: السنة الرابعة، العدد الخامس عشر، سنة 1413 هـ. 99 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ)، دار الريان للتراث، طبعة 1407 هـ. 100 - محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي: للمرحوم الدكتور عمر الجيدي، منشورات عكاظ. 101 - المحلى: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ)، دار الآفاق الجديدة. 102 - مختار الصحاح. 103 - مختصر خليل: خليل بن إسحاق المالكي، المكتبة المالكية. 104 - مدخل إلى أصول الفقه المالكي: د. محمد المختار ولد باه، الدار العربية للكتاب، سنة 1987 م. 105 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس، تحقيق: حمدي الدمرداش محمد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1419 هـ/ 1999 م.
106 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس، دار صادر. 107 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس، دار الفكر. 108 - مذاهب الحكام في نوازل الأحكام: للقاضي عياض وولده محمد، تقديم وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد بن شريفة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م. 109 - مسائل السماسرة: لأبي العباس الأبياني، تحقيق: محمد العروسي المطوي. دار الغرب الإسلامي، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1992 م. 110 - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ/ 1990 م. 111 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ): مؤسسة قرطبة. 112 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: للقاضي عياض (ت 544 هـ)، طبع ونشر المكتبة العتيقة بتونس، دار التراث، القاهرة. 113 - المصنف: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت، طبعة 1403 هـ. 114 - المصنف في الأحاديث والآثار: لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، طبعة 1407 هـ. 115 - معجم البلدان: لياقوت بن عبد الله الحموي أبي عبد الله، دار الفكر، بيروت. 116 - المعجم في أصحاب الصدفي: لابن الأبار (ت 594 هـ/ 1120 م)، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، القاهرة، الطبعة الأولى 1410 هـ/ 1989 م. 117 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، عالم الكتاب، بيروت. 118 - المعونة على مذهب عالم المدينة: للقاضي عبد الوهاب البغدادي (ت 422 هـ)، تحقيق: حميش عبد الحق، دار الفكر. 119 - معين الحكام على القضايا والأحكام: للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع (ت 733 هـ / 1332 م)، تحقيق: محمد بن قاسم بن عياد، دار الغرب الإسلامي، طبعة 1989 م. 120 - المعين في طبقات المحدثين: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. همام عبد الرحيم، دار الفرقان، عمان - الأردن.
121 - المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 122 - المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات: لابن رشد القرطبي (ت 520 هـ)، تحقيق: الأستاذ سعيد أحمد أعراب، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1408 هـ / 1988 م. 123 - المقرب: لابن أبي زمنين، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، تحت رقم: د 3624. 124 - المقنع في علم الشروط: أحمد بن مغيث الطليطلي (ت 459 هـ)، وضع حواشيه ضحى الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1420 هـ/ 2000 م. 125 - مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين: للدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1406 هـ / 1986 م. 126 - المناهل: العدد 19، شهر صفر، 1401 هـ/ دجنبر 1980 م، عدد خاص بالقاضي عياض. 127 - المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (403 - 494 هـ)، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى 1332 هـ. 128 - منهج البحث وتحقيق النصوص: د. يحيى وهيب الجبوري، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1993 م. 129 - منهجية فقه الحديث عند القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: للدكتور الحسين بن محمد شواط، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1414 هـ / 1993 م. 130 - مواهب الجليل لشرح خليل: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1412 هـ/ 1992 م. 131 - موطأ مالك: لأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي (ت 179 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. 132 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لأبي المحاسن جمال الدين يوسف بن تغري بردى (ت 874 هـ)، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
133 - ندوة الإمام مالك، إمام دار الهجرة: دورة القاضي عياض، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، مطبعة فضالة المحمدية، سنة 1404 هـ/ 1983 م. 134 - نصب الراية لأحاديث الهداية: لعبد الله بن يوسف أبي محمد الحنفي الزيلعي (ت 762 هـ)، دار الحديث، مصر، طبعة 1357 هـ. 135 - نظرية الأخد بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي: الأستاذ لعبد السلام العسري، طبعة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، سنة 1417 هـ/ 1996 م. 136 - النكت على المدونة: لعبد الحق الصقلي (مخطوط، ق: 350، الخزانة العامة، الرباط). 137 - النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني (310 - 386 هـ)، تحقيق: مجموعة من الأساتذة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى سنة 1999 م. 138 - وفيات الأعيان، وأنباه الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، دار الثقافة، بيروت.