التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين

عبد الله بن عمر الشنقيطي

مقدمة

التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين أ. د/ عبد الله بن عمر محمد الأمين الشنقيطي كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - عام 1421هـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الحمد لله رب العالمين وكفى، أنزل كتابه رحمة وفرقاناً للعالمين وهُدى، وكان حبله المتين والعرْوة الوثقى، من تمسك به سعد واهتدى، وفاز واعتز في الآخرة والأولى، ومن أعرض عنه خسر وغوى، ولم يزل مرتداً عن الحق وسائراً القهقرى، حتى يُزَجَّ به في النار على القفا، عياذاً بالله تعالى من الشر وإتباع الهوى: وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. صلى اللهم وسلم على رسولك المجتبى ونبيك المرتضى خير من صام وحج وصلى وزكَّى، أحسنُ الهدى ما وفقه الله تعالى له وهدى. كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن (1) ، فإذا أمره امتثل الفعل، وإذا نهاه اجتنب المحظور، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقاً، وألينهم عريكةً، وأهداهم سبيلاً وقد سار على نهجه القويم صحابته الكرام رضي الله عنهم، وأسأل ربي رضاه ومن تبعهم في ذلك وتابعوهم بإحسان، فكانوا هم ومن سلك طريقهم خير أُمَّةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله تعالى.

_ (1) كما ورد في الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها قالت في وصف خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان خلقه القرآن، رواه مسلم، مسافرين 139.

أدان الله تعالى لهم البلاد، وفتح عليهم - حباً - قلوب العباد، وقمع بهم الشر والفساد فرفرفت عليهم - بعد الحروب المدمرة رايات السلام وأتم عليهم الله بعد الفاقة غاية الإنعام وأكرمهم بعد الإهانة أيما إكرام. ولقد جعل الله تعالى تلك سنةً ماضية وسبيلاً جارية، أنه يكرم من اتبع هداه، وابتغى بطاعته رضاه وأن يجعل الذل والهوان على من جانب صراطه المستقيم وأتبع في الغيّ هواه. قال ربنا تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96) .وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} (المائدة:66) (1) . هذا ولقد بعدت بين العمل بكتاب الله تعالى وبين المسلمين الشُّقة، واتسعت دائرة الهوة إلا من رحمهم الله تعالى. الأمر الذي يندى له جبين كل مسلم، غيور على دين الإسلام، فيحزن لغربته بين الأنام، وإذا كان الله تعالى يقيّض لهذا الدين على رأس كل مائة سنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

_ (1) {أقاموا التوراة والإنجيل} أي عملوا بما فيهما ومنه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وإتباعه {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} بأن يُفيض عليهم الرزق ويوسع عليهم من كل جانب (انظر تفسير الجلالين بتصرف) .

من يجدده (1) . فإنه مشاهد أنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله عز وجل (2) . ولابد في ظل ذلك من أن يوجد من المسلمين من يرثي لحال أكثر المسلمين، الذي لا يحسدون عليه في بعدهم عن القرآن الكريم، ويأسى لواقعهم المؤلم الذي قد صاروا إليه لتجنبهم صراطه المستقيم، فيُعنى بالقرآن الكريم، وينادي المسلمين للعودة إلى نهجه القويم، وهذا الشعور النبيل، وإن وجد في جميع أنحاء العالم في أفراد وجماعات فإنه يوجد في الدولة السعودية - أفراداً وجماعات ودولة - بأوضح صورة وأجلى حالةٍ منظورة، لازالت ربوعها بالإسلام، معمورة. وإن من مظاهر ذلك، الكثيرة ولا أزكي على الله أحداً، إنشاءَ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله تعالى وجعله هديةً للمسلمين في جميع أنحاء الأرض، وما تبع ذلك من خدمة للقرآن الكريم من تفسيره بمختلف اللغات وتوزيعه في العالم في جميع الجهات وإنشاء مركز خدمة السنة التي تُعَدُّ المبين الأول للكتاب العزيز، بعد بيانه ببعضه. وإن إدارة المجمع بفضل من الله تعالى ثم بتوجيه من قادة هذه البلاد، ماضية.. في سبيلها الطيب لتحقيق هدفها النبيل وهو تزويد المسلمين بالقرآن الكريم بأحسن طباعة وتعليمهم معانيه بأوضح عبارة ودعوتهم إلى الرجوع

_ (1) ورد بذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود 4/ الحديث رقم4291 (2) ورد بذلك حديث أخرجه البخاري انظر 9/414.

إليه والعمل به بأحسن دعاية وإن من دعايتها الإسلامية التي تدعو بها المسلمين للعودة إلى كتاب الله تعالى المبين، عقدها ندوة عن عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه لإبراز ما قامت به المملكة من دور ريادي في هذا العصر لتشجيع وتوسيع نطاق البحث الجادّ عن القرآن الكريم وعلومه، فإذا فقه المسلمون القرآن الكريم استبان لهم سبيل الحق، وأضاء لهم القرآن الكريم منار الهدى، فرجعوا إليه سراعاً، لما يرون فيه من توجيهات سامية، ودلالة على صنوف الخيرات، وبعد عن المنكرات فيسعدون بما سعد به سلفهم ويقتدي بهم في المعروف خلفهم، ويستعيدون من أمجادهم ما فقدوه بسبب ما حصل بينهم وبين القرآن الكريم من جفاء، وإنهم إذا رجعوا إليه وأنابوا أفلحوا قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:17-18) (1) . وقد كان لي بحمد الله تعالى شرف المشاركة في هذه الندوة في هذا الجانب الذي يغري المسلمين بالعودة إلى القرآن الكريم وتحكيمه في شؤونهم لما في ذلك من نفع لهم في حاضرهم ومستقبلهم في حالهم ومآلهم. ألا وهو التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين. هذا وقد قسمت البحث في هذا الجانب إلى مقدمة: ومباحث ثلاثة. المبحث الأول: في تعريف القرآن الكريم وذكر طرفٍ مما يدل على فضله.

_ (1) أنابوا إليه: اي أقبلوا إليه. أنظر تفسير الجلالين.

وتحته مطلبان: المطلب الأول: في تعريف القرآن الكريم. المطلب الثاني: في ذكر طرف مما يدل على فضله. المبحث الثاني: في التمسك بالقرآن الكريم ومظاهره. المبحث الثالث: في أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما شوهد منه. وتحته مطالب ثلاثة. المطلب الأول: في أثر التمسك بالقرآن الكريم. المطلب الثاني: فيما شوهد من ذلك في ماضي الأمة الإسلامية. المطلب الثالث: فيما هو مشاهد من ذلك في واقع الأمة اليوم. الخاتمة: أسأل الله تعالى حسن الختام في عافية. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

المبحث الأول: في تعريف القرآن الكريم وذكر طرف مما يدل على فضله

المبحث الأول: في تعريف القرآن الكريم وذكر طرف مما يدل على فضله: المطلب الأول: في تعريف القرآن الكريم: وأما تعريفه: فهو كلام الله تعالى المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته حروفاً ومعاني المبدوء (1) بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1) الآية المختوم بـ {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس:6) فهو كلام الله تعالى، الذي يتلوه عباده بألسنتهم ويحفظونه في صدورهم، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} (التوبة:6) (2) . وقال عز وجل {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (العنكبوت: 49) . وقد أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:192-195) .

_ (1) في المصحف الشريف بدئ القرآن الكريم بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وفيها خلاف مشهور أهمه: - (1) أنها آية من كل سورة ماعدا سورة براءة 2 (أنها آية من الفاتحة 3) أنها ليست آية إلا من سورة النمل كما هو محل اتفاق. انظر تفسير القرطبي 1/66 فما بعدها. (2) انظر مذكرة أصول للشيخ محمد الأمين الشنقيطي /99 فما بعدها.

وقد أعجز الله تعالى الإنس والجن عن أن يأتوا بسورة مثله قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (يونس:38) . وهو مُتَعبد بتلاوته، مأجور من قرأه ابتغاء وجه الله تعالى الكريم مأجور على حروفه الحرف بعشر حسنات كما قال صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" الحديث (1) . وتدبُّر معانيه والعمل به يؤجر المسلم عليه قال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة" الحديث (2) . ومعلوم أن أشرف العلوم وأجلها علم يفهم من كتاب الله تعالى. وإن بداية القرآن الكريم هي سورة الفاتحة، وأفضل سورة فيه {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وخاتمته نهاية سورة الناس، في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس: 6) من سورة الناس التي ما تعوذ متعوذ بأفضل منها مع سورة الفلق (3) . وقد رقى بهما جبريل عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سُحر (4) . أعوذ بالله من كل سوء فهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) الحديث أخرجه الترمذي وقال عنه صحيح غريب، 4/ رقم الحديث 3057. (2) الحديث رواه مسلم رقم 8/ رقم الحديث 1888. (3) الحديث رواه مسلم، بلفظ لم يُرَ مثلهن قط،2/رقم الحديث2101 (4) الحديث أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي، وفي الصحيح لفظ، (ومن شر حاسد إذا حسد) فقط أخرجه مسلم رقم الحديث 1443.

المطلب الثاني: في ذكر طرف مما يدل على فضل القرآن الكريم.

المطلب الثاني: في ذكر طرف مما يدل على فضل القرآن الكريم: غني عن البيان أن القرآن يكفي في ذكر ما يدل على فضله أنه كلام الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت:1-3) {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: 192) ، {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (البقرة:149) . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في فضائل القرآن الكريم أحاديث كثيرة منها ما هو فيه بعامة، ومنها ما يخص بعض سوره الكريمة، وكل سوره كريمة ومنها ما يخص بعض آياته وكل آياته كريمة. فمما يعمه بالفضل قوله صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (1) . ومنها ما رواه الترمذي بسنده إلى علي رضي الله عنه قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إنها ستكون فتنة، قلت: - ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:- كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه،

_ (1) الحديث رواه البخاري رقم الحديث 5027.

هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدى إلى الرشد فآمنا به. من قال به صدق ومن عمل به أُجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه، هُدى ... إلى صراط مستقيم (1) ". وقد ورد في فضل بعض سوره أحاديث كفضل الفاتحة وأنها أعظم سورة (2) وسورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن الكريم (3) وأن حبها سبب في دخول الجنة (4) أسأل الله تعالى أن يجعلني ممن كان حبه لها سبباً في دخوله الجنة بفضل الله تعالى فإني أشهد ربي الله تعالى على حب سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، كما وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على فضل بعض الآيات الكريمة كفضل آية الكرسي (5) ، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (البقرة:255) ، وفضل خواتيم سورة البقرة (6) ، {آمَنَ الرَّسُولُ} (البقرة:285-286) وغير ذلك. وقد أفرد للقرآن الكريم كثير من علماء الحديث رحمني الله وإياهم أبواباً وكتباً ذكروا فيها بعض ما ورد في فضله من أحاديث وآثار عن الصحابة

_ (1) الحديث أخرجه الترمذي 4/3070 ووصفه بحهالة السند، وبأن في راويه عن علي رضي الله عنه، مقالاً أقول ولكن معناه صحيح. (2) الحديث أخرجه البخاري برقم 5006. (3) الحديث أخرجه البخاري 6/105 ومسلم انظر الحديث رقم 2099. (4) الحديث أخرجه الترمذي، وأخرج مسلم حديثاً يدل على حب الله تعالى لمن أحبها انظر الترمذي حديث رقم/ 3065 ومسلم رقم /2100. (5) ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) قال السيوطي، أخرجه ابن حبان. الإتقان 2/336. (6) ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن من قرأهما في ليلة كفتاه) رواه مسلم 2/2097 وقيل كفتاه عن قيام الليل وقيل غير ذلك.

رضوان الله عليهم فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان. أسأل الله تعالى أن يرحمني والجميع بواسع رحمته (1) . ويكفى القرآن فضلاً مع ما تقدم من آيات كريمة وأحاديث منيفة، قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. َهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة: 15-16) والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) أفرد له البرهان فوري ت 975 هـ رحمني الله وإياه كتاباً في فضائل القرآن الكريم وآداب حملته وحقوقه من صـ284-352 – انظر كنز العمال 2/284-352.

المبحث الثاني: في التمسك بالقرآن الكريم ومظاهره

المبحث الثاني: في التمسك بالقرآن الكريم ومظاهره: التمسك بالشيء التزامه والعمل بمقتضاه، اقتناعاً به وتصديقاً بمدلوله فالتمسك بالقرآن الكريم، الإيمان به وتصديق وعده ووعيده والقيام على تعلمه وتعليمه والاعتناء برسمه وضبطه، حتى يسهل حفظ نصه الكريم غضاً كما أنزل وكذا العناية بتفسيره لفهم معانيه، ومعرفة مراميه حتى يتسنى للناس تدبره والعمل به، إذ كيف يمكن تدبره إلا بعد معرفة معانيه قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29) . التمسك بالقرآن الكريم، يكون بالإيمان بكل ما ورد فيه من أنه لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، فلا ينسبون فعله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا هو تعالى، إلى غيره. ولا يصرفون شيئاً من عبادتهم إلى سواه عز وجل، ولا يلحدون في أسمائه فلا يصفونه إلا بما وصف به نفسه تعالى أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويعتقدون أنه تعالى هو الإله الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ويكون التمسك بالقرآن الكريم بالإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبياً لا يعبد ورسولاً لا يكذب بل يطاع ويتبع.

وكذا الإيمان بكل ما أخبر به من أنه رسول رب العالمين، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، والإيمان بملائكة الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وكتبه ورسله عليهم الصلاة والسلام واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. ويكون التمسك بالقرآن الكريم بالاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص له من الشرك. فلا يعبد إلا الله تعالى وحده لا شريك له ولا يرجى سواه ولا يخاف إلا منه، فلا نافع إلا هو عز وجل، ولا ضار إلا هو وحده، فلا يتعلق بولي كائناً من كان، ليجلب نفعاً أو يدفع ضراً فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده. التمسك بالقرآن الكريم، بالإحسان بمراقبة الله تعالى وحده، فمرتبة المراقبة تحدو صاحبها إلى عمل كل خير والابتعاد عن كل شر أملاً في وعد الله تعالى، وخوفاً منه ومن وعيده عز وجل سبحانه وبحمده. المجتمع المتمسك بالقرآن الكريم مساجدهم عامرة بالمصلين المخبتين إلى الله تعالى رب العالمين وفقراؤهم أغنياء بما أفاء الله تعالى عليهم من فضل أموال المزكين، ورمضانهم نهاره صيام عن كل ما حرم الله تعالى، وكذا ليله مع ما ازدان به من قيام، ومن تيسر حاله منهم حج لله تعالى واعتمر البيت الحرام. المجتمع المتمسك بالقرآن الكريم يحكم بما أنزل الله تعالى، ويحكمه في عبادته ومعاملاته وأخلاقه وسلوكياته، وقضائه قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5)

وقال تعالى رب العالمين: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45) . {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: 47) . وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: 65) (1) . من التمسك بالقرآن الكريم - التمسكُ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم (2) . والأخذ بكل ما جاءت به من أحكام وأخلاق وآداب، سواء أكانت مبينة للقرآن الكريم، أم مؤسسة لذلك، وذلك هو العلم الحقيقي أن يتعلم المسلمون الكتاب العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى} (النجم:3-4) . وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" (3) .

_ (1) معنى (شجر) : - اختلط (حرجاً) ضيقاً أو شكا، ويسلموا: ينقادوا تسليماً من غير معارضة. انظر تفسير الجلالين /114 - دار المعرفة، بيروت وتفسير الطبري بحاشية القرآن الكريم لمحسن المعلم 97. (2) السنة لغة الطريقة، وشرعاً اصطلاحاً: ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً، انظر المختصر في أصول الفقه لابن اللحام /73، 74. (3) الحديث أخرجه أحمد 1/356 وأبو داود 2/505 وإسناده صحيح.

فلا يتأتى التمسك بالقرآن الكريم إلا بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء أكانت قولاً، أم فعلاً، أم تقريراً، أم صفة لها علاقة بالتبليغ عن الله تعالى ربنا. وهذا التنويه عن التمسك بالسنة وبكونه واجباً كان يمكن الاستغناء عنه لأنه أمر مركوز في طبيعة المسلم السليمة لولا أنه نبتت في جسم الأمة الإسلامية نابتة سوء يدعون أنفسهم القرآنيين يرون أنهم ليسوا ملزمين إلا بما في القرآن الكريم، أما ما في السنة فليسوا مطالبين به، وقد كذبوا في زعمهم الأول، والثاني. أما الأول: وهو نسبتهم أنفسهم إلى القرآن الكريم فكيف تصح نسبتهم إليه وهم لا يعملون به في مدلول قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (الحشر: 7) . وفي قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4) . أما الثاني: فقد كذبوا في زعمهم أنهم ليسوا مطالبين بمدلول السنة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7) . ثم كيف قد عرف هؤلاء أوقات الصلاة، وعدد ركعات الفرائض وكيفية الحج ومقادير الزكاة إن كانوا يصلون أو يزكون أو يحجون فأين توضيح ذلك وكثير غيره، إلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يبعد أن يكون هؤلاء ممن عَنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوفه من أن يردَ بعض الناس بعض الأحكام الثابتة في الشرع بالسنة المطهرة بتلك الحجة الواهية حيث قال صلى الله عليه وسلم "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعان على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن

فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام، فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كلُّ ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يُقروهم، فإن لم يقروهم فعليهم أن يُعقبوهم بمثل قراهم" (1) . المجتمع المتمسك بكتاب الله تعالى، يقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى، ليعبده عباده وحده لا شريك له متبعين في ذلك هدي رسوله صلى الله عليه وسلم وحده فذلك معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71) . وقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ (2) الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة:112) . وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110) . هذا والله تعالى المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) الحديث أخرجه أبو داوود في لزوم السنة 2/505 انظر كتاب مسند الشاميين من مسند الإمام أحمد للدكتور على جماز 1/362. (2) السائحون: أي الصائمون. انظر تفسير الجلالين 161.

المبحث الثالث: في أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما شوهد منه

المبحث الثالث: في أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما شوهد منه المطلب الأول: في أثر التمسك بالقرآن الكريم ... المبحث الثالث: في أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما شوهد منه: وتحته مطالب ثلاثة: المطلب الأول: في أثر التمسك بالقرآن الكريم: عرفنا مما تقدم، طرفاً من كيفية التمسك بالقرآن الكريم وأنه باختصار هو: - الإيمان به والتصديق بوعده ووعيده، والعمل به والدعوة إليه، والصبر على الأذى في ذلك ولا شك أن أثر ذلك هو سعادة الدنيا والآخرة، لأن المتمسك بالقرآن الكريم هو من اتقى الله تعالى، ولا يسعد في الدنيا والآخرة إلا من اتقى الله تعالى. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2-3) . وقال رب العالمين: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً} (الطلاق: 4) . وقال إله العالمين: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} (الطلاق: 5) . فماذا بقي من خيري الدنيا والآخرة يريده المتقي بعد هذه الوعود من رب العالمين الذي لا يخلف الميعاد. ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد من تمسك بالقرآن الكريم فقد نُفخت فيه روح الهداية والتوفيق لكل خير، وقد استنار بالنور الذي يبدد ظلام الجهل ويهدي صاحبه إلى سواء الصراط.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً (1) مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الشورى: 52-53) . اللهم اهدنا به صلى الله عليه وسلم. من تمسك بالقرآن الكريم في جميع شؤونه، فقد اهتدى كل الهدى، ومن اهتدى بهدى الله فقد فاز في دنياه وأخراه. قال تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:1-5) وقال تعالى عن المتمسك بهداه، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 38) . وقال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (طه: 123) . فقد تكفل الله تعالى لمن تمسك بالقرآن الكريم بألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة (2) . من تمسك بالقرآن الكريم مكن له الله تعالى في الأرض، ويسر له أسباب الاستقرار وعدم الاضطراب. قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} (النور: 55) .

_ (1) روحاً: أي القرآن لأن به تحيا القلوب، انظر الجلالين 646. (2) انظر التفسير الميسر لنخبة من العلماء /320.

واعتبر ذلك بحال رعيل هذه الأمة الأول الذين كانوا أكثر الناس تمسكاً بالقرآن الكريم وأعظمهم إتباعاً له، كيف فتح الله تعالى عليهم البلاد وقهر لهم العباد، وأعانهم حتى تهاوت لهم عروش الجبابرة من أهل الكفر والعناد فأصبحوا بالتمسك بالقرآن الكريم سادة بعد أن كانوا مسودين، وأصبحوا قادة بعد أن كانوا مستعبدين. وصدق الله العظيم الذي قال وقوله الحق: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:26) . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول ولا يقول إلا حقاً: "إن الله تعالى ليرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين" (1) . أسأل الله تعالى أن يرفعنا به أحياء وأمواتاً ومبعوثين آمنين آمين. من تمسك بالقرآن الكريم - وأسأل الله تعالى أن نكون منهم - أمنه الله تعالى من الخوف في نفسه وأهله، وفي عاجله وآجله. قال تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:38) . والخوف هنا نكرة في سياق النفي تعمّ. (2) . وقال تعالى عن المتمسكين بالقرآن الكريم وهم المؤمنون العاملون الصالحات: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} (النور:55) . وقال عز من قائل عليماً: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82) .

_ (1) الحديث، أخرجه مسلم 2/502. (2) النكرة في سياق النفي من صيغ العموم، وقد تكون نصاً فيه وقد تكون ظاهرة. انظر مذكرة الأصول للشنقيطي /362-364.

وقال تعالى عمن استقام على القرآن الكريم متمسكاً به - أسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الأحقاف:13) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (فصلت:30-32) . ومن أثر التمسك بالقرآن الكريم القدرة بعون الله تعالى على إقامة صرح الدولة الشامخ المبنى على تقوى من الله تعالى ورضوان فلا يتزعزع بناؤها، ولا يتهلهل أساسها ما دام أهلها متمسكين بالقرآن الكريم وذلك لأن القرآن الكريم وضع للمسلمين أسس إقامة الدولة من حيث المحافظة على دينها الذي هو عصمة أمرها، ودنياها التي فيها معاشها، وآخرتها التي إليها معادها. وقد تقدم طرف مما تقيم به الدولة دعامة دينها، وبه يستقيم أمرها وتسعد في معادها أما ما يختص بشؤون دنياها فقد رسم القرآن الكريم طرق السياسة الصحيحة التي يُساس بها الناس فيستقيم أمرهم. كما أوضح أسس المعايير الاجتماعية التي تقيم العلاقات بين الأفراد والجماعات. كما بين حقائق بناء اقتصاد الدولة على أسس سليمة لا ينهار معها ولا يضطرب.

كما يبين القرآن الكريم أسباب القوة ليؤخذ بها حتى يبقى صرح الدولة فارعاً شامخاً وبين أسباب الضعف لتجتنب، حتى لا يعصف بالدولة عواصف الهدم ولا يعمل فيها معاول التخريب. وإليك - عفا الله عني وعنك - بعض ما ذكر القرآن الكريم فيما تقدم. أما السياسة: فهي تدبير الأمور، وإدارة الشؤون (1) ، وينتظمها قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (يوسف: 40) وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65) . فالحاكم الذي يسوس أهل دولته ويدبر شؤونهم بأمر الله تعالى ونهيه، إنما يضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة. وتنقسم السياسة إلى قسمين داخلية وخارجية والخارجية يدور رحاها على قطبين أساسيين. الأول: إعداد القوة الكافية لحماية الدولة من عادية المعتدين، وأخذ الحذر من أعداء المسلمين وقد أوضح الله تعالى ذلك بقوله عز وجل {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء:71) . الثاني: الاتحاد الشامل حول تلك القوة وعدم التفرق، لأن الاتحاد قوة والتفرق ضعف. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103) . وقال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46) . وقد حذرت السنة المطهرة المسلمين من مغبة الفرقة والتشرذم حيث أمر صلى الله عليه وسلم الأمة بأنه "إذا أتاهم رجل يريد الأمارة، وكان أمرهم

_ (1) انظر الإسلام دين كامل - محمد الأمين الشنقيطي رحمني الله تعالى وإياه /26.

قبل ذلك مجتمعاً على أحدهم، أن يقتلوا الثاني كائناً من كان" أو كما قال صلى الله عليه وسلم (1) . كما لم يغفل القرآن الكريم التخطيط لما قد يطرأ على المسلمين من ضعف يحتاجون معه إلى إبرام العهود وطرح خيار الهدنة، وما يتبع ذلك من حل رباط المعاهدات عند الحاجة إليه. قال تعالى في البراءة من المشركين: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة:4) . وقال تعالى عن المشركين: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (التوبة: 4) . وقال تعالى في حال حل العهود لسبب طارئ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال: 58) . إلى غير ذلك مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة مما ينظم هذا النوع من السياسة وما دام القرآن الكريم، قد نظم من ذلك ما يخص المسلمين مع الكفار فلأن يكون قد نظم ذلك فيما بين المسلمين من باب أولى فقد أعطى في ذلك وغيره كل ذي حق حقه. أما السياسة الداخلية: فترجع في حقيقتها إلى ما يكفل نشر الأمن والطمأنينة داخل المجتمع، وكف المظالم ورد الحقوق إلى أهلها (2) . قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمني وإياه: والجواهر العظام التي عليها مدار السياسة الداخلية ست:-

_ (1) الحديث فقد اخرج مسلم حديثاً بهذا المعنى انظر الحديث رقم 1234 ولفظه: قال صلى الله عليه وسلم (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. (2) انظر المصدر السابق الإسلام دين كامل للشنقيطي.

الأول: الدين: وقد جاء الشرع بالمحافظة عليه لذا قال صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه" (1) وفي ذلك ردع بالغ عند تبديل الدين وإضاعته. الثاني: الأنفس: وقد شرع الله تعالى في القرآن الكريم، القصاص محافظة عليها، قال تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (البقرة: 183) . وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 179) . الثالث: العقول: وقد جاء القرآن الكريم بالمحافظة عليها قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90) . وفي الحديث الشريف "وما أسكر كثيره فقليله حرام" (2) . ولأجل المحافظة على العقول أوجب الشرع الحد على شارب الخمر. الرابع: الأنساب وللمحافظة عليها: شرع الله تعالى حد الزنى قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: 2) . وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاني المحصن (3) . الخامس: الأعراض: ولأجل المحافظة عليها شرع القرآن الكريم جلد القاذف ثمانين جلدة قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا

_ (1) الحديث رواه البخاري 8/50. (2) الحديث أخرجه أبو داود رقم/3681. (3) كما جاء في رجم ماعز والغامدية رضي الله عنهما وقد أخرجه مسلم 5/حديث رقم 1039. معنى المفردات: (الميسر) القمار، (الأنصاب) الأصنام، (الأزلام) أقداح أَيْ سهام الاستقسام فما ظهر لأحدهم فيها من فعل أو ترك عمل به، (رجس) خبيث مستقذرة - انظر الجلالين/154.

بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (النور: 4-5) . فهذا في غاية الزجر عن الوقوع في أعراض الناس بالقذف، والجلد، والوصم بالفسق، ورد الشهادة أبداً حتى يتوب. السادس: الأموال: ولأجل المحافظة عليها شرع الله تعالى قطع يد السارق، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38) الآية (1) . هذا وإن مما يعكر صفاء السياسة على الساسة المسلمين ما قد يتعرض له المجتمع الإسلامي من ضعف في الصف واختلاف في الكلمة، وتسلط عدوهم عليهم. وهذا من سنن الله تعالى الكونية أن يبتلي عباده بما شاء من هذه الأمور وغيرها أسأل الله تعالى، أن يجعل ابتلاءنا وخيرنا في غمرنا بنعمه وتوفيقنا لشكر ربنا الله تعالى مسديها إنه تعالى ربي جواد كريم آمين. وقد بيَّن القرآن الكريم سبب اختلاف الكلمة وحذر منه تعالى، وبيّنَ سببه، فسببه اختلاف القلوب لأن القلب إذا صلح، صلح الجسد كله وإذا فسد، فسد الجسد كله كما جاء في الحديث الشريف (2) . أما بيانه تعالى سببه، ففي قوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (الحشر: 14) . أما التحذير منه، ففي ذكره عز وجل ذلك عن اليهود في

_ (1) انظر الإسلام دين كامل للعلامة الشنقيطي محمد الأمين بتصرف من صـ28-30. معنى المفردات: (نكالاً) عقوبة لهما، انظر تفسير الجلالين/143. (2) الحديث،كما قال صلى الله عليه وسلم، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. رواه البخاري 1/39.

معرض الذم، ثم ببيان سببه في قوله عز وجل {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (الحشر: 14) . فهذا منتهى التحذير عن أن يقع المسلمون فيه لأنه أولاً من صفات اليهود الذميمة ولأن سببه انعدام العقل. وقد بين سبحانه وتعالى، علاج هذا الداء العضال الذي لم يفتك بالأمة في ماضيها ولا حاضرها مثلُه، وذلك في بيان القرآن الكريم لعلاج ضعف العقل الذي هو سبب اختلاف الكلمة قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} (الأنعام: 122) . وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة: 257) . وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الملك: 22) . فبين تعالى أنه هو الذي يحيي القلوب الميتة بنور وحيه، وتوفيقه للعمل به، كما بيّن تعالى أن من يمشى على صراط مستقيم، هو المرضي ولا يهدي هذا الصراطَ إلا الله تعالى وحده كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النور: 46) . أسأل الله تعالى أن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً آمين. إذا، فبإتباع القرآن الكريم، تحصل العقلانية المرضية التي تمتلئ معها القلوب إيماناً وحكمة فلا يختلف أصحابها، بل يجتمعون على الحق والهدى، فيبقون أقوياء، محترمي الجانب لا يستطيع عدوهم النيل منهم. وقد بين القرآن الكريم سبب الضعف وتسلط العدو على المسلمين وأنه هو اختلاف الكلمة والتنازع، قال الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا

وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46) . وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165) . قال الشيخ الأمين (1) رحمني الله وإياه: إن السبب الذي من عند أنفسهم، هو ما أوضحه الله تعالى من قوله الكريم في الآية الأخرى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 152) . فأنت ترى أن سبب الضعف، هو الفشل واختلاف الكملة والرغبة في الدنيا وإيثارها على الآخرة (2) ، ومتى حصل الضعف أصبح المسلمون لقمة سائغة لعدوهم. وقد بين القرآن الكريم علاج ذلك وما به ينْسدُّ عن المسلمين ثلْمته ويكتفون شر عدوهم المتربصين بهم الدوائر. وذلك العلاج هو الإخلاص لله تعالى وحده والتوجه إليه دون من سواه. قال تعالى عن المؤمنين المتوكلين عليه تعالى في كل حال ومنه حال الشعور بالضعف أمام الكفار: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} .

_ (1) الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي علامة زمانه ولد بموريتانيا 1325هـ وطلب العلم فيها ونبغ في علوم شتى أهمها التفسير، له مؤلفات عدة أهمها كتابه في التفسير أضواء البيان توفى بمكة المكرمة عام 1393هـ رحمني الله تعالى وإياه. (2) انظر الإسلام دين كامل 32.

(الفتح:18) وكان من نتائج ذلك الإخلاص أن جعلهم قادرين على ما كانوا عنه عاجزين قال تعالى: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (الفتح:21) . وكذلك كان الإخلاص لله تعالى والتوكل عليه سبباً لنصر الله تعالى للمؤمنين في غزوة الأحزاب، حيث قال تعالى عنهم أنهم قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} (الأحزاب: 22) . فلما كان هذا حالهم جاء نصر الله تعالى الذي لا غالب إلا هو، جاء بأن أرسل الله تعالى على أعدائه جنوداً من عنده لم يرها المؤمنون، كما أرسل عليهم ريحاً باردة في ليلة مظلمة بعثرت آنيتهم، وأطفأت نيرانهم فلم يلو أحد منهم على صاحبه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (الأحزاب: 9) . وقال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (الأحزاب: 25-27) . وإذا كان بالتوكل على الله تعالى وصدق التوجه إليه يكسر الحصار العسكري، فبه كذلك يكسر الحصار الاقتصادي.

ألا ترى ما قاله الله تعالى عن المنافقين: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} (المنافقون: 7) قال لهم تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} (المنافقون: 7) وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 28) . أما الاقتصاد: فقد بين القرآن الكريم أصوله ومسائله التي يرجع إليها وهي في جملتها ترجع إلى أصلين. الأصل الأول: حسن النظر في اكتساب المال: فقد أوضح الشارع كيفية اكتساب المال من طرقه المباحة وبأساليبه المناسبة بحيث لا تقدح في الدين ولا في المروءة قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (المنافقون:10) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (النساء: 29) . وقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (البقرة: 275) . وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} (الأنفال: 69) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله تعالى واجملوا في الطلب" (1) الحديث الأصل الثاني: - حسن النظر في صرف المال في مصارفه: فقد أمر القرآن الكريم بالكرم والاقتصاد في الصرف، بحيث لا يكون بخل ولا إسراف قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} (الإسراء: 29) (2) . وقال تعالى في معرض مدح عباد الرحمن الطيبين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (الفرقان: 67) . وقال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البقرة: 219) . وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (البقرة: 215) . وقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من مغبة جمع المال إلا من طريق مباح ومن صرفه إلا في سبيل صلاح في قوله صلى الله عليه وسلم "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: - عن عمره فيم أفناه

_ (1) الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند صحيح. (الروع) العقل والقلب والبال والخلد. انظر مختار الصحاح 263. (2) معنى مفردات: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} أي لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك،ولا تبسطها في الإنفاق، {كل البسط فتقعد ملوماً} عائد إلى الأول {محسوراً} راجع إلى الثاني. انظر المصدر السابق تفسير الجلالين {ولم يقتروا} لم يضيقوا {وكان بين ذلك قواماً} أي بين الإسراف والإقتار (قواما) ، وسطا. المصدر نفسه.

وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به" الحديث (1) أسأل الله تعالى مغفرته لي ما فرطت في جنبه تعالى من ذلك وغيره لي وللمسلمين آمين. أما المعايير الاجتماعية التي تنظم أوجه العلاقات بين الأفراد والجماعات، فقد أعطاها القرآن الكريم عناية فائقة:- قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمني الله تعالى وإياه في هذا المقام: فانظر إلى ما يأمر به الرئيس الكبير أن يفعله مع مجتمعه {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215) . {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159) . وانظر إلى ما يأمر به المجتمع العام أن يفعله مع رؤسائه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59) . وانظر إلى ما يأمر الإنسان أن يفعله مع مجتمعه الخاص كأولاده وزوجته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} (التحريم: 6) .أعوذ بالله تعالى ربي من النار. وانظر كيف ينبهه على الحذر والحزم في مجتمعه الخاص، ويأمره إن عثر على ما لا ينبغي منهم، أن يعفو ويصفح، فيأمره أولاً بالحذر والحزم، وثانياً بالعفو والصفح. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التغابن: 14) .

_ (1) الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، رقم الحديث 2532.

وانظر إلى ما يأمر به أفراد المجتمع العام أن يتعاملوا به فيما بينهم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} (الحجرات: 12) (1) . وقال تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11) . وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2) . وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10) وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38) . ولما كان المجتمع لا يسلم فرد من أفراده كائناً من كان من مناوئ يناوئه ومعادٍ يعاديه من مجتمعه الإنسي والجني. ليس يخلو المرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس الجبل وكان كل فرد محتاجاً إلى علاج هذا الداء. أوضح تعالى علاجه في ثلاثة مواضع من كتابه العزيز بين فيها أن علاج المناوئ من الإنس، يكون بالإعراض عنه، ومقابلة إساءته بالإحسان.

_ (1) معنى مفردات. "ولا تجسسوا" لا تتبعوا عورات المسلمين بالبحث عنها ولا يغتب بعضكم بعضاً لا يذكره بسوء وإن كان فيه. "ولا تلمزوا أنفسكم" أي لا تعيبوا فتعابوا، نفس المصدر الجلالين.

وأن شيطان الجن لا علاج لدائه إلا بالاستعاذة بالله تعالى من شره: الموضع الأول: في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199) . وهذا في شأن الإنسي. وفي شأن شيطان الجن قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأعراف:200) (1) . الموضع الثاني: في سورة المؤمنون قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (المؤمنون:96) في شأن الإنسي وقال في نظيره الجني {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} . (المؤمنون: 97-98) . الموضع الثالث: في سورة فصلت وقد زاد فيه تعالى التصريح بأن ذلك العلاج يقطع ذلك الداء الشيطاني، وزاد فيه أيضاً أنه إنما يعطاه من كان ذا نصيب أوفر وحظ أكبر. قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34،35) هذا في شأن الشيطان الإنسي، وقال تعالى في نظيره الجني: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت: 36) .

_ (1) - معنى المفردات- "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ" أي إن يصرفك عن الخير صارف، فاستعذ بالله. وفيه إدغام إن الشرطية في ما الزائدة. انظر المصدر السابق.

وقد بين تعالى: - أن ذلك التعامل بالرفق لخصوص المسلمين دون الكافرين قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: 54) . وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29) (1) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (التحريم: 9) . فالشدة في محل اللين حمق وخرق واللين في محل الشدة ضعف وخور إذا قيل حلم قل فللحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل (2) تلك بعض خيرات التمسك بالقرآن الكريم في حياة الفرد والجماعة والدولة بل والأمة من أرادها فليرجع إلى كتاب ربه الكريم ففي ذلك الخير العميم والهدي إلى الصراط المستقيم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) الآية 54 من سورة المائدة. معنى مفردات. {أذلة على المؤمنين} "عاطفين عليهم" {أعزة على الكافرين} . أشداء عليهم وهذه من صفات قوم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كما أخبر بذلك رسول الله صلى عليه الله وسلم انظر نفس المصدر الجلالين. (2) انظر: الإسلام دين كامل للشيخ الأمين من ص 19-24، بتصرف بسيط.

المطلب الثاني: فيما شوهد من خير تطبيق القرآن الكريم في ماضي الأمة

المطلب الثاني: فيما شوهد من خير تطبيق القرآن الكريم في ماضي الأمة لقد بنى القرآن الكريم صرح دولته الشامخ على تقوى من الله تعالى ورضوان يرفرف عليها ظل الإسلام والإيمان والإحسان يعبد أهلها الله تعالى

وحده لا يشركون به شيئاً فقوى أساسها وعلا بنيانها وعز بفضل الله تعالى، جانبها فعاش الناس فيها بخير، قضى العمل بالقرآن الكريم على الرذيلة، ونمت به كل فضيلة فتراحم المسلمون فيما بينهم، وكانوا يداً واحدة على عدو الله تعالى وعدوهم واستراح القضاء فلم تكد توجد قضية يترافع الناس فيها إليه إلا على وجه الندور لمعرفة كل فرد بما له وما عليه، ولعمل كل ما أوحى الله تعالى في القرآن الكريم إليه. نعم كان إشعاع نور القرآن الكريم الأول قد انبثق، من جنبات مكة المكرمة وانتشر نوره متسارعاً إلى المدينة فاستنارت به ربوعها وسعدت بخيره أفرادها وجموعها. وواصل سيره الميمون حثيثاً، فجبلت قلوب عباد الله تعالى عليه ومن لم يصله، بعد سماعه به جاء هو راغباً إليه، فانشرحت به وله صدور العباد، فعم خيره ما إليه وصل نوره من البلاد، فلم ينتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى أصبحت للدين في الجزيرة العربية، الكلمة بدون منازع يذكر، ولا مناوئ في مدر ولا وبر. حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم "عن أن يجتمع في الجزيرة العربية دينان" الحديث (1) فلو لم تكن للإسلام الجولة، ولو لم يكن قد دالت له الدولة لما تأتَّى أن يقبل مزاحمة دين آخر، في جزيرة غاب عنها نور الوحي، أزماناً متطاولة كما قال الله تعالى ربى في الدلالة على صدق رسالة سيد الخلق ورسول الحق محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. وَمَا كُنْتَ

_ (1) ورد بذلك المعنى حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري رحمني الله تعالى وإياه، في إخراج اليهود والمشركين من جزيرة العرب 4/65-66. *المدر والوبر، كناية عن الحاضرة والبادية.

بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (44-46 القصص) (1) . ولم يمض سوى وقت قليل بالنسبة لما أنجز فيه أهل القرآن الكريم من أعمال الخير حتى أنفقت كنوز قيصر وكسرى (2) كنوز أعظم إمبراطوريتين في ذلك العصر في سبيل الله تعالى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (3) وذلك بعد فتح بلادهم وحلول الإسلام فيها محل الضلال ولم يمض سوى زمن يسير - بالنسبة لما حقق فيه أهل القرآن الكريم من فتوحات باهرة، توالت فيها عليهم من الله تعالى انتصارات باطنة وظاهرة - لم يمض سوى وقت قليل، حتى رفرفت راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أجزاء من هذا العالم واسعة، من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي ووسط أوربا غرباً. ومن وسط آسيا الصغرى شمالاً إلى السودان والصحراء الكبرى بأفريقيا جنوباً (4) .

_ (1) معاني بعض الألفاظ. (وما كنت) يا محمد صلى الله عليه وسلم (بجانب الغربي) الواد أو المكان القريب من موسى عليه الصلاة والسلام (إذ قضينا) أي أوحينا (إلى موسى الأمر) بالرسالة إلى فرعون (وما كنت من الشاهدين) لذلك فتعلمه. (فتطاول عليهم العمر) طالت أعمارهم فنسوا العلم وانقطع الوحي. ونسو العهد فجئنا بك يا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وأوحينا إليك خبر موسى عليه السلام (ثاوياً) مقيماً، (كنا مرسلين) لك وإليك بأخبار المتقدمين (وما كنت بجانب الطور) . الطور: الجبل (إذ نادينا) حين نادينا موسى عليه السلام، أن خذ الكتاب بقوة، ولكن (أرسلناك {رحمة من ربك} لأهل مكة {لعلهم يتذكرون} انظر المصدر السابق الجلالين بتصرف بسيط. (2) قيصر وكسرى، قيصر هو من ملك الروم وكسرى هو من ملك فارساً، وهذه اصطلاحات قديمة، ومثلها فرعون لمن ملك مصر، والنجاشي لمن ملك الحبشة والله تعالى رب العالمين أعلم سبحانه وتعالى وبحمده. (3) ورد بذلك المعنى حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم رحمني الله وإياه. برقم 1998. (4) انظر جوانب من تاريخ المسلمين. د. عبد الله محمد صالح العثيمين /6.

ورغم سعة هذه الدولة وترامى أطرافها، واختلاف أجناس وعادات وأعراف سكانها، فقد عم فيها خير العمل بالقرآن الكريم فعاش الناس في أمن واطمئنان وعز ورخاء فازدهرت الحركة العلمية فاستنارت عقول الناس وانتعش الاقتصاد فارتاحت من ضنك العيش حتى قال قائلهم وقد أظلته سحابه، اذهبي فحيثما أمطرت فخراجك لنا (1) فذابت فوارق العادات وانصهر اختلاف الرغبات في بوتقة العمل بالقرآن الكريم، حتى أصبح سلوك العربي والعجمي واحداً، يعبدون رباً واحداً، ويستسلمون لأمره ويبتعدون عن نهيه، فعاش الناس في ظل العمل بالقرآن الكريم في أرغد عيش في معاشهم، مع ما ينتظرون من سعادة عند الله تعالى في ميعادهم. ولم يكن الله تعالى ليغير ما بقوم حتى يكونوا هم الذين يغيرون على أنفسهم سنة الله تعالى التي لا تتبدل ونظامه الذي لا يتحول كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الأنفال: 53) وقال تعالى: {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً} (الفتح: 23) . وقد بدأ الإسلام - دينُ القرآن الكريم - رحلة اغتراب عن المسلمين، منذ أن بدؤوا هم في الاغتراب عنه واستمر البون بينهما يتسع والشق بين الإسلام والمسلمين يزيد فلا يرتقع، بقدر بعدهم عن القرآن الكريم، شيئاً فشيئاً حتى آل أمرهم إلى ما ترى، بان فيه صبح الحقيقة لذى عينين، فأصبحت دولة الإسلام دويلات، حين حلت الأنانية حباً للمناصب محل إنكار

_ (1) تروى عن الخليفة هارون الرشيد وهي مشتهرة على ألسنة المؤرخين.

الذات، في سبيل لم شعث المسلمين وجمع كلمتهم حول آيات القرآن الكريم البينات. فنزل الحق عن نصابه، ورفل الباطل المزيف، في ثيابه، وضاعت الأمانة وانتشرت الخيانة، وتفرقت كلمة المسلمين بعد اجتماعها، فتاه أكثرهم في بيداء الضلال، وانتشر فيهم الجهل، حتى لم يفرقوا بين حرام وحلال، فانفلت من أيديهم زمام القيادة، واصبحوا - إلا من رحم ربي منهم - تابعين فيما لا خير لهم فيه بعد أن كانوا متبوعين فيما فيه سعادة الدنيا والآخرة. فسار الإسلام عن أكثر أهله، مشّرقاً لما ساروا عنه مغربّين وشتان بين مشرّق ومغرّب. ومع ذلك، فلا تزال طائفة من أمة القرآن الكريم متمسكين به مهتدين بهديه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم قائمين لله تعالى بأمره منتهين عن نهيه يهتدون بالقرآن الكريم وبه يعدلون (1) . فعسى أن يتأسى بهم من خالفهم من المسلمين ويرجعوا إلى رشدهم بالعودة إلى القرآن الكريم والاهتداء بهديه القويم، فعندها سيرد الله تعالى لأمة الإسلام مكانتها العليا ويُعيدها إلى الخير، سيرتها الأولى. والله تعالى المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) كما ورد بذلك المعنى حديث قال فيه صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين" الحديث أخرجه البخاري 9/414 ومسلم.

المطلب الثالث: فيما هو مشاهد من أثر التمسك بالقرآن في حياة المسلمين اليوم

المطلب الثالث: فيما هو مشاهد من أثر التمسك بالقرآن في حياة المسلمين اليوم سبق أن تكلمت - أسأل الله تعالى مغفرته - عن أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما عاد عليهم ذلك التمسك به من نفع في حياتهم،

وما مكن الله تعالى لهم بسببه في الأرض، حتى أقاموا دولة انتشرت بالخير العميم، في القارات الثلاث المعروفة في ذلك الزمان، في وقت قصير جداً في أعمار الناس فضلاً عن أعمار الدول بالمقارنة بما أنجز فيه من أعمال خيّرة وإنجازات عظيمة. فأكل الناس في تلك الدولة في ظل القرآن الكريم والتمسك به - أكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، واستقام على الحق أمرهم، وثابوا بعد الضلال إلى رشدهم فسعدوا في معاشهم، وأملوا من ربنا تعالى بإتباع القرآن الكريم، الخير في معادهم. أما اليوم: وقد كادت غربة الإسلام تبلغ غايتها، والعزلة عن منهج القرآن الكريم تصل نهايتها فلا تكاد ترى للعمل به في حياة كثير من المسلمين أثراً، ويعز على المتأمل في حال أكثر المنتسبين إلى القرآن الكريم أن يرى له في سلوكهم نهياً ولا أمراً أما الحكم به بين عباد الله في معاملاتهم وأقضياتهم فيقل جداً، أن تعرف بينهم وبينه، في ذلك المجال، نسباً أو صهراً. وإن كان العمل بالقرآن الكريم يترك أثره الحسن على حياة الفرد والمجتمع ويورث سعادة الدنيا والآخرة، فإن هجره قد أورث صاحبه سلوكاً منحرفاً وشقاء عياذاً بالله تعالى فأفراد تلك المجمعات قد مُسخت شخصيتها وضلت في بيداء الضياع هويتها، وتخبطت حكوماتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في مسيرتها.

قال ربي الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 123-124) . وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} (الحج: 40-41) . ولئن تنكَّب كثير من الناس في هذا العصر، صراط القرآن المستقيم أفراداً وجماعات وحكومات، فاحترقوا في سعير المعاصي فتراهم صرعى في أودية الهلاك وغرقى في بحار الردى لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ولا يأمن إنسان على نفس ولا عرض ولا مال، إلا على وجه الندور، تراهم غرقى حيث اضطربت سفُن السياسة في بحار الردى بعواصف الخلافات المدمرة والأهواء المبعثرة التي لا يحدو أصحابها إلا حبُّ المناصب والرغبة في الظهور فيضطرب أمن البلاد والعباد وتلتهم نيران الجشع الأخضر واليابس مما فيها من خيرات واقتصاد، ويعم جنباتها الشرُّ والفساد. قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41) . إن كان الأمر كذلك، فإننا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد - بلاد المملكة العربية السعودية التي آثرت في نشأتها الخيرة الأولى أن تكون دولة تتفيأ ظلال القرآن الكريم رغبة منها - ولا أزكي على الله تعالى أحداً - في أن تنعم بما وعد الله تعالى به من تمسك بالقرآن الكريم، من سعادة في الدنيا والآخرة.

فأعلنت القرآن الكريم دستورها يتعلمه صغيرها وكبيرها، فلا تخلو منه مرحلة دارسية مطلقاً. بدءاً من رياض الأطفال - حتى الدكتوراه - وفتحت له المدارس الخاصة ودعمت الجمعيات الخيرية القائمة على تعليمه، في دورها الخاصة والمساجد في مختلف الأحياء، وقد أعطت طلاب مدارس تحفيظ القرآن الكريم عناية خاصة فأجرت لهم مكافآت شهرية، وأجرت بينهم المسابقات التي تنتهي بإعطاء مكافآت وشهادات للمتفوقين كل ذلك يصب في قالب حفز الطلاب على حفظ القرآن الكريم، وفي نفس الإطار قامت الدولة وتقوم بتنظيم مسابقات القرآن الكريم الدولية كل عام كما نظمت مسابقات في حفظ القرآن الكريم، أعطت الطلابَ في ذلك المجال، جوائزَ مالية ومعنوية كبيرة أعطاها بعض أمراء البلاد وفقني الله تعالى وإياهم للخير، مثل جائزة الأمير سلمان في هذا المجال وقد لا تسعف الذاكرة في هذه العجالة لاستقصاء جميع الجهود الخيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة كتاب الله تعالى، دراسة لنصه الكريم، وتفسيراً لمعناه العظيم لكن لا أنسى أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا أنسى ذينك المشروعين العملاقين اللذين توجت السعودية بهما عملها، في مجال خدمة القرآن الكريم. ألا وهما:

أولاً: مجمع الملك فهد ملك المملكة العربية السعودية وفقني الله وإياه للخير لطباعة المصحف الشريف الذي قام بطباعة المصحف الشريف طباعة حسنة، وبالروايات المقروء بها في أغلب أنحاء العالم الإسلامي اليوم - حفص، وورش وقالون (1) وقامت بتوزيعه في مختلف أنحاء العالم مستخدمة في ذلك سفارات السعودية وممثلاتها الدبلوماسية وغيرها من الوسائل لإيصال المصحف الشريف إلى يد كل مسلم حسب الاستطاعة. كما قام المجمع - وفقني الله تعالى والقائمين عليه للخير - بعمل تفاسير كتاب الله تعالى بمختلف اللغات، وعمل على توزيع ذلك على المسلمين داخل السعودية وخارجها. هذا وقد انبثق عن مجمع الملك فهد - في إطار خدمة كتاب الله تعالى - مركز خدمة السنة الذي تتضافر على القيام عليه، جهود من مجمع الملك فهد وأخرى من الجامعة الإسلامية، وقد قام بإنجازات في مجال مهمته ممتازة خدمت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ (1) الإمام حفص بن سليمان الكوفي صاحب عاصم ت 180هـ رحمني الله وإياه. انظر معرفة القراء الكبار، للذهبي 1/140هـ وغاية النهاية لابن الجزري 1/254 ورش: عثمان بن سعيد يلقب بورش، قرأ على نافع ت سنة 197 رحمني الله وإياه انظر القراء 1/152، وغاية النهاية 1/502 قالون: اسمه عيسى وكان ربيباً لنافع، ولقبه بقالون لجودة قراءته ت سنة 220 رحمني الله وإياه انظر معه القراء نفسه 1/155، وغاية النهاية نفسه 1/615.

ثانيهما: إذاعة القرآن الكريم تلك الإذاعة التي لا يسمع فيها إلا كتاب الله تعالى أو ما يؤخذ منه كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينير عقول المسلمين من تعليم أحكام فقهية أو آداب شرعية، أو فتوى في نور على الدرب، توضح للمسلم ما بشكل عليه من أمور دينه، أو سؤال على هاتف كذلك، أو لغة عربية يفهم بها القرآن الكريم أو نحو ذلك وإنها لتتعاون معها إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة، تلك الإذاعة التي تنادي إلى الإسلام، الناس كافة، وتدعوهم بدعايته، ليتعلموا منه ما جهلوا وتذكرهم من تعاليمه ما نسُّوا، لتقيم عليهم الحجة البالغة، وتوضح لهم به المحجة الواضحة، التي لا يزيغ عنها إلا هالك، أعوذ بالله تعالى من ذلك فإذا كان هذا بعض ما قامت به السعودية مما فعلت من رعاية لكتاب الله تعالى - ومهما فعلت هي أو غيرها للقرآن من رعاية فلن توفيه حقه - إذا كان ذلك كذلك فما أثر ذلك القيام للقرآن الكريم علماً وعملاً، وتعليماً - ما أثر ذلك في حياة المجتمع السعودي، وماذا جنت السعودية من ثمار بسبب تطبيقها لتعاليمه؟ أثر تطبيق المملكة العربية السعودية للقرآن الكريم في حياة مجتمعها: لقد أعلنت المملكة العربية السعودية، منذ أن تم الاتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود - رحمني الله تعالى وإياهما على إعلاء كلمة الله تعالى في هذه الجزيرة أعلنت بهذا العمل أن سياستها مستمدة من القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن إعلاء كلمة الله تعالى بالجهاد في سبيله لا تتأتى إلا بتحكيم القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع الأمور، واستمر الأمر كذلك، حتى عهد الملك عبد

العزيز - رحمني الله تعالى وإياه الذي ضرب الناس بعطنه (1) أوج تحكيم الشريعة الغراء في التاريخ المعاصر، فهاهي السعودية تعلن تحكيمها للقرآن الكريم في نفوس الناس وأموالهم وأعراضهم، وهاهي تستمد سياستها التعليمية، من تلك التعاليم السامية، فلا يتم الطالب التعليم الابتدائي، حتى يتعلم أغلب مراتب الدين، من إسلام وإيمان وإحسان وبعبارة أخرى حتى يتعلم معظم فروض الأعيان. ولا شك أن التعليم هو الذي ينير العقول، ويصقل الأذهان، فإذا كان أساس ذلك القرآن الكريم، استنار القلب بنور الوحي، فهداه الله تعالى به صراطاً سوياً. بعض مظاهر النعمة التي تعيشها السعودية في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية: تلك هي سياسة الدولة السعودية التعليمية، التي تتبعت وتتبع بها فلول الجهل، وشلت وتشُل بها ظلام الأمية. وتلك هي سياستها المزدانة بإتباع الشريعة الإسلامية، التي لم تتبعها أمة إلا تسنمت ذرى العز والفلاح، وتبوأت من الخير كل مكانة علية. فما مظاهر النعمة التي تنعم بها هذه البلاد - حرسني الله وإياها – في ظل استمداد سياستها من الشريعة الإسلامية، وتطبيقها أحكامها العظيمة السامية؟ إن مظاهر تلك النعمة لمتعددة ومتكاثرة، ولا يمكن استقصاؤها في هذه السطور المتناثرة، ولكن أذكر منها جملاً على سبيل التمثيل لا الحصر:

_ (1) ضرب الناس بعطنه، عبارة يقصد منها بلوغ الناس غاية مرادهم وحصولهم على أربهم.

فهل سألت نفسك أخي المسلم: ما أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على أحدٍ بعد نعمة الإيمان؟ - إن أعظم نعمة ينعم بها الله تعالى المنعِمُ على عبدٍ بعد نعمة الإيمان، هي التوفيق للعمل بشرعه الحنيف. فما أحسن دولة في هذا الميدان الحسن قد عرفها التاريخ المعاصر؟ - إنها السعودية، التي لو طوفت ما طوفت في هذه الأرض، لما وجدت – فيما أعلم - أحسن منها التزاماً بالسلوك الإسلامي القويم، والتمسك بأحكام الشرع الحكيم. فانظر إلى المساجد في أوقات الصلاة، تجدها مكتظة بالمصلين، وتجد الأسواق حولها، تكاد تقفر من المارين، لتوجه المصلين إلى بيوت رب العالمين. أما أن يبقى متجر مفتوح أثناء الصلاة، أو مكان واضح يقصده رجل في اتجاه، فذلك لا يكون بأرض السعودية - حرسني الله وإياها من كل رزية - لوقوف داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمرصاد لمن يخالف أمر الدين، فلا يشهد الصلاة مع المصلين فإما أن يشهد الرجل مع المسلمين الخير، أو يتوارى عن الأنظار في سراديب الاختفاء وهو ذليل حقير. هل نظرت في عصرنا الحاضر، الذي ماجت فيه الفتن في البوادي والحواضر إلى شارعٍ لا يُرى فيه النساء سافرات، ولا يرفع منه لأصوات الكنائس والصوامع والبيع مكبرات، ولا يبنى فيه لأماكن الدعارة والخمور حانات؟ - إن ذلك لعزيز في هذا العصر – إن لم يكن غير موجود – إلا في بلاد السعودية – وقاني الله وإياها كل بلية – فلا يُرَى شيء من ذلك – بحمد الله تعالى – بل نساء هذه البلاد محجَّبات مستورات، وإنْ رؤيت امرأةٌ هنا سافرة،

فليست من أهل تقاليد هذا البلد، بل شيطانة مارَّة مسافرة، لا يعبأ بها، ولا يحكم على خلق هذا البلد الطيِّب بسوء تصرفها، ولا بإهمال ولي أمرها إياها. أمَّا أن يُرْفَع لغير صوت الحق في السعودية - من كنيسة أو غيرها - منار أو يقر لغير داعي الهدى قرار، فهيهات هيهات - بحمد الله تعالى - بل مآذن الحق تُرْفَع هنا وهناك، فُتشَنَّف بآذانها الآذان في كل وقت ومكان، والحمد لله رب العالمين الحنَّان المنَّان. فما يُؤَسس أساس لمرفقٍ حيويٍّ أو غير حيوي إلا كان المسجد فيه أوَّل مبنى، ويستوي في ذلك المكانُ العام، والحيّ، والإدارات الحكومية المدني منها والعسكريّ، وحدائق النزهة، واستراحات المسافر من حضريّ وبدويِّ. وهكذا هيأت الدولة السعودية - كفاني الله وإياها كل رزية - للصلاة ما يقيم عمودها ويشد على أساس من التقوى عودَها، بما لم يُر له - حسب علمي - في عالم اليوم مثيل، فأعاننا الله تعالى وإياها على إقامة ما سواها من شعائر الدين، بمثل تلك الندرة في عالم زمانها. وقل مثل ذلك التوفيق في الزكاة، والصوم، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك. ولا غرابة إذا أنعم الله تعالى على هذه الدولة بالتوفيق لطاعته في جميع شعائر الدين لمَّا رَسَّت قواعد المحافظة على الصلاة بمثل ما تقدم. لا غرابة في ذلك، فإنَّ الصلاة عمود الدين، فمن أقامها أقام الدين كله، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. إنه مثال لا يقتضي حصراً، لما أنعم الله تعالى به على هذه البلاد بفضله تعالى، بتطبيقها شرع الله تعالى الحكيم أنْ وَفَّقَها لكُلِّ عملٍ صالحٍ، بما لم يعرف له اليوم نظير، غير مُزَك على الله تعالى أحداً.

ومن مظاهر النعمة التي تنعم بها هذه البلاد في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية الاستقرار السياسي: - فمن عرف ما في الشريعة من النهي عن الفتن الهوجاء، وكون الناس فوضى، لا سراة لهم ولا قائد يجمع تحت راية الحق شملهم، وما فيه من النهي الشديد عن الخروج على الإمام، ما لم يُرَ كفر بواح واضح مَن عرف ذلك كله أدرك سبب ما تعيشه هذه البلاد - بحمد الله تعالى - من استقرار سياسي، وهدوء إداري، خاصة إذا انضم إلى ذلك التحذير الشرعي الشديد من الفتن والخروج على الإمام، الترابطُ الشديد بين الحاكم والمحكوم، وبين القمة والقاعدة في ظل العدالة الإسلامية التي تعطي كل ذي حق حقه فإذا حصل ذلك، وجد الحق إلى نصابه طريقه، وأدرك كُلٌّ من الفرد والجماعة مراده ومطلبه وما من إشكال يقع فيه مجتمع، ولا رزية تبتلى بها أمَّة، أعظم من الاضطراب السياسي، وعدم الاستقرار الإداري، فالاستقرار السياسي هو القاعدة العريضة التي يبنى عليها صرح الحضارة بمختلف مقوماتها العلمية، والاقتصادية، والبشرية. وقد رسّخ تطبيق الشرع الحنيف في المملكة العربية السعودية، قاعدة عريضة من الاستقرار السياسي، فتفرغت الدولة - بحمد الله تعالى - للبناء الحضاري المثمر حتى ضرب الناس في ظل الإسلام بخير عطن، وعم نفع ذلك القاضي والداني، من هذا الوطن. الأمن: هل أنعم الله تعالى على أمة من الأمم - بعد الإيمان - والتوفيق للعمل الصالح بأعظم من نعمة الأمن؟ وتيسير سبل العيش؟

لم ينعم الله تعالى على عبده المؤمن الميسر له سبل الإطعام من الجوع، بأعظم من نعمة الأمن. فمن أمِنَ، عَبَدَ الله تعالى كما أمره ومن أمِنَ، استجمع قوى فكره وطاقات عقله، ووجهها للبناء المثمر، والعمل الهادف. أمَّا الخائف - عياذاً بالله تعالى - فيطيش عقله، وينخلع لبه، ويكون كُلُّ همه أن يأمن الضرر على نفسه وأهله وماله. أما أن يهتدي - مع الخوف - إلى عمل يتقنه، أو بناء حضارة ينجزه، فهيهات هيهات. فالعنصر الأصيل في عمارة الأرض بالخيرات هو الطعام والأمن، فكما لا يستغني الجسم عن الطعام، فلا تستغني النفس عن الأمن. ولذا امتن الله تعالى على عباده بهاتين النعمتين في معرض إقامة الحجة عليهم، مع أنه ما بهم من نعمةٍ إلا وهو تعالى مسديها إليهم. قال تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (سورة قريش) . نعم، ما أعظمهما من نعمتين مقيمتين الحجة بأعظم برهان، على وجوب عبادة من أنعم بهما، سبحان الله تعالى ربي وبحمده. إذا عرف ذلك، فاعلم أنه لم ينعم على أمة من الأمم بأمن في التاريخ الحديث بمثل ما نعمت به الدولة السعودية في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك عن طريق الوقاية والعلاج: - الوقاية بالتوعية الإسلامية الحثيثة، ممثلة في نشر علم دين الله تعالى الحنيف عن طريق الدراسة النظامية في المناهج الدراسية المعدة بخطط مهيأة.

وكذا بالخطب في المساجد، واللقاءات العامة في المدارس ومختلف المؤسسات الدعوية، وعن طريق المحاضرات والندوات في مختلف الأماكن العامة والخاصة. فإذا وعى المسلم دينه، قوي إيمانه، فرغب فيما رغَّب فيه الشرع الحنيف ورهب مما رهّب منه، فأصبح مصدر أمن وأمان، وأمنه الناس على كل شيء. - أما العلاج، فبإقامة حدود الله تعالى على كل من بسط لسانه أو يده بالسوء ليؤذي عباد الله تعالى، في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، فيجد الجزاء الشرعي الرَّادع الذي يوقفه عند حده، ويقي المسلمين من شره وما يكيده لهم في شدِّه وعده. وهكذا وفرت المملكة العربية السعودية - بفضل الله تعالى - الأمن لمواطنيها، وللمقيمين بها ومرتاديها، فعم الخير والعطاء والنفع جميع أراضيها. هذه دعوى، والدعاوى إن لم تكن بينات فأبناؤها أدعياء، فأين الأمن في هذه البلاد؟ وقاني الله وإياها شر الحاضر والباد؟ أخي: ألا ترى الأمن الفكري؟ ألا ترى الأمن النفسي على الأرواح والأموال والأعراض؟ بل وانظر أي شيء يخاف عليه الإنسان، تجده مؤمناً عليه في هذه البلاد، بفضل الله تعالى رب العباد. أما الأمن الفكري فإن ما يشيع في ربوع هذه البلاد من نور العلم الإسلامي المشتمل على العقيدة الصافية، والأوامر والنواهي الإلهية - حمى الله تعالى بها العقول والأفكار من المبادئ الهدامة، من مختلف مصادر الضلال، فقد اجتثت ما نبت من جذور الشرك، لما عرف الناس بنور العلم، الحرام والحلال فحوربت البدعة والخرافة والشعوذة بشتى صورها، فإن باتت مختفية، فما ظلت، بل طوردت حيثما في هذه الديار حلت.

وبذلك أمن الناس على أفكارهم فما تنطلي عليهم الأمور، ولا يغرهم في متاهات الانحراف الفكري والارتكاس العقلي الغرور. وأما الأمن النفسي، فَحَدِّث - بحمد الله تعالى - ولا حرج، فقد أمن الناس في الديار السعودية - حرسني الله وإياها من كل أذية - أمنوا على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وغير ذلك بما لم يأمن به أحد في هذا التاريخ - حسب علمي. ففي الوقت الذي لا تكاد تستخبر وسيلة إعلام عن جهة من جهات العالم إلا وقعت عينك على جريمة تقشعر لها الأبدان، أو قرع سمعك منكر تهتز له الأركان، أو امتلأ قلبك حزناً لما يرى ويسمع، مما يقاسيه من الويلات بنو الإنسان. ففي الوقت نفسه يعيش الناس هنا - في السعودية - في أمن وأمان، ويتفيأون ظلال الخير والإحسان. متى كان الراكب أو الماشي في هذا العصر، يغدو ويروح في حواضر وبوادي هذه الديار، لا يخشى إلا الله تعالى، أو الذئب على غنمه إن كانت؟ لم يعرف ذلك إلا في العهد السعودي الميمون. سل أحد المسافرين الذين يجوبون الديار السعودية - حرسني الله وإياها من كل بلية - يحملون معهم المال والعيال وكل ما يحتاج إليه فهل يعكر صفو سفرهم خوف من لص غادر أو مستبد كاسر؟ لا - ولله الحمد - بل قضى رحلته الميمونة في ظلال من الأمن والنعم الوارفة حتى عاد بنفس مطمئنة غير خائفة. سل أصحاب المتاجر العامرة، أو محلات المجوهرات المتكاثرة: هل يحتاج أحدهم في إغلاق محله بأكثر من قطعة قماش يضفيها على واجهة محله تُشعر الغادي أو الرائح بأن صاحبه غير موجود؟

لن يحتاج في ديار السعودية لأكثر من ذلك، ولن تمتد لشيء من ذلك إلا يد هالك. فقد حرس الديار والدكان الحكم السعودي بما أقام للإسلام من حدود. سل أولئك الحجاج وهؤلاء المعتمرين: من ذا أمَّن لهم به الله تعالى بعد الخوف، السبيل، وأقام بعد الجهل على معالم الهدى والخير كل دليل، ووفر لهم بعد الجوع والعطش، مختلف ما يحتاج إليه من أنواع الطعام وصنوف الفواكه، وأجرى لهم بما لا تكدره الدلاء، الماء العذب السلسبيل، وسهل لهم إلى بلوغ كل ما يريدونه من عبادة في يسر وراحة وهدوء، كل صعب وذليل؟ - إنها الدولة السعودية - حرسني الله وإياها من كل بلية، وجعلني وإياها من خير البرية. سل المواطن السعودي: هل سمعت في البلاد بأمن فكري ونفسي، واستقرار في رغد من العيش بأحسن مما تعيشه في بلادك؟ ولا شك أن إجابته ستكون: لا. وسل المقيم في هذه الديار: متى تضع عن عاتقك من الخوف عصا التسيار، ويستقر بك على نفسك وأهلك ومالك القرار. ولا شك أن إجابته ستكون بأنه لا يجد تلك النعمة، إلا في الديار السعودية - حرسها الله تعالى وإيانا من كل رزية، وجعلنا وإياها في كل حالة مرضية. هذه تفاريق ومشاهد، مما حصدته وتحصده السعودية من ثمار جنتها من غراس تطبيقها للشريعة الإسلامية، وما ذكرته قليل من كثير، وسح من غدق، وليس هو بغريب، ولا بدعاً من السنن الكونية والنسق، أن يحسن الله تعالى لمن أحسن بطاعته في أرضه الخلافة على كل حال ولشرعه طبَّق.

هذا بعض ما تفيأته المملكة العربية السعودية من خير، في ظلال تطبيقها الشريعة الإسلامية، فرفرف عليها باليمن والبركة والسعادة، علم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبارك الله تعالى في نواحيها، وفضلها على دول زمانها وكرم، ولا أزكي على الله تعالى أحداً، فهو ربنا وهو حسبنا ونعم الوكيل. وإن مما جنته السعودية من ثمار تطبيق القرآن الكريم أن أكسبها حب واحترام المسلمين، وذلك لما وجدوا فيها من التزام بشرع ربها وربهم ومحبةٍ لهم وسعي في مصالحهم، وعونٍ على إنجاح قضاياهم الدولية والمحلية وسرعة لنجدة منكوبيهم، وخدمة للحرمين الشريفين، مهوى أفئدتهم، وإيصال الخير والنفع المادي والمعنوي، إلى بلادهم، والاهتمام بأمورهم، العامة والخاصة، حتى غدت السعودية بحق مستحقة لأن تكنى في التاريخ المعاصر، بأم المسلمين الرؤوم، ولو أَجلْت خاطرك في حال السعودية مع المسلمين لبدا لك صبح الحقيقة وعرفت أن ذلك لا ينكره إلا مكابرٌ أعمى عينيه عن الحقائق حسد أجّج في صدره نارَه، أو مغفلٌ أرخى الجهل بالحقائق على عقله أستاره هكذا أحسب السعودية والله تعالى حسيبها، ولا أزكى على الله تعالى، أحداً، فهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل (1) . وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

_ (1) انظر بحث أسئلة عن الخير في سطور جوابها السعودية عبر العصور للمؤلف عفا الله عنه بمنه ص 83 فما بعدها.

الخاتمة

الخاتمة: اللهم اختم بالسعادة آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا يا كريم آمين. لقد عشت بحمد الله تعالى في بعض جنبات هذا الموضوع الحيوي الذي يتجاذب الإنسان في دراسته شعوران متباينان، شعور بالأسى والحزن، يرثى فيه المسلم لحال أغلب المسلمين وما آل إليه أمرهم في الماضي والحاضر، بسبب بعدهم عن تحكيم كتاب الله تعالى. وشعور بالفرح والسرور، عندما يتذكر الإنسان وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه، لا تزال طائفة من أمته صلى الله عليه وسلم، على الحق ظاهرين لا يضرهم، من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله تعالى. ولكن لن يكونوا كذلك، إلا إذا حكموا القرآن فتعلموه وعملوا به. فيبعث ذلك الحديث في النفس بارقة أمل بِعَوْدِ المسلمين إلى القرآن الكريم، عوداً حميداً خاصة أنهم يشاهدون ما ينعم به بعضهم بحمد الله تعالى، من نعم في ظل تحكيم القرآن الكريم من رغدٍ في العيش وأمن من خوف، وراحة في البال، كما هو حاصل في الديار السعودية حرسني الله تعالى وإياها بالإسلام وزادني وإياها من فضله في ظل تحكيمه، فعسى - بنظرة إلى حالها الطيب، أن يغبطها، من تنكب صراط القرآن الكريم السوي، فعاش لتنكبه ذلك معيشة ضنكا، فأنَّ تحت كلكل الخوف، وضاجع بألم شبح الجوع المزعج واضطربت أوضاعه السياسية والاجتماعية.

ألا فقد طال اغتراب أكثر المسلمين عن العمل بالقرآن الكريم حتى حنَّ رواحل القلوب إليه، وتأججت في النفوس نيران الشوق إليه، فهل يا ترى يهتدي إلى القرآن الكريم، الغاوون من ضلالتهم ويثوب السفهاء المعرضون عنه إلى رشدهم؟ عسى أن يكون قريباً! هذا وقد انتهيت من هذا البحث جعله الله تعالى خيراً - إلى نتائج أهمها:- 1- أن القرآن الكريم: كلام الله تعالى الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بأقصر سورةٍ منه، المبدوء بالحمد لله رب العالمين المختوم،بآية -الجنة والناس- المحفوظ في الصدور، المكتوب بالمصاحف، المحفوظ بحفظ الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) 2- يكفي في ذكر ما يدل على فضل القرآن الكريم أنه كلام الله تعالى وأنه منزل على أفضل الرسل عليهم جميعاً الصلاة والسلام، لهداية خير الأمم. ومع ذلك فقد وردت في فضله جملة وتفصيلاً أحاديث وآثار كثيرة جداً. 3- أن التمسك بالقرآن الكريم هو الإيمان به وتعلمه والعمل به والدعوة إلى ذلك والصبر على ذلك. 4- من التمسك بالقرآن الكريم، التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لدلالة القرآن على ذلك. 5- من ادعى أنه من أهل القرآن الكريم مع رده سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعواه باطلة.

6- من أهم ما يدل على التمسك بالقرآن الكريم الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة حتى تُعمر أرض الله تعالى بطاعته فيها. 7- من تمسك بالقرآن الكريم سعد في الدنيا والآخرة. 8- من تمسك بالقرآن الكريم، مكن الله تعالى له في الأرض، لأن {الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128) . 9- من تمسك بالقرآن الكريم وما فيه من البيان استطاع - بعون الله تعالى إقامة دولة ثابتة الأركان شامخة البنيان، لأن القرآن الكريم تبيان لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يوقنون. ولأن كل شيء، فصله الله تعالى فيه تفصيلاً، ولأنه تعالى، ما فرط في الكتاب من شيء. ومن ذلك بيان مقومات قيام الدولة الإسلامية الشامخة. 10- إن سبب ضعف المسلمين هو تفرق كلمتهم، فيتسلط عليهم عدوهم. 11- إن علاج ذلك، هو الإقبال على الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه. 12- لم يحل بالمسلمين ما حل بهم إلا بسبب بعدهم عن القرآن الكريم. 13- بشائر الخير بعودة المسلمين إلى القرآن الكريم لا تزال تلوح في الأفق بوارقها، وتهتف بالقلوب الحية هواتفها مما يبعث في الأمة أملاً جديداً، بعودتها إلى ماضي عزها، وتبوئها، من القيادة للعالم إلى الخيرات، مقعدها.

هذا وبالله تعالى التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل وهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر أ- القرآن الكريم ب- مصادر علوم القرآن 1- الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. ت 911. ط. دار الكتب العلمية. بيروت. 2- تفسير الجلالين. لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي بهامش القرآن الكريم. ط دار الكتب العلمية - بيروت. 3- التفسير الميسر لنخبة من العلماء. بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. 4- تفسير الطبري بحاشية المصحف الشريف باختصار (محمد المعلم) 5- الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري القرطبي ت 671. ط دار الكتب العلمية ج- مصادر الحديث الشريف 1- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 ط. مكتبة الرياض الحديثة. 2- سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279 ط. مطبعة الفجالة الجديدة. 3- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ت 256 ط. المكتبة الإسلامية بإصطنبول.

4- فتح الباري بشرح صحيح البخاري للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 المطبعة السلفية. 5- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين على الهندي ت 975ط. مؤسسة الرسالة. 6- مسند الشاميين من مسند الإمام أحمد بن حنبل ضبط أحاديثه وخرجها وبين درجتها وعلق عليها عند الحاجة الدكتور على محمد حجاز. 7- مختصر صحيح مسلم لزكي الدين عبد العظيم المنذري ط. المكتب الإسلامي. د- مصادر أصول الفقه 1- المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعلي بن محمد المعروف بابن اللحام. تحقيق د. محمد مظهر. ط مطابع جامعة الملك عبد العزيز. مكة المكرمة. 2-مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للإمام ابن قدامة. تأليف العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. رحمني الله تعالى وإياهما. تحقيق أبي حفص سامي العربي. دار اليقين. هـ – مصادر اللغة والتراجم والثقافة 1- غاية النهاية لمحمد بن محمد بن الجزري ت 833.ط دار الكتب العلمية. 2- معرفة القراء الكبار لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت 748 ط مؤسسة الرسالة 3- مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي ت 666 دار ابن كثير. دمشق - بيروت. 4- أسئلة عن الخبر في سطور جوابها السعودية عبر العصور. تأليف الأستاذ: عبد الله بن عمر محمد الأمين الشنقيطي.

§1/1